Professional Documents
Culture Documents
ناهيك عن تردي جودة المياه الجوفية والسطحية بسبب التلوث ،الذي لم تتخذ فيه الدولة نهجا واضحا يتم من خالله إشراك جميع
القطاعات المسؤولة عن تفاقمه لوقف هذا النزيف ،كما أن المؤسسات 0المعنية بتثمين الموارد المائية المعبأة ،لم تُفلح في هذا المضمار
خاصة في الميدان الفالحي ،فضال عن الضعف الذي عرفه تطوير التطهير والتعامل مع النفايات المنزلية ،بيد أن العديد من دول العالم
أحرزت تقدما كبيرا في هذا المجال للحفاظ على ثرواتها المائية ،في حين أننا نشهد غيابا شبه كام ٍل لوسائل االستعمال المقنَّن لألسمدة
والمبيدات الكيماوية ببالدنا ،مما يطرح تساؤالت َج ّم ة عن جدوى إنشاء العديد من المؤسسات التي ال يظهر لها أثر معتبر للحفاظ على
البيئة المائية .وإن المجال ال يتسع في هذا السياق للحديث عن هذه المؤسسات والخوض في طبيعة مهامها.
و لقد حاولت الدولة مطلع هذا القرن أن تنهج سياسة ركزت على تدبير الطلب ،من خالل االقتصاد في استعمال المياه بالتحول أساسا
تدبير
ٍ للسقي ال ُمر ّك ز وحماية األحواض النهرية والحماية من التلوث والفيضانات .كما بذلت جهودا في المجال المؤسساتي ،سعيا لتحقيق
تعميم شبه كام ٍل للولوج
ٍ مندمج لقطاع الماء وتعبئة الموارد المائية عن طريق إنشاء 135سد و 13نظام نقل للمياه السطحية ،ومحاولة
للماء الشروب ،وتحلية مياه البحر بالعيون وبوجدور وأخفنير .3
إن هذه المجهودات ال يمكنها إخفاء االنخفاض المتواصل لمستوى أغلب الفرشات 0المائية المغربية ،وال اتساع ظاهرة تلوث المياه
السطحية والجوفية ،وكذا الصعوبات في تعميم الماء الصالح للشرب والتطهير على الخصوص للساكنة القروية ،وضياع كميات كبيرة
من المياه بسبب تسربات في شبكات 0الماء الشروب ،ناهيك عن غياب أجرأة القوانين المتعلقة باألمن المائي .مما يجعل التساؤل
مشروعا عن مدى فعالية السياسات 0المتبعة ،ومدى دقة البرامج المسطرة وكذا نجاعة الوسائل الموظّفة.
من جهة أخرى فقد نبه المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،في بالغ له السنة الماضية على أن وضعية ندرة المياه في المغرب
مقلقة ،ألن مواردها المائية تقدر حاليا بأقل من 650متر مكعب للفرد سنويا ،مقابل 2500متر مكعب 0في سنة ،1960وستنخفض عن
500متر مكعب 0بحلول سنة ،2030مضيفا أن الدراسات 0الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء 80في
المائة من موارد المياه المتاحة في المملكة خالل الـخمسة 0والعشرين سنة القادمة .وأشار إلى أنه على الرغم من الخطورة البالغة
للوضعية ،فإن اإلفراط في استغالل الموارد المائية ،وخاصة المياه الجوفية ،يزداد دون االكتراث بالتراخيص التي يفرضها القانون ،في
حين أن السلطات العمومية غير قادرة على وضع وسائل مراقبة فعالة.
إن ضرورات التنمية تفرض بإلحاح حكامة مائية تستجيب ،بشكل مستدام ،للحاجيات 0المتزايدة للساكنة 0من جهة ولمتطلبات القطاعات
اإلنتاجية من جهة أخرى .وإن التنافس والتضارب بين هذه الحاجيات 0،يجعل تخطيط وتفعيل تدبير المياه ،أمرا معقدا تزيد من تعقيده
جوانب القصور المتعددة في السياسات المتبعة ،والتي أثبتتها مختلف الدراسات 0المنجزة على مدى السنوات الماضية ،خاصة افتقاد
تخطيطها االستراتيجي للشمولية والفعالية واإلجرائية ،مما يضيّع ثرواتنا المائية في الحاضر ويزيد من صعوبة تدبيرنا لمستقبلها
المجهول .لذا فإن الحاجةَ ملحةٌ للتدخل بشكل عاجل وفعّال ومعقلن من أجل ضمان األمن المائي في البالد ،خاصة أن ندرة الموارد
المائية في المغرب أصبحت أمرا واقعا ال يمكن تفاديه ،بل إنها ستتفاقم إذا لم تُتّخذ التدابير الالزمة أو إذا كانت اإلصالحات 0المعلنة
بطيئة التنفيذ.
إن الدراسات 0الوطنية مكنت من تشخيص شامل للوضعية المائية التي يعيشها المغرب .كما أن تقارير المؤسسات 0الدولية والتجارب
الناجحة للعديد من الدول ،من شأنها أن تساعد على رسم المعالم الكبرى الستراتيجية تمكن من تحقيق األهداف المنشودة ،عن طريق
إشراك مختلف القطاعات المتدخلة في استعمال هذه المادة الحيوية لبناء حكام ٍ0ة مندمج ٍة يتحمل فيها الكل مسؤولياته ،سواء القطاع العام
أو القطاع الخاص أو حتى مؤسسات 0المجتمع المدني .ويمكن إجمال هذه المعالم فيما يلي:
تحقيق االنسجام بين مختلف المؤسسات 0المعنية بتدبير الماء وطنيا وجهويا ومحليا. ·
تفعيل التشريعات التي تحمي الموارد المائية من التلوث مع تعميم التطهير والتدوير. ·
دعم البحث العلمي في مجال الماء ومالءمة برامج التربية والتكوين لتحديات القطاع. ·
إيالء أهمية كبرى للجانب اإلعالمي والتحسيسي ودور المجتمع المدني. ·