You are on page 1of 105

‫وزارة التعلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم العالـ ـي والب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحث العلمـ ـ ـ ـ ـي‬

‫جامعـ ـ ـ ـ ـة قاص ـ ـ ـ ـ ـ ــدي مرب ـ ـ ـاح ورقل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬


‫كلي ــة العلــوم اإلنسانيـ ــة واالجتماعيــة‬
‫مي ـ ـ ـ ـدان علــوم إنسان ـ ـ ـ ــية واجتماعية‬

‫مطبـوعـــد ةروس فرم رماس فرنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني ر‬

‫نلتخصص‪:‬رنالتص لرنمجل هريير نلوس ئطرنجلديدة ر‬


‫نملس توى‪:‬رنلسنــد ةرنلث نيد ةرم سرت ر‬
‫ر‬
‫و‪.‬تومــيراضســـــــةل‬

‫نلس غد ةرنجل معيد ة‪ 2022-2021:‬ر‬


‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫‪1‬‬
‫وزارة التعلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم العالـ ـي والب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحث العلمـ ـ ـ ـ ـي‬
‫جامعـ ـ ـ ـ ـة قاص ـ ـ ـ ـ ـ ــدي مرب ـ ـ ـاح ورقل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫كلي ــة العلــوم اإلنسانيـ ــة واالجتماعيــة‬
‫مي ـ ـ ـ ـدان علــوم إنسان ـ ـ ـ ــية واجتماعية‬

‫مطبـــــوعــــد ةروس فرم رماس فرنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني ر‬

‫نلتخصص‪:‬رنالتص لرنمجل هريير نلوس ئطرنجلديدة ر‬


‫نملس توى‪:‬رنلسنــد ةرنلث نيد ةرم سرت ر‬
‫ر‬
‫و‪.‬تومــيراضســـــــةل‬

‫نلس غد ةرنجل معيد ة‪ 2022-2021:‬ر‬


‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫‪2‬‬
‫ر‬ ‫نلصفحد ة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫اهففرنحملتـويـــــــــــــــــ ت‬
‫‪3-1‬‬ ‫مادمد ة‪ :‬ر‬
‫‪52 -4‬‬ ‫نحملوسرن أل ل‪:‬ررمدخلرع مرلدلسنس ترالانرثبولوجسد ةر نالوغوافناسد ة ر‬
‫‪13 -11‬‬ ‫نحمل رضةرن أل ىل‪:‬ررالانرثبولوجس ‪ .‬ر‬
‫‪11-14‬‬ ‫نحمل رضةرنلث نيد ة‪:‬ررنالوغولوجس ‪.‬ر‬
‫‪53-11‬‬ ‫نحمل رضةرنلث لثد ة‪:‬ررنالوغوافناس ‪.‬ر ر‬
‫‪52-54‬‬ ‫نحمل رضةرنلفنبعد ة‪:‬رنالوغو‪-‬مستوو لوجسد ة‪.‬ر ر‬
‫‪41-51‬‬ ‫نحملوسرنلث ين‪:‬رنحملوسرنلث ين‪:‬رنلتوجهرنالوغوافنم رم رندلسنس ترنالعالمسد ة‪.‬‬
‫‪33-51‬‬ ‫نحمل رضةرنخل مسد ة‪:‬رنس تخدنمرنملهنجرنالوغوافنم ردلىرواسدرموسيل‪ .‬ر‬
‫‪31-34‬‬ ‫نحمل رضةرنلس وسد ة‪:‬رتطوسرنملارتبرنالوغوافنم رم روسنس ترنالتص ل‪ .‬ر‬
‫‪43-31‬‬ ‫نحمل رضةرنلس بعد ة‪:‬رنملارتبرنالوغوافنم ر مس تخديمرنلوس ئطرنجلديدة‪ .‬ر‬
‫‪41-44‬‬ ‫نحمل رضةرنلث مند ة‪:‬رمالمئد ةرندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫‪45-44‬‬ ‫نحملوسرنلث لث‪:‬رنحملوسرنلث لث‪:‬رطفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم ‪ .‬ر‬
‫‪25-44‬‬ ‫نحمل رضةرنلت سعد ة‪:‬رنملالحظد ةرابملش سكد ة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫نلطفياد ةرنملفاولوجسد ةر نلاكستوافناسد ة ر‬
‫‪21‬‬ ‫نلطفياد ةرنلتصويفيد ةرنلفتوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪21‬‬ ‫نلطفياد ةرنلفونوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪21‬‬ ‫نلطفياد ةرنلفسلولوجسد ة‪ .‬ر‬
‫‪21‬‬ ‫نلطفياد ةرنلسوس يولوجسد ة‪ .‬ر‬
‫‪53-21‬‬ ‫نلووياد ةرنالوغوافناسد ة‪،‬رنملا بةلرنالوغوافناسد ة‪،‬ركت بد ةرنلتافيفرنالوغوافنم ر‬
‫‪12-54‬‬ ‫نحمل رضةرنلع رشة‪:‬ررنوغوافناسد ةرمجهوسرنلتلفزيون‪ .‬ر‬

‫‪3‬‬
‫‪11-15‬‬ ‫نحمل رضةرنحل ويرعرش‪:‬ررنوتوافناسد ةرمجهوسرالانرتنت ر‬
‫‪45-15‬‬ ‫نحمل رضةرنلث نيد ةرعرش‪:‬رنوغوافناسد ةرمجهوسرنملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫‪45-43‬‬ ‫خ متد ة‪:‬ررخ متد ة‪:‬رز ناير سؤىرجديدةرم رنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫‪111-41‬‬ ‫رق مئد ةرنملفنجعر ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫‪4‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫تعىن هذه املطبوعة البيداغوجية بتقدمي دروس يف مقياس إثنوغرافيا اجلمهور واملستخدمني موجهة ملستو‬
‫السنة الثانية ماسرت ختصص االتصال اجلماهريي والوسائط اجلديدة‪ ،‬واليت هتدف إىل تعريف الطالب على كيفية‬
‫إجناز البحوث اإلثنوغرافية وتطبيق املقاربة اإلثنوغرافية لدراسات اجملتمعات يف البيئات الواقعية واالفرتاضية على‬
‫شبكة االنرتنت مبختلف منصاهتا الرقمية‪.‬‬
‫وكذا التعرف على العالقة اليت جتمع بني االنثربولوجيا واالثنولوجيا واالثنوغرافيا والتعرف على املنهجية االثنو‬
‫ميتودولوجية‪ ،‬وكذا اخلوض يف غمار تطور الدراسات اإلثنوغرافية وسريورهتا التارخيية من إثنوغرافيا مجهور التلفزيون‬
‫وسياق املشاهدة التلفزيونية والديناميكية العائلية إىل سياق التكنولوجيا املنزلية‪ ،‬والتعرف على أهم الباحثني‬
‫واملفكرين الذين طوروا املقرتب اإلثنوغرايف يف بيئة البحث العاملية بسياقاهتا املتعددة‪.‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬الولوج إىل أحباث إثنوغرافيا االنرتنت أو اإلثنوغرافيا الرقمية أو االفرتاضية وخمتلف‬
‫التحدايت النظرية واملنهجية اليت رافقت البحث يف اجملال االفرتاضي‪ ،‬وكذا التدريب على أهم تقنيات البحث‬
‫اإلثنوغرايف يف البيئتني احلقيقية واالفرتاضية بدءا ابملالحظة ابملشاركة واملقابالت وخمتلف طرائقها املتعددة‪ .‬وضرورة‬
‫اخلوض يف إثنوغرافيا مجهور املستخدمني والرهاانت والتحدايت اليت تواجهها وخمتلف املستجدات اليت طرأت‬
‫عليها‪.‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬نقرب الطالب من جمال تكوينه‪ ،‬عرب إثراءه ابملداخل النظرية للمقرتب اإلثنوغرايف‬
‫وتطبيقاته يف البيئة االتصالية الواقعية والرقمية‪ ،‬عرب قواعد وضوابط ومبادئ علمية حبتة‪ ،‬وابملوازاة لذلك نربطه‬
‫ابجلانب املمارسايت عرب متارين تطبيقية يف اجملال‪ ،‬حيث يتدرب املتعلم وميارس خمتلف تقنيات املالحظة واملقابلة يف‬
‫جمتمعات حبث مصغرة‪ .‬تكون كدليل تدرييب على البحث الذي يؤهلهم الجناز مذكرات التخرج يف طوري املاسرت‬
‫و الدكتوراه‪.‬‬
‫ومن هذه الزاوية‪ ،‬حيتاج كال من األستاذ والطالب لتحقيق أهداف هذا املقياس إىل ضرورة توفر بعض‬
‫املهارات واملتطلبات على غرار زرع الرغبة يف تطبيق املنهج اإلثنوغرايف لد الطلبة‪ ،‬وشغفهم املنتظر للنزول إىل‬
‫امليدان وتسجيل املالحظات والغوص يف الثقافات املختلفة والتعرف عليها بدافع حبثي وعلمي‪.‬‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫‪5‬‬
‫مادمد ة‪ :‬ر‬
‫ر‬
‫تنشأأر أأغلبر أأشاكلرنملعفاد ةرمنرخاللر أأافنورمعيغني‪،‬رمنر أأجلر أأافنضرمعيغد ة‪،‬ر مهريعكسونرمع مله ر مالحمه رمب راهي ر‬
‫م ريتكفسرعىلرحنورستيبرالريتغري‪،‬ر م ريتسمرمهن رابلتحزير نلتعصب‪،‬ر ذكلرم رارتةرزمنيد ةرمعيغد ةرمنرنلت سخي‪ ،‬ر ليستر‬
‫نالروغوافناس رمس تثن ةرمنرهذنرالاجت ه‪ .‬ر‬
‫نالروغوافناس رمهنجرحبثرهلراتسخيريفوقرم ئد ة رع مرمنرمعفرنلزمن‪،‬ر لادرنشأأترنالروغوافناس رم رنلع ملرنلغفيبركشلكر‬
‫منر أأشاكلرنملعفاد ةرحولروا ا ترخمتلفد ةر متب عدةر( يهرعىلرحنورمنوذيجرلثا ا ترليسترافبيد ة)رالريغفذرنلهي رنلتحليلر الر‬
‫سبسلرلفهمه رعربرنتص لروا م ررسيعر أأ رعربرحم واثترموجزة‪،‬ر سمغرنونايرنالوغوافناس رنحلس غد ةر(الكتس براهمر أأمعق)را هن رم ر‬
‫زنلترطفياد ةرنس تعامسيد ةرجيبرأأنريس تأأصلرالاس تعامسرمهن ‪،‬ر أأنمتر أأهي رنلطلبد ةرم رنجلزنئفر م رلكر أأحن ءرنلع ملرميكنمكر أأنر‬
‫تس مهونربادسركبرير ح مسر صوالرلهذهرنلغ يد ة‪ .‬ر‬
‫تكتسب رنالوغوافناس رس نج رمزتنيدن رم رنلوقت رنحل يل رم رن ألحب ث رالاجامتعيد ة ر نلتطبياسد ة‪ ،‬ر قد رتصبح رظ هفةر‬
‫جامعيد ةرعىلرنط قر نسعرم رنلس غونترنلا ومد ة‪.‬رمل ذن؟ر ألنغ رنعيشرنلآنرم ر"جممتعرنملالحظد ة"‪ .‬ر‬
‫ملريكنرمباد سر أأيرنس تفت ءرهمامرمتربشلكرجسدر أأنرجيمعرلكرنلتف صيل‪،‬رعال ةرعىلرذكل‪،‬را نرمعلرهذنرالاس تفت ءر‬
‫ليسرهورهدفرطفياد ةرنملسحرنذليرمترنخرتنعهر ألافنضر أأخفى‪.‬ر م رهذنرنلس ي ق‪،‬رحننرنس تخدمرحونس غ رنمخلسرملعفاد ةر‬
‫ن ألش ي ء‪:‬رنلغظف‪،‬رنلسمع‪،‬رنلشم‪،‬رنلتذ قر نللمسرلكنرهذهرنحلونفرالرتكتسبرنملعفاد ةربشلكرمنفصل‪،‬ر أأيرالرتكتس هب ر‬
‫أأيرح سد ةرمهن رملصلحهت رنخل صد ة‪.‬ر ن ألحفى‪،‬را نهر أأوغ ءرمعليد ةرمجعرنملعلوم تر نملع سفرا نرهذهرنحلونفرتتف علربعضه رمعر‬
‫نلبعضربشلكرمس متف‪،‬ر معرذكلرافيرهذنرنلتف علرقدرحيدثر أأنرتاومرح سد ةرمهن رمكحوسر أأ رمفتكز رللحونفرن ألخفى‪،‬ر‬
‫تافيب رمثلرص نعرن أللع برم رافيقركفةرنلسةل‪،‬رم رنحلاساد ة‪،‬رميكنغ ر أأن رنتخيل رنحلونفرنمخلسركخمسد ةر أأافنورمنرالعيبركفةر‬
‫نلسةلريتن بونرنللعبرم رو سرنحملوسر أأ رنملفتكزرنذليرحيت جرونمئ رلتع نرلكرنلالعبنيرنلآخفينرعغدم ريشغلونرهذنر‬
‫ندل س‪ .‬ر‬
‫منرهذنرنملغظوس‪،‬رتكونرم رمهنجيد ةرنالوغوافناس رنملالحظد ةريهرأأسلوبرنملعفاد ةر أأ رنالوسنكرنحملوسي‪،‬ر ابلطبعرا نهر‬
‫منرن ألموسرنجلوهفيد ةر أأيض رالاس امتعر نالنص ترحمل واثترنملمثلنيرعىلرخش بد ةرنملرسح‪،‬ر قفنءةرنلواثئقرنليترتصدسه رنلهيئد ةر‬
‫لكنرأكربرم رميزيرنالوغوافناس رعنرغريه رمنرمن جهرنلبحثر‬ ‫نليترجتفيروسنس هت ‪،‬ر طفحرأأس ئةلرعىلرنلغ فر م رنىلرذكل‪،‬ر أ‬
‫هورو سرنلف علرنلفئييس رنذليرياومرابملالحظد ة‪1،‬ركامرتتضمنرمهنجيد ةرنالوغوافناس رنسرتنتيجيتنيرحبثيتني‪:‬رنملالحظد ةرغرير‬
‫نملش سكد ةر نملالحظد ةرابملش سكد ة‪.‬رم رنملفحةلرن أل ىلريالحظرنلب حثرنملونضيعرعىلربعدرمس اد ةرمعيغد ةربد نر أأنريتف علرمعه ‪.‬ر‬
‫لرنلفمزي‪،‬ر يتأأكد نرمنر أأهنمرالر‬‫ننرهؤالءرنذلينريس تخدمونرهذهرنالسرتنتيجيد ةرالرهيمتونرابلبحثر نلتحفيرعنرنجمل ر‬

‫‪ 1‬جيامبييرتو وجوبو‪ ،‬إجراء البحث االثنوجرايف‪ ،‬ترمجة حممد رشدي‪ ،‬أمحد زايد‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪،4112 ،‬ص ص‪.42-44‬‬

‫‪6‬‬
‫يتدخلونرم رشؤ نر أأاع لر حفاكترنملونضيعرحىترالريؤثف نرم رجمفايهت ر ترصا هت ‪.‬رهغ كرعدةرمونقفر س يطد ةربنير‬
‫نحلدينرن ألقصنيرملالحظد ةرنملش سكنيرمالحظد ةرغريرنملش سكني‪ .‬ر‬
‫كامرس بقرنلاول‪،‬را نرمهنجيد ةرنالوغوافناس رتعطير أأ لويد ة رللمالحظد ةرمكصدسرسئييس رللمعلوم ت‪،‬ر تاومرخبدمد ةرهذنر‬
‫نلهدفر أأيض رمص وسرمعلوم تر أأخفى‪،‬ربطفياد ةراثنويد ةر نض اسد ةرمس عدةريس تخدهم رنملتخصصرم رنالوغوافناس ر هوريعملرم ر‬
‫نمليدنن‪:‬رحم واثترع ويد ةر ع مسد ة‪،‬ر ما بالترمعرن ألافنور نمجل ع ت‪،‬ر مونوركت بيد ةر اثئاسد ةر(وا تفرتد ينرنليومس ت‪،‬رسس ئل‪،‬ر‬
‫ما الترم رنلصفوفرندلسنس يد ة‪،‬ر اثئقرتغظمييد ة‪،‬رجفنئد‪،‬رصوسراوتوافناسد ةر س ئلرمس عدةرمسعيد ةر برصيد ة)‪.‬رعىلر أأيرح ل‪،‬ر‬
‫ا نرالاهامتمرنذليريطغىرعىلرغريهرمنرالاهامتم ترونمئ رهورمالحظد ةرن ألعاملر نلترصا تر يهرحتدثرم رمونقفر نقعيد ةر‬
‫حمدوة‪،‬ر ننطالق رمنر هجد ةرنلغظفرهذه‪،‬رالرينبغير أأنرنعتربر أأنروسنس ترنمجل ع تر أأ رنجل لي تروسنس ترنوغوافناسد ة‪،‬رحسثر‬
‫نن‪،‬ر معرنلب حثنيريكونونرقدر أأمضونرارتةرزمنيد ةرطويةلرنسبس رم رحميطرنمجل عد ةرنليترجتفيرندلسنسد ةرعلهيم‪،‬ر حتليلهمراكنر‬
‫أأس سهرنملا بالتر نلواثئقرنليترمجعوه رم رنملاكن نذليرجيف نرنلبحثراسه‪.‬ر كامريؤكد ‪ Hiritage‬ا نهرلوراكنرنملفءرهمامتر‬
‫ابلفعلرا نرم ريذكفهرنلف علونرالاجامتعيونر أأوغ ءرنملا بالترنليترتمترمعهمرالرميكنرمع ملتهرعىلر أأنهربديلرمالمئرملالحظد ةر‬
‫نلسلوكرنلفعيل‪.‬ر م رنحلاساد ة‪،‬رهغ كرجفوةر أأ روغفةركثرينرم رمترتووياه رالجت ه تر أأمن طرنلسلوكربنيرم رياوهلرنلغ فر بنيرم ر‬
‫يفعلونه‪1.‬رر ر‬
‫لرهورجديفرابذلكف‪،‬ر أأن نالوغوافناس مبختلف أأنونعه تعتربرمهنجروسنسد ة ن ألنظمد ةةرنلثا اسد ة‪ ،‬نليت تتكون من نلعغ رص‬
‫نلت ليد ة‪ :‬نملعتادنت‪ ،‬رنملع سف رنملكتس بد ة‪ ،‬رنملونقف‪ ،‬نلامي‪..‬نخل‪ ،‬من مجمل رنلسلوكي ت نلعالق ت الاجامتعيد ة نليت رينش هئ ر‬
‫ن ألافنور نمجل ع ت‪ ،‬نليت تتأأثف ابحدنوي ترنحلي ةرنليومسد ة‪ ،‬ا ملبحووون يعيشونرحس هتمرالاجامتعيد ةر اقرنملب وئرنجملمتعيد ةرنليتر‬
‫ينمتون رنلهي ‪ ،‬ر كذن ناليديولوجس ت رنليت رحيملوهن ر يتا مسوهن ‪ ،‬ركام رهتمت رنالوغوافناس ربدسنسد ة رجل رنلس ي ق ت الاجامتعيد ة‬
‫نلثا اسد ةر نملع ين رنملتودلة ونخل نلثا اد ة‪ ،‬رنليت متثله نلغظم رالاجامتعيد ة ر نلثا اسد ة للجامع ت‪،‬رحبيث تؤثف عىل سلوكري هتم‪،‬‬
‫يه أأيض معليد ة تكفنسيد ة من حلا ت نلتعمل نملتونصةلر نملس متفة‪،‬رر يهرمعليد ة م نفد ة للغ يد ة خالقد ة‪ ،‬رتفسرييد ة‪ ،‬رننعاكس يد ة‪،‬‬
‫بغ ءة‪،‬ركامرتتطلبرنلتسجيل نليويم نملس متفرللمالحظ ت من نحلاول نمليدننيد ة‪ 2.‬ر‬
‫م رس ي قرحبيثرمتصل‪،‬رظهفرم رنلس غونترنلاليةلرنمل ضيد ةرطفياد ةرمالحظد ةرجديدةرتسمىرنالوغوافناس رنلفمقيد ةر‬
‫الاارتنضيد ةر أأ رنلغتنوافناس ‪،‬ر تاومربدسنسد ةرجممتع ترنلبيئد ةرنلفمقيد ةرابختالفر أأشاكله رمثلراففرندلسوشد ة‪،‬رمونقعرنلتونصلر‬
‫الاجامتعي‪...‬نخل‪،‬ر ميكنرم رهذنرنلغوعرمنرندلسنس تر أأنرختتلفرن ألو نت ر نلطفنئقرنىل رحدرم ريتالءم ر خص ئصرنحلالر‬
‫نملدس ف‪،‬ر قدرنعرتضترهذهرنملهنجيد ةرعونسضرنظفيد ةر مهنجيد ةرسيمترنلتعففرعلهي رمنرخاللرحمتوىرنحمل رضنترالحا ‪ .‬ر‬
‫م رهذنرنلس ي ق‪،‬رتطفقن رمنرخاللرهذهرنملطبوعد ةرنىلروالود ة رحم س‪ :‬رنس هتليغ رنحملوس رنلأ ل رمبح رضةرناتت حسد ةر‬
‫موسومد ة رمبدخل رلدلسنس ت رالانرثبولوجسد ة رنالوغوافناسد ة‪ ،‬رمث رتطفقن رنىل رنملوضوع ت رنلت ليد ة رالانرثبولوجس ‪ ،‬رنالوغولوجس ‪،‬ر‬
‫نالروغوافناس ‪،‬ر عفجن رعىلرنلعالقد ةربنيرنملصطلح ترنلس لفد ةرنذلكف‪،‬رابالض اد ةرنىلرموضوعرنالروغو‪-‬مستوو لوجسد ة‪ .‬ر‬

‫‪1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.42-42‬‬


‫‪2‬‬‫‪Tony L. Whitehead, Basic Classical Ethnographic Research Methods Secondary Data Analysis, Fieldwork,‬‬
‫‪Observation/Participant Observation, and Informal and Semi structured Interviewing, CEHC, 2005, p16.‬‬

‫‪7‬‬
‫تطفقن رم رنحملوسرنلث ين رنىل رنلتوجهرنالوغوافنم رم رندلسنس ترنالعالمسد ة‪،‬ر كذنرنس تخدنمرنملهنج رنالوغوافنم ردلىر‬
‫واسد رموسيل‪ ،‬رمف سن ربتطوس رنملارتب رنالوغوافنم رم روسنس ت رنالتص ل‪ ،‬ر عفجن رعىل رنملارتب رنالوغوافنم ر مس تخديمر‬
‫نلوس ئطرنجلديدة‪،‬ر كذنرمالمئد ةرندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪.‬ر ر‬
‫مشلرنحملوسرنلث لث رطفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم رنملالحظد ةرابملش سكد ة‪،‬رنلطفياد ةرنملفاولوجسد ةر نلاكستوافناسد ة‪،‬ر‬
‫نلطفياد ة رنلتصويفيد ة رنلفتوافناسد ة‪ ،‬ر كذن رنلطفياد ة رنلفونوافناسد ة‪ ،‬ر نلطفياد ة رنلفسلولوجسد ة‪ ،‬ر نلطفياد ة رنلسوس يولوجسد ة‪ ،‬ر نلووياد ةر‬
‫نالوغوافناسد ة‪ ،‬ر تعفضغ ر أأيض رنىل رنوغوافناسد ة رمجهوس رنلتلفزيون‪ ،‬رنوغوافناسد ة رمجهوس رالانرتنت‪ ،‬ر كذن رنوغوافناسد ة رمجهوسر‬
‫نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫مشلترخ متد ةرنملطبوعد ةرز ناير سؤىرجديدةرم رنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني‪،‬ر منرمثرنملفنجعرنملس تخدمد ة‪ .‬ر‬

‫‪8‬‬
‫رأأهدنفرنلتعلمي‪ :‬ر‬
‫ر‬
‫هتدف رهذه رنمل وة رنىل رتوضيح رنلففق ربني رنملف همي رنملفتبطد ة رابالوغوافناس راكالنرثبولوجس ر نالوغولوجس ر‬
‫نالوغومستوو لوجسد ة‪ ،‬ر تبحث رعن رنلعالقد ة رنليت رتفبط رهذه رنملصطلح ت‪ ،‬ر تسعى رنىل ررشح رن ألسس رنملهنجيد ة ر نلغظفيد ةر‬
‫للتوجهرنالوغوافنم رم رندلسنس ترنالعالمسد ة‪،‬ر كذنرنس تافنءرنس تخدنمرنملهنجرنالوغوافنم ردلى ‪ David Morly‬كتوجهر‬
‫جديدرم روسنس ترنمجلهوس‪،‬رمف سنرابلتعففرعىلرتطوسرنملارتبرنالوغوافنم رم روسنس ترنالتص ل‪،‬ر صوالرنىلرنالوغوافناس ر‬
‫نلفمقيد ةر أأ رالاارتنضيد ةر تطبيا ترنملارتبرنالوغوافنم رم رنلبيئد ةرنلفمقيد ةر وسنسد ةرمس تخديمرنلوس ئطرنجلديدة‪،‬ر كذنرمالمئد ةر‬
‫ندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪.‬ر ر‬
‫كامرتصبونرهذهرنملطبوعد ةرنلبيدناوجسد ةرنىل رتلانير ركيفسد ةرتطبيقرطفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم راكملالحظد ةر‬
‫ابملش سكد ة‪ ،‬ر طفنئاه رنخملتلفد ة راكلطفياد ة رنملفاولوجسد ة ر نلاكستوافناسد ة‪ ،‬ر نلطفياد ة رنلتصويفيد ة رنلفتوافناسد ة‪ ،‬ر كذن رنلطفياد ةر‬
‫نلفونوافناسد ة‪،‬ر نلطفياد ةرنلفسلولوجسد ة‪،‬ر نلطفياد ةرنلسوس يولوجسد ة‪،‬ر نلووياد ةرنالوغوافناسد ة‪،‬ر تسعىرنىلرنلتطفقرنىلرنوغوافناسد ةر‬
‫مجهوسرنلتلفزيون‪،‬ر رنوغوافناسد ة رمجهوسرالانرتنت‪،‬ر كذنرنوغوافناسد ة رمجهوسرنملس تخدمني ر رشحرن ألسسررنملهنجيد ة رللبحثر‬
‫نالوغوافنم رم رنلبيئد ةرنلونقعيد ةر الاارتنضيد ة‪،‬ر هذنرلمتكنيرنلطلبد ةرمنروسنسد ةرجممتع هتمرنحملليد ةرم رنلونقعرنمل وير الاارتنيضر‬
‫بأأنفسرهم‪،‬رحبيثرتعتربرنالوغوافناس رمهنج رش مالردلسنسد ةرنجملمتع تر نلثا ا ت‪،‬رحسثرتسهمرنسه م ركبرينرم روسنسد ةربيئ تر‬
‫نالتص لرنلفمقيد ةرنحل ليد ةر نلثا اد ةرنلفمقيد ة‪،‬ر هغ كروسنس تر أأاكومييد ةرعديدةربشأأنرنلبحوثرنالوغوافناسد ةرنملوهجد ةردلسنسد ةرهذهر‬
‫نلثا ا ترنلفمقيد ةر نالتص لرم رنلبيئد ةرنلفمقيد ة‪،‬رنالوغوافناس رليسترطفياد ة‪،‬ر لكنرمهنج‪،‬ر مهن رميكن رللطلبد ةر أأن ريتعفاونرعىلر‬
‫تا ليدرنلبحوثرنالوغوافناسد ةرم رقبلرنلفمقيد ةر مب وهئ رن ألس س يد ةر طفنئاه ‪،‬رمثرنلتعففرعىلرنظريهت رم رنلبريئ ترنلفمقيد ةرنليترتعدر‬
‫ضئيةلرنسبس رم رختصصرعلومرنالعالمر نالتص لرخ صد ةرنجلزنئفرما نسد ةرابدلسنس ترنلمكيد ة‪ .‬ر‬
‫م رهذنرنلس ي ق‪،‬ريعىنرهذنرنملاس فربتعفيفرنلط لبرابملف هميرن ألس س يد ةرلالروغوافناس ر نلبحثرنالوغوافنم ر تاني تهر‬
‫جم الته‪،‬ر موضوع ته‪،‬ر س ي ق تهرنخملتلفد ة‪ ،‬ر تطبيقرنلبعضرمنرتاني تهرم رحصصرتدسيبسد ة رعىلر أأحب ثرتطبياسد ةر مسدننيد ة‪.‬ر‬
‫منهريس توجبرتوجسهرنهامتم ترنلط لبرنلبحثيد ةرم رختصصرنالعالمر نالتص لرم رنط سرنجن زرمذكفنترنلليس نسر نمل سرتر‬
‫نىلرهذنرنملس سرنذليرافضتهرنلتغرينترنحل صةلرم رجم لرنس تخدنم ترتكنولوجس رنالعالمر نالتص ل‪.‬ر ر‬
‫أأم رن ألهدنفرالابس متولوجسد ةراتمكنرم رتعفيفرنلط لبربكسفسد ةرتع مهلرمعرهذن رنملهنجرنذليرينمتيرنىلرندلسنس تر‬
‫نلكسفسد ة‪،‬ر نوسنكهر حتديدهرحتديدنروقسا ر علمي رلتحليلرنلظونهفرنالتص ليد ةر نالعالمسد ةر اقرنملا سبد ةرنالوغوافناسد ة‪/‬نلغتنوافناسد ةر‬
‫يتع ملرمعه ربتحليلرموضوعيروقسق‪،‬ر يتافىرتف صيله ر أأبع وه ‪ .‬ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬

‫‪9‬‬
‫حمتوىرنمل وة‪:‬ر ر‬
‫نحملوسرن أل ل‪:‬رمدخلرع مرلدلسنس ترالانرثبولوجسد ةر نالوغوافناسد ة ر‬
‫‪ .1‬الانرثبولوجس ‪ .‬ر‬
‫‪ .2‬نالوغولوجس ‪.‬ر ر‬
‫‪ .3‬نالوغوافناس ‪.‬ر ر‬
‫‪ .4‬نالوغو‪-‬مستوو لوجسد ة‪.‬ر ر‬
‫نحملوسرنلث ين‪:‬رنلتوجهرنالوغوافنم رم رندلسنس ترنالعالمسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ .5‬نس تخدنمرنملهنجرنالوغوافنم ردلىرواسدرموسيل‪.‬‬
‫‪ .6‬تطوسرنملارتبرنالوغوافنم رم روسنس ترنالتص ل‪.‬‬
‫‪ .7‬نملارتبرنالوغوافنم ر مس تخديمرنلوس ئطرنجلديدة‪.‬‬
‫‪ .8‬مالمئد ةرندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪.‬‬
‫نحملوسرنلث لث‪:‬رطفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم ‪ .‬ر‬
‫‪.9‬نملالحظد ةرابملش سكد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنملفاولوجسد ةر نلاكستوافناسد ة ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلتصويفيد ةرنلفتوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلفونوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلفسلولوجسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلسوس يولوجسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلووياد ةرنالوغوافناسد ة‪،‬رنملا بةلرنالوغوافناسد ة‪،‬ركت بد ةرنلتافيفرنالوغوافنم ‪ .‬ر‬
‫‪.10‬رنوغوافناسد ةرمجهوسرنلتلفزيون‪ .‬ر‬
‫‪.11‬نوغوافناسد ةرمجهوسرالانرتنت ر‬
‫‪.12‬نوغوافناسد ةرمجهوسرنملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫خ متد ة‪:‬رز ناير سؤىرجديدةرم رنروغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫‪10‬‬
‫نحملوسرن أل ل‪:‬رمدخلرع مرلدلسنس ترالانرثبولوجسد ةر رنالوغوافناسد ة ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫الانرثبولوجس ‪ .‬ر‬ ‫‪.1‬‬

‫نالوغولوجس ‪.‬ر ر‬ ‫‪.2‬‬

‫نالوغوافناس ‪.‬ر ر‬ ‫‪.3‬‬

‫نالوغو‪-‬مستوو لوجسد ة‪.‬ر ر‬ ‫‪.4‬‬

‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫ر‬

‫‪11‬‬
‫نحمل رضةرالااتت حسد ة ر‬
‫مدخلرع مرلدلسنس ترنالوغوافناسد ة‬
‫ر‬
‫متهيد‪:‬‬

‫كان ميدان البحث يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية كان مثقال وغارقا ابستخدام مناهج حبثية إمربيقية‪،‬‬
‫بل أصبح التنافس البحثي رهني مستوايت التعقيد يف استخدام املعاجلة اإلحصائية للبياانت الكمية امليدانية‪،1‬‬
‫فالدارس والباحث يف هذا اجملال يالحظ منذ عقود من الزمن سيطرة البحوث الكمية على موضوعات البحث‬
‫العلمي يف اجملال ‪ ،‬لكن ريثما القت نقدا أد إىل ظهور توجهات حبثية جديدة‪ ،‬فمع بداية الربع األخري من‬
‫‪2‬‬
‫القرن العشرين عرفت البحوث الكيفية أو النوعية رواجا حبثيا‪ ،‬وضمن هذه البدائل متوقع البحث اإلثنوغرايف‪.‬‬
‫وللخوض يف دراسته والتفصيل فيه وجب تناول مدخل مفاهيمي للدراسات االنثربولوجية واإلثنوغرافية‪.‬‬

‫على‬ ‫‪Ethnologie‬‬ ‫واالثنولوجيا‬ ‫‪Anthropologie‬‬ ‫ففي هذا السياق‪ ،‬تعتمد كل من األنرتوبولوجيا‬


‫التوثيقي واملخربي بشكل خاص‪ ،‬على أساس أن هذا البحث العلمي‬ ‫‪Ethnographique‬‬ ‫البحث اإلثنوغرايف‬
‫مبادة إثنوغرافية دمسة‬ ‫‪Ethnologue‬‬ ‫عملية تطبيقية ابمتياز‪ ،‬متد اإلثنولوجي‬ ‫‪Fieldwork‬‬ ‫هو دراسة حقلية‬
‫وعميقة وجادة لبناء نظرايته العلمية‪ ،‬وطرح فروضه وإشكاالته املختلفة واملتنوعة يف دراسة الشعوب القدمية من‬
‫جهة‪ ،‬أو البحث يف العادات واألعراف الغريبة جلماعة معينة وحمددة‪ ،‬يف زمان ومكان معينني وحمددين‪.‬‬

‫ومنه‪ ،‬كان لزاما على الباحثني يف اجملال العلمي‪ ،‬عدم القبول ابألحباث النظرية املكتبية اإلنشائية والذاتية‬
‫املرتبطة بنقل الرواايت املأثورة عن الرحالة‪ ،‬واملبشرين‪ ،‬واإلداريني‪ ،‬واجلغرافيني‪ ،‬والعسكريني‪ ،‬واملستشرقني‪،‬‬
‫واإلخباريني‪ ،‬دون النزول إىل امليدان املخربي الواقعي‪ ،‬أو االحتكاك ابحلقل التجرييب ملعاينة الظواهر اإلثنولوجية‬
‫ومراقبتها وتسجيلها وتدوينها وتوصيفها‪ .‬ومن مث‪ ،‬يصعب احلديث عن اإلثنولوجيا واألنرتوبولوجيا بشكل علمي‬

‫‪ 1‬حممود حسن‪ ،‬املنهج االثنوغرايف أولوية مقرتحة يف تشخيص املشهد الرتبوي وتطويره‪ ،‬املؤمتر العلمي الثاين أولوايت البحث العلمي يف فلسطني حنو‬
‫دليل وطين للبحث العلمي‪ ،‬ص‪ ،21‬على الرابط التايل‪https://iugspace.iugaza.edu.ps :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Michael Angrosino, Doing Ethnographic and Observational Research, SAGE Publications Ltd, London EC1Y‬‬
‫‪1SP, 2007, p 3, available at https://methods.sagepub.com, accessed 10 june 2021.‬‬

‫‪12‬‬
‫دقيق ومركز‪ ،‬دون استحضار اإلثنوغرافيا ابعتبارها علما ختصصيا يستند إىل األحباث املونوغرافية الوصفية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واحلفرية‪ ،‬واالستكشافية‪ ،‬والتنقيبية‪ ،‬واالستقصائية‪ ،‬والتجميعية‪.‬‬

‫‪.1‬اإلثنوغرافيا منهج حبث له اتريخ يفوق مائة عام من عمر الزمن‪:2‬‬

‫اإلثنوغرافيا ‪ L’ethnographie‬هي دراسة وصفية ألنشطة مجاعة إنسانية معينة‪ ،‬سواء أكانت مجاعة‬
‫بدائية تقليدية أم مجاعة معاصرة ومتمدنة‪ ،‬ابلرتكيز على بنيات القرابة‪ ،‬والتقنيات املادية‪ ،‬و املعتقدات الدينية‪،‬‬
‫والتنظيم اجملتمعي‪ ،‬وتعد أيضا منهجية استكشافية تطبيقية يف البحث العلمي يف جمايل اإلثنولوجيا واألنثروبولوجيا‬
‫االجتماعية والثقافية‪ ،‬وتوظف كذلك يف علم االجتماع على غرار أحباث مدرسة شيكاغو‪.‬‬

‫ومن هذا املنظور‪ ،‬فاإلثنوغرافيا هي دراسة ميدانية وحتليلية للعادات والقيم والتقاليد واألعراف جلماعات‬
‫سكانية حمددة‪ ،‬وقد ارتبطت هذه املنهجية‪ ،‬قدميا‪ ،‬بدراسة الشعوب البدائية‪ ،‬وهي حسب حسني فهيم‬
‫الدراسة الوصفية ألسلوب احلياة وجمموعة التقاليد‪ ،‬والعادات والقيم‪ ،‬واألدوات والفنون‪ ،‬واملأثورات الشعبية لد‬
‫مجاعة معينة‪ ،‬أو جمتمع معني‪ ،‬خالل فرتة زمنية حمددة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬اهتمت اإلثنوغرافيا بوصف الشعوب القدمية واحلديثة واملعاصرة‪ ،‬سواء أكانت بدائية متخلفة أم‬
‫متحضرة متمدنة‪.‬‬

‫‪.2‬االثنوغرافيا واالنثربولوجيا واالثنولوجيا أي عالقة وأي رابط منهجي؟‬

‫ومن وجهة نظر أخر ‪ ،‬فاإلثنوغرافيا هي اجلانب الوصفي التطبيقي من علم اإلثنولوجيا اليت تتخذ بعدا‬
‫نظراي‪ .‬ويتخذ هذا اجلانب‪ ،‬يف كثري من األحيان‪ ،‬طابعا دراسيا مونوغرافيا يعىن بدراسة مجاعة جمتمعية معينة‪ ،‬أو‬
‫مؤسسة تضم مجاعات عدة (تقنيات‪ ،‬وزواج‪ ،‬وعبادة دينية‪.)...‬‬

‫وتعد اإلثنوغرافيا‪ ،‬حسب ‪ ،Claude -Levi Strauss‬املرحلة األوىل من عمل اإلثنولوجي‪ ،‬واليت تتمثل يف‬
‫مجع البياانت واملعطيات واملعلومات حول الظاهرة اإلثنولوجية‪ .‬ويعين هذا القيام عادة بتحقيق ميداين قوامه‬
‫املعاينة املباشرة يف حقل العمل امليداين ‪ ،Fieldwork‬أما األنثروبولوجي اإلجنليزي راد كليف براون‪ ،‬فيعرف‬
‫اإلثنوغرافيا أبهنا مبثابة معاينة الظواهر الثقافية ووصفها‪ ،‬خاصة عند الشعوب املتخلفة‪.‬‬

‫‪1‬مجيل محداوي‪ ،‬مقومات البحث االثنوغرايف‪ ،‬على الرابط ‪.https://www.aranthropos.com‬‬


‫‪2‬جيامبيرتو وجوبو‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪13‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلثنوغرافيا هي وصف الظواهر اإلثنولوجية‪ ،‬من عادات‪ ،‬وأعراف‪ ،‬وتقاليد‪ ،‬ومراسيم‪ ،‬وطقوس‬
‫ومعتقدات‪..‬اخل‪ ،‬وإخضاعها للمعاينة‪ ،‬والتدوين‪ ،‬واحلفر احلقلي امليداين‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتفسري‪.‬‬

‫‪.3‬أهداف البحث اإلثنوغرايف‪:‬‬

‫تتمثل أهداف اإلثنوغرافيا يف ربط ما هو نظري مبا هو تطبيقي أي‪ :‬ربط النظرايت اإلثنولوجية‬
‫ابلتطبيقات العملية اليت تقوم هبا اإلثنوغرافيا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬هتدف األحباث اإلثنوغرافية إىل مجع املعلومات والبياانت‬
‫واملعطيات حول جمموعة من الظواهر اإلثنولوجية املختلفة لد مجاعة حمددة‪ .‬مث‪ ،‬السعي اجلاد إىل توصيفها يف‬
‫ضوء املناهج العلمية الكمية أو الكيفية املتاحة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬كتابة التقرير العلمي حول خمتلف املراحل‬
‫‪1‬‬
‫والعمليات اليت أجنزها اإلثنوغرايف يف حقله امليداين‪.‬‬

‫التأويل‪.‬‬ ‫التحليل‬ ‫التفسري‬ ‫مهمة الباحث اإلثنوغرايف ‪ Ethnographe‬الفهم‬

‫ويف هذا السياق‪ ،‬وجب التعرف على األهداف والغاايت اليت يصبوا إىل حتقيقها املقرتب االثنوغرايف واليت‬
‫حصرها مجيل محداوي فيما يلي‪:‬‬

‫ربط التصورات والفروض اإلثنولوجية النظرية مبا هو عملي وتطبيقي وجترييب واقعي وفق نظرة موضوعية‪.‬‬

‫النزول إىل احلقل امليداين ملالحظة الظواهر اإلثنولوجية ومعاينتها وفق مقاربة علمية موضوعية دقيقة‪.‬‬

‫مجع املعطيات والبياانت واملعلومات بدقة حول الظاهرة اإلثنولوجية املدروسة‪.‬‬

‫‪-‬تدوين املعلومات وتسجيلها بشكل علمي دقيق‪.‬‬

‫‪-‬تنظيم تلك البياانت واملعلومات بشكل منهجي مركز ومنظم‪.‬‬

‫‪-‬توصيف البياانت واملعطيات املرتبطة جبماعة بشرية معينة يف زمن ومكان حمددين‪.‬‬

‫‪1‬مجيل محداوي مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-‬حتليل املعلومات احلقلية وتفسريها وفق مقاربة سانكرونية قائمة على مبدأ احملايثة البنيوية من جهة‪،‬‬
‫واملقاربة الدايكرونية القائمة على التاريخ والتطور من جهة أخر ‪.‬‬

‫املقارنة بني اجملتمعات اإلثنولوجية وفق بناها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وتطورها‪.‬‬

‫رصد طبيعة اجلماعة واجملتمع وفق رؤية عملية حقلية تطبيقية وميدانية‪.‬‬

‫‪-‬تطوير الدراسات األنرتوبولوجية واإلثنولوجية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫نحمل ضــفةرن أل ىل ر‬
‫ن ألن ررثبــ رولوجســــــ ر‬
‫متهيد‪:‬‬
‫‪Rad cliffe-‬‬ ‫" يقال عن االنثربولوجيا أهنا الدراسة اليت تعرفنا بكل ما ميكن معرفته عن االنسان"‪ ،‬ويورد‬
‫‪ Brown‬أن جمال دراسة االنثربولوجيا ميكن أن يكون أي مكان مالئم حبجم مناسب ندرس بناؤه‪.1‬‬
‫جيمع الباحثون يف علم " األنثروبولوجيا " على أنّه علم حديث العهد‪ ،‬إذا ما قيس ببعض العلوم األخر‬
‫كالفلسفة والطب والفلك وغريه‪ ،‬فالبحث يف شؤون اإلنسان واجملتمعات اإلنسانية قدمي قدم اإلنسان‪ ،‬مذ وعى‬
‫ذاته وبدأ يسعى للتفاعل اإلجيايب مع بيئته الطبيعية واالجتماعية‪.‬‬
‫لقد درج العلماء والفالسفة يف كل مكان وزمان عرب التاريخ اإلنساين‪ ،‬على وضع نظرايت عن طبيعة‬
‫كل جمتمع إىل طبقات‬
‫اجملتمعات البشرية‪ ،‬وما يدخل يف نسيجها وأبنيتها من دين أو ساللة‪ ،‬ومن مث تقسيم ّ‬
‫حبسب عاداهتا ومشاعرها ومصاحلها‪ ،‬وقد أسهمت الرحالت التجارية واالكتشافية‪ ،‬واحلروب‪ ،‬بدور هام يف‬
‫كل منها‬
‫حدوث االتصاالت املختلفة بني الشعوب واجملتمعات البشرية‪ ،‬حيث قربت فيما بينها وأاتحت معرفة ّ‬
‫يتعلق ابللغة والتقاليد والقيم ولذلك‪ ،‬فمن الصعوبة مبكان‪ ،‬حتديد اتريخ معني لبداية‬
‫ابآلخر‪ ،‬وسيما ما ّ‬
‫األنثروبولوجيا‪.‬‬
‫‪.1‬ماذا تعين االنثروبولوجيا‪:‬‬
‫هي كلمة إجنليزية مشتّقة من ‪ ،‬األصل اليوانين املكون من‬ ‫‪Anthropology‬‬ ‫إن لفظة أنثروبولوجيا‬
‫ومعناه " علم ‪ ".‬وبذلك يصبح معىن‬ ‫‪Locos‬‬ ‫ومعناه " اإلنسان ‪ ،‬و "‬ ‫‪Anthropos‬‬ ‫مقطعني ‪ :‬أنثروبوس‬
‫األنثروبولوجيا من حيث اللفظ " علم اإلنسان " أي العلم الذي يدرس اإلنسان‪.‬‬
‫األنثروبولوجيا أيضاً‪ ،‬أب ّهنا علم األانسة أي العلم الذي يدرس اإلنسان كمخلوق‪ ،‬ينتمي إىل العامل احليواين‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخر أّنه الوحيد من األنواع احليوانية ّكلها‪ ،‬الذي يصنع الثقافة ويبدعها‪ ،‬واملخلوق الذي‬
‫يتميز عنها مجيعاً‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬تعرف األنثروبولوجيا‪ ،‬أب ّهنا العلم الذي يدرس اإلنسان من حيث هو كائن عضوي حي‪ ،‬يعيش يف‬
‫ظل ثقافة معينة ويقوم أبعمال متعددة‪ ،‬ويسلك سلوكاً حمدداً؛ وهو أيضاً‬
‫جمتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية يف ّ‬

‫‪1‬حممود اجلوهري‪ ،‬علياء شكري‪ ،‬مقدمة يف دراسة االنثربولوجيا‪ ،‬القاهرة‪ ،4112 ،‬ص ص‪.24-22‬‬

‫‪16‬‬
‫العلم الذي يدرس احلياة البدائية واحلياة احلديثة املعاصرة‪ ،‬وحياول التنبؤ مبستقبل حياة اإلنسان معتمدا على تطويره‬
‫‪1‬‬
‫عرب التاريخ اإلنساين‪ ،‬ولذا يعترب علم دراسة اإلنسان االنثربولوجيا علما متطورا يدرس اإلنسان وسلوكه وأعماله‪.‬‬
‫كما تعرف األنثروبولوجيا بصورة خمتصرة وشاملة أب ّهنا علم دراسة اإلنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارايً أي‬
‫أن األنثروبولوجيا ال تدرس اإلنسان ككائن وحيد بذاته‪ ،‬أو منعزل عن أبناء جنسه‪ ،‬إّّنا تدرسه بوصفه كائناً‬
‫اجتماعياً بطبعه‪ ،‬حييا يف جمتمع معني له ميزاته اخلاصة يف مكان وزمان معينني‪.‬‬
‫فاألنثروبولوجيا بوصفها دراسة لإلنسان يف أبعاده املختلفة‪ ،‬البيوفيزايئية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬فهي علم‬
‫شامل جيمع بني ميادين وجماالت متباينة وخمتلفة بعضها عن بعض‪ ،‬اختالف علم التشريح عن اتريخ تطور اجلنس‬
‫البشري واجلماعات العرقية‪ ،‬وعن دراسة النظم االجتماعية من سياسية واقتصادية وقرابية ودينية وقانونية‪ ،‬وما إليها‬
‫وكذلك عن اإلبداع اإلنساين يف جماالت الثقافة املتنّوعة اليت تشمل الرتاث الفكري وأّناط القيم وأنساق الفكر‬
‫واإلبداع األديب والفين‪ ،‬بل والعادات والتقاليد ومظاهر السلوك يف اجملتمعات اإلنسانية املختلفة‪ ،‬وإن كانت ال‬
‫تزال تعطي عناية خاصة للمجتمعات التقليدية‪.‬‬
‫وهذا يتوافق مع تعريف اتيلور الذي ير أن األنثروبولوجيا هي الدراسة البيوثقافية املقارنة لإلنسان إذ‬
‫حتاول الكشف عن العالقة بني املظاهر البيولوجية املوروثة لإلنسان‪ ،‬وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية‪ ،‬وهبذا‬
‫‪2‬‬
‫املعىن‪ ،‬تتناول األنثروبولوجيا موضوعات خمتلفة من العلوم والتخصصات اليت تتعلق ابإلنسان‪.‬‬
‫‪.2‬اهتمامات االنثروبولوجيا‪:‬‬
‫فعلم األنثروبولوجيا يرّكز اهتمامه على كائن واحد‪ ،‬هو اإلنسان‪ ،‬وحياول فهم أنواع الظواهر املختلفة اليت‬
‫تؤثّر فيه‪ ،‬يف حني ترّكز العلوم األخر اهتمامها على أنواع حمددة من الظواهر‪.‬و كان علم األنثروبولوجيا وما زال‪،‬‬
‫كل ما ميكن فهمه أو معرفته عن طبيعة هذا املخلوق الغريب الذي يسري على قدمني‪ ،‬وكذلك فهم‬
‫حياول فهم ّ‬
‫سلوكه الذي يفوق طبيعته اجلسمية غرابة‪.‬‬
‫واستناداً إىل هذه املنطلقات‪ ،‬فقد حددت الباحثة األمريكية مارغريت ميد طبيعة علم االنثربولوجيا وأبعاده‬
‫بقوهلا‪ :‬أننا نصنف اخلصائص اإلنسانية للجنس البشري(البيولوجية الثقافية) كأنساق مرتابطة ومتغرية‪ .‬وذلك عن‬
‫طريق ّناذج ومقاييس ومناهج متطورة‪ ،‬كما هنتم أيضا بوصف النظم االجتماعية والتكنولوجية وحتليلها‪ ،‬إضافة إىل‬
‫البحث يف اإلدراك العقلي لإلنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصاالته وبصفة عامة‪ -‬حنن االنثربولوجيني‪-‬‬

‫‪ 1‬عيسى الشماس‪ ،‬مدخل إىل علم اإلنسان االنثربولوجيا دراسة‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،4111،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪17‬‬
‫لتفسري نتائج دراستنا والربط فيما بينها يف إطار نظرايت التطور أو ضمن مفهوم الوحدة النفسية املشرتكة بني‬
‫البشر‪.‬‬
‫ومنه فإن االنثربولوجيا هي العلم الذي يدرس اإلنسان ويدرس أوجه الشبه واالختالف بينه وبني الكائنات‬
‫احلية األخر من جهة وأوجه الشبه واالختالف بني اإلنسان وأخيه اإلنسان من جهة أخر ‪.‬‬
‫ويف الوقت ذاته يدرس السلوك اإلنساين ضمن اإلطار الثقايف واالجتماعي بوجه عام‪ ،‬فال هتتم االنثربولوجيا‬
‫ابإلنسان الفرد كما تفعل الفيزيولوجيا أو علم النفس‪ ،‬وإّنا هتتم ابإلنسان الذي يعيش يف مجاعات وأجناس‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وتدرس الناس يف أحداثهم وأفعاهلم احلياتية‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪18‬‬
‫نحمل ضــفةرنلرث نســـد ة ر‬
‫نالونـــولوجســـــــــــ ر‬

‫‪.1‬ماذا تعين االثنولوجيا ؟‬


‫مبعىن دراسة الشعوب ولذلك فهي تدرس خصائص‬ ‫‪Ethnos‬‬ ‫إن كلمة االثنولوجيا ذات أصل يوانين‬
‫الشعوب اللغوية والثقافية والساللية أي دراسة الصفات واخلصائص املميزة ألجناس اإلنسان من حيث املالمح‬
‫الفيزيقية واخللقية السائدة بني البشر وكذلك العالقات القائمة اليت تربط بني األجناس‪.‬‬
‫وهي العلم الذي يدرس األعراف والسالالت البشرية وهي اليت تقصد اإلثنيات االجتماعية وهي مجعيات‬
‫اجتماعية تشرتك يف أّناط ثقافية وسلوكية مما يدفع األفراد إىل احرتامها وممارستها‪ ،‬أو علم الثقافات املقارن‬
‫فموضوعها األساسي هو الثقافة‪ ،‬أي أن االثنولوجيا تركز على سلوك اإلنسان أينما وجد‪ .‬وهي هتدف إىل تسجيل‬
‫األشكال واألّناط السلوكية يف أي مكان‪.‬‬
‫بينما عرف رادكليف براون االثنولوجيا أبهنا الدراسة التارخيية واجلغرافية للشعوب وميز بينها وبني‬
‫‪1‬‬
‫االنثربولوجيا االجتماعية اليت تعين الدراسة الوظيفية لألنساق االجتماعية‪.‬‬
‫كما تعد األثنولوجيا من أقرب العلوم إىل طبيعة األنثروبولوجيا‪ ،‬ابلنظر إىل التداخل الكبري فيما بينهما من‬
‫حيث دراسة الشعوب وتصنيفها على أساس خصائصها‪ ،‬وميزاهتا الساللية والثقافية واالقتصادية‪ ،‬مبا يف ذلك من‬
‫عادات ومعتقدات‪ ،‬وأنواع املساكن واملالبس‪ ،‬واملثل السائدة لد هذه الشعوب‪.‬‬
‫خيتص ابلبحث والدراسة عن نشأة السالالت البشرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولذلك‪ ،‬تع ّد األثنولوجيا فرعاً من األنثروبولوجيا‪،‬‬
‫واألصول األوىل لإلنسان‪ .‬ولذلك تدرس األثنولوجيا‪ ،‬خصائص الشعوب اللغوية و الثقافية والساللية‪.‬‬
‫‪.2‬جماالت االثنولوجيا‪:‬‬
‫لتحرك هذه الشعوب‬
‫وتعتمد األثنولوجيا يف تفسري توزيع الشعوب – يف املاضي واحلاضر – على أنّه نتيجة ّ‬
‫واختالطها‪ ،‬وانتشار الثقافات اليت ترجع إىل كثرة احلوادث املع ّقدة‪ ،‬اليت بدأت مع ظهور اإلنسان منذ ماليني من‬
‫السنني‪ .‬فهي تبحث‪ ،‬مسألة املصادر التارخيية للشعوب‪ ،‬من أين أتت قبائل اهلنود احلمر؟ مثالً‪ ،‬وأي طريق‬
‫سلكت؟ ومىت احتلّت هذه الشعوب املناطق املوجودة فيها اآلن‪ ،‬وكيف؟ ومن أية جهة تسلّلت إىل أمريكا؟ وكيف‬
‫انتشرت فيها؟ ومىت ظهرت أجناس اهلنود احلمر؟ وما هي امليزات اللغوية واملالمح الثقافية اليت نشرهتا ثقافة اهلنود‬

‫‪ 1‬ليندة عبد الالوي‪ ،‬حماضرات مقياس ميادين االنثربولوجيا‪ ،‬للسنة الثانية انثربولوجيا‪ ،‬شعبة االنثربولوجيا‪ ،‬جامعة ابو بكر بلقايد تلمسان‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫احلمر‪ ،‬قبل احتكاكها ابلثقافة األوروبية؟ وغري ذلك ممّا يفيد يف الدراسات الوصفيّة املقارنة للمجتمعات اإلنسانية‬
‫وثقافاهتا‪.‬‬
‫وتدخل يف ذلك دراسة أصول الثقافات واملناطق الثقافية‪ ،‬وهجرة الثقافات وانتشارها واخلصائص النوعية‬
‫لكل منها‪ ،‬دراسة حياة اجملتمعات يف صورها املختلفة‪ .‬أي أنّه العلم الذي يبحث يف السالالت القدمية وأصوهلا‬ ‫ّ‬
‫وأّناط حياهتا‪ ،‬كما يبحث يف احلياة احلديثة يف اجملتمعات احلاضرة‪ ،‬وأتثّرها بتلك األصول القدمية‪.‬‬
‫تعرف األثنولوجيا أب ّهنا ‪ :‬دراسة الثقافة على أسس مقارنة ويف ضوء نظرايت وقواعد اثبتة‪ ،‬بقصد‬
‫ولذلك‪ّ ،‬‬
‫وتطورها‪ ،‬وأوجه االختالف فيما بينها‪ ،‬وحتليل انتشارها حتليالً اترخيياً ‪،‬‬
‫استنباط تعميمات عن أصول الثقافات ّ‬
‫وهتتم النظرية األثنولوجية بدراسة الثقافة‪ ،‬عن طريق القوانني املقارنة‪ ،‬وال سيّما مقارنة قوانني الشعوب البدائية‪،‬‬
‫ّ‬
‫يهتم علماء القانون املقارن بدراسة بعض العادات والنظم والقيم والتقاليد‪ ،‬مثل ‪ :‬النسب األبوي أو‬ ‫حيث ّ‬
‫األمومي‪ ،‬سلطة األب‪ ،‬احلياة اإلابحية‪ ،‬االختالط اجلنسي‪ ،‬وطرائق الزواج املختلفة ‪.‬‬
‫‪.3‬إهتمامات االثنولوجيا‪:‬‬
‫ويبحث علم اإلثنولوجيا يف طرائق حياة اجملتمعات اليت ال تزال موجودة يف عصران احلاضر‪ ،‬أو اجملتمعات‬
‫فلكل جمتمع طريقته‬
‫اليت يعود اتريخ انقراضها إىل عهد قريب‪ ،‬وتتوافر لدينا عنه سجالّت تكاد تكون كاملة‪ّ .‬‬
‫اخلاصة يف احلياة‪ ،‬وهي اليت يطلق عليها العلماء األنثروبولوجيون مصطلح ” الثقافة “‪ .‬ويع ّد مفهوم الثقافة من‬
‫أهم األدوات اليت يتعامل معها الباحث األثنولوجي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪.4‬ميزات االثنولوجيا‪:‬‬
‫إن من ميزات األثنولوجيا‪ّ ،‬أهنا تعتمد عملييت التحليل واملقارنة ‪ ،‬فتكون عملية التحليل يف دراسة ثقافة‬
‫واحدة‪ ،‬بينما تكون عملية املقارنة يف دراسة ثقافتني أو أكثر‪ .‬وتدرس األثنولوجيا الثقافات احليّة (املعاصرة) واليت‬
‫التعرف إليها ابلعيش بني أهلها‪ ،‬كما تدرس الثقافات املنقرضة (البائدة) بواسطة خملّفاهتا األثرية املكتوبة‬
‫ميكن ّ‬
‫وهتتم إىل جانب ذلك‪ ،‬بدراسة ظاهرة التغيري الثقايف من خالل البحث يف اتريخ الثقافات‬ ‫املدونة‪ّ .‬‬‫والواثئق ّ‬
‫تطورها‪.‬‬
‫و ّ‬
‫وقد كان هذا الفرع من األنثروبولوجيا الثقافية‪ ،‬يلقى اهتماما قليالً قياساً للفروع األنثروبولوجية األخر ‪،‬‬
‫حيث قام بعض علماء األنثروبولوجيا يف القرن العشرين‪ ،‬بدراسة الطرائق اليت تؤثّر من خالهلا املفاهيم االجتماعية‬
‫احملدودة يف سلوك األشخاص وأمزجتهم‪ ،‬ومعرفة احلياة اإلنسانية للشعوب اليت ما زالت تعيش حياة بسيطة‪ ،‬وال‬
‫سيّما تلك الشعوب اليت تعيش يف ‪ :‬أسرتاليا وأمريكا اجلنوبية وأفريقيا‪ ،‬ويف بعض املناطق يف آسيا ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وكان علماء األثنولوجيا‪ ،‬وإىل عهد قريب ج ّداً‪ ،‬يقصرون أحباثهم يف الظواهر االجتماعية واإلنسانية‬
‫جمرد انقل للثقافة‪ ،‬أو حلقة من سلسلة من الوحدات املتماثلة‬
‫للمجتمعات الثقافية‪ .‬وكانوا يعتربون الفرد كما لو أنّه ّ‬
‫تبني هلؤالء العلماء أن املعايري‬
‫اليت ميكن أن تستبدل الواحدة منها أبخر ‪ .‬ولكن‪ ،‬وبعد دراسات عديدة‪ّ ،‬‬
‫الشخصيّة‪ ،‬ختتلف ابختالف األفراد واجملتمعات والثقافات‬
‫لتطور األحباث األثنولوجية‪ ،‬والعلماء حياولون اكتشاف األسباب اليت جتعل جمتمعات‬
‫فمنذ البداايت األوىل ّ‬
‫تطور حماور اهتمام خاصة هبا‪ ،‬وتتقبّل أو تنبذ جتديدات خمتلفة من النوع الذي يبدو أنّه ال ينطوي على أيّة‬
‫معيّنة‪ّ ،‬‬
‫املتنوعة تعكس – بصورة منتظمة – ّاجتاهات خمتلفة يف‬ ‫عوامل نفعية‪ ،‬وكذلك األسباب اليت جتعل الثقافات ّ‬
‫تطورها‪ .‬وساد االعتقاد حيناً من الزمن أ ّن هذه الظاهرات ميكن عزوها إىل وقائع اترخييّة عارضة‪ ،‬غري أ ّن هذه‬
‫ّ‬
‫النظرية هي ضرب من االفرتاض اجلديل الذي ال يستند إىل أي برهان أو دليل‪.‬‬
‫ويتّفق معظم العلماء على أ ّن مصطلح إثنوغرافيا يطلق على الدراسة اليت تعمد إىل وصف ثقافة ما يف‬
‫معني‪ ،‬بينما يطلق مصطلح أثنولوجيا على الدراسات اليت جتمع بني الوصف واملقارنة‪ .‬فاألثنولوجي يهدف‬
‫جمتمع ّ‬
‫من تلك املقارانت الوصول إىل قوانني عامة للعادات اإلنسانية‪ ،‬ولظاهرة التغيري الثقايف وآاثر االتصال بني الثقافات‬
‫املختلفة‪ ،‬كما يهدف اإلثنولوجي أيضاً إىل تصنيف الثقافات ضمن جمموعات أو أشكال‪ ،‬على أساس مقاييس‬
‫(معايري) معيّنة‪.‬‬
‫للعامل األثنولوجي‪ ،‬هي يف األساس‪ ،‬مماثلة ألهداف ع مامل االجتماع م‬
‫وعامل‬ ‫وهذا يعين أ ّن األهداف النهائية م‬

‫تتغري الثقافات؟‬
‫فكل عامل من هؤالء‪ ،‬حياول أن يفهم كيف تعمل اجملتمعات والثقافات؟ وكيف وملاذا ّ‬
‫االقتصاد ‪ّ .‬‬
‫ابجتاه سري األحداث‪ ،‬بقصد التح ّكم به‬
‫يتوصل إىل تعميمات معيّنة‪ ،‬أو قوانني ‪ ،‬لتساعده يف التنبّؤ ّ‬
‫كما حياول أن ّ‬
‫يف النهاية‪.1‬‬
‫‪.5‬عالقة االثنولوجيا ابالثنوغرافيا‪:‬‬
‫إن مصطلح االثنولوجيا يعين ذلك العلم الذي يُعىن بتجميع املادة اإلثنوغرافية بصورهتا املقارنة وقد جيمع‬
‫العديد من الباحثني –نظراي‪ -‬على هذا التعريف‪ ،‬بينما ير آخرون أن دائرة اهتمام االثنولوجيا متسعة جدا‬
‫فيصفوهنا أبهنا تتضمن عملية التحليل للمادة اإلثنوغرافية‪ ،‬اليت تشكل بدورها قاعدة أساسية لعمل الباحث‬
‫االنثروبولوجي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪https://www.b-sociology.com/2020/04/blog-post_52.html, consultéle 03/04/2021 à13.20.‬‬

‫‪21‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬تعترب االثنوغرافيا مقدمة للعمل االثنولوجي‪ ،‬وهي بذلك متثل جانباً من الدراسة‬
‫االثنولوجية وليس علماً مستقالً بذاته‪ ،‬وهي تعمل على تسجيل املادة الثقافية من امليدان عن طريق املالحظة‬
‫ابملشاركة‪ ،‬أي تقوم بوصف أوجه النشاط الثقايف البشري وصفا دقيقا‪ ،‬كما تسعى اإلثنوغرافيا إىل تقدمي صورة‬
‫واقعية وتقريرية لألمور احلياتية لفئة بشرية ما أو جمتمع ما طيلة فرتة زمنية معينة وحمددة‪.‬‬
‫كما أ ن اإلثنولوجيا هي مبثابة دراسة عامة وشاملة للشعوب‪ ،‬ويعين هذا أن اإلثنوغرافيا ليست جزءا أو‬
‫مبحثا من اإلثنولوجيا كما هو سائد‪ ،‬بل هي علم مستقل بنفسه‪ ،‬ولكن هو املصدر امليداين املعتمد يف الدراسات‬
‫اإلثنولوجية‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬فاإلثنوغرافيا هي الدراسة الوصفية للشعوب واجلماعات اإلنسانية‪ ،‬وفق رؤية عرقية من‬
‫جهة‪ ،‬أو وفق رؤية هوايتية وطنية من جهة أخر ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬اإلثنوغرافيا هي دراسة خاصة للشعوب‪ ،‬وهي فرع‬
‫من فروع علم االجتماع كاألنرتوبولوجيا واإلثنولوجيا‪ .‬وتدرس ما تدرسه اإلثنولوجيا من مواضيع خمتلفة‪ ،‬حيث‬
‫تنكب اإلثنوغرافيا على دراسة العادات واألعراف والتقاليد والطقوس واملعتقدات الدينية جلماعة حمددة‪ ،‬يف زمن‬
‫ومكان معينني‪ ،‬ابلتنقيب واالستكشاف ومعاينة الظواهر اإلثنولوجية‪ ،‬وتوصيفها بشكل كلي مونوغرايف أو‬
‫استقصائي شامل‪.‬‬
‫وهتتم املقاربة اإلثنوغرافية أيضا بدراسة طبيعة الشعوب القدمية وثقافاهتا‪ ،‬وتعىن أبساليب عيشها‪ ،‬وتنكب‬
‫على أّناط حياهتا يف ضوء أعمال حقلية ميدانية خمربية‪ .‬عالوة على دراسة اجلماعات احمللية والبدوية والقروية‪،‬‬
‫واالهتمام ابجلماعات املنعزلة الغريبة عن اجملتمعات احلاضرة‪ ،‬ودراسة القبائل والعشائر املختلفة عن الشعوب‬
‫املتمدنة واملتحضرة‪ .‬فضال عن العناية مبشاكل اجلماعات واجملموعات اليت يعرفها عاملنا املعاصر‪.‬‬
‫ويعين هذا أن علماء األنرتوبولوجيا والباحثني احلقليني اإلثنوغرافيني" جيدون يف الوقت احلاضر أسبااب كثرية‬
‫لتطوير طرق البحث اليت يعتمدون عليها يف مجع مادهتم العلمية‪ ،‬حيث يتجهون إىل دراسة مشكالت جديدة يف‬
‫أّناط جمتمعية غري منعزلة تتمتع بشيء من التغاير الدميغرايف‪ ،‬وتقع داخل دول حديثة‪ ،‬كما يسعون إىل حتقيق‬
‫القضااي الكيفية اليت انتهت إليها حبوثهم اليت اعتمدت على املالحظة ابملشاركة والرجوع إىل اإلخباريني‪ ،‬مما ميهد‬
‫لالجتاه إىل التزام ما نطلق عليه املدخل السوسيو‪-‬أنرتوبولوجي يف دراسة اجملتمع‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫نحمل ضـــفةرنلث لثــــد ة ر‬
‫نالونــــوافناســـــــ ر‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ظهرت كلمة اثنوغرافيا ألول مرة سنة ‪ 1224‬لد املؤرخ االملاين ‪ ،Schlazer‬وتعدمن أقدم فروع املعرفة يف‬
‫علم االنثربولوجيا عندما قام األروبيون بوصف القبائل والشعوب احمللية يف أمريكا وإفريقيا وأسيا وأسرتاليا ووصفوا‬
‫‪1‬‬
‫أدواهتم وتقاليدهم‪.‬‬
‫و كان اهلدف الرئيس للبحوث اإلثنوغرافية هي دراسة اجملتمعات البدائية‪ ،‬على حنو دراسات مالينوفسكي‬
‫عن جمتمع األرغنوس‪ ،‬ودراسة راد كليف براون عـن جمتمـع االندمان‪ ،‬ودراسات مارغريت ميد عن شعوب أمريكا‬
‫اجلنوبية‪ ،‬ومع تطور اإلثنوغرافيا يف العقود األخرية من القرن العـشرين‪ ،‬إال أهنا اختذت مسارات علمية متعددة‪،‬‬
‫واستخدمت يف كثري من فروع العلـم أبسـاليب حبثية متنوعة‪ .‬فلم تعد تقتصر على دراسة الثقافة البدائية‪ ،‬ولكن‬
‫ختطـت ذلـك إىل دراسة الثقافات يف اجملتمعات احلديثة والصناعية واملتطورة‪ ،‬وير ‪ Patton‬أن البحث اإلثنوغرايف‬
‫يعىن ابلثقافة بـشكل خـاص‪.‬‬
‫فسؤاله الدائم هو‪ :‬ما ثقافة هؤالء الناس؟ وهل يفرتض أن أي جمموعة من النـاس تعيش مع بعضها لفرتة زمنية‬
‫معينة ستكون ثقافة معينة خاصة هبا؟ وما انعكاسـات هذه الثقافة على تشكيل سلوكهم‪ ،‬وممارساهتم احلياتيـة‪،‬‬
‫أن البحث اإلثنوغرايف هو طريقة وأداة‬ ‫‪Ogbu‬‬ ‫ونظـرمت إىل الواقـع االجتماعي والثقايف الذي يعيشون فيه؟ وير‬
‫لفهم أساليب جمتمع‪ /‬مجاعة وطرائق عيشه يف احلياة اليومية‪ ،‬من خالل التعرف عن أفكار أعضائه ومعتقداهتم‬
‫وقيمهم وسلوكياهتم‪ ،‬وتعاملهم فيما بينهم‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق املالحظة ابملشاركة يف الوضع العادي لطبيعة‬
‫‪2‬‬
‫حياهتم من جانب الباحث‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف اإلثنوغرافيا ‪:‬‬
‫‪Graphy‬‬ ‫مبعين جـنس أو شـعب‪ ،‬واآلخر‬ ‫‪Ethno‬‬ ‫إىل مقطعني‪ :‬األول‬ ‫‪Ethnography‬‬ ‫ينقسم مـصطلح‬
‫‪3‬‬
‫وتعين وصف‪ ،‬وبذلك تعرف االثنوغرافيا أبهنا "وصف لثقافات وحياة الشعوب‪.‬‬

‫‪ 1‬ليندة عبد الالوي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Ogbu J, Educational anthropology in encyclopedia of cultural anthropology, Henry Holt and company,vol 2,‬‬
‫‪p371.‬‬
‫‪ 3‬فهد بن سلطان السلطان‪ ،‬املنهج اإلثنوغرايف رؤية حبثية جتديدية لتطوير واقع العمل الرتبوي‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪23‬‬
‫االثنوغرافيا تعين الدراسة الوصفية لطريقة وأسلوب احلياة لشعب من الشعوب أو جمتمع من اجملتمعات أو‬
‫جمموعة التقاليد‪ ،‬والعادات والقيم واألدوات والفنون‪ ،‬واملأثورات الشعبية لد مجاعة أو جمتمع معني‪ ،‬خالل فرتة‬
‫زمنية حمددة‪ ،‬ويشري علي قسايسية إىل أن االثنوغرافيا هي مقرتب يركز على فهم السلوك يف سياق اجتماعي عرب‬
‫مشاركة الباحث يف اجملال املدروس مشاركة فاعلة ضمن الفريق موضوع الدراسة ‪ ،‬كما يوفر تقريرا وصفيا معتمدا‬
‫‪1‬‬
‫على أدوات حبثية مميزة من مقابالت ودية غري رمسية اىل املالحظة ابملتشاركة‪.‬‬
‫إذن يشار إىل مفهوم اإلثنوغرافيا أبنه‪ :‬الوصف الدقيق واملرتابط لثقافات اجلماعات اإلنسانية يف فرتة معينة‪.‬‬
‫يف بريطانيا يعين البحوث الوصفية والتحليلية اليت قام هبا علماء‬ ‫‪Ethnography‬‬ ‫واصطالح االثنوغرافيا‬
‫االنثروبولوجيا الربيطانيون حول الشعوب واألقوام واجملتمعات البدائية اليت درسوها دراسة ميدانية؛ وابلرغم من أن‬
‫اإلثنوغرايف يهتم ابلدراسة الوصفية للمجتمعات البدائية واملتحضرة‪ ،‬واالنثربولوجي االجتماعي يهتم ابلتحليل البنائي‬
‫أو الرتكييب للمجتمعات البدائية فان هناك ارتباط وتداخالً وثيقاً بني هذين العلمني خبصوص الدراسات العلمية‬
‫اليت يقومان هبا‪.‬‬
‫وتعرف أيضا‪ ،‬أهنا العلم الذي يهدف إىل الدراسة الوصفية والتحليلية يف امليدان لعادات وأعراف شعوب‬
‫حمددة تبحث يف طبائعهم ودورات حياهتم‪.‬‬
‫غري أنة يف الوالايت املتحدة األمريكية ال توجد هناك عالقة وثيقة بني علم االثنوغرافيا وعلم االنثروبولوجيا‬
‫االجتماعي بل توجد عالقة مرتبطة بني (االثنوغرافيا واالثنولوجيا) فاملفكر هريزكوفنرت ير يف كتابة(اإلنسان‬
‫وأعماله) ابن االثنوغرافيا هي وصف للحضارات وحبث مشاكل النظرية املتعلقة بتحليل العادات البشرية‬
‫للمجتمعات اإلنسانية املتباينة‪.‬‬
‫واإل ثنوغرافيا من أقدم فروع املعرفة يف علم األنثربولوجيا عندما قام األوربيون بوصف القبائل والشعوب احمللية‬
‫يف أمريكا وإفريقيا واسرتاليا وآسيا‪ ،‬حيث وصفوا أدواهتم وعاداهتم وتقاليدهم وكل ما يتصل بثقافاهتم املادية املختلفة‬
‫وسرعان ما تبىن االنثروبولوجيون هذه املعلومات واستخدموها يف دراساهتم لتطوير اجملتمع البشري ‪ ،‬إما يف علم‬
‫اآلاثر فقد استخدمت هذه املعلومات من اجملتمعات البدائية والبسيطة والتقليدية لنماذج جملتمعات ما قبل التاريخ‬
‫والتاريخ القدمي وذلك عن طريق عقد املقارانت البسيطة وحىت أمسا ء ووظائف األدوات اليت توجد يف املواقع األثرية‬

‫‪ 1‬علي قسايسية‪ ،‬مجهور وسائط االتصال ومستخدموها من املتفرجني إىل املبحرين االفرتاضيني‪ ،‬دار الورسم‪ ،4111 ،‬ص‪.412‬‬

‫‪24‬‬
‫أخذت من ما هو معروف لد الشعوب البسيطة اليت درسها ووصفها اإلثنوغرافيون وهكذا فإن استخدام‬
‫االثنوغرافيا يف اآلاثر قدمي قدم العلم نفسه ‪.1‬‬
‫‪.2‬االنثربولوجيا‪ ،‬االثنولوجيا‪ ،‬اإلثنوغرافيا‪ :‬احلقل املتكامل‬
‫‪Claud Levis Stross‬‬ ‫تشري الدراسات إىل أن هناك التباس كبري بني املصطلحات السابقة الذكر إال أن‬
‫مييز بني هذه املفاهيم إبشارته أبهنا حقل متكامل ومستوايت ثالثة للبحث فهي ال تعترب مستقلة بذاهتا وإّنا هي‬
‫مستوايت حبث متكاملة لثالث مراحل مستقلة‪ ،‬فتدل اإلثنوغرافيا على مرحلة مجع املعلومات اليت يتغذ منها‬
‫مشروع الدراسة األحادية‪ ،‬وتبدأ مع االثنولوجيا اخلطوات األوىل حنو اخلالصة اليت ميكن توسيعها يف اجتاهات‬
‫متعددة(جغرافية‪ ،‬اترخيية‪ ،‬منظوماتية)‪ ،‬أما االنثربولوجيا فهي تقوم عرب املقارنة والتعميم واالنتقال إىل ميدان النظرية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫بوضع نتائج البحث االثنولوجي يف خدمة معرفة عامة ابإلنسان‪.‬‬
‫‪.3‬األنثروبولوجيا واالثنولوجيا واالثنوغرافيا‪:‬‬
‫يكتسب اإلنسان قدراته عن طريق التعلم والتدريب‪ ،‬وما خيتزنه من تراث ينتقل عرب األجيال‪ ،‬فتولد معارف‬
‫عامة يستخدمها يف عالقاته مع حميطه العام‪ ،‬واحلضارة اإلنسانية تتمايز من جمتمع إىل آخر كما أهنا تتجدد بتجدد‬
‫العالقات االجتماعية وتبدل الظروف االقتصادية واالجتماعية‪ .‬وقد أعطى هذا التنوع مادة لعلماء األنثروبولوجيا‬
‫احلضارية واالثنولوجيا ليبحثوا يف أسس تكوين احلضارات وأّناط توزعها‪ ،‬وأسلوب انتشارها‪ ،‬والعوامل اليت تؤدي‬
‫إىل انتقاهلا من جيل إىل آخر‪ ،‬والعناصر العامة اليت تشكل مضموهنا والرموز اليت يستخدمها االنسان يف التعبري‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪.4‬االثنولوجيا‪:‬‬
‫يقتصر هذا العلم على دراسة الشعوب والثقافات‪،‬واتريخ حياة اجلماعات دون النظر إىل مد تطورها‬
‫وتقدمها‪ .‬فقد عرفها بريتشارد أبهنا علم تصنيف الشعوب على أساس خصائصها ومميزاهتا الساللية والثقافية‪،‬‬
‫وتفسري توزعها يف املاضي واحلاضر نتيجة لتحركها واختالطها وانتشار الثقافات ‪.‬‬
‫تستفيد االثنولوجيا عملياً من البياانت اليت تزودها هبا االثنوغرافيا‪ ،‬ليقوم الباحث االثنولوجي بعد ذلك‬
‫بت صنيف احلضارات يف جمموعات أو أشكال على أساس مقاييس معينة‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬واستخالص املبادئ منها‪.‬‬
‫وعلى هذا فاالثنولوجيا هتتم بتحليل معطيات اجملتمع احمللي يف ضوء النظرايت املختلفة‪ ،‬وإبقامة مقارانت بني‬

‫‪ 1‬ليندة عبد الالوي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬


‫‪ 2‬كنزة حاج حا مدري‪ ،‬دور التلفزيون يف تشكيل بعض القيم لد املرأة الريفية اجلزائرية‪ ،‬دراسة اثنوغرافية على عينة من الريفيات اجلزائرايت‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬فسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،4111-4111 ،2‬ص ص‪.22-24‬‬

‫‪25‬‬
‫اجملتمعات واألّناط احلضارية‪ ،‬حيث يهدف االثنولوجي إىل الوصول إىل قوانني عامة للعادات اإلنسانية ولظاهرة‬
‫التغري احلضاري‪ ،‬وآاثر االتصال بني احلضارات املختلفة‪.‬‬
‫تقوم اإلثنولوجيا بدراسة كل حضارة ميتاز هبا جمتمع عن غريه‪ ،‬فتبحث يف النظم السياسية واالقتصادية‬
‫والدين والفنون الشعبية وفروع املعرفة والفنون الصناعية والفلسفات اخل‪ ،‬أي كل ما يتعلق مبجتمع الدراسة من‬
‫مسائل حضارية‪.‬‬
‫‪.5‬االثنولوجيا واالثنوغرافيا‪:‬‬
‫لغواي اثنو تعين جنس‪/‬شعب وغرافيا تعين كتابة أي الكتابة عن األجناس‪ ،‬وتقتصر االثنوغرافيا يف دراساهتا‬
‫على الناحية الوصفية للحضارات دون تقدمي تفسري أو حتليل هلا أي دون التعليق عليها‪ .‬تقوم االثنوغرافيا بوصف‬
‫أو بعرض شامل جملتمع الدراسة وتقرير الوقائع كما هي وتتميز بفردية البحث حيث ال يتم البحث اإلثنوغرايف إال‬
‫على اجملتمعات احمللية صغرية احلجم غالباً‪.1‬‬
‫‪.6‬االثنوغرافيا واالثنولوجيا واألنثروبولوجيا‪ :‬عالقة تكامل أو تنافر‬
‫إذا كانت االنثروبولوجيا" تتيح لنا من انحية أن نر اجلنس البشري ككل‪ ،‬وتساعدان على الوصول إىل‬
‫كل زمان ‪..‬وجتعلنا نعتاد على الطّريقة اليت ننظر هبا إىل‬
‫كل مكان ويف ّ‬
‫فهم أعمق هلذا الكائن العجيب يف ّ‬
‫الثّقافات واجملتمعات اإلنسانية وننتقل بسهولة من اجلزئي إىل العام والعكس صحيح "‪ ،‬فإ ّن االثنوغرافيا" وصف‬
‫لكل ما نراه أو نسمعه أصغر ظاهرة‪ ،‬أصغر سلوك من احلياة اليومية يظهر لنا ابلكامل"‬
‫دقيق ّ‬
‫ويف الوقت الذي يعين" اصطالح االثنوغرافيا ‪ Ethnography‬يف بريطانيا البحوث الوصفيّة والتّحليلية اليت‬
‫الشعوب واألقوام البدائية اليت درسوها دراسة ميدانية "‪ ،‬فإ ّن‬
‫قام هبا علماء األنثروبولوجيا الربيطانيون حول ّ‬
‫السوفييت على وجه التحديد) روسيا حاليا(‪ ،‬ومن‬
‫مصطلح االثنوغرافيا "استخدم كثريا يف بالد شرق أورواب واالحتاد ّ‬
‫املتحضرة‪ ،‬وما تعلّق‬
‫أهم جماالت االثنوغرافيا هبذه املنطقة‪ ،‬دراسة التّنظيمات االجتماعية واجملتمعات البدائية و ّ‬
‫ّ‬
‫الروس أيضا بدراسة املشاكل املتعلّقة‬
‫اهتم اإلثنوغرافيون ّ‬
‫ابلتّحوالت يف هذه اجملتمعات وانتقاهلا إىل دول جديدة‪ ،‬و ّ‬
‫وبتطور اجملتمعات اإلنسانية يف إطار النّظرية املاركسية‪ .‬ونشأت‬
‫ابجلماعات العرقية‪ ،‬املشاعر القومية لألقلّيات‪ّ ،‬‬
‫سخرت الدولة‬
‫االثنوغرافيا يف روسيا عام ‪ ،1885‬وعرفت االثنوغرافيا ازدهارا كبريا بعد سنة ‪ 1917‬خاصة عندما ّ‬
‫االشرتاكية إمكانيات إجراء هذا النوع من ال ّدراسات واليت ختدم مصاحلها وتوجهاهتا‪ ،‬ومت إنشاء معهد لإلثنوغرافيا‬

‫‪1‬‬
‫‪https://www.b-sociology.com/2020/04/blog-post_52.html, consultéle 30/03/2021 à14.50.‬‬

‫‪26‬‬
‫تصوره‬
‫شهدت إدخال فكرة االثنية للداللة على ما ّ‬ ‫‪1923‬‬ ‫‪ ،‬وأتسست جملة املوسومة بـ ـ ـ اإلثنوغرافيا ويف سنة‬
‫الثقافة من جهة والشأن االثين من جهة أخر والذي حصر يف االثنية اليهودية‪.‬‬
‫ابملقابل ال جند يف الوالايت املتّحدة األمريكية أيّة عالقة وثيقة بني اإلثنوغرافيا واألنثروبولوجيا‪ ،‬بل هناك‬
‫الصدد ير الباحث ‪ Jean Copans‬أن األثنولوجيا تستخدم‬ ‫عالقة تشاهبية بني االثنوغرافيا واالثنولوجيا ويف هذا ّ‬
‫نفس أدوات اإلثنوغرافيا ولكنّها حتتفظ ببعد غالباً ما يكون اعتداليا ووصفيا‪ ،‬كما ميكن هلا أيضا أن تتحكم‬
‫كل جمتمع أو ثقافة‪ ،‬وهي صور فوتوغرافية وأشرطة مسعية وبصرية ألن الصورة تعرب أكثر‬
‫بدينامكية مؤقتة تشمل ّ‬
‫يعرفها كروبر" أ ّهنا علم الشعوب وثقافاهتم‪ ،‬واتريخ حياهتم كجماعات‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫على الواقع ‪.‬من جهته ّ‬
‫درجة تق ّدمها‪".‬‬
‫وأما يف فرنسا فكانت البحوث تستخدم بال متييز عباريت إثنوغرافيا أو اثنولوجيا إىل غاية احلرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬لإلشارة إىل علم واحد يدرس اجملتمعات البدائية‪ ،‬وعندما كان يتم التّمييز بينهما‪ ،‬كان من املتفق عليه‬
‫اعتبار مهمة اإلثنوغرافيا مجع املواد اليت حتللها واالثنولوجيا متّ نشر كتابني بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬أحدمها‬
‫للمفكر‪ Marcel Mauss‬املوسوم ب ـكتيب اإلثنوغرافيا ‪ 1987‬والثاين للباحث غرويل بعنوان املنهج اإلثنوغرايف‬
‫الشامل‬
‫تصوره ّ‬
‫السوسيولوجي الفرنسي ‪ Marcel Mauss‬يف موجزه عن االثنوغرافيا‪ّ ،‬‬
‫‪ ،1957‬وقد وضع الباحث ّ‬
‫دعمه مبحاور كرب وخطوط فرعية تفصيلية‪.‬‬
‫للعمل اإلثنوغرايف‪ ،‬حيث ق ّدم هيكال دقيقا ّ‬
‫عبارة" انثروبولوجيا "من الو‪.‬م‪.‬أ إىل فرنسا‪ ،‬فرض على االثنوغرافيا مهمة‬ ‫سرتوس‪1958‬‬ ‫وملا نقل الباحث" ليفي‬
‫مجع املعطيات‪ ،‬وعلى االثنولوجيا مهمة حتضري مادهتا على صعيد اجملتمعات اخلاصة‪ ،‬ولالنثروبولوجيا مهمة إجراء‬
‫التحليل املقارن للمجتمعات والثقافات وتغذية التأمل النّظري‬
‫والشكل املوايل خيتزل هذه املهام املوكلة للتّخصصات الثالثة ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪1‬‬
‫يبني مهام االثنوغرافيا واالثنولوجيا واالنثروبولوجيا من منظور ليفي سرتوس"‬
‫الشكل رقم ‪ّ 1‬‬

‫الانرثبولوجس‬ ‫نالوغولوجس‬ ‫نالونـــوافناس‬

‫نس تنب ط ر‬ ‫نلتحليل ر‬ ‫نلفصد‪،‬نلوصف ر‬


‫نلاونننيرنلاونعد ر‬ ‫نملا نسد ةر‬ ‫نلرشح‪،‬نلتفسري ر‬
‫ن ألنس ق‬ ‫نلتصغيف‬

‫‪1‬حيزير رزيقة‪ ،‬املنهج االثنوغرايف واستخداماته يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جملة العلوم القانونية واالجتماعية‪ ،‬جامعة زاين عاشور اجللفة‪ ،‬العدد‪،14‬‬
‫ديسمرب‪ ،4112‬ص ص‪.422-424‬‬

‫‪28‬‬
‫نحمل رضةرنلفنبعد ة ر‬
‫نالوغومسثوو لوجسد ة ‪Ethnomethodology‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أو ما يطلق عليها ابملنهجية الشعبوية أو منهج‬ ‫‪Ethnomethodology‬‬ ‫نشأت نظرية االثنوميتودولوجية‬
‫اجلماعة‪ ،‬نتيجة تطور دراسات النظرية الظاهراتية اليت دعت إىل توظيف املناهج االستنباطية والتأملية يف دراسة‬
‫الظاهرة االجتماعية‪ ،‬وتعد االثنوميتودولوجية النظرية الرائدة يف جمال دراسات احلياة اليومية العادية‪ ،‬كما إرتبط‬
‫ظهور هذا املدخل ابلدراسات الظاهراتية (الفينومولوجية) وأيضا املداخل السلوكية (التفاعلية الرمزية) اليت أثرت كل‬
‫منها يف مناهج البحث والدراسة يف العلوم االجتماعية‪ ،‬وان كان املدخل االثنوميثودولوجي قد تطور منذ أواخر‬
‫فنكل‪.H.GARFINKEL‬‬ ‫الستينات يف القرن املاضي على يد هارولد جار‬
‫‪.1‬موضوع نظرية االثنوميتودولوجية‪:‬‬
‫يف سنة ‪ 7691‬كتابه بعنوان‪":‬دراسات يف االثنوميتودولوجيا" وظف فيه‬ ‫‪H.GARFINKEL‬‬ ‫أصدر‬
‫فينومينولوجية شوتز وخاصة ما تعلق منها ابحلياة اليومية أو العامل العادي‪ ،‬كما يتجلى من خالل تصورات‬
‫األعضاء واجتاهاهتم الطبيعية‪ ،‬لذا فـ ـ"شوتز" هو من عبد الطريق إلرساء مبادئ علم اجتماع يهتم ابحلياة اليومية‪،‬‬
‫فقد اتبع جارفينكل شوتز يف اعتقاده أن ال وجود لنظام اجتماعي حقيقي‪ ،‬كما تعتقد االجتاهات السوسيولوجية‬
‫األخر ‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬اهتم هذا االجتاه بدراسة املناهج املستعملة من قبل الناس وكما يهتم أساسا بكيفية تنظيم‬
‫الفرد حلياته اليومية يف اجملتمع وكيفية جعل هذه األنشطة ذات معىن للفرد ولآلخرين‪ ،‬وعليه فهو يسخر هذه‬
‫الطرق واألساليب املستخدمة من طرف أعضاء اجلماعة من أجل فهم التفاعل االجتماعي مثل اختاذ القرارات‬
‫‪1‬‬
‫وتفسري التصرفات العقالنية وفهم معاين الفعل‪.‬‬
‫ويشري مصطلح ‪ Ethnométhodologie‬إىل طريقة أو منهج دراسة الناس‪ ،‬وقد عرفها جارفنكل على أهنا‬
‫استقصاء اخلصائص العقلية جملموعة التعبريات واألفعال العلمية اليت تتم أثناء احلياة اليومية وبتعبري آخر يشري هذا‬
‫املصطلح إىل دراسة املعاين اليت يعطيها الناس‪.‬‬

‫‪ 1‬خمنفر حفيظة‪ ،‬خطاب احلياة اليومية لد الطالب اجلامعي بني اخلطاب الرتبوي واجملتمعي دراسة ميدانية‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬قسم علم االجتماع ‪ ،‬كلية‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ملني دابغني سطيف‪ ،4112-4112 ،‬ص‪.24‬‬

‫‪29‬‬
‫إن االجتاه االثنوميثودولوجي يدعو إىل الدراسة الوصفية البحتة لوقائع الفكر واملعرفة على حنو ما حنياها ويف‬
‫صميم وعينا دون األخذ أبية نظرية أو أفكار مسبقة ويعترب الواقع اليومي أو حلياة اليومية هو األساس الذي جيب‬
‫أن ترتكز عليه أحباثنا ودراساتنا‪ ,‬وبذالك فهو اجتاه معاكسا للوظيفية اليت افرتضت (التجانس‪ ,‬والتوازن‪ ,‬والتكامل‪,‬‬
‫والنسق‪ ,‬والبناء) وسعي علم االجتماع حنو افرتاضاهتا‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يسعى هذا االجتاه إىل فهم األفراد من الداخل يف ضوء تصوراهتم العقالنية اليت يكونوهنا من‬
‫خالل التفاعل مع اآلخرين وكذلك من خالل املعاين الذاتية اليت يضفيها هؤالء األفراد على أفعاهلم‪ 1،‬كما تعود‬
‫أهم القضااي األساسية اليت يهتم هبا هذا االجتاه فيمايلي‪:‬‬
‫‪ ‬دراسة الواقع الروتيين اليومي‪.‬‬
‫‪ ‬استقراء ودراسة احلياة اليومية‪.‬‬
‫‪ ‬تفكيك الواقع الديناميكي لألبنية واألنظمة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬معرفة دور اللغة يف التنظيم االجتماعي للمجتمع‪.‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬هناك من الباحثني يف اجملال من يلح على أن مهمة عامل االثنوميتودولوجية هي تشخيص‬
‫العمليات اليت من خالهلا يدرك الناس من هم؟ فيقدمون تقريرا عن ذواهتم‪ ،‬أو يبينون من هم؟ ويكشفون عما‬
‫‪2‬‬
‫يقومون به من نشاطات يومية يف سياقات التفاعالت املتنوعة‪.‬‬
‫لقد جاءت معظم إسهامات االثنوميتودولوجية كنظرية سوسيولوجية لتشري لعدد من اإلجراءات واألساليب البحثية‬
‫اليت عن طريقها ميكن حتديث وسائل مجع البياانت وحتليلها وخاصة االعتماد على األساليب الكيفية واستبعاد‬
‫تلك الكمية على غرا أسلوب حتليل احملاداثت والوصف الدقيق للظواهر واألحداث‪ .‬كما أهنا ال ختتلف كثريا عن‬
‫االنثربولوجيا الثقافية الوصفية واليت تعىن مبالحظة وتفسري احلياة االجتماعية يف مجاعة ثقافية معينة‪ ،‬غري أن هذه‬
‫‪3‬‬
‫النظرية االجتماعية مل تسلم من االنتقادات اليت وجهت إليها‪.‬‬

‫‪1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫‪2‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬ترمجة نصر الدين العياضي‪ ،‬الصادق رابح‪ ،‬اتريخ نظرايت االتصال‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬لبنان‪ ،2005،‬ص‪.122‬‬
‫‪ 3‬خمنفر حفيظة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪30‬‬
‫نحملوسرنلث ين‪:‬رنلتوجهرنالوغوافنم رم رندلسنس ترنالعالمسد ة‪ .‬ر‬
‫ر‬
‫‪.5‬نس تخدنمرنملهنجرنالوغوافنم ردلىرواسدرموسيل‪.‬‬
‫‪.6‬تطوسرنملارتبرنالوغوافنم رم روسنس ترنالتص ل‪.‬‬
‫‪.7‬نملارتبرنالوغوافنم ر مس تخديمرنلوس ئطرنجلديدة‪.‬‬
‫‪.8‬مالمئد ةرندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪.‬‬
‫ر‬

‫‪31‬‬
‫نحمل رضةرنخل مسد ة ر‬
‫نس تخدنمرنملهنجرنالوغوافنم ردلى ‪.David Morley‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫شهد اتريخ األحباث يف ميدان العلوم اإلنسانية واالجتماعية مزاولة واسعة للمقارابت الكمية على حساب‬
‫األخر الكيفية‪ ،‬لكن ريثما توسع استخدام هذه األخرية نظرا لقصورات مستكشفة يف البحوث الكمية اليت‬
‫تعتمد على اإلجراءات اإلحصائية والوسائل الكمية اجلافة وابلنظر إىل النماء املأمول يف األحباث الكيفية ظهرت‬
‫توجهات الباحثني إىل توظيف البحوث الكيفية بشكل مكثف كاجتاه مكمل للبحوث الكمية‪ ،‬وكطريقة جديدة‬
‫لدراسة الظواهر االجتماعية واإلنسانية ومن ضمنها الظواهر االتصالية‪.‬‬
‫وجلدير ابلذكر‪ ،‬أن توظيف البحث الكيفي يف األحباث العلمية يعود إىل القرن التّاسع عشر‪ ،‬كاملنهج‬
‫اهلرمينوريقي عند شاليرخمر وفيرب‪ ،‬وكذلك الفينومينولوجيا عند" هوسرل وغريه‪ ،‬وعند العديد من الباحثني يف تلك‬
‫الفرتة‪ ، ،‬على الرغم من أن معظم الباحثني حاليا ينسبونه إىل هناية القرن العشرين‪ ،‬ويربطونه ابملدرسة الظّاهراتية‬
‫‪1‬‬
‫واإلثنوميثودولوجية واالنثربولوجية واالثنوغرافيا‪ ،‬علماً أب ّن اتريخ البحوث الكيفية سابق لذلك‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬تفرتض البحوث الكيفية اليت توظف األدوات البحثية املختلفة على غرار املالحظة‬
‫ابملشاركة‪ ،‬أو املقابلة الكيفية‪ ،‬وحبوث سرية احلياة‪ ،‬واملنهج الواثئقي‪ 2‬وغريها أبن البحث عن الظواهر املتعلقة‬
‫ابإلنسان واجملتمع لن تتأتى إال من خالل التنقيب والبحث يف يومياته وجزئياهتا البسيطة وحتليليها وتفسريها‬
‫منهجيا وفق بناءاهتا املختلفة‪.‬‬
‫‪.1‬سياقات األحباث الكيفية‪:‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬تعد حقبة الثّمانينيات مرحلة إعادة إحياء املناهج الكيفية وبعثها‪ ،‬وتدريسها يف معظم‬
‫اجلامعات األوربية واألمريكية تقريباً‪،‬حيث صار رواد هذا املنهج يؤّكدون على متيّز املنهج النّوعي عن املنهج الكمي‬
‫أو اإلحصائي الذي مل يعطى تفسريات واضحة لبعض الظّواهر االجتماعية اليت حتتاج تدخال أكثر من الباحث يف‬
‫ميدان حبثه واحتكاكا جليا مع املبحوثني للوصول إىل النتائج املرجوة من خالل املالحظة ابملشاركة واملقابالت‪.‬‬

‫‪1‬فتيحة حرييز‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.421‬‬


‫‪2‬أنظر عبد القادر عرايب‪ ،‬املناهج الكيفية يف العلوم االجتماعية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ، 2007 ،‬ص‪43.‬‬

‫‪32‬‬
‫ويف ذات املنحى‪ ،‬ش ّدد الباحثون يف علوم اإلعالم واالتصال من جهتهم على أمهية االستفادة من البحوث‬
‫يفوتوا فرصة استدعاء هذا النّوع من البحوث مع هناية القرن‬
‫الكيفية يف دراسة بعض الظّواهر االتصالية‪ ،‬ومل ّ‬
‫املاضي‪ ،‬للوصول إىل رؤ حامسة حول استخدامات وسائل اإلعالم واالتصال اجلماهريية يف سياقات احلياة‬
‫اليومية‪ ،‬فقد كان هناك اجتاهات وجماالت لتطبيقها على نطاق واسع‪ ،‬مضيفة بذلك من جهتها مجلة من األفكار‬
‫تصب ابألساس يف موضوع‬
‫واملفاهيم واملصطلحات اجلديدة اليت أسست لبداايت أحباث أخر ‪ ،‬ونتائج علمية ّ‬
‫مجهور وسائل اإلعالم واالتصال وتعترب اإلثنوغرافيا املنهج الكيفي األكثر استخداما يف حبوث علوم اإلعالم‬
‫واالتصال يف سبيل احلصول على معلومات علمية دقيقة حول الظّاهرة االتصالية واإلعالمية املدروسة‪.‬إذ برزت‬
‫لد العديد من الباحثني يف قضااي اإلعالم واالتصال‪ 1.‬على غرار األستاذ علي قساسية رغبة ملحة تُؤمن بضرورة‬
‫استعارة املنهج اإلثنوغرايف لتوظيفه يف دراسة الظّواهر يف بيئتها الطبيعية‪ ،‬وأبساليب تفاعلية‪ ،‬بغية الوصول إىل‬
‫مؤ ّشرات ونتائج غري إحصائية تتّصف ابملرونة والعمق وال ّدقة‪ ،‬وتسعى إىل التّبصر‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتّطبيق على املواقف‬
‫املشاهبة‪ ،‬وللوقوف على رؤ حامسة حول استخدامات وسائل اإلعالم واالتصال اجلماهريية يف سياقات احلياة‬
‫اليومية‪.2‬‬
‫‪ .2‬سريورة أحباث اجلمهور‪:‬‬
‫لقد انتقلت هذه األحباث من "السلبية املطلقة "للجمهور أمام " القو اخلارقة" لوسائل اإلعالم‪ ،‬إىل‬
‫مرورا بتجزئته وحتليله جزئيا وإثنوغرافيا يف‬
‫اجلمهور النشط الفعال وأتثريه ومشاركته يف إعداد الرسائل اإلعالمية‪ً ،‬‬
‫سياق االستعمال املنزيل لوسائل االتصال يف اجملتمعات الصناعية أوما بعد الصناعية‪ ،‬وهي جمتمعات إليكرتونية أو‬
‫اجلمهور‪(Post-‬‬ ‫يف عامل ما بعد‬ ‫التلقي‪2001 Morley‬‬ ‫ما بعد احلديثة وصوال إىل جيل اثلث من دراسة‬
‫وأخريا اجلمهور ذي القدرة الكلية على التواجد‬ ‫)‪(e-Audience‬‬ ‫)‪ ،Audience World‬أو اجلمهور اإلليكرتوين‬
‫‪3‬‬
‫(‪.)u-Audience‬‬ ‫يف كل مكان يف نفس الزمن‬
‫‪:David Morley‬‬ ‫‪.3‬املنهج اإلثنوغرايف لدى‬
‫املقرتب اإلثنوغرايف يف دراسة التفاعالت بني‬ ‫الربيطاين ‪David Morley‬‬ ‫ومن هذا املنظور‪ ،‬استعار الباحث‬
‫السياق" الطّبيعي "أو الفضاء املنزيل‪ ،‬حيث استجوب والحظ‬
‫خمتلف أفراد العائلة أمام شاشة التلفزيون يف ّ‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.421‬‬


‫‪ 2‬نفس املكان‪.‬‬
‫‪ 3‬علي قسايسية‪ ،‬املنطلقات النظرية واملنهجية لدراسات التلقي دراية نقدية حتليلية ألحباث اجلمهور يف اجلزائر‪ ،4111-1222‬رسالة دكتوراه دولة‪،‬‬
‫قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واالعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪33‬‬
‫تتكون من شخصني ابلغني وطفلني ‪.‬وقد اهتم هذا الباحث‬
‫ابملشاركة مثانية عشر عائلة بريطانية من الطبقة العاملة ّ‬
‫ابالختالفات املتواجدة بني العائالت املبحوثة من جهة‪ ،‬وبني األفراد داخل العائلة الواحدة من جهة اثنية‪ ،‬مرّكزا‬
‫السلطة بني اجلنسني وبني البالغني والقصر‪ ،‬دون أن يهمل التّحليل‪ ،‬وبنية اجلمهور من منظور االنتماء‬
‫على عالقة ّ‬
‫السياق االجتماعي والثّقايف الذي حتلّل فيه تركيبية اجلمهور‪ ،‬وواقعه وأّناط‬
‫الرتبية وااليدولوجيا اليت حت ّدد ّ‬
‫الطّبقي و ّ‬
‫تفاعله ‪.‬وتطرق " دفيد موريل "بعد هذه الدراسة إىل جمموعة من املفاهيم اجلديدة كسياق املشاهدة والديناميكية‬
‫العائلية والتكنولوجية املنزلية‪.‬‬
‫مست‬
‫ومل تكن ما أفرزته احلياة التكنولوجية مبعزل عن تتبّع االهتمام هبذا النّوع من ال ّدراسات الكيّفية اليت ّ‬
‫مزااي وخبااي العامل االفرتاضي‪ ،‬وغطست يف عامل اجلمهور املستخدم للوسائط اجلديدة‪ ،‬لتعاجل حقيقة اجملتمع‬
‫الرتتيبات‪ ،‬وهو يعيش جمتمعه االفرتاضي الذي ال ميلك‬
‫تفسخت فيه العديد من أبرز ّ‬
‫اإلنساين املعاصر الذي ّ‬
‫كل من الباحثني الغربيني ‪ Patricia Drentea‬و ‪Jennifer L.‬‬
‫حدودا واضحة املعامل‪ ،‬على غرار ما قدمه ّ‬
‫‪ Hine‬من خالل ما يسمى اليوم ابإلثنوغرافيا االفرتاضية‬ ‫مع ‪ D. Miller‬و‬ ‫‪ Moren-Cross‬و ‪Don Staler‬‬

‫‪ Ethnographie virtuelle‬أو النتنوغرافيا‪.‬‬


‫وتسعى هذه ال ّدراسة إىل التّعرف على استخدامات املنهج االثنوغرايف يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال‪،‬‬
‫وهذا بطرحنا لإلشكالية الرئيسية التالية ‪:‬ما مد استخدام املنهج االثنوغرايف يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال؟‬
‫وما هي معايري اختياره وواقع استخداماته ضمن البحوث والدراسات اإلعالمية واالتصالية؟‬
‫‪.4‬اخللفية النظرية اإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫ومفصل‬
‫معمق ّ‬
‫يتم اللّجوء إليها يف سبيل احلصول على فهم ّ‬
‫تتصف البحوث اإلثنوغرافية أب ّهنا حبوث كيفية‪ّ ،‬‬
‫لألسباب واملعتقدات وال ّدوافع‪ ،‬ووصف مشويل للظّاهرة املبحوثة‪ ،‬كما هتدف أيضا إىل فهم ملاذا وكيف وما‬
‫السياقات اخلاصة ابملشكلة املبحوثة؟ وهذا من خالل معايشة الباحث حلياة املبحوثني ويومياهتم‪ ،‬حيث‬
‫التّأثريات و ّ‬
‫السياق الذي‬
‫أن األفعال اإلنسانية وآراء األفراد ومعتقداهتم تتأثر ابملواقف‪ ،‬وابلبيئة اليت حتدث فيها‪ ،‬ومن خالل ّ‬
‫يفسر فيه األفراد أفكارهم ومشاعرهم وأفعاهلم‪ ،‬ويتم التّوصل إىل هذا اإلطار من قبل الباحث خالل مجع البياانت‬
‫وحتليلها‪ ،‬وال يهدف االثنوغرايف إىل تعميم النّتائج‪ ،‬بل توسيع نتائج احلالة اليت كثريا ما تقود إىل مواقف وحاالت‬
‫‪1‬‬
‫قد تكون مشاهبة‪.‬‬

‫‪ 1‬رزيقة حيزبر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.421‬‬

‫‪34‬‬
‫الصدد جند الفيلسوف األملاين ‪ ، Husserl‬يصف البحوث الكمية ببحوث مقطوعة الصلة‬ ‫ويف هذا ّ‬
‫ابإلنسان وعامله‪ ،‬وليس لديها شيء ما تقوله لنا يف أزمتنا احلياتية؛ فهي هتتم ابألرقام وليس ابإلنسان‪ ،‬وال تساعده‬
‫‪1‬‬
‫يف حل مشاكله احلياتية‪.‬‬
‫ومما سبق‪ ،‬نستنتج أن البحث اإلثنوغرايف يقوم على مالحظة املبحوثني ومشاركتهم أفعاهلم وسلوكياهتم وتفاصيل‬
‫حياهتم اليومية داخل مجاعة انتمائهم‪ ،‬كما يصل إىل حد التفاعل املباشر الذي يتم تدوينه وتسجيله يف سجالت‬
‫أو عرب وسائل أخر تسهل عليه يف مرحلة الحقة الوصف والتحليل والتفسري والتأويل للظاهرة املدروسة‪.‬‬
‫‪.5‬املنهج اإلثنوغرايف سياقات الظهور والتطور ‪:‬‬
‫تفوت حبوث اإلعالم واالتصال فرصة استدعاء املنهج اإلثنوغرايف بعدما سيطرت األحباث‬
‫من جهتها مل ّ‬
‫الكميّة طويال على دراسات مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬واليت مهّشت يف جمملها أمهية املتلقي) القارئ واملستمع‬
‫واملشاهد(‪ ،‬وخمتلف تفاعالته واجتاهات فهمه وأتويالته للمضامني اإلعالمية‪ ،‬ومل تعط بذلك معلومات كافية‬
‫الرتكيز يرمي بثقله على‬
‫السلوكات واملمارسات الفردية يف حد ذاهتا ‪.‬وحىت مع ظهور ّناذج االتصال كان ّ‬
‫لتّفسري ّ‬
‫الرسالة اإلعالمية دون الطّرف الثاين‪ ،‬وعليه سادت خطية وأحادية اجتاه اإلعالم‬
‫املرسل ودوره يف تنظيم وتكوين ّ‬
‫وكأن التلقي وفق هذه النّظرة كان موجها من طرف واحد دون أدىن اعتبار للمتلقي ‪.‬‬
‫‪.6‬ماذا تفعل وسائل اإلعالم ابجلمهور؟ إىل "ماذا يفعل اجلمهور بوسائل اإلعالم؟‬
‫التحول ونقل أحباث اجلمهور من دائرة التّأثري‬
‫لقد كانت سنوات الثّمانينيات من القرن املاضي نقطة ّ‬
‫وإشكالية) ماذا تفعل وسائل اإلعالم ابجلمهور؟ (بقيادة توجه ال ّدراسات الثّقافية مع دافيد موريل ورفقائه‪ ،‬إىل‬
‫االهتمام بعناصر العملية االتصالية من منطلق املالحظة اإلثنوغرافية وحماولة اإلجابة على إشكالية" كاتز"ماذا يفعل‬
‫اجلمهور بوسائل اإلعالم؟ اليت أ ّكدت على عدم سلبية هذا املتلقي وأ ّن دوره فعال يف عملية بناء املضمون‬
‫وختصصات أخر منحت بعض األدوات‬ ‫ّ‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬كما أ ّن البحوث اإلعالمية مل تتملّص من توجهات‬
‫وساعدهتا على فهم الظّاهرة اإلعالمية‪ ،‬وتلقي هذه املضامني‪ ،‬ومعرفة اآلاثر املرتتبة عنها‪ ،‬ما يدخل ضمن ما هو‬
‫يصب فيما هو نفسي بسيكولوجي من‬
‫اجتماعي من خالل تفاعل املتلقي والوسيلة اإلعالمية يف اجملتمع ‪.‬ومنها ما ّ‬
‫ظل اخلطاب اإلعالمي أو اللّغة‬
‫خالل تفاعل املتلقي مع الوسيلة اإلعالمية‪ ،‬ومنها ما هو سيميولساين يدخل يف ّ‬
‫اإلعالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.424‬‬

‫‪35‬‬
‫أتسست على ثلّة من الباحثني املعروفني على‬
‫وميكن اعتبار ال ّدراسات الثقافية يف معرتكها التّارخيي قد ّ‬
‫األولون على غرار كل من" ريشارد هوغارت "و"إدوارد توبسون " و"رميون‬
‫السياق العاملي منهم اآلابء ّ‬‫مستو ّ‬
‫وليمس" و"ستوارت هال "و"ديك هبديج "و"دافيد موريل "و"تريي إقلنتون"‪ ،‬ومؤخرا" اين اينغ"‪ ،‬يف سياق‬
‫الصناعي‪ ،‬الذي تزامن مع ظهور وسائل االتصال اجلماهريية وما تبثه‬
‫شهدت فيه بريطانيا تطورا هاما يف اجملال ّ‬
‫الصناعات الثّقافية‬
‫هذه األخرية من مضامني‪ ،‬أدخلت هاجس اخلوف على قلوب هؤالء الباحثني من خطر ّ‬
‫الشعبية ‪.‬كما ختوفوا كذلك من التّأثريات السلبية لإلشهار على اجملتمعات‪.‬‬
‫وأتثرياهتا على الثّقافة ّ‬
‫تبني أب ّن املركز استفاد من ع ّدة توجهات ساعدته على إثراء قاموسه البحثي واملفاهيمي‪،‬‬
‫ويف ابب أخر ّ‬
‫منها التّفاعل االجتماعي مع مدرسة شيكاغو يف عمل بعض الباحثني يف املركز على مستو اثنوغرايف من خالل‬
‫حتليل القيم واملعاين احليّة‪ ،‬وسلوك اجلماعات الثقافية اجتاه الثّقافة املهيمنة‪ ،‬والطّرق اليت حي ّدد هبا الفاعلون‬
‫االجتماعيون مواقفهم وشروط ممارساهتم وحياهتم‪ ،‬حبيث يتقارب التّقليد التّفاعلي مع التقليد اإلثنوغرايف الربيطاين‬
‫الشفهي واالشرتاك يف عمل احلركات النّسوية عند كتابة اتريخ املرأة وحبثوا يف إرث‬
‫أسسوا ورشات التّاريخ ّ‬
‫كما ّ‬
‫التّاريخ األديب‪ ،‬وخاصة يف أعمال" جورج لوكش"‪ ،‬وكذا أعمال" ميخائيل ابختني "حول املاركسية وفلسفة اللغة‪،‬‬
‫وعملوا على ترمجة أعمال" والرت بنجامني"‪ ،‬ودرسوا أعمال" لوسيان قودمان "و"جون بول سارتر"‪ ،‬وأعمال‬
‫"روالن ابرت"و"انطونيو غرامشي ‪".‬وتلقى املركز هذه املؤثّرات بطريقة نقدية وحاول بطريقة أصيلة أتسيس فرق‬
‫اهتمت بع ّدة جماالت منها األنثروبولوجيا‪ ،‬ودراسات وسائل اإلعالم‪ ،‬ونظرايت اللّغة وال ّذاتية‪ ،‬واألدب‬
‫حبث ّ‬
‫واجملتمع‪ ،1‬وربط هذه القضااي ابحلركات االجتماعية‪ ،‬وخاصة التغريات اليت أصبحت تشهدها اجملتمعات احلديثة‬
‫السياق االجتماعي سواء ما تعلق‬
‫املتغريات دخلت ّ‬‫سواء يف احلياة العملية أو االجتماعية ‪.‬ألن العديد من ّ‬
‫"ابملاكنة "أو بوسائل اإلعالم‪ ،‬هذه الدعائم اليت ارتبطت مباشرة ابلعامل املعاش وعملت على تغري العالقات‬
‫االجتماعية وأثرت بصورة مباشرة على الثّقافات احمللية ما جعل الباحث" ريشارد هوغارت "جيد أب ّن األدب هو‬
‫نوع من الفرار دون عواقب ألنّه منبع للمتعة‪ ،‬لكنّه دون عالقة مع احلياة الواقعية فهو عامل مفرتض من األحالم‬
‫واألوهام‪.‬‬
‫ويف خضم هذا السياق‪ ،‬مل يويل مركز" برمنغهام "اهتمامه بوسائل اإلعالم إالّ مع بداية السبعينات مع‬
‫أعمال نظرية موازية حبثت يف بعض املفاهيم مثل اإليديولوجيا واهليمنة وكيف تؤثّر هذه املفاهيم على عمل وسائل‬
‫اإلعالم حبيث اعترب ألتوسري وسائل اإلعالم" جهاز إيديولوجي "منتج وانقل االيدولوجيا أو وسائل للهيمنة يف‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪422‬‬

‫‪36‬‬
‫املفهوم الغرامشي‪ ،‬وأتثرا ابلتوجه السيميولوجي وخاصة مبا ق ّدمه كل من " روالن ابرت "و"إيكو "و"ابختني"‪ ،‬إذ‬
‫الشهري" الرتميز‬
‫ّبني" ستيوارت هال" اهتمامه الواضح خبطاب وسائل اإلعالم خاصة التلفزيون‪ ،‬من خالل مقاله ّ‬
‫عرب هذا املقال ح ّدد هذا الباحث يف مرحلة فك‬ ‫‪1981‬‬ ‫"الذي نشره سنة‬ ‫‪Codage/décodage‬‬ ‫وفك الرتميز‬

‫الرتميز ثالث مراحل ‪:‬مرحلة اهليمنة ومرحلة املفاوضة و مرحلة املعارضة وتبعا للمراحل اليت ّ‬
‫أقرها" ستيوارت‬
‫الرسالة اإلعالمية‪ ،‬واليت استلهمها أساسا من نظرية" فرانك ابركني ‪" Frank parkin‬واليت تعكس‬
‫هال "يف حتليل ّ‬
‫الطّبقات االجتماعية وكيف تكون عالقة اهليمنة واملعارضة واملفاوضة فيما بينها جند يف مرحلة الحقة يعمل دافيد‬
‫موريل بنفس املفاهيم لكنه حاول ضبط العملية اإلعالمية األكثر بتفقد هذه املفاهيم يف حصة تلفزيونية إخبارية‬
‫‪ Nationwide‬اليت بثتها قناة ‪ BBC‬قام الباحث بدراسة تلقي هذا الربانمج من خالل مثانية عشرة عائلة بريطانية‬
‫السن وال ّدخل الشهري‬
‫تنتمي إىل طبقات اجتماعية خمتلفة‪ ،‬ونقل موريل االهتمام من الطبّقة إىل اجلنس و ّ‬
‫يتم عادة يف املنزل كسياق‬
‫كمتغريات لقياس عملية التلقي‪ ،‬واستبدال عملية فك الرتميز بسياق املشاهدة‪ ،‬الذي ّ‬
‫طبيعي وضمن األسرة وعرب برانمج تلفزيوين ما‪ ،‬ومن خالل ثقافة األسرة نفسها‪ ،‬وكيف حتدث عملية التلقي‬
‫واملشاهدة‪ ،‬ومن ميلك سلطة القرار يف التعرض اإلعالمي داخل األسرة الواحدة؟‬
‫ويعترب هذا البحث اإلثنوغرايف الذي يقوم أساسا على احلضور الفيزيقي للباحث يف سياق املشاهدة لتقيم‬
‫الصراع املوجود بني الطبقات‬
‫القوة ال تنحصر يف ّ‬
‫عملية التلقي املنزيل‪ ،‬وهبذا البحث الذي قام به" موريل "تبني أب ّن ّ‬
‫السن واجلنس‪ ،‬وفتح جمال البحث يف برامج أخر أي أنه نزع الشمولية على‬
‫تتجسد يف اختالفات ّ‬
‫لكن ميكن أن ّ‬
‫" واليت حاولت من جانبها حتليل‬ ‫‪Yen Ang‬‬ ‫دراسة اخلطاب اإلعالمي‪ ،‬ما ظهر يف عمل الباحثة األسرتالية "‬
‫اجلمهور املتلقي‪ ،‬وهبذه األعمال‬ ‫وحدود املتعة اليت احملققة لد‬ ‫"‪" Dallas‬‬ ‫املسلسل التلفزيوين األمريكي‬
‫اإلثنوغرافية اإلمربيقية‪ ،‬تقر الباحثة األسرتالية أنه ال ميكن اختزال التلقي يف عملية نفسية لكن جيب االعرتاف أبنه‬
‫عملية ثقافية‪ ،‬وعليه فإن اإلنتاج وإعادة اإلنتاج االجتماعي للمعىن املتضمن يف العملية الثقافية ال ختص املعىن‬
‫‪1‬‬
‫ولكن هتدف إىل تبيان السلطة املوجودة يف الرسالة‪.‬‬
‫‪ Daniel miller‬و‪Baker Martin‬‬ ‫سامهت اجنازات كل من الباحثني" دافيد موريل و ‪ Janet Staiger‬و‬
‫يف تسييق عملية التلقي وخاصة أتطري التغريات اليت تدخلها يوميا التكنولوجيات اجلديدة على الفضاء اإلعالمي‬
‫وهنا ميكن التّأكيد أ ّن البحوث اإلعالمية اليت شهدها الثلث األخري من القرن املاضي كانت فعال دفعا قواي ونفسا‬
‫جديدا للبحث اإلعالمي‪ ،‬حبيث مت ّكنت هذه األخرية من نقل االهتمام من البحث يف التّأثري إىل احلث يف التّلقي‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.422-421‬‬

‫‪37‬‬
‫السياق الطّبيعي للمنزل من خالل فعل‬
‫ومن البحوث الكمية إىل البحث الكيفي‪ ،‬وحصرت عملية التلقي يف ّ‬
‫املشاهدة ‪.‬‬
‫وضمن منحى أخر‪ ،‬يعود الفضل األساسي أو القاعدي ألحباث ستوارت هال بداية‪ ،‬ودافيد موريل يف‬
‫املرحلة الثانية‪ ،‬لكن ال ميكن التنكر لإلسهامات الفعالة للتوجهات ما بعد البنيوية خاصة أعمال روالن ابرت‬
‫ولفي سرتواس اليت ظلّت واضحة يف أعمال املدرسة الثقافية حينما نقل ابحثوها االهتمـام من ثنائية) مؤلف ‪-‬‬
‫نص ( إىل ) نص –متلقي ( وخاصة أعمال روالن ابرث يف استجالء املعىن من النّصوص‪ ،‬وكيف تتمظهر‬
‫االيدولوجيا يف ال ّداللة ‪.‬وإذا وضعت ال ّدراسات السيميائية القراءة وظروفها كشرط لعملية التلقي فإن البحوث‬
‫اإلعالمية وضعت املشاهدة كفضاء لعملية التلقي‪ ،‬وهذا ما بدا واضحا يف عمل دفيد موريل الذي متكن من‬
‫حصر التلقي للمضمون اإلعالمي سواء فيما بني أفراد العائلة أو بني العائالت األخر اليت مشلها البحث‪ ،‬وكتب‬

‫ستيوارت هال يف مقدمة كتاب دفيد موريل الذي ّ‬


‫خصصه للعائلة والتّلفزيون" أن التّصورات الفردية للمشاهد‬
‫وللجمهور وحىت للتّلفزيون ذاته قد ارحتلت هنائيا على األقل_ حسب ما نتمناه _بفضل التّشديد على‬
‫السياقات االجتماعية للتلقي اليت‬
‫املتغريات‪ ،‬وإ ّن خريطة التّغريات انجتة عن العوامل اليت تتغلغل يف ّ‬
‫االختالفات و ّ‬
‫شرع موريل يف اجنازها وان ما تكتشفه هذه اخلريطة وصفة عامة‪ ،‬هو التّفاعالت ّ‬
‫الرقيقة بني املعىن واملتعة‬
‫واالستخدام واالختيار‪.‬‬
‫السياقات والظّروف اليت حتدث فيها التّأويالت وخمتلف التّفاعالت مع املضامني اإلعالمية‬
‫مبعىن أن ابراز ّ‬
‫أهم االنشغاالت اليت غيّبتها رويال ال ّدراسات اإلعالمية الكميّة‪ ،‬خاصة وأ ّن املتلقي ليس معزوال‬
‫أصبحت من بني ّ‬
‫‪1‬‬
‫يف أفعاله االتصالية عن الوسائط اليت يستخدمها وليس معزوال أيضا عن حميطه‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫يعد اخلوض يف هنج االثنوغرافيا متعمق ومتجذر يف مدارس منهجية متعددة ومتشعبة ومفكرين كثر تناولوا املوضوع‬
‫وصوال إىل إثنوغرافيا االنرتنت‪/‬االفرتاضية‪/‬الرقمية‪/‬النتنوغرافيا اليت سنتناوهلا الحقا‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.422‬‬

‫‪38‬‬
‫نحمل رضةرنلس وسد ة ر‬
‫تطوسرنملارتبرنالوغوافنم رم روسنس ترنالتص ل‪ .‬ر‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أد التوسع واملنافسة والتسابق بني املؤسسات االقتصادية والسياسية يف الوالايت املتحدة األمريكية وأورواب‬
‫لفرض اهليمنة والتوسع إىل دفع عجلة البحث يف دراسات مجهور وسائل اإلعالم اجلماهريية وظهور مستجدات‬
‫تتوافق والسياق االجتماعي والثقايف السائد والذي اعتقد أبن التأثري املباشر والبالغ لوسائل اإلعالم على سلوك‬
‫اجلمهور ميكن أن يوجهها حنو اهلدف املنشود‪ ،‬وفق مصاحل من يتحكم يف إدارهتا عن طريق اجناز مراكز حبث‬
‫متخصصة لبحوث تستهدف معرفة حجم هذا اجلمهور‪ ،‬مساته االجتماعية والنفسية‪ ،‬تستغل نتائجها لتكييف‬
‫رسائلها مع األهداف التجارية والدعائية ملالك وسائل اإلعالم واملعلنيني ورجال السياسية يف العقد الثالث من‬
‫القرن املاضي‪ .‬إذن‪ ،‬أتثرت دراسات اجلمهور وتكيفت مع الطبيعة االقتصادية والسياسية واالجتماعية لتلك الفرتة‬
‫وال تزال‪.‬‬
‫‪.1‬البداايت اإلثنوغرافية وتطورها يف دراسات االتصال‪:‬‬
‫وإن كان التوجه اإلمربيقي األمريكي يف حبوث االتصال اجلماهريي متيز ابلكمية والتهميش دور اجلمهور‪،‬‬
‫فإن التوجهات احلديثة يف حبوث اجلمهور ابتداء من مثانينيات القرن املاضي‪ ،‬اهتمت بدراسة دور املتلقي الفاعل يف‬
‫العملية االتصالية وخمتلف التأويالت اليت ينتجها للخطاب اإلعالمي ومن أشهر الباحثني يف ميدان االتصال الذين‬
‫قاموا بتوظيفه نذكر بعض أعمال "دافيد موريل" الذي تبىن التوجه اإلثنوغرايف بعد ما كان يوظف يف ميدان‬
‫الدراسات االجتماعية‪ ،‬حيث ركزت على دراسة املشاهد التلفزيونية داخل العائلة كوحدة أساسية للتحليل‪ ،‬ومع‬
‫تعدد التكنولوجيات املنزلية يف الفضاء االتصايل اجلديد‪ ،‬أد إىل االهتمام بدراسة السلوك االتصايل للجمهور‬
‫والتفاعالت املمكنة مع الرسائل اإلعالمية اليت يتلقاها‪ ،‬إبستخدام املقاربة اإلثنوغرافية‪ ،‬اليت من شأهنا أن تساعد‬
‫على فهم ظاهرة التلقي املعقدة‪ ،‬واالهتمام بطريقة إدماج هذه التكنولوجيات يف الفضاء األسري اليومي‪ ،‬والكيفية‬
‫اليت تعمل هبا كل عائلة يف إدارة فضائها االجتماعي والتكنولوجي‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬إن جذور الوصف اإلثنوغرايف مفقودة لقدمها‪ ،‬فإن معظم املالحظات والتأويالت‬
‫للمجتمعات اإلنسانية قد استمرت تتناقل بطريقة شفوية‪ ،‬فقد أتيحت فرصة االحتفاظ مبدوانت لبعض األوصاف‬
‫املبكرة‪ ،‬واستمرار تسجيل تلك املالحظات يف واثئق بصور ملحوظة مع الرحالت األوربية واالستكشافات‬

‫‪39‬‬
‫واالستقصاء‪ ،‬ومع بداية القرن اخلامس عشر‪ ،‬ولعدة مئات من السنني اتلية كانت أوصاف املمارسات الثقافية‬
‫تكتب إىل حد بعيد خالل رحالت االستكشاف والنشاطات البشرية‪ 1،‬إنشاء احلكومات واملراكز االستعمارية‪،‬‬
‫ويرجع يف هذا إىل كتاب "هال" بعنوان "تعليمات يف األسفار اخلارجية"‪ ،‬وهو كتاب رو حول اإلثنوغرافيا‬
‫واالثنولوجيا يف القرن السادس عشر‪.‬‬
‫وابتداء من عام ‪ 1225‬أي قبل احلرب العاملية الثانية أصبحت الدراسات اإلثنوغرافية تكون نشاطا ختصيصيا‬
‫مستقرا‪ ،‬كما كان هناك حتول من االهتمام املسيطر جبمع املادة وتراكمها إىل التحليل األكثر عمقا ألّناط ثقافية‬
‫معنية‪ ،‬ونذكر كتاابت مالينوفسكي "جمتمع األرجنوتس يف جنوب احمليط اهلادي"‪ ،‬كما أد االهتمام املتزايد‬
‫ابملضامني الثقافية إىل االهتمام بدور الباحث اإلثنوغرايف يف موقف البحث احلقلي‪ ،‬وإىل مزيد من التقدير الواعي‬
‫للطريقة اليت يتم بواسطتها تسجيل املادة احلقلية‪ .‬وقد ساعد هذا النمو الذي حتقق يف طرق البحث اإلثنوغرايف‬
‫على القيام بدراسات مقارنة‪ ،‬والتوسع بطريقة ذات داللة يف االستكشافات القائمة حول املكوانت الثقافية‪ ،‬وبعد‬
‫احلرب العاملية الثانية مباشرة بدأت اإلثنوغرافيا جتتذب مزيدا من االهتمام النظري واملنهجي‪ ،‬ويذكر هنا على وجه‬
‫اخلصوص االهتمام املتجدد واملتسع مبشكلة التصنيف اليت احتلت أمهية نقدية‪ ،‬كما كان هناك تركيز متزايد على‬
‫أنساق االتصال والنماذج البنائية مثل كتاب ليفي سرتوس بعنوان "األنثربولوجية البنائية" الذي صدر يف ‪،1222‬‬
‫كما كان هناك اهتمام مركز بتنمية وسائل أكثر فعالية يف حصر املتغريات الثقافية والشخصية يف املواقف احلقلية‬
‫الواقعية‪ ،‬وميكن القول أبنه يف بداية هذا الطور من أطوار ّنو اإلثنوغرافيا كان هناك تزايد ملحوظ يف عدد الباحثني‬
‫اإلثنوغرافيني املتخصصني‪ ،‬ويف مصادر الدعم وفرص الدراسات احلقلية‪.‬‬
‫‪.3‬من هو الباحث االثنوغرايف؟‬
‫فالباحث اإلثنوغرايف هو ابحث أنثربولوجي حياول على األقل يف جانب من عمله التخصصي أن يسجل‬
‫ويصف مظاهر السلوك ذات الداللة الثقافية يف جمتمع معني‪ ،‬ومن الناحية املثالية فإن هذا الوصف االثنوغرايف‬
‫يتطلب قضاء فرتة طويلة يف الدراسة العميقة‪ ،‬كما يتطلب اإلقامة يف مجاعة صغرية حمددة متاما‪ ،‬ويتطلب املعرفة‬
‫ابلغة اليت تتكلمها تلك اجلماعة‪ ،‬واالستخدام الواسع املد للطرق الفنية يف املالحظة‪ ،‬مبا تتضمنه من اتصاالت‬
‫ممتدة مباشرة أبعضاء اجلماعة احمللية‪ ،‬واملشاركة املباشرة يف بعض نشاطاهتا‪.‬‬

‫‪ 1‬مسرية بلغيثية‪ ،‬استخدام املقاربة اإلثنوغرافية يف حبوث مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬دراسات وأحباث اجمللة العربية يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جملد ‪11‬‬
‫العدد‪ ،4112 ،2‬ص‪.222‬‬

‫‪40‬‬
‫‪.4‬املنهج اإلثنوغرايف يف صدارة أحباث اجلمهور‪:‬‬
‫بداية من الثمان ينيات بدا املنهج اإلثنوغرايف حيتل الصدارة يف أحباث اجلمهور وتكثف استعماله منذ مطلع‬
‫القرن احلايل‪ ،‬ويتمثل يف دراسة السلوك االتصايل للجمهور والتفاعالت املمكنة مع الرسائل اإلعالمية اليت يتلقاها‬
‫من خمتلف الوسائط املتوفرة يف الفضاء االتصايل اجلديد الذي تشكل االنرتنت أهم وسائطه على اإلطالق‪ ،‬وهذه‬
‫الوسيلة أصبحت تنافس التلفزيون‪،‬كأداة تكنولوجية منزلية جديدة‪ ،‬وحتول ابلتايل انشغال اآلابء واملربني إىل‬
‫التأثريات احملتملة هلذه الوسيلة الغازية بقوة خارقة وبسرعة فائقة يف خمتلف مناحي حياة الناس‪.‬‬
‫وهذا الفضاء االتصايل اجلديد الذي هو يف احلقيقة امتداد للفضاء الناجم عن االستعمال املكثف‬
‫للتكنولوجيات املنزلية‪ ،‬تعميم االختيارات املنهجية اإلثنوغرافية للتوجه اجلديد يف أحباث اجلمهور‪ ،‬وهي تندرج‬
‫عموما‪ ،‬فيما أصبح يعرف ابملنهجية اإلثنوغرافية "‪ "Ethno-methodologie‬يف دراسات التلقي‪ ،‬ولقد تكثف‬
‫استعمل االجتاه االثنو‪-‬منهجي يف دراسات اجلمهور على ضوء عوملة الرسائل اإلعالمية املتسارعة واملتوسعة بفضل‬
‫البث التلفزيوين املباشر عرب السواتل واألنظمة الرقمية والقنوات املشفرة وتلفزيون االنرتنت‪ ،‬الذي يتوقع أن حيل حمل‬
‫القنوات املشفرة خالل العشرية القادمة‪.‬‬
‫كما ير رامسوامي أن هناك صنفني من دراسات اجلمهور الشامل احلديثة بدأت منتصف العشرية األوىل‬
‫من القرن احلايل‪ ،‬تركز على دور اجملموعات اإلثنية‪ :‬الصنف الذي أعاد بعث أطروحات اإلمربايلية الثقافية‬
‫واإلعالمية‪ ،‬وحياول إعادة صاغتها يف إطار التيارات املناهضة للعوملة‪ ،‬والصنف الذي يوجه البحث من جديد إىل‬
‫‪1‬‬
‫دور وسائل اإلعالم يف تكوين تصورهم هلوايهتم اإلثنية يف بيئاهتم اجلديدة‪.‬‬
‫‪.5‬أحباث اجلمهور يف البيئة الرقمية من اإلثنوغرافيا إىل النتنوغرافيا‪:‬‬
‫ويعود توجه حبوث اإلعالم واالتصال يف البيئة الرقمية حنو املنهج االثنوغرايف لفهم ظواهرها املعقدة اليت‬
‫نتجت عن طبيعة املستخدم الذي أصبح نشطا وفعاال‪ ،‬مما استصعب على املناهج االمربيقية يف العوامل الرقمية‬
‫واالفرتاضية احتواء املشكالت النامجة عنه‪ ،‬حيث أن اجلمهور يف هذا اإلطار من النمط من الوسائط استطاع‬
‫القضاء على النظرة التشاؤمية اليت اعتربت إن اجلمهور سليب وغري فعال‪ .‬ومنه استدعت الضرورة البحثية تطبيق‬
‫املنهجية اإلثنوغرافية للتوجه اجلديد ألحباث اجلمهور الذي يسعى لدراسة السلوك االتصايل للجمهور والتفاعالت‬
‫املمكنة مع الرسائل اإلعالمية من خمتلف الوسائط الرقمية‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬

‫‪41‬‬
‫إذن‪ ،‬سعى الباحثون يف علوم اإلعالم واالتصال إىل االهتمام بتطبيق املنهج اإلثنوغرايف يف سنوات‬
‫الثمانينيات من القرن املاضي‪ ،‬بعدما سيطرت األحباث الكمية طويال على دراسات اجلمهور‪ ،‬فكانت نقطة حتول‬
‫كرب انتقلت عربها أحباث اجلمهور من دائرة التأثري إىل االهتمام بعناصر العملية االتصالية اليت أكدت على عدم‬
‫سلبية املتلقي وان دوره فعال يف عملية بناء املضمون اإلعالمي‪ 1.‬وأصبح اجلمهور بذلك نشطا وفعاال خاصة إذا‬
‫اقرتن ابلبيئة الرقمية‪.‬‬

‫‪ 1‬رزيقة حريز‪،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.422‬‬

‫‪42‬‬
‫نحمل ضــفةرنلس بعــد ة ر‬
‫نملارتبرنالوغوافنم ر مس تخديمرنلوس ئطرنجلديدة‪.‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫يعد املنهج اإلثنوغرايف من أهم املناهج النوعية أو الكيفية بشكل عام‪ ،‬وأهم املناهج املستخدمة لدراسة كل‬
‫عناصر العملية االتصالية‪ ،‬من مرسل ورسالة ووسيلة ومجهور‪ ،‬ويعىن بشكل خاص ابلثقافة اليت تتباهنا اجلماعات‬
‫واألفراد يف سياق معني‪ ،‬حيث يفرتض أن أي جمموعة من األفراد تعيش مع بعضها البعض لفرتة زمنية معينة‬
‫ستشكل ثقافة معينة خاصة هبا‪ .‬تستدعي معايشتها حبثيا وفق طرق وأدوات حبثية متكن من وصفها وتفسريها‬
‫وحتليليها وأتويلها وفق السياق الذي وجدت فيه‪ ،‬وختتلف السياقات وفقا للتطور التارخيي للعصور وصوال إىل‬
‫العصر الرقمي الذي عرفت فيه أحباث اجلمهور ما يطلق عليه ابلنتنوغرافيا أو اإلثنوغرافيا االفرتاضية‪/‬الرقمية فقبل‬
‫الولوج للحديث عن تطبيقات هذا املنهج يف البيئة الرقمية كان لزاما علينا الرجوع للحديث عن اثنوغرافيا اجلمهور‪،‬‬
‫واثنوغرافيا األوبرات الصابونية وصوال إىل مرحلته احلالية اليت تعىن بثقافات مستخدمي الوسائط اجلديدة‪.‬‬
‫‪.1‬اثنوغرافيا اجلمهور يف الدراسات الثقافية‪:‬‬
‫عند‪:Richard Hoggart‬‬ ‫اإلثنوغرافيا‬
‫من بني أوىل الدراسات املسامهة يف االثنوغرافية الثقافية االتصالية دراسة الشهري" ريتشارد هوغارت‬
‫حول ردود أفعال بنات ضواحي‬ ‫ضمها ضمن مؤلفه‬
‫‪La culture des pauvres‬‬ ‫‪ Richard Hoggart‬والذي ّ‬
‫األحياء اللندنية اجتاه الصحافة الشعبية حيث حاول من خالله دراسة خمتلف األبعاد اخلاصة ابحلياة اليومية للطبقة‬
‫العاملة يف إجنلرتا ووصفها وصفا دقيقا ‪ ، ،1‬ويف هذه الفرتة عرفت األوساط الشعبية ولوج الثقافة اجلماهريية اليت‬
‫قوبلت ابلرفض يف البداية لكن ريثما تغلغلت يف تلك اآلونة‪.‬‬
‫عند‪Stuart Hall‬‬ ‫اثنوغرافيا اجلمهور‬
‫حول الدور اإليديولوجي لوسائل اإلعالم وطبيعة اإليديولوجيا‬ ‫‪Stuart Hall‬‬ ‫متثل أعمال ستيورت هول‬
‫عموما حلظة مفصلية يف تش ّكل نظرية قادرة على دحض مسلمات التحليل الوظيفي األمريكي واستحداث شكل‬
‫التشفري ‪" codage/‬‬ ‫خمتلف من من البحث النقدي‪ ،‬ويف مقال له كتبه سنة ‪ 7691‬محل عنوان التشفري ‪/‬فك‬

‫‪ 1‬رضوان بومجعة‪ ،‬أشكال االتصال التقليدية يف منطقة القبائل حماولة حتليل انثربولوجي‪ ،‬رسالة دكتوراه دولة‪ ،‬قسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم‬
‫السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،4112-4111 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ decodage‬قسم سريورة االتصال التلفزيوين إىل أربع حلظات خمتلفة" ‪:‬اإلنتاج‪ ،‬التدوير‪ ،‬التوزيع‪/‬االستهالك إعادة‬
‫اإلنتاج "تتميز عن بعضها بصيغ عملها وشروط تشكلها‪ ،‬لكنها متصلة حول بعضها بناءا على جمموع العالقات‬
‫املؤسساتية السلطوية اليت تربطها‪ ،‬واجلمهور يف هذه املقاربة هو املتلقي ومصدر الرسالة يف نفس الوقت هو الذي‬
‫‪1‬‬
‫دعمت ميدان‬
‫حيدده يف ثالثة أصناف" املهيمن و"املعارض "و"التفاوضي"‪ ،‬فنموذجه ق ّدم مسامهة معتربة ّ‬
‫الدراسات الثقافية وحتديد التلقي‪ ،‬وذلك منذ الثمانينيات من القرن املاضي‪ ،‬حيث توفّرت الدالئل على أن هناك‬
‫فوارق كثرية يف تفسري النصوص اإلعالمية بسبب العوامل االجتماعية والثقافية املش ّكلة للنظام الثقايف للدراسات‬
‫السابقة قي جمال االتصال اليت كانت تركز على أن عملية االتصال تسري يف اجتاه واحد ‪:‬مرسل ‪،‬رسالة‪ ،‬مستقبل‪،‬‬
‫غري أنه توصل إىل نتيجة مفادها أنه ميكن للمستقبل أن يضفي تعديالت على الرسالة وفق العملية التالية ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫إنتاج‪.‬‬ ‫إعادة‬ ‫استهالك‬ ‫انتقال توزيع‬ ‫إنتاج‬
‫اثنوغرافيا مشاهدي األوبرات الصابونية‪:‬‬
‫قام هذا األخري بدراسة اثنوغرافية ملشاهدي األوبرات الصابونية‬ ‫‪1811‬‬ ‫سنة‬ ‫‪Barrios‬‬ ‫دراسة ابريوس‬
‫أسرة‪ ،‬وقد أثبتت الدراسة اندماج مشاهدة التلفزيون داخل الروتني‬ ‫‪03‬‬ ‫الالتينية واليت أجريت يف فانزويال على‬
‫‪3‬‬
‫اليومي للحياة األسرية‪ ،‬حيث كانت النقطة األكثر أمهية حول فرتة عرض املسلسالت يف التلفزيون‪.‬‬
‫اثنوغرافيا اجلمهور عند ‪:David Morley‬‬
‫عرفت اإلثنوغرافيا يف أحباث اجلمهور منذ مثانينيات القرن املاضي نتيجة االستخدام املكثف للتكنولوجيا‬
‫املنزلية لد األسرة واليت أصبحت جزء ال يتجزأ من املمارسات اليومية للمستخدمني‪ ،‬مث طرحت إشكالية‬
‫الديناميكية العائلية هبذه الكيفية‪ ،‬مما مسح بوضع إطار للتفكري قد يكون مفيدا يف دراسة العالقات االجتماعية‬
‫العائلية يف املقام األول اليت تتم من خالل عملية استعمال جمموع التكنولوجيات املنزلية اجلديدة وأتويل الرموز اليت‬
‫حتملها هذه التكنولوجيات ومضامني الرسائل اليت تنقلها ‪.‬يتم يف إطار هذه العالقات االجتماعية من جهة‪ ،‬وحبث‬
‫خمتلف أشكال الديناميكيات الداخلية لألسرة املرتبطة بتمايز سلوك أعضائها تبعا الختالف متغريي السن والنوع‪،‬‬
‫ومن جهة أخر ‪ ،‬حبث ديناميكيات العالقات اخلارجة عن األسرة حيث أن أتويل دالالت الرموز اليت حتملها‬
‫الرسائل اإلعالمية واالستجابة ملضامينها‪ ،‬حيدد طبيعة العالقات مع العامل اخلارجي ‪.‬كما جيري يف نفس اإلطار‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬العصبية االفرتاضية يف شبكات التواصل االجتماعي دراسة إثنوغرافية نقدية على عينة من مستخدمي الفيسبوك‪ ،‬رسالة دكتوراه الطور‬
‫الثالث علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬قسم علوم االتصال‪ ،‬كلية علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2‬ص‪112‬‬
‫‪ 2‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬ليلى حسني السيد‪ ،‬االتصال ونظرايته املعاصرة‪ ،‬ط‪ ، 3‬الدار املصرية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ ، 2002،‬ص‪. 120‬‬
‫‪ 3‬أمينة بصافة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪44‬‬
‫حتليل طبيعة القرارات املتخذة داخل البنية العائلية والكيفية اليت تتخذ ها هذه القرارات أي عضو من أفراد العائلة‬
‫يتخذ أي قرار ومىت وملاذا؟ وأيضا الكيفية اليت تناقش هبا القضااي املرتبطة ابختيار احملتو ‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬متكن دراسة الديناميكية العائلية من حتليل املشاهدة و‪/‬أو االستعمال الفردي يف إطار العالقات العائلية من‬
‫خالل التفاعالت اليت حتدث داخلها‪ ،‬ويسمح هذا السياق بتحديد العوامل احلامسة يف ممارسة املشاهدة من حيث‬
‫السلطة واملسؤولية والرقابة يف مكان معني ويف أوقات معينة‪.‬‬
‫التلقي ‪Third Generation of Reception‬‬ ‫ويف سياق ذي صلة‪ ،‬لقد ظهر جيل اثلث " من دراسات‬
‫كبريا مساه‬
‫تطورا ً‬
‫‪ Studies Aspects‬حي شهدت دراسات اجلمهور يف بداية هذا العقد األول من األلفني ً‬
‫ملخصة‬
‫‪ Morley‬اجليل الثالث من دراسات التلقي يف سياق إعادة التفكري يف مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬يف إشارة ّ‬
‫ملرحلتني آيلتني للزوال مرت هبما هذه الدراسات اجليل األول متعلق ابلتأثري واجليل الثاين خاص ابلتلقي‪ ،‬أو‬
‫املشاهدة كفعل اجتماعي وثقايف إن هذا اجليل اجلديد الذي مل ترتسم معامله النهائية بعد‪ ،‬ولكن ميكن تلمسه يف‬
‫إرهاصات العديدة من الظواهر واملفاهيم املرتبطة هبا‪ ،‬هو انعكاس النشغال عام انجم عن مجلة من األحداث‬
‫والعوامل واملؤشرات التكنولوجية واالقتصادية والسياسية اليت كان لوسائل اإلعالم الدور احلاسم يف توزيع صورها‬
‫وبناء الرموز االجتماعية الدالة عليها يف الذاكرة اجلماعية للجمهور‪ ،‬واليت عايشتها بداية هذه العشرية‪ ،‬ومع تعميم‬
‫‪1‬‬
‫أنظمة االتصال الرقمية يف احلياة اليومية يف عصران الراهن تغريت جذراي عالقات التبعية بني املرسل واملتلقي‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬اعتمد املنهج اإلثنوغرايف على دراسة السلوك االتصايل للجمهور والتفاعالت املمكنة مع‬
‫الرسائل اإلعالمية اليت يتلقاها من خمتلف الوسائط املتوفرة يف الفضاء االتصايل الرقمي‪ ،‬والذي يستلزم إجراء‬
‫حترايت علمية حول أنظمة التأويل والعمليات اليت يقوم هبا املتلقي‪ ،‬وتستند خطوات البحث إىل خمتلف وحدات‬
‫التحليل ‪:‬الفرد ابعتباره موضوع اجتماعي وذات فردية‪ ،‬واجلماعة والعالقات ما بني الذات املشرتكة يف جتربة احلياة‬
‫حول التلفزيون حتوال فاصال يف اإلنتاج البحثي ملا‬ ‫‪David Morly‬‬ ‫اليومية للجماعة‪ ،‬وتعترب دراسة ودافيد موريل‬
‫يعرف ابلدراسات اإلعالمية‪ ،‬فقد ركزت يف البداية على حتليل الربامج اإلخبارية العامة والربامج السياسية ذات‬
‫العالقة ابملسائل االجتماعية الكرب والقضااي املوجهة إىل مجهور خنبوي مث اهتمت الحقا بربامج االتصال‬
‫السياسي املوجه مجهور واسع غري متجانس من انحية اجلنس واالنتماء الطبقي حيث قام بدراسة التصورات‬
‫االجتماعية الثنائية للنوع" األنثوي‪/‬الذكوري "والطبقات االجتماعية العرقية‪ ،‬أما املرحلة الالحقة فقد عرفت انتقال‬
‫االهتمامات البحثية من الرتكيز على املضامني إىل حبث إشكالية اجلمهور ‪.‬‬

‫‪ 1‬علي قسايسية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪121-122‬‬

‫‪45‬‬
‫وقد عمق موريل الطريق لالستخدام املنهج اإلثنوغرايف يف حقل علوم اإلعالم واالتصال ابلدراسة اليت أجراها‬
‫على مثاين عشر أسرة من العرق األبيض تعيش يف جنوب لندن وتتكون كل واحدة من شخصني ابلغني وطفلني‬
‫أو أكثر دون سن الثامنة عشر ومتلك مسجل فيديو وتنتمي يف أغلبيتها إىل الطبقة العاملة أو الربجوازية‪ ،‬حيث‬
‫مسحت العينة املختارة مبالحظة التباينات بني األسر ذات املواقع املختلفة‪ ،‬ولقد اهتم الباحث بقضية عالقة‬
‫السلطة بني اجلنسني اليت يربز من خالهلا استخدام التلفزيون وتلقي الربامج التلفزيونية على وجه اخلصوص‬
‫‪1‬‬
‫واستعمل جلمع املعطيات ‪:‬االستجواابت العميقة‪ ،‬واملالحظة املباشرة واملالحظة ابملشاركة‪.‬‬
‫ونتيجة ملا سبق فقد تعمق استخدام املنهج االثنوغرايف يف الدراسات اإلعالمية نتيجة اعتبار التلفزيون وسيلة اتصال‬
‫مجاهريية ومنزلية يشاهد يف السياق املنزيل األسري‪ ،‬وخاصة ملا أعاد مل مشل العائلة وأصبح حمورا إلاثرة النقاشات‪،‬‬
‫وابلتايل ظهرت ممارسات جديدة حتتاج للدراسة‪ ،‬خاصة مع إفرازات األنرتنت‪ ،‬فاإلثنوغرافيا االفرتاضية هي امتداد‬
‫اإلثنوغرافيا مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬حيث حتول االهتمام يف الوسط األكادميي خاصة الغريب إىل استخدام املنهج‬
‫االثنوغرايف لدراسة مستخدمي األنرتنت‪ ،‬مث استخدامها لدراسة مستخدمي مواقع شبكات التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫لينتقل استخدامه من مالحظة املمارسات خارج اخلط إىل مالحظتها على اخلط‪.‬‬
‫اثنوغرافيا مستخدمي الفضاءات الرقمية‪:‬‬
‫تعددت األحباث اإلثنوغرافية يف األوساط األكادميية العاملية والعربية اليت طبقت على موضوعات تتعلق‬
‫ابملمارسات االفرتاضية التواجد الرقمي عرب املنصات الرقمية‪ ،‬خاصة مع تزايد أتثري وجودها يف حياة األفراد اليومية‪.‬‬
‫وأطلق عليه "اإلثنوغرافيا الرقمية"‪ ،‬و"اإلثنوغرافيا االفرتاضية"‪ ،‬و"سايرباثنوغرايف"‪ ،‬و"إثنوغرايف األنرتنت "‬
‫و"اإلثنوغرافيا على شبكة االنرتنت "و"اإلثنوغرافيا يف الفضاءات االفرتاضية"‪ ،‬و"البحوث اإلثنوغرافية على اخلط "‬
‫وأيضا تعرف حتت مسمى" اإلثنوغرافيا املتعلقة ابألنرتنت"‪ ،‬و"نيتنوغرايف"‪ ،‬و"االثنوغرافيا الرقمية‪ ،‬إال أن هذه‬
‫املصطلحات ورغم تعددها جتتمع حتت مصطلح االثنوغرافيا االفرتاضية اليت تقوم على مراقبة ممارسات املبحوثني‬
‫واستجواهبم يف البيئة االفرتاضية واملتمثلة يف مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬املدوانت‪ ،‬واملنتدايت‪ ،‬وبيئات األلعاب‪،‬‬
‫ومواقع التعارف‪ ،‬وذلك بعدم االقتصار على استخدام تقنيات معينة‪ ،‬بل البد أن ينظر إليها على أهنا هنج لدراسة‬
‫الثقافة الرقمية مبتطلبات معرفية حمددة‪.‬‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.112‬‬


‫‪ 2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪46‬‬
‫وهبذا الشأن تعترب اإلثنوغرافيا من منظور انثروبولوجيا االتصال هي املنهج األنسب لدراسة وحتديد هذه‬
‫اجلماعات االفرتاضية ويف مقدمتها مواقع شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬واليت متثل أشكاال جديدة من املنظمات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وهذه املظاهر هي مسة العوامل اجلديدة‪ ،‬و ‪ 1 Maffesoli‬رسم اخلطوط العريضة لدراسة هذه القبائل‬
‫اجلديدة‪ ،‬وأكد هو اآلخر على القيام ابلدراسات اإلثنوغرافية اليت من شأهنا أن تربز دور التكنولوجيات اجلديدة يف‬
‫هذه التنظيمات االجتماعية‪ ،‬واليت توفر للباحثني فرصا مل يسبق هلا مثيل للوصول إىل فصول األفراد يف جمال‬
‫التواصل وفحصها‪ ،‬فهي هنج واحد اللتقاط شكل وطبيعة املمارسات التواصلية الرقمية‪ ،‬وعند القيام بدراسة‬
‫إثنوغرافية حول مجهور االنرتنت فإن الباحث يقع يف حدود البحث الكيفي السوسيولوجي جملرد الفهم والبحث‬
‫اإلجرائي‪ ،‬كون الفهم واملشاركة يف التغيري حنو األفضل‪ ،‬وابلتايل فإنه خيتلف يف املنهجية واألهداف عن األحباث‬
‫الكمية‪.‬‬
‫ومييل علماء االتصال‪ ،‬هبذا الصدد‪ ،‬إىل التفريق بني اإلثنوغرافيا يف األنثروبولوجية أبربعة أشكال خمتلفة من‬
‫البحوث اإلثنوغرافية مبا يف ذلك اإلثنولوجيا‪ ،‬إثنوغرافيا اللغة واليت تستخدم لوصف وشرح التواصل املتميز ثقافيا‬
‫واألّناط واملمارسات ويعترب ‪ Dell Hymes‬مؤسسها‪ ،2‬وهناك أيضا إثنوغرافيا االتصال واليت تفرتض أن التواصل‬
‫الفعال يقوم خبلق معىن مشرتك وتنسيق العمل خيتلف عرب خمتلف الفئات االجتماعية‪ ،‬فهناك حلظات من‬
‫الفعالية التواصلية حيث يتصرف املشاركون كما لو كانوا يعربون عن املعىن املشرتك يف حياهتم اليومية االجتماعية‬
‫ابعتبارها اإلجناز التواصلي هلم‪ ،‬حيث تستخدم اثنوغرافيا االتصال لوصف االتصاالت املميزة اليت يتقامسها‬
‫األعضاء من ثقافة أو جمموعة‪ ،‬أو الذين يتفاعلون ابنتظام لفرتة من الزمن ويتصورون أنفسهم على أهنم كيان‬
‫اجتماعي‪ ،‬وهلم نفس املعاين املشرتكة‪ ،‬أو الشبكات ذات أمهية‪ ،‬وهناك إثنوغرافيا األداء اليت تعترب كوسيلة لدراسة‬
‫الثقافة واالتصاالت من خالل مجع وحتليل منهجي للبياانت‪ ،‬وتتجاوز الوصف إىل تفسري املعاين الثقافية‬
‫للمشاركني وتقييمها‪ ،‬وميكن جتميع هذه األشكال اإلثنوغرافية حتت نوعني يتمثل أحدمها يف املاكرواثنوغرايف‬
‫وتشمل الدراسة سنوات من البحث امليداين‪ ،‬أما الثاين فيتمثل يف امليكرواثنوغرايف ويشري إىل الدراسات القصرية‬

‫‪ 1‬نفس املكان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Corina Cilianu-Lascu, l’ethnographie de la communication de dell hymes à john gumperz, Dialogos 8, 2003, p‬‬
‫‪112, available at http://www.dialogos.rei.ase.ro, accessed 12 june 2021.‬‬

‫‪47‬‬
‫املد ويتم استخدامها مبختلف أشكاهلا يف امليدان الذي يذهب إليه الباحث سواء كان مادي‪ ،‬أو فضاء‬
‫افرتاضي‪ ،‬واملتمثل يف األنرتنت والذي بدوره ليس منفصال عن العامل احلقيقي‪ ،‬حيث يقوم املستخدمون ابستثمار‬
‫‪1‬‬
‫الكثري من اجلهد للحفاظ على العالقات القائمة‪ ،‬كما هو احلال يف األماكن االجتماعية األخر وتوسيعها‪.‬‬
‫إثنوغرافيا شبكات التواصل االجتماعي‪:‬‬
‫تعترب مواقع شبكات التواصل االجتماعية وغريها من البيئات االفرتاضية على أهنا سياقات غري منفصلة عن‬
‫جماالت ممارسات احلياة اليومية‪ ،‬والواقع أن األحباث احلالية توضح أنه ال توجد حاجة إىل" إبعاد "البياانت على‬
‫اإلنرتنت رغم أنه من الصعب حتليلها أو إدارهتا كوهنا هتدف لفهم وشرح عوامل حياة املستخدمني وممارسات‬
‫التواصل بشكل شامل‪ ،‬وليس فقط أخذ" شرائح رقمية "منهم‪ ،‬حيث تقوم هذه املواقع على مبدأ" لغة املمارسة"‬
‫لتسليط الضوء على الفكرة القائلة أبن" األفراد لديهم حدس ضمين وواضح حول استخدام خمتلف التقنيات اليت‬
‫طوروها مع أصدقائهم وأفراد أسرهم وزمالئهم يف العمل" ‪ ،‬أي أن جمموعة من املستخدمني لديهم فهم مشرتك‬
‫الستخدام التكنولوجيا بشكل معني سوف يقومون ابستخدامها للتواصل بطريقة معينة‪ ،‬واليت ميكن أن توفر‬
‫بياانت مثرية عن املمارسات والتفاعالت‪ ،‬للبحوث اإلثنوغرافية‪ ،‬واليت البد فيها على الباحث االثنوغرايف أن يقوم‬
‫إبخفاء بياانت اهلوية اخلاصة ابملبحوثني كخطوة مهمة من أجل محاية خصوصية املستخدمني‪ ،‬وهذا ينطبق على‬
‫‪ Souad Azizi‬بعنوان‪L’enquête‬‬ ‫أمسائهم احلقيقية واملزيفة على حد سواء ومن أهم الدراسات يف هذا السياق‬
‫‪.‬‬ ‫‪2Ethnographique en Ligne.‬‬

‫خالصة‪:‬‬
‫نستنتج مما سبق‪ ،‬أن االثنوغرافيا درست على العوامل احلقيقية قبل االفرتاضية أو بنيت على ما" قبل‬
‫الرقمية"‪ ،‬واليت أخذت موضوع اهتمامها من الواقع الذي يعيشه األفراد‪ ،‬وبعدها انتقل بفعل التطورات التكنولوجية‬
‫إىل ما عرف يف املوجة األوىل من البحوث اإلثنوغرافية املتعلقة مبستخدمي البيئة الرقمية دراسة االتصاالت بوساطة‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬مث حاولت فهم املمارسات الرقمية على اهلواتف الذكية واألجهزة األخر املتصلة ابلشبكة‪ ،‬وهناك‬
‫العديد من الدراسات اليت استخدمت االثنوغرافيا االفرتاضية كمنهج لفهم املمارسات الرقمية‪ ،‬ونذكر منها على‬
‫‪The internet: an‬‬ ‫بعنوان‬ ‫‪Daniel Miller & Don Slater‬‬ ‫سبيل املثال ال احلصر ما يلي‪ :‬دراسة‬
‫‪ethnographic approach‬‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.111‬‬


‫‪ 2‬نفس املكان‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫نحمل رضةرنلث مند ة ر‬
‫مالمئد ةرندلسنس ترنالوغوافناسد ةر ألحب ثرنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫متهيد‪:‬‬
‫البحث اإلثنوغرايف أبنه منهجية حبث اجتماعي يتميز ابالخنراط‬ ‫‪Hammersley & Atkinson‬‬ ‫لقد عرف‬
‫العميق للباحث علنا أو خفية يف حياة الناس لفرتة من الزمن‪ ،‬يراقب ما حيدث ويسمع ما يقال‪ ،‬ويسأل األسئلة‬
‫وجيمع ما ميكن من بياانت هبدف تسليط الضوء على قضااي حمورية يف البحث‪ ،‬حيث أن الباحث اإلثنوغرايف يقع‬
‫بني حدود البحث الكيفي السوسيولوجي جملرد الفهم‪ ،‬وبني البحث اإلجرائي كون هدفه الفهم واملشاركة يف التغيري‬
‫حنو األفضل‪ ،‬حيث خيتلف البحث اإلثنوغرايف عن األحباث األخر مبنهجيته وأهدافه‪ ،‬فمن حيث املنهجية‬
‫يقتضي البحث اإلثنوغرايف قيام الباحث مبعايشة اجملتمع موضوع البحث‪ ،‬مثل املنزل‪ ،‬املدرسة‪ ،‬السجن‪...‬اخل‪،‬‬
‫فاألحباث اإلثنوغرافية تتطلب آليات معينة جلمع البياانت كتدوين املشاهدات اليومية إضافة إىل حتليل‬
‫الواثئق واليوميات ذات الصلة‪ ،‬وما مييز البحث اإلثنوغرايف هو عدم وجود فرضيات مسبقة وحماور صارمة لألسئلة‬
‫اليت تقود البحث‪ ،‬كون هذا الوضع يف حد ذاته يشكل لد بعض الباحثني وضعية غري مرحية‪ ،‬ويؤدي إىل‬
‫إشكالية خاصة يف بداية البحث‪ ،‬وهذا ما حصل مع الكثري من الباحثني اإلثنوغرافيني‪ ،‬الذين مل تتبلور أسئلة‬
‫الدراسة معهم‪ ،‬إال بعد فرتة من الزمن استطاعوا من خالهلا التخلي عن الكثري من األفكار اليت توقعوها قبل‬
‫دخوهلم للميدان‪ ،‬واستبدلوها أبفكار أخر شكلت حمور اهتمامهم أثناء وجودهم يف امليدان‪ ،‬كما تعرف‬
‫االثنوغرافيا أبهنا الدراسة التحليلية للمجموعات اإلثنية العرقية املعاصرة وهي مالحظة وتسجيل املادة الثقافية من‬
‫امليدان‪ ،‬ووصف النشاط الثقايف كما يبدو والدراسة الوصفية ألسلوب احلياة وجمموعة التقاليد والعادات وأصناف‬
‫الرتاث اخلاصة ابإلثنيات‪ ،‬أي تلك التجمعات اإلنسانية اليت متتاز ببنية عائلية واقتصادية واجتماعية متجانسة‬
‫‪1‬‬
‫حيث تقوم الوحدة على لغة وثقافة مشرتكة‪.‬‬
‫‪.1‬ال ّدراسات اإلعالمية من اإلثنوغرافيا إىل النتنوغرافيا‪:‬‬
‫لقد شهدت البشرية تغريات وحتوالت كثرية يف العديد من جماالت احلياة‪ ،‬وأفرزت بدورها العديد من‬
‫املتنوعة‪ ،‬فأصبح املستخدمون يتواجدون رقميا يف منصات وبيئات رقمية خمتلفة جتمعهم نفس‬ ‫الظواهر االتصالية ّ‬
‫القضااي واألهداف والتوجهات واالنتماءات واآلمال واآلالم‪ ،‬فتغريت جمرايت احلياة اليومية للعديد منا‪ ،‬واصطدمنا‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬انثربولوجيا االتصال واملؤانسة االجتماعية بفضاء اتصايل جزائري دراسة اثنوغرافية ميدانية‪ ،‬جملة أفاق للعلوم ‪ ،‬اجمللد‪ ،1‬العدد‪،1‬‬
‫‪ ،2116‬ص ص‪.22-22‬‬

‫‪49‬‬
‫ابلكثري من الظواهر اليت حركت الباحثني للخوض يف هذه الظواهر االتصالية اجلديدة واملتجددة‪ ،‬فعلى غرار‬
‫العديد من طرائق البحث اليت تغريت وحتسنت بفعل شبكة االنرتنت وخمرجاهتا‪ ،‬كان لالثنوغرافيا نصيبها البحثي‬
‫وبدأ الباحثون يطبقون هذا املنهج يف البيئة الرقمية‪ .‬وكان البد من البحث على مناهج تتالءم وهذه االشكال‬
‫‪Ethnographie‬‬ ‫اجلديدة املتطورة بشكل متسارع‪ ،‬هلذا جلأ الباحثون إىل ما يسمى ابإلثنوغرافيا االفرتاضية‬
‫التطور التّكنولوجي والعلمي احلديث‬
‫‪ virtuelle‬أو النتنوغرافيا اليت اعتربوها رهاان لدراسات إشكاليات ما أفرزه ّ‬
‫الذي يتعقد يوما بعد يوم‪ ،‬وهذا أمام تعثّر ال ّدراسات االمربيقية أو الكمية اليت مل تعد تستطع تفسري ما حيدث على‬
‫مستو هذا العامل االفرتاضي من تفاعالت واتصاالت سريعة ختضع لقوانني إنسانية غري قابلة للتفسري‪ ،‬وخارجة‬
‫عن النطاقات املعهودة يف العامل الواقعي‪ .‬وأصبح اليوم احلديث عن اجملتمعات االفرتاضية اليت خلقتها هذه‬
‫الفضاءات غري الواقعية‪ ،‬واليت ير فيها الباحث الكندي سريج بروكس أهنا جمتمعات مبنية على أساس االشرتاك‬
‫ويعرفها أب ّهنا جمموعة من األفراد الذين يستخدمون منتدايت احملادثة‬
‫يف االهتمامات وامليوالت واألذواق واألهداف‪ّ ،‬‬
‫وحلقات النّقاش‪ ،‬أو جمموعات احلوار اليت من شاهنا أن تولّد بينهم عالقة االنتماء إىل جمموعة واحدة يتقاسم‬
‫أفرادها نفس االهتمام والقيم وال ّذوق واألهداف‪.‬‬
‫وقد قدمت الباحثتان ‪ Drentea Patricia‬و‪ Jennifer L. Moren-Cross‬بدراسة اثنوغرافية اعتمدت أداة‬
‫املالحظة ابملشاركة االفرتاضية واستهدفت مجاعة من األمهات اليت كانت تتقاسم نفس االهتمامات والوضع على‬
‫الرضاعة‪ ،‬وقد كانت الباحثة جنيفر‬ ‫شبكة االنرتنت‪ ،‬وكن يتبادلن النّصائح واملعلومات حول احلمل والوالدة و ّ‬
‫موران كروس إحد املشاركات يف هذه اجملموعة‪ ،‬ما مكنها من مالحظة األخرايت ابملشاركة يف اجملموعة‪.‬‬
‫الصفحات االليكرتونية‪ ،‬ومرآة عاكسة‬
‫ولدراسة هذه اجملتمعات اليت ظهرت كبديل للمجتمعات الواقعية على ّ‬
‫الرهيب الذي يعيشه اجملتمع املعاصر‪ ،‬وفرضت قيودا جديدة على الباحثني الذين اعتمدوا‬
‫للتطور التكنولوجي ّ‬
‫ّ‬
‫املنهج الكيفي يف دراسة وحتليل ومعاجلة هذه الظّواهر االفرتاضية ‪.‬ويف هذا املضمار استخدم الكثري من الباحثني‬
‫الغربيني االثنوغرافيا االفرتاضية أو النتنوغرافيا "اليت يقرتحها الباحث ‪ ،Robert Kozinets‬لوصف اجملتمعات‬
‫الشبكية ألمهية هذا املنهج واقرتانه الشديد ابلوصف الدقيق لألفراد واجلماعات وحركات التفاعل‪ ،‬وهذا ما قام به‬
‫‪ ، R Hine‬وقد قدم الباحث" هني "‬ ‫‪، Reid ، Baym‬‬ ‫كل من ‪ Turkle ، Rheingold‬و ‪ obin Hammam‬و‬
‫دراسته حول االثنوغرافيا االفرتاضية ذكر فيه أ ّن هذا املنهج ال يقتصر على دراسة كيفية استخدام األفراد لالنرتنت‬

‫‪50‬‬
‫وخملفاهتا وإّنا يتجاوز إىل كيفية إعطاء ممارسات األفراد معىن لالنرتنت يف سياقاهتم احمللية‪ ،‬وقام يف هذه ال ّدراسة‬
‫‪1‬‬
‫أيضا بتحديد مباد ء ومهارات االثنوغرافيا االفرتاضية‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلثنوغرافيا يف أحباث البيئة الرقمية‪ :‬بني املالزم واملستجد‬
‫إن انتقال اإلثنوغرافيا إىل العامل االفرتاضي‪ ،‬أثر ال حمالة على خصوصيات البحث اإلثنوغرايف وعلى طرق‬
‫إجنازه ‪.‬فلم يعد ميدان البحث هو البيئة الواقعية الذي يعيش فيها األفراد‪ ،‬وإّنا أصبح ميداان شبكيا متعدد‬
‫املواقع‪،‬كما أن املالحظة ابملشاركة األداة الرئيسية للبحث اإلثنوغرايف‪ ،‬أخذت أشكاال أخر ‪ ،‬وأصبح الباحث‬
‫يراقب ويشارك مبحوثيه من خلف شاشة الكمبيوتر‪.‬‬
‫وهبذا أتثرت بيئة البحث‪ ،‬وأتثر السياق الذي تدور فيه اجملرايت واألحداث ‪.‬لقد أد انتقال اإلثنوغرافيا إىل العامل‬
‫االفرتاضي إىل خلق العديد من التساؤالت واملخاوف لد الباحثني يف هذا اجملال‪ ،‬وأصبح التساؤل قائما حول‬
‫كيفيات إجراء البحوث‪ ،‬وما الذي يتم تضمينه‪ ،‬وما الذي يتم تفاديه‪ ،‬وطرحت العديد من القضااي واملسائل‬
‫املنهجية واألخالقية هبذا الشأن‪ ،‬كمسألة السياق ومسألة موقع وميدان البحث‪ .‬قد ال تبدو اإلثنوغرافيا وسيلة‬
‫واضحة جلمع البياانت عن استخدام اإلنرتنت‪ ،‬فصورة اإلثنوغرايف هو ذلك الشخص الذي يزور اجملتمعات‬
‫واملنظمات‪ ،‬ويبدو أن اإلنرتنت تتعارض مع مثار اإلثنوغرافيا‪ ،‬يف أهنا تبدو قطعا مكان بال طائل ‪.‬يف الواقع وكما‬
‫الحظت" هاين "فإن تصور اإلنرتنت كمكان– الفضاء اإللكرتوين ميثل إسرتاتيجية واحدة لدراسة إثنوغرافية‬
‫لإلنرتنت‪ ،‬ومن هذا فهي جمرد رحلة قصرية لفحص اجملتمعات‪ ،‬يف شكل جمتمعات على اإلنرتنت أو جمتمعات‬
‫افرتاضية ‪ .‬هبذه الطريقة‪ ،‬فإن مفاهيمنا للمكان والفضاء اليت تشكل الطريق الذي نعمل فيه يف العامل احلقيقي‪،‬‬
‫تتطعم على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬ومن هنا تطرح مسألة أخر ‪ ،‬فاإلثنوغرافيا تستلزم مراقبة املشارك‪ ،‬ولكن يف الفضاء‬
‫اإللكرتوين فماذا يراقب اإلثنوغرايف وفيما يشارك؟‬
‫إن اإلثنوغرافيا االفرتاضية هي تطوير جديد نسبيا يف البحوث الكيفية‪ ،‬فأسلوب اإلثنوغرافيا التقليدي‬
‫ينطوي على انغماس الباحثني يف الوضع والظروف واحلياة اليومية ملن يدرسوهنم‪ ،‬ومتدد اإلثنوغرافيا االفرتاضية هذه‬
‫األساليب إىل فضاء االنرتنت‪ ،‬وتشمل طائفة من التقنيات املتنوعة‪.‬‬
‫إن اإلثنوغرافيا االفرتاضية كمنهجية حبثية متثل خطوة إلعادة تصور مفهوم" اجملال "التقليدي كما اعتمده‬
‫علماء اإلثنوغرافيا‪ ،‬وتنقله إىل مستو آخر خاص‪ ،‬ففي الفضاء االفرتاضي حدود اجملال املالحظ افرتاضي وخايل‬
‫من التموقع يف املكان أو اجلغرافيا ‪.‬فكلما أجر األفراد املزيد من األنشطة عرب اإلنرتنت‪ ،‬وتركوا بصمات‬

‫‪ 1‬رزيقة حيزير‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.424‬‬

‫‪51‬‬
‫رقمية) الصور‪ ،‬املدوانت‪ ،‬رسائل الربيد اإللكرتوين(‪ ،‬متكن الباحثون من دراسة السلوك اإلنساين يف الفضاء‬
‫االفرتاضي فاإلثنوغرافيون االفرتاضيون يشاركون ويالحظون املدوانت ومواقع الويب وغرف الدردشة‪ ،‬وحيللون كيف‬
‫يشكل الناس على شبكات التواصل االجتماعي أو جمموعات اإلنرتنت هوايهتم الثقافية‪.‬‬
‫لقد أصبح البحث اإلثنوغرايف حول االتصاالت واملمارسات على اخلط وخارج اخلط واملتشكل عن طريق‬
‫الرقمنة‪ ،‬أكثر شعبية يف السنوات األخرية مع تزايد نفوذ اإلنرتنت ووجودها يف احلياة اليومية للناس‪.‬‬
‫كمثال على ذلك دراسة ‪ Turkle‬اليت أسست عملها األسطوري" احلياة على الشاشة اهلوية يف عصر‬
‫اإلنرتنت "‪ ،‬حيث قامت بتحليل كيفية أتثري احلياة على الشاشة على مفاهيم مثل اهلوية‪ ،‬لعب اهلوية‪ ،‬اجملتمع‬
‫واجلنس‪ ،‬ونشر عاملا ألنثروبولوجيا أرتريو إسكوابر مقالته "مرحبا بكم يف السيبرياينية‪ :‬مالحظات على أنثروبولوجيا‬
‫الثقافة السيربانية"‪ ،‬واليت طرح فيها عدة أسئلة مهمة ذات صلة حىت بعد عشرين عاما حول دراسة الثقافات‬
‫السيرباينية ‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫عددا ال حيصى من األشكال‪ ،‬ويظهر ضمن ختصصات خمتلفة وحتت العديد‬
‫نستنتج أن هذا البحث أخذ ً‬
‫من التسميات املختلفة مثل" اإلثنوغرافيا الرقمية"‪ "،‬اإلثنوغرافيا اإللكرتونية‪ "، "،‬اخلطاب اإلثنوغرايف املركز على‬
‫اخلط" ‪ "،‬اثنوغرافيا اإلنرتنت"‪ "،‬اإلثنوغرافيا على اإلنرتنت"‪ "،‬إثنوغرافيا الفضاءات الرقمية"‪ ،‬البحوث‬
‫اإلثنوغرافيا على اإلنرتنت "و" اإلثنوغرافيا املتعلقة ابإلنرتنت‪ .‬فمن املناهج اليت ارتبطت ابلرؤية النشطة ملستخدمي‬
‫‪1‬‬
‫االنرتنت اإلثنوغرافيا الرقمية‪ ،‬يف هذا اإلطار ويف فضاء اإلعالم اجلديد‪ ،‬حيث تتمثل أدوات دراسة اإلثنوغرافيا‬
‫الرقمية يف ما سنتطرق إليه يف احملاضرة القادمة من أدوات انتقلت من االثنوغرافيا إىل النتنوغرافيا‪.‬‬

‫‪ 1‬زينب خاللفة‪ ،‬االثنوغرافيا من العامل الواقعي إىل العامل االفرتاضي‪ ،‬جملة العلوم اإلنسانية جلامعة ام البواقي‪ ،‬اجمللد ‪ 2‬العدد‪ ، 1‬مارس‪ ،4141‬ص ص‬
‫‪.211-422‬‬

‫‪52‬‬
‫نحملوسرنلث لث‪:‬رطفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم ‪ .‬ر‬
‫ر‬
‫‪.9‬نملالحظد ةرابملش سكد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنملفاولوجسد ةر نلاكستوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلتصويفيد ةرنلفتوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلفونوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلفسلولوجسد ة؛ ر‬
‫‪ ‬نلطفياد ةرنلسوس يولوجسد ة‪ .‬ر‬
‫‪ ‬نلووياد ةرنالوغوافناسد ة‪ .‬ر‬
‫‪.10‬رنوغوافناسد ةرمجهوسرنلتلفزيون‪ .‬ر‬
‫‪.11‬نوتوافناسد ةرمجهوسرالانرتنت‪ .‬ر‬
‫‪.12‬نوغوافناسد ةرمجهوسرنملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫خ متد ة‪:‬رز ناير سؤىرجديدةرم رنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬
‫ر‬
‫ر‬

‫‪53‬‬
‫نحمل ضــفةرنلت سعــد ة ر‬
‫طفقر أأو نترنلبحثرنالوغوافنم ‪:‬رنملالحظد ةرابملش سكد ة ر‬
‫متهيد‪:‬‬
‫يتطلب البحث اإلثنوغرايف منهجيا قيام الباحث مبعايشة اجملتمع قيد الدراسة على غرار األسرة‪ ،‬املدرسة‬
‫وغريها‪ ،‬وذلك التواجد وجب أن يكون مستمرا لفرتة معينة من الزمن‪ ،‬ويقوم الباحث خالل معايشته للمبحوثني‬
‫بتسجيل كل املالحظات اليت متت مالحظتها والسلوكيات اليت مت رصدها وردود األفعال النامجة عن تلك‬
‫التصرفات بطريقة جتعله يعايش اجملموعة املبحوثة ‪ ،‬والبحث اإلثنوغرايف اجليد حسب ‪ Marcel‬هو الذي يستغرق‬
‫‪1‬‬
‫أربعة سنوات يف مكان حمدد والبحث اإلثنوغرايف املعمق هو الذي يعتمد على املالحظة العميقة والكاملة‪.‬‬
‫‪.1‬موضوعات البحث االثنوغرايف‪:‬‬
‫وغالبا ما يبحث االثنوغرافيون يف جمموعة من العناصر تتمثل يف ما يلي‪:‬‬
‫الثقافة‪ :‬ويهتم االثنوغرافيون بنشأهتا وتطورها وتعثرها وكيف يتم تناقلها بني األجيال‪ ،‬وحتاول فهم النماذج السلوكية‬
‫والقيمية واملعايري كما متارس وتعاش‪.‬‬
‫الكلية‪ :‬ينظر الباحث اإلثنوغرايف نظرة كلية وليست جمزأة‪ ،‬فهو ينظر إىل السلوكيات واملعايشات اإلنسانية جلماعة‬
‫ما من خالل النظرة الكلية للعوامل االجتماعية احمليطة هبا‪ ،‬لذلك حيدد مكاان معينا للدراسة‪.‬‬
‫دراسات متعمقة‪ :‬هتدف الدراسة اإلثنوغرافية للحصول على الكثري من التفاصيل حول موضوع البحث‪.‬‬
‫وعلى أساس هذه العناصر‪ ،‬يضم البحث اإلثنوغرايف جمموعة من اخلصائص تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ ‬عالقة اجتماعية طويلة ومسهبة مع املقابلني واملالحظني‪.‬‬
‫‪ ‬الباحث يف حالة تعلم من املقابلني واملالحظني‪.‬‬
‫‪ ‬الباحث بوصفه أداة حبثية‪.‬‬
‫‪ ‬البحث اإلثنوغرايف حبث كلي‪.‬‬
‫وميكن إجراء البحث اإلثنوغرايف ابالعتماد على جمموعة من اخلطوات‪ ،‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫االستمرارية‪ :‬أو العملية غري خمططة‪ ،‬فهي صريورة شيء حيصل يف كل مرة حيث أن أهم صفة فيها هي أهنا‬
‫تتكرر ّنطيا من أمثله ذلك الزواج الذي يتكرر حدوثه" كطقس "يف جمتمع معني‪ ،‬خاصة إذا كان اجملتمع متجانس‬
‫فالعملية تقوم على مجع املعلومات وربط العالقات والعمليات جملتمع ما ‪.‬‬

‫‪ 1‬بلغيثية مسرية‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.221‬‬

‫‪54‬‬
‫الوصف‪ :‬الذي هو من أهم خطوات البحث اإلثنوغرايف الذي ميارسه الباحث االجتماعي‪ ،‬حيث يقوم بوصف ما‬
‫ير فقط وصفا أمينا دقيقا ملا حيدث وال يزيد شيئا من عنده‪ ،‬فهو مطالب أبن يكون دقيقا جدا فيما يدونه من‬
‫معلومات أو معطيات اليت تعينه يف موضوع دراسته‪ ،‬وما مييزه عن مهمة املتخصصني اآلخرين الذين يرمون إىل‬
‫وصف كلما يقع حتت أنظارهم من أخبار أو معلومات ال تعدو أن تكون بياانت نظرية غري مفيدة هومتتعه‬
‫خبصوصية‪ "،‬اختصاصية امليدان‪".‬‬
‫التحليل‪ :‬فبعد أن جيمع الباحث املعلومات‪ ،‬ويربط العالقات يصل إىل حتليل حمتو العالقات واآلاثر اليت ترتتب‬
‫عن ذلك وما هي درجة االنسجام والتناقض بينها‪.‬‬
‫هنا يعمد الباحث إىل حتليل كل الفئات وترتيبها وتنظيمها وتفكيكها‪ ،‬ليقوم بعد ذلك ابلكشف عن اآلاثر‬
‫املسببة للظاهرة‪ ،‬ويتفنن يف طرح جمموعة من املسببات واليت قد تنسجم مع موضوع دراسته وخيضعها للفحص‬
‫‪1‬‬
‫واالختبار الدقيق‪ ،‬مث أييت أثر عملية الرتكيب هلذه الفئات والعمليات من أجل الوصول إىل نتيجة مرضية‪.‬‬
‫التفسري‪ :‬تفسري نتائج التحليل‪.‬‬
‫التأويل‪ :‬أتويل الظاهرة املدروسة من خمتلف جوانبها‪.‬‬
‫‪.2‬خطوات إجراء البحث اإلثنوغرايف‪:‬‬
‫حتديد املشكلة البحثية وزمنها‪ :‬وهذه اخلطوة تتم أوال مث يتبعها اختيار موقع الدراسة الذي يتوافق مع‬ ‫‪.1‬‬

‫املشكلة‪.‬‬
‫التحقق من القدرة على الوصول إىل جمتمع البحث زمنيا ومكانيا‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫ختطيط املعايشة جلمع املعلومات من امليدان‪ :‬وفيه يتم استخدام جمموعة من الطرق واألدوات البحثية‬ ‫‪.2‬‬

‫كاملالحظة ابملشاركة واملقابلة ومجع الواثئق‪.‬‬


‫حتليل املعلومات وتفسريها وأتويلها وكتابة التقرير‪ :‬وهذه اخلطوة تبدأ أثناء مجع املعلومات وتنتهي‬ ‫‪.2‬‬

‫بكتابة التقرير النهائي‪.‬‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬حماضرات مقياس اثنوغرافيا اجلمهور ومستخدمي الوسائط اجلديدة‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫‪55‬‬
‫نحمل ضــفةرنلت سعــــد ةر‪-‬ررتــ بــــع ر‬
‫نملالحظـــــد ةرابملش سكـــــد ة‪ .‬ر‬
‫متهيد‪:‬‬
‫إن البحث اإلثنوغرايف هو منهج لوصف الواقع واستنتاج الدالئل والرباهني من املشاهدة الفعلية للظاهرة حمل‬
‫الدراسة‪ ،‬ويتطلب هذا املنهج من الباحث معايشة فعلية للميدان أو احلقل موضع الدراسة‪ .‬ويعايش فيه الباحث‬
‫بعمق ميدان دراسته العتباره القائم جبمع املعلومات وتصنيفها وحتليلها معتمدا يف ذلك على املالحظة واملالحظة‬
‫ابملشاركة واملقابلة املفتوحة املتعمقة مع عينة الدراسة‪.‬فيسعى البحث اإلثنوغرايف إىل التبصر والفهم واالستكشاف‬
‫ودراسة السلوك اإلنساين من خالل التفاعل بني الباحث واملبحوثني‪ ،‬وعرب الفهم املتعمق لشعور وأحاسيس وأفكار‬
‫ومعتقدات املبحوثني‪ .‬كما يتميز هذا النوع من البحوث ابملرونة يف الطريقة والتحليل‪ ،‬ويكتشف اجلوانب املسترتة‬
‫يف املوضوع‪.‬تتنوع تسمياته فيطلق عليه البحث الكيفي أو النوعي أو البحث احلقلي‪ ،‬أو الطبيعي‪ ،‬أو البحث‬
‫التفسريي‪.‬‬
‫ويشري كراسويل إىل عدة أنواع من البحث اإلثنوغرايف مبا يف ذلك البحث اإلثنوغرايف التقليدي‪ ،‬البحث‬
‫اإلثنوغرايف الذايت‪ ،‬النسوي‪ ،‬السردي لتاريخ احلياة واخلاص بتحليل الصورة(الصورة الفوتوغرافية‪ ،‬أشرطة الفيديو)‬
‫والبحث اإلثنوغرايف النقدي‪.‬‬
‫‪.1‬تقنيات املنهج االثنوغرايف‪:‬‬
‫املالحظة‪:‬‬
‫تعد املالحظة من أهم وسائل البحث ومجع املعلومات عن الظواهر املدروسة‪ ،‬وتعرف أبهنا تقنية مباشرة‬
‫للتقصي‪ ،‬تستعمل عادة يف مشاهدة جمموعة ما‪ ،‬بصفة مباشرة هبدف أخذ معلومات كيفية من أجل فهم املواقف‬
‫والسلوكات‪ 1.‬ويعرف أمحد بن مرسلي املالحظة العلمية‪ ":‬أبهنا مشاهدة الظاهرة حمل الدراسة عن كثب يف إطارها‬
‫املتميز ووفق ظروفها الطبيعية‪ ،‬حيث يتمكن الباحث من مراقبة تصرفات وتفاعالت املبحوثني‪ ،‬وهي عملية‬
‫مقصودة تسري وفق اخلطة املرسومة للبحث يف إطار املنهج املتبع‪ ،‬وهدفها ينحصر يف مشاهدة اجلوانب اخلاضعة‬

‫‪ 1‬موريس أجنرس‪ ،‬ترمجة بوزيد صحراوي‪ ،‬كمال بوشرف وسعيد سبعون‪ ،‬منهجية البحث العلمي يف العلوم اإلنسانية‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪،4111‬ص ‪.122‬‬

‫‪56‬‬
‫للدراسة‪ 1.‬وهي إحد الوسائل املهمة يف مجع البياانت واملعلومات‪ ،‬وعرفها عمار بوحوش أبهنا توجيه احلواس‬
‫‪2‬‬
‫ملشاهدة ومراقبة سلوك معني أو ظاهرة معينة وتسجيل جوانب ذلك السلوك أو خصائصه‪.‬‬
‫غري أن املالحظة املقصودة يف البحث االثنوغرايف هي تلك املالحظة اليت تتكلل من خالل االندماج الكلي‬
‫مع املبحوثني وهذا ما ميكن أن نطلق عنه املالحظة ابملشاركة‪ ،‬وأن تكون ابحثًا أنثربولوجيًا وختوض غمار العمل‬
‫يتم الكشف عن‬‫امليداين فتلك مهمة ينبغي أن تتسلح هلا ابملناهج‪/‬الطرق والتقنيات املالئمة اليت هبا ّ‬
‫تفاصيل الظاهرة املدروسة ومعرفة العالقات اليت تربط بني عناصرها‪.‬‬
‫املشاركة‪participant observation:‬‬ ‫املالحظة‬
‫مت تعريف مصطلح "مراقبة املشاركني" ألول مرة من قبل علماء االجتماع يف شيكاغو يف فرتة ما بني احلربني‪ ،‬يف‬
‫وآخرون مبالحظة املشاركني‪ ،3‬لكن هذا النوع من املالحظات حيتاج إىل دقة‬ ‫‪Malinowski‬‬ ‫السابق‪ ،‬حيث قام‬
‫ومهارة جتعل الكثريين يشككون يف مد فعاليتها يف الوصول اىل معطيات موضوعية ونتائج حمكمة عن احلقل‬
‫املدروس‪ .‬إن املالحظة اب ملشاركة تقنية حبثية ينبغي أن يقوم الباحث فيها بدور املشارك يف حياة أفراد اجلماعة اليت‬
‫ينوي دراستها وأن يقوم بسائر أوجه النشاطات اليت يقومون هبا يف فرتة الدراسة ويستلزم أن يصبح عضواً منهم‬
‫يعيش ظروف حياهتم وخيضع جلميع املؤثرات اليت خيضعون هلا حىت قال فيها ‪ Alain Touraine‬إ ّن املغز من‬
‫املالحظة‬ ‫ويعرف‬
‫‪Georges Lapassade‬‬ ‫املالحظة املشاركة هو فهم اآلخر من خالل تقاسم ظروف مشرتكة‪ّ .‬‬
‫ابملشا مركة بقوله هي طريقة يشارك فيها الباحث يف احلياة اليومية للمجموعة االجتماعية موضوع البحث‪ ،‬هبدف‬
‫مضاعفة املعارف‪ .‬وهذه الطريقة تلغي املسافة الفاصلة بني الباحث وموضوع البحث‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬تستدعي املالحظة ابملشاركة اإلقامة واملكوث يف احلقل املدروس‪ ،‬وحتقيق االندماج مما حيقق سهولة‬
‫احلصول على املعلومات وتدوين املالحظات وتسجيلها قصد حتليال وتفسريها وأتويلها يف مراحل الحقة من‬
‫البحث اإلثنوغرايف‪ ،‬كما تعد تقنية شديدة األمهية واحلساسية لكون املسافة الفاصلة بني الباحث واملبحوث تكاد‬
‫تنعدم وهنا تتموقع حدود كال من املوضوعية والذاتية‪.‬‬
‫فإذا ما كان على الباحث األنرتبولوجي أن يكون موضوعيًا يف نقل املالحظات امليدانية (اليت تتحول الح ًقا‬
‫إىل معطيات قد متّ تسجيلها) فإ ّن هذه املوضوعية تنحصر يف األمانة البحثية يف نقل املعلومات ويف حماوالت‬

‫‪ 1‬أمحد بن مرسلي‪ ،‬مناهج البحث العلمي يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،4112 ،‬ص ‪.412‬‬
‫‪ 2‬عمار بوحوش‪ ،‬حممد حممود الذنيبات‪ ،‬منهج البحث العلمي أسسه وأساليبه‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة املنار‪ ،‬األردن‪ ،1222 ،‬ص‪.24‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Judith Okely, Anthropological Practice Fieldwork and the Ethnographic Method, available at‬‬
‫‪https://www.routledge.com, accessed 14 june 2021.‬‬

‫‪57‬‬
‫فخ االسقاطات الثقافية على احلقل املدروس‪ .‬بناء عليه فاملعطيات املالحظة‬
‫التورط يف ّ‬
‫الباحث املستمرة لعدم ّ‬
‫ليست حقائق واقعية ملموسة تلتقط وحتفظ بصرف النظر عن الباحث (فهذا وهم املوضوعية) كما إهنا ليست‬
‫انشاءات ذهنية وعاطفية صرفة (فهذا وهم الذاتية)‪ ،‬إّّنا هي معطيات جيري دراستها مبوضوعية‪ ،‬من خالل الباحث‬
‫عاما لد الباحثني‪ ،‬فمالحظات‬ ‫موحدا أو ً‬
‫متفاعال معها‪ .‬ال ميكن هلذا اإلدراك أن يكون ً‬
‫ً‬ ‫الذي اختارها وأدركها‬
‫الباحث تبىن من خالل ما يُالحظ‪ ،‬من خالل لغته‪ ،‬اشكاليته‪ ،‬ثقافته‪ ،‬شخصيته‪ ،‬اجملال املدروس‪ ،‬املقاربة‬
‫املعتمدة…‪ .‬اخل‪.‬‬
‫بكل أشكاهلا تعين إخضاع جمتمع الدراسة لرقابة الباحث ولكن هذا ال يقضي أن‬ ‫صحيح أ ّن املالحظة ّ‬
‫ٌ‬
‫حيدها ابإلدراك املرئي حصراً‪ ،‬بل عليه أن حيشد على ح ّد قول ‪ François Laplatine‬جمموع الفطنة واملهارة‬ ‫ّ‬
‫الشم والسمع واللمس والتذوق إىل الرتكيز على‬
‫واحلساسية املفرتض تواجدها عند الباحث واليت تقوده عرب النظر و ّ‬
‫صلُها بدقة‪ ،‬إ ّن على الباحث وعلى ح ّد تعبري مالينوفسكي أن يالحظ‬ ‫خمتلف اآلاثر واألحاسيس اليت يلتقيها ويـ َف م‬
‫ُ‬
‫يفرق بني مألوف وغريب‪ ،‬هي مالحظة ومراقبة لكل األشياء والتقاليد الشفهية واملكتوبة‬ ‫توافه احلياة اليومية‪ ،‬فال ّ‬
‫ويتم ربط كل ذلك بشبكة من العالقات حبيث يُفهم اجلزء من خالل‬ ‫للتعابري اجلسدية واإلشارات واإلمياءات؛ ّ‬
‫استنادا إىل‬
‫ً‬ ‫عالقته ابلكل‪ .‬وهذا ما يساعد يف قراءة املالحظات وحتليل املعطيات واخلروج ابستنتاجات أكثر دقة‬
‫تشبع الكاتب بثقافة اجملتمع املدروس‪ .‬وهذا هو الفارق املهم بني ابحث عايش امليدان وتشبع بثقافته وأدرك رمزية‬
‫حماوال حتليلها‪ .‬فجدارة الباحث تكمن‬
‫كل سلوك من سلوكياته وبني ابحث آخر جلس يقرأ املعطيات عن بعد ً‬
‫فيما اكتسبه بشكل ال و ٍاع من خالل مشاركة اجلماعة املدروسة حلياهتا اليومية كما تكتسب اللغة ابملمارسة‪.‬‬
‫حيرص معظم الباحثني اإلثنوغرافيني على إنشاء دليل شبكة املالحظة وهو عبارة عن قائمة مرجعية تتضمن‬
‫العناصر اليت سيتم مالحظتها ورصدها بشكل منتظم يف امليدان وتتنوع تبعا لنوع البحث وأهدافه فمنها املغلقة‬
‫واملفتوحة‪ ،‬وميكن أم يستعمل لتصوير الفوتوغرايف‪ ،‬والفيديو والفيلم وغريه‪ ،‬ورمبا العائق الذي يعرتض هذه التقنية هو‬
‫التصرفات اخلاضعة للرقابة الذاتية من املبحوثني مبجرد وجود الباحث معهم يف امليدان‪ ،‬وهذا رمبا يتالشى‬
‫وطول مدة املالحظة وهناك من يعتربها مؤشر هام يف التحليل‪1.‬وعموما فإن املالحظة املشاركة هلا اخلواص‬
‫والصفات املميزة التالية‪:‬‬
‫‪ ‬ينشئ الباحث عالقة مباشرة مع من يقومون أبعمال أتخذ يف اعتبارها أفعال وردود أفعال األفراد‪.‬‬
‫‪ ‬اإلقامة والبقاء يف بيئتهم الطبيعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪https://www.aranthropos.com, consultéle 13.04.2021 à12.00.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ ‬بغرض مالحظة ومراقبة ووصف سلوكهم‪.‬‬
‫‪ ‬ابلتفاعل معهم واملشاركة يف اإلجراءات التفصيلية الروتينية يف أجل فهم معىن أفعاهلم‪.‬‬
‫‪ ‬معرفة مبادئهم وقواعد سلوكهم (أو جزء منها على أقل تقدير) من أجل فهم معىن أفعاهلم‪.‬‬
‫ويف سياق أخر‪ ،‬يصطلح على املالحظة ابملشاركة التدخل الوظيفي وتسمى أيضا املالحظة الغري املنظمة‪ ،‬فمن‬
‫واجبات الباحث اإلثنوغرايف أتدية أدوار معينة يف جمتمع البحث‪ ،‬وذلك من أجل احلصول على معلومات‬
‫موضوعية من خالل كتابة املعايشة اليومية يف شكل تقارير يومية ‪ ، Filed Notes‬متكنه من التحليل والكشف عن‬
‫لطرق‬ ‫‪Mauss Marcel‬‬ ‫عناصر البناء االجتماعي من تصرفات وعادات وردود أفعال وغريها‪ .‬وقد تطرق‬
‫املالحظة‪ ،‬وضع خمططا يعتربه األنسب لدراسة جمتمع ما يشمل ثالث خطوات متتابعة ومرتابطة ومتكاملة‪ :‬خمطط‬
‫دراسة جمتمع‪.‬‬

‫‪ .1‬املرفولوجيا االجتماعية‪ :‬يتكون كل جمتمع من مجاهري ودراسة هذا اجملتمع ابعتباره يتكون من مجاهري ويف‬
‫ميدانه يشكل ما نسميه مورفولوجيا اجتماعية حيث يسمح بفهم الدميغرافيا واجلغرافيا البشرية‪.‬‬
‫‪ .4‬الفيزيولوجيا االجتماعية‪ :‬تدرس الظواهر ووظائفها خالل حركيتها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ .2‬الظواهر العامة‬

‫ويف سياق متصل‪ ،‬تسعى املالحظة اإلثنوغرافية يف البيئة الرقمية إىل مراقبة املشاركني اليت تشري إىل عملية‬
‫التعلم من خالل التعرض إىل املشاركة يف األنشطة الروتينية للمبحوثني يوما بعد يوم على الشبكة‪ ،‬وهذا ما يتيح‬
‫الطويل‪ ،‬ويسمح ابلفهم املتعمق للديناميات‬ ‫للباحث اإلثنوغرايف حتديد وبناء العالقات معهم على املد‬
‫االجتماعية واحلدود املادية‪ ،‬واكتساب اخلربات الثقافية ضمن سياقها االجتماعي وملراقبتهم البد من اندماجه‬
‫وتفاعله معهم يف نشاطاهتم االفرتاضية‪ ،‬مع اإلعداد املسبق ملا سيسأله وسيالحظه‪ ،‬وهنا ميكن أن تكون على‬
‫الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ 1‬كنزة حاج حامدري‪ ،‬دور التلفزيون يف تشكيل بعض القيم لد املرأة الريفية اجلزائرية دراسة حالة على عينة من الريفيات اجلزائرايت‪ ،‬رسالة ماجستري‪،‬‬
‫قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واالعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،4111-2،4111‬ص‪.21‬‬

‫‪59‬‬
‫املالحظة على اخلط‪:‬‬

‫تضع دراسات الشبكات االجتماعية الرقمية‪ ،‬منهجيا‪ ،‬نفسها يف تقليد البحوث اإلثنوغرافية‪ ،‬وهذا نظرا‬
‫لعدم كفاية النظرايت التقليدية يف شرح سلوكيات املستخدمني هبذه املواقع‪ ،‬وهبذا فهي تشهد احلاجة إىل‬
‫منهجيات مناسبة لدراسة هذه الظواهر‪ ،‬وتعتمد على أسلوب البحث النوعي الذي يهدف إىل بناء الفهم‪ ،‬بدال‬
‫من جمرد القياس‪ ،‬وهذا ابالعتماد على تقنية مراقبة املشاركني على اخلط‪ ،‬ابعتبارها األداة األنسب للتحقيق يف‬
‫العمليات واملمارسات االجتماعية االتصالية‪ ،‬وجلمع وحتليل البياانت يف البيئة الطبيعية للظاهرة املدروسة‪ ،‬واليت‬
‫ميكن أن يكون من الصعب احلصول عليها من خالل أدوات أخر ‪ ،‬فهي تكشف عن مشاكل ضمنية وتقدم‬
‫نظرة اثقبة هامة ومعلومات حول اجلوانب غري الرمسية للتفاعالت والعالقات بني املبحوثني‪.‬‬

‫وتستند تقنية مجع البياانت يف املالحظة على اخلط على التفاعالت االفرتاضية‪ ،‬فاجملتمعات على االنرتنت‬
‫ميكن أن تكون قائمة ومتنامية) مثل جمتمعات املصادر املفتوحة (أين يقوم األفراد بتبادل املعلومات واملعرفة‬
‫فالنصوص اليت يتبادلوهنا جيب أن حتتوي على معلومات خمتلفة عن جوانب العالقات من خالل التواصل بني‬
‫املبحوثني‪ ،‬حيث تشري املالحظة اإلثنوغرافية إىل التبادالت النصية اليت ميكن أن تكون متزامنة) أي يف وقت واحد‬
‫مثل الدردشة (أو غري متزامنة) مثل الربيد اإللكرتوين ‪(.‬ويتم ذلك ضمن القوائم الربيدية) املناقشات(‪ ،‬والدردشة‬
‫ويكي‪ ،‬بلوق مع أنظمة التعليق اخلاصة هبم‪ ،‬وغريها من املنصات التفاعلية‪ .‬على غرار االنستغرام و التوتري وغريه‪.‬‬

‫وتعترب‪ ،‬على العموم‪ ،‬املالحظة واحدة من طرق توليد نتائج نوعية‪ ،‬وقد وصفت أبهنا" أوصاف العمل‬
‫امليداين من األنشطة والسلوك‪ ،‬واإلجراءات‪ ،‬واحملاداثت‪ ،‬والتفاعالت بني األشخاص‪ ،‬أو العمليات التنظيمية أو‬
‫اجملتمعية أو أي جانب آخر من جوانب املبحوث‪ ،‬مع التحرر من قيود الزمن واملكان‪ ،‬فعرب استخدامها يتم التغلب‬
‫على املسافة اجلغرافية‪ ،‬وميكن الوصول إىل املبحوثني بسهولة يف مكان لقائهم وتفاعلهم‪ ،‬وميكن أن تكون إما علنية‬
‫أو سرية‪ ،‬أو علنية وسرية يف ذات الوقت أين ميكن للباحث أن يفرتض دور املراقب اهلجني‪ ،‬فيكون من اخلارج‬
‫ومن الداخل بدرجات خمتلفة‪ ،‬ووفقا لذلك‪ ،‬هناك أربعة خيارات عامة للمالحظة على اخلط وتندرج يف الفئات‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫املشارك الكامل‪:‬‬
‫ويتحمل املشارك الكامل دور التحقيق من خالل أن يصبح عضوا كامال يف اجملموعة اليت متت مالحظتها‬
‫دون الكشف عن هويته اخلاصة‪ ،‬ومن األسباب الرئيسية الختيار هذا النهج من الرصد‪ ،‬هو جتنب عدم ادراك‬
‫املبحوثني أهنم حتت املالحظة‪ ،‬وهذا لتفادي تغيري سلوكهم يف حالة اكتشافهم أهنم حمل للدراسة‪ ،‬فالكثري منهم يف‬
‫حالة إدراكه ذلك إما يقوم بتغيري ممارساته وفقا لتوقعات الباحث‪ ،‬أو يقوم حبجب بياانته عنه كي ال يتم دراسته‪،‬‬
‫وهنا على الباحث أن يتبع هذه الطريقة لكي تكون البياانت املتحصل عليها أكرب وأكثر دقة‪ ،‬ابعتبار الباحث‬
‫عضوا يف اجلماعة لفرتة طويلة إال أن هذا الدور للمراقب يثري املخاوف األخالقية‪ ،‬كونه غري صادق يف هويته‬
‫احلقيقية‪ ،‬إال أنه ورغم هذا ميلك فرصة الوصول إىل فهم أعمق للتحقيق والكشف عن الظواهر اليت لن يكون قادرا‬
‫‪1‬‬
‫على الكشف عنها من خالل وسائل أخر ‪.‬‬
‫‪ ‬املالحظ املشارك كمراقب‪:‬‬
‫يقوم املشارك كمراقب عضو داخل جمموعة على الفيسبوك مثال فيدرس اجملتمع املكون من أعضاء هذه اجملموعة‬
‫عن كثب عن طريق قضائه وقتا كبريا يف التفاعل معهم أو ما يسمى التواجد الرقمي املتزامن‪.‬‬
‫‪ ‬املالحظ املراقب كمشارك‪ :‬هنا يعلم الباحث اجملموعة اليت ينتمي إليها بدوره ومهامه‪.‬‬
‫‪ ‬املالحظ املراقب الكامل‪ :‬ال يعلم الباحث املبحوثني ابجراءه للمالحظة دون مشاركة أو تفاعل‪.‬‬
‫وتتوقف عملية املالحظة على دقة التسجيل وذكر التفاصيل واجلزئيات ‪.‬‬
‫والكارتوغرافية‪Cartographique:‬‬ ‫الطريقة املورفولوجية‬
‫واليت هلا عالقة برسم اخلرائط اجلغرافية‪ :‬تقام على كل أعضاء اجملتمع حمل الدراسة‪ ،‬وجيب أيضا وضع خريطة‬
‫جغرافية للمجتمع املدروس كما يتم تسجيل كل املواضع اليت ميكن أن نرصد فيها حضور أفراد اجملموعات املدروسة‬
‫وعددها وعدد سكاهنا‪ ،‬فاإلحصاء الدميغرايف يعترب أساس أي مهمة‪ ،‬أما ابلنسبة لألسر فاجلرد جيب أن يكون‬
‫‪Une fiche‬‬ ‫كامال من خالل حتديد‪ :‬العمر‪ ،‬اجلنس والطبقة‪...،‬إخل‪ .‬وتتضمن طريقة اجلرد وثيقة كارتوغرافية‬
‫تسمح بتحديد كل موضع دقة‪ :‬خمطط املنزل‪ ،‬خمطط كل طابق منه إن أمكن وخمطط كل‬ ‫‪cartographique‬‬

‫غرفة‪...،‬اخل هذا ملا يتعلق األمر ابلبيئة الواقعية أما البيئة االفرتاضية فهناك خرائط كارتوغرافية للمواقع واملنصات‬
‫ميكن االستعانة هبا يف البحث اإلثنوغرايف‪.‬‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬حماضرات مقياس إثنوغرافيا اجلمهور ومستخدمي الوسائط اجلديدة‪،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الطريقة التصويرية الفونوغرافية‪:‬‬
‫جيب تصوير كل األشياء املدروسة دون إمهال أي عنصر وجيب أن ترفق عملية التصوير ابلتحديد الوقت‬
‫واملكان واألبعاد اخلاصة بكل صورة‪ ،‬أما يف البيئة الرقمية وجب وضع لقطات للشاشة ‪ Capture décorant‬أو‬
‫تسجيل الصور والفيديوهات عن طريق التقنيات التسجيل املتوفرة يف األجهزة الذكية‪.‬‬
‫الطريقة الفونوغرافية‪:‬‬
‫ونقصد هبا تسجيل األصوات‪ ،‬وال نقصد بذلك صوت اإلنسان فحسب‪ ،‬بل جيدر ابلباحث تسجيل كل‬
‫شيء فال يهمل املوسيقى احمليطة به وضرابت األقدام واألايدي‪...،‬إخل‪ .‬ومن املهم أن يصاحب كل تسجيل ترمجة‬
‫مع تعليق يسمح بتحويله إىل نص‪.‬‬
‫‪Méthode philologique‬‬ ‫الطريقة الفيلولوجية‪:‬‬
‫وهي طريقة فقه اللغة‪ ،‬وتفرتض معرفة الباحث بلغة الشعوب األصلية "‪ "la langue indigène‬حيث جيد‬
‫الباحث نفسه ملزما بتأسيس جمموعة كاملة من النصوص املسموعة‪ ،‬دون أي إقصاء مبا فيها النصوص اللفظية أو‬
‫السوقية اليت ال تقل أمهية‪ ،‬فيجب عليه نقل كل الكلمات األصلية "‪ "Les mots indigènes‬وتسجيل املوسيقى‬
‫عندما يتعلق األمر ابلغات اليت حتتوي عدة هلجات‪ ،‬كما تعد عملية البحث عن خمربين قادرين على إعطاء عادات‬
‫اثبتة أفضل طريقة لتعلم لغة البلد حمل الدراسة‪ ،‬إذ أن التسجيل الفيلولوجي جيب أن يتم كلمة مع احلفاظ على‬
‫صحة الرتمجة‪.‬‬
‫‪Méthode sociologique‬‬ ‫الطريقة السوسيولوجية‪:‬‬
‫تقوم هذه الدراسة أساسا على اتريخ اجملتمع املدروس‪ ،‬حيث جتدر العودة إىل ثالثة أو أربعة أجيال سابقة‪،‬‬
‫كما جتدر دراسة تركيبية اجملتمع والرتكيز على اتريخ األسر‪ ،‬ابعتبار أن األسرة هي اخللية األساسية للمجتمع‪ ،‬ومن‬
‫مث اتريخ األفراد‪ .‬إن االستعمال املتزامن ملختلف الطرائق ال يسمح فقط ابلوصول إىل حتديد اجلماهري بل ميكن‬
‫أيضا التوصل إىل حتديد األفراد املتواجدين ضمن اجلمهور والتعرف عليهم أكثر فأكثر‪ ،‬وللتحديد أكثر‪ ،‬فإن‬
‫املالحظة جيب أن تكون كاملة وشاملة لكل اجلوانب‪ :‬أين؟ من قبل من؟ مىت؟ كيف؟ وملاذا وقع هذا الشيء أو‬
‫‪1‬‬
‫ذاك؟ وغريها من األسئلة التحليلية الدقيقة‪ ،‬واليت من خالهلا ميكن التوصل إىل نتائج دقيقة وواضحة‪.‬‬

‫‪ 1‬مرمي دهان‪ ،‬املقاربة االثنوغرافية‪ ،‬تعريفها‪ ،‬مميزاهتا تقنياهتا‪ ،‬وعالقاهتا لدراايت اجلمهور‪ ،‬جملة اتريخ العلوم‪ ،‬العدد الثامن ج‪ ،1‬جوان‪.4112‬‬

‫‪62‬‬
‫‪.2‬الوثيقة اإلثنوغرافية‪:‬‬
‫الوثيقة اإلثنوغرافية هي دليل ميداين يكون حبوزة أي ابحث إثنوغرايف حبيث خيتلف الدليل امليداين من‬
‫ابحث آلخر وذلك ابختالف موضوع البحث وابختالف رؤية الباحث وزاوية نظره حول املوضوع بنفسه‪ ،‬فمن‬
‫بني مميزات هذه الوثيقة اإلثنوغرافية أهنا مرنة أي قابلة للتعديل وغري اثبتة فهي تعترب أحد االجتهادات اليت يقوم هبا‬
‫الباحث ويتميز هبا عن غريه‪ ،‬فهو عبارة عن دفرت مشاهدات يقوم الباحث بتصميمه وبعد ذلك ينزل مليدان‬
‫البحث ويسجل ما مت مالحظته و رصده من سلوكيات وتفاعالت الصادرة من عينة الدراسة أو املبحوثني‬
‫املشكلني لوحدة الدراسة‪ ،‬ولكن يشرتط على الباحث أن يسجل األشياء املهمة اليت جتيبه عن إشكالية الدراسة‬
‫وبعد هذه املرحلة أي مرحلة املالحظة والتسجيل أتيت مرحلة أخر مهمة وهي مرحلة التحليل والتفسري وهي‬
‫مرحلة يصنف هبا الباحث ما شاهده ويرتب أفكاره ومن مث حياول ربطها مبا صرحوا به من خالل املقابلة البحثية‬
‫ومن خالل هذا الربط‪ ،‬حياول الباحث هنا أتويل هذه السلوكيات مبا شاهده يف سياقهم االجتماعي من ظروف‬
‫حميطة هبم ومن مت يتوصل الباحث إلجاابت على أسئلته الفرعية ومن مث جييب عن سؤاله الرئيسي‪ ،‬وال ميكن تعميم‬
‫هذه النتائج على مجيع اجملتمعات بل هي نتائج ختص هؤالء املفردات فقط أو مبن يشاهبهم يف الظروف وميكن من‬
‫خالل هذا البحث االثنوغرايف اخلروج بفرضيات وتوصيات هامة قد تكون انطالقة لبحوث أخر يف املستقبل ‪.‬‬
‫أ‪.‬متطلبات الوثيقة اإلثنوغرافية‪:‬‬
‫أن يصممها الباحث بنفسه وفق ما يتفق وأهداف دراسته‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫أن تكون شاملة ووافيه جتيب عن تساؤالت الدراسة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫أن يكون الباحث موضوعي ويضع حمددات أو مؤشرات علمية مهمة وال يضع هلا بدائل حمددة بل‬ ‫‪.2‬‬

‫يسجل احلقائق كما هي‪.‬‬


‫أن يتوفر لديه الوقت الكايف واإلمكاانت املادية الالزمة للوصول الستنتاجات دقيقة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫أن يكون الباحث متمكن يف تطبيق أدوات البحث االثنوغرايف أو أن يشرك ابحثني متخصصني‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ب‪ .‬تصميم الوثيقة اإلثنوغرافية‪:‬‬

‫ختتلف الوثيقة اإلثنوغرافية من ابحث ألخر فهي عبارة عن دفرت يرتب العمل امليداين ليكون العمل منظم‬
‫وإبتقان اتم وبطبيعة احلال خيدم أهداف الدراسة إال أهنا تشرتك يف العديد من النقاط منها‪:‬‬

‫‪ .1‬أوال نصمم جدول حيتوي على بياانت املبحوثني‪ ،‬توقيت رصد املالحظة ونوعها وحمتواها‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ .4‬التحليل والتفسري‪.‬‬
‫‪ .3‬مث التأويل والوصول إىل االستنتاجات العامة وهي أخر مرحلة من مراحل تصميم الوثيقة اإلثنوغرافية‪.‬‬
‫منوذجرتصمميرنلووياد ةرنالوغوافناسد ة ر‬
‫ش بكد ةرنملالحظد ة ر‬
‫نلتفسرير نلتأأ يل ر‬ ‫نملالحظ ت ر‬ ‫نمسرنملبحوث ر‬ ‫سمقرنملبحوث(ة) ر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫‪.3‬املقابلة‪:‬‬
‫املقابالت هي أداة حمورية يف اإلثنوغرافيا‪ ،‬وهي عادة غري رمسية‪ ،‬مفتوحة‪ ،‬واهلدف من ذلك هو توليد ردود‬
‫فعل صادقة من املشاركني‪ ،‬فقد تكون أفضل نقطة‪ ،‬خاصة مع احملاداثت اليت تتطلب عالقة متساوية متبادلة بني‬
‫اإلثنوغرايف واملبحوث‪ ،‬ومن األفضل أن تكون وجها لوجه يف البيئة االفرتاضية عرب كامريا الويب‪ ،‬حيث ميكن أن‬
‫أيخذ الباحث بعني االعتبار النظر إىل تعبريات الوجه واإلمياءات اجلسدية‪ ،‬مع حتديد اجتاه املقابلة يف حد ذاته‬
‫فاملبحوث قد يركز على القضااي اليت ينتمي إليها ويفرتض على الباحث أن يسمعها‪ ،‬وعلى هذا األخري أيضا أن‬
‫يضمن سريته وخصوصيته‪ ،‬فإذا كان يرغب يف تسجيل املقابلة‪ ،‬جيب عليه أن يطلب اإلذن‪ ،‬وهذا ليشعر املبحوث‬
‫ابلراحة ويثق فيه‪ ،‬مما يوفر معلومات وبياانت غزيرة وأكثر جدية‪ ،‬وهذا بعد طمأنته أن وجهات نظره مهمة وذات‬
‫قيمة ابلنسبة للدراسة‪.‬كما جيب على الباحث يف صياغة األسئلة اخلاصة ابلبحث‪ ،‬أن يراعي طبيعة املبحوثني‪ ،‬وأن‬
‫تكون األسئلة بسيطة ومفهومة وحمددة‪ ،‬وهبذا وفرت البيئة االفرتاضية إمكانية إجراء املقابالت بيسر وبكل الطرق‬
‫واآلليات اليت وقرهتا التقنيات الرقمية‪.‬وينطوي العمل امليداين يف اإلثنوغرافيا االفرتاضية على االنغماس الشديد يف‬
‫التفاعالت واملناقشات واحملتو الذي ينتجه املشاركون عرب مواقع شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬وهبذا فإن التقاط‬
‫البياانت اإلثنوغرافية يكون عرب املالحظات‪ ،‬واملقابالت‪ ،‬اليت يتم توثيقها من خالل التقاط الصور اليت تدعهما‬
‫وهذا على أساس منتظم‪ ،‬لوصف األنشطة يف التفاصيل الفعلية والتسلسل الفعلي‪ ،‬ووضعها يف سياقها األوسع‪ ،‬مما‬
‫يسمح له مبمارسة نوع من العفوية مع املمارسات الرقمية بينهم‪ .‬وحتظى املقابلة االلكرتونية مبجموعة من املزااي‬
‫متكن الباحث من التعرف على املشاعر والسلوكيات بشكل سهل‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬يقوم الباحث اإلثنوغرايف عند دراسة مستخدمي الفضاءات االفرتاضية مبعايشتهم وهذا لفرتة معتربة‬
‫من من الزمن‪ ،‬هبدف توضيح أّناط وكيفيات استخدام األفراد للشبكة‪ ،‬وتفسري سلوكياهتم واملعتقدات واالجتاهات‬
‫والتمثالت الثقافية واإلدراك والدوافع اخلاصة هبم‪ ،‬وكذلك التأويالت والتفسريات املختلفة اليت يقدموهنا عند‬
‫‪64‬‬
‫استخدامهم هلا‪ ،‬وكذلك ميكن االعتماد على االستبيان‪ ،‬وميكن اللجوء إىل الواثئق للتحليل فيستحضر الباحث‬
‫نظرايت لتفسري السلوكيات‪،‬كمدرسة فرانكفورت نظرية روالن ابرث موت املؤلف‪ ،‬الرتميز وفك الرتميز هلول‪ ،‬أي‬
‫‪1‬‬
‫يعتمد على النظرايت اليت تساعد على فهم االختالفات يف أتويل الرسائل اإلعالمية‪.‬‬
‫املقابلة االثنوجرافية ‪:Ethnographic Interview‬‬
‫تتكون املقابالت االثنوجرافية من أسئلة ذات إجاابت مفتوحة‪ ،‬وذلك من أجل احلصول على معلومات‬
‫حياهتم‪.‬‬ ‫يف‬ ‫مهمة‬ ‫وألحداث‬ ‫لعاملهم‪،‬‬ ‫وإدراكهم‬ ‫املشاركني‬ ‫حبياة‬ ‫صلة‬ ‫ذات‬
‫وأتخذ املقابالت النوعية عدة أشكال‪ ،‬منها مقابالت غري رمسية ومقابالت شبه رمسية وأخرى رمسية‪ ،‬واملقابالت‬
‫املفتوحة املقننة‪ ،‬وختتلف هذه املقابالت يف بنائها وختطيطها‪ ،‬ففي املقابلة غري الرمسية تطرح األسئلة بشكل عفوي‬
‫حبيث تنسجم مع السري الطبيعي لألحداث‪ .‬أما فيما خيص املقابلة شبه املقننة فيتم اختيار املواضيع اليت سيتم‬
‫مجع البياانت عنها بشكل مسبق‪ ،‬وتطرح األسئلة برتتيب يقرره الباحث‪ ،‬كما يقرر مد العمق الذي ميكن أن‬
‫يذهب إليه يف مجع البياانت‪ ،‬أما يف حالة املقابلة املقننة فيتم طرح األسئلة بنفس الرتتيب الذي أتت به دون تغيري‪،‬‬
‫وذلك للتقليل من حتيز املقابل‪ ،‬و يبقى اهلدف من إجراء املقابلة هو احملدد لنوعها‪.‬‬
‫‪.4‬الواثئق‪:‬‬
‫إن مجع الواثئق والعينات املادية وغري املادية هي طريقة غري تفاعلية يف احلصول على البياانت‪ ،‬ويسعى‬
‫الباحث ابستخدام هذه الطريقة إىل احلصول على معلومات من الواثئق والعينات املادية وغري املادية‪.‬‬
‫فالواثئق وامللفات والعينات املادية وغري املادية متثل انعكاساً للمعتقدات والسلوكيات اليت تشكل الثقافة‪ ،‬فهي‬
‫تصف اخلربات اإلنسانية واألفعال والقيم‪ ،‬فاإلثنوغرافية يف هذا اجملال يتبىن أساليب املؤرخني يف حتليل الواثئق‬
‫وأساليب علماء اآلاثر يف دراستهم األشياء اليت أوجدها القدماء‪ ،‬ومن هذه الواثئق‪:‬‬
‫الواثئق الشخصية ‪:‬‬
‫وتتضمن املفكرات والرسائل الشخصية والسجالت القصصية‪.‬‬
‫الواثئق الرمسية ‪:‬أتخذ الواثئق الرمسية أشكاالً متعددة منها واثئق املؤمترات ونصوص االجتماعات وأوراق العمل‬
‫ومسودات املخططات‪ ،‬وتعترب هذه واثئق غري رمسية تربز وجهة نظر داخلية صادرة عن مؤسسة ما لوصف‬
‫الوظائف والقيم‪ ،‬وميكن أن تزود الباحث إبشارات حول أسلوب اإلدارة والقيادة‪.‬‬
‫األشياء ‪:‬وهي عبارة عن رموز وكياانت حمسوسة تكشف عن العمليات االجتماعية واملعاين والقيم‪ ،‬ومن األمثلة‬

‫‪ 1‬أمينة بصافة‪ ،‬حماضرات مقياس اثنوغرافيا اجلمهور ومستخدمي الوسائط اجلديدة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫عليها‪ :‬اجملسمات والكؤوس الرايضية والشهادات وامللصقات والشعارات الرمسية‪.‬‬
‫مؤشرات القدم والتلف‪ :‬تشري هذه املقاييس إىل درجة آتكل بعض املرافق العامة يف املدرسة مثالً‪ ،‬فإن آتكل‬
‫املمرات املدرسية والقاعات والساحات وغريها تعترب مؤشراً على القدم والتلف‪ ،‬وهلا معاين حمددة للباحث‪.‬‬
‫‪.5‬كتابة التقرير اإلثنوغرايف‪:‬‬
‫مع البياانت اإلثنوغرافية غالبا ما يؤدي إىل تتويج أكوام من احلقول امليدانية واملقابالت‪ ،‬وأكوام من الواثئق‬
‫واخلرائط والسجالت‪ ،‬والتحف‪ ،‬والرسومات‪ ،‬والرسوم البيانية‪ ،‬جنبا إىل جنب مع جمموعة من الصور وأشرطة‬
‫الفيديو والصوت‪ ،‬وهنا قد يشعر الباحث أن البياانت قد طغت متاما‪ ،‬ويسأل نفسه عن كيفية كتابة مجيع هذه‬
‫املواد‪ ،‬ولكن ما عليه إال أن يقسم عملية الكتابة االثنوغرافية إىل أربعة مراحل‪ ،‬بدء ا من القراءة واستعراض‬
‫البياانت‪ ،‬ويلي ذلك مرحلة حتليلها‪ ،‬وذلك برتميزها واستنباط املواضيع‪ ،‬اخلطوة التالية تكون بتحويل هذه البياانت‬
‫اخلام إىل سرد وصفي‪ ،‬مث تليها مرحلة املناقشة حول تفسريها‪ ،‬فاهلدف العام من البحث االثنوغرايف الذهاب إىل ما‬
‫وراء النتائج جبعلها ذات مغز للقارئ‪ ،‬ومن املهم أيضا فهم أن كتابة البحوث اإلثنوغرافية يتم دائما بشكل‬
‫متكرر وبشكل مستمر طوال عملية البحث‪ ،‬حيث جيب القراءة ابستمرار ومراجعة البياانت والواثئق اليت مت مجعها‬
‫وهذا ما يساعد على سد الثغرات إن وجدت‪ ،‬وال بد من التحلي ابلصرب واالستعانة ابالستشهاد من خمتلف‬
‫األدبيات واملؤلفات ذات الصلة ابلتقرير اإلثنوغرايف لدعم حجج الباحث والنتائج املتوصل إليها‪ ،‬وحتقيق مصداقية‬
‫البحث‪ ،‬واليت تتحقق أيضا من خالل كتابة احملاداثت والتعليقات بدقة‪ ،‬وحتويل الصور ومقاطع الفيديو إىل‬
‫كلمات ونصوص‪ ،‬كما جيب على الباحث اإلثنوغرايف أن يركز يف كتابته االثنوغرافية على ما متت مالحظته واليت‬
‫ينبغي أن تكون حول جمموعة من اجملاالت تتمثل يف ما يلي‪:‬‬
‫* اجلهات الفاعلة عينة الدراسة وخصائصها اخلاصة‪.‬‬
‫* السلوكيات اليت تقوم هبا هذه اجلهات الفاعلة من حيث األفعال) حىت أصغر وحدات السلوك(‪ ،‬واألنشطة‬
‫جمموعة من األفعال ذات الصلة(‪ ،‬واألحداث) جمموعة من األحداث ذات الصلة‪(.‬‬
‫* احليز الذي تشغله هذه اجلهات الفاعلة‪ ،‬وكيف تقع هذه اجلهات الفاعلة يف الفضاء الذي ميثل املساحة‬
‫املستخدمة يف البيئة االجتماعية املدروسة‪.‬‬
‫* الكائنات األخر املوجودة يف هذا الفضاء‪ ،‬وكيف يتم وضعها أو ترتيبها‪.‬‬
‫* وقت الرصد) ساعات من اليوم‪ ،‬أايم من األسبوع‪ ،‬أشهر حمددة أو مواسم السنة(‪.‬‬
‫* رصد األهداف املرتبطة بسلوك اجلهات الفاعلة؟‬

‫‪66‬‬
‫* هل يبدو أن السلوكيات تتم أبي مستو من املشاعر؟‬
‫* اللغة املستخدمة من قبل اجلهات الفاعلة‪ ،‬وخمتلف أشكال الثقافة التعبريية اليت وجدت يف البيئة االجتماعية‪.‬‬
‫وراء اللغة العامة) مثل املوسيقى‪ ،‬واألغاين‪ ،‬والرق ‪ ،‬والفنون‪ ،‬واهلندسة املعمارية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫* أّناط التفاعل والتواصل اليت حتدث بني الفاعلني يف اإلطار االجتماعي‪.‬‬
‫* حمتو اخلطاب الذي يبدو أنه يؤثر على اجلهات الفاعلة‪.‬‬
‫* وجود جمموعات أو األشخاص اليت ميكن أن تكون متباينة من قبل البعض أو القائمة على التشابه املشرتك مثل‬
‫النوع أو العمر أو القرابة أو املهنة أو أي نوع آخر من االنتماءات‪.‬‬
‫* السياق النظامي االجتماعي للجهات الفاعلة ‪ ،‬فالسياق هو تفاعلي وينبغي التحقيق يف السياقات خاصة يف‬
‫البيئات االفرتاضية‪.‬‬
‫وكنتيجة ملا سبق تعترب االثنوغرافيا االفرتاضية مفهوم منهجي جديد‪ ،‬رغم أن كثري من الباحثني يرون أن‬
‫اجملتمعات على االنرتنت هي امتداد للمجتمعات التقليدية‪ ،‬وعلى الرغم من االنتقادات املوجهة هلذا املنهج‪ ،‬لكنها‬
‫تبقى السائدة يف جمال حبوث البيئة الرقمية‪ ،‬حيث أن أغلب البحوث يف الوسط األكادميي الغريب األجنلوساكسوين‬
‫والفرانكفوين توصي ابستخدامها‪ ،‬كوهنا تطرح أسئلة حبثية تكون أكثر تفصيال من االستبيان‪ ،‬فهي تستخدم‬
‫للتأكد من صحة املعلومات وفهم السياق الذي يوجد فيه املشاركون‪ ،‬كوهنا تساعد على بناء صورة شاملة هلم‪،‬‬
‫فاستخدام الطرق اإلثنوغرافية للبحث يف املنتدايت عرب االنرتنت حمفوف ابلقضااي‪ ،‬فقد تستغرق وقتا طويال‬
‫للبحث ولكن تعطي حملة إثنوغرافية مرضية ‪.‬‬
‫وتساهم االثنوغرافيا االفرتاضية يف دراسة اجملتمعات املادية واالجتماعية وخمتلف التفاعالت اليت حتدث يف‬
‫املساحات الرقمية‪ ،‬وذلك لفهم أعمق ملمارسات وجتارب املستخدمني‪ ،‬اليت انتقلت من العامل االجتماعي‪ ،‬وعلى‬
‫هذا النحو فهي تقوم بدراستهم يف وقتهم وفضائهم الطبيعي ويف حياهتم اليومية اخلاصة‪ ،‬واليوم مع شبكة االنرتنت‬
‫يعترب الفضاء االفرتاضي هو الفضاء الطبيعي هلم‪ ،‬الذي يقومون فيه خبلق وإعادة إنتاج العالقات االجتماعية وإنتاج‬
‫اهلوايت وإعادة إنتاجها‪ ،‬حيث انتقلت أعماهلم اليومية إىل الواب عرب رسائل الربيد اإللكرتوين‪ ،‬الرسائل الفورية‪،‬‬
‫وحساابت وصفحات الفيسبوك‪ ،‬وتغردايت تويرت اليت تسمح ابلنشر الفوري‪ ،‬وقد أصبحت هذه املساحات‬
‫االفرتاضية أيضا مصادرا لألخبار العاملية والتنظيم السياسي واالجتماعي‪.‬‬
‫ويف خضم هذا السياق‪ ،‬مل تعد التفاعالت االجتماعية متعلقة ابلزمان واملكان فهي حتدث وفق جغرافيا‬
‫الشبكة‪ ،‬مما وفر بيئة غنية لالثنوغرافيني لدراسة احلياة االجتماعية املعاصرة‪ ،‬وابلتايل أصبحت مواقع شبكات‬

‫‪67‬‬
‫التواصل االجتماعي ويف مقدمتها الفيسبوك جزء من احلياة االجتماعية اليومية اليت نعيشها‪ ،‬اليت تعترب املقاربة‬
‫اإلثنوغرافية املقرتب املنهجي الكفيل بدراستها‪ ،‬ابعتبارها تضم مجاعات افرتاضية يشرتك أعضاؤها يف قيم ومعايري‬
‫وممارسات معينة‪ ،‬مما جيعل الفضاء االفرتاضي يزاحم الفضاء الواقعي‪ 1.‬كما وجب كتابة التقرير بشكل يتماشى مع‬
‫‪2‬‬
‫التصميم‬

‫نحمل ضـفةرنلع شــفة ر‬


‫نوغوافناســد ةرمجهــوسرنلتلفزيــون‪ .‬ر‬
‫‪ 1‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪https://www.new-educ.com, consultéle 14/03/2021 à15.30.‬‬

‫‪68‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫اإلثنوغرافيا عند استخدامها كوسيلة‪ ،‬تشري عاد ًة إىل العمل امليداين مبالحظة املشارك عادة ملدة عام أو‬

‫أكثر‪ .‬وتعين اإلثنوغرافيا أيضا صورة لشعب أو وصف مكتوب لثقافة معينة من العادات واملعتقدات والسلوك بناءً‬
‫على املعلومات اليت يتم مجعها من خالل العمل امليداين ‪ .‬وهي كذلك فن وعلم ووصف جمموعة أو ثقافة قد‬
‫يكون الوصف جملموعة ما‪ .‬وهي طريقة حبث يف العلوم االجتماعية‪ .‬يعتمد بشكل كبري على التجربة الشخصية‬
‫واملشاركة املمكنة ‪ ،‬وليس جمرد املالحظة ‪ ،‬من قبل الباحثني يف امليدان وغالبًا ما يعمل هؤالء اإلثنوغرافيون يف فرق‬
‫متعددة التخصصات‪ .‬قد تتضمن النقطة احملورية لإلثنوغرافيا يف التمكن من لغات وثقافات احلقل املدروس ‪ ،‬أو‬
‫كدراسة مكثفة جملال واحد ‪ ،‬ومزيج من األساليب التارخيية والرصدية واملقابلة‪.‬‬
‫ومن هذا املنظور‪ ،‬يوظف البحث اإلثنوغرايف النموذجي ثالثة أنواع من مجع البياانت‪ :‬املقابالت واملالحظة‬
‫والواثئق‪ .‬هذا وينتج بدوره ثالثة أنواع من البياانت‪ :‬االقتباسات واألوصاف ومقتطفات من املستندات ‪ ،‬مما أد‬
‫إىل منتج واحد‪ :‬وصف سردي‪ .‬هذا السرد يف كثري من األحيان يتضمن املخططات والرسوم البيانية والتحف‬
‫اإلضافية اليت تساعد يف سرد القصة املبحوث عنها‪.‬‬
‫وبل ميكن أن تغفل على أن اإلثنوغرافيا هلا جذورها املغروسة يف جماالت األنثروبولوجيا وعلم االجتماع‪،‬‬
‫ومنه استمد املمارسون يف الوقت احلاضر إمكانية إجراء دراسات إثنوغرافية يف منظمات وجمتمعات على غرار‬
‫التعليم والصحة العامة والريفية واحلضرية التنمية واملستهلكني والسلع االستهالكية‪ ،‬أي جمال إنساين‪ .‬بينما بشكل‬
‫خاص مبا يتناسب مع البحث االستكشايف ‪ ،‬وتعتمد اإلثنوغرافيا على جمموعة واسعة من املنهجيات النوعية‬
‫والكمية ‪ ،‬واالنتقال من "التعلم" إىل "االختبار" ‪.‬‬
‫‪.1‬اإلثنوغرافيا كطريقة‪:‬‬
‫من حيث األسلوب ‪ ،‬بشكل عام ‪ ،‬يشري مصطلح "اإلثنوغرافيا" إىل البحث االجتماعي الذي حيتوي على‬
‫‪M. Hammersley‬‬ ‫معظم السمات التالية حسب‬
‫‪ -‬يُدرس سلوك الناس يف السياقات اليومية‪ ،‬وليس يف ظل الظروف التجريبية اليت أنشأها الباحث‪.‬‬
‫‪ -‬يتم مجع البياانت من جمموعة من املصادر‪ ،‬كاملالحظة وغريها وعادة ما تكون احملاداثت غري الرمسية نسبيًا‬
‫هي احملاداثت الرئيسية‪.‬‬
‫‪ -‬هنج مجع البياانت "غري منظم مبعىن أنه غري خمطط له يف البداية‪ ،‬وإّنا يتوافق ويوميات املبحوثني‪ ،‬وهذا ال‬
‫يعين أن البحث غري منهجي‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬عادة ما يكون الرتكيز على مكان أو جمموعة واحدة ذات نطاق صغري نسبيًا‪ .‬يف البحث يف اتريخ احلياة قد‬
‫يكون الرتكيز على فرد واحد‪.‬‬
‫‪ -‬يتضمن حتليل البياانت تفسري املعاين ووظائف األفعال البشرية وتتخذ بشكل أساسي شكل األوصاف‬
‫اللفظية والتفسريات ‪ ،‬مع التحليل الكمي والتحليل اإلحصائي له دور اثنوي على األكثر كمجموعة من‬
‫مجيعا يف احلياة اليومية لفهم‬
‫األساليب ‪ ،‬اإلثنوغرافيا ليست بعيدة كل البعد عن هذا النهج الذي نستخدمه ً‬
‫تطورا تقنيًا من مناهج مثل املنهج التجرييب أو املسح االجتماعي ؛ على الرغم من‬
‫ختصصا وأقل ً‬
‫ً‬ ‫حميطنا‪ .‬أنه أقل‬
‫أن مجيع أساليب البحث االجتماعي هلا األصول التارخيية يف الطرق اليت يكتسب هبا البشر معلومات عنهم يف‬
‫احلياة اليومية‪.‬‬
‫‪.2‬إرشادات موجزة للعمل امليداين‪:‬‬
‫من الصعب‪ ،‬إن مل يكن من املستحيل‪ ،‬تقدمي جمموعة دقيقة لإلرشادات املوجزة للعمل امليداين‪ ،‬فتحديد‬
‫اهلدف من الدراسة وطبيعة اإلعداد واملهارات واالهتمامات واالحتياجات هي اليت ترسم خطة البحث امليداين‬
‫ونذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬كن وصفيًا يف تدوين املالحظات امليدانية‪.‬‬
‫‪ ‬مجع جمموعة متنوعة من املعلومات من وجهات نظر خمتلفة‪.‬‬
‫‪ ‬التحقق من الصحة خالل مجع أنواع خمتلفة من البياانت مثال‪ :‬املالحظات واملقابالت وتوثيق‬
‫الربانمج والتسجيالت والصور‪.‬‬
‫‪ ‬استخدام االقتباسات‪ .‬متثيل املشاركني يف الربانمج بشروطهم اخلاصة‪ .‬أيسر آراء املشاركني حول‬
‫جتارهبم اخلاصة بكلماهتم اخلاصة‪.‬‬
‫‪ ‬حدد املخربين الرئيسيني حبكمة واستخدمهم بعناية‪ .‬استفد من حكمتهم ووجهات نظرهم املستنرية‪،‬‬
‫ولكن ضع يف اعتبارك أن وجهات نظرهم حمدودة‪.‬‬
‫‪ ‬كن على علم ومراعاة ملختلف مراحل العمل امليداين‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ ‬بناء الثقة واأللفة يف مرحلة الدخول‪ .‬تذكر أن الباحث خيضع للمراقبة والتقييم ً‬
‫‪ ‬ابق متيقظًا ومنضبطًا خالل املرحلة الوسطى األكثر روتينًا من العمل امليداين‪.‬‬
‫‪ ‬الرتكيز على جتميع توليفة مفيدة مع اقرتاب العمل امليداين من هنايته‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ ‬التحلي ابالنضباط والضمري يف تدوين املالحظات امليدانية التفصيلية يف مجيع املراحل من العمل‬
‫امليداين‪.‬‬
‫‪ ‬املشاركة قدر اإلمكان يف جتربة البيئة املرصودة على أكمل وجه ممكن مع احلفاظ على منظور حتليلي‬
‫متأصل يف الغرض من العمل امليداين‪ :‬إلجراء البحوث‪.‬‬
‫‪ ‬وصف منفصل بوضوح عن التفسري واحلكم‪.‬‬
‫‪ ‬تقدمي مالحظات تكوينية كجزء من عملية التحقق من العمل امليداين‪.‬حدد وقت ردود الفعل بعناية‪.‬‬
‫راقب أتثريه‪.‬‬
‫‪ ‬قم بتضمني املذكرات امليدانية وتقارير املالحظات اخلاصة بك كاخلربات واألفكار واملشاعر‪ .‬هذه هي‬
‫أيضا بياانت ميدانية‪.‬‬
‫‪ ‬العمل امليداين هو جتربة شخصية للغاية‪ .‬تشابك العمل امليداين واإلجراءات مع القدرات الفردية‬
‫واالختالفات الظرفية هو ما يصنع العمل امليداين‪.‬‬
‫‪ ‬صالحية وجدو النتائج اليت مت احلصول عليها تعتمد بشكل مباشر على مهارة املراقب ‪ ،‬واالنضباط‬
‫وإبداعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فحصا منضبطًا‬
‫ابإلضافة إىل مالحظة املشاركني واملقابالت‪ .‬تتضمن عملية التحليل والتفسري ً‬
‫واالهتمام الدقيق أبغراض الدراسة البحثية‪.‬‬
‫‪ ‬التحليل والتفسري عمليات منفصلة من الناحية املفاهيمية‪ ،‬تبدأ عملية التحليل بـتجميع املواد اخلام‬
‫واحلصول على نظرة عامة أو صورة كاملة عن الكل‪ .‬التحليل هو عملية تنظيم البياانت‪ ،‬وتنظيم ما هو‬
‫موجود يف أّناط ‪ ،‬الفئات والوحدات الوصفية األساسية‪ .‬تتضمن عملية التحليل النظر يف الكلمات ‪،‬‬
‫النغمة ‪ ،‬السياق ‪ ،‬غري اللفظية ‪ ،‬االتساق الداخلي ‪ ،‬التكرار ‪ ،‬االمتداد‪ ،‬كثافة وخصوصية الردود‬
‫واألفكار الكبرية‪ .‬اسرتاتيجيات احلد من البياانت أساسي يف التحليل‪.‬‬
‫‪ ‬يتضمن التفسري إرفاق معىن وأمهية للتحليل‪ ،‬شرح األّناط الوصفية والبحث عن العالقات والروابط فيما‬
‫بينها أبعاد وصفية‪ .‬مبجرد االنتهاء من هذه العمليات الباحث جيب أن يبلغ عن تفسرياته واستنتاجاته‬
‫الوصف النوعي‪.‬‬
‫كبريا من البحث وصف الربانمج و ‪ /‬أو‬
‫قدرا ً‬
‫‪ ‬التقارير اليت تعتمد على األساليب النوعية ستتضمن ً‬
‫جتارب األشخاص يف بيئة البحث‪ ،‬الغرض من هذا الوصف هو السماح للقارئ مبعرفة ماذا حدث يف‬

‫‪71‬‬
‫البيئة حتت املراقبة‪ ،‬ما كان عليه احلال من وجهة نظر املشاركني يف اإلعداد‪ ،‬كما يعتمد الوصف على‬
‫األسئلة اليت حياول الباحث اإلجابة عليها ابعتبارها جتربة ّنوذجية‪.‬‬
‫يعتمد احملتو والشكل الفعلي للتقرير النوعي على احتياجات املعلومات ألصحاب املصلحة األساسيني والغرض‬
‫‪1‬‬
‫من البحث‪ .‬ويتم الرتكيز على التوازن بني الوصف والتحليل والتفسري‪.‬‬
‫‪.3‬إطاللة على اإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫تُعرف الطريقة املميزة للبحث امليداين اإلثنوغرايف يف األنثروبولوجيا ابسم مراقبة املشاركني‪ .‬حيدث هذا النوع‬
‫من مجع البياانت عندما يسجل عامل األنثروبولوجيا جتارهبم ومالحظاهتم أثناء مشاركتهم يف األنشطة جنبًا إىل جنب‬
‫أيضا يف حماداثت غري رمسية ‪،‬‬
‫مع املشاركني احملليني أو املخربين يف املوقع امليداين‪ .‬يشارك علماء األنثروبولوجيا ً‬
‫ومقابالت أكثر رمسية ‪ ،‬واستطالعات ‪ ،‬أو استبياانت ‪ ،‬وإنشاء صور ‪ ،‬وتسجيالت صوتية أو فيديو ‪ ،‬ابإلضافة‬
‫اعتمادا على جمال البحث‬
‫ً‬ ‫إىل إجراء حبث اترخيي أو أرشفي يف املراسالت ‪ ،‬أو السجالت العامة ‪ ،‬أو التقارير ‪،‬‬
‫اخلاص هبم‪ .‬يستخدم بعض علماء األنثروبولوجيا األساليب الكمية عند حتليل أحباثهم ‪ ،‬مثل إنتاج اإلحصائيات‬
‫بناءً على النتائج اليت توصلوا إليها‪.‬‬
‫‪.4‬كتابة اإلثنوغرافيا‪:‬‬
‫ختتلف الكتابة اإلثنوغرافية عن األنواع األخر من الكتابة األكادميية أو التارخيية أو الصحفية أو السفر عن‬
‫أيضا مبذكرات عمل ميداين حتتوي على مالحظات‬ ‫الشعوب واألماكن‪ .‬بينما قد حيتفظ علماء اإلثنوغرافيا ً‬
‫شخصية ‪ ،‬فإن اإلثنوغرافيا هي أكثر بكثري من جمرد سرد األحداث اليومية‪ .‬يتعامل اإلثنوغرافيا مع األسس النظرية‬
‫لألنثروبولوجيا ويتم كتابته مع وضع السياق الثقايف يف االعتبار‪ ،‬ويتحدث إىل األنثروبولوجيا كنظام ابإلضافة إىل‬
‫تقدمي فهم أكرب للعامل الثقايف الذي مت استكشافه‪ .‬اهلدف من الكتابة اإلثنوغرافية هو إنتاج عمل يسهم يف التفسري‬
‫املقارن للثقافات واجملتمعات البشرية ويدعمه‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬فاإلثنوغرافيا هي جهد تعاوين بني اإلثنوغرايف واملشاركني يف البحث‪ .‬ميتلك علماء‬
‫األنثروبولوجيا قواعد أخالقية توجه سلوكهم يف هذا اجملال ألهنم يعتمدون على العالقات مع اآلخرين من أجل‬
‫إجراء أحباثهم‪ .‬يف العملية اإلثنوغرافية ‪ ،‬ميكن للمخربين أو املشاركني الرئيسيني املساعدة يف إدخال اإلثنوغرايف يف‬
‫اجملتمع وشرح عاداته وطرقه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Michael Genzuk, a synthesis of ethnographic research, available at https:// https://web-‬‬
‫‪app.usc.edu/web/rossier/publications, accessed 08 june 2021.‬‬

‫‪72‬‬
‫تقليداي ‪ ،‬حاول علماء األنثروبولوجيا الوصول إىل وجهة نظر من الداخل‪ ،‬حيث يرغب علماء اإلثنوغرافيا‬
‫يف فهم اهلياكل والفئات وأّناط السلوك كما تصورها أعضاء الثقافة اليت يدرسوهنا‪ .‬يتناقض هذا مع النماذج‬
‫اخلالدة‪ ،‬وهي حتليالت للمعىن الثقايف كما يراه مراقب موضوعي من "اخلارج"‪ .‬فما يقول الناس أهنم يفعلونه‪ ،‬وما‬
‫اندرا ما يتطابق ‪ -‬هذا إن حدث‪.‬‬
‫يقولون إهنم جيب أن يفعلوه‪ ،‬وما يفعلونه يف الواقع ‪ً ،‬‬
‫يدرك علماء األنثروبولوجيا اليوم بشكل متزايد وجهات نظرهم وحتيزاهتم اليت حيملوهنا معهم يف اجملال من‬
‫ثقافاهتم األصلية‪ ،‬مع االعرتاف قدر اإلمكان بكيفية أتثري ذلك على أساليبهم ونتائجهم‪ .‬على الرغم من كل النوااي‬
‫احلسنة‪ ،‬ميكن ألي عامل ميداين ممارس أن خيربك أن العمل امليداين‪ ،‬يف أحسن األحوال ‪ ،‬ال ميكن التنبؤ به‪.‬‬
‫يعرتف النهج االنعكاسي لإلثنوغرافيا أبنه ال ميكن ألي ابحث أن يكون موضوعيًا بنسبة ‪ ، ٪ 111‬وأن العمل‬
‫‪1‬‬
‫مستمرا للموافقة واالحرتام املتبادل بني املشاركني واألثنوغرايف‪.‬‬
‫ً‬ ‫امليداين يشكل حو ًارا‬
‫‪.5‬إثنوغرافيا مجهور التلفزيون‪:‬‬
‫اإلثنوغرافيا هي واحدة من العديد من األساليب املنهجية اليت ميكن العثور عليها يف جمتمع البحث اليوم‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬هناك تداخل كبري يف اإلشارة إىل التسميات األخر ‪ ،‬مثل"التحقيق النوعي "العمل امليداين" ‪،‬‬
‫أيضا حدود داللية غامضة‪ .‬يف الواقع ‪ ،‬ال يوجد متييز حاد حىت بني‬
‫"الطريقة التفسريية" ‪ ،‬و "دراسة احلالة" ‪ ،‬هذه ً‬
‫اإلثنوغرافيا ودراسة اتريخ احلياة الفردية‪ ،‬يف إشارة إىل دراسة الباحث الفردي حلياته أو حياته اخلاصة وسياقها‪،‬‬
‫هبدف إللقاء الضوء على العمليات االجتماعية العامة‪ .‬هناك أيضا احلاالت الصعبة اإلثنوغرافيا "االفرتاضية" أو‬
‫"الرقمية" ‪ ،‬واليت قد تقتصر بياانهتا على ما هو "عرب اإلنرتنت" أو متاح من خالل األجهزة الرقمية‪.‬‬
‫تكمن أصول مصطلح "اإلثنوغرافيا" يف األنثروبولوجيا يف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ‪ ،‬حيث‬
‫كان احلساب اإلثنوغرايف عبارة عن وصف لبعض جوانب جمتمع أو ثقافة ‪ ،‬تقع عادة خارج الغرب‪ ،‬وتعترب بشكل‬
‫عام بدائية أو غريبة‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬وعادة ما يُنظر إليه على أنه مكمل لـ "علم األعراق البشرية" ‪ ،‬حيث يشري‬
‫عموما إىل التحليل التارخيي واملقارن للمجتمعات والثقافات غري الغربية‪ .‬غالبًا ما مت التعامل مع علم األعراق‬
‫هذا ً‬
‫هبذا املعىن ابعتباره جوهر العمل األنثروبولوجي ‪ ،‬واعتمد يف البداية بشكل كبري على احلساابت اليت أنتجها الرحالة‬
‫شيوعا ألن علماء‬
‫ً‬ ‫واملبشرون‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬مع مرور الوقت ‪ ،‬أصبح مصطلح "علم األعراق البشرية" أقل‬

‫‪1‬‬
‫‪https://hraf.yale.edu/teach-ehraf/an-introduction-to-fieldwork-and-ethnography/, consultéle14.03.2021 à14.00.‬‬

‫‪73‬‬
‫األنثروبولوجيا بدءوا يف القيام بعملهم امليداين اخلاص‪ ،‬مع "اإلثنوغرافيا" لإلشارة إىل تكامل التحقيق التجرييب‬
‫‪1‬‬
‫املباشر مع املقارن أو النظري تفسري التنظيم االجتماعي والثقافة‪.‬‬
‫إن االنتقال من البحوث الكمية إىل البحوث الكيفية يف دراسات اجلمهور التلفزيون كان حتمية حبثية‬
‫أملتها العديد من التغريات اليت طرأت على السياق الذي صاحب تطور وسائل اإلعالم واالتصال عرب خمتلف‬
‫احلقب الزمنية وما زادها تطورا ظهور التكنولوجيات احلديثة وإفرازاهتا املختلفة ‪.‬‬
‫‪.6‬استخدام املنهج اإلثنوغرايف يف أحباث اجلمهور‪:‬‬
‫ويرجع الفضل يف تطوير املنهج األنثروبولوجي يف دراسات االتصال اجلماهريي عامة ودراسات اجلمهور‬
‫بصفة خاصة إىل تيار األحباث املتعلقة ابألسر والتكنولوجيات املتولد عن االستعمال العائلي املتنامي للمبتكرات‬
‫التكنولوجية احلديثة‪( :‬التلفزيون‪ ،‬مسجل وقارئ الفيديو‪ ،‬واحلاسوب)‪ ،‬حيث سجلت منذ مثانينيات القرن املاضي‬
‫قطيعة مع تيار األحباث الغالب يف هذا اجملال والذي كان يركز على حتليل الربامج اإلعالمية العامة واجملالت‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪.7‬احملاوالت األوىل للدراسات اإلثنوغرافية يف أحباث مجهور التلفزيون‪:‬‬
‫وقد جاءت أوىل احملاوالت يف هذا الصدد يف العقد الثامن من القرن املاضي‪ ،‬يف وقت كان فيه العامل مقبل‬
‫على عهد جديد يف جمال االتصال املباشر عرب الوطين لفضل ظهور الصحافة االلكرتونية والبث التلفزيوين املباشر‬
‫عرب السواتل‪ ،‬ومطالبة الدول السائرة يف طريق النمو آنذاك بنظام إعالمي دويل جديد أكثر عدال وتوازان‪ ،‬وبداية‬
‫اهنيار الثنائية القطبية‪ ،‬وبروز األحادية يف تنظيم الشؤون الدولية‪ .‬ولقد طرحت يف سياق تلك الظروف التارخيية‪،‬‬
‫تساؤالت حول احلصص املسماة االتصال السياسي املوجهة جلمهور عريض غري منسجم قبل أن تشمل مجيع‬
‫‪2‬‬
‫األنواع املسماة شعبية (رايضة‪ ،‬منوعات‪ ،‬أوبرات صابونية ومسلسالت بوليسية)‪.‬‬
‫كما طرحت على بساط البحث القضااي املتعلقة ابلعينة التمثيلية مثل النوع (ذكر‪ -‬أنثى) واالنتماء الطبقي‬
‫واجلماعات االثنية‪ .‬وكان هدف هذا التيار اجلديد الذي يندرج يف نفس منظور (‪ )Decoding-Encoding‬الذي‬
‫تبناه ستيوارت هول ‪ Hall Stuart‬يف الوصول إىل مؤشرات أتويل اجلمهور للرسائل اإلعالمية انطالقا من متغريات‬
‫النوع واالنتماء الطبقي االجتماعي‪ .‬وقد أظهرت نتائج الدراسة درجات التعقيد وتنوع أّناط فك الرموز واستحالة‬
‫فهم تعدد القراءات املمكنة انطالقا من متغري االنتماء الطبقي االجتماعي وحده‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Martyn Hammersley and Paul Atkinson, Ethnography Principles in Practice, Fourth Edition, available at‬‬
‫‪https://www.taylorfrancis.com/books/mono/10.4324/9781315146027/ethnography-martyn-hammersley-paul-‬‬
‫‪atkinson, accessed 12.january .2021 .‬‬
‫‪ 2‬علي قسايسية‪ ،‬املنطلقات النظرية واملنهجية لدراسات التلقي دراية نقدية حتليلية ألحباث اجلمهور يف اجلزائر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪74‬‬
‫‪.8‬دراسات االستعماالت األسرية للتلفزيون‪:‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬مع منتصف الثمانينيات بدأ ينصب االهتمام حول االستعماالت األسرية للتلفزيون‬
‫(‪ )D, Morley television Family ،1286‬حيث كان قد مت االعرتاف للمتلقي بدور فعال يف بناء معاين الرسائل‬
‫اإلعالمية وأبمهية السياق الذي تتم فيه عملية التلقي‪ ،‬حيث استبدل مفهوم "فك الرتميز" مبفهوم "سياق‬
‫املشاهدة" وحتول مركز االهتمام إىل عملية املشاهدة نفسها وحماولة فهم هذا النشاط يف حد ذاته أكثر ما هو‬
‫جمرد استجابة خاصة لربانمج إعالمي خاص‪ .‬وقد اهتم دافيد موريل يف هذه الدراسة اليت استعمل فيها املنهج‬
‫اإلثنوغرايف‪ ،‬ابلتفاعالت بني خمتلف أفراد العائلة أمام الشاشة الصغرية يف السياق "الطبيعي" الستقبال التلفزيون‬
‫الذي هو الفضاء املنزيل حيث استجوب والحظ ‪ 12‬عائلة بريطانية‪.‬‬
‫‪.9‬دراسات االستعماالت املنزلية لتكنولوجيات اإلعالم واالتصال‪:‬‬
‫سجل يف بداية العشرية التاسعة من القرن املاضي‪ ،‬تطور آخر يف دراسات االستعماالت املنزلية‬
‫لتكنولوجيات اإلعالم واالتصال‪ ،‬حيث مل يعد التلفزيون وحده مركز االهتمام ضمن التكنولوجيات املنزلية األخر‬
‫اليت ينبغي حتليل دورها يف متفصل الفضاءات اخلاصة والعمومية وحماولة حتديد السياق الذي جيري فيه النقاش حول‬
‫قدرة وسائل اإلعالم على خلق وصيانة اهلوايت الثقافية ‪.‬ويتعلق األمر هنا إبعادة دراسة استهالك التلفزيون يف‬
‫إطار اجتماعي‪-‬تقين )‪ (Re-contextualisation‬تسييق وثقايف أوسع وااللتزام بعمل إمربيقي إثنوغرايف من شأنه أن‬
‫التلقي املعقدة‪ ،‬وإدراك ديناميكية منزلية‬ ‫)‪(Domestication‬‬ ‫يساعد على فهم ظاهرة التكنولوجيات داخل‬
‫العائالت‪ ،‬أي إدماج هذه التكنولوجيات يف الفضاء األسري اليومي‪ ،‬والكيفية اليت تعمل كل عائلة يف إدارة‬
‫فضائها االجتماعي والتكنولوجي( وينبغي أن تفهم دالالت التلفزيون كخصوصيات صاعدة للممارسة املسيّقة‬
‫تكونه األسرة والتفاعالت اليت جتري يف‬
‫للتلقي وأن هذه املمارسات تتشكل داخل احمليط االجتماعي اجلزئي الذي ّ‬
‫هذا احمليط‪.‬‬
‫‪.11‬مؤشرات أمنوذج جديد‪:‬‬
‫تستمد املفاهيم اجلديدة املتعلقة جبمهور وسائل وسلوكياته وأحباثة‪ ،‬كما هو الشأن ابلنسبة ملختلف املفاهيم‬
‫والدراسات اإلعالمية عامة‪ ،‬تستمد مقوماهتا أساسا من األدبيات اليت أوجدهتا تيارات ما بعد احلداثة ابتداء من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وأيضا من األجواء اليت خلقتها تكنولوجيات اإلعالم واالتصال املستجدة يف احمليط االتصايل‬
‫املتحرك ‪.‬ومن هناك‪ ،‬فإن حصر دالالت هذه املفاهيم املستجدة‪ ،‬يستدعي استحضار بعض اجلوانب املناسبة يف‬
‫إطارها املرجعي السيميولوجي والتقين‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫إن مفهوم ما بعد احلداثة تكثف استعماله من العقد الثامن للقرن العشرين‪ ،‬للداللة على تشكيلة واسعة من‬
‫التغري يف أّناط التفكري‪ ،‬مشريا على العموم إىل التيارات النقدية للحقائق املطلقة واهلوايت إن يف الفلسفة والفن‬
‫واملوسيقى أو اهلندسة املعمارية أو األدب والشعر واللغة أو التاريخ والسياسة والثقافة‪ .‬وهو يعين يف هذه احلاالت‬
‫ابلذات مواقف إيديولوجية أكثر من كونه يعرب عن حقبة زمنية يف اتريخ احلضارة اإلنسانية‪ ،‬كما يشري إليه البعد‬
‫التكنولوجي‪ ،‬وقد تتجلى أفكار ما بعد احلداثة املطروحة يف جوانب التلقي املختلفة ويف ميادين نشر املستحداثت‪،‬‬
‫ولئن كانت هذه اإلرهاصات ال تشكل بعد ّنوذجا متمايزا‪ ،‬فإهنا تعطي مؤشرات قوية على ظهور تيار جديد يف‬
‫الدراسات اإلعالمية‪ ،‬والسيما دراسات اجلمهور يف عامل ذي حركية سريعة‪ ،‬ميكن أن تستقر قريبا يف ّنوذج يتخذ‬
‫وصف ما بعد احلداثة‪ ،‬ومن أهم املفاهيم املتداولة يف تلك املرحلة مفهوم السياق املنزيل‪ ،‬التكنولوجيات املنزلية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الديناميكية العائلية‪.‬‬
‫‪.11‬جيل اثلث من دراسات التلقي‪:‬‬
‫كبريا مساه ‪ Morley‬اجليل الثالث‬
‫تطورا ً‬
‫شهدت دراسات اجلمهور يف بداية هذا العقد األول من األلفني ً‬
‫ملخصة ملرحلتني آيلتني للزوال‬
‫من دراسات التلقي يف سياق إعادة التفكري يف مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬يف إشارة ّ‬
‫مرت هبما هذه الدراسات اجليل األول متعلق ابلتأثري واجليل الثاين خاص ابلتلقي‪ ،‬أو املشاهدة كفعل اجتماعي‬
‫وثقايف‪ ،‬إن هذا اجليل اجلديد الذي مل ترتسم معامله النهائية بعد‪ ،‬ولكن ميكن تلمسه يف إرهاصات العديدة من‬
‫الظواهر واملفاهيم املرتبطة هبا‪ ،‬هو انعكاس النشغال عام انجم عن مجلة من األحداث والعوامل واملؤشرات‬
‫التكنولوجية واالقتصادية والسياسية اليت كان لوسائل اإلعالم الدور احلاسم يف توزيع صورها وبناء الرموز‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية الدالة عليها يف الذاكرة اجلماعية للجمهور‪ ،‬واليت عايشتها بداية هذه العشرية‪.‬‬
‫لقد أصبحت بعض مظاهر هذا اجليل الثالث من دراسات التلقي الذي يرتكز على منظور املنهج‬
‫اإلثنوغرايف‪ ،‬واضحة‪ ،‬ولكنها غري دقيقة حتتاج إىل أحباث واسعة وعميقة‪ ،‬ومن ضمن األبعاد اجلديدة اليت اكتسبها‬
‫منظور التلقي بفضل تطور أحباث اجلمهور‪ ،‬من جهة‪ ،‬وانعكاسات تكنولوجيات االتصال واإلعالم اجلديدة‪،‬‬
‫عنصر الوجود الالمادي والالحمدودية يف الزمن واملكان للجمهور والذي أصبح يطلق عليه" عامل ما بعد اجلمهور‬
‫)‪(Post-Audience World‬حيث أضافت هذه التكنولوجيات تشكيلة ‪ "،‬متنوعة من العناصر الداخلة يف تكوين‬
‫مفهوم اجلمهور‪ ،‬مل تكن متوفرة يف أنظمة االتصال اجلماهريية السائدة قبل نظام االتصال الرقمي‪ .‬وهكذا‪ ،‬سامهت‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.121-142‬‬


‫‪ 2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪76‬‬
‫هذه التكنولوجيات يف تنامي مفهوم مجهور املتلقني النشط الذي يتخذ قراره بناء على معطيات سابقة لتلقي‬
‫الرسالة واملصدر واحملتو وأعطت للمعرفة اإلدراكية دورا فعاال كإحد القو الوسطية اليت تعمل على إحالل‬
‫‪1‬‬
‫التفاعلية‪.‬‬
‫‪.12‬اثنوغرافيا املشاهدة التلفزيونة من ‪ David Morly‬إىل‪: James Lull‬‬
‫السوسيولوجي ‪ M. De Certeau‬بداية القطيعة مع تلك ال ّدراسات الكميّة‬‫تعترب النّظرة النّقدية اليت قدمها ّ‬
‫توجهت ابألساس‬‫للجمهور وكذلك دراسات حتليل املضمون واليت اعترباها سريج بروكس ظلّت غري كافية أل ّهنا ّ‬
‫الرسائل اإلعالمية أو أ ّهنا‬
‫إىل معاجلة ظاهرة استخدام التّلفزيون خارج سياقه الواقعي) اليومي (وحتليل مضامني ّ‬
‫حبوث قائمة على األساليب الكميّة اليت تعين بقياس حجم اجلمهور "كما ير هذا الباحث الكندي أيضا أ ّن‬
‫تصب‬
‫خيص االستعماالت واإلشباعات اليت ّ‬
‫"أعمال الباحث تتالقى مع أعمال الباحث" بلومر ‪ Blumer‬فيما ّ‬
‫يف اإلطار النّفسي والوظيفي بعيدا عن البعد النّقدي ‪.‬أما النّموذج املقرتح من طرف ‪ M. De Certeau‬يفتح يف‬
‫السياسية مقابل عروض أجهزة التّوزيع واالستهالك‪.‬‬
‫املقابل إشكالية املقاومة اليوميّة ذات الطّبيعة االجتماعية و ّ‬
‫ونذ ّكر أ ّن ‪ M. De Certeau‬قد عاجل إشكالية حبلى برؤية مجالية للحياة اليومية يف أهبى جتلياهتا البشرية من خالل‬
‫الشخص العادي البسيط املنصهر داخل‬
‫الكشف عن مجلة اإلبتكارات واإلبداعات اليت ينتجها يوميا ذلك ّ‬
‫يتوجه إىل دراسة‬
‫عمق يف ظاهرة استخدام التّلفزيون يف سياقه اليومي رغم أنّه مل ّ‬ ‫احلشود‪ ،‬ومنها دعوة إىل التّ ّ‬
‫املرتددة اليت متيّزها احلياة اليومية‬
‫املمارسات التّليفزيونية‪ ،‬فهو يعتربها ممارسة عادية تدور يف فضاء من اإلبداعات ّ‬
‫غري اخلاضعة ملنطق العقالنية املهيمنة واملنطق البريوقراطي والتّجاري املتح ّكم الذي حتكمه أجهزة املراقبة االجتماعية‬
‫الفعال والنّشط الذين تبناها‬
‫للمجتمع االستهالكي‪ ،‬ليعطي للباحثني مادة تفكري ال تنحصر فقط يف اجلمهور ّ‬
‫العديد من الباحثني الحقا والذين سيج ّددون بعمق حقل دراسات التلّقي‪ 2‬املنصبّة يف مقارابت االثنوغرافيا‬
‫والتّحليل النّفسي والتّحليالت القريبة من ال ّدراسات الثّقافية‪.‬‬
‫وير اسكينازي أ ّن البحث االثنوغرايف يتطلّب امكانيات مادية وبشرية هامة‪ ،‬وهو ما قام به الباحث‬
‫والفرنسي‪ Dominique Bollier‬واليت أفضت بنتائج‬ ‫‪James Rogge‬‬ ‫والباحث األملاين‬ ‫‪James Lull‬‬ ‫األمريكي‬
‫الشخصية املتعلّقة حبصص وبرامج تلفزيونية خمتلفة‬
‫معتربة‪ ،‬إذ حلّل الباحث الفرنسي يف حبوثه مضامني احملاداثت ّ‬
‫تتم يف أماكن العمل أو الفضاءات العمومية‬
‫متّت مشاهدهتا من قبل الفاعلني) املتحدثني ‪(.‬وكانت هذه احملاداثت ّ‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬


‫‪ 2‬رزيقة حيزير‪ ،‬ص‪112‬‬

‫‪77‬‬
‫احتل فيها موضوع املسلسالت والربامج التّلفزيونية مكانة هامة‪ ،‬تتغذ هذه احملاداثت من معارف‬‫أو البيت و ّ‬
‫املتح ّدثني ومن أتويالهتم انطالقا من سياقات متباينة‪.‬‬
‫وإىل جانب حبوث املالحظة اإلثنوغرافية ألعضاء اجلمهور) أفراد‪ ،‬أزواج‪ ،‬عائالت (اليت تضع استخدام‬
‫التّلفزيون يف‬
‫أيضا على املالحظة يف عمق العائلة‬ ‫‪J. Lull‬‬ ‫ارتكز‬ ‫‪D. Morley et R Silverstone‬‬ ‫سياق احلياة اليومية‬
‫كجماعة ربيعية متارس املشاهدة‪ ،‬حيث انطلق من إشكالية تدور حول دور التّلفزيون كتكنولوجية منزلية داخل‬
‫احلياة األسرية‪ ،‬وأسفرت النّتائج أ ّن هلذا اجلهاز دوران أساسيان ‪ّ :‬أوهلما أنّه أعاد بناء وتشكيل احلياة العائلية على‬
‫السلوكية كطرق املشاهدة‪ ،‬مثّ فتح اثنيا ابب احلوار بني أفراد األسرة‬
‫الساعات (وابلتّايل العادات ّ‬
‫مستو التّوقيت) ّ‬
‫تتم مشاهدهتا مبعىن االتصال العائلي‪.‬‬
‫حول خمتلف املضامني اليت ّ‬
‫قدم للبحوث اإلعالمية دراساته اليت مجعها يف كتاب واحد‬ ‫‪James Lull‬‬ ‫ويذكر أ ّن الباحث األمريكي‬
‫موسوم ب ـ ـ عامل العائالت‪ :‬حبث اثنوغرايف حول مجهور التلفزيون‪ ،‬وهو عامل حاول من خالله‪ James Lull‬رصد‬
‫ووصف خمتلف التّفاعالت مع مضامني التّلفزيون من خالل غوصه يف ع ّدة مناطق من العامل‪ ،‬ليستنتج يف املقام‬
‫األول وبناءا على املقابالت واملالحظات اليت سجلها أن املمارسات التلفزيونية ما هي إالّ امتداد للممارسات‬ ‫ّ‬
‫كل من اهلند وبريطانيا وفنزويال وأملانيا الغربية‬
‫السلوكية ‪.‬ومشلت هذه البحوث ّ‬
‫الثّقافية اليومية ولالجتاهات النّفسية و ّ‬
‫الشعبية‪ ،‬وهذا يف املناطق الريفية واحلضرية‪ .‬ووفّرت البحوث اليت مشلت منطقة اهلند‬
‫الصني ّ‬
‫والوالايت املتحدة و ّ‬
‫قيمة خاصة أل ّهنا كشفت عن نقاط هامة من االختالفات الثّقافية الواسعة من داخل األسر املبحوثة‪ ،‬أين اهتم‬
‫بكل التفاصيل اليومية داخل األسرة‪ ،‬مربزا أوجه التّباين بني اجلنسني اليت استنتج فيها أ ّهنا اختالفات‬
‫الباحث ّ‬
‫الرجل واملرأة يف تفضيالت الربامج التلفزيونية‪،‬‬
‫عاملية واضحة وملفتة لالهتمام‪ ،‬حيث ّبني أ ّن هناك اختالف بني ّ‬
‫تفضل النّساء‬
‫الرايضة واملغامرات اجلديدة يف حني ّ‬
‫يفضلون برامج حول العمل و ّ‬‫الصني وفنزويال ّ‬
‫فالرجال يف ّ‬
‫ّ‬
‫وضح أ ّن‬
‫الرقص وبرامج الكوميداي ‪.‬من جهة أخر ّ‬
‫املسرحيات واملسلسالت الصابونية‪ ،‬واألفالم واملوسيقى برامج ّ‬
‫مالحظة الثّقافات غري الغربية هو حت ّد للحكمة التّقليدية حول نتائج أحباث اجلمهور ‪.‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬وجد أ ّن‬
‫الرجال غالبا ما يتح ّكمون يف زمام أمور املشاهدة‪ ،‬مبا فيها اختيار‬
‫األحباث يف بريطانيا والوالايت املتحدة‪ ،‬تؤّكد أ ّن ّ‬
‫الربانمج‪ ،‬لكن يف فنزويال فإ ّن الوضع خيتلف متاما‪ ،‬وكتب مقدمة هذا الكتاب ‪ David Morly‬الذي علّق بني ثنااي‬
‫تطور األحباث اإلعالمية يف علم االجتماع الكمي والنّوعي ويف ال ّدراسات الثّقافية لسنوات يعود‬
‫سطورها أ ّن عدم ّ‬
‫‪James‬‬ ‫إىل غياب احلوار والنّقاش حول هذه التّقاليد الكيفية املختلفة سيما يف أورواب‪ ،‬معتربا ما قدمه الباحث‬

‫‪78‬‬
‫‪Lull‬حافزا يفتح األبواب أمام جهود أخر مماثلة‪ ،‬وحافزا للنقاشات واالنتقادات البناءة ‪.‬كما وصف زميله‬
‫الشمالية خالل السنوات‬
‫األمريكي الباحث يف جمال االتصال أّنه من بني الباحثني البارزين الذين سعوا يف أمريكا ّ‬
‫األخرية إىل حماولة تطوير ال ّدراسات يف سياق البحث النوعي اخلاص هبم‪ ،‬وأنّه قام خبطوة هامة يف بناء حوار حيتمل‬
‫أن تكون له قيمة‪ ،‬من خالل مجع مجلة هذه املقاالت العلمية يف مؤلف بدل تركها مبعثر يف خمتلف اجملالّت‪ ،‬وهي‬
‫الزمن يف بريطانيا‪.‬‬
‫الصعب احلصول على مثلها لعقود من ّ‬
‫حبوث من ّ‬
‫دراسة اثنولوجية غاية يف األمهية‬ ‫‪Véronique Le Goaziou‬‬ ‫من جهتها ق ّدمت السوسيولوجية الفرنسية‬
‫حول أجسام متفرجي التلفزيون‪ ،‬اعتمدت على املالحظة ابملشاركة كأداة هامة جلمع البياانت واملعلومات‪ ،‬حول‬
‫هيئات ووضعيات وحركات املتفرجني للربامج التلفزيونية يف حالة التّلقي‪ ،‬مبعىن استهدفت اإلحالة مبكانة األجسام‬
‫ظل هيئات وتكتيكات جسمية تؤدي ممارسات يومية بسيطة ‪.‬‬
‫‪/‬األجساد املتحركة يف عامل من املتّعة والراحة‪ ،‬ويف ّ‬
‫وتقر ال ّدراسة ابلتّساؤل حول طبيعة ومعىن هذه املمارسة اليت تُظهر األفراد يسيطرون ويتحكمون جيّدا يف‬
‫ّ‬
‫مشاهداهتم‪ ،‬يف هذه األثناء تكون املشاهدة التلفزيونية اللّحظة اليت يثبت هؤالء املتفرجون وجودهم من خالل‬
‫تصرفاهتم العفوية‪ .‬وانطلقت من مالحظة األفراد كفاعلني اجتماعيني وهم يشاهدون التلفزيون يف بيئتهم الطّبيعية‪،‬‬
‫امللحة على اكتشاف ما ال تستطيع أن جتده يف إجاابت األفراد حول هيئاهتم وحركاهتم وطرق‬
‫مؤّكدة رغبة الباحثة ّ‬
‫الشخص عن طريقة‬
‫مشاهداهتم ‪.‬ويف هذا اإلطار تذكر الباحثة يف ثنااي دراستها أ ّن هناك فرق كبري بني أن جييبك ّ‬
‫أكله وجلوسه يف املائدة وبني أن جتلس معه يف نفس املائدة لتشاركه طعامه وتالحظه‪.‬‬
‫ومن بني أهم ما استنتجته الباحثة خالل مالحظاهتا أ ّن األفراد عندما يدخلون منازهلم يرتدون مالبس بيتية‬
‫مرحية ختتلف من فرد إىل آخر‪ ،‬ولكنّها تتفق يف أ ّهنا ثياب مسرتخية توفّر للجسم الشعور ابلراحة ‪.‬كما أ ّن‬
‫املتفرجني يتخذون وضعيات جسمية مسرتخية تتلذذ أثناء املشاهدة اجلماعية‪ ،‬حيث تتالصق األجسام يف‬
‫وضعيات محيمية كأن يتكأ بعضهم على بعض أو حيضن اآلابء أطفاهلم ‪...‬ويف غالب األحيان جلب أفراد األسر‬
‫معهم بعض احللوايت كالشكوالطة أو املكسرات أو القهوة أو اجملالّت أو الكتب أو وسائد أو أغطية مالئمة‬
‫الراحة واللّذة وتعترب غرفة املعيشة لد هذه العائالت غرفة متع ّددة الوظائف‪.1‬‬
‫تبعث ّ‬
‫ووصفت الباحثة أ ّن العالقة بني املشاهدين والتلفزيون عالقة مقلوبة ليس هم من يتفرجون عليها وإ ّهنا هي‬
‫من تنساب يف طقوسهم اليومية وعاداهتم االجتماعية املشرتكة‪ ،‬وهذه الوسيلة اإلعالمية ليست سو وسيلة‬
‫الضغوطات اليومية بدليل أ ّن األفراد املبحوثني كانوا يشاهدون برامج‬
‫الرتفيه عن النّفس‪ ،‬وختفيف ّ‬
‫لتمضية الوقت و ّ‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.421-422‬‬

‫‪79‬‬
‫الصور‬
‫اتفهة ال تتعب تفكريهم وال مشاعرهم‪ ،‬وكشفت أيضا الباحثة أ ّن التلفزيون مل يعد سو جدار من ّ‬
‫واألصوات‪ ،‬تشارك النّاس حياهتم اليومية‪ ،‬وتراقب من مكاهنا خمتلف طقوسهم اليومية العائلية‪ ،‬والوظائف‬
‫النّشاطات اليت يقومون هبا‪ ،‬و رمبا يشاهدوهنا مىت أرادوا وكيفما رغبوا‪.‬‬
‫ويف سياق آخر‪ ،‬من جهتها أفضت دراسة الباحث األملاين جيمس روج أ ّن استخدام امليداي بقيادة‬
‫التّلفزيون مل يُعيد تشكيل احلياة العائلية كتنظيم الوقت‪ ،‬ارتبط الربامج اليومية لألفراد ابملشاهدة التلفزيونية بطريقة‬
‫ملفتة لالنتباه‪ ،‬التأثّيث يف املنزل‪ ،‬الفضاء املنزيل احملتل من قبل التكنولوجيات‪ ،‬التفاعالت (‪..‬فحسب وإّّنا تسبّب‬
‫السياق ذكر هذا السوسيولوجي قصصا يومية كثرية‬
‫الصراعات العائلية وإبراز املعارضة‪ ،‬ويف هذا ّ‬ ‫التّلفزيون يف خلق ّ‬
‫استمدها من وحي الواقع أمهها أ ّن العائلة اليت يكون فيها األب مدمنا على املشاهدة التّلفزيونية يؤثّر على تربية‬
‫األبناء خاصة‪ ،‬وأ ّهنم يستغلّون هذا اإلدمان كوسيط يردع رفض األم ملشاهدهتم التلفزيون ‪.‬‬
‫هذا ابإلضافة إىل حبوث حديثة أخر على غرار تلك اليت تتعلّق بعالقة التّلفزيون واملشاهدين يف تكوين‬
‫و ‪ j. Bourdon‬وحبوث تعرض االغرتاب الفردي للمشاهدين‬ ‫‪Schleesinger‬‬ ‫ال ّذاكرة االجتماعية واهلوية املشرتكة‬
‫املعمقة حول املمارسات اليومية واستخدامات التلفزيون‪ ،‬وهي حبوث ستكون ال ريب نقطة‬‫عن طريق املقابلة ّ‬
‫غريت الكثري من تفاصيل احلياة‪ ،‬متاما كتلك األحباث اليت‬
‫ظل بيئة تكنولوجية ّ‬
‫ارتكاز ألحباث أخر جديدة يف ّ‬
‫من قبل على غرار ما قام به كل من الباحثين ‪Herzog, Aderno, Horkeimer, Marcuse,‬‬ ‫سبقتها‬
‫‪Hoggart‬‬ ‫‪Gerbner,Hogben,Hearold, Klapper,, Bandura,Katz,Curran,Mc Quail, Brown,‬‬
‫‪1Zillmann‬‬

‫خالصة‪:‬‬
‫لقد مت استخدام املقاربة اإلثنوغرافية يف حبوث دراسات مجهور التلفزيون يف السياق العائلي يف العديد من‬
‫البيئات البحثية الغربية والعربية اليت مت التطرق إليها سابقا وعاجل املوضوع العديد من الباحثني‪ ،‬لكن ريثما تدخلت‬
‫التكنولوجيا وانلت اهتمام الباحثني اإلثنوغرافيني الذين طبقوا اإلثنوغرافيا االفرتاضية اليت أصبح الرتكيز فيها واضحا‬
‫على حبوث البيئة الرقمية والفضاءات االفرتاضية‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.421‬‬

‫‪80‬‬
‫نحمل رضةرنحل ويرعرش ر‬
‫نوغوافناســـــ رمجهـــوسرالانتــفنت‬
‫متهيد‪:‬‬
‫أصبحت اثنوغرافيا مجهور االنرتنت من أهم املناهج واملقرتابت املستخدمة يف دراسات مجهور البيئات‬
‫االتصالية الرقمية‪ ،‬بوصفها فضاءات افرتاضية رقمية تنشأ فيها مؤانسات وعالقات اجتماعية متعددة املشارب‬
‫وخمتلفة الغاايت واألهداف وتتحقق فيها احلاجيات والرغبات اليت طاملا وضعت حتت رقابة الضبط االجتماعي‬
‫وقيود األطر القيمية اجملتمعية ففي هذه اجملاالت اجلديدة املتجددة تواجد املستخدمون الرقميون أبشكال وهوايت‬
‫خمتلفة عن تلك احلقيقية ورمبا مشاهبة هلا أو مغايرة ساحبة يف الفضاء الرقمي‪ ،‬فكان لزاما علينا كباحثني تطويع‬
‫املناهج وتكييفها لدراسة هذه البيئات‪ ،‬وكان من ضمن املستجد يف تطبيق املقاربة االثنوغرافية يف هذه البيئات أهنا‬
‫وفرت لنا من خالهلا أدوات تتكيف مع خصوصيات هذه البيئة ومتكنا من تطبيق هذه املنهجية البحثية على‬
‫العديد من الدراسات متسلحني ابألدوات التقليدية واجلديدة اليت تتماشى ومتلطلبات السياق الرقمي املدروس‪.‬‬
‫ومن هنا عدت اإلثنوغرافيا جماال حبثيا متميزا ومغمورا ابلصعوابت املنهجية اليت سامهت وال تزال يف فك شفرات‬
‫وتفسري الكثري من الظواهر يف البيئات الرقمية‪.‬‬
‫‪.1‬اثنوغرافيا مجهور االنرتنت‪:‬‬
‫وتعرف ابثنوغرافيا السيرب ‪ Cyber Ethnography‬أو ابالثنوغرافيا االفرتاضية ‪ Virtual Ethnography‬ويف‬
‫بعض األحيان االثنوغرافيا على اخلط ‪ ،Online Ethnography‬وتشري إىل عدد من طرق البحث على االنرتنت‬
‫ذات الصلة و اليت تعتمد على أساليب البحث االثنوغرايف لدراسة اجملتمعات والثقافات اليت مت إنشاؤها من خالل‬
‫التفاعل االجتماعي عن طريق احلواسيب كما تعترب من أهم املناهج لدراسة الشبكات االجتماعية ومن أبرز الطرق‬
‫اليت تستخدم فيها هي دراسة احلالة االفرتاضية أو دراسة االثنوغرافيا االفرتاضية إذ تعد كوسيلة مفيدة يف حتليل‬
‫الشبكات ودراسة اجملتمعات يف السياقات االفرتاضية وداخل أوساط اجملتمعات الشبكية وتستهدف وحدة التحليل‬
‫فيها أفراد أو مجاعات‪ .‬وتتم مجيع املقابالت واالستجاابت من خالل وسيط هو االنرتنت عرب أحد املواقع‬
‫الشبكية جلمع معلومات عن الفرد أو اجلماعة‪ ،1‬ومن ضمن أدوات االثنوغرافيا االفرتاضية املالحظة اليت تعىن‬
‫بسياقات دراسة اجملموعات عرب االنرتنت‪ ،‬وتنقسم املالحظة إىل املالحظة ابملشاركة ومن الدراسات اليت‬

‫‪ 1‬وليد رشاد زكي‪ ،‬نظرية الشبكات االجتماعية من االيديولوجيا إىل امليثودولوجيا‪ ،‬سلسلة قضااي اسرتاتيجية‪ ،‬املركز العريب ألحباث الفضاء اإللكرتوين‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬مارس ‪ ،4114‬ص‪.12‬‬

‫‪81‬‬
‫سنة ‪1،4112‬حيث متت دراسة مجاعة‬ ‫‪Drentea & Cross‬‬ ‫استخدمت أداة املالحظة ابملشاركة دراسة‬
‫لألمهات عرب الفضاء املعلومايت واليت كانت تقدم النصائح إىل أمهات عرب مراحل احلمل والوالدة والرضاعة وكان‬
‫كروس أحد املشاركات يف اجملموعة واستخدم تقنية املالحظة ابملشاركة‪ ،‬كما جتدر اإلشارة هنا إىل وجود‬
‫مالحظات دون مشاركة تستخدم يف حبوث اجلماعات عرب االنرتنت‪ 2.‬وأدوات أخر جلمع البياانت كاملقابلة‬
‫وغريها‪ ،‬فهذا املنهج يستلزم االقرتاب من الفاعلني يف احلقل املدروس وحتقيق التآلف معهم يسمح بفهم معمق‬
‫‪3‬‬
‫للظاهرة حمل الدراسة‪.‬‬
‫اإلثنوغرافيا االفرتاضية هي عملية تفاعلية للغاية توفر القدرة على إجراء املالحظات واملشاركة يف الثقافات‬
‫اليت تتوسط فيها أجهزة الكمبيوتر ‪ /‬األجهزة من خالل العديد من األساليب غري املباشرة‪ .‬يتم استخدامه لفهم‬
‫سلوكيات ومعرفة املشاركني واملسامهني يف تلك الثقافات بشكل أفضل‪ .‬كما أهنا هتتم ابملصنوعات اليت تنتجها‬
‫هذه الثقافات والطرق اليت تشارك هبا هذه الثقافات وتستخدمها وتكررها‪ .‬مفتاح اإلثنوغرافيا االفرتاضية هو عدم‬
‫اعتبار احلياة الرقمية منفصلة عن احلياة الواقعية ألن كالمها ينتميان إىل نفس احلياة وال ميكن فهمهما إال بشكل‬
‫كلي عند التعامل معها على أهنا واحدة‪.‬تعرف أيضاً اإلثنوغرافيا االفرتاضية على أهنا هنج حبث إثنوغرايف يتم تنفيذه‬
‫من خالل اإلنرتنت ‪ ،‬ويهتم علماء اإلثنوغرافيا بدراسة الثقافة ‪ ،‬وقد ينغمروا يف الدراسة اليت يقومون هبا ‪ ،‬ويتأثروا‬
‫‪4‬‬
‫ابلثقافة اليت يبحثون حوهلا‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬ومن هذا فهي فالنتنوغرافيا هي جمرد رحلة قصرية لفحص اجملتمعات االفرتاضية‪ ،‬هبذه‬
‫الطريقة‪ ،‬فإن مفاهيمنا للمكان والفضاء اليت تشكل الطريق الذي نعمل فيه يف العامل احلقيقي‪ ،‬تتطعم على شبكة‬
‫‪Brym‬‬ ‫الواب مبتطلبات أخر مستجدة‪ .‬ومن هنا تطرح مسألة أخر ‪ ،‬فاإلثنوغرافيا تستلزم مراقبة املشارك حسب‬
‫ولكن يف الفضاء الرقمي ماذا يراقب إإلثنوغرايف وفيما يشارك؟ إن اإلثنوغرافيا االفرتاضية هي تطوير جديد نسبيا يف‬
‫البحوث الكيفية‪ ،‬فأسلوب اإل ثنوغرايف التقليدي ينطوي على انغماس الباحثني يف الوضع والظروف واحلياة اليومية‬

‫‪1‬‬
‫‪Patricia Drentea and Jennifer L. Moren-Cross, Social capital and social support on the web : the case of an‬‬
‫‪internet, mother site, Sociology of Health & Illnes, Blackwell Publishing Oxford, 2005, p p.920-943, available at‬‬
‫‪http://onlinelibary.wiley.com/doi/10.1111/j.1467-9566.2005.00464.x/pdf, accessed 02 june 2021.‬‬

‫‪ 2‬أمال عساسي‪ ،‬اثنوغرافيا مستخدمي الفيسبوك يف اجملتمع اجلزائري دراسة إثنوغرافية لعينة من مشرتكي اجملموعات االمازيغية ابلفيس بوك‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬فسم علوم اإلعالم واالتصال وعلم املكتبات‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ابتنة ‪ ،4112-1،4112‬ص‪22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bonneville Luc et autres, Introduction aux Méthodes de recherche en Communication, Edition Gaetan Morin,‬‬
‫‪canada, p164.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪https://www.cyber-anthro.com/2011/01/defining-virtual-ethnography/ , consultéle 14.04.2021 à14.20.‬‬

‫‪82‬‬
‫ملن يدرسوهنم‪ ،‬ومتدد االثنوغرافيا االفرتاضية هذه األساليب إىل فضاء االنرتنت‪ ،‬وتشمل طائفة من التقنيات‬
‫املتنوعة‪.‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬إن االثنوغرافيا االفرتاضية كمنهجية حبثية متثل خطوة إعادة تصور مفهوم "اجملال"‬
‫التقليدي كما اعتمده علماء االثنوغرافيا‪ ،‬وتنقله إىل مستو آخر خاص‪ .‬ففي الفضاء االفرتاضي حدود اجملال‬
‫املالحظ افرتاضية وخالية من التموقع يف املكان أو اجلغرافيا‪ .‬فكلما أجر املستخدمني املزيد من األنشطة عرب‬
‫الواب‪ ،‬وتركوا بصمات رقمية كالصور‪ ،‬املدوانت‪ ،‬رسائل الربيد اإللكرتوين‪ ،‬متكن الباحثون من دراسة السلوك‬
‫اإلنساين يف الفضاء االفرتاضي‪ .‬فااالنثوغرافيون االفرتاضيون يشاركون و يالحظون املدوانت‪ 1‬ومواقع الويب وغرف‬
‫الدردشة‪ ،‬ومنصات أخر وحيللون كيف يشكل الناس على شبكات التواصل االجتماعي أو جمموعات النت‬
‫هوايهتم الثقافية حسب ما ذهب إليه ‪ Browne‬يف دراسة له سنة‪.4111‬‬
‫لقد أصبح البحث اإلثنوغرايف حول االتصاالت واملمارسات على اخلط وخارج اخلط واملتشكل عن طريق‬
‫الرقمنة‪ ،‬أكثر شعبية يف السنوات األخرية مع تزايد نفوذ الشبكة ووجودها يف احلياة اليومية للناس‪ ،‬وكمثال على‬
‫اليت أسست عملها االسطوري "احلياة على الشاشة‪ :‬اهلوية يف عصر االنرتنت" ‪،‬حيث‬ ‫‪Turkle‬‬ ‫ذلك دراسة‬
‫قامت بتحليل كيفية أتثري احلياة على الشاشة على مفاهيم مثل اهلوية‪ ،‬لعب اهلوية‪ ،‬اجملتمع واجلنس‪ .‬يف نفس العام‬
‫نشر عامل االنثروبولوجيا أرتريو إسكوابر مقالته "مرحبا بكم يف السيبرياينية‪ :‬مالحظات على أنثروبولوجيا الثقافة‬
‫السيربانية"‪ ،‬واليت طرح فيها عدة أسئلة مهمة ‪ -‬ذات صلة حىت بعد عشرين عاما ‪ -‬حول دراسة الثقافات‬
‫السيرباينية اىل عدد ال حيصى من األشكال‪ ،‬ويظهر ضمن ختصصات خمتلفة‪ ،‬وأيخذ هذا البحث عدد من‬
‫التسميات املختلفة مثل "اإلثنوغرافيا الرقمية"‪ " ،‬اإلثنوغرافيا اإللكرتونية‪" ،" ،‬اخلطاب اإلثنوغرايف املركز على اخلط‬
‫"‪" ،‬إثنوغرافيا األنرتنت"‪" ،‬اإلثنوغرافيا على األنرتنت"‪" ،‬إثنوغرافيا الفضاءات الرقمية"‪" ،‬البحوث اإلثنوغرافية على‬
‫‪2‬‬
‫اإلنرتنت" و"اإلثنوغرافيا املتعلقة اباالنرتنت" ‪.‬‬
‫ومن أهم املناهج اليت ارتبطت ابلرؤية النشطة ملستخدمي االنرتنت اإلثنوغرافيا االفرتاضية أو الرقمية‪ ،‬يف هذا‬
‫اإلطار ويف فضاء العامل اجلديد‪ ،‬تتمثل أدوات الدراسة االثنوغرافية االفرتاضية يف املقابالت اإللكرتونية مع‬
‫املستخدمني املشاركني‪ ،‬أو املالحظة ابملشاركة أو غري املشاركة‪ ،‬كما جتر مقابالت مجاعية متعمقة ابستخدام‬

‫‪ 1‬زينب خاليفة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.211-422 ،‬‬


‫‪ 2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.211‬‬

‫‪83‬‬
‫الرسائل املباشرة الفورية للرد على تساؤالت اإلثنوغرافيني املشاركني‪ ،‬أو يتم حتليل الربيد اإللكرتوين والصور والرسوم‬
‫‪1‬‬
‫ولغة اجلسد ونربة الصوت وتعبريات الوجه‪ ،‬أو حتليل طرق استخدام املشاركني لكامريات الويب أو الفيديو‪.‬‬

‫‪.2‬مبادئء االثنوغرافيا الرقمية‪:‬‬


‫حتدد ‪ Sarah Pink‬وآخرون مخسة مبادئ رئيسية للقيام ابإلثنوغرافيا الرقمية تتمثل فيمايلي‪:‬‬

‫التعددية‪ :‬يف طرائق البحث فهناك أكثر من طريقة للمشاركة يف لبحث يف البيئة الرقمية‪ ،‬ف ً‬
‫دائما ما يكون‬
‫يدا يف سؤال البحث و التحدايت اليت تستجيب هلا‪ .‬غالبًا ما يسرتشد بنظرية حمددة‬
‫البحث اإلثنوغرايف الرقمي فر ً‬
‫وأطر مرتبطة ابلتخصصات األكادميية‪ ،‬وكذلك ابالحتياجات ومصاحل خمتلف شركاء البحث وأصحاب املصلحة‬
‫واملشاركني‪ .‬أطروحة التأثريات وأتثريها جتعل كل مشروع وطريقة صياغته تتطور بطرق معينة‪.‬‬
‫املركزية غري الرقمية‪ :‬وهي الطريقة اليت ننتج هبا املعرفة كباحثني اثنوغرافيني من خالل لقاءاتنا مع‬
‫أشخاص آخرين وأشياء‪ ،‬انه هنج يتجاوز فكرة التحيز لكل ما هو رقمي فقط‪.‬‬
‫االنفتاح‪ :‬تستدعي البحوث االثنوغرافية يف البيئة الرقمية االنفتاح على توظيف كل التقنيات اجلديدة‬
‫‪2‬‬
‫واملتجددة اليت تتطلبها البيئة البحثية‪.‬‬
‫االنعكاسية‪ :‬تتطلب الدراسات اإلثنوغرفية الرقمية االخنراط االنعكاسي مع عوامل املبحوثني اليت هتتم‬
‫بسؤال‬
‫ماذا نفعل ابلضبط النتاج املعرفة؟‪ .‬وهي ممارسة أخالقية بعيدة عن التحيز لفكرة قبلية‪.‬‬
‫التعددية‪ :‬اعتمد االثنوغرافيا الرقمية على تعددية األدوات وطرق البحث مبا يتوافق وأهداف البحث‪.‬‬
‫غري تقليدية‪ :‬اإلثنوغرافيا الرقمية تتطلب االنتباه ألشكال بديلة من التواصل اليت تدرس كيفية صياغة‬
‫مفاهيم أساسية مرتبطة ابلنظرية االجتماعية والثقافية واليت ميكن استخدامها لتصميم وحتليل البحوث اإلثنوغرافية‪.‬‬
‫هذه املفاهيم مت اختيارهم لتمثيل جمموعة من الطرق املختلفة للتعامل مع اجملتمع املدروس‪ ،‬أي من خالل جتارب‬
‫(ما يشعر به الناس)‪ ،‬املمارسات (ماذا يفعل الناس )‪( ،‬ما هي األشياء اليت هي جزء من حياتنا) ‪ ،‬العالقات‬
‫(احلميمة البيئات االجتماعية)‪ ،‬العوامل االجتماعية (اجملموعات والتكوينات االجتماعية األوسع من خالهلا ما يربط‬

‫‪ 1‬ثراي أمحد البدوي‪ ،‬مستخدم االنرتنت قراءة يف نظرايت اإلعالم اجلديد ومناهجه‪ ،‬عامل الكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،4112 ،‬ص‪.112‬‬
‫‪Pink, S., Tutt, D., Dainty, A. and Gibb, A. )2010( ‘Ethnographic methodologies for construction research:‬‬
‫‪2‬‬

‫‪Knowing, practice and interventions, Building Research & Information, 38 (6): 647–59.‬‬

‫‪84‬‬
‫الناس ببعضهم البعض)‪ ،‬احملليات (السياقات املشرتكة اليت نعيشها) ؛ واألحداث (التقاء تنوع األشياء يف السياقات‬
‫العامة)‪ .‬كل هذه املفاهيم كانت ابلفعل جزءًا من أحباث العلوم االجتماعية واإلنسانية لفرتة طويلة ويف الواقع ‪،‬‬
‫تظل يف جوهر أعمالنا كأكادمييني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن املفاهيم النظرية املوجودة لديها يف كثري من األحيان مت‬
‫تكوينها بطرق استجابت خلصوصية اجملتمعات واألشكال الثقافية واملادية اليت مت استخدامها لفهمها‪ .‬هذا يعىن‬
‫أحياان ّناذج مقيدة ال تصل إىل احتياجات الباحثون املعاصرون‪.‬‬
‫أهنم يقدمون ً‬
‫مجيعا بشكل فعال لفهم البيئات الرقمية والبحث فيها ‪ ،‬وأكيد أنه مع‬
‫إن هذه املفاهيم واملبادئ ميكن استخدامها ً‬
‫ممارسة اإلثنوغرافيا الرقمية ستولد لدينا مفاهيم أخر متعلقة مبيادين البحث مبعىن أن االثنوغرافيا الرقمية هي كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫تكيفية‪ :‬مع كل مشروع حبثي خاصة وأهنا تطبق يف بيئات حبثية انشئة وهي عابرة للتخصصات على‬
‫الرغم من أن هذه االحباث بدأت هتتم ابلغري تقليدي ودعا الباحثني إىل االنتباه إىل اإلثنوغرافيا الرقمية املرئية من‬
‫‪1‬‬
‫خال أدوات حبثية جديدة يف اجملال‪.‬‬
‫‪ .3‬جماالت البحث يف البيئة الرقمية وعالقتها ابالثنوغرافيا‪:‬‬
‫هناك جماالت أساسية لدراسة البيئة الرقمية ميكن متييزها إثنوغرافيا من خالل التفاعلية عرب املنصات‪،‬‬
‫واستعماالت التكنولوجيا وانعكاساهتا والثقافات الرقمية وغريها‪ .‬يدعو اجملال األول إىل إعادة تعريف ما يعنيه‬
‫التفاعل وجها لوجه‪ .‬االنرتنت هو جمموعة من النصوص‪ ،‬ومهمة الباحث اإلثنوغرايف هي فهم املعاين اليت تنتجها‬
‫هذه املمارسات واملؤانسات الرقمية‪ .‬وأخريا جيب أن يعامل الفضاء الرقمي على أنه أداة ثقافية متصلة ابلعالقات‬
‫والسياقات املنفصلة على الواب لوضعها داخل سياقات أوسع ورؤية كيف يكمل أحدمها اآلخر ومن يؤثر يف‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫حتتاج األحباث اإلثنوغرافية للثقافات الرقمية تطويع وتكييف األدوات البحثية مع السياق املدروس والنظر يف‬
‫الطرق اليت تصمم من خالهلا الربجميات والتطبيقات‪ ،‬وإنشاء اجملتمعات والشبكات عرب االنرتنت‪ ،‬واألشكال‬

‫‪1‬‬
‫‪Sarah Pink, Heather Horst, John Postill, Larissa Hjorth, Tania Lewis, Jo Tacchi, Digital Ethnography‬‬
‫‪Principles and Practice, available at https://uk.sagepub.com/en-gb/eur/accessed 05 june2021.‬‬

‫‪85‬‬
‫الشعبية هلذه التكنولوجيات‪ ،‬واهلوايت الثقافية اليت تظهر يف الفضاءات التكنولوجية اجلديدة‪ ،‬واالقتصاد السياسي‬
‫للثقافة اإللكرتونية‪.‬‬
‫‪.4‬أساليب وطرائق اإلثنوغرافيا على الواب‪:‬‬
‫اإلثنوغرافيا االفرتاضية أو اإلثنوغرافيا على االنرتنت هي تطوير جديد نسبيا يف البحوث النوعية‪ ،‬وينطوي‬
‫أسلوب اإلثنوغرايف التقليدي على إنغمار الباحثني يف الوضع‪ ،‬والظروف واحلياة اليومية ملن يدرسوهنم‪ .‬ومتدد‬
‫اإلثنوغرافيا االفرتاضية هذه على فضاء االنرتنت وتشمل طائفة متنوعة من التقنيات‪.‬‬
‫وبشكل عام يف الدراسات اإلثنوغرافية على االنرتنت قد يطلب من العينة املستهدفة من املشاركني‪:‬‬
‫‪ ‬االحتفاظ بيومياهتم على االنرتنت‪ ،‬مبا يتضمن أفكارهم وسلوكياهتم فيما يتعلق بغرض الدراسة‪.‬‬
‫‪ ‬التقاط صور ذات عالقة ابلدراسة‪ ،‬وحتميلها) على احلاسوب (ليقوم الباحثون بتحليلها‪.‬‬
‫‪ ‬املشاركة يف املقابالت املكثفة على االنرتنت معتمدة على مضمون يومياهتم وصورهم‪.‬‬
‫‪ ‬تزويد الباحث جبولة افرتاضية يف حميطهم عرب كامريا الويب‪.‬‬
‫كما أن هناك أسلوب إثنوغرايف آخر عرب االنرتنت هو االنغمار ‪/‬االنغماس وهو سلسلة من التمارين واالختبارات‬
‫اإلسقاطية تعطي الباحثني حملة عن حياة األشخاص الذين يقومون بدراستهم‪ ،‬فمثال قد يطلب من املشاركني‬
‫وصف أفكارهم عن طريق الفيديو املنزيل للحياة اليومية‪. 1.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق نر أن مستقبل اإلثنوغرافيا الرقمية ال يتوقف على هنج مقاس واحد يناسب اجلميع‬
‫ففي كثري من احلاالت ‪ ،‬مت تطوير طرق وأساليب جديدة أو "تكييفها" للتعامل مع اجلديد (أسئلة ومواقف يف‬
‫امليدان)‪ .‬ابعتبارها تقنيات وسائط رقمية جديدة تظهر املنعطفات النظرية والتطبيقية للبحث‪ ،‬وستكون هناك فرص‬
‫متزايدة إلعادة التفكري يف عالقة التقنيات الرقمية مع األفراد‪ .‬ويف الواقع ‪ ،‬اإلثنوغرافيا الرقمية هي اجملال الناشئ‬
‫للنظرية واملمارسة‪ ،‬حنن ال نعتربها اثبتة أو حمددة‪ .‬بل تتكيف مع املستجدات وجند هذا واضحا من خالل قطاع‬
‫التسويق واإلعالن الذي أصبح من أكثر القطاعات استخداما هلا‪ ،‬وهذا ما حييل إىل االستخدامات املوسعة هلا من‬
‫منظورات خمتلفة إذن هي متعددة وعابرة للتخصصات‪.‬‬

‫‪ 1‬ومير روجر‪ ،‬دومينيك جوزيف‪ ، ،‬ترمجة صاحل أبو أصبع و فاروق منصور ‪ ،‬مدخل إىل مناهج البحث اإلعالمي‪ ،‬ط ‪ ، ،1‬املنظمة العربية للرتمجة‪.‬‬
‫لبنان‪ ،4112 ،‬ص ص ‪412-412‬‬

‫‪86‬‬
‫نحمل رضةرنلث نيد ةرعرش ر‬
‫نوغوافناســد ةرمجهـوسرنملس تخدمني ر‬

‫متهيد‪:‬‬
‫تسعى إثنوغرافية مجهور املستخدمني إىل تبيان ذلك التحول من متط ألحباث اإلثنوغرايف يف البيئات‬
‫التقليدية الذي كان يستدعي من الباحثني اخلروج إىل كل مناطق العامل وإجراء الدراسات اإلثنوغرافية ومعرفة املزيد‬
‫عن مثبطات ذلك وطريقة احلياة لد العديد من القبائل والفئات‪ ،‬كما هلا اتريخ طويل يف العامل الغريب‪ ،‬فعلماء‬
‫األنثروبولوجيا سافروا حول العامل لدراسة القبائل واملشاركة يف حياهتم اليومية لفرتة طويلة أو فرتات زمنية جلمع‬
‫البياانت واملعلومات وبعد سنوات من الدراسات امليدانية ‪ ،‬عادوا إىل العامل "املتحضر" ‪ ،‬وقاموا بتقييم البياانت‬
‫وقدموا نتائجهم يف الكتب واألوراق والتقارير بطريقة إثنوغرافية‪.‬‬
‫يف الوقت احلاضر ‪ ،‬ال يتعني على علماء األنثروبولوجيا أو اإلثنوغرايف السفر إىل أي مكان يف العامل ليجد‬
‫يف الصدارة حضارات غريبة للدراسة‪ .‬هذه احلضارات الغريبة فقط بنقرة واحدة على لوحات املفاتيح اخلاصة هبم‬
‫على منصات الواب املختلفة‪ .‬فهذه النقرة غريت من كيفية القيام بتلك ابلدراسات اإلثنوغرافية‪ .‬جتعلنا حسب‬
‫تعبري ‪ Zuboff‬ندرك أن التكنولوجيا غريت من الطريقة اليت يؤدي هبا عامل اإلثنوغرافيا العمل لدراسة القبائل ‪ ،‬إذن‬
‫هي اجملتمعات االفرتاضية اليت وفرت لنا طرائق للدراسات اإلثنوغرافية جلمهور املستخدمني على اإلنرتنت‪ ،‬جمتمع‬
‫تنعدم يف املسافة يف الفضاء‪ .‬فاإلثنوغرايف واإلعداد ليسا ضروريني يف هذا املكان‪ ،‬الطريقة اليت ال يشرتك فيها‬
‫الباحث واملبحوث يف نفس املساحة املادية‪ .‬فالباحث واألشخاص الذين تتم دراستهم ميكن أن يكونوا يف مناطق‬
‫زمنية متباعدة‪.‬‬
‫حقيقة أخر هي الوقت‪ .‬الوقت مهم يف كيفية إجراء التفاعل ‪ ،‬إذا كان االتصال والتفاعل متزامن أو غري‬
‫هو‬ ‫‪Paccagnella‬‬ ‫متزامن يؤثر على طريقة االتصال والتفاعل حيدث على اإلنرتنت أبشكال خمتلفة‪،‬كما وصفه‬
‫ممتعا وقيما لدراسة‬
‫عامل فوضوي‪ ،‬ابزار كثيف يسكنه مجيع أنواع الناس "‪ .‬هذا هو أحد األسباب اليت جتعله ً‬
‫اإلنرتنت من وجهة نظر إثنوغرافية ‪ ،‬املستخدمون يسكونون يف غرف اإلنرتنت‪ .‬فيشاركون من مجيع أحناء العامل يف‬
‫التفاعل‪ .‬كما ميكن احلديث عن سبب آخر للنظر إىل اإلنرتنت وجمتمعاته من وجهة نظر إثنوغرافية‪ ،‬هو أهنا مثال‬
‫لوسائل اإلعالم القادرة على بناء العالقات‪ ،‬وسائل اإلعالم نفسها مدعمة ابلصوت والصورة اليت توثق احلقائق‬
‫وتسجل املالحظات واملقابالت اليت تساعد على التواصل وبناء العالقات على اإلنرتنت أين توجد أماكن ‪/‬‬

‫‪87‬‬
‫أنشطة أو جمتمعات افرتاضية فيها يتواجد املستخدمون رقميا ويتفاعلون مع بعضهم البعض‪ .‬كل هذه األسباب‬
‫هي أسباب وجيهة للقيام ابلدراسات اإلثنوغرافية ملعرفة املزيد عن سلوك الناس على الشبكة‪.‬‬
‫‪ .1‬خمطط سريورة الدراسات اإلثنوغرافية‪:‬‬
‫ستشري هذه النقاط إىل طريقة القيام ابلبحوث اإلثنوغرافية على اجملتمعات املوجودة يف العامل االفرتاضي (اإلنرتنت)‬
‫ونظريهتا يف البيئة احلقيقية‪.‬‬
‫‪ ‬اإلثنوغرافيا هي طريقة حبث نوعي ‪ ، Hammersley & Atkinson‬وطرق البحث فيها تتعارض مع‬
‫األساليب الكمية وتكون أحياان مكملة هلا‪.‬‬
‫‪ ‬طرائق الوصول إىل البياانت ومجعها خمتلفة يف البيئتني‪.‬‬
‫‪ ‬يشري ‪ Silverman‬إن البحث اإلثنوغرايف يعتمد بشكل كبري على املالحظة وهذا يؤدي إىل أنه إذا كان‬
‫لدينا مراقبان فسيكون هناك مالحظتان خمتلفتان وهبذه ستكون النتيجة حتما نتيجتان خمتلفتان‪.‬‬
‫‪ ‬يقوم عامل اإلثنوغرافيا مبالحظاته‪/‬مالحظاهتا واملبحوثني يكونون على دراية بتواجده يف امليدان‪ ،‬من خالل‬
‫هذا النوع من املالحظة حيصل عامل اإلثنوغرافيا على بياانته البحثية األساسية‪ ،‬من خالل مراقبة اإلعداد سيتعلم‬
‫اإلثنوغرايف ما جيري ‪ ،‬وكيف يتم ‪ ،‬وملاذا يتم بطريقة معينة‪ ،‬كما ذكر كل من ‪Hammersley & Atkinson‬ابملعرفة‬
‫قدما يف حبثه‪ .‬ميكن القيام بذلك عن طريق إجراء‬
‫املكتسبة للباحث من املالحظات ميكنه‪/‬ميكنها املضي ً‬
‫املقابالت‪ ،‬حتليل النص والوثيقة وإجراء حتليالت النصوص جلمع البياانت‪.‬‬
‫‪ ‬قبل الوصول والدخول يف مكان ما يف البيئتني‪ ،‬يرغب الباحث يف احلصول على ملف الرتكيز أو منظور‬
‫تضييق نطاق اإلعداد وما سيتم‬ ‫‪Silverman‬‬ ‫أو فكرة واضحة عما يريد حتقيقه‪ ،‬وجيب على اإلثنوغرايف حسب‬
‫دراسته للحصول على بعض املساعدة فيما يبحث عنه وما هي البياانت اليت جيب أن جيمعها‪.‬‬
‫يف هذا الصدد‪ ،‬أنه ميكن لألثنوغرايف أن يتعلم الكثري من املشاكل واملصاعب اليت‬ ‫يضيف‪Fägerborg‬‬ ‫‪ ‬و‬
‫تواجهه‪ ،‬كاليت تتعلق بقبوله يف مكان البحث‪ ،‬ومن خالل توفر ذلك يكون من األسهل مجع بياانت دقيقة‪.‬‬
‫كما ميكنه التفاعل بسهولة ويسر مع املبحوثني‪.‬‬
‫‪ ‬جيب أن يكون للباحث طريق وقبول يف األماكن العامة هناك قواعد مثل "النشاط املناسب" و "أّناط‬
‫التفاعل االجتماعي" اليت ميتلكها الباحث‪ ،‬كأن تكون على دراية بقبولك يف األماكن العامة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ ‬وجب عل الباحث التعلم كيف يتصرف عندما يريد الوصول إىل مكان تكتنفه تعقيدات‪ ،‬ووجب أن يكون‬
‫اضعا يف ترتيبات البحث ‪ ،‬والعمل حمليا ‪ ،‬واستخدام األصدقاء واالتصاالت الوثيقة قدر اإلمكان‬
‫مرًان ومتو ً‬
‫وعليه بناء الثقة يف حقل البحث للوصول إىل غاايت البحث‪.‬‬
‫‪ ‬يُطلق على الشخص الذي لديه القدرة على السماح للباحث ابلدخول إىل البيئة حبارس البوابة ‪ ،‬وابلتايل فإن‬
‫شخصا رمسيًا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫حراس البوابة هم األشخاص الذين ميتلكون مفاتيح البحث‪ ،‬ميكن أن يكون حارس البوابة‬
‫وعادة ما يكون الشخص األول الذي يصنعه الباحث وعليه االتصال به لطلب إذن مسبق إلجراء الدراسة ‪،‬‬
‫أو شخص غري رمسي‪ ،‬يف بعض األحيان يتعني على الباحث خداع حارس البوابة للوصول إىل مكان ما‪،‬‬
‫وميكن القيام بذلك بعدة طرق أو حيل بسيطة‪.‬‬
‫‪ ‬الرتكيز على هوية ومظهر ودور العامل امليداين عندما يتمكن الباحث من الوصول إىل املكان‪ ،‬بطريقة مناسبة ميكنه‬
‫العثور عليه تقييد نفسه على الشبكة االجتماعية للحارس‪ .‬وهذا يعين أن الباحث "سوف يتم توجيهه مبا يتماشى‬
‫مع شبكات الصداقة والعداء القائمة يف احلقل املدروس‪.‬‬
‫‪ ‬إن أحد األشياء املهمة اليت جيب التفكري فيها كإثنوغرايف هو ظهوره‪ .‬قد يكون من الضروري للباحث أن يرتدي‬
‫مالبس بطريقة تشبه إىل حد بعيد األشخاص املراد دراستهم كما ميكن له أن يتكلم بنفس لغتهم " هبذه الطريقة‬
‫يندمج الباحث مع "اخللفية"‪.‬‬
‫‪ ‬ميكن أن يدخل عامل اإلثنوغرافيا يف املواقف اليت يتعني عليه ‪ /‬عليها أن ينظر فيها ويركز عليها البحث‪ .‬ميكن‬
‫للباحث أن يتم استفزازه بعدة طرق‪.‬‬
‫‪ ‬يريد عامل اإلثنوغرافيا دراسة البيئة اليت ال تؤثر عليها املشاعر الشخصية‪ ،‬لكن يف بعض األحيان يكون هذا غري‬
‫ممكن وبعد ذلك جيب على اإلثنوغرايف أن يواجه العواقب‪.‬‬
‫‪ ‬األشياء األخر اليت ميكن أن تؤثر على البحث هي اإلثنوغرافيون واجلنس والعمر والعرق ‪ ،‬الدين واهلوية‬
‫العرقية‪ ،‬كل هذه امليزات ميكن أن يكون هلا أتثري إجيايب وسليب على األشخاص يف اإلعداد والبحث و طريقة‬
‫الوصول إىل اإلعداد‪.‬‬
‫‪.2‬نقاش حول االختالفات يف ممارسة اإلثنوغرافيا يف الواقعي والعامل االفرتاضي‪:‬‬
‫يعد الوصول إىل أحد اإلعدادات أسهل يف العامل االفرتاضي ‪ ،‬إذا كان الباحث يعرف كيفية العثور عليه‪.‬‬
‫شخصا يالحظ وال يساهم ‪ ،‬وينظر إليه‪ ،‬يف العامل احلقيقي ‪ ،‬هناك حراس بوابة‬
‫ً‬ ‫حيث ميكنه أن يكون خمتبئًا ‪،‬‬
‫جيب على الباحث املرور عربهم قبل أن يبدأ جبمع البياانت الفعلية‪ .‬ميكن أن يكون هذا صحيح أيضا يف العامل‬

‫‪89‬‬
‫االفرتاضي‪.‬عند القيام ابإلثنوغرافيا يف العامل احلقيقي ‪ ،‬خاصة عندما يتعلق األمر بتلك املراقبة‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫أرض املصنع مبوافقة اإلدارة وحارس البوابة ‪ ،‬فإن اإلثنوغرايف واملبحوثني الذين يدرسهم موجودون يف نفس املكان‬
‫ويف نفس الوقت‪ .‬يقع اإلعداد يف مكان مشرتك يف الزمان واملكان مع اإلثنوغرايف‪ .‬عندما يقوم ابحثي اإلثنوغرافيا‬
‫ابلبحث يف العامل االفرتاضي والذي هو منفصل عن املبحوثني زمنيا‪.‬ومكانيا‪ ،‬هنا ميكن أن يكون حاجز الزمان‬
‫واملكان معيقا‪ .‬هذا احلاجز‪ ،‬يف بعض احلاالت‪ ،‬وجيعل املشاركة يف احلياة اليومية ومجع البياانت امليدانية بشكل‬
‫خمتلف قليالً عن العامل احلقيقي‪ .‬فاالختالف العام بني البحث يف احلياة الواقعية إثنوغرافيا‪ ،‬واإلثنوغرافيا االفرتاضية‬
‫جدا التحقق من هوية‬
‫للحياة يف البيئة الرقمية تكمن مثال‪ :‬يف القيام ابملالحظات يف العامل احلقيقي من السهل ً‬
‫أيضا يف بعض‬
‫الشخص والتعرف عليه‪ ،‬كما أن هناك املعرف ابلبطاقات كالعمر وغريها‪ .‬ميكن ألي شخص ً‬
‫احلاالت مثل‪:‬حتديد الطبقة االجتماعية والدين لك يف البيئة الرقمية خيتلف األمر يف البيئة االفرتاضية حبيث يصعب‬
‫حتديد اهلوايت بدقة‪ ،‬حيث ميكن للمستخدم تقمص هوايت أخرر والتماهي وتعددية اهلوايت‪.‬‬
‫نوعا خمتل ًفا من األدوار يف اإلعداد‪ .‬هبذه‬
‫بصفتك ابحثا إثنوغرافيًا عرب اإلنرتنت‪/‬خارجها ‪ ،‬ميكنك أن أتخذ ً‬
‫الطريقة ال يوجد فرق بني نوعي اإلثنوغرافيا‪ ،‬الن اجملتمع املدروس سيتأثر بدورك البحثي‪.‬‬
‫املالحظة يف العامل احلقيقي هي مركز اإلثنوغرافيا‪ .‬لكن يف العامل االفرتاضي ال يستطيع اإلثنوغرايف أن يفعل نفس‬
‫النوع من املراقبة‪ ،‬عندما يتصرف الناس يف اجملتمعات عرب اإلنرتنت يقومون بذلك عن طريق النص‪ ،‬الذي من‬
‫احدا على ذلك يف كتابه "اغتصاب‬
‫خالله ميكن لإلثنوغرايف أن يرسم استنتاجات ما جيري ويقدم ‪ Dibbell‬مثاالً و ً‬
‫يف الفضاء السيرباين"‪.‬‬
‫فاالختالفات الرئيسية يف إجراء الدراسات اإلثنوغرافية على اجملتمعات االفرتاضية وتلك احلقيقية أن الزمان‬
‫واملكان يفصالن الباحث عن اإلعداد يف اإلعداد االفرتاضي‪ .‬هذا احلاجز له أتثريات كثرية‪ .‬كما وسائل اإلعالم هلا‬
‫حدود يف القدرة على نقل البياانت من األشخاص قيد الدراسة إىل الباحث الذي جيري الدراسة‪ .‬والفرق اآلخر‬
‫متاما يف الواقع االفرتاضي عكس البيئة الواقعية‪ .‬يف اجملتمع االفرتاضي‬
‫هو أن اإلثنوغرايف ميكن أن يكون غري مرئي ً‬
‫سيواجه ‪ /‬تواجه نفس املشكالت اليت يواجهها يف اجملتمع والعامل احلقيقي‪ .‬أسئلة كثرية تطرح نفسها يف البيئة‬
‫الرقمية من أنت؟ وهل ميكنين أن أثق بك؟‬
‫‪1‬‬
‫ال يوجد اختالف يف نوع األدوار اليت ميكن للباحث القيام هبا يف البحث ي البيئتني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Stefan Olsson, Ethnography and Internet Differences in doing ethnography in real and virtual environments, ,‬‬
‫‪available at https://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.25.7141&rep=rep1&type=pdf, accessed‬‬
‫‪04 january 2021.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪.4‬منهجية جديدة للبحث النوعي على مجهور مستخدمي اإلنرتنت‪:‬‬
‫بناءً على تكامل منهجيات مجع البياانت النوعية سواء عرب اإلنرتنت أو خارجها‪ .‬هذا املزيج متكن من خلق‬

‫إثنوغرافيا ثرية أو كما مساها غريتز ‪" ،‬الوصف ّ‬


‫املفصل" ‪ ،‬ال يقتصر على اإلنرتنت فقط‪ .‬لقد تكمن الباحثني يف‬
‫هذا اجملال من تقدمي مسامهة يف وضع أفضل فهم اإلمكاانت البحثية لإلنرتنت وتنفيذها نوعيًا للعدد املتزايد من‬
‫الدراسات املستندة إىل اإلنرتنت‪ ،‬إىل جانب التطورات املستمرة للتكنولوجيا التواصل الرقمية‪ ،‬فقدم علماء‬
‫ائعا للبحث االجتماعي ‪ ،‬بينما قدموا سلسلة طويلة من الصعوابت املنهجية يف وقت‬
‫جديدا ور ً‬
‫جماال ً‬
‫األنثروبولوجيا ً‬
‫واحد‪ .‬هذه املشاكل تنطوي على السؤال اجلوهري اآليت‪:‬حول ما إذا كانت املمارسة التقليدية لألنثروبولوجيا ميكن‬
‫أن تتكيف مع إعادة تعريف جمال البحث و توسيع إمكانيات إجراء البحث النوعي‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬سنتطرق إىل القضااي املنهجية الناجتة عن البحث النوعي القائم على اإلنرتنت ونتعرف‬
‫على املسار اجلديد الذي ميكن أن يساعد علماء األنثروبولوجيا يف التعامل مع اجلوانب اإلشكالية ملثل هذه‬
‫األحباث‪ .‬يعتمد هذا املسار على تكامل ثالث منهجيات حبثية نوعية تكميلية (مجع البياانت‪ ،‬املالحظات‬
‫واملقابالت وحتليل حمتو املواد التكميلية عرب اإلنرتنت‪.‬‬
‫ومن هذا املنظور‪ ،‬على عكس الوسائط األخر ‪ ،‬تدمج اإلنرتنت الوسائط الشخصية واجلماهريية‪ ،‬وغريت‬
‫من طريقة االتصال البشري‪ ،‬ومتكني املستخدمني من املشاركة يف االتصال اجلماهريي ثنائي االجتاه‪ .‬فلم يعد‬
‫مستخدمو شبكة الويب العاملية مجاهري سلبية ملستهلكي البياانت‪ ،‬كما هو احلال يف الوسائط األخر مثل‬
‫التلفزيون والراديو ‪ ،‬ولكنهم أصبحوا مشاركني نشطني يتحكمون يف حمتو املعلومات‪ ،‬وأحياان أخر يكونون من‬
‫صناعها‪.‬‬
‫فلقد فتح اإلنرتنت تضاريس افرتاضية بسيطة للمواقع و "العناوين" للمستخدمني ‪ ،‬مما يسمح ابلسفر منها‬
‫من موقع إىل موقع آخر ابالنتقال من رابط إىل آخر أو عرب فضاءات الفضاء السيرباين ‪ ،‬الذي يتحرك‬
‫‪42‬‬ ‫وجديدا وفورًاي ومتعدد الطبقات يف‬
‫ً‬ ‫املستخدمون من خالله وال يقلدون العامل احلقيقي‪ ،‬بل خيلقون عاملا سر ًيعا‬
‫ً‬
‫ساعة يف اليوم ‪ 2 ،‬أايم يف األسبوع ‪ ،‬كما أن توفر كميات هائلة من البياانت والروابط على مواقع إضافية ذات‬
‫متاحا وابلتايل ‪ ،‬فإن اإلنرتنت هو ابتكار تكنولوجي مرتبط ارتباطًا وثي ًقا ابلتغيري‬
‫ضخما ً‬
‫ً‬ ‫صلة تعترب خمزًان‬
‫االجتماعي‪ ،‬هذه التغيريات االجتماعية هلا آاثر واضحة على أّناط التعبري عن املشاعر‪ .‬فاالتصال عرب اإلنرتنت‬
‫يسهل من التعبري عن املشاعر (اإلخراج) وإدخال الرسائل العاطفية ‪ ،‬وابلتايل تطوير وتعزيز الروابط االجتماعية‬
‫اهلامة بني املستخدمني‪ ،‬وتشكيل نظام من العالقات املتشاهبة إىل روابط األسرة والصداقة ‪ ،‬وكل ذلك حيدث دون‬

‫‪91‬‬
‫جسداي‪ .‬وابلتايل‪ ،‬ميكن القول إن اإلنرتنت تساعد يف احلفاظ على العالقات الشخصية‬ ‫ً‬ ‫حضور املشاركني‬
‫واحلميمة يف احلاالت اليت تكون فيها املواجهة وجهاً لوجه مستحيل بسبب املسافة املادية بني األطراف‪ .‬التفاعل‬
‫عرب اإلنرتنت من خالل اإلنرتنت يوجد يف الغالب كوسيط مكتوب‪ ،‬يعمل ضمن إطار االتصاالت اليت حتدث‬
‫أيضا يف "الوقت الفعلي" أو كتفاعل متأخر‪ ،‬ومن انحية أخر ‪ ،‬يوفر االتصال عرب اإلنرتنت السرعة وسهولة‬ ‫ً‬
‫الوصول واالستمرارية للتعبري عن املشاعر‪ ،‬من انحية أخر ‪ ،‬خيتلف التواصل وجهاً لوجه مع التفاعل الغري مباشر‪،‬‬
‫فقد يوفر التفاعل املادي واملرئي تفاصيل حول هوية املستخدمني وحول مشاعرهم‪ .‬هذه الظاهرة تتساءل عن‬
‫جوهر العواطف ‪ ،‬إىل أي درجة هم ملموسون وطريقة تعبريهم يف الفضاء االفرتاضي‪ .‬هل ميكن التعبري عن املشاعر‬
‫ح ًقا من خالل تكنولوجيا الكمبيوتر "غري الشخصية" أو "املنفردة"؟ هل ميكننا التعبري عن مشاعر احلب أو األمل‬
‫أو احلزن من خالل وسيلة اتصال تعتمد على القراءة والكتابة ولكن تفتقر إىل أي تعبريات بصرية جسدية؟‬
‫يتم تشكيل الفضاء االجتماعي الذي ميكننا من خالله التعرف على التعبري عن املشاعر من خالل اإلنرتنت‬
‫بواسطة اجملتمعات االفرتاضية‪ ،‬مثل اجملموعات اإللكرتونية‪ .‬فالدراسات اليت أجريت حول االتصاالت الشخصية‬
‫يف هذه اجملتمعات درست بشكل أساسي جمموعات الدعم االفرتاضية والتواصل عرب اإلنرتنت حيث متكن‬
‫املستخدمني من التعبري عن املشاعر حبرية والوصول إىل مستو ٍ‬
‫عال من اإلفصاح عن الذات‪ .‬هذا التعرض مت‬
‫إجنازه من خالل رموز تعبريية مت تطويرها بني املستخدمني كلغة إشارة ومفردات االختصارات ‪ ،‬ومن خالل‬
‫املشاعر الوصفية املكتوبة (يف شكل قصري أو موسع) يف "الوقت احلقيقي"ويف مثل هذه املوضوعات‪ ،‬يتم استخدام‬
‫املنهجية النوعية إلجراء حبث على اإلنرتنت بناءً على تكامل أساليب مجع البياانت عرب اإلنرتنت وغري متصل‬
‫كمفتاح لتحقيق إثنوغرايف غين مواد‪ .‬هناك عالقات متبادلة وروابط موجودة بني ثقافة اإلنرتنت وبني العمليات‬
‫األوسع اليت حتدث يف اجملتمع‪ .‬من خالل تكامل مجع البياانت‪ .‬واألساليب ‪ ،‬من انحية ‪ ،‬ميكننا توسيع البعد‬
‫أيضا على‬
‫اجلغرايف جملال البحث وزايدة إمكانية وصول الباحث إىل جمتمع البحث‪ ،‬من انحية أخر ‪ ،‬حنصل ً‬
‫وصول أكرب إىل األشخاص الذين يديرون اإلنرتنت "من وراء الكواليس"‪ .‬وابلتايل ‪ ،‬فإن األشخاص الذين متت‬
‫مقابلتهم لديهم القدرة على التأثري على الطريقة اليت مت هبا فهم موقعهم وحتليله‪.‬‬
‫وتعود امليزة األساسية الستخدام العديد من منهجيات مجع البياانت التكميلية املستخدمة يف البحث على‬
‫اإلنرتنت هو القدرة على توفري مفتاح حتليل مواقع اإلنرتنت عرب اإلنرتنت واملطابقة التبادلية للبياانت مع املقابالت‬
‫غري املتصلة ابإلنرتنت مع أولئك الذين يعملون على إنشاء املواقع وصيانتها‪ .‬فالباحثون الذين يستخدمون طرق‬
‫مجع البياانت عرب اإلنرتنت حصرًاي يسقطون يف خطر الرتكيز على النتائج الناشئة عن املواقع فقط‪ ،‬وابلتايل تفقد‬

‫‪92‬‬
‫املوضوعات اإلضافية اليت مت التعبري عنها‪ ،‬فبخالف ذلك لن تكون أحباثهم غنية كدراسات قائمة على منهجيات‬
‫متكاملة‪.‬‬
‫استنادا إىل تكامل مجع‬
‫ً‬ ‫جيدا الستخدام منهجيات البحث النوعي‬
‫أساسا ً‬‫ابختصار‪ ،‬يبدو أن هناك ً‬
‫البياانت عرب اإلنرتنت وخارجه يف البحث اإلثنوغرايف عرب اإلنرتنت ‪ ،‬من أجل احلصول على "الوصف الفائض"‪.‬‬
‫ومع ذلك ‪ ،‬جيب علينا إجراء دراسات إضافية من أجل فحص طرق مجع البياانت األخر ابإلضافة إىل أنسب‬
‫وقت لالنتقال بني منهجيات خمتلفة‪ .‬يف هذه املرحلة من تطوير الطريقة ‪ ،‬نوصي ابستخدام واحدة من هذه‬
‫‪1‬‬
‫الطرق‪ ،‬من أجل التغلب على اجلوانب اإلشكالية اليت ينطوي عليها البحث اإلثنوغرايف على اإلنرتنت‪.‬‬
‫‪.5‬املقرتب اإلثنوغرايف ومستخدمي الوسائط اجلديدة‪:‬‬
‫إن اإلثنوغرافيا االفرتاضية هي تطوير جديد نسبيا يف البحوث الكيفية‪ ،‬فأسلوب اإلثنوغرايف التقليدي‬
‫ينطوي على انغماس الباحثني يف الوضع والظروف واحلياة اليومية ملن يدرسوهنم‪ ،‬ومتدد اإلثنوغرافيا االفرتاضية هذه‬
‫األساليب إىل فضاء االنرتنت‪ ،‬وتشمل طائفة من التقنيات املتنوعة‪.‬إن اإلثنوغرافيا االفرتاضية كمنهجية حبثية متثل‬
‫خطوة إلعادة تصور مفهوم" اجملال "التقليدي كما اعتمده علماء اإلثنوغرافيا‪ ،‬وتنقله إىل مستو آخر خاص‪،‬‬
‫ففي الفضاء االفرتاضي حدود اجملال املالحظ افرتاضية وخالية من التموقع يف املكان أو اجلغرافيا ‪.‬فكلما أجر‬
‫األفراد املزيد من األنشطة عرب اإلنرتنت‪ ،‬وتركوا بصمات رقمية) الصور‪ ،‬املدوانت‪ ،‬رسائل الربيد اإللكرتوين(‪ ،‬متكن‬
‫الباحثون من دراسة السلوك اإلنساين يف الفضاء االفرتاضي ‪.‬فاإلنثوغرافيون االفرتاضيون يشاركون ويالحظون‬
‫املدوانت ومواقع الويب وغرف الدردشة‪ ،‬وحيللون كيف يشكل الناس على شبكات التواصل االجتماعي أو‬
‫جمموعات اإلنرتنت هوايهتم الثقافية‪.‬لقد أصبح البحث اإلثنوغرايف حول االتصاالت واملمارسات على اخلط وخارج‬
‫اخلط واملتشكل عن طريق الرقمنة‪ ،‬أكثر شعبية يف السنوات األخرية مع تزايد نفوذ اإلنرتنت ووجودها يف احلياة‬
‫اليومية للناس‪.‬‬
‫عددا ال حيصى من األشكال‪ ،‬ويظهر ضمن ختصصات خمتلفة‬ ‫أيخذ البحث اإلثنوغرايف على اإلنرتنت ً‬
‫وحتت العديد من التسميات املختلفة مثل" اإلثنوغرافيا الرقمية"‪ "،‬اإلثنوغرافيا اإللكرتونية‪ "، "،‬اخلطاب اإلثنوغرايف‬
‫املركز على اخلط إثنوغرافيا اإلنرتنت"‪ "،‬اإلثنوغرافيا على اإلنرتنت"‪ "،‬إثنوغرافيا الفضاءات الرقمية"‪ "،‬البحوث‬
‫اإلثنوغرافية على اإلنرتنت" و"اإلثنوغرافيا املتعلقة ابإلنرتنت‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫)‪Liav Sade-Beck, Internet Ethnography: Online and Offline, International Journal of Qualitative Methods 3(2‬‬
‫‪2004, available at https://journals.sagepub.com/doi/pdf/, accessed 12 march 2021.‬‬

‫‪93‬‬
‫فمن املناهج اليت ارتبطت ابلرؤية النشطة ملستخدمي االنرتنت اإلثنوغرافيا االفرتاضية أو الرقمية‪ ،‬يف هذا‬
‫اإلطار ويف فضاء وسائط اإلعالم اجلديد‪ ،‬تتمثل أدوات الدراسة اإلثنوغرافية االفرتاضية يف املقابالت اإللكرتونية‬
‫مع املستخدمني املشاركني‪ ،‬أو املالحظة ابملشاركة أو غري املشاركة‪ ،‬كما جتر مقابالت مجاعية متعمقة ابستخدام‬
‫الرسائل املباشرة الفورية للرد على تساؤالت اإلثنوغرافيني املشاركني‪ ،‬أو يتم حتليل الربيد اإللكرتوين والصور والرسوم‬
‫ولغة اجلسد ونربة الصوت وتعبريات الوجه‪ ،‬أو حتليل طرق استخدام املشاركني لكامريات الويب أو الفيديو‪.‬‬
‫على سبيل املثال إن نشاط الفرد على شاشة الكمبيوتر ميكن أن يسجل ابلعديد من تطبيقات الفيديو‬
‫املختلفة‪ ،‬واليت ميكن بعد ذلك مالحظتها وحتليلها نقرة بنقرة ‪.‬وميكن استخدام هذه التطبيقات من قبل‬
‫اإلثنوغرافيني أنفسهم‪ ،‬أو ميكن أن تكون مثبتة على أجهزة الكمبيوتر من قبل املخربين‪ ،‬وهي تعطي فرصة للباحث‬
‫فيما بعد بدراسة استخدامهم للويب ‪.‬كما أن هناك طريقة أخر شائعة جلمع البياانت‪ ،‬هي أخذ لقطات) كاملة‬
‫أو جزء من الشاشة(‪ ،‬واليت تتعلق بشكل مباشر أبخذ الصور يف سياقات عدم االتصال ابإلنرتنت أو وضعية‬
‫خارج اخلط‪.‬‬
‫نوعا من البياانت على اخلط) عرب اإلنرتنت(‪،‬‬ ‫إن القاسم املشرتك هلذه الدراسات هو أهنا تشمل مجيعها ً‬
‫وكلها توظف) نسخة أو فهم معني (اإلثنوغرافيا يف عملية البحث‪ ،‬وهنا تنتهي أساسا القواسم املشرتكة ‪.‬إذن اجملال‬
‫متنوع يف البحوث اإلثنوغرافية حول الثقافة واملمارسات الرقمية ‪.‬وهذا ليس أقلها‪ ،‬بسبب األنواع املختلفة من‬
‫البياانت والبيئات اليت تغطيها األحباث حول االتصاالت الرقمية كمواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬املدوانت‪،‬‬
‫أيضا بسبب الفهم‬
‫املنتدايت‪ ،‬بيئات األلعاب‪ ،‬املواقع اإللكرتونية‪ ،‬مواقع املواعدة‪ ،‬مواقع الويكي وغريها‪ ،‬ولكن ً‬
‫املتباين ملا تبدو عليه" اإلثنوغرافيا"‪ ،‬واليت ترتاوح من اقتصارها على تقنيات حمددة أو طرق معينة جلمع‬
‫البياانت) املالحظة واملقابلة بشكل أساسي(‪ ،‬إىل رؤيتها كمنهج وليس جمموعة من التقنيات‪.‬‬
‫‪.6‬مالءمة الدراسات اإلثنوغرافية ألحباث اجلمهور واملستخدمني‪:‬‬
‫أين ميكن دراسة اإلنرتنت إثنوغرافيا؟ سؤال طرحه العديد من الباحثني لفهم مواضيع وحمتوايت الطريقة‬
‫اجلديدة يف البحث ‪.‬فمنذ أصبحت تقنيات اإلنرتنت على حنو متزايد يف كل مكان‪ ،‬أصبح املوقع االثنوغرايف‬
‫موضوعا ملناقشات كبرية‪ ،‬فبعض الباحثني يركز على دراسة اإلنرتنت على اخلط‪ ،‬خارج اخلط أو مزيج بني وجهيت‬
‫النظر‪ ،‬واليت تتوقف على األسئلة اليت يطرحها الباحث والوضعيات‪ ،‬مع احرتام كيفية تشكل اإلثنوغرافيات‪،‬‬
‫فمفهوم" احلقل أو امليدان "متت مناقشته على نطاق واسع سيما منذ التسعينيات‪ ،‬عندما قدم" جورج إي‬
‫ماركوس "فكرة" امليدان متعدد املواقع "يف املناقشة العامة‪ ،‬اليت كانت تدور ابلفعل حول فكرة اإلنعكاسية‬

‫‪94‬‬
‫واإلثنوغرافية الذاتية للباحث‪ ،‬كما أشار" ماركوس "أنه يف العوملة والعامل العابر للحدود واملتغري‪ ،‬العامل اإلثنوغرايف‬
‫جيب أن يعدل ليقدم بياان عن حياة الناس‪ ،‬واليت ليست يف كثري من احلاالت ملزمة احلدود بشدة) غري مرئية أو‬
‫مرئية ‪ (.‬ومع ذلك‪ ،‬مت انتقاد اإلثنوغرافيا متعددة املواقع على أهنا غري هادفة وغري مركزة وسطحية‪.‬‬
‫إن البحث اإلثنوغرايف يف الشبكة وحول الشبكة يتطلب عناية مبناطقها وأجزائها املراد تضمينها‪ ،‬وأيها اليت‬
‫سيتم تضمينها جزئيًا وأيها يستبعد‪ ،‬فضرورة حتديد جمال البحث مكانيا هو شيء ليس ابجلديد‪.‬‬
‫توفر اإلثنوغرافيا على االنرتنت إمكانيات ابلفعل للجمع بني كل من الرقمية والتناظرية بطريقة مماثلة لتلك‬
‫اخلاصة ابملستخدمني ‪.‬لقد انقش عاملي األنثروبولوجيا" جون بوستيل "و"سارة بينك "أمهية صنع املكان يف‬
‫الدراسات اإلثنوغرافية‪ ،‬أين توفر أمكنة البحث‪ ،‬أي العامل خارج اخلط‪ ،‬السياقات اهلامة يف بعض احلاالت‬
‫البحثية‪ ،‬أين يكون االتصال على اخلط( عرب اإلنرتنت (وخارج اخلط يف حالة دائمة من توفري وتبادل املعلومات‪.‬‬
‫وعموما هناك أربعة أنواع من الدراسات اإلثنوغرافية للتفاعل على اخلط‪:‬‬
‫‪ .1‬دراسة التفاعل على اخلط فقط دون مشاركة‪ ،‬مثل‪:‬الدراسات اليت تستلزم عادة فقط فحص املدوانت‬
‫وجمموعات النقاش وقوائم الربيد اإللكرتوين وما إىل ذلك‪ ،‬دون أي مشاركة أو تدخل من جانب‬
‫الباحث) الباحثني(‪ ،‬عادة أيخذ شكل" الرتصد "وإجراء حتليل دون أن يدرك منتجي املواد وجود الباحث؛‬
‫‪ .4‬دراسة التفاعل على اخلط فقط مع بعض املشاركة‪ ،‬مثل‪ :‬الدراسات اليت تستلزم عادة فحص املدوانت‬
‫جمموعات النقاش‪ ،‬قوائم الربيد اإللكرتوين وغريها‪ ،‬ولكن مع بعض املشاركة أو التدخل من جانب‬
‫الباحث) الباحثني ‪(.‬هذا األخري ليس سلبيا‪ ،‬ويتدخل بدال من ذلك) علنًا أو سراً (يف املنشورات واملناقشات‬
‫اجلارية عرب اإلنرتنت؛‬
‫‪ .2‬دراسة التفاعل على اخلط ابإلضافة إىل املقابالت على اخلط أو خارج اخلط‪ :‬هذا النوع مثل النوع السالف‬
‫الذكر‪ ،‬ولكن ابإلضافة إىل ذلك يقابل الباحث بعض األشخاص املشاركني يف التفاعل على اخلط‪ ،‬املقابالت قد‬
‫‪1‬‬
‫تكون على اخلط أو خارجه‪.‬‬
‫‪ .2‬دراسة التفاعل على اخلط ابإلضافة إىل طرق البحث خارج اخلط) ابإلضافة إىل املقابالت على اخلط أو خارج‬
‫اخلط(هذا النوع مثل النوع السابق‪ ،‬ولكن ابإلضافة إىل ذلك هناك مشاركة نشطة للباحث) الباحثني (يف العامل‬
‫خارج اخلط ألولئك الذين جتري دراستهم مثل حضور التجمعات وكذلك املقابالت) اليت قد تكون على اخلط أو‬
‫خارج اخلط‪(.‬‬

‫‪ 1‬زينب خاللفة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ص‪212-212‬‬

‫‪95‬‬
‫وبشكل عام يف الدراسات اإلثنوغرافية على االنرتنت قد يطلب من العينة املستهدفة من املشاركني‪:‬‬
‫‪ ‬االحتفاظ بيومياهتم على االنرتنت‪ ،‬مبا يتضمن أفكارهم وسلوكياهتم فيما يتعلق بغرض الدراسة‪.‬‬
‫‪ ‬التقاط صور ذات عالقة ابلدراسة‪ ،‬وحتميلها) على احلاسوب (ليقوم الباحثون بتحليلها‪.‬‬
‫‪ ‬املشاركة يف املقابالت املكثفة على االنرتنت معتمدة على مضمون يومياهتم وصورهم‪.‬‬
‫‪ ‬تزويد الباحث جبولة افرتاضية يف حميطهم عرب كامريا الويب؛‬
‫‪ ‬كما أن هناك أسلوب اثنوغرايف آخر عرب االنرتنت هو" االنغمار ‪/‬االنغماس "وهو سلسلة من التمارين‬
‫واالختبارات اإلسقاطية تعطي الباحثني حملة عن حياة األشخاص الذين يقومون بدراستهم‪.‬‬
‫إن دراسة البيئة على اإلنرتنت)على اخلط (هلا مميزاهتا اخلاصة‪ ،‬واإلثنوغرافيا االفرتاضية كانت طريقة واحدة‬
‫لوصف إبستمولوجيا املقاربة ‪.‬فمصطلح" افرتاضي"‪ ،‬كشيء أقل واقعية‪ ،‬ال ينبغي أن يستخدم كنقيض ملصطلح‬
‫حقيقي) والحقيقة(‪ ،‬والذي هو وفقا لعلماء األنثروبولوجيا هيذر هورست ودانييل ميلر جلب للثقافة ما قبل‬
‫الرقمية كموقع لالحتفاظ ابألصالة ‪.‬أما عاملة االجتماع" كريستني هاين "فقد استخدمت مصطلح" افرتاضي "يف‬
‫منشوراهتا السابقة (اإلثنوغرافيا االفرتاضية‪ ،‬األساليب االفرتاضية( لكنها حاليًا صاغت فكرة إثنوغرافيا اإلنرتنت ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫تقول هاين أبن اإلثنوغرافيا هي أوال وقبل كل شيء أداة لتحليل ومجع البياانت‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫ختاما‪ ،‬أصبحت األحباث اإلثنوغرافية حول املمارسات واالتصاالت عرب اإلنرتنت شائعة بشكل متزايد يف‬
‫عددا ال حيصى من‬
‫السنوات األخرية مع تزايد أتثري ووجود اإلنرتنت يف حياة الناس اليومية‪ .‬يتخذ هذا البحث ً‬
‫األشكال ‪ ،‬تظهر ضمن ختصصات خمتلفة وحتت عدة تسميات خمتلفة مثل "اإلثنوغرافيا الرقمية" لـ ‪،Murthy‬‬

‫‪" ،‬اخلطاب‪ -‬إثنوغرافيا‬ ‫‪Robinson & Schulz‬‬ ‫‪" ،‬علم اإلثنوغرافيا اإللكرتونية لـ‬ ‫‪Hine‬‬ ‫"اإلثنوغرافيا االفرتاضية لـ‬
‫اإلنرتنت املركزة لـ ‪ "،Androutsopoulos‬إثنوغرافيا اإلنرتنت ل ـ ‪ ، Sade-Beck boyd‬اإلثنوغرافيا على اإلنرتنت لـ‬
‫‪Garcia et al.‬‬ ‫‪ ،Beaulieu‬اإلثنوغرافيا للمساحات االفرتاضية لـ ـ ‪ ،Burrel‬البحث اإلثنوغرايف حول اإلنرتنت ل ـ ـ‬
‫‪2.Postill‬‬ ‫‪& Pink‬‬ ‫اإلثنوغرافيا املتعلقة ابإلنرتنت ل ـ‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.212-211‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Piia Varis, digital ethnography, available at https://www.routledgehandbooks.com, accessed 20 june 2021‬‬

‫‪96‬‬
‫ونستنتج أيضا‪ ،‬أن مسألة فصل العاملني الواقعي واالفرتاضي ال تزال صعبة وغري واضحة املعامل لد الكثري‬
‫من الباحثني‪ ،‬وأن االقتصار على العامل االفرتاضي يف البحث اإلثنوغرايف ليس كافيا ابلنسبة للكثريين للقيام‬
‫بدراسة إثنوغرافية واضحة ومقنعة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫خـــ تــــمــد ة‪ :‬ر‬
‫ز ناير سؤىرجديدةرم رنوغوافناس رنمجلهوسر نملس تخدمني‪ .‬ر‬

‫لقيت املقاربة اإلثنوغرافية اهتمام كبري يف حقل البحث يف علوم اإلعالم واالتصال‪ 1‬خاصة يف دراسات‬
‫اجلمهور‪ ،‬بعد قصورات اليت كشقتها املقارابت الكمية يف امليدان‪ ،‬فضل العديد من الباحثني يف جمال االتصال‬
‫يف ذلك‪ ،‬فهي حسب رأيهم أنسب مقاربة‬ ‫‪David morley‬‬ ‫اخلوض يف غمار البحث اإلثنوغرايف متتبعني هنج‬
‫تسمح ابلدخول إىل عوامل العائالت و سياقاهتا وما طرأ عليها من مستجدات جلبتها مفاهيم التكنولوجيا املنزلية‬
‫والديناميكية العائلية يف إطار عملية التلقي واالستخدام‪ ،‬فاملقرتب اإلثنوغرايف يركز على فهم السلوك يف سياق‬
‫اجتماعي عرب مشاركة الباحث يف احلقل املدروس مشاركة فعالة عرب أدوات وطرق حبثية ميدانية‪ ،‬وهبذا يصف‬
‫اإلثنوغرافيا أبهنا عملية املراقبة واملالحظة املباشرة لسلوك جمموعة اجتماعية‪ ،‬وإعداد وصف كتايب‬ ‫‪Marshall‬‬

‫ابخلصوص‪ 2.‬يتمثل يف التقرير الوصفي الذي يوظف جمموعة من األدوات املنهجية يف مقدمتها املالحظة ابملشاركة‬
‫واملقابالت الودية غري الرمسية وغريها‪.‬‬
‫و يف هذا السياق‪ ،‬استعان الباحثون يف دراسات اجلمهور هبذا املقرتب يف العديد من األحباث وذلك بعد‬
‫دراسة دافيد موريل اليت كانت مبثابة االنطالقة هلذا النوع من الدراسات‪ ،‬ويف اجلزائر دعا األستاذ علي قسايسية إىل‬
‫ضرورة تبين هذا املنهج اإلثنوغرايف يف دراسات اجلمهور والذي كلل ابلعديد من الدراسات يف اجملال‪ ،‬على الرغم‬
‫من التحدي الذي يواجه الباحثني يف جمال اجلمهور و التلقي‪ ،‬والذي يكمن يف حتديد متثيل مناسب للجمهور‬
‫خاصة إذا تعلق البحث ابلبيئات الرقمية أين ختتفي احلدود اجلغرافية و الزمنية والوجود املادي للباحث واملبحوث‪.‬‬

‫‪.1‬اآلفاق اإلثنوغرافية ألحباث اجلمهور‬


‫يسمح املقرتب اإلثنوغرايف للباحث أن يكشف أبعاد الظاهرة داخل األسر و يقوم هذا املنهج على‬
‫املالحظة و حتليل سلوكيات اجلماعات البشرية‪ ،‬و مهمة الدارس الرئيسية يف اجملال اإلثنوغرايف هي توضيح جتارب‬
‫الكائنات البشرية ابلشكل الذي يساهم انتماؤها إىل مجاعات اجتماعية يف حتديد هويتها‪ ،‬و للوصول إىل ذلك‬
‫يعمل على أتويل بعض املظاهر الثقافية اليت تتقامسها هذه اجلماعات احمللية خاصة يف اجملتمع الكوين كما يعمل‬
‫على تفسري التمثالت الثقافية و أتويلهما بشكل جيعلهما مهمتني متكاملتني يف فهم الظواهر الثقافية لد خمتلف‬

‫‪1‬‬
‫‪SALINS, G.-D. de, Une introduction à l’ethnographie de la communication, Didier, Paris, 1992. P 5.‬‬
‫‪ 2‬علي حممد رحومة‪ ،‬علم االجتماع اآليل‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،222‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،4112 ،‬ص‪.111‬‬

‫‪98‬‬
‫الشعوب و األمم‪ .‬يتمثل التوجه اجلديد يف املنهج اإلثنوغرايف يف دراسة السلوك االتصايل للجمهور والتفاعالت‬
‫املمكنة مع الرسائل اإلعالمية اليت يتلقاها من خمتلف الوسائط املتوفرة يف الفضاء االتصايل اجلديد الذي تشكل‬
‫االنرتنيت أهم وسائطه على اإلطالق‪ ،‬فقد أصبحت االنرتنيت منذ الشروع يف استعماهلا يف الفضاء العمومي يف‬
‫الغرب يف التسعينات من القرن املاضي كمنافس للتلفزيون كأداة تكنولوجية منزلية جديدة و ابلتايل حتول انشغال‬
‫اآلابء و املربني إىل التأثريات احملتملة هلذه الوسيلة املتوغلة بقوة خارقة وسرعة فائقة يف خمتلف مناحي حياة الناس‪.‬‬
‫كما استدعت خصوصيات الفضاء االتصايل اجلديد جبميع تداعياته الراهنة املتمثلة يف التطورات التكنولوجية‬
‫اهلائلة‪ ،‬هذا الفضاء الذي هو يف احلقيقة امتداد للفضاء الناجم عن االستعمال املكثف للتكنولوجيات املنزلية‬
‫تعميم االختيارات املنهجية اإلثنوغرافية للتوجه اجلديد يف أحباث اجلمهور و هي تندرج عموما فيما أصبح يعرف‬
‫ابملنهجية اإلثنوغرافية يف دراسات التلقي‪ ،‬اليت تستلزم حتديد إثنوغرافيا اجلمهور وإجراء حترايت علمية حول‬
‫أنظمة التأويل والعمليات اليت يقوم هبا املتلقون‪ ،‬وتستند خطوات البحث إىل خمتلف وحدات حتليل الفرد ابعتباره‬
‫موضوع اجتماعي وذو فردية و اجلماعة و العالقات ما بني الذات املشرتكة يف جتربة احلياة اليومية للجماعة و إىل‬
‫جانب االنرتنيت تكثف استعمال االجتاه اإلثنو‪-‬منهجي يف دراسات اجلمهور على ضوء عوملة الرسائل اإلعالمية‬
‫املتسارعة و املتوسعة بفضل البث التلفزيوين املباشر عرب السواتل و األنظمة الرقمية و القنوات املشفرة و تلفزيون‬
‫االنرتنيت الذي يتوقع أن حيل حمل القنوات املشفرة خالل العشرية القادمة‪.‬‬
‫و ير رامسوامي أن هناك صنفني من دراسات اجلمهور الشامل احلديثة بدأت منتصف العشرية األوىل من‬
‫القرن احلايل تركز على دور اجملموعات اإلثنية الصنف الذي أعاد بعث أطروحات اإلمربايلية الثقافية و اإلعالمية‬
‫املتشتة خارج بيئاهتا الطبيعية األوىل خاصة دورها يف تكوين تصورهم هلوايهتم اإلثنية يف بيئاهتم اجلديدة‪.‬‬
‫إن اإلشكالية اليت يعيد رامسوامي طرحها واملستمدة أساسا من خالصات متالني كان قد توصل إليها كل من‬
‫"املتعلقة أبحباث اجلمهور العابرة للثقافات و أقليات اإلثنيات‬ ‫‪1995‬‬ ‫و جيل" صباي‬ ‫‪1993‬‬ ‫ليابز و كارتز‬
‫املتسلخة من جذورها اإلقليمية ختص ابلدرجة األوىل إبراز االنتماءات اإلثنية كعوامل حمددة للسلوك االتصايل و‬
‫لنمط التفاعل اإلعالمي‪ ،‬فقد الحظ جيل روي أن التيارات الثقافية املتعددة املثرية دائما للنقاش حول اإلثنية‬
‫الثقافية ‪ ،‬على سبيل املثال أخذت أبعادا جديدة تبعا لطبيعة قراءة وتفسري االعتبارات األخرية املتعلقة " ابحلرب‬
‫ضد اإلرهاب خاصة يف أمريكا الشمالية و أوراب و أسرتاليا ‪.‬‬
‫و يبدو من خالل معاجلات قضااي متايز اهلوايت اإلثنية املعقدة وعالقاهتا مبسائل االنتماء العرقي و ابلثقافة‬
‫العابرة لألمم على الصعيدين التنظريي والتطبيقي ‪ ،‬أن هنالك وعيا متزايدا بضرورة ا عطاء أمهية معتربة هلذه‬

‫‪99‬‬
‫املواضيع احلساسة‪ ،‬وإعادة اختبار مد قابلية بعض اخلالصات للتعميم على خمتلف احلساسيات احمللية يف بقاع‬
‫شىت من العامل‪.‬‬
‫و على الرغم من اخللط بني" العرقية "و" اإلثنية "و حسن النية املفرتض يف دراسة عينة من استجابة‬
‫اجلمهور الشامل اليت ‪ et‬أجنزها ‪ Liebes ratz‬حول جمموعات إثنية خمتلفة عرب‪ ،‬يهود‪ ،‬مغاربة وأمريكيني ملسلسل‬
‫دالس فإهنا أثبت خطأ االعتقاد املفرتض القائل" أن بث نصوص مثل الربامج التلفزيونية األمريكية يقبلها اجلمهور‬
‫الدويل ويتقبلها بدون نقاش‪".‬‬
‫و يطلق األستاذ علي قسايسية على هذا التوجه اجلديد يف مقاربة اجلمهور ب أّنوذج التفاعلية واألثر‬
‫‪ Interactivity Impact Paradigm‬ألنه يهتم ابلعالقات التفاعلية مع تكنولوجيات اإلعالم و االتصال املتجددة‬
‫يف السياق االجتماعي اجلزئي و السياق الفردي و ابستعمال التكنولوجيات احلديثة مبعزل عن اآلخرين و هي‬
‫األدوات اليت تدعم ميل طبيعي لد الفرد كموضوع اجتماعي و ذو فردية‪.‬‬
‫هذه اآلفاق اإلثنوغرافية و األنثروبولوجية ألحباث اجلمهور تقارب إذن التفاعلية و األثر يف سياق‬
‫اجتماعي–تقين وثقايف للجمهور ذو قدرة كلية على التواجد يف كل مكان يف نفس الزمان حيث يسجل حضورا‬
‫دائما مستقال عن متوقعه اجلغرايف‪ .‬و هي احلالة اليت يعرب عنها مبا بعد اجلمهور واجلمهور عن بعد و هو عموما‬
‫مجهور ال وجود مادي له يف موقع جغرايف معني‪ ،‬و لكن ميكن التدليل عن هذا الوجود الالمادي له بطرق متنوعة‬
‫التقنيات ‪web‬‬ ‫منها خاصة انتقال اآلراء واألفكار املتبادلة افرتاضيا يف شكل رسائل حرفية بصرية أو صوتية بفضل‬
‫اليت تطورها يوميا الصناعات اإللكرتونية و منها تقنية البث عن طريق كامريات الواب اليت طورت نظام التحاضر‬
‫عن بعد واالتصال املرئي عن بعد عرب خمتلف شبكات التواصل االجتماعي‪.‬‬
‫إن هذه اآلفاق اليت بدأت تتجسد ميدانيا يف اجملتمعات املتطورة تكنولوجيا شكلت مشروع مقاربة بديلة‬
‫لدراسات اجلمهور يف اجلزائر ‪ ،‬فقد بينت نتائج أحباث اجلمهور يف اجلزائر أن استخدام اجلزائريني لالنرتنيت‬
‫ألسباب خمتلفة يتزايد بوترية رهيبة و تستمد هذه املقاربة البديلة مشروعيتها من أمور عديدة أمهها‪ :‬مرونة املقاربة‬
‫اإلثنولوجية ذاهتا‪ ،‬حيث أن املنهج اإلثنوغرايف يف أحباث اجلمهور يستدعي النزول إىل امليدان كما أشران سابقا و‬
‫حماولة وصف و أتويل املمارسات يف سياقي ثقايف خاص انطالقا من املالحظة املباشرة لنشاطات احلياة اليومية و‬
‫املشاركة فيها مشاركة نشطة وتكمن أمهية هذه املقاربة يف إمكانيات فهم السياق اليت توفرها خاصة إمكانيات‬
‫الربط بني خمتلف مظاهر الظاهرة املدروسة وكذلك العامل الثاين املهم جدا أال وهو قدرة املقاربة اإلثنوغرافية على‬

‫‪100‬‬
‫جتاوز سلبيات استعمال تقنية االستمارة يف مجع البياانت و صعوابت اختيار العينة التمثيلية اليت واجهت معظم‬
‫‪1‬‬
‫الباحثني يف أحباث اجلمهور يف اجلزائر‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬ميكن القول أن إثنوغرافيا مجهور املستخدمني تتطور بتطور سياقات االستخدام اليت تتشكل من‬
‫خالل استعماالت تكنولوجيات االتصال اجلديدة واملتجددة‪ ،‬لكن نعود لتشخيص واقع البحث االثنوغرايف‬
‫كمنهجية حبثية يف العامل العريب عموما واجلزائر خصوصا مازلت تطبيقاهتا ضئيلة تعاين التشتت‪.‬‬

‫‪ 1‬كنزة حاج حامدري‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص‪.22-21‬‬

‫‪101‬‬
‫ق مئـــد ةرنملفنجــــع‪ :‬ر‬
‫‪ .1‬أمحد بن مرسلي‪ ،‬مناهج البحث العلمي يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.4112 ،‬‬
‫‪ .4‬أرمان وميشال ماتالر‪ ،‬ترمجة نصر الدين العياضي‪ ،‬الصادق رابح‪ ،‬اتريخ نظرايت االتصال‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‬
‫لبنان‪.2005 ،‬‬
‫‪ .2‬ثراي أمحد البدوي‪ ،‬مستخدم االنرتنت قراءة يف نظرايت اإلعالم اجلديد ومناهجه‪ ،‬عامل الكتاب‪ ،‬القاهرة‪.4112 ،‬‬
‫‪ .4‬مجيل محداوي‪ ،‬مقومات البحث االثنوغرايف‪ ،‬على الرابط ‪..https://www.aranthropos.com‬‬
‫‪ .2‬جيامبيرتو وجوبو‪ ،‬إجراء لبحث االثنوجرايف‪ ،‬ترمجة حممد رشدي‪ ،‬أمحد زايد‪ ، ،‬ط‪ ،1‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.4112‬‬
‫‪ .1‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬ليلى حسني السيد‪ ،‬االتصال ونظرايته املعاصرة‪ ،‬ط‪ ، 3‬الدار املصرية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪.4114 ،‬‬
‫‪ .2‬عبد القادر عرايب‪ ،‬املناهج الكيفية يف العلوم االجتماعية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪. 2007،‬‬
‫‪ .2‬علي قسايسية‪ ،‬مجهور وسائط االتصال ومستخدموها من املتفرجني إىل املبحرين االفرتاضيني‪ ،‬دار الورسم‪.4111 ،‬‬
‫‪ .2‬علي حممد رحومة‪ ،‬علم االجتماع اآليل‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،222‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪.4112‬‬
‫‪ .11‬عمار بوحوش‪ ،‬حممد حممود الذنيبات‪ ،‬منهج البحث العلمي أسسه وأساليبه‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة املنار‪ ،‬األردن‪.1222 ،‬‬
‫‪ .11‬عيسى الشماس‪ ،‬مدخل إىل علم اإلنسان االنثربولوجيا دراسة‪ ،‬منشورات احتاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪،‬‬
‫‪.4111‬‬
‫‪ .14‬فهد بن سلطان السلطان‪ ،‬املنهج االثنوغرايف رؤية حبثية جتديدية لتطوير واقع العمل الرتبوي‪.‬‬
‫‪ .12‬حممود اجلوهري‪ ،‬علياء شكري‪ ،‬مقدمة يف دراسة االنثربولوجيا‪ ،‬القاهرة‪.4112 ،‬‬
‫‪ .12‬موريس أجنرس‪ ،‬ترمجة بوزيد صحراوي‪ ،‬كمال بوشرف وسعيد سبعون‪ ،‬منهجية البحث العلمي يف العلوم اإلنسانية‪ ،‬دار‬
‫القصبة للنشر‪ ،‬اجلزائر‪.4111 ،‬‬
‫‪ .12‬وليد رشاد زكي‪ ،‬نظرية الشبكات االجتماعية من االيديولوجيا إىل امليثودولوجيا‪ ،‬سلسلة قضااي إسرتاتيجية‪ ،‬املركز العريب‬
‫ألحباث الفضاء اإللكرتوين‪ ،‬مصر‪ ،‬مارس ‪.4114‬‬
‫‪ .11‬ومير روجر‪ ،‬دومينيك جوزيف‪ ،‬ترمجة صاحل أبو أصبع و فاروق منصور‪ ،‬مدخل إىل مناهج البحث اإلعالمي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬لبنان‪.4112 ،‬‬

‫نملا الترنلعلميد ةر نمللتاس ت‪ :‬ر‬


‫‪ .1‬أمينة بصافة‪ ،‬انثربولوجيا االتصال واملؤانسة االجتماعية بفضاء اتصايل جزائري دراسة اثنوغرافية ميدانية‪ ،‬جملة أفاق‬
‫للعلوم اجمللد‪ ،1‬العدد‪.4111 ،1‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ .4‬حيزير رزيقة‪ ،‬املنهج االثنوغرايف واستخداماته يف علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جملة العلوم القانونية واالجتماعية‪ ،‬جامعة‬
‫زاين عاشور اجللفة‪ ،‬العدد‪ ،14‬ديسمرب‪4112‬‬
‫‪ .2‬زينب خاللفة‪ ،‬االثنوغرافيا من العامل الواقعي إىل العامل االفرتاضي‪ ،‬جملة العلوم اإلنسانية جلامعة أم البواقي‪ ،‬اجمللد ‪2‬‬
‫العدد‪ ، 1‬مارس‪.4141‬‬
‫‪ .2‬مسرية بلغيثية‪ ،‬استخدام املقاربة االثنوغرافية يف حبوث مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬دراسات وأحباث اجمللة العربية يف العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جملد ‪ 11‬العدد‪.4112 ،2‬‬
‫‪ .2‬حممود حسن‪ ،‬املنهج االثنوغرايف أولوية مقرتحة يف تشخيص املشهد الرتبوي وتطويره‪ ،‬املؤمتر العلمي الثاين أولوايت‬
‫البحث العلمي يف فلسطني حنو دليل وطين للبحث العلمي‪ ،‬على الرابط التايل‪:‬‬
‫‪https://iugspace.iugaza.edu.ps‬‬
‫‪ .1‬مرمي دهان‪ ،‬املقاربة االثنوغرافية‪ ،‬تعريفها‪ ،‬مميزاهتا تقنياهتا‪ ،‬وعالقاهتا لدراسات اجلمهور‪ ،‬جملة اتريخ العلوم‪ ،‬العدد‬
‫الثامن ج‪ ،1‬جوان‪.4112‬‬
‫نلفس ئلرنلعلميد ة‪ :‬ر‬
‫‪ .1‬أمال عساسي‪ ،‬اثنوغرافيا مستخدمي الفيسبوك يف اجملتمع اجلزائري دراسة إثنوغرافية لعينة من مشرتكي اجملموعات‬
‫االمازيغية ابلفيس بوك‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬فسم علوم اإلعالم واالتصال وعلم املكتبات‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬جامعة ابتنة ‪.4112-1،4112‬‬
‫‪ .4‬أمينة بصافة‪ ،‬العصبية االفرتاضية يف شبكات التواصل االجتماعي دراسة اثنوغرافية نقدية على عينة من مستخدمي‬
‫الفيسبوك ‪ ،‬رسالة دكتوراه الطور الثالث علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬قسم علوم االتصال‪ ،‬كلية علوم اإلعالم واالتصال‪،‬‬
‫جامعة اجلزائر‪.2‬‬
‫‪ .2‬رضوان بومجعة‪ ،‬أشكال االتصال التقليدية يف منطقة القبائل حماولة حتليل انثربولوجي‪ ،‬رسالة دكتوراه دولة‪ ،‬قسم علوم‬
‫االعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.4112-4111 ،‬‬
‫‪ .2‬علي قسايسية‪ ،‬املنطلقات النظرية واملنهجية لدراسات التلقي دراية نقدية حتليلية ألحباث اجلمهور يف اجلزائر‪-1222‬‬
‫‪ ،4111‬رسالة دكتوراه دولة‪ ،‬قسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.‬‬
‫‪ .2‬كنزة حاج محدري‪ ،‬دور التلفزيون يف تشكيل بعض القيم لد املرأة الريفية اجلزائرية‪ ،‬دراسة اثنوغرافية على عينة من‬
‫الريفيات اجلزائرايت‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬قسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.4111-4111 ،2‬‬
‫‪ .1‬خمنفر حفيظة‪ ،‬خطاب احلياة اليومية لد الطالب اجلامعي بني اخلطاب الرتبوي واجملتمعي دراسة ميدانية‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫قسم علم االجتماع ‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة ملني دابغني سطيف‪.4112-4112 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫ ر‬:‫نحمل رضنتر ندلس ف‬
.‫ حماضرات مقياس اثنوغرافيا اجلمهور ومستخدمي الوسائط اجلديدة‬،‫ أمينة بصافة‬.1
‫ جامعة أبو بكر‬،‫ شعبة االنثربولوجيا‬،‫ للسنة الثانية انثربولوجيا‬،‫ حماضرات مقياس ميادين االنثربولوجيا‬،‫ ليندة عبد الالوي‬.4
.‫بلقايد تلمسان‬
:‫نملفنجعرابللغد ةرن ألجنبيد ة‬
1. Tony L. Whitehead, Basic Classical Ethnographic Research Methods Secondary Data
Analysis, Fieldwork, Observation/Participant Observation, and Informal and Semi
structured Interviewing, CEHC, 2005.
2. Ogbu J, Educational anthropology in encyclopedia of cultural anthropology, Henry Holt
and company, vol 2. https://www.new-educ.com.
3. Michael Genzuk, a synthesis of ethnographic research, available at https:// https://web-
app.usc.edu/web/rossier/publications, accessed 08 june 2021.
4. Martyn Hammersley and Paul Atkinson, Ethnography Principles in Practice, Fourth
Edition, available at
https://www.taylorfrancis.com/books/mono/10.4324/9781315146027/ethnography-martyn-
hammersley-paul-atkinson, accessed 12 January 2021.
5. Patricia Drentea and Jennifer L. Moren-Cross, Social capital and social support on the web :
the case of an internet, mother site, Sociology of Health & Illnes, Blackwell Publishing
Oxford, 2005, p p.920-943, available at http://onlinelibary.wiley.com/doi/10.1111/j.1467-
9566.2005.00464.x/pdf, accessed 02 june 2021.
6. Bonneville Luc et autres, Introduction aux Méthodes de recherche en Communication,
Edition Gaetan Morin, canada.
7. Pink, S., Tutt, D., Dainty, A. and Gibb, A. ‘Ethnographic methodologies for construction
research: Knowing, practice and interventions, Building Research & Information, 38 (6):
647–59, 2010.
8. Sarah Pink, Heather Horst, John Postill, Larissa Hjorth, Tania Lewis, Jo Tacchi, Digital
Ethnography Principles and Practice, available at https://uk.sagepub.com/en-gb/eur/
accessed 05 june2021.
9. Stefan Olsson, Ethnography and Internet Differences in doing ethnography in real and
virtual environments, , available at
https://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.25.7141&rep=rep1&type=pdf, ,
accessed 04 january .2021.
10. Liav Sade-Beck, Internet Ethnography: Online and Offline, International Journal of
Qualitative Methods 3(2) 2004, available at https://journals.sagepub.com/doi/pdf/,
accessed 12 march 2021.
11. Corina Cilianu-Lascu, l’ethnographie de la communication de dell hymes à john gumperz,
Dialogos 8, 2003, p 112, available at http://www.dialogos.rei.ase.ro, accessed 12 june 2021.
12. Piia Varis, digital ethnography, available at https://www.routledgehandbooks.com,
accessed 20 june 2021.

104
13. SALINS, G.-D. de , Une introduction à l’ethnographie de la communication, Didier, Paris,
1992.
14. Michael Angrosino, Doing Ethnographic and Observational Research, SAGE Publications
Ltd, London EC1Y 1SP, 2007, p 3, available at https://methods.sagepub.com, accessed 24
june 2021.
15. Judith Okely, Anthropological Practice Fieldwork and the Ethnographic Method, available
at https://www.routledge.com, accessed 14 june 2021.

:‫املواقع االلكرتونية‬
1. https://www.b-sociology.com/2020/04/blog-post_52.html.
2. https://www.aranthropos.com/
3. https://www.cyber-anthro.com/2011/01/defining-virtual-ethnography
4. https://hraf.yale.edu/teach-ehraf/an-introduction-to-fieldwork-and-ethnography.

105

You might also like