Professional Documents
Culture Documents
التربية الفنية
التربية الفنية
في مجال السرديات بصفة عامة ،وقد ارتبطت منطلقات النظر إليها ودراستها بالتحوالت التي عرفها
الدرس النقدي ،فإذا كانت المناهج السياقية(التاريخي/االجتماعي) تبالغ في محاكمة الشخصية على أنها
ك ائن حقيقي على الك اتب أن يحس ن بناءه ا ،وتحدي د خصائص ها الجس مية واالجتماعي ة والنفس ية،.… ،
وف ق مع ايير مختل ف :اله دف والرؤي ة االجتماعي ة والس ياق النص ي ،ف إن الشخص ية ب دأت تتخلص من
قيودها مع المناهج النصانية التي تؤمن بعزل النص باعتباره بنية لغوية عن جميع السياقات الخارجية،
وأصبحت الشخصية كائنا ورقيا<<ألنها منتوج الخيال الفني للروائي ومخزونه الثقافي الذي يسمح له
أن يضيف ويحذف ويبالغ ويضخم في تكوينها وتصويرها ،بشكل يستحيل أن يكون انعكاسا لشخصية
واقعية ،وإ نما هي شخصية ورقية من اختراع خيال الروائي أو الكاتب ،بدأ دورها في الرواية الجديدة،
يضمر ويتراجع شيئا فشيئا حتى أوشك أن يختفي نهائيا>>()1
ومن ثمة فهي ال تتحقق إال بوصفها بنية لغوية ال أثر لها في الواقع ،شأنها شأن العناصر األخرى في
النص الس ردي ،وأص بحت قيمته ا في العم ل تتوق ف على الوظيف ة ال تي تقوم به ا ،وكفاءته ا في اإلنجاز
والتحري ك ،باعتباره ا ع امال أو ف اعال في الح دث ،وه ذا م ا أكد علي ه علم السرد الح ديث الذي ظهرت
مالمحه على يد جهود كثيرين منهم :بروب ،كلود ليفي شتراوس ،بريمون ،سوريو ،وغريماس،
ويعد النموذج البروبي في تحديد وظائف الشخصية والتي حددها بواحد وثالثين وظيفة تجري مجرى
التتابع من أهم محطات دراسة الشخصية ،وذلك في كتابه ”مورفولوجية الحكاية العجيبة” حيث تناول
أش كال مائ ة حكاي ة ش عبية روس ية عجيب ة درس ا وتحليال ،ض من مقارب ة منهجي ة محايث ة ش كالنية،
و<<تستند منهجية فالديمير بروب” إلى تلخيص للمتن الحكائي ثم تقطيع الحكاية أو النص الخرافي إلى
مجموع ة من المق اطع والمتوالي ات الس ردية بش كل دقي ق ،ثم تقطي ع تل ك المتوالي ات إلى مجموع ة من
الوظ ائف ،ثم اس تخراج العناصر المساعدة في الحكاية ثم توزيع الوظائف على الشخصيات السردية ،
ثم تبيان طرائق تقديم الشخصيات ،ومختلف صفاتها في الحكاية ،لكن ما يهم في التحليل هو التركيز
على الثابت الوظائفي ،بدل التوقف عند المتغير األسلوبي والحدثي والوصفي>>()2
وعلى أنق اض المشروع البروبي انطلق غريم اس بمشروعه الجدي د ،مس تفيدا من مالحظ ات كلود ليفي
شتراوس من نقده لرؤية فالديمير بروب ،وقدم لنا خطاطة سردية تلخص الوظائف المحركة للفعل في
القصة ،وهي عبارة عن ستة عوامل أساسية هي :الذات ،الموضوع ،المرسل ،المرسل إليه ،المساعد
والمعارض ،وتجمع بينها عالقات أساسية هي :الرغبة ،اإلرسال ،والصراع ،وينتج لنا النموذج العاملي
ثالث بنى عاملية تتناسب مع هيكلة القصة بتقسيمها الكالسيكي :مطلع/عرض /خاتمة
بحيث يخلص الق ارئ إلى بني ة تحل ل الرغب ات وتفس خها في النهاي ة س واء أك ان األم ر بتحققه ا أم بع دم
تحققها أو بقاء النهاية مفتوحة …
ويع د مفه وم النم وذج الع املي ( ) Modèle actantielمن أش هر المف اهيم للنظري ة الس يميائية عن د
“غريماس” ،في دراسة النصوص المختلفة ،يكشف لنا عن شبكة العوامل السردية وانزالقاتها في البنية
الس ردية ،وتع ود أص وله إلى مرجعي ات مختلف ة ،على رأس ها تص ورات ب روب كم ا أش رنا س ابقا ،وق د
خض ع ه ذا المص طلح لترجم ات عدي دة من قب ل ب احثين ونق اد ع رب ،ن ذكر منه ا على س بيل ال ذكر:
“النموذج الساندي” ترجمة “جمال كديك”“ ،الرسم العاملي” ترجمة “رشيد بن مالك” “ ،النموذج العاملي”
ترجمة “سعيد بن كراد” ،كما ترجم هذا المصطلح في معجم “السرديات” لـ”محمد قاضي” ومجموعة من
األس اتذة إلى مص طلح ”:من وال الفواع ل” ألن ه ي أتي على من وال دائ رة الفع ل ل بروب وأقط اب من وال
الفواعل هي العوامل الستة المذكورة آنفا ()3
وقد أعطى غريماس فهما جديدا للشخصية في الحكي ،عندما ميز بين العامل والممثل ،ويخرج لنا بما
يس مى (الشخص ية المج ردة) ،هك ذا تص بح الشخص ية مج رد دور م ا في الحكي ،يؤدي ه عام ل أو ممث ل.
فالعامل قد يكون شخصا أو مجرد فكرة ،أو جمادا أو حيوانا ،كما يمكن لعامل واحد أن يكون “ممثال
في الحكي بممثلين أو أكثر ،كما أن ممثال واحدا يمكن أن يقوم بأدوار عاملية مختلفة>> ()4
إن ه ذا النموذج بمح اوره الثالث ة يض عنا أم ام العالق ات المش كلة ألي نشاط إنس اني ،وتكمن بس اطته في
أنه كله متمحور حول موضوع الرغبة التي تتوخاها الذات ،ومتموضع بوصفه موضوعا للتواصل بين
المرسل والمرسل إليه ،وفي كون رغبة الذات تتغير حسب إسقاطات المساعد والمعيق .ويعتبر النموذج
الع املي “بني ة ق ارة جامع ة لحرك ة العالق ات بين العوام ل ب اختالف أنواعه ا .حيث التح والت المتتالي ة
والمتغيرات الملحقة بها ،على إثرها يكون العامل هو ما يقوم بالفعل أو يخضع له>>)5( .
وب الرغم من أن ه ذا النم وذج يب دو تجري ديا إال أن ه يس تطيع أن يس تفيد من خ برات الق ارئ في تحلي ل
النص ،ورؤيت ه التحليلي ة له ،إذ يس تطيع الق ارئ أن يقوم بجرد ك ل العالق ات والبنى العامل ة في النص،
ويلخص حرك ة الفواع ل في ه ،وه ذا م ا يمنح النم وذج كف اءة في رص د عمي ق ألفك ار النص من خالل
تحليل وظيفة الشخصية أو العامل خاصة إذا أخذنا بعين االعتبار تلك األهمية والفاعلية التي تحظى بها
الشخصية في العمل السردي على اختالفه.
الهوامش:
( )1خصائص الفعل السردي في الرواية العربية الجديدة ،بعطيش يحيى ،مجلة كلية اآلداب واللغات،
جامعة منتوري ،قسنطينة ،الجزائر ،2011،ع ،8ص7
( )2اش تغال النم وذج الع املي في رواي ة “تل ك المحب ة” للح بيب الس ائح ،دراس ة س يميائية ،م ذكرة مقدم ة
لني ل ش هادة ماجيس تير ،إش راف ه واري بلقاس م ،إع داد محم د ب ودالي ،جامع ة وه ران ،كلي ة اآلداب
والفنون ،قسم اللغة واألدب العربي ،2015/2016 ،ص16
( )3ينظ ر :النظري ة الس يميائية عن د “غريم اس” بين أزم ة المص طلح وإ شكالية الترجم ة ،آس يا جريوي،
الملتقى ال دولي الث امن ح ول “الس يمياء والنص األدبي” جامع ة محم د خيض ر ،بس كرة ،الجزائ ر ،ص
.144-143
( )4النموذج العاملي في رواية “مذنبون لون دمهم في كفي” للحبيب السائح ،رسالة مقدمة لنيل شهادة
ماجستير ،إشراف عبد الحفيظ حرزلي ،إعداد كمال أونيس ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،كلية اآلداب
واللغات ،2012/2013 ،ص17