Professional Documents
Culture Documents
يفً طٝين يقِ ()47ي ٓ١ “تي ١حتً ١ًّٝٝيف قاْ ٕٛيعكٛبا
“6391
Conspiracy in Light of the Criminal Legitimacy
إعل ت يباذث:
أمحل مجاٍ حمُل يٓحاي
إش ف:
ت.حمُةل عبل هلل أبةَٛةط ت .ةاٖة إب ٖة ِٝيةٛيةٝةل
أ اذ يكاْ ٕٛيل ٛي ٟمل اعل أ اذ يكاْ ٕٛجلٓائ ٞملصايى
سكرة القصص}{20
أ
إق ي
أقر بأف ما اشتممت عميو ىذه الرسالة إنما ىك نتاج جيدم الخالص ،باستثناء ما تمت اإلشارة إليو
ُّ
و
درجة أك لقب عممي أك بحثي حيثما كرد ،كأف ىذه الرسالة ككؿ ،أك أم جزء منيا لـ ييقدـ مف قبؿ لنيؿ أم
و
بحثية أخرل. و
مؤسسة تعميمية أك لدل أم
Declaration
The work provided within this thesis entitled "Conspiracy in Light of the
Criminal Legitimacy", unless otherwise referenced is the researcher's own work
and hasn't been submitted elsewhere for any other degree or qualification.
التكقيع:
التاريخ:
ب
إٖل ء
* * * *
* * * *
ج
شه ٚع فإ
ساىر إبراىيـ الكليد–أستاذ القانكف الجنائي المشارؾ بجامعة األزىر ،كالدكتكر /محمد عبد اهلل أبك مطر –
أستاذ القانكف العاـ المساعد بجامعة األزىر؛ عمى تفضميما بقبكؿ اإلشراؼ عمى ىذه الرسالة ،فكاف
لنصائحيما كارشاداتيما كاقتراحاتيما األثر البالغ في إثرائيا كظيكرىا بالشكؿ الذم ىي عميو اآلف ،فميما مني
كؿ الحب كالتقدير ،آمبلن مف اهلل -عز كج ٌؿ – أف ينفع بعمميا الكطف كأبناءه ...
مناقشة رسالتي ،كالشكر مكصك هؿ إلى كؿ مف آزرني كلك بكممة تشجيع ،كالى كؿ مف كقؼ بجانبي خالص
المحبة كالتقدير.
د
اي١ دًص ي َ
ي ً
عاقب المشرع الفمسطيني في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936عمى االتفاؽ عمى ارتكاب ي
جناية أك جنحة ،كجريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،بصرؼ النظر عما إذا كقعت الجريمة المتفؽ عمييا أـ ال،
كىذه الصكرة تعد إحدل مظاىر التجريـ الكقائي الذم ال ينتظر فيو المشرع تنفيذ المشركع اإلجرامي لمعاقبة
كلما كانت الحماية الجنائية لمحقكؽ كالحريات كأصؿ مف أعماؿ المشرع العادم؛ إال أف تدخمو في
التجريـ كالعقاب يبقى مقيدان بأحكاـ الدستكر ،كأحد أبرز ىذه القيكد ىك مبدأ الشرعية الجنائية كما يتفرع عنو
مف مبادئ تقتضي عدـ المجكء لسبلح التجريـ كالعقاب إال لضركرة اجتماعية قصكل ،كأال يرد ىذه التجريـ
كىك ما تعيف معو البحث فيما إذا كانت النصكص المتعمقة بجريمة االتفاؽ الجنائي الكاردة في قانكف
العقكبات الفمسطيني رقـ 74لسنة 1936تتسؽ مع القيكد السابقة أـ ال ،بيد أف ذلؾ استكجب بياف األحكاـ
تكصؿ الباحث إلى جممة مف النتائج أبرزىا عكار بعدـ الدستكرية ،يعترم النصكص المتعمقة بجريمة
االتفاؽ الجنائي العاـ كبعض النصكص الجنائية الكاردة في القسـ الخاص ،كأف تجريـ االتفاؽ الجنائي ال
ه
Abstract
In the Criminal Code Ordinance No. (74) of 1936, the Palestinian legislator
punishes for agreeing to commit a felony or a misdemeanor, as an independent
crime, regardless of whether that crime occurred as agreed on or not. So, this
image is one of the manifestations of the preventive criminalization in which the
legislator does not wait the criminal till he implements the criminal activity, but he
confronts him while he is in the early beginning of that criminal activity.
Since the criminal protection of rights and freedoms as an origin of the work
of the ordinary legislator, his interference in criminalization and punishment
remains restricted by the provisions of the constitution. One of the most prominent
restrictions is the principle of criminal legitimacy and the other principles that
derive from it that require the non-recourse to the weapon of criminalization and
punishment except for the utmost social necessity, Also, to apply this
criminalization only regarding a material act and to be associated with a
proportionate criminal penalty. Moreover, the principle of legality also requires
special characteristics in criminal texts.
This research addresses whether the provisions related to the crime of the
criminal agreement/conspiracy, included within the Palestinian Penal Code No. 74
of 1936, are consistent with the previous restrictions or not, but this required a
clarification of the general and special provisions of that crime in some details.
The researcher reached a set of results, the most prominent of which is that
there is defect of unconstitutionality related to the crime of the general criminal
agreement/conspiracy, also, some criminal texts contained within the private
section. In addition, criminalizing the criminal conspiracy does not contradict the
principle of prohibiting on punishment for mere intentions and ideas.
و
اي١ فٗ س ي
ز
75 المطمب الرابع :العقاب عمى االتفاؽ الجنائي ..............................
83 المطمب الخامس :االتفاؽ الجنائي الخاص ................................
91 المبحث الثاني :األحكاـ العامة لبلتفاؽ الجنائي ...........................
92 المطمب األكؿ :االتفاؽ عمى جريمة مستحيمة ..............................
97 المطمب الثاني :االتفاؽ الجنائي كتعدد الجرائـ .............................
105 المطمب الثالث :الشركع في االتفاؽ الجنائي ...............................
116 المطمب الرابع :العدكؿ االختيارم في االتفاؽ الجنائي ......................
133 يفصٌ يثايث :التفام جلٓائ ٞيف َ ٛجٗ ١ملباتئ يل ٛي١ٜ
134 المبحث األكؿ :متطمبات الشؽ المكضكع لمبدأ الشرعية ....................
135 المطمب األكؿ :التناسب بيف شقي التجريـ كالعقاب ........................
156 المطمب الثاني :حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار .........................
177 المطمب الثالث :ضركرة التجريـ كالعقاب ..................................
197 المبحث الثاني :متطمبات الشؽ الشكمي لمبدأ الشرعية .....................
198 المطمب األكؿ :اليقيف الجنائي "اليقيف" ....................................
209 المطمب الثاني :مبدأ اليقيف كاالتفاؽ الجنائي ..............................
222 يبرث ْ ائخ ٚتٛصٝا
232 اي١ َ جع ي
ح
َكلَ١
َٛضٛع يلي :١
قديمان كاف اليدؼ مف التجريـ ىك محاسبة الجاني عف الجريمة التي اقترفيا ،كلكف االتجاىات
المعاصرة لمسياسة الجنائية نزعت نحك تطكير ىدؼ التشريعات الجنائية الحديثة ليتجاكز مجرد العقاب عمى
الجريمة المرتكبة ليتغيا عكضان عف ذلؾ االحتراس بمنع كقكع الجريمة باتخاذ رزمةن مف الكسائؿ المانعة لكقكع
الجريمة ،كسف النصكص التي تكفؿ كقاية المجتمع ،كأحد أىـ ىذه الكسائؿ كاف تجريـ االتفاؽ الجنائي؛
فخبلؿ مرحمة التفكير في الجريمة قد يمجأ الجاني إلى التعبير عف مضمكف أفكاره اإلجرامية لغاية ينشدىا،
كفي بعض األحكاؿ يتضمف ىذا التعبير خط انر ييدد أمف المجتمع برمتو أك اضطرابان يشيع بيف أفراده ،كمف
ذلؾ أف يرل الجاني "أحيانان" ضركرة االستعانة بغيره لمشاركتو في تنفيذ المشركع اإلجرامي ،كقد يككف لدل
ذلؾ الغير الرغبة أيضان في اقتراؼ الجريمة ذاتيا ،فيتـ االتفاؽ بينيما؛ لذلؾ ارتأل المشرع أف يتدخؿ بالعقاب
عمى مثؿ ىذا االتفاؽ ،ليككف تجريمو بمثابة خط دفاع يجابو بو المشركع اإلجرامي كىك في طكر التككيف،
فبدالن مف انتظار كقكع الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي لعقاب الجناة ،كاف ال بد مف جعؿ االتفاؽ عمى ارتكابيا
يمجرمان بحد ذاتو؛ خاصةن كأف ىذا االتفاؽ كفيؿ بأف يقطع دابر التردد الذم كاف مف المحتمؿ أف يصيب كبلن
مف أطرافو لك كاف في عقده لمنية اإلجرامية كحيدان ،كتبعان لذلؾ جرـ المشرع الجزائي في قانكف العقكبات
كلما كاف تجريـ االتفاؽ في حد ذاتو تحكطيان كقائيان؛ كذلؾ لًما لبلتفاؽ مف خطكرة عمى المجتمع،
تعيف أف يككف نطاقو بقدر الضركرة النافعة التي يقتضييا حفظ النظاـ العاـ ،فسمطة التجريـ ليست مطمقة مف
كؿ قيد ،بؿ يتعيف عمى المشرع أف يكفؽ بيف مصمحة المجتمع كالحرص عمى أمنو كاستق ارره مف جية،
1
كحريات كحقكؽ األفراد مف جية أخرل؛ لكي يتفادل الكقكع في إشكالية عدـ الدستكرية؛ فمدل دستكرية جريمة
االتفاؽ الجنائي في قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ يتطمب تفصيؿ األحكاـ العامة
ابتداء ،كمف مف ثـ االنتقاؿ لبياف مدل تكافقيا مع مبدأ الشرعية الجنائية كما
ن لمجريمة كمكاضع خصكصيتيا
يتفرع عنو مف ضكابط تحكـ سمطة المشرع في التجريـ كالعقاب ،مع تسميط الضكء عمى مكقفي الفقو كالقضاء
بالتحمي ػ ػ ػػؿ ى ػ ػ ػػذا المكض ػ ػ ػػكع ،بتس ػ ػ ػ ػمٌيطيا الض ػ ػ ػػكء عم ػ ػ ػػى جريم ػ ػ ػػة االتف ػ ػ ػػاؽ الجن ػ ػ ػػائي ف ػ ػ ػػي ق ػ ػ ػػانكف العقكبػػ ػ ػػات
الفمس ػ ػػطيني رق ػ ػػـ ( )74لس ػ ػػنة ،1936كبيػ ػ ػاف أحكامي ػ ػػا كاس ػ ػػتظيار م ػ ػػدل اتس ػ ػػاقيا م ػ ػػع المب ػ ػػادئ الدس ػ ػػتكرية
الت ػ ػػي تحك ػ ػػـ مس ػ ػػمؾ المش ػ ػػرع فيم ػ ػػا يتعم ػ ػػؽ بسياس ػ ػػتو كس ػ ػػمطتو ف ػ ػػي مج ػ ػػالي التجػ ػ ػريـ كالعق ػ ػػاب ،خاصػ ػ ػةن كأف
أصػ ػ ػمت ىػػ ػػذه الد ارسػػ ػػة كف ػ ػػي ظػ ػ ػػؿ االختػ ػ ػزاؿ ً
المخ ػ ػ ػؿ ال ػ ػػذم يتعػ ػ ػػرض ل ػ ػػو مبػػ ػػدأ الش ػ ػػرعية الجنائي ػ ػػة؛ ٌ
ي
المتفرعػ ػػة عػ ػػف ىػ ػػذا المبػ ػػدأ كالتػ ػػي تتمتػ ػػع بػ ػػذات القيمػ ػػة الدسػ ػػتكرية ،كػ ػػؿ ذلػ ػػؾ فػ ػػي إطػ ػػار مػ ػػا صػ ػػدر
لممبػ ػػادئ ي
عػ ػػف القضػ ػػاء الدسػ ػػتكرم مػ ػػف أحكػ ػػاـ كعػ ػػف الفقػ ػػو مػ ػػف آراء؛ لغايػ ػػة كشػ ػػؼ النصػ ػػكص العقابيػ ػػة ذات الص ػ ػػمة
بمكضكع الدراسة التي يعترييا عكار عدـ الدستكرية؛ لتداركيا مف قبؿ جيات االختصاص.
2
َصهً ١يلي :١
تسعى الدراسة لئلجابة عمى تساؤؿ رئيس كىك " :إلى أم و
حد يتكافؽ تجريـ المشرع العقابي الفمسطيني
لالتفاؽ الجنائي مع مبدأ الشرعية الجنائية كما يتفرع عنو مف ضكابط تحكـ سمطة المشرع في التجريـ
كالعقاب؟"
ىؿ ييعد مصطمح التآمر مرادفان لبلتفاؽ الجنائي ،أك أف لكؿ منيما مدلكلو الخاص؟ .2
مادم ُّ
يدؿ عميو؟ و و
بسمكؾ ىؿ ييشترط لقياـ المسئكلية الجزائية عف االتفاؽ الجنائي أف يككف متبكعان .3
كىؿ يشترط أف يككف االتفاؽ منظمان أك مضي مدة زمنية معينة عمى االتفاؽ؟
ىؿ يكجد اختبلؼ بيف كؿ مف االتفاؽ كجريمة مستقمة كاالتفاؽ ككسيمة اشتراؾ؟ ،كىؿ ىناؾ تناقض .4
كتنافر في سياسة المشرع الجزائي الفمسطيني في حاؿ أخذه باالتفاؽ ككسيمة لممساىمة الجنائية
ىؿ حدد المشرع الحد األدنى لعدد المتفقيف؟ كىؿ يكفي لقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي أف تتعدد .5
إذا ما تكافر أحد أسباب اإلباحة أك مكانع المسئكلية أك مكانع العقاب في جانب أحد طرفي االتفاؽ، .6
ييستبعد مع ذلؾ قياـ االتفاؽ الجنائي؟ ،كىؿ يقكـ االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يككف فييا أحد
3
ىؿ يستبعد العقاب عمى جريمة االتفاؽ الجنائي في الحالة التي ال يتـ فييا التكصؿ لسائر المتفقيف؟، .7
كىؿ يشترط لقياـ االتفاؽ الجنائي أف يتخذ شكبلن معينان أك أف يككف حاالن أك أف يتـ تعييف الكسائؿ
جريمة االتفاؽ؟
جرمان،
ىؿ يستمد االتفاؽ الجنائي صفتو الجنائية مف مكضكعو ،بما يتعيف معو أف يككف األخير يم ٌ .9
ىؿ يصمح محبلن لبلتفاؽ الجنائي جميع أنكاع الجنايات كالجنح؟ ،كىؿ يشمؿ ذلؾ الجنايات كالجنح .10
ىؿ تترتب المسئكلية الجزائية عمى االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يقكـ فييا جميع المتفقيف أك .11
بعضيـ بالعدكؿ عف تنفيذ الجريمة محؿ االتفاؽ؟ ،كىؿ تترتب المسئكلية الجزائية عمى االتفاؽ
ىؿ يتصكر كقكع الشركع في االتفاؽ الجنائي؟ ،كىؿ يعاقب عميو حاؿ كقكعو؟ .12
ىؿ يعتبر شركعان ،محاكلة الدخكؿ في اتفاؽ قائـ أك الدعكة الخائبة إلجراء اتفاؽ جنائي؟ .13
ىؿ إجراء المفاكضات كالمدارسات كالمناقشات التي تسبؽ االتفاؽ الجنائي يدخؿ ضمف مدلكؿ .14
الشركع في االتفاؽ؟
ىؿ يتصكر كقكع العدكؿ االختيارم في االتفاؽ الجنائي؟ ،كىؿ يعاقب عميو حاؿ كقكعو؟ .15
4
لماذا أفرد المشرع نصكصان خاصة بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي الخاص في ظؿ أخذه بجريمة .16
ماذا قصد المشرع بالعقكبة المعينة في نص المادة ( )34كبالغاية غير المشركعة في نص المادة .17
ىؿ يقع تحت طائمة المسئكلية الجنائية مف كاف يعمـ بقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي كلـ يقـ باإلببلغ .18
عنيا؟
ما ىي خطة المشرع مف العقاب عمى االتفاؽ الجنائي؟ ،كىؿ أخذ المشرع بالدكر األصمي لبلتفاؽ .20
ىؿ يعاقب المشرع عمى االتفاؽ في الحالة التي يككف فييا أطرافو مكزعيف بيف اإلقميـ الكطني .21
كالخارج؟ ،كىؿ يؤثر المكاف المنكم ارتكاب الجريمة المتفؽ عمييا فيو ،عمى سرياف القانكف مف حيث
المكاف؟
ىؿ نككف أماـ تعدد مادم في الجرائـ في حالة تنفيذ الجريمة المتفؽ عمييا؟ .22
5
َٓٗح ١ٝيلي :١
العقابية ذات الصمة بمكضكع الدراسة ،كبياف مدل اتساقيا مع المبادئ الدستكرية كما استقر عميو القانكف
و
أصكؿ كمبادئ ،مع االستعانة بما تيسر مف األحكاـ القضائية كاآلراء الفقيية ذات الصمة الجنائي الحديث مف
بمكضكع الدراسة.
6
يفصٌ ٍٚ
ً
يفض ذلؾ إلى كقكعيا سكاء في يقكـ االتفاؽ الجنائي بتبلقي إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب الجريمة ،كلك لـ
بياف أكجو االختبلؼ بينو كبيف ما يتشابو معو مف صكر إجرامية قائمة عمى التعدد الضركرم لمجناة.
عدا عف ذلؾ ،فإف مف المبادئ الراسخة في القانكف الجنائي ٌأنو ال سمطاف لمقانكف عمى ما يدكر في ذىف
األفراد مف أفكار أك ما يضمركنو مف نكايا طالما لـ تترجـ في صكرة أفعاؿ مادية ظاىرة ،كأف ماديات الجريمة
ال تنشئ مسئكلية كال تستكجب عقابان ،كلذلؾ كانت كؿ جريمة تستمزـ بالضركرة لقياميا ركنان ماديان كآخ انر
معنكيان ،مما يستتبع معو الكقكؼ عمى أركاف جريمة االتفاؽ الجنائي.
كعمى ىدل ذلؾ ينقسـ ىذا الفصؿ إلى مبحثيف اثنيف ،ىما:
7
ملبرث ٍٚ
َاٖ ١ٝالتفام جلٓائٞ
لذلؾ ما إذا كاف رديفان لمتآمر الجنائي أـ ال ،كمف ثـ إبراز استقبللية كذاتية جريمة االتفاؽ الجنائي ،كذلؾ مف
8
ملطًب ٍٚ
نظ انر ألف مصطمح االتفاؽ الجنائي يحتكم لفظة يمركبة؛ كجب عمينا تكضيح كبل المفظيف كؿ عمى
حدة:
1
افقت فبلنان عمى أمر كذا أم اتفقنا عميو معان ،كفؽ
ؽ ،حيث نقكؿ ك ي)أ)االتفاؽ لغةن :اسـ لمفعؿ ىكفى ى
الشيء ما الءمو كقد كافقو مكافقةن ،ككفاقان كاتفؽ معو كتكافقان كمنو المكافقة(.2ب)الجنائي لغةن :اسـ منسكب إلى
و
بألفاظ متعددة منيا بمفظ التآمر فقد جاء في قكلو كقد كرد ذكر االتفاؽ الجنائي في القرآف الكريـ
1
محمد بف أبي بكر عبدا لقادر الرازم ،مختار الصحاح ،الككيت ،1982 ،ص.4
2
محمد بف مكرـ بف عمي ،أبك الفضؿ ،جماؿ الديف ابف منظكر األنصارم ،لساف العرب ،دار صادر بيركت ،1965 ،ص.382
3
معجـ المعاني ،االتفاؽ لغة ،انظر الرابط االلكتركني اآلتي:
تاريخ الزيارة 2019/3/1 :الساعةwww.almaany.com.10:00 :
4
سكرة القصص ،اآلية.20 :
5
سكرة يكسؼ ،اآلية.15:
سكرة الزخرؼ ،اآلية.79:
6
9
ثاْٝاّ :التفام جلٓائ ٞصطالذاّ:
ييعرؼ الفقو االتفاؽ الجنائي بأنو":انعقاد إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب الجريمة" ،7كما ييعرؼ
كيفترض االتفاؽ عرضان مف أحد الطرفيف صادفو قبك هؿ مف الطرؼ اآلخر ،كبالعرض كالقبكؿ تتبلقى
اإلرادات عمى محؿ االتفاؽ كىك الجريمة ،9كىناؾ مف يرل بأف مقتضى االتفاؽ ىك ":أف تتقابؿ إرادة المتفقيف
كيستخمص الباحث مف التعريفات السابقة أف االتفاؽ الجنائي لو عناصر مكحدة لدل الفقو الجنائي
كلكف لو مظير مادم مممكس ييستمده مف كسائؿ التعبير عف اإلرادة كىي كسائؿ متنكعة فقد تككف قكالن أك
إيماء ،كيتضح بذلؾ أف االتفاؽ أقرب في طبيعتو إلى العقد ،كينحصر التمييز بينيما في اختبلؼ
ن كتابة أك
لـ ييع ٌرؼ المشرع في قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ االتفاؽ الجنائي ،حيث عبر
عنو بمفظ "التآمر" ،كذلؾ مرده األصكؿ االنجميزية ليذا القانكف ،باعتبار أف القانكف اإلنجميزم ييعبر عف
7رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،القاىرة ،1997 ،ص .771محمكد محمكد مصطفى ،شرح
قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة العاشرة ،مطبعة جامعة القاىرة ،1983 ،ص351
8
السعيد مصطفى السعيد ،األحكاـ العامة لقانكف العقكبات ،الطبعة الرابعة ،1962 ،ص.349
9
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،الطبعة الثانية ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،ص .296انظر كذلؾ رمسيس بيناـ،
النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،1997 ،ص.825
10
عمي راشد ،القانكف الجنائي ،المدخؿ ك أصكؿ النظرية العامة ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1974 ،ص.463
11
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.296
10
االتفاؽ الجنائي بكصؼ المؤامرة ( )Conspiracyكالتي تيعرؼ بأنيا" :اتفاؽ بيف شخصيف أك أكثر بنية بمكغ
ىدؼ غير مشركع أك مشركع بطريقة غير مشركعة" ،12مما يعني أف كبلن مف االتفاؽ الجنائي كالمؤامرة
و
لعممة كاحدة؛ أم ليما ذات الداللة كالمعنى سكاء مف حيث الفعؿ أك السمكؾ اإلجرامي المككف ألم كجياف
منيما ،كذلؾ استخدمت عدةي قكانيف عقابية تعبير "المؤامرة" لمداللة عمى االتفاؽ الجنائي ،كمف ذلؾ القانكف
الرتكاب جناية ىك جناية مف نفس درجة الجريمة األساسية .كمع ذلؾ ،فإف المؤامرة الرتكاب
ب -يجب عمى الدكلة أف تثبت أف الشخص الذم اتيفؽ معو قد نفذ فعبلن صريحان تنفيذان لبلتفاؽ.
ككذلؾ قانكف العقكبات السكرم رقـ 148لسنة ،1949الذم ينص بالمادة ( )260عمى أف" :المؤامرة ىي
االتفاؽ بيف شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية بكسائؿ معينة" ،كأيضان تنص المادة ( )78مف قانكف
العقكبات الجزائرم رقـ 156-66لسنة 1966عمى" :تقكـ المؤامرة بمجرد االتفاؽ بيف شخصيف أك أكثر
عمى التصميـ عمى ارتكابيا" ،ككذلؾ في الفصؿ رقـ ( )175مف قانكف العقكبات المغربي رقـ 1.59.413
يعرؼ المؤامرة بأنيا" :التصميـ عمى العمؿ متى كاف متفقان عميو كمقر انر بيف شخصيف أك
لسنة ،1966الذم ٌ
أكثر".
12
Joel Samaha-Criminal Law 3rd edition,(1990), page. 173. “ In common law, conspiracy between two or more
persons formed for the purpose of doing either an unlawful act or lawful act by unlawful means”. also see ; W.R.La
La Fave , Criminal Law (2003),page. 615. Wayne R. LaFave, Austin Wakeman Scott, Criminal Law,(1986).page.526.
Peter Gillies, The Law of Criminal Conspiracy,2 edition,(1990). page. 19. M. Monir, Law of Evidence,8
edition,univresal law puplishing co,India,(2012), page. 55. Juliet R. Amenge Okoth, The Crime of Conspiracy in
International Criminal law,(2014),page. 13.
13
Joel Samaha-Criminal Law 3rd edition, page17<.
11
كي ُّ
رد السبب في رأم الباحث إلى تأثر التشريعات سالفة الذكر فيما عدا القانكف اليندم ،بقانكف ي
العقكبات الفرنسي كفؽ مرسكـ 2000ـ ،الذم استخدـ لفظة المؤامرة ( ،)complotلمداللة عمى االتفاؽ
تقدـ فإف الباحث يرل بضركرة استعماؿ تعبير "االتفاؽ الجنائي" ،لمداللة عمى التآمر في
بناء عمى ما ٌ
ن
جميع مكاضع ىذه الرسالة ،كذلؾ مف باب التيسير كتكحيد المفاىيـ المختمفة.
عرفت محكمة النقض المصرية االتفاؽ الجنائي بأنو":اتحاد نية أطرافو عمى ارتكاب الفعؿ المتفؽ
ٌ
عميو ،كالنية أمر داخمي ال يقع تحت الحكاس كليس لو عبلمات خارجية ،كلمقاضي الجنائي أف يستدؿ عميو
بطريؽ مباشر أك بطريؽ االستنتاج مف القرائف التي تتكفر لديو أك مف فعؿ الحؽ لمجريمة يشيد بو".15
مف كؿ ذلؾ يتضح أنو ال يكفي لتحقؽ معنى االتفاؽ مجرد العمـ بنية ارتكاب الجريمة لدل الغير ،بؿ
ال بد مف اتحاد إرادتيما عميو ،كما ال يتصكر معنى االتفاؽ عمى مجرد تكارد الخكاطر لدل بضعة أشخاص
نحك غاية كاحدة دكف أف تتقابؿ إرادتيـ أك ينعقد العزـ بشأنيا ،كأف اجتماع عدة أشخاص لممداكلة بينيـ حكؿ
ارتكاب جريمة ال يعد اتفاقان جنائيان إذا اختمفكا فيما بينيـ كتشتت آرائيـ كلـ تتحد إرادتيـ حكؿ الغاية التي
17 16
مجرد
اجتمعكا مف أجميا ،كال بد في االتفاؽ أف يككف نيائيان قطعيان كأال يككف مترددان كال غامضان ،فإذا كاف ٌ
14
"Plotting consists of a resolution agreed upon by two or more to commit an attack where the resolution was put
into effect by one or more material actions". (Ordinance no. 2000-916 of 19 September 2000 Article 3 Official
Journal of 22 September 2000 in force 1 January 2002).
15نقض جنائي مصرم رقـ ،23149لسنة 85ؽ ،جمسة 2017/10/16ـ ،المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،انظر الرابط االلكتركني
اآلتي:
تاريخ الزيارة -2019/3/2:الساعةhttp://www.cc.gov.eg/courts/cassation_court/all/cassation_court_all_cases.aspx10:11:
16
مصطفى كامؿ ،شرح قانكف العقكبات العراقي،القسـ العاـ ،1947،ص.166
17
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص،الجزء الثاني ،منشكرات الجامعة االفتراضية السكرية ،سكريا ،2018،ص.18
12
محددة أك كاف تعبي انر عف نزكات عابرة في صكرة انفعالية أك
إبداء لمرغبة أك لمطامح أك أماني عامة غير ٌ
اندفاعية أك تيديد بفعؿ شيء غير محدد أك مجرد محاكلة ال يقكـ بذلؾ االتفاؽ الجنائي .18كيتعيف أف يككف
لكؿ شخص مف اإلرادة الحرة كحريتيا كقدرتيا عمى إلزاـ نفسيا بنفسيا دكف حاجة إلى تدخؿ الغير إللزاميا
مما يحكؿ دكف القكؿ بأف أحد المتفقيف قد تأثر باالتفاؽ الذم أبرـ بينو كبيف اآلخريف عمى ارتكاب الجريمة،
أك أف ىذا االتفاؽ كاف مف شأنو تقكية إرادتو أك تكجيييا إلى الجريمة ،فيك ال يعني أكثر مف تقابؿ إرادتيف أك
تأسيسان عمى ذلؾ ،فإف إرادة األطراؼ في االتفاؽ تككف متعادلة مف حيث األىمية ،ككؿ منيـ يحمؿ
فاالتفاؽ الجنائي ىيمر بعدة مراحؿ قبيؿ اكتمالو ،ال تعدك أف تككف سكل مجرد آراء كأفكار متقاربة
و
كتصميـ ثابت أم مكحد
بيف عدة أشخاص ،أك مجرد عكاطؼ متبادلة في أمر مف األمكر دكف أف تصؿ إلى ر و
كاتفا و
ؽ تاـ عمى قرار معيف ،كمف ثـ ال يمكف القكؿ بأف مجرد ىذه األفكار أك العكاطؼ تقكـ بيا جريمة
االتفاؽ الجنائي ،إذ أف األمر يتطمب تحديدان أكثر مف ذلؾ فيك يستمزـ تبلقي إرادات األفراد عمى قروار مكحد
نيائي عمى ارتكاب الجريمة21؛ فاالتفاؽ يككف في أغمب األحياف مسبكقان بتداكؿ كتشاكر كتبادؿ اآلراء يفضي
يكنو ك ٌؿ كاحد منيـ في نفسو ،كمف ثـ تنتيي ىذه التشاكرات إلى التفاىـ
مف خبللو المتفقكف لبعضيـ بما ٌ
18
طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مجمة الرافديف لمحقكؽ ،المجمد ،14العدد2016 ،51ـ ،ص .155مناؿ مركاف منجد ،المكاجية الجنائية
لجرائـ اإلرىاب في القانكف السكرم ،دراسة تحميمية ،مجمة جامعة دمشؽ لمعمكـ االقتصادية كالقانكنية ،المجمد ،30العدد ،2014 ،2ص .124عماد
عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .18سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،بحث منشكر عمى مكقع محاماة نت ،انظر الرابط
االلكتركنيhttps://www.mohamah.net :
تاريخ الزيارة -2019/3/2 :الساعة10:30 :
19
خالد صفكت بينساكم ،عبء اإلثبات في المكاد الجنائية ،دار النيضة العربية ،القاىرة ، 2012 ،ص.335
20
عماد فاضؿ ركاب ،جريمة العصياف المسمح في التشريع العراقي ،جامعة البصرة ،ص.12
21
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،الطبعة األكلى ،المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر كالتكزيع ،بيركت ،2000 ،ص.28
13
و
ىدؼ كاحد كتتناسؽ األدكار التي يكزعكنيا فيما بينيـ كتنسجـ المقرر نحك عزميـ
ٌ صكب ي
كي ٌ
فتتحد إرادتيـ ي
التشريعات22أ ٌكدت ىذه المرحمية في حرصيا عمى استعماؿ ألفاظ عديدة تزداد تعبي انر عف ىذا االتفاؽ كمٌما
الرغبة في تحقيقو ،بحيث نككف أماـ كفاؽ حينما ال يعمف كؿ شخص عف رغبتو كعزمو إلى سائر
تقدمت ٌ
ٌ
األشخاص ،بؿ ك ٌؿ منيـ يختمج في خاطره نفس ما يختمج خاطر اآلخر مف العزـ عمى ارتكاب نفس الجريمة،
تـ اإلفصاح عف ىذه الخكاطر كتـ التداكؿ كالتشاكر كالمذاكرة ليذه اآلراء تحكلت إلى تقارر ليككف
حتى إذا ٌ
بعد ذلؾ العزـ كىك تعبير عف الجدية كالثبات كاإلرادة إلتماـ الفعؿ.23
كطالما أف انعقاد اإلرادات قد تـ فبل يييـ بعد ذلؾ إذا ما كاف المتفقكف ىـ أشخاص ليـ أدكار معينة
إلرادة القانكف الكاضحة في استبعاد تنفيذ الجريمة مكضكع االتفاؽ ككؿ ما يتصؿ بو مف عداد أركاف جريمة
االتفاؽ الجنائي.24
22
بمجرد الكفاؽ كالتقارر كالعزـ عمى الفعؿ بيف
ّ عرؼ المش رع التكنسي المؤامرة بالفصؿ ""69مف المجمة الجزائية التكنسية بقكلو " :تحصؿ المؤامرة
ٌ
شخصيف أك أكثر".
23
سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،مرجع سابؽ.
24
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،جريمة االتفاؽ الجنائي "دراسة مقارنة" ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،2011،ص.103
14
ملطًب يثاْٞ
مت ٝٝالتفام جلٓائ ٞعٔ غرٙ
قد يتشابو االتفاؽ الجنائي مع بعض الصكر اإلجرامية األخرل ،كىنا البد لنا أف نميز بينو كبيف ىذه
يم ىك ىجو نحك إرادتي أطراؼ التحريض أك االتفاؽ ،كمف نتائجو كقكع الجريمة التي ييدؼ إلييا االتفاؽ أك
بدالئؿ كتابية يستخمصيا القاضي مف الكقائع كالظركؼ المحيطة بالجريمة ،25كما يعتبراف مف قبيؿ الجرائـ
ذات السمكؾ المحض ،كما أنيما ييعداف مف قبيؿ الجرائـ التي يفترض فييا القانكف تحقؽ الخطر افتراضان ال
أما كجو االختبلؼ بينيما فيك أف التحريض قائـ عمى خمؽ فكرة الجريمة لدل شخص ثـ تدعيـ ىذه
الفكرة كي تتحكؿ إلى تصميـ عمى ارتكاب الجريمة ،أم أف ىناؾ إرادة ليا تأثير عمى إرادة أخرل بحيث
الم ً
حرض تعمك إرادة مف يحرضو كتطغى عمييا ،فيك مف يخمؽ 27
تككف ليا السيطرة المعنكية عمييا ،فإرادة ي
25
محمد عبد الجميؿ الحديثي ،جرائـ التحريض كصكرىا في الجكانب الماسة بأمف الدكلة الخارجي كفقان لمتشريع العراقي المقارف ،1984،ص50
26
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.81
27
خالد صفكت بينساكم ،عبء اإلثبات في المكاد الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص.331
15
28
قائـ عمى تبلقي إرادتيف متعادلتيف مف حيث األىمية ال تعمك
لديو فكرة الجريمة أك يعززىا ،أما االتفاؽ ،فيك ه
أم منيا عمى األخرل ،ككؿ صاحب إرادة مقتنع بفكرة الجريمة دكف حاجة لتحريض مف أحد29ك إذا كانت
الجريمة قد نبتت لدل أحدىـ ،فإف عرضو ييصادؼ قبكالن فكريان لدل غيره؛ كلذلؾ يتصكر كجكد االتفاؽ دكف
التحريض.30
يف ع يثاْٞ
أف التكافؽ فيك مجرد اتجاه اإلرادات نحك مكضكوع معيف دكف أف تتبلقى؛ أم أف اإلرادات ىنا تسير مستقمة
يتضح بذلؾ عمؽ الفارؽ بيف االتفاؽ كالتكافؽ؛ فجكىر األكؿ ال كجكد لو في الثاني ،فيما مختمفاف
مف حيث الطبيعة ،كيترتب عمى ذلؾ اختبلفيما في األىمية القانكنية ،فاالتفاؽ كسيمة لممساىمة التبعية ،كلكف
التكافؽ ليس كذلؾ ،فإذا خطرت لشخص فكرة قتؿ غريمو ،كخطرت لآلخر فكرة قتؿ ذات المجني عميو ،دكف
28
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.297
29
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات،الجزء األكؿ ،الطبعة الثانية ،فمسطيف ،2011،ص .326محمد عبد الجميؿ الحديثي ،مرجع
سابؽ ،ص.50
30
محمد زكي أبك عامر ،قانكف العقكبات القسـ العاـ ،دار الجامعة الجديدة لمنشر ،1996 ،ص .408محمكد محمكد مصطفى ،شرح قانكف العقكبات
القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص . 351محمكد نجيب حسني ،مرجع سابؽ ،ص 296ك.297
16
أف يكشؼ أحدىما لآلخر عما انعقد عميو تصميمو ثـ نفذ أحدىما عزمو ،فالثاني ال يعد شريكان لو في
31
جريمتو ،بؿ أنيما إذا نفذا الجريمة في ذات الكقت ،فكؿ منيما فاع هؿ لجريمة مستقمة.
فالفارؽ بيف االتفاؽ الجنائي كالتكافؽ ىك إظيار النية اإلجرامية كتبادليا أك عدـ إظيارىا أك تبادليا،
ففي االتفاؽ الجنائي يعمف كؿ عضك فيو رغبتو كعزمو إلى سائر األعضاء فيو فتتحد إرادتيـ عمى ارتكاب
كفي ذات المعنى تعرؼ محكمة النقض المصرية التكافؽ بأنو ":مجرد تكارد خكاطر الجناة عمى
ارتكاب فعؿ معيف ينتكيو كؿ كاحد منيـ في نفسو مستقبلن عف اآلخريف ،دكف أف يككف بينيـ اتفاؽ سابؽ كلك
يف ع يثايث
تتفؽ حالة جرائـ الجماىير مع االتفاؽ الجنائي في افتراضيا تعدد الجناة ،باعتبار أف حالة "جرائـ الجماىير"
تفترض أنو قد تعدد الجناة ،إال أنيا رغـ ذلؾ تختمؼ عف جريمة االتفاؽ الجنائي ،كمظير ذلؾ االختبلؼ
يتمثؿ في أف تعدد الجناة في جرائـ الجماىير يتبعو تعدد في المسئكليات الجزائية المستقمة ،بحيث يعد كؿ
31
ىبللي عبد البله أحمد ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،بدكف طبعة ،2002،ص .289طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ،
ص .145محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.298
32
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم" دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،2008 ،
ص.165
33
نقض جنائي مصرم رقـ ،16471لسنة 87ؽ ،جمسة 2018/10/9ـ ،المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
تاريخ الزيارة -2019/3/4 :الساعة1:35 :
17
كاحد منيـ مرتكبان جريمة قائمة بذاتيا ،مستقمة بأركانيا عف الجرائـ األخرل ،بخبلؼ جريمة االتفاؽ الجنائي
التي تفترض تعدد الجناة ككحدة الجريمة ،34كمما تجدر اإلشارة إليو أف الجناة في جرائـ الجماىير ال يجمعيـ
سكل تكارد الخكاطر دكف أف تتبلقى إراداتيـ فكؿ كاحدة مستقمة عف اإلرادة األخرل.
يف ع ي بع
كفقان ألحكاـ المادة ( )79مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،35فإف المقصكد بالتجمير
المعاقب عميو في حد ذاتو ىك التجمير الذم يككف بقصد ارتكاب يجرـ ما أك بقصد غاية مشتركة بيف
المجتمعيف أفضت إلى نتيجة إجرامية محتممة (تكدير صفك الطمأنينة العامة).
عمى ضكء ،ذلؾ يمكننا القكؿ بأف التجمير ىك مجرد تكافؽ أك تكارد الخكاطر بقصد ارتكاب جريمة
أك غاية مشتركة ،أما االتفاؽ الجنائي فيك اتحاد كانعقاد اإلرادات عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،باإلضافة
لذلؾ يتـ االتفاؽ الجنائي بيف شخصيف أك أكثر الرتكاب جناية أك جنحة ،في حيف أف التجمير يتـ مف قبؿ
34
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ،الطبعة السادسة ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1989 ،ص.17
35
المادة( )79قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ ( -1إذا تجمير ثبلثة أشخاص أك أكثر بقصد ارتكاب جرـ ،أك كانكا مجتمعيف بقصد
تحقيؽ غاية مشتركة فيما بينيـ كتصرفكا تصرفان مف شأنو أف يحمؿ مف في ذلؾ الجكار عمى أف يتكقعكا ،ضمف دائرة المعقكؿ ،بأنيـ سيكدركف الطمأنينة
العامة أك أنيـ بتجميرىـ سيستفزكف دكف ضركرة أك سبب معقكؿ ،أشخاصان آخريف لتكدير صفك الطمأنينة العامة ،فيعتبر تجميرىـ ىذا غير مشركع،
المشار إليو أعبله تحقيقان لغاية مشتركة فيما
-2ال عبرة أكاف التجمير األصمي مشركعان اك غير مشركع إذا كاف المتجميركف قد تصرفكا عمى الكجو ي
بينيـ -3.إذا شرع األشخاص المتجميركف تجمي انر غير مشركع في تحقيؽ الغاية التي اجتمعكا مف أجميا بتكديرىـ صفك الطمأنينة العامة بصكرة مرعبة
كيقاؿ بأف المتجميريف قد اجتمعكا بقصد أحداث شغب).
لؤلىالي فيطمؽ عمى ىذا التجمير اسـ شغب ي
18
المتفؽ عمييا كالمرتكبة فعبلن تنفيذان لبلتفاؽ إال إذا كاف شريكان في
كال ييسأؿ عضك االتفاؽ عف الجرائـ ي
ارتكابيا ،كذلؾ يسأؿ كؿ شخص مف المتجميريف عف الجرائـ المقصكدة مف التجمير كالمرتكبة فعبلن في
يف ع خلاَس
يختمؼ االتفاؽ مف حيث طبيعتو كدكره القانكني عف سبؽ اإلصرار ،كيظير ذلؾ جميان في انعداـ
التبلزـ بينيما ،بحيث مف المتصكر أف ينتفي سبؽ اإلصرار كيتكافر االتفاؽ ،ألف سبؽ اإلصرار ظرؼ
شخصي ال يسرم إال عمى مف يتكفر لديو ،كلكف يعتبر سبؽ إصرار المتيميف عمى الجريمة قرينة قاطعة
عمى اتفاقيـ عمييا ،37كتطبيقان لذلؾ قضي بأنو مجرد إثبات سبؽ اإلصرار عند المتيميف يمزـ عنو االشتراؾ
باالتفاؽ بالنسبة لمف ييقارؼ بنفسو الجريمة مف المصريف عمييا ،كليست المحكمة ممزمة ببياف كقائع خاصة
سبؽ اإلصرار لدل المتيميف قرينة قانكنية قاطعة عمى انعقاد االتفاؽ فيما بينيـ ،رغـ أنو يتصكر أال يجمعيـ
ً
مجرد تكافؽ ،بحيث مف الممكف كجكد التكافؽ كيككف كؿ شخص متكافؽ لديو سبؽ إصرار. غير
ي
36
ىشاـ سعد الديف ،جريمة االتفاؽ الجنائي ،المكتب الفني لئلصدارات القانكنية1999 ،ـ ،ص .33مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ،
ص.84
37
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.300
نقض جنائي مصرم رقـ 760لسنة 86ؽ ،جمسة 2019/3/4ـ ،المرجع السابؽ.
38
19
يف ع ي اتس
يتمخص كجو الشبو بيف االتفاؽ الجنائي كاالتفاؽ ككسيمة اشتراؾ في أف كمييما مف فكروة كاحدة فميس
ثمة فارؽ بيف النكعيف مف حيث طبيعة الركف المادم ،39كلما كاف لنكعي االتفاؽ طبيعة كاحدة ،فيؿ ثمة
تعارض كتنافر بيف نصكص القانكف إلى الحد الذم يجعؿ بعضيا ناسخان لبعض؟ فإذا كاف االتفاؽ يعاقب
عميو في ذاتو ،فما قيمة النصكص التي تجعمو كسيمة اشتراؾ بحيث ال يعاقب عميو إال إذا ارتكبت جريمة بناء
المتفؽ يعاقب لمجرد اتفاقو بغض النظر عف كقكع الجريمة المتفؽ عمييا ،ثـ نأتي بعد
عميو؟ فحينما نقكؿ أف ي
المتفؽ إال إذا أفضى االتفاؽ إلى جريمة ،أفبل يككف بيف القكليف تناقض؟
ذلؾ كنقكؿ ال يعاقب ي
يرل األستاذ محمكد نجيب حسني أف المشرع عندما يأخذ بصكرتي االتفاؽ ،يككف قد أراد لبلتفاؽ أف
يؤدم دكريف ،دكر احتياطي حيف ال تتكافر الشركط التي يتطمبيا دكره األصمي فيعجز عف القياـ بو ،فالدكر
األصمي لبلتفاؽ أنو كسيمة اشتراؾ ،كعف طريؽ ىذا الدكر يتيح تحديد المسئكليف عف جريمة ارتكبت ،فإذا لـ
ترتكب جريمة فبل سبيؿ إلى قيامو بدكره ىذا ،كيعني ذلؾ أال عقاب عميو بيذه الصفة ،كقد قدر الشارع أف
عدـ العقاب إطبلقا إضرار بالمجتمع ،فعيف لبلتفاؽ دك انر احتياطيان كجريمة قائمة بذاتيا بحيث يعاقب عميو كلك
كذلؾ مف المتصكر أف يجمع االتفاؽ بيف دكريو (األصمي كاالحتياطي) كليس ذلؾ رجكعان مف الشارع
عف خطتو ،كانما يفسره حرصو عمى عدـ اإلخبلؿ بالقكاعد الخاصة بتعدد الجرائـ كالعقكبات ،كتقديره أنيا
39
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.84
محمكد نجيب حسني،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص 485ك.486
40
20
كفيمة بالتكفيؽ بيف دكرم االتفاؽ كتحديد العقكبة كاجبة التطبيؽ عمى نحك يحقؽ مصمحة المجتمع كال ينطكم
كمما ينبغي االنتباه إليو ،ىك اختالؼ نكعي االتفاؽ مف حيث الدكر القانكني لكؿ منيما كيكجز
الغاية مف التجريـ ليست كاحدة؛ حيث يجرـ المشرع االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ ألنو يريد تحديد المسئكلية .1
عف جريمة ارتكبت فعبلن ،في حيف أنو يجرـ االتفاؽ في ذاتو ألنو يممس فيو خطكرة ذاتية عمى
المجتمع.
االتفاؽ الجنائي تككف صفتو غير المشركعة أصيمة ،بينما االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ يستمد صفتو غير .2
ييعاقب المتفؽ باعتباره فاعبلن لجريمة االتفاؽ بغض النظر عف كقكع الجريمة محؿ االتفاؽ مف عدمو، .3
بينما في االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ ال يي ىعاقىب الشركاء باالتفاؽ إال اذا كقعت الجريمة محؿ االتفاؽ
االتفاؽ الجنائي كجريمة قائمة بذاتيا يمزـ لقيامو قانكنان أف يككف مكضكعو جناية أك جنحة ،كال عقاب .4
عميو قانكنان إف كاف مكضكعو ارتكاب مخالفة ،أما االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ فيعاقب عميو أيان كاف نكع
41
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص 485ك.486
42
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارؼ ،اإلسكندرية1997 ،ـ ،ص .826محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف
العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .484طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.145
21
العدكؿ عف االتفاؽ الجنائي ال يعفي الجاني مف العقاب ،بينما العدكؿ عف االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ .5
يعفي الجاني مف العقاب إذا استطاع الحيمكلة دكف تنفيذ الجريمة المتفؽ عمييا.
الجدير بالذكر بأف استبعاد المخالفات مف نطاؽ االتفاؽ الجنائي دكف االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ يفسره أف
المخالفات تنشأ المسئكلية الجنائية عنيا ،فإذا كاف ىدؼ االتفاؽ ككسيمة اشتراؾ تحديد مف يحممكف ىذه
المسئكلية تعيف االعتراؼ لو بيذا الدكر بالنسبة لممخالفات ،أما االتفاؽ الجنائي خطكرتو الذاتية تقتضي أف
43
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.484
22
ملبرث يثاْٞ
تتألؼ الجريمة ككاقعة متكاممة كحدث متناسؽ األعضاء ،مف عناصر جكىرية ال تقكـ بدكنيا الجريمة
في القانكف ،كيعبر عنيا بأركاف الجريمة ،كىذه األخيرة تنقسـ إلى أركاف خاصة تكجد في كؿ جريمة عمى
حدة ،لتعطي لمجريمة اسمان "قانكنيان" يميزىا عف سائر الجرائـ ،كأركاف عامة تكجد في جميع الجرائـ كال تتخمؼ
23
ملطًب ٍٚ
ي نٔ ملاتٟ
مف المبادئ المسمـ بيا أنو ال سمطاف لمقانكف عمى ما يدكر في ضمائر األفراد مف أفكار أك ما
يعتقدكنو مف عزائـ أك يبيتكنو مف نيات طالما أنيا لـ تبرز إلى العالـ الخارجي بأفعاؿ تترجميا ،44كليذا كانت
كؿ جريمة مستمزمة بالضركرة لقياميا ركنان ماديان يتمثؿ في فعؿ أم كاقعة خارجية تدركيا الحكاس كتستند إلى
الجاني مف الناحية المادية ،كاستمزاـ ركف مادم لقياـ الجريمة يبرره أف األفعاؿ المحسكسة ىي كحدىا التي
يمكف أف تحقؽ عدكانان عمى الحقكؽ كالمصالح التي يحمييا القانكف كيرعاىا ،أما األفكار كالنكايا فبل ضرر
منيا طالما ظمت حبيسة النفس كليس لمقانكف أف يتدخؿ بالعقاب عمييا كفالةن لحرية الفكر.45
عبلكةن عمى ذلؾ ،تأبى قكاعد العدالة أف ييؤسس التجريـ عمى ما كمف في النفس البشرية ،كلـ يظير
لمعمف بسمكؾ مادم مممكس ،فاألخير ىك مف يرسـ حدكد الشارع الجزائي ،46فالقانكف ال يحفؿ بمثؿ ىذه النكايا
كالخكاطر ميما بدت في حقيقتيا شريرة كاجرامية كلك قصد صاحبيا منيا ارتكاب الجريمة ،ما لـ تظير لمعالـ
الخارجي بسمكؾ مادم ،لككف تجريـ النكايا ال يجدم نفعان لككنيا غير ضارة في ذاتيا ،ال بؿ إف تجريميا قد
ييشجع األفراد عمى تجاكز مرحمة النية إلى مرحمة التنفيذ ،متى كجدكا أنفسيـ معرضيف لمعقاب في الحالتيف.47
كما أف اشتراط الماديات اإلجرامية يحصر سمطة الدكلة في العقاب في مجاؿ معقكؿ ،كيقي األفراد
احتماؿ مساءلتيـ جنائيان عف مجرد أفكار أك خمجات نفس ،بما في ذلؾ مف افتئات عمى الحريات العامة،
44
عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص .32سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر
كالتكزيع ،بيركت ،1998 ،ص .198ىبللي عبد البله أحمد ،المرجع السابؽ ،ص53
45
محمد صبحي نجـ ،قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة الثالثة ،مكتبة دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف ،1996 ،ص.195
46
أميف مصطفى محمد ،شرح قانكف العقكبات،القسـ العاـ ،دار المطبكعات الجامعية ،القاىرة ،2016 ،ص.227
47
سميماف عبد المنعـ ،النظرية العامة لقانكف العقكبات ،الطبعة األكلى ،2003 ،ص.458
24
كذلؾ فإف إقامة الدليؿ لدل سمطات التحقيؽ كالقضاء عمى الماديات يككف ميسك انر أك عمى األقؿ ممكنان،
بخبلؼ الظكاىر النفسية التي يككف إقامة الدليؿ عمييا عسي انر كقد يككف في أغمب األحياف مستحيبلن.48
كيتككف الركف المادم لمجريمة مف ثبلثة عناصر ،ىي :السمكؾ ،كالنتيجة ،كعبلقة السببية ،49غير أف
ىذه العناصر الثبلثة ال تتكاجد مجتمعة إال حيث يعتد المشرع قانكنان بالنتائج المادية التي يتسبب فييا السمكؾ
في العالـ الخارجي ،ذلؾ أف المشرع في تحديده لمكاقعة مكضكع التجريـ يكتفي في بعض األحياف بالسمكؾ
اإلجرامي ال غير كيجرمو بغض النظر عما إذا كاف يترتب عميو نتيجة أـ ال ،كفي مكاضع أخرل يعتد
بالنتيجة المترتبة عمى السمكؾ بحيث يأتي تجريـ األخير ككنو متسببان في النتيجة غير المشركعة ،50كفيما يمي
إسقاطه لعناصر الركف المادم عمى جريمة االتفاؽ الجنائي؛ لبياف مدل تكافرىا:
يف ع ٍٚ
السمكؾ اإلجرامي ىك النشاط الذم يصدر مف الجاني كالذم يعتبره القانكف جريمة يجب العقاب
عمييا ،فمف المعركؼ أف فكرة الجريمة ىي مجرد نشاط نفساني كلكف إذا بدأت ىذه الفكرة بالتحقؽ في العالـ
الخارجي فإف ذلؾ يتـ مف خبلؿ سمكؾ قد يككف ايجابيا كقد يككف سمبيان ،51كىذا العنصر ىك أحد أىـ
48
ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص.53
49
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.238
50
مأمكف محمد سبلمة ،قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة الثالثة ،1983 ،ص.123
51
محمكد محمكد مصطفى ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .266محمد عمي السالـ الحمبي ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ،
الطبعة الثالثة ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف ،2011 ،ص .136محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص .136ساىر إبراىيـ الكليد ،مرجع سابؽ،
ص .238محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .265عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص .33عبكد
السراج ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الجزء األكؿ ،ص.122
25
عناصر الركف المادم ،ذلؾ أف األخير ال يتحقؽ إال بتكافر السمكؾ اإلجرامي فبل جريمة بدكف سمكؾ
مجرـ ،52لذلؾ كاف لو قيمة قانكنية ذاتية ككنو يرسـ حدكد سمطاف المشرع الجزائي كىك الذم يكصؼ بأنو
كيتمثؿ السمكؾ اإلجرامي في جريمة االتفاؽ الجنائي مف خبلؿ انعقاد اإلرادات بيف شخصيف أك أكثر
عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،كىذا األمر يتحقؽ مف خبلؿ قياـ أحد األعضاء بالتعبير عف إرادتو بحيث
يصؿ التعبير إلى سائر األعضاء كيمقي قبكالن لدييـ ،كيأخذ االتفاؽ بطبيعتو مظي انر ماديان مممكسان فيك يقتضي
إفصاح كؿ عضك عف إرادتو ،بحيث يعمـ بيا باقي أعضاء االتفاؽ فيتحقؽ ليـ أف تسير إرادتيـ في اتجاه
كاحد كتتبلقى حكؿ ذات المكضكع ،كاإلفصاح عف اإلرادة يقتضي ماديات (كالقكؿ الشفكم) أك (الكتابة) أك
(حتى اإليماءة اإلشارة ذات الداللة) ،كلكي يقكـ االتفاؽ البد مف تعدد اإلرادات التي تشارؾ في تككينو بحيث
تزيد عمى إرادة كاحدة (إرادتاف فأكثر) ،كيستتبع ذلؾ بطبيعة الحاؿ أال يحسب مف ىذا النصاب سكل اإلرادة
التي يعتد بيا القانكف الجنائي فبل تحسب إرادة غير المميز أك المكره في النصاب المطمكب لتككيف
االتفاؽ.54
مف كؿ ذلؾ يتضح أنو ال يكفي لتحقؽ معنى االتفاؽ مجرد العمـ بنية ارتكاب الجريمة لدل الغير ،بؿ
ال بد مف اتحاد إرادتيما عميو ،كما ال يتصكر معنى االتفاؽ عمى مجرد تكارد الخكاطر لدل بضعة أشخاص
نحك غاية كاحدة دكف أف تتقابؿ إرادتيـ أك ينعقد العزـ بشأنيا ،كأف اجتماع عدة أشخاص لممداكلة بينيـ حكؿ
52
سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.199
53
محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص.196
54
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .469رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ،
ص .825ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مذكرة تكميمية لنيؿ شيادة الماستر ،جامعة =العربي
بف مييدم ،2014ص .36أكديحات دليمة ،أكزاني دليؿ ،تعدد الجناة في التشريع الجنائي ،مذكرة لنيؿ شيادة الماستر جامعة عبدالرحمف ميرة،2014 ،
ص .9محمد إبراىيـ الشيخ ،المساىمة الجزائية األصمية كالتبعية في القانكف الجزاء الككيتي ،رسالة ماجستير ،1998 ،ص.140
26
ارتكاب جريمة ال يعد اتفاقان جنائيان إذا اختمفكا فيما بينيـ كتشتت آرائيـ كلـ تتحد إرادتيـ حكؿ الغاية التي
55
مجرد إبداء
اجتمعكا مف أجميا ،كال بد في االتفاؽ أف يككف نيائيان قطعيان كال مترددان كال غامضان ،فإذا كاف ٌ
أك تيديد بفعؿ شيء غير محدد أك مجرد محاكلة ال يقكـ بذلؾ االتفاؽ الجنائي ،إذ ال بد أف تتبلقى اإلرادات
كتنعقد عمى القياـ بالسمكؾ المتفؽ عميو كبشكؿ نيائي ال رجعة فيو ،فإف لـ تتحد إرادات المجرميف كبقيت
مشتتة أك مبعثرة فبل يمكف القكؿ بكجكد اتفاؽ جنائي يعتد بو في ىذه الحالة56؛ كعميو فإف التداكؿ مف طرؼ
مجمكعة أشخاص في أكضاع الببلد المتردية في اعتقادىـ كاإلعراب عف السخط عمى المسئكليف عف ىذا
التردم ،بؿ كحتى التصريح بالرغبة مف طرفيـ في تغيير ىذه األكضاع نحك األفضؿ ،ال ييشكؿ ركنان ماديان
في جريمة االتفاؽ ألنو لـ يبمغ بعد مصاؼ انعقاد اإلرادات عمى اإلجراـ ،كال يصبح كذلؾ إال اذا انعقد عزـ
كيتعيف أف يككف لكؿ شخص مف اإلرادة الحرة كحريتيا كقدرتيا عمى إلزاـ نفسيا بنفسيا دكف حاجة
إلى تدخؿ الغير إللزاميا مما يحكؿ دكف القكؿ بأف أحد المتفقيف قد تأثر باالتفاؽ الذم أبرـ بينو كبيف
اآلخريف عمى ارتكاب الجريمة ،أك أف ىذا االتفاؽ كاف مف شأنو تقكية إرادتو أك تكجيييا إلى الجريمة ،فيك ال
يعني أكثر مف تقابؿ إرادتيف أك أكثر عمى مستكل كاحد مف التكافؤ ال تخضع أم منيا لمشيئة األخرل.58
55
مصطفى كامؿ ،شرح قانكف العقكبات العراقي ،القسـ العاـ ،1947 ،ص.166
56
طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .155مناؿ مركاف منجد ،المكاجية الجنائية لجرائـ اإلرىاب في القانكف السكرم ،مرجع
سابؽ ،ص .124عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .18سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،مرجع سابؽ.
الساعة4:30 : تاريخ الزيارة2019/3/20 :
57
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،القسـ الخاص ،دكف طبعة ،دكف سنة نشر ،دكف دار نشر ،ص.28
58
خالد صفكت بينساكم ،عبء اإلثبات في المكاد الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص.335
27
كمما تجدر اإلشارة إليو ىنا أف المشرع في قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936في نصكص المكاد
( )36-35-34المتعمقة بجريمة االتفاؽ الجنائي العاـ ،لـ يتطمب لقياـ االتفاؽ الجنائي أف يككف األخير
متبكعان بشكؿ مباشر بسمكؾ مادم يدؿ عميو ،حيث اعتنؽ صكرة االتفاؽ البسيط المجرد ،أم أنو جرـ مجرد
59
مف قانكف االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،كالجدير بالذكر أف المشرع بمكجب أحكاـ المادة ()58
العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ حدد نطاؽ الفعؿ العمني في الجرائـ الكارد تعريفيا في الفصؿ الثامف
المتعمؽ بجريمة الخيانة كغيرىا مف الجرائـ التي تقع عمى سمطة الحككمة ،كاعتبر أف االتفاؽ الجنائي ال يكفي
أم مف
لكحده إلظيار النية اإلجرامية في الحالة التي يككف فييا إظيار النية بفعؿ عمني عنص انر مف عناصر و
الجرائـ الكاردة في الفصؿ الثامف ،بؿ البد مف أف يككف متبكعان بفعؿ خارجي يينفذ سعيان إلظيار النية
مد نطاؽ ىذه المادة عمى جرائـ االتفاؽ الجنائي العاـ الكاردة في الفصؿ
اإلجرامية؛ كبناء عمى ذلؾ ال يمكف ٌ
السادس.
في حيف أف المشرع الفرنسي اعتنؽ صكرة االتفاؽ الجنائي المكصكؼ (المشدد) الذم ال يعاقب عمى
مجرد انعقاد اإلرادات كحدىا ،بؿ ال بد أف يككف متبكعان بسمكؾ مادم مممكس ،كيظير ذلؾ جميان فيما نص
عميو الفصؿ رقـ 412.2مف قانكف العقكبات الفرنسي كفؽ مرسكـ 2000ـ الذم عرؼ المؤامرة باآلتي:
المادة (; )8من قانون العقوبات رقم ( ):7لسنة (:4<:7إذا كان إظهار النٌة بفعل علنً لتحقٌق أٌة غاٌة من الغاٌات ٌكون عنصراً من عناصر
59
الجرم فً حالة ارتكاب جرم من الجرائم الوارد تعرٌفها فً هذا الفصل ،فكل تآمر مع أي شخص على تحقٌق تلك الغاٌة وكل فعل ٌقوم به أي شخص
من المتآمرٌن فً سبٌل تحقٌقهاٌُ ،عتبر فعالً علنٌا ً إلظهار تلك النٌة).
60
"Plotting consists of a resolution agreed upon by two or more to commit an attack where the resolution was put
into effect by one or more material actions". (Ordinance no. 2000-916 of 19 September 2000 Article 3 Official
Journal of 22 September 2000 in force 1 January 2002).
28
كيظير مف النص أعبله أف المشرع الفرنسي يميز بدكره بيف النشاط الذم ال يعدك ككنو مجرد إعداد
لتنفيذ اليدؼ مف االتفاؽ-كىك عمؿ تحضيرم غير معاقب عميو بحسب القكاعد العامة-كبيف النشاطات أك
األفعاؿ التي تككف شركعان أك بدأن في تنفيذ الغرض مف االتفاؽ ،فالنكع األكؿ مف األفعاؿ ربطو المشرع
فيما ذىب المشرع الفمسطيني في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ إلى العقاب عمى االتفاؽ
الجنائي العاـ بمجرد تبلقي اإلرادات ،كذلؾ راجع -في رأم الباحث -لرغبة الشارع إلى القضاء عمى االتفاؽ
كىك في طكر التككيف ،كعدـ االنتظار ريثما تبدأ مرحمة التحضير ،ككذلؾ يرجع إلى عدـ الخمط بيف الشركع
في الجريمة المتفؽ عمييا كبيف جريمة االتفاؽ عينيا ،فإذا تطمب المشرع لمعقاب عمى االتفاؽ الجنائي أف
تمكان كمتبكعان بعمؿ تحضيرم فإف ذلؾ سيترتب عميو إحداث خمط كبير بيف العمؿ التحضيرم الذم
يككف م ٌ
يشترط لقياـ جريمة التآمر كبيف العمؿ الذم يعد بدأن في التنفيذ الذم تقكـ بو جريمة الشركع ،كىذا يستتبع
كجكد معيار دقيؽ جدان يحدد لنا ماىية العمؿ التحضيرم المتطمب لقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي المكصكؼ
كنطاقو.
61
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.35
29
يف ع يثاْٞ
التغير الذم يحدث في العالـ الخارجي كأثر لمسمكؾ اإلجرامي الذم قاـ بو الجاني
ي كتيعرؼ بأنيا
كالذم يأخذه المشرع في االعتبار في التككيف القانكني لمجريمة ،62كىك ما يطمؽ عميو المدلكؿ المادم لمنتيجة
الذم تـ تكييفو قانكنان ،فاآلثار المادية التي أنتجيا السمكؾ اإلجرامي تفسر قانكنان عمى أنيا تشكؿ في النياية
اعتداء عمى حؽ يحميو القانكف ،فاالعتداء عمى الحؽ الذم يضع لو القانكف حماية ىك التكييؼ القانكني
لمنتيجة المادية التي خمفيا السمكؾ اإلجرامي ،كالنتيجة اإلجرامية بمدلكليا القانكني؛ أم تحقؽ االعتداء عمى
الحؽ الذم يحميو القانكف ىي شرطه ضركرم لتكافر الركف المادم في كؿ جريمة ،63كبناء عمى ما سبؽ
كبتطبيقو عمى جريمة االتفاؽ الجنائي نجد إعماؿ المدلكؿ المادم لمنتيجة ينتيي إلى انعداـ أم كجكد لؤلثر
المادم المممكس المترتب عمى حصكؿ االتفاؽ ما يعني أننا أماـ جريمة شكمية مف جرائـ السمكؾ المجرد
بحيث أنيا تعتبر تامة لمجرد إتياف السمكؾ اإلجرامي كىك االتفاؽ دكف تكقؼ عمى حدكث أ و
ثر خارجي لو.
كلكف إذا ما قمنا بإخضاعيا لممدلكؿ القانكني لمنتيجة الذم يقكـ عمى أساس العدكاف عمى الحؽ أك
المصمحة المحمية جنائيان سكاء عبر إصابتيا بالضرر أك بمجرد تعريضيا لمخطر ،64سنجد أف ىناؾ نتيجة
62رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .545جبلؿ ثركت ،مرجع سابؽ ،ص .155محمكد نجيب حسني،شرح قانكف
العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .273محمد عمي السالـ الحمبي ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .139سمير عالية ،مرجع سابؽ،
ص.206
63
محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص .200انظر كذلؾ :محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .273محمد عمي السالـ
الحمبي ،ص .139ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص .65عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص.34
64
محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص .200محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .273محمد عمي السالـ الحمبي ،مرجع
سابؽ ،ص .139ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص .65جبلؿ ثركت،نظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات المصرم ،منشأة المعارؼ
باإلسكندرية ،1989 ،ص.155
30
إجرامية لبلتفاؽ الجنائي تتمثؿ في تيديد المصمحة المحمية جنائيان؛ كبالتالي نككف أماـ جريمة مف جرائـ
الخطر؛ فالمشرع يريد استباؽ مرحمة إيقاع التغيير المممكس في العالـ الخارجي ،كذلؾ لمحيمكلة دكف حصكؿ
ىذا التغيير ،كيتميز ىذا النكع مف الجرائـ بخصيصتيف رئيسيتيف :أكالىما :أنو مف الجرائـ "مبكرة اإلتماـ"؛
ألف الم ٌشرع يبادر بتجريميا في مرحمة مبكرة ىي مرحمة السمكؾ ،كال يتريث حتى تتحقؽ النتيجة ،كالثانية:
تتعمؽ بعدـ "التكازم" بيف الركف المادم ليذه الجريمة كبيف ركنيا المعنكم منظك انر لؤلخير مف حيث قصد
كيرم أغمب الفقو أنو إذا ما نظرنا لمنتيجة كفقان لممدلكؿ المادم فإنيا لف تتكفر في بعض الجرائـ،
فمثبلن الجرائـ السمبية البسيطة ال تحدث النتيجة فييا أم تغيير ،فامتناع القاضي عف الحكـ في دعكل
مطركحة عميو ،يعد سمكؾ إجرامي كلكنو لـ يحدث أم تغيير في العالـ الخارج ،كامتناع الشاىد عف الحضكر
ألداء الشيادة جريمة ال تحدث تغيي انر ماديان في العالـ الخارجي ،66كتعرض ىذا االتجاه السائد في الفقو لمنقد
حيث يرل البعض القكؿ بأف الجرائـ الشكمية غير ذات نتيجة ىك قك هؿ تعكزه الدقة؛ فإذا كنا نعني بالنتيجة في
مدلكليا المادم "تغيي انر يحدث في العالـ الخارجي كأثر لمسمكؾ اإلجرامي" ،فإف القكؿ بكجكد جرائـ دكف نتيجة
يقتضي التحقؽ مف أنو لـ يترتب عمى السمكؾ اإلجرامي فييا حدكث تغيير في العالـ الخارجي ،أما إذا
الحظنا مثؿ ىذا التغيير فإف إنكار النتيجة يبات مفتق انر إلى ما يدعمو ،فإذا طبقنا ذلؾ عمى جرائـ الحريؽ
كتعريض الطفؿ لمخطر كحمؿ السبلح دكف ترخيص ،لتبيف أف ثمة تغيير قد ترتب عمى السمكؾ اإلجرامي
65
ىبللي عبدالبله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص.67
66
محمد عمي السالـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص .173محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص .200ىبللي عبدالبله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص.66
31
فييا؛ فالمادة المحرقة قد كضعت في مكاف لـ تكف فيو مف قبؿ ،كالطفؿ قد نقؿ إلى مكضع خطر عمى حياتو
يف ع يثايث
كىي الرابطة التي تصؿ بيف السمكؾ كالنتيجة اإلجرامية ،كتسمح بالقكؿ بأف ىذه األخيرة كانت ثمرة
لؤلكؿ كمرتبطة بو ارتباط السبب بالمسبب ،مما يسمح بمساءلة المتيـ عف تمؾ النتيجة ،68فيي عمى ىذا
النحك ذات طبيعة مادية ،ذلؾ أنيا صمة بيف ظاىرتيف ماديتيف ىما السمكؾ كالنتيجة اإلجرامية ،فبل يكفي
الكتماؿ الركف المادم لمجريمة أف يصدر عف الشخص سمكؾ إجرامي تعقبو نتيجة ،كانما يمزـ فضبلن عف ذلؾ
أف تقكـ رابطة السببية بينيما ،69كىي عمى ىذا النحك تعد عنص انر جكىريان في الركف المادم لجميع الجرائـ
التي يتطمب القانكف لقياميا تحقؽ نتيجة إجرامية مفيكمة عمى أنيا كاقعة متميزة عف سمكؾ الجاني كما ىك
الكضع في الجرائـ اإليجابية ،70كلما كانت جريمة االتفاؽ الجنائي (مف جرائـ التكاجو) التي يتـ الركف المادم
ليا بمجرد التقابؿ بيف مسالؾ فعمتيا المتعدديف-اإليجاب كالقبكؿ -دكف استمزاـ أم نتيجة تنجـ عف ىذا
التقابؿ ،فإنيا تعتبر-تبعان لذلؾ -جريمة سمكؾ مجرد ،كىك ما يمكف معو القكؿ أنو ال محؿ لمكبلـ فييا عف
عبلقة سببية بيف السمكؾ كحدث ما ،كال عمى انصراؼ اإلرادة إلى تسبيب أم حدث ،بحيث يكتمؿ كقكعيا
67
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،الطبعة الثالثة ،دار النيضة العربية ،القاىرة ، 1988 ،ص.43
68
سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .208جبلؿ ثركت ،مرجع سابؽ ،ص 159ك .160أحمد أبك الركس ،القصد
الجنائي كالمساىمة الجنائية كالشركع كالدفاع الشرعي كعبلقة السببية ،المكتب الجامعي الحديث ،اإلسكندرية ،ص.22
69
خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .136عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص .35عبكد السراج ،شرح قانكف العقكبات
القسـ العاـ ،الجزء األكؿ ،ص.124
70
محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص.202
32
بمجرد إتياف الفاعميف كؿ منيـ سمككو المتقابؿ مع سمكؾ اآلخريف كذلؾ لغياب عنصر النتيجة اإلجرامية كفقان
لممدلكؿ المادم.71
ملطًب يثاْٞ
أط ف التفام
قد يتعذر عمى جيات االختصاص الكصكؿ إلى سائر أطراؼ االتفاؽ الجنائي ،كقد يككف األخير بيف
طرفيف أحدىما محرض صكرم أك شاب إرادة أحد أطرافو عيب مف عيب الرضاء ،ما مصير االتفاؽ في كؿ
حالة ،ثـ ىؿ يشترط المشرع في النمكذج القانكني لجريمة االتفاؽ إتياف السمكؾ الخاص بيا مف قبؿ عدد
إذا كاف الغالب في الجرائـ أنو يكفي لكجكد الجريمة أف يحقؽ السمكؾ المكصكؼ في نمكذجيا
شخص كاحد ،فإف ىناؾ حاالت ال يمكف فييا قياـ الجريمة إال إذا ساىـ أكثر مف شخص في تحقيؽ سمككيا
اإلجرامي ،72كمف ذلؾ جريمة االتفاؽ الجنائي حيث تطمب المشرع إتياف السمكؾ المكصكؼ في نمكذجيا مف
قبؿ شخصيف عمى األقؿ ،كيظير ذلؾ جميان مف صياغة نصكص المكاد ( )36-35-34مف قانكف العقكبات
71
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمجريمة ،مرجع سابؽ ،ص.612
72
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .604محمكد نجيب حسني،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .486عبد
الكاحد العممي،شرح القانكف الجنائي المغربي،القسـ الخاص ،ص.25
33
نصت المادة ()34عمى أنو" :كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى أف يرتكب في أم مكاف جناية أك
أم فعؿ آخر يعتبر جناية فيما لك ارتكب في فمسطيف ككاف ذلؾ الفعؿ جرمان بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا
في الببلد التي كاف في النية ارتكابو فييا ،يعتبر مجرمان كيعاقب بالحبس مدة سبع سنكات إذا لـ تكف ىناؾ
عقكبة أخرل معينة لذلؾ الجرـ ككاف الحد األقصى لمعقكبة المعينة لو الحبس مدة سبع سنكات أك أكثر ،أما
و
فعندئذ يعاقب بتمؾ إذا كاف الحد األقصى لمعقكبة المعينة لذلؾ الجرـ الحبس مدة أقؿ مف سبع سنكات
العقكبة" ،ككذلؾ المادة ( )35حيث تنص " :كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى ارتكاب جنحة أك عمى إتياف
فعؿ في مكاف آخر خارج فمسطيف ككاف ذلؾ الفعؿ يشكؿ جنحة فيما لك ارتكب في فمسطيف كيعتبر كذلؾ
بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا في المكاف الذم كاف في النية ارتكابو فيو ،يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب
بالحبس مدة سنتيف" ،كأيضان ما نصت عميو المادة ( )36بقكليا " كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى...
يتضح مف المكاد السالفة الذكر أف الشارع الجنائي تطمب أف يأتي السمكؾ اإلجرامي شخصاف عمى
األقؿ في سبيؿ أف يقكـ االتفاؽ الجنائي ،بينما لـ يرد قيد عمى الحد األقصى ،كبالتالي نككف بصدد جريمة
فاعؿ متعدد ،73مما يعني عدـ تصكر جريمة االتفاؽ الجنائي إال بيف شخصيف كحد أدنى ،كمف ثـ كاف
لئلرادة الدكر األكؿ في تككيف االتفاؽ ،كلكف ىذه اإلرادة المجردة غير كافية كانما يتعيف أف تتعدد اإلرادات
73
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .21رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .825عمي محمد
جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .30عبد الكاحد العممي ،شرح قانكف العقكبات المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.25
34
فتككف اثنتيف أك أكثر كاال فبل قياـ لجريمة االتفاؽ الجنائي ،كيترتب عمى ذلؾ أنو ال كجكد لبلتفاؽ الجنائي
بإرادة كاحدة ،كمف ثـ يككف الشخص بمفرده عاج انز عف ارتكاب ىذه الجريمة.74
لقد ذكرنا في الفقرة السابقة أنو ال يمكف تصكر جريمة االتفاؽ الجنائي بيف أقؿ مف شخصيف كحد
عمى خبلؼ ذلؾ حيث أف تعدد اإلرادات المنعقدة المجردة ال يكفي لقياـ الجريمة ،بؿ يتعيف أف تككف كؿ
منيا محبلن العتداد القانكف بيا ،كاال فبل قياـ لجريمة االتفاؽ الجنائي بإرادة جادة كأخرل متجردة مف القيمة
القانكنية ،فيي كأف تعددت كاقعيان إال أنو في نظر القانكف ىناؾ إرادة كاحدة ذات قيمة قانكنية ،لذا ال كجكد
تتكافر إرادتاف جادتاف عمى األقؿ ،مما يعني أنو إذا تعددت اإلرادات كلكف لـ تكف بينيا غير إرادة كاحدة جادة
يككف مدركان لماىية فعمو مختا انر لو ،ذلؾ أف أساس المسئكلية الجزائية أف يصدر الفعؿ عف إرادة مميزة قادرة
74
عبد الكاحد العممي ،شرح قانكف العقكبات المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .25محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.487
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .825عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص.30
ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مرجع سابؽ ،ص .36مناؿ مركاف منجد ،المكاجية الجنائية
لجرائـ اإلرىاب في القانكف السكرم ،مرجع سابؽ ،ص .125نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ،مرجع سابؽ ،ص.167
75
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .487عبد الكاحد العممي ،شرح قانكف العقكبات المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.26
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ .825،عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .30ابتساـ مكىكب،
جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مرجع سابؽ ،ص . 36عماد فاضؿ ركاب ،جريمة العصياف المسمح في التشريع
العراقي ،جامعة البصرة ،ص .12طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .157نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم،
مرجع سابؽ ،ص.167
35
عمى فيـ ماىية الفعؿ كقادرة عمى تكقع اآلثار الناجمة عنو ،كما يتعيف أف تككف حرةن ،76كعمى إثر ذلؾ ييثار
التساؤؿ اآلتي :ماذا لك تكافر أحد أسباب اإلباحة أك مانع مسئكلية أك مانع عقاب في جانب أحد المتفقيف،
يختمؼ الحاؿ بحسب الحالة التي يتكفر فييا سبب إباحة أك مانع مسئكلية عف تمؾ التي يتكفر فييا
مانع عقاب؛ كذلؾ راجع الختبلؼ تأثير كؿ كاحد منيا عمى المسئكلية الجنائية ،فسبب اإلباحة يفترض
ابتداء لنص تجريـ كاكتسابو الصفة غير المشركعة ،ثـ يخرج ىذا الفعؿ مف نطاؽ نص التجريـ
ن خضكع الفعؿ
كيدخؿ في دائرة اإلباحة لتكافر سبب مف أسباب اإلباحة ،77في حيف أف مكانع المسؤكلية الجزائية ىي ظركؼ
تتعمؽ بشخص الجاني لذلؾ تتميز بأنيا ذات طابع شخصي يترتب عمى تكافرىا عدـ االعتداد بإرادتو قانكنيان
كذلؾ يختمؼ سبب اإلباحة عف مانع المسئكلية في أف األكؿ ينفي عف الفعؿ صفة التجريـ كيدخمو
في دائرة المشركعية ،أما مانع المسئكلية فبل ينفي عف الفعؿ صفة التجريـ فيبقى الفعؿ مجرمان مع امتناع
العقاب مع إمكانية مساءلتو مدنيان ،79كتأثيرىا ال يقتصر فقط عمى مجرد امتناع العقاب ،بؿ يمتد إلى أركاف
المسئكلية الجزائية فيصيبيا بالعجز كيجعميا غير صالحة قانكنان لقياـ المسئكلية الجزائية.80
76
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات الفمسطيني،الجزء األكؿ،الطبعة الثانية ،2011،ص .419رمسيس بيناـ ،النظرية العامة
لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .962عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.21
77
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .153عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص .74سمير عالية،
مرجع سابؽ ،ص.343
78
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات الفمسطيني ،مرجع سابؽ ،ص.125
79
أحمد فتحي سركر ،الكسيط في قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،الطبعة الخامسة ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1991 ،ص.201
80
سمير عالية ،مرجع سابؽ.387 ،
36
في حيف أف مكانع العقاب ىي مجرد أسباب لئلعفاء مف العقاب عمى الرغـ مف اكتماؿ البنياف
القانكني لمجريمة ،كتكافر شركط المسئكلية الجزائية عنيا ،81كمف ىذا التعريؼ يتضح أف مكانع العقاب ال
تنفي أركاف الجريمة أك شركط المسئكلية عنيا ،كىي بذلؾ تختمؼ عف مكانع المسئكلية كأسباب اإلباحة ،كاف
كانت جميعان تشترؾ في عدـ العقاب إال أف االختبلؼ بينيا في عمة المنع ،82ففي مكانع المسئكلية يمتنع
العقاب لخمؿ يصيب اإلرادة فيجعميا غير معتبرة مف الناحية القانكنية ،أما اإلعفاء مف العقاب –مانع العقاب-
فبل عبلقة لو باإلرادة كانما يرجع إلى إرادة المشرع العتبارات تتعمؽ بالسياسة العقابية ،83حيث أنيا نتاج
لعممية مكازنة بيف الفائدة التي يجنييا المجتمع مف العقاب مف ناحية ،كالفائدة التي تتحقؽ بإعفاء بعض
األشخاص مف العقاب مف ناحية أخرل بالرغـ مف ثبكت مسئكليتيـ الجزائية ،فترجح كفة الفائدة العائدة مف
اإلعفاء.84
كبإسقاط ما سبؽ عمى جريمة االتفاؽ الجنائي فإنو في حالة ما إذا كاف االتفاؽ بيف شخصيف كتكافر
سبب إباحة ،فإنو ال مجاؿ لقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي ،فإذا اتفؽ أب مع طبيب جراح
ي في جانب أحدىما
عمى إجراء عممية جراحية لطفمو فبل عقاب عمى ىذا االتفاؽ ،ألف العمؿ الطبي كالتدخؿ الجراحي فعؿ مباح
طبقان لنص المادة ( )231مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936طالما تكافرت شركطو.
كفي مكانع المسئكلية إذا كجد أم منيا لدل بعض المتيميف فيستبعدكف مف االتفاؽ؛ ألف ىذه المكانع
يمتنع مع قياميا قياـ المسئكلية الجنائية ،كأثرىا الشخصي مقصكر عمى مف يتعمؽ بو المانع كال يتعداه إلى
غيره ،كاذا بقي بعد استبعادىـ عضك كاحد مسئكالن جنائيان فبل عقاب عمى ىذا االتفاؽ؛ ألف االتفاؽ ىك انعقاد
81
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .792عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص.85
. 82
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص21
83
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء الثاني ،الطبعة األكلى ،2010 ،ص.154
84
أحمد عكض ببلؿ ،مبادئ قانكف العقكبات المصرم ،القسـ العاـ ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،ص.867
37
إرادة شخصيف أك أكثر ،فيجب أف يككف كؿ مف ىذيف الشخصيف مسئكالن جنائيان ،فإرادة شخص كاحد مسئكؿ
أما بالنسبة لمكانع العقاب في الحالة التي يككف فييا بعض المتفقيف معفيان مف العقاب ،كما لك اتفؽ
األب مع جاره عمى إيكاء ابف األكؿ فينا يككف االتفاؽ كاقعان بيف األب الذم يستفيد مف سبب مانع لمعقاب
كبيف الجار الذم ال يستفيد ،كلكف ذلؾ ال تأثير لو عمى قياـ جريمة االتفاؽ الجنائي بحيث يعاقب بقية
المتفقيف الذيف لـ يتكفر لدييـ مانع العقاب؛ باعتبار أف مانع العقاب أثره شخصي محض ،كما سبؽ كأف
و
معؼ مف ذكرنا أعبله ،مما يعني أنو لك بقي بعد استبعاد المتفقيف المعفيف مف العقاب عضك كاحد فقط غير
العقاب فإنو يعاقب ككف جريمة االتفاؽ الجنائي ما زالت قائمة طالما أف ىناؾ انعقاد بيف إرادتيف عمى األقؿ
ككؿ منيا معتبرة قانكنان لـ يصبيا أم خمؿ؛ كذلؾ ألف مكانع العقاب ال تؤثر عمى قياـ المسئكلية الجنائية كانما
يترتب عمييا عدـ تكقيع العقاب عمى الجاني العتبارات خاصة بو، ،فاستفادة أحد المتفقيف مف مانع عقاب ال
ينفي أف كانت لو إرادة جادة كمعتبرة كمف ثـ يككف تكقيع العقاب عمى زمبلئو متعينان طالما تكافرت سائر
أركانو.86
الجنائي إال إذا قبض عمى اثنيف عمى األقؿ مف المتفقيف كثبت تكافر اإلرادة الجادة لكؿ منيما ،87حيث ال
85
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .31طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.158
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .70نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ،مرجع سابؽ ،ص .167مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع
سابؽ ،ص .113محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .480
86
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.827محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.487
87
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.487
38
يؤثر في قياـ االتفاؽ الجنائي عدـ معرفة سائر المتفقيف في حاؿ القبض عمى أحدىـ في حيف أف بقيتيـ
فاريف أك مجيكليف ،88إذ يمكف لممحكمة إدانة المقبكض عميو كلك كاف كاحدان طالما ثبت لدييا أنو اتفؽ مع
ٌ
غيره مف المتآمريف ،89فاالتفاؽ الجنائي يقكـ إذف بمجرد انعقاد اإلرادات المعتبرة قانكنان ،كمف ثـ فبل يتطمب
بقاء إمكانية المساءلة الجنائية أك العقاب لممتفقيف إلى حيف المحاكمة ،كينبني عمى ذلؾ أف إصابة أييما مثبلن
بأحد عكارض المسئكلية تفقده اإلرادة أك اإلدراؾ ،أك منحو عفكان عامان أك خاصان أك استفادتو مف العذر
المعفي ،كؿ ذلؾ ال يؤدم إلى انتفاء االتفاؽ الجنائي بسبب بقاء أحد المتفقيف كحده معرضان لممتابعة
فيكفي أف يثبت لدل المحكمة أف المتيـ اتحد مع غيره عمى ارتكاب جناية أك جنحة كلك بقي ىذا
الغير مجيكالن أك غائبان ،كقد قضت محكمة النقض المصرية بتطبيؽ المادة ( )48عقكبات عمى شخص اتفؽ
مع آخريف مجيكليف ،كقالت أف لممحكمة أف تعمف عف قياـ جريمة االتفاؽ رغـ بقاء شخص كاحد فييا ،إذا
اطمأنت إلى تكفر المسؤكلية الجزائية بحؽ الشخص اليارب أك ذاؾ المجيكؿ.91
طرؼ في االتفاؽ:
د -المحرض الصكرم ه
قد تحتاج بعض الجرائـ إلى سمككية معينة لرجاؿ السمطة العامة يظير أحدىـ مف خبلليا بصفة
88
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.21
89
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.169
الساعة10:30 : سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،مرجع سابؽ.تاريخ الزيارة2019/3/28 :
90
عبد الكاحد العممي ،شرح قانكف العقكبات المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .27ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص.71
91
نقض جنائي مصرم ،جمسة ،1935/12/16س ،37بكابة مصر لمقانكف كالقضاء ،انظر الرابط االلكتركني اآلتيhttp://www.laweg.net :
الساعة 10:40 :ص. تاريخ الزيارة2019/3/28 :
39
كيدعك إلى تنفيذ بعض النشاطات المجرمة قانكنان بقصد كشؼ أفراد التشكيؿ جميعيـ ،92كييراد بالمحرض
الصكرم الشخص الذم تتجو إرادتو إلى القبض عمى مجرـ متمبسان بجريمتو ،أك اختبار مدل حرص شخص
عمى إتباع أحكاـ القانكف ،فيتظاىر بتشجيعو عمى اإلقداـ عمى ارتكاب الفعؿ اإلجرامي ،حتى إذا ما بدأ في
تنفيذه حاؿ دكف إتمامو ،أك دكف تحقؽ النتيجة اإلجرامية ،كمثاؿ ذلؾ رجؿ الشرطة الذم يعمـ بعزـ شخص
عمى اقتراؼ جريمة ،فيتظاىر بتشجيعو عمييا ،فإذا بدأ في تنفيذىا أكقفو ككشؼ عف صفتو ،أك المكظؼ
المكمؼ بتنفيذ قانكف إذا أشار عمى بعض الخاضعيف لو بسمكؾ يخالفو ،عازمان عمى ضبط المخالؼ بمجرد
بدئو فيو كقبؿ أف ييتاح لو إتمامو ،93كبناء عمى ذلؾ قد يككف المحرض الصكرم شخصان عاديان أك أحد أفراد
الضبط القضائي ،كأيان ما كاف األمر فإف المحرض الصكرم ىيعمد إلى أف يبمغ السمطات المختصة قبؿ كقكع
الجريمة فيحكؿ دكف كقكعيا ،كىذا يعني أنو يقؼ بالجريمة عند حد الشركع حيث يتدخؿ قبؿ البدء في تنفيذىا
كيحكؿ دكف التنفيذ ،فتككف جريمة الجاني في كثير مف الحاالت شركعان إال أنو في بعض الحاالت تتجاكز
الشركع ،كتككف تمبس بالجريمة كذلؾ لمقبض عمى مرتكبيا متمبسان ،كىذا ال يحدث غالبان إال في جرائـ
ً
فالمحرض ال يقكـ بنشاطو التحريضي مف أجؿ تحقيؽ المصمحة التي تحققيا الجريمة عادة لمف يرتكبيا أك
تدفع المحرض إلى اإلقداـ عمى ىذا النكع مف التحريض فقد يككف مف رجاؿ الضبطية القضائية كييدؼ مف
92
محمد عبد الجميؿ الحديثي ،جرائـ التحريض كصكرىا في الجكانب الماسة بأمف الدكلة الخارجي كفقان لمتشريع العراقي المقارف ،1984 ،ص.213
93
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.151
94
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.9
40
كراء تحريضو إلى إلقاء القبض عمى الجاني في حالة تمبس بالجريمة حتى يسيؿ إثباتيا ،كما قد يككف
المحرض أحد األفراد العادييف كيتغيا مف كراء تحريضو نيؿ مكافأة خصصتيا الدكلة لمف يبمغ عف جريمة مف
الجرائـ ،كما قد يككف ىدفو التنكيؿ بغريـ لو كالزج بو في السجف متمبسان بالجريمة.95
كىنا يثار التساؤؿ حكؿ الحالة التي يككف االتفاؽ بيف شخصيف أحدىما محرضان صكريان ىؿ يقكـ
ال شؾ في أف مف ارتكب الجناية أك الجنحة مكضكع االتفاؽ الجنائي ييسأؿ عنيا ،إذ التشجيع أك
اإليعاز ليس مف أسباب امتناع المسئكلية أك العقاب ،فما زاؿ يمرتكب الفعؿ محتفظان بحرية إرادتو ،أما مف
شجعو عمى فعمو أك أكعز إليو بو ،فبل يسأؿ كمحرض ،إذ لـ يتكافر لديو القصد المنصرؼ إلى ارتكاب
الجريمة ،فيك ال يريد تحقيؽ نتيجتيا ،بؿ ىك عازـ عمى الحيمكلة دكف ذلؾ بإيقاؼ نشاط المجرـ بمجرد بدئو
في تنفيذه ،كبانتفاء إرادتو في تحقيؽ النتيجة اإلجرامية ينتفي القصد المتطمب في التحريض فنككف بصدد
"تحريض صكرم" فحسب ،96كبناء عمى كؿ ذلؾ ال يقكـ االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يقكـ بيا المحرض
الصكرم بالدخكؿ في اتفاؽ مع شخص آخر عمى ارتكاب جناية أك جنحة كذلؾ لبلنتفاء عنصر الجدية في
االتفاؽ حيث أف إرادة المحرض الصكرم اتجيت إلى الكشؼ عف المشرع اإلجرامي كلـ تنصرؼ إلى ارتكاب
ص إلى أنو ال يقكـ االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يككف االتفاؽ منعقدان بيف
كلما كاف الباحث قد ىخمي ى
شخصيف أحدىما محرض صكرم ،فيؿ في ىذه الحالة نككف إزاء تطبيؽ لفكرة الجريمة المستحيمة أـ ال؟
95
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.11
96
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.452
41
ذكر الباحث سابقان أف جريمة االتفاؽ الجنائي مف الجرائـ ذات التعدد الضركرم بطبيعتو ،فبل يمكف
تصكر جريمة االتفاؽ الجنائي إال بيف شخصيف كحد أدنى ،كمف ثـ كاف لئلرادة الدكر األكؿ في تككيف
المنعقدة المجردة ال يكفي لقياـ الجريمة ،بؿ يتعيف أف تككف كؿ منيا محبلن العتداد القانكف بيا ،كاال فبل قياـ
لجريمة االتفاؽ الجنائي بإرادة جادة كأخرل متجردة مف القيمة القانكنية ،فيي كأف تعددت كاقعان إال أنو في
نظر القانكف ليس ىناؾ سكل إرادة كاحدة ذات قيمة قانكنية.97
كلما كاف ذلؾ فإف تدخؿ المحرض الصكرم بصفة عضك في االتفاؽ يؤثر ببل شؾ عمى كفاءة ىذا
العمؿ اإلجرامي ،ذلؾ أف االتفاؽ الجنائي مف جرائـ الفاعؿ المتعدد ،كعمى ىذا فإنو يصبح مف المستحيؿ
عمينا تقدير فيما إذا كاف الفعؿ المادم لمجريمة كفؤ مف الناحية القانكنية لتحقيؽ النتيجة غير المشركعة إال
باألخذ بعيف االعتبار سائر المسالؾ المتطمبة قانكنان لقياـ ىذا الركف.98
كبناء عمى ذلؾ ،فإنو ال يجكز تجزئة األفعاؿ المككنة لمركف المادم في جريمة االتفاؽ ،لمحكـ فيما
إذا كاف ىذا الفعؿ كفؤ مف عدمو لتحقيؽ النتيجة الخطرة ،لذلؾ إذا تبيف أف سمكؾ أحد طرفي االتفاؽ
يتعارض كيتناقض مع سمكؾ اآلخر ،فإف ذلؾ يستتبع معو القكؿ باستحالة قياـ االتفاؽ الجنائي قانكنان ،كىذا
يكضح لنا كيؼ أف كؿ فعؿ يجب أف يككف مكمبلن ألفعاؿ بقية األطراؼ ،ال متعارضان معيا.
97
انظر صفحة( )32مف ىذه الرسالة.
98
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .116ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص.72
42
كتطبيقان لذلؾ ،فإف دخكؿ المحرض الصكرم في اتفاؽ جنائي مع آخر ،يجعؿ الفعؿ المادم غير
كفؤ ،إذ يبات مف المستحيؿ بمكاف تحقؽ الخطر في حالتنا ىذه مما يعني استحالة تحقؽ النتيجة غير
المشركعة.99
كمما تجدر اإلشارة إليو أنو تطبيقان ألحكاـ المادة ( )3/30مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ()74
لسنة 1936ـ كالتي تنص عمى":ال عبرة فيما إذا لـ يكف في اإلمكاف ارتكاب الجرـ بالفعؿ بسبب ظركؼ كاف
حرض سيتعرض لممساءلة الجنائية رغـ عدـ قياـ االتفاؽ الجنائي؛ النتفاء القصد
الم ى
يجيميا المجرـ"؛ فإف ي
الم ً
حرض الصكرم ،كذلؾ ألننا إزاء جريمة مستحيمة ،كاألخيرة معاقب عمييا كفقان ألحكاـ المادة الجنائي لدل ي
سالفة الذكر ،كذلؾ باعتبار أف ىذا القانكف ينتمي لمنظاـ األنجمكسكسكني الذم يميؿ إلى المذىب الشخصي
الذم ينادم بالعقاب في حالة الجريمة المستحيمة ،لذلؾ عاقب الشارع عمى الجريمة المستحيمة دكف تفرقة بيف
لما كاف االتفاؽ الجنائي ال قياـ لو بإرادة كاحدة ،كمف ثـ يككف الشخص بمفرده عاج انز عف ارتكاب
ىذه الجريمة ،كأف ىذا التعدد في اإلرادات يعني تكافر إرادتاف جادتاف عمى األقؿ ،كأف تككف كؿ منيما محبلن
العتداد القانكف بيا ،فإنو قد يحدث بأف يككف رضاء بعض أعضاء االتفاؽ مشكبان بأحد عيكب
99
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص.74
100
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،الطبعة األكلى،2018 ،فمسطيف ،ص.42 -41
43
يقكـ االتفاؽ الجنائي طالما أف ىناؾ إرادتيف جادتيف عمى األقؿ ،انعقدتا عمى اإلجراـ كلـ يشبيما أم
عيب مف عيكب الرضاء ،مما يعني انعداـ جريمة االتفاؽ يقتصر فقط عمى األعضاء الذيف ايغتي ً
صب رضاىـ
أك يغرر بيـ ،فيك يعتبر معدكمان بالنسبة لؤلعضاء الذيف شاب رضاىـ عيب مف عيكب الرضاء ،بينما يعتبر
قائمان بالنسبة لسائر األعضاء اآلخريف ،الذيف أبدكا رضاىـ خاليان مف عيكب الرضاء ،فإذا تعددت اإلرادات
كلـ تكف مف بينيا سكل إرادة كاحدة جادة كمعتبرة فبل قياـ لبلتفاؽ ،101كمما تجدر اإلشارة إليو إلى أف عيكب
اإلرادة تحكؿ دكف تكافر القصد الجنائي في جريمة االتفاؽ بحؽ مف كاف رضاه معيبان ،عمى اعتبار أف الركف
كمف عيكب الرضاء اإلكراه كىك إما أف يككف ماديان أك معنكيان ،كبرغـ أف التمييز بينيما ال يغيب عف
المكره إال أف االختيار ،ىك الذم ينعدـ لديو إما لغياب اإلرادة تمامان كذلؾ في اإلكراه المادم أك
شخص ي
لغياب حرية اإلرادة في اإلكراه المعنكم ،103كيراد بالقير أك اإلكراه المادم قكة إنسانية عنيفة ،مفاجئة أك غير
مفاجئة ،تجعؿ مف جسـ اإلنساف أداة لتحقيؽ جريمة معينة ،بدكف أف يككف بيف ىذه الجريمة كبيف نفسية
صاحب الجسـ أم اتصاؿ إرادم ،في حيف أف اإلكراه المعنكم قكة إنسانية تتجو إلى نفسية اإلنساف دكف أف
تقبض عمى جسمو ،فتحمؿ ىذه النفسية عنكةن عمى إرادة الجريمة ،104كيتحقؽ اإلكراه المادم في جريمة
االتفاؽ الجنائي كما لك أمسؾ أحد األعضاء بيد عضك آخر عنكةن ،كأجرل بيده التكقيع عمى عقد االتفاؽ،
بينما يتحقؽ اإلكراه المعنكم كما لك قاـ عضك في االتفاؽ عمى عقد االتفاؽ تحت تأثير التيديد بالقتؿ.
101
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .487ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .75عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف
الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .26نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ،مرجع سابؽ ،ص.169
102
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .828عبد الكاحد العممي ،مرجع سابؽ ،ص.31
103
جبلؿ ثركت ،نظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات المصرم ،مرجع سابؽ ،ص .402
104
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.967-964
44
أما الغمط فيك العمـ بالكاقعة عمى نحك يخالؼ الحقيقة ،بحيث ينصرؼ عمـ مف كقع في الغمط إلى
الكاقعة دكف أف يحيط بيا اإلحاطة الصحيحة الشاممة ،بحيث ينتفي لديو العمـ بحقيقة الكاقعة ،كالغمط المراد
بو ىك الغمط في الكقائع ،أما الغمط في القانكف فيك ال يعفي عضك االتفاؽ مف المسئكلية الجنائية كفقان لمقاعدة
العامة في القانكف الجنائي كىي عدـ جكاز االعتذار بالجيؿ بالقانكف ،105كيتحقؽ الغمط في جريمة االتفاؽ
الجنائي ،كما لك اعتقد عضك في االتفاؽ مف تمقاء نفسو أف االتفاؽ لبلتجار في مكاد غذائية ،فإذا بو لبلتجار
كفي ىذا السياؽ قضت محكمة النقض المصرية بأف" :ىذه الجريمة ،عمى ما ىك كاضح مف مفيكـ
ىذا النص ،ال يمكف أف تتككف إال باتحاد اإلرادات عمى ما نيى النص عنو بحيث إذا كاف أحد أصحابيا
جادان في االتفاؽ كاآلخر غير جاد فبل يصح أف يقاؿ بأف اتفاقان جنائيان قد تـ بينيما لعدـ اتحاد إرادتييما عمى
شيء في الحقيقة ككاقع األمر ،كاذف فإذا كانت الكاقعة ىي أف زيدان اتصؿ بأحد الجنكد البريطانييف كعرض
عميو أف يبيعو ىذا أسمحة مف الجيش البريطاني فتظاىر ىذا الجندم لو بقبكؿ العرض كاتصؿ بأحد رؤسائو،
كىك ضابط بريطاني ،كأفضى إليو باألمر ،فاتفقا فيما بينيما عمى التظاىر بقبكؿ العرض كساكما العارض
عمى ثمف األسمحة ،ثـ اتصؿ الضابط بالبكليس المصرم كبمغو بما كقع ،ثـ أحضر الضابط كالجندم
البريطاني بعض األسمحة بدعكل سرقتيما إياىا مف مخازف البكليس ثـ ىما بتسميميا لزيد فداىمو البكليس
المصرم ،فيذه الكاقعة ال تتحقؽ فييا جريمة االتفاؽ الجنائي كال عقاب عمييا".106
105
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.76
106
نقض جنائي مصرم رقـ ،292جمسة 1948/4/28ـ ،لسنة 18ؽ ،بكابة مصر لمقانكف كالقضاء ،مرجع سابؽ.
الساعة 4:22 :ـ. تاريخ الزيارة2019/4/2 :
45
ككذلؾ يأخذ التدليس حكـ الغمط مف حيث األثر رغـ أنو ال يعتبر بحد ذاتو عيبان مف عيكب اإلرادة
كانما يعتبر كذلؾ لما يؤدم إليو مف غمط يتمثؿ باعتقاد خاطئ يقكـ في ذىف المتعاقد بسبب الكسائؿ
ملطًب يثايث
ي نٔ ملعٟٓٛ
مف المبادئ الراسخة كالمستقر عمييا في القانكف الجنائي الحديث ذلؾ المبدأ الذم يقضي بأف ماديات
الجريمة ال تنشئ مسئكلية ،كال تستكجب عقابان ،ما لـ تتكافر إلى جانبيا العناصر النفسية التي يتطمبيا كياف
الجريمة ،108كتجتمع ىذه العناصر في ركف يختص بيا كيحمؿ اسـ الركف المعنكم لمجريمة ،فاألخيرة ليست
مجرد ظاىرة مادية خالصة قكاميا الفعؿ كآثاره ،كلكنيا كذلؾ كياف نفسي ،109فالشارع ال ييعني بماديات
الجريمة إال إذا صدرت عف إنساف ييسأؿ كيتحمؿ العقاب المقرر ليا ،كاشتراط صدكرىا عف إنساف معناه
اشتراط نسبتيا إليو في كؿ أجزائيا كال يككف كذلؾ إال إذا كاف ليا أصكؿ في نفسيتو ،110فإذا كاف الركف
المادم لمجريمة ىك الكجو الخارجي المحسكس لمسمكؾ المككف ليا كما كصفو نص التجريـ ،فإف ركنيا
المعنكم ىك الكجو الباطني النفساني ليذا السمكؾ ،كالنص كذلؾ ىك الذم يحدد ىذا الكجو الباطني النفسي،
كأيان كاف ذلؾ الكجو ،فإنو بصفة عامة ،ال يتعدل انتساب السمكؾ اإلجرامي إلى نفسية صاحبو ،111ك يتمثؿ
107
إياد محمد إبراىيـ جاد الحؽ ،النظرية العامة لبللتزاـ ،الطبعة الثالثة ،دار المنارة ،فمسطيف ،2011،ص.174 -173
108
محمد عبد الجميؿ الحديثي ،جرائـ التحريض كصكرىا ،مرجع سابؽ ،ص .207سمير عالية ،مرجع سابؽ ،ص.238
109
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .1محمػد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص.245
110
نظاـ تكفيؽ المجالي ،مرجع سابؽ ،ص .325محمػد عمي السالـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص.187
111
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.858
46
في عناصر نفسية تسيطر عمى ماديات الجريمة كتعد اإلرادة مف أىـ ىذه العناصر ،باعتبار أف الجاني قد
إذف فالركف المعنكم لمسمكؾ اإلج ارمي ،يعني صدكر ىذا السمكؾ تمقائيان مف نفسية صاحبو ،عمى أف
كيفية انتساب ىذا السمكؾ إلى نفسية صاحبو ليست كاحدة ،فحيف ينتج السمكؾ جريمة ما ،فإف نفسية صاحب
السمكؾ يحتمؿ أف تككف متخذة مف تمؾ الجريمة مكقؼ ما مف مكاقؼ ثبلثة ،ىك إما اإلرادة الدافعة إلى
تحقيؽ الحدث ،كاما اإلرادة المؤيدة لكقكعو ،كاما محض خمكؿ اإلرادة في شأنو ،كقد يتخمؼ ذلؾ االنتساب
النفسي ،كذلؾ ىك الحاؿ حيف يصبح جسـ اإلنساف أداة في يد قكة خارجة عنو كيفمت مف سيطرة صاحبو
عميو ،حيث يتخمؼ عند الشخص الذم سخر جسمو عمى ذلؾ النحك الركف المعنكم في الجريمة ،كركنيا
المادم كذلؾ ،113كيتخذ الركف المعنكم إحدل صكرتيف ،األكلى كىي القصد الجنائي بأنكاعو المختمفة ،أما
الثانية :فيي الخطأ ،114كلما كاف ذلؾ فإف جريمة االتفاؽ ليا ركف معنكم شأنيا في ذلؾ شأف أية جريمة
جنائية أخرل ،كفي ىذا المقاـ يتناكؿ الباحث بشيء مف التفصيؿ صكرة الركف المعنكم في جريمة االتفاؽ.
تعتبر جريمة االتفاؽ الجنائي مف الجرائـ العمدية التي يتخذ الركف المعنكم فييا صكرة القصد الجنائي
العاـ ،كما ينبغي االنتباه إليو ىك التبلزـ بيف الركنيف المادم كالمعنكم في ىذه الجريمة ،فإذا كاف االتفاؽ
مفترضان لدل كؿ متفؽ إرادة متجية إلى اإلجراـ فمعنى ذلؾ انو يفترض تكافر القصد الجنائي لديو إذ أف ىذه
اإلرادة يقكـ بيا القصد الجنائي ،115ك الذم يعرؼ بأنو "اتجاه اإلرادة إلى السمكؾ كنتيجتو مع العمـ بيما كبكؿ
112
ساىر إبراىيـ الكليد ،مرجع سابؽ ،ص .375خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص.153
113
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.859
114
محمد عمي السالـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص.188
115
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .827محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .493عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف
الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .31ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مرجع سابؽ ،ص.38
47
العناصر التي يشترطيا القانكف لكجكد الجريمة" ،116مما يترتب عميو أنو يشترط لقياـ جريمة االتفاؽ تكافر
عناصر القصد الجنائي مف عمـ كارادة لدل اثنيف مف المتفقيف عمى األقؿ.
يف ع ٍٚ
عٓص يعًِ
يمزـ لقياـ القصد الجنائي عمـ الجاني بالعناصر المككنة لمبنياف القانكني لمجريمة ،117فإذا كانت
اإلرادة ىي جكىر القصد الجنائي إال أنيا ال تكفي كحدىا لقياـ القصد فاألخير إرادة كاعية ،118كيعد العمـ
كاقعة معينة إال اذا عمـ بيا كتمثؿ في ذىنو مدل سيطرتو عمييا كتكقع العبلقة التي يمكف أف تتكافر بيف فعمو
كبينيا.119
كبناء عميو يتعيف أف ينصرؼ إلى مكضكع االتفاؽ ،فيجب أف يعمـ كؿ متفؽ بماىية الفعؿ أك األفعاؿ
مكضكع االتفاؽ الجنائي ،كبما ليا مف خصائص يعتمد عمييا الشارع في إضفاء الصفة اإلجرامية عمييا ،كال
يشترط العمـ بالصفة اإلجرامية ذاتيا ،إذ أف العمـ بقانكف العقكبات مفترض عمى نحك ال يقبؿ إثبات العكس،
أكديحات دليمة ،أكزاني دليؿ ،تعدد الجناة في التشريع الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص . 10مناؿ مركاف منجد ،المكاجية الجنائية لجرائـ اإلرىاب في القانكف
السكرم ،مرجع سابؽ ،ص .126نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ،
ص .177عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.24
116
خالد صفكت بينساكم ،المرجع السابؽ ،ص .156ساىر إبراىيـ الكليد ،مرجع سابؽ ،ص .358محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في
التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.183
117
أحمد أبك الركس ،مرجع سابؽ ،ص.36
118
سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.241
119
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .49رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.828
48
فبل يعذر أحد بالجيؿ بو ،كانما العمـ المتعيف تكافره ىك ذلؾ المنصب عمى الكقائع ،كبناء عمى ذلؾ إذا لـ
يعمـ المتيـ بالفعؿ مكضكع االتفاؽ أك بخصائصو ،فاعتقد أنو فعؿ معيف فإذا بو فعؿ آخر ،ككاف األكؿ
مشركع كالثاني غير مشركع ،فإف القصد الجنائي ال يعد متكاف انر لديو ،فمف انضـ إلى اتفاؽ معتقدان أنو لبلتجار
في مكاد غذائية فإذا بو لبلتجار بمكاد مخدرة ،كمف انضـ إلى جماعة اعتقد أنيا تنشر آراء معينة بالكسائؿ
المشركعة فإذا بيا تستعمؿ الجرائـ لفرض آرائيا ال يعد القصد الجنائي متكاف انر لديو أما إذا دخؿ في االتفاؽ
جاىبلن حقيقتو ثـ عرفيا بعد ذلؾ كبقي فيو عكقب عف االتفاؽ ،120كينبغي التنبيو إلى أنو في حالة ما إذا كاف
االتفاؽ الجنائي قائمان بيف شخصيف فقط فإف انعداـ العمـ بمكضكع االتفاؽ الجنائي لدل أحدىـ ،يؤدم إلى
عدـ قياـ جريمة االتفاؽ الجنائي ،كبالتالي عدـ المسئكلية بالنسبة ليما معان؛ كذلؾ ألف انعداـ القصد الجنائي
يف ع يثاْٞ
يشكؿ عنصر اإلرادة جكىر القصد الجنائي فالعمـ ال يكفي لكحده لقياـ القصد ،فاألخير يتطمب إرادة
السمكؾ أيضا ككذلؾ النتيجة المترتبة عميو ،122فكمما ثبت أف الجاني أراد ارتكاب السمكؾ كتحقيؽ نتيجتو
اإلجرامية ،كمما كاف القصد الجنائي متكاف انر لديو ،أما متى تبيف أنو أراد ارتكاب السمكؾ دكف نتيجتو اإلجرامية
120
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .31محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.493
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .33طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .164عماد عبيد،
قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .24عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.60
121
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .148ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مرجع
سابؽ ،ص.38
122
أحمد أبك الركس ،مرجع سابؽ ،ص.35
49
فعندئذ ينتفي القصد الجنائي،عمى أنو ينبغي األخذ بعيف االعتبار أف إرادة النتيجة عمى خبلؼ إرادة السمكؾ
التي ال تعد عنص انر الزمان لكؿ قصد ،فيناؾ مف الجرائـ ما يقع بالسمكؾ المجرد كحده جرائـ الخطر ،كارادة
النتيجة الزمة فحسب في الجرائـ العمدية التي جعؿ القانكف كجكدىا مرىكنان بتحقيؽ نتيجة معينة.123
لذلؾ يتعيف أف تتجو اإلرادة الجادة إلى الدخكؿ في االتفاؽ ،أم أف المتفؽ يريد أف يصبح طرفان في االتفاؽ
كأف يقكـ بالدكر المعيكد بو إليو ،فإذا لـ تتجو اإلرادة عمى ىذا النحك ،فكاف المتفؽ غير جاد يسعى إلى
الكشاية بأعضاء االتفاؽ ،أك يريد مجرد استطبلع أمرىـ دكف االنضماـ إلييـ أك كاف ىازالن قاصدان العبث
معيـ فبل يتكافر القصد الجنائي لديو ،124فبل بد مف أف تككف إرادة المتفؽ جدية في انتكاء االنضماـ إلى
االتفاؽ ،فإذا تظاىر أحد أطراؼ االتفاؽ بقبكؿ االنضماـ إليو ،كلـ يكف في ذلؾ جادان ،كاف معنى ذلؾ أنو
ليس فاعبلن في جريمة االتفاؽ ،كالمفيكـ بالبداىة أف اإلرادة الجدية يجب تكافرىا لدل شخصيف عمى األقؿ،
فإف كاف التفاكض بيف اثنيف فقط ،ككاف أحدىما جادان في القكؿ كاآلخر غير جاد ،تخمؼ بذلؾ انعقاد
اإلرادتيف عمى اإلجراـ ،كانعدـ أيضان الركف المادم إلى جانب الركف المعنكم ،ككف األكؿ ليس مجرد إرادة
منفردة مف شخص عزـ عمى اإلجراـ ،كانما ىما إرادتاف تبلقتا عميو ،كمف ثـ ال يتحقؽ االتفاؽ بكاحدة دكف
األخرل ،125مما يعني انتفاء القصد الجنائي في الحالة التي يقكـ بيا مأمكر الضابطة القضائية بالدخكؿ في
اتفاؽ مع الجناة عمى ارتكاب جناية أك جنحة لكي يأنس لو الجناة ،فمأمكر الضابطة القضائية لـ يدخؿ
123
خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .162عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص.60
124
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .494عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.31
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .828طبلؿ عبد حسيف البدراني ،مرجع سابؽ ،ص.165
125
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .828ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مرجع سابؽ،
ص .39عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،ص.25
50
لبلتفاؽ إال لمكشؼ عف الجناة كمشركعيـ اإلجرامي مما يعني انتفاء عنصر الجدية في االتفاؽ كبالتالي انتفاء
كعمى النيابة العامة إثبات قياـ االتفاؽ فبل يكفي إثبات أف المتيميف اجتمعكا كتداكلكا فيما بينيـ أك
أنيـ شكمكا جمعية أك عصابة عمنية أك سرية ،أك اتفقكا عمى مشركع غامض نكعان ما ،كلكف يجب إثبات
االتفاؽ الجدم نفسو ،كليس مف شؾ في أف إثبات ىذه الكقائع النفسية ،أم في النية ،أمر صعب جدان ،كلكف
مف الممكف إثباتيا بكؿ الكسائؿ ،كالرسائؿ كالشيكد كالقرائف ،كأف ضمانات المتيميف تكجد في ضمائر
قضاتيـ.126
كمما تجدر اإلشارة إليو أنو ال عبرة لقياـ القصد الجنائي فيما إذا كاف الباعث نبيبلن أك شريفان مف
عدمو ،فبل أثر لو عمى قياـ القصد الجنائي ،ككنو مرحمة نفسية سابقة عمى القصد الجنائي ،127فيك القكة
المحركة لئلرادة التي تدفعيا نحك إتياف السمكؾ اإلجرامي ،128لكف يمكف أف يستد ٌؿ عمى تكافر القصد مف
انضـ إلى اتفاؽ عالما بأف غرضو ارتكاب جناية أك جنحة ،تكافر القصد اإلجرامي
ٌ خبلؿ ىذا الدافع ،فمف
لديو حتى لك كاف دافعو إلى ىذا االنضماـ نبيبلن ،مثاؿ ذلؾ أف يبتغي تحقيؽ إصبلحات سياسية أك نشر
أفكار حزبية أك مذىبية يؤمف بيا ،فالعبرة ىنا بانصراؼ اإلرادة إلى الدخكؿ في االتفاؽ ،كليس بالدافع أك
بالغاية التي ستحققيا ىذه الجناية أك الجنحة فيما لك ارتكبت ،كما يعتبر القصد اإلجرامي متكافر في المتفؽ
126عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.28
127
تنص المادة ( ": )3/11ال عبرة لمدافع الذم يحمؿ الشخص عمى ارتكاب فعؿ أكترؾ أك عمى عقد النية عمى ارتكابو ،بقدر ما يتعمؽ ذلؾ بالمسئكلية
الجزائية ،إال إذا كرد النص صراحةن عمى غير ذلؾ".
128
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات الفمسطيني ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ص .361جبلؿ ثركت ،نظـ القسـ العاـ في قانكف
العقكبات المصرم ،مرجع سابؽ ،ص .181عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.25
51
سكاء أقاـ ىك نفسو بتنفيذه أك قاـ بذلؾ غيره ألف االتفاؽ الجنائي جرـ مستق ٌؿ كتاـ بحد ذاتو كال يؤثر في
كجكده بعد تماـ االتفاؽ قياـ المتفقيف بتنفيذ مشركعيـ أك عجزىـ عنو.129
كيستكم في نظر الشارع أف يككف اليدؼ األخير مف ارتكاب جريمة االتفاؽ مشركعان أـ غير مشركع،
فالغاية ليس عنص انر مف عناصر القصد الجنائي ،كينبغي عدـ الخمط بيف الغرض كالغاية كبيف األخيرة
كالباعث ،فالغرض ىك اليدؼ القريب الذم تتجو إليو اإلرادة ،كىك النتيجة اإلجرامية التي يحددىا القانكف
بصدد جريمة معينة ،كالفعؿ ىك الكسيمة التي تستعيف بيا اإلرادة لتحقيؽ غرضيا ،كلكف الغرض ليس اليدؼ
األخير لئلرادة ألف بمكغو ال يكفي إلشباع الحاجة ،كلذلؾ فيك ال يعدك أف يككف مرحمة مف مراحؿ النشاط
اإلرادم في سبيؿ إشباع الحاجة ،فاليدؼ األخير لئلرادة ىك إشباع الحاجة ،كىذا اإلشباع يعبر عنو بالغاية،
كمف ثـ كاف االختبلؼ بيف الغرض كالغاية ىك ككف األكؿ ىدفان قريبان لئلرادة كالثانية ىدفان أخي انر ليا ،أما
الباعث فيك الدافع إلى إشباع الحاجة كىك نشاط نفسي يتعمؽ بالغاية كال شأف لو بالغرض.130
كينبغي أف تككف ىذه اإلرادة حرة غير مشكبة بأم عيب مف عيكب اإلرادة كاال انتفى الركف المعنكم
الباحث في ىذا الصدد لما سبؽ ذكره فيما يتعمؽ بعيكب الرضاء.
ي كيحيؿ
لجريمة االتفاؽ الجنائي ي
129
الساعة9:11 : سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة2019/4/3 :
130
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .186جبلؿ ثركت ،نظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات المصرم ،مرجع
سابؽ ،ص.181
52
يفصٌ يثاْٞ
شكؿ معيف ،ككذلؾ ما إذا كاف يشترط تعييف الكسائؿ التي ينتكم المتفقكف تكسميا في تحقيؽ غايتيـ اإلجرامية
أـ أف األمر غير ذم أىمية ،كالبعض اآلخر متعمؽ بالزماف كالمكاف بحيث إذا كاف يتعيف أف يككف االتفاؽ
حاالن غير آجؿ ،منعقد في اإلقميـ الكطني أـ ال ،كأيضان فيما يتعمؽ بمكضكع االتفاؽ الجنائي فيؿ يرد االتفاؽ
كلما كاف االتفاؽ الجنائي جريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،ما مصير الحالة التي يقكـ فييا سائر المتفقيف
أك بعضيـ بالعدكؿ عف اتفاقيـ ،كالحالة التي يككف االتفاؽ كاردان عمى جريمة مستحيمة ،كىؿ يقتصر العقاب
عمى مجرد انعقاد اإلرادات أـ أف األمر يتعدل ذلؾ ليشمؿ المراحؿ السابقة ،كفي حالة ارتكاب الجريمة المتفؽ
النحك اآلتي:
53
ملبرث ٍٚ
لما كاف الغالب األعـ أف يككف انعقاد اإلرادات شفاىةن ،فيؿ ذلؾ يؤثر عمى قياـ جريمة االتفاؽ
الجنائي ،باإلضافة إلى ذلؾ تشترط بعض التشريعات لمعقاب عمى االتفاؽ الجنائي تعييف الكسائؿ التي ينتكم
المتفقكف تكسميا في تحقيؽ غايتيـ اإلجرامية ،فيؿ ىذا الشرط تفترضو طبيعة االتفاؽ الجنائي أـ أف األمر
يمغاير ،كقد يستغرؽ انعقاد اإلرادات برىة مف الزمف ،كقد يحدث أف يككف أطراؼ االتفاؽ الجنائي مكزعيف ما
بيف خارج اإلقميـ الكطني كداخمو أك سائرىـ في الخارج أك أف يتفقكا عمى تعميؽ تنفيذ اتفاقيـ الجنائي عمى
حكادث مستقبمية ،فيؿ ألم مف ىذه الحاالت تأثير عمى قياـ جريمة االتفاؽ الجنائي؟
كعدا عف ذلؾ خطة المشرع فيما يتعمؽ بالجرائـ مكضكع االتفاؽ ،فيؿ يشترط أف تككف مف نكع معيف
أـ ال ،ككذلؾ خطتو فيما يتعمؽ بالعقاب المخصص لجريمة االتفاؽ الجنائي.
كبناء عمى ما سبؽ عمى ييقسـ الباحث ىذا المبحث إلى خمسة مطالب مستقمة عمى النحك اآلتي:
54
ملطًب ٍٚ
االتفاؽ الجنائي يتخذ أشكاالن متعددة فقد يككف صريحان أك ضمنيان ،شفكيان أك مكتكبان ،كقد يتـ االتفاؽ
يتكسميا المتفقكف في سبيؿ تنفيذ مخططيـ اإلجرامي ،كبياف ذلؾ في الفركع اآلتية:
عمى الكسائؿ التي سكؼ ٌ
يف ع ٍٚ
قياـ االتفاؽ الجنائي ال يستمزـ أف يككف في شكؿ معيف ،131إذ يتساكل في ىذا الخصكص أف يككف
االتفاؽ شفكيان أك مكتكبان ،132سكاء باليد أك عمى اآللة الكاتبة ،مكقعان أك غير مكقع ،أك يمسجبلن عمى آلة
تسجيؿ بأصكات المتفقيف...الخ ،عمى اعتبار أف شكؿ االتفاؽ لـ يتعرض لو المشرع الجنائي في نص مف
النصكص ،كلككنو يتعمؽ فقط بإثبات االتفاؽ ال بقيامو ككجكده ،حيث يجكز كما ىك معمكـ إثبات الكقائع
الجنائية كأصؿ عاـ كعمبلن بمبدأ حرية القناعة الكجدانية لمقاضي بكافة طرؽ اإلثبات.133
لذلؾ يكفي أف تمتقي عقكؿ األطراؼ عمى تفاىـ معيف بحيث ينتيكف إلى اتفاؽ عمى إتياف أفعاؿ
اعتزمكىا ،كاذا كاف ىناؾ اتفاؽ عاـ إلنجاز غرض معيف ،أك لمتصرؼ بشكؿ معيف ،فإف االتفاؽ الجنائي
ينشأ بصرؼ النظر عف الشكؿ الرسمي لبلتفاؽ كالغرض ،134كيجكز أف يقكـ االتفاؽ الجنائي بالتفاىـ
الضمني كبدكف اتفاؽ صريح ،فإنو ليس مف الضركرم أف يككف ىناؾ اتفاؽ رسمي بيف األطراؼ المعنييف إذ
131
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .485عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص.29
132
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.19
133
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.30
134
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.827
55
يكفي أف يجمع بينيـ غرض مشترؾ بقصد اإلقداـ عمى تصرؼ محظكر أك خطة مشتركة كسمكؾ تعاكني
فيكجد االتفاؽ حتى كلك لـ يجتمع المتآمركف في مكاف كاحد أك في مجمكعة كاحدة ،إذ يتحقؽ بمجرد
أف يتكزع ىؤالء عمى حمقات سرية تتشاكر فيما بينيا عبر قنكات اتصاؿ معينة ،كتمتقي إراداتيـ حكؿ الجريمة
المنكم ارتكابيا ،كما أنو ليس مف الضركرم أف يككف االتفاؽ سريان كاف كاف يتحقؽ في العادة في جك مف
الكتماف كالسرية ،136فيذا ال يمنع مف أف يككف االتفاؽ الجنائي عمنيان في بعض األحياف خاصة في النظـ
الديمقراطية الحرة ،حيث يمكف تصكر اتفاؽ جماعة مف الناس عبلنيةن عمى استخداـ القكة كالعنؼ في سبيؿ
تغيير نظاـ الحكـ في الدكلة ،كعدـ المجكء إلى استعماؿ الكسائؿ الدستكرية المشركعة لتحقيؽ غرضيـ،
ككذلؾ يتضح مف مكقؼ المشرع أنو يستكم في انعقاد اإلرادات أف يككف منظمان مفصبلن فيتخذ شكؿ
"الجمعية اإلجرامية" ،أك أف يككف عشكائيان مجمبلن اقتصر أعضاؤه عمى مجرد العزـ عمى جريمة معينة دكف
لمشارع أنو لـ يستعمؿ كممة جمعية ألف ىذا المفظ األخير قاصر المعنى كيستمزـ كجكد جمعية ليا نظاـ كليا
غاية محددة كمجمس إلدارة أعماليا ،خاصة كأف الجمعيات اإلجرامية التي يخشى فييا عمى األمف العاـ
تحاذر مف الظيكر بمظير جمعيات منظمة كيكتفي أعضاؤىا باالتفاؽ أك التكاطؤ فيما بينيـ كقتيان غير و
مقيد
بنظاـ مخصكص كىـ يبالغكف في كتماف القكاعد التي يسيركف عمييا فمك كاف الشارع اختار لفظ اجتماع أك
135
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .64مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.104
136
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص.29
137
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.19
138
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .485عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.19
56
جمعية ألصبح تطبيؽ النص القانكف صعبان جدان،139عبلكة عمى أف االتفاؽ يتسع ليشمؿ االتفاقات ك
كفقان لمصياغة التي جاء بيا المشرع فإنو لـ يشترط سكاء بشكؿ صريح أك ضمني أف يستغرؽ انعقاد
اإلرادات برىةن أك أف يمتد زمنان طكيبلن لمقكؿ بقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي ،مما يعني أف الجريمة تعد كاقعة
فعبلن كلك كاف االتفاؽ لـ يتـ إال لفترة كجيزة ،140كقد كانت محكمة النقض المصرية في بداية األمر تشترط في
االتفاؽ أف يككف منظمان في بدء تككينو كأف يككف مستم انر لك لمدة مف الزمف عمى األقؿ ،كتضيؼ المحكمة
إلى أف المادة (" )48ال" تنطبؽ عمى حالة التعدد في اإلرادات الذم يحدث بمجرد الصدفة ككقتيان فقط،141
كتعرض رأييا لمنقد مف قبؿ جانب في الفقو ،ككنو ينطكم عمى تعطيؿ لنص القانكف فإرادة المشرع كاضحة
في استبعاد االستمرار كالتنظيـ مف أركاف االتفاؽ ،باعتبار أف المادة ( )48مف قانكف العقكبات المصرم-
التي جرمت االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة -ال يستفاد مف نصيا باف االتفاؽ يجب أف يككف مستم انر أك
منظمان ،142بؿ المفيكـ مف األعماؿ التحضيرية لمنص أف االتفاؽ يكجد بمجرد انعقاد اإلرادات ،كقد يككف
كقتيان إذا ما يكشؼ أمره أك عدؿ عنو مباشرةن ،كقد يككف مستم انر إذا ظؿ مدة مف الزمف ،143لذلؾ عدلت
محكمة النقض عف رأييا ك ىخمصت إلى أف مجرد االتفاؽ عمى ارتكاب الجناية أك الجنحة كلك كانت كاحدة
بعينيا و
كاؼ في ذاتو لتككيف جريمة االتفاؽ حيث قضت":أف مجرد االتفاؽ عمى ارتكاب الجناية أك الجنحة
كلك كانت كاحدة بعينيا كاف في ذاتو كافيان لتككيف جريمة االتفاؽ ببل حاجة إلى تنظيـ كال إلى استمرار ،بؿ
139
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.105
140
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .827محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.485
141نقض جنائي مصرم،جمسة /15فبراير1913/ـ،س-14ؽ-55ص ،)107يمشار إليو لدل :محمكد نجيب حسني،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ،
ص.486
142
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.489
143
ىشاـ سعد الديف ،جريمة االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.66
57
عبارات التنظيـ كاالستمرار ىي عبارات اضطرت المحاكـ لمقكؿ بيا مف طغياف المادة 48عقكبات ،كالكاقع
أف الشرط الكحيد الكافي لتككيف الجريمة ىك أف يككف االتفاؽ جديان ،144كاستقر اجتياد المحكمة عمى عدـ
اشتراط التنظيـ أك االستمرار لقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي حيث قضت":ال يشترط لتككيف جريمة االتفاؽ
الجنائي المنصكص عمييا في المادة 48مف قانكف العقكبات أكثر مف اتحاد إرادة شخصيف أك أكثر عمى
كيتفؽ الباحث مع الرأم الثاني لمحكمة النقض المصرية الذم ال يشترط االستمرار كالتنظيـ في
جريمة االتفاؽ ،كذلؾ ألف المشرع لـ يتطمبيا ،كلك أراد اشتراطيا لعبر عف ذلؾ صراحةن ،كبالتالي ال يجكز
اشتراط ما لـ يتطمبو المشرع ،ككف أف ذلؾ فيو إىدار لمقكة اإللزامية التي يحمميا النص القانكني ،كمع ذلؾ
يرل الباحث أف عدـ تطمب التنظيـ كاالستمرار في االتفاؽ الجنائي لقياـ المسئكلية الجنائية عنو ،يعد إفراطان
كتكسعان في التجريـ ال ضركرة تقتضيو؛ باعتبار أف أم اتفاؽ جنائي لمجرد انعقاده لبرىة مف الزمف سيقع في
الجرمي
نطاؽ الدائرة التجريمية ،كىذا الطغياف في النص الجنائي ال يتـ الحد منو إال مف خبلؿ تعديؿ النص ي
144
نقض جنائي مصرم رقـ 565لسنة 3ؽ ،جمسة1933/1/23ـ ،أحكاـ النقض الخاصة بالقصد الجنائي ،مقالة منشكرة عمى المكقع االلكتركني
اآلتي:
الساعة8:11 : https://kenanaonline.com/users/ELstehaAveocato/posts/130040تاريخ الزيارة2019/4/12 :
145
نقض جنائي مصرم رقـ 64 ،4702ؽ ،جمسة ،1996/3/24ص ،389المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
الساعة8:15 : تاريخ الزيارة2019/4/12 :
58
يف ع يثاْٞ
أضافت بعض التشريعات صراحة شرطان إضافيان لقياـ االتفاؽ الجنائي يتمثؿ في ضركرة تحديد
الكسائؿ التي سيقع بيا تحقيؽ الغرض مف االتفاؽ الجنائي ،146التساؤؿ الذم ييثار حكؿ ما إذا كاف ييشترط
لقياـ الركف المادم في ىذه الجريمة أف يككف المتفقكف بعد تصميميـ عمى الجريمة المتفؽ عمييا قد انتيكا إلى
تعييف الكسائؿ التي سيستخدمكنيا في تنفيذ جريمتيـ ،أـ أف ىذا التعييف غير ذم أىمية؟
المشرع العقابي الفمسطيني كفي إطار تكسيعو في مجاؿ التجريـ لـ يتطمب ىذا الشرط ،حيث لـ يذكر
أكضحنا فيما سبؽ أف جريمة االتفاؽ تكتمؿ بمجرد اتفاؽ الجناة عمى الغرض غير المشركع الذيف يسعكف إلى
تحقيقو أك تحديد الجريمة التي يكطدكف عزائميـ عمى ارتكابيا ،فانعقاد اإلرادات الجادة عمى ارتكاب جناية أك
دكف حاجة إلى تعييف الكسائؿ التي سكؼ تستخدـ في و
جنحة بحد ذاتو كاؼ لكحده لتككيف جريمة االتفاؽ ى
كلما كاف تنفيذ الجريمة مكضكع االتفاؽ ال يعد عنص انر في قيامو ،148فإنو كمف باب أكلى ال تعتبر
كسيمة تنفيذه أم الجريمة المتفؽ عمييا عنص انر فيو ،149لذلؾ تقكـ الجريمة حتى كلك لـ يكف ثمة شيء قد تـ
146كمثاؿ ذلؾ ما أخذ بو المشرع السكرم حيث ييعرؼ المؤامرة بأنيا " :كؿ اتفاؽ بيف شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية بكسائؿ معينة" .المادة ()260
مف قانكف العقكبات السكرم.
147
كما أف المادة (/ 36ز) تنص عمى":كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى تحقيؽ غاية مشركعة بكسائؿ غير مشركعة يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب
بالحبس مدة سنتيف" ،كىذه المادة ما ىي إال تطبيقان لمقاعدة العامة " ميما كاف ينبؿ الغاية فإنيا ال تبرر عدـ مشركعية الكسيمة".
148عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص . 30ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع
الجزائرم ،مرجع سابؽ ،ص . 36عماد فاضؿ ركاب ،جريمة العصياف المسمح في التشريع العراقي ،جامعة البصرة ،ص .12محمكد نجيب حسني ،شرح
59
االتفاؽ عميو بالنسبة لرسـ الخطط كتحديد الكسائؿ التي ينكم الجناة استخداميا في تنفيذ الجريمة التي نسجكا
خيكط اتفاقيـ الجنائي حكليا كبذلؾ ليس مف الضركرم أف يككف قد تـ التفاىـ عمى كسائؿ معينة أك أدكات
تنفيذ معينة الرتكاب الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي فاألمر بالنسبة لمقانكف سياف.150
مخططيـ اإلجرامي مف األمكر األكلية التي يتعيف االتفاؽ حكليا ،كلذلؾ يككف تطمب تحديد ىذه الكسائؿ مف
قبميـ مما يسمح مف جية ،بالتأكد مف جدية االتفاؽ ،كمف جية أخرل ،بتدعيـ ضماف العدالة الجنائية
كصيانة الحقكؽ الفردية كالحفاظ عمييا بما يشكمو ذلؾ مف قيكد عمى النيابة العامة قبؿ المتابعة كبعدىا،151
إال أف ىذا الرأم ال يمكف األخذ بو في ظؿ معاقبة الشارع الجزائي الفمسطيني في قانكف العقكبات رقـ ()74
فضبلن عف ذلؾ مف باب أكلى ال ييشترط أف يككف الشخص الذم ييعيد إليو بتنفيذ الجريمة طرفان في
االتفاؽ ،فاالتفاؽ عمى جريمة تينفذ عف طريؽ شخص ييعيف لذلؾ في المستقبؿ ىك اتفاؽ جنائي عمى الرغـ
مف أف منفذ الجريمة لـ ييعرؼ بعد ،لـ ييتح لو تبعان لذلؾ أف يشترؾ في االتفاؽ كلـ يسمـ إليو جعؿ أك
سبلح ،152كيستخمص الباحث مف كؿ ذلؾ أنو متى تحقؽ االتفاؽ الجنائي بمجرد التبلقي بيف إرادتيف أك
قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .487عبد الكاحد العممي ،شرح قانكف العقكبات المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .26رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف
الجنائي ،مرجع سابؽ.825،
149
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ،مرجع سابؽ ،ص.170
150
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .19ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .77مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ،
ص.122
151
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.29
152
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .827محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.489
60
أكثر ،حؽ العقاب عميو ،بصرؼ النظر عما يحدث عقب ىذا التبلقي اإلرادم ،كسكاء أكاف المفيكـ أف يتكلى
تنفيذ االتفاؽ شخص يتـ اختياره لذلؾ آجبلن ،أك أف يقكـ بو أحد أطراؼ االتفاؽ ذاتو.
كمما تجدر اإلشارة إليو أف محكمة النقض المصرية تبنت في السابؽ مكقفان يخالؼ ذلؾ حيث قضت
"ال محؿ التفاؽ جنائي عمى قتؿ إذا كاف ينقصو االتفاؽ نيائيان مع مف يباشر تنفيذ القتؿ كما ينقصو تتميـ
االتفاؽ بتسميـ السبلح كالجعؿ لمف أيريد االتفاؽ معو عمى التنفيذ" ،153كتعرض حكميا ىذا لمنقد بالقكؿ أنو
ليس لو سند مف القانكف ،فالركف المادم لمجريمة ىك االتفاؽ ،كلـ يتطمب القانكف انعقاده بيف أشخاص ليـ
أدكار معينة في تنفيذ الجريمة المتفؽ عمييا ،كمف ثـ ينطكم ىذا القضاء عمى تعطيؿ لنص القانكف بإنكار
كجكد الجريمة رغـ تكافر جميع أركانيا ،باإلضافة إلى ذلؾ فإرادة القانكف كاضحة في استبعاد تنفيذ الجريمة
المتفؽ عمييا ككؿ ما يتصؿ بو مف عداد أركاف جريمة االتفاؽ الجنائي ،154كقد عدلت المحكمة عف قضائيا
كقررت أف "مف المقرر أف المشتركيف في االتفاؽ الجنائي يعاقبكف بمقتضى المادة 48عقكبات سكاء اتفقكا
عمى أف يقكـ كاحد منيـ بتنفيذ الجناية أك الجنحة المقصكدة مف االتفاؽ أك عمى أف يككف التنفيذ بكاسطة
153نقض جنائي مصرم ،جمسة ،15فبراير1931،ـ ،المجمكعة الرسمية ،س ،33ؽ ،62ص ،146يمشار إليو لدل :محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف
العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.489
154
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.489
155
نقض جنائي مصرم رقـ ،4207لسنة 61ؽ ،جمسة 1992/12/21ـ ،س ،43المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
الساعة11:15 : تاريخ الزيارة2019/4/14:
61
ملطًب يثاْٞ
متى تحقؽ االتفاؽ الجنائي بمجرد التبلقي بيف إرادتيف أك أكثر ،قامت جريمة االتفاؽ ،بصرؼ النظر
عما عقب ىذا التبلقي اإلرادم ،كفي الحالة التي يككف فييا أطراؼ االتفاؽ الجنائي مكزعيف بيف اإلقميـ
الكطني كالخارج تسرم عمييـ قكاعد سرياف القانكف الجنائي مف حيث المكاف.
يف ع ٍٚ
ليس مف الضركرم أف يككف الكقت المحدد الرتكاب الجريمة المتفؽ عمييا حاالن ،156إنما يكفي أال
يككف ىذا الكقت المحدد بعيدان بعدان ييستنتج منو أف االتفاؽ الجنائي لـ يعقد بعد بصفة حاسمة قاطعة بيف
الجناة ،157لذلؾ تعتبر جريمة االتفاؽ الجنائي قائمة منذ المحظة التي يتفؽ فييا شخصاف أك أكثر عمى أف
يرتكبا أك يرتكبكا فك انر أك في كقت الحؽ جناية أك جنحة ،فجكىر جريمة االتفاؽ الجنائي ىك االتفاؽ كليس
األفعاؿ التي تتـ لتحقيقيا أك تنفيذىا ،كالقكؿ أف جكىر الجريمة ىك االتفاؽ يعني أف الجريمة تتككف ال مف
األفعاؿ غير القانكنية التي تمت لمكاصمتيا كانما مف فعؿ االتفاؽ ،فعمى كؿ حاؿ ليس مف الضركرم بالنسبة
لممساءلة الجنائية أف يككف االتفاؽ مرتبطان بالتنفيذ الفعمي لمجريمة مكضكع االتفاؽ بمعنى أف عنصر االتفاؽ
ىك عنصر مستقؿ عف الجريمة مكضكع االتفاؽ ،كفي ىذا السياؽ قضت محكمة النقض المصرية
بقكليا":إف تعثر تنفيذ ذلؾ االتفاؽ الجنائي بسبب مفاجأة رجاؿ الشرطة لمطاعنيف بمكاف الحادث كضبط
156
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص 19رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .827محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات،
مرجع سابؽ ،ص.489
157
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.171
62
ثانييـ بعد أف تمكف الباقكف مف اليرب ،ىك أمر الحؽ عمى قياـ االتفاؽ الجنائي كليس ركنان أك شرطان
النعقاده".158
كنستخمص مما تقدـ ذكره أف جريمة االتفاؽ الجنائي تتحقؽ بمجرد انعقاد اإلرادات أك اتحادىا كال
يشترط تنفيذ االتفاؽ كال البدء في تنفيذه؛ ألف ىذه الجريمة ما ىي إال تكاطؤ عمى اإلجراـ مما يعني أنو ال
يشترط ارتكاب الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي لقياـ جريمة االتفاؽ ،159مما يعني أنو ليس مف الضركرم أف
يككف األجؿ المضركب الذم اختاره الجناة لمبدء بتنفيذ اتفاقيـ كشيكان كفكريان ،ككذلؾ ال ييضير االتفاؽ أف
يككف الكقت الذم اختاره الجناة لمبدء بتنفيذ اتفاقيـ غير معيف في صمب ذلؾ االتفاؽ كال محدد تاريخو عمى
كجو الدقة كأف يتفؽ الجناة عمى ارتكاب الجريمة مكضكع االتفاؽ عند كقكع حادثة معينة.160
مرد ذلؾ ىك أف االتفاؽ الجنائي يقكـ بمجرد انعقاد اإلرادات بغض عف النظر عف تنفيذ الجريمة
مكضكع االتفاؽ مف عدمو ،فإنو مف باب أكلى أف يككف مستقبلن عف كقت ىذا التنفيذ ،فإذا كاف ىذا التنفيذ
غير معيف أك كاف قد عيف مستقببلن ،فميس معنى ذلؾ أف االتفاؽ غير قائـ.161
كىنا يثار التساؤؿ حكؿ مصير االتفاؽ المكصكؼ الذم يعمؽ الجناة تنفيذه عمى شرط أك عمى
158
نقض جنائي مصرم رقـ ،680لسنة 46ؽ ،جمسة 1977/2/21ـ ،س ،28المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
تاريخ الزيارة 2019/4/14 :الساعة11:18 :
159
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .827عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .30محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف
العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .489مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .122ىشاـ سعدالديف ،مرجع سابؽ ،ص.78
160
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .30مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .122ىشاـ سعدالديف ،مرجع
سابؽ ،ص .78محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.489
161
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم ":دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.171
63
متى تحقؽ االتفاؽ الجنائي بمجرد التبلقي بيف إرادتيف أك أكثر ،قامت جريمة االتفاؽ ،بصرؼ النظر
عما عقب ىذا التبلقي اإلرادم ،كبناء عمى ذلؾ فإف تعميؽ الجناة تنفيذ اتفاقيـ عمى شرط ،162كالتحرؾ في
حاؿ كفاة رئيس الجميكرية مثبلن ،أك في حاؿ سقكط الحككمة ،أك حؿ المجمس النيابي ،ال يؤثر عمى قياـ
االتفاؽ الجنائي ،163فطالما أف تنفيذ الجريمة التي نسج الجناة خيكط اتفاقيـ الجنائي حكليا غير ذم اعتبار
في قياـ االتفاؽ الجنائي ،فمف باب أكلى أال يشترط لقياـ األخير أف يككف غير منج انز غير مكصكؼ خاليان
مف الشرط أك التأجيؿ ،كانما يمكنو أف يككف مشركطان ،كاالتفاؽ عمى قمب الحكـ بتحقؽ كاقعة معينة كصعكد
حزب معيف إلى الحككمة ،كما يصح االتفاؽ الجنائي حتى كلك كاف مربكطان بأجؿ ،كأف يتفؽ الجناة عمى
فتعميؽ الجناة تنفيذ الجريمة مكضكع االتفاؽ عمى حكادث مستقبمية ال يعيب االتفاؽ ذاتو كال ينفي
تكافره كلك كانت ىذه الحكادث مستقمة عف إرادة الجناة أم ال دخؿ إلرادتيـ فييا ،165كىذه الحكادث التي عمٌؽ
عمييا المتفقكف تنفيذ عزميـ كاتفاقيـ الجنائي عمييا يتعيف أف تككف يمحتممة الكقكع ،أما إذا كانت مستحيمة
استحالة مطمقة فبل يقكـ االتفاؽ في ىذه الحالة ،كمثاؿ ذلؾ لك عمؽ الجناة تنفيذ اتفاقيـ الجنائي عمى جفاؼ
مياه البحر في أقؿ مف يكـ ،فإف االتفاؽ الجنائي ىنا ال يعتبر قائمان ،كذلؾ مرده أف الجدية المتطمبة في
162
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .827طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.162
163
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .29عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.19
164
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.30
165
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .19رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .827
166
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .80عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .29مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع
سابؽ ،ص .124
64
يف ع يثاْٞ
َهإ التفام
في الحالة التي يككف فييا أطراؼ االتفاؽ الجنائي مكزعيف بيف اإلقميـ الكطني كالخارج ،ىؿ يخضع
ألحكاـ قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ أـ ال ،كىؿ يؤثر المكاف المنكم ارتكاب الجريمة المتفؽ
تستند أحكاـ السرياف المكاني لمقانكف الجنائي عمى مبادئ أربعة :إقميمية القانكف ،عينية القانكف،
شخصية القانكف ،كأخي انر عالمية القانكف الجنائي ،كالكاقع أف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ المطبؽ
في قطاع غزة لـ يتضمف المبادئ الخاصة بنطاؽ سريانو مف حيث المكاف بصكرة كافية حيث جاءت المادة
( )6منو لمحديث عف التحديد الجغرافي الذم يشممو اختصاص المحاكـ في فمسطيف ،167كما جاءت المادة
( )7مف ذات القانكف بشأف مبدأ إقميمية النص الجزائي فقط ،كذلؾ في الحالة التي ترتكب فييا األفعاؿ
المككنة لمجريمة في فمسطيف كفي خارجيا فيككف القانكف كاجب التطبيؽ ىك القانكف الفمسطيني طالما ارتكب
يقصد بمبدأ إقميمية النص الجزائي أف األخير يطبؽ عمى كؿ جريمة ترتكب في إقميـ الدكلة سكاء
كاف مرتكبيا كطنيان أـ أجنبيان ،كسكاء أكاف المجني عميو فييا كطنيان أـ أجنبيان ،كسكاء ىددت الجريمة مصمحة
65
لمدكلة صاحبة السيادة عمى اإلقميـ أـ ىددت مصمحة دكلة أجنبية ،169كيترتب عمى ىذا المبدأ أثراف :أكليما
ايجابي ،كمفاده تطبيؽ القانكف الجنائي تطبيقان شامبلن عمى كؿ الجرائـ التي ترتكب في اإلقميـ ،كثانييما سمبي،
كمفاده عدـ تطبيؽ القانكف الجنائي عمى أية جريمة ترتكب خارج اإلقميـ حتى لك كاف مرتكبيا مف مكاطني
الدكلة.170
كيعاقب المشرع عمى االتفاؽ عمى ارتكاب جناية حتى لك كانت خارج اإلقميـ الفمسطيني ،أك أم فعؿ
آخر يعتبر جريمة كفقان لمشرائع المعمكؿ بيا في الببلد التي كاف في النية ارتكابيا فييا كلكنو يعد جناية فيما
استثناء عمى مبدأ إقميمية النص الجزائي الذم اعتنقو المشرع ،حيث
ن لك تـ ارتكابو في فمسطيف ،كىذا ال يعد
ينبغي عدـ الخمط بيف جريمة االتفاؽ الجنائي كبيف الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي ،فاألخيرة ىي التي
يستكم في نظر المشرع أف يككف ارتكابيا سيتـ في الداخؿ أك في الخارج ،فطالما أف االتفاؽ الجنائي قد كقع
كامبلن في اإلقميـ الفمسطيني أك جزء منو في اإلقميـ الفمسطيني كالجزء اآلخر في الخارج ،تسرم عميو أحكاـ
قانكف العقكبات ،فالمشرع قدر أف االتفاؽ الجنائي يشكؿ خط انر في ذاتو حتى كاف كاف محمو سيخؿ باألمف
لبمد أجنبي ،كمما تجدر اإلشارة إليو أف العقاب عمى االتفاؽ عمى ارتكاب جناية في الخارج ،مشركط بأف
كانت ،حيث لـ يشترط أف يككف جناية أك جنحة ،فالعبرة بالتكييؼ القانكني لمفعؿ بأنو جناية كفقان لمقانكف
الفمسطيني.
كذات األمر ينطبؽ عمى االتفاؽ الجنائي في الجنح ،حيث يعاقب المشرع عمى االتفاؽ عمى ارتكاب
جنحة ،أك أم فعؿ في مكاف آخر خارج فمسطيف ككاف ذلؾ الفعؿ يشكؿ جنحة فيما لك ارتكب في فمسطيف
169
جبلؿ ثركت ،ينظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات المصرم ،المرجع السباؽ ،ص .89محمكد محمكد مصطفى ،مرجع سابؽ ،ص.96
170
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.29
66
كيعتبر كذلؾ أيضان بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا في المكاف الذم كاف في النية ارتكابو فيو ،كلكف االختبلؼ
الجرمية ً
ىنا أف المشرع لـ يكتؼ لمعقاب عمى االتفاؽ عمى ارتكاب جنحة في الخارج أف يثبت ليا الصفة ي
بمقتضي الشرائع المعمكؿ بيا في اإلقميـ األجنبي المنكم ارتكابو فيو بؿ اشترط أف تككف مف نكع جنحة في
حكلو الرتكابو في الخارج كاف يعد كفقان لمقانكف السارم المفعكؿ في البمد األجنبي جريمة مف نكع مخالفة ككفقان
لمتشريع الفمسطيني يعد جنحة أك جناية ،فإف ىذا التآمر كاالتفاؽ ال يعاقب عميو ،كالعكس صحيح فيما إذا
كاف الفعؿ مكضكع االتفاؽ الجنائي يعد جنحة أك جناية في اإلقميـ األجنبي كمخالفة في اإلقميـ الفمسطيني.
67
ملطًب يثايث
األصؿ أف ىناؾ تبلزـ بيف الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي كصفتو الجنائية ،فبل يرد االتفاؽ
الجنائي إال عمى جرائـ مف نكع جنايات أك جنح ،كلذلؾ يشترط أف يتـ تعييف الجناية أك الجنحة المزمع
ارتكابيا.
يف ع ٍٚ
يستمد االتفاؽ صفتو الجنائية مف مكضكعو فإذا لـ يكف لمكضكعو صفة إجرامية ،أم كاف فعبلن
مشركعان كلـ تكف لو صمة بجريمة ما؛ ال ييعد االتفاؽ جنائيان عمبلن بما جاء بالمكاد ( )34ك( )35مف قانكف
العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936؛ عدا عف ذلؾ لـ يكتؼ الشارع بأم صفة إجرامية ،أم أنو لـ ييحؿ إلى
القكاعد العامة في تحديد ما إذا كاف محؿ االتفاؽ فعبلن مشركعان أـ غير مشركع؛ إنما حرص عمى كضع
تحديد خاص لمصفة اإلجرامية لمحؿ االتفاؽ ،بحيث يتعيف أف ينصب االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة
أيان كاف نكعيا ،بما يستتبع معو خركج كافة المخالفات مف نطاؽ االتفاؽ الجنائي ،كدخكؿ سائر الجنايات
كالجنح حتى التي تكفؿ بتجريميا بنصكص ضمف القكانيف العقابية الخاصة ،171كلكف رغـ ذلؾ قد يستمد
جرـ ،كذلؾ في الحالة التي يككف محمو أفعاؿ مدنية ضارة ،كبعض
االتفاؽ صفتو الجنائية مف مكضكع غير يم ٌ
األفعاؿ الكاردة ضمف نطاؽ المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة .1936
171بإعماؿ المادة ( )36مكرر (أ) مف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936كالتي تنص عمى ":ييطبؽ ىذا الفصؿ عمى جميع الجرائـ إال حيث كرد
نص صريح أك ضمني بخبلؼ ذلؾ في ىذا الفصؿ أك في أم تشريع آخر أك في ىذا الفصؿ مقركءان مع أم تشريع آخر" ،فإف الجنايات كالجنح التي
كردت في القكانيف العقابية الخاصة تصمح ألف تككف محبلن لجريمة االتفاؽ الجنائي العاـ.
68
كيفيـ مما تقدـ أف االتفاؽ يجب أف يككف منصبان عمى جريمة تعتبر جناية أك جنحة كفقان لمقانكف
كأف يككف معاقبان عمييا بمقتضاه ،أم أف تككف خاضعة ألحكامو مف حيث االختصاص ،كأنو ال بد مف
التبلزـ بيف الصفة اإلجرامية لمكضكع االتفاؽ الجنائي كالصفة الجنائية لبلتفاؽ ذاتو كجكدان كعدمان فإذا حصؿ
كتعرض مكضكع االتفاؽ لسبب ينفي عنو الصفة اإلجرامية ،كما لك انعقدت إرادات المتفقيف عمى ارتكاب فعؿ
يجرمو القانكف أصبلن كلكف في ظركؼ يخضع فييا لسبب إباحة ،فإف االتفاؽ ال يعد جنائيان ،في حيف لك
و
عندئذ يظؿ االتفاؽ جنائيان ،كلك كاف مف تعرض مكضكع االتفاؽ لسبب ال يزيؿ الصفة اإلجرامية منو ،فإنو
شأف ىذا السبب أف يقمؿ مف خطكرتو ،كيقكد ىذا التبلزـ إلى النتائج اآلتية:172
مشركعة ،إذ أف مشركعية الغاية ال تمس التكييؼ غير المشركع لمفعؿ ،كتطبيقان لذلؾ فإف االتفاؽ
عمى تحقيؽ إصبلحات مشركعة في ذاتيا عف طريؽ ارتكاب جنايات أك جنح أك التيديد بيا ىك
اتفاؽ جنائي ،يعد جنائيان ،كذلؾ االتفاؽ عمى حمؿ شخص عمى فعؿ مشركع عف طريؽ تيديده
بجريمة.
ب -إذا عمؽ المتفقكف تنفيذ الجريمة مكضكع االتفاؽ عمى أجؿ أك شرط فاالتفاؽ يظؿ جنائيان ،إذ
172
محمكد نجيب حسني ،مرجع سابؽ ،ص .492مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .126ىشاـ سعدالديف ،مرجع سابؽ ،ص .82نسريف
عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم" دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم" ،مرجع سابؽ ،ص.173 -172
69
ج -إذا كانت الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي جريمة مستحيمة ،فإف االتفاؽ عمييا يعتبر اتفاقان
جنائيان يعاقب عميو كفقان ألحكاـ قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ كذلؾ نتيجة لعقاب المشرع عمى
د -إذا كاف مكضكع االتفاؽ ارتكاب جريمة خارج اإلقميـ الفمسطيني عمى نحك تخضع بو ألحكاـ
قانكف العقكبات ،فإف االتفاؽ يعد جنائيان ،إذ بخضكع مكضكع االتفاؽ لمقانكف الفمسطيني يكتسب كفقان لو صفة
إجرامية كيصمح بذلؾ مكضكعان لبلتفاؽ ،مع األخذ بعيف االعتبار الشركط الكاردة في المكاد (.)35-34
يف ع يثاْٞ
لـ ينظـ المشرع الفمسطيني جريمة االتفاؽ الجنائي العاـ في مادة كاحدة بؿ أنو أفرد ثبلثة مكاد
متتابعة في الفصؿ السادس مف الباب األكؿ المتعمؽ باألحكاـ العامة ،حيث خصص المادة ( )34لجريمة
التآمر عمى ارتكاب جناية ،كالمادة ( )35لمتآمر عمى ارتكاب جنحة ،كالمادة( )36ألنكاع خاصة مف التآمر،
مما يعني أف المشرع أخرج المخالفات مف نطاؽ الجرائـ محؿ االتفاؽ الجنائي ،كعميو فإف االتفاؽ عمى
ارتكاب مخالفة أك مخالفات ال يعد اتفاقان جنائيان كفقان لما كرد في المكاد سالفة الذكر ،كترجع العمة كراء ذلؾ
إلى أف االتفاؽ الجنائي خطكرتو الذاتية تقتضي أف يككف محمو جرائـ خطيرة ،كليست المخالفات كذلؾ ،حيث
ال يدؿ ارتكابيا عمى خطكرة مف الجاني تستدعي االىتماـ بعقاب االتفاؽ عمييا ،174ككذلؾ ال يمزـ لمعقاب
عمييا في األصؿ تكافر القصد الجنائي ،كىذا القصد ىك المتطمب لتكافر االتفاؽ الجنائي ،كلذلؾ فإف القاعدة
173
تنص المادة ( ) 6/63على ":ال عبرة فٌما إذا لم ٌكن فً اإلمكان ارتكاب الجرم بالفعل بسبب ظروف ٌجهلها المجرم".
174محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.484
70
ىي عدـ العقاب عمى االتفاؽ الجنائي الذم يككف مكضكعو ارتكاب مخالفة حتى ما كاف منيا عمديان نظ انر
لضآلة الخطر االجتماعي ،كلك صحت خطكرة االتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب مخالفة تبري انر لمعاقبة المتفقيف،
لكجب عمى المشرع أف يجرـ الشركع في المخالفات مف باب أكلى كىك ما لـ يفعمو.175
كما تجدر اإلشارة إليو أنو كفقان لما جاء بو المشرع الفمسطيني في المكاد( )36-35-34مف قانكف
العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة ،1936فإنو نص عاـ يتسع ليشمؿ كؿ جناية أك جنحة ميما كانت
درجة خطكرتيا ،كبذلؾ يدخؿ في مضمكف النصكص السابقة جميع الجنايات كالجنح حتى التي تكفؿ المشرع
بالنص عمى تجريـ االتفاؽ فييا بنصكص خاصة ،كليس المراد مف االتفاؽ الجنائي المنصكص عميو في
المكاد سالفة الذكر أف يككف مقصك انر عمى نكع معيف مف الجرائـ الخطرة؛ ألف ىذا القصر يككف بغير مكجب
مع عمكـ النص ،فاألخير جاء عامان مطمقان ،فبل يسكغ – كالحاؿ كذلؾ -تقييد المطمؽ ككنو يجرم عمى
إطبلقو.
كيستخمص الباحث مف ذلؾ أف مكضكع االتفاؽ الجنائي يمتد ليشمؿ كؿ الجنايات كالجنح العمدية،
إذ ال يتصكر االتفاؽ عمى ارتكاب جرائـ غير عمدية ،ككذلؾ الجرائـ التي تجاكز قصد الجنائي ،إذ ال يتصكر
أف يككف ارتكابيا غرضان لممتفقيف ،فكؿ جناية أك جنحة عمدية ميما بمغت جسامتيا كلك كانت عقكبتيا
كيرل بعض الفقو بأف ىذه مغاالة بحيث يفترض أف يقتصر مدل النص فيما يتعمؽ بالجرائـ مكضكع
االتفاؽ الجنائي ،عمى الجنايات عامةن نظ انر لخطكرتيا كأىميتيا كعمى الجنح اليامة الخطرة فقط التي يستمزـ
175
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.127
71
بينما ذىب البعض اآلخر إلى أبعد مف ىذا حيث نادل بكجكب قصر تجريـ االتفاؽ الجنائي عمى
ذلؾ الذم يككف محمو الجنايات فقط دكف الجنح؛ ألف االتفاؽ عمى ارتكاب جنح ليس فيو مف الخطكرة ما
ييخشى منو كما ييبرر كضع عقاب خاص بحالة االتفاؽ عمييا كحدىا ،177كنذىب لبلتفاؽ مع ما ذىب إليو
الرأم األكؿ بضركرة جعؿ النص شامؿ لمجنايات عمكمان كقاصر عمى الجنح الخطرة ،كال نتفؽ مع ما ذىب
إليو الرأم الثاني مف ضركرة استبعاد الجنح عامةن ألف ىناؾ جنح خطرة تكاد تقارب في خطكرتيا الجنايات
عبلكةن عمى أف الجاني قد يككف قصد انصرؼ قصده الرتكاب جناية في حيف أف فعمو لـ يككف سكل جنحة
كعمكمان ييشترط أف تككف الجنحة عمدية ،إذ ال يتصكر االتفاؽ عمى ارتكاب جنحة غير عمدية
ككذلؾ الحاؿ بالنسبة لمجرائـ التي تجاكز قصد الجاني ،إذ ال يتصكر أف يككف ارتكابيا غرضان لممتفقيف.178
يف ع يثايث
يعتبر االتفاؽ جنائيان بمقتضى المادتيف ( )35( )34مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة
1936ـ ،سكاء أكانت الجناية أك الجنايات أك الجنحة أك الجنح مكضكع االتفاؽ معينة أـ ال؛ كذلؾ ألف
قدر أف االتفاؽ الجنائي ينطكم عمى خطكرة ذاتية حتى كاف لـ يكف مكضكعو اإلجرامي معينان ،لذلؾ
المشرع ٌ
176
عمي حسف الشامي ،جريمة االتفاؽ الجنائي في قانكف العقكبات المصرم المقارف ،1949 ،ص.98
177
أحمد صفكت بؾ ،شرح القانكف الجنائي،القسـ العاـ ،1933،ص .39
178
طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.161
72
أجاز أف تككف مكضكعان لبلتفاؽ جنايات أك جنح غير معينة ،كما لك أشير إلى استعماؿ القكة أك العنؼ
لتحقيؽ الغرض الذم يرمي إليو المتفقكف ،أك كاف مكضكع االتفاؽ ارتكاب جرائـ سرقة ضد أشخاص غير
محدديف مقدمان ،كتجدر اإلشارة ىنا إلى أف عدـ التعييف ال يرد عمى يكنو الجريمة ،كانما عمى الظركؼ
كلكف يتعيف أف أال يحكؿ عدـ تعييف الجرائـ دكف تحديد ما إذا كانت جنايات أك جنح أك مخالفات،
إذ لمتفرقة بيف الجنايات كالجنح مف ناحية كالمخالفات مف ناحية أخرل أىمية في تحديد ما إذا كاف االتفاؽ
جنائيان أـ ال ،كلمتفرقة بيف الجنايات مف ناحية كالجنح مف ناحية أخرل أىمية في مقدار العقكبة.179
فاالتفاؽ الجنائي كجريمة قائمة بذاتيا ،ال يمزـ أف تككف الجناية أك الجنحة المككنة لمكضكعو ،محددة
تحديدان تامان يتناكؿ زمانيا كمكانيا ككسيمتيا كالمجني عميو فييا ،فيكفي أف يككف االتفاؽ معقكدان عمى ارتكاب
جنايات قتؿ لغرض ما ،كلك لـ يتحدد المجني عمييـ في ىذه الجنايات.180
فكؿ ما يمزـ في االتفاؽ الجنائي أف يتحدد بصفة عامة نكع الجريمة المزمع ارتكابيا ،كما إذا كانت
تدخؿ قانكنان في عداد الجنايات أـ الجنح ،كلمقاضي أف يستظير نكع الجريمة المتفؽ عمييا مف كافة الظركؼ
كمما عساه صدر مف المتفقيف في السبيؿ إلى التنفيذ ،181ىذا كقضت محكمة النقض المصرية بمعاقبة
االتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب الجنايات أك الجنح سكاء أكانت معينة أك غير معينة.182
179
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .491طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.162
180
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .141
181
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .826
182
نقض جنائي مصرم رقـ ،4702لسنة 64ؽ ،جمسة ،1996/3/24س ،47المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
الساعة3:45: تاريخ الزيارة2019/4/22 :
73
ملطًب ي بع
قػػد يجعػػؿ المشػػرع العقػػابي كىػػك بصػػدد تحديػػد عقكبػػة لجريمػػة االتفػػاؽ الجنػػائي ،مػػف العقكبػػة الخاصػػة بالجريمػػة
ػاء عميػو عقكبػة االتفػاؽ ،كمػا أنػو قػد يػذىب باتجػاه تحديػد عقكبػة خاصػة بالجريمػة
المتفؽ عمييا معيا انر ييحػدد بن ن
يف ع ٍٚ
ينص المشرع في المادة ( )34مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ عمى:
"كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى أف يرتكب في أم مكاف جناية أك أم فعؿ آخر يعتبر جناية فيما
لك ارتكب في فمسطيف ككاف ذلؾ الفعؿ جرمان بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا في الببلد التي كاف في النية
ارتكابو فييا ،يعتبر مجرمان كيعاقب بالحبس مدة سبع سنكات إذا لـ تكف ىناؾ عقكبة أخرل معينة لذلؾ الجرـ
ككاف الحد األقصى لمعقكبة المعينة لو الحبس مدة سبع سنكات أك أكثر ،أما إذا كاف الحد األقصى لمعقكبة
و
فعندئذ يعاقب بتمؾ العقكبة". المعينة لذلؾ الجرـ الحبس مدة أقؿ مف سبع سنكات
كيتضح مف النص السابؽ أف الشارع اتخذ مف مقدار عقكبة الجناية مكضكع االتفاؽ الجنائي معيا انر
لتحديد عقكبة االتفاؽ الجنائي ،كفي سبيؿ ذلؾ خصص لو عقكبة الحبس مدة ( )7سنكات كذلؾ في حالتيف:
و
عندئذ تككف عقكبة االتفاؽ الجنائي الحالة األكلى :إذا لـ تكف ىناؾ عقكبة أخرل معينة لتمؾ الجناية،
الحبس مدة 7سنكات ،كبالنظر في قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة ،1936لـ نجد جناية كاحدة لـ
74
ييحدد ليا المشرع عقكبة معينة ،كىك ما يستتبع معو القكؿ بانصراؼ قصد المشرع إلى الجنايات غير
المقركنة بعقكبة معينة التي قد ترد في التشريعات العقابية الخاصة؛ بحيث يترؾ األمر لسمطة القاضي
التقديرية بأف يختار القدر المبلئـ مف العقاب ،أم حالة التفريد القضائي لمعقكبة ،ففي ىذه الحالة يتعذر
تطبيؽ المعيار القائـ عمى النظر إلى الحد األقصى لعقكبة الجناية مكضكع التآمر؛ كىك ما استتبع معو قياـ
المشرع بتدارؾ األمر باتجاه تكحيد عقكبة االتفاؽ الجنائي بالحبس مدة ( )7سنكات؛ كبناء عمى ذلؾ يككف
المتفؽ عمى جناية غير مقركنة بعقكبة معينة متساكيان في العقاب مع ذلؾ المتفؽ عمى جناية مقركنة بعقكبة
تجريمية خاصة ،كمثاؿ ذلؾ التآمر عمى الخيانة الذم كرد تجريمو بالمادة ( )2/49مف قانكف العقكبات رقـ
( )74لسنة 1936؛ كذلؾ ألف المشرع بقكلو في نص المادة (....(:)34يعتبر مجرمان كيعاقب بالحبس مدة
سبع سنكات إذا لـ تكف ىناؾ عقكبة أخرل معينة لذلؾ الجرـ ككاف الحد األقصى لمعقكبة المعينة لو الحبس
مدة سبع سنكات أك أكثر) ،يتحدث عف حالة عدـ كجكد عقكبة أخرل معينة لمجناية مكضكع التآمر ككنو قاؿ:
استبعاد القكؿ بأف الشارع قصده منصرؼ إلى الجنايات المعاقب عمى التآمر فييا بنصكص خاصة.
كىنا ييؤخذ عمى المشرع اقتصاره في العقاب عمى الجنايات المقركنة بعقكبة سالبة لمحرية ،كعدـ
تعرضو لمجنايات المعاقب عمييا باإلعداـ؛ فاألخيرة ال ينطبؽ عمييا المعيار المتعمؽ بالجنايات غير المقركنة
بعقكبة معينة ،كال ينطبؽ أيضان ذلؾ الذم يقتصر تطبيقو عمى العقكبة السالبة لمحرية ،فما ىي عقكبة االتفاؽ
المعاقب عمييا باإلعداـ بمكجب أحكاـ المادة ( )214مف قانكف العقكبات رقـ
عمى ارتكاب جناية القتؿ قصدان ي
75
( )74لسنة ،1936كمما ما يتعيف معو عمى المشرع في ظؿ استحالة إخضاع التآمر عمى الجنايات التي
تستكجب عقكبة اإلعداـ ،ألم مف معايير العقاب عمى التآمر عمى ارتكاب جناية ،إفراد نص خاص يحكـ
ىذه الحالة.
كحد عقكبة االتفاؽ الجنائي بالحبس مدة سبع سنكات طالما أف الحد األقصى لعقكبة الجناية المتفؽ عمييا ال
يقؿ عف سبع سنكات ،لذا قد تككف عقكبة االتفاؽ الجنائي مطابقة لعقكبة الجناية المتفؽ عمييا إذا كانت
األخيرة حدىا األقصى الحبس ( )7سنكات ،كنستخمص مف كؿ ذلؾ أف المشرع اعتنؽ معيار قائـ عمى
تخصيص عقكبة محددة كمكحدة ارتأل أنيا تتناسب مع االتفاؽ الجنائي مجردان ،كبالتالي ال محؿ لمقكؿ بأف
المشرع يعاقب عمى الجناية المتفؽ عمييا قبؿ كقكعيا ،كيحمد لممشرع مسمكو السابؽ بحيث أنو كاف مكفقان في
عدـ اعتناؽ معيار المساكاة في العقاب بيف االتفاؽ الجنائي كالجناية المتفؽ عمييا ،كأف أم تطابؽ في العقاب
و
فعندئذ أما الحا لة التي يككف فييا الحد األقصى لمعقكبة المعينة لتمؾ الجناية مدة أقؿ مف ( )7سنكات
يعاقب بتمؾ العقكبة ،بعبارة أخرل إذا زاد عقاب االتفاؽ الجنائي عمى العقاب المقرر لمجناية المتفؽ عمييا،
فبل يطبؽ مف أجؿ ىذا االتفاؽ عقاب أشد مما ينص عميو القانكف ليذه الجناية ،ك يحمد لمشارع مسمكو ىنا،
بحيث أنو مف المغاالة في العقكبة أف يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان ،بعقكبة أشد مف عقكبة الجناية
76
يف ع يثاْٞ
ينص المشرع في المادة ( )35مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ عمى:
"كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى ارتكاب جنحة أك عمى إتياف فعؿ في مكاف آخر خارج فمسطيف
ككاف ذلؾ الفعؿ يشكؿ جنحة فيما لك ارتكب في فمسطيف كيعتبر كذلؾ أيضان بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا
في المكاف الذم كاف في النية ارتكابو فيو ،يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب بالحبس مدة سنتيف".
يتضح مف النص السابؽ أف المشرع عاقب عمى جريمة االتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب جنحة بعقكبة
حدىا األقصى (سنتاف) ،كىذه العقكبة تضعنا أماـ ثبلث احتماالت كىي كاآلتي:
أ -إما أف تككف عقكبة الجنحة المتفؽ عمى ارتكابيا أقؿ مف سنتيف كفي ىذه الحالة لمقاضي أف ييفرد
العقكبة لمحد الذم تتساكل فيو عقكبة االتفاؽ الجنائي مع ىذه الجنحة.
ب -إما أف تككف عقكبة الجنحة المتفؽ عمى ارتكابيا تساكم (سنتاف) ،كفي ىذه الحالة ال تكجد أم
إشكالية.
ج -إما أف تككف عقكبة الجنحة المتفؽ عمى القياـ بيا أكثر مف سنتيف ،كىنا القاضي يممزـ بأال
كبذلؾ يككف المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936لـ يتخذ مف مقدار عقكبة الجنحة
مكضكع االتفاؽ الجنائي معيا انر لتحديد عقكبة االتفاؽ الجنائي ،بؿ نحى باتجاه تحديد الحد األقصى لعقكبة
لبلتفاؽ الجنائي الكارد عمى الجنح (سنتاف) ،كيؤخذ عمى المشرع ىذا اإلطبلؽ فيما يتعمؽ بشمكلية العقاب؛
77
بحيث أف ىذا المسمؾ يفضي إلى أف العقاب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان قد يككف أخؼ مف العقاب المقرر
لمجنحة محؿ االتفاؽ ،كما قد يتساكل مع العقاب المقرر لمجنحة المتفؽ عمييا بؿ األخطر مف ذلؾ قد يككف
أكثر شدة كغمظة منو ،كفي االحتماؿ الثاني كالثالث يظير طغياف النص الجزائي ،فمف غير العادؿ أف يسمح
المشرع لمقاضي بأف يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان ،بعقكبة أشد مف عقكبة الجنحة المتفؽ عمييا فيما لك
كقعت بالفعؿ أك بعقكبة مساكية ليا ،فيذا فيو تطرؼ كمغاالة في العقكبة ،عبلكةن عمى ذلؾ ال يستساغ أف
يككف مذىب المشرع إزاء حالة االتفاؽ عمى ارتكاب جناية ككانت ىذه األخيرة عقكبتيا في حدىا األقصى أقؿ
مف العقكبة المقررة لبلتفاؽ ،فإف المشرع يقضي بتطبيؽ العقكبة األخؼ أال كىي عقكبة الجناية محؿ االتفاؽ،
ثـ يأتي في االتفاؽ عمى جنحة كال يقرر ذات الحكـ ،تاركان األمر لسمطة القاضي التقديرية؛ رغـ تكافر ذات
تزيد عقكبة االتفاؽ عف العقكبة المقررة لمجنحة" ،ككذلؾ في الحالة التي تتساكل فييا العقكبات كاف يتعيف
يف ع يثايث
ينص المشرع في المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ عمى:
78
ب -عمى إيقاع األذل بشخص آخر أك النيؿ مف سمعتو أك عمى الحط مف قيمة ماؿ مف أمكالو ،أك
ج-عمى منع أك إعاقة شخص آخر عف بيع أك فراغ مالو حسب طكعو كاختياره لقاء قيمتو العادلة ك عمى
د-عمى إلحاؽ الضرر بتجارة شخص مف األشخاص أك بمينة ذلؾ الشخص أك حرفتو ،أك
ق-عمى منع أك إعاقة شخص مف األشخاص عف تعاطي تجارتو أك مينتو أك حرفتو حسب طكعو
كاختياره كعمى كجو مشركع بكاسطة فعؿ أك أفعاؿ تعتبر جرمان فيما لك ارتكبيا فرد مف الناس ،أك
يتضح مف النص السابؽ أف المشرع جاء كعاقب عمى صكر معينة لبلتفاؽ الجنائي ،اعتبرىا تشكؿ
جنحة يعاقب عمييا بالحبس مدة سنتيف ،كيرل الباحث أنو بتدقيؽ النظر في الحاالت التي ذكرىا المشرع
أعبله يظير لنا أف القاسـ المشترؾ بينيا أنيا غير معاقب عمييا فيما لك عزـ كصمـ عمى ارتكابيا فرد مف
الناس كأفصح عف نيتو ىذه بأم سمكؾ مادم ،كلكف ككجو االختبلؼ بينيا أف بعض ىذه األفعاؿ غير
معاقب عمييا جزائيان إذا تـ يمقارفتيا ،بمعنى أنيا ال تعدك سكل مجرد أفعاؿ ضارة تقكـ بناء عمييا المسئكلية
المدنية التقصيرية أك العقدية ،بمعنى أنو إذا كانت محبلن لبلتفاؽ الجنائي كتـ تنفيذ ىذا االتفاؽ فإننا ال نككف
بصدد جريمتيف كانما جريمة كاحدة أال كىي جنحة االتفاؽ الجنائي ،كلذلؾ ىذه المادة تختمؼ عف المادة
( )35التي جاءت لتعاقب عمى ذلؾ االتفاؽ الذم يككف مكضكعو أم جنحة ،كبالتالي مكضكعو االتفاؽ
79
مجرمان أصالةن ،أما ىذه المادة ( )36فيي جاءت بخصكص أفعاؿ في غالبيا األعـ تعد مف قبيؿ الفعؿ
الضار ،كلذلؾ ال يمكننا القكؿ بأف ىذه المادة جاءت كاستثناء عمى نص المادة ( )35سيما كأف العقاب كاحدان
في كبل المادتيف أال كىك الحبس مدة سنتيف ،فما الحاجة إلفراد استثناء طالما أف العقاب كاحد كالقاعدة تجرـ
كيحمد لممشرع مكقفو فيما يتعمؽ بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي أنو ساكل في العقاب بيف االتفاؽ
الجنائي عمى ارتكاب جناية أك جنحة كاالتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب جنايات أك جنح متعددة أك االتفاؽ
عمى جناية كجنحة ،فمماذا المغايرة في العقاب في حالة تعدد الجنايات أك الجنح المتفؽ عمييا ،ما دامت ىذه
كيؤخذ عمى مكقؼ المشرع كذلؾ أنو ساكل في العقكبة بيف جميع أطراؼ االتفاؽ كلـ يميز بينيـ،
حيث أنو كاف مف األجدر بالمشرع أف يقكـ بالمغايرة في العقاب بيف مف ييدير حركة االتفاؽ أك المحرض
عميو كبيف باقي أعضاء االتفاؽ ،الشخص الذم ييدير حركة االتفاؽ كينظميا بالتخطيط كالتكجيو لممتفقيف
بحيث يضع ليـ الخطط لتنفيذ مشركعيـ اإلجرامي ،حيث أف العدالة تأبى أف يتساكل في العقاب مف يحرض
عمى االتفاؽ الجنائي أك ييدير حركتو كبيف العضك العادم فيو ،فإذا سممنا باختبلؼ درجة الخطيئة كمقدار
الخطكرة بيف األكؿ كبيف سائر األعضاء فإف ذلؾ يستتبع بالضركرة عدـ المساكاة في العقاب ،فمف يدير
العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ قد اعتنؽ المذىب الشخصي كاعتبره فاعبلن أصميان تبعان لخطكرة دكره في
المشركع اإلجرامي ،كلذلؾ ىك أخذ بعيف االعتبار خطكرة دكر المحرض فيما يتعمؽ بالشؽ العقابي ،ىذا
80
المحرض الذم نتحدث
صحيح ،كلكف ذلؾ يصدؽ في الحالة التي نككف فييا أماـ حالة اشتراؾ جرمي ،أما ي
عنو فيك طرؼ في االتفاؽ الجنائي بحيث أف دكره يدخؿ ضمف النمكذج القانكني لجريمة االتفاؽ الجنائي،
بحيث أف مف يكجو دعكة –إيجاب -آلخر لغاية تككيف اتفاؽ جنائي فإف فعمو يعد تحريضان تقكـ بو جريمة
يمؽ قبكالن ،كلكف إذا ما اقترف ىذا التحريض بقبكؿ فإننا نككف أماـ جريمة اتفاؽ جنائي
التحريض إذا لـ ى
متكاممة األركاف ،كالجدير بالذكر أنو يتصكر كقكع المساىمة التبعية في جريمة االتفاؽ الجنائي ،فكؿ مف
سيؿ ألعضاء االتفاؽ أك فريؽ منيـ اجتماعاتيـ كىيأ ليـ المكاف الذم اجتمعكا فيو أك ساعدىـ بأم كيفية
كانت في سبيؿ االتفاؽ الجنائي يعتبر شريكان بالمساعدة في جريمة االتفاؽ الجنائي ،فمثبلن مف يقكـ بإعارة
ككذلؾ يؤخذ عمى المشرع أنو أكصد باب النجاة مف العقاب في كجو مف دخؿ في اتفاؽ جنائي ثـ
عدؿ عنو (التكبة اإليجابية) فبدالن مف أف ييييئ الشارع لمف دخمكا في اتفاؽ جنائي سبيؿ التخمص مما كقعكا
فيو كيؤخذ بيدىـ نحك الكؼ عف المضي في اإلجراـ ،عبر إعفائيـ مف العقاب إذا اخبركا جيات الضبط
القضائي بكجكده كبمف اشترككا فيو قبؿ حصكؿ الجريمة المنكم ارتكابيا ،كقبؿ بحث جيات الضبط القضائي
عف الجناة ،ككذلؾ في حالة إخبارىـ الضبطية القضائية بذلؾ بعد شركعيا في البحث عف الجناة كسيمكا
القبض عمى الباقيف منيـ ،كليس ىذا األمر ابتداعان جديدان كانما ىك اتباع محمكد لما جرل عميو كثير مف
183
حرصت بعض التشريعات الجنائية عمى تييئة سبيؿ الخبلص لمف كقع في شراؾ االتفاؽ الجنائي ،بتشجيعو عمى عدـ المضي في اإلجراـ أك إعانة
جيات الضبط القضائي عمى إثبات الجريمة ضد باقي المتفقيف أك تسييؿ ميمة القبض عمييـ ،فنصت عمى حاالت معينة لئلعفاء مف العقاب ،كمف ىذه
التشريعات قانكف العقكبات المصرم نص المادة ( )48المقضي بعدـ دستكريتيا.
81
لكؿ ذلؾ كاف مف حسف السياسة الجنائية أف يتنازؿ الشارع عنو حقو في العقاب ،بأف يميد لمف كقع
الجنائي ،بنيج يضمف ليـ اتقاء شر العقاب ،كذلؾ في حاالت محددة يرل الشارع مبلئمتيا.
ملطًب خلاَس
رغـ أخذ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ باالتفاؽ الجنائي العاـ الكارد عمى الجنايات أك
الجنح مطمقان ،إال أنو جاء في القسـ الخاص كعاقب عمى صكر خاصة مف االتفاقات الجنائية كذلؾ أما
(لغاية المغايرة في العقاب) الختبلؼ المصمحة المحمية التي ارتآىا المشرع نظ انر لطبيعة ىذه الجريمة
الخاصة محؿ االتفاؽ الجنائي أك المنفعة محؿ الحماية القانكنية التي ييضفييا المشرع عمى الحؽ المعتدل
الميدد باالعتداء عميو ،كاما (لغاية التكسيع مف نطاؽ السمكؾ اإلجرامي) الذم يككف محبلن يرد عميو
عميو أك ي
االتفاؽ الجنائي ،كتبلفيان إلعادة ما سبؽ ذكره في الفصكؿ السابقة فيما يتعمؽ باالتفاؽ الجنائي العاـ ،فإف
الباحث ارتأل التعرض لبلتفاؽ الجنائي الخاص بشيء مف اإليجاز بأسمكب يقتصر عمى إبراز العمة مف ذلؾ
التخصيص.
82
يف ع ٍٚ
يعاقب الشارع عمى جريمة الخيانة بمكجب أحكاـ المادة ( )49مف قانكف العقكبات ،كأفرد فقرة
"( -)1كؿ مف أشير حربان عمى جبللة الممؾ بغية تخكيؼ المندكب السامي أك إرىابو ،يعتبر أنو
ارتكب خيانة ك يعاقب باإلعداـ -)2( .كؿ مف تآمر مع شخص آخر مكجكد في فمسطيف أك في الخارج عمى
إشيار حرب عمى جبللة الممؾ ،بقصد التسبب في إشيار حرب يعد إشيارىا خيانة فيما لك ارتكبو أحد رعايا
كيشترط في ذلؾ أنو إذا أدينت امرأة كفقان ألحكاـ ىذه المادة كثبت ببينة تقنع بيا المحكمة بأنيا حامؿ
يتضح مما سبؽ أف المشرع أفرد نصان خاص بالعقاب عمى التآمر عمى الخيانة ،رغـ أنو في القسـ
العاـ نص عمى جريمة التآمر عمى الجنايات عمكمان ،بالتالي ما الداعي إلفراد نص خاص بالتآمر في جناية
الخيانة؟
كيرل الباحث أف العمة مف إيراد النص السابؽ إرادة المشرع المغايرة في العقاب ،بمعنى إذا كانت
جناية الخيانة تصمح ألف تككف محبلن لجريمة االتفاؽ العاـ الكاردة في القسـ العاـ ،باعتبار أف تطبيؽ نص
المادة ( )34يشترط أف تككف الجناية المتفؽ عمييا مقرر ليا عقكبة الحبس المؤقت أك أف تككف غير مقركنة
بعقكبة معينة ،ككنا قد خمصنا إلى أف المراد بالعقكبة المعينة تمؾ المعاقب عمييا بالحبس المؤقت ،كييستشؼ
83
ذلؾ ضمنان مف المعيار المتبع في العقاب كالذم نحى فيو الشارع نحك ربط عقكبة االتفاؽ عمى جناية
بالحد األقصى لمعقكبة محؿ االتفاؽ ،مما يقطع بأف العقكبة التي يقصدىا ىي سالبة لمحرية بصكرة مؤقتة،
كلما كانت جناية الخيانة معاقب عمييا باإلعداـ ،ككانت األخيرة ضمف العقكبات البدنية ،كبالتالي ستعد جناية
مقركنة بعقكبة غير معينة المدة بحيث يككف عقاب التآمر عمييا ( )7سنكات فقط ،كىذا العقاب كفقان لتقدير
المشرع ال يتناسب مع جسامة السمكؾ اإلجرامي ،مما حذا بو تبعان لذلؾ إفراد نص خاص يقضي بعقاب
كيتضح مف نص المادة ( )2/49أف االتفاؽ المجرـ ىنا يتعيف أف يككف بغرض إشيار الحرب عمى
جبللة الممؾ ،كال يشترط في ىذا االتفاؽ أف يككف طرفاه في داخؿ فمسطيف ،حيث يستكم أف يككف أحدىـ في
الداخؿ كاآلخر في الخارج ،كيبلحظ أف المشرع ساكل في العقاب بيف مرتكب جريمة الخيانة كبيف المتفقيف
عمى ارتكاب جريمة الخيانة ،حيث خصص ليـ عقكبة اإلعداـ ،كىذا األمر كاف حتميان كذلؾ ألنو المشرع
ساكل بينيـ في التجريـ كاعتبر االتفاؽ عمى ارتكاب الخيانة ىك ارتكاب لمخيانة ،بقكلو":يعتبر أنو ارتكب
الخيانة".
كمما تجدر اإلشارة إليو أنو إذا كاف أحد أطراؼ االتفاؽ الجنائي عمى الخيانة امرأةن ،كأدينت بتمؾ
التيمة فإنو يتعيف عمى المحكمة أف تنزؿ بالعقكبة مف اإلعداـ إلى الحبس المؤبد إذا ثبت ببينة تقتنع بيا
84
يف ع يثاْٞ
يعاقب الشارع عمى االتفاؽ عمى الفتنة بمكجب أحكاـ المادة ( )1/59مف قانكف العقكبات ،كقد
أفرد فقرة خاصة لعقاب االتفاؽ عمى الفتنة كذلؾ عمى النحك اآلتي:
تنص المادة (/1/59أ) بقكليا ":كؿ مف (أ) قاـ أك حاكؿ أف يقكـ بنية الفتنة ،أك أعد العدة لمقياـ
بذلؾ الفعؿ ،أك تآمر مع شخص آخر أك أشخاص آخريف عمى القياـ بو ،يعتبر أنو ارتكب جنحة".
كيتضح مف النص السابؽ أف المشرع يجرـ االتفاؽ الجنائي عمى القياـ بأم فعؿ مف األفعاؿ محاكلة
إيفاء لمغاية
كتآمر عمى الفتنة ،كقد عرؼ الشارع المقصكد بيذه النية بالمادة ( )1/60كالتي جاءت بقكليا " :ن
المقصكد مف المادة السابقة ييراد "بنية الفتنة" النية المنطكية عمى إيجاد الكراىية كاالزدراء أك إيقاظ شعكر
النفكر مف شخص الممؾ أك مف الدكلة المنتدبة أك مف المندكب السامي بصفتو الرسمية أك مف حككمة
فمسطيف القائمة بحكـ القانكف أك مف سير العدالة ،أك النية المنطكية عمى تحريض أىالي فمسطيف عمى
محاكلة إيقاع أم تغيير في أم أمر قائـ في فمسطيف بحكـ القانكف ،بغير الطرؽ المشركعة ،أك عمى إيقاظ
االستياء أك النفكر بيف أىالي فمسطيف أك عمى إثارة البغضاء كالعداكة بيف مختمؼ فئات الشعب في فمسطيف".
بناء عمى ذلؾ يتعيف أف يككف مكضكع التآمر القياـ بفعؿ يعتبر بمثابة إظيار لنية الفتنة ،كيككف
السمكؾ بنية الفتنة طالما يرمي إلى تحقيؽ أم غاية مف الغايات الكاردة أعبله كالتي تعد تكضيحان لمراد
المشرع بنية الفتنة ،بناء عمى ذلؾ لـ يعاقب المشرع ىنا عمى مجرد عقد النية عمى الفتنة كانما يعاقب عمى
السمكؾ
85
الظاىر الذم ترجـ ىذه النية ككشؼ عف الخطكرة اإلجرامية لدل فاعمو ،كىذا السمكؾ ىك االتفاؽ
الجنائي عينو ،بعبارة أخرل االتفاؽ عمى القياـ بفعؿ تحقيقان لنية الفتنة ،يعد في ذاتو-أم االتفاؽ -إظيا انر لتمؾ
النية.
كما ينبغي اإلشارة إليو ىنا أنو يجب أف تككف نية الفتنة مشتركة بيف طرفي االتفاؽ ،كتطبيقان لذلؾ ال
نككف أماـ اتفاؽ جنائي بنية الفتنة في الحالة التي يككف االتفاؽ بيف شخصيف فقط أحدىما لديو نية الفتنة
كلكف ما العمة مف إيراد نص خاص بالعقاب عمى التآمر عمى بنية الفتنة ،رغـ أف المشرع في القسـ
العاـ نص عمى جريمة التآمر عمى الجنح عمكمان ،كبالتالي ما الداعي إلفراد نص خاص بالتآمر في جنحة
نية الفتنة ،يرل الباحث أف مرد ذلؾ راجع لسببيف ،األكؿ :يتمثؿ في رغبة المشرع في تكسيع دائرة األعماؿ
التي تترجـ نية الفتنة كالتي سيرد عمييا االتفاؽ الجنائي ،بمعنى أنو لـ يرغب في قصرىا عمى ما كرد الفقرة
(ب) كالفقرة(ج) مف المادة ( ،)59نشر ألفاظ أك مستند بنية الفتنة أك كجد في حكزتو دكف معذرة مشركعة
مستند ينطكم عمى نية الفتنة ،بؿ أراد أف يجعؿ االتفاؽ يجكز أف يقع عمى أم فعؿ تحقيقان لنية فتنة مشتركة
بيف أطرافو ،أما السبب اآلخر ،فيك رغبة المشرع في إفراد عقكبة مغايرة لتمؾ المخصصة لبلتفاؽ عمى جنحة
الكارد في القسـ العاـ ،حيث اعتبر التآمر بنية الفتنة جنحة ،كما يتعيف معو العكدة لممادة ( )47مف قانكف
العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ التي تنص عمى (:إذا لـ يكف ىذا القانكف قد فرض عقكبة معينة ألية
جنحة مف الجنح فيحكـ عمى الشخص الذم ييداف بارتكاب تمؾ الجنحة بالحبس مدة ثبلث سنكات أك بغرامة
مائة جنيو أك بكمتا العقكبتيف) ،أما عقكبة االتفاؽ العاـ فيي الحبس مدة سنتيف فقط.
86
يف ع يثايث
يعاقب الشارع عمى التآمر عمى تدنيس أك ىتؾ عرض امرأة بمكجب أحكاـ المادة ( )174مف
و
شخص آخر عمى ىتؾ أك تدنيس عرض أنثى بكاسطة تنص المادة ()174عمى" :كؿ مف تآمر مع
ادعاء كاذب أك غيره مف كسائؿ الخداع لمسماح لشخص آخر بمكاقعتيا مكاقعة غير مشركعة يعتبر أنو
ارتكب جنحة".
كيتضح مف النص السابؽ أف المشرع يجرـ االتفاؽ الذم يككف مكضكعو تدنيس أك ىتؾ عرض أنثى
بكاسطة ادعاء كاذب أك غيره مف كسائؿ الخداع لمسماح لشخص آخر بمكاقعتيا غير مشركعة يعتبر أنو
ارتكب جنحة.
كيتضح أيضان مما سبؽ أف المشرع أفرد نصان خاص بالعقاب عمى تدنيس أك ىتؾ عرض أنثى بأم
كسيمة مف كسائؿ الخداع بيدؼ السماح لشخص آخر بمكاقعتيا مكاقعة غير مشركعة ،رغـ أف المشرع في
القسـ العاـ نص عمى جريمة التآمر عمى الجنح عمكمان ،بالتالي ما الداعي إلفراد نص عقابي خاص؟
يرل الباحث أف مرد ذلؾ ىك إرادة المشرع حماية المصمحة المحمية التي أخذىا المشرع في الحسباف،
ال سيما كأف ىذا التآمر كاقع عمى عرض امرأة ،كما أف ىذه المادة تتبع الفصؿ السابع عشر المتعمؽ بالجرائـ
الكاقعة عمى اآلداب العامة ،ككذلؾ المغايرة في العقاب عبر إفراد عقكبة مغايرة لتمؾ المخصصة لبلتفاؽ
عمى جنحة الكارد في القسـ العاـ ،حيث اعتبر االتفاؽ عمى اإلغراء يعد جنحة ،أما عقكبة االتفاؽ العاـ فيي
87
الحبس مدة سنتيف فقط ،مما يستتبع معو العكدة لممادة ( )47مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ
التي تنص عمى (:إذا لـ يكف ىذا القانكف قد فرض عقكبة معينة ألية جنحة مف الجنح فيحكـ عمى الشخص
الذم ييداف بارتكاب تمؾ الجنحة بالحبس مدة ثبلث سنكات أك بغرامة مائة جنيو أك بكمتا العقكبتيف).
يف ع ي بع
يعاقب الشارع عمى التآمر عمى االحتياؿ بمكجب أحكاـ المادة ( )305مف قانكف العقكبات كذلؾ
تنص المادة ( )305عمى":كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى أف يؤثر بإحدل طرؽ االحتياؿ عمى
أسعار أية حاجة تباع عمنان في األسكاؽ أك عمى أف يحتاؿ عمى الجميكر بصكرة عامة أك عمى شخص معيف
أك غير معيف ،أك عمى أف يبتز ماالن مف شخص آخر يعتبر أنو ارتكب جنحة".
كيتضح مف النص السابؽ أف المشرع يجرـ االتفاؽ الذم يككف مكضكعو التأثير بإحدل طرؽ
االحتياؿ عمى أسعار أية حاجة تباع عمنان في األسكاؽ ،االحتياؿ عمى الجميكر بصكرة عامة أك عمى شخص
معيف أك غير معيف ،أك عمى أف يبتز ماالن مف شخص آخر ،يعتبر أنو ارتكب جنحة.
كيبلحظ أف المشرع لـ يكضح المقصكد باالحتياؿ ،كانما اقتصر عمى تكضيح المقصكد بالنصب
كالغش بنص المادة ( ،)300كلكنو رغـ ذلؾ نستطيع أف نستشؼ ضمنان االحتياؿ مفيكمو أكسع مف النصب
كالغش ،باستقراء بقية نصكص المكاد الكارد في الفصؿ الرابع كالثبلثكف مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة
1936ـ ،تكصؿ الباحث إلى أف النصب كالغش يدخؿ ضمف مفيكـ االحتياؿ ،كأنو أحد طرؽ االحتياؿ كذلؾ
88
يستنبط ضمنان مف نص المادة (/304أ) كالتي جاءت بقكليا":كؿ مف حصؿ بطريؽ النصب كالغش أك بأية
كيرل الباحث أف العمة مف إيراد نص خاص بالعقاب عمى التآمر عمى االحتياؿ ،رغـ أف المشرع في
القسـ العاـ نص عمى جريمة التآمر عمى الجنح عمكمان ،مرده راجع لسببيف ،األكؿ :يتمثؿ في رغبة المشرع
في تكسيع دائرة األعماؿ التي تككف محبلن لمتآمر عمى االحتياؿ ،بمعنى عدـ قصرىا عمى تمؾ الجرائـ الكاردة
في الفصؿ الرابع ك الثبلثكف مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،بؿ أراد أف يجعؿ مكضكع االتفاؽ
الجنائي شامبلن كؿ عمؿ فيو احتياؿ عمى الجميكر عمكمان أك عمى شخص معيف أك غير معيف ،ككذلؾ أكرد
سمككيف جديديف ال يصمح أم منيما ألف يككف مكضكعان لمتآمر الجنائي العاـ ،ككف كؿ سمكؾ منيما غير
مجرـ في ذاتو ،فالسمكؾ األكؿ ىك التأثير بإحدل طرؽ االحتياؿ عمى أسعار أية حاجة تباع عمنان في
األسكاؽ ،كمفيكـ التأثير يشمؿ رفع األسعار أك إنزاليا،أما السمكؾ اآلخر فيك ابتزاز الماؿ مف الغير.
ككذلؾ ىناؾ سبب آخر دفع بالمشرع بإفراد نص خاص بالعقاب عمى التآمر عمى االحتياؿ كيتمثؿ
في رغبة المشرع في إفراد عقكبة مغايرة لتمؾ المخصصة لبلتفاؽ عمى جنحة الكارد في القسـ العاـ ،حيث
اعتبر التآمر عمى االحتياؿ جنحة ،أما عقكبة االتفاؽ العاـ فيي الحبس مدة سنتيف فقط.
89
ملبرث يثاْٞ
لما كاف االتفاؽ الجنائي جريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،ما مصير االتفاؽ في الحالة التي يككف االتفاؽ
فييا كاردان عمى جريمة مستحيمة ،عدا عف ذلؾ إذا أفضى االتفاؽ الجنائي إلى ارتكاب الجريمة المتفؽ عمييا
سكاء في صكرتيا الناقصة أك الكاممة فيؿ نككف أماـ تعدد مادم في الجرائـ ،كأخي انر ىؿ يتصكر كقكع الشركع
ك العدكؿ االختيارم في جريمة االتفاؽ الجنائي أـ ال ،كىؿ يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يقكـ
عمى ىدل ذلؾ يناقش الباحث كبلن مف التساؤالت المبينة أعبله في مطمب مستقؿ عمى النحك اآلتي:
90
ملطًب ٍٚ
يفترض الشركع بصفة عامة إمكاف تماـ الجريمة لكال تدخؿ ظرؼ عارض ط أر بعد بالبدء في تنفيذىا،
فأدل إلى كقؼ سمكؾ الجاني أك خيبة أثره ،غير أنو يحدث أحيانان أف يقكـ منذ المحظة التي بدأ فييا الجاني
سمككو سبب يجيؿ بو ،كيعدـ إمكاف تحقيؽ النتيجة اإلجرامية ،كيطمؽ الفقو عمى ىذه الحالة تعبير الجريمة
المستحيمة.184
الجريمة المستحيمة ىي:الحالة التي ال تحقؽ فييا النتيجة اإلجرامية الستحالة مادية في التنفيذ يجيميا
الجريمة المستحيمة تشبو الجريمة الخائبة "الشركع التاـ" مف حيث أف الجاني قد استنفذ نشاطو
اإلجرامي لتحقيؽ الغاية التي يقصدىا ،كلكنيا تختمؼ اختبلفان جكىريان عف الجريمة الخائبة ،كأكجو ذلؾ
االختبلؼ ،أف الجريمة الخائبة ممكنة الكقكع أصبلن ككاف مف المفترض أف تحدث النتيجة اإلجرامية المرجكة
منيا لكال تدخؿ أسباب طارئة حالت دكف تحققيا لسبب مف األسباب ،187كلكف ىذه األسباب ال تمس جكىر
184
محمد صبحي نجـ ،مرجع سابؽ ،ص.238
185
سمير الشناكم ،الشركع في الجريمة"دراسة مقارنة" ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1971 ،ص .380رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .515سمير
عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .231محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .352محمكد مصطفى،
مرجع سابؽ ،ص.265
186
عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .41ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،الطبعة األكلى،
فمسطيف ،2018،ص.31
187
ىبللي عبدالبله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص .167محمد عمي السمـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص .159سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ،
مرجع سابؽ ،ص.231
91
الجريمة ،سكاء في مكضكعيا أك في الكسائؿ المستخدمة لتنفيذىا ،كانما ىي مف المسائؿ الثانكية العارضة
التي كاف مف الممكف التغمب عمييا لك أف الجاني بذؿ مزيدان مف الدقة كالعناية في ارتكابيا أك لك قاـ بيذا
العمؿ شخص آخر أكثر خبرة كدراية منو ،188فعدـ تحقؽ النتيجة اإلجرامية إنما تعرض لمرتكبيا كبعد البدء
في التنفيذ ،فالعامؿ األجنبي حاؿ دكف تحقيؽ النتيجة بخصكص الجاني ذاتو ،فمك بذؿ مزيدان مف الدقة
كالحيطة لتحققت النتيجة ،كلك نفذت بكاسطة شخص آخر لكانت نتيجتيا قد تحققت بالفعؿ ،فالخيبة محتممة
عند بدء الجاني في الجريمة الخائبة ،كلكنيا محققة عند بدئو في الجريمة المستحيمة.189
مما يعني أف أسباب عدـ تحقؽ النتيجة اإلجرامية في الجريمة المستحيمة ليست عارضة إنما تككف
قائمة كقت مباشرة الجاني لنشاطو اإلجرامي ،كأف الكضع فييا لـ يكف ليتغير لك قاـ بو أم شخص آخر يكجد
في مثؿ ظركؼ الجاني ،فإذا كاف المعتدم عميو ميتان قبؿ إطبلؽ الرصاص عميو ،فيي كذلؾ أيان كانت
الظركؼ التي أطيمؽ فييا عميو الرصاص ،كيستكم في ذلؾ أف تككف االستحالة سابقة عمى البدء في التنفيذ
أك عمى األقؿ معاصرة لو ،فاالستحالة في المثاؿ السابؽ سابقة عمى لحظة البدء في التنفيذ ،ذات األمر
بالنسبة لمف يستخدـ سبلحان غير صالح ،كقد تككف االستحالة معاصرة لمحظة البدء في التنفيذ كما لك ترؾ
المجني عميو مكانو عند ضغط الجاني عمى زناد مسدسو ليطمؽ الرصاص.190
يستخمص الباحث مف ذلؾ أف معيار التفرقة بيف الجريمة المستحيمة كالجريمة الخائبة يككف بالنظر
إلى لحظة تنفيذ الجريمة ،فإذا كانت أسباب االستحالة قائمة كقت التنفيذ كانت الجريمة مستحيمة ،أما إذا
188
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.380
189
نظاـ تكفيؽ المجالي ،مرجع سابؽ ،ص .264سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.231
190
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .352رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.515
92
طرأت بعد البدء في التنفيذ فإف الجريمة تككف خائبة ،كىذا المعيار الزمني يصمح لمتفرقة بيف الجريمة
كالسؤاؿ الذم يثار ىنا ىؿ تقكـ جريمة االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يككف مكضكعيا ارتكاب
االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة مستحيمة سكاء كانت االستحالة مطمقة أـ نسبية أك استحالة
قانكنية أـ مادية يقع تحت طائمة نصكص المكاد ( )36-35-34مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة
1936ـ ،كذلؾ ألف الشارع عاقب عمى االتفاؽ الجنائي لمجرد انعقاده باتحاد اإلرادات ،كجريمة مستقمة قائمة
بذاتيا ،قبؿ تنفيذ الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي ،حيث يستكم في نظر الشارع إقداـ الجناة عمى ارتكاب
جريمتيـ محؿ االتفاؽ أـ ال ،كمف باب أكلى فإف تعثر تنفيذ مكضكع االتفاؽ الجنائي ألم سبب مف األسباب
ال يحكؿ دكف قياـ جريمة االتفاؽ ،ككف أف ىذه االستحالة كالتعثر الحقة عمى قياـ االتفاؽ كليست ركنان مف
أركانو ،فالتجريـ منصب عمى فعؿ االتفاؽ بعينو الذم قدر المشرع أنو ينطكم عمى خطكرة إجرامية في ذاتو
تستكجب العقاب عميو بغض النظر عما إذا كانت الجريمة التي نسج الجناة خيكط اتفاقيـ حكليا ممكنة
الحدكث أـ مستحيمة ،خاصةن إذا ما أخذنا بعيف االعتبار مسمؾ المشرع العقابي الفمسطيني في قانكف
العقكبات سالؼ الذكر ،الذم نحى نحك العقاب عمى الجريمة المستحيمة ،باعتبار أنو ينتمي إلى النظاـ
األنجمكسكسكني ،192الذم يميؿ إلى المذىب الشخصي الذم يينادم بالعقاب في حالة الجريمة المستحيمة،193
191
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .32سمير الشناكم ،مرجع السابؽ ،ص .382رمسيس بيناـ ،مرجع
سابؽ ،ص.515
192
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.42
193
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.417
93
حيث تنص المادة ( )3/30مف قانكف العقكبات بقكليا":ال عبرة فيما إذا لـ يكف في اإلمكاف ارتكاب الجرـ
حيث يتضح مف خبلؿ ىذا النص أف المشرع اعتنؽ المذىب الشخصي في الجريمة المستحيمة ،دكف
التفرقة بيف االستحالة المطمقة كاالستحالة النسبية أك االستحالة القانكنية كاالستحالة المادية.194
كبناء عمى ذلؾ ،ال يستقيـ القكؿ بعدـ قياـ جريمة االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يككف مكضكعيا
جناية أك جنحة مستحيمة؛ فيذا فيو تعطيؿ لحكـ القانكف الذم عاقب عمى الجريمة المستحيمة ،مما يقطع بما
ال يدع مجاؿ لمشؾ بأف االتفاؽ عمى جناية أك جنحة تنتمي ألم صكرة مف صكر االستحالة ،يعد اتفاقان
كقد اتجيت محكمة النقض المصرية إلى أف مجرد انعقاد اإلرادات عمى ارتكاب جناية أك جنحة يكفي
لتكافر أركاف جريمة االتفاؽ الجنائي أما سكء نية تنفيذ مكضكع االتفاؽ كتعثره ألمر ما فيك الحؽ عمى قياـ
االتفاؽ كليس ركنان مف أركانو أك شرطان النعقاده ،حيث قضت محكمة جنايات السكيس ببراءة المتيميف في
جريمتي االتفاؽ الجنائي ،كالشركع في تقميد عممة فضية متداكلة قانكنان تأسيسان عمى أف رداءة التزييؼ كعدـ
انطبلئو عمى الشخص العادم يجعؿ الجريمة مكضكع االتفاؽ مستحيمة ،فطعنت النيابة العامة في الحكـ
بطريؽ النقض ،فقضت محكمة النقض بنقض الحكـ كجاء في أسباب حكميا:
"حيث إ ف حاصؿ ما تنعاه النيابة العامة عمى الحكـ المطعكف فيو أنو إذا ب أر المطعكف ضدىـ مف
جريمتي االتفاؽ الجنائي كالشركع في تقميد عممة فضية متداكلة قانكنان تأسيسان عمى أف رداءة التزييؼ كعدـ
انطبلئو عمى الشخص العادم يجعؿ الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي مستحيمة كأنو ال يتصكر كصؼ الفعؿ
194
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.42
94
مكضكع الجريمة الثانية بالشركع كذلؾ لتماـ فعؿ التزييؼ ،قد اخطأ في تطبيؽ القانكف ذلؾ بأف مف المقرر
أنو يكفي لقياـ جريمة الشركع في تقميد العممة إعداد األدكات كالسبائؾ البلزمة لمتقميد كاستعماليا بالفعؿ ليذا
الغرض كىك ما تكافر في حؽ المطعكف ضدىـ دكف أف يغير مف ذلؾ عدـ تمكنيـ مف إتقاف التقميد ،كأنو
متى تقرر ذلؾ فإف جريمة االتفاؽ الجنائي تصبح جريمة ممكنة كليست مستحيمة كيككف الحكـ المطعكف فيو
بقضائو السابؽ ذكره معيبان بما يستكجب نقضو ،ذلؾ ألنو كقد أكرد الحكـ أف عممة مزيفة قد ضبطت بالفعؿ
كأنو ثبت مف تقرير فحص األدكات المضبكطة أنيا مما يجكز استعماليا في تزييؼ العممة ،فإف عدـ بمكغ
المطعكف ضدىـ كقت الضبط غايتيـ مف إتقاف التزييؼ ال يجعؿ جناية التزييؼ عمى ما قاؿ بو الحكـ
مستحيمة ،كال ييدر بالتالي ما قاـ عميو االتياـ مف إرادة المطعكف ضدىـ قد اتحدت عمى ارتكاب تمؾ الجناية
كىك ما يكفي لتكافر أركاف جريمة االتفاؽ الجنائي أما سكء نية تنفيذ مكضكع االتفاؽ كتعثره ألمر ما فيك
الحؽ عمى قياـ االتفاؽ كليس ركنان مف أركانو أك شرطان النعقاده ،كلما كاف المقرر أنو ال يشترط لتككيف
جريمة االتفاؽ الجنائي المنصكص عمييا في المادة ( )48عقكبات مصرم أكثر مف اتحاد إرادة شخصيف أك
أكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،...فإف الحكـ المطعكف فيو بتبرئة المطعكف ضدىـ مف جريمة االتفاؽ
الجنائي بقالة أنيا-بسبب أف التزييؼ كاف مفضكحان-جريمة مستحيمة يككف قد اخطأ في تطبيؽ القانكف".195
195
نقض جنائي مصرم رقـ ،1988لسنة 34ؽ ،جمسة ،1965/5/10س ،34المكقع االلكتركني لمحكمة النقص المصرية ،مرجع سابؽ.
تاريخ الزيارة 2019/5/10 :الساعة9:30 :
95
ملطًب يثاْٞ
قد يحدث بعد تماـ جريمة االتفاؽ الجنائي أف يقدـ أطراؼ االتفاؽ الجنائي عمى تنفيذ ما اتفقكا عميو
و
فعندئذ ىؿ تنشأ بالنسبة لسائر ىؤالء الجناة حالة مف جريمة أك جرائـ سكاء في صكرتيا التامة أك الناقصة،
تعدد في الجرائـ؟.
الرأم األكؿ :يكجد تعدد مادم في الجرائـ؛ يرل جانب مف الفقو أنو في ىذه الحالة تنشأ بالنسبة
لسائر الجناة (حالة تعدد مادم في الجرائـ) مصدرىا مساىمة كؿ منيـ بجريمة االتفاؽ الجنائي بصفتو فاعبلن،
كفي الجريمة أك الجرائـ المتفؽ عمييا كالتي تمت فعبلن تنفيذان لبلتفاؽ بصفتو فاعبلن ليا أك بصفتو شريكان في
ارتكابيا طبقان لقكاعد المساىمة الجنائية ،كىذا التعدد يتمثؿ في جريمة االتفاؽ الجنائي كمف الجريمة أك الجرائـ
محؿ االتفاؽ المرتكبة فعبلن ،كبناء عمى ذلؾ ال يكجد مانع قانكني مف تقديـ المتيميف لممحاكمة عف التيمتيف
المسندتيف إلى كؿ منيـ كلك كانتا ناشئتيف عف فعؿ كاحد أك كانتا مرتبطتيف ارتباطان ال يقبؿ التجزئة.196
كىذا الرأم ما استقرت عميو محكمة النقض المصرية حيث قضت إذا لـ ترتكب الجريمة بتنفيذ
االتفاؽ فإنو ينبغي العقاب عمى االتفاؽ ذاتو ،كأما إذا ايرتكبت ،أك يشرع في ارتكابيا ككاف الشركع معاقبان
عميو ،فإنو يككف ىناؾ جريمتاف ،كفي ىذه الحالة تكقع عمى المتيميف عقكبة كاحدة ىي العقكبة األشد طبقان
196
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ىامش ص .515مصطفى كامؿ ،شرج قانكف العقكبات العراقي ،مرجع سابؽ ،ص.171
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .34مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص .217مازف خمؼ ناصر ،الجريمة العسكرية":دراسة تحميمية
مقارنة" ،الطبعة األكلى ،المركز العربي لمنشر كالتكزيع ،القاىرة2018،ـ ،ص.208
96
لممادة ( )32عقكبات ،ما لـ يكف االتفاؽ عمى جريمة كاحدة معينة ففي ىذه الحالة ،كفي ىذه الحالة كحدىا،
يجب بمقتضى صريح النص الكارد في المادة ( )48المذككرة -عمى خبلؼ القاعدة العامة المقررة في المادة
( - )32أف تككف العقكبة التي تكقع ىي عقكبة الجريمة التي كقعت تنفيذان لبلتفاؽ كلك كانت أقؿ مف عقكبة
جريمة االتفاؽ الجنائي ،كاذف فإذا أدانت المحكمة المتيـ في جريمة االتفاؽ الجنائي عمى التزكير كفي جريمة
. 197
التزكير كعاقبتو بعقكبة كاحدة طبقان لممادة ( )32فإنيا ال تككف قد أخطأت
كقضت محكمة النقض المصرية في ذات الخصكص ":لما كاف الثابت مف مدكنات الحكـ المطعكف
فيو أنو اعتبر الجرائـ المسندة إلى الطاعف جريمة كاحدة كعاقبو بالعقكبة المقررة ألشدىا فإنو ال مصمحة
لمطاعف فيما ييثيره بشأف جرائـ االتفاؽ الجنائي كالسرقة باإلكراه ما دامت المحكمة قد دانتو بجريمة الخطؼ
باإلكراه كأكقعت عميو عقكبتيا عمبلن بالمادة ( )32مف قانكف العقكبات بكصفيا الجريمة األشد".198
الرأم الثاني :ال يكجد تعدد مادم نظ انر الستغراؽ الجريمة محؿ االتفاؽ جريمة االتفاؽ الجنائي؛ حيث
و
كعندئذ يذىب بعض الفقو إلى أف ارتكاب الجريمة مكضكع االتفاؽ يينيي حالة االتفاؽ الجنائي كيستغرقيا،
تكقع عقكبة الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي دكف أف يكقع العقاب عمى جريمة االتفاؽ الجنائي ،حيث تكفؿ
القكاعد العامة في المساىمة الجنائية تكقيعو ،فإذا كقعت الجناية أك الجنحة مكضكع االتفاؽ الجنائي أصبح
العقاب متعينان طبقان لمقكاعد العامة لممساىمة الجنائية ،حيث يعاقب مرتكبكىا فاعميف كانكا أك شركاء بعقكبتيا،
كاذا كاف أحدىـ في الكقت ذاتو طرفان في االتفاؽ الذم كقعت الجناية أك الجنحة تنفيذان لو ،فإنو يعاقب ىك
اآلخر بعقكبة تمؾ الجريمة المرتكبة فعبلن ،بصرؼ النظر عف عقكبة االتفاؽ الذم نفذتو ،ذلؾ ألنو باقترافو
197
نقض جنائي مصرم ،جمسة ،1944/12/11س ،14بكابة مصر لمقانكف كالقضاء ،مرجع سابؽ.
6:15 الساعة: تاريخ الزيارة2019/5/11 :
198
نقض جنائي مصرم رقـ ،10696لسنة 67ؽ ،جمسة 1999/5/2ـ،س ،50المكقع االلكتركني لمحكمة النقض المصرية ،مرجع سابؽ.
6:19 الساعة: تاريخ الزيارة2019/5/11 :
97
ىذه الجريمة بعد أف كانت مكضكع االتفاؽ ،لـ يكف سمككو البلحؽ كالمتمثؿ في ارتكابيا سكل تحقيؽ لمغاية
مف سمككو السابؽ كالمنحصر في محض االتفاؽ عمييا ،كبالتالي فإف العقاب عمى السمكؾ البلحؽ ،فيو
عقاب أيضان عمى السمكؾ السابؽ ،كيككف النص الخاص بالسمكؾ البلحؽ ىك النص األصمي ،الذم ييغني
تطبيقو عف العمؿ بالنص الخاص بالسمكؾ السابؽ كالمعتبر نصان احتياطيان ،كتسرم ىذه القاعدة "النص
األصمي يستبعد بتطبيقو النص االحتياطي" ،إذا كاف ما كقع تنفيذان لبلتفاؽ ،ال ييمثؿ الجريمة المتفؽ عمييا في
الصكرة الكاممة ليا كانما يقتصر عمى مجرد الشركع فييا أم عمى صكرتيا الناقصة.199
كرغـ كجاىة الرأم السابؽ إال أنو تعرض لمنقد مف بعض الفقو ،حيث ذىب إلى أنو يتفؽ مع الغاية
مف تجريـ االتفاؽ الجنائي ،كلكنو يعد خركجان عمى قكاعد المسئكلية الجزائية بدكف أم مسكغ قانكني ،إذ أف
ارتكاب جريمة الحقة ال يينيي المسئكلية الناشئة عف جريمة سابقة ،كال يجكز بأم حاؿ مف األحكاؿ مخالفة
ىذه القاعدة دكف سند قانكني ،200فالقانكف لـ يشترط لتطبيؽ النص الخاص بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي
كيميؿ الباحث إلى االتفاؽ مع ما ذىب إليو الرأم الثاني كذلؾ ألننا إزاء فعؿ كاحد-االتفاؽ -تزاحمت
202
لمنصكص صكرتو أف نككف أماـ فعؿ كاحد النصكص الجزائية ظاىريان بشأنو ،حيث أف التزاحـ الظاىرم
199
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص-829ص.830
200
ىشاـ سعد الديف ،مرجع سابؽ ،ص .36مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،مرجع سابؽ ،ص.220
201
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ىامش ص .415-414السعيد مصطفى السعيد ،مرجع سابؽ ،ص.360
202
يسمي التنازع ظاىريان لككنو يرجع إلى الظاىر المستفاد مف نظرة أكلى فاحصة ،كيمزـ لتحديد القاعدة المنطبقة التركم كاعماؿ النظر ،كيرجع التنازع
أك التزاحـ الظاىرم لمنصكص إلى التضخـ التشريعي ،أضؼ إلى ذلؾ طبيعة النصكص الجنائية كالتي تدعك المشرع إلى التدخؿ كثي انر في كضع
نصكص جنائية ،كأغمب التشريعات لـ يرد بيا نص كاجب اإلتباع لحؿ مشكمة التنازع الظاىرم بيف النصكص ،لذلؾ يتـ الرجكع إلى قكاعد التفسير
المنطقي ،كمف أىـ المبادئ التي كضعيا الفقو لحؿ مشكمة التنازع الظاىرم لمنصكص (مبدأ الخاص يستبعد العاـ كمبدأ النص المستكعب يفضؿ عمى
النص قصير المدل كمبدأ النص األصمي يستبعد االحتياطي) لممزيد انظر لدل :محمد عيد الغريب ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،النظرية العامة
لمعقكبة ك التدابير االحت ارزية ،بدكف دار نشر ،2000 ،ص .1142أحمد عكض ببلؿ ،مبادئ قانكف العقكبات المصرم ،القسـ العاـ ،دار النيضة
98
الجرمية بحيث تتنازع النصكص الجزائية بشأنو ،كلكف ينتيي األمر بعد عممية تفسير
تعددت أكصافو ي
صحيحة بتطبيؽ نص كاحد مف بينيا ىك الكاجب التطبيؽ كتستبعد البقية ،203كتبعان لذلؾ كلغاية فض ىذا
التزاحـ فإنو يتعيف تطبيؽ القاعدة التي تقضي بأف النص األصمي يغني عف النص االحتياطي ،كلما كاف
النص الخاص بجريمة االتفاؽ عمى الجرائـ يعتبر احتياطيان بالنسبة لذلؾ الذم يعتبر االتفاؽ كسيمة مساىمة
تبعية ،فإف العمؿ بالقاعدة السابقة يقتضي أنو إذا أتيح لبلتفاؽ القياـ بدكره األصمي بارتكاب الجريمة المتفؽ
عمييا أال يككف ىناؾ تفعيؿ لدكره االحتياطي؛ أم ال محؿ لمعقاب عميو كجريمة في ذاتو.
فتجاكز السرعة القانكنية مثبلن يشكؿ مخالفة مركرية كفي نفس الكقت ينطبؽ عميو النص الخاص
بتعريض الغير لمخطر كذلؾ عندما يتضمف ىذا التجاكز خط انر ييدد الغير في حياتو كسبلمتو الجسدية ،كلكف
في نياية المطاؼ تطبيؽ نص التجريـ الكقائي بخصكص تعريض الغير لمخطر حيث ييغني عف تطبيؽ
النص التجريمي المتعمؽ بالمخالفة المركرية؛ ألف العقكبة التي يتضمنيا نص التجريـ الكقائي تككف أشد مف
العقكبة المنصكص عمييا في نص التجريـ الذم يتعمؽ بالمخالفات كىي كافية لزجر المجرـ كردع غيره ،كال
حاجة لنا إلى التزيد غير المبرر في فرض العقكبات؛ كذلؾ ألف المجرـ ارتكب سمككان كاحدان ،بصرؼ النظر
ثـ ال يمكف معاقبتو عف ىذا الفعؿ مرتيف ،بؿ ينبغي معاقبتو بالعقكبة
عما يترتب عمى سمككو مف نتائج ،كمف ٌ
األشد كىي الكاردة في نص التجريـ الكقائي ،أما في حالة حدكث ضرر ناتج عف السمكؾ المنشئ لمخطر،
فإف ذلؾ يؤدم إلى نشكب تنازع األكصاؼ القانكنية بيف نص التجريـ الكقائي كبيف الكصؼ القانكني الذم
ينطبؽ عمى الضرر الذم حدث ،كفي ىذه الحالة ال ييثير أية صعكبة عندما يشتمؿ نص التجريـ الثاني عمى
العربية ،بدكف سنة نشر ،ص 940كما بعدىا .مصطفى محمكد محمكد عبدالكريـ ،اتفاقية مكافحة الفساد ،الطبعة األكلى ،دار الفكر كالقانكف لمنشر
كالتكزيع ،المنصكرة ،2012 ،ص 191كما بعدىا.
203
ساىر إبراىيـ شكرم الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء الثاني ،الطبعة األكلى ،فمسطيف ،2010 ،ص .214رمسيس بيناـ ،النظرية
العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .24محمد عيد الغريب،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.1032
99
عقكبة أشد أك تساكم العقكبة التي يحتكييا نص التجريـ الكقائي كبذلؾ ييطبؽ النص الخاص بحدكث الضرر،
نص خاص كذك عقكبة أشد ،فالمعيار الذم ييتبع لفض التنازع بيف األكصاؼ القانكنية يتجسد في
ألنو ه
كذات األمر ينطبؽ عمى النص الخاص بجريمة إخفاء األشياء المسركقة إذ يعتبر نصان احتياطيان
بالنسبة لمنص الخاص بجريمة السرقة ،205بمعنى أنو ال يصح قانكنان متابعة الشخص كفاعؿ أصمي في
و
ككمخؼ لؤلشياء المتحصمة منيا ،كلذلؾ ال يمكف محاسبة نفس الشخص جزائيان في آف الجريمة األصمية
كاحد بصفتو مخفيان لؤلشياء المسركقة ،كمرتكبان لمجريمة األصمية-السرقة ،ألف المقصكد مف السرقة ىك تممؾ
ماؿ الغير كىك ما يستكجب معو حيازة الشيء المسركؽ ،كلكف بالمقابؿ يمكف متابعة نفس الشخص في آف
كاحد مف أجؿ اإلخفاء كاالشتراؾ في الجريمة األصمية فالكصؼ األكؿ ال يتنافى مع الكصؼ الثاني ،كىذا ما
استقر عميو القضاء الفرنسي حيث قضى بجكاز إدانة المتيـ مف أجؿ إخفاء كاالشتراؾ في السرقة ما دامت
كلكؿ ما سبؽ ،يخمص الباحث إلى أف ما ذىب إليو الرأم القائؿ بقياـ حالة تعدد مادم في الجرائـ
بالنسبة لسائر الجناة في حالة ارتكاب الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي ،ال يقكـ عمى أساس مف الصحة في
الحالة التي يككف أحد أطراؼ االتفاؽ مساىمان في ارتكاب الجريمة محؿ االتفاؽ مساىمة تبعية بكسيمة
االتفاؽ ،باعتبار أننا أماـ فعؿ كاحد-االتفاؽ -ناتج عف تصميـ إرادم كاحد .في حيف أف التعدد المادم
يتطمب المغايرة بيف األفعاؿ بما يجعؿ كؿ منيما جريمة مستقمة تمامان لكؿ منيا أركانيا المستقمة ،خاصة إذا
204
خالد مجيد عبدالحميد الجبكرم ،النظرية العامة لمتجريـ الكقائي ،المركز العربي لمنشر كالتكزيع ،القاىرة ،2018 ،ص .195-194
205
حسيف عمي خمؼ ،سمطاف عبد القادر الشاكم ،المبادئ العامة في قانكف العقكبات ،ص.38
206
بف ممككة ككثر ،جنحة إخفاء األشياء في القانكف الجنائي لؤلعماؿ ،مذكرة لنيؿ شيادة الماجستير في الحقكؽ ،جامعة كىراف ،الجزائر،2012،
ص.121-120
100
ما أخذنا بعيف االعتبار أف معيار التعدد المادم لمجرائـ يقكـ عمى أساس التعدد في السمكؾ أك الكقائع المادية
كليس التعدد في النتائج ،كلكي يتكافر التعدد المادم لمجرائـ يشترط تعدد التصميمات ،بحيث يككف كؿ فعؿ
مف األفعاؿ المتعددة صادر عف تصميـ إرادم تعبر عنو حركة عضكية كاحدة ،207كلذلؾ ال نككف أماـ تعدد
مادم سكل في الحالة التي يككف أطراؼ االتفاؽ قد ساىمكا في الجريمة محؿ االتفاؽ مساىمة أصمية أك
ثانيان :مكقؼ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ مف تعدد الجرائـ في االتفاؽ
الجنائي:
خطة أية مشرع عقابي فيما يتعمؽ باالتفاؽ إما أف تككف قائمة عمى األخذ بو ككسيمة اشتراؾ
أك/ك كجريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،كىنا يثار التساؤؿ إذا كاف المشرع في قانكف العقكبات رقـ ()74
لسنة 1936ـ قد أخذ بالدكر األصمي لالتفاؽ الجنائي ككسيمة اشتراؾ أـ ال؟
لـ يأخذ المشرع الفمسطيني بقانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ باالتفاؽ ككسيمة مف كسائؿ
االشتراؾ ،حيث أنو لـ يكرد االتفاؽ الجنائي ضمف كسائؿ االشتراؾ في الجريمة المحدد بنص المادة (،)23
حيث اقتصر عمى التحديد الحصرم لمشركاء عمى الفاعؿ األصمي كالمساعد كالمحرض ،أما االتفاؽ الجنائي
فجاء في مكضع مستقؿ ،كال يعد التآمر الذم كرد في نصكص المكاد ( )36-35-34مف القانكف سالؼ
207
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء الثاني ،الطبعة األكلى ،فمسطيف ،2010 ،ص.221
101
الجرمي ،كانما يعد جريمة مستقمة قائمة بذاتيا معاقب عمييا بغض النظر
الذكر ،صكرة مف صكر االشتراؾ ي
عف كقكع الجريمة محؿ االتفاؽ مف عدمو ،كالدليؿ عمى ذلؾ األسانيد اآلتية:208
الجرمي في الفصؿ
الفصؿ السادس تحت عنكاف المحاكلة كالتحريض كالتآمر ،بينما نظـ االشتراؾ ي
-2الصياغة التي جاءت بيا نصكص التآمر ال تحتمؿ معنى أف الجريمة مكضكع التآمر قد تـ تنفيذىا
بالفعؿ ،حيث يفيـ مف تمؾ النصكص أف العقاب ينصب عمى مجرد التآمر بغض النظر عف تنفيذ
الجريمة مكضكع التآمر ،مما يعني أف التآمر جريمة مستقمة بحد ذاتيا كليست صكرة مف صكر
الجرمي ،في حيف لك نظرنا إلى نصكص االشتراؾ نجد أنيا جاءت بصياغة تحتمؿ معنى
االشتراؾ ي
أف الجريمة ارتكبت سكاء مف الفاعؿ األصمي أك الفاعميف األصمييف أك المساعد أك المحرض.
كيرل ا.د محمكد نجيب حسني أف غالبية التشريعات المقارنة تذىب باتجاه استبعاد االتفاؽ مف نطاؽ
المساىمة الجنائية كأف القمة مف التشريعات التي اعتبرت االتفاؽ كسيمة لممساىمة التبعية استمدت خطتيا مف
القانكف االنجميزم الذم استقر في أصكلو القديمة اعتبار االتفاؽ كيعبر عنو بالمؤامرة ،كسيمة لممساىمة
التبعية ،باإلضافة إلى اعتباره جريمة في ذاتو إذا كاف لـ يفض إلى ارتكاب الجريمة المتفؽ عمييا ،209كلكف
قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ رغـ أف أصكلو انجميزية؛ إال أنو استبعد االتفاؽ مف عداد
كسائؿ المساىمة التبعية في الجريمة ،كحسنان فعؿ المشرع لصعكبة اعتبار االتفاؽ مجردان أحد العكامؿ التي
أسيمت في ارتكاب الجريمة ،ككذلؾ لصعكبة إثبات عبلقة السببية بينو كبيف الجريمة ،مما يعني انتفاء أحد
208
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.326
209
محمكد نجيب حسني ،األحكاـ العامة في المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.295
102
عناصر المساىمة الجنائية ،210كأيضان في ظؿ إقرار المؤتمر الدكلي السابع لقانكف العقكبات خطة التشريعات
التي ال تأخذ باالتفاؽ ككسيمة مساىمة تبعية ،باعتبار أف االتفاؽ إذا لـ يقترف بتحريض أك مساعدة عمى
الجريمة ال يككف سببان أك مؤث انر في كقكعيا ،إذ ىك التقاء إرادتيف في مستكل كاحد دكف أف تطغى إحداىما
إذا كنا قد خمصنا إلى استبعاد المشرع الفمسطيني في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ
الجرمي؛ فإف ذلؾ يستتبع معو التساؤؿ حكؿ مصير الحالة التي يتـ فييا االتفاؽ
لبلتفاؽ ككسيمة لبلشتراؾ ي
عمى ارتكاب جناية أك جنحة ما كمف ثـ يساىـ في ارتكابيا بعض المتفقيف مف خبلؿ المساعدة؟
يرل الباحث أنو في ىذه الحالة نككف أماـ تعدد مادم ،حيث يتـ تطبيؽ النص الخاص بالعقاب عمى
المساىمة في الجريمة محؿ االتفاؽ بكسيمة المساعدة ،ككذلؾ النص الخاص بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي
كجريمة مستقمة؛ كذلؾ ألف سمكؾ المساعدة مغاير كميان لسمكؾ االتفاؽ ،أم أننا لسنا إزاء سمكؾ مادم كاحد
تزاحمت النصكص الجزائية ظاىريان بشأنو ،فيناؾ استقبللية كاممة بيف المساعدة كبيف االتفاؽ ككسائؿ
لممساىمة التبعية.
محمكد محمكد مصطفى ،فكرة الفاعؿ كالشريؾ في الجريمة ،المجمة الجنائية القكمية ،ص .31يمشار إليو لدل=محمكد نجيب حسني ،المرجع سابؽ
210
أعبله ،ص.295
211
نسريف عبد الحميد النبيو،المحرض الصكرم ،مرجع سابؽ ،ص.76
103
ملطًب يثايث
المشركع اإلجرامي ال يينفذ دفعةن كاحدة ،كانما يسبؽ التنفيذ عادةن مرحمتاف ميمتاف ،ىما مرحمة التفكير
كالتحضير ،كيتـ خبلؿ مرحمة التفكير في الجريمة ،دراسة المشركع كتقييمو ،كعمى ضكء ذلؾ يحدد الجاني
نبذ الفكرة كالحيدة عنيا ،أك بتأكيدىا كاإلصرار عمييا ،فإذا خمص إلى اإلصرار عمى ارتكاب الجريمة ،فإنو
ينتقؿ لمرحمة تالية ىي مرحمة التحضير لجريمتو كفييا يعد الكسائؿ البلزمة لمتنفيذ ،فإذا ما انتيى منيا كبقي
صر عمى ارتكاب الجريمة ،فإنو ينتقؿ لمبدء في تنفيذىا كفؽ الخطة التي رسميا ،كىنا قد يكفؽ في مشركعو
يم ان
و
عندئذ الجريمة التامة ،أك ال يصيبو التكفيؽ ،فبل تتـ فتقع الجريمة التي قصد ارتكابيا كاممةن كيطمؽ عمييا
الجريمة التي كاف يصبك إلى تحقيقيا ،كيقاؿ في ىذه الحالة إف الجريمة تكقفت عند حد الشركع.212
لما كاف الشركع في الجريمة مرحمة مف مراحؿ ارتكابيا ،تالية لمتحضير ليا كسابقة عمى تماميا،
فإف السؤاؿ –ىنا -ىؿ يتصكر كقكع الشركع في جريمة االتفاؽ الجنائي أـ ال؟
212
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص .3عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.38
104
يف ع ٍٚ
أثارت ىذه القضية خبلفان كاسعان بيف الفقو الجنائي حيث انقسمكا إلى فريقيف ،حيث يذىب فريؽ مف
الفقو إلى القكؿ بأف الشركع غير متصكر في جريمة االتفاؽ الجنائي ألسباب عديدة ،ىي:213
-1الشركع يفترض أف يككف ىناؾ بدء في التنفيذ كعدـ إتماـ لؤلفعاؿ ،أك عدـ حصكؿ النتيجة
لسبب خارج عف إرادة الفاعؿ ،أما االتفاؽ الجنائي فيي عبارة عف حالة نفسية تتجمى في اتحاد إرادات
المتفقيف ،كىذه الحالة النفسية ال تحتمؿ بذاتيا بداية كال نياية ،ألنيا قد تقع مف المتفقيف في لحظة كاحدة،
كالدليؿ عمى ذلؾ أف محاكلة حمؿ شخص عمى الدخكؿ في اتفاؽ كبذؿ التحريض عمى إجراء االتفاؽ ،قد
نص قانكف العقكبات المصرم صراحة بالعقاب عمييما كجنحة في حالة اتفاؽ جنائي أشد مف خط انر مف
االتفاؽ الجنائي العادم ،كلك كاف الشركع يتكفر بيما لما كانت حاجة إلى النص عمى عقابيما.
كىذا مردكد عميو بأف قانكف العقكبات المصرم لما عاقب عمى الدعكة غير المقبكلة إلى اتفاؽ جنائي
عمى ارتكاب جنايات ماسة بأمف الدكلة الداخمي المادة ( ،)97لـ يكف عقابو كاردان عمى شركع في اتفاؽ كانما
213
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .28السعيد مصطفى السعيد ،مرجع سابؽ ،ص .236عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات
كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .36عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .30طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي،
مرجع سابؽ ،ص .161عمي بدكم ،األحكاـ العامة في القانكف الجنائي ،الجزء األكؿ في الجريمة ،1938 ،ص .320بسمة سعكدم ،جريمة المؤامرة،
مذكرة مقدمة ضمف متطمبات نيؿ شيادة ماجستير أكاديمي ،جامعة العربي التبسي2016،ـ ،ص ،40منشكرة عمى المكقع االلكتركني اآلتي:
http://www.univ-tebessa.dzتاريخ الزيارة 2019/5/14 :الساعة5:20 :
انظر كذلؾ لدل :محمكد إبراىيـ إسماعيؿ ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،1959،ص .350عمي راشد ،مكجز القانكف الجنائي ،الطبعة الثانية،
،1953ص.273
105
قد ارتأل المشرع أف الدعكة غير المقبكلة إلى اتفاؽ جنائي تعتبر سمككان دكف الشركع في الجسامة ،لذلؾ أفرد
ليا نصان خاصان ،كبالتالي كؿ سمكؾ أكثر جسامة مف الدعكة إلى االتفاؽ يككف شركعان بالمعنى الصحيح.214
-2مف الكاضح أف الشركع في االتفاؽ ال يمكف تصكره ألف معنى الشركع البدء في التنفيذ أك القياـ
بأفعاؿ مادية ترمي مباشرة إلى اقتراؼ الجناية ،كجريمة االتفاؽ الجنائي في حد ذاتيا ،حتى كلك تمت ،ىي
دكف ذلؾ ،بؿ ىي دكف مرحمة الشركع ،ككنيا حالة نفسية ال تصؿ لمرتبة األفعاؿ المادية.
كىذا مردكد عميو ككف ىذا الرأم كقع في خمط غير منطقي؛ فيك ينظر إلى االتفاؽ الجنائي مف
زاكية مراحؿ الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي كىذا اعكجاج ببل ريب ،فجريمة االتفاؽ الجنائي جريمة مستقمة
قائمة بذاتيا ،ليا أركانيا التي تستقؿ بيا عف الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي ،كبالتالي إذا ما نظرنا إلى
االتفاؽ كجريمة قائمة بذاتو سنجد أنو المرحمة األخيرة مف المراحؿ التي تمر فييا الجريمة ،فبمجرد انعقاد
اإلرادات استكمؿ الركف المادم عناصره كلك لـ تنفذ الجريمة المتفؽ عمييا ،لذا مف الخطأ تصكيره أنو ال زاؿ
-3كاف مف الممكف تصكر الشركع في جريمة االتفاؽ الجنائي لك أف ركنيا المادم يتككف مف نشاط
مادم خارجي قابؿ لمتنفيذ جزئيان؛ فاالتفاؽ الجنائي يتطمب اتحاد إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب الجريمة كىذا
أمر ال يقبؿ التجزئة فإما أف تتبلقى إرادتاف عمى األقؿ ،أك ال يحدث ىذا التبلقي فبل تككف ىناؾ جريمة عمى
214
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.831
215
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .36عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .30طبلؿ
عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .161السعيد مصطفى السعيد ،مرجع سابؽ ،ص .236عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص،
مرجع سابؽ ،ص .28عمي بدكم ،األحكاـ العامة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .320بسمة سعكدم ،جريمة المؤامرة ،مرجع سابؽ ،ص.23
106
رضاء تامان في االتفاؽ الجنائي ،قامت جريمة االتفاؽ ،كاف لـ يكجد فبل مجاؿ
ن يككف إطبلقان ،فإف كاف ىناؾ
كىذا الرأم تعكزه الدقة في االستنتاج ،فبل يتفؽ الباحث معو مف حيث المبدأ القائـ عمى أساس أف
االتفاؽ الجنائي يتطمب انعقاد إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب الجريمة كبالتالي ال مجاؿ لتجزئة اإلرادات كالحكـ
عمييا فرادل ،كلكف ىذا األمر ال يتعارض مع إمكانية تصكر كقكع الشركع ،إنما يمنع مف كقكع جريمة
االتفاؽ الجنائي في صكرتيا التامة فقط؛ كبالتالي ال يصح البناء عميو كجعمو يتعارض مع تصكر كقكع
الجريمة الناقصة بما يشمؿ الجريمة الخائبة كالجريمة المكقكفة،كذلؾ في الحالة التي ال يكتمؿ في الركف
المادم لبلتفاؽ الجنائي بانعقاد إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة.
-4يجب األخذ بعيف االعتبار أف المشرع لما جرـ االتفاؽ الجنائي ،يككف قد خرج عمى المبدأ الثابت
في القانكف الجنائي بحظر العقاب عمى مجرد االتفاقات ،لذلؾ فمف غير الجائز تجاىؿ ذلؾ كميان كالتكسع في
االستثناء لحد تجريـ مجرد التداكؿ كالتفاكض الذم يتعيف أال يككف مشكبلن ألية جريمة مف جية.
كىذا النقد مردكد عميو بأنو لك سممنا جدالن بصحة ما استند عميو ،فإنو رغـ ذلؾ ال يحكؿ دكف إمكانية تصكر
مف ناحية أخرل يذىب فريؽ آخر مف الفقو كبحؽ إلى تصكر كقكع الشركع في جريمة االتفاؽ
217
الجرمي ال عقاب عميو ،كذلؾ في
الجنائي ،بحيث الشركع في االتفاؽ بكصفو صكرة مف صكر االشتراؾ ي
انظر كذلؾ لدل :محمكد إبراىيـ إسماعيؿ ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،1959،ص .350عمي راشد ،مكجز القانكف الجنائي ،الطبعة الثانية،
،1953ص.273
216
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.28
107
ظؿ القكانيف التي تأخذ بمذىب االستعارة ،كذلؾ راجع ألف االتفاؽ في ىذه القكانيف ال يعد جريمة حتى يمكف
القكؿ بإمكاف الشركع فييا ،كلكف بالنسبة لمتشريعات العقابية التي تعاقب عمى االتفاؽ الجنائي باعتباره جريمة
كرغـ ما سبؽ اختمؼ ىذا الفريؽ مف الفقو فيما يتعمؽ باشتراط أف يككف السمكؾ المككف لمشركع
قد صدر مف كال الطرفيف أـ ال ،حيث ذىب رأم أكؿ إلى تصكر الشركع في االتفاؽ الجنائي عمى صكرة
الجريمة المكقكفة كذلؾ مشركط بأف يككف السمكؾ المحقؽ لمشركع قد صدر مف كبل الطرفيف البلزميف لكجكد
االتفاؽ كلقياـ الجريمة ،كمثاؿ ذلؾ أف يعد كؿ منيما مشركع اتفاؽ مكتكب لعرضو عمى اآلخر ،أك ييكمؼ
أحدىما اآلخر بكضع ىذا المشركع فيضعو ،أما إذا كاف السمكؾ صاد انر مف أحد الطرفيف فقط دكف أف يمقى
تجاكبان مف الطرؼ اآلخر ،كالعرض الذم ال يحكز أم قبكؿ ،فبل يحقؽ الشركع في االتفاؽ الجنائي كجريمة
كبالتالي الدعكة إلى االتفاؽ التي لـ يصادفيا قبكؿ ،ال تتـ بيا ىذه الجريمة ،كتحديد إذا ما كانت ىذه الدعكة
تعد شركعان في االتفاؽ يقتضي تطبيؽ قكاعد الشركع ،فإف تكافرت أركانو لـ يكف ثمة حائؿ مف القانكف لتكقيع
العقاب عميو ،فبل مبرر لمقكؿ بأف الشركع في ىذه الجريمة غير متصكر أك غير معاقب عميو.220
217
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .486سمير الشناكم ،الشركع في الجريمة ،مرجع سابؽ ،ص .480رمسيس بيناـ،
مرجع سابؽ ،ص .830
218
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.480
219
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.830
220
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.486
108
كنتفؽ مع ما ذىب إليو الرأم األكؿ مف أنو لكي نككف أماـ جريمة اتفاؽ جنائي في صكرتيا
المكقكفة ،ال بد أف يككف السمكؾ المحقؽ لمشركع قد صدر مف كبل الطرفيف البلزميف لكجكد االتفاؽ ،فإذا كاف
قياـ الجريمة في صكرتيا التامة ال يككف إال إذا تحقؽ السمكؾ المكصكؼ في نمكذجيا القانكني مف قبؿ
شخصيف عمى األقؿ –كارادة كؿ منيما محؿ اعتبار -بقياـ كؿ منيما بمسالؾ متجانسة ،فإنو كمف باب أكلى
أيضان أنو ال قياـ لذات الجريمة في صكرتيا الناقصة إال إذا لـ يتحقؽ السمكؾ المكصكؼ في نمكذجيا
القانكني رغـ قياـ شخصاف أك أكثر بأفعاؿ تدخؿ ضمف البدء في التنفيذ ،كمعنى ذلؾ أف ىذا األخير الذم
أكقؼ قس انر ألسباب خارجة عف اإلرادة يتعيف أف يككف صاد انر مف قبؿ شخصيف عمى األقؿ ،كذلؾ ألف التعدد
ىنا يدخؿ ضمف النمكذج القانكني لمجريمة فيك ليس تعددان عرضيان ،كىذا استنتاج منطقي جدان كيترتب عمى
ذلؾ استبعاد كؿ الحاالت التي يتحقؽ فييا البدء في التنفيذ في جانب أحد أطراؼ االتفاؽ المزمع عقده ،مثؿ
محاكلة حمؿ شخص عمى الدخكؿ في اتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،أك الدعكة إلى إجراء االتفاؽ التي
كالسؤاؿ الذم يثار في ىذا المقاـ ما ىك مصير الحاالت التي ال تدخؿ ضمف نطاؽ الشركع في
االتفاؽ الجنائي عمى سبيؿ المثاؿ ال الحصر حالة الدعكة إلى إجراء اتفاؽ الرتكاب جناية أك جنحة كلكف
221
جرمت بعض التشريعات العربية الدعكة لبلتفاؽ الجنائي ،مقدرة الخطكرة اإلجرامية لدل الجاني الذم يدعك إلى االتفاؽ عمى ارتكاب "بعض الجرائـ"
الكاقعة عمى أمف الدكلة ،كذلؾ إذا لـ تقبؿ دعكتو كمف ىذه التشريعات قانكف العقكبات المصرم كذلؾ في المادة ( )97التي نصت عمى أنو (كؿ مف دعا
آخر إلى االنضماـ إلى اتفاؽ يككف الغرض منو ارتكاب جريمة مف الجرائـ المنصكص عمييا في المكاد 87-89-90مكرر ،كالمكاد مف 91إلى 94
مف ىذا القانكف يعاقب بالحبس إذا لـ تقبؿ دعكتو).
109
لما كنا قد كصمنا إلى أف جريمة االتفاؽ الجنائي جريمة فاعؿ متعدد كبالتالي فإنيا في صكرتيا
المكقكفة أيضان ستبقى جريمة فاعؿ متعدد ،كبالتالي فإف الحاالت التي ال تدخؿ ضمف البدء في التنفيذ يصدؽ
كصفيا بحاالت الفاعؿ الكحيد ،كلكف العقاب عمييا مف عدمو مرتبط بمدل خضكعيا لنصكص التجريـ
كالعقاب ،كبالنظر في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،كجدنا أف تمؾ الحاالت ترقى لمصاؼ جريمة
كاممة األركاف قائمة بذاتيا أال كىي جريمة التحريض ،فالتحريض كجريمة مستقمة يعد جريمة فاعؿ كحيد
"الم ً
حرض" ،كيظير ذلؾ جميان مف نص المادة يتحقؽ السمكؾ المكصكؼ في نمكذجيا القانكني شخص كاحد ي
( )31كالتي جاءت بقكليا" :كؿ مف حاكؿ حمؿ غيره أك حاكؿ تحريضو أك تشكيقو عمى ارتكاب فعؿ أك ترؾ
في فمسطيف أك في الخارج ،ككاف ذلؾ الفعؿ أك الترؾ ،فيما لك تـ كقكعو ،يعد جرمان بمقتضى شرائع فمسطيف
أك الشرائع المعمكؿ بيا في الببلد التي كاف في النية ارتكاب الفعؿ أك الترؾ فييا ،يعتبر مجرمان بنفس الجرـ
كيعاقب بنفس العقكبة التي يعاقب بيا فيما لك حاكؿ بنفسو ارتكاب ذلؾ الفعؿ أك الترؾ في فمسطيف ،أكاف ىك
الذم حاكؿ ارتكاب الفعؿ أك الترؾ أـ الشخص اآلخر الذم حممو أك حرضو أك شكقو."...
بتدقيؽ النظر في مضمكف النص السابؽ يجػد البػاحث أف المشرع الجزائي اعتبر المحرض مسئكالن
الم ىحرض عميو كأنو يعاقب بالعقكبة المقررة لمشركع في ذلؾ الجرـ فيما لك حاكؿ بنفسو
جزائيان عف ذات الجرـ ي
ارتكاب ذلؾ الفعؿ أك الترؾ في فمسطيف ،كىذا يقطع بشكؿ كاضح ال يدع مجاالن لمشؾ بأنو ينبغي أف يككف
المحرض عميو متصكر أف يقع فيو الشركع كيتضح ذلؾ مف قكؿ المشرع -كيعاقب بنفس العقكبة فيما
الجرـ ي
ي
لك حاكؿ بنفسو ارتكاب ذلؾ الفعؿ أك الترؾ في فمسطيف ،-فكممة "حاكؿ" يقصد بيا جريمة المحاكلة الكاردة
بنص المادة ( ،)30كلما كنا قد كصمنا إلى أف جريمة االتفاؽ الجنائي يتصكر فييا الشركع؛ بناء عمى ذلؾ
المحرض مف كراءه
فإف كؿ مف حاكؿ حمؿ غيره أك حاكؿ تحريضو أك تشكيقو عمى مشركع إجرامي ييدؼ ي
110
إلى االتفاؽ عمى تنفيذه ،يعد مرتكبان لجريمة التحريض كيعاقب بالعقكبة المقررة في حالة الشركع في الجرـ
مكضكع االتفاؽ المزمع عقده ،لذلؾ تدخؿ حالة الدعكة إلى االنضماـ إلى اتفاؽ جنائي أك مجرد التحريض
كيشترط لقياـ التحريض عمى االتفاؽ الجنائي كجكد دعكة حقيقية جدية صريحة محددة اليدؼ
الطرؼ اآلخر ،222كنخطئ إذ نقكؿ أف الدعكة قد حصمت لمجرد صدكر تعبيرات غامضة تفيد أكثر مف
معنى ،أك لمجرد إفصاح الشخص عف انتكائو ىك أك الغير عمى ارتكاب جريمة ،أك عف اتفاقو الجنائي عمييا،
مادامت األقكاؿ حديثان عف النفس أك الغير ،كال تتضمف عرضان باالنضماـ إلى السامع نفسو.223
كيستكم في ذلؾ التحريض أف يككف دعكة إلى تككيف اتفاؽ أك االنضماـ إلى اتفاؽ قائـ أك سبؽ
قيامو ،كيمكف القكؿ بأنو إذا ما القت دعكة المحرض قبكالن فإف االتفاؽ الجنائي ينعقد كتقكـ الجريمة كيمسي
ليحؿ مكانيا الشريؾ في االتفاؽ ،كلكي تبقى صفة المحرض قائمة ،يتعيف أال تمقى دعكتو القبكؿ مف
المحرض ،كعدـ القبكؿ قد يككف بالرفض الصريح أك الضمني ،كيدخؿ في الرفض الضمني التظاىر غير
الجدم بقبكؿ االتفاؽ لتمكيف السمطات مف الكقكؼ عمى ما يدبر مف اتفاقات كالقبض عمى الجناة ،كقد يككف
عدـ القبكؿ بمجرد السككت كلك كاف مرجعو إلى التردد في قبكؿ الدعكة أك رفضيا ،فينا ال يمزـ مكقؼ
إيجابي برفض الدعكة ،كانما يكتفى بالمكقؼ السمبي المتجمي بعدـ القبكؿ ،إذ ليس ىناؾ أىمية في أف تككف
222
بسمة سعكدم ،مذكرة مقدمة ضمف متطمبات نيؿ شيادة ماجسيتر أكاديمي ،مرجع سابؽ ،ص.25
223
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.32
224
بسمة سعكدم ،مرجع سابؽ ،ص.25
111
كيراد ضـ المدعك إلى الدخكؿ كاالنضماـ إليو ،فالتحريض
الدعكة إلى اتفاؽ جنائي لـ ينشأ بعد ،أك اتفاؽ قائـ ي
كقد يقع البعض في الخمط ىنا ما بيف الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي كبيف االتفاؽ الجنائي نفسو
فيما يتعمؽ بالمكضكع الذم ينصب عميو التحريض ،لذا ينبغي االنتباه إلى أف التحريض عمى االتفاؽ ،يرد
عمى االتفاؽ الجنائي نفسو كبالتبعية يرد عمى الجناية أك الجنحة مكضكع االتفاؽ ،كلكف في الحالة التي يككف
نككف أماـ تحريض عمى التآمر ،ففرؽ بيف أف نقكؿ جريمة تحريض عمى القتؿ كبيف تحريض عمى االتفاؽ
عمى القتؿ؛ ككف المحرض في الثاني يحرض عمى جريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،كبالتالي يعاقب بالعقكبة
كيحمد لممشرع مسمكو السابؽ القائـ عمى القضاء عمى الجريمة كىي في بذكرىا األكلى ،كبالتالي
المرتكب يدخؿ في سياؽ التحريض أك الحمؿ أك التشكيؽ فإنو يقكـ بو جرـ مستقؿ قائـ بذاتو
طالما أف الفعؿ ي
يعاقب عميو سكاء لقي قبكالن مف المحرض أـ لـ يمؽ ،كسكاء أفضى إلى نتيجة أـ لـ يفض ،كمسئكلية
حرض ،فاألكؿ يعاقب سكاء لبى المحرض دعكتو أـ لـ يمبيا ،كسكاء اقترؼ ً
الم ى
المحرض مستقمة عف مسئكلية ي
ي
التساؤؿ ىنا ،ىؿ إجراء المفاكضات كالمدارسات كالمناقشات التي تسبؽ االتفاؽ الجنائي
ّ كيثار
225
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .32
112
جريمة االتفاؽ الجنائي في الغالب ما يسبقيا إجراء مفاكضات كمناقشات مف قبؿ أطرافيا المحتمميف
قبؿ انعقاد إرادتيـ عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،كتحديد فيما إذا كانت ىذه المفاكضات أك المناقشات إذا
ابتداء التعرؼ
ن أكقفت أك خاب أثرىا تدخؿ ضمف مدلكؿ البدء في تنفيذ جريمة االتفاؽ الجنائي أـ ال يقتضي
عمى مدلكؿ البدء في التنفيذ في جريمة الشركع عمكمان كفقان ألحكاـ قانكف لعقكبات رقـ (1936 )74ـ
لقد استخدـ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ مصطمح المحاكلة بدالن مف الشركع،
كقد جاءت المادة ( )1/30مف ذات القانكف تعرؼ المحاكلة بقكليا" :يعتبر الشخص بأنو حاكؿ ارتكاب الجرـ
إذا ما شرع في تنفيذ عمى ارتكاب ذلؾ الجرـ باستعماؿ كسائؿ تؤدم إلى كقكعو ك أظير نيتو ىذه بفعؿ مف
األفعاؿ الظاىرة ،كلكنو لـ يتمكف مف تنفيذ نيتو ىذه إلى حد إيقاع الجرـ".
كيظير مف النص السابؽ أف المشرع قد عرؼ المحاكلة كفؽ منظكر المذىب الشخصي ،كلـ تتجو
إرادتو حينما عرؼ المحاكلة بالشركع أف تككف مرادفة لو ،فالمحاكلة التي عرفتيا المادة ( )30يدخؿ في
نطاقيا األفعاؿ الظاىرة التي تؤدم إلى كقكع الجريمة حتى كاف لـ تكف ضمف السمكؾ المككف لمركف المادم،
كما أضافت المادة ( )30كىي بصدد تعريؼ المحاكلة قكليا كأظير نيتو ىذه بفعؿ مف األفعاؿ الظاىرة،
كيقصد باألخيرة ىنا كؿ فعؿ يتعدل مرحمة التفكير كالعزـ كيظير إلى الكجكد كال يشترط أف يدخؿ ضمف
الركف المادم لمجريمة ،كما ال يشترط أف يككف فعبلن تنفيذيان يسبؽ السمكؾ المككف لمركف المادم ،كبذلؾ يدخؿ
مفيكـ األفعاؿ الظاىرة األعماؿ التحضيرية ،ألنيا تككف قد ظيرت مف خبلؿ الفعؿ كتعدت مرحمة التفكير
226
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.21
113
كبناء عمى ما سبؽ ،فإف جميع األفعاؿ المتكاجية التي تسبؽ انعقاد االتفاؽ الجنائي تدخؿ ضمف
مدلكؿ البدء في التنفيذ ،طالما أظير كؿ طرؼ -في االتفاؽ المزمع عقده -نيتو عمى إجراء اتفاؽ جنائي،
بأم فعؿ مف األفعاؿ الظاىرة ،كلكنو لـ يتمكف مف تنفيذ نيتو إلى حد إيقاع الجريمة ،كلكف يشترط أف تصدر
ىذه األفعاؿ الظاىرة ،مف كبل الطرفيف البلزميف لكجكد االتفاؽ كلقياـ الجريمة ،كذلؾ أننا إزاء جريمة فاعؿ
متعدد ذات مسالؾ متجانسة كما سبؽ كأف ذكرنا ،كتطبيقان لذلؾ فإف المفاكضات كالمناقشات التي تجرم بيف
أطراؼ االتفاؽ المزمع عقده ،تعد مقدمة منطقية تميد لكالدة االتفاؽ ،كبالتالي تدخؿ ضمف دائرة األعماؿ
التنفيذية التي ال تدخؿ ضمف الركف المادم لمجريمة كلكنيا تؤدم مباشرة كحاالن إلى كقكع الجريمة ،تعد شركعان
في جريمة االتفاؽ الجنائي كفقان لنص المادة ( )30مف قانكف العقكبات.
كتطبيقان لذلؾ ،يتحقؽ الشركع في ىذه الجريمة عندما يجتمع شخصاف فأكثر لمتدارس كالنقاش في
مشركع االتفاؽ فتباغتيـ قكات البكليس كىـ عمى تمؾ الحالة مما يحكؿ عمميان بينيـ كبيف قياـ جريمة االتفاؽ
و
حينئذ يشكؿ بدءان في التنفيذ. الجنائي ،عمى اعتبار أف فعميـ
كيعد شركعان في اتفاؽ جنائي قياـ كؿ طرؼ بإعداد مشركع اتفاؽ مكتكب عمى جناية أك جنحة
لعرضو عمى اآلخر أك أف يكمؼ أحدىما اآلخر بإعداد ىذا المشركع فيعده ،227ككف أف مدلكؿ المحاكلة كما
أكضحنا يتسع ليشمؿ جميع األفعاؿ الظاىرة التي تؤدم إلى كقكع الجريمة حتى كاف لـ تكف ضمف السمكؾ
المككف لمركف المادم ،كبذلؾ يدخؿ في مفيكـ األفعاؿ الظاىرة األعماؿ التحضيرية؛ ألنيا الخطكة األكلى في
تنفيذ النية.228
227
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.830
228
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.21
114
ملطًب ي بع
اتجيت كثير مف التشريعات الجنائية إلى خمؽ حافز لتشجيع الجاني عمى عدـ المضي في مشركعو
اإلجرامي حتى نيايتو ،فنصت عمى إعفائو مف العقاب إذا ىك عدؿ بإرادتو عف الجريمة التي بدأ في تنفيذىا،
كعمى ضكء ذلؾ فيما يتعمؽ بجريمة االتفاؽ الجنائي قد يحدث كأف يقكـ الجناة كميـ أك بعضيـ بالعدكؿ قبؿ
تنفيذ الجريمة أك الجرائـ المتفؽ عمييا ،بإرادتيـ الحرة دكف أم ضغكط أك عكامؿ خارجية ،فما مصيرىـ كىذه
الحالة ،ىؿ يتـ إعفائيـ مف العقاب كفقان ألحكاـ قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،قبؿ اإلجابة عمى
ذلؾ سنقكـ بإيجاز ببياف المقصكد بالعدكؿ االختيارم كالمحظة التي ينتج فييا أثره ،كعمى ضكء ذلؾ نحدد فيما
إذا كانت ىذه الحالة تعد عدكالن اختياريان أـ ال ،ثـ ننتقؿ تباعان لعرض مكقؼ المشرع في قانكف العقكبات رقـ
يف ع ٍٚ
العدكؿ االختيارم عف إتماـ الجريمة ىك عدكؿ الجاني بمحض إرادتو الحرة ،دكف أف يككف ذلؾ راجعان إلى
ضغكط أك عكامؿ خارجية مستقمة عف إرادتو ،سكاء أكانت مادية أـ معنكية ،229كعرفو البعض بأنو الحالة
229
جبلؿ ثركت ،مرجع سابؽ ،ص .301محمد عمي السالـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص .158رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .731سمير الشناكم،
مرجع سابؽ ،ص.345
115
التي يعدؿ فييا الجاني بمحض إرادتو الحرة عف المضي في الجريمة التي بدء في تنفيذىا كذلؾ قبؿ
تماميا.230
كيتضح مف التعريؼ السابؽ أف العدكؿ يككف اختياريان إذا كاف كليد قرار حر مف قبؿ الجاني بعد أف
شرع في ارتكاب الجريمة ،فإذا كانت ىناؾ عكامؿ خارجية ،مستقمة عف شخصيتو ،كجيت إرادتو ىذه الكجية،
فينا يعد العدكؿ اضط ارريان ،بعبارة أخرل إذا كاف العدكؿ مرده أسباب خارجية أثرت في إرادة الجاني فإف
عمى أنو يدؽ كيصعب مف الناحية العممية البت فيما إذا كاف العدكؿ عف إكماؿ الجريمة مف جانب
الشارع فييا ،يعتبر راجعان إلى إرادتو أـ إلى ظرؼ خارج عف اإلرادة ،كلكف رغـ ذلؾ يرل البعض كبحؽ أف
العدكؿ يعتبر راجعان إلى إ رادة الفاعؿ إذا لـ يكف ثمرة اضطرار ناشئ مف عامؿ خارجي كجد في محيط
السمكؾ أك تخيؿ الفاعؿ كجكده ،232ككذلؾ يميؿ الباحث إلى أف العدكؿ يككف إراديان كمما كاف باإلمكاف
اإلقداـ كاتماـ الجريمة ،كيترؾ تقدير ذلؾ لقاضي المكضكع بناء عمى كؿ حالة عمى حدة.233
كمما تجدر اإلشارة إليو أف السياسة الجنائية الحديثة تتجو نحك عدـ العقاب عمى العدكؿ االختيارم
كحافز لحث كتشجيع الجاني إلى التراجع عف المضي في مشركعو ،234ككؿ ذلؾ تشجيعان عمى عدـ ارتكاب
الجريمة كتدعيمان لمعكامؿ المانعة مف اإلجراـ في مكاجية العكامؿ الدافعة إليو ،ككذلؾ عدـ العقاب عمى
230
-ىبللي عبدالبله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص.156
231
سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .226ىبللي عبدالبله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص .157ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ
العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص .262جبلؿ ثركت ،مرجع سابؽ ،ص .301رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .731سمير
الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص .345محمد زكي أبك عامر ،مرجع سابؽ ،ص .177عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،2010 ،ص.41
232رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.731
233
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.25
234
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.344
116
العدكؿ االختيارم يصب في صالح المجتمع حيث يترؾ لمجاني فرصة لمتكبة كسبيبلن لمعكدة إلى السمكؾ
الشريؼ.235
حيث أف المشرع يقدـ مكافأة لمف أكقؼ تمقائيان سمككو اإلجرامي ،أك أحبط طكاعية نتيجة ىذا السمكؾ،
بأف يقرر الشارع إعفاءه مف العقاب عمى السمكؾ ذاتو ،رغـ أنو سمكؾ تحقؽ بو -قبؿ اإليقاؼ أك قبؿ
اإلحباط -الركناف البلزماف العتباره شركعان معاقبان عميو ،الركف المادم كىك ككف كقكع الجريمة صار قكم
االحتماؿ ،كالركف المعنكم كىك أف صاحبو كاف يقصد بو ارتكاب ىذه الجريمة ،كليست تمؾ المكافأة سكل
سياسة تشريعية تيدؼ إلى تشجيع الجناة عمى إيقاؼ سمككيـ اإلجرامي أك إحباط نتيجتو اإلجرامية مف تمقاء
أنفسيـ ،إذا شاءكا ألنفسيـ النجاة مف العقاب ،236كالعدكؿ االختيارم متصكر في نكعي الشركع كؿ ما ىنالؾ
أنو إذا كاف الشركع ناقصان "الجريمة المكقكفة" ،فإف العدكؿ يتخذ صكرة مكقؼ سمبي ،بينما يتخذ صكرة مكقؼ
إيجابي في الشركع التاـ "الجريمة الخائبة" ،237كال يتفؽ الباحث مع ما ذىب إليو البعض مف العدكؿ
كذىب البعض إلى أف العدكؿ االختيارم عف الجريمة مرتبط ارتباطان كثيقان بالجرائـ التي تقبؿ فكرة
الشركع ،بمعنى آخر الجرائـ ذات النتيجة كذلؾ ألف صكرتو مفادىا بدء الجاني في تنفيذ الجريمة كلكف
النتيجة اإلجرامية لـ تتحقؽ لعامؿ ذاتي مرده إرادة الجاني الحرة كأسباب نفسية خالصة جعمتو يتخذ ق ارره في
حرية تامة بعدـ المضي في إتماـ الجريمة مما يعني أف الجاني عدؿ ح انر مختا انر عف إكماؿ نشاطو ،أما
232
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.263
236
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.731
237
خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص.274
238
عمي بدكم ،األحكاـ العامة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.265
117
الجرائـ ذات السمكؾ المجرد فبل مجاؿ إلمكانية الحديث عف عدكؿ اختيارم فييا كذلؾ ألف الجريمة تككف قد
كقعت بصكرة كاممة بمجرد ارتكاب السمكؾ اإلجرامي مما يعني أنيا ال تقبؿ فكرة الشركع.239
كلكف ىذا االتجاه تعكزه الدقة ،حيث نتفؽ معو فيما يتعمؽ باالرتباط الكثيؽ بيف العدكؿ االختيارم
كبيف الجرائـ التي تقبؿ فكرة الشركع ،كلكف ال يكافقو الباحث فيما ذىب إليو مف أف الجرائـ ذات السمكؾ
المجرد ال عدكؿ اختيارم فييا ،كذلؾ بالتبعية لعدـ قبكليا فكرة الشركع؛ فيذا محؿ نظر باعتبار أف الجرائـ
ذات السمكؾ المجرد ال تقبؿ بطبيعتيا التحقؽ عمى صكرة الجريمة الخائبة فقط؛ ألنو بمجرد إتياف السمكؾ
المككف ليا في ذاتو ،تقع كاممة كجريمة سمكؾ مجرد بما ال محؿ معو لمكبلـ عف الخيبة ،كلكف مف المتصكر
فييا تكافر الشركع بصكرة الجريمة المكقكفة ،240فضبلن عف ذلؾ ،ىذا الرأم قدـ تصك انر قاص انر لمفيكـ العدكؿ
كذلؾ بجعمو قاص انر عمى العدكؿ الذم يككف في صكرة إحباط النتيجة اإلجرامية بمحض اإل اردة الحرة ،في
حيف أف العدكؿ االختيارم أيضان يرد عمى السمكؾ اإلجرامي نفسو كيأخذ صكرة اإليقاؼ التمقائي لذلؾ السمكؾ،
239
محمكد محمكد مصطفى ،مرجع سابؽ ،ص .450خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .274سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ،
مرجع سابؽ ،ص.208
240
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.738
118
يف ع يثاْٞ
كال بد مف األخذ بعيف االعتبار أف العدكؿ االختيارم ال ينتج أثره إال إذا كقع قبؿ تماـ الجريمة ،كقبؿ
تكافر أركاف الشركع بكقؼ التنفيذ أك خيبة األثر ألسباب ال ترجع إلرادة الجاني ،241أما إذا كقع نككص
الجاني بعد ذلؾ ،فإننا ال نككف بصدد عدكؿ-بمعناه الصحيح ،-كانما بصدد تكبة إيجابية ليس مف شأنيا أف
تحكؿ دكف عقاب الجاني عمى ما أتاه مف أفعاؿ ،242فالعدكؿ بعد تماـ الجريمة كتحقؽ آثارىا ىك الذم يطمؽ
بناء عمى ما سبؽ ،إذا كاف المتفقكف قد عدلكا عدكالن طكعيان عف تنفيذ اتفاقيـ الجنائي ،فيؿ يؤدم
لقد أثارت ىذه المسألة خبلفان فقييان ،فذىب رأم في الفقو إلى القكؿ بأف العدكؿ عف االتفاؽ ال يعفي
الجاني مف المبلحقة الجزائية كالعقاب ،فاالستقبلؿ الذم يقرره القانكف لجريمة االتفاؽ الجنائي يستتبع التمييز
بيف ركنيا المادم كالركف المادم لمجريمة المتفؽ عمييا ،فبانعقاد اإلرادات يتكافر االتفاؽ ،كيستكمؿ الركف
المادم عناصره كلك لـ تنفذ الجريمة المتفؽ عمييا ،كيترتب عمى ذلؾ أف عدكؿ المتفقيف كعزكفيـ عف تنفيذ
الجرائـ المتفؽ عمييا ال يحكؿ دكف العقاب عمى جريمة االتفاؽ الجنائي ،إذ ال يمس ىذا العدكؿ الركف المادم
241
ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص .160رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص .731ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات،
الجزء األكؿ ،المرجع السابؽ ،ص .264محمد زكي أبك عامر ،مرجع سابؽ ،ص.176
242
محمكد محمكد مصطفى ،مرجع سابؽ ،ص .264خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .279ساىر إبراىيـ الكليد ،مرجع سابؽ ،ص.264
عمر خكرم ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.41
243
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.357
119
الذم تكافرت جميع عناصره ،244فجريمة االتفاؽ الجنائي تقع تامةن بمجرد انعقاد اإلرادات ،كال عبرة بعد ذلؾ
245
لعدكؿ المتفقيف
حيث أف ذلؾ العدكؿ كالعزكؼ عف ارتكاب الجريمة المقصكدة باالتفاؽ ال يؤدم مطمقان إلى سقكط
االتفاؽ مف الناحية القانكنية ،عمى اعتبار أف المرء ال يمكف أف يعدؿ طكعان عف جريمة يككف قد ارتكبيا مف
و
حينئذ ينصرؼ في الحقيقة إلى عدـ اقتراؼ جريمة أخرل كىي الجريمة المقصكدة قبؿ ،كألف العدكؿ االختيارم
باالتفاؽ ،كبالتالي يمكف اعتبار ىذا العدكؿ الطكعي عف تنفيذ مخطط االتفاؽ تكبة كندما لمجناة246كلكف
التكبة كالندـ كما ىك معركؼ ال أثر ليا كبعد ارتكاب الجريمة ال عمى قياـ المسئكلية الجنائية كال عمى
العقاب.247
في حيف يرل بعض الفقو عدـ معاقبة مف يعدؿ مف المتفقيف كيستند إلى أف العدكؿ عف االتفاؽ قبؿ
التنفيذ يعني أنو ليس ىنالؾ مف اتفاؽ تاـ منعقد بصكرة نيائية بيف المتفقيف ،ككذلؾ عدكؿ المتفؽ معناه أف
اتفاقو كاف عرضيان ،كالمشرع ال يجرـ االتفاؽ العرضي ،كلكنو يجرـ االتفاؽ الذم يدكـ كيستمر حتى يكتشؼ،
فضبلن عف ذلؾ فإف االتفاؽ الذم ييعدؿ عنو اتفاؽ تافو كغير خطر كال يستأىؿ مف عدؿ عنو المساءلة
الجنائية ،كينتيي ىذا الرأم إلى القكؿ بأف معاقبة المتفقيف الذيف عدلكا عف اتفاقيـ معناه أننا أغمقنا في كجو
أمثاؿ ىؤالء باب التكبة كلدفعناىـ دفعان إلى الشركع بتنفيذ ما عقدكا النية عمى تنفيذه كالى االستماتة في سبيؿ
244
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .489رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.827
245
عماد عبيد ،المرجع السابؽ ،ص.20
246
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.37
247
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص .375محمد زكي أبك عامر ،مرجع سابؽ ،ص .176محمكد محمكد مصطفى ،مرجع سابؽ ،ص.264
خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .279ساىر إبراىيـ الكليد ،مرجع سابؽ ،ص264
120
نجاح مشركعيـ اإلجرامي طالما أف األمؿ غير مكجكد في نجاتيـ مف العقاب إال بتنفيذ اتفاقيـ
كىذا الرأم تعكزه الدقة ككف المشرع المصرم لـ يشترط في االتفاؽ أف يبقى مستم انر لغاية كقكع
الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي ،بؿ أف المشرع يعاقب عمى االتفاؽ منذ لحظة انعقاد اإلرادات فمنذ تمؾ
المحظة تقكـ جريمة االتفاؽ الجنائي ،لذا يككف مف غير الدقيؽ تصكير األمر بأنو عقاب عمى العدكؿ
االختيارم ،ككف ذلؾ فيو تجاىؿ ألحد شركط العدكؿ االختيارم كالمتمثؿ بأف يككف سابقان عمى تماـ الجريمة
فبل يكفي فيو أف يككف بمحض اإلرادة الحرة ،كبناء عمى ذلؾ إذا ما تـ العدكؿ بعد لحظة تماـ الركف المادم
فإننا نككف أماـ تكبة إيجابية كما سبؽ كأف أكضحنا ،أما فيما يتعمؽ بأف العقاب عمى العدكؿ االختيارم عف
االتفاؽ الجنائي ،يترتب عميو سمبيات خطيرة ،فإف ىذا النقد يستند إلى اعتبارات عممية ،كىذه االعتبارات ال
كفي ذات السياؽ ذىب رأم في الفقو إلى عدـ معاقبة المتفقيف العادليف طكعان عف تنفيذ مخططيـ
اإلجرامي باالستناد عمى أسس قانكنية مختمفة ،حيث يرل بأف "العدكؿ الطكعي مف قبؿ المتفقيف يسقط
المسئكلية الجنائية .كيستند في رأيو إلى سببيف ،أكليما منطقي كيكمف في تجريـ االتفاؽ ىك نكع مف التجريـ
الكقائي لـ يمجأ إليو المشرع عمى اعتبار أنو ىك الذم يستحؽ التجريـ في ذاتو ،بقدر ما ىك احتراز منو لما
يمكف أف يؤدم إليو ىذا االتفاؽ مف اقتراؼ جرائـ أخرل ،فيككف كالحالة ىذه عدكؿ الجناة طكعيان عف
248
الرأم السائد في الفقو الفرنسي يرل أال عقاب عمى عدكؿ المتفقيف عف تنفيذ الجريمة مكضكع االتفاؽ ،انظر لدل :عماد عبيد ،قانكف العقكبات
الخاص ،مرجع سابؽ ،ص. 20عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،مرجع سابؽ ،ص .30 -29أحمد صفكت بؾ ،شرح القانكف الجنائي،
مرجع سابؽ ،ص.396
121
تنفيذ الجريمة المقصكدة بمشركعيـ اإلجرامي دليبلن عمى أف الخطكرة التي قامت كىددت المصمحة التي رأل
المشرع حمايتيا بالعقاب عمى التآمر قد انمحت ،كتككف بالتالي العمة مف العقاب قد انتفت ،كىذا ما يفرض
تبعان لذلؾ اإلعفاء مف ىذا األخير ،249أما ثاني األسباب فيك في نظره عممي صرؼ ،كيقكـ عمى أف اإلعفاء
مف العقاب في حالة العدكؿ الطكعي عف تنفيذ الجرائـ المقصكدة مف االتفاؽ فيو تشجيع لمجناة عمى التراجع
عف إتماـ تنفيذىـ ليا ،ألنيـ إذا عرفكا مسبقان بأف عقابيـ كاجب كمحقؽ سكاء عدلكا أـ تمادكا في التنفيذ ،فإف
ذلؾ سيدفعيـ حتمان ،إلى إكماؿ مخططيـ اإلجرامي عمى أمؿ النجاة مف العقاب فيما إذا ىـ نجحكا في
تحقيقو.250
كيرل الباحث أنو إذا كاف امتناع عقاب المتفقيف الذيف عدلكا عف تنفيذ الجرائـ المستيدفة باتفاقيـ
الجنائي أك في األقؿ إعفاءىـ مف العقاب ،مما يفرضو فعبلن منطؽ المحافظة عمى أمف كاستقرار المجتمع،
كتشجيع الجناة عمى التراجع عف تنفيذ جرائـ ىي بالمقارنة أخطر مف مجرد االتفاؽ الجنائي ،فإنو مع ذلؾ
يجب أف نعترؼ بأنو ال يقكـ عمى أساس قانكني ،ذلؾ أف العدكؿ الطكعي في ىذه الحالة ال يمكف أف يعتبر
الحجة األكلى :كىي أف االتفاؽ الجنائي يككف قد قاـ قانكنان بمجرد انعقاد اإلرادات بيف شخصيف
فأكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،251مما يعني معو أف نككص الجاني قد كقع عقب قياـ جريمة متكاممة
249
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ.20،
250
عبد الكىاب حكمد ،مشار إليو لدل :عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص.38
251
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص .296رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع
سابؽ ،ص.825
122
األركاف ،كبالتالي ال نككف إال بصدد تكبة إيجابية ليس مف شأنيا أف تحكؿ دكف عقاب الجاني عمى ما أتاه
مف أفعاؿ ،252فالعدكؿ بعد تماـ الجريمة كتحقؽ آثارىا ىك الذم يطمؽ عميو التكبة اإليجابية.253
الحجة الثانية :لكي يككف السبب مسقطان لممسئكلية الجنائية عمكمان ،كجب أف يتناكؿ الركف المعنكم
لمجريمة ،كفي حالتنا ىذه فإف العدكؿ االختيارم ليس كذلؾ أبدان ،كعميو كالى حيف تدخؿ المشرع لتقرير
اإلعفاء مف العقاب أك امتناعو بنص صريح ،ال يبقى لممتفقيف العادليف ممجأن لمتخفيؼ مف العقاب في حالة
عدكليـ طكعان عف تنفيذ ما تـ االتفاؽ عميو مف جرائـ ،سكل االلتجاء إلى طمب االستفادة مف الظركؼ
المخففة القضائية ،عمى اعتبار أ ٌف عدكليـ الطكعي في ىذه الحالة ،يجعؿ الجزاء المقرر في الجريمة قاس
بالنسبة لخطكرة األفعاؿ المرتكبة مف قبميـ ،كما أف العدكؿ االختيارم يؤكد انتفاء الخطكرة اإلجرامية لدل
المتفقيف العادليف.254
يف ع يثايث
يعل ٍٚالخ ٝاي ٟيف قاْ ٕٛيعكٛبا يقِ ( )74ي ّٓ1936 ١
يعتبر قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ المطبؽ في قطاع غزة مف القكانيف التي يغمب عمييا
الطابع النظاـ األنجمكسكسكني ،255كما يميز العديد مف التشريعات التي تأخذ بيذا النظاـ كتدكر في فمكو،
أنيا ال تميز بيف العدكؿ االختيارم عف الجريمة كالعدكؿ اإلجبارم ،بحيث يككف الجاني مستحقان لمعقاب عمى
252
محمكد محمكد مصطفى ،مرجع سابؽ ،ص .264خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ص .279ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف
العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.264
253
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.357
254
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .41-40-39
255
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ص.29
123
الشركع إذا لـ تتـ الجريمة التي قصد ارتكابيا ما داـ قد بدأ في تنفيذىا ،حتى لك كاف عدـ تماـ الجريمة راجعان
إلى محض إرادتو الحرة كرغبتو الصادقة في عدـ المضي في إتماميا ،256فالعدكؿ االختيارم في ىذا النظاـ
ال يمنع مف تكافر أركاف جريمة الشركع كال يؤثر عمى كـ العقكبة المقررة لو ،باعتبار أف الشركع جريمة
تامة.257
كقد جاء قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ في ىذا االتجاه ،إذ لـ يعتد بالعدكؿ االختيارم،
كلذلؾ لـ يرتب عميو اإلعفاء مف العقاب ،كلكنو في نفس الكقت جعؿ لمعدكؿ أث انر في السمطة التقديرية
لمقاضي عند تطبيؽ العقكبة ،قد تنتيي إلى التخفيؼ أك اإلدانة مع كقؼ التنفيذ ،كيظير ذلؾ جميان في
المادة( )2/30مف ذات القانكف التي نصت بقكليا ":ال عبرة إال فيما يتعمؽ بالعقكبة ،سكاء أقاـ ذلؾ الشخص
بكؿ ما ىك ضركرم إلتماـ ارتكاب الجرـ أـ لـ يقـ بذلؾ كسكاء أحالت دكف تنفيذ نيتو بتماميا ظركؼ لـ يكف
فييا مختا انر ،أـ عدؿ مف تمقاء نفسو عف متابعة تنفيذ نيتو".
كما يميز المادة السابقة أنيا لـ تقتصر عمى مجرد العدكؿ بعد البدء في التنفيذ بمعناه الضيؽ ،كانما
متى بدأ الجاني بتنفيذ نيتو ،كىك األمر الذم يشمؿ األعماؿ التنفيذية المؤدية إلى ارتكاب الجريمة التي تسبؽ
السمكؾ كعنصر في الركف المادم لمجريمة ،كىنا تظير بجبلء مبلمح اعتناؽ المشرع ألفكار المذىب
الشخصي في العدكؿ االختيارم ،حيث إف األثر المتمثؿ في عدـ اإلعفاء مف العقاب إنما يرجع إلى اعتداد
256
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.369
257ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع سابؽ ،ص.156
258
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.29
124
كىذا يعني في رأم الباحث أف الحالة التي يقكـ فييا شخصيف أك أكثر بإجراء مفاكضات كمناقشات
إلجراء اتفاؽ جنائي عمى جناية أك جنحة ،ثـ عدكؿ بعضيـ أك جميعيـ عف عقد االتفاؽ الجنائي ،معاقب
عمييا باعتبار أف المشرع ساكل بيف العدكؿ االختيارم كالعدكؿ اإلجبارم ،كىذا أمر لو تبعة خطرة جدان ككنو
يشجع الجناة كيدفعيـ إلى إكماؿ مشركعيـ اإلجرامي .كؿ ذلؾ طالما أننا أغمقنا في كجو أمثاؿ ىؤالء باب
التكبة كدفعناىـ دفعان إلى الشركع بتنفيذ ما عقدكا النية عمى تنفيذه كالى االستماتة في سبيؿ نجاح مشركعيـ
اإلجرامي إذا لـ يعد أماميـ أمؿ النجاة مف العقاب إال بتنفيذ اتفاقيـ كاقتراؼ الجريمة التي كطدكا العزـ عمى
ال شؾ أف مسمؾ قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ الذم تييمف عميو أفكار المذىب
الشخصي في ىذا المكضكع ،أدل إلى تجاكز كثير مف االعتبارات الفقيية كالعممية التي كاف مف البلزـ عمى
المشرع أف يضعيا في تقديره ،فالمشرع الجنائي قد استند حينما نص عمى تجريـ الشركع كالعقاب عميو إلى
مبررات منطقية تنتفي جميعيا في حالة العدكؿ االختيارم ،فإذا كانت قكاعد العدالة تستمزـ أال يفمت الفاعؿ
مف العقاب لمجرد تدخؿ عكامؿ قيرية كطارئة لكالىا لتمت الجريمة التي أرادىا ،فإف العدالة عينيا ىي التي
تقضي بضركرة إعفائو مف العقاب إذا كاف عدـ تماـ الجريمة راجعان إلى تكقفو بمحض إرادتو عف المضي
فييا ،كفضبلن عف ذلؾ فإف القكؿ بضركرة العقاب عمى الشركع ،يبرره احتماؿ عكدة الجاني الرتكاب الجريمة
في ظركؼ مكاتية ،مما قد يؤدم إلى كقكعيا تامة ،كلكف ىذا االحتماؿ يتبلشى كامبلن ،إذا كاف الجاني قد
259
أحمد صفكت بؾ ،مرجع سابؽ ،ص.396
125
عدؿ عنيا بمحض إرادتو الحرة في الحيف الذم يقدر فيو عمى تحقيؽ آثارىا ،إال لما كاف ىناؾ مكجب
لعدكلو.260
كلذلؾ يؤيد الباحث ما ذىب إليو البعض مف ضركرة تدخؿ المشرع العقابي الفمسطيني بالتعديؿ في
نطاؽ نص المادة ( )30مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،كذلؾ بإلغاء الفقرة الخاصة بالعقاب
عمى العدكؿ االختيارم ،كالنص صراحةن عمى استبعاد العقاب ،261فمما ال شؾ فيو أف منع كقكع الجريمة
أجدل لممشرع مف إيقاع العقكبة عمى الجاني ،كلك أف سائر الجناة حاكلكا االستفادة مف اإلعفاء المقرر في
في حيف يذىب االتجاه الفقيي السائد في فرنسا إلى أنو إذا تبيف أف المتفقيف عدلكا عف اتفاقيـ
قبؿ البدء في تنفيذ ما اتفقكا عميو فال عقاب عمييـ ،كيستند أنصار ىذا االتجاه إلى الحجج التالية:263
-1إف عدكؿ المتفؽ عما اتفؽ عميو مع سائر المتفقيف يعتبر كأنو لـ يتفؽ ،أم أف اتفاقو كاف عرضيان لـ
يدـ ،كالمشرع ال يعاقب عمى االتفاؽ العارض ،كانما يعاقب عمى االتفاؽ الذم يستمر.
-2إف فرض العقكبة عمى المتآمر كلك عدؿ عف تآمر يعني إقفاؿ باب التكبة أماـ مف يريد أف يعدؿ،
كاألخطر مف ذلؾ أنو بمثابة تقديـ حافز عمى االستمرار في تنفيذ مشركعو اإلجرامي المتفؽ عميو،
260
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.371-370
261
ساىر إبراىيـ الكليد،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.61
262
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.371
263
بسمة السعكدم ،جريمة المؤامرة ،مرجع سابؽ ،ص.40
126
يف ع ي بع
في الحالة التي يعدؿ فييا أحد أعضاء االتفاؽ الجنائي عف المضي في مشركعو الجنائي ،فإنو كما
سبؽ كأف قمنا ال عبرة بعدكلو في ىذه الحالة؛ ككنو يفتقد ألحد شركط العدكؿ االختيارم كىك أف يككف سابقان
عمى تماـ الجريمة ،كبالتالي يدخؿ ضمف التكبة اإليجابية ،كلكف األمر ال يتكقؼ لعند ىذا الحد حيث يقع
عمى عاتؽ الفاعؿ التزاـ قانكني بأف يحكؿ دكف تنفيذ الجناة الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي بكؿ الكسائؿ
المعقكلة ،كىذا االلتزاـ ال يقكـ إال إذا كانت الجريمة المتفؽ عميو مف نكع جناية ،فإذا ثبت أنو نكص أك
تقاعس عف القياـ بيذا االلتزاـ ،فأنو قد يعد مرتكبان لجنحة ك يعاقب بالحبس مدة سنتيف كذلؾ حسب.
كنستند في رأينا ىذا إلى نص المادة ( )33مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ كالتي جاءت
بقكليا:
"كؿ مف كاف يعمـ بأف شخصان آخر عزـ عمى ارتكاب جرـ يستكجب عقكبة الحبس مدة ثبلث سنكات أك أكثر
كلـ يستعمؿ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف كقكع ذلؾ الجرـ أك إتمامو ،يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب
كبالتدقيؽ بالنص السابؽ يػجػد الػباحث أف المشرع ال يعالج حالة االمتناع عف اإلبالغ عف
الجريمة بعد كقكعيا ،بؿ أنو يعالج الحالة التي تككف فييا الجريمة منكم ارتكابيا ،أم في طكر مرحمة
العزـ الجنائي ،فالمشرع ال يحرص عمى ضبط الجريمة بعد كقكعيا فحسب ،كانما يرمي إلى تبلفي كقكعيا
127
مرحمة الشركع ليس إعماالن لمقياس مف باب أكلى ،بقدر ما ىك إعماؿ لمنص ،باعتبار أف المشرع تطمب
استعماؿ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف كقكع ذلؾ الجرـ ،كلـ يسكت بعدىا كانما أضاؼ جديدان بقكلو:
"...أك إتمامو" ،مما يقطع بأف العمـ يشمؿ مرحمة الشركع ،كلذلؾ التجريـ منصب عمى اإلخبلؿ بااللتزاـ
القانكني بالحيمكلة دكف كقكعيا ،كىذا االلتزاـ يقع عمى عاتؽ كؿ مف عمـ بأف شخصان آخر عزـ عمى ارتكاب
جريمة مف نكع جناية كذلؾ لقكؿ المشرع ":جرـ يستكجب عقكبة الحبس مدة ثبلث سنكات أك أكثر" ،أما عف
مضمكف ىذا االلتزاـ ،يتمثؿ في القياـ باستعماؿ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف كقكع الجرـ أك إتمامو،
كبناء عمى ذلؾ ليس المطمكب ىنا لمكفاء بااللتزاـ عدـ كقكع الجريمة بؿ عمى خبلؼ ذلؾ بذؿ عناية الرجؿ
المعتاد باستعماؿ كؿ الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة التي مف شأنيا الحيمكلة دكف كقكع الجريمة أك إتماميا.
أم أف المعيار المعتنؽ ىنا ىك المعيار المكضكعي المرتبط بالشخص المعتاد ،كىك عضك مف
أعضاء الجماعة متكسط الذكاء كاالنتباه كالتفكير ،يكضع في ذات الظركؼ المكضكعية التي حدثت فييا
الكاقعة كظرؼ الزماف كالمكاف ،دكف االلتفات إلى الظركؼ الشخصية الخاصة بالمتيـ ،فإذا استطاع ذلؾ
و
حينئذ جنائيان كفقان ألحكاـ المادة (.264)33 الشخص الحيمكلة دكف كقكع الجريمة فإنو يسأؿ
المثمى التي ينطبؽ عمييا ىذا النص ىي حالة العمـ بكجكد اتفاؽ جنائي عمى
كيرل الباحث أف الحالة ي
ارتكاب جناية ،بغض النظر عف الطريقة التي تحقؽ بيا ذلؾ العمـ ،سكاء بالدخكؿ في ذلؾ االتفاؽ أك الدعكة
الخائبة لمدخكؿ في اتفاؽ جنائي أك غيرىا مف طرؽ العمـ ،كينبغي ىنا عدـ الخمط بيف الجريمة المتفؽ عمييا
ك بيف جريمة االتفاؽ؛ فاألكلى ىي التي ينصب عمييا االلتزاـ ككنيا مازالت في مرحمة العزـ الجنائي.
264
ساىر إبراىيـ الكليد ،المسئكلية الجنائية عف النتيجة المحتممة ،الطبعة األكلى ،فمسطيف ،2018،ص.64
128
كقد يقكؿ قائؿ بأف المشرع في المسمؾ السابؽ لـ يراع المكانع األدبية التي قد تحكؿ دكف قياـ مف
تكافر فيو المانع باإلببلغ عنو لمجيات المختصة ،كبالتالي يككف انتيج نيجان مغاي انر لذلؾ المطبؽ بخصكص
االشتراؾ في الجرـ بعد كقكعو بمكجب نص المادة ( ،)26حيث استثنى المشرع كالد الفاعؿ كأمو كابنو كبنتو
كزكجو؛ كذلؾ ألف ىؤالء األشخاص يمقكف عنتان كعس انر كحرجان عمى األقؿ في االمتثاؿ ألمر الشارع بااللتزاـ
بعدـ إيكاء المجرـ أك مساعدتو بقصد تمكينو مف العقاب ،كلذلؾ ال تكميؼ إال بما ىك مستطاع.
كبناء عمى ذات العمة مف استثناء األشخاص سالفي الذكر مف نطاؽ االلتزاـ الكارد بنص المادة
ن
( ،) 26كاف يتعيف عمى المشرع أف يطبؽ ذات الحكـ فيما يتعمؽ بالحيمكلة دكف كقكع الجرائـ ،كلكف ىذا
مردكد عميو بأنو يجب اختبلؼ بيف المسألتيف ،ففي الحالة األكلى الجريمة كقعت؛ أما فيما يتعمؽ بالحيمكلة
دكف كقكع الجرائـ فالجريمة لـ تقع بعد كباإلمكاف إحباطيا ،كىذا اإلمكاف يككف مصيره معمقان عمى سمكؾ
الشخص العالـ بكجكد عزـ جنائي عمى ارتكابيا ،لذلؾ ليس مف العدالة أال نعاقب الشخص الذم امتنع عف
الحيمكلة دكف كقكع الجريمة لكجكد صمة قرابة أك زكجية تجمعو بالجاني ،فمصمحة المجتمع أكلى باالعتبار،
كاذا كاف المشرع لـ يحدد كسائؿ بعينيا يجب التقيد بيا لمحيمكلة دكف كقكع الجناية ،إال أف ذلؾ ال يعني
إمكانية التحجج بالقياـ بأم سمكؾ لمحيمكلة دكف كقكع الجرـ ،بؿ يتعيف عميو استعماؿ كؿ الكسائؿ المعقكلة
لمحيمكلة دكف كقكع ذلؾ الجرـ ،كنرل الحد األدنى ىنا إببلغ السمطات المختصة مباشرة ،كيرجع تحديد ما إذا
تـ استنفاذ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف كقكع الجرـ ،لمسمطة التقديرية لقاضي المكضكع.
فإذا كاف ىناؾ ظرؼ أدبي يحكؿ دكف اإلببلغ عف الجريمة بعد كقكعيا أك تسميـ الجناة ،فإف ىذا
المانع يتياكل كيصبح غير ذم قيمة فيما يتعمؽ بالحيمكلة دكف كقكع الجريمة رغـ إمكاف الحيمكلة دكف
كقكعيا.
129
كيثار ىنا التساؤؿ عف الكقت الذم يمتزـ فيو مف عمـ بكقكع اتفاؽ جنائي عمى ارتكاب جناية،
ي
بالحيمكلة دكف كقكع الجناية المتفؽ عمييا ،متى عمـ الشخص بارتكاب جريمة االتفاؽ الجنائي كجب عميو أف
جنائيان ،كتقدير ذلؾ أمر متعمؽ بالكاقع كيخضع لتقدير قاضي المكضكع ،كىذه الجريمة كقتية تتـ منذ العمـ
بارتكاب جريمة االتفاؽ الجنائي-كذلؾ ككف ىذه الجريمة تمثؿ مرحمة العزـ الجنائي بالنسبة لمجريمة المتفؽ
كينبغي االنتباه إلى أف إببلغ الجيات المختصة ىك أحد أبرز الكسائؿ المعقكلة التي تحكؿ دكف
ارتكاب الجريمة أك إتماميا ،مما يتعيف معو عدـ اختزاؿ الكسائؿ المعقكلة فقط بإببلغ الجيات المختصة،
الفقرة (ب) مف نص المادة ( )51مف قانكف العقكبات بقكلو":كؿ مف كاف يعمـ أف شخصان ينكم ارتكاب
الخيانة كلـ يبمغ عف األمر بكجو السرعة المعقكلة لممندكب السامي أك لحاكـ المكاء أك ألم مف مأمكرم
البكليس ،أك لـ يبذؿ الجيد المعقكؿ لمنع كقكع الجرـ ،ييعتبر أنو ارتكب جناية كيعاقب بالحبس المؤبد" ،فيذا
النص يكضح بشكؿ جمي أف المشرع يميز بيف بذؿ الجيد المعقكؿ لمنع كقكع الجرـ كبيف التبميغ لمجيات
كيحمد لممشرع مسمكو ففي بعض الحاالت قد يعجز الشخص عف إببلغ الجيات المختصة
المختصة ،ي
كبالتالي في ىذه الحالة لك كاف األمر قاص انر عمى التبميغ لما عكقب كذلؾ ألنو ال تكميؼ بمستحيؿ ،كلكف مف
الجائر أال يعاقب شخص لـ يكف في مقدكره إببلغ السمطات المختصة كفي ذات الكقت كاف بمقدكره الحيمكلة
دكف كقكع الجريمة ماديان أك معنكيان أم أف يبذؿ الجيد المعقكؿ ،لذلؾ يحمد لممشرع مسمكو التح ٌكطي العادؿ
بتبنيو كبل المعياريف ،كىذه مرده اختبلؼ نطاؽ كبل المادتيف (/51( ،)33ب) ،باعتبار أف األكلى جاءت
130
ضمف القكاعد العامة لمقانكف الجنائي التي تتناكؿ التبميغ عف الجرائـ مف طائفة الجنايات كأفردت عمى
مخالفتيا عقكبة الجنحة ،بينما المادة (/51ب) جاءت تعالج (مصمحة محمية خاصة) تتعمؽ بجريمة الخيانة
كالحفاظ عمى أمف الدكلة ،كأفردت عمى مخالفتيا عقكبة الحبس المؤبد ،كليذا السبب ىكض ىحت لنا طبيعة
الكسائؿ التي يتـ التبميغ بيا ،إضافة عمى عبارة "بكجو السرعة المعقكلة" كالذم لـ تتطمبو المادة (.)33
كمما تجدر اإلشارة إليو أنو مف الممكف عمبلن أف تحدث مساىمة في جريمة فاعؿ متعدد مف جانب
شخص يضـ سمككو إلى نشاط ىؤالء الفعمة المتعدديف في صكرة عمؿ أك امتناع ال يدخؿ في نمكذج الجريمة
265
ذاتو كاال صار صاحبو فاعبلن مف أكلئؾ الفعمة.
265
رمسيس بيناـ ،مرجع سابؽ ،ص.820
131
يفصٌ يثايث
عندما تباشر الدكلة سمطتيا في التجريـ كالعقاب تعرض بطبيعتيا الحريات لمخطر ،فإنو كىذه الحالة
خشية التحكـ في مباشرة ىذه السمطة كتجاكزىا القدر الضركرم لمدفاع عف المجتمع ،كضعت ضمانات
دستكرية لمفرد لحماية حريتو مف خطر التحكـ ك تجاكز السمطة ،يتعيف عمى المشرع العقابي االلتزاـ بيا كاال
كصـ تشريعو بعدـ الدستكرية ،فإذا كانت الحماية الجنائية لمحقكؽ كالحريات ىي مف أعماؿ المشرع العادم،
إال أف حركة المشرع في ىذه الحماية مقيدة بأحكاـ الدستكر ،كيعد مبدأ الشرعية الجنائية أحد أىـ كأبرز ىذه
الضمانات الدستكرية ،حيث يحدد لنا مف ناحية أداة التجريـ كالعقاب ،كمف ناحية أخرل يستمزـ صفات خاصة
كعمى ضكء ذلؾ ،يتناكؿ الباحث في ىذا الفصؿ بياف إذا كاف المشرع العقابي قد التزـ بمبدأ الشرعية
الجنائية مف عدمو ،كذلؾ فيما بجريمة االتفاؽ الجنائي ،مف خبلؿ تقسيـ ىذا الفصؿ لمبحثيف:
132
ملبرث ٍٚ
يقكـ الشؽ المكضكعي لمبدأ الشرعية الجنائي عمى إسناد أداة التجريـ كالعقاب لممشرع كيتفرع عنو
عدة نتائج أرساىا القضاء الدستكرم ،تقتضي عدـ المجكء لسبلح التجريـ العقاب إال بحكـ ضركرة اجتماعية
قصكل ،كأال يرد ىذا التجريـ سكل عمى األفعاؿ المادية ،كأف يككف مقترنان بجزاء جنائي يتسـ بالمعقكلية دكف
إفراط أك تفريط ،كفي ىذا المبحث سيتـ الكقكؼ عمى مدل تقيد الشارع الجنائي في قانكف العقكبات بمتطمبات
الشؽ المكضكعي لمبدأ الشرعية الجنائية فيما يتعمؽ بجريمة االتفاؽ الجنائي كذلؾ مف خبلؿ ما يمي مف
مطالب:
133
ملطًب ٍٚ
العقكبة كضركرة اجتماعية تقدر بقدرىا دكف إفراط أك تفريط بحيث تككف متناسبة مع جسامة الجريمة
كطبيعتيا ،كمع الظركؼ الشخصية لمجاني ،كفي ىذا السياؽ تتعدد المعايير التي يمكف األخذ بيا لتحقيؽ
تناسب العقكبة ،كلذلؾ كجب أف تككف عقكبة جريمة االتفاؽ الجنائي متناسبة مع شؽ التجريـ كاال كانت
مشكبة بعيب عدـ الدستكرية ،كبناء عمى ما سبؽ سكؼ يتـ بياف كؿ مف مدلكؿ مبدأ التناسب كمعياره كمدل
يف ع ٍٚ
إف النظاـ القانكني الذم تسير عميو الدكلة يقكـ عمى التكازف بيف الحقكؽ كالحريات مف جية كبيف
المصمحة العامة مف جية أخرل ،كىك ما يتحقؽ بالتناسب بيف حماية كؿ مف االثنيف ،266كسياسة التجريـ
كالعقاب ليست بدعان مف ذلؾ فيي تقكـ أيضان عمى التكازف بيف فكر فمسفي اجتماعي يحدد مضمكف حؽ
الدكلة في العقاب كفكر دستكرم يحدد قيمة الحقكؽ كالحريات ،كيساىـ كؿ مف قطبي ىذا التكازف في حماية
266
ت ميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،بحث منشكر لدل المجمة السياسية كالدكلية ،العدد
،2014 ،24ص .1خيرم أحمد الكباش ،الحماية الجنائية لحقكؽ اإلنساف ،دارسة مقارنة ،منشأة المعارؼ ،اإلسكندرية ،2008 ،ص .9يكسؼ
مصطفى رسكؿ ،التكازف في اإلجراءات الجزائية ،دار الكتب القانكنية ،مصر ،2017،ص .59-58عادؿ عازار ،مفيكـ المصمحة ،بحث منشكر في
المجمة القكمية المصرية ،العدد ،3نكفمبر ،1972ص . 394محمكد طو جبلؿ ،أصكؿ التجريـ كالعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ،أطركحة
دكتكراة مقدمة لكمية الحقكؽ بجامعة عيف شمس ،2004 ،ص . 270محمد سعيد نمكر ،أصكؿ اإلجراءات الجنائية ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف،
،2016ص.44
134
المجتمع كضماف الحماية الدستكرية لمحقكؽ كالحريات ،فالدكلة مف أجؿ حمايتيا لممجتمع كحقكؽ األفراد
كحرياتيـ ،تممؾ سمطة التجريـ كالعقاب ،267كاذا كاف القانكف الجنائي ييدؼ مف خبلؿ سياسة التجريـ إلى
إرساء السبلـ االجتماعي كحماية النظاـ العاـ ،فإف ىذه السياسة يجب أف تكفؽ بيف مقتضيات حؽ الدكلة في
العقاب كمنع الجرائـ كبيف حؽ اإلنساف في الحرية ،268عمى نحك يضمف عدـ التفريط في أم مف ىذه القيـ
المختمفة ،269كاذا كانت كافة فركع القانكف تدكر في فمؾ تحقيؽ المصمحة العامة كصيانة الحقكؽ الفردية ،فإف
قكاعد القانكف الجنائي بمفيكمو العاـ أكثر ىذه الفركع ارتباطان بيذيف اليدفيف ،270كما أكدتو المحكمة
الدستكرية الفمسطينية العميا بقكليا أف العدالة الجنائية يتعيف ضمانيا مف خالؿ التكازف بيف مصمحة
الجماعة في استقرار أمنيا ،كمصمحة المتيـ في أال تفرض عميو عقكبة ليس ليا مف صمة بفعؿ أتاه ،أك
كلما كانت الدكلة عندما تباشر سمطتيا في التجريـ كالعقاب تعرض بطبيعتيا الحريات لمخطر ،فإنو
كىذه الحالة خشية التحكـ في مباشرة ىذه السمطة كتجاكزىا القدر الضركرم لمدفاع عف المجتمع ،272كضعت
267
عصاـ عفيفي عبد البصير ،أزمة الشرعية الجنائية ككسائؿ عبلجيا ،دراسة مقارنة ،دار أبكالمجد ،القاىرة ،2007،ص .114مصطفى العكجي،
حقكؽ اإلنساف في الدعكل الجزائية ،منشكرات الحمبي الحقكقية ،بيركت ،ص . 19 -18فرقد عبكد عكاد العارضي ،حؽ األمف الشخصي كضماناتو
القانكنية ،دار الكتب القانكنية ،مصر.2011 ،
268
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،المجمة األكاديمية لدل جامعة نكركز ،المجمد ،6العدد ،2017 ،1ص .11تميـ
طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،مرجع سابؽ ،ص .1محمد زكي أبكعامر ،الحماية الجنائية لمحرية الشخصية ،دار الجامعة الجديدة،
،2011ص -8ص.14
269
يكسؼ مصطفى رسكؿ ،مرجع سابؽ ،ص .59 -58عماد فكزم ممكخية ،الحريات العامة كفقو المتغيرات السياسية ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية،
،2013ص 85كما بعدىا .كساـ نعمت إبراىيـ السعدم كمحمد يكنس يحيى الصائغ ،الحريات العامة كضمانات حمايتيا ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية،
،2015ص 43كما بعدىا.
270
عبد الصمد الكنا ،ضكابط التجريـ كالعقاب ضمانة لمحقكؽ كالحريات ،المنيؿ ،ص .1انظر الرابط االلكتركني أدناه:
تاريخ الزيارة 2019/6/3 :الساعة10:13 : https://platform.almanhal.com/Files/2/110855
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد ،149
271
ص .161
272
زحؿ محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،بحث لنيؿ درجة الدكتكراه ،جامعة الخرطكـ2006 ،ـ ،ص.85
135
ضمانات دستكرية لمفرد لحماية حريتو مف خطر التحكـ كتجاكز السمطة ،273فقانكف العقكبات مف خبلؿ
التجريـ كالعقاب ال يحمي كبلن مف حقكؽ المجني عميو كالمصمحة العامة إال بحكـ الضركرة االجتماعية التي
تتطمب ىذه الحما ية ،كيفرض الجزاء الجنائي الذم يتسـ بالمعقكلية ،كال ينافي الحدكد المنطقية التي ينبغي أف
تككف إطار لو ،274ككؿ ذلؾ يتـ مف خبلؿ مبادئ أك قكاعد ينص عمييا الدستكر تتمثؿ في ضمانات يتعيف
عمى المشرع العقابي االلتزاـ بيا كاال كصـ عممو بعدـ الدستكرية.275
كيظير دكر القانكف الدستكرم كعامؿ في تحديد شرعية الجرائـ كالعقكبات ،حيث يحدد أداة التجريـ كالعقاب
مف خبلؿ مبدأ الشرعية الجنائية الذم نصت عميو المادة ( )15مف القانكف األساسي الفمسطيني بقكليا:
"العقكبة شخصية ،كتمنع العقكبات الجماعية ،كال جريمة كال عقكبة إال بنص قانكني ،كال تكقع عقكبة إال بحكـ
قضائي ،كال عقاب إال عمى األفعاؿ البلحقة لنفاذ القانكف" ،كما يترتب عمى ذلؾ مف ضركرة تكافر صفات
خاصة في نصكص التجريـ كالعقاب تكفؿ رسـ الحدكد الفاصمة بيف أنماط السمكؾ غير المشركع كبيف كؿ
ما عداىا مف سمكؾ مشركع ،كالتفسير الدقيؽ لمنصكص الجنائية ،كنطاؽ تطبيؽ قانكف العقكبات ،كالضركرة
كالتناسب كمعيار لمتجريـ كالعقاب ،276كىك ما أكدت عميو المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا بقكليا":
كحيث أف التطكرات الحديثة في مكافحة الجريمة تؤكد حقيقة أكلية ىي أف العقكبة ال تغني في مكافحتيا،
كأف لشخصية اإلنساف قيمة عميا ،فال يجب أف يتعرض أحد لعقكبة ال يستحقيا ،أك تفقد تناسبيا مع
273
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،دار الشركؽ ،القاىرة ،2006 ،ص.13 -5
274
أحمد فتحي سركر ،مرجع سابؽ ،ص .5عباس عبدالرزاؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .175زحؿ
محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،بحث لنيؿ درجة الدكتكراه ،جامعة الخرطكـ ،2006 ،ص .80حسنيف المحمدم بكادم ،الخطر الجنائي
كمكاجيتو ،منشأة المعارؼ ،باإلسكندرية ،2003 ،ص.37
275
محمد عبداهلل أبكمطر ،القانكف الدستكرم كالنظـ السياسية ،الجزء األكؿ ،الطبعة األكلى ،2016 ،ص .57غساف رباح ،االتجاىات الحديثة في قانكف
العقكبات ،الدار الجامعية لمنشر ،بيركت ،1987 ،ص -20ص.23
276
أكرـ نشأت إبراىيـ ،السياسة الجنائية ،الطبعة األكلى ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف ،ص .63مأمكف جميؿ أحمد مصطفى ،انحسار مبدأ
الشرعية الجنائية ،جامعة القدس ،2015 ،ص .3زحؿ محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،مرجع سابؽ ،ص.82
136
الجريمة ال تي ارتكبيا ،فمبدأ التناسب يعد مف أىـ الضمانات لصكف الحرية الفردية التي تتجسد في اليقيف
الذم يعيشو الفرد بأف يككف عرضة مف السمطة ألم تدابير تعسفية تسمبو حريتو المادية" ،277كالشؾ بأف
ىذا المبدأ يمثؿ حجر الزاكية األساسية لحماية الحقكؽ كالحريات الفردية كالمصالح االجتماعية ،حيث يفرض
ىذا المبدأ التزامان عمى المشرع الجزائي بكجكب تحقيؽ التكازف بيف المصالح المختمفة ،كبغير ىذا التكازف يفقد
التجريـ كالعقاب كاإلجراءات الجنائية المصداقية كالفعالية في الدكلة القانكنية ،كليذا يجب أف يتجاكب التجريـ
كالعقاب كاإلجراءات الجنائية مع مقتضيات حماية الحقكؽ كالحريات في جميع صكرىا كأشكاليا ،كبدكف ىذه
الحماية يككف التجريـ كالعقاب كاإلجراءات الجنائية أداة بطش كتحكـ فتفقد الحقكؽ كالحريات معناىا
كجدكاىا.278
كيعرؼ مبدأ تناسب العقكبة بأنو":عبلقة مبلئمة تربط بيف شقي القاعدة الجنائية بحيث يككف اإليبلـ
المتضمف في شؽ الجزاء متناسبان مع جسامة الخطأ ،ككافيان لحمؿ المخاطبيف عمى احتراـ االلتزامات التي
يتضمنيا شؽ التكميؼ مف جية ،كمؤديان إلى تحقيؽ أىداؼ الجزاء مف جية أخرل" ،279كىناؾ مف يعبر عف
ىذا المبدأ بعدالة العقكبة بمعنى أنيا يجب أف تككف متناسبة كالجريمة كفعؿ كالجاني كفاعؿ ،حتى ترضي
277
حكم المحكمة الدستورٌة الفلسطٌنٌة العلٌا فً الدعوى رقم 8لسنة ،534:القضٌة رقم (;) لسنة ( )6قضائٌة ،الوقائع الفلسطٌنٌة ،العدد < ،47ص
.493
278عباس عبدالرزاؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .129أحمد فتحي سركر ،المرجع السابؽ ،ص.13
بف صافية رابح ،مبدأ ش رعية الجرائـ كالعقكبات ،مذكرة مقدمة لنيؿ شيادة الماستر في الحقكؽ شعبة القانكف الخاص ،جامعة عبد الرحمف ميرة،2012 ،
ص .28رنا العطكر ،اقتساـ مكافحة اإلجراـ بيف القانكف كالنظاـ في التشريع الجنائي الفرنسي ،مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث "العمكـ اإلنسانية" ،المجمد
،27العدد ،2013 ،9ص.4
279
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص12-11
280
حسيف بني عيسى ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة األكلي ،دار كائؿ لمنشر2002 ،ـ ،ص.86
137
كيتضح مف التعريؼ السابؽ أف العقكبة يجب أف تقرر كضركرة اجتماعية ،تقدر بقدرىا دكف مغاالة
أك تفريط ،بحيث تككف متناسبة كحالة الجاني كظركؼ جريمتو ،إذ ليس لممشرع أف يعترؼ بعقكبة قاسية،281
إذ ىي عند ذلؾ سكؼ لف تعبر عف فكرة الجزاء العادؿ كما استقرت في أذىاف الناس ،بؿ ستثير اإلشفاؽ
عمى المحككـ عميو ،ككنيا قامت بإيذاء حاسة العدالة لدل اإلنساف العادم ذم الرأم السميـ ،الذم سيتمرد
عمى ىذا النص كسيتحكؿ تقديرىـ لمف يخالفو مف استنكار لو إلى عطؼ عميو كرثاء لحالو ،كسيجد القضاء
في تطبيؽ ذلؾ النص حرجان ،282فبل ينبغي أف تككف العقكبة ىينة بحيث ال ييؤبو بيا ،كال أف تككف يمغاليةن في
قسكتيا بغير مقتض ،حيث ال فائدة مف عقكبة غير رادعة ،283لذا ال بد مف أف تككف العقكبة عادلة متناسبة،
يسيؿ تكقيعيا عمى كؿ إنساف يخالؼ قاعدة التجريـ ،كلذا يتعيف عمى كاضعي القكاعد العقابية أال يعترفكا
بغير العقكبات التي تقبؿ التدرج كالتجزئة حتى يستطيع القاضي تطبيقيا بحيث تناسب ظركؼ الحالة التي
تكقع فييا.284
فالجريمة باعتبارىا فعبلن غير مشركع لو ردة فعؿ اجتماعية تتمثؿ في العقكبة التي تفرض عمى
مرتكبييا كجزاء يقابؿ فعمو غير المشركع ،فالعدالة الجنائية تقتضي إذف تناسب ردة الفعؿ االجتماعية تمؾ مع
الفعؿ المسبب ليا ،أم تناسب بيف إيبلـ العقكبة مف ناحية كبيف الجريمة المرتكبة استنادان إلى معايير
مختمفة ،285مبدأ تناسب العقكبة يعد مف الضمانات التي تمثؿ اإلطار المحدد لسياسة العقاب ،السيما أف
281
ىداـ إبراىيـ أبك كاس ،السياسة الجنائية بيف الفقو التقميدم كاالتجاه الحديث ،مذكرة لنيؿ شيادة الماستر في القانكف الجنائي ،جامعة الطاىر مكالم
سعيدة ،الجزائر ،2015،ص.27
282
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لممجرـ كالجزاء ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،ص.127
283
عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد الكاظـ الحسف ،التناسب التشريعي بيف التجريـ كالعقاب في قانكف ضريبة الدخؿ العراقي ،دراسة مقارنة ،جامعة
البصرة ،2016 ،ص.5
284
محمد نعيـ فرحات ،شرعية التجريـ كالعقاب في الفقو اإلسبلمي كالنظـ القانكنية المعاصرة ،الرياض ،ص .35يكسؼ مصطفى رسكؿ ،التكازف في
اإلجراءات الجزائية ،مرجع سابؽ ،ص .65-61محمد زكي أبك عامر ،مرجع سابؽ ،ص.500 -484
285
زحؿ محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،مرجع سابؽ ،ص .106رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لممجرـ كالجزاء ،مرجع سابؽ ،ص.127
138
العقكبة تمثؿ في جكىرىا إىدا انر كانتقاصان لحؽ مف حقكؽ مرتكب الجريمة ،فبدكف ىذه الضمانة تتحكؿ العقكبة
إلى سبلح خطير بيد السمطة تستخدمو متى شاءت لمعصؼ بحقكؽ األفراد كحرياتيـ ،فمف غير الممكف أف
تصطدـ سياسة العقاب مع اعتبارات العدالة بكصفيا قيمة اجتماعية مستقرة في ضمير الجماعة ،فالعقكبة ال
تحقؽ معنى العدالة إالٌ إذا كانت متناسبة مع الجريمة ،فالسياسة الجنائية المتعقمة كالمتكازنة تراعي ضركرة
تحقيؽ التناسب بيف شقي القاعدة الجنائية :شؽ التجريـ كشؽ العقاب ليمكف قبكليا مف المخاطبيف بيا دكف
أف تثمـ قيمة العدالة المستقرة في ضميرىـ ،286فمما كاف التجريـ يعني إضفاء أقصى مراتب الحماية التشريعية
عمى مصمحة معينة ،ككاف أسمكب التعبير عف ىذه الحماية ىك الجزاء الجنائي ،فإنو ال بد أف يككف في
إدراؾ المشرع الجزائي مضمكف ىذا الجزاء كمدل خطكرتو حتى يعبر أحسف تعبير عف نطاؽ التجريـ الذم
يراه المشرع ، 287كال شؾ أف مبدأ التناسب ينعكس عمى ضركرة تحققو بيف شؽ التجريـ كشؽ العقاب ،كىك ما
يستمزـ قدر مف التكافؽ بيف درجة اإليبلـ الذم تتضمنيا العقكبة كبيف نكع كجسامة الجريمة المرتكبة،288
باعتبار أنو كمما تناسبت العقكبة المقررة مع الجرـ المرتكب كمما زاد ذلؾ مف القيمة اإلقناعية لمقاعدة الجنائية
بما يكفؿ تحقيقيا لكظيفة الردع المرجكة منيا ،ذلؾ أف التجريـ كالعقاب في القانكف الجنائي يقكـ عمى معيارم
التناسب كالضركرة ،289ثـ يجب مراعاة التناسب بيف الحقكؽ كالحريات المحمية كالتي يمحقيا الضرر أك
الخطر ،كبيف ما يتعرض لو مف يمحقو المساس بيذه الحقكؽ كالحريات مف أخطار بسبب ىذا التجريـ ،ككذلؾ
الشأف بالنسبة لمعقكبات التي تعبر عف التجريـ ،فإنيا يجب أف تككف متناسبة مع اليدؼ مف التجريـ كالعقاب،
286
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص .12تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة
كالتناسب في القاعدة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص.10
287
أحمد فتحي سركر ،أصكؿ السياسة الجنائية ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1972 ،ص.19
288
عباس عبد الر ازؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.216
289
تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص .10مجيد خضر السبعاكم،
ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.11
139
مما يعني أف اليدؼ مف التجريـ يمعب دك انر مشتركان في تحديد الضركرة كالتناسب في التجريـ مف جية كفي
تحديد التناسب في العقكبات مف جية أخرل .290كالجدير بالذكر بأف مبدأ التناسب يتمتع بنفس القيمة
الدستكرية التي تتمتع بيا باقي الحقكؽ كالحريات كالمصمحة العامة ،فباحتراـ ىذا المبدأ يتحقؽ احتراـ كافة
القيـ الدستكرية التي حظيت بالحماية الدستكرية ،بما يترتب عميو أف أم إخبلؿ بيذا المبدأ ببل شؾ سيخالؼ
يف ع يثاْٞ
لما كانت العقكبة تمر بمرحمتي التشريع كالتطبيؽ ،لذا فالتفريد في مرحمة التشريع يسمى بالتفريد
التشريعي كعمى المشرع عند كضع النص التشريعي تقدير خطكرة الجريمة كالعقكبة المبلئمة بحسب جسامة
الجريمة أك طبيعتيا كالظركؼ الشخصية لمجاني ،فالتفريد التشريعي يقكـ عمى أساس مكضكعي يراعى الفعؿ
بصفة أساسية ال الفاعؿ ألنو كضع ييخاطب الناس جميعان ،فالمشرع في ىذه المرحمة ال يضع نصب عينيو
المجردة بحسب جسامتيا مف الناحية المادية بكضع جسامة كنتيجة الفعؿ في كفة ميزاف ،كعقكبة
إال األفعاؿ ي
و
عقكبات معبرة عف التجريـ كدرجتو ،ثـ يترؾ لمقضاء اختيار ما يراه مبلئمان مف حيث يحدد القانكف
تحقيؽ أىدافيا ،كيقتضي ىذا األمر اختيار العقكبات كفقان لمعايير كاضحة تبدك في تحديد األىداؼ التي ييراد
290
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .155 -154يكسؼ مصطفى رسكؿ ،مرجع سابؽ ،ص .59 -58نظاـ تكفيؽ
المجالي ،الشرعية الجنائية كضماف لمحرية الفردية "دراسة في التشريع األردني" ،بحث منشكر في مجمة الحقكؽ ،العدد ،4الككيت ،1998 ،ص.182
291
عباس عبدالرازؽ مجمي السعيدم ،مرجع سابؽ ،ص.183
292
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.6
140
تحقيقيا مف كراء العقاب ،كتنحصر ىذه األىداؼ إما في الردع العاـ كالردع الخاص أك إصبلح المجرـ ،فمف
المحقؽ أف ا لعقكبة تيدؼ إلى التأثير في السمكؾ اإلنساني داخؿ المجتمع حتى يتبلءـ مع األكامر كالنكاىي
االجتماعية التي تنطكم عمييا قكاعد التجريـ ،كىي في حالتيا الساكنة في النص تيدؼ إلى التأثير في سمكؾ
جميع األفراد المخاطبيف بأحكاـ القانكف ،عف طريؽ التيديد بما تنطكم عميو مف جسامة معينة ،كىك ما يسمى
بالردع العاـ ،أما في حالتيا الديناميكية عند تطبيقيا بكاسطة القضاء ،فإنيا تيدؼ أساسان إلى التأثير في
سمكؾ المحككـ عميو حتى يتطابؽ مستقببلن مع قكاعد القانكف كىك ما يسمى بالردع الخاص أك اإلصبلح أك
إعادة التأىيؿ االجتماعي ،كيقتضي ىذا اليدؼ أف تتكافر لدل المحككـ عميو خطكرة إجرامية أك انعدمت قؿ
أما الردع الخاص فإنو ال يعني مطمقان إسقاط الردع العاـ مف االعتبار كانما مجرد كضعو في المرتبة
التالية ،فاختيار العقكبة مف أجؿ إصبلح المجرـ يعني االعتماد عمى مطمؽ شخصية المجرـ فيي كحدىا
الخاضعة ليذا اإلصبلح ،أما الردع العاـ فإنو يتحقؽ ضمنان مف خبلؿ اإليبلـ المستفاد مف العقكبة المكقعة
ففكرة العقكبة الضركرية تؤدم إلى التسميـ بأال يمجأ المشرع الجنائي إلى العقكبات البلزمة كالمتناسبة
الجرمي المرتكب ،فيناؾ معياراف لمتناسب أحدىما مكضكعي كاآلخر شخصي :فبمكجب
مع جسامة الفعؿ ي
المعيار المكضكعي يتعيف أف يككف األلـ متماثبلن أك عمى أقؿ تقدير متناسبان مع جسامة النتيجة الكاقعة
الجرمي بصرؼ النظر عف نصيب الجاني مف الخطأ أك العمد ،أما بمكجب المعيار الشخصي
بمكجب الفعؿ ي
293
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .254 -253عبد المجيد قاسـ عبد المجيد ،فمسفة العقكبة في الشريعة اإلسبلمية
كالقانكف الكضعي ،مجمة اإلسبلـ في آسيا ،المجمد ،9العدد ،1يكنيك ،2012 ،ص.27 -25
294
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .254 -253سامي جماؿ الديف ،القانكف الدستكرم كالشرعية الدستكرية كفقان
لدستكر 2014ـ ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،2018 ،ص.210
141
فمفاده تناسب األلـ مع درجة خطأ أك عمد الجاني في إحداث النتيجة الجرمية ،كالتشريعات الحديثة تميؿ إلى
حيث يجب لكي تككف العقكبة شرعية ليس فقط أف تككف بقانكف ،بؿ يجب أيضان أف تككف متناسبة
كمبلئمة لظركؼ كؿ مجرـ كليس فقط متناسبة مع جسامة الجريمة كفعؿ ،فتككف متدرجة بقدر خطكرة
الجريمة كأثرىا عمى المجتمع كالصالح العاـ محققة لمعدالة ،فالعقكبة غير المتناسبة كغير المحققة لمعدؿ
عقكبة غير شرعية كغير دستكرية ،296لذلؾ كاف مف حسف السياسة الجنائية أف تتناسب العقكبة مع جسامة
الجريمة ،لتحقيؽ العدالة كمكافحة ظاىرة اإلجراـ كردع المجرميف ،كاشاعة األمف كاالستقرار في المجتمع
كارضاء شعكر الناس كنشر الطمأنينة بينيـ ،297كتحديد مدل التناسب بيف العقكبة كالجريمة قد يتعمؽ بمدل
جسامة الفعؿ الذم ارتكبو الجاني ،كقد يتعمؽ بمدل الخطأ الذم ينسب إلى إرادتو ،كقد يتعمؽ باألمريف معان،
كالتناسب بيف العقكبة كالجريمة ينصب عمى نكع العقكبة كمقدراىا ،فالعقكبة بكصفيا جزاء ،يجب أف تنطكم
عمى معنى اإليبلـ ببل إفراط فييا ،حيث أنو ال فائدة مف عقكبة غير رادعة كال مف قسكة ال تبررىا
مصمحة.298
كالحقيقة أف كضع معيار محدد لمتناسب يكاجو صعكبات عديدة ألف تحديده أمر ال يخمك مف الدقة
نظ انر لتعدد االعتبارات التي يجب مراعاتيا لمقكؿ بالتناسب مف عدمو ،ليذه األسباب تتعدد المعايير التي
295
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.11
296
معكض عبدالتكاب ،قانكف العقكبات حسب آخر التعديبلت كحتى القانكف 14لسنة 1999كمعمقان عميو بأحكاـ محكمة النقض منذ إنشائيا كحتى
،1999الطبعة الثالثة ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،1999 ،ص.922
297
محمد عمي السالـ الحمبي ،مرجع سابؽ ،ص . 234نظاـ تكفيؽ المجالي ،مرجع سابؽ ،ص .420
298
محمكد محمكد مصطفي ،مرجع سابؽ ،ص .559
142
يمكف األخذ بيا لتحقيؽ ىذا التناسب ،فثمة معيار مكضكعي ،كآخر شخصي كثمة معيار مختمط يجمع بيف
كفقان ليذا المعيار فإنو يتعيف أف يككف ىناؾ تناسب بيف إيبلـ العقكبة المقصكد كجسامة النتيجة
المترتبة عمى الفعؿ اإلجرامي ،كيفترض ىذا التناسب قياـ صمة بيف سمكؾ الجاني كبيف النتيجة اإلجرامية،
مما يعني أنو كفقان ليذا المعيار فإف العقكبة يجب أف تككف متناسبة مع ماديات الجريمة بصرؼ النظر عف
نصيب إرادة الجاني مف الخطأ كىذه نتيجة منطقية لكظيفة العقكبة كجزاء رادع فيو زجر لمجاني ،كىذا يعني
أف جسامة العقكبة كفقان لممعيار المكضكعي يجب أف تطرد مع جسامة الجريمة إعماالن لمبدأ العدالة ،فالعقكبة
ىي الجزاء العادؿ لممجرـ عف جريمة ،إال أف األخذ بيذا المعيار أدل إلى نتائج غير مقبكلة فالفعؿ الجسيـ
في ظؿ ىذا المعيار يرتب عقكبة شديدة حتى لك كاف نصيب فاعمو مف الخطأ يسي انر جدان ،في حيف أف الفعؿ
التافو لـ يكف ليستأىؿ سكل عقكبة بسيطة كلك انطكل عمى درجة خطأ كاثـ كبير في حؽ فاعمو.300
كيقكـ ىذا المعيار عمى أساس أنو يتعيف أف يككف ىناؾ تناسب بيف إيبلـ العقكبة كبيف خطكرة
الجاني كدرجة اإلثـ الذم يمكف نسبتو إليو ،كبالتالي المعيار الشخصي ال يكتفي في تقدير العقاب بمجرد قياـ
299
عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد الكاظـ الحسف ،مرجع سابؽ ،ص.7
300
تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص .5عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد
الكاظـ الحسف ،مرجع سابؽ ،ص.8-7
143
رابطة السببية بيف السمكؾ المادم كالنتيجة اإلجرامية التي يحظرىا القانكف نفسو ،إنما يتعيف تكافر صمة
معنكية بيف السمكؾ كبيف صاحبو ،كقد تبمكرت فكرة الخطكرة اإلجرامية كتعددت صكرىا حتى أصبحت نكاة
لنظرية الركف المعنكم التي تعد أحد أىـ نظريات قانكف العقكبات ،كعمى ىذا فمـ يعد مقبكالن في النظـ القانكنية
المعاصرة أف يقرر المشرع عقكبة شديدة متى كاف نصيب الجاني مف الخطأ ضئيبلن.301
ىذا المعيار تبنتو المدارس التكفيقية التي حاكلت التكفيؽ بيف المعيار المكضكعي الذم تبنتو المدرسة
التقميدية كالتي أخذت بو التشريعات القديمة ،كالمعيار الشخصي الذم تبنتو المدرسة الكضعية كأخذت بو
التشريعات الحديثة ،كذلؾ عبر الجمع بيف المعياريف السابقيف ،بحيث تتناسب العقكبة طك انر مع جسامة الفعؿ
المادم كطك انر آخر مع درجة الخطأ الذم يكشؼ عنو سمكؾ الفاعؿ ،كذلؾ مف خبلؿ منح القاضي السمطة
التقديرية في فرض العقكبة المتناسبة مع جسامة الجريمة كخطكرة الفاعؿ في نطاؽ الحدكد القانكنية.302
كقد أكدت المحكمة الدستكرية العميا في مصر أنو كمما كاف الجزاء مقر انر لضركرة ،كمتناسبان مع
األفعاؿ التي أثميا المشرع أك منعيا ،متصاعدان مع خطكرتيا -كاف مكافقان لمدستكر.303
كيرجع ذلؾ إلى أف التكازف بيف الحقكؽ كالحريات ،كسائر القيـ الدستكرية المتمثمة في حقكؽ كحريات
الغير أك في المصمحة العامة ،يجب أف يتـ كفقان لمضركرة االجتماعية كالتناسب ،ككبلىما مف ك واد كاحد،
فالضركرة ال بد أف تككف بقدرىا ،كمف ىنا جاء التناسب ،كال تناسب إال بالقدر الضركرم ،كىكذا فإف ضابط
301
عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد الكاظـ الحسف ،مرجع سابؽ ،ص.9 - 8
302
تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص .5عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد
الكاظـ الحسف ،مرجع سابؽ ،ص.10 -9
303
حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر بتاريخ 1998/6/6ـ في الدعكل رقـ 152لسنة 18قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/5 :الساعة1:10 :
144
الضركرة كالتناسب ،يحكـ مبدأ أك نطاؽ تدخؿ المشرع لتقييد الحقكؽ كالحريات بالقدر البلزـ لمتكازف مع
كقد ميزت المحكمة الدستكرية العميا المصرية بيف معيار التناسب لتحقيؽ الردع العاـ كمعياره لتحقيؽ
الردع الخاص ،فبالنسبة إلى الردع العاـ تتدرج العقكبة عمى ضكء خطكرة الجريمة ،أما الردع الخاص فإنو
يتحدد مف خبلؿ عبلقة منطقية تربطيا مباشرة كبمف ارتكبيا في ضكء عكامؿ مكضكعية تتصؿ بالجريمة في
ذاتيا ،كبعناصر شخصية تعكد إلى مرتكبيا ،كيناؿ ىذا التناسب قيمة دستكرية الرتباطو بشخصية العقكبة
بمف يككف مسئكالن عف ارتكابيا ،عمى ضكء دكره كنكاياه التي قارفيا ،كما نجـ عنيا مف ضرر ،ليككف الجزاء
كقد أكدت المحكمة الدستكرية العميا المصرية ىذه العبلقة المنطقية في قكليا بأنو يتعيف دائمان
استظيار ما إذا كاف النص الطعيف يمتزـ إطا انر منطقيان لمدائرة التي يعمؿ فييا ،كافبلن مف خبلليا تناغـ
األغراض التي يستيدفيا ،أك متيادمان مع مقاصده أك مجاك انز ليا ،كمناىضان بالتالي لمبدأ خضكع الدكلة
لمقانكف ،كقد ذىبت المحكمة الدستكرية العميا إلى أف النص عمى تكقيع العقاب عمى االتفاؽ الجنائي عمى
ارتكاب جناية أك جنحة ،حتى لك لـ يتـ ارتكابيا فعبلن ال يحقؽ ردعان عامان كال خاصان ،بؿ إف ذلؾ قد يشجع
المتفقيف عمى ارتكاب الجريمة محؿ االتفاؽ طالما أف مجرد االتفاؽ عمى اقترافيا سيؤدم إلى معاقبتيـ بذات
العقكبة.306
304
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.180
305
حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر بتاريخ 3أغسطس 1996ـ ،في الدعكل رقـ 37لسنة 15قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية
العميا ،مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/5 :الساعة1:14 :
306
حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر بتاريخ 2001/6/2ـ في الدعكل رقـ 114لسنة 21قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/5 :الساعة1:17 :
145
فعدالة العقاب مرتبطة بمبدأ الضركرة بمعنى أف العقاب ال يككف مبر انر مف كجية نظر العدالة
الجنائية إال إذا كانت ىناؾ مصمحة اجتماعية ميمة جدان ال تؤمف ليا الحماية الكافية بغير الجزاء الجنائي،
فبل ضركرة تبرر العقاب مف كجية نظر العدالة الجنائية إذا كاف باإلمكاف حماية المصمحة االجتماعية بغير
الجزاء الجنائي أك إذا لـ تكف ىذه المصمحة عمى قدر معيف مف األىمية ،307لذلؾ فإف مبدأ التناسب الذم ال
تقكـ الضركرة في التجريـ إال بمراعاتو ،يتمتع في ذاتو بذات القيمة الدستكرية التي تمتع بيا سائر الحقكؽ
كالحريات كالمصمحة العامة ،ألنو مف خبلؿ احتراـ ىذا المبدأ يتـ احتراـ كافة القيـ الدستكرية التي نالت حماية
يف ع يثايث
خمص الباحث فيما سبؽ إلى أف العقكبة شائبة تمطخ صفحة المحككـ عميو بيا كتصمو بكصؼ
اإلجراـ ككنيا مرتبطة بو ،كلذلؾ يتحتـ القسط في تقريرىا كاالقتصار في تطبيقيا عمى صكر السمكؾ المتفؽ
بيف الناس عمى تعارضيا مع نداء الضمير البشرم ،309كبالعكدة لممنيج الذم اعتنقو المشرع في العقاب عمى
جريمة االتفاؽ الجنائي في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ يجد الباحث أنو لـ يكف كاحدان ،310بما
يستتبع معو بياف مدل اتفاؽ مسمؾ المشرع في العقاب مع مبدأ التناسب كذلؾ مف خبلؿ ما يمي:
307
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.10
308
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.173
309
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمجريمة ،مرجع سابؽ ،ص(ز) .
310
انظر الصفحات مف ص رقـ ( )71كما بعدىا مف الرسالة.
146
عقكبة االتفاؽ عمى جناية: (أ)
أشار الباحث فيما سبؽ أف المشرع قد اعتنؽ ضابطان عامان لمعقاب عمى االتفاؽ عمى جناية ،يقكـ
عمى الربط بيف عقكبة الجناية المتفؽ عمييا كبيف عقكبة االتفاؽ ،بمعنى أنو اتخذ مف مقدار عقكبة الجناية
المتفؽ عمييا معيا انر لتحديد عقكبة االتفاؽ الجنائي ،كفي سبيؿ ذلؾ أفرد لو عقكبة الحبس مدة ( )7سنكات
كذلؾ في حالتيف ،األكلى إذا كانت الجناية المتفؽ عمييا غير مقركنة بعقكبة معينة ،كالثانية إذا كانت الجناية
المتفؽ عمييا مقركنة بعقكبة معينة حدىا األقصى الحبس ( )7سنكات أك أكثر.
كىذا يعني أنو بالنسبة لمحالة األكلى فإف المتفؽ عمى جناية غير مقركنة بعقكبة معينة سيككف
متساكيان في العقاب مع ذلؾ المتفؽ عمى جناية مقركنة بعقكبة كحدىا األقصى ( )7سنكات فأكثر ،ككذلؾ
سيتساكل ىذا األخير في العقاب مع المتفؽ عمى جناية حدىا األقصى ( )14سنة أك الحبس المؤبد ،كيتضح
بناء عمى ذلؾ بشكؿ جمي أف ىذه التفرقة مجافية لمبدأ التناسب بيف شؽ التجريـ كشؽ العقاب ككذلؾ تخالؼ
ن
مبدأ المساكاة.
كفيما يتعمؽ بالحالة الثانية فإف الشارع كحد عقكبة االتفاؽ الجنائي بالحبس مدة سبع سنكات طالما
أف الحد األقصى لعقكبة الجناية المتفؽ عمييا ال يقؿ عف سبع سنكات ،كبذلؾ يككف المشرع في ىذه الحالة
قد اعتنؽ معيار قائـ عمى تخصيص عقكبة محددة كمكحدة ارتأل أنيا تتناسب مع االتفاؽ الجنائي مجردان،
فيك في مسمكو السابؽ أراد تبلفي الكقكع في شراؾ الغمك غير المبرر في العقاب بما يتنافى مع اعتبارات
العدالة كمبدأ التناسب؛ كلكف رغـ ذلؾ نرل أف المشرع كاف كاف مكفقان فيما يتعمؽ بعدـ اعتناؽ معيار المساكاة
في العقاب بيف االتفاؽ الجنائي كالجناية المتفؽ عمييا ،إال أف مسمكو السابؽ يترتب عميو تطابؽ عقكبة
االتفاؽ الجنائي مع عقكبة الجناية المتفؽ عمييا كذلؾ في الحالة التي تككف فييا عقكبة الجناية المتفؽ عمييا
147
حدىا األقصى ( )7سنكات ،كىذا فيو مجافاة لمعدالة باعتبار أف ىذا المجرـ سيككف في مركز قانكني أسكأ
ممف اتفؽ مع الغير عمى ارتكاب جناية حدىا األقصى أكثر مف ( )7سنكات ،لذا كاف عمى المشرع أف يفرد
ليذه الحالة التي تتساكل فييا عقكبة االتفاؽ مع عقكبة الجناية المتفؽ عمييا ،عقكبة أخؼ تتناسب مع جسامة
االتفاؽ عينو ،فيذا التطابؽ في العقاب كاف كاف ككف نتيجة منطقية لتطبيؽ المعيار الذم اعتنقو الشارع
الجنائي ،إال أنو يجعؿ النص العقابي مشكبان بعكار عدـ الدستكرية.
و
فعندئذ أما الحالة التي يككف فييا الحد األقصى لمعقكبة المعينة لتمؾ الجناية مدة أقؿ مف ( )7سنكات
يعاقب بتمؾ العقكبة ،بعبارة أخرل إذا زاد عقاب االتفاؽ الجنائي عمى العقاب المقرر لمجناية المتفؽ عمييا،
فبل يطبؽ مف أجؿ ىذا االتفاؽ عقاب أشد مما ينص عميو القانكف ليذه الجناية ،كيتفؽ الباحث مع الشارع في
مسمكو ىذا مف حيث المبدأ ،بحيث أنو مف المغاالة كاإلفراط في العقكبة أف يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي
مجردان بعقكبة أشد مف عقكبة الجناية المتفؽ عمييا فيما لك كقعت بالفعؿ ،كلكف رغـ ذلؾ يؤخذ عمى المشرع
أنو ساكل في ىذه الحالة بيف عقكبة االتفاؽ مجردان كبيف عقكبة الجناية مكضكع االتفاؽ رغـ اختبلؼ جسامة
كؿ مف الجريمتيف ،ككأنو بصكرة غير مباشرة عاقب عمى الجريمة محؿ االتفاؽ حتى كلك لـ يتـ ارتكابيا
فعبلن ،كيظير ذلؾ جميان عندما قرر تكقيع عقكبة الجناية محؿ االتفاؽ عمى االتفاؽ الجنائي كذلؾ بشرط أف
تككف عقكبتيا في حدىا األقصى تقؿ عف ( )7سنكات ،كنرل أنو كاف عمى المشرع أال يربط بيف جريمة
االتفاؽ كالعقكبة المقررة لمجريمة محؿ االتفاؽ مطمقان ،حيث أف ىذا المسمؾ الخاطئ لممشرع قد يشجع
المتفقيف عمى ارتكاب الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي طالما أنو ساكل في العقاب بينيا كبيف مجرد االتفاؽ
عمى ارتكابيا.
148
كالجدير بالذكر أف المشرع حينما يقكـ بإفراد عقكبة معينة ألم جناية فإنو يقدر تناسب تمؾ العقكبة
مع جسامة الجناية عينيا ،كلذلؾ حينما ينزع الشارع عمى جعؿ عقكبة الجناية المتفؽ عمييا عقكبة لبلتفاؽ
ذاتو ،فإف ىذا إفراطان كمبالغة في العقاب باعتبار أف العقكبة ينبغي أف تككف متناسبة مع جسامة خطكرة
االتفاؽ عينو ،كالذم تتفاكت خطكرتو كذلؾ تبعان لنكع الجريمة التي تككف مكضكعان لو ،مما يستتبع معو تفاكت
العقكبة.
"كؿ مف تآمر مع شخص آخر عمى ارتكاب جنحة أك عمى إتياف فعؿ في مكاف آخر خارج فمسطيف
ككاف ذلؾ الفعؿ يشكؿ جنحة فيما لك ارتكب في فمسطيف كيعتبر كذلؾ أيضان بمقتضى الشرائع المعمكؿ بيا
في المكاف الذم كاف في النية ارتكابو فيو ،يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب بالحبس مدة سنتيف".
يتضح مف النص السابؽ أف المشرع لـ يتخذ مف مقدار عقكبة الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي
معيا انر لتحديد عقكبة االتفاؽ الجنائي ،بؿ ذىب باتجاه تحديد عقكبة لبلتفاؽ الجنائي الكارد عمى الجنح حدىا
األقصى الحبس (سنتاف) ،بغض النظر عف عقكبة الجنحة المتفؽ عمييا ،كيؤخذ عمى المشرع ىذا اإلطبلؽ
فيما يتعمؽ بشمكلية العقاب؛ بحيث أف ىذا المسمؾ يفضي إلى أف العقاب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان قد
يككف أخؼ مف العقاب المقرر لمجنحة محؿ االتفاؽ ،كما قد يتساكل مع العقاب المقرر لمجنحة المتفؽ عمييا
بؿ األخطر مف ذلؾ قد يككف أكثر شدة كغمظة منو ،كفي االحتماؿ الثاني كالثالث يظير طغياف النص
149
الجزائي ،كال شؾ أف ىكذا عقكبات مفرطة في قسكتيا تكشؼ عف مبالغة في العقاب بما ال يتناسب كالفعؿ
المؤثـ ،كيتضح ذلؾ بجبلء في الحالة التي تككف الجنحة المتفؽ عمييا معاقب عمييا بالحبس مدة سنتيف أك
أقؿ ،كىذا يعد تطرفان كمغاالة في العقكبة كمخالفة كاضحة لمبدأ التناسب ،فمف غير العادؿ أف يسمح أف
المشرع لمقاضي بأف يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان ،بعقكبة أشد مف عقكبة الجنحة المتفؽ عمييا
كأف يقكؿ ":كفي كؿ األحكاؿ ال يجكز أف تزيد عقكبة االتفاؽ عف العقكبة المقررة لمجنحة" ،ككذلؾ في الحالة
التي تتساكل فييا العقكبات كاف يتعيف عمى المشرع أف يخصص لبلتفاؽ عقكبة عادلة متناسبة أخؼ.
ككذلؾ يرل الباحث أف ىذا النص يشكبو عكار عدـ الدستكرية مف ناحية أخرل ،ككف المشرع بمسمكو
ىذا أكجد حالة مف االزدكاجية كالتنافر في السياسة الجنائية المتبعة مف قبمو معالجة الفرض الكاحد ،فبل
يستساغ أف يككف مذىب المشرع إزاء حالة االتفاؽ عمى ارتكاب جناية ككانت ىذه األخيرة عقكبتيا في حدىا
األقصى أقؿ مف العقكبة المقررة لبلتفاؽ ،فإف المشرع يقضي بتطبيؽ العقكبة األخؼ أال كىي عقكبة الجناية
محؿ االتفاؽ ،ثـ يأتي في االتفاؽ عمى جنحة كال يقرر ذات الحكـ ،تاركان األمر لسمطة القاضي التقديرية؛
رغـ تكافر ذات العمة التي مفادىا أنو مف غير العادؿ أف يعاقب عمى االتفاؽ الجنائي مجردان بعقكبة أشد مف
عقكبة الجريمة المتفؽ عمييا فيما لك كقعت بالفعؿ ،سكاء كانت جناية أك جنحة.
التناسب بيف التجريـ كالعقاب ،كالذم يعد كاحدان مف ركائز مبدأ الشرعية الجنائية ،فالعقكبة يجب أف تككف
150
فالمشرع حينما يرصد العقكبات يعتنؽ معيا انر مكضكعيان لكفالة احتراـ قاعدة التناسب بيف الجزاء كاإلثـ
الجنائي ،يقكـ عمى تناسب العقكبة مع الضرر الذم تحدثو الجريمة بالمصمحة محؿ الحماية الجنائية بصكرة
مجردة ،ذلؾ أف المشرع في ىذه المرحمة ال يعرؼ أشخاصان محدديف لذا فإنو يعتمد في كضع العقكبة بالنظر
إلى الجريمة ذاتيا ،311كلما كانت جريمة االتفاؽ ىي مف جرائـ السمكؾ المجرد فإنيا ال تحدث ضر انر كانما
تعرض المصمحة المحمية لمخطر ،إال أف المشرع لـ يأخذ ذلؾ بعيف االعتبار ،كيتضح ذلؾ كفقان لرأم الباحث
مف مسمؾ المشرع بفرضو عقكبة جسيمة تخؿ بصكرة سافرة بميزاف التعادؿ كالتناسب مع اإلثـ الجنائي التي
تعمقت بو ،ال تتناسب البتة مع درجة خطكرة األفعاؿ التي أثميا المشرع؛ مما يجعؿ مف نصكص المكاد
( )35 -34مشكبة بعكار عدـ الدستكرية قكامو االنحراؼ في استعماؿ السمطة التشريعية كعيب المحؿ .
فالمشرع كاف كاف يتمتع بسمطة تقديرية في تحديد التناسب إال أف ىذه السمطة ليست مطمقة ،فإذا أقدـ
المشرع عمى إحداث عدـ تناسب ظاىر ال يتفؽ مع المقاصد التي استيدفيا الدستكر مف كراء حماية الحقكؽ
كتطبيقان لذلؾ ،قضت المحكمة الدستكرية العميا بمصر بأف الجزاء الجنائي ال يككف مخالفان لمدستكر
313
إال إذا اختؿ التعادؿ بصكرة ظاىرة بيف مداه كطبيعة الجريمة التي تعمؽ بيا.
لذلؾ فإف أىـ ما ينبغي التأكيد عميو في ىذا الخصكص ىك ضركرة مراعاة تناسب الجزاء مع جسامة
الفعؿ بغير إفراط أك تفريط ،فيجب أال يككف الجزاء المترتب عمى مخالفة التكميؼ الكارد في النص الجزائي
311
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات الفمسطيني ،الجزء الثاني ،الطبعة األكلى ،2014 ،ص.31
312
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.33
313
حكـ المحكمة الدستكرية العميا ،جمسة ،2000/7/8قضية رقـ 52لسنة 2000قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع سابؽ.
تاريخ الزيارة 2019/6/7 :الساعة2:30 :
151
الخاص مف البساطة بمكاف بأف يدفع المخاطبيف بو لمتمرد عميو غير مباليف باحترامو ،كما يجب أال يككف
ىذا الجزاء مبالغان فيو لدرجة يفقد القائمكف عمى تطبيقو كالمخاطبكف بو عمى و
حد سكاء ثقتيـ كقناعتيـ بعدالة
الحكـ مما يدفع كبل منيـ إليجاد سبيؿ معيف لعدـ تطبيقو ،314كالجزاء الجنائي ال يككف يمبر انر إال إذا كاف
كاجبان لمكاجية ضركرة اجتماعية ليا كزنيا ،كمتناسبان مع الفعؿ المؤثـ فإف جاكز ذلؾ كاف مفرطان في القسكة
كتجدر اإلشارة إلى أف المشرع الجنائي نظـ أحكاـ التآمر– االتفاؽ الجنائي -في الفصؿ السادس
مف الباب األكؿ مف قانكف العقكبات رقـ ()74لسنة 1936ـ ،كىك ذات الفصؿ الذم نظـ فيو المشرع
أحكاـ الشركع ،كلما كاف الشركع معاقب عميو في الجنايات كالجنح بمدة ال تتجاكز نصؼ الحد األقصى
لمعقكبة المقررة الرتكاب الجناية أك الجنحة ،باستثناء الجناية المعاقب عمييا باإلعداـ ،كجناية القتؿ دكف
سبؽ إصرار ،كالجنايات المعاقب عمييا بالحبس المؤبد؛ فإذا أعقب المشرع تمؾ األحكاـ بالنص في المكاد
( )36-35-34عمى تجريـ مجرد اتحاد إرادة شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب أم جناية أك جنحة ،كتحديد
العقكبة عمى النحك السالؼ بيانو ،فإنو يككف منتيجان نيجان يتنافر مع سياسة العقاب عمى الشركع ،فمما
كاف الشركع في الجريمة ىك أكثر خطكرة بمراحؿ مف مجرد اتحاد اإلرادات عمى ارتكاب الجريمة ،فالجاني
يككف قد بدأ في التنفيذ ككؿ ما في األمر أف النتيجة الجرمية لـ تحدث ألسباب خارجة عف إرادتو ،كرغـ
تمؾ الخطكرة إال أف المشرع قرر عدـ مساكاتيا مف حيث العقاب بعقكبة الجريمة فيما لك كقعت تامة؛ كاف
يجب تطبيؽ ذات السياسة الجنائية فيما يخص العقاب عمى التآمر مف باب أكلى ،فمف غير العادؿ أف
314
عباس عبدالرزاؽ السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي ،مرجع سابؽ ،ص.113
315
حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر بتاريخ 2001/6/2في الدعكل رقـ 114لسنة 21قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/7 :الساعة2:34 :
152
يعاقب بالحبس ( )7سنكات شخص دخؿ في اتفاؽ جنائي مع غيره الرتكاب جناية عقكبتيا في حدىا
األقصى( )8سنكات ،في حيف لك أف ذات الشخص الذم يحمؿ ذات الخطكرة اإلجرامية لـ يدخؿ في اتفاؽ
ك شرع منفردان في ارتكاب ذات الجناية فإنو سيعاقب بعقكبة الحبس مدة ال تزيد عف ( )4سنكات.
مما يقطع بأف العقاب عمى االتفاؽ الجنائي بيذه الدرجة مف الجسامة يتنافر مع القصد مف التجريـ
كىك القضاء عمى الجريمة كمنعيا كىي في طكر التككيف؛ فالمغاالة في العقاب ستدفع كتشجع المتفقيف عمى
اقتراؼ الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي ،كىك ما يؤدم النعداـ الرابطة المنطقية بيف النص التجريمي كالنص
العقابي.
كىذا التنافر كعدـ التجانس في السياسة الجنائية لممشرع يؤدم إلي افتقاد الصمة بيف النصكص
الجنائية كمقاصدىا ،ككؿ ذلؾ يتعارض جممة كتفصيالن مع ما استقر عميو القضاء الدستكرم بمصر مف أف
السياسة الجنائية الرشيدة يتعيف أف تقكـ عمى عناصر متجانسة ،فإف قامت عمى عناصر متنافرة نجـ عف
ذلؾ افتقاد الصمة بيف النصكص كمرامييا ،بحيث ال تككف مؤدية إلى تحقيؽ الغاية المقصكدة منيا النعداـ
الرابطة المنطقية بينيا؛ تقدي انر بأف األصؿ في النصكص التشريعية – في الدكلة القانكنية – ىك ارتباطيا
عقبلن بأىدافيا ،باعتبار أف أم تنظيـ تشريعي ليس مقصكدان لذاتو ،كانما ىك مجرد كسيمة لتحقيؽ تمؾ
األىداؼ.316
316
حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر بتاريخ 2001/6/2ـ في الدعكل رقـ 114لسنة 21قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/12 :الساعة10:12 :
153
(ج) عقكبة االتفاؽ عمى الخيانة:
فيما يخص جريمة االتفاؽ عمى الخيانة الكاردة بالمادة ( )49مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ
( )74لسنة ،1936يبلحظ الباحث أف المشرع ساكل في العقاب بيف مرتكب جريمة الخيانة كبيف المتفقيف
عمى ارتكاب جريمة الخيانة ،حيث خصص ليـ عقكبة اإلعداـ ،ككنو ساكل بينيـ في التجريـ كاعتبر
االتفاؽ عمى ارتكاب الخيانة ىك ارتكاب لمخيانة ،بقكلو في المادة أعاله" :يعتبر أنو ارتكب الخيانة".
كيرل الباحث أف إفراد عقكبة اإلعداـ عمى مجرد االتفاؽ عمى الخيانة فيو مغاالة كافراط في العقاب
بما يشكؿ إخبلالن بمبدأ التناسب ،كيدلؿ عمى ذلؾ بضرب األمثمة التي تقطع بجسامة العقاب كفداحتو ،ففي
الحالة التي يقكـ بيا شخص بارتكاب جريمة الخيانة في صكرتيا الناقصة -الشركع -فإنو بإعماؿ أحكاـ
317
سيعاقب بعقكبة الحبس المؤبد ،رغـ أف السمكؾ الثاني يجاكز في خطكرتو مجرد االتفاؽ عمى المادة ()52
الخيانة.
كيؤخذ عمى مكقؼ المشرع فيما يتعمؽ بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي أنو ساكل في العقكبة بيف
جميع أطراؼ االتفاؽ ،كىك ما ييعتبر نقصان تشريعيان في مجاؿ التجريـ؛ ككف أف المشرع لـ ييميز بينيـ ،حيث
باقي أعضاء االتفاؽ ،حيث أف العدالة تأبى أف يتساكل في العقاب مف يحرض عمى االتفاؽ الجنائي أك يدير
تنص المادة ( )52مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936عمى أف ":كؿ مف عقد النية عمى تحقيؽ أية غاية مف الغايات المذككرة فيما يمي أم:
317
(أ) تجريد جبللة الممؾ مف صفتو أك شرفو(....ب) إشيار الحرب عمى جبللتو في أم قسـ مف ممتمكات جبللتو(...ج) تحريض أم شخص آخر عمى
اإلغارة بالسبلح عمى أية ،.....يعتبر أنو ارتكب جناية كيعاقب بالحبس المؤبد".
154
فإذا سمٌمنا باختبلؼ درجة الخطيئة كمقدار الخطكرة بيف المحرض عمى االتفاؽ الجنائي كبيف سائر
األعضاء فإف ذلؾ يستتبع بالضركرة عدـ المساكاة في العقاب ،فالمحرض جدير تبعان لذلؾ بعقاب مشدد.
حيث قضت المحكمة الدستكرية العميا المصرية بأف" :العدالة –في غاياتيا -ال تنفصؿ عبلقتيا
بالقانكف باعتباره أداة تحقيقيا ،فبل يككف القانكف منصفان إال إذا كاف كافبلن ألىدافيا ،فإذا ما زاغ المشرع ببصره
عنيا ،كأىدر القيـ األصيمة التي تحتضنيا ،كاف منييان لمتكافؽ في مجاؿ تنفيذه ،كمسقط كؿ قيمة لكجكده،
كمستكجبان تغييره أك إلغاؤه ،كمف ثـ فقد جرل قضاء ىذه المحكمة عمى أف شرعية الجزاء –جنائيان كاف أـ
تأديبيان أـ مدنيان -ال يمكف ضمانيا إال إذا كاف متناسبان مع األفعاؿ التي أثميا المشرع أك منعيا في غير غمك
أك إفراط ،....لضماف أال تنزؿ الدكلة القانكنية بالحماية التي تكفرىا لحقكؽ مكاطنييا كحرياتيـ ،عف الحدكد
الدنيا لمتطمباتيا المقبكلة بكجو عاـ في الدكؿ الديمقراطية ،كيندرج تحتيا ،أال يككف الجزاء عمى أفعاليـ
إفراطان ،بؿ متناسبان معيا ،كمتدرجان بقدر خطكرتيا ككطأتيا عمى الصالح العاـ ،فبل يككف ىذا الجزاء
اعنتان".318
ملطًب يثاْٞ
مف المبادئ الراسخة في القانكف الجنائي أف المشرع ال يعاقب عمى النكايا كاألفكار ما لـ تترجـ في صكر
أفعاؿ مادية ،كىك ما يستتبع معو أف يككف تجريـ المشرع لبلتفاؽ الجنائي منصبان عمى و
فعؿ مادم ،كنتيجة
318حكـ المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 8مايك سنة 2005ـ ،في الدعكل الدستكرية رقـ 332لسنة 23قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة
الدستكرية العميا ،مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/12 :الساعة10:30 :
155
لذلؾ ثار جداؿ في الفقو فيما إذا كانت جريمة االتفاؽ تنطكم عمى سمكؾ مادم أـ ال ،خاصة بعد حكـ
المحكمة الدستكرية العميا بمصر بعدـ دستكرية النص الذم ييجرـ االتفاؽ الجنائي في قانكف العقكبات
المصرم ،كبناء عمى ما سبؽ سكؼ يتـ بياف مدلكؿ مبدأ حظر العقاب عمى النكايا ،كمف ثـ بياف مكقؼ الفقو
يف ع ٍٚ
أفعاؿ" ،فإف انتفى كصؼ الفعؿ انتفى مبرر تدخؿ ىذا القانكف ،كالشؾ في أف القانكف الجنائي ييتـ كذلؾ
بالجاني مف خبلؿ تقرير مدل جدارتو بالعقاب ككيفية تحقيؽ أغراضو كقدر العقكبة المكقعة عميو كتنفيذىا،
غير أنو مع ذلؾ فإف الفعؿ -ال الفاعؿ -ىك الفكرة الرئيسية التي ينيض عمييا القانكف الجنائي في الكقت
الحاضر ،ذلؾ أف انتقاء كجكد ىذا الفعؿ يترتب عميو عدـ جكاز تطبيؽ أحكاـ القانكف الجنائي.320
فالسمكؾ المادم ىك مناط التجريـ كالعقاب ،فبل جريمة بغير ركف مادم ،فالفكرة الشريرة ميما كاف
رسكخيا في النفس البشرية ،كالتصميـ اإلجرامي الجازـ المتصؼ بسبؽ اإلصرار ،ال تقكـ بيما جريمة طالما
319
يركز األساس الفمسفي ليذا الضماف عمى ثبلثة عناصر ىي :مبدأ شرعية الجرائـ كالعقكبات الذم يتطمب أف يككف المخاطبكف بقانكف العقكبات عمى
عمـ باألفعاؿ التي يجب عمييـ تجنب ارتكابيا حتى ال يقعكا في حمأة مخالفة ىذا القانكف كعدـ تطبيؽ قانكف العقكبات بأثر رجعي عمى األفعاؿ السابقة
لتاريخ نفاذ القانكف ،باإلضافة إلى أف مبدأ المسئكلية الشخصية القائمة عمى حرية اإلرادة يفترض كقكع فعؿ معيف معبر عف ىذه اإلرادة ،ىذا بجانب أف
اليقيف القضائي ال يمك ف أف يتكافر إال بالنسبة إلى ثبكت األفعاؿ ،كىك ما يترتب عمى ضماف " األصؿ في المتيـ البراءة" ،ككؿ ىذه العناصر تفصح عف
ابتداء في زكاجره كنكاىيو ىك مادية الفعؿ المؤاخذ عمى ارتكابو ،ايجابيان كاف ىذا الفعؿ أك سمبيان ،ذلؾ أف العبلئؽ التي
ن أف ما يركف إليو قانكف العقكبات
ينظميا ىذا القانكف في مجاؿ تطبيقيا عمى المخاطبيف بأحكامو ،محكرىا األفعاؿ ذاتيا ،في عبلماتيا الخارجية كمظاىرىا الكاقعية ،كخصائصيا المادية،
إذ ىي مناط التأثيـ كعمتو ،كىي التي يتصكر إثباتيا كنفييا ،كىي التي يتـ التمييز عمى ضكئيا بيف الجرائـ بعضيا البعض .انظر في ذلؾ :أحمد فتحي
سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.196
320
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب في قضاء المحكمة الدستكرية العميا ،الجزء األكؿ2008 ،ـ ،ص.8
156
بقيا مجرد ظكاىر نفسية لـ تتخذ سبيميا إلى التعبير المادم الخارج عف كياف صاحبيا ،321ذلؾ أف القانكف
الجنائي ال يعاقب عمى مجرد النية ،322فبل سمطاف لمقانكف عمى ما يدكر في ضمائر األفراد مف أفكار أك ما
يعتقدكنو مف عزائـ أك يبيتكنو مف نكايا طالما أنيا لـ تبرز إلى العالـ الخارجي بأفعاؿ تترجـ عنيا؛ كاستمزاـ
ركف مادم لقياـ الجريمة يبرره أف األفعاؿ المحسكسة ىي كحدىا التي يمكف أف تحقؽ عدكانان عمى الحقكؽ ك
المصالح التي يحمييا القانكف كيرعاىا ،323أما األفكار كالنيات فبل ضرر منيا طالما ظمت حبيسة بيف جدراف
العقؿ ال تبرحو ،فبل ضرر فييا كال خطر منيا عمى أمف الجماعة كاألفراد ،كليس لمقانكف أف يتدخؿ بالعقاب
عمييا كفالة لحرية الفكر ،324كمف ثـ يعد الفعؿ أىـ العناصر لتقدير الخطكرة فيك كاقعة مادية تعبر عف إثـ
كخطكرة الجاني ،أما النكايا كاألفكار كالرغبات المجردة فبل تصمح ألف تككف محبلن لمتجريـ ،حيث إنيا ال ً
تعط
معيا انر كاضحان يمكف بمكجبو تمييز المسئكؿ جنائيا عف غيره مف األشخاص.325
كما أف اشتراط الماديات اإلجرامية يحصر سمطة الدكلة في العقاب في مجاؿ معقكؿ ،كيقي األفراد
احتماؿ مساءلتيـ جنائيان عما جاؿ في خكاطرىـ كأذىانيـ مف مجرد أفكار أك خمجات نفس ،بما في ذلؾ مف
افتئات عمى الحريات العامة ،كذلؾ فإف إقامة الدليؿ لدم سمطات التحقيؽ كالقضاء عمى الماديات يككف
ميسك انر أك عمى األقؿ ممكنان ،بخبلؼ الظكاىر النفسية الغيبية حيث يككف إقامة الدليؿ عمييا عسي انر كقد يككف
في أغمب األحياف مستحيبلن ،فبل يمكف العقاب عمى ما ال ييعرؼ كاال كاف العقاب مف الكجية العممية ال فائدة
منو ،فضبلن عف ذلؾ ماديات الفعؿ ىي التي تجعؿ مف السيؿ الكقكؼ عمى حقيقة التيمة المسندة إلى المتيـ
321
محمكد نجيب حسني ،عبلقة السببية في قانكف العقكبات ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،1983 ،ص.1
322
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.499
323
محمد صبحي نجـ ،قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،1996 ،ص.195
324
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص106
325
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب في قضاء المحكمة الدستكرية العميا ،الجزء األكؿ2008 ،ـ ،ص.11
157
كتكفؿ قد انر مف الحماية مف التيـ الباطمة ،كمف ناحية أخرل فإف مف شأف المحاسبة عمى النكايا كاألفكار أف
عبلكةن عمى أف محاسبة األفراد عف النكايا مف شأنو أف يعصؼ بحقكؽ األفراد كحرياتيـ الخاصة،327
ككذلؾ تأبى قكاعد العدالة أف يؤسس التجريـ عمى ما كمف في النفس البشرية كلـ يظير لمعمف بسمكؾ مادم
مممكس ،فاألخير ىك مف يرسـ حدكد الشارع الجزائي ،328فالقانكف ال يحفؿ بمثؿ ىذه النكايا كالخكاطر ميما
بدت في حقيقتيا شريرة كاجرامية كلك قصد صاحبيا منيا ارتكاب الجريمة ،ما لـ تظير لمعالـ الخارجي بسمكؾ
مادم؛ لككف تجريـ النكايا ال يجدم نفعان لككنيا غير ضارة في ذاتيا ،ال بؿ أف تجريميا قد ييشجع األفراد عمى
تجاكز مرحمة النية إلى مرحمة التنفيذ ،متى كجدكا أنفسيـ معرضيف لمعقاب في الحالتيف.329
إف النظاـ القانكني يجب أف تسكده مبدأ الكحدة ،فبل تتعارض نصكصو أك تتنافر فيما بينيا،
كنصكص الدستكر تساىـ في تحقيؽ االنسجاـ كالترابط في بنياف النظاـ القانكني ،كقد يحمي القانكف الجنائي
حقكقان يقررىا الدستكر ،كعمى العكس مف ذلؾ فقد يرفع الدستكر بعض القكاعد الجنائية إلى مرتبة المبادئ
الدستكرية ،كاذا كاف القانكف الجنائي قد قرر أىمية الفعؿ بحسبانو يرسـ الحد الفاصؿ لتدخؿ المشرع بالتجريـ،
326
ىبللي عبد البله أحمد المرجع السابؽ ،ص .53سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.107 -106
327
محاسبة األفراد عف النكايا مف شأنو أف يعصؼ بحقكؽ األفراد كحرياتيـ الخاصة ،كأف يميد لقياـ لدكلة االستبدادية التي تستبيح المساس بحريات
األفراد كأمنيـ باتخاذ إجراءات التحرم كاالستدالؿ التي تناؿ مف ىذه الحريات بدعكل مخالفتيـ لمقانكف ،كما يتيح ليا أف تعيد اتياـ الشخص أكثر مف
مرة ،دكف أف يستطيع أف يتمسؾ بسابقة معاقبتو عف ىذه التيمة ،كما أنو بفرض تكافر قدر مف الخطكرة اإلجرامية لمف تتكافر لديو النية اإلجرامية فإف
غياب الفعؿ المادم يجعؿ مف الصعكبة التمييز بيف ىذه النية اإلجرامية الجازمة كبيف مجرد بعض األكىاـ التي تجكؿ في نفس صاحبيا ،كالمعاقبة عمى
النية اإلجرامية المتجردة مف الفعؿ المادم مف شأنو أف يؤدم إلى اتساع نطاؽ تطبيؽ القانكف الجنائي كاإلفراط في التجريـ ،ليناؿ مجرد الحالة الذىنية
التي تقكـ في نفس صاحبيا كىك منا يناؿ أىداؼ القانكف الجنائي ذاتيا فبل يكاد يكجد امرئ لـ تكسكس لو نفسو بفكرة شريرة ،كمف شأف تجريـ النكايا التي
= انطكت عمييا النفس أف يتعارض مع الطبيعة النفسية ال تي طبع اإلنساف عمييا ،بؿ أف مفً شأف تجريـ النكايا كاألفكار المجردة أف يككف كؿ شخص
محبلن لمعقاب عمييا ،ك كذلؾ الفعؿ المادم ىك أداة التمييز بيف الجرائـ المختمفة كالكقكؼ عمى طبيعتيا كعمى العناصر الداخمة فييا .
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،مرجع سابؽ ،ص.12 -11
328
أميف مصطفى محمد ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،دار المطبكعات الجامعية ،القاىرة ،2016 ،ص.227
329
سميماف عبد المنعـ ،النظرية العامة لقانكف العقكبات ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،ص.458
158
فإف الدستكر بتقريره لمبدأ الشرعية كمبدأ عدـ رجعية النصكص الجنائية عمى الماضي المادة ( )15مف
القانكف األساسي الفمسطيني ،330قطع بما ال يدع مجاؿ لمشمؾ بأنو ال يصمح في نظر الدستكر لمتجريـ ما ىك
دكف الفعؿ ،331كقد حرصت المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا عمى تأكيد ىذه القاعدة بقكليا أف القانكف
األساسي المعدؿ لسنة 2003كتعديبلتو ،بما نص عميو في المادة ( ،)15قد د ٌؿ عمى أف لكؿ جريمة ركنان
ماديان ال قكاـ ليا بغيره ،يتمثؿ أساسان في فعؿ أك امتناع كقع المخالفة لنص عقابي يؤاخذ عمى ارتكابو إيجابيان
كاف ىذا الفعؿ أـ سمبيان ،ذلؾ أف العبلئؽ التي ينظميا ىذا القانكف في مجاؿ تطبيقو عمى المخاطبيف بأحكامو
محكرىا األفعاؿ ذاتيا في عبلماتيا الخارجية كمظاىرىا الكاقعية كخصائصيا المادية التي تشكؿ مناط التأثيـ
كعمتو ،كىي التي تصكر إثباتيا كنفييا ،كالتي يتـ التمييز عمى ضكئيا بيف الجرائـ بعضيا البعض ،كالتي
كأكدت المحكمة الدستكرية العميا في فمسطيف أف نصكص الدستكر تعتد باألفعاؿ كحدىا بكصفيا
مناط التأثيـ كعمتو كأنو ال يتصكر كفقان ألحكاـ الدستكر أف تكجد جريمة في غيبة ركنيا المادم.333
330
المادة ( )15مف القانكف األساسي الفمسطيني (العقكبة شخصية ،كتمنع العقكبات الجماعية ،كال جريمة كال عقكبة إال بنص قانكني ،كال تكقع عقكبة
إال بحكـ قضائي ،كال عقاب إال عمى األفعاؿ البلحقة لنفاذ القانكف).
331
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب في قضاء المحكمة الدستكرية العميا ،مرجع سابؽ ،ص.16
332
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد ،149
ص.162
333
ككذلؾ أكدت المحكمة الدستكرية العميا في فمسطيف أف نصكص الدستكر تعتد باألفعاؿ كحدىا بكصفيا مناط التأثيـ كعمتو ،كذلؾ عمى أساس
أنيا دكف غيرىا ىي التي يجكز إثباتيا أك نفييا ،كىي التي يتصكر أف تككف محؿ تقدير محكمة المكضكع ،كأف تككف عقيدتيا بالبناء عميو .حكـ
المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد ،149ص .161
كأكدت ذات المحكمة في ذات حكميا أنو ال يتصكر كفقان ألحكاـ المادة ( )15مف القانكف األساسي أف تكجد جريمة في غيبة ركنيا المادم ،كال
إقامة الدليؿ عمى تكافر عالقة السببية بيف مادية الفعؿ المؤثـ كالنتائج التي أحدثتيا بعيدان عف حقيقة ىذا الفعؿ ك محتكاه ،كالزـ ذلؾ أف كؿ مظاىر
التعبير عف اإلرادة البشرية كليس النكايا التي يضمرىا اإلنساف في أعماؽ ذاتو تعد كاقعة في منطقة التجريـ ،كمما كانت تعكس سمككان خارجيان مؤاخذان
عميو قانكنان ،فإذا كاف األمر غير متعمؽ بأفعاؿ أحدثتيا إرادة مرتكبيا ،كتـ التعبير عنيا خارجيان في صكرة مادية ال تخطئيا العيف ،فميس ثمة جريمة.
159
يف ع يثاْٞ
قضت المحكمة الدستكرية العميا بمصر بعدـ دستكرية نص المادة ( )48مف قانكف العقكبات المصرم
التي تجرـ مجرد االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة أك عمى األعماؿ المجيزة أك المسيمة ليا ،كاستندت
ألكثر مف حجة قانكنية ،كفيما يمي بياف لبعض ما ساقتو المحكمة مف حجج رئيسة.
الحجة األكلى:االتفاؽ الجنائي يخالؼ مبدأ حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار ،عمى أساس أف اتحاد
اإلرادات الذم يقع بو االتفاؽ ،ال يتعمؽ بأفعاؿ أحدثتيا إرادة مرتكبيا ،كرغـ التعبير عنيا خارجيان في صكرة
مادية ال تخطئيا العيف ،حيث قالت المحكمة في حيثيات حكميا":كحيث إف الدستكر -بنص المادة 66
سالفة الذكر -قد دؿ عمى أف لكؿ جريمة ركنا ماديا ال قكاـ ليا بغيره يتمثؿ أساسا في فعؿ أك امتناع كقع
بالمخالفة لنص عقابي ،مفصحا بذلؾ عف أف ما يركف إليو القانكف الجنائي ابتداء في زكاجره كنكاىيو كمادية
الفعؿ المؤاخذ عمى ارتكابو إيجابيان كاف ىذا الفعؿ أـ سمبيان ،ذلؾ أف العبلئؽ التي ينظميا ىذا القانكف في
مجاؿ تطبيقو عمى المخاطبيف بأحكامو ،محكرىا األفعاؿ ذاتيا ،في عبلماتيا الخارجية ،كمظاىرىا الكاقعية،
كخصائصيا المادية ،إذ ىي مناط التأثيـ كعمتو ،كىى التي يتصكر إثباتيا كنفييا ،كىى التي يتـ التمييز عمى
ضكئيا بيف الجرائـ بعضيا البعض ،كىى التي تديرىا محكمة المكضكع عمى حكـ العقؿ لتقييميا كتقدير
العقكبة المناسبة ليا ،كال يتصكر بالتالي كفقا ألحكاـ الدستكر أف تكجد جريمة في غيبة ركنيا المادم ،كال
إقامة الدليؿ عمى تكافر السببية بيف مادية الفعؿ المؤثـ كالنتائج التي أحدثيا بعيدان عف حقيقة ىذا الفعؿ
كمحتكاه ،كالزـ ذلؾ أف كؿ مظاىر التعبير عف اإلرادة البشرية -كليس النكايا التي يضمرىا اإلنساف في
160
أعماؽ ذاتو -تعتبر كاقعة في منطقة التجريـ كمما كانت تعكس سمككا خارجيا مؤاخذا عميو قانكنا ،فإذا كاف
األمر غير متعمؽ بأفعاؿ أحدثتيا إرادة مرتكبيا ،كتـ التعبير عنيا خارجيا في صكرة مادية ال تخطئيا العيف،
الحجة الثانية:تجريـ االتفاؽ يتنافر مع سياسة الشارع في تجريـ الشركع ،ذلؾ أف العزـ الجنائي
عمى ارتكاب الجريمة كاألعماؿ التحضيرية ليا ال يكفي لتكافر البدء في التنفيذ ،حيث قالت المحكمة في
حيثيات حكميا:
" كحيث إف السياسة الجنائية الرشيدة يتعيف أف تقكـ عمى عناصر متجانسة ،فإف قامت عمى عناصر
متنافرة نجـ عف ذلؾ افتقاد الصمة بيف النصكص كمرامييا ...متى كاف ذلؾ ككاف المشرع الجنائي قد نظـ
أحكاـ الشركع في الباب الخامس مف قانكف العقكبات المكاد مف ( )45إلى ( )47كىك الذم يسبؽ مباشرة
الباب السادس الخاص باالتفاؽ الجنائي ،ككاف الشركع ىك البدء في تنفيذ فعؿ بقصد ارتكاب جناية أك جنحة
إذا أكقؼ أثره ألسباب ال دخؿ إلرادة الفاعؿ فييا ،ككاف مجرد العزـ عمى ارتكاب الجريمة أك األعماؿ
التحضيرية لذلؾ ال يعتبر شركعان ،بحيث يتعدل الشركع مرحمة مجرد االتفاؽ عمى ارتكاب الجريمة إلى البدء
فعبل في تنفيذىا ،....فإذا أعقب المشرع تمؾ األحكاـ بالنص في المادة ( )48عمى تجريـ مجرد اتحاد إرادة
شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب أم جناية أك جنحة أك عمى األعماؿ المجيزة أك المسيمة الرتكابيا ،كتحديد
العقكبة عمى النحك السالؼ بيانو بالعقكبة المقررة الرتكاب الجناية أك الجنحة محؿ االتفاؽ ،فإنو يككف منتيجان
نيجان يتنافر مع سياسة العقاب عمى الشركع ،كمناقضا -بالتالي -لؤلسس الدستكرية لمتجريـ".335
334
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة /2يكنيك2001/ـ ،القضية رقـ 114لسنة 21قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/18 :الساعة10:11 :
335
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة /2يكنيك2001/ـ ،مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/6/19 :الساعة3:12 :
161
كال يتفؽ الباحث مع ما ذىبت إليو المحكمة فيما ساقتو مف حجج ،كذلؾ لألسباب اآلتية:
أكالن :تجريـ االتفاؽ الجنائي في ذاتو ال يتعارض مع مبدأ حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار ،كبياف
بداية االتفاؽ عينو يتطمب التعدد كىك ثمرة اقتراف اإليجاب بالقبكؿ ،ككؿ مف اإليجاب كالقبكؿ ىي
مظاىر لمتعبير عف اإلرادة الكامنة في النفس البشرية ،كبناء عمى ذلؾ ال يصح البتة الزج بيا ضمف ما
يختمج النفس مف نكايا كأفكار؛ ككف كبلن مف اإليجاب كالقبكؿ المقترف بو-االتفاؽ -ىي ترجمة لمرغبة كالنية
في االتفاؽ أيان كاف الشكؿ الذم اتخذه ىذا التعبير عف اإلرادة ،كلذلؾ مف الخطأ القكؿ أف تجريـ اتحاد
اإلرادات غير منصب عمى فعؿ مادم ،فيذا ال يصح سكل في الحالة التي يككف مناط التجريـ ىك اإلرادات
المضمرة عينيا ،في حيف أف الحقيقة ىي أف الشارع جعؿ مف التعبير عف ىذه اإلرادات بأم شكؿ مف
األشكاؿ في العالـ الخارجي مناطان لتجريمو ،فشتاف بيف تجريـ فعؿ أك امتناع يترجـ لنا عقد العزـ عمى
اإلجراـ ،كبيف تجريـ العزـ كالتصميـ الجنائي نفسو أم أف تككف النكايا كاألفكار المضمرة ىي مناط التجريـ.
كذلؾ يرل الباحث أنو إذا ما نظرنا في تككيف ىذا االتفاؽ نجد أف الدعكة إلجراء اتفاؽ جنائي التي لـ
تقترف بقبكؿ ،تعد تحريضان يعاقب عميو القانكف ،فيؿ يعقؿ أف يتضارب التكييؼ القانكني تجاه الفرض الكاحد،
تارة نسمـ بأنو فعؿ مادم مممكس كتارة ننكر ذلؾ كنصنفو أف مجرد نكايا كأفكار ،فاالتفاؽ ما ىك إال ثمرة
كيرل الباحث أف المحكمة كىي إزاء الحكـ فيما إذا كاف تجريـ االتفاؽ مناطو فعؿ مادم أـ ال ،قد
تأثرت بمراحؿ الجريمة محؿ االتفاؽ الجنائي ،كلكف رغـ ذلؾ اذا ما تـ النظر لبلتفاؽ مف زاكية مراحؿ
الجريمة محؿ االتفاؽ سنجد أنو جاكز مرحمة العزـ ك التصميـ بالنسبة لمجريمة المتفؽ عمييا ،فمثبلن االتفاؽ
162
عمى جناية قتؿ ،يقكـ كؿ طرؼ فيو بترجمة العزـ كالتصميـ الجنائي الفردم عمى القتؿ بفعؿ ظاىر أال كىك
"اإليجاب" أك "القبكؿ" حسب الحاؿ؛ مما يعني أف االتفاؽ إذا ما أردنا تصنفيو بالنظر لمراحؿ الجريمة المتفؽ
عمييا ،سنجد أيضان أنو جاكز دائرة التفكير كالعزـ الجنائي ،كلما كاف ذلؾ فإنو تجريـ ىذا السمكؾ مف عدمو
يبقى محككمان بإرادة الشارع الجزائي الذم ييقدر فيما إذا كاف ىذا السمكؾ فيو مف الخطكرة ما تستدعي تجريمو
استقبلالن أـ ال ،ك ذلؾ في حالة التي يككف فييا ذلؾ السمكؾ غير كاقع ضمف دائرة البدء في التنفيذ أك العكس
بحيث أف المشرع تككف قد اتجيت إرادتو رغبتو نحك تجريمو كجعمو جريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،فمثبلن
األعماؿ التحضيرية ىي كأصؿ عاـ غير معاقب عمييا ،كلكف في بعض األحكاؿ يجرـ المشرع بعض
األفعاؿ التي تعد مف قبيؿ األعماؿ التحضيرية استثنا نء كحمؿ السبلح دكف ترخيص ،كال يصح البتة في ىذه
الحالة أف نصفيا بأنيا مجرد أعماؿ تحضيرية ككف أنيا أصبحت جريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،فالمتفؽ لـ يقؼ
عند مرحمة التصميـ كالعزـ بؿ جاكزىا إلى مرحمة التنفيذ الكامؿ لجريمة تقكـ بفعؿ االتفاؽ،
كالتحريض عمى ارتكاب جريمة ما باألصؿ غير معاقب عميو في التشريعات التي تعتبر التحريض
مجرد كسيمة مساىمة ،كلذلؾ ال يعاقب عميو إال اذا كقعت الجريمة محؿ المساىمة سكاء في صكرتيا التامة
أـ الناقصة ،كلكف لخطكرة التحريض كلكي ال تتح لممحرض فرصة اإلفبلت مف العقاب كلرغبة المشرع في
مكافحة الجريمة كىي في بذركىا األكلى ،اتجو نحك تجريـ التحريض كجريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،ينصب في
التجريـ عمى التحريض عينو ،كذلؾ التجريـ مناطو فعؿ مادم مممكس تـ فيو ترجمة النية اإلجرامية ،فالمشرع
ال يعاقب عمى مجرد كجكد رغبة أك نية لدل أحدىـ في حمؿ غيره عمى ارتكاب جريمة مف الجرائـ ما لـ
تترجـ ىذه النية بسمكؾ مادم يككف مناطان لمتجريـ كالعقاب ،كذات األمر يصدؽ بالنسبة لبلتفاؽ الجنائي
163
فالمشرع ال يعاقب عمى مجرد كجكد رغبة أك نية لدل شخصيف أك أكثر عمى إبراـ اتفاؽ الرتكاب جناية أك
جنحة ما لـ تترجـ ىذه النية بسمكؾ مادم يككف مناطان لمتجريـ كالعقاب أال كىك االتفاؽ.
عبلكةن عمى كؿ ذلؾ فإف القكؿ بأف تجريـ االتفاؽ الجنائي يعد خركجان عمى مبدأ حظر العقاب عمى
النكايا كاألفكار ،يرل الباحث أف يستتبع معو إلغاء االتفاؽ ككسيمة مف كسائؿ المساىمة التبعية ،كذلؾ ألف
كسائؿ المساىمة الجنائية كاف كانت غير مجرمة في ذاتيا كانما لصمتيا بفعؿ إجرامي ،إال أنيا تخضع لمبدأ
حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار ،كبناء عمى ذلؾ ال يجكز أف تككف النكايا كاألفكار ضمف كسائؿ المساىمة
التبعية ،فبل يعقؿ كال يستساغ منطقان أف يساىـ شخص في الجريمة بمجرد عزمو الجنائي ككذلؾ ىك أمر تأباه
العدالة ،التابع تابع كال يفرد بالحكـ ،فإذا كاف نشاط المساىـ األصمي في جريمة االتفاؽ ال يعد مناطان لمتجريـ
إال إذا كاف فعبلن ماديان فإف ذات الحكـ يمتد ليشمؿ نشاط المتفؽ كمساىـ تبعي كلذات االعتبارات.
فالمساىمة األصمية ىي المصدر الذم تستمد منو المساىمة التبعية صفتيا اإلجرامية ،كنتيجة لذلؾ؛
كانت المساىمة التبعية متطمبة عبلقة سببية تربط بيف نشاط المساىـ التبعي كالفعؿ الذم يقكـ بو الركف
المادم لمجريمة كالنتيجة التي تترتب عميو ،كبغير ىذه العبلقة يغدك نشاط المساىـ التبعي غير ذم صمة
بالجريمة فبل تقكـ مف أجمو مسئكلية ،كالصفة غير المشركعة لنشاط المساىـ التبعي مصدرىا فعؿ المساىـ
األصمي كصفتو غير المشركعة ،كىي ببل شؾ داخمة في كياف المساىمة التبعية ،إذ ىي تكييؼ قانكني
يكتسب بو نشاط المساىـ التبعي أىميتو في نظر القانكف فيرقى مف مجرد -نشاط مادم -ال يعني الشارع في
336
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.248
164
كبناء عمى ذلؾ ،فإنو مف غير المعقكؿ أف يككف ىناؾ عبلقة سببية بيف النتيجة اإلجرامية التي
تتمثؿ في نشاط المساىـ األصمي كبيف مجرد االتفاؽ الذم ارتأت المحكمة الدستكرية كمعيا جانب مف الفقو،
كلممساىمة التبعية ركف مادم قكامو النشاط الذم يصدر عف المساىـ التبعي ،كعبلقة السببية التي
تربط بينو كبيف فعؿ المساىـ األصمي كالنتيجة اإلجرامية التي تترتب عمى كؿ أفعاؿ المساىمة في الجريمة،
كيتمثؿ فيو االعتداء عمى الحؽ الذم يحميو القانكف ،كالتشريعات الحديثة تحدد عمى سبيؿ الحصر كسائؿ
كالركف المادم لممساىمة التبعية ىك النشاط الذم يأتيو المساىـ التبعي ،كما يترتب عميو مف آثار،
كغني عف البياف أنو إذا تخمؼ ىذا الركف فقد انتفت المساىمة التبعية ذاتيا؛ إذ مف المبادئ األساسية في
التشريع الجنائي الحديث أنو ال قياـ لممسئكلية الجنائية إال إذا صدر عف الجاني نشاط مادم ذك آثار مممكسة
كمف المبادئ المسمـ بيا أنو ال سمطاف لمقانكف عمى ما يدكر في ضمائر األفراد مف أفكار أك ما
يعتقدكنو مف عزائـ أك يبيتكنو مف نيات طالما أنيا لـ تبرز إلى العالـ الخارجي بأفعاؿ تترجـ عنيا ،ك ليذا
كانت كؿ جريمة مستمزمة بالضركرة لقياميا ركنان ماديان يتمثؿ في فعؿ أم كاقعة خارجية تدركيا الحكاس
كتستند إلى الجاني مف الناحية المادية ،كاستمزاـ ركف مادم لقياـ الجريمة يبرره أف األفعاؿ المحسكسة ىي
كحدىا التي يمكف أف تحقؽ عدكانان عمى الحقكؽ كالمصالح التي يحمييا القانكف كيرعاىا ،أما األفكار كالنيات
337
جبلؿ ثركت ،نظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .320 -315محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات
العربية ،مرجع سابؽ ،ص .254
338
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .765-764محمكد نجيب حسني ،مرجع سابؽ ،ص.282
165
فبل ضرر منيا طالما ظمت حبيسة النفس كليس لمقانكف أف يتدخؿ بالعقاب عمييا كفالة لحرية الفكر،339
كيشكؿ الركف المادم الجسـ المادم لمجريمة التي ال يكتمؿ بنيانيا إال بو ،كيككف لو طبيعة محسكسة ،كال
يمكف لمقانكف أف يعرؼ الجرائـ إال بركنيا المادم ،فبدكنو ال يكجد اعتداء عمى الحقكؽ التي يحمييا المشرع،
كيمكف تعميؿ اشتراط ىذا الركف فيما يراه الفقو مف أف اليدؼ مف التجريـ كالعقاب ىك حماية حؽ أك مصمحة
ذات أىمية اجتماعية ،كىك ما يفترض إىدار ىذا الحؽ أك المصمحة ،كىذا اإلىدار في ذاتو كاقعة مادية كال
بد ليا مف سبب مادم أحدثتيا ،كما أف اشتراط الماديات اإلجرامية يحصر سمطة الدكلة في العقاب في مجاؿ
معقكؿ ،كيقي األفراد احتماؿ مساءلتيـ جنائيان عف مجرد أفكار أك خمجات نفس ،بما في ذلؾ مف افتئات عمى
الحريات العامة ،كذلؾ فإف إقامة الدليؿ لدم سمطات التحقيؽ كالقضاء عمى الماديات يككف ميسك انر أك عمى
األقؿ ممكنان ،بخبلؼ الظكاىر النفسية التي يككف إقامة الدليؿ عمييا عسي انر كقد يككف في أغمب األحياف
مستحيبلن.340
باإلضافة إلى ذلؾ يرل الباحث أف النماذج التي كرد التجريـ فييا عمى اإلفصاح عف اإلرادة مف
جانب كاحد مثؿ عرض الرشكة ،لـ يقؿ أحد بأنيا عقاب عمى نكايا كأفكار؛ لذلؾ مف باب أكلى أال ينطبؽ ذلؾ
عمى االتفاؽ الجنائي ككف أف التجريـ يرد فيو عمى العمؿ المفصح عف اإلرادة مف أكثر مف جانب ،تبلقي
إرادتيف أك أكثر ،كاذا سممنا جدالن بأف تجريـ االتفاؽ الجنائي كارد عمى نكايا كأفكار؛ فإف ىذا يستتبع معو
كلذات السبب تكحيد الحكـ بالنسبة لكؿ حالة تقكـ بيا الجريمة كاممةن بمجرد التقابؿ بيف اإلرادات ،كبالتالي
ستدخؿ جريمة العقد ضمف ىذا النطاؽ فيي تقكـ بمجرد التعاقد أك التقابؿ بيف إرادتيف أك أكثر ،كمثاؿ ذلؾ
جريمة االنتساب لجمعية غير مشركعة المادة ( )70مف قانكف العقكبات رقـ 74لسنة ،1936كسبب تجريـ
339
محمد صبحي نجـ ،قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،1996 ،ص.195
340
ىبللي عبد البله أحمد ،مرجع السابؽ ،ص.53
166
مجرد التعاقد ىنا ىك صفة المتعاقد معو "الجمعية غير المشركعة" ،ككذلؾ جريمة بيع المكاد الفاسدة ()196
كسبب تجريميا أف مكضكع التعاقد ىنا ييضر بالصحة ،إذ تقكـ الجريمة في ىذه الحاالت بمجرد إبراـ العقد،
عبلكةن عمى ذلؾ ،لما كاف مبدأ حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار يمنع مف العقاب مطمقان عمى كؿ ما
ىك دائر في محيط العقؿ دكف أف يككف لو أثر خارجي ،فإنو ال تعارض بينو كبيف االتفاؽ الجنائي ،فصحيح
أف تبلقي اإلرادات ىك مضمكف نفسي كلكف رغـ ذلؾ يرل الباحث أنو ينبغي االنتباه أنو نتاج لسمكؾ مادم
المقترف بو القبكؿ ،كيعزز الباحث رأيو بتجريـ المشرع لسمكؾ التيديد بالعنؼ الكارد بالمادة
يتمثؿ في اإليجاب ي
( )100مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة ،1936فإذا عزـ زيد كصمـ عمى قتؿ غريمو عمرك ،فقاـ
بتيديده ،فإف ىذا التيديد رغـ أنو ال يعد شركعان كال عمبلن تحضيريان كلكنو رغـ ذلؾ مجرـ قانكنان ،فإذا قمنا
بتقييمو بالنظر إليو مف ازكية مراحؿ الجريمة مكضكع التيديد كجدنا أنو مجرد إفصاح عف العزـ كالتصميـ
قدر المشرع خطكرتو اإلجرامية عمى أمف المجتمع؛ لذلؾ ارتأل العقاب
الجنائي عمى القتؿ ،كلكف رغـ ذلؾٌ ،
عميو ،كبناء عمى ذلؾ يككف مف غير الدقيؽ القكؿ بأف تجريـ المشرع لمجرد اإلفصاح عف النكايا كاألفكار فيو
خركج عمى مبدأ العقاب عمى النكايا كاألفكار طالما أف التجريـ كارد عمى فعؿ مادم.
كالجدير بالذكر أف المشرع قطع الشؾ باليقيف فيما يتعمؽ فيما إذا كاف تجريـ االتفاؽ منصب عمى ما
يختمج النفس مف نكايا أـ ال ،كذلؾ مف خبلؿ تأكيده عمى أف االتفاؽ الجنائي-التآمر -يدخؿ في نطاؽ الفعؿ
167
341
مف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ التي حددت نطاؽ الفعؿ العمني بمكجب أحكاـ المادة ()58
العمني في الجرائـ الكارد تعريفيا الفصؿ الثامف ،كغني عف البياف أف الفعؿ العمني ىك :إظيار لمنكايا غير
المحسكسة ،كبناء عميو ىؿ يستقيـ منطقيان أف يككف تجريـ االتفاؽ الجنائي منصب عمى نكايا كأفكار ،في
الحيف الذم يعتبره المشرع فعبلن عمنيان ييظير كيترجـ النكايا ،كلكؿ ذلؾ ال يستساغ القكؿ أف خبايا النفس
كاألفكار حبيسة جدراف العقؿ يتـ ترجمتيا أيضان بنكايا كأفكار ،كطالما أف المشرع أصاب صحيح المنطؽ
القانكني كاعتبر االتفاؽ الجنائي يدخؿ ضمف نطاؽ الفعؿ العمني بنص قطعي الداللة تعيف العمؿ بالقاعدة
اختمؼ الفقو الجنائي حكؿ ما إذا كاف تجريـ االتفاؽ الجنائي منصبان عمى فعؿ مادم أـ مجرد نكايا
يرل جانب مف الفقو أف قياـ المشرع بتجريـ مجرد االتفاؽ الجنائي ال يعد خركجان عمى مبدأ حظر
العقاب عمى النكايا كاألفكار؛ باعتبار أف جريمة االتفاؽ الجنائي تنطكم عمى سمكؾ مادم يتمثؿ في تعبير
341
المادة ( )58مف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة (:1974إذا كاف إظيار النية بفعؿ عمني لتحقيؽ أية غاية مف الغايات يككف عنص انر مف عناصر
الجرـ في حالة ارتكاب جرـ مف الجرائـ الكارد تعريفيا في ىذا الفصؿ ،فكؿ تآمر مع أم شخص عمى تحقيؽ تمؾ الغاية ككؿ فعؿ يقكـ بو أم شخص
مف المتآمريف في سبيؿ تحقيقيا ،يعتبر فعبلن عمنيان إلظيار تمؾ النية).
168
الجاني عف تصميمو اإلجرامي بقكؿ أك بفعؿ أك إيماء ،342فتجريـ االتفاؽ الجنائي منصب عمى مظير مادم
مممكس ،كليس ىذا المظير إال سمككان خارجيان كافيان العتبار الكاقعة متجاكز محض النية الباطنية ،حيث يتخذ
السمكؾ المادم المككف لمجريمة صكرة التبلقي بيف إرادتيف فأكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،343كىذا األمر
يتحقؽ مف خبلؿ قياـ أحد األعضاء بالتعبير عف إرادتو بمظير خارجي بحيث يصؿ التعبير إلى سائر
األعضاء كيمقي قبكالن لدييـ ،كيأخذ االتفاؽ بطبيعتو مظي انر ماديان مممكسان فيك يقتضي إفصاح كؿ عضك عف
إرادتو بحيث يعمـ بيا باقي أعضاء االتفاؽ فيتحقؽ ليـ أف تسير إرادتيـ في اتجاه كاحد كتتبلقى حكؿ ذات
المكضكع ،كاإلفصاح عف اإلرادة يقتضي ماديات كالقكؿ الشفكم أك الكتابة أك حتى اإليماءة " اإلشارة ذات
الداللة".344
فبل يمكف تجاىؿ حقيقة أف تبلقى اإلرادات في االتفاؽ ،ال يتحقؽ ما لـ يقـ الشريؾ في االتفاؽ
الجنائي بالتعبير عف الفكرة اإلجرامية التي كانت حتى ذلؾ الحيف حبيسة في نفسو ،فتنطمؽ الفكرة بأم صكرة
مف صكر التعبير عف اإلرادة إلى الحيز الخارجي بما تضمنو مف خطر ييدد أمف المجتمع كسبلمتو ،كال
يصح القكؿ أف عمة تجريـ االتفاؽ مردىا اعتداد المشرع بخطكرة "التفكير" في الجريمة ،كانما بالنظر إلى ذات
التعبير عف ىذه الفكرة كما ينطكم عميو مف خطر ،لذلؾ مف الخطأ القكؿ بأف العقاب عمى االتفاؽ ييعد
342
محمكد نجيب حسني ،عبلقة السببية في قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.2-1
343
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.825
344
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص.469
345
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.111
169
االتجاه الثاني :االتفاؽ الجنائي صكرة لمتصميـ كالعزـ الجنائي:
يرل جانب مف الفقو أف االتفاؽ الجنائي ىك تجريـ لمعزـ الجنائي الجماعي ككنو ينطكم عمى مظير
الراسخ في القانكف الجنائي بعدـ تجريـ كعقاب مجرد التصميـ كالعزـ الجنائي أم مجرد النكايا كاألفكار ما
دامت تركج في ذىف أصحابيا ،كلـ تخرج بعد إلى الكاقع مجسمة في فعؿ مادم ،رغبةن منو في القضاء عمى
الخطر المحيؽ كىك في ميده ،كبالتالي ىذا النكع مف الجرائـ ال تحتكم في حقيقتيا عمى فعؿ غير مشركع
كلذلؾ يرفض ىذا االتجاه تجريـ االتفاؽ ككنو-كفؽ رأييـ -يقع دكف السمكؾ المادم كاألفكار كالنكايا
كالمعتقدات كالتي ال يجكز أف تككف محبلن لمتجريـ مف أجؿ ضماف احتراـ الحقكؽ كالحريات ،فالقانكف الجنائي
ال ييتـ إال بما يفعمو المرء ال بما عميو مف حاؿ ،كلذلؾ يتنافى تجريـ االتفاؽ مع المبدأ الدستكرم الذم يحظر
العقاب عمى األفعاؿ المادية ،347فالعقاب عمى مجرد التصميـ كالعزـ أك النية يجافي مبدأ الشرعية الجنائية،
لذلؾ تعد جريمة االتفاؽ شذكذان عف قاعدة عدـ تجريـ التفكير في الجريمة ،فالقانكف الجزائي ال يبلحؽ
كفي ىذا االتجاه ذىب رأم في الفقو إلى أف المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ قد
أخذ بفكرة االتفاؽ كجريمة مستقمة بغض النظر عف تنفيذىا ،انطبلقان مف أف العزـ الجنائي لـ يعد فرديان بؿ
346
عبد الكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،مرجع سابؽ ،ص .23عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،الجزء الثاني ،منشكرات الجامعة
االفتراضية السكرية ،سكريا ،2018 ،ص .16-115محمكد محمكد مصطفى ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،مرجع سابؽ ،ص .390طبلؿ عبد
حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص .145محمد الفاضؿ ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،الجزء األكؿ ،1965 ،ص.56
347
محمكد محمكد مصطفى ،شرح قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص .390عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.17
348
خالد صفكت بينساكم ،مرجع سابؽ ،ىامش صفحة .232
170
أصبح جماعيان ،حيث خرجت الفكرة اإلجرامية مف ذىف شخص ما كتبلقت مع إرادة أخرل ،األمر الذم يشكؿ
خطكرة كبيرة عمى أمف المجتمع ،كبالتالي كاف البد مف عدـ االنتظار لحيف كقكع الجريمة محؿ االتفاؽ ،مما
مف المبادئ المستقرة أف المرء ال يؤاخذ عمى ما يدكر في ذىنو طالما لـ يخرج لحيز التنفيذ ،كفي المجاؿ
الجزائي يجب أف يبقى بمنأل عف العقاب كؿ ما يسبؽ مرحمة البدء في التنفيذ ،كيرل ىذا الرأم أنو لما كاف
العقاب عمى مجرد التآمر أك االتفاؽ حتى كاف لـ تتـ الجريمة أك لـ يتـ البدء فييا يخالؼ ىذه المبادئ؛ فإنو
يجب أف يبقى ىذا االستثناء في أضيؽ الحدكد ليس مف المقبكؿ أف مسمؾ المشرع في قانكف عقكبات رقـ
( )74لسنة 1936ـ الذم جعؿ مف ىذا االستثناء كما لك كاف أصبلن ،عبر عقابو عمى مجرد التآمر عمى
كيذىب الباحث إلى تأييد االتجاه الذم يرل أف التدخؿ التشريعي مف جانب المشرع الجزائي في
تجريـ حالة االتفاؽ الجنائي ال يشكؿ خركجان عمى مبدأ حظر العقاب عمى األفكار أك النكايا الكامنة في
النفس ك مجرد العزـ كالتصميـ ،كيستند الباحث في تأييده عمى األسانيد اآلتية:
(أ) -ال يتفؽ الباحث مع ما ذىب إليو أنصار الرأم الثاني كذلؾ الفتراضيـ التعارض بيف مبدأ عدـ
العقاب عمى النكايا المجردة كبيف تجريـ االتفاؽ ،فصحيح أف القانكف الجزائي ال يبلحؽ المرء عمى ما يدكر
في نكاياه ،كلكنو يبلحقو في حالة إذا ما ترجمت ىذه النكايا لسمكؾ مادم ،كىك ما يتكفر عميو االتفاؽ الجنائي
ككف التجريـ منصب عمى نشاط إجرامي يتمثؿ في أف يعبر كؿ كاحد مف أطراؼ االتفاؽ عف نيتو اإلجرامية
349
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.328
171
بارتكاب جناية أك جنحة بحيث يعمـ بيا-النية -زمبلؤه في االتفاؽ كتمقى قبكالن لدييـ ،مما يعني أف المشرع
بتجريمو لبلتفاؽ ال يعاقب مطمقان عمى مجرد نكايا إجرامية مضمرة في خبايا النفس البشرية ال يعمـ بيا سكل
صاحبيا ،كانما تـ التعبير عف ىذه النية كتـ ترجمتيا في صكرة إيجاب مكجو لمغير بأية كسيمة مف كسائؿ
التعبير سكاء شفاىة أك كتابة أك باإليماء أك باإلشارة ،بحيث يصؿ اإليجاب إلى الغير كيمقي قبكالن لدييـ.
(ب) -الرأم السابؽ يفترض أف الجناة متكقفيف عند حد مرحمة العزـ عمى ارتكاب الجريمة ،كيرل
الباحث أف ىذا يصح فقط في الحالة التي نقيـ فييا نشاط الجاني مف زاكية مراحؿ الجريمة المنكم ارتكابيا،
كلكف إذا نظرنا لو مف زاكية جريمة االتفاؽ سنجد أنو تجاكز مرحمة العزـ إلى مرحمة التنفيذ الكامؿ لجريمة
تقكـ بفعؿ االتفاؽ الذم يتـ بيف شخصيف أك أكثر إذا كاف منصب عمى مكضكع معيف ىك :ارتكاب جناية أك
جنحة ،كاتجاه ىذه اإلرادات إلى االتفاؽ مع العمـ بحقيقتو ،مما يعني أف ثمة كياف مادم مقترف بقصد جنائي
كقع تقكـ بو جريمة عمدية ،كلكؿ ما سبؽ ،يرل الباحث عدـ مخالفة المكاد( )36-35-34مف قانكف
العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936لمبدأ حظر العقاب عمى النكايا األفكار ،كبالتالي اتساقو مع أحد ضمانات
مبدأ الشرعية الجنائية المنصكص عميو بالمادة ( )15مف القانكف األساسي الفمسطيني كالتي جاءت بقكليا:
"العقكبة شخصية كتمنع العقكبات الجماعية ،كال جريمة كال عقكبة إال بنص قانكني ،كال تكقع إال بحكـ
قضائي ،كال عقاب إال عمى األفعاؿ البلحقة لنفاذ القانكف" ،المشرع الدستكرم عبر النص السابؽ يقطع بأف
لكؿ جريمة ركف مادم ال قكاـ ليا بغيره ،كال يتصكر بالتالي كفقان ألحكاـ الدستكر أف تكجد جريمة في غيبة
ركنيا المادم.
172
كنعرض في ىذا الصدد لرأم فقيي معارض لحكـ المحكمة الدستكرية العميا المصرية القاضي بعدـ
.1إف المادة ( )48مف قانكف العقكبات تعد مف أىـ المكاد الجنائية التي تسيـ في الحد مف الظاىرة
اإلجرامية ،ككنيا تشكؿ خط الدفاع األكؿ في مكاجية سمسمة الجرائـ التي يقدـ عمييا بعض الجناة
دكف رادع مف خمؽ أك ديف ،فخط الدفاع األمامي ىذا يكاجو المجرـ عند ارتكاب جريمتو األكلى قبؿ
أف يتجاكز بإجرامو إلي جريمة أخرم تككف ىدفان لسمككو أك كسيمة لبمكغ ىدؼ معيف مشركع أك غير
مشركع.
.2تقكـ جريمة االتفاؽ الجنائي عمى الركف المادم ك المعنكم ،فاألكؿ :يتمثؿ في االتفاؽ الذم يتـ بيف
شخصيف أك أكثر إذا كاف منصبان عمى مكضكع معيف ىك ارتكاب جناية أك جنحة أك األعماؿ
المجيزة أك المسيمة الرتكابيا ،أما الثاني :فيك اإلرادة اآلثمة ،أم القصد الجنائي ،كىك اتجاه اإلرادة
.3جريمة االتفاؽ الجنائي السمكؾ اإلجرامي فييا كاضح كمحدد ،يتمثؿ في تعبير كؿ مف الجناة عف
إرادتو اآلثمة سكاء اتخذ ىذا التعبير صكرة القكؿ أك الكتابة أك اإلشارة متى كانت كاضحة في تحديد
اتجاه اإلرادة.
.4التعبير عف اإلرادة يعتد بو المشرع في كثير مف الحاالت في المجاؿ الجنائي ،فمثبلن ىك صكرة
لمسمكؾ اإلجرامي في جريمة القذؼ كالسب كافشاء األسرار كالببلغ الكاذب ،كجريمة االتفاؽ الجنائي
انظر في طرح ىذه اآلراء :فكزية عبد الستار،رأم مكثؽ ضمف دراسة بعنكاف "اآلثار القانكنية لعدـ دستكرية االتفاؽ الجنائي" إعداد كنشر مركز حقكؽ
350
اإلنساف كمساعدة السجناء ،الدارسة منشكرة الكتركني نا عمى الرابط الخاص بمكقع محاماة نت .تاريخ الزيارة - 2019/7/1 :الساعة. 2:15 :
173
.5خطة المشرع في تجريـ االتفاؽ الجنائي ليست غريبة عمى التشريع الجنائي ذلؾ أف المشرع يعاقب
عمي االتفاؽ ككسيمة مف كسائؿ االشتراؾ اذا كقعت الجريمة بناء عميو ،كذلؾ يعاقب عمي مجرد
االتفاؽ عمى ارتكاب جريمة معينة المادة ( )6مف قانكف العقكبات ،كأما القكؿ بأف األعماؿ المجيزة
أك المسيمة الرتكاب الجريمة التي قد تككف مكضكعا لبلتفاؽ غير محددة ،فيك أمر ال يناؿ مف
التحديد القانكني لمجريمة إطبلقان ألف ىذه األعماؿ ليست ىي الركف المادم لمجريمة ،كانما ىي
مكضكع الجريمة ،كمف المستحيؿ عمى المشرع أف يحدد مكضكع كؿ جريمة تحديدان دقيقان أك عمى
.6المادة ( )41مف الدستكر تحمي الحرية الشخصية كمنيا حرية التعبير ،كلكف المشرع الدستكرم أجاز
في ذات المادة تقييد ىذه الحرية الشخصية إذا اقتضت ذلؾ صيانة أمف المجتمع كالشؾ أنو مف
دكاعي صيانة أمف المجتمع تجريـ االتفاؽ عمي ارتكاب الجرائـ ،فالمشرع الدستكرم ال يحمي حرية
اإلجراـ.
.7إذا كاف المشرع ال يعاقب في مجاؿ الشركع عمى مجرد العزـ عمي ارتكاب الجريمة فإف ىذا يختمؼ
تمامان عف العقاب عمي االتفاؽ الجنائي ،ألف العزـ مجرد إرادة أك رغبة استقرت في ذىف الجاني ،كلـ
تخرج إلي حيز الكجكد أما االتفاؽ فيك كما سبؽ تعبير شخصي عف رغبة الجاني في ارتكاب
الجريمة ،كالتقاء ىذا التعبير مع تعبير مماثؿ لغيره ،مما يعتبر انعقادان إلرادتيف أك أكثر كليس مجرد
رغبة داخمية.
174
.8كيؼ نيكف مف شأف االتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب الجرائـ مع أف ىذا االتفاؽ يعبر عف خطكرة
إجرامية كيمثؿ حمقة مف حمقات العدكاف عمي الحقكؽ التي يحمييا قانكف العقكبات بؿ كيحمييا
كمما تجدر اإلشارة إليو في ىذا المقاـ أف بعض الفقو الجنائي يرل بأف المشرع في المادة ( )52مف
في خركج سافر عمى أفكار المذىب الشخصي ،باعتبار أنو عاقب عمى مجرد عقد العزـ351؛ كال يؤيد الباحث
ما ذىب إليو ىذا الرأم ،حيث يرل الباحث أف مسمؾ المشرع في التجريـ ال يتعارض مع مبدأ حظر العقاب
عمى النكايا كاألفكار ،كذلؾ التجريـ كارد عمى سمكؾ مادم يعد بمثابة ترجمة لما عقد الجاني عميو العزـ كما
صمـ عميو ،كيتمثؿ ىذا السمكؾ في إظيار النية اإلجرامية كترجمتيا بفعؿ عمني أك بنشر أية مادة مطبكعة
أك محررة ،بمعنى أف إظيار النية بفعؿ عمني لتحقيؽ أية غاية مف الغايات الكاردة في المادة ( )52يقع
351
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.22
352
تنص المادة ( )52مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936عمى ( :كؿ مف عقد النية عمى تحقيؽ أم غاية مف الغايات المذككرة فيما يمي أم:
أ..-ب...-ج ،....-كأظير نيتو ىذه بفعؿ عمني أك بنشر أية مادة مطبكعة أك محررة يعتبر ،أنو ارتكب جناية كيعاقب بالحبس المؤبد).
175
ملطًب يثايث
يجب عمى المشرع أال ييجرـ مف األفعاؿ كال يؤثـ مف التصرفات إال ما كانت ىناؾ ضركرة اجتماعية تستدعي
تجريمو كتأثيمو ،كىك يستتبع معو كجكد معيار نيتدم بناء عميو فيما إذا كانت تجريـ سمكؾ ما كاف لضركرة
كبناء عمى ما سبؽ سكؼ يتـ بياف مدلكؿ مبدأ ضركرة التجريـ بإيجاز ،كمف ثـ بياف مدل التزاـ المشرع بذلؾ
المبدأ أـ ال فيما يتعمؽ بجريمة االتفاؽ الجنائي ،كذلؾ في فركوع مستقمة عمى النحك اآلتي:
يف ع ٍٚ
َلي ٍٛض ٚي ٠ي ح ِٜ
يقكـ النظاـ القانكني برمتو عمى التكازف بيف الحقكؽ كالحريات مف جية كالمصمحة العامة مف جية
استثناء مف
ن أخرل ،كىك ما يتحقؽ بالتناسب بيف حماية كؿ مف االثنيف ،353كسياسة التجريـ كالعقاب ليست
ذلؾ ،354حيث يتكلى المشرع الجنائي حماية الحقكؽ كالحريات عند المساس بيا ،كذلؾ عندما يككف التجريـ
كالعقاب ىما الكسيمة الضركرية لتقرير ىذه الحماية ،كما يتكلى في الكقت ذاتو حماية الحقكؽ كالحريات في
مكاجية أخطار التحكـ سكاء في مرحمة التجريـ كالعقاب ،أك في مرحمة الخصكمة الجنائية.355
353
خيرم أحمد الكباش ،الحماية الجنائية لحقكؽ اإلنساف ،دارسة مقارنة ،منشأة المعارؼ ،اإلسكندرية ،2008 ،ص .9يكسؼ مصطفى رسكؿ ،مرجع
سابؽ ،ص.59 -58
354
عصاـ عفيفي عبد البصير ،أزمة الشرعية الجنائية ككسائؿ عبلجيا ،دراسة مقارنة ،دار أبك المجد ،القاىرة ،2007 ،ص.114
355
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.153
176
كلكف ىذا ال يعني أف السمطة التقديرية لممشرع الجزائي في ىذا الصدد مطمقة مف كؿ حد كقيد ،بؿ
أف األمر عمى خبلؼ ذلؾ ،356فيناؾ مغايرة مف حيث التقييد كاإلطبلؽ بيف حؽ السمطة التشريعية في
اختيار الفعؿ المجرـ ،كبيف التزاميا بضكابط تجريـ ىذا الفعؿ كالعقاب عميو ،فبينما تتسـ سمطاتيا في انتقاء
المجرـ كتقدير عقكبتو بسمطة تقديرية كاسعة ،فإف ىذه السمطة تككف مقيدة عمى نحك كبير في التزاـ
الفعؿ ي
النص عميو بالضكابط التي أرساىا الدستكر ،357فالسمطة التقديرية لممشرع في تحديد الضركرة كالتناسب في
التجريـ كالعقاب تحددىا الغايات التي استيدؼ الدستكر تحقيقيا؛ ألف السمطة التشريعية ال تمارس
اختصاصيا إال في حدكد الدستكر ،حيث أف مقتضيات حماية الحقكؽ الحريات تتحدد مف خبلؿ ضكابط
التجريـ كالعقاب ،فإف لـ تنجح تمؾ السمطة التقديرية في تحقيؽ مثؿ ىذا التناسب تكصـ ىذه الحالة بعدـ
الدستكرية ،مما يعني أف السمطة التقديرية ىي كسيمة المشرع لمكصكؿ إلى التناسب المطمكب لتحقيؽ العدالة
قيمة دستكرية ،فبل يجكز أف يككف ىذا التكازف كسيمة لمعصؼ بالحقكؽ أك الحريات أك مدخبلن لحرماف
المكاطنيف منيا بصكرة غير منطقية أك عمى نحك يسكده التحكـ ،مما يتطمب إيجاد تناسب بيف قدر المساس
بالحقكؽ كالحريات كالمصالح المحمية التي تبرر ىذا المساس ،كبيذا التناسب يتحقؽ األمف القانكني بكصفو
مظي انر ميمان لسيادة القانكف ،كبدكنو تختؿ ىذه السيادة كييتز مبرر كجكدىا.359
356
محمد عبداهلل أبكمطر ،القانكف الدستكرم كالنظـ السياسية ،مرجع سابؽ ،ص .57كاثبة داككد السعدم ،مبلمح السياسة الجزائية الحديثة في التشريع
الجزائي في العراؽ ،بحث منشكر في مجمة القانكف المقارف ،العدد ،15سنة ،10كمية القانكف كالسياسة ،جامعة بغداد ،1983 ،ص -221ص.222
357
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب في قضاء المحكمة الدستكرية العميا ،مرجع سابؽ ،ص.5
358
عباس عبدالرازؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.198-197
359
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.154
177
كيخرج بو
كلما كانت الجريمة ظاىرة اجتماعية كعمبلن ييضاد بو المجرـ المجتمع الذم يعيش فيو ي
عميو؛ فإف االعتداء الحاصؿ يصيب المجتمع نفسو ألف الجريمة تمس مصالح كقيمو بطريؽ مباشر أك غير
مباشر إذ لكؿ مجتمع مجمكعة مف القيـ كالمصالح يحافظ عمييا كيحمييا ،حيث ييقدر المشرع في كؿ مجتمع
أىمية تمؾ المصالح ككمما عظهمت أىميتيا لديو نالت منو أقصى مراتب الحماية القانكنية التي تفصح عنيا
العقكبات المقررة ضد مف ينتيكيا ،كال شؾ أف المصالح الجديرة بالحماية الجنائية تتأثر في كؿ مجتمع
بالتقاليد السائدة فيو كالنظـ االقتصادية كالسياسية كاالجتماعية المييمنة عميو ،كلذلؾ فإف سياسة التجريـ ىي
كسيمة كؿ مجتمع في التعبير عف –أقصى -درجات الحماية لمقيـ كالمصالح التي تيمو.360
كبذلؾ يتضح أف العمة مف التجريـ ىي حماية حؽ أك مصمحة يراىا المشرع جديرة بالحماية،361
فتكفير الحماية الكافية لمقيـ كالمبادئ العميا في المجتمع سكاء كانت ىذه القيـ كالمبادئ جديرة بالحماية لذاتيا
أـ اعتبرىا المشرع كذلؾ بحسب تقديره ألىميتيا بناء عمى عدة اعتبارات يقدرىا ،تعد اليدؼ مف القانكف
الجنائي ،362لذا فإف كظيفة ىذا األخير تتمثؿ في حماية ىذه القيـ كالمصالح إذا بمغت مف األىمية حدان يبرر
عدـ االكتفاء بالحماية المقررة في ظؿ فركع القانكف األخرل ،363ذلؾ أف قانكف العقكبات يعنى بحماية
المصالح األساسية لممجتمع كاألفراد ،تمؾ المصالح التي ال غنى لمجتمع متحضر عنيا ،أما المصالح األقؿ
أىمية فقد أينيط بالقكانيف األخرل أمر تنظيميا كحمايتيا ،364بحيث نمجأ لمجزاء الجنائي لمكافحة السمكؾ
360
محمد بف المدني بكساؽ ،اتجاىات السياسة الجنائية المعاصرة كالشريعة اإلسبلمية ،مرجع سابؽ ،ص.51-50
361
ىداـ إبراىيـ أبككاس ،السياسة الجنائية بيف الفقو التقميدم كاالتجاه الحديث ،مذكرة لنيؿ شيادة الماستر في القانكف الجنائي ،جامعة الطاىر مكالم
سعيدة ،الجزائر ،2015 ،ص .22سامي جميؿ فياض ،رفع المسئكلية الجنائية في أسباب اإلباحة ،الطبعة األكلى ،دار الكتب العممية ،بيركت،2005 ،
ص.47
362
تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص .3منذر عبد المطيؼ التكريتي،
السياسة الجنائية لمحريات الشخصية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،2011 ،ص.5
363
سميماف عبد المنعـ ،النظرية العامة لقانكف العقكبات ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،2000 ،ص.14
364
سمير الشناكم ،مرجع سابؽ ،ص.58
178
المنافي لمقانكف ،تبعان لعدـ كفاية الكسائؿ األخرل في حماية المصمحة االجتماعية فبل يككف ثمة محؿ
لبللتجاء إلى الجزاء الجنائي حينما تككف الجزاءات األخرل تفي عمى كجو التماـ بالغرض االجتماعي
المنشكد.365
كلكي يتمكف القانكف الجزائي مف تأدية رسالتو ال بد أف ينحصر التجريـ فيما ينجـ عف السمكؾ
اإلنساني مف ضرر فعمي ،كانما يتعيف أف يتسع مداه لكزف ىذا السمكؾ في ذاتو عمى ضكء القيـ الخمقية
األساسية ،ككذلؾ يتعيف المساكاة في تطبيقو عمى كافة المخاطبيف دكف تمييز كاال سيغيب سارؽ رغيؼ الخبز
في غياىب السجكف كيعمكا ذك الحذؽ كالذكاء مف الجناة في مدارج السطكة كالمجكف.366
قدر جدارتيا بالحماية الجنائية ،يجب أال يتجاكز حدكد المعقكلية كالتناسب ،367حتى ال تيشكؿ نصكص
القانكف الجنائي خط انر عمى الحقكؽ كالحريات الفردية ،فيجب أف تحدد بضكابط تكفؿ حماية كاحتراـ تمؾ
الحقكؽ كالحريات ،كاف ضركرة التجريـ ىي إحدل ىذه الضكابط ،حيث أف مبدأ الشرعية يقتضي أال يجرـ
المشرع مف األفعاؿ ،كال ييؤثًـ مف التصرفات إال ما كانت ىناؾ ضركرة ممجئة لتجريمو أك لتأثيمو ،368كذلؾ
ألف التجريـ بطبيعتو ىك انتقاص مف حرية المكاطنيف ،كتضييؽ مف نطاؽ ما يتمتعكف بو مف حقكؽ ،كىك
كتمؾ الطبيعة يجد مبرره في حماية مصالح أجدر بالرعاية ،كحقكؽ أكلى بالعناية مف ذاؾ الجزء المحرـ مف
تصرفات األفراد أك المقتطع بالتأثيـ مف حرياتيـ ،لذا فإف التجريـ يدكر كجكدان كعدمان مع تمؾ المصالح
365
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لممجرـ كالجزاء ،مرجع سابؽ ،ص.129
366
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمجريمة ،مرجع سابؽ ،ص(ى ػ).
367
منذر عبد المطيؼ التكريتي ،السياسة الجنائية لمحريات الشخصية ،مرجع سابؽ ،ص.5
368
زحؿ محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،بحث لنيؿ درجة الدكتك اره ،مرجع سابؽ ،ص .102محمكد نجيب حسني ،الدستكر كالقانكف
الجنائي ،دار النيضة العربية ،1992 ،ص 27كما بعدىا.
179
االجتماعية الحيكية ،كمف ناحية أخرل إف التجريـ باعتباره قيدان عمى الحريات الفردية ،كالقيكد بطبعيا يحكميا
أصبلف األكؿ :أف تظؿ دائمان في دائرة االستثناء ،فبل ينبغي التكسع فييا ،أك اإلفراط في استخداميا كاال
صارت الحرية استثنا نء كالقيد قاعدةن ،كىذا ما تمفظو المبادئ القانكنية المستقرة ،كاآلخر :عدـ المجكء إلى القيكد
إال حاؿ كجكد ضركرة تبررىا ،فإف ىذا ىك ذاتو ما يحكـ التجريـ؛ فيك ال يمكف االلتجاء إليو إال لضركرة تدفع
إليو ،كاذا ما لجأ المشرع إليو فإنو ال بد أف يككف ىذا في إطار االستثناء ،ذلؾ أف اإلفراط فيو يماثؿ في
كاذا كانت القيـ كالمصالح ذات األىمية القصكل في المجتمع تحظى بحظر انتياكيا كالتيديد بو
تحت طائمة العقاب فإف القيـ كالمصالح األقؿ أىمية ال تيعرل مف الحماية بإطبلؽ ،كانما تترؾ في العادة
لمقانكف المدني أك القانكف اإلدارم أك لممربيف أك لمكعاظ كالجمعيات الخاصة كالنقابات لممحافظة عمييا.370
كمعمكـ أف جممة مف التغيرات االجتماعية كاالقتصادية كالسياسية التي شيدتيا المجتمعات المعاصرة
منذ بدايات القرف الماضي أفرزت تدخبلن متزايدان لمدكلة في معظـ مناحي الحياة ،فبرز اتجاه ممحكظ نحك
التدخؿ الجنائي ما أدل إلى اتساع نطاؽ التجريـ بغير ضركرة ليشمؿ أفعاالن ليست بتمؾ الخطكرة كالتيديد
الذم ييدد أمف المجتمع ،كما أف القيـ كالمصالح التي تناليا ىذه األفعاؿ ليست بتمؾ األىمية التي يتكقؼ
عمييا استمرار المجتمع كاستق ارره ،فبات ىذا التكسع أك ما يعرؼ في األدبيات القانكنية المعاصرة كفي الفقو
الجنائي خصكصان ب "التضخـ التشريعي في المجاؿ الجنائي" الذم ال يقكـ عمى أم ضركرة اجتماعية ،ييدد
الحقكؽ كالحريات الفردية إلى درجة االعتداء الصريح عمييا كذلؾ باإلخبلؿ بمبدأ التكازف بيف حماية القيـ
369
أحمد سيؼ اإلسبلـ حمد ،مدل دستكرية التنظيـ التشريعي المصرم لجريمتي السب كالقذؼ مف حيث التجريـ كالعقاب ،مركز ىشاـ مبارؾ لمقانكف،
القاىرة ،2003 ،ص .37-36
370
محمد بف المدني بكساؽ ،اتجاىات السياسة الجنائية المعاصرة كالشريعة اإلسبلمية ،مرجع سابؽ ،ص.51-50
180
كالمصالح كضركرة احتراـ المبادئ الدستكرية التي تحكـ عممية التجريـ أك مف خبلؿ الحياد عف مبدأ
التناسب.371
يف ع يثاْٞ
المراد حمايتيا
يتمثؿ معيار الضركرة في التجريـ في إجراء المكازنة بيف األىمية االجتماعية لممصمحة ي
عف طريؽ التجريـ كبيف األثر المترتب عمى ىذا التجريـ ،فإذا كانت األىمية االجتماعية لممصمحة المراد
حمايتيا بحجـ يكفي لتبرير الجزاء المترتب عمى تجريـ ذلؾ الفعؿ تكافرت ضركرة التجريـ ،أما إذا كانت
بحجـ ال يكفي لتبرير ذلؾ الجزاء كما يترتب عميو مف فرض قيكد عمى الحرية الفردية انتفت ضركرة التجريـ،
كيككف تدخؿ المشرع في ىذه الحالة يشكؿ إفراطان في التجريـ دكف ضركرة اجتماعية ،372كبالتالي ييفاقـ مف
مشكمة التضخـ التشريعي في المجاؿ الجنائي ،كالتي يشكؿ كسيمة لمعصؼ بالحقكؽ كالحريات أك مدخبلن
لحرماف المكاطنيف منيا بصكرة غير منطقية كعمى نحك يسكده التحكـ ،األمر الذم استكجب إيجاد تناسب بيف
قدر المساس بيذه الحقكؽ كالحريات كالمصالح المحمية التي تبرر ىذا المساس.373
كالمقصكد ىنا بالضركرة ضركرة حماية المجتمع كمصمحة عامة تمثؿ في ذاتيا قيمة دستكرية ،كتحدد
الضركرة في التجريـ في ضكء اليدؼ منو ،فبل يمكف السماح بالمساس بالحقكؽ كالحريات مف خبلؿ التجريـ
إال إذا اقتضى ذلؾ تحقيؽ ىدؼ معيف ىك حماية المصمحة العامة أك حماية الحقكؽ التي تتعرض لمضرر أك
الخطر ،كتككف في نظر المشرع جديرة بالحماية بكاسطة التجريـ كالعقاب ،فارتباط التجريـ باليدؼ مف
371
عبد الصمد الكنا ،ضكابط التجريـ كالعقاب ضمانة لمحقكؽ كالحريات ،مرجع سابؽ ،ص.2
372
عباس عبدالرازؽ مجمي السعيدم ،مرجع سابؽ ،ص .260
373
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.154
181
نصكص التجريـ ىك أساس الضركرة كمحكرىا ،كمف ثـ فإف الضركرة تنطكم عمى االلتزاـ نحك تحقيؽ ىذا
اليدؼ ،كلكي تقترب فكرة الضركرة مف فكرة التناسب يجب النظر إلى كؿ مف القاعدة القانكنية كتطبيقيا،
فالقاعدة القانكنية ال تككف ضركرية إال إذا كضعت لمعالجة كضع معيف ،فتعالجو عمى نحك كاؼ كبغير
مبالغة ،كىك ما يتطمب التكازف بيف المصالح المتنازعة-الحقكؽ كالحريات ،كىك ما يتحقؽ بالتناسب مع
اليدؼ مف التجريـ ،كبذلؾ يتضح أف الضركرة التي تمجئ المشرع إلى تجريـ سمكؾ معيف تفترض أف التجريـ
كدرجتو يتناسباف مع اليدؼ مف ىذا التجريـ ،كالكاقع أف الضركرة يجب أف تقدر بقدرىا ،كمف ثـ يجب مراعاة
التناسب بيف الحقكؽ كالحريات المحمية كالتي يمحقيا الضرر أك الخطر ،كبيف ما يتعرض لو مف يمحقو
فارتباط التجريـ باليدؼ مف نصكص التجريـ ىك أساس الضركرة كمحكرىا ،كمف ثـ فإف الضركرة
تنطكم عمى االلتزاـ نحك تحقيؽ ىذا اليدؼ ،فتحقيؽ التكازف بيف المصالح المتنازعة ،يككف بالتناسب مع
اليدؼ مف التجريـ ،كبذلؾ يتضح أف الضركرة التي تمجئ المشرع إلى تجريـ سمكؾ معيف تفترض أف التجريـ
كدرجتو يتناسباف مع اليدؼ مف ىذا التجريـ ،كعمى ىذا النحك فإف عبلقة الضركرة تعادؿ عبلقة التناسب،
كقد رسخت المحكمة الدستكرية العميا بفمسطيف مبدأ الضركرة بقكليا أف حقكؽ اإلنساف كحرياتو ال
يتغيا أف
يجكز التضحية بيا في غير ضركرة تممييا مصمحة اجتماعية ليا اعتبارىا ،كأف القانكف الجنائي ٌ
يحدد مف منظكر اجتماعي ما ال يجكز التسامح فيو مف مظاىر سمكؾ األفراد ،كأف يسيطر عمييا بكسائؿ
374
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .155-154سامي جماؿ الديف ،القانكف الدستكرم كالشرعية الدستكرية ،مرجع
سابؽ ،ص.211
375
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .155-154يكسؼ مصطفى رسكؿ ،مرجع سابؽ ،ص.59 -58
182
يككف قبكليا اجتماعيان ممكنان فإف كاف متجاك انز تمؾ الحدكد التي ال يككف معيا ضركريان غدا مخالفان
لمدستكر ،376لذلؾ يتعيف أال يجرـ المشرع كؿ فعؿ أك امتناع ،ما لـ ييشكؿ ىذا الفعؿ كذلؾ االمتناع اعتداء
عمى مصالح اجتماعية محمية تتناسب في أىميتيا مع خطكرة سمب الحرية أك االنتقاص منيا بكاسطة التجريـ
كالعقاب ،377كباالطبلع عمى القانكف األساسي الفمسطيني المعدؿ لسنة 2003كتعديبلتو ،نجد أنو في
مجمكعو ينبع عف فكرة الضركرة االجتماعية كالتناسب فيما يتعمؽ بالمساس بالحقكؽ كالحريات ،فالمادة ()11
منو ال تجيز تقييد حرية أحد بأم قيد أك منعو مف التنقؿ إال بأمر قضائي ،كىذا األمر القضائي ال يصدر إال
يف ع يثايث
السؤاؿ الذم ييثار في ىذا المقاـ ،ىؿ تجريـ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ
لإلجابة عمى ىذا التساؤؿ ال بد مف تحديد المصمحة المحمية في جريمة االتفاؽ الجنائي كمف ثـ
تحديد فيما إذا كاف تدخؿ الشارع الجنائي لحمايتيا جنائيان مف خالؿ سالح التجريـ كالعقاب ضركريان مف
عدمو.
376
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا ،العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد
،149ص .161
377
خيرم أحمد الكباش ،مرجع سابؽ ،ص.392
183
المصمحة في قانكف العقكبات ىي المحؿ الذم تنصب عميو الحماية القانكنية ،حيث تباشر الدكلة
كظيفتيا الجزائية لحماية المصالح االجتماعية التي تسكد المجتمع فتختار الجزاء األكثر صبلحية كاألقرب إلى
التعبير عف مدل تقدير المجتمع ألىمية ىذه المصالح ،فإذا قدرت الدكلة أف المصمحة تستحؽ أقصى مراتب
الحماية القانكنية عبرت عف ذلؾ بالعقكبة ،378كتبرز المصمحة محؿ العدالة الجناية بجبلء مف خبلؿ حرص
المشرع في القاعدة المكضكعية عمى حماية الحقكؽ كالمصالح العامة كالخاصة التي يراىا جديرة بيذه
الحماية ،فحماية المصالح األساسية التي يتكقؼ عمييا كجكد المجتمع كاستق ارره كاستم ارره ىي الغاية التي
تجتمع عمييا كترتبط بيا كافة الشرائع السماكية كالكضعية المعاصرة كالقديمة ،فكجكد حد أدنى مف المصمحة
المجتمعة أك الفردية ىي المسكغ لتدخؿ المشرع إلصدار نص جرمي معيف أك تنظيـ قانكني معيف ،كبانتفاء
كتنطكم المصالح االجتماعية عمى المصالح العامة كالمصالح الفردية التي تحمؿ في ثناياىا مصمحة
380
عامة ،كذلؾ ألف الفرد ىك أساس المجتمع كمف دكنو ال يكجد مجتمع لذلؾ مف مصمحة المجتمع حمايتو
فالقانكف يقكـ بعبء حماية المصالح التي تككف قادرة عمى إشباع حاجات إنسانية ،مادية كانت أـ معنكية،
كترتبط ىذه الحماية بفمسفة الدكلة كأيديكلكجيتيا في التجريـ كالعقاب ،ىناؾ العديد مف المصالح الجكىرية في
المجتمع ،كالتي يرل المشرع جدارتيا بالحماية القانكنية كفقان لفمسفتو السياسية كاالقتصادية كاالجتماعية،
مرتك انز في ىذا المجاؿ إلى الدستكر كالقكانيف كاألنظمة التي تتبناىا الدكلة.381
378
أحمد فتحي سركر ،أصكؿ السياسة الجنائية ،مرجع سابؽ ،ص.19
379
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.9
380
أكرـ نشأت إبراىيـ ،السياسة الجنائية ،الطبعة األكلى ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف ،ص.39
381
محمد مرداف ،المصمحة المعتبرة في التجريـ ،دار الجامعة الجديدة ،2014 ،ص.58-56
184
حيث تحظى القيـ كالمصالح األساسية في كؿ مجتمع بحماية زائدة ،كذلؾ أف المشرع يحكطيا بعدة
خطكط كسياجات دفاعية بتجريـ عدة أفعاؿ تسبب أض ار انر ذات عبلقة بيا ،بينما الضرر الذم يصيب القيمة
أك المصمحة األساسية يسمى بالضرر النيائي ،فمثبلن الحؽ في الحياة يعد مصمحة أساسية نالت حماية
المشرع بتجريـ كاقعة القتؿ كمعاقبة مرتكبو ،ألف فعؿ القتؿ قد أصاب قمب ىذه المصمحة كآخر نقطة فييا،
ً
يكتؼ بذلؾ بالتكسع في الحماية الجنائية ليذه المصمحة ،بكضع خطكط دفاعية متقدمة غير أف المشرع لـ
تمنع الكصكؿ إلى العدكاف المباشر عمى الحياة ،كذلؾ أنو أفرد عقابان لمشركع في القتؿ كالتحريض عميو
كالمساعدة عميو ،كعقابان عمى حيازة األسمحة بدكف ترخيص كعقابان لمقيادة الخطرة لمسيارات كعقابان لمتيديد
بالقتؿ أك اإلرىاب الجنائي ،كخبلصة كؿ ذلؾ أنو كمما عظـ خطر بعض النتائج المتصمة بحماية المصمحة
األساسية عده المشرع ضر انر أساسيان كضع التقائو خطكطان دفاعية فرعية حماية لممصمحة الرئيسية.382
إف المصمحة محؿ الحماية القانكنية في الجرائـ التي تمس المصمحة العامة ىي مصمحة المجتمع،
كاف حماية المجتمع ،كاف حماية المشرع ليذه المصمحة بعدة نصكص ال يعني اختبلؼ المصمحة القانكنية
فييا بؿ إف الحماية تستيدؼ المصمحة مف كجية نظر مختمفة مف تمؾ التي تيدؼ إلييا النصكص األخرل،
ففي الجرائـ الماسة بأمف الدكلة الداخمي أك الخارجي ،كفي الجرائـ االقتصادية كفي جرائـ التزييؼ كالرشكة
كاالختبلس تككف المصمحة محؿ الحماية القانكنية مشتركة إال أف الجانب الذم يحميو التزييؼ مثبلن يختمؼ
عف جكانب المصمحة األخرل التي تحمييا نصكص الرشكة كاالختبلس ،كالجرائـ الماسة بأمف الدكلة الداخمي
أك الخارجي ،كقد يحمي النص الكاحد أكثر مف مصمحة قانكنية ،سكاء أكانت متساكية ليا في درجة الحماية
أك تفكؽ إحداىا األخرل ،مثؿ جريمة االختبلس فيي اعتداء عمى مصمحتيف األكلى :حماية الماؿ المسمـ
382
محمد بف المدني بكساؽ ،اتجاىات السياسة الجنائية المعاصرة كالشريعة اإلسبلمية ،مرجع سابؽ ،ص.52-51
185
لممكظؼ بسبب كظيفة كالثانية :اعتداء عمى مصمحة اإلدارة في ضماف سير العمؿ الكظيفي ،كمف ناحية
أخرل فإف الجرائـ التي تنتمي إلى النظاـ ذاتو كالجرائـ المضرة بالمصمحة العامة ال يعني أف ىذه الجرائـ
تحمي مصمحة المجتمع مف اإلىدار كالتيديد فقط بؿ أف ىناؾ مصالح أخرل يقع عمييا اإلىدار أك التيديد
مف خبلؿ الجرائـ المضرة بالمصمحة العامة –المجتمع ،كىي مصالح خاصة ييشكؿ فعؿ االعتداء عدكانان
عمييا ،كاف ما يربط الجرائـ الماسة بالمصمحة العامة ىك أف المصمحة محؿ الحماية القانكنية في ىذه الجرائـ
تككف مشتركة كاف العدكاف يعد إىدا انر لممصمحة في أم جريمة مف ىذه الجرائـ ،أك تيديدان ليا بالخطر فإنما
كتأسيسان عمى ما سبؽ ،يرل الباحث أف المصمحة المحمية في جريمة االتفاؽ الجنائي ىي المصمحة
المحمية عينيا لمجريمة المتفؽ عمييا ،كىي تختمؼ حسب الجريمة مكضكع االتفاؽ الجنائي ،بمعنى أف
االتفاؽ الذم يرد عمى ارتكاب جريمة قتؿ ،تتمثؿ المصمحة المحمية فيو بحؽ اإلنساف في الحياة ،كىي عينيا
ففي االتفاؽ الجنائي التجريـ كارد عمى مجرد تعريض المصمحة المحمية لمخطر ،384في حيف أف
التجريـ الخاص بمكضكع االتفاؽ الجنائي قد يرد عمى مجرد تعريض المصمحة المحمية لمخطر أك إلحاقيا
بالضرر.
حيث أف جريمة االتفاؽ الجنائي مف جرائـ الحدث النفسي الناشئ مف سمكؾ مادم ذم مضمكف
نفسي ،كيتمثؿ الحدث النفسي بتبلقي إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة كلـ يتـ فعبلن ارتكاب ىذا
383
محمد مرداف ،مرجع سابؽ ،ص.222-221
384
أحمد حساـ طو تماـ ،تعريض الغير لمخطر في القانكف الجنائي ،دار النيضة العربية ،القاىرة ،2004 ،ص.12
186
اإلجراـ ،باعتبار أف ىذا التبلقي ىك التجاكب الذم تشعر بو إرادة كؿ طرؼ في االتفاؽ مف جانب إرادة
أخرل تطابقت كتبلقت معيا ،كىذا تأثير نفسي يحدث لدل كؿ طرؼ في االتفاؽ بفعؿ انضماـ طرؼ آخر
إليو في استيداؼ ذات المقصد ،كاضح أف ىذا الحدث النفسي ليس مؤذيان في ذاتو إذ ال يمزـ لتكافر الجريمة
فيو أف يتمخض عنو ضرر فعمي أك خطر منذر بالضرر ،فاألذل أك خطر األذل محؿ اعتبار في الحكمة
الكامنة مف كراء التجريـ كليس الزمان كجكده بالفعؿ في السمكؾ محؿ التجريـ إذ يحكـ باإلدانة عمى صاحبو
استقبلال عف أم ضرر كعف أم خطر فعمي ،بمعنى أف الخطر مفترض في جريمة االتفاؽ الجنائي.385
كيرل الباحث أف تدخؿ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ بتجريـ االتفاؽ الجنائي
العاـ في الجنايات كالجنح ،المنظـ كفقان ألحكاـ المكاد ( )34ك( ،)35فيو تكسع كبير في نطاؽ التجريـ ال
تقتضيو ضركرة اجتماعية ،فإذا كاف التدخؿ التشريعي بتجريـ االتفاؽ مف حيث ىك يقكـ عمى أساس مف
الضركرة االجتماعية التي تتمثؿ في القضاء عمى الجريمة كىي في بذكرىا األكلى بحيث ال ننتظر ريثما يقع
الضرر بالمصمحة المحمية ،إال أف ىذا ال يعني البتة التكسع في نطاؽ النصكص التجريمية بدكف ضركرة
تقتضييا ،فالضركرة تيقدر بقدرىا ،كتبرز مظاىر طغياف النصكص التجريمية سالفة الذكر بشكؿ جمي في أنيا
لـ تستمزـ أف تككف الجريمة أك الجرائـ المتفؽ عمييا عمى درجة عالية مف الجسامة ،بؿ قد يككف محؿ االتفاؽ
اقتراؼ أم جنحة ميما كانت قميمة األىمية في داللتيا اإلجرامية كىذا تكسع كبير في نطاؽ التجريـ ال
تقتضيو ضركرة اجتماعية ممجئة ،بحيث كاف عمى المشرع أف يقصر تدخمو بالتجريـ كالعقاب عمى االتفاؽ
عمى ارتكاب الجنايات الكبرل ،كذلؾ لمخطكرة الكبيرة ليذه الجرائـ كجسامتيا كلؤلىمية الكبرل لممصالح
385
رمسيس بيناـ ،الجرائـ المضرة بالمصمحة العمكمية ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،ص.104 -103
187
المحمية فييا ،أما فيما يخص الجنح فكاف يتعيف عمى المشرع أف يجرـ االتفاؽ عمى بعض الجنح الجسيمة
كحيث إف المشرع لـ يشترط لقياـ جريمة االتفاؽ الجنائي أف يككف مستم انر لمدة معينة أك أف يككف
تقتضيو ضركرة مبررة ،عبلكةن عمى أف المشرع ساكل في التجريـ بيف االتفاؽ الكارد عمى جناية أك جنحة كبيف
ذلؾ الكارد عمى جنايات أك جنح أك مجمكعة جرائـ مختمطة مف النكعيف معان ،كمف ثـ فإف نطاؽ التجريـ جاء
كاسعان فضفاضان ال تقتضيو ضركرة اجتماعية مبررة ،مما يجعؿ المكاد ( )34ك( )35مف قانكف العقكبات رقـ
( )74لسنة 1936ـ مشكبة بعكار عدـ الدستكرية لمخالفتيا لمبدأ الشرعية الجنائية.
ككذلؾ فيما يخص أنكاع االتفاؽ الجنائي األخرل الكاردة في الفقرة (ك) ،كالفقرة (ز) بالمادة ( )36مف
قانكف العقكبات سالؼ الذكر ،يرل الباحث أف نطاؽ التجريـ بيا قد جاء كاسعان جدان ال تقتضيو ضركرة
اجتماعية ،كيبرز ذلؾ بشكؿ جمي في أف المشرع جرـ االتفاؽ الذم ييدؼ إلى تحقيؽ غاية غير مشركعة،
ككذلؾ االتفاؽ الذم ييدؼ إلى تحقيؽ غاية مشركعة بكسائؿ غير مشركعة ،كىذا يفضي إلى تضخـ كبير
في التجريـ كالعقاب بحيث أف كؿ اتفاؽ لتحقيؽ غاية غير مشركعة؛ سيضحي اتفاقان جنائيان ييعاقب عميو ،بما
استتبع معو تحديد متى يككف االتفاؽ غير مشركعان ،كىك ما سيأتي الباحث عمى تكضيحو تفصيبلن في
المبحث القادـ ،كذلؾ مف خبلؿ بياف المقصكد بالغاية غير المشركعة فيما إذا كاف الفعؿ غير المشركع
"الفعؿ الضار" أـ المحؿ غير المشركع سكاء كاف فعبلن ضا انر أك غيره.
188
كأيان كانت النتيجة ،يرل الباحث أنو ال تكجد أم ضركرة اجتماعية تستدعي تجريـ االتفاؽ بيف
شخصيف أك أكثر إذا كاف اليدؼ منو ارتكاب فعؿ ضار ،فالمسئكلية المدنية صحيح أنيا باألساس ال تقكـ
بمجرد االتفاؽ عمى ارتكاب فعؿ ضار ،ألف قكاميا جبر الضرر ،كطالما أف الضرر لـ يقع ،فبل مسئكلية
مدنية ،كلما كانت المسئكلية الجنائية تختمؼ عف المسئكلية المدنية ،بحيث أنيا قد تجرـ مجرد تيديد المصمحة
بتعريضيا لمخطر ،ككاف االتفاؽ عمى ارتكاب الفعؿ الضار ييعرض المصمحة المحمية لمخطر ،إال أف ىذا ال
يعني البتة تجريـ كؿ حالة دالة عمى الخطر كعدـ االنتظار ريثما يقع الضرر ،بؿ يتعيف أف يككف الخطر
صبلحية في تجريـ أم سمكؾ طالما كاف يعرض المصمحة المحمية لمخطر أيان كانت درجة ىذا األخير
كجسامتو.
حيث ييقدر الخطر بالنسبة إلى نتيجة إجرامية معينة لـ تحدث بعد ،كليس حدكثيا مؤكدان ،كانما ىك
محتمؿ ،كعمى ذلؾ فإف الخطر بالنسبة لمنتيجة ىك احتماؿ حدكثيا فحسب كيتضح مف ذلؾ أف فكرة االحتماؿ
ىي جكىر الخطر ،كىي الدافع الذم يسمح لممشرع التدخؿ بالحماية الجنائية لممصالح قبؿ أف يصيبيا
الضرر.386
كبالتالي فكرة االحتماؿ ىي المعيار لبياف تكافر حالة الخطر الجنائي ،أما مجرد إمكانية حدكث
الضرر فبل يمكف لممنطؽ القانكني السميـ أف يتصكر كجكد تدخؿ تشريعي ،مع التأكيد عمى أنو ال يكفي
محض إمكاف الضرر لمقكؿ بكجكد الخطر ،بمعنى أنو ال يكفي أف يككف عامؿ ما صالحان إلحداث الضرر
في كقت ما غير قابؿ لمتحديد حتى يمكف القكؿ بأنو عامؿ خطر بؿ يمزـ العتباره كذلؾ أال تككف صبلحيتو
386
محمكد نجيب حسني ،عبلقة السببية ،مرجع سابؽ ،ص.49
189
إلنتاج الضرر متكقفة عمى شرط لـ يتحقؽ بعد ،كأف يككف منذ انر بحدكث الضرر فعبلن في كقت قريب قابؿ
لمتحديد ،فجريمة الخطر آثار السمكؾ اإلجرامي فييا تمثؿ عدكانان محتمبلن عمى الحؽ أم مجرد التيديد
بالخطر ،كيحدد الشارع حاالت الخطر التي يعتد بيا كفقان لسياستو في التجريـ ،كيحرص الشارع عمى أف
يقتصر نطاؽ التجريـ عمى حاالت الخطر التي تمثؿ قد انر مف األىمية كتحمؿ طابع الشذكذ بالقياس إلى ما
تعارؼ الناس عميو ،أما الخطر اليسير المألكؼ فبل يجرمو الشارع ،إذ ىك مرتبط بالغالب مف مظاىر النشاط
اإلنساني ،فقيادة السيارات كالطائرات تمثؿ قد انر مف الخطر ،كلكنو خطر يسير مألكؼ ،أما كضع النار في
عقار أك ترؾ طفؿ في مكاف خاؿ مف اآلدمييف فمنشئ خط انر كبي انر غير مألكؼ كلذلؾ يجرمو الشارع.387
كىك ما يثير التساؤؿ ىنا حكؿ ما إذا كاف االتفاؽ عمى ارتكاب فعؿ ضار ،يشكؿ خط ارن جسيمان
بالفعؿ أـ ال؟
عرؼ المشرع الجزائي الخطر تاركان ذلؾ األمر لمفقو ،حيث يعِّرؼ بأنو "حالة كاقعية أم مجمكعة
لـ يي ِّ
مف اآلثار ينشأ بيا احتماؿ حدكث اعتداء يناؿ الحؽ ،كيقدر الخطر بالنسبة إلى نتيجة معينة لـ تحدث كليس
حدكثيا محققان كانما محتمؿ" ،388ك ىعرفو آخر حالة تنذر بضرر يصيب شخصان أك بأمر غير مشركع كاف لـ
387
محمكد نجيب حسني،عبلقة السببية ،مرجع سابؽ ،ص.49 -48
388
محمكد نجيب حسني،عبلقة السببية ،مرجع سابؽ ،ص.49
389
رمسيس بيناـ ،نظرية التجريـ في القانكف الجنائي ،معيار سمطة العقاب تشريعان كتطبيقان ،منشأة المعارؼ ،اإلسكندرية ،1971،ص.108
سمير محمد ىندم ،االشتباه كحرية المكاطف بيف الفقو اإلسبلمي كالقانكف الكضعي ،رسالة دكتكراه مقدمة إلى كمية الحقكؽ بجامعة عيف شمس،1992 ،
ص -210ص . 213
190
كالخطر الجنائي إما أف يككف خط انر فعميان أك مفترضان ،فأما الخطر الفعمي فيك الخطر الحاؿ كشيؾ
الكقكع الذم مف شأنو أف يؤدم إلى نتائج ضارة بصكرة مباشرة ،كىذا النكع مف الخطر محدد في النمكذج
القانكني لمجريمة بالنظر إلى المحيط الكاقعي المادم لمجريمة ذاتيا ،كىك عنصر مف عناصر السمكؾ المادم
في جرائـ الخطر ،كاما أف يككف الخطر مفترضان كىذه الصكرة ما ىي إال تعبير عف إرادة المشرع
المفترضة ،حتى في حالة عدـ كجكد خطر فعمي ييدد مصالح المجتمع كقيمو العميا ،كتعد جريمة االتفاؽ
الجنائي مف جرائـ الخطر المفترض حيث أف العمة كراء افتراض الخطر مف قبؿ المشرع بحسب جانب مف
الفقو ترجع إلى جسامة السمكؾ المرتكب ،مما يعني أف المشرع افترض في كؿ اتفاؽ جنائي أنو ينطكم عمى
الخطر حتى كاف لـ يكف ييعرض فعميان المصمحة المحمية لمخطر ،390كبذلؾ يعد االتفاؽ الجنائي مف الجرائـ
االعتبارية الناشئة عف تجريـ الشارع لحاالت تنـ عف الشؾ كالريبة في احتماؿ اإلقداـ عمى ارتكاب الجريمة،
كاذا كاف االتفاؽ الكارد عمى الجنايات كالجنح الخطرة فيو ضركرة تستدعي تدخؿ المشرع بسبلح
التجريـ كالعقاب كافتراض الخطر بشأف ذلؾ االفتراض ،فإف ىذا األمر ال ينطبؽ عمى االتفاؽ عمى ارتكاب
الفعؿ الضار عمكمان ،حيث أنو كاف كاف يستساغ التدخؿ بتجريـ االتفاؽ عمى بعض األفعاؿ الضارة المحددة
حص انر كافتراض الخطر بشأنيا ،فإف ال يستساغ التدخؿ بتجريـ كؿ اتفاؽ عمى ارتكاب فعؿ ضار النتفاء
الضركرة.
390
عباس عبدالرازؽ مجمي السعيدم ،مرجع سابؽ ،ص.249
391
عمي راشد ،تخطيط السياسة الجنائية في نطاؽ الكظيفة االجتماعية ،منشكرات المكتب العربي لمكافحة الجريمة ،بغداد ،1976،ص.9
191
كبذلؾ يككف تدخؿ المشرع في ىذه الحالة كفقان لما يراه الباحث يشكؿ إفراطان في التجريـ دكف ضركرة
اجتماعية ،كبالتالي ييفاقـ مف مشكمة التضخـ التشريعي في المجاؿ الجنائي ،كيشكؿ كسيمة لمعصؼ بالحقكؽ
كالحريات ك مدخبلن لحرماف المكاطنيف منيا بصكرة غير منطقية كعمى نحك يسكده التحكـ .392ككذلؾ ليس مف
العدالة أف يتساكل في التجريـ كالعقاب الجناة المتفقكف عمى ارتكاب فعؿ ضار،كأكلئؾ المتفقكف عمى ارتكاب
جنحة.
أما إذا بحثنا عما إذا كاف ىناؾ ضركرة لتجريـ االتفاؽ عمى ارتكاب غاية مشركعة فيما إذا كاف
مراد الشارع بعدـ المشركعية ،االتفاؽ عمى محؿ غير مشركع ،فإف ذلؾ يستتبع أكالن تحديد متى يككف محؿ
االتفاؽ غير مشركع بالعكدة لمقانكف المدني الفمسطيني فإف محؿ االتفاؽ يككف غير مشركع ،إذا كاف مخالفان
393
أك المخالؼ لكؿ قاعدة آمرة بشكؿ عاـ ،مما يعني أف كؿ اتفاؽ يرد عمى لمنظاـ العاـ أك اآلداب العامة
محؿ مخالؼ لمنظاـ العاـ أك اآلداب العامة ،فإنو معاقب عميو بالحبس مدة سنتيف كفقان ألحكاـ المادة ()36
كيرل الباحث إف كانت بعض االتفاقات المدنية تستدعي تجريميا لخطكرتيا كلككف مكضكعيا
ارتكاب جنايات أك جنح ،كىذا فيو مخالفة لمنظاـ العاـ ،باعتبار أف قكاعد القانكف الجنائي مف النظاـ العاـ
داخؿ المجتمع نظ انر لتعمقيا بحفظ النظاـ كاألمف داخؿ المجتمع ،فإف ىذا ال يعني فتح الباب عمى مصراعيو
كجعؿ كؿ اتفاؽ مخالؼ لمنظاـ العاـ أك اآلداب العامة مشركع ،ألف ىكذا مسمؾ يفضي إلى تضخـ في
392
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.154
393
بل).
تنص المادة( )131مف القانكف المدني الفمسطيني عمى(:إذا كاف محؿ االلتزاـ مخالفان لمنظاـ العاـ أك اآلداب كاف العقد باط ن
192
حيث ينبغي االنتباه إلى أف النظاـ العاـ كاآلداب العامة ،فكرة مرنة كنسبية كمتطكرة ،فيي تختمؼ
مف مجتمع آلخر كمف عصر آلخر كفقان لؤلفكار السائدة في المجتمع ،فما يعتبر مخالفان لمنظاـ العاـ كاآلداب
العامة في مجتمع معيف قد ال يعتبر كذلؾ في مجتمع آخر ،كما يعتبر اليكـ مخالفان لمنظاـ العاـ كاآلداب
العامة قد ال يعتبر كذلؾ في المستقبؿ ،كىكذا يتضح أف فكرة النظاـ العاـ كاآلداب العامة تختمؼ مف مكاف
آلخر كمف زماف آلخر تبعان لؤلفكار المعتنقة في المجتمع كما أف لبلعتبارات الدينية تأثيرىا الكاضح في ىذا
المجاؿ.394
كيرل الباحث أنو بناء عمى النتيجة السابقة؛ فإف أم اتفاؽ مدني كارد عمى محؿ مخالؼ ألم قاعدة
قانكنية متعمقة بالنظاـ العاـ ،في أم فرع مف فركع القانكف العاـ أك الخاص ،سيعتبر اتفاقان جنائيان معاقب عميو
بالحبس لمدة سنتيف ،كتطبيقان لذلؾ ،كعمى سبيؿ المثاؿ ال الحصر ،فإف اتفاؽ المرشح مع الناخب عمى أف
يدلى األخير لؤلكؿ بصكتو ،كاتفاؽ شخص مع آخر عمى أف يتنازؿ لو عف حريتو الشخصية ،كاتفاؽ مكظؼ
عاـ مع زميمو عمى أف يحؿ مكانو في غيابو ،كاتفاؽ البائع مع الغير عمى اإلضرار بمنافسو ،كاتفاؽ الكرثة
الذككر عمى حرماف اإلناث مف الميراث ،كاتفاؽ رب العمؿ مع العامؿ عمى االنتقاص مف حقكقو المكفكلة
بمكجب قانكف العمؿ ،كاالتفاؽ عمى بيع بيت لمبغاء ،كميا تعد اتفاقات باطمة بطبلنان مطمقان إعماالن ألحكاـ
395
المادة ( )131مف القانكف المدني الفمسطيني ،كمصيرىا ال يتكقؼ عند ىذا الجزاء المدني ،بؿ إنيا أيضان
تيشكؿ جريمة جنائية يعاقب عمييا القانكف كيعاقب عمييا جنائيان بالحبس مدة سنتيف.
394
إياد محمد إبراىيـ جاد الحؽ ،النظرية العامة لبللتزاـ ،الطبعة الثانية ،دار المنارة ،2011 ،ص .205يكسؼ مصطفى رسكؿ ،التكازف في اإلجراءات
الجزائية ،مرجع سابؽ ،ص.144
395
بل).
تنص المادة ( )131مف القانكف المدني الفمسطيني عمى( :إذا كاف محؿ االلتزاـ مخالفان لمنظاـ العاـ أك اآلداب كاف العقد باط ن
193
ككجو انعداـ ضركرة التجريـ ىنا تكمف في أف االتفاؽ الذم يككف محمو مخالفان لمنظاـ العاـ كاآلداب
العامة رتب الشارع المدني عميو جزاء متناسبان يتمثؿ بصيركرة االتفاؽ باطبلن بطبلنان مطمقان ،كىك جزاء و
كاؼ ن
لتكفير الحماية الكافية لممصمحة المحمية ،كبالتالي لـ تكف ىناؾ أم ضركرة اجتماعية تستدعي تدخؿ المشرع
الجنائي لفرض الحماية الجنائية لمنظاـ العاـ كاآلداب العامة عمكمان عمى النحك المكسع السابؽ إيضاحو
أعبله ،طالما أف االتفاؽ ال يخالؼ النظاـ العاـ كاآلداب العامة فيما يتعمؽ بقكاعد القانكف الجنائي.
فالقانكف الجنائي يكفر الحماية الكافية لمقيـ كالمبادئ العميا في المجتمع سكاء كانت ىذه القيـ
كالمبادئ جديرة بالحماية لذاتيا أـ اعتبرىا المشرع كذلؾ حسب تقديره ألىميتيا بناء عمى عدة اعتبارات يقدرىا
ىك ،كلكف كؿ ذلؾ محككـ بضابط الضركرة بأف تبمغ ىذه القيـ كالمصالح حدان يبرر عدـ االكتفاء بالحماية
كبذلؾ يككف تدخؿ المشرع في ىذه الحالة كفقان لما يراه الباحث يشكؿ إفراطان في التجريـ دكف ضركرة
اجتماعية ،كىك ما ييفاقـ مف مشكمة التضخـ التشريعي في المجاؿ الجنائي ،كيشكؿ كسيمة لمعصؼ بالحقكؽ
كالحريات كمدخبلن لحرماف المكاطنيف منيا بصكرة غير منطقية كعمى نحك يسكده التحكـ.397
كبما أف المشرع أقدـ عمى إحداث عدـ تناسب ظاىر ال يتفؽ مع األىداؼ كالمقاصد التي استيدفيا
الدستكر مف كراء حماية الحقكؽ كالحريات كسائر القيـ التي ينص عمييا؛ تيعرض لمقضاء بعدـ دستكرية
القاعدة التي أخمت بضكابط الضركرة كالتناسب المطمكب ،فالسمطة التقديرية لممشرع في تحديد الضركرة
396
سميماف عبدالمنعـ ،النظرية العامة لقانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص 14كص.15
397
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.154
194
كالتناسب في التجريـ كالعقاب ليست مطمقة ،كانما تحدىا الغايات التي استيدؼ الدستكر تحقيقيا ،ألف السمطة
لما كاف الباحث قد خمص إلى أف اليدؼ مف تجريـ االتفاؽ الجنائي العاـ ىك القضاء عمى الجريمة
كىي في بذكرىا األكلى ،أم القضاء عمى الخطر الذم ييدد المصمحة المحمية كعدـ االنتظار ريثما يمحؽ بيا
الضرر ،ككاف الخطر ىك الباعث عمى تجريـ الشركع ،فيك العمة العامة ليذا التجريـ ،كمف فكرتو يستمد
معيار "البدء في التنفيذ" ،كضابط التمييز بينو كبيف "العمؿ التحضيرم" ،399ككانت السياسة التي اتبعيا
المشرع الجزائي فيما يتعمؽ بتجريـ الشركع كفيمة بتحقيؽ ىذا اليدؼ ،باعتبار أنو إذا قمنا بإلغاء النصكص
التي تيجرـ االتفاؽ الجنائي العاـ في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،فإف االتفاؽ الجنائي عمى
ارتكاب جناية أك جنحة سيدخؿ ضمف نطاؽ الشركع المعاقب عميو بمكجب نص المادة ( )30مف قانكف
العقكبات.
كذلؾ في حاؿ أخذنا بالرأم الفقيي الذم يذىب كبحؽ إلى أف المشرع فيما يتعمؽ بتحديده لمفيكـ الشركع ،قد
اعتنؽ أفكار المذىب الشخصي ،بحيث يدخؿ في نطاقو كؿ فعؿ يتعدل مرحمة التفكير كالعزـ كيظير إلى
الكجكد كال يشترط أف يدخؿ ضمف الركف المادم لمجريمة ،كما ال يشترط أف يككف فعبلن تنفيذيان يسبؽ السمكؾ
المككف لمركف المادم لمجريمة ،بما يعني أنو فتح الباب عمى مصراعيو لدخكؿ األعماؿ التحضيرية في مفيكـ
األفعاؿ الظاىرة ،ألنيا تككف قد ظيرت مف خبلؿ الفعؿ كتعدت مرحمة التفكير كىي بداية تنفيذ النية.400
398
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .175
399
محمكد نجيب حسني ،عبلقة السبيبة في قانكف العقكبات ،مرجع سابؽ ،ص.49
400
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.21
195
ملبرث يثاْٞ
جاء مبدأ الشرعية الجنائية لكي يحقؽ ىدفيف ميميف أكليما :استئثار المشرع كحده بمسائؿ الحقكؽ
كالحريات ،كثانييما :أف ييحيط الناس عممان بالتجريـ كالعقاب كما قد يتيدد حرياتيـ قبؿ إتياف أم فعؿ يعرضيـ
لذلؾ ،كىك ما أسماه الباحث الشؽ الشكمي لمبدأ الشرعية الجنائي ،بحيث يستمزـ تكفر صفات خاصة في
نصكص التجريـ كالعقاب ،تكفؿ رسـ الحدكد الفاصمة بيف أنماط السمكؾ الغير مشركع كبيف كؿ ما عداىا
مف سمكؾ مشركع ،بحيث تككف كاضحة جمية ال يعترييا أم غمكض أك لبس أك تجييؿ ،كىك ما يعبر عنو
باليقيف الجنائي ،كعمى ىدل ذلؾ سيتناكؿ الباحث في ىذا المبحث ،بياف مدل تقيد الشارع الجنائي بمتطمبات
الشؽ الشكمي لمبدأ الشرعية الجنائية فيما يتعمؽ بجريمة االتفاؽ الجنائي كذلؾ مف خبلؿ المطالب اآلتية:
196
ملطًب ٍٚ
يٝكني جلٓائٞ
مف حؽ األشخاص المخاطبيف بالقانكف الجنائي أف يككنكا عمى عمـ باألفعاؿ المجرمة مف خبلؿ نصكص
كاضحة جمية ال لبس أك غمكض فييا ،كذلؾ إعماالن لمبدأ الشرعية الجنائية ،كبناء عميو سيتـ بياف كؿ مف
مدلكؿ اليقيف الجنائي بإيجاز ،ثـ االنتقاؿ لبياف الصفات الخاصة التي بدكنيا ال يتحقؽ اليقيف الجنائي.
يف ع ٍٚ
بعد بزكغ مبدأ الشرعية الجنائية بات مف حؽ األشخاص المخاطبيف بالقانكف الجنائي أف يككنكا عمى
لبس أك غمكض فييا لكؿ ما ىك مشركع أك غير مشركع قبؿ اإلقداـ عمى مباشرتيا ،كىك ما يعني أف مبدأ
الشرعية الجنائية غير مختزؿ في مجرد صدكر القكاعد الجنائية بإرادة الشعب مف خبلؿ التشريع ،كانما أيضان،
كبذات األىمية كالدقة ،ال بد أف يككف المخاطبكف بيذه القكاعد عمى كعي كادراؾ كاحاطة بيذه القكاعد قبؿ
اإلقداـ عمى تطبيقيا عمييـ ،كذلؾ بالنظر إلى ما تنطكم عميو مف مساس بالحرية الشخصية كغيرىا مف
الحقكؽ كالحريات سكاء عف طريؽ التجريـ كالعقاب أك عف طريؽ اإلجراءات الجنائية ،401كحتى ال يككف
401
زحؿ محمد األميف ،مبدأ الشرعية الدستكرم كالدكلي ،مرجع سابؽ ،ص .82العشبي قكيدر ،المكازنة بيف العقكبة كالعفك ،دراسة مقارنة بيف التشريع
اإلسبلمي ك التشريعي الكضعي ،جامعة كىراف ،الجزائر ،2012 ،ص.30
402
محمد بف المدني بكساؽ ،اتجاىات السياسة الجنائية المعاصرة كالشريعة اإلسبلمية ،مرجع سابؽ ،ص.32
197
حيث جاء مبدأ الشرعية الجنائية لكي يحقؽ ىدفيف ميميف أكليما :استئثار المشرع كحده بمسائؿ
الحقكؽ كالحريات ،كثانييما :أف يحيط الناس عمما بالتجريـ كالعقاب كما قد يتيدد حرياتيـ قبؿ إتياف أم فعؿ
يعرضيـ لذلؾ ،كىك ما يسمى باليقيف القانكني الجنائي كالذم يتحقؽ بأف يعرؼ المخاطبكف بالقانكف سمفان
ماىية األكامر كالنكاىي التي ينص عمييا كالجزاءات التي قد يتعرضكف ليا عند مخالفتيا ،كىك ما يقتضي
صفات خاصة في النصكص الجنائية كفي تفسيرىا كفي نطاؽ تطبيقيا ،لغاية الحفاظ عمى األمف القانكني في
الدكلة.403
ككذلؾ يعد اليقيف الجنائي فرعان مف أصؿ عاـ كىك األمف القانكني الذم يعد مف المبادئ المركبة التي
القانكف ،فإنو يخاطب جميع سمطات الدكلة ،كبالنسبة لمسمطة التشريعية ،فإف مبدأ األمف القانكني يفترض
تحقيؽ اليقيف القانكني القائـ عمى كضكح النصكص القانكنية ،كنطاؽ تطبيؽ القانكف مف حيث الزماف،
باعتبار أف سيادة القانكف التي تسمك في الدكلة القانكنية تتطمب أف يتحقؽ االستقرار في تطبيؽ القكاعد
القانكنية فيما يتعمؽ باحتراـ الحقكؽ كالحريات ،فبل معنى لسيادة القانكف ما لـ يتحقؽ الشعكر بيذا االستقرار
لدل المخاطبيف بالقانكف باعتبار أف تنظيـ العبلقات القانكنية مف كظائؼ القانكف ،فاىتزاز االستقرار في
العبلقات القانكنية يؤدم بالتبعية إلى اىتزاز صكرة القانكف في أعيف المخاطبيف بو ،كليذا كاف ألمف القانكني
أحد العناصر األساسية في الدكلة القانكنية ،كاذا كانت سيادة القانكف ضمانان لحماية الحقكؽ كالحريات ،فإف
األمف القانكني يبدك أحد العناصر األساسية ليذه الحماية ،كييدؼ األمف القانكني إلى حماية النظاـ القانكني
بأسره ،كيقكـ ىذا األمف القانكني عمى عدة عناصر تبدك أىميا في التكازف بيف الحقكؽ كالحريات التي يحمييا
403
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .83مأمكف جميؿ أحمد مصطفى ،انحسار مبدأ الشرعية الجنائية ،جامعة
القدس ،2015،ص.8
198
القانكف مف خبلؿ معيار التناسب بيف مختمؼ القيـ التي يحمييا الدستكر ،كفي اليقيف القانكني الذم يتطمب
الكضكح في النصكص الجنائية ،كفي عدـ رجعية قانكف العقكبات ،كىنا يتكلد الشعكر بمصداقية ىذه
النصكص لدل المخاطبيف بيا ،سكاء مف خبلؿ كضكح معناىا أك مف خبلؿ سريانيا بأثر فكرم ،فعبر ىذا
404
اليقيف تتكلد الثقة في القانكف كيعـ االستقرار.
كيفترض األمف القانكني بطبيعة الحاؿ التزاـ الدكلة بضماف العمـ بالقانكف لدل المخاطبيف بو،
باعتباره قيمة دستكرية في حد ذاتيا تنبع مف مبدأ المساكاة أماـ القانكف ،فجكىر األمف القانكني ىك عدـ
المباغتة في سف النصكص القانكنية أيان كانت صكرىا ،بحيث يتمكف األشخاص مف التصرؼ باطمئناف عمى
ىدل مف القكاعد كاألنظمة القانكنية القائمة كقت قياميا بإعماليا كترتيب أكضاعيا عمى ضكء منيا ،دكف
التعرض لمفاجآت صادرة مف السمطات العامة يككف مف شأنيا زعزعة ىذه الطمأنينة أك العصؼ بيذا
االستقرار.405
فيذه المساكاة يمكف أف تقؿ فاعميتيا إذا لـ يكفؿ لممكاطنيف عمـ كاؼ بالقكاعد القانكنية المطبقة
عمييـ ،كمف ثـ فإف ىذا العمـ يعتبر أم انر ضركريان لممارسة الحقكؽ كالحريات التي يحمييا الدستكر ،كيكمؿ
مبدأ عدـ جكاز االعتذار بالجيؿ بالقانكف يكممو التزاـ الدكلة بكفالة العمـ بو ،كأف التزاـ األفراد بالعمـ بالقانكف
ي نبع مف الناحية الدستكرية مف كاجب السمطة العامة في ضماف العمـ بالقانكف ،كعمى ىذا النحك فإف الحقكؽ
كالحريات ال تجد حمايتيا فقط مف خبلؿ مضمكف القكاعد القانكنية كانما يتعيف كذلؾ أف تجد ىذه الحماية مف
404
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع السابؽ ،ص .85-84
405
عباس عبدالرازؽ مجمي السعيدم ،مرجع سابؽ ،ص .105-104
199
خبلؿ تكفير السبؿ الفعالة لمعمـ بالقانكف ،كمف ثـ فإف األمف القانكني يفرض عمى النظاـ القانكني أف تتكافر
كقد اعتبرت المحكمة الدستكرية العميا في فمسطيف اليقيف الجنائي أحد أركاف العدالة الجنائية التي
يتعيف ضمانيا مف خبلؿ قكاعد محددة تحديدان دقيقان كمنصفان يتقرر عمى ضكئيا ما إذا كاف المتيـ مدانان أك
بريئان ،407كتطبيقان لذلؾ فإف المحكمة الدستكرية العميا في مصر اعتبرت عدـ نشر خريطة تبيف مكاقع المكاف
(حدكد المحميات الطبيعية) التي يتكقؼ عمييا تطبيؽ النصكص العقابية التي تجرـ االعتداء عمى ىذا
المكاف ،مؤدياى إلى افتقار ىذه النصكص خاصية التعييف كالكضكح التي يجب أف تتمتع بيا نصكص
التجريـ.408
كلما كاف الدستكر ىك الذم يكفؿ حماية الحقكؽ كالحريات فإف تصحيح العكار الدستكرم لمقكاعد
التشريعية مف خبلؿ الرقابة عمى دستكرية القكانيف يسيـ في تحقيؽ األمف القانكني الدستكرم ،دعمان الستقرار
406
أحمد فتحي سركر ،مرجع سابؽ ،ص.85
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد ،149ص
407
.160
408
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 1أكتكبر سنة 1994ـ القضية رقـ ،20لسنة 15قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/16 :الساعة10:18 :
409
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.86
200
يف ع يثاْٞ
تتطمب الشرعية الجنائية أف تستكفي نصكص التجريـ كالعقاب كاإلجراءات الجنائية خصائص معينة،
بدكنيا ال يتحقؽ اليقيف القانكني الجنائي ،فيجب أف تككف ىذه النصكص مكتكبة ،كاضحة محددة ،تتكامؿ مع
سائر النصكص التي تضع القكاعد العامة سكاء في مجاؿ التجريـ كالعقاب ،أك في مجاؿ اإلجراءات الجنائية،
ىذا الشرط مستخمص بداىةن مف كجكب أف يككف التشريع مصد انر لمقكاعد الجنائية ،كتقتضي فكرة
الشرعية الجنائية ىذا الشرط ألنيا تتطمب أف يككف المخاطبكف بالقكاعد الجنائية عالميف بيا سمفان ،ىذا فضبلن
عما يكفره ىذا الشرط مف استقرار في المفاىيـ لتأكيد عمـ الناس باألكامر كالنكاىي التي تعبر عنيا ىذه
القاعدة ،كبناء عمى ذلؾ؛ ال يصمح العرؼ كال العادة مصدر لمتجريـ كالعقاب ،كمع ذلؾ فإف قانكف العقكبات
يعتمد في تحديد النمكذج القانكني لمجريمة عمى قكاعد غير جنائية ،مثؿ تمؾ التي ترد في القانكف المدني
بالنسبة لعقكد األمانة في جريمة خيانة األمانة ،كالقانكف التجارم بالنسبة إلى الشيؾ كاإلفبلس في الجرائـ
معنى الغش في حد ذاتو ،كفي ىذا الصدد قد تتمثؿ القكاعد غير الجنائية في العرؼ ،كىنا يقتصر دكر
العرؼ بكصفو قاعدة غير مكتكبة عمى تحديد المركز القانكني الذم يحميو قانكف العقكبات ،دكف أف يككف
العرؼ ذاتو مصد انر لمتجريـ كالعقاب ،كمف ناحية أخرل فإف مبدأ الشرعية الجنائية ال يحكؿ دكف االقتصار
201
عمى تحديد العقكبة تحديدان كامبلن كيحيؿ في تحديد بعض جكانب التجريـ إلى نصكص أخرل كفي ىذه الحالة
تمعب القكاعد العامة في قانكني العقكبات كاإلجراءات الجنائية دك انر ميمان في تحديد الشرعية الجنائية،
فبل يقتصر ىذا المضمكف عمى ما يرد في النصكص الجنائية بعيدان عما تحدده القكاعد العامة التي تحكـ
النصكص ،فيذه القكاعد العامة تعمؿ عمى تكضيح أك تكممة النصكص التشريعية كاعطائيا معناىا المتكامؿ،
كضماف التطبيؽ العاـ لمحقكؽ كالحريات ،التي تتضمنيا النصكص التشريعية أك الدستكرية ،سكاء صراحةن أك
ضمنان ،كعمى ىذا النحك فإف القكاعد العامة تبدك الزمة مف حيث ضماف استم اررية كتماسؾ النظاـ القانكني
الجنائي ،كتناؿ ىذه القكاعد ذات القيمة القانكنية التي تناليا نصكص القانكف ،كليذا فإف مخالفتيا أك الخطأ
كلعؿ أىـ ما تؤكده القكاعد العامة في قانكف العقكبات يبدك في تحديد أسباب اإلباحة ،كشخصية
المسئكلية كالعقكبة ،كحدكد السمطة التقديرية لمقاضي إذا ما رأم تخفيؼ العقكبة ،باإلضافة إلى غير ذلؾ مف
األحكاـ العامة التي يضيفيا المشرع في حدكد سمطتو التقديرية ،سكاء مف حيث تطبيؽ القانكف مف حيث
المكاف أك مف حيث المساىمة الجنائية أك أركاف الجريمة ،كمف المؤكد أف ما يرد في القكاعد العامة بشأف
أسباب اإلباحة ليس قيدان عمى التجريـ ،ألف األصؿ في األفعاؿ اإلباحة ،كألف األصؿ في اإلنساف البراءة،
كألف اإلنساف يممؾ حقان في الحرية الشخصية ،كما يرد مف قكاعد التجريـ كالعقاب إنما يأتي عمى سبيؿ
410
أحمد فتحي سركر،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.90 -89
202
االستثناء الذم تتطمبو المكازنة بيف حماية الحقكؽ كالحريات كحماية المصمحة العامة ،كبعبارة أخرل فإف
إف قيمة القاعدة القانكنية عامةن كالجزائيةن خاصة تتناسب مع مدل استيعابيا لعكامؿ التحريؾ في
الكاقع االجتماعي مما يستمزـ إقامة النصكص عمى أرضية الكاقع ،412كيجب عمى كاضع الصياغة التشريعية
الميؿ إلى تحقيؽ الدقة كالكضكح ،كاإلحاطة بكؿ جكانب المعنى ،كاتباع التقاليد المكركثة عف تقاليد المغة
القانكنية سكاء مف حيث الشكؿ أك المضمكف ،413فمغة التشريع يجب أف تككف كاضحة دقيقة ،فالمغة المعقدة
تجعؿ القانكف مغمقان مبيمان ،فالتشريع كضع ليخاطب الناس جميعان عمى اختبلؼ مداركيـ كثقافاتيـ كأفيماىـ،
كلذلؾ كاف مف الكاجب أف يتخير الشارع العبارة الكاضحة الدقيقة التي يفيميا كؿ الناس.414
كتكتسب ىذه الصفات أىمية كبيرة في القانكف الجنائي ذلؾ أف ىذا القانكف يسكده مبدأ شرعية الجرائـ
كالعقكبات الذم يكجب أف تتصؼ نصكص التجريـ بالكضكح كأف تبعد عف الغمكض كااللتباس ،فبل يكفي أف
ينص الشارع عمى تجريـ فعؿ معيف؛ كانما يجب أف يككف ىذا الفعؿ كاضح العناصر عمى نحك يكفؿ التحديد
411
أحمد فتحي سركر،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .97- 96سامي جماؿ الديف ،مرجع سابؽ ،ص.213
412
جاسـ العبكدم ،التجريـ كالعقاب في إطار الكاقع االجتماعي ،دار الحكمة لمطباعة كالنشر ،أربيؿ ،1990 ،ص.157
413
محمكد محمد عمي صبرة أصكؿ الصياغة القانكنية ،الطبعة الثانية ،دار الكتب القانكنية ،ص.27
414
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب ،مرجع سابؽ ،ص.26
203
الدقيؽ لماىيتو ،أما النص عمى تجريـ سمكؾ يشكب تحديده اإلبياـ ك الغمكض فإنو يككف غير صالح لمتجريـ
لمنافاتو مبدأ شرعية الجرائـ كالعقكبات ،ك مشكبان بعكار عدـ الدستكرية.415
يتجمى انفراد السمطة التشريعية بالتشريع في مبدأ الكضكح كالتحديد في النصكص التشريعية ،فكفقان
ليذا المبدأ يجب أف يعبر المشرع الجنائي عف السمكؾ المعاقب عميو بطريقة كاضحة محددة بعيدان عف
الغمكض ،فاليدؼ مف مبدأ الشرعية ىك ضماف إخطار الجميكر بما يعد جريمة كبالعقاب المترتب عمييا
كبال قيكد الكاردة عمى الحرية ،كىك يستمزـ كضكح قصد الشارع الجنائي ،كيستند ىذا الشرط إلى ثبلثة
مبادئ دستكرية ،أكليا انفراد السمطة التشريعية بالتشريع ،كىك ما يرتبط بالنظاـ الديمقراطي القائـ عمى سمطة
البرلماف في التشريع ،كعدـ التنازؿ عنيا لمسمطة القضائية في تحديد معاني النصكص الغامضة إعماالن لمبدأ
الفصؿ بيف السمطات ،كثانييا كجكب أف يعمـ بالقانكف المخاطبكف بو ،كىك ما يتطمب الكضكح في النصكص
حتى تحقؽ الثقة المشركعة في القانكف ،التي يتكافر بيا األمف القانكني ،كثالثيا احتراـ مبدأ المساكاة أماـ
القانكف ،فبل يستقيـ أف يعمـ القانكف مجرد العامميف في حقمو كرجاؿ القانكف المتخصصيف في عممو كفنو،416
كقد عبرت المحكمة الدستكرية العميا بمصر عف ىذا المبدأ في قكليا بأنو ال يسكغ لممشرع أف يجعؿ مف
نصكصو العقابية شباكان أك شراكان يمقييا ليتصيد باتساعيا أك بخفائيا مف يقعكف تحتيا أك يخطئكف
مكاقعيا.417
415
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب ،مرجع سابؽ ،ص.27
416
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص .92-91سامي جماؿ الديف ،مرجع سابؽ ،ص .213مأمكف جميؿ أحمد
مصطفى ،انحسار مبدأ الشرعية الجنائية ،جامعة القدس ،2015 ،ص.17
417
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 2يكنيك لسنة 2001ـ ،القضية 114لسنة 21قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/18 :الساعة5:18 :
204
كالكضكح نقيض الغمكض ،كيككف نص التجريـ غامضان " إذا جيؿ المشرع باألفعاؿ التي أثٌميا فبل
يككف بيانيا كاضحان جميان كال تحديدىا قاطعان أك فيميما مستقيمان بؿ مبيمان خافيان عمى أكساط الناس ،باختبلفيـ
حكؿ فحكل النص العقابي المؤثـ ليا كداللتو كنطاؽ تطبيقو كحقيقة ما يرمى إليو ،ليصير إنفاذ ىذا النص
مرتبطان بمعايير شخصية مرجعيا تقدير القائميف عمى تطبيقو لحقيقة محتكاه ،كاحبلؿ فيميـ الخاص لمقاصده
كما قضت المحكمة الدستكرية العميا بأف غمكض النصكص العقابية يعني انفبلتيا مف ضكابطيا
كتعدد تأكيبلتيا ،فبل تككف األفعاؿ التي منعيا المشرع أك طمبيا محددة بصكرة يقينية ،بؿ شباكان أك شراكان
كقد كضعت المحكمة الدستكرية العميا مجمكعة مف الضكابط لتحديد ىذا الشرط تتمثؿ فيما يأتي:
أ .أف تككف األفعاؿ المؤثمة محددة بصكرة يقينية ال التباس فييا كالغمكض:
كفي ىذا المعنى قضت المحكمة الدستكرية العميا بأف مف القكاعد المبدئية التي يتطمبيا الدستكر في
القكانيف الجزائية أف تككف درجة اليقيف التي تنتظـ أحكاميا في أعمى مستكياتيا ،كأظير في ىذه القكانيف منيا
في أم تشريعات أخرل ،ذلؾ أف القكانيف الجزائية تفرض عمى الحرية الشخصية أخطر القيكد كأبمغيا أث انر،
كيتعيف بالتالي ضمانان ليذه الحرية-أف تككف األفعاؿ التي تؤثميا ىذه القكانيف محددة بصكرة قاطعة بما يحكؿ
دكف التباسيا بغيرىا ،كبمراعاة أف تككف دكمان جمية كاضحة في بياف الحدكد الضيقة لنكاىييا ،كما أف التجييؿ
418
المحكمة الدستكرية العيا بمصر ،جمسة /8فبراير2004/ـ ،القضية رقـ ،146لسنة 20قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
تاريخ الزيارة 2019/7/18 :الساعة5:22 : سابؽ.
419
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 5يكليك سنة ،1997القضية 58لسنة 18قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/19 :الساعة10:16 :
205
بيا أك انبياميا في بعض جكانبيا ال يجعؿ المخاطبيف بيا عمى بينة مف حقيقة األفعاؿ التي يتعيف عمييـ
تجنبيا ،كىك الحكمة مف عدـ رجعية نصكص التجريـ كالعقاب ،كذلؾ فإف غمكض مضمكف النص العقابي
مؤداه أف يحاؿ بيف محكمة المكضكع كبيف إعماؿ قاعدة منضبطة تعيف لكؿ جريمة أركانيا كتقرر عقكبتيا
بما ال خفاء فيو ،كىي قكاعد ال ترخص فييا كتمثؿ إطا انر لعمميا ال يجكز تجاكزه ،باعتبار أف الغاية التي
يتكخاىا الدستكر ىي أف يكفر لكؿ مكاطف الفرص الكاممة في مباشرة حرياتو في إطار مف الضكابط التي
قيدىا بيا ،كالزـ ذلؾ أف تككف القيكد عمى الحرية التي تفرضيا القكانيف الجزائية محددة بصكرة يقينية ألنيا
تدعك المخاطبيف بيا إلى االمتثاؿ لكي يدفعكا عف حقيـ في الحياة ككذلؾ عف حرياتيـ تمؾ المخاطر التي
تعكسيا العقكبة ،لقد كاف غمكض القكانيف الجزائية مرتبطان مف الناحية التاريخية بإساءة استخداـ السمطة،
ككاف أم انر مقضيان أف يركف المشرع إلى مناىج جديدة في الصياغة ال تنزلؽ إلى تمؾ التعبيرات المرنة أك
الغامضة أك المتميعة المحممة بأكثر مف معنى ،كالتي تنداح معيا دائرة التجريـ بما يكقع محكمة المكضكع
في محاذير كاضحة قد تنتيي بيا في مجاؿ تطبيقيا لمنصكص العقابية إلى ابتداع جرائـ ال يككف المشرع قد
قصد حقيقة إنشائيا ،كالى مجاكزة الحدكد التي اعتبرىا الدستكر مجاالن حيكيان لمباشرة الحقكؽ كالحريات التي
كفميا ،كأضافت المحكمة الدستكرية العميا أف انتفاء الغمكض في القكانيف الجنائية يقع في نطاؽ مجمكعة
القيـ التي تكفؿ لحقكؽ المتيـ الحد األدنى مف الحماية التي ال يجكز النزكؿ عنيا أك االنتقاص منيا.420
كىك ما يتطمب أف تككف ضكابط التجريـ كالعقاب محددة في ركنييا المادم كالمعنكم ،كفي تحديد نكع
العقكبة كمدتيا ،كبصدد تحديد الركف المادم ،كفي ىذا الصدد أكدت المحكمة الدستكرية العميا عمى أنو كمما
420
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 2يناير سنة ،1993القضية 3لسنة 10قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/19 :الساعة10:31 :
206
أثـ المشرع أفعاالن بذكاتيا حاؿ كقكعيا في مكاف معيف ،فإف تعييف حدكد كأكصاؼ ىذا المكاف بما ينفي
التجييؿ بيا يككف شرطان أكليان لصكف الحرية الفردية التي أعمى الدستكر قدرىا ،كاف القيكد التي تفرضيا
القكانيف الجزائية عمى تمؾ الحرية ،تقتضي أف تصاغ أحكاميا بما يقطع كؿ جدؿ في شأف حقيقة محتكاىا،
ليبمغ اليقيف بيا حدان يعصميا مف الجدؿ ،كبما يحكؿ بيف رجاؿ السمطة العامة كتطبيقيا بصكرة انتقائية ،كفؽ
معايير شخصية تخالطيا األىكاء ،كتناؿ مف األبرياء الفتقارىا األسس المكضكعية البلزمة لضبطيا.421
ج .أف تحكـ معاني النصكص مقاييس صارمة كمعايير محددة تمتئـ مع طبيعتيا:
كفي ىذا المعنى قالت المحكمة الدستكرية العميا بأف النصكص الجنائية تحكميا مقاييس صارمة
كمعايير حادة تتعمؽ بيا كحدىا كتمتئـ مع طبيعتيا ،كال تزاحميا في تطبيقيا ما سكاىا مف القكاعد القانكنية،422
ك كذلؾ قضت بأنو ال يجكز أف يككف أمر التجريـ فرطان ،كىك ما يتحقؽ في كؿ حاؿ يككف فييا النص
العقابي محمبلن بأكثر مف معنى مرىقان بأغبلؿ تعدد تأكيبلتو ،مرنان متراميان عمى ضكء الصيغة التي أفيرغ
فييا.423
كمف كؿ ما سبؽ يستخمص الباحث أف معيار الكضكح كالتحديد في النصكص الجنائية كفقان لما
رسختو أحكاـ المحكمة الدستكرية العميا ذات الصمة ،يتطمب اليقيف كعدـ الغمكض كالتحديد الجازـ القاطع
421
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 2يناير سنة ،1993القضية 3لسنة 10قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/20 :الساعة9:16 :
422
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 3أغسطس سنة ،1993القضية 37لسنة 15قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/20 :الساعة9:22 :
423
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 12فبراير سنة ،1994القضية 105لسنة 12قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/20 :الساعة9:28 :
207
لضكابط التطبيؽ ،كالخضكع لمقاييس صارمة كمعايير محددة ،كيشمؿ ىذا المعيار كؿ ما يتعمؽ بقكاعد
ملطًب يثاْٞ
عرؼ الشارع
يرل الباحث أنو كفقان ألحكاـ قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،لـ يي ٌ
االتفاؽ الجنائي ،حيث عبر عنو بمفظ "التآمر" ،كىذا مرده األصكؿ االنجميزية ليذا القانكف .باعتبار أف
القانكف اإلنجميزم ييعبر عف االتفاؽ الجنائي بكصؼ المؤامرة ( ،425)Conspiracyمما يعني أف كبلن مف
كالسؤاؿ الذم ييثار اآلف ىؿ مسمؾ المشرع القائـ عمى عدـ تقديـ تعريؼ لمتآمر "االتفاؽ الجنائي" ،فيو
إف مسمؾ المشرع العقابي في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ القائـ عمى عدـ تقديـ تعريؼ
االتفاؽ الجنائي– التآمر -ال يجعؿ معو التجريـ كالعقاب في ىذه الحالة منصبان عمى سمكؾ غامض غير
كاضح الداللة يحتمؿ عدة تأكيبلت ،بما يترتب عميو أف كؿ نص يجرـ التآمر أينما كرد في ىذا القانكف
424
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.96
425
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،مرجع سابؽ ،ص.295
208
يضحي مشكبان بعكار عدـ الدستكرية ،ككنو يخالؼ مبدأ اليقيف القانكني الجنائي ،الذم يفرض أف تككف
األفعاؿ التي ييجرميا المشرع محددة بصكرة قاطعة بما يحكؿ دكف التباسيا بغيرىا ،كبمراعاة أف تككف دكمان
فصحيح أف الشارع الجنائي لـ يكضح لنا المقصكد بالتآمر مكتفيان فقط بتجريمو ،بحيث نيتدم بناء
عميو كنحدد بشكؿ دقيؽ فيما إذا كانت العبلقة التي تربط الجناة بأنيا تآمر أـ ال ،كلكف رغـ ذلؾ يتعيف
تداء عمى تقديـ تعريؼ لمتآمر ،كىذا مرده أف قانكف العقكبات رقـ ()74
االنتباه إلى أف الشارع غير يمجبر اب ن
لسنة 1936أصكلو انجميزية كما كسبؽ ذكره ،كبالتالي تيعتبر األلفاظ كالعبارات المستعممة فيو بأنيا استعممت
لمداللة عمى المعنى المقصكد منيا في الشرائع االنجميزية ،كتفسر باالستناد إلى تمؾ الشرائع بقدر ما يتفؽ
ذلؾ مع سياؽ العبارة ،كذلؾ إعماالن ألحكاـ المادة ( )4مف القانكف سالؼ الذكر،
أكثر بنية بمكغ ىدؼ غير مشركع أك مشركع بطريقة غير مشركعة" ،426كىك ما يستتبع معو أف تصبح قالة
اإلدعاء بمخالفة المكاد العقابية ذات الصمة ،427لمبدأ الشرعية الجنائية في شقو الشكمي – اليقيف الجنائي-
عاقب المشرع في قانكف العقكبات بنص المادة ( )36عمى صكر معينة لبلتفاؽ الجنائي ،اعتبرىا
تشكؿ جنحة يعاقب عمييا بالحبس مدة سنتيف ،كىك ما يثير السؤاؿ حكؿ المعنى الذم أراده المشرع في الفقرة
426
Joel Samaha-Criminal Law 3rd edition, page173. “ In common law, conspiracy between two or more persons
formed for the purpose of doing either an unlawful act or lawful act by unlawful means”.
427المكاد ( )305(،)174(،)1/59(،)2/49(،)36(،)35(،)34مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ.
209
(ك) "عمى تحقيؽ غاية غير مشركعة" ،فيؿ قصد بالغاية غير المشركعة عدـ المشركعية الجنائية ،أـ أراد
بالغاية غير المشركعة الباعث أك اليدؼ البعيد ،أـ أنو أراد بيا محؿ االتفاؽ غير المشركع عمكمان ،كىك
يرل الباحث أنو :إذا قمنا أف يمراد المشرع بالغاية غير المشركعة ،ارتكاب فعؿ غير مشركع جنائيان،
االعتبار أف المشرع العقاب يسبؽ لو كأف استخدـ لفظة "الغاية غير المشركعة" كقصد فييا عدـ المشركعية
الجنائية ،كذلؾ ظاىر جميان بنص المادة ( )24الخاصة بالعقاب عمى الجريمة المحتممة ،428فإف ىذا التفسير
سيترتب عميو كقكع تعارض كتضارب بيف نصكص المكاد ( )34ك( )35مع نص المادة ( ،)36باعتبار أف
المشرع سيككف قد جاء بنص عاـ كاسع ،يعاقب بمكجبو عمى كؿ اتفاؽ عمى تحقيؽ أم جريمة بعقكبة
بالحبس مدة سنتيف ،بؿ أف األخطر مف ذلؾ في حالة إعماؿ ىذا التفسير؛ سيترتب عميو إدخاؿ المخالفات
الجزائية كأيضان جميع المخالفات المدنية التي نص عمييا قانكف المخالفات المدنية رقـ ( )36لسنة 1944
الذم كاف ساريان قبؿ إصدار القانكف المدني ،ضمف نطاؽ النص ،لتككف مكضكعان لمتآمر ،بؿ كاألدىى مف
ذلؾ أف عقكبة التآمر عمييا سيككف الحبس مدة سنتيف أم عقكبة جنحة ،ىك ما يعد مغاالة في العقاب ال
تقتضييا عقؿ أك منطؽ كفييا إىدار لقيـ العدالة ،كبناء عمى كؿ ما سبؽ يستبعد الباحث أف يككف قصد
المشرع بالغاية غير المشركعة الكارد ذكرىا بنص المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ،
428
تنص المادة ( )24مف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ عمى (:إذا اتفؽ شخصاف أك أكثر فيما بينيـ عمى تنفيذ غاية غير مشركعة باالشتراؾ
كحدث حيف تنفيذ تمؾ الغاية أف ارتكب يجرـ أك أكثر كنتيجة محتممة الكقكع لتنفيذ تمؾ الغاية ،فيعتبر كؿ مف كاف حاض انر مف ىؤالء األشخاص عند
ارتكاب أم جرـ مف ىذه الجرائـ بأنو ىك الذم ارتكب ذلؾ الجرـ أك تمؾ الجرائـ).
210
منصرفان إلى كؿ ما ىك جناية أك جنحة أك مخالفة ،كاال سيظؿ الحظر الرئيسي الذم مف أجمو يش ٌرعت ىذه
المادة غامض إلى األبد لخمؽ جرائـ لـ يحمـ بيا الناس قط.
يرل الباحث أنو :إذا قمنا بأف قصد الشارع بالغاية غير المشركعة أك المشركعة ،ينصرؼ إلى اليدؼ
البعيد مف ارتكاب الجريمة ،فإف األخذ بذلؾ يستتبع تطبيقو عمى ما جاء بو بالفقرة (ز) سالفة الذكر ،طالما
ارتكاب الجنايات أك الجنح ضمف نطاؽ النص ،كبالتالي حصكؿ ارتباؾ كتضارب حقيقي بيف النصكص
كاألخطر مف ذلؾ ىك أف التفسير السابؽ سيفتح بالباب عمى مصراعيو أماـ دخكؿ المخالفات
الجزائية ،ضمف نطاؽ النص التجريمي ،باعتبار أف المشرع لـ يشترط في الكسائؿ غير المشركعة درجة
معينة مف الجسامة ،كاألكثر جسامة ىك أف ىذا التآمر الذم سيرد عمى ارتكاب مخالفة سيككف العقاب عميو
أشد مف العقكبة المقررة لممخالفة فيما إذا كقعت ،كىذا يشكؿ تطرفان كمغاالة في العقاب فبل يستقيـ منطقيان كال
عدالة أف يعاقب عمى االتفاؽ مجردان ،بعقكبة أشد مف عقكبة الجريمة المتفؽ عمييا ،فيما لك كقعت بالفعؿ.
ككذلؾ يرل الباحث أف القكؿ بالتفسير السابؽ يفضي إلى نتائج غير عادلة مطمقان كىي أف يصبح
عقاب االتفاؽ الجنائي عمى جناية متساكيان مع عقاب االتفاؽ الجنائي عمى ارتكاب جنحة أك مخالفة ،بحيث
يتعيف أف يتدرج عقاب االتفاؽ الجنائي تبعان لدرجة الجريمة مكضكع االتفاؽ ،عبلكةن عمى أف الغاية كيدؼ
211
بعيد مف ارتكاب الجريمة ال تككف مناطان يرد عميو التجريـ كالعقاب ،باعتبار أف التجريـ كالعقاب يرد عمى
سمكؾ مادم مممكس .أما الغاية فميست ليا الصفة غير المشركعة في حكـ القانكف ،ككذلؾ ال يمكف أف تخمع
الصفة الجنائية عمى النشاط الذم اتجو إليو كىك الباعث فيك مجرد دافع "نفسي" إلى إشباع الحاجة أك الرغبة
"الغاية" ،429خصكصان كأف المشرع قد استخدـ تعبير (الدافع) لمداللة عمى الباعث.430
كبناء عمى كؿ ما سبؽ يستبعد الباحث أف يككف قصد المشرع بالغاية غير المشركعة الكارد ذكرىا
المراد مف
بنص المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،منصرفان إلى كؿ اليدؼ البعيد ي
الجريمة أك الباعث.
ثالثان :الغاية غير المشركعة( المحؿ غير المشركع) :يرل الباحث أف مدلكؿ الغاية غير المشركعة يتسع
ليشمؿ الفعؿ الضار ككنو أيضان يشكؿ سمككان غير مشركع ،ال سيما أنو مف المنطقي أف نفسر الفقرة (ك) مف
المادة ( )36مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة ،1936في ضكء الفقرات األخرل التي سبقتيا
قدر المشرع أنو يترتب عمييا ضرر عاـ فيما إذا كانت
أخطاء مدنية ٌ
ن في ذات المادة كالتي في أغمبيا تشكؿ
محبلن لمتآمر ،إضافةن عمى ذلؾ يرل الباحث أف مدلكؿ الغاية غير المشركعة يتسع ليشمؿ كؿ اتفاؽ محمو
غير مشركع مدنيان ،أم أف األمر غير قاصر عمى الفعؿ غير المشركع ( الفعؿ الضار) ،بحيث أف كؿ اتفاؽ
محمو غير مشركع سيضحي اتفاقان جنائيان معاقبان ،بما يستتبع معو تحديد متى يككف االتفاؽ المدني غير
مشركعان ،بالعكدة لمقانكف المدني الفمسطيني فإف محؿ االتفاؽ يككف غير مشركع ،إذا كاف مخالفان لمنظاـ العاـ
429
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،مرجع سابؽ ،ص.186
430
تنص المادة ( )3/11مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة 1936ـ عمى أنو ( ال عبرة لمدافع الذم يحمؿ الشخص عمى ارتكاب الفعؿ أك
ترؾ أك عمى عقد النية عمى ارتكابو ،بقدر ما يتعمؽ ذلؾ بالمسئكلية الجزائية ،إال إذا كرد النص صراح نة عمى غير ذلؾ).
212
أك اآلداب العامة ،431مما يعني أف كؿ اتفاؽ يرد عمى محؿ مخالؼ لمنظاـ العاـ أك اآلداب العامة ،يعتبر
معاقبان عميو بالحبس مدة سنتيف كفقان ألحكاـ المادة ( )36مف قانكف العقكبات الفمسطيني رقـ ( )74لسنة
1936ـ.
كيرل الباحث إف كانت بعض االتفاقات المدنية تستدعي تجريميا لخطكرتيا كلككف مكضكعيا
ارتكاب جنايات أك جنح ،كىذا فيو مخالفة لمنظاـ العاـ ،باعتبار أف قكاعد القانكف الجنائي مف النظاـ العاـ
داخؿ المجتمع نظ انر لتعمقيا بحفظ النظاـ كاألمف داخؿ المجتمع ،فإف ىذا ال يعني فتح الباب عمى مصراعيو
كجعؿ كؿ اتفاؽ مخالؼ لمنظاـ العاـ أك اآلداب العامة غير مشركع ،ألف ىكذا مسمؾ يفضي إلى تضخـ في
حيث ي نبغي االنتباه إلى أف النظاـ العاـ ك اآلداب العامة ،فكرة مرنة كنسبية كمتطكرة ،فيي تختمؼ
مف مجتمع آلخر كمف عصر آلخر كفقان لؤلفكار السائدة في المجتمع ،فما يعتبر مخالفان لمنظاـ العاـ كاآلداب
العامة في مجتمع معيف قد ال يعتبر كذلؾ في مجتمع آخر ،كما يعتبر اليكـ مخالفان لمنظاـ العاـ كاآلداب
العامة قد ال يعتبر كذلؾ في المستقبؿ ،كىكذا يتضح أف فكرة النظاـ العاـ كاآلداب العامة تختمؼ مف مكاف
آلخر كمف زماف آلخر تبعان لؤلفكار المعتنقة في المجتمع كما أف لبلعتبارات الدينية تأثيرىا الكاضح في ىذا
المجاؿ.432
كعطفان عمى النتيجة السابقة ،يرل الباحث أف أم اتفاؽ مدني كارد عمى محؿ مخالؼ ألم قاعدة
قانكنية متعمقة بالنظاـ العاـ ،في أم فرع مف فركع القانكف العاـ أك الخاص ،سيعتبر اتفاقان جنائيان معاقب عميو
431
تنص المادة ( )131مف القانكف المدني الفمسطيني (إذا كاف محؿ االلتزاـ مخالفان لمنظاـ العاـ أك اآلداب كاف العقد باطبلن).
432
إياد محمد إبراىيـ جاد الحؽ ،النظرية العامة لبللتزاـ ،الطبعة الثانية ،دار المنارة ،2011 ،ص.205
213
بالحبس لمدة سنتيف ،كتطبيقان لذلؾ كعمى سبيؿ المثاؿ ال الحصر ،فإف اتفاؽ المرشح مع الناخب عمى أف
يدلى األخير لؤلكؿ بصكتو ،كاتفاؽ شخص مع آخر عمى أف يتنازؿ لو عف حريتو الشخصية ،كاتفاؽ مكظؼ
عاـ مع زميمو عمى أف يحؿ مكانو في غيابو ،كاتفاؽ البائع مع الغير عمى اإلضرار بمنافسو ،كاتفاؽ الكرثة
الذككر عمى حرماف اإلناث مف الميراث ،كاتفاؽ رب العمؿ مع العامؿ عمى االنتقاص مف حقكقو المكفكلة
بمكجب قانكف العمؿ ،كاالتفاؽ عمى بيع بيت لمبغاء ،كميا تعد اتفاقات باطمة بطبلنان مطمقان إعماالن ألحكاـ
المادة مف القانكف المدني الفمسطيني ،433كمصيرىا ال يتكقؼ عند ىذا الجزاء المدني؛ بؿ تشكؿ أيضان جريمة
جنائية يعاقب عمييا القانكف كيعاقب عمييا جنائيان بالحبس مدة سنتيف.
كبناء عمى ما سبؽ يخمص الباحث إلى نتيجة مفادىا :أف المشرع في الفقرة (ك) مف المادة ( )36مف
قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة ،1936جاء بصياغة مرنة متميعة جعمت النص مرىقان بأكثر مف معنى
بحيث تتعدد التأكيبلت بشأنو ،كىك ما يجعؿ النص مشكبان بعكار عدـ الدستكرية ككنو يشكؿ مخالفة سافرة
434
الذم يفرض عمى المشرع أال ينزلؽ إلى مثؿ ىكذا تعبيرات مرنة محممة بأكثر مف لمبدأ الشرعية الجنائية
معنى.
حيث أف تمؾ التعبيرات تنداح معيا دائرة التجريـ بما يضع محكمة المكضكع في محاذير كاضحة قد
تنتيي بيا في مجاؿ تطبيقيا لمنص سالؼ الذكر إلى ابتداع جرائـ ال يككف المشرع قد قصد حقيقة
إنشائيا ،435حيث يتعيف في األفعاؿ المؤثمة كما كسبؽ بيانو أف تككف محددة بصكرة يقينية ال التباس أك
433
تنص المادة ( )131مف القانكف المدني الفمسطيني عمى( :إذا كاف محؿ االلتزاـ مخالفان لمنظاـ العاـ أك اآلداب كاف العقد باطبلن).
434
تنص المادة ( )15مف القانكف األساسي الفمسطيني عمى (:العقكبة شخصية ،كتمنع العقكبات الجماعية ،كال جريمة كال عقكبة إال بنص قانكني ،كال
تكقع عقكبة إال بحكـ قضائي ،كال عقاب إال عمى األفعاؿ البلحقة لنفاذ القانكف).
435
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 2يناير سنة ،1993القضية 3لسنة 10قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/25الساعة3:22 :
214
غمكض فييا ،فيذا يعد شرطان أكليان لصكف الحرية الفردية التي أعمى الدستكر قدرىا ،كاف القيكد التي تفرضيا
القكانيف الجزائية عمى تمؾ الحرية تقتضي أف تصاغ أحكاميا بما يقطع كؿ جدؿ في شأف حقيقة محتكاىا،
ليبمغ اليقيف بيا حدان يعصميا مف كؿ الجدؿ ،بما يحكؿ بيف رجاؿ السمطة العامة كتطبيقيا بصكرة انتقائية
كفقان لمعايير شخصية تخالطيا األىكاء كتناؿ مف األبرياء الفتقارىا لؤلسس المكضكعية البلزمة لضبطيا.436
(د) خمايفَ ١بلأ يٛضٛح فُٝا ٜعًل باالتفام عً ٢يف ٓ:١
يعاقب المشرع عمى االتفاؽ بنية الفتنة بمكجب أحكاـ المادة ( )59مف قانكف العقكبات رقـ ()74
لسنة 1936التي جاءت بقكليا ":أ -كؿ مف تآمر مع شخص آخر أك أشخاص آخريف عمى القياـ بفعؿ
تحقيقان لنية فتنة مشتركة بينيما أك بينيـ ،يعتبر أنو ارتكب جنحة".
كيتضح مف النص السابؽ أف المشرع يجرـ االتفاؽ الجنائي عمى القياـ بأم فعؿ مف األفعاؿ تنفيذان
لنية إجرامية محددة أال كىي نية الفتنة ،كقد عرؼ الشارع المقصكد بيذه النية بالمادة ( )1/60كالتي جاءت
إيفاء لمغاية المقصكد مف المادة السابقة ييراد "بنية الفتنة" النية المنطكية عمى إيجاد الكراىية كاالزدراء
بقكليا ":ن
أك إيقاظ شعكر النفكر مف شخص الممؾ أك مف الدكلة المنتدبة أك مف المندكب السامي بصفتو الرسمية أك
مف حككمة فمسطيف القائمة بحكـ القانكف أك مف سير العدالة ،أك النية المنطكية عمى تحريض أىالي فمسطيف
عمى محاكلة إيقاع أم تغيير في أم أمر قائـ في فمسطيف بحكـ القانكف ،بغير الطرؽ المشركعة ،أك عمى
إيقاظ االستياء أك النف كر بيف أىالي فمسطيف أك عمى إثارة البغضاء كالعداكة بيف مختمؼ فئات الشعب في
فمسطيف".
436
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 3أغسطس سنة ،1993القضية 37لسنة 15قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/25الساعة3:30 :
215
بناء عمى ذلؾ يتعيف أف يككف مكضكع التآمر القياـ بفعؿ يعتبر بمثابة إظيار لنية الفتنة المشتركة
بيف أطرافو ،كيككف السمكؾ المنكم ارتكابو مقركنان بنية الفتنة ،إذا كاف يرمي الجناة إلى تحقيؽ أم غاية مف
الغايات الكاردة أعبله كالتي تعد تكضيحان لمراد المشرع بنية الفتنة ،كىنا تيثار شبية عدـ دستكرية فيما يتعمؽ
بالفقرة األكلى مف نص المادة ( )60كالتي أكضحت المقصكد بنية الفتنة ،ككنيا تنطكم عمى تعبيرات عامة
كفضفاضة تيٌكسع مف نطاؽ التجريـ ،فتعبيرات كإيجاد الكراىية االزدراء أك إيقاظ النفكر مف شخص جبللة
الممؾ أك الدكلة المنتدبة أك عمى إيقاظ النفكر بيف أىالي فمسطيف أك عمى إثارة البغضاء كالعداكة بيف مختمؼ
فئات الشعب في فمسطيف ،)...كميا تتسـ بالمركنة كاالتساع ،بؿ كالغمػكض كقد تستعصي عمى التحديد ،في
الحيف الذم يتعيف فيو عمى المشرع الجزائي أف ينأل عف استخداـ تعبيرات تثير جدالن حكؿ معناىا بحيث
تعدد التأكيبلت بشأنيا أك تتصؼ بالغمكض ،كلذلؾ فإف ما نص عميو الػشارع أعبله في الفقرة األكلى مف
نص المادة ( ،)60ال يػصمح في تقدير الباحث ضابطان لتمييز نية الفتنة ،لكؿ ذلؾ يعتبر ما نص عميو
الشارع في ىذا الخصكص مشكبان في تقدير الباحث بعكار عدـ الدستكرية لمخالفتو مبدأ الشرعية الجنائية،
فضبلن عف ذلؾ فإف عدـ كضكح التعبيرات التي نص الشارع عمييا ،سػكؼ يفضى إلى نتيجة مؤداىا صعكبة
إثبات ىذا القصد ،فما ىك المعيار الذم يمكف مف خبلؿ الكقكؼ عمى أف المتيـ قد انتكل بفعمو إيقاظ النفكر
مف شخص جبللة الممؾ أك إيقاظ النفكر أك االستياء بيف أىالي فمسطيف أك غيره مما جاء في المادة (.)60
كفي ىذا الشأف قضت المحكمة الدستكرية العميا بأف غمكض النصكص العقابية يعني انفبلتيا مف ضكابطيا
كتعدد تأكيبلتيا ،فبل تككف األفعاؿ التي منعيا المشرع أك طمبيا محددة بصكرة يقينية ،بؿ شباكان أك شراكان
437
المحكمة الدستكرية العميا المصرية ،جمسة 5يكليك سنة ،1997القضية 58لسنة 18قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/26 :الساعة9:22 :
216
باإلضافة إلى ذلؾ يرل الباحث أف عكار بعدـ الدستكرية ييثار فيما يتعمؽ بالفقرة الثانية مف المادة
( )2/60كالتي أقاـ الشارع بمكجبيا قرينة إثبات بسيطة ،نقؿ بمكجبيا عبء اإلثبات عمى المتيـ ،كذلؾ في
الحالة التي تككف فييا األلفاظ المستخدمة لتحقيؽ نية الفتنة ،ييحتمؿ أف يككف ليا إما داللة أك تمميحان أك
تنكييان أك ضمنان أم أثر يدخؿ ضمف مفيكـ نية الفتنة ،بمعنى أنيا غير قاطعة ،حيث افترض المشرع ىنا أف
نية الفتنة قائمة كال حاجة إلثباتيا كأف الشخص نشر األلفاظ بنية الفتنة ،كاذا كاف المتيـ لـ يقصد مف نشرىا
أف يككف ليا مثؿ ذلؾ األثر الذم يدخؿ ضمف مفيكـ نية الفتنة ،فعميو إثبات ذلؾ ،كيرل الباحث أف ىذا
األمر يعتبر مخالفةن كاضحة ألصؿ الب ارءة الكارد بالمادة ( )14مف القانكف األساسي الفمسطيني التي جاءت
بقكليا ":المتيـ برمء حتى تثبت إدانتو في محاكمة قانكنية تكفؿ لو فييا ضمانات الدفاع عف نفسو ،ككؿ متيـ
في جناية يجب أف يككف لو محاـ يدافع عنو" ،كيرل الباحث أف كجو المخالفة يتمثؿ في نقؿ عبء اإلثبات
فمما كاف األصؿ في المتيـ البراءة ،فإف عبء إثبات التيمة كنسبتيا إليو ،يقع عمى عاتؽ النيابة
العامة ،فالمتيـ ال يمتزـ بتقديـ أم دليؿ عمى براءتو ،ككؿ ما لو أف يناقش أدلة اإلثبات ،التي تتجمع حكلو
لكي يفندىا أك يضع فييا بذكر الشؾ ،دكف أف يمتزـ بتقديـ أدلة إيجابية تفيد براءتو ،فبل يممؾ المشرع أف
يفرض قرائف قانكنية إلثبات التيمة أك لنقؿ عبء اإلثبات عمى عاتؽ المتيـ ،لمناقضة ذلؾ بعدـ التزاـ المتيـ
بإثبات براءتو التزامان بأصؿ البراءة ،فافتراض براءة المتيـ ييمثؿ أصبلن ثابتان يتعمؽ بالتيمة الجنائية في جميع
217
بمراحميا ،كعمى امتداد إجراءاتيا ،438كال سبيؿ لدحض أصؿ البراءة كنقضو بغير األدلة التي تبمغ قكتيا
اإلقناعية مبمغ الجزـ كاليقيف الذم تخمص إليو المحكمة في حكميا باإلدانة.439
كتيثار شبية عدـ دستكرية كذلؾ فيما يتعمؽ بنص الفقرة ( )5مف المادة ( )60كالتي جاءت بقكليا:
.1عمى أف جبللتو أك حككمة فمسطيف قد يخدعا أك أخطآ فيما اتخذاه مف تدابير ،أك
.2عمى كجكد أخطاء أك نقائض في دستكر فمسطيف أك حككمة فمسطيف القائمة بحكـ القانكف أك كجكد
كتطبيقان لذلؾ فإف أم شخص يسعى بسكء نية لمداللة عمى أم مف األمكر الكاردة في الفقرتيف
السابقتيف ،سيعتبر مرتكبان لجريمة الفتنة ،كفي ىذا المقاـ يرل الباحث أف اشتراط سبلمة النية ىنا جعؿ النص
مشكبان بعكار عدـ الدستكرية ،ألف ىذا التقييد في ممارسة الحؽ في التعبير عف الرأم باشتراط سبلمة النية،
يعد مساسان بجكىر الحؽ عبر تقييد ممارستو المشركعة بقيد يناؿ مف مضمكنو كييدره ،بما يستتبع معو القكؿ
بأف ذلؾ يعد مخالفة كاضحة لممادة ( )19مف القانكف األساسي الفمسطيني التي جاءت بقكليا (:ال مساس
بحرية التعبير عف الرأم ،كلكؿ إنساف الحؽ في التعبير عف رأيو كنشره بالقكؿ أك الكتابة أك غير ذلؾ مف
438
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص 300ك.304
439
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 3يكليك 1995ـ ،القضية رقـ 25لسنة 16قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا ،مرجع
سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/26 :الساعة9:53 :
218
كسائؿ التعبير أك الفف مع مراعاة أحكاـ القانكف) .كلكؿ ذلؾ يتعيف في األفعاؿ التي يجرميا القانكف أف تككف
قاطعة في بياف الحدكد الضيقة لنكاىييا ،فبل تتداخؿ معيا أفعاؿ مشركعة يحمييا الدستكر.440
باإلضافة إلى ذلؾ فإف اشتراط سبلمة النية عمى الكجو سالؼ الذكر إذا كاف يشكؿ مدخبلن لممساس
بأصؿ الحؽ في التعبير عف الرأم كجكىره ،فإنو عبلكة عمى ذلؾ يفتح الباب عمى مصراعيو أماـ االفتئات
عمى الحؽ في التعبير عف الرأم ،كمصادرة ىذا الحؽ ،كبضرب األمثمة يتضح حجـ الخطر بجبلء فمثبلن لك
أف شخصان حقكقيان قاـ بكتابة مذكرة قانكنية حكؿ كجكد نقائض في دستكر فمسطيف أك أخطاء فإنو مف الكارد
أف يكجو إليو االتياـ بارتكاب جريمة الفتنة كذلؾ في الحالة التي ترل فييا النيابة العامة أف سمككو ىذا تـ
ف إذا كاف التكازف بيف الحقكؽ كالحريات كسائر القيـ الدستكرية ،بما في ذلؾ المصمحة العامة ،يجيز
تجريـ بعض أنكاع السمكؾ كالعقاب عمييا بشرط أف يستند التجريـ كالعقاب عمى أساس مف الضركرة
االجتماعية كالتناسب ،إال أف ىذا التدخؿ الجنائي ال يجكز بحسب األصؿ أف يككف مدخبلن لممساس بجكىر
الحقكؽ كالحريات ،إذف التناسب في إطار سياسة التجريـ يتطمب كضع الحدكد لممارسة ىذه الحقكؽ
كمف ىنا يأتي دكر القضاء الدستكرم في الرقابة عمى التناسب كبياف مدل التزاـ المشرع الجزائي
باحتراـ جكىر الحقكؽ كالحريات ،بتجنب التعارض بيف نصكص التجريـ التي يسنيا كبيف النصكص
الدستكرية التي تكفؿ الحقكؽ كالحريات ،مف خبلؿ تقيده باليدؼ كالغاية مف التجريـ ،لذلؾ كاف ليذا القضاء
440
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 15نكفمبر سنة 1997ـ ،القضية رقـ 56لسنة 18قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/7/26 :الساعة11:13 :
441
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،مرجع سابؽ ،ص.220
219
دكر كبير في التأكيد عمى ضركرة االلتزاـ بيذا الضابط مف ضكابط التناسب في مجاؿ سياسة التجريـ،442
كقد عبرت المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا عف ذلؾ بقكليا":ال ينبغي لمقانكف أف يفرض قيكدان عمى
الحريات كالحقكؽ يحكؿ دكف ممارستيا عمى الكجو األكمؿ ،أك أف يصادر القانكف ىذا الحؽ ،كاال أصبح
النص الدستكرم مستباحان مستيانان بو مف طرؼ المشرع العادم" ،443كىك ما أكدت عميو أيضان المحكمة
"إف السمطة التقديرية التي يممكيا المشرع في مكضكع تنظيـ الحقكؽ حدىا قكاعد الدستكر ،فبل يجكز
تخطييا كأنو مف المقرر أف الحقكؽ التي كفؿ الدستكر أصميا ال يجكز تقييدىا بما يناؿ منيا ،تقدي انر بأف لكؿ
حؽ مجاالن حيكيان أك دائرة منطقية يعمؿ في إطارىا ،فبل يجكز اقتحاميا ،كاال كاف ذلؾ نقضان لفحكاه ،كعدكانان
كيدؽ األمر بكجو خاص بالنسبة إلى الحقكؽ كالحريات التي تتمتع بالحماية الدستكرية ،ففي ىذه
الحالة ال يجكز لممشرع أف ينظـ ممارسة ىذه الحقكؽ كالحريات إال بالتكازف مع غيرىا مف القيـ الدستكرية،
في حدكد سمطتو التقديرية ما لـ يقيد الدستكر ىذه الممارسة بضكابط تحد مف إطبلقيا ،تعد تخكمان ليا ال
442
عباس عبدالرزاؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،مرجع سابؽ ،ص.221
443
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة ( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد ،149
ص.162
444
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 15نكفمبر سنة 1997ـ ،القضية رقـ 56لسنة 18قضائيةػ المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ .تاريخ الزيارة 2019/8/1 :الساعة10:22 :
445
المحكمة الدستكرية العميا بمصر ،جمسة 18مايك سنة 1996ـ ،القضية رقـ 38لسنة 17قضائية ،المكقع االلكتركني لممحكمة الدستكرية العميا،
مرجع سابؽ.
220
اي:١ ي ْ ائخ ٚتٛصٝا
االتفاؽ الجنائي ىك انعقاد إرادتيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،كيتخذ سمككان ماديان .1
بطبيعتو يتمثؿ في إفصاح كؿ عضك عف إرادتو ،بحيث يعمـ بيا باقي أعضاء االتفاؽ،
كاإلفصاح عف اإلرادة قد يككف بالقكؿ الشفكم أك الكتابة أك باإلشارة ذات الداللة ،كلذلؾ ال يعد
تجريـ االتفاؽ الجنائي خركجان عمى مبدأ حظر العقاب عمى النكايا كاألفكار ،كتتخذ جريمة االتفاؽ
ركنان معنكيان يأخذ صكرة القصد الجنائي ،كيتبلزـ الركناف المادم كالمعنكم ليذه الجريمة.
استخدـ المشرع الفمسطيني في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ مصطمح " التآمر" .2
لمداللة عمى االتفاؽ الجنائي؛ بما يعني أف كؿ منيما رديؼ لآلخر ،كذلؾ مرده األصكؿ
اإلنجميزية ليذا القانكف؛ كلكف رغـ ذلؾ لـ يي ٌعرؼ المشرع االتفاؽ الجنائي ،بما استتبع معو العكدة
لـ يشترط المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ لمعقاب عمى االتفاؽ الجنائي العاـ .3
أف يككف متبكعان بسمكؾ مادم يدؿ عميو ،حيث اعتنؽ صكرة االتفاؽ البسيط المجرد؛ كذلؾ راجع
لؤلصكؿ االنجميزية ليذا القانكف التي تبتنى أفكار المذىب الشخصي في الغالب األعـ ،كأيضان
رغبة مف المشرع في عدـ كقكع خمط بيف العمؿ التحضيرم الذم يعد شركعان في الجريمة المتفؽ
عمييا كذاؾ الذم تقكـ بو جريمة االتفاؽ الجنائي؛ كلكف رغـ ذلؾ ذىب المشرع في القسـ
الخاص ،في أحكاـ المادة ( )58مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة ،1936إلى أف يككف
221
االتفاؽ الجنائي متبكعان بشكؿ مباشر بسمكؾ مادم يدؿ عميو؛ يمعتب انر أف االتفاؽ ال يكفي لكحده
إلظيار النية اإلجرامية في الحالة التي يككف فييا إظيار النية بفعؿ عمني عنص انر مف عناصر
أم مف الجرائـ الكاردة في الفصؿ الثامف -جريمة الخيانة كغيرىا مف الجرائـ التي تقع عمى سمطة
و
الحككمة ،بؿ البد مف أف يككف متبكعان بفعؿ خارجي يينفذ سعيان إلظيار النية اإلجراـ.
لـ يشترط المشرع سكاء بشكؿ صريح أك ضمني مضي فترة زمنية معينة لمقكؿ بحدكث جريمة .4
االتفاؽ الجنائي ،مما يعني أف الجريمة تعد كاقعة فعبلن كلك كاف االتفاؽ لـ يتـ إال لفترة كجيزة
كمف الجائز عقبلن كقانكنان أف تقع الجريمة بعد االتفاؽ عمييا مباشرة أك حتى لحظة تنفيذىا تحقيقان
لقصد مشترؾ فيما بينيـ ىك الغاية النيائية مف الجريمة ،كيستكم كذلؾ أف يككف االتفاؽ منظمان
مفصبلن أك أف يككف عارضان مجمبلن اقتصر أعضاؤه عمى مجرد العزـ عمى جريمة معينة دكف
كجكد اختبلؼ كبير بيف الدكر القانكني لكؿ مف االتفاؽ كجريمة مستقمة كاالتفاؽ ككسيمة .5
لبلشتراؾ؛ باعتبار أف األكؿ يعاقب عميو لذاتو بصرؼ النظر عما إذا كقعت الجريمة مكضكع
االتفاؽ أـ ال كال يككف أعضاؤه سكل فاعميف أصمييف ،في حيف أف الثاني ال يعاقب عميو إال إذا
كقعت الجريمة المتفؽ عمييا سكاء في صكرتيا التامة أك في صكرة الشركع كيككف عضك االتفاؽ
بالنسبة لو شريكان.
عطفان عمى النتيجة السابقة لـ يأخذ المشرع في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936بالدكر .6
األصمي لبلتفاؽ الجنائي ككسيمة اشتراؾ جرمي؛ حيث أنو لـ يكرد االتفاؽ الجنائي ضمف كسائؿ
222
االشتراؾ في الجريمة المحددة بنص المادة ( ،)23حيث اقتصر عمى التحديد الحصرم لمشركاء
عمى الفاعؿ األصمي كالمساعد كالمحرض؛ كىذا ال يعني كقكع أية تعارض أك تنافر في سياسة
االتفاؽ الجنائي جريمة شكمية جريمة مف جرائـ السمكؾ المجرد بحيث أنيا تعتبر تامة لمجرد .7
إتياف سمككيا اإلجرامي ،ككذلؾ ىي مف جرائـ الفاعؿ المتعدد لذلؾ ال يتصكر قياميا إال بيف
بل
شخصيف كحد أدنى ،كلكف ىذا التعدد لكحده غير كاؼ حيث يتعيف أف تككف كؿ إرادة مح ن
العتداد القانكف بيا ،فبل قياـ لجريمة االتفاؽ الجنائي بإرادة جادة كأخرل متجردة مف القيمة
القانكنية.
عطفان عمى النتيجة السابقة ال تقكـ جريمة االتفاؽ الجنائي في الحالة التي يتكافر فييا لدل أحد .8
كيعاقب
طرفييا سبب إباحة أك مانع مسئكلية ،أما إذا كاف ىناؾ مانع عقاب فتقكـ الجريمة ي
فاعمكىا كذلؾ ألف مانع العقاب ال ينفي أركاف الجريمة كال يؤثر عمى شركط المسئكلية الجزائية.
الم ًحرض الصكرم الذم يككف طرفان في اتفاؽ جنائي مع شخص آخر ،رغـ انتفاء القصد
يعاقب ي .9
الجنائي لديو كىك يجعؿ مف االتفاؽ الجنائي جريمة مستحيمة ،كمرد ذلؾ راجع إلى معاقبة
ال يؤثر في قياـ االتفاؽ الجنائي عدـ معرفة سائر المتفقيف في حاؿ القبض عمى أحدىـ في حيف .10
يظؿ بقيتيـ فاريف أك مجيكليف ،ككذلؾ ال يشترط في االتفاؽ الجنائي أف يككف في شكؿ معيف
حيث يستكم أف يككف شفكيان أك مكتكبان ،كال يستمزـ لقياـ االتفاؽ أف يككف الكقت المحدد لتنفيذه
حاالن كانما يكفي أال يككف ىذا الكقت المحدد بعيدان بصكرة يستنتج منيا أنو لـ يعقد بعد بشكؿ
223
حاسـ قاطع بيف أطرافو ،ككذلؾ ال يضير االتفاؽ أف يككف الكقت الذم اختاره الجناة لبدء تنفيذه
غير معيف عمى كجو الدقة حيث يعاقب عمى االتفاؽ المكصكؼ المعمؽ تنفيذه عمى شرط أك
حمكؿ أجؿ طالما أف الحكادث المستقبمية التي عمؽ عمييا الجناة تنفيذ اتفاقيـ الجنائي محتممة
الكقكع.
األصؿ أف االتفاؽ الجنائي بشقيو العاـ كالخاص يستمد صفتو الجنائية مف مكضكعو ،فإذا لـ .11
يكف لمكضكعو صفة إجرامية ،فبل يعد االتفاؽ جنائيان ،كلـ يكتؼ المشرع في قانكف العقكبات رقـ
( )74لسنة 1936بأم صفة إجرامية لمكضكع االتفاؽ؛ كانما قصر ذلؾ عمى الجنايات كالجنح
أما المخالفات فبل تصمح مصد انر لمصفة الجنائية لبلتفاؽ؛ كلكف رغـ ذلؾ قد يستمد االتفاؽ صفتو
يصمح ألف يككف محبلن لبلتفاؽ الجنائي جميع الجنايات كالجنح العمدية ميما بمغت جسامتيا .12
كدرجة خطكرتيا؛ إذ ال يتصكر االتفاؽ عمى ارتكاب جرائـ غير عمدية أك تمؾ التي تجاكز قصد
الجاني؛ كىذا غير قاصر عمى ما كرد في قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ مف جنايات
أك جنح عمدية ،بؿ يصمح ألف يككف محبلن لبلتفاؽ الجنايات كالجنح العمدية التي تكفؿ المشرع
في الحالة التي يككف فييا االتفاؽ بيف شخصيف كشاب إرادة أحدىما عيب مف عيكب اإلرادة .13
كالغمط أك اإلكراه أك التدليس في تقكـ جريمة االتفاؽ الجنائي ،أما إذا كاف بيف أكثر مف
224
االتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة مستحيمة معاقب عميو ،كمرد ذلؾ أف الشارع يعاقب عمى .14
االتفاؽ الجنائي لمجرد انعقاده باتحاد اإلرادات ،كجريمة مستقمة قائمة بذاتيا ،قبؿ تنفيذ الجريمة
محؿ االتفاؽ الجنائي ،حيث يستكم في نظر الشارع إقداـ الجناة عمى ارتكاب جريمتيـ محؿ
االتفاؽ أـ ال ،كمف باب أكلى فإف تعثر تنفيذ مكضكع االتفاؽ الجنائي ألم سبب مف األسباب ال
يحكؿ دكف قياـ جريمة االتفاؽ ،ككف أف ىذه االستحالة كالتعثر الحقة عمى قياـ االتفاؽ كليست
ركنان مف أركانو ،خاصةن في ظؿ عقاب الشارع الجنائي في قانكف العقكبات رقـ ( )73لسنة
يتصكر الشركع الناقص في االتفاؽ الجنائي؛ كلكي نككف أماـ جريمة اتفاؽ جنائي في صكرتيا .15
المكقكفة ،ال بد أف يككف السمكؾ المحقؽ لمشركع قد صدر مف كبل الطرفيف البلزميف لكجكد
االتفاؽ ،فإذا كاف قياـ الجريمة في صكرتيا التامة ال يككف إال إذا تحقؽ السمكؾ المكصكؼ في
نمكذجيا القانكني مف قبؿ شخصيف عمى األقؿ بقياـ كؿ منيما بمسالؾ متجانسة ،فإنو كمف باب
أكلى أيضان أنو ال قياـ لذات الجريمة في صكرتيا الناقصة إال إذا لـ يتحقؽ السمكؾ المكصكؼ
عطفان عمى النتيجة السابقة تستبعد مف نطاؽ الشركع في االتفاؽ الجنائي كؿ الحاالت التي .16
يتحقؽ فييا البدء في التنفيذ في جانب أحد أطراؼ االتفاؽ المزمع عقده ،مثؿ محاكلة حمؿ
شخص عمى الدخكؿ في اتفاؽ عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،أك الدعكة إلى إجراء االتفاؽ التي
لـ تقترف بقبكؿ ألسباب خارجة عف اإلرادة ،كمع ذلؾ تدخؿ ىذه الحاالت ضمف نطاؽ التحريض
225
المعاقب عميو كجريمة مستقمة قائمة بذاتيا بمكجب نص المادة ( )31مف قانكف العقكبات رقـ
جميع األفعاؿ التي تسبؽ انعقاد االتفاؽ الجنائي تدخؿ ضمف مدلكؿ البدء في التنفيذ ،طالما .17
أظير كؿ طرؼ -في االتفاؽ المزمع عقده -نيتو عمى إجراء اتفاؽ جنائي ،بأم فعؿ مف
األفعاؿ الظاىرة ،كلكنو لـ يتمكف مف تنفيذ نيتو إلى حد إيقاع الجريمة ،كلكف يشترط أف تصدر
ىذه األفعاؿ الظاىرة ،مف كبل الطرفيف البلزميف لكجكد االتفاؽ كلقياـ الجريمة ،مما يستتبع معو
دخكؿ المفاكضات كالمناقشات التي تجرم بيف أطراؼ االتفاؽ المزمع عقده ،ضمف دائرة األعماؿ
التنفيذية التي تؤدم مباشرة كحاالن إلى كقكع الجريمة ،كبالتالي المعاقبة عمييا كشركع في جريمة
عدكؿ المتفقيف كعزكفيـ عف تنفيذ الجرائـ المتفؽ عمييا ال يحكؿ دكف العقاب عمى جريمة .18
االتفاؽ الجنائي ،إذ ال يمس ىذا العدكؿ الركف المادم الذم تكافرت جميع عناصره ،فاالستقبلؿ
الذم يقرره القانكف لجريمة االتفاؽ الجنائي يستتبع التمييز بيف ركنيا المادم كالركف المادم
لمجريمة المتفؽ عمييا ،فطالما تـ انعقاد اإلرادات يستكمؿ الركف المادم عناصره كلك لـ تنفذ
يتصكر كقكع العدكؿ االختيارم في جريمة االتفاؽ الجنائي ،بحيث يرد عمى السمكؾ اإلجرامي .19
نفسو ك يأخذ صكرة اإليقاؼ التمقائي لذلؾ السمكؾ ،لذلؾ يعد عدكالن اختياريان الحالة التي يقكـ فييا
شخصيف أك أكثر بإجراء مفاكضات كمناقشات إلجراء اتفاؽ جنائي عمى جناية أك جنحة ،ثـ
226
عدكؿ بعضيـ أك جميعيـ عف عقد االتفاؽ الجنائي ،كيقع ىذا العدكؿ تحت طائمة العقاب
أفرد المشرع نصكص خاصة بالعقاب عمى االتفاؽ الجنائي الخاص ،في ظؿ أخذه بجريمة .20
االتفاؽ الجنائي العاـ ،كذلؾ راجع لسببيف :أكليما يتمثؿ في رغبة المشرع في المغايرة في
العقاب ،كثانييما يتمثؿ في رغبة المشرع تكسيع دائرة األعماؿ التي تككف محبلن لبلتفاؽ الجنائي؛
ككؿ ذلؾ الختبلؼ المصمحة المحمية التي ارتآىا المشرع أك المنفعة محؿ الحماية القانكنية التي
ينصرؼ قصد المشرع بالعقكبة غير المعينة في نص المادة ( )34مف قانكف العقكبات رقـ .21
( )74لسنة 1936ـ ،إلى الجنايات غير المقركنة بعقكبة معينة ،التي قد ترد في التشريعات
العقابية الخاصة.
ينصرؼ قصد المشرع بالغاية غير المشركعة في نص المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ .22
يقع تحت طائمة المسئكلية الجنائية مف كاف بعزـ شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية كلـ .23
يستعمؿ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف كقكع تمؾ الجناية أك إتماميا ،حيث يعتبر مرتكبان
لجريمة الحيمكلة دكف كقكع الجرائـ بمكجب أحكاـ المادة ( )33مف قانكف العقكبات رقـ ()74
لسنة 1936ـ.
يتصكر كقكع المساىمة الجنائية في جريمة االتفاؽ الجنائي ،كمثاؿ ذلؾ أف يقكـ شخص بتسخير .24
227
يعاقب المشرع عمى االتفاؽ في الحالة التي يككف فييا أطرافو مكزعيف بيف اإلقميـ الكطني .25
كالخارج ،كال يؤثر المكاف المنكم ارتكاب الجريمة المتفؽ عمييا فيو عمى سرياف القانكف مف حيث
المكاف.
ال نككف إزاء تعدد مادم في الجرائـ عند كقكع الجناية أك الجنحة مكضكع االتفاؽ الجنائي، .26
كمساىمة أطراؼ االتفاؽ فييا كمساىميف تبعييف ال فاعميف أصمييف؛ حيث نككف إزاء فعؿ كاحد
–االتفاؽ -تزاحمت النصكص الجزائية ظاىريان بشأنو؛ كلغاية فض ىذا التزاحـ تيطبؽ قاعدة
"النص األصمي يستبعد النص االحتياطي" ،أما في الحالة التي يساىـ فييا أطراؼ االتفاؽ في
الجريمة مكضكع االتفاؽ كفاعميف أصمييف فإننا نككف أماـ تعدد مادم لمجرائـ؛ لتعدد األفعاؿ
المادية كالتصميمات اإلرادية بما يجعؿ كؿ منيا جريمة قائمة بذاتيا لكؿ منيا أركانيا المستقمة.
عكار بعدـ الدستكرية يشكب نصكص ( )34ك( )35مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936 .27
ككنيا تخالؼ مبدأ الشرعية الجنائية المتضمف بالمادة ( )15مف القانكف األساسي الفمسطيني.
عكار بعدـ الدستكرية يشكب الفقرة (ك) كالفقرة (ز) مف المادة ( )36كذلؾ ككنيا تخالؼ مبدأ .28
عكار بعدـ الدستكرية يشكب أحكاـ المادة ( )2/49كذلؾ ككنيا تخالؼ مبدأ الشرعية الجنائية .29
عكار بعدـ الدستكرية يشكب نصكص المكاد ( )59ك( )60كذلؾ ككنيا تخالؼ مبدأ الشرعية .30
228
ثاْٝاّ :ية ٛصٝا :
-1إلغاء نصكص المكاد ( )34ك( )35مف قانكف العقكبات رقـ( )74لسنة 1936ـ ككنيا تخالؼ أحكاـ
مبدأ الشرعية الجنائية؛ كاستحداث نص جديد بدالن منيا ،بحيث يككف عمى النحك اآلتي:
( أ -االتفاؽ الجنائي ىك اتفاؽ بيف شخصيف أك أكثر عمى ارتكاب جناية أك جنحة ،فيما عدا جرائـ القتؿ
كالجرائـ كالمكجية ضد الدكلة المعاقب عمييا باإلعداـ ،ال يعد االتفاؽ الجنائي جريمة معاقبان عمييا إال
بالشركع في ارتكاب الجريمة ،كفي جميع الحاالت ال يعد االتفاؽ المعدكؿ عنو جريمة.
ب -ييعاقب عمى االتفاؽ الجنائي بذات العقكبة المنصكص عمييا في المادة ( )29مف ذات القانكف).
-2تعديؿ نطاؽ نص المادة ( )36مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ؛ كذلؾ بإلغاء كبلن مف
أحكاـ الفقرة (ك) كالفقرة (ز)؛ كذلؾ لمخالفتيا لمبدأ الشرعية الجنائية.
-3تعديؿ نطاؽ نص المادة ( )49مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،كذلؾ بإلغاء عقكبة
-4إلغاء نصكص المكاد ( )59ك( )60مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ؛ لمخالفتيا لمبدأ
الشرعية الجنائية.
-5تعديؿ نطاؽ نص المادة ( )30مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،بإلغاء الفقرة ()2
الخاصة بالعقاب العدكؿ االختيارم؛ التزامان باعتبارات العدالة التي تقضي بضركرة إعفاء مف عدؿ عف
229
المضي في التنفيذ بمحض إرادتو الحرة ،كعدـ مساكاتو بمف تدخمت عكامؿ قيرية كطارئة حالت دكف
-6تعديؿ نطاؽ نص المادة ( )30مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،بإلغاء الفقرة ()3
الخاصة بالعقاب عمى الجريمة المستحيمة بشكؿ مطمؽ؛ كجعؿ العقاب قاص انر عمى الحالة التي تككف فييا
االستحالة نسبية ،كاستبعاد العقاب عمى الجريمة المستحيمة إذا كانت االستحالة مطمقة أك قانكنية.
-7تعديؿ نص المادة ( )33مف قانكف العقكبات رقـ ( )74لسنة 1936ـ ،بحيث يككف عمى النحك
اآلتي ":كؿ مف كاف يعمـ بأف شخصان آخر عزـ عمى ارتكاب جناية أك جنحة تستكجب عقكبة الحبس مدة
ثبلث سنكات كلـ ييبمٌغ عنيا بكجو السرعة المعقكلة ،أك لـ يستعمؿ جميع الكسائؿ المعقكلة لمحيمكلة دكف
كقكعيا أك إتماميا ،يعتبر أنو ارتكب جنحة كيعاقب بالحبس مدة سنتيف".
230
قائُ ١مل جع
.1محمد بف أبي بكر عبدا لقادر الرازم ،مختار الصحاح ،الككيت.1982 ،
.2محمد بف مكرـ بف عمي ،أبك الفضؿ ،جماؿ الديف ابف منظكر األنصارم ،لساف العرب ،دار صادر
بيركت.1965 ،
أحمد أبك الركس ،القصد الجنائي كالمساىمة الجنائية كالشركع كالدفاع الشرعي كعبلقة السببية، .1
المكتب الجامعي الحديث ،اإلسكندرية.
أحمد حساـ طو تماـ ،تعريض الغير لمخطر في القانكف الجنائي ،دار النيضة العربية ،القاىرة، .2
.2004
أحمد صفكت بؾ ،شرح القانكف الجنائي ،القسـ العاـ.1933 ، .3
أحمد عكض ببلؿ ،مبادئ قانكف العقكبات المصرم ،القسـ العاـ ،بدكف سنة نشر ،دار النيضة .4
العربية ،القاىرة.
أحمد فتحي سركر ،أصكؿ السياسة الجنائية ،دار النيضة العربية ،القاىرة.1972 ، .5
أحمد فتحي سركر ،القانكف الجنائي الدستكرم ،دار الشركؽ ،القاىرة.2006 ، .6
أحمد فتحي سركر ،الكسيط في قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،الطبعة الخامسة ،دار النيضة العربية، .7
القاىرة.1991،
أشرؼ تكفيؽ شمس الديف ،الضكابط الدستكرية لنصكص التجريـ كالعقاب في قضاء المحكمة .8
الدستكرية العميا ،الجزء األكؿ.2008 ،
أكرـ نشأت إبراىيـ ،السياسة الجنائية ،الطبعة األكلى ،دار الثقافة لمنشر كالتكزيع ،عماف. .9
231
أميف مصطفى محمد ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،دار المطبكعات الجامعية ،القاىرة، .10
.2016
إياد محمد إبراىيـ جاد الحؽ ،النظرية العامة لبللتزاـ ،الطبعة الثالثة ،دار المنارة ،فمسطيف.2011، .11
إياد محمد إبراىيـ جاد الحؽ ،النظرية العامة لبللتزاـ ،الطبعة الثانية ،دار المنارة.2011 ، .12
جاسـ العبكدم ،التجريـ كالعقاب في إطار الكاقع االجتماعي ،دار الحكمة لمطباعة كالنشر ،أربيؿ، .13
.1990
جبلؿ ثركت ،نظـ القسـ العاـ في قانكف العقكبات المصرم ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية.1989 ، .14
كقضاء في مئة عاـ ،الطبعة الثالثة.2001،
ن حسف صادؽ المرصفاكم ،قانكف العقكبات تشريعان .15
حسنيف المحمدم بكادم ،الخطر الجنائي كمكاجيتو ،منشأة المعارؼ ،باإلسكندرية.2003 ، .16
حسيف بني عيسى ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة األكلي ،دار كائؿ لمنشر.2002 ، .17
حسيف عمي خمؼ ،سمطاف عبدالقادر الشاكم ،المبادئ العامة في قانكف العقكبات. .18
خالد صفكت بينساكم ،عبء اإلثبات في المكاد الجنائية ،دار النيضة العربية ،القاىرة.2012، .19
خالد مجيد عبدالحميد الجبكرم ،النظرية العامة لمتجريـ الكقائي ،المركز العربي لمنشر كالتكزيع، .20
القاىرة.2018 ،
خيرم أحمد الكباش ،الحماية الجنائية لحقكؽ اإلنساف ،دارسة مقارنة ،منشأة المعارؼ ،اإلسكندرية، .21
.2008
رمسيس بيناـ ،الجرائـ المضرة بالمصمحة العمكمية ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية. .22
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لمقانكف الجنائي ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية.1997 ، .23
رمسيس بيناـ ،النظرية العامة لممجرـ كالجزاء ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية. .24
رمسيس بيناـ ،نظرية التجريـ في القانكف الجنائي ،معيار سمطة العقاب تشريعان كتطبيقان ،منشأة .25
المعارؼ ،اإلسكندرية.1971 ،
سامي جماؿ الديف ،القانكف الدستكرم كالشرعية الدستكرية كفقان لدستكر 2014ـ ،منشأة المعارؼ .26
باإلسكندرية2018 ،ـ.
232
سامي جميؿ فياض ،رفع المسئكلية الجنائية في أسباب اإلباحة ،الطبعة األكلى ،دار الكتب العممية، .27
بيركت.2005 ،
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات الفمسطيني ،الجزء الثاني"الجزاء الجنائي"، .28
الطبعة األكلى.2014 ،
ساىر إبراىيـ الكليد ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات ،الجزء األكؿ ،الطبعة الثانية، .29
فمسطيف.2011،
ساىر إبراىيـ الكليد ،المسئكلية الجنائية عف النتيجة المحتممة ،الطبعة األكلى ،فمسطيف.2018 ، .30
ساىر إبراىيـ الكليد ،دراسات معمقة في القانكف الجنائي ،الطبعة األكلى ،فمسطيف.2018 ، .31
السعيد مصطفى السعيد ،األحكاـ العامة لقانكف العقكبات ،الطبعة الرابعة.1962 ، .32
سميماف عبد المنعـ ،النظرية العامة لقانكف العقكبات ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية.2000 ، .33
سمير الشناكم ،الشركع في الجريمة "دراسة مقارنة" ،دار النيضة العربية ،القاىرة.1971 ، .34
سمير عالية ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر كالتكزيع.1998، .35
عباس عبدالرزاؽ مجمي السعيدم ،ضكابط استحداث النص الجزائي الخاص ،الطبعة األكلى ،المركز .36
العربي لمنشر كالتكزيع ،القاىرة.2018 ،
عبد الصمد الكنا ،ضكابط التجريـ كالعقاب ضمانة لمحقكؽ كالحريات ،المنيؿ. .37
عبدالكاحد العممي ،شرح القانكف الجنائي المغربي ،القسـ الخاص ،دكف طبعة ،دكف سنة نشر ،دكف .38
دار نشر.
عبكد السراج ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الجزء األكؿ. .39
عصاـ عفيفي عبد البصير ،أزمة الشرعية الجنائية ككسائؿ عبلجيا ،دراسة مقارنة ،دار أبكالمجد، .40
القاىرة.2007 ،
عمي بدكم ،األحكاـ العامة في القانكف الجنائي ،الجزء األكؿ في الجريمة.1938 ، .41
عمي راشد ،القانكف الجنائي ،المدخؿ ك أصكؿ النظرية العامة ،دار النيضة العربية ،القاىرة. .42
233
عمي راشد ،تخطيط السياسة الجنائية في نطاؽ الكظيفة االجتماعية ،منشكرات المكتب العربي .43
لمكافحة الجريمة ،بغداد.
عمي راشد ،مكجز القانكف الجنائي ،الطبعة الثانية.1953 ، .44
عمي محمد جعفر ،قانكف العقكبات كالجرائـ ،الطبعة األكلى ،المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر .45
عماد عبيد ،قانكف العقكبات الخاص ،الجزء الثاني ،منشكرات الجامعة االفتراضية السكرية ،سكريا، .46
.2018
عماد فكزم ممكخية ،الحريات العامة كفقو المتغيرات السياسية ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية.2013 ، .47
محمد زكي أبك عامر ،قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،دار الجامعة الجديدة لمنشر.1996، .56
محمد سعيد نمكر ،أصكؿ اإلجراءات الجنائية شرح لقانكف أصكؿ المحاكمات الجزائية ،دار الثقافة .57
234
محمد صبحي نجـ ،قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،الطبعة الثالثة ،مكتبة دار الثقافة لمنشر كالتكزيع، .58
عماف.1996 ،
محمد عبدالجميؿ الحديثي ،جرائـ التحريض كصكرىا في الجكانب الماسة بأمف الدكلة الخارجي كفقان .59
لمتشريع العراقي المقارف.1984 ،
محمد عبداهلل أبكمطر ،القانكف الدستكرم كالنظـ السياسية ،الجزء األكؿ ،الطبعة األكلى.2016 ، .60
محمد عمي السالـ الحمبي ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،الطبعة الثالثة ،دار الثقافة لمنشر .61
كالتكزيع ،عماف.2011،
محمد عيد الغريب ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،النظرية العامة لمعقكبة كالتدابير االحت ارزية، .62
بدكف دار نشر.2000 ،
محمد مرداف ،المصمحة المعتبرة في التجريـ ،دار الجامعة الجديدة.2014 ، .63
محمد نعيـ فرحات ،شرعية التجريـ كالعقاب في الفقو اإلسبلمي كالنظـ القانكنية المعاصرة ،الرياض. .64
محمكد إبراىيـ إسماعيؿ ،األحكاـ العامة في قانكف العقكبات.1959 ، .65
محمكد محمد عمي صبرة ،أصكؿ الصياغة القانكنية ،الطبعة الثانية ،دار الكتب القانكنية. .66
محمكد محمكد مصطفى ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة العاشرة ،مطبعة جامعة القاىرة، .67
.1983
محمكد نجيب حسني ،الدستكر كالقانكف الجنائي ،دار النيضة العربية.1992 ، .68
محمكد نجيب حسني ،المساىمة الجنائية في التشريعات العربية ،الطبعة الثانية ،دار النيضة العربية، .69
القاىرة.1992 ،
محمكد نجيب حسني ،النظرية العامة لمقصد الجنائي ،الطبعة الثالثة ،دار النيضة العربية ،القاىرة، .70
.1988
محمكد نجيب حسني ،شرح قانكف العقكبات القسـ العاـ ،الطبعة السادسة ،دار النيضة العربية، .71
القاىرة.1989 ،
235
محمكد نجيب حسني ،عبلقة السببية في قانكف العقكبات ،دار النيضة العربية ،القاىرة.1983 ، .72
مصطفى العكجي ،حقكؽ اإلنساف في الدعكل الجزائية ،منشكرات الحمبي الحقكقية ،بيركت. .73
مصطفى عبدالمطيؼ إبراىيـ ،جريمة االتفاؽ الجنائي "دراسة مقارنة" ،دار الجامعة الجديدة، .74
اإلسكندرية.2011 ،
مصطفى كامؿ ،شرح قانكف العقكبات العراقي ،القسـ العاـ.1947 ، .75
مصطفى محمكد محمكد عبدالكريـ ،اتفاقية مكافحة الفساد ،الطبعة األكلى ،دار الفكر كالقانكف لمنشر .76
كالتكزيع ،المنصكرة.2012 ،
معكض عبدالتكاب ،قانكف العقكبات حسب آخر التعديبلت كحتى القانكف 14لسنة 1999كمعمقان .77
عميو بأحكاـ محكمة النقض منذ إنشائيا كحتى ،1999الطبعة الثالثة ،دار الفكر الجامعي،
اإلسكندرية.1999 ،
منذر عبد المطيؼ التكريتي ،السياسة الجنائية لمحريات الشخصية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية، .78
.2011
نسريف عبد الحميد نبيو ،المحرض الصكرم "دراسة حكؿ المساىمة الجنائية بالتحريض الصكرم"، .79
دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية.2008 ،
نظاـ تكفيؽ المجالي ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،دار الثقافة ،عماف.2010 ، .80
ىشاـ سعد الديف ،جريمة االتفاؽ الجنائي ،المكتب الفني لئلصدارات القانكنية.1999 ، .81
ىبللي عبد البله أحمد ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،بدكف طبعة.2002، .82
ىبللي عبد البله ،شرح قانكف العقكبات ،القسـ العاـ ،دكف طبعة.2002، .83
كساـ نعمت إبراىيـ السعدم كمحمد يكنس يحيى الصائغ ،الحريات العامة كضمانات حمايتيا دراسة .84
يكسؼ مصطفى رسكؿ ،التكازف في اإلجراءات الجزائية ،دار الكتب القانكنية ،مصر.2017 ، .85
236
ائٌ يعًُ:١ٝ ثايثاّ :ي
ابتساـ مكىكب ،جرائـ المساس بأنظمة المعالجة اآللية لممعطيات في التشريع الجزائرم ،مذكرة .1
تكميمية لنيؿ شيادة الماستر ،جامعة العربي بف مييدم.2014 ،
أكديحات دليمة ،أكزاني دليؿ ،تعدد الجناة في التشريع الجنائي ،مذكرة لنيؿ شيادة الماستر ،جامعة .2
عبد الرحمف ميرة.2014 ،
بسمة سعكدم ،جريمة المؤامرة ،مذكرة مقدمة ضمف متطمبات نيؿ شيادة ماجستير أكاديمي. .3
بف صافية رابح ،مبدأ شرعية الجرائـ كالعقكبات ،مذكرة مقدمة لنيؿ شيادة الماستر في الحقكؽ شعبة .4
القانكف الخاص ،جامعة عبد الرحمف ميرة.2012 ،
بف ممككة ككثر ،جنحة إخفاء األشياء في القانكف الجنائي لؤلعماؿ ،مذكرة لنيؿ شيادة الماجستير في .5
الحقكؽ ،جامعة كىراف ،الجزائر.2012 ،
العشبي قكيدر ،المكازنة بيف العقكبة كالعفك ،دراسة مقارنة بيف التشريع اإلسبلمي كالتشريعي .6
الكضعي ،جامعة كىراف ،الجزائر.2012 ،
237
عماد فاضؿ ركاب ،زينب عبد الكاظـ الحسف ،التناسب التشريعي بيف التجريـ كالعقاب في قانكف .7
ضريبة الدخؿ العراقي ،دراسة مقارنة ،جامعة البصرة.2016 ،
مأمكف جميؿ أحمد مصطفى ،انحسار مبدأ الشرعية الجنائية ،جامعة القدس.2015 ، .8
محمد إبراىيـ الشيخ ،المساىمة الجزائية األصمية كالتبعية في القانكف الجزاء الككيتي رسالة .9
ماجستير.1998،
ىداـ إبراىيـ أبككاس ،السياسة الجنائية بيف الفقو التقميدم كاالتجاه الحديث ،مذكرة لنيؿ شيادة .10
الماستر في القانكف الجنائي ،جامعة الطاىر مكالم سعيدة ،الجزائر.2015 ،
أحمد سيؼ اإلسبلـ حمد ،مدل دستكرية التنظيـ التشريعي المصرم لجريمتي السب كالقذؼ مف حيث .1
التجريـ كالعقاب ،مركز ىشاـ مبارؾ لمقانكف ،القاىرة.2003 ،
تميـ طاىر أحمد الجادر ،سيؼ صالح ميدم العكيمي ،الضركرة كالتناسب في القاعدة الجنائية ،بحث .2
منشكر لدل المجمة السياسية كالدكلية ،العدد .2014 ،24
رنا العطكر ،اقتساـ مكافحة اإلجراـ بيف القانكف كالنظاـ في التشريع الجنائي الفرنسي ،مجمة جامعة .3
النجاح لؤلبحاث "العمكـ اإلنسانية" ،المجمد ،27العدد.2013 ،9
سامي البمطي ،الجرائـ الكاقعة عمى أمف الدكلة ،بحث منشكر عمى مكقع محاماة نت ،انظر الرابط .4
االلكتركني https://www.mohamah.net
طبلؿ عبد حسيف البدراني ،االتفاؽ الجنائي ،مجمة الرافديف لمحقكؽ ،المجمد ،14العدد2016 ،51ـ. .5
عادؿ عازار ،مفيكـ المصمحة ،بحث منشكر في المجمة القكمية المصرية ،العدد ،3نكفمبر .1972 .6
عبد المجيد قاسـ عبد المجيد ،فمسفة العقكبة في الشريعة اإلسبلمية كالقانكف الكضعي ،مجمة اإلسبلـ .7
في آسيا ،المجمد ،9العدد ،1يكنيك 2012ـ.
عماد فاضؿ ركاب ،جريمة العصياف المسمح في التشريع العراقي ،جامعة البصرة. .8
238
فكزية عبد الستار ،رأم مكثؽ لدل دراسة بعنكاف "اآلثار القانكنية لعدـ دستكرية االتفاؽ الجنائي" .9
إعداد كنشر مركز حقكؽ اإلنساف كمساعدة السجناء ،الدارسة منشكرة الكتركنيان عمى الرابط الخاص
بمكقع محاماة نت https://www.mohamah.net
مجيد خضر السبعاكم ،ضكابط بنياف النص العقابي الخاص ،المجمة األكاديمية لدل جامعة نكركز، .10
المجمد ،6العدد.2017 ،1
مناؿ مركاف منجد ،المكاجية الجنائية لجرائـ اإلرىاب في القانكف السكرم ،دراسة تحميمية ،مجمة .11
جامعة دمشؽ لمعمكـ االقتصادية كالقانكنية ،المجمد ،30العدد.2014 ،2
نظاـ تكفيؽ المجالي ،الشرعية الجنائية كضماف لمحرية الفردية "دراسة في التشريع األردني" ،بحث .12
منشكر في مجمة الحقكؽ ،العدد ،4س ،22الككيت.1998 ،
كاثبة داككد السعدم ،مبلمح السياسة الجزائية الحديثة في التشريع الجزائي في العراؽ ،بحث منشكر .13
في مجمة القانكف المقارف ،العدد ،15س ،10كمية القانكف كالسياسة ،جامعة بغداد.1983 ،
5 .M. Monir, Law of Evidence,8 edition,univresal law puplishing co,India, 2012
239
ابعاّ :يكْ ٛني:
أحكاـ متنكعة لممحكمة الدستكرية العميا بمصر ،منشكرة عمى المكقع االلكتركني: .1
حكـ المحكمة الدستكرية الفمسطينية العميا في الدعكل رقـ 5لسنة ،2017القضية رقـ ( )8لسنة .2
( )3قضائية ،الكقائع الفمسطينية ،العدد .149
)(https://www.cc.gov.eg/Dostoureya.aspx
أحكاـ متنكعة لمحكمة النقض المصرية ،منشكرة عمى المكقع االلكتركني: .3
)(http://www.cc.gov.eg/courts/cassation_court/all/cassation_court_all_cases.aspx
240