You are on page 1of 11

‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين‬
‫بالنيات و ّإنما ل ّکل امرئ ما نوی‬
‫ّإنما األعمال ّ‬
‫ملخص شبهات حول السنة‬
‫ّ‬
‫مع فضيلة الدكتور ‪ :‬عماد السيد محمد الشربيني حفظه الله‪.‬‬

‫المحاضرة األولى‪ ٧( :‬من أبريل ‪)٠٢٠٢‬‬


‫المحاضرة الثانية‪ ٢٤( :‬من أبريل ‪)٠٢٠٢‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬دفع شبهات حول رواة السنة وأئمتها األعالم‬
‫المطلب األول‪ :‬الرد على دعوى تقصير المحدثين في نقدهم للمتن‪.‬‬
‫يقول األستاذ الصديق بشير ‪ " :‬وسبب فساد هذا الزعم لو أحسنا الظن بقائليه من المستشرقين ؛ أن المنهج النقدي لألخبار‬
‫عند الغربيين منصب على المتن وحده ولم ينل السند عندهم كبير نصيب ألنهم ال يعولون عليه وإن تكلموا عن السند فال‬
‫يتعدى بعض المفاهيم النظرية التي ليس لها رصيد في واقعهم النقدي وذلك مخالف للمنهج النقدي عند المسلمين فقد طبق‬
‫عملية بشكل واسع ومنقطع النظير وهي قفزة عريضة لم يصل إليها األوربيون حتى اليوم وأنى لهم ذلك وأخبارهم القديمة‬
‫منقطعة األسانيد قد يئسوا أن يصلوها‪.‬‬
‫ويبدو تهافت دعوی تقصير المحدثين في نقدهم للمتن بما اشترطه أصحاب الحديث لصحة الخبر‪ ،‬وبما وضعوه من عالمات‬
‫يعرف بها وضع الخبر‪.‬‬
‫وكيف يهملون ضبط المتن وما قام علم الحديث دراية إال لخدمة علم الحديث رواية ! ‪.‬‬
‫وبتعبير آخر ما كانت علوم الحديث بأسرها إال لضمان ضبط المتن‪ ،‬والتأكد من صحة نسبته إلى النبي ﷺ‪.‬‬
‫وال نبالغ إذا قلنا أن الشروط الخمسة التي وضعها علماء الحديث لصحة الخبر‪ ،‬كلها شروط لضبط المتن‪ ،‬وما يبدو من‬
‫ظاهر الشروط لضبط السند‪ ،‬هو في حقيقة األمر يتعلق بالمتن ظاه ار وباطنا‪ .‬فالشروط الثالثة األولى لصحة الخبر وهي اتصال‬
‫السند وعدالة الراوي وضبط الراوي هي في الظاهر شروط خاصة بضبط السند‪ .‬وفي الحقيقة أن فقدان أي شرط منهم يخل بضبط المتن‪.‬‬
‫‪ .2‬ألن عدم اتصال السند ينتج عنه أنواع من الحديث الضعيف ‪ :‬المنقطع والمعضل والمعلق والمدلس والمرسل وكلها‬
‫تخل بصحة المتن‪.‬‬
‫‪ .0‬وفقدان عدالة الراوي ينتج عنها من الحديث الضعيف المخل بضبط المتن الموضوع والمتروك والمنكر‪.‬‬
‫‪ .3‬وفقدان ضبط الراوي ينتج عنه من أنواع الضعيف المخل بضبط المتن ‪ :‬المدرج والمقلوب والمضطرب والمصحف‬
‫والمحرف وغير ذلك‪.‬‬
‫فماذا بقي من شروط صحة الخبر سوى شرطي عدم الشذوذ وعدم العلة وفقدهما ينتج عنهما الحديث الشاذ والمعلل وهما‬
‫يخالن بضبط المتن‪.‬‬

‫إن علماءنا لم يفرقوا هذا التفريق الظاهر بين نقدهم لسند الحديث‪ ،‬ونقدهم للمتن وليس أدل على ذلك ما قرروه من أنه ال‬
‫تالزم بين صحة السند وصحة المتن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫ولبيان أن المحدثين لم يفرقوا بين السند والمتن التفريق الظاهر في مباحثهم وأن كالمهم على السند هو كالم عن المتن ومن‬
‫أجله نذكر بعض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ .2‬منها زيادة الثقات ‪ :‬فهي كما ال يخفى ترتبط بالمتن ألنها زيادة تط أر عليه من راو ثقة‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬وزيادة راويها ‪-‬أي الصحيح والحسن ‪ -‬مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة ألن الزيادة‬
‫إما أن تكون ال تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها فهذه تقبل مطلقاً ألنها في حکم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة وال يرويه‬
‫عن شيخه غيره‪.‬‬
‫وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية األخرى فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها فيقبل الراجح ويرد‬
‫المرجوح‪".‬‬
‫الصالة لوْقتها ‪" .‬زاد الحسن بن مكرم وبندار بن‬
‫ومثل لذلك بحديث ابن مسعود أنه قال ‪ :‬سألت رسول الله ‪ :‬ﷺ أي اْلعمل أ ْفضل قال َّ‬
‫بشار في روايتهما ‪ " :‬في أول وقتها " وصححها الحاكم وغيره‪ .‬وهي مقبولة فهل الكالم على السند هنا إال لضبط المتن وأجله‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .0‬ومنه " المص َّحف " ‪ :‬وهو الذي وقع فيه تصحيف ويكون في اإلسناد والمتن‪ .‬ومن الثاني حديث ‪" :‬احتجر رسول َّ‬
‫الله ﷺ في‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫في المعنى كمن سمع خطيباً‬ ‫يكون‬ ‫صحفه بعضهم بقوله ‪ " :‬احتجم " وهذا القسم من تصحيف اللفظ وقد‬‫ّ‬ ‫َّ‬
‫اْلم ْسجد ‪ .‬أي اتخذ ح ْجرةً‬
‫يروي حديث " ال ي ْدخل اْلجَّنة قتَّا ٌت " فبكى وقال ‪ :‬ما الذي أصنع وليست لي حرفة سوى بيع القت ؟ يعني الذي يعلف الدواب "‪.‬‬

‫ومن نماذج سبر المحدثين المتن في نقدهم للحديث خبر وضع الجزية عن يهود خيبر‪ ،‬وهو ما حكاه غير واحد من العلماء؛‬
‫كالحافظ السبکي وابن كثير والسخاوي " أن بعض اليهود أظهروا كتاباً وادعوا أنه كتاب رسول الله ﷺ بإسقاط الجزية عن أهل خيبر‬
‫وفيه شهادة بعض الصحابة رضي الله عنهم وذكروا أن خط علي رضي الله عنه عليه‪ .‬وحمل الكتاب في سنة سبع وأربعين وأربعمائة‬
‫إلى رئيس الرؤساء أبي القاسم علي بن الحسن وزير القائم بأمر الله الخليفة العباسي فعرضه رئيس الرؤساء على الحافظ الخطيب‬
‫البغدادي فتأمله ثم قال ‪ :‬هذا مزور‪ .‬فقيل له ‪ :‬من أين لك هذا ؟ قال ‪ :‬فيه شهادة معاوية وهو إنما أسلم عام الفتح سنة ثمان من‬
‫الهجرة وفتح خيبر كان في سنة سبع ولم يكن معاوية مسلماً في ذلك الوقت وال حضر ۔ ما جرى في خيبر وفيه شهادة سعد بن معاذ‬
‫وهو قد مات في سنة خمس في يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين فاستحسن ذلك منه رئيس الرؤساء واعتمده وأمضاه ولم يجز‬
‫اليهود على ما في الكتاب لظهور تزويره وبطالنه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الرد على دعوى أن األصل في الحديث روايته بالمعنى‪.‬‬


‫للعلماء في رواية الحديث بالمعنى مذاهب عدة نستخلص منها مذهبين ‪:‬‬
‫المذهب األول ‪ :‬أن رواية الحديث بالمعنى‬
‫ال تجوز لمن ال يعلم مدلول األلفاظ في اللسان العربي ومقاصدها وما يحيل معناها والمحتمل من غيره والمرادف منها وذلك‬
‫على وجه الوجوب بال خالف بين العلماء ألن من اتصف بذلك ال يؤمن بتغييره من الخلل ووجب على من هذا حاله أن يروي الحديث‬
‫باأللفاظ التي سمع بها مقتص اًر عليها بدون تقديم وال تأخير وال زيادة وال نقص لحرف فأكثر وال إبدال حرف أو أكثر بغيره وال َّ‬
‫مشدد‬
‫بمثقل أو عکسه؛ " إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم بالجهالة وتصرف على غير حقيقة في أصول الشريعة وتقو ٌل على الله ورسوله بما‬
‫لم يحط به علماً "‬

‫‪2‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫ير بمقادير التفاوت بينهما فاختلف فيه السلف وأصحاب‬


‫أما من كان عالما باأللفاظ ومدلوالتها ومقاصدها خبي ار بما يحيل معانيها بص ا‬
‫الحديث وأرباب الفقه واألصول فالمعظم منهم أجاز له الرواية بالمعنى إذا كان قاطعاً بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه سواء في ذلك‬
‫الحديث المرفوع أو غيره‪.‬‬

‫المذهب الثاني ‪ :‬المنع من الرواية بالمعنى مطلقاً بل يجب نقل اللفظ بصورته من غير فرق بين عارف بمعاني األلفاظ أو غير‬
‫عارف وهو مذهب كثير من السلف وأهل التحري في الحديث وهو مذهب اإلمام مالك ومعظم المحدثين وهو مذهب الظاهرية‪.‬‬
‫وهنا يظهر لنا جليا أن األصل في رواية الحديث روايته باللفظ للعالم باأللفاظ ومدلوالتها وغيره‪ ،‬والفرع هو الترخص في‬
‫الرواية بالمعنى (ولكن بشروط) للعالم دون غيره‪ .‬وهذا هو خالصة المذهب األول‪ ،‬وهو المختار عند الجمهور من السلف‬
‫وأصحاب الحديث‪ ،‬والفقه واألصول واختاره منهم اآلمدي وقال ‪ :‬ويدل عليه النص‪ ،‬واإلجماع واألثر‪ ،‬والمعقول‪.‬‬
‫أما النص ‪ :‬فإن النبي ﷺ كان مقر اًر آلحاد رسله إلى البالد في إبالغ أوامره ونواهيه بلغة المبعوث إليهم دون لفظه ﷺ وهو‬
‫دليل الجواز‪.‬‬
‫الش ِ‬
‫اهُد‬ ‫وأيضا ‪ :‬فإن النبي ﷺ أمر أصحابه بتبليغ سنته المطهرة في حياته وبعد وفاته في أحاديث كثيرة منها ‪ " :‬أََال لُِيَبلِ ْغ َّ‬
‫ض َم ْن َس ِم َع ُه "‪.‬‬ ‫َن َي ُكو َن أ َْو َعى َل ُه ِم ْن َب ْع ِ‬ ‫اْل َغ ِائ َب َفَل َع َّل َب ْع َ‬
‫ض َم ْن ُيَبَّل ُغ ُه أ ْ‬
‫آن َفْلَي ْم ُح ُه َو َح ِد ُثوا‬
‫هذا في الوقت الذي كان فيه النهي عن كتابة السنة المطهرة ‪َ " :‬ال َت ْك ُتُبوا َعِني َوم ْن َك َت َب َعِني َغْيَر اْلُقْر ِ‬
‫َ‬
‫َعِني َوَال َحَر َج َو َم ْن َك َذ َب َعَل َّي ُم َت َع ِمدا َفْلَي َتَب َّوْأ َم ْق َع َد ُه ِم ْن َّ‬
‫الن ِار "‬

‫ويدل أيضا على أن المقصود من السنة المعنى دون اللفظ (إجابة الفقهاء) ‪ ،‬ما قاله اإلمام اآلمدي ‪ " :‬أن النبي ﷺ كان يذكر‬
‫المعنى في المرات المتعددة بألفاظ مختلفة بل المقصود إنما هو المعنى ومع حصول المعنى فال أثر الختالف اللفظ وهذا‬
‫أحد وجوه دليل العقل التي استشهد بها اآلمدي‪.‬‬
‫وهذا المقصود كان يعيه الصحابة جيدا‪ ،‬وحرصوا على تعليمه لمن بعدهم‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما روي عن أبي نضرة أنه قال ‪ :‬قلت ألبي سعيد الخدري رضي الله عنه ‪ :‬إنك تحدثنا عن رسول الله ﷺ‬
‫حديثاً عجيباً وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص‪ ،‬قال ‪ :‬أردتم أن تجعلوه قرآنا ال‪ ،‬ال‪ ،‬ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن رسول‬
‫الله ﷺ‪.‬‬

‫ويدل على ذلك روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة من غير إنكار من أحد منهم ‪ ،‬فكان إجماعا تصير به الحجة ‪ .‬ويشهد‬
‫لصحة ذلك أيضا الرخصة في قراءة القرآن الكريم على سبعة أحرف‪.‬‬

‫ومن أقوى الحجج ‪ :‬کما قاله الحافظ ابن حجر ما حكاه الخطيب البغدادي من ‪ " :‬اتفاق األمة من جواز شرح الشريعة للعجم‬
‫بلسانهم للعارف به‪ ،‬فإذا جاز اإلبدال بلغة أخرى‪ ،‬فجوازه باللغة العربية أولى "‪ .‬وهذا هو أحد وجوه أدلة العقل التي استشهد‬
‫بها اآلمدي في اإلحكام ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫ام ِل ِف ْق ٍه‬
‫ظ ُه حَّتى يبلِ َغ ُه َفر َّب ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ َ‬ ‫امَأر َسم َع مَّنا َحديثا َف َحف َ َ ُ َ‬
‫فإن قيل ‪ :‬إن هذه األدلة السابقة معارضة لقول النبي ﷺ ‪َ " :‬ن َّضَر الل ُه ْ‬
‫س ِب َف ِقي ٍه "‪ .‬ومعارض لقوله ﷺ للبراء بن عازب رضي الله عنه لما استذكر دعاء‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإَلى َم ْن ُه َو أَفَْق ُه مْن ُه َوُر َّب َحام ِل ف ْق ٍه َلْي َ‬
‫آمْن ُت ِبَنِبِي َك َّال ِذي أَْر َسْل َت "‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمْن ُت بَر ُسولِ َك الذي أَْر َسْل َت َق َ‬
‫ال ُق ْل َ‬ ‫النوم قائالً ‪َ " :‬‬
‫أجيب عن الحديث األول ‪ :‬من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬القول بموجبه وذلك ألن من نقل معنى اللفظ من غير زيادة وال نقصان يصح أن يقال أدى ما سمع کما سمع‬
‫ولهذا يقال لمن ترجم لغة إلى لغة ولم يغير المعنى أدى ما سمع کما سمع‪.‬‬
‫ويدل على أن المراد من الخبر إنما هو نقل المعنى دون اللفظ ما ذكره الخبر من التعليل وهو اختالف الناس في الفقه إذ هو‬
‫المؤثر في اختالف المعنى‪ .‬وأما األلفاظ التي ال يختلف اجتهاد الناس في قيام بعضها مقام بعض فذلك مما يستوي فيه الفقيه‬
‫واألفقه ومن ليس بفقيه وال يكون مؤث اًر في تغيير المعنى‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أن هذا الخبر بعينه يدل على جواز نقل الخبر بالمعنى دون اللفظ ألن رواة هذا الخبر نفسه قد رووه على‬
‫المعنى فقال بعضهم ‪(:‬رحم الله) مکان (نضر الله) ومن روي (من سمع) بدل (ام أر سمع)‪ .‬وروي (مقالتي) بدل (منا‬
‫حديثا) (وبلغه) مکان (أداه) وروی ( َفر َّب مبَّلغ أَ ْفَق ُه ِم ْن مبلِغ) مکان ( َفر َّب مبَّلغ أَوعى ِم ْن س ِ‬
‫ام ٍع)‪ .‬وألفاظ سوی هذه متغايرة‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ ٍ ْ َ‬ ‫َُ ٍ‬ ‫ُ َُ ٍ‬
‫تضمنها هذا الخبر‪ .‬فالظاهر يدل على أن هذا الخبر نقل على المعنى‪ ،‬فلذلك اختلفت ألفاظه‪ ،‬وإن كان معناها واحدا‪.‬‬
‫فالحديث حجة لنا ال علينا‪.‬‬
‫أما الحديث الثاني " َال َوَنِبَّي َك " ‪ :‬ففي االستدالل به نظر؛ الحتمال أن يكون المنع ؛ لكونها ألفاظ أذكار توفيقية ولها‬
‫خصائص وأسرار ال يدخلها القياس فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به "‪ .‬أو لعله أراد أن يجمع بين الوصفين في‬
‫موضع واحد وال شك أنه ﷺ نبي مرسل فهو إذن أكمل فائدة وذلك يفوت بقوله ‪ ( :‬برسولك َّالذي أ ْرسْلت )‪.‬‬
‫وأيضاً فالبالغة مقتضية لذلك لعدم تكرار اللفظ لوصف واحد فيه زاد بعضهم أو الختالف المعنی ألن برسولك يدخل جبريل‬
‫وغيره من المالئكة الذين ليسوا بأنبياء! "‬

‫وحتى مع التسليم بأن األصل هو الرواية بالمعنى‪ ،‬فلسنا نرى أن الرواية بالمعنى ُتفضي إلى النتائج الخطيرة التي يزعمها‬
‫دعاة اإللحاد؛ ألن اختالف ألفاظ األحاديث ال يرجع إلى الرواية بالمعنى وحدها‪ ،‬بل يرجع إلى رسول الله ﷺ‪ ،‬الذي كانت‬
‫تختلف ألفاظه بتعدد األزمنة واألمكنة‪ ،‬والحوادث واألحوال‪ ،‬والسامعين والمستفتين‪ ،‬والمتخاصمين والمتقاضين‪ ،‬والوافدين‪.‬‬

‫(خالصة القول) ومن أجل ذلك كله نستطيع أن نقول ونحن مطمئنون‪ " :‬إن الرواية بالمعنى لم يكن لها أثر في ثبوت السنة‬
‫وحجيتها ولم تفض إلى النتائج الخطيرة التي يزعمها دعاة اإللحاد ألنها كانت قبل فساد اللسان العربي من صحابة عايشوا‬
‫الوحي وتنزالته وخالطوا صاحب الشرع ﷺ ومن أئمة كبار في اللغة والشرع معاً وكانوا يرونها رخصة عند االضطرار‬
‫وكان نسيانهم قليالً بل ناد اًر فإن كان‪ .‬ففي بعض حروف العطف أو المفردات أو بعض الجمل‪ " .‬وكانوا يقيدون ذلك‬
‫ببعض العبارات الدالة على الحيطة والورع في روايتهم بالمعنى كقولهم‪ " :‬أو كما قال " "أو کما ورد" " أو نحوه" " أو شبهه‪".‬‬
‫أما ما زعموه من وقوع اللحن في بعض األحاديث بسبب عجمة بعض الرواة ؛ فهو شيء ‪ -‬إن وقع ‪ -‬قليل جدا‪ ،‬ال‬
‫ينبني عليه حكم ‪ ،‬وال يقوم بهذا الزعم حجة ألحد وال يصح أن يمنع من أجله االحتجاج بالحديث الصحيح! وهل يمنع عاقل‬
‫االحتجاج بالقرآن إذا لحن به بعض الناس ؟! ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫ثم إن اللحن كان موجوداً في غير نصوص السنة من موارد اللغة التي اعتمد عليها النحاة من شعر ونثر ورغم ذلك فقد‬
‫قبلت؛ ألن العبرة بغلبة العصر‪ -‬ال بلحن األفراد‪ .‬ولم يقل أحد أنه ال يحتج بهما في اللغة والنحو‪.‬‬
‫ثم إن ما ذكره هؤالء من اللحن في األحاديث الصحيحة لم يكن لحن وإنما هو لغة من لغات العرب‪.‬‬
‫ويمكننا أن نعد قرار مجمع اللغة العربية في مصر ‪ .‬قوال معتمدا في موضوع االحتجاج بالحديث في اللغة والنحو ‪ .‬وهذا‬
‫القرار هو ‪ " :‬إن العرب الذين يوثق بعربيتهم ويستشهد بكالمهم هم عرب األمصار إلى نهاية القرن الثاني وأهل البدو من‬
‫جزيرة العرب إلى آخر القرن الرابع "‪.‬‬
‫كما رأى المجمع االحتجاج بأنواع من األحاديث ال ينبغي االختالف باالحتجاج بها في اللغة‪ ،‬وهي ‪ :‬األحاديث المدونة في‬
‫الصدر األول‪ ،‬ككتب األصول الستة فها قبلها‪ ،‬على أن يحتج بها على الوجه التالى ‪( :‬خذ من هذه ثالثة أو أربعة واق أر الباقي)‬
‫أ‪ -‬األحاديث المتواترة والمشهورة‪.‬‬
‫ب‪ -‬األحاديث التي تستعمل ألفاظها في العبادات‪.‬‬
‫ت‪ -‬األحاديث التي تعد من جوامع الكلم‪.‬‬
‫ث‪ -‬کتب النبي ﷺ ومعاهداته‪.‬‬
‫ج‪ -‬األحاديث المروية لبيان أنه كان ﷺ يخاطب كل قوم بلغتهم‪.‬‬
‫ح‪ -‬األحاديث التي دونها من نشأ بين العرب الفصحاء‪.‬‬
‫خ‪ -‬األحاديث التي عرف من رجال روايتها أنهم ال يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل القاسم بن محمد ورجاء بن حيوة‬
‫وابن سيرين‪.‬‬
‫د‪ -‬األحاديث المروية من طرق متعددة وألفاظها واحدة‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة‪ ٠٢( :‬من أبريل ‪)٠٢٠٢‬‬


‫المطلب الثالث ‪ :‬الرد على شبهات الطاعنين في الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫(تتلخص شبهاتهم حول ‪ -٢ :‬كثرة مرويات أبي هريرة مع قصر العمر مع النبي ‪ -٠‬أن أبا هريرة شارك في الفتن)‬
‫الجواب عن أسباب كثرة مرويات أبي هريرة‪:‬‬
‫‪ .١‬دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالحفظ‪.‬‬
‫روى اإلمام النسائي في سننه الكبرى في كتاب العلم " أن رجالً جاء (زيد بن ثابت) فسأله عن شيء فقال له زيد ‪ :‬عليك‬
‫بأبي هريرة فإني بينما أنا وأبو هريرة وفالن في المسجد ذات يوم ندعو الله تعالى ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله ﷺ حتى‬
‫جلس إلينا فسكتنا فقال ‪« :‬ع ْود ْوا لَّلذ ْي ك ْنت ْم ف ْيه»‪ .‬قال زيد ‪ :‬فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة وجعل رسول الله ﷺ يؤمن‬
‫على دعائنا قال ‪ :‬ثم دعا أبو هريرة فقال ‪« :‬اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان وأسألك علماً ال ينسى»‬
‫فقال رسول الله ﷺ ‪« :‬آم ْين» ‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً ال ينسى ‪ .‬فقال ‪« :‬سبقكما بها الغالم َّ‬
‫الد ْوسي»‪.‬‬
‫البْرَد َة‬
‫ط ُ‬ ‫‪َ .٢‬ب ْس ُ‬
‫قال أبو هريرة‪" :‬ولق ْد قال رسول الله ﷺ ي ْو ًما‪« :‬أيك ْم ي ْبسط ث ْوبه فيأخذ من حديثى هذا ث َّم ي ْجمعه إلى ص ْدره ف َّإنه ل ْن ي ْنسى‬
‫لى حتّى فرغ من حديثه ث َّم جم ْعتها إلى ص ْدرى فما نسيت ب ْعد ذلك الي ْوم ش ْيًئا حَّدثنى به"‪.‬‬ ‫طت ب ْرد ًة ع َّ‬
‫ش ْيًئا سمعه» فبس ْ‬
‫‪ .٣‬مالزمته لرسول الله ﷺ‬

‫‪5‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫الله ﷺ َّ‬
‫والله‬ ‫روى اإلمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ّ :‬إنكم ت ْزعمون أن أبا هريرة ي ْكثر الحديث عن رسول َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫األنصار‬
‫األسواق وكانت ْ‬ ‫طني وكان المهاجرون ي ْشغلهم َّ‬ ‫أخدم رسول َّ‬
‫الصْفق ب ْ‬ ‫الله ﷺ على م ْلء ب ْ‬ ‫الموعد ك ْنت رج ًال م ْسك ًينا ْ‬
‫طت ث ْوبي حتّى قضى حديثه‬ ‫ي ْشغلهم القيام على أموالهم فقال رسول َّ‬
‫الله ﷺ‪« :‬من ي ْبسط ث ْوبه فل ْن ي ْنسى ش ْيًئا سمعه مّني فبس ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ث َّم ضم ْمتها إل َّي فما نسيت ش ْيًئا سم ْعته م ْنه»‬
‫‪ .٤‬خوفه رضي الله عنه من كتمان العلم‬
‫وفي صحيح اإلمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫َّ َّ َّ َّ ۡ ُ ُ َّ َّ ٓ َّ َّ ۡ َّ َّ ۡ َّ َّ َٰ َّ ۡ ُ َّ َٰ ۢ َّ ۡ َّ َّ َّ َّ َٰ ُ َّ‬ ‫لوال آيتان أ ْنزلهما َّ‬
‫ت وٱلهدى ِمن بع ِد ما بينه ل ِلن ِ‬
‫اس‬ ‫الله في كتابه ما حَّد ْثت ش ْيًئا أب ًدا ﴿ إِن ٱلذِين يكتمون ما أنزلنا مِن ٱلبيِن ِ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َّ َّ َّ َّ ُ ْ َّ ۡ َّ ُ ْ َّ َّ َّ ُ ْ َّ ْ َّٓ َّ ُ ُ َّ َّ ۡ ۡ َّ َّ َّ َّ ُ َّ‬ ‫ۡ َّ َٰ ُ ْ َّٓ َّ َّ ۡ َّ ُ ُ ُ َّ ُ َّ َّ ۡ َّ ُ ُ ُ َّ َٰ ُ َّ‬
‫ُ‬
‫لئِك أتوب علي ِهم وأنا ٱلتواب ٱلرحِيم ‪﴾ ٩٦١‬‬ ‫لئِك يلعنهم ٱلل ويلعنهم ٱللعِنون ‪ ٩٥١‬إِلا ٱلذِين تابوا وأصلحوا وبينوا فأو َٰ‬ ‫ب أو َٰ‬ ‫ف ِي ٱلكِت ِ‬
‫[البقرة ‪] ٩٦١ - ٩٥١ :‬‬
‫‪ .٥‬حب أبي هريرة وحفظه لحديث النبيﷺ‬
‫فكان يسأل و يتعّلم ويعّلم روى اإلمام البخاري عن أبي هريرة أَّنه قال‪ :‬قيل يا رسول َّ‬
‫الله م ْن أ ْسعد َّ‬
‫الناس بشفاعتك ي ْوم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اْلقيامة قال رسول َّ‬
‫الله ﷺ «لق ْد ظن ْنت يا أبا هرْيرة أ ْن ال ي ْسألني ع ْن هذا اْلحديث أحٌد أَّول م ْنك لما أرْيت م ْن ح ْرصك على‬
‫صا م ْن قْلبه أ ْو نْفسه»‪.‬‬ ‫َّ َّ‬ ‫اْلحديث أ ْسعد َّ‬
‫الناس بشفاعتي ي ْوم اْلقيامة م ْن قال ال إله إال الله خال ً‬
‫(الشاهد هو في قوله ﷺ لما أرْيت م ْن ح ْرصك على اْلحديث‪).‬‬
‫‪ .٦‬مجلس الحديث بالمسجد النبوي الشريف‬
‫كان ألبي هريرة رضي الله عنه مجلس علم يق أر الحديث على الناس الذين يأتون المسجد النبوي للزيارة من البالد اإلسالمية‬
‫وخاصة أنه لم يخرج من المدينة إال لمدة وجيزة ثم عاد فكان هذا المجلس المبارك سبباً فى نقل مروياته والحفاظ عليها من‬
‫الضياع‪.‬‬
‫ذكر اإلمام البخاري أنه روى له أكثر من ثمانمائة من أهل العلم وال شك أن هؤالء نقلوا العلم إلى من بعدهم فحفظ حديثه‬
‫وانتشر وساعد على ذلك‪:‬‬
‫‪ .٢‬استم ارره بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ .٠‬مجلس حديثه المنتظم في المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪ .٣‬كثرة رواده‪.‬‬
‫‪ .٤‬تأخر وفاته فقد تأخرت وفاة أبي هريرة رضي الله عنه إلى سنة ثمان وخمسين من الهجرة وهذا التأخر ساهم‬
‫مساهمة كبيرة في نقل مروياته وحفظها‪.‬‬
‫‪ .٧‬حب المؤمنين ألبي هريرة رضي الله عنه رغم أنف المعاندين‪.‬‬

‫الشبهة ‪ :‬ادعى الروافض و أبو رية‪ ،‬اشتراك أبي هريرة في الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما‬
‫فكان يأكل مع معاوية فإذا حضرت الصالة صلى خلف علي رضي الله عنه‬
‫الصالة خلف علي أفضل وهذا تطاول على صحابي طالما جلس بين‬
‫فإذا قيل له في ذلك قال‪ :‬مض ْيرة معاوية أدسم وأطيب و َّ‬
‫يدي رسول الله ﷺ وسمع منه وأفاد األمة بما نقله إلينا من علوم‪.‬‬
‫وقد بنى محمود أبو رية على هذه القصة المكذوبة تسمية كتابه (شيخ المضيرة أبو هريرة)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫واألحداث التاريخية تكذب کالم محمود أبو رية ومن نهج نهجه وال يصدقها عاقل له بقية من فهم وخلق وال يصدر مثل هذا‬
‫الكالم الساقط عن األطفال الصغار‪.‬‬
‫قال شيخنا العالمة أبو شهبة رحمه الله ‪ :‬کيف يصح هذا عقالً وعلي كان بالعراق ومعاوية بالشام وأبو هريرة كان‬
‫بالحجاز إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز فهي كذب تاريخياً‬
‫وصاحبها مغرض حاقد ال يؤخذ بکالمه وال يقام لشبهته وزن‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الرد على شبهات الطاعنين في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما‪.‬‬
‫(خالصة الشبهة) والناظر فيما قاله أعداء السنة يرى أنهم يطعنون في‪:‬‬
‫اعتمادا على ما ورد من أنه أسلم يوم الفتح وكان من‬
‫ً‬ ‫‪ .٢‬صحة إسالم معاوية رضي الله عنه ووصفهم له بأنه كان منافًقا‬
‫الطلقاء المؤلفة قلوبهم وأنه فتح باب الوضع في السنة‪.‬‬
‫‪ .٠‬وصفهم حملة اإلسالم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين بأنهم كانوا ك ّذابين‬
‫وفقهاء سلطة‪!.‬‬
‫والجواب عما سبق فيما يلى‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الجواب عن الطعن فى صحة إسالم سيدنا معاوية رضي الله عنه‪ ،‬وأنه فتح باب الوضع فى السنة النبوية‪:‬‬
‫ومهما يكن من شيء فقد أسلم وحسن إسالمه وحتى لو كان ممن أسلموا يوم الفتح فال يقدح ذلك فى عدالته وصحبته‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ ْ ُ ْ ُ‬
‫والأر ِض لا‬ ‫وللِ مِيراث الس َّم ِ‬
‫وات‬ ‫يل اللِ ِ‬ ‫أيضا قال تعالى‪ ﴿ :‬وما لكم ألا تنفِقوا ف ِي سب ِ ِ‬ ‫بعد تزكية رب العزة لمن أسلموا بعد الفتح ً‬
‫َُّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الح ْسني والل بِما‬
‫الل ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِين أنفقوا مِن َّبع ُد وقاتلوا وُ وع َّد ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫الفتْحِ وقاتَّ َّل أولئك أعظ ُم د َّر َّجة م َِّن الذ َّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َّ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ُ‬
‫ي َّ ْس َّتوِي مِنك ْم َّمن أنف َّق مِن قب ِل‬
‫ِ‬
‫َّ ُ َّ َّ‬
‫ت ْع َّملون خبِير ﴾ [ الحديد ‪.] ٩١ :‬‬
‫وكيف يصح الطعن فى صحة إسالمه رضي الله عنه وقد كان أحد كتبه الوحي بين يدي النبي ﷺ‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس ‪ -‬رضى الله عنهما ‪ -‬أن رسول الله ﷺ بعث إلى معاوية ليكتب له فقال‪ :‬أنه‬
‫يأكل ثم بعث إليه فقال‪ :‬إنه يأكل فقال رسول الله ﷺ‪« :‬ال أشبع الله بطنه»‪.‬‬
‫يقول األستاذ محب الدين الخطيب – رحمه الله‪« :-‬قد يستغل بعض الفرق من أعداء اإلسالم هذا الحديث ليتخذوا منه‬
‫مطعنا فى معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وليس فيه ما يساعدهم على ذلك كيف وفيه أنه كان كاتب النبي ﷺ؟!‬
‫ً‬
‫فالظاهر أن هذا الدعاء منه ﷺ غير مقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كالمها بال نية كقوله ﷺ‪" :‬ما له‬
‫ترب ْت يداه" و "ثكل ْتك أمك يا معاذ" ونحو ذلك‪.‬‬
‫إجماال قال‪" :‬معاوية اجتمعت فيه خصال‪:‬‬
‫ً‬ ‫مبينا ما اجتمع في معاوية من خصال الخير‬
‫ً‬ ‫يقول القاضي أبو بكر بن العربي‬
‫وهي أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها لما رأى من حسن سيرته وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور وإصالح الجند‬
‫والظهور على العدو وسياسة الخلق‪ .‬وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه فيما رواه البخاري في صحيحه بسنده‬
‫ع ْن ْابن أبي مل ْيكة قال أ ْوتر معاوية ب ْعد اْلعشاء برْكعة وع ْنده م ْوًلى ال ْبن عبَّاس فأتى ْابن عبَّاس فقال‪« :‬د ْعه فإَّنه ق ْد صحب‬
‫الله ﷺ»‪.‬‬ ‫رسول َّ‬
‫وفي رواية أخرى ‪" :‬إَّنه فق ْي ٌه"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫قال ابن كثير‪ :‬ثم كان أمير الجيش الثاني يزيد بن معاوية في غزوة القسطنطينية‪ .‬قال‪ :‬وهذا من أعظم دالئل النبوة فى‬
‫فوعا‪« :‬أَّول ج ْيش م ْن أ َّمتي ي ْغزون‬
‫الشهادة لسيدنا معاوية وابنه يزيد بالفضل والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مر ً‬
‫اْلبحر ق ْد أوجبوا قال ْت أم حرام قْلت يا رسول َّ‬
‫الله أنا فيه ْم قال أ ْنت فيه ْم ث َّم قال َّ‬
‫النبي ﷺ أَّول ج ْيش م ْن أ َّمتي ي ْغزون مدينة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫ور له ْم فقْلت أنا فيه ْم يا رسول الله قال ال»‪.‬‬
‫ق ْيصر م ْغف ٌ‬
‫خير‬
‫خير من معاوية وال كان الناس فى زمان ملك من الملوك ًا‬ ‫يقول اإلمام ابن تيمية‪« :‬لم يكن من ملوك المسلمين ملك ًا‬
‫منهم فى زمن معاوية إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل‪( .‬من اكتفى إلى هنا‬
‫فبها ونعمت‪ .‬ص‪)٦٠.‬‬
‫وأخي ار‪" :‬إنما اإلسالم كدار لها باب فباب اإلسالم الصحابة فمن آذى الصحابة؛ إنما أراد اإلسالم كمن نقر الباب ‪ -‬أي‬
‫نقبه‪ -‬إنما يريد دخول الدار قال‪ :‬فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة"‪.‬أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫(من مثيري الشبهات حول الصحابة ‪:‬‬


‫‪ .٢‬أوزون في (كتاب الجناية)‪.‬‬
‫‪ .٠‬الروافض والالدينية‪.‬‬
‫‪ .٣‬محمود أبو رية في كتاب (شيخ المضيرة أبو هريرة) وغيره‪.‬‬
‫‪ .٤‬أحمد أمين‪.‬‬
‫وغيرهم‪)...‬‬

‫المحاضرة الرابعة‪ ٠٨( :‬من أبريل ‪)٠٢٠٢‬‬


‫ثانيا‪ :‬الجواب عن اتهام رواة السنة بأنهم كانوا كذابين وفقهاء سلطة‬
‫أخا وال صديًقا وال أستا ًذا‪.‬‬
‫ابنا وال ً‬
‫أحدا ال ًأبا وال ً‬
‫قوما (فقهاء األمة) لم يحابوا فى حكمهم على الرجال ً‬
‫نعم إن ً‬
‫وهاك أمثلة على نزاهتهم فى حكمهم على الرجال‪:‬‬
‫المجرحون آلبائهم‪:‬‬
‫اإلمام علي بن المديني سأل عن أبيه فقال‪« :‬سلوا عنه غيري» فأعادوا المسألة فأطرق ثم رفع رأسه فقال‪« :‬هو الدين إنه‬
‫ضعيف»‪.‬‬
‫المجرحون ألبنائهم‪:‬‬
‫اإلمام أبو داود السجستاني صاحب السنن قال‪ « :‬ابني عبد الله كذاب ونحوه قول الذهبي في ولده أبي هريرة أنه حفظ‬
‫القرآن ثم تشاغل عنه حتى نسيه»‪.‬‬
‫المجرحون إلخوانهم‪:‬‬
‫زيد بن أبي أَُنْيسة قال‪ :‬ال تأخذوا عن أخي يحى المذكور بالكذب‪.‬‬
‫المجرحون ألختانهم‪:‬‬
‫شعبة بن الحجاج قال‪ :‬لو حا ْبيت أح ًدا لحابيت هشام ْبن ح ّسان كان ختنى ولم يكن يحفظ»‪.‬‬
‫المجرحون لبعض أقاربهم‪:‬‬
‫قال أبو عروبة الحراني‪ :‬هو خال أمي وهو كذاب‬

‫‪8‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫من الذين لم يحابوا مشايخهم‪:‬‬


‫يوما عند شعبة فقالوا‪ :‬اجعل بيننا وبينك حك ًما فقال‪ « :‬قد رضيت باألحول يعني يحيى بن سعيد القطان فما برحنا‬
‫اختلفوا ً‬
‫حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه فقضى على شعبة » ‪ -‬وهو شيخه ومنه تعلم وبه تخرج فقال له شعبة‪ « :‬ومن يطيق نقدك أو‬
‫من له مثل نقدك يا أحول؟!»‪.‬‬
‫… قال ابن أبي حاتم‪« :‬هذه غاية المنزلة – ليحيى بن سعيد القطان – إذ اختاره شيخه شعبة من بين أهل العلم ثم بلغ من‬
‫دالته بنفسه وصالبته في دينه أن قضى على شعبة شيخه ومعلمه‪».‬‬

‫نماذج لما كان عليه سلفنا الصالح من جراءة فى الحق مع خلفائهم وملوكهم وأمراءهم‪ ،‬ال يخشون لوما‪ ،‬وال موتا‪ ،‬وال أذى‪،‬‬
‫وال اضطهادا‪:‬‬
‫‪ -٢‬موقف ألبي بن كعب مع الفاروق عمر أخرجه ابن راهوية عن الحسن أن عمر بن الخطاب رد على أبي بن كعب قراءة‬
‫آية فقال أبي ‪:‬لقد سمعتها من رسول الله ﷺ وأنت يليهك يا عمر الصفق بالبقيع‪ .‬فقال عمر‪ » :‬صدقت إنما أردت أن‬
‫أجربكم هل منكم من يقول الحق؟ فال خير فى أمير ال يقال عنده الحق وال يقوله »‪.‬‬
‫َّ َّ ْ َّ َّ َّ َّ َّ ْ ُ ْ َّ‬
‫‪ -٠‬وروي أن أبي بن كعب قرأ‪ ﴿ :‬الذِين استحق علي ِهم الأول ِ‬
‫يان ﴾ [جزء من الآية ‪ ٩١١‬من سورة المائدة]‪ .‬فقال عمر كذبت‪.‬‬
‫تعظيما لحق أمير المؤمنين منك‪ .‬ولكن كذبته في تصديق‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬أنت أكذب‪ .‬فقال رجل‪ :‬تكذب أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬أنا أشد‬
‫كتاب الله ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله فقال عمر‪» :‬صدق»‬

‫أما عن موقف الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة اإلسالم‪ ،‬من ملوكهم وأمراءهم‪،‬‬
‫موقف أبو سعيد الخدري من مروان والي المدينة حين قدم خطبة العيد على الصالة جذب مروان بن الحكم من ثوبه عند‬
‫تغييره السنة غير أن مروان تغلب عليه وصعد المنبر وخطب قبل الصالة‪ .‬كما جاء في الصحيح‪.‬‬

‫وها هي بعض المواقف ألئمة اإلسالم‪ ،‬من ملوك وأمراء بني العباس‪.‬‬
‫‪ -‬منها ما ذكره الحافظ الذهبي فى ترجمة ‪ -‬ابن أبي ذئب اإلمام الثبت ‪ -‬قال اإلمام أحمد‪« :‬دخل ابن أبي ذئب على‬
‫المنصور فلم يهبه أن قال له الحق وقال الظْلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر»‪.‬‬
‫(ولك أن تختار مثاالً آخر واحد فقط)‬
‫‪ -‬وموقف سفيان الثوري مع أبي جعفر المنصور مشهور؛ فقد كان سفيان قو ًاال بالحق شديد اإلنكار حتى مات فى البصرة‬
‫مختبئا من المهدي‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وما موقف المحدثين ‪ -‬وعلى رأسهم أحمد بن حنبل ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬مع األمراء العباسيين فى محنة خلق القرآن ببعيد‪ .‬وغير‬
‫ذلك الكثير‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫صلة علماء المسلمين بالملوك واألمراء‪:‬‬


‫انظر‪ :‬إلى ما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أن هشام بن عبد الملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير‬
‫ْ َّ ُ ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِنه ْم ل ُه َّعذاب َّعظِيم ﴾ [ النور‪ .]٩٩ :‬فقال هشام‪ :‬كذبت إنما هو علي بن أبي طالب ويظهر‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬والذِي ت َّول كِبره م‬
‫جادا فيما يقول ولكنه يريد أن يختبر شدتهم في الحق ‪ -‬فقال سليمان بن يسار‪ :‬أمير المؤمنين أعلم بما‬
‫هشاما لم يكن ً‬
‫ً‬ ‫أن‬
‫يقول ثم وصل ابن شهاب فقال له هشام‪ :‬من الذى تولى كبره منهم؟ فقال الزهري‪ :‬هو عبد الله بن أبي بن سلول فقال له‬
‫غضبا‪ :‬أنا أكذب؟ ال أبا لك! فوالله لو ناداني مناد من‬
‫ً‬ ‫هشام‪ :‬كذبت‪ .‬إنما هو علي بن أبي طالب قال الزهري وقد امتأل‬
‫السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت … حدثني فالن وفالن أن الذي تولى كبره منهم هو عبد الله بن أبي بن سلول …‬
‫وفي القصة فقال هشام‪ :‬إنا نهيج الشيخ‪ .‬مما يدل على أنه لم يكن ًّ‬
‫جادا فى قوله «كذبت»‪.‬‬
‫(والتعليق بعد ذلك كما تحبون‪ .‬ص‪) ٣٧ - ٣٣ .‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬الرد على شبهات الطاعنين في اإلمام الجليل الزهري رحمه الله تعالى‪.‬‬
‫يزعم المستشرق اليهودي (جولد تسيهر) أن األمويين استغلوا اإلمام الزهري بدهائهم لوضع األحاديث لصالحهم خاصة‬
‫األحاديث التي توافق رغبتهم‪( .‬هنا الشبهة كأنها تكرار)‬

‫أوال‪ :‬إن اإلمام الزهري هو اإلمام من األعالم الثقات ولم يجرحه أحد‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام الزهري ونقل عنه مشاهير األئمة منهم ‪ :‬اإلمام مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وعطاء بن أبي رباح‬
‫وعمر بن عبد العزيز وابن عيينة والليث بن سعد وابن جرْيج وخرج له الشيخان وأصحاب السنن األربعة وغير هؤالء‬
‫كثير وقد استأمنه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لجمع السنة لعدالته وأمانته وعلمه وفضله‪.‬‬

‫اإلسناد أصح فقال‪ْ « :‬أربع ٌة‪َّ :‬أولها الزْهري ع ْن سالم ع ْن أبيه»‪.‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬سئل أبو زْرعة‪ :‬أي ْ‬
‫وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ»‪« :‬وهو علم الحّفاظ اإلمام الحافظ الح َّجة»‪.‬‬
‫الشام»‬
‫األعالم وعالم الحجاز و ّ‬
‫وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»‪« :‬هو الفقيه أبو ب ْكر الحافظ المدني أحد األئ َّمة و ْ‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الزهري من خلفاء بني أمية‬


‫َّ‬ ‫َّ‬
‫دخل ابن شهاب على هشام بن عبد الملك؛ فقال له هشام‪ :‬من الذي قال الّٰله فيه ‪ ﴿ :‬والذِي تَّ َّول كِبْ َّرهُ م ُ‬
‫ِنه ْم ل ُه َّعذاب َّعظِيم ﴾‬ ‫ّ‬
‫[ النور‪ ]٩٩ :‬؟؛‬
‫فقال الزهري‪ :‬هو عبد الله بن أبي بن سلول‬
‫فقال له هشام‪ :‬كذبت‪ .‬إنما هو علي بن أبي طالب‬
‫غضبا‪ :‬أنا أكذب؟ ال أبا لك! فوالله لو ناداني مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقال الزهري وقد امتأل‬
‫حدثنا فالن وفالن أن الذي تولى كبره منهم‪ :‬هو عبد الله بن أبي بن سلول‪.‬‬
‫أن ن ْحمل ع ْن م ْثلك»‬
‫هشاما حتى قال له‪ْ « :‬ارح ْل فوالله ما كان ي ْنبغي لنا ْ‬
‫ً‬ ‫قال الشافعي‪ :‬فما زالوا يغرون به‬

‫‪10‬‬
‫شبهات حول السنة لقسم الحديث‪ ،‬الفرقة الثالثة ‪0202/0202‬‬

‫خلفاء بني أمية من وجهة نظر المستشرق‬


‫ادعاء كاذب وجائر‪( :‬هذه أيضاً تدخل تحت شبهة استغالل العلماء الكالم هنا نفس التكرار)‬
‫قال المستشرق اليهودي‪ :‬إن العلماء اخترعوا أحاديث رأوها مرغوباً فيها ال تنافي الروح اإلسالمية وبرروا ذلك أمام‬
‫ضمائرهم؛ بأنهم يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان واإللحاد والبعد عن سنن الدين‪.‬‬

‫يا سبحان الله فمن الذي يفعل ذلك؟! فهل هؤالء الكرام الذين طالما قاوموا الكذب وحكموا بأن الكاذب على رسول الله ﷺ‬
‫کافر ال تجوز روايته وال تقبل شهادته بل أجازوا قتله واعتبروا الكذب على رسول الله ﷺ جريمة ال تغتفر وقالوا ‪ :‬بعدم قبول‬
‫توبته‪.‬‬
‫وما قال ذلك المستشرق هذا القول إال ألن الكذب عنده شيء هين ال غبار عليه؛ فهو يكذب على العلماء ويرميهم بالتزوير‬
‫والدس؛ ألنه يفعل ذلك ويستبيحه ويرى أن ال غضاضة في أذى عباد الله ورميهم بالباطل وتشويه صورة البررة الكرام‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫كتبه وجمعه محمد جيا نبيال بن سيف البحر اآلشي اإلندونيسي‬


‫الطالب من مجموعة الطالب الحديثية األتشية (‪(Beumeuhase‬‬

‫‪11‬‬

You might also like