You are on page 1of 12

‫التفسري والبيان‪AYAT 4-5 (SURAH ANNUR) :‬‬

‫هذه اآلية تبني حكم قذف احملصنة‪ %‬وهي احلرة البالغة العاقلة العفيفة‪ %،‬جيلد قاذفها مثانني‬
‫جلدة‪ ،‬وكذلك جيلد قاذف الرجل العفيف اتفاقا‪ ،‬وقذف الرجل ‪.‬‬

‫داخل يف حكم اآلية باملعىن‪ ،‬كدخول حترمي شحم اخلنزير يف حترمي حلمه‪ .‬وذكر النساء‪،‬‬
‫ألن رميهن بالفاحشة أشنع‪ ،‬والزىن منهن أقبح‪ ،‬أما السرقة فالرجل عليها أجرأ وأقدر‪ ،‬فبدأ به يف‬
‫آية حد السرقة‪.‬‬

‫ويف التعبري باإلحصان إشارة إىل أن قذف العفيف رجال أو امرأة موجب حلد القذف‪ ،‬أما‬
‫املعروف بفجوره فال حد على قاذفه‪ ،‬إذ ال كرامة للفاسق‪.‬‬

‫واملعىن‪ :‬إن الذين يسبّون‪ %‬النساء العفيفات‪ %‬احلرائر املسلمات برميهن بالزىن‪ ،‬ومل يتمكنوا من إثبات‬
‫التهمة بأربعة‪ %‬شهود رأوهن متلبّسات بالزىن‪ ،‬أي مل يقيموا البينة‪ %‬على صحة القذف الذي قالوه‪،‬‬
‫هلم ثالثة أحكام‪:‬‬

‫األول ‪ -‬أن جيلد القاذف مثانني جلدة‪ .‬واجللد‪ :‬الضرب‪.‬‬

‫الثاني ‪ -‬أن ترد شهادته أبدا‪ ،‬فال تقبل يف أي أمر مدة العمر‪.‬‬

‫الثالث ‪ -‬أن يصري فاسقا ليس بعدل‪ ،‬ال عند اهلل وال عند الناس‪ ،‬سواء كان كاذبا يف قذفه أو‬
‫صادقا‪ .‬والفسق‪ :‬اخلروج عن طاعة اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا دليل على أن القذف كبرية من الكبائر‪ ،‬ملا‬
‫يرتتب عليه من التشنيع وهتك حرمة املؤمنات‪ .‬لكن شرط القاذف الذي نصت عليه اآلية‪ :‬عجزه‬
‫عن اإلتيان‪ %‬بأربعة‪ %‬شهود‪ ،‬وتقضي قواعد الشرع أن يكون‪ %‬من أهل التكليف‪ :‬وهو البالغ العاقل‬
‫املختار‪ ،‬العامل بالتحرمي حقيقة‪ ،‬أو حكما كمن أسلم حديثا ومضت عليه مدة يتمكن فيها من‬
‫معرفة أحكام الشرع‪.‬‬

‫وشرط املقذوف املرمي بنص اآلية‪ :‬أن يكون‪ %‬حمصنا‪ :‬وهو املكلف (البالغ العاقل) احلر‪ ،‬املسلم‪،‬‬
‫العفيف عن الزىن‪ .‬فشرائط إحصان القذف مخسة‪ :‬هي البلوغ والعقل باعتبارمها من لوازم العفة‬
‫عن الزىن‪ ،‬واحلرية ألهنا من معاين اإلحصان‪ ،‬واإلسالم‪،‬‬

‫لقوله عليه الصالة والسالم يف احلديث املتقدم‪ (( :‬من أشرك باهلل فليس مبحصن ))‬

‫والعفة عن الزىن‪ ،‬فال يعترب كل من اجملنون والصيب والعبد والكافر والزاين حمصنا‪ ،‬فال حيد‬
‫قاذفهم‪ ،‬لكن يعزر لإليذاء‪ .‬ويالحظ أن ظاهر اآلية يتناول مجيع العفائف‪ ،‬سواء كانت مسلمة أو‬
‫كافرة‪ ،‬وسواء كانت حرة أو رقيقة‪ ،‬إال أن الفقهاء قالوا شرائط اإلحصان يف القذف مخسة‪:‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬واحلرية‪ ،‬والعفة عن الزىن‪ .‬وإمنا اعتربنا اإلسالم للحديث املتقدم‪،‬‬
‫واعتربنا‪ %‬العقل والبلوغ‬

‫لقوله صلّى اهلل عليه وسلم فيما رواه أمحد وأبو داود والنسائي وابن ماجه واحلاكم عن عائشة‪(( :‬‬
‫رفع القلم عن ثالثة ))‬

‫ومنهم الصيب واجملنون‪ %،‬واعتربنا احلرية ألن العبد ناقص الدرجة‪ ،‬فال يعظم عليه التعيري بالزىن‪،‬‬
‫واعتربنا‪ %‬العفة‪ %‬عن الزىن ألن احلد مشروع لتكذيب القاذف‪ ،‬فإذا كان املقذوف زانيا‪ ،‬فالقاذف‬
‫صادق يف القذف‪ ،‬فال حيد‪ ،‬وكذلك إذا كان املقذوف وطئ امرأة بشبهة أو نكاح فاسد ألن فيه‬
‫شبهة الزىن‪.‬‬
‫وإذا كان العبد أو الكافر عفيفا عن الزىن‪ ،‬فيصبح حمصنا من وجه‪ ،‬وغري حمصن من وجه آخر‪،‬‬
‫فيكون ذلك شبهة يف إحصانه‪ ،‬فيجب درء احلد عن قاذفه‪.‬‬

‫وكان ينبغي جعل التزوج من صفات اإلحصان‪ ،‬إال أن العلماء أمجعوا على عدم اعتباره‬
‫هنا‪ ،‬وهو كون املرمي زوجة أو زوجا‪ ،‬بدليل اآليات التالية يف اللعان‪ ،‬فتكون‪ %‬آية اللعان خمصصة‬
‫لعموم املوصول‪ :‬والَّ ِذين يرمو َن الْمحص ِ‬
‫نات‪.‬‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫وظاهر اآلية‪ :‬مُثَّ مَلْ يَْأتُوا‪ %‬بِ َْأر َب َع ِة ُش َهداءَ يدل على أنه يشرتط لتحقق القذف املوجب‬
‫للعقوبة‪ %‬عجز القاذف عن اإلتيان بأربعة‪ %‬يشهدون أهنم قد رأوا املقذوف يزين‪ ،‬وتاء بِ َْأر َب َع ِة تفيد يف‬
‫ظاهرها اعتبار‪ %‬كوهنم من الرجال‪ ،‬ويؤكد ذلك أنه ال تعترب شهادة النساء يف احلدود اتفاقا‪.‬‬

‫ومل تشرتط اآلية أكثر من كون الرجال األربعة أهال للشهادة‪ ،‬لكن العلماء اختلفوا يف‬
‫اشرتاط كون الشاهد عدال‪ ،‬فقال الشافعية‪ :‬تشرتط عدالة الشاهد‪ ،‬وقال احلنفية‪ :‬ال تشرتط عدالة‬
‫الشاهد‪ .‬فإذا شهد أربعة فساق فهم قذفة عند الشافعية حيدون كالقاذف‪ ،‬وال حيدون عند احلنفية‪%،‬‬
‫ويدرأ احلد عن القاذف ألنه تثبت‪ %‬بشهادهتم شبهة الزىن‪ ،‬فيسقط احلد عنهم وعن القاذف‪ ،‬وكذا‬
‫عن املقذوف‪.‬‬

‫وظاهر عموم اآلية أنه يكفي أن يكون زوج املقذوفة أحد الشهود األربعة‪ ،‬وقد أخذ‬
‫احلنفية هبذا الظاهر‪ ،‬وقال مالك والشافعي‪ :‬ال يعترب الزوج أحد الشهود‪ ،‬ويالعن الزوج وحيد‬
‫الشهود الثالثة‪ %‬اآلخرون ألن الشهادة بالزىن قذف‪ ،‬ومل يكتمل نصاب الشهادة املطلوب‪.‬‬
‫وظاهر إطالق اآلية أنه يصح جميء الشهود متفرقني أو جمتمعني‪ ،‬وبه أخذ املالكية والشافعية‪%،‬‬
‫وذلك كالشهادة يف سائر األحكام‪ .‬وقال أبو حنفية‪ :‬ال تقبل شهادهتم إال إذا كانوا جمتمعني غري‬
‫متفرقني‪ ،‬فإن تفرقوا مل تقبل شهادهتم ألن الشاهد الواحد ملا شهد صار قاذفا‪ ،‬ومل يأت بأربعة‬
‫شهداء‪ ،‬فوجب عليه احلد‪ ،‬ومل يعد صاحلا للشهادة‪ .‬ونقل ذلك أيضا عن مالك‪.‬‬

‫وظاهر اآلية أيضا أن القاذف جيلد إذا أتى بشاهدين أو ثالثة فقط‪ ،‬وكذلك جيلد هؤالء الشهود‬
‫إذا مل يكملوا النصاب‪ ،‬بدليل فعل عمر الذي أمر جبلد ثالثة شهود وهم شبل بن معبد وأبو بكرة‬
‫(نفيع بن احلارث) وأخوه نافع شهدوا بالزىن على املغرية بن شعبة‪ ،‬وأما رابعهم زياد فلم جيزم‬
‫حبدوث حقيقة الزىن‪.‬‬

‫ني َج ْل َد ًة هم أولياء األمر احلكام‪ ،‬وظاهر هذا العموم يشمل‬‫ِ‬ ‫واخلطاب يف قوله تعاىل‪ :‬فَ ِ‬
‫وه ْم مَث ان َ‬
‫اجل ُد ُ‬
‫ْ‬
‫احلر والرقيق‪ ،‬فحدمها مثانون جلدة‪ ،‬وبه أخذ ابن مسعود واألوزاعي‪ %‬والشيعة‪ ،‬وأمجع بقية الفقهاء‬
‫على أن حد الرقيق يف القذف النصف وهو أربعون جلدة‪ .‬ودل هذا الظاهر أيضا أن احلاكم يقيم‬
‫احلد ولو من غري طلب املقذوف‪ ،‬وبه أخذ ابن أيب ليلى‪ ،‬وقال اجلمهور‪ :‬ال حيد إال مبطالبة‬

‫املقذوف‪ ،‬وقال مالك‪ :‬إذا مسعه اإلمام يقذف‪ ،‬ح ّده ولو مل يطلب املقذوف‪ ،‬إذا كان مع اإلمام‬
‫شهود عدول‪ .‬واخلالصة‪ :‬أن اإلمام ال يقيم حد القذف إال مبطالبة املقذوف يف املذاهب‪ %‬األربعة‪.‬‬
‫ويف إقامة حد القذف‪ :‬مراعاة حلق اهلل تعاىل يف محاية األعراض‪ ،‬وحلق العبد الذي انتهكت‪ %‬حرمته‪،‬‬
‫لكن اختلف الفقهاء يف املغلّب يف هذا احلد‪:‬‬

‫فقال الشافعية‪ :‬يغلّب حق العبد باعتبار حاجته‪ ،‬وغىن اهلل عز وجل‬

‫وذهب احلنفية‪ %‬إىل تغليب حق اهلل تعاىل ألن استيفاءه حيقق مصلحة العبد أيضا‪ .‬وتظهر مثرة‬
‫اخلالف يف أمثلة منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا مات املقذوف قبل استيفاء احلد‪ ،‬فيسقط عند احلنفية تغليبا حلق اهلل تعاىل‪ ،‬وقال الشافعية‪:‬‬
‫ال يسقط احلد مبوت املقذوف‪ ،‬بل يتوىل ورثته املطالبة به تغليبا حلق العبد‪.‬‬

‫ب‪ -‬وإذا قذف شخص مجاعة بكلمة واحدة أو بكلمات متعددة‪ ،‬فاحلنفية يقولون‪ %‬بتداخل احلد‪،‬‬
‫ويكفي للجميع حد واحد‪ ،‬تغليبا حلق اهلل تعاىل كمن زىن مرارا أو سرق أو شرب اخلمر‪ ،‬وال‬
‫يتداخل احلد عند الشافعية‪ ،‬وعليه لكل واحد حد تغليبا حلق العباد‪.‬‬

‫ج‪ -‬وإذا عفا املقذوف عن احلد‪ ،‬يسقط عند الشافعية تغليبا حلق العبد‪ ،‬وال يسقط عند احلنفية‪ %‬بعد‬
‫طلب إقامته‪.‬‬
‫ومبا أن جمموع العقوبات‪ %‬الثالث‪ %‬مرتب على القذف بالعطف بالواو‪ %،‬فرتد شهادة القاذف ولو قبل‬
‫جلده يف رأي الشافعي‪ ،‬وال ترد شهادته إال بعد جلده يف رأي أيب حنيفة ومالك ألن الواو وإن مل‬
‫تقتض الرتتيب‪ %،‬لكن املراد الرتتيب‪%‬‬

‫لقوله صلّى اهلل عليه وسلم فيما رواه الديلمي وابن أيب شيبة عن ابن عمرو مرفوعا‪ (( :‬املسلمون‬
‫عدول‪ ،‬بعضهم على بعض‪ ،‬إال حمدودا يف فرية ))‬

‫أي قذف‪ ،‬ورواه الدارقطين عن عمر يف كتابه إىل أيب موسى‪.‬‬

‫ورد شهادة القاذف عام يشمل ما إذا كانت الشهادة واقعة منه قبل القذف أم بعد القذف‪،‬‬
‫ويشمل شهادة من قذف وهو كافر مث أسلم‪ ،‬إال أن احلنفية‪ %‬استثنوا‪ %‬الكافر إذا حد يف القذف مث‬
‫أسلم‪ ،‬فإن شهادته بعد إسالمه تكون مقبولة‪ ،‬الستفادته باإلسالم عدالة جديدة‪.‬‬

‫ورد شهادة القاذف هي من متام احلد يف رأي احلنفية‪ ،‬عمال بظاهر اآلية اليت رتب اهلل فيها على‬
‫القذف عقوبتني‪ ،‬فكان الظاهر أن جمموعهما حد القذف‪ .‬وقال مالك والشافعي‪ :‬احلد هو جلد‬
‫مثانني فقط‪ ،‬وأما رد الشهادة فهو عقوبة‪ %‬زائدة على احلد ألن احلد عقوبة بدنية‪ ،‬ورد الشهادة‬
‫عقوبة معنوية‪ ،‬وألن‬
‫قول النيب صلّى اهلل عليه وسلم هلالل بن أمية فيما أخرجه البخاري وأبو داود والرتمذي عن ابن‬
‫عباس‪ (( :‬البينة‪ %‬أو حد يف ظهرك ))‬

‫يدل على أن اجللد هو متام احلد‪.‬‬

‫ويلزم على قول احلنفية أن احلاكم ال يرد شهادة القاذف إال بطلب املقذوف‪ ،‬أما اآلخرون فال‬
‫يرون توقف رد الشهادة على طلب املقذوف‪.‬‬

‫مث استثىن اهلل تعاىل حال التوبة فقال‪:‬‬

‫ك وَأصلَحوا فَِإ َّن اللَّه َغ ُف ِ‬‫ِ ِ ِ‬ ‫ِإ َّ ِ‬


‫يم أي إال الذين رجعوا عن قوهلم وندموا‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫اَّل الذ َ‬
‫ين تابُوا م ْن َب ْعد ذل َ َ ْ ُ‬
‫على فعلهم‪ ،‬وأصلحوا حاهلم وأعماهلم‪ ،‬فلم يعودوا إىل قذف احملصنات‪ %،‬قال ابن عباس‪ :‬أي‬
‫أظهروا التوبة‪ ،‬فإن اهلل غفور ستار لذنوهبم‪ ،‬رحيم هبم‪ ،‬فيقبل توبتهم‪ ،‬ويرفع عنهم صفة الفسق‬
‫اليت ومسوا هبا‪.‬‬

‫قال الشافعي‪ :‬توبة القاذف‪ :‬إكذابه نفسه‪ ،‬واملعىن كما فسره االصطخري من أصحاب الشافعي‪:‬‬
‫أن يقول‪ :‬كذبت فيما قلت‪ ،‬فال أعود ملثله‪ ،‬وفسره أبو إسحاق املروزي من أصحاب الشافعي‪ :‬ال‬
‫يقول‪ :‬كذبت ألنه رمبا يكون‪ %‬صادقا‪ ،‬فيكون قوله‪( :‬كذبت) كذبا‪ ،‬والكذب معصية‪ %،‬واإلتيان‬
‫باملعصية ال يكون‪ %‬توبة عن معصية أخرى‪ ،‬بل يقول‪ :‬القذف باطل‪ ،‬وندمت على‬

‫ما قلت‪ ،‬ورجعت عنه‪ ،‬وال أعود إليه‪ .‬ورجح أبو احلسن اللخمي أن التوبة إمنا تكون بالتكذيب‪%‬‬
‫يف القذف‪.‬‬

‫وقال بعض العلماء‪ :‬توبة القاذف كتوبة غريه‪ ،‬تكون بينه وبني ربه‪ ،‬ومضموهنا الندم على ما قال‪،‬‬
‫والعزم على أال يعود‪.‬‬

‫وقد اختلف العلماء يف هذا االستثناء‪ %،‬هل يعود إىل اجلملة األخرية فقط‪ ،‬فرتفع التوبة الفسق فقط‪،‬‬
‫ويبقى مردود الشهادة دائما‪ ،‬وإن تاب وأصلح‪ ،‬أو يعود إىل اجلملتني الثانية‪ %‬والثالثة أو إىل الكل؟‬

‫يالحظ كما ذكرنا أن اآلية ذكرت ثالثة أحكام بثالث مجل متعاطفة‪ %‬بالواو‪ ،‬معقبة باالستثناء‪،‬‬
‫فاتفق العلماء على أن االستثناء ال يرجع هنا إىل اجلملة األوىل‪ ،‬فال يسقط احلد بتوبة القاذف‪،‬‬
‫للمحافظة على حق العبد وهو املقذوف‪.‬‬

‫واحنصر اخلالف يف عود االستثناء‪ %‬إىل اجلملتني الثانية والثالثة‪ %،‬أي رد الشهادة والفسق‪ ،‬فقال‬
‫احلنفية‪ :‬إمنا يعود االستثناء إىل اجلملة األخرية فقط‪ ،‬فريتفع الفسق بالتوبة‪ ،‬ويبقى‪ %‬مردود الشهادة‬
‫ك هم الْ ِ‬
‫فاس ُقو َ‪%‬ن مجلة مستأنفة‪ %‬بصيغة اإلخبار‪ ،‬منقطعة عما قبلها‪ ،‬لدفع‬ ‫ِئ‬
‫أبدا ألن قوله تعاىل‪َ :‬وُأول َ ُ ُ‬
‫توهم أن القذف ال يكون‪ %‬سببا لثبوت صفة الفسق هبتك عرض املؤمن بال فائدة‪ ،‬وإذا كانت‬
‫اجلملة األخرية مستأنفة‪ %،‬توجه االستثناء إليها وحدها‪.‬‬

‫وقال اجلمهور (املالكية والشافعية واحلنابلة) ‪ :‬يعود االستثناء‪ %‬إىل كلتا اجلملتني الثانية والثالثة ألن‬
‫هادةً َأبَداً مستأنفة منقطعة عما قبلها ألهنا ليست من تتمة احلد‪ ،‬ومجلة‬
‫مجلة َوال َت ْقَبلُوا هَلُ ْم َش َ‬
‫ك هم الْ ِ‬
‫فاس ُقو َ‪%‬ن تبني علة رد الشهادة‪ ،‬فإذا ارتفع الفسق الذي هو علة بالتوبة‪ ،‬ارتفع املعلول‬ ‫ِئ‬
‫َوُأول َ ُ ُ‬
‫الذي هو رد الشهادة‪ ،‬فهذه اجلملة تعليل‪ ،‬ال مجلة مستقلة بنفسها‪ ،‬أي ال تقبلوا شهادهتم‬
‫لفسقهم‪ ،‬فإذا زال الفسق فلم ال تقبل شهادهتم؟‪.‬‬

‫وال يثور هذا اخلالف بني الفريقني إذا قامت قرينة أو دليل على أن االستثناء‪ %‬يرجع إىل اجلملة‬
‫األخرية أو إىل اجلمل كلها‪ ،‬كما يف املثالني اآلتني‪:‬‬

‫األول‪ -‬قوله تعاىل يف دية القتل اخلطأ‪َ :‬فتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ُمْؤ ِمنَ ٍة‪َ ،‬و ِديَةٌ ُم َسلَّ َمةٌ ِإىل َْأهلِ ِه‪ِ ،‬إاَّل َأ ْن يَ َّ‬
‫ص َّدقُوا‬
‫[النساء ‪ ]92 /4‬فيه قرينة تدل على أن االستثناء‪ %‬عائد إىل الدية ال إىل حترير الرقبة ألن التحرير‬
‫حق اهلل تعاىل‪ ،‬وتصدق الويل ال يسقط حق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ين تابُوا‪ِ %‬م ْن َقْب ِل َأ ْن َت ْق ِد ُروا َعلَْي ِه ْم [املائدة‪ ]34 /5 %‬فيه دليل‬ ‫ِإ َّ ِ‬
‫الثاين‪ -‬قوله تعاىل يف احملاربني‪ :‬اَّل الذ َ‬
‫على رجوع االستثناء‪ %‬إىل اجلمل كلها‪ ،‬فإن التقييد يف قوله تعاىل‪ِ :‬م ْن َقْب ِل َأ ْن َت ْق ِد ُروا َعلَْي ِه ْم مينع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ألن التوبة‪%‬‬ ‫ذاب َعظ ٌ‬ ‫عود االستثناء إىل اجلملة األخرية‪ ،‬وهي قوله سبحانه‪َ :‬وهَلُ ْم يِف اآْل خَر ِة َع ٌ‬
‫تسقط العذاب األخروي‪ ،‬سواء أكانت قبل القدرة عليهم أم بعدها‪ ،‬فلم يكن هلذا التقييد فائدة إال‬
‫سقوط احلد‪ ،‬فهذا االستثناء راجع إىل اجلميع باالتفاق‪.‬‬

‫التفسري والبيان‪AYAT 6-10 %:‬‬

‫وتعسر عليه‬
‫ّفر ج اهلل تعاىل هبذه اآلية عن األزواج وأوجد هلم املخرج إذا قذف أحدهم زوجته‪ّ ،‬‬
‫إقامة البينة‪ %،‬وهو أن حيضرها إىل احلاكم‪ ،‬فيدعي عليها مبا رماها به‪ ،‬فيالعنها كما أمر اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬بأن‪ %‬حيلفه احلاكم أربع شهادات باهلل‪ ،‬يف مقابلة أربعة شهداء‪ ،‬إنه ملن الصادقني فيما رماها‬
‫به من الزىن‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫واج ُه ْم‪ -..‬إىل قوله‪ِ :-‬إ ْن كا َن م َن الْكاذبِ َ‬
‫ني أي إن األزواج الذين يقذفون‬ ‫ين َي ْر ُمو َن َْأز َ‬
‫َوالذ َ‬
‫زوجاهتم بالزىن‪ ،‬ومل يتمكنوا من إحضار أربعة شهود يشهدون بصحة قذفهم‪ ،‬وإمنا كانوا هم‬
‫الشهود فقط‪ ،‬فالواجب عليهم أن يشهد الواحد منهم أربع شهادات باهلل إنه لصادق فيما رمى به‬
‫زوجته من الزىن‪ ،‬والشهادة اخلامسة أن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني فيما اهتمها به‪ .‬واللعن‪:‬‬
‫الطرد من رمحة اهلل‪.‬‬

‫فإذا قال ذلك بانت منه هبذا اللعان نفسه عند مجهور العلماء غري احلنفية‪ %،‬وحرمت عليه أبدا‪،‬‬
‫ويعطيها مهرها‪ ،‬ويسقط عنه حد القذف‪ ،‬وينفي‪ %‬الولد عنه إن وجد‪ ،‬ويتوجه عليها حد الزىن‪.‬‬

‫ني أي ويدفع عنها حد الزىن أن حتلف‬‫وي ْدر ا عْنها الْعذاب‪ -..‬إىل قوله‪ِ :-‬إ ْن كا َن ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُؤ َ َ َ َ‬
‫باهلل أربعة أميان‪ :‬إن زوجها كاذب فيما رماها به‬

‫من الفاحشة‪ ،‬والشهادة اخلامسة أن غضب اهلل عليها إن كان زوجها صادقا فيما يقول‪.‬‬

‫وسبب التفرقة بينهما بتخصيصه باللعنة‪ ،‬وختصيصها بالغضب هو التغليظ عليها ألهنا سبب الفجور‬
‫ومنبعه‪ ،‬بإطماعها الرجل يف نفسها‪.‬‬

‫مث بنّي اهلل تعاىل ما تفضل به على عباده من الفضل والنعمة والرمحة هبذا التشريع إذ جعل اللعان‬
‫للزوج طريقا لتحقيق مراده‪ .‬وللزوجة سبيال إىل درء العقوبة‪ %‬عن نفسها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ض ُل اللَّ ِه َعلَْي ُك ْم َو َرمْح َتُهُ‪َ ،‬و َّ‬
‫يم أي ولوال ما خصكم اهلل به من مزيد فضله‬ ‫َأن اللَّهَ َت َّو ٌ‬
‫اب َحك ٌ‬ ‫َولَ ْوال فَ ْ‬
‫ونعمته وإحسانه ورمحته ولطفه ورأفته من تشريع ما به فرج وخمرج من الشدة والضيق‪ ،‬ومتكني‬
‫من قبول التوبة‪ ،‬لوقعتم يف احلرج واملشقة‪ %‬يف كثري من أموركم‪ ،‬ولفضحكم وعاجلكم بالعقوبة‪،‬‬
‫ولكنه سرت عليكم‪ ،‬وأنقذكم من الورطة باللعان‪ ،‬فمن صفاته الذاتية أنه كتب الرمحة على نفسه‪،‬‬
‫وأنه التواب‪ %‬الذي يقبل التوبة‪ %‬عن عباده‪ ،‬وإن كان ذلك بعد احللف واألميان املغلظة‪ ،‬وأنه حكيم‬
‫فيما يشرعه‪ ،‬ويأمر به‪ ،‬وينهى عنه‪ ،‬فإنه بالرغم من أن أحد الزوجني كاذب يف ميينه‪ ،‬يدرأ عنه‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫العقاب الدنيوي وهو احلد‪ ،‬ويستحق ما هو أشد منه وهو العقاب األخروي‪ .‬وعرب بقوله‪َ :‬حك ٌ‬
‫ال رحيم مع أن الرمحة تناسب التوبة ألن اهلل أراد السرت على عباده بتشريع اللعان بني الزوجني‪.‬‬

You might also like