Professional Documents
Culture Documents
العقد
العقد
مقدمة:
إنّ التصرف بالمعنى الفقهي هو كل ما يصدر عن شخص بإرادته ويرتب المشرع عليه نتائج حقوقية وهو نوعان ،فعلي
وقولي؛ فالتصرف هو ما كان قوامه عمالً غير لساني ،كاستالم الجميع وقبض الدين وما شابه ذلك ،والتصرف القولي
نوعان عقدي وغير عقدي والعبرة في تمييز التصرف القولي عن الفعلي هي بطبيعة التصرف وصورته ال لمبناه الذي
بقي عليه ،فإذا كان دفع الثمن وتسيلم الجميع تصر ًفا فعليا ولو أنه مبني على عقد البيع.
فال تخلو الحياة اليومية لكل فرد من التصرفات التي تكتسي صبغة خاصة فيتصف جانب من هذه المعامالت بأنها
مصادر إرادية منشئة لاللتزام وأخرى توصف بأنها مصادر غير إرادية ،وقد قسم الفقهاء المصادر اإلرادية إلى اإلرادة
المنفردة والعقد ،وهذا األخير Gهو الذي تدور عليه دراستنا في هذا المحور.
فلقد وضع الفقهاء والتشريعات موسوعات عديدة تناولت تفسير وشرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم "العقد"
لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتبار Gبأنه الضابط الرئيسي ألسس المعادلة التي تجري في
مختلف الميادين ،وسنحاول قدر اإلمكان تسليط الضوء عليه من خالل إعطاء مفهوم له وكذا تعريفه وأركانه .
سنبين في هذا المحور مفهوم العقد من خالل إعطاء تعريف له ،ثم نتطرق إلى أركانه ،ثم ألساس القوة
الملزمة في العقد ومن ثم إلى نشأته ونتائجه والقيود الواردة عليه ،وصوالً إلى إبراز تقسيمات العقود من
حيث تكوينها وموضوعها وطبيعتها ،ثم من حيث آثارها وإلى كيفية حدوث التراضي بين أطرافها.
العقد هو كلمة تفيد الربط بين أطراف الشيء أما بين الكلمتين فيراد به العهد ،هذا الجانب اللغوي أما الجانب
االصطالحي هناك تعريفات متعددة سنتطرق لها .
العقد هو توافق إرادتين على إنشاء التزام معين فقد عرفته المادة 54ق.م.ج بأنه " اتفاق يلتزم بموجبه شخص
أو عدة أشخاص اتجاه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما ،" ويعتبر العقد
كما جاء في نص المادة 106من القانون المدني الجزائري شريعة المتعاقدين فال يجوز نقضه أو تعديله إال باتفاق
الطرفين أو ألسباب التي يقررها القانون.
وقد عرفه الدكتور خليل أحمد حسن قدادة على أنه :اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة
قانونية أو تعديلها أو إنهائها.
يرتكز العقد على ثالث أركان هي التراضي ،المحل ،والسبب ،كركائز أساسية ألي عقد غير أنها قد يضاف إليها ركن
آخر هو ركن الشكلية في بعض العقود الخاصــــــــة .
التراضــــي :يتحقق التراضي باقتران إرادتين متطابقتين ،وأن تتجها إلى إحداث قانوني وأن التراضي يتم بإيجاب
يطابقه قبول في إنشاء التزامات يترتب على اتفاقهما ،فطبقا لنص المادة 59ق م ج "يتم العقد بمجرد أن يتبادل
الطرفان التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين دون اإلخالل بالنصوص القانونية ." ويجب أن يصدر اإليجاب
والقبول عن شخص ذي أهلية وبسالمة اإلرادة مما يستوفيها من عيوب كالغلط والتدليس واإلكراه والغبن أو االستغالل.
المحـــل :هو األداء الذي يلتزم به المدين في ُم واجهة الدائن ،وهذا األداء قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن وقد
يكون القيام بعمل وقد يكون االمتناع Gعن القيام بعمل.
السبـــــب :السبب هو ركن جوهري ال ينعقد العقد بدونه ،ويختلف السبب عن المحل فالمحل ما يلتزم به المدين ،
أما السبب فهو الهدف الذي من أجله التزم المدين ،و قد تناولت المادتين ركن السبب المادتين 97و 98ق.م .ج شرح
ركن السبب .
أو الغاية المباشرة التي يقصد إليها الملتزم من التزامه اإلرادي وهو بهذا المعنى يتأكد لنا بأنه من طبيعة معنوية ،
وبالتالي يعتبر عنصرا من عناصر اإلرادة .
يقتضي منا التطرق لمبدأ سلطان اإلرادة التعريف به وباألسس التي يقوم عليها تم التطرق للنتائج التي يترتب عن
األخذ بهذا المبدأ ،وكذلك النتائج والقيود الواردة عليه وهو ما سنتطرق له من خالل هذا المبحث .
كما سبق القول أن العقد هو توافق بين إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني إذا أن أساس العقد هو اإلرادة
المشتركة لطرفيه ،فمبدأ سلطان اإلرادة هو توافق إرادتين إلنشاء العقد وأن المتعاقدين هي من االلتزامات التي يرتبها
العقد ،بمعنى أنّ كل االلتزامات ترجع في مصدرها إلى اإلرادة الحرة ،بحيث اإلرادة هي التي تحدد ما يرتب على
االلتزام من آثار قانونين ويترتب عن هذا وجوب احترام حرية المتعاقدين و القوة الملزمة للعقد المستمدة هنا مشيئة
المتعاقدين فال يجوز نقص العقد أو تعديله إال باتفاقها فال يتدخل المشرع أو القاضي في هذا العقد إال في حاالت خاصة .
لم تكن تكفي اإلرادة في القوانين القديمة إلبرام العقد إذا فرض القانون الروماني وجوب اتخاذ إجراءات شكلية وقد
سادت هذه الفكرة العصور القديمة إلى غاية زوال الدولة الرومانية ،أما في العصور الوسطى مهدت الكنيسة للرضائيين
محال ،وأيضا للشريعة اإلسالمية دور في انتشار العقود الرضائيــــة ،ووصل هذا المبدأ ذروته ما بين القرنين 17و
19ميالدي وذلك لظهور المذهب الفردي الذي قام بتبجيل Gاحترام الفرد واعتباره محورا للقانون ،وقد ظهر في التقنين
المدني الفرنسي تقديس هذا المبدأ في العقود ،وبهذا اعتبرت الشكلية أصالً والرضائية استثناء G،إال أنه مع بداية القرن
الـــ 20ميالدي تقلص تحت تأثير االشتراكية مع بقائه ضرورة بل مبدأ إلنشاء العقود.
إنّ التزام اإلرادة هي أصل العقود ،إذ ال يلزم الشخص إال بإرادته فهو أعلم بمصلحته ،وإذا تقررت عليه التزامات غير
إرادية ،يعتبر Gذلك إستثناءًا ضيّق الحدود واقعيًا ،أما ثاني ما يترتب عن مبدأ سلطان اإلرادة هو حرية التعاقد ،فإرادة
الفرد هي من تنشئ االلتزام العقدي دون أية قيود غير اعتبارات النظام العام وحسب اآلداب ،وثالث ما ندركه هو
االلتزام وتحدد أثاره وإن تدخل القانون بقواعد مكملة في تنظيم التصرف القانوني فيجوز ألطراف االتفاق على غير ما
جاء به ،أما القواعد اآلمرة فهي قليلة تضمن حقوق الدائن والسير الحسن للمعامالت ،وهذا ما يقودنا إلى رابع نتيجة
لمبدأ سلطان اإلرادة هي أن العقد شريعة المتعاقدين فهما من يشنؤه وهما من يضعوا التزاماتــــه ،وهما من يحددوا نوع
التصرف الذي يترتب عليه.
لكن انتقص هذا المبدأ السيما في القرن الــعشرين مما أدى إلى اتساع االلتزامات غير اإلرادية وإضفاء بعض
القيود عليه وتتمثل في:
- 1القيود المتعلقين بإبرام العقد إذ اشترط فيه المشرع إفراغ بعض العقود في أشكال معينة باتخاذ إجراءات محددة .
- 2قيود ناشئة عن فكرة النظام العام واآلداب العامة مما تضيق عن حرية المتعاقدين في إنشاء االلتزام .
- 3القيود المتعلقة بحرية تحديد آثار العقد إذ جاز المشرع للقاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود اإلذعان بحكم
القانون .
تتنوع العقود وتتعدد حتى ال يكاد يحصرها ،فاإلرادة حرة في إنشاء االلتزامات و ليست محددة ،األمر الذي يؤدي
بالضرورة إلى تنوع العقـــود .
و ينظم القانون طائفة من العقود يمكن النظر إليها من حيث تكوينها Gوموضوعها وطبيعتها ومن حيث آثارها القانونية
وكيفية حدوث التراضي بها .
وم ّم ا الشك فيه أن اإلنسان في حياته ومن خالل تعامالته تجمعه عالقات ومصالح مع أناس آخرين ،حيث وفي وقتنا
الحاضر في ظل التطور الحاصل في المجال القانوني نظم المشرع هذه العالقات والتبادالت بين الناس في شكل عقود،
لضمان حقوق جميع األطراف المتعاقدة ومن هنا استوجب علينا تعريف هذا العقد ،حيث أننا إذا جئنا لتعريفه وجدنا أنه
هو ذلك اإلتفاق الحاصل بين طرفين أو أكثر تلتزم بموجبه األطراف المتعاقدة إما بإعطاء شيء أو فعل شيء أو اإلمتناع
عن فعل شيء ما ،حيث صرح به المشرع الجزائري في المادة 54من القانون المدني الجزائري على أن "العقد إتفاق
يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل
شيء ما".
أ -العقد الرضائــــي : هو ذلك العقد الذي تكفي النعقاده إرادة الطرفين باقتران اإليجاب بالقبول مثل عقد اإليجــــــار
.
ب -العقد الشكلي :هو ذلك العقد الذي ال تكفي اإلرادة المتعاقدين النعقاده فقط بل وجب عليه أن يخضع لشكل معين
أي الكتابة الرسمية مثل عقد بيع قطعة أرض.
ج -العقد العيني : هو ذلك العقد الذي ال تكفي النعقاده إرادة المتعاقدين بل يستوجب تسليم العين ،محل العقد أو بشكل
أوضح الشيء المتعاقد عليه مثال ذلك عقد بيع سيارة أو عقد بيع أرض .
-2من حيث الموضـــوع :
أ-العقد المسمى :وهو العقد الذي نظمه المشرع وذكره في نصوصه مثال ذلك ( :عقد البيع G،عقد اإليجار ،عقد
الشركة) ،والعقد المسمى أكثر سهولة فى التعرف على أحكامه ،بالتالى أكثر سهولة في تفسيره إذ يكفى الرجوع الى
أحكام هذا العقد المدرجة فى القانون المدنى للتعرف على القواعد التي تنظمه.
ب -العقد غير المسمى : هو ذلك العقد الذي لم يتناوله المشرع في نصوصه الخاصة والتي تحكمه القواعد العامة
مثل عند الحضانة .
العقد المحدد :لقد نص عليه القانون المدني الجزائري في المادة 57/1تحت اسم العقد التبادلي "يكون
العقد تبادليا متى التزم أحد الطرفين بمنح أو فعل شيء يعتبر معادال لما يمنح أو يفعل له" ،فهو
ذلك العقد الذي يستطيع كل متعاقد فيه أثناء إبرام العقد أن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات مثل
.عقد البيع وعقد اإليجار
العقد االحتمالي( : عقد الغرر) هو ذلك العقد الذي ال يستطيع فيه على متعاقدين أثناء إبرام العقد أن يعرف
ما له من حقوق وما عليه من التزامات فال يتحدد ذلك إال في المستقبل مثل بيع ثمار لم تنضج بعد (مادة 574
.ق.م.ج)
العقد الفـــــوري : هو ذلك العقد الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة أو على دفعات دون أن يكون الزمن عنصرً ا
.رئيسيًّا وجوهريًّا فيه ،ومثال ذلك (البيع ولو كان الدفع أو دفع الثمن على أقساط)
العقد الزمني :هو ذلك العقد الذي يعتبر فيه الزمن عنصرا أساسيا فيه إذ تحدد محله مثل (عقد العمل ،عقد
.اإليجار)G
عقد المعاوضة :هو العقد الذي يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد اآلخر فالبائع يلتزم مقابل
حصوله على ثمن الشئء المبيع بإعطاء المبيع Gإلى المشتري ،فعقد البيع من عقود المعاوضة وكذلك عقد
.اإليجار Gوعقد التأمين
عقد التبرع : هو العقد الذي ال يحصل فيه المتعاقد مقابل ما التزم به أمام المتعاقد اآلخر أي دون أن يلتزم هذا
. األخير في مواجهة المتعاقد المتبرع بأي نوع من اإللتزامات
هو ذلك العقد الذي ينشأ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين وهذا طبقا لنص المادة 55من القانون المدني
الجزائري التي تنص على أنه" :يكون العقد ملزما للطرفين لنص متى تبادل المتعاقدين االلتزام بعضهما
بعض مثال ذلك عقد البيع تسليم واستالم "
ب -العقد الملزم لجانب واحد
وهو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون اآلخر وهذا حسب المدة 56ق.م.ج "يكون العقد
ملزما لشخص أو لعدة أشخاص إذ تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من هؤالء اآلخرين
مثال :الهبة تمليك بال عوض ( المادة 202من قانون االسرة الجزائري ) .
عقد المساومة أو التفاوض : وهو ذلك العقد الذي يساهم كل متعاقد بحرية كاملة في وضع شروط العقد
وبنوده ،وهو الشأن الغالب في جميع العقود المدنية كما هو الحال في عقود البيع واإليجار والمقاولة والشركة
.و الوكالة
عقد اإلذعان :هو ذلك العقد الذي ال يملك أحد المتعاقدين الحرية الكاملة بما يتمتع Gبه الطرف اآلخر بوضع
شروط العقد في جملتها إلى حرية قبول العقد أو رفضه مثل عقد التأمين ،ومثالها عقود االحتكار Gكعقود
االشتراك في الماء والكهرباء والغاز والهاتف وعقود التأمين وعقود النقل حيث يكون القبول في مثل هذه
العقود يقتصر على مجرد التسليم بالشروط التي يضعها الموجب مقدما وال تقبل المناقشة أو المساومة فيها