You are on page 1of 22

‫جامعة األزهر‪.

‬‬

‫كلية الشريعة والقانون بطنطا‪.‬‬

‫الدراسات العليا‪.‬‬

‫قسم القانون العام‪.‬‬

‫دور مبادئ الشريعة اإلسالمية في بناء الكيان القانوني للدولة في الدساتير المصرية المتعاقبة‪.‬‬

‫دراسة مقارنة في الدساتير المصرية المتعاقبة والفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫خطة بحث مقدمة لنيل درجة التخصص (الماجيستير) في القانون العام‪.‬‬

‫مقدمة من الباحثة‪:‬‬

‫هاجر عباس محفوظ مشعل‪.‬‬

‫‪2022/1443‬‬
‫تحت إشراف‪:‬‬

‫ا‪.‬د‪ .‬محمد أحمد حلمي‪.‬‬ ‫ا‪.‬د‪ .‬محمد محمد عبده إمام‪.‬‬

‫أستاذ الفقه المساعد‬ ‫أستاذ القانون العام المساعد‬

‫ورئيس قسم الفقه بالكلية‪.‬‬ ‫ورئيس قسم القانون العام بالكلية‪.‬‬

‫مشرفا شرعيا‪.‬‬ ‫مشرفا قانونيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬المبعوث رحمة‬
‫للعالمين‪ ،‬وإماما للمرسلين‪ ،‬خير خلق هللا أجمعين‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬وأصحابه‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ال شك أن الشريعة اإلسالمية دين هللا المختار‪ ،‬والباقي رغم تعاقب األزمان إلى‬
‫ٱختلفََّّٱلذِينََّّ‬ ‫ٱۡل إس َٰلمََّّوماَّ إ‬‫ٱّللَِّ إ ِ‬
‫أن يرث هللا األرض ومن عليها قال تعالى ‪ِ ‬إنََّّٱلدِينََّّ ِعندَّ َّ‬
‫ٱّللِ َّفإِن َّٱّللَّ َّس ِريعَّ‬ ‫َّم ۢن َّبعإ ِد َّماَّجآءهم َّ إٱل ِع إلمَّ َّب إغ ۢياَّب إينه إم َّومنَّي إكف إر َّ ِبَّ ََّٰاي ِ‬
‫ت َّ َّ‬ ‫أوتواْ َّ إٱل ِك َٰتبَّ َّ ِإَّل ِ‬
‫إٱل ِحسا َِّ‬
‫ب‪.(1) ‬‬

‫ٱۡل إس َٰل َِّمَّد ِٗيناَّفلنَّي إقبل ِ‬


‫َّم إنهَّ )‪.(2‬‬ ‫ولن يقبل هللا من أحد دينا سواه قال تعالى ‪ ‬ومنَّي إبتغَِّغ إيرَّ إ ِ‬
‫‪ ‬وتوعد سبحانه بالخسران لمن اتبع غير سبيل اإلسالم‪ ،‬قال تعالى تكملة لآلية السابقة‬
‫‪َّ‬وهوَّفِيَّ إٱۡل ٓ ِخرةََِّّ ِمنَّ إٱل َٰخس ِِرينََّّ‪.(3) ٨٥‬‬

‫والشريعة اإلسالمية بحر فياض مليء باألهداف السامية والمباديءالراقية واألحكام‬


‫التشريعية البناءة والتي تضمن للفرد سعادة الدارين ‪ ،‬كما وتضمن للمجتمع صالح‬
‫أحواله‪.‬‬

‫(‪َّ)َّ1‬سورةَّالَّعمران‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)19‬‬
‫(‪َّ)َّ2‬سورةَّالَّعمران‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)85‬‬
‫(‪َّ)َّ3‬سورةَّالَّعمران‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)85‬‬
‫‪2‬‬
‫ولمرونتها كانت الشريعة الوحيدة الصالحة للتطبيق على جميع الحوادث في كل زمان‬
‫ومكان فاهلل سبحانه وتعالى هو األعلم بأحوال العباد وما يصلح لهم فاقتضت حكمته‬
‫سبحانه أن تكون الشريعة اإلسالمية خاتمة الشرائع والرساالت السماوية حيث تضمنت‬
‫القواعد الرئيسية والمبادئ العامة (الثوابت والقطعيات ) والتي تنظم العالقة بين العبد‬
‫وربه‪ ،‬وبين العباد بعضهم البعض ‪،‬وهذه األحكام ثابتة قطعية ال تتغير بتغير األحوال‬
‫واألزمان‪ ،‬وهذه الثوابت يندرج تحتها الكثير من الفروع التي تتجدد بتجدد األزمان‬
‫لتواكب المستجدات وتستوعب مشكالت كل عصر لتفتح باب االجتهاد في استنباط‬
‫األحكام‪ ،‬حيث قال سبحانه في كتابه عن المعنى السابق‪  :‬ماَّفر إطناَّ ِفيَّ إٱل ِك َٰت َِّ‬
‫بَّ ِمنَّش إي ٖۚءَّ‬
‫ثمَّإِل َٰىَّربِ ِه إمَّي إحشرونَّ‪.(1) ٣٨‬‬

‫لهذا كانت الشريعة اإلسالمية هي األولى بالتطبيق ومبادئها هي األصلح على اإلطالق‬
‫‪ .‬وهذا األمر بات جليا في التطبيقات المعاصرة لمبادئ الشريعة اإلسالمية وتسيد أحكامها‪.‬‬

‫وقد تضمنت الدساتير المصرية المتعاقبة النص على اعتبار مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫المصدر الرئيسي للتشريع مما يعني ضرورة توافق جميع القوانين مع مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك فهناك بالفعل قوانين تخالف الشريعة اإلسالمية معمول بها في وقتنا‬
‫الحالي مما أثار العديد من اإلشكاليات تتجلى بوضوح في ثنايا البحث كمشكلة التعارض‬

‫(‪َّ)َّ1‬سورةَّاۡلنعام‪َّ،‬جزءَّمنَّآاآليةَّ(‪َّ.)38‬‬
‫‪3‬‬
‫بين النصوص الدستورية وفكرة المبادئ فوق الدستورية وغيرها وسنتناولها تفصيال في‬
‫الصفحات القادمة‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‪:‬‬

‫تعاقبت الدساتير المصرية وتواترت نصوصها على أن مصر دولة عربية دينها‬
‫اإلسالم‪ ،‬واعتبرت النصوص الدستورية مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدرا رئيسا‬
‫للتشريع‪.‬‬

‫ولما كانت النصوص الدستورية هي القواعد األسمى في البناء القانوني للدولة ورأس‬
‫الهرم في تدرج القواعد القانونية‪ ،‬فإن ذلك يعني ضرورة مراعاة هذه النصوص والقواعد‬
‫الدستورية عند إصدارأي قاعدة قانونية أقل منها وقبل العمل بها‪ .‬وهذا ال يدع مجاال‬
‫للشك في أنه ال يجوز صدور قانون بالمخالفة لمبادئ الشريعة اإلسالمية وفقا للنصوص‬
‫الدستورية ‪.‬‬

‫ولما كان الموضوع على هذا القدر من األهمية ثار التساؤل حول مراعاة مبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع عند إصدار أي قانون ‪ ..‬خاصة‬
‫‪4‬‬
‫وأن هناك بالفعل قوانين سارية ومعمول بها تخالف الشريعة اإلسالمية ‪ ..‬ليثور سؤال‬
‫آخر عن مدى دستورية هذه القوانين ؟ ومن الذي له حق الرقابة على الدستورية ؟وماذا‬
‫عن األوضاع القانونية التي استقرت وترتبت على العمل بهذه القوانين ؟‬

‫لهذا ولغيره كان لزاما علينا أن نبحث الموضوع ونتبين جوانبه‪.‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫اعتمدت الباحثة المنهج الموضوعي وذلك باستعراض اآلراء الفقهية والقانونية المتعلقة‬
‫بموضوع البحث ومناقشتها وفق قواعد القانون الدستوري‪.‬‬

‫كما اعتمدت على المنهج التحليلي بتحليل المواقف واآلراء القانونية في ضوء القانون‬
‫الدستوري‪.‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫تحاول الباحثة من خالل هذه الدراسة‪:‬‬

‫الوقوف على أهمية اعتبار الشريعة اإلسالمية مصدرا رئيسا للتشريع وما يترتب‬ ‫•‬
‫على ذلك ‪.‬‬

‫تتبع النصوص الدستورية التي نصت على اعتبار الشريعة اإلسالمية مصدرا‬ ‫•‬
‫رئيسا للتشريع في نصوص الدساتير المصرية المتعاقبة‪.‬‬

‫معرفة مدى دستورية القوانين المخالفة ألحكام الشريعةاإلسالمية ‪ ..‬وبيان موقف‬ ‫•‬
‫المحكمة الدستورية العليا حيالها‪.‬‬

‫الوقوف على مصير األوضاع القانونية التي ترتبت على العمل بهذه القوانين‪..‬‬ ‫•‬

‫إشكالية البحث‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫هجرت الدولة في حقبة زمنية ماضية بعضا من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واستقرت‬
‫األوضاع القانونية واالجتماعية واالقتصادية بناء على ذلك‪.‬‬

‫فكيف يمكننا االنتقال الكامل من مرحلة الهجران إلى مرحلة التطبيق الكامل لمبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية كي تتمكن السلطة التشريعية من سن القوانين على وفق نهج الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬وقيام المحكمة الدستورية العليا بدورها بالحكم بعدم دستورية القوانين‬
‫المخالفة لهذه المبادئ بصرف النظر عن تاريخ صدورها‪.‬‬

‫تساؤالت الدراسة‪:‬‬

‫ما المقصود بنص المادة الثانية من الدستور"الشريعة اإلسالمية المصدر‬ ‫•‬


‫الرئيسي للتشريع " ؟‬

‫وهل يعني ذلك أن التشريعات الصادرة ينبغي أال تخالف مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أم‬
‫أنه يجب أن تنبثق هذه التشريعات عن الشريعة اإلسالمية ومبادئها؟‬

‫ما مدى دستورية القوانين المعمول بها بالمخالفة لمبادئ الشريعة اإلسالمية؟‬ ‫•‬

‫‪7‬‬
‫ما هي آلية تفعيل نص المادة الثانية بطريقة تسمح لنا بالحفاظ على األوضاع‬ ‫•‬
‫القائمة والمستقرة دون المساس بها ‪ ،‬و تطبيق الشريعة اإلسالمية دستورا للدولة ؟‬

‫الدراسات السابقة في الموضوع‪:‬‬

‫بحث للدكتور عبدالحميد متولي بعنوان "الشريعة اإلسالمية كمصدر أساسي‬ ‫•‬
‫للدستور" تقديم فضيلة اإلمام األكبر الدكتورعبدالحليم محمود شيخ األزهر وقد نشرته‬
‫منشأة المعارف باإلسكندرية‪ .‬وقد تناول فيه اختالف اآلراء حول تطبيق الشريعة‬
‫اإلسالمية ثم تطرق لموضوع مرونة مصادر الشريعة اإلسالمية ليصل في النهاية‬
‫لنتيجة مفادها أن الشريعة اإلسالمية صالحة ألن تكون مصدرا أساسيا للدستور‪.‬‬

‫بحث للدكتور محمد محمد عبده إمام بعنوان "نظرات في قضاءالمحكمة‬ ‫•‬
‫الدستورية العليا" بشأن تطبيق المادة الثانية من الدستور ‪1971‬م والمعدل في ‪1980‬م‬
‫‪ .‬وهو بحث منشوربمجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا – العدد العشرون الجزء‬
‫الثاني ‪ .1425 -2005‬وقد تناول البحث موضوع الرقابة على دستورية القوانين‬
‫واللوائح وموقف المحكمة الدستورية العليا من نص المادة الثانية من الدستور‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫بحث للدكتور أحمد عبدالحسيب السنتريسي بعنوان "اإلشكاليات القانونية للنص‬ ‫‪‬‬

‫على مبادئ الشريعة اإلسالمية في الدستورالمصري" نشرته دار النهضة العربية‬


‫الطبعة األولى عام ‪ .2016‬وقد تناول البحث مبادئ الشريعة اإلسالمية المقصودة في‬
‫نص المادة الثانية من الدستور بالتحليل والشرح كما تناول الحاجة لتفسير هذا المصطلح‬
‫كما وتعرض البحث لموضوع الرقابة الدستورية من قبل المحكمة الدستورية العليا‬
‫على القوانين المخالفة لمبادئ الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫رسالة دكتوراة للدكتور حازم علي ماهر بعنوان " تطبيق الشريعة اإلسالمية‬ ‫•‬
‫والنصوص الدستورية" نشرتها دار النهضة العربية عام ‪ .1439- 2018‬وقد تناولت‬
‫الرسالة ما قامت به الدول الحديثة من تضمين دساتيرها بعض النصوص التي تتسم‬
‫بالغموض مثل "اإلسالم دين الدولة" وأن " الشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي للتشريع"‬
‫وما ترتب عليها من إثارة الجدل حول معانيها وما ينتج عنها من آثار ‪ .‬وقد قدم المؤلف‬
‫قراءة نقدية لجهود السلطات العامة في مصر في التعامل معها‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫تشتمل هذه الدراسة على مبحث تمهيدي‪ ،‬وفصلين‪ ،‬والخاتمة‪ ،‬ثم المصادر والمراجع‬
‫التي استندت إليها هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫يتناول المبحث التمهيدي التعريف بمبادئ الشريعة اإلسالمية ومفهومها‪ ،‬والتفرقة بين‬
‫ما قد يلتبس بمصطلح مبادئ الشريعة اإلسالمية من مفاهيم ومصطلحات أخرى‪ .‬وهذه‬
‫المصطلحات هي مقاصد وأحكام الشريعة اإلسالمية‪ .‬ثم يتطرق الحديث في النهاية عن‬
‫تطبيق مبادئ الشريعة اإلسالمية في المرحلة ما قبل الدستورية‪.‬‬

‫بينما يتضمن الفصل األول من هذه الدراسة قراءة تاريخية للنص على مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية في الدساتير المصرية الملكية والجمهورية‪ .‬لتقودنا هذه القراءة التاريخية إلى‬
‫الحديث عن القيمة القانونية لمبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتي تناولها البحث بمزيد من‬
‫الشرح والتحليل‪ .‬فتطرقت الدراسة لفكرة المبادئ فوق الدستورية‪ ،‬ومدى إمكانية وجودها‬
‫في البناء القانوني للدولة‪ ،‬وما إذا كانت تعتبر مبادئ الشريعة اإلسالمية مبادئ فوق‬
‫الدستورية‪ ،‬على الرغم من النص عليها في صلب الدستور‪ .‬ولما كان األمر هكذا نصل‬
‫لنقطة فارقة مفادها هل يمكن التعارض بين مبادئ الشريعة اإلسالمية وغيرها من‬
‫النصوص الدستورية؟‬

‫أما الفصل الثاني فقد تطرق لموضوع الرقابة على دستورية القوانين المخالفة لمبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬وقد تناول هذا الفصل على عدة أفكار منها‪ :‬فكرة الدستور محل‬
‫الحماية‪ ،‬وهل هو الدستور الحالي أم الدستور الذي صدر في ظله القانون المخالف؟‬

‫‪10‬‬
‫ثم تناولت الباحثة بالشرح والتحليل والنقد موقف كل من الفقه والقضاء الدستوري ممثال‬
‫في المحكمة الدستورية العليا من القوانين المخالفة لمبادئ الشريعة اإلسالمية والرقابة‬
‫عليها‪ ،‬لتتناول أخيرا موقف األزهر الشريف من النصوص الدستورية المتعلقة بمبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫وأخيرا تأتي خاتمة البحث لتشتمل على النتائج والتوصيات التي انتهت إليها هذه‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫نسأل هللا التوفيق والسداد وأن يلهمنا الحق والصواب وأن يجعل هذا العمل خالصا‬
‫لوجهه الكريم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المبحث التمهيدي‬

‫ماهية مبادئ الشريعة اإلسالمية‬

‫نظمت الشريعة اإلسالمية حياة المسلمين ردحا طويال من الزمن‪ ،‬فمنذ نشأة الدولة‬
‫اإلسالمية كان دستورها الشريعة اإلسالمية ومبادئها‪ .‬وظل األمر كذلك حتى ضعف حال‬
‫األمة اإلسالمية وتفككت أوصالها ووقعت فريسة لالحتالل‪ ،‬وكانت أصعب نتائج هذا‬
‫االحتالل وأسوئها هو تنحية مبادئ الشريعة اإلسالمية من التطبيق واستبدالها بالقوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬حيث كانت هذه التنحية من أسمى أهداف المحتل‪ ،‬فال شك أن النجاح في تجريد‬
‫الشخص من هويته الدينية‪ ،‬والنجاح في إبعاده عن دينه‪ ،‬وإشغال عقله بملذات الدنيا‪ ،‬فهذا‬
‫من شأنه أن يجعله في حالة من الضعف والهوان تجعل أمر تفكيك الدول اإلسالمية‪ ،‬ونهب‬
‫خيراتها‪ ،‬مهمة سهلة على المحتل‪ .‬ثم حدث أن تعالت بعض األصوات المنادية بالعودة‬
‫لتطبيق الشريعة اإلسالمية ومبادئها‪.‬‬

‫ولم يرد النص على مبادئ الشريعة اإلسالمية كمصدر للتشريع في الدساتير المصرية‬
‫إال في دستور ‪1971‬م‪ .‬حيث نص في مادته الثانية على أن " اإلسالم دين الدولة واللغة‬
‫العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي للتشريع"‪ .‬وقد جاءت‬
‫كلمة مصدر رئيسي بدون (ال التعريف)‪ .‬إلى أن تم تعديل النص باستفتاء تم في‬
‫‪1980/5/22‬م ليصبح النص " اإلسالم دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ‬

‫‪12‬‬
‫الشريعة اإلسالمية المصدر الرئيسي للتشريع"‪ .‬وهو نفس النص الوارد في دستوري‬
‫‪2012‬م ودستور ‪2014‬م‪.‬‬

‫ليثور التساؤل حول ماهية مبادئ الشريعة اإلسالمية وهل يعني النص أن مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية هي المصدر الوحيد للتشريع‪ ،‬وإلغاء مع عداها‪ ،‬أم أن هناك مصادر أخرى‬
‫يمكن أن يرجع إليها المشرع عند سن القوانين؟ ليثور سؤال آخر حول مدى دقة التعبير‬
‫بلفظ مبادئ وما إذا كان يحتاج إلى تفسير‪ ،‬وهل التعبير بلفظ آخر كمقاصد أو أحكام يمكن‬
‫أن يؤدي نفس المعنى؟ ليصل بنا الحديث في النهاية للحديث عن األوضاع في مصر في‬
‫المرحلة ما قبل الدستورية وهل كانت الشريعة اإلسالمية ممثلة في مبادئها مصدرا‬
‫للتشريع؟ وهذه األفكار سنتناولها في هذا المبحث في ثالثة مطالب على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبادئ الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفرقة بين مبادئ وأحكام ومقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تطبيق مبادئ الشريعة اإلسالمية في مصر في المرحلة ما قبل الدستورية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب األول‬

‫مفهوم مبادئ الشريعة اإلسالمية‬

‫قبل الحديث عن المقصود بمبادئ الشريعة اإلسالمية ننوه بداية إلى أن هذا المصطلح‬
‫‪ -‬مبادئ – هو في األصل مصطلح قانوني بحت ويقابله من المصطلحات الشرعية مصطلح‬
‫( قواعد )‪.‬‬

‫وبتمعن النظر في مصطلح مبادئ الشريعة اإلسالمة نجد أنه يتكون من ثالث كلمات‬
‫( مبادئ‪ ،‬الشريعة واإلسالمية ) وسنبين معنى كل منها منفصال ثم نتبين مفهوم هذه الكلمات‬
‫معا‪.‬‬

‫مبادئ‪ :‬جمع مفرده مبدأ‪ ،‬والمبدأ لغة‪ :‬مبدأ الشيء‪ :‬أوله ومادته التي يتكون منها‪ ،‬أو‬
‫يتركب منها ‪ .‬ومبادئ العلم أو الفن أو الخلق أو الدستور أو القانون‪ :‬قواعده األساسية ‪. .‬‬
‫)‪(1‬التي يقوم عليها وال يخرج عنها‬

‫وفي االصطالح‪ :‬المبادئ‪ :‬جمع مبدأ الشيء‪ ،‬وهو أوله ومادته التي يتكون منها‪.‬‬

‫(‪َّ)َّ1‬المعجمَّالوسيط‪َّ،‬مادةَّبدأ‪َّ،‬ص‪َّ.42‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ ‬هي ما يتوقف عليها مسائل العلم‪ ،‬كتحرير المباحث وتقرير المذاهب‪ ،‬ومنه قول‬
‫بعضهم في تعريف أصول الفقه‪ :‬إنه يراد بها مبادئ الفقه؛ أي األسس التي يقوم‬
‫عليها علم الفقه‪.‬‬
‫‪ ‬هي األمور التي ال تحتاج إلى البرهان‪ ،‬بخالف المسائل)‪. (1‬‬

‫الشريعة في اللغة‪ :‬هي من الشرع وهو الطريق‪ .‬و – ما شرعه هللا تعالى‪ .‬والشرعة‪:‬‬
‫الطريق‪ .‬و – المذهب المستقيم‪ .‬وفي التنزيل العزيز‪ِ َّ ‬لكل َّجع إلنا ِ‬
‫َّمنك إم َّ ِش إرعَّ َّٗةَّ‬
‫اجَّٖۚا‪.(2) ‬‬
‫و ِم إنه ٗ‬

‫(الشريعة)‪ :‬ما شرعه هللا لعباده من العقائد واألحكام‪ .‬وــ الطريقة‪ .‬وفي التنزيل العزيز‬

‫وــ مورد الماء الذي يستقى منه)‪.(4‬‬ ‫) ‪(3‬‬


‫‪‬ثمََّّجع إل َٰنكَّعل َٰىَّش ِريعة َِّمنَّ إٱۡل إم َِّرَّ‪‬‬
‫أما َّفي َّاَّلصطالح َّفالشريعة َّهي‪ :‬مجموعة األصول‪ ،‬والعقائد‪ ،‬والمبادئ‪ ،‬واألنظمة‬
‫السياسية واالجتماعية االقتصادية والجنائية التي شرعها هللا‪ ،‬لتنظيم حياة الفرد والمجتمع‬
‫على األرض‪ ،‬وفق مراده جل جالله‪ .‬وتتميز هذه األنظمة والمبادئ بالشمول والثبات‬
‫والتوازن والدوام‪ ،‬وذلك ألنها إلهية المصدر والمنشأ‪ ،‬وما يحدث من تغيير في تطبيقات‬
‫بعضها‪،‬‬

‫(‪)َّ1‬د‪َّ.‬قطبَّمصطفىَّسانو‪َّ،‬معجمَّمصطلحاتَّأصولَّالفقه‪َّ،‬دارَّالفكر‪َّ،‬دمشق‪َّ،‬الطبعةَّاۡلولى‪1420َّ،‬هـَّ‪2000/‬م‪َّ،‬ص‪َّ.382‬‬
‫(‪َّ)َّ2‬سورةَّالمائدة‪َّ،‬جزءَّمنَّاآلية(َّ‪َّ.)48‬‬
‫(‪َّ)َّ3‬سورةَّالجاثية‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪َّ.)18‬‬
‫(‪)َّ4‬المعجمَّالوسيط‪َّ،‬مادةَّشرع‪َّ،‬ص‪َّ.479‬‬
‫‪15‬‬
‫فإنما يكون ذلك نتيجة التغيير الذي يطرأ على فهم الناس لها‪ ،‬ومستوى إدراكهم لمقاصدها‬
‫)‪.(1‬‬
‫ومراميها وأهدافها‪ .‬وليس هناك أي تغيير على حقائق تلك األنظمة وجوهرها‬
‫أما اإلسالمية فهي نسبة إلى اإلسالم‪ ،‬واإلسالم واالستسالم لغة‪ :‬االنقياد‪ .‬واإلسالم من‬
‫الشريعة‪ :‬إظهار الخضوع وإظهار الشريعة والتزام ما أتى به النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫يقال‪ :‬فالن مسلم‪ ،‬وفيه قوالن‪ :‬أحدهما هو المستسلم ألمر هللا‪ ،‬والثاني هو المخلص هلل‬
‫)‪. ( 2‬‬
‫العبادة‬
‫واإلسالم هو‪ :‬االنقياد هلل بالطاعة‪ ،‬والخلوص من الشرك‪ .‬وله خمسة أركان‪ ،‬وهي شهادة‬
‫أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫) ‪. (3‬‬
‫وحج البيت لمن استطاع إليه سبيال‬

‫وعليه فمبادئ الشريعة اإلسالمية تحتوي على األدلة والقواعد األصولية الكلية قطعية‬
‫الثبوت والداللة‪ ،‬وما علم من الدين بالضرورة‪ ،‬وهي التي ال تتغير بتغير الزمان‬
‫والمكان)‪ (4‬حيث ال يجوز االجتهاد فيها بما يخالفها أو إيقافها‪ ،‬ولكن يجوز االجتهاد في‬
‫‪.‬‬
‫)‪( 5‬‬
‫نطاقها‬

‫وتمثل مبادئ الشريعة اإلسالمية في مجموعها األصول والثوابت والعقائد والمبادئ‬


‫واألنظمة السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي شرعها هللا لتنظيم بعض جوانب حياة‬

‫(‪َّ)َّ1‬د‪َّ.‬قطبَّمصطفىَّسانو‪َّ،‬مرجعَّسابق‪َّ،‬ص‪َّ.249‬‬
‫(‪َّ)َّ2‬لسانَّالعربََّّلبنَّمنظور‪َّ،‬دارَّالمعارف‪َّ،‬مادةَّسلم‪،‬صَّ‪َّ.2080‬‬
‫(‪َّ)َّ3‬د‪َّ.‬قطبَّمصطفىَّسانو‪َّ،‬مرجعَّسابق‪َّ،‬ص‪َّ.62‬‬
‫(‪)َّ4‬فقدَّأنزلتَّالشريعةَّاۡلسالميةَّلإلنسانَّمنَّحيثَّهوَّإنسان‪ََّّ،‬لَّمنَّحيثَّهوَّمصريَّأوَّفرنسيَّأوَّكذاَّأوَّكذا‪َّ..‬وماَّدامتَّقدَّأنزلتَّ‬
‫لإلنسانَّمنَّحيثَّهوَّإنسانَّفإنهاََّّلَّتتغيرَّبتغيرَّزمنهَّأوَّمكانهَّأوَّجنسه؛َّۡلنَّاۡلنسانَّهوَّإنسانَّأينماَّكانَّ‪َّ..‬لذاَّفهيَّصالحةَّلهَّفيَّكلَّ‬
‫زمانَّومكان‪َّ.‬وصالحةَّفيَّمبادئهاَّووسائلها‪َّ،‬وكلَّخروجَّعليهاَّيكونَّانحرافا‪ََّّ.‬انظرَّفيَّهذاَّالمعنىَّد‪َّ.‬عبدالحميدَّمتولي‪َّ،‬الشريعةَّ‬
‫اۡلسالميةَّكمصدرَّأساسيَّللدستور‪َّ،‬منشأةَّالمعارفَّباۡلسكندرية‪َّ،‬بدونَّسنةَّنشر‪َّ،‬مقدمةَّد‪َّ.‬عبالحليمَّمحمود‪َّ،‬ص‪َّ.َّ8َّ،7‬‬
‫(‪َّ)َّ5‬د‪َّ.‬فؤادَّالنادي‪َّ،‬ود‪َّ.‬أحمدَّالسنتريسي‪َّ،‬النظمَّالسياسيةَّوالقانونَّالدستوري‪َّ،‬بدونَّدارَّنشر‘َّ‪1440‬هـَّ‪2019/‬م‪َّ،‬ص‪َّ.263‬‬
‫‪16‬‬
‫الفرد والمجتمع على األرض‪ ،‬ومن ثم يلتزم أولي األمر أي الحكام والسلطات العامة في‬
‫الدولة اإلسالمية بإعمالها التزاما كامال)‪. (1‬‬
‫فيجب أن تكون شريعة هللا حاكمة‪ ،‬وتسود كل األنظمة‪ ،‬وتصبح إطارا عاما يدور في فلكه‬
‫جميع األنظمة االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬لتكون شريعة هللا هي العليا‪ .‬قال تعالى‬
‫يزَّح ِكي ٌمَّ‪ . (2) ٤٠‬وقال جل شأنه‪ِ  :‬إ ِنَّ إٱلح إكمََّّ ِإَّل َِّّللَِّأمرَّ‬
‫ٱّللَِّ ِهيَّ إٱلع إلياََّّوَّٱّللََّّع ِز ٌ‬
‫‪ ‬وك ِلمةَّ َّ‬
‫‪ .‬ويقول سبحانه‬ ‫)‪(3‬‬
‫َّل َّ ِإي ٖۚاه ََّٰذ ِلك َّٱلدِينَّ َّ إٱلق ِيمَّ َّو َٰل ِكن َّأ إكثرَّ ٱلن ِ َّ‬
‫اس ََّّل َّيعإ لمون َّ‪٤٠‬‬ ‫أَّل َّتعإ بد ٓواْ َّ ِإ ٓ‬
‫ٱّللَِّوَّ إٱلي إو َِّمَّ إٱۡل ٓ ِخ َِّٖۚرَّ‬
‫لَّإِنَّكنت إمَّت إؤ ِمنونَّبَِّ َّ‬ ‫وتعالى‪ :‬فإِنَّت َٰنز إعت إمَّفِيَّش إيءَّفردُّوهَّإِلىَّ َّ‬
‫ٱّللَِّوَّٱلرسو َِّ‬
‫يال َّ‪ .(4) ٥٩‬وحتى تتحقق الحاكمية لشريعة هللا‪ ،‬ويسود حكم هللا‪،‬‬ ‫َٰذ ِلك َّخ إي ‪ٞ‬ر َّوأ إحسَّنَّ َّت إأ ِو ا‬
‫يجب التسليم بما تقضي به‪ ،‬والرضا به‪ ،‬ورد كل خالف إلى شريعة هللا‪ ،‬قال جل وعال‬
‫ٱّللَِّ َٰذ ِلكمَّٱّللََّّر ِبيَّعل إي ِهَّتوك إلتَّو ِإل إي ِهَّأنِيبَّ‪ . (5)‬وقال‬ ‫ٱختل إفت إَّمَّفِي ِه ِ‬
‫َّمنَّش إيءَّفح إكم ٓهَّۥَّ ِإلىَّ َّٖۚ‬ ‫‪ :‬وماَّ إ‬

‫ٱحذ إره إَّمَّأنَّي إفتِنوكَّع ۢنَّبعإ ِ‬


‫ضَّمآَّ‬ ‫ٱحكمَّب إينهمَّ ِبمآَّأنزلَّٱّللََّّوَّلَّتت ِب إعَّأ إهوآءه إمَّوَّ إ‬ ‫سبحانه‪ :‬وأ َِّ‬
‫نَّ إ‬
‫اسَّ‬
‫اَّمنَّٱلن ِ َّ‬ ‫صيبهمَّ ِببعإ ِ‬
‫ضَّذنو ِب ِه إمَّو ِإنَّكثِ ٗير ِ‬ ‫أنزلَّٱّللََّّ ِإل إي َۖكَّفإِنَّتول إواَّْفَّ إ‬
‫ٱعل إَّمَّأنماَّي ِريدَّٱّللََّّأنَّي ِ‬
‫ٱّللِ َّح إك ٗما َِّلق إومَّ َّيوقِنونَّ‪. (6)‬فكل هذه‬ ‫ل َٰفسِقون َّ‪ ٤٩‬أفح إكمَّ َّ إٱل َٰج ِه ِلي َِّة َّي إبغ ٖۚ‬
‫ون َّوم إن َّأ إحسن ِ‬
‫َّمنَّ َّ َّ‬
‫النصوص وغيرها تقضي بأن تكون الشريعة اإلسالمية هي الميزان اإللهي‪ ،‬الذي نقف‬
‫بمقتضاه على مشروعية أي قانون في أي دولة إسالمية)‪.(7‬‬

‫(‪َّ)َّ1‬د‪َّ.‬سامي َّجمالَّالدين‪َّ،‬الشريعةَّاۡلسالميةَّمصدرَّرسميَّللقانونَّأمَّمصدرَّموضوعيَّللتشريعَّقراءةَّفيَّنصَّالمادةَّالثانيةَّمنَّ‬
‫الدستور‪َّ،‬بحثَّمنشورَّفيَّمجلةَّالمحكمةَّالدستوريةَّالعلياَّعلىَّالرابطَّالتاليَّالمحكمة الدستورية العليا)‪(sccourt.gov.eg‬‬

‫‪َّ.‬‬
‫( َّ)َّسورةَّالتوبة‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪َّ.)40‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪َّ)َّ3‬سورةَّيوسف‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪.)40‬‬
‫(‪َّ)َّ4‬سورةَّالنساء‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪.)59‬‬
‫(‪َّ)َّ5‬سورةَّالشورى‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)10‬‬
‫(‪َّ)َّ6‬سورةَّالمائدةَّاآليتانَّ(َّ‪َّ.)50َّ-49‬‬
‫(‪َّ)َّ7‬انظرَّفيَّهذاَّالمعنىَّد‪َّ.‬فؤادَّالنادي‪َّ،‬القانونَّالدستوريَّالمصريَّالنظريةَّالعامةَّللدساتيرَّدراسةَّتحليليةَّلدساتيرَّمصرَّفيَّالعهدينَّ‬
‫الملكيَّوالجمهوريَّحتىَّدستورَّ‪َّ،2014‬مطابعَّالدارَّالهندسية‪1439َّ،‬هـ‪2018َّ/‬م‪َّ،‬ص‪.60َّ-59‬‬
‫‪17‬‬
‫فإذا ما تبين مخالفة قانون ما لهذه المبادئ‪ ،‬كان لزاما الرجوع لحكم هللا العالم بما هو خير‬
‫لعباده وترك ما سواه‪ .‬فالكمال‪ ،‬والثبات‪ ،‬والصالحية لكل زمان ومكان‪ ،‬هي سمات لصيقة‬
‫بمبادئ الشريعة اإلسالمية؛ فهي نابعة أصال من صاحب الكمال المطلق وهو هللا – سبحانه‬
‫وتعالى ‪-‬؛ لذا فهي بال شك تعبر عن العدل اإللهي المطلق‪ .‬وذلك على خالف شرائع البشر‬
‫التي يطرأ عليها النقص والتغيير والتبديل والتناقض‪ .‬لذا تحتاج إلى جهات رقابية‪ ،‬ومحاكم‬
‫دستورية؛ لمراقبة كفالة القواعد العليا‪ ،‬وسير القواعد القانونية وفق التدرج الهرمي‬
‫القانوني‪ .‬ورغم ذلك كله تكون هذه الشرائع الوضعية ناقصة غير صالحة لكل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬ويطرأ عليها التناقض‪ ،‬وتختلف بين دولة وأخرى وشعب و آخر وبين زمن‬
‫وآخر‪ ،‬كما أنها عرضة للتغيير والتبديل‪.‬‬

‫)‪( 1‬‬
‫ٱۡل إس َٰلمََّّد ِٗين ٖۚاَّ ‪‬‬ ‫قال تعالى‪  :‬إٱلي إومََّّأ إكم إلتَّلك إمَّدِينك إمَّوأ إتم إمتَّعل إيك إمَّنِعإ متِيَّور ِ‬
‫ضيتَّلكمَّ إ ِ‬
‫‪ .‬ومن تمام اإلسالم وكماله‪ ،‬أن جاءت الشريعة اإلسالمية بخطوط عريضة لتنظيم جميع‬
‫مناحي الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬ودون أي عوائق اجتماعية من جنس‬
‫أو دين أو عرق‪ ،‬هذه الخطوط العريضة هي مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫والتي ال يجوز االجتهاد فيها‪ ،‬ولم تعرف قوانين البشر‪ ،‬والشرائع الوضعية هذه المبادئ‬
‫إال مؤخرا‪.‬ويندرج تحت هذه الخطوط العريضة الكثير والكثير من الجزئيات والتفصيالت‬
‫المتروكة لكل عصر بما يتوائم مع متطلباته‪ ،‬وهذا هو مجال االجتهاد‪.‬‬

‫وفي هذا المعنى تقول المحكمة الدستورية العليا‪ " :‬ال يجوز لنص تشريعي أن يناقض‬
‫األحكام الشرعية القطعية في ثبوتها وداللتها‪ ،‬فهذه األحكام وحدها هي التي ال يجوز‬
‫االجتهاد فيها‪ ،‬وهي تمثل من الشريعة اإلسالمية مبادئها الكلية‪ ،‬وأصولها الثابتة التي ال‬

‫(‪َّ)َّ1‬سورةَّالمائدة‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪َّ.)3‬‬
‫‪18‬‬
‫تحتمل تأويال أو تبديال‪ .‬ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬إذ هي عصية على التعديل وال يجوز الخروج عليها‪ .‬وتقتصر والية المحكمة‬
‫الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها‪ ،‬وتغليبها على كل قاعدة قانونية‬
‫تعارضها‪ ،‬ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد‪ ،‬أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية في أصولها ومبادئها الكلية‪ ،‬إذ هي إطارها العام وركائزها الثابتة التي تفرض‬
‫متطلباتها دوما بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خالفها‪ ،‬وإال اعتبر ذلك تشهيا‬
‫وإهدارا لما علم من الدين بالضرورة")‪.(1‬‬
‫وبالنظر لقضاء المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها لمبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬نجد‬
‫أنها قصرت مبادئ الشريعة اإلسالمية على األحكام الشرعية القطعية في ثبوتها وداللتها؛‬
‫لكونها عصية على االجتهاد‪ .‬أما األحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بداللتها أو ظنية‬
‫الثبوت والداللة معا‪ ،‬فال تمثل أصوال كلية‪ ،‬وبالتالي تقع في دائرة االجتهاد فال إلزام بها‬
‫ألن طبيعتها هي التطور والتغير بتغير الزمان والمكان!‬
‫وفي الحقيقة فإن هذا التفسير لمبادئ الشريعة اإلسالمية يثير العجب ‪ ،‬فقد قصر مبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية على النصوص قطعية الثبوت والداللة‪ ،‬والتي ال تتجاوز بضع آيات‬
‫قرآنية وبضعة أحاديث نبوية‪ .‬ولو أن هذا التفسير تقيد بالضوابط التي تحقق مقاصد‬
‫الشريعة – والتي دعا إليها قضاء المحكمة مرارا – واالعتماد في االستنباط على األدلة‬
‫الشرعية في مجموعها‪ ،‬واألخذ بمناهج االستدالل وقواعد االستنباط وضوابطه‪ .‬لو أنه‬
‫فعل ذلك ما انتهى ‪ -‬أبدا – إلى هذه النتيجة التي لم يقل بها أحد‪.‬‬

‫(‪َّ)َّ1‬حكمَّالمحكمةَّالدستوريةَّالعلياَّفيَّالقضيةَّرقمَّ‪َّ7‬لسنةَّ‪َّ8‬قضائيةَّ"َّدستوريةَّ"َّبتاريخَّ‪َّ15‬مايوَّسنة‪َّ،1993‬المجموعة‪َّ،‬ج‪َّ،5‬‬
‫ص‪ََّّ.260‬أشارَّإليهَّد‪َّ.‬أحمدَّالسنتريسيَّفيَّكتابَّاۡلشكالياتَّالقانونيةَّللنصَّعلىَّمبادئَّالشريعةَّاۡلسالميةَّفيَّالدستورَّالمصري‪َّ،‬دارَّ‬
‫النهضةَّالعربية‪َّ،‬الطبعةَّاۡلولى‪َّ،2016َّ،‬هامشَّص‪.13‬‬
‫‪19‬‬
‫كما أن هذا التفسير أدى إلى غض الطرف عن كثير من السنة النبوية الواردة في كتب‬
‫الصحيحين والمسانيد لمجرد أنها ظنية الثبوت‪ .‬كما أدى ذلك إلى طرح اإلجماع جانبا‬
‫حتى ولو كان قديما منذ زمن الصحابة‪ .‬ألن اإلجماع اجتهاد‪ ،‬واالجتهاد جهد عقلي‪ ،‬وليس‬
‫اتباع نتاج عقل أحد من المجتهدين بأولى من اآلخر‪.‬‬

‫كما قادنا هذا التفسير وترك اجتهادات األولين إلى درجة انتقاء أضعف االجتهادات سندا‬
‫والعمل بها ألنها تقوم على نصوص ظنية‪ .‬فطالما أن الجميع مظنون فال فرق بين الصحيح‬
‫والضعيف)‪.(1‬‬

‫ومما يجدر التركيز عليه أن الشريعة اإلسالمية وإن كان من خصائصها المرونة والتطور‬
‫ومواكبة تطورات العصور المختلفة ‪ ،‬وأنها فتحت باب االجتهاد العقلي أمام الفقهاء؛‬
‫الستنباط الحكم الشرعي إال أنها أحاطت االجتهاد بالعديد من القواعد واألصول التي يلتزم‬
‫بها المجتهد‪ ،‬كما يجب عليه أن يكون نزيها ملتزما بتقوى هللا واإلخالص‪ .‬فإذا ما عن‬
‫للمجتهد حدث ما كان عليه أن يبذل جهده ليصل إلى الحكم الشرعي لهذه الحادثة كما جاء‬
‫في عهد النبوة والصحابة ‪ -‬رضوان هللا عليهم – فإذا لم يجد الحكم اجتهد في وضع هذه‬
‫الحادثة تحت قاعدة كلية محرمة أو مجيبة أ مبيحة أو غير ذلك‪ ..‬ولن يقبل اجتهاده هذا‬
‫إال بمراعاته ألصول االستنباط من األدلة الشرعية‪ ،‬واحترامه لقواعد االجتهاد الشرعي‬
‫والتزامه بها ‪ ،‬فإذا ما تم ذلك فال مبرر حينئذ لطرح هذه الثروة الفقهية الضخمة من‬
‫اجتهادات الفقهاء األولين‪ ،‬لمجرد أنها اجتهادات عقلية‪ ،‬وأن االجتهاد ليس حكرا على‬

‫(‪َّ)َّ1‬انظرَّفيَّهذاَّالمعنىَّد‪َّ.‬محمدَّمحمدَّعبدهَّإمام‪َّ،‬نظراتَّفيَّقضاءَّالمحكمةَّالدستوريةَّالعلياَّبشأنَّتطبيقَّالمادةَّالثانيةَّمنَّالدستورَّ‬
‫‪1971‬مَّوالمعدلَّفيَّ‪1980‬م‪َّ،‬بحثَّمنشورَّفيَّمجلةَّكليةَّالشريعةَّوالقانونَّبطنطاَّ‪َّ،‬العددَّالعشرون‪َّ،‬الجزءَّالثاني‪1425َّ،‬هـ‪َّ،2005/‬‬
‫ص‪َّ149‬وماَّبعدها‬
‫‪20‬‬
‫أحد‪ ،‬وأن اتباع أحد اآلراء ليس بأولى من الرأي اآلخر ما دام أنها في النهاية نتيجة جهد‬
‫عقلي بشري)‪.(1‬‬

‫ومبادئ الشريعة اإلسالمية نجد منها في القرآن الكريم ومنها ما هو في السنة النبوية‪..‬‬
‫فمما ورد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى‪َٰ :‬يٓأيُّها َّٱلذِينَّ َّءامن ٓواَّْأ ِطيعواَّْٱّللَّ َّوأ ِطيعواَّْ‬
‫لَّ ِإنَّكنت إمَّت إؤ ِمنونَّ‬ ‫ٱلرسولََّّوأ ْو ِليَّ إٱۡل إم َِّرَّ ِمنك إَۖمَّفإِنَّت َٰنز إعت إمَّفِيَّش إيءَّفردُّوهَّ ِإلىَّ َّ‬
‫ٱّللَِّوَّٱلرسو َِّ‬
‫يال َّ‪ .(2)َّ ٥٩‬وهذه اآلية تضمنت مبدأ طاعة ولي‬ ‫ٱّللِ َّوَّ إٱلي إو َِّم َّ إٱۡل ٓ ِخ َِّٖۚر َّ َٰذ ِلك َّخ إي ‪ٞ‬ر َّوأ إحسَّنَّ َّت إأ ِو ا‬
‫َِّب َّ‬
‫األمر وحاكم الدولة ما دامت تابعة لطاعة هللا ورسوله‪.‬‬
‫ونَّ‪.(3) ٩٢‬‬ ‫ومنها قوله تعالى‪ِ  :‬إنََّّ َٰه ِذ ِٓهَّۦَّأمتك إمَّأم ٗة ََّٰو ِحد ٗةَّوأن ۠اَّربُّك إمَّفَّ إ‬
‫ٱعبد َِّ‬
‫َّريحك إَۖمَّوَّٱصإ ِبر ٓوَّٖۚاَّْ ِإنَّ‬
‫وقوله جل وعال‪  :‬وأ ِطيعوَّاَّْٱّللََّّورسولهَّۥَّوَّلَّت َٰنزعواَّْفت إفشلواَّْوت إذهب ِ‬
‫يعاَّوَّل َّتفرقو ٖۚاْ َّ‪.(5)‬‬ ‫صموَّاْ َّبِح إب ِل َّ َّ‬
‫ٱّللِ َّج ِم ٗ‬ ‫ٱلصبِ ِرينَّ َّ‪ .(4) ٤٦‬وقوله سبحانه‪ :‬و إ‬
‫ٱعت ِ‬ ‫ٱّللَّ َّمع َّ َٰ‬

‫وهذه اآليات وردت في مبدأ وحدة األمة ونبذ التفرق‪.‬‬


‫ضَّع ِنَّ إٱل َٰج ِه ِلينََّّ‪ .(6) ١٩٩‬ففي قول هللا‬ ‫وقد قال سبحانه‪ :‬خ َِّذَّ إٱلع إفوََّّو إأم إرََِّّب إٱلع إر َِّ‬
‫فَّوأ إع ِر إ‬
‫تعالى " خذ العفو" أمر منه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بعدم التعسف في استعمال الحقوق)‪.(7‬‬
‫ومن المبادئ الواردة في السنة الشريفة ‪ :‬مبدأ حرية التعاقد في غير تحليل حرام وال‬
‫تحريم حالل‪ .‬فهذا المبدأ ثابت نصا في حديث رسول هللا ‪ ‬فقد روي عنه أنه قال‪":‬‬
‫المسلمون عند شروطهم إال شرطا أحل حراما أو حرم حالال "‪ .‬فالقيد الذي تفرضه‬

‫(‪َّ)َّ1‬لالستزادةَّانظر‪َّ:‬د‪َّ.‬عبدالحمبدَّمتولي‪َّ،‬الشريعةَّاۡلسالميةَّكمصدرَّأساسيَّللدستور‪َّ،‬مرجعَّسابق‪َّ،‬مقدمةَّد‪َّ.‬عبدالحليمَّمحمود‪َّ،‬‬
‫ص‪َّ8‬وماَّبعدها‪ََّّ.‬ود‪َّ.‬محمدَّمحمدَّعبدهَّإمام‪َّ،‬نظراتَّفيَّقضاءَّالمحكمةَّالدستوريةَّالعلياَّبشأنَّتطبيقَّنصَّالمادةَّالثانيةَّمنَّالدستورَّ‬
‫‪1971‬مَّوالمعدلَّفيَّ‪1980‬م‪َّ،‬مرجعَّسابق‪َّ،‬ص‪َّ149‬وماَّبعدها‪َّ.‬‬
‫(‪َّ)َّ2‬سورةَّالنساء‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)59‬‬
‫(‪َّ)َّ3‬سورةَّاۡلنبياء‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)92‬‬
‫(‪َّ)َّ4‬سورةَّاۡلنفال‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)46‬‬
‫(‪َّ)َّ5‬سورةَّالَّعمران‪َّ،‬جزءَّمنَّاآليةَّ(‪َّ.)103‬‬
‫(‪َّ)َّ6‬سورةاۡلعراف‪َّ،‬آيةَّ(‪َّ.)199‬‬
‫(‪َّ)َّ7‬د‪َّ.‬عصامَّأنورَّسليم‪َّ،‬هيمنةَّمبادئَّالشريعةَّاإسالميةَّعلىَّالقانونَّالمدني‪َّ،‬منشأةَّالمعارفَّباۡلسكندرية‪1996َّ،‬م‪َّ،‬ص‪َّ.89‬‬
‫‪21‬‬
‫الشريعة اإلسالمية على حرية التعاقد هو أال يتضمن العقد تحليال لحرام أو تحريما لحالل‪.‬‬
‫وهو ما يقابل في القانون المدني وجوب عدم انتهاك العقد لقواعد النظام العام واآلداب)‪.(1‬‬

‫مما تقدم اتضح لنا أن المقصود بمبادئ الشريعة اإلسالمية يتبلور في المبادئ الموحاة‬
‫إلى سيد الخلق أجمعين النبي الخاتم محمد‪ -‬صلوات هللا وسالمه عليه – في القرآن الكريم‬
‫وفي األحاديث الثابتة على نحو صحيح وكذلك في المبادئ التي أجمع عليها المجتهدون‬
‫في عصر من العصور)‪.(2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪َّ)َّ1‬د‪َّ.‬عصامَّأنورَّسليم‪َّ،‬المرجعَّالسابق‪،‬ص‪َّ.99‬‬
‫(‪َّ)َّ2‬د‪َّ.‬عصامَّأنورَّسليم‪َّ،‬المرجعَّالسابق‪،‬ص‪َّ.89‬‬

‫‪22‬‬

You might also like