You are on page 1of 2

‫يعد ضعف التساقطات‪ 0‬وعدم انتظامها زمنيا ومكانيا أه ّم إكراه يواجهه المغرب‪ ،‬لذا فقد ارتكزت السياسة المائية

للدولة المغربية بعد‬


‫االستقالل على دعامتين أساسيتين‪ :‬أوال تدبير العرض عن طريق إنشاء السدود وشبكات‪ 0‬التوزيع لتسهيل الولوج للساكنة والفالحين‬
‫والمنشآت‪ 0‬الصناعية والسياحية‪ .‬وثانيا تطوير شبكات‪ 0‬الصرف الصحي في الوسط الحضري‪ .‬إال أن النمو الديموغرافي والتغيُّر المناخي‬
‫أضافا تحديات جديدة تمثّ لت في تراجع الطاقة االستيعابية للسدود بسبب تراكم األوحال وهي الظاهرة التي لم تحشد لها السلطات أية‬
‫ش المائية‬‫جهود ذات بال‪ ،‬إضافة لتناقص األمطار وازدياد وتيرة الفيضانات‪ ،‬بالتزامن مع استغال ٍل مفرط أضحى يهدد عددا من الفُ َر ِ‬
‫تراخ كبير للمؤسسات‪ 0‬المعنية بمراقبة استعمال المياه في مختلف القطاعات‪ ،‬ال سيما القطاع الفالحي الذي يستهلك‬ ‫ٍ‬ ‫بالنضوب‪ ،‬مع‬
‫حوالي ‪ 70‬بالمائة من المخزون المائي‪.‬‬

‫ناهيك عن تردي جودة المياه الجوفية والسطحية بسبب التلوث‪ ،‬الذي لم تتخذ فيه الدولة نهجا واضحا يتم من خالله إشراك جميع‬
‫القطاعات المسؤولة عن تفاقمه لوقف هذا النزيف‪ ،‬كما أن المؤسسات‪ 0‬المعنية بتثمين الموارد المائية المعبأة‪ ،‬لم تُفلح في هذا المضمار‬
‫خاصة في الميدان الفالحي‪ ،‬فضال عن الضعف الذي عرفه تطوير التطهير والتعامل مع النفايات المنزلية‪ ،‬بيد أن العديد من دول العالم‬
‫أحرزت تقدما كبيرا في هذا المجال للحفاظ على ثرواتها المائية‪ ،‬في حين أننا نشهد غيابا شبه كام ٍل لوسائل االستعمال المقنَّن لألسمدة‬
‫والمبيدات الكيماوية ببالدنا‪ ،‬مما يطرح تساؤالت َج ّم ة عن جدوى إنشاء العديد من المؤسسات التي ال يظهر لها أثر معتبر للحفاظ على‬
‫البيئة المائية‪ .‬وإن المجال ال يتسع في هذا السياق للحديث عن هذه المؤسسات والخوض في طبيعة مهامها‪.‬‬

‫و لقد حاولت الدولة مطلع هذا القرن أن تنهج سياسة ركزت على تدبير الطلب‪ ،‬من خالل االقتصاد في استعمال المياه بالتحول أساسا‬
‫تدبير‬
‫ٍ‬ ‫للسقي ال ُمر ّك ز وحماية األحواض النهرية والحماية من التلوث والفيضانات‪ .‬كما بذلت جهودا في المجال المؤسساتي‪ ،‬سعيا لتحقيق‬
‫تعميم شبه كام ٍل للولوج‬
‫ٍ‬ ‫مندمج لقطاع الماء وتعبئة الموارد المائية عن طريق إنشاء ‪ 135‬سد و‪ 13‬نظام نقل للمياه السطحية‪ ،‬ومحاولة‬
‫للماء الشروب‪ ،‬وتحلية مياه البحر بالعيون وبوجدور وأخفنير ‪.3‬‬

‫إن هذه المجهودات ال يمكنها إخفاء االنخفاض المتواصل لمستوى أغلب الفرشات‪ 0‬المائية المغربية‪ ،‬وال اتساع ظاهرة تلوث المياه‬
‫السطحية والجوفية‪ ،‬وكذا الصعوبات في تعميم الماء الصالح للشرب والتطهير على الخصوص للساكنة القروية‪ ،‬وضياع كميات كبيرة‬
‫من المياه بسبب تسربات في شبكات‪ 0‬الماء الشروب‪ ،‬ناهيك عن غياب أجرأة القوانين المتعلقة باألمن المائي‪ .‬مما يجعل التساؤل‬
‫مشروعا عن مدى فعالية السياسات‪ 0‬المتبعة‪ ،‬ومدى دقة البرامج المسطرة وكذا نجاعة الوسائل الموظّفة‪.‬‬

‫من جهة أخرى فقد نبه المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬في بالغ له السنة الماضية على أن وضعية ندرة المياه في المغرب‬
‫مقلقة‪ ،‬ألن مواردها المائية تقدر حاليا بأقل من ‪ 650‬متر مكعب للفرد سنويا‪ ،‬مقابل ‪ 2500‬متر مكعب‪ 0‬في سنة ‪ ،1960‬وستنخفض عن‬
‫‪ 500‬متر مكعب‪ 0‬بحلول سنة ‪ ،2030‬مضيفا أن الدراسات‪ 0‬الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء ‪ 80‬في‬
‫المائة من موارد المياه المتاحة في المملكة خالل الـخمسة‪ 0‬والعشرين سنة القادمة‪ .‬وأشار إلى أنه على الرغم من الخطورة البالغة‬
‫للوضعية‪ ،‬فإن اإلفراط في استغالل الموارد المائية‪ ،‬وخاصة المياه الجوفية‪ ،‬يزداد دون االكتراث بالتراخيص التي يفرضها القانون‪ ،‬في‬
‫حين أن السلطات العمومية غير قادرة على وضع وسائل مراقبة فعالة‪.‬‬

‫ت فعّال ٍة تضمن بيئةً مائية مستدامة؟‪0‬‬


‫فهل من سبيل لحكام ٍة مائية أكث َر نجاعةً‪ ،‬وأجرأ ِة آليا ٍ‬

‫معالم االستراتيجية المائية‬

‫إن ضرورات التنمية تفرض بإلحاح حكامة مائية تستجيب‪ ،‬بشكل مستدام‪ ،‬للحاجيات‪ 0‬المتزايدة للساكنة‪ 0‬من جهة ولمتطلبات القطاعات‬
‫اإلنتاجية من جهة أخرى‪ .‬وإن التنافس والتضارب بين هذه الحاجيات‪ 0،‬يجعل تخطيط وتفعيل تدبير المياه‪ ،‬أمرا معقدا تزيد من تعقيده‬
‫جوانب القصور المتعددة في السياسات المتبعة‪ ،‬والتي أثبتتها مختلف الدراسات‪ 0‬المنجزة على مدى السنوات الماضية‪ ،‬خاصة افتقاد‬
‫تخطيطها االستراتيجي للشمولية والفعالية واإلجرائية‪ ،‬مما يضيّع ثرواتنا المائية في الحاضر ويزيد من صعوبة تدبيرنا لمستقبلها‬
‫المجهول‪ .‬لذا فإن الحاجةَ ملحةٌ للتدخل بشكل عاجل وفعّال ومعقلن من أجل ضمان األمن المائي في البالد‪ ،‬خاصة أن ندرة الموارد‬
‫المائية في المغرب أصبحت أمرا واقعا ال يمكن تفاديه‪ ،‬بل إنها ستتفاقم إذا لم تُتّخذ التدابير الالزمة أو إذا كانت اإلصالحات‪ 0‬المعلنة‬
‫بطيئة التنفيذ‪.‬‬

‫إن الدراسات‪ 0‬الوطنية مكنت من تشخيص شامل للوضعية المائية التي يعيشها المغرب‪ .‬كما أن تقارير المؤسسات‪ 0‬الدولية والتجارب‬
‫الناجحة للعديد من الدول‪ ،‬من شأنها أن تساعد على رسم المعالم الكبرى الستراتيجية تمكن من تحقيق األهداف المنشودة‪ ،‬عن طريق‬
‫إشراك مختلف القطاعات المتدخلة في استعمال هذه المادة الحيوية لبناء حكام ٍ‪0‬ة مندمج ٍة يتحمل فيها الكل مسؤولياته‪ ،‬سواء القطاع العام‬
‫أو القطاع الخاص أو حتى مؤسسات‪ 0‬المجتمع المدني‪ .‬ويمكن إجمال هذه المعالم فيما يلي‪:‬‬

‫تحقيق االنسجام بين مختلف المؤسسات‪ 0‬المعنية بتدبير الماء وطنيا وجهويا ومحليا‪.‬‬ ‫·‬

‫تجديد وأجرأة الجهاز التشريعي والتنظيمي لقطاع الماء‪.‬‬ ‫·‬

‫تنويع وسائل تعبئة الموارد المائية دون إهمال صيانتها‪.‬‬ ‫·‬

‫وضع برامج لتدبير الطلب لتيسير اقتصاد الماء وتثمينه‪.‬‬ ‫·‬

‫تحويل فائض المياه من األحواض الغنية إلى األحواض الجافة‪.‬‬ ‫·‬

‫تفعيل التشريعات التي تحمي الموارد المائية من التلوث مع تعميم التطهير والتدوير‪.‬‬ ‫·‬

‫دعم البحث العلمي في مجال الماء ومالءمة برامج التربية والتكوين لتحديات القطاع‪.‬‬ ‫·‬

‫إيالء أهمية كبرى للجانب اإلعالمي والتحسيسي ودور المجتمع المدني‪.‬‬ ‫·‬

You might also like