Professional Documents
Culture Documents
• المقدمة
• قائمة المراجع
مقدمة
تعد الكتابات من المصادر التاريخية المهمة التي تنقل لنا صورة موثقة للحياة في فترات زمنية مختلفة وفي
جميع مجاالتها ،فهي وعاء الحمل الثقافات والحضارات والفنون المختلفة عبر العصور ،وهذه األوعية
التاريخية يصعب الطعن في قيمتها أو التشكيك في أصالتها فهي معاصرة للحقائق واألحداث التي تسجلها،
كما أنها محايدة مما يجعلها تعوض النقص وتسد الفراغ في المصادر التاريخية وتمتاز بصحة تواريخها
واألعالم التي تذكر بها وتفيد في مراقبة أقوال المؤرخين واثبات صحتها.
كما أنها هي الناطقة باسم المعالم األثرية التي شيدت على مدار فترات التاريخ المختلفة ،وبدونها تصبح هذه
المنشآت هياكل صماء ال نستطيع تقصي من هم مؤسسوها وماهي ظروف تأسيسها وإنشائها ،مما يخلق لدى
الباحثين جملة من االحتماالت والترجيحات ،وتتعاظم قيمة هذه الكتابات األثرية المدونة عندما يتعلق األمر
بالعمائر التي هي آيلة لالندثار أو تلك التي تعرضت لعملية الترميم والتي فقدت أغلب خصائصها المعمارية،
فتصبح في هذه الحالة الدليل الوحيد على اآلثار المندثرة كما أن لهذه الكتابات دور مباشر في التعرف على
الدراسات التاريخية الخاصة بالخط العربي ومختلف أنواع الزخرفة اإلسالمية ومراحل تطورها وازدهارها
1
• المبحث األول :ماهية الكتابات األثرية
الكتابات األثرية هي الكتابات المنقوشة أو المدونة على اآلثار الثابتة (العمائر والمباني الدينية والمدنية
والعسكرية والجنائزية) والمنقولة (الفنون الزخرفية أو التطبيقية) ،سواء كانت منحوتة على الحجر أو
األخشاب أو الجص أو الرخام أو مطلية على الزجاج والخزف أو تكون منفذة بالمادة نفسها كما هو الحال في
الفسيفساء والنسيج وواجهات المباني المغطاة بالزليج أو الطوب ،والتي تعتبر من العلوم األساسية المساعدة
لعلم اآلثار والتاريخ ،ألن الوثيقة الكتابية مهما كانت أسطورية أو نصا تذكاريا أو قصة أدبية أو وثيقة شرعية
أو رسالة ،تعتبر من األشياء المهمة جدا بالنسبة لألثري أو المؤرخ ،فيستطيع من خاللها معرفة طريقة تفكير
اإلنسان الذي عاش وقت تحرير تلك الوثيقة وظروفه الجغرافية واالجتماعية والتاريخية والنفسية ،1يهتم هذا
العلم بتأريخ شكل الحروف وتطورها ،وأساليب نقش الكتابة ودراسة النصوص لتحديد موضوعاتها وتاريخها
يمكننا تعريف الكتابة بشكل عام بأنها األثر الذي يتركه الخط على المادة (حجر ،صخر ،رخام،
ويحدد لنا نوعية األداة التي تستخدم في التدوين والمادة التي تنفذ عليها الكتابة ،فللمادة واألداة تأثير كبير في
شكل الحرف وتطوره ،فإما أن تكسبه الشكل الجاف أو يأخذ الشكل اللين.
وقد فرضت البيئة المحيطة نوعية مادة الكتابة ،فاستخدم الحجر أوال في كل مكان ،ثم جاء استخدام مواد
أخرى بعد ذلك ،فنجد أهل مصر يكتبون على البردي ،بينما في بالد ما بين النهرين يستعملون ألواح الطين
في الكتابة ،كما كان الجلد من أوائل المواد التي كتب العرب عليها.
بن قربة صالح ،أهمية الكتابات األثرية الشاهدية في تاريخ المغرب اإلسالمي وحضارته " ،مجلة ،التاريخ العربي ،الرباط ،العدد .2006 ،3 1
2
• المطلب الثاني :أنواع الكتابات األثرية
تختلف أنواع ومواضيع الكتابات األثرية ،وهذا على حسب موقعها المنفذة فيه ،ومناسبة كتابتها والسبب ،هذا
مما جعل المعماري المسلم أن يدون كل منجزاته المعمارية لتبقى شاهدة عليه في مر العصور ،فنجد من هذه
الكتابات:
-1الكتابات التذكارية:1
هي تلك النصوص التي تبرز الحقائق التاريخية واالجتماعية واالقتصادية والفنية والدينية ،ووجهتها أما على
التحف المنقولة أو الثابتة ،وهي غالبا ما تعرف بصاحب األثر سواء كان سلطانا او اميرا ،متبوعا بألقابه
ووظائفه ،زيادة على ذلك يضيف النقاش ما تيسر من عبارة التمجيد ،ورفع المقام باإلضافة الى االدعية
أ -االستهالل الديني( :الحمد هلل ال إله اال هللا ،بسم هللا ،اعوذ باهلل من الشيطان الرجيم)
ب .التنصيص على االشغال المنجزة :وهي التعبير الضابط لماهية االشغال المنجزة ،يكون طليعة الكتابة أو
يعقب االستهالل الديني مباشرة ويربط بينهما بلفظ وبعد او اما بعد.
ج .األلفاظ أو التعابير التي تتلو التنصيص على األشغال :وقد استأثرت الكتابات التذكارية بكل نشاط
زخرفي ،كزخرفة المساجد واالضرحة الى جانب زخرفة األرابيسك النباتية ،والتي تتواجد عادة على
األبنية الدينية التي تتحلى بها بواطن العقود ورقاب القباب ورؤوس المحاريب ،كما تدور حول المشهد وتعلو
التغشية الرخامية التي تكسو أسفل الجدران ،وتتوج الحيطان فيما يلي السقف ،وفي كثير من المواضع
والمساحات.
1يحياوي العمري ،الكتابات األثرية في الغرب الجزائري .دراسة تنميطية .رسالة لنيل شهادة دكتوراه في علم اآلثار اإلسالمية ،جامعة أبي بكر
بالقايد تلمسان ، 2014 / 2015 ،ص .45
3
-2الكتابات التأسيسية:
وهي تلك النقوش الكتابية التي تسجل على مختلف العمائر المشيدة ،وتسمى أيضا الكتابات التسجيلية ألنها
تسجل أسماء األشخاص سواء كانوا من األمراء او السالطين أو غيرهم ،الذين قاموا بإنجاز مشروع
معين ،على جدران المعلم داخله او على مدخله ،او في مكان من المستطاع مالحظته.1
وتحمل هذه الكتابة في الغالب بداية بعبارات الحملة ،ثم اسم المؤسس ونوع المبنى وتاريخ انشائه ،وأحيانا
-3الكتابات الوقفية:
وهي تلك النقوش التي تتضمن نصوص بعض الوثائق او حجج الوقف ،المتعلقة ببعض المنشأة في الغالب
تكون دينية ومنشآه خيرية ،وتعرف كذلك باسم الحواالت الحبسية والوقف يسمى صدقة او حبسا ثم شاع
اسم الوقف وانتشر وال تزال األوقاف في بالد المغرب تسمي احباسا.2
-4الكتابات الشاهدية:
ويقصد بها تلك النقوش المسجلة على شواهد القبور اإلسالمية ،وشاهد القبر هو الحجر الذي يوضع على
راس وقدمي المتوفي ،وعليه تدون بعض المعلومات التي تخص المتوفي هذا بالنسبة لشاهد الراس ،اما
شاهد القدمين تجسد فيه الزخارف وبعض عبارات الترحم ،كما تنوعت اشكال شواهد القبور ومادة
صنعها ،فكانت الزيانية تصنع بالحجر الرملي والرخام األبيض والمرمر وغيرها ،أما الشكل فيوجد الشكل
والكتابات الشاهدية أفادت الباحثين كثيرا من خالل العبارات الدعائية ،التي نقشت فيها ،للتعرف على
المذاهب الدينية والنزعية للمتوفي ،فتكشف عن طبيعة المذاهب الدينية السائدة في ذلك العصر من خالل
أسماء المتوفين التي تشير إليها ،مما يدل على ذيوع هذا المذهب أو ذاك ،وقد نصادف في بعض الكتابات
الشاهدية.
محمد صالح جواد مهدي ،لمحات من تاريخ الوقف االسالمي حتى العصر العثماني ،ص. 205- 206، 2
4
• المبحث الثاني :أهمية ووظائف الكتابات األثرية
ان الدراسات والبحوث في هذا المجال ،قد يفي كثيرا ومن الدرجة األولى الباحث في مجال االثار ،من خالل
استنطاقها للمعثورات ،هذا في حالة وجود كتابات على مقتنيات ثابتة او منقولة ،تأخذ بعين االعتبار بدال من
التحليل المخبري ،ألنها قد تعطي بيانات للباحث ،تتمثل في عمر األثر من خالل التاريخ المدون ،واصله ان
وجد في مكان غير مكانه ،فكثير من المعثورات ،كالمسكوكات والمباني األثرية والمعالم التاريخية عرفت
كما تعتبر من أهم مصادر التاريخ بوجه عام والتاريخ االسالمي بوجه خاص ، 1من خالل النقوش الكتابية من
تتابع الدويالت االسالمية منذ الفتح إلى سقوط الدولة العثمانية والتي استعملت في شتى المجاالت ،بنقشها على
العمائر وضربها على المسكوكات ،وكتابة المصاحف بها واألحاديث النبوية والمخطوطات العلمية ،ومدونة
الرحالت واالكتشافات.
هذا جعل منها ذات قيمة وأهمية كبيرة ،مما فرضت على الباحثين تعلم قراءتها وضوابط الخطوط المستعملة
في تلك الفترة ،لتفكيك أصعب النقوش والكتابات ،التي تحمل في طياتها عدة رموز واخبار للباحثين.
كما تحمل هذه الكتابات اهمية في مختلف الدراسات الحديثة ،التاريخية منها واالثرية ،واهميات أخرى في
بداية عهدها متمثلة ،في اهمية اجتماعية وثقافية وسياسية ،وهذا من خالل الدور الذي لعبته في ابراز مستوى
الرقي والحضارة وما توصلت اليه االمة من درجة اتقان وتحكم في فنون الكتابات والنقائش هذا من الجهة
الثقافية ،أما من الناحية السياسية تبرز من خالل االستدالل بأسماء األمراء والسالطين ،على العملة وعلى
اما من الناحية االقتصادية واالجتماعية ،فتكمن في ظهور طبقة من اهم النقاشين والخطاطين وارباب القلم،
الذين تفننوا في وضع قواعد للنقوش الكتابية ،وجعلها مصدر تنافس بينهم ،كما كانت مصدر القوت والكسب،
من خالل االعمال الفنية المجسدة على العمائر ،مما شجعت واهتمت طبقة كبيرة من الفنانين في هذا المجال
الفني والعملي.
نايف بن غانم بن سالم الفقير العنزي ،أهمية النقوش األثرية في مصادر التاريخ ،مركز الدراسات الوائلية2010 ، 1
5
اما من خالل الدراسات الحديثة المتمثلة في األهمية التي قدمتها في مجال التاريخ واالثار ،من خالل تصحيح
األخطاء والخرفات التي تنتشر بين المجتمعات عن اخبار الماضي ،ففي مجال االثار ،تبين وتعرف بعض
المعالم التي لم يتعرف عليها الباحث من حيث شكلها ،من خالل ما دون فيها من عبارات عن ادعية دينية
واسماء األشخاص أو لبعض القواد والملوك ،والقابهم واعمالهم ونزعتهم الدينية والمذهبية .اما من الناحية
التاريخية تعتبر سجال مؤكدا لألحداث المشكوك فيها ،وتصحيح األخطاء التي وقع فيها الباحثون سهوا او
عمدا.
كانت للكتابات وظائف اجتماعية نبيلة ،فمنذ نشأتها وهي تحمل أسباب تلك النشأة والدوافع التي كانت وراءها،
وان هناك دورا للخط ال بد أن يلعبه ويؤديه في المجتمع ،ومن وظائفها نجد:
إن من بين المهام األساسية واالدوار الرئيسية ،التي اضطلعت بها وساهمت فيها الكتابات ،هي تسجيل رسالة
االسالم و نقلها الى االجيال المتباعدة و المتعاقبة بأسلوب يحمل بين ثناياها عنصر التوضيح و التشويق اللذين
اديا بنتائجهما إلى الفهم الصحيح ،وتحقيق الهدف المقصود ،ومن خالل عملية المشق الجميل للحروف
العربية في كتابة المصاحف الشريفة ،وطريقة ضبط تلك الكتابات بالرسم و بالدقة المحسوبة و الرائعة ،
ابتداء من الخط الذي كتب به العرب في بداية ظهور االسالم ،او االنواع المبتكرة األخرى التي تطورت عنه
خالل المراحل المتعاقبة ،حيث كان الخط العربي هو الوسيلة األساسية للعلم و التعليم عن المسلمين ،ولقد
كان للقرآن الكريم دورا كبيرا وما يزال في تحفيز الفنان العربي المسلم إليصال الحرف العربي الى صور
ابداعية جميلة و متنوعة و كثيرة و من ثم المحافظة عليها ،كذلك حفز ذلك الفنان على القواعد المميزة للرسم
،فان للخط العربي دوره الرائد ايضا في المساهمة على نشر القرآن بتدوينه ،الن االجادة في كتابة القرآن
محيسن عبد الجبار حميدي ،الخط العربي والزخرفة العربية اإلسالمية ،المكتبة الوطنية ،األردن ،2005 ،ص 36 1
6
-2الوظيفة اإلنتاجية:1
وللكتابات الوظيفة اإلنتاجية التي كشفت عنها ميادين االنتاج الفني المختلفة والتي تناولتها الكثير من الشعب
واالستخدامات ،فقد دخلت كتابات الخط العربي كمحور رئيسي او كعنصر أساسي من عناصر األعمال
المنفذة على الورق ،الى جانب كتابة المصاحف الشريفة ،والتي تمثلت في اخراج الكتب العلمية واألدبية،
وتصوير المخطوطات واعمال الجلد والنسيج والخزف والفسيفساء والتحف والمشغوالت المعدنية.
-3وظيفة الجمالية:2
وتأخذ وظيفة كتابات الخط العربي الجمالية حيزا كبيرا ،في مساحة الدور االساسي لفعالية الخط العربي
وتأثيره المباشر على المشاهد المتذوق للخط العربي ،وكذلك على القارئ على حد سواء ،فلم يقف اعجاب
المسلمين بالخط عند ما فيه من قيمة جمالية ،بل صار يتصل بالعاطفة الدينية ،وهكذا صار المسلون ينظرون
ولو قمنا بعرض كافة األعمال الفنية االنتاجية المنجزة ،لوجدنا أنها ذات قيمة جمالية عالية ،أسهمت بشكل
فعال وكبير في تعزيز مكانته ،وبهذا فإن الوظيفة الجمالية للخط العربي تبقى حاضرة في كافة األشكال الفنية
التي يدخل الحرف العربي في تكوينها أو إخراجها من خالل كافة تقنياتها وعلى اختالف أنواعها ووسائلها.
7
الخاتمة
إن للكتابات األثرية أهمية بالغة في مجال علم اآلثار وهي التي نفذت على مختلف العمائر بأنواعها األربعة
من كتابات تأسيسية وتذكارية ووقفية وشاهدية ،فكل نوع منها يحتوي على نصوص تسجيلية وفق ضوابط
وباعتبارها مادة علمية تساعد في تقصي الحقائق والوصول إلى نتائج ،كان قصدا من الفنان المسلم أن يضع
وظائف للكتابات والمتمثلة في وظيفة تسجيلية تخص أنواع هذه الكتابات ووظيفة جمالية تمثلت في تجويد
الخط وجعله لوحة فنية ،وكذا وظيفة أخرى إنتاجية كان محلها في درب المسكوكات ونقش النصوص على
العمالت أيضا ،وهذا منذ بداية عهدها لتصل إلى الباحث مستقبال.
8
قائمة المراجع
-محيسن عبد الجبار حميدي ،الخط العربي والزخرفة العربية اإلسالمية ،المكتبة الوطنية ،األردن2005 ،
-نايف بن غانم بن سالم الفقير العنزي ،أهمية النقوش األثرية في مصادر التاريخ ،مركز الدراسات
الوائلية2010 ،
-محمد صالح جواد مهدي ،لمحات من تاريخ الوقف االسالمي حتى العصر العثماني
-يحياوي العمري ،الكتابات األثرية في الغرب الجزائري .دراسة تنميطيه .رسالة لنيل شهادة دكتوراه في
علم اآلثار اإلسالمية ،جامعة أبي بكر بالقايد تلمسان2014 / 2015 ،
بن قربة صالح ،أهمية الكتابات األثرية الشاهدية في تاريخ المغرب اإلسالمي وحضارته " ،مجلة، -
9