You are on page 1of 15

‫‪1‬‬

‫جامعة محمد لمين دباغين ‪-‬سطيف‪2‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫قسم الحقوق‬

‫محاضرات في مقياس‬

‫منهجية البحث العلمي ‪1‬‬


‫لطلبة السنة األولى ماستر‬

‫تخصص قانون األعمال‬

‫الدكتورة‪ :‬داهـــــــــل وافيــــــــة‬

‫السنة الجامعية ‪2221/2222‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫تقديم‪:‬‬

‫تعتبر دراسة منهجية البحث العلمي من أهم الدراسات التي تلقن لطالب القانون باعتبارها‬
‫العمود الفقري للبحث العلمي‪ ،‬حيث تساعد الطالب المقبل بشغف على العلم في رسم معالم طريقه‪،‬‬
‫وتمكنه من اكتساب األسلوب والطريقة في التعامل مع مختلف المشاكل والمسائل القانونية‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل تزويده بأدوات التحليل والتعليق والمناقشة والبحث بطريقة علمية سليمة؛ فتتكون له‬
‫همها استعراض لمعلومات‪ ،‬بل كيفية صياغتها وفق منهجية‬
‫بذلك شخصية قانونية ال يكون ّ‬
‫وأسلوب قانوني سليم‪ ،‬فالطالب ال يحتا للى القدر الكافية لالستيعاب فقط‪ ،‬بل يجب أن يكون‬
‫لديه رصيد منهجي يساعده على استثمار امكانياته‪ ،‬فاالستيعاب ال يؤتي أكله لالّ باعتماد أدوات‬
‫وطرق ناجعة تمكنه من توظيف معلوماته‪.‬‬

‫لن طبيعة القانون كعلم تتطلب التعامل معه وصياغته بدقّة وحذر شديدين‪ ،‬واستخدام‬
‫تقنيات خاصة تفرضها طبيعة الكتابة القانونية‪ ،‬لذا فإن معرفة القواعد المنهجية الخاصة بالبحث‬
‫في مجال القانون لها أهميتها البالغة‪ ،‬وال شك أن الجهل بها أو تجاهلها المفضي للى عدم االلتزام‬
‫ٍ‬
‫وعار عن الدقة‪ ،‬ويحول دون وصول الباحث للى حقائق ونتائج‬ ‫بها يجعل البحث خال من الجود‬
‫‪1‬‬
‫وحلول علمية صائبة‪.‬‬

‫تستهدف هذه المحاضرات مساعد طالب الحقوق والباحث في مجال القانون في التعرف‬
‫على المفاهيم واألسس التي تقوم عليها مناهج البحث العلمي القانوني‪ ،‬وأنواعها وتمكينه من‬
‫تطبيقها بطريقة صحيحة على مختلف مواضيع القانون المرتبطة بتخصصه‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس سوف نتعرض في هذه المحاضرات للى المحاور التالية‪:‬‬

‫‪ .I‬مدخل مفاهيمي حول مناهج البحث العلمي‬

‫أحميدوش مدني‪ ،‬الوجيز في منهجية البحث القانوني‪ ،‬ط‪ ،3.‬دون دار نشر‪ ،‬المغرب‪ ،5102 ،‬ص ص‪9-2 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ .II‬المناهج الرئيسية في البحث القانوني‪.‬‬


‫‪ .III‬المناهج الثانوية في البحث القانوني‪.‬‬

‫المحاضرة األولى‪:‬‬

‫مدخل مفاهيمي حول مناهج البحث العلمي‬

‫يختلف البحث العلمي في توصيل المعرفة عن أنماط الكتابة األخرى كالكتب والتقارير‬
‫والمقاالت الصحفية‪ ،...‬لذ يقوم بتوصيل المعرفة وفق قواعد وأساليب خاصة هي مناهج‬
‫البحث العلمي التي تعين الباحث على بناء النسق المعرفي لديه وتبين له الطريق الذي‬
‫يسلكه في تقصي الحقائق حول ظاهر أو مشكلة معينة بغية الوصول للى نتيجة أو‬
‫معلومة‪.‬‬

‫نتعرض في هذه المحاضر بالشرح لتعريف البحث العلمي‪ ،‬وتعريف مصطلح المنهج‪،‬‬
‫وأهمية دراسة مناهج البحث القانوني‪ ،‬وبيان أسس االختيار الصحيح لمنهج القانوني‪.‬‬

‫ّأوال‪ :‬تعريف البحث العلمي‪:‬‬

‫يقصد بالبحث بذل المجهود في موضوع من المواضيع بغرض الوصول للى نتيجة أو للى‬
‫الحقيقة أو المعرفة‪ ،‬أو هو مجموع األعمال واألنشطة الذهنية التي تسعى الكتشاف المعرفة‬
‫أو القوانين والقواعد الجديد ‪ ،1‬أو هو محاولة الستكشاف المعرفة والتنقيب عنها وتنميتها‬
‫بتقص دقيق ونقد عميق ثم عرضها بشكل متكامل وذكي‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫وفحصها وتحقيقها‬

‫سقالب فريدة‪ ،‬محاضرات في منهجية العلوم القانونية‪ ،‬جامعة عبد الرحمن مير ‪ ،‬بجاية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،5102-5102‬ص‪4.‬‬
‫‪ 2‬عبود عبد اهلل العسكري‪ ،‬منهجية البحث في العلوم القانونية‪ ،‬ط‪ ،5.‬دار النمير‪ ،‬سوريا‪ ،5114 ،‬ص‪02.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫المنسقة التي تنشأ عن المالحظة‬


‫ّ‬ ‫وحسب قاموس ويبستر الجديد فالعلم هو‪ ":‬المعرفة‬
‫والدراسة والتجريب‪ ،‬والتي تتم بغرض تحديد طبيعة وأسس وأصول ما تم دراسته"‪ ،‬وهو بهذا‬
‫المعنى يشمل مجال العلوم الطبيعية واالجتماعية على حد سواء‪.1‬‬

‫وقد اختلف الباحثون في لعطاء تعريف للعلم باختالف الزاوية التي ينظرون منها لليه‪:‬‬

‫‪-‬فمنهم من يؤ ّكد على الجانب المعرفي للعلم وينظر لليه على أنه ماد فيعرفه على أنه‪:‬‬
‫تتضمن المبادئ والفرضيات والحقائق والمفاهيم والقوانين‬
‫ّ‬ ‫"مجموعة من المعارف اإلنسانية التي‬
‫والنظريات التي كشفها اإلنسان‪".‬‬

‫‪-‬ومنهم من يؤ ّكد على الطريقة العلمية في البحث في تعريفه للعلم وينظر لليه باعتباره‬
‫"طريقة للبحث والتفكير"‪.‬‬

‫فيعرفه على أنه‪ ":‬تنظيم المعرفة‬


‫‪-‬والجانب اآلخر يرى أنه تكامل بين الماد والطريقة‪ّ ،‬‬
‫والمعلومات التي تم ليجادها عن طريق البحث والتفكير وفقا ألسس وقواعد معتمد ‪".‬‬

‫وبالتالي يالحظ الفرق بين العلم والمعرفة التي هي‪" :‬مجموعة من المعاني والمعتقدات‬
‫تتكون لدى اإلنسان نتيجة لمحاولته المتكرر لفهم‬
‫واألحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي ّ‬
‫‪2‬‬
‫الظواهر واألشياء المحيطة بها‪".‬‬

‫تتضمن‬
‫ّ‬ ‫فالمعرفة أشمل وأوسع من العلم حدودا ومدلوال‪ ،‬لال ّأنها أقل عمقا ودقة منه‪ ،‬لذ‬
‫المعرفة من حيث شموليتها المعارف العلمية وغير العلمية التي استطاع اإلنسان جمعها‬
‫بالتأمل والنظر في بعض‬
‫ّ‬ ‫باعتباره كائنا يف ّكر ويتمتع بالعقل بحواسه وفكره وعقله‪ ،‬كقيامه‬

‫‪ 1‬رجاء وحيد دويدري‪ ،‬البحث العلمي‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬لبنان‪ ،5111 ،‬ص‪53.‬‬
‫أحميدوش مدني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪51.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫عناصر بيئته كالنجوم مثال ثم محاولة اإلحاطة بها وفهم أسرارها‪ .‬وبالتالي فمنطلق التمييز‬
‫‪1‬‬
‫بينهما يقوم على أساس قواعد المنهج وأساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف‪.‬‬

‫عرفه بأّنه‪ " :‬التقصي المنظم‬


‫ونتيجة لذلك اختلفت تعريفات البحث العلمي فهناك من ّ‬
‫باتباع أساليب ومناهج علمية محدد للحقائق العلمية‪ ،‬بقصد التأكد من صحتها وتعديلها أو‬
‫‪2‬‬
‫لضافة الجديد لها"‪.‬‬

‫وع ّرفه ‪ Hilway‬بأنه‪ ":‬وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول للى حل لمشكلة محدد‬
‫وذلك عن طريق التقصي الشامل والد قيق لجميع الشواهد واألدلة التي يمكن التحقق منها‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫والتي تتصل بهذه المشكلة‪.‬‬

‫أو هو‪ " :‬الدراسة الموضوعية التي يقوم بها الباحث في أحد التخصصات (الطبيعية أو‬
‫اإلنسانية) والتي تهدف معرفة واقعية ومعلومات تفصيلية عن مشكلة معينة يعاني منها المجتمع‬
‫التحري عن حقيقة األشياء ومكوناتها وأبعادها‬
‫ّ‬ ‫واإلنسان‪ ،‬وبذلك فإن هدف البحث العلمي هو‬
‫أهمية‬
‫ومساعد األفراد أو المؤسسات على معرفة محتوى أو مضمون الظواهر التي تمثّل ّ‬
‫معينة لديهم أو لديها مما يساعدهم على حل المشكالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫‪4‬‬
‫األكثر للحاحا‪ ،‬وذلك باستعمال األساليب العلمية والمنطقية‪".‬‬

‫زكية منزل غرابة‪ ،‬منهج البحث في العلوم اإلسالمية واإلنسانية‪ ،‬محاضرات ألقت على طلبة السنة األولى ليسانس‪ ،‬كلية‬ ‫‪1‬‬

‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة األمير عبد القادر‪ ،5102 ،‬ص‪5.‬‬


‫عمار بوحوش‪ ،‬محمود الذنيبات محمود‪ ،‬مناهج البحث العلمي وطرق لعداد البحوث‪ ،‬ط‪ ،4.‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الجزائر‪ ،5112،‬ص‪05 .‬‬


‫محمد عبيدات وآخرون‪ ،‬منهجية البحث العلمي‪ ،‬القواعد والمراحل والتطبيقات‪ ،‬ط‪ ،5.‬دار وائل للنشر‪ ،‬األردن‪،0999 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪2.‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪2.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫وحسب منظمة اليونسكو فإن البحث العلمي هو‪" :‬النشاط الذي يقوم به الباحث من خالل‬
‫محاوالت منظمة لكي يدرس بموضوعية الظواهر القابلة للمالحظة؛ بقصد اكتشافها وفهمها‬
‫‪1‬‬
‫فهما كامال وفهم أسبابها‪".‬‬

‫الدقيق الذي يؤدي للى اكتشاف حقائق‬


‫بأنه‪" :‬العمل العقلي ّ‬
‫يعرف البحث العلمي أيضا ّ‬
‫كما ّ‬
‫بالتقصي الشامل‬
‫ّ‬ ‫محدد‬
‫تؤدي للى ح ّل مشكلة ّ‬
‫عامة وشاملة‪ ،‬أو الوسيلة التي ّ‬
‫يقينية وقواعد ّ‬
‫والدقيق لجميع الظواهر والبيانات التي يمكن التحقق منه‪ ،‬أو هو الوسيلة إلعمال العقل‬
‫والحواس وجميع الملكات األساسية األخرى من أجل فهم حقيقة الظواهر الطبيعية واالجتماعية‬
‫‪2‬‬
‫التي تقع حولنا‪ ،‬وتسخيرها بما يعود بالخير والتقدم على المجتمع‪".‬‬

‫أ ّما البحث القانوني حسب صالح طليس فهو مجموعة طرق أو آليات لتحديد وجمع‬
‫المعلومات الضرورية للمساعد في صنع القرار القانوني‪ ،‬ويشمل بذلك في معناه الواسع كل‬
‫خطو أو عمل بدءاً من تحليل وقائع أو حقائق معينة‪ ،‬ووصوال للى نتائج متجانسة وتناغمه‬
‫‪3‬‬
‫معا‪ ،‬وهذا التسلسل المتناسق في الطرح واالستنتا هو جوهر البحث القانوني‪.‬‬

‫يؤدي للى لشكاليات‬


‫عامة ّ‬
‫جدا وبعبارات ّ‬
‫حيث تصاغ القاعد القانونية بشكل مقتضب ّ‬
‫وتساؤالت حول كيفية تطبيقها‪ ،‬ويترك المجال واسعا للقيام بدراسات حولها قد تظهر في مقالة‬
‫أو رسالة أو أطروحة‪ ،‬أو استشار قانونية أو تعليق على نص قانوني‪ ،‬ومهما كانت الدراسة‬
‫ال بد أن يتبع فيها الباحث منهجية علمية‪ ،‬ألن هذه الدراسة بالنتيجة هي تجميع وتنظيم‬
‫للمعلومات وتحليلها في أجزاء متجانسة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم المنهج‪:‬‬

‫زكية منزل غرابة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪4 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫أحمد إبراهيم عبد التواب‪ ،‬أصول البحث العلمي في القانون‪ ،‬دار الجامعة الجديد للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪32 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫صالح طليس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪02 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫تتطلب معرفة مفهوم المنهج التطرق للى تعريفه اللغوي واالصطالحي‪ ،‬وبيان تاريخه‪،‬‬
‫لضافة للى‬

‫‪ .1‬تعريف وتاريخ ظهوره‬

‫عرف المنهج تعريفات‬


‫يقصد بالمنهج في اللغة الطريق أو المسلك‪ ،‬وفي االصطالح ّ‬
‫مختلفة‪ ،‬غذ يرجع أول استعمال لمصطلح منهج للعهد اإلغريقي وهو ترجمة لكلمة ‪،méthode‬‬
‫وعرفه أرسطو بأنه‬
‫ويقصد به البحث أو المعرفة المكتسبة من تعامل اإلنسان مع واقعه‪ّ ،‬‬
‫تعرض بعضهم ومنهم ابن تيمية وابن خلدون بالتعريف‬
‫البحث نفسه‪ ،‬أما العلماء المسلمون فقد ّ‬
‫لمصطلح المنهج على اعتباره "مجموعة من القواعد المصوغة التي يعتمدها الباحث بغية‬
‫‪1‬‬
‫الوصول للى الحقيقة العلمية بشأن الظاهر أو المشكا موضوع الدراسة والتحليل‪.‬‬

‫عرفه بأنه‪ ":‬مجموعة من القواعد العامة واإلجراءات واألساليب التي تعين‬


‫وهناك من ّ‬
‫الباحث على بناء النسق المعرفي لديه وتبين له الطريق الذي يسلكه في تقصيه الحقائق حول‬
‫‪2‬‬
‫ظاهر من الظواهر بغية الوصول للى نتيجة معينة‪".‬‬

‫ويعرفه عبد الرحمن بدوي بأنه‪" :‬الطريق المؤدي للى الكشف عن الحقيقة في العلوم‬
‫ّ‬
‫بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل للى‬
‫‪3‬‬
‫نتيجة معلومة‪".‬‬

‫‪1‬حوبة عبد القادر‪ ،‬مناهج العلوم القانونية‪ ،‬محاضرات ألقيت على طلبة السنة األولى ليسانس‪ ،‬المركز الجامعي الوادي‪،5101-5119،‬‬
‫ص‪01.‬‬

‫‪ 2‬عبد العزيز عبد الرحيم سليمان‪ ،‬مقرر مناهج البحث العلمي‪ ،‬جامعة السودان‪ ،‬السنة‪ ،....‬ص‪61.‬‬
‫‪3‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬مناهج البحث العلمي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،6711 ،‬ص‪5.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫لذا فالمنهج هو تلك الطريقة العلمية التي ينتهجها أي باحث في دراسته وتحليله لظاهر‬
‫معينة‪ ،‬أو لمعالجة مشكلة ما وفق خطوات بحث محدد من أجل الوصول للى المعرفة اليقينية‬
‫بشأن موضوع الدراسة‪.‬‬

‫وقد استعمل أفالطون كلمة منهج بمعنى "البحث" او النظر أو المعرفة‪ ،‬أما أرسطو فقد‬
‫استخدمها بالمعنى االشتقاقي األصلي لكلمة بحث والذي يدل على الطريق أو المؤدي للى‬
‫الغرض المطلوب خالل المصاعب والعقبات‪ .‬ويعتبر "كانت" أول من استخدم كلمة"‬
‫‪ "Methodology‬وقصد به العلم الباحث في الطرق المستخدمة في العلوم للوصول للى‬
‫‪1‬‬
‫الحقيقة‪.‬‬

‫ولم تأخذ كلمة منهج معناها الحالي على اعتبارها طائفة من القواعد العامة الموضوعية‬
‫من أجل الوصول للى الحقيقة في العلم‪ ،‬لال ابتداء من عصر النهضة األوروبية‪ ،‬وذلك على‬
‫يد "راموس" فهو صاحب الفضل في لفت النظر للى أهمية المنهج في العلوم مما وجد له‬
‫صدى في الوقت‪.‬‬

‫تكونت فكر المنهج بالمعنى االصطالحي المتعارف عليه على يد فرانسيس‬


‫وفي القرن ‪ّ 02‬‬
‫بيكون وغيره من العلماء الذين اهتموا بالمنهج التجريبي‪ ،‬وتحدد المنهج بأنه" الطريق المؤدي‬
‫للى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل‬
‫‪2‬‬
‫وتحديد عملياته حتى يصل للى نتيجة معلومة‪".‬‬

‫على ضوء ما سبق فإن المنهج قد يكون مرسوما بطريقة تأملية مقصود نتيجة تفكير‬
‫منظم وسير طبيعي للعقل ولم تحدد أصوله سابقا‪ ،‬فيكون المنهج بذلك هو البرنامج الذي يحدد‬

‫‪ 1‬وذلك بمناسبة تقسيمه المنطق إلى نوعين‪ ،‬مذهب المبادئ يبحث في الشروط الصحيحة للحصول على المعرفة وعلم المناهج‬
‫‪ 2‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬

‫لنا السبيل للوصول للى الحقيقة في العلوم‪ ،‬وهو يشمل بذلك مجموعة اإلجراءات والتنظيمات‬
‫التي يضعها الباحث عند دراسته لمشكلة بحثه‪ ،‬وهذا هو المعنى الواسع للمنهج‪.‬‬

‫وقد يكون المنهج نتيجة تأمل وتحصيل للمعارف العملية‪ ،‬وقد حدد العلماء قواعده وأصوله‬
‫والقوانين العامة التي تخضع لها مستقبال طرائق بحثنا‪ ،‬وهذا هو المعنى الضيق للمنهج‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫حيث يتنوع بين التحليلي والوصفي والمقارن‪....‬‬

‫وال يمكن اإللمام بمعنى المنهج دون تمييزه عن اصطالح المنهجية في البحث العلمي‪،‬‬
‫فإذا كان المنهج فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديد لما من أجل الكشف عن‬
‫حقيقة مجهولة لدينا أو من أجل البرهنة على حقيقة ال يعرفها اآلخرون‪ ،‬وهو بذلك يظهر‬
‫أساسا في كيفية معالجة الموضوع على مستوى المتن وخطة البحث‪ ،‬وعليه فهو جزء من‬
‫يبين كيف يجب أن‬
‫المنهجية التي هي أشمل منه‪ ،‬والتي يمكن تعريفها على أنها‪" :‬العلم الذي ّ‬
‫يقوم الباحث ببحثه‪ ،‬أو هي الطريقة التي يجب أن يسلكها الباحث منذ عزمه على البحث‬
‫وتحديد موضوعه‪ ،‬وحتى االنتهاء منه‪ ،‬أو هي مجموعة اإلرشادات والوسائل والتقنيات التي‬
‫‪2‬‬
‫تساعده في بحثه‪".‬‬

‫‪ .2‬أسس اختيار المنهج‪ :‬يعتمد االختيار الصحيح للمنهج على األسس التالية‪:‬‬
‫‪-‬المقدر على اإلفاد من منهج معين في الدراسة بالوصول للى حل المشكلة البحثية بدقة‪،‬‬
‫فيساعد الباحث على الوصول للى نتائج سليمة وحقيقية‪ ،‬وبذلك ال يجب اعتبار المنهج هدفا في‬
‫حد ذاته‪ ،‬بل لنه وسيلة لتحقيق الغرض من البحث‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد الغريب عبد الكريم‪ ،‬البحث العلمي‪ ،‬التصميم والمنهج واإلجراءات‪ ،‬ط‪ ،5.‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0925 ،‬ص‬
‫ص‪29-22.‬‬
‫عبود عبد اهلل العسكري‪ ،‬منهجية البحث العلمي في العلوم القانونية‪ ،‬ط‪ ،5.‬دار النمير‪ ،‬سوريا‪ ،5114 ،‬ص‪01.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -‬على الباحث فهم الطريقة التي اختارها لحل المشكلة البحثية‪ ،‬وتحديد الخطوات التي‬
‫سيقوم بها للتقدم نحو الحل‪ ،‬لكن ذلك ال يعني االلتزام الصارم بطريقة البحث‪ ،‬حيث يمكن للباحث‬
‫لحداث التغييرات اللزمة على المنهج المتبع تبعا لم يكتشفه من أدلة خالل التقدم في الدراسة‪.‬‬

‫‪-‬تتحكم طبيعة المشكلة البحثية ونوع البيانات والمعلومات التي تتضمنها أيضا في سالمة‬
‫اختيار المنهج المتبع‪ ،‬ولذلك فإن المنهج العلمي ال يصلح فقط للبحوث في العلوم الطبيعية فقط‪،‬‬
‫بل يصلح كذلك للبحوث في العلوم اإلنسانية ومنها العلوم القانونية‪ ،‬وهذا خاصة لذا استطاع‬
‫‪1‬‬
‫الباحث استبعاد العوامل الذاتية في بحثه وركز على العوامل الموضوعية فيه‪.‬‬

‫‪ .3‬أهمية تعدد المناهج في البحث القانوني‪:‬‬


‫تتميز البحوث القانونية بتعدد المناهج‪ ،‬حيث يمكن دراسة الموضوع الواحد باتباع أكثر‬
‫من منهج‪ ،‬ويعود ذلك للى األسباب التالية‪:‬‬
‫‪-‬تعدد الظاهر القانونية في حد ذاتها‪ :‬وهذا يحتم استخدام أكثر من منهج في دراستها‬
‫في لطار التكامل المنهجي‪.‬‬
‫‪-‬ارتباط العلوم القانونية بغيرها من العلوم‪ ،‬فارتباط القانون الكبير بالتاريخ مثال يستوجب‬
‫استخدام المنهج التاريخي‪... ،‬‬
‫وال يتفق المشتغلون بمناهج البحث العلمي على تصنيفات محدد لها‪ ،‬غير أنه وان‬
‫كان يجب التسليم بعدم لمكان الفصل بين المناهج‪ ،‬لال أنه يمكن تقسيمها من أجل دراستها فقط‪،‬‬
‫كما أن هذه المناهج تختلف باختالف الظواهر المدروسة‪ ،‬وما يصلح منها لدراسة ظاهر قد ال‬
‫يصلح لدراسة غيرها من الظواهر الختالفها من حيث موضوعها وخصائصها‪ ،‬لال ان ذلك ال‬
‫ينفي لمكانية دراسة ظاهر واحد بأكثر من منهج مع ضرور تكييف ذلك مع غايات البحث‬
‫الخاصة والقدرات الخاصة للبحث‬

‫‪ 1‬أحمد بدر‪ ،‬أصول البحث العلمي ومناهجه‪ ،‬المكتبة األكاديمية‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ن‪ ،.‬د‪.‬س‪.‬ن‪ ،.‬ص ص‪542-543.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫المحاضرة الثانية‪:‬‬

‫المنهج التحليلي في البحوث القانونية‬

‫في هذه المحاضر نتعرض بالشرح للى المقصود بالمنهج التحليلي‪ ،‬من حيف التطرق‬
‫للى تعريفه وأهميته في البحث العلمي‪ ،‬ومراحله‪ ،‬ونحاول تقدير المنهج في الختام‪.‬‬

‫ّأوال‪ :‬تعريف المنهج التحليلي‪:‬‬

‫ويسمى أيضا المنهج االستكشافي أو منهج االختراع وهو" الطريقة التي يتم بها تجزئة موضوع‬
‫ما للى أبسط عناصر بغية التمعن في دراسته والتعمق في معرفته"‪ ،‬ويعرف أيضا بأنه "تفكيك‬
‫الكل للى الجزء‪ ،‬والمقصود هو التفكيك العقلي للكل للى أجزائه المكونة له وعناصره المقيمة‬
‫يبين طبيعة الفكر البشري الذي ينظر للى الكل‪ .‬وممارسة التحليل تمكنه من‬
‫لبنيانه‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫تجزئة الظاهر ودراستها بعمق"‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية المنهج التحليلي‪:‬‬

‫قبل التطرق ألهمية التحليل في مجال البحوث العلمية القانونية‪ ،‬نبين أهمية المنهج التحليلي‬
‫في كل أنواع البحوث العلمية‪.‬‬

‫‪.1‬أهمية المنهج التحليلي في البحث العلمي‪:‬‬

‫حتى يتمكن الباحث من لعداد بحث وفقا للمنهج التحليلي ال بد وأن تتوافق طبيعة الموضوع‬
‫مع متطلبات هذا المنهج‪ ،‬حيث يجب استبعاد المواضيع غير القابلة للتحليل‪ .‬وتظهر أهمية‬
‫المنهج التحليلي فيما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬مصطفى النامير‪......................‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬

‫‪-‬لذا كان التحليل التجريبي هو المستعمل في العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء‪ ،‬فإن‬
‫التحليل النظري المجرد هو المتبع في استخالص األفكار والتمييز بينها وخاصة عند دراسة‬
‫األوضاع االجتماعية والسياسية فتكون النتيجة لظهار الخصائص األساسية لمختلف الظواهر‪.‬‬

‫‪-‬يم ّكن التحليل الباحث من التعمق في صلب الموضوع وبالتالي التحكم فيه‪ ،‬وذلك نظ ار‬
‫العتماده على التفسير‪.‬‬

‫‪-‬كما أنه يساعد على لجالء الغموض على ما كان يبدو للباحث مبهما في بداية البحث‪.‬‬

‫‪.2‬أهمية المنهج التحليلي في البحث العلمي القانوني‪:‬‬

‫يعتبر "هارولد الزويل" أول من استعمل المنهج التحليلي في ميدان العلوم القانونية عند‬
‫دراسته للحملة الدعائية التي قام بها اإلعالم البريطاني لمبدأ ولسن ‪ 04‬ومنها مبدا حق تقرير‬
‫مصير الشعوب لسنة ‪ ،0919‬حيث استخدم هذا المنهج لتحليل ودراسة مختوى المؤتمرات‬
‫الصحفية للجنرال ديغول‪ ،‬وكانت نتيجته تأكيد أن التحليل هو أفضل وسيلة لنقد النصوص القانونية‬
‫والسياسية‪.‬‬

‫ويعتبر المنهج التحليلي هو األفضل لدراسة النظريات العامة كنظرية االلتزام مثال‪ ،‬كما‬
‫يفيد القاضي عند الفصل في النزاعات المعروضة عليه‪ ،‬حيث يفكك الدعوى من خالل استعراض‬
‫الوقائع‪ ،‬ثم النصوص والقواعد القانونية التي تحكمها‪ ،‬ثم يقوم بتطبيق تلك النصوص على الوقائع‬
‫ليتمكن من لصدار حكمه‪ .‬وهكذا فإن القاضي يستخدم المنهج التحليلي حتى عمد صياغة الحكم‬
‫النهائي في الدعوى‪.1‬‬

‫ثالثا‪ :‬دور شخصية الباحث في المنهج التحليلي‬

‫أيمن سعد سليم‪ ،‬أساسيات البحث العلمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪45.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬

‫لشخصية الباحث دور مهم جدا في الوصول للى نتائج صحيحة من خالل التحليل‪ ،‬ذلك‬
‫أن ضعف التحليل أو انعدامه قد يؤدي بالفكر للى االنحراف‪ ،‬ويصدق القول على تفسير آيات‬
‫القرآن الكريم كما يصلح أيضا على تحليل النصوص القانونية والخطابات وحتى المباريات‬
‫الرياضية‪.‬‬

‫ولذلك ال بد أن تتوفر في الباحث المستعمل للمنهج التحليلي عد خصائص منها‪:‬‬

‫‪ -‬قو الشخصية والتي يترتب عنها االستقاللية وتحرير الفكر‪.‬‬


‫‪ -‬القدر الذهنية والتحليلية للباحث وتجنب االعتماد على النقل وترديد األقوال ألن الفاعل‬
‫يعتبر مجرد مقدم ماد خام أو جامع للمعلومات‪ ،‬غير أن ذلك ال يمنع من االستفاد‬
‫من األعمال السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬العلم الواسع بالموضوع واإلحاطة به‪.‬‬
‫‪ -‬التحكم والتمكن من لغة البحث األساسية‪.‬‬
‫‪ -‬الموضوعية في التحليل‪ ،‬وهي من متطلبات المنهج العلمي‪ ،‬حيث يقع على الباحث‬
‫ترك األحكام المسبقة التي تكون نتيجة لقناعاته ومعتقداته الشخصية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مراحل البحث وفق المنهج التحليلي‬

‫لن نقطة البداية بالنسبة للبحث الذي يعتمد المنهج التحليلي هو دراسة القواعد العامة‬
‫وفهمها فهما جيدا ‪ ،‬ومعرفة شروط تطبيقها ومن ثم فحص القضية المعروضة على الباحث‬
‫ودراستها وتأملها‪ ،‬ثم اختيار القاعد العامة المالئمة لحلها وتطبيقها عليها للوصول أخي ار للى‬
‫‪1‬‬
‫حصر آثار تطبيق القاعد العامة على القضية المعروضة‪.‬‬

‫وبناء عليه فإن البحث باستخدام المنهج التحليلي يمر بالمراحل الثالث التالية‪:‬‬

‫عاصم خليل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪92.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫‪14‬‬

‫‪.1‬مرحلة التفسير‪ :‬أي شرح وتأويل المواضيع المتعلقة بالبحث العلمي من خالل تحليل‬
‫وتأويل النصوص وحمل البعض على البعض اآلخر لتحديد المتشابه والمختلف منها‪ ،‬وتحديد‬
‫مشكالتها‪ ،‬وهذا المستوى هو األول ويسمى "التفسير البسيط"‪ ،‬أما المستوى الثاني فهو "التفسير‬
‫المركب" ويعلل من خالله الباحث الظواهر التي يتناولها بحثه من خالل لعادته القضية التي يقوم‬
‫بتحليلها للى أصولها وربط اآلراء بأسبابها‪.‬‬

‫‪.2‬مرحلة النقد‪ :‬وفيها يرصد الباحث مواطن الخطأ والصواب في البحث العلمي الذي يقوم‬
‫بتحليل موضوعه‪ ،‬فيقوم بعملية تصحيح وتقويم المفاهيم المرتبطة ببحثه استنادا للى الثوابت‬
‫واألصول العلمية‪.‬‬

‫‪.3‬مرحلة االستنباط‪ :‬االستنباط هو التأمل في أمور جزئية الستنتا األحكام منها وبذلك‬
‫فهو يؤدي للى نتائج جديد ‪ .‬واالستنباط نوعان‪:‬‬

‫استنباط جزئي‪ :‬هو اجتهاد متعلق بقضايا جزئية بهدف الحصول على معلومات جديد منها‪.‬‬

‫استنباط كلي‪ :‬هو االجتهاد الذي يهدف الباحث من خالله للى وضع أي ابتكار نظرية جديد ‪،‬‬
‫أو تركيب نظرية علمية جديد من خالل جمع ماد علمية من مصادر متعدد بحيث يشكل‬
‫الباحث نظرية جديد متكاملة لكن بشرط أال يكون قد سبقه لليها غيره‬

‫رابعا‪ :‬تقدير المنهج التحليلي‬

‫رغم أن من مساوئ المنهج التحليلي أن الباحث يبذل جهدا مكتبيا كبيرا‪ ،‬كما أنه يكون مقيدا‬
‫بالماد المدروسة ومصادرها المحدود ‪ ،‬لال أنه يتميز بعد ليجابيات منها‪:‬‬

‫‪ -‬ال يحتا فيه الباحث للى االتصال بالمبحوثين نظ ار لتوفر الماد المطلوبة مكتوبة‪.‬‬
‫‪ -‬ال يؤثر الباحث في المعلومات التي يقوم بتحليلها‪ ،‬لذ تبقى كما هي قبل وبعد الدراسة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ -‬لمكانية ل عاد لجراء الدراسة مر أخرى ومقارنة النتائج األخير مع النتائج األولى أو‬
‫نتائج دراسة ظواهر وحاالت أخرى‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like