You are on page 1of 12

‫ما المطلوب داخل الكتاب‪): 

‬العلم و المستقبل اإلنسان (‬


‫المحور الثاني‪):  ‬وجدان و نهيلة(‬ ‫‪‬‬

‫تقديم المحور‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫ما التنبؤ العلمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بداية وتاريخالتنبؤ العلمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أهميته‪).‬في جميع المجاالت(‬ ‫‪‬‬
‫أنواعه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مراحله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫خصائصه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مكوناته‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مناهجه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اساليبه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وظائفه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مشكالته‪ ).‬مع الحلول اذ أمكن (‬ ‫‪‬‬
‫مميزاته و فوائده في‪: ‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬العلم‪.‬‬
‫‪ ‬المعرفة‪.‬‬
‫‪ ‬و التكنولوجيا‪.‬‬
‫تقييمه‪) .‬في جميع المجاالت(‬ ‫‪‬‬
‫اهدافه‪) .‬في جميع المجاالت(‬ ‫‪‬‬
‫التنبؤ العلمي في االسالم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫خالصات للكتب الذين لهم عالقة بالتنبؤ العلمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ظواهر علمية عن التنبؤ العلمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫هل التنبؤات ضرورية في العلم ؟‬ ‫‪‬‬
‫ما عالقة التنبؤ بالعلم ؟‬ ‫‪‬‬
‫أمثلة عن التنبؤ العلمي و علماؤه‪ ) .‬شرح نظريات (‬ ‫‪‬‬
‫هل يوجد ما هو اعلى و اقوى من التنبؤ العلمي ؟‬ ‫‪‬‬
‫ما التنجيم و لما هو حرام ؟‬ ‫‪‬‬
‫ما الفرق بينه و بين التنبؤ العلمي؟‬ ‫‪‬‬
‫خالصة المحور‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫المصطلحات‬

‫المستقبل هو مرحلة غيبية ‪ ،‬مرتبطة بمراحل زمنية سابقة تتمثل في الماضي والحاضر ‪ ،‬وهي تعقب هذه‬
‫المراحل ويصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث ‪ ،‬فهو مرحلة زمنية مرتبطة بالغيب ‪ ،‬وهناك العديد من‬
‫االجتهادات التي يقوم بها بعض البشر محاولين ‪ ،‬ومدعين معرفة المستقبل مثل قيام البعض بعملية ”‬
‫التكهن”‪.‬‬
‫التَنبُؤ هو ع ملية بناء التوقعات المدروسة لما سيحدث في المستقبل من ِقبَل خبراء العلوم والرياضيات‪،‬‬
‫وذلك ِوفقًا لعدة معايير ومعلومات أولية‪ .‬والتنبؤ يكون في مختلف العلوم واألنشطة كاالقتصاد‪ ،‬علم‬
‫االجتماع‪ ،‬علم األحياء وغيرها من العلوم األخرى‪.‬‬
‫ِلع ْلـ ُم (الجمع‪ :‬العُلو ْم) (بالالتينية‪ )Scientia :‬أي «المعرفة» هو أسلوب منهجي لبناء وتنظيم المعرفة في‬
‫صورة تفسيرات وتوقعات قابلة لالختبار)يرتكز مفهوم العلم على مصطلح المنهجية العلمية الذي بدوره‬
‫يدرس البيانات ويضع فرضيات لتفسيرها ويقوم باختبارها وكل هذه العملية للوصول إلى معرفة قائمة على‬
‫التجربة والتأكد من صحتها بدل التخمين‪.‬‬
‫لكهانة او التكهن هي محاولة للتبصر بالمستقبل من أجل معرفة سؤال أو موقف معين عن طريق عملية أو‬
‫طقس شعائري تنجيمي موحد‪ .‬لقد استخدمت الكهانة في أشكال مختلفة منذ آالف السنين‪ ،‬حيث يؤكد الكهّان‬
‫والعرافون تفسيراتهم لكيفية اإللهام ويجب عليهم مباشرة كالمهم عن طريق قراءة معنى العالمات أو‬
‫الوقائع أو التكهنات أو من خالل تواصلهم المزعوم مع جهات خارقة للطبيعة‬
‫تقديم‬
‫ثالث قرون مضت على قوله اسحاق نيوتن (ابدو لنفسي كما لو انني صبي يلعب على شاطئ البحر وتلفت‬
‫انتباهه من فينة الى اخرى حصاة انعم او صدفة اجمل من العادية بينما يمتد محيط الحقيقة العظيم امام ناظريه دون‬
‫اكتشاف)‬
‫هذه التغيرات السريعة و المدهشة ليست كمية فقط انها االم المخاض لمولد عصر جديد‬
‫و نحن اليوم مرة اخرى مثل اطفال يمشون على الشاطئ و لكن المحيط الذي عرفه نيوتن و هو صغير قد اختفى‬
‫الى حد كبير فامامنا يمتد محيط جديد‬
‫ودائما ما نطرح نفس السؤال (كيف سيكون مستقبل البشرية)‬
‫غير ان عقولنا لن تكون مستعدة لتقبل االختراعات المستقبلية بعقل حالي‬

‫فـي بـدايـة الـقـرن الماضي عرضت في إحدى المحاكم االتحادية ˆبمدينة نيويورك قضية غريبة عام‬
‫‪ 1913‬وبدأ ممثل االتـهـام يتهكم على مخترع شاب هزيل الجسم ‪,‬رث الثياب ‪,‬وأخذ يـكـيـل لـه تـهـمـا‬
‫انصبت عناصرها على الخداع والنصب واالحتيال على عدد من األبريـاء‪,‬ليبتز أموالهم في مشروع وهمي‬
‫ال يصدقه إال كل عقل ضعيف ! وأمسك ‹ممثل االتهام بيده الدليل‪ ,‬وهو يلوح به أمام هيئة المحكمـة‪. ..‬‬
‫امسك بانتفاخ زجاجي صغير الحجم‪ ..‬خفيف الوزن ‪,‬وتبرز من داخله إلى خارجه بعض األسالك التي ال‬
‫تعني شيئا في عقول الناس ‪,‬وبلهجة يشوبها االحتقار والتسفيه شرح للمحكمة كـيـف أن المـتـهـم »دي‬
‫فـورسـت« قـد وقـع بإمضائه قرارات غريبة متعمدة التضليل ‪,‬وهي برمتها تشـيـر إلـى أن هـذا الجهاز‬
‫سوف ينجح في نقل الصوت البشري يوما عبر المحيط األطلنطي ! ويستطرد ‹ثل االتهام قائال‪ :‬إن المحتال‬
‫دي فـورسـت قـد اقـنـع بـعـض االستثمرين السذج بدفع أسهم مالية في شركة حملت اسمه ‪,‬وحث ‹ثل‬
‫االتهام هيئة المحكـمـة أن تـوقـع باسم شعب الواليات االتحدة على هذا الشاب وشريكيه‪-‬اللذين سانداه في‬
‫عملية التغرير بالناس‪-‬العقوبة التي يستحقونها ‪,‬نتيجة الدعاءاتهم االضللة‪ .‬وبالفعل اقتيد زميال فورست إلى‬
‫السجن ‪,‬أما هو فـقـد أطـلـقـت هـيـئـة المحكمة سراحه ‪,‬بعد أن لقنته درسا قاسيا ‪,‬ناصحة إيـاه بـأن يـتـخـلـى‬
‫عـن التظاهر بكونه مخترعا ‪,‬ويحاول العثور على وظيفة عادية يأكل بهـا خـبـزه إن ‹ثل االتهام وهيئة‬
‫المحكمـة وكـل الـنـاس فـي ذلـك الـزمـان لـم تـكـن عقولهم مهيأة لتقبل فكرة إمكان نقل االكااالت عـبـر‬
‫المحـيـط ‪,‬أو أي مـكـان‬
‫آخر دون االستعانة بأسالك الهاتف التقليدية ‪,‬واعتبروا فكرة دي فورست أو أنبو بته االتواضعة خبال وغباء‬
‫ال يستقيم مع فكر صائب ‪,‬وعقل راجح‪ ,‬ومن أجل هذا كانت تلك المحاكمة الظاالة‪ .‬لم يكن هذا االنتفاخ‬
‫الزجاجي »الـعـديم الـقـيـمـة« الـذي أوشـك أن يـزج بفورست في السجن‪-‬لم يكن إال أنبوبة »أال وديون«‬
‫التي ثبت بعد ذلك أنها أعظم اختراع في القرن العشريـن ‪,‬وواحـدة مـن االبـتـكـارات االـذهـلـة الـتـي‬
‫أنتجها عقل اإلنسان ‪,‬إذ كانت هذه األنبوبة الزجاجـيـة االـتـواضـعـة ˆبمـثـابـة النواة أو األساس الذي قامت‬
‫عليه التكنولوجيا اإلليكترونية بأسرها ‪,‬وأدت إلى اختراع مكبرات الصوت ‪,‬واالتصاالت الهاتفية عبـر‬
‫المحـيـطـات ‪,‬ونـقـل الصور باالوجات ‪,‬كما دخلت في صناعة السينما الناطقة ‪,‬وفي أجهزة الرادار‪ ,‬وغير‬
‫ذلك من ابتكارات إليكترونية عديدة‪ ..‬لقـد كـانـت أنـبـوبـة »االوديـون« بمثابة مصباح عالء الدين الذي‬
‫سيطر على اإلليكترون ‪,‬ومنحه قـوة جـنـي عمالق‬
‫وهناك ايضا قصة اهل الكهف اللذين استيقظو في زمان غير زمانهم فاخد هللا ارواحهم رافة بهم‬
‫و لكن و رغم كل هذا يبقى التنبؤ بالمستقبل و احداثه شيئا ممتعا و مشبع لغريزة االنسان الفضولية‬
‫دائما ً ما نسمع أنه علينا دراسة التاريخ ألنه يعلمنا دروسا ً نستفيد بها في الحاضر وتساعدنا على التحضير‬
‫للمستقبل‪ ،‬كل هذا جميل لكن أغلب ما نجده فيما يتعلق بالتاريخ هو األحداث لكن نادراً جداً ما نجد دروسا ً‬
‫مستفادة وما هو أندر هو كيفية استخدام تلك الدروس في الحاضر‪ ،‬فهل يمكن أن نجد مثل هذه الدراسات‬
‫متاحة للخاصة والعامة؟ فمثالً في قسم إدارة األعمال العريق في الجامعة األشهر جامعة هارفارد نجد أن‬
‫أغلب مواد ماجستير إدارة األعمال هناك (وهي من أفضل البرامج في العالم) قائمة على ما يسمى‬
‫"الحاالت" أو (‪ )cases‬وهي دراسة مشكلة واجهت شركات في الماضي وكيف تصرفت‪ ،‬ويناقش الطالب‬
‫في المحاضرة الحلول األخرى وتأثيرها‪ ،‬هذا مثال جيد على تحليل الماضي واالستفادة منه‪ ،‬فهل يمكن أن‬
‫نتوسع أكثر ونستخدم تلك الطريقة في دراسة التاريخ كله وليس التاريخ المتعلق بالشركات فقط؟ هذا فيما‬
‫يتعلق بالماضي والحاضر‪ ،‬فماذا عن المستقبل؟‬
‫علم المستقبل ومستقبل العلم‬
‫محمد زهران‬

‫‪ -‬تعريف التنبؤ‪:‬‬
‫يعرف التنبؤ‪:‬على أنه "التخطيط ووضع االفتراضات حول أحداث المستقبل باستخدام تقنيات خاصة عبر‬
‫فترات زمنية مختلفة وبالتالي فهو العملية التي يعتمد عليه المديرون أو متخذو القرارات في تطوير‬
‫االفتراضات حول أوضاع المستقبل" ‪1‬‬
‫إذا فهو يشمل تقدير نشاط في المستقبل مع األخذ بعين االعتبار كل العوامل التي تؤثر على ذلك النشاط‪.‬‬
‫أهمية التنبؤ‪:‬‬
‫تعيش المؤسسة االقتصادية في بيئة تتميز بالديناميكية هذا ما يستوجب استعمال التقنيات الكمية في اتخاذ‬
‫قراراتها ومن هنا تبرز أهمية ودور التنبؤ والمتمثلة في‪:‬‬
‫‪ -‬يضمن وإلى حد كبير الكفاءة والفاعلية للمؤسسة في المرونة مع البيئة الخارجية ‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة احتياجات المؤسسة في المدى القصير والمتوسط‪.‬‬
‫‪ -‬تساهم في الحد من المخاطر التي قد تواجه المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬تعطي صورة للمؤسسة عن توجهها المستقبلي‪.‬‬
‫‪ -‬تساهم بقدر كبير في اتخاذ القرارات وترقب آثارها مستقبال‪.‬‬
‫‪ -3‬مراحل عملية التنبؤ‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬تحديد الهدف من التنبؤ‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬تجميع البيانات الالزمة للظاهرة محل التنبؤ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬تحليل البيانات وانتقائها الستعمالها‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬اختيار النموذج المناسب من أساليب التنبؤ بالظاهرة محل الدراسة‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬اتخاذ القرار المناسب‪.‬‬

‫تاريخ التنبؤ العلمي‬


‫ظاهرة الفضول اإلنساني لمعرفة الغد أمر مألوف‪ ،‬وكما قال آينشتاين عندما سئل عن سر اهتمامه‬
‫بالمستقبل قال‪ ” :‬ألني ذاهب الى هناك”‪ .‬وقد عرف العالم أشكاال من محاوالت اإلطالل على الغد‬
‫ومعرفته‪ ،‬لكن مراحل هذه العلم كانت بداية ذات طبيعة ميتافيزيقية أو اسطورية ثم تحولت إلى مرحلة‬
‫التخطيط المستقبلي أو التخطيط االستراتيجي ثم أصبح علم الدراسات المستقبلية علما قائما بذاته‪ .‬وتعود‬
‫محاوالت العقل البشري لكشف ما وراء الحاضر”أو اآلتي بعد الحال” إلى عصور قديمة جدا‪ ،‬وثمة مشكلة‬
‫في هذه الناحية هي كيفية الفصل بين التنبؤ المجتمعي وبين التنبؤ الديني أو الكهنوتي وتحديد ” منهجية‬
‫التنبؤ ” في كل منهما‪ ،‬ولتوضيح هذه النقطة مثال لناخذ التنبؤ بانتصار الروم في بضع سنين الواردة في‬
‫القرآن‪ ،‬هي نبوءة لكن كيف تم الوصول لها؟ هنا أمر ديني يخرج عن “العلم البشري” ومن المتعذر تحديد”‬
‫منهجية الوصول لهذه النبوءة لالستفادة منها وإعادة توظيفها‪ ،‬أما التنبؤات البشرية فهي مما يقع ضمن دائرة‬
‫الوعي بها وامكانية تطويرها وتوظيفها‪ ،‬وهذه هي محط اهتمامي في هذا المقام‪ .‬مع اإلقرار بالتأثير لألولى‬
‫على الثانية احيانا‪ .‬وقد بذلت جهدا أظنه كافيا في البحث عن أصول التنبؤ “أو الدراسات المستقبلية” في‬
‫التراث االنساني ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الصينيون‪  ‬لعل ” كيان سيما ” (‪ )Sima Qian‬الذي عاش في القرن األول قبل الميالد يمثل محاولة‬
‫جادة في هذا المجال عندما حاول فهم قوانين التاريخ وافتراض أن هذه القوانين لها طابع الديمومة‪ ،‬وعليه‬
‫فإن بإمكانه إدراك القادم إذا أدرك القوانين الحاكمة لحركة األفراد والمجتمعات والطبيعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التراث اليوناني بداية المنهج العلمي‪ 300 :‬قبل الميالد مع أرسطو (‪Meteorologica-‬‬
‫‪ )meteorology‬فقد حاول أن يرى العالقة بين النار‪ ،‬والتربة‪ ،‬والهواء والماء‪ ،‬ثم تبعه تلميذه‬
‫ثيوفراستوس( ‪ )Theophrastus‬الذي وضع كتاب(‪ )on Signs‬وكان يركز على “لون السماء‪ ،‬والهاالت‬
‫(بقع الضوء) ليتنبأ بسقوط المطر‪ ،‬ثم جاء أبقراط‪ ،‬وربط المرض بالحرارة أو الرطوبة أو الماء…أو‬
‫الهواء‪ ،.‬وكان الكهنة في معبد ” دلفي” يعيدون انتاج تنبؤاتهم استنادا لهذا التراث الذي يربط بين حركة‬
‫البشر ومظاهر الطبيعة‬
‫‪ .‬ثالثا‪ :‬المصريون كان رع (إله الشمس) هو المصدر الرئيسي للمعرفة بالمستقبل‪ ،‬وكان في مصر القديمة‬
‫معبدا للتنبؤات (القرنين السادس والسابع قبل الميالد) وما زالت بعض آثاره في واحة سيوه المصرية‪ ،‬وأخذ‬
‫المعبد مكانته نظرا ألنه مهبط وحي اإلله آمون‪ ،‬فكان المصريون إذا اعتزموا القيام بشيء ذهبوا لكهنة‬
‫المعبد ليخبروهم عن طريق استشارة اإلله آمون بما سيحدث‪ .‬وكان اإلسكندر األكبر أحد الذين طلبوا من‬
‫كهنة معبد آمون النبوءة له حول ما إذا كان سيحكم العالم‪ ،‬فقال الكهنة نعم ولكن لفترة قصيرة‪ ،‬وكذلك هناك‬
‫حكاية جيش قمبيز الفارسي (القرن السادس قبل الميالد) الذي جاء لهدم المعبد المصري ولكن الجيش ضاع‬
‫ولم يتم العثور عليه وبقي لغزا (العلماء المعاصرون يميلون لتفسير الضياع بأنه نتيجة لعوامل طبيعية)‪.‬‬
‫والمالحظ أن فترة ما قبل الميالد والقرون الثالثة ما بعد الميالد بقي التنبؤ مرتبطا بقدر كبير بالميتافيزيقيا‪،‬‬
‫مثل رع عند المصريين (اله الشمس) وزيوس عند اليونان‪ ،‬أما في الشمال األوروبي نجد إله الرعد‬
‫والبرق(‪ ، )Thor‬وكان األزتيك يقدمون أضاحي لكي يرضى اإلله وينزل المطر‪ .‬لكن األهم أن هؤالء‬
‫المقربين هلل كانوا يدعون صلتهم باآللهة فكانت لهم مرتبة عليا في المجتمع‪ ،‬كما وجدنا أن بعض القبائل‬
‫كانت تعتقد في استراليا أن الرقص يأتي بالمطر‪ ..‬ثم بدا بعد ذلك االنفكاك التدريجي والبطيء بين‬
‫الميتافيزيقيا والتنبؤ لصالح بناء التنبؤ على أساس مظاهر طبيعية شاخصة وهو ما يتضح في العرافة‬
‫والقيافة وبعض أشكال الكهانة وقراءة الرمل وصوال لفناجين القهوة والتطير (عن اليمين أو الشمال)‬
‫…‪.‬وأصبح الصيادون‪ ،‬والمزارعون والمحاربون‪ ،‬والرعاة‪ ،‬والبحارة يركزون على مظاهر المناخ أو‬
‫مظاهر البحر أو الريح…الخ‬
‫رابعا‪ :‬العرب بعض المحاوالت للتنبؤ بأحوال الجو‪ ،‬وهنا ليست األهمية في صدق أو خطأ التنبؤ بل ببداية‬
‫الربط بين مكونات الظاهرة موضوع البحث (العالقة بين الحر والبرد والمطر والريح…الخ)‪ ،‬وقد ربط‬
‫ابن خلدون بعض هذه الجوانب مع السلوك اإلنساني‪ ،‬مما يؤصل للعالقة بين البيئة والسلوك‪ ،‬ولو أن التنجيم‬
‫أخذ حيزا أيضا في هذا الجانب‬

‫خامسا‪ :‬النقلة العلمية االبتدائية في التنبؤ في القرن الخامس عشر بدأت فكرة مراقبة الظواهر وقياسها تأخذ‬
‫أهمية أكبر‪،‬الففي هذه الفترة صمم ليوناردو دافنشي آلة لقياس الرطوبة (وبالتالي تحديد آلية لتوقع سقوط‬
‫المطر)‪ ،‬ثم جاءت فكرة دوران األرض على يد جاليليو الذي اخترع (‪ )thermometer‬فأصبحت النظرية‬
‫األولى له تربط بين دورة األرض والمواسم الزراعية والمظاهر األخرى المرتبطة برتابة الحركة‪ ،‬وساعد‬
‫الثاني على قياس درجات الحرارة لبناء تنبؤات على أساسها‪ ،‬ثم جاء تورشيللي(‪ )Torricelli‬واخترع آلة‬
‫قياس ضغط الهواء(‪ ،)barometer‬ولعل ذلك ساهم في تزايد ثقة العقل البشري بقدرته على “الرصد‬
‫للحركة المنتظمة وللحركة العشوائية‪ ،‬وهي نقلة هامة في مجال رصد التغير الذي يشكل وحدة التحليل في‬
‫الدراسات المستقبلية‪ .‬وتدعم التوجه العلمي بظهور نظريات اليوتوبيا (توماس مور) في بداية القرن‬
‫السادس عشر‪ ،‬وهو ما مهد المسرح ألدباء الخيال العلمي‪ Jules Verne‬الفرنسي و ‪H. G. Wells‬‬
‫البريطاني(حيث ركزا على انعكاس التطور التقني على الحياة اإلنسانية‪ ،‬وانتقل األمر للشركات غير‬
‫العسكرية‪ ،‬ثم ظهرت فكرة الخطة الخمسية لكهربة االتحاد السوفييتي في عام ‪ 1921‬مع لينين‪ ،‬ثم التنافس‬
‫العسكري بين شركات انتاج األسلحة وتنبؤ كل منهما لما سينتجه الطرف اآلخر‪ ،‬وانتقل األمر بعد نجاح‬
‫تنبؤات العسكريين إلى الشركات غير العسكرية‪ ،‬ثم أصبح علم الدراسات المستقبلية فرعا علميا أكاديميا في‬
‫منتصف الستينات من القرن الماضي‪ .‬ثم بدأت مناهج الميدان تتطور بتقنيات علمية‪ ،‬وظهرت دراسات‬
‫مستقبلية متنوعة لكنها مثيرة في هذا المجال مثل دراسة الحرب النووية) التي طرحها األمريكي هيرمان‬
‫كان (‪ )Herman Kahn‬ودراسة جوفنيل الفرنسي(‪ )-Bertrand de Jouvenel-‬حول المستقبالت‬
‫الممكنة ودراسة الهنغاري غابور دينيس (‪ Dennis Gabor‬حول (اختراع المستقبل) ثم (‬
‫‪ )Buckminister Fuller‬بخاصة اللعبة العالمية‪ ،‬إلى جانب دراسات الهيئات العلمية مثل نادي روما‬
‫والجامعات‪ ،‬لنصل إلى طرح الموضوع كتخصص علمي منفصل تطرحه أغلب جامعات العالم‬
‫المتطور(إال الجامعات العربية) في مراحل الدراسة الجامعية الثالث وما بعدها‪.‬‬

‫وليد عبد الحي الرحلة التاريخية للدراسات المستقبلية‬

‫أهمية عامل التنبؤ في إنجاح التنمية المستدامة‬

‫إذا نظرنا لإلنسان في ُمجريات حياته اليومية‪ ،‬فإننا نراه يتكلم بسالسة وبتركيز في الموضوع ويستطيع‬
‫اختيار الكلمات وال ُجمل‪ ،‬وأن يستمر في الحديث دون اختيار كلمات أو جمل‪.‬‬
‫وهذا يعني أن هناك قدرةً لغويةً كامنةً لدى البشر للتنبؤ بحاجة اإلنسان الذي يملك ملكة الكالم السلس دون‬
‫مزيد من الجهد الفكري‪.‬‬
‫واإلنسان يتأثر بالحاضر أكثر من تأثره بالماضي‪ ،‬لكن الماضي والحاضر يساعدان اإلنسان على التنبؤ‬
‫بالمستقبل في مناحي الحياة ويمكناه من االستمرار في عملية التنمية‪.‬‬
‫ونرى ترجمة هذا في واقعنا من خالل المصطلحات التي نستخدمها في كثير من عملنا سواء التنموية أو‬
‫الحياتية‪ ،‬فنرى كلمات كالرؤية أو التصور أو خريطة الطريق‪ ،‬وكل هذه المصطلحات بها قدر كبير من‬
‫التنبؤ والتخطيط اإلستراتيجي يكون مبنيا على التنبؤ أيضا‪.‬‬
‫ولسنا مبالغين في أن نقول إن كل ما يفعله اإلنسان له عالقة بالتنبؤ‪ ،‬فما تحدثنا عنه من إستراتيجية وأيضا ً‬
‫قدرتنا على التغيير أو قدرتنا على التحول‪ ،‬يقوم أساسا ً على التنبؤ؛ لذلك فإن الحديث عن التحول من‬
‫االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد الرقمي وإلى اقتصاد المعرفة يحتاج إلى التعامل مع المستقبل والتنبؤ بحاجة‬
‫اإلنسان وحاجة المجتمع؛ ومن هنا فعملية التحول من االقتصاد التقليدي للرقمي وإلى مجتمع المعرفة‪ ،‬كلها‬
‫توقعات أو تنبؤات بأن هذا المسار هو المسار األهم لمتابعة الحياة وهو مسار البشرية خالل المراحل‬
‫القادمة‪.‬‬
‫وإذا كان التنبؤ مهما ً لهذه الدرجة‪ ،‬فإن السؤال الملح هو التفكير في المستقبل وكيفية تحوله‪ ،‬إن الخيال‬
‫العلمي والتطورات األخيرة التي ترتكز على الذكاء اآللي (الصناعي) هي في الحقيقة تفاعل مع الواقع‬
‫واستفادة من الماضي واستشراف للمستقبل الذي يعد الهامش الذي يمكننا من التفاعل وتبني التوقعات لما قد‬
‫يحدث في المستقبل‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الكالم واقعياً‪ ،‬فالسؤال‪ ...‬إلى أي مدى تستطيع الدولة وأجهزتها والحكومة وقطاع األعمال أن‬
‫تتعامل مع هذا العامل بشكل يُمكنّهم من النجاح واالستمرار في المستقبل‪ ،‬وما هي المهارات‪ ،‬وما هي‬
‫العلوم والمجاالت التي يجب أخذها في الحسبان من أجل تحقيق تطلعات اإلنسان والمؤسسات العامة في‬
‫القطاع العام ومؤسسات قطاع األعمال‪ ،‬وما األمور التي تسمح أو تدعم القدرة على التنبؤ بدقة؟ اآلن ال‬
‫نتحدث عن التنبؤ فقط‪ ،‬ولكن التنبؤ بدقة‪ ،‬وكما يعلم الجميع فإن معظم النماذج المحاسبية والحسابية والعلمية‬
‫الهدف منها القدرة على توقع المستقبل‪ ،‬ولذلك نرى علوم الفيزياء والكيمياء لها أهميتها بالنسبة للبشرية‪،‬‬
‫ونرى إلى أي مدى علوم الفيزياء والنظريات الفيزيائية والمعادالت يتم استخدامها من أجل بناء التقنيات‬
‫الحديثة وخاصة بالنسبة للميكانيكا وعلوم الفضاء وغيرها‪ ،‬إذاً الجانب التنبؤي والقدرة على بناء نماذج‬
‫تُمكن من البناء واإلعداد للمستقبل هي العامل األهم بالنسبة للبشرية بشكل عام‪.‬‬
‫وإذا كان هذا صحيحاً‪ ،‬فكيف إذا نبني مؤسسات في القطاع العام وقطاع األعمال؛ لتمكين مؤسساتنا عامة‪،‬‬
‫وخاصة من أن تقوم بأفضل دور‪ ،‬وأن تقوم أيضا ً على المواءمة مع تحوالت المستقبل ومع المتغيرات؟‪.‬‬
‫إن أحد أهم العوامل التي تمكننا من التنبؤ بدقة يتمثل في البيانات وجمعها وتحليلها واالستفادة منها بقدر‬
‫اإلمكان‪.‬‬
‫إن علينا أن نبني تصوراً أو فهما ً أو إدراكا ً لملكة التنبؤ والعوامل والعناصر التي تدخل في تقويتها وتمكينها‬
‫من تحقيق تنبؤات دقيقة‪ ،‬بداية من البيانات وجمع البيانات وتحليل البيانات‪ ،‬وهذا اآلن نراه في الشركات‬
‫المتقدمة على المستوى العالمي؛ ألنها تبني الكثير من تنبؤاتها وقدراتها على التنبؤ بتحليل البيانات‪ ،‬ألن‬
‫هناك نموذجا لترتيب البيانات يستخدم كجزء من التنبؤ‪ ،‬وهناك جانب يُبنى على العلوم وعلى المستوى‬
‫التعليمي ومستوى المؤسسات التعليمية والقدرة على بناء اإلنسان للتعامل مع المعطيات العصرية والحديثة‪.‬‬
‫إن الجانب المهم أيضا في تمكين مؤسساتنا على التنبؤ بدقة بالنسبة للمستقبل هو البحث والتطوير‪ ،‬فالجانب‬
‫البحثي مهم في اإلعداد ثم تطويره وخلقه وتحويله إلى معلومات مهمة ‪ ،‬فقدرتنا على التنبؤ باألحداث‬
‫وباالحتماالت في المستقبل تخلق خيارات ذات جودة عالية‪ ،‬وتمكن صانع القرار من اتخاذ القرار األقل‬
‫مخاطرة واألكثر نصيبا ً وحظا ً في النجاح‪.‬‬
‫وطبعا النظام التعليمي له دور كبير في تحديث نوعية المهارات والقدرات واإلمكانيات والعلوم وأسلوب‬
‫التعامل مع الطلبة وهو ما يخلق لدينا أفرادا قادرين على توجيه طاقاتهم وقدراتهم في دعم القدرة على التنبؤ‬
‫بدقة‪.‬‬
‫إذا كان هذا صحيحاً‪ ...‬فإن قدرة أي مجتمع على البقاء واالستمرار أو أية مؤسسة تتوقف على قدرتها على‬
‫التنبؤ بدقة‪ ،‬وإذا كان هذا المفهوم حقيقيا فإننا نستطيع أن ننسب التغيرات أو تقدم مجتمع على مجتمع أو تقدم‬
‫مؤسسة على مؤسسة‪ ،‬وقدرة تلك المؤسسات أو المجتمعات على التوقع والتنبؤ باألحداث المستقبلية بدقة‬
‫أكبر من غيرها‪ ،‬وهذا هو العامل الذي يُمكن من النجاح بالنسبة لمؤسساتنا على المستوى العالمي‪.‬‬

‫‪ ‬مبادئ التنبؤ العلمي‬


‫‪ .1 ‬استخالص عبرة من الماضي من خالل دراس ة أهم التط ورات على المس تويين ال دولي واإلقليمي وم ا‬
‫ينتج عنها من تأثيرات مثل‪ :‬الفرص المتاحة أو القي ود المفروض ة أو التهدي دات والمخ اطر الناجم ة به دف‬
‫تحديد صورة مستقبلية‪.‬‬
‫‪ .2 ‬تصور وضع مستقبلي لعقدين أو ثالث ة عق ود لتحدي د األه داف والمص الح بالتفص يل‪ ،‬وذل ك باس تخدام‬
‫النماذج الرياضية الحديثة‪.‬‬
‫‪ .3 ‬تجنب أي انحياز أيديولوجي‪ ،‬واالنطالق من المسلمات واالفتراضات المتفق عليها من مختلف اتجاهات‬
‫البحث العلمي والفكري والعقائدي والتكنولوجي‪.‬‬
‫‪ .4 ‬تعيين القدرات الالزمة إلنجاز أي مسار مستقبلي وحس اب النفق ات الالزم ة والمخ اطر‪ .‬وك ذلك تحدي د‬
‫اآلليات الالزمة للتنمية والتي ينبغي أن تشمل أهداف معروف ة علمي اً‪ ،‬وتط وير الخ برات العلمي ة في مج ال‬
‫إدارة المشاكل المعقدة‪.‬‬
‫‪ .5 ‬التركيز على عوامل التنمية في مختلف القطاعات‪ ،‬لتحقيق األهداف بشكل فعال‪.‬‬
‫‪ .6 ‬اعتماد سيناريوهات مختلفة ومعدة سلفا ً لجميع الحاالت الطارئة المحتملة التي تخ زن للس ماح لص انعي‬
‫القرار باستخدامها بعد ذلك‪ ،‬وفقا ً لحجم األزمة المستقبلية المحتملة‪.‬‬
‫مناهج التنبؤ العلمي‬

‫مناهج االستشراف هو اتجاه مطبق على نطاق واسع في العديد من دول العالم ‪ ،‬والتي تنتمي في األصل إلى‬
‫مجال الدراسات المستقبلية ‪ ،‬حيث تغيرت أساليب الدراسات المستقبلية ‪ ،‬وح دث به ا ع دد من التط ورات ‪،‬‬
‫وال تي ك انت نتيجته ا أنه ا انتقلت من التوق ع ‪ ، forecasting‬ومنهج التق دير ‪ estimation‬إلى التبص ر‬
‫واالستشراف ‪ ، foresight‬كم ا ترتب ط من اهج االستش راف بش كل كب ير بمج ال إدارة األزم ات ‪ ،‬وج دير‬
‫بالذكر أن هذا المحال قد تعرض للعديد من التطورات المتعددة على الصعيد النظري والعملي‪.‬‬
‫ومازال هذا المجال حتى اآلن يتعرض للتطوير المستمر من قبل الباحثين األج انب ‪ ،‬حيث أن ه بمثاب ة منهج‬
‫‪ Method‬يح اول من خالل ه خ براء إدارة األزم ات تط ويره ‪ ،‬لي ؤدي مهمت ه القائم ة على ” التنب ؤ ”‬
‫‪ ، prediction‬بشكل يحقق تجنب ‪ ،‬أو تقليل ح دة المخ اطر واألزم ات المتفاقم ة ‪ ،‬والج دير بال ذكر أن ه ال‬
‫يمكن أن يقوم االستشراف المستقبلي على استخدام جميع أدوات البحث المس تقبلي ‪ ،‬ولكنه ا تش مل اس تخدام‬
‫التطبيقات في الوقت الحاضر أيضا ً ‪ ،‬كما يعتبر منهج عملي ة قائم ة على جم ع المعلوم ات ال تي تس اعد في‬
‫تقدير ما سيكون في المستقبل واالستشراف ال يعتبر تخطيطًا‪.‬‬

‫ولكن نتائج االستشراف توفر هذه المعلومات ‪ ،‬وبالتالي فهي خط وة واح دة وأساس ية في عملي ة التخطي ط ‪،‬‬
‫وإع داد الق رارات ال تي تخص المنظم ة ‪ ،‬أو ال تي تخص القي ادة ‪ ،‬أو اإلدارة ‪ ،‬فمج االت البحث المس تقبلي‬
‫متعددة ‪ ،‬وكثيرة ‪ ،‬وهي قبالة للتطوير بين الحين اآلخر فهناك حكومات قامت بتطبيق من اهج االستش راف ‪،‬‬
‫وله ذا الس بب اتجهت الحكوم ات ال تي طبقت ه ذه المن اهج في مجاالته ا العس كرية ‪ ،‬و االقتص ادية ‪،‬‬
‫والسياسية ‪ ،‬ال سيما في مرحلة ما بعد التسعينيات ‪ ،‬نحو تغيير المنهج الموجه نحو المستقبل من التق دير إلى‬
‫االستشراف حيث يعتبر األخير وسيلة للنظر إلى المستقبل عبر تطبيق أدوات البحث المستقبلي‪.‬‬

‫وظائف التنبؤ العلمي‬

‫إن الدراسات المستقبلية تجسد “مرحلة من مراحل أعمال الفكر في شؤون المستقبل‪ ،‬ترسي أساسا لمراحل‬
‫أخرى أقرب إلى التخطيط والتدبير”[‪ ]1‬ولذا فهي ليست ضربا من الترف الفكري‪ ،‬وإنما جهد حقيقي لتبين‬
‫االتجاهات الممكنة لمستقبل دولة أو قطاع معين‪ ،‬مما يقتضي التفكير في وضع سياسات عمومية تتواءم مع‬
‫التغيرات القادمة‪.‬‬

‫ويبدو أن أهداف أو وظائف الدراسات المستقبلية‪ ،‬كامنة في األهمية االستراتيجية لالشتغال بالبحث في‬
‫قضايا المستقبل ‪ .‬وقد حددناها في مواكبة التغير وفهم إيقاعات الزمن العالمي‪ ،‬وتفادي االقصاء والمساهمة‬
‫في الدينامية العالمية ومراعاة مصلحة األجيال القادمة وتقدير المخاطر المهددة للحضارة اإلنسانية برمتها‪.‬‬

‫أسباب عزوف المجتمعات العربية عن دراسة التنبؤ العلمي‬

‫هناك مجموعة من العوامل تقف وراء غياب الدراسات العلمية المستقبلية في العالم العربي تبدأ من غياب‬
‫ثقافة تنظيم الحياة وفق خطط مدروسة تأخذ في االعتبار اإلمكانات المتوفرة في كل مجال من مجاالت‬
‫الحياة‪ ،‬وهو ما يتضح في حالة رب األسرة ذي الدخل المحدود‪ ،‬والذي يُنجب عشرة أطفال بدون أي‬
‫تخطيط منه لكيفية توفير احتياجاتهم في كل مرحلة من مراحل نموهم‪ ،‬ومن الجدير بالذكر أن انعدام تلك‬
‫الثقافة على مستوى األسرة إنما ينعكس على مستوى الدولة‪.‬‬

‫ويُعد انتشار أفكار التواكلية والقدرية القائمة على التفسير الخاطئ للدين‪ ،‬إلى جانب النظرة العربية‬
‫المتوارثة عن الزمن من أهم هذه األسباب أيضاً‪ ،‬فنظرة اإلنسان العربي للزمن في معظمها تتسم بالتشاؤم‪،‬‬
‫وهو ما استنتجه العلماء أمثال الدكتور فهمى جدعان الذي يرى أن التاريخ اإلسالمي بعد عصر الخلفاء‬
‫الراشدين كان يقوم على “حتمية التقدم إلى األسوأ‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن األوضاع االجتماعية والسياسية في العالم العربي‪ ،‬بما تُسببه من انكفاء المواطنين‬
‫على الذات وعدم االطالع على التجارب المعاصرة‪ ،‬تؤدى في نهاية المطاف إلى حالة خوف من المستقبل‪.‬‬

‫محاوالت النهوض بدراسة التنبؤ العلمي في المجتمعات العربية‬


‫لذا‪ ،‬فإن أي محاوالت للنهوض بحال الدراسات المستقبلية في العالم العربي إنما ينبني على مكافحة أسباب‬
‫العزوف المذكورة أعاله‪ ،‬وقُدمت بالفعل العديد من االقتراحات لتحقيق ذلك‪ ،‬كان من أبرزها ما عرضه‬
‫الدكتور نادر فرجاني في الندوة التي عقدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس ‪ 2014‬عن‬
‫الدراسات المستقبلية في الوطن العربي‪ ،‬حيث نادى بأن النهضة اإلنسانية في المجتمعات العربية باعتبارها‬
‫المسار المستقبلي العربي‪ ،‬يجب أن تتأسس على ثالث ركائز أساسية وهي ضمان الحرية والحكم‬
‫الديمقراطي الصالح‪ ،‬وإقامة مجتمع المعرفة‪ ،‬وإحداث إصالح جذري في البنى المجتمعية وتحقيق التنمية‬
‫اإلنسانية المستقلة‬

‫وفاء الريحان واقع الدراسات المستقبلية في العالم العربي‬


‫التنبؤ العلمي في اإلسالم‬

‫عندما سئل أينشتاين عن سر اهتمامه بالمستقبل رد قائال ‪“ :‬ببساطة ألننا سنعيش بقية عمرنا هناك”‪ .‬فهل‬
‫نهتم نحن – كعرب وكمسلمين – بهذا الحيّز الزمني الذي يُع ّرف بأنه “اآلتي بعد الحال” ‪،‬أم إننا نفضل أن‬
‫نعيش حاضرنا فقط ‪،‬ونهيم في غياهب الماضي؟‬

‫عندما نتحدث عن عالقة اإلسالم بالدراسات المستقبلة ‪،‬يجب أن نتفق أن استشراف المستقبل ال يعني علم‬
‫الغيب‪ .‬فقد أثبت تاريخ الدراسات المستقبلية أنها ال تصيب دائما وال تخطئ دائما ‪،‬فهي ليست علوما دقيقة‬
‫أو رياضيات ‪،‬كما أنها ليست فلسفة ‪،‬على الرغم من التطور الكبير الذي وصلت إليه ‪،‬خاصة في جانب‬
‫تحويل الظواهر الطبيعية والسياسية “الكيفية” إلى أرقام ونسب وحسابات‪ .‬قد يكمن التعامل مع الدراسات‬
‫المستقبلية في صورة التنبؤ مثال بمعرفة جنس الجنين ما إذا كان ذكرا أو أنثى ‪،‬ألن ذلك يتم عن طريق‬
‫جهاز علمي خاص قد يخطئ وقد يصيب ‪،‬على الرغم من التقنية العالية التي وضعت لهذا الغرض ‪،‬في‬
‫حين أن هللا عز وجل وحده الذي يعرف ما في األرحام ‪،‬و بدون جهاز‪،‬وهذا هو الفرق بين القدرة اإللهية‬
‫والقدرة البشرية ‪،‬بين منطق “كن فيكون” وبين قدرة البشر على االجتهاد وتوقع حدوث االشياء واالستعداد‬
‫لها من خالل جملة من العوامل المتكاثفة التي تشكل في النهاية نتيجة منطقية لبحث ما على ظاهرة ما‪.‬‬
‫امثلة عن التنبؤ العلمي و علماؤه‬
‫لقد تفاجأ العالم في الكثير من الحقب والعصور بظواهر غريبة وتغيرات عميقة ‪،‬لم يكن أحد يتوقع‬
‫حدوثها ‪،‬لكن في مكان ما من هذا العالم كان هناك أناس ال يثقون كثيرا في الصدفة أو المفاجأة ‪،‬قضوا‬
‫حياتهم بحثا عن االحتماالت قليلة الحدوث كبيرة التأثير ‪،‬وأصدروا دراساتهم بناء على معطيات علمية‬
‫بعضها ربما كان سببا في الوقاية من كوارث سياسية واجتماعية ‪،‬والبعض اآلخر لم يجد الرعاية واالهتمام‬
‫فتُرك للمجهول‪ .‬فال أحد كان يتوقع انهيار امبراطورية عظمى كاإلتحاد السوفياتي ‪،‬لكن هذا غير صحيح‬
‫إلى حد بعيد ‪،‬ففي عام ‪، 1970‬نشر المنشق السوفياتي أندريه أمالريك كتابه المشهور “هل سيبقى االتحاد‬
‫السوفييتي حتى عام ‪1984‬؟” ‪،‬وتوقع فيه أن ينهار االتحاد السوفييتي عام ‪، 1984‬وبنى توقعاته بعد تحليل‬
‫األوضاع االقتصادية والسياسية واالجتماعية وشبكة عالقات االتحاد السوفياتي الدولية بخاصة مع الصين‬
‫والواليات المتحدة ‪،‬ووضع احتمالين للشكل الذي سيأخذه االنهيار‪،‬ويمكن القول أن جزء من كل شكل هو ما‬
‫وقع فعال‪ .‬فقد جاء غورباتشوف للسلطة عام ‪ 1985‬وبدأ مسار االنهيار السوفياتي الذي اكتمل عام ‪.1991‬‬
‫وكلما كانت المعطيات ذاتها صحيحة والعالقة بينها قائمة ووثيقة‪ ،‬ولم يقع خطأ في عملية االستدالل‪ ،‬كان‬
‫التنبؤ صحيحاً‪ .‬وإذا ما استنطقنا التاريخ العلمي‪ ،‬فإنه يبوح بتلكم األمثلة ‪:‬‬

‫– من ميدان الفلك ‪:‬‬

‫‪ -1‬التنبؤ بكوكب جديد في منظومتنا الشمسية‪ :‬كان لفرييه وآدمز قد تنبأ بوجود كوكب ثامن في منظومتنا‬
‫الشمسية‪ ،‬وعيّنا موقعه وكتلته‪ ،‬وح َّددا مساره ومداره حول الشمس قبل رصده في كبد السماء‪ .‬وقد تحقَّقت‬
‫النبوءة بكل أبعادها! ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫– من ميدان الفيزيقا ‪:‬‬

‫‪ -2‬التنبؤ بالموجات الكهرومغناطسية‪ :‬تنبَّأ بها ماكسويل وح َّدد خصائصها ‪ .‬ثم جاء هرتز بعد وفاته بسنين‬
‫عشر فاكتشف وجودها‪ ،‬مؤيِّداً بذلك نظرية تعتبر من أبدع النظريات العلمية الحديثة وهي النظرية‬
‫الكهرومغناطيسية‪ ،‬وما ترتَّب على ذلك من تطبيقات عمليَّة وتحوال ٍ‬
‫ت نظرية عميقة في النظرية النسبية‪،‬‬
‫وتحقَّقت نبوءة ماكسويل ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬تنبؤات النظرية النسبية‪  :‬كانت‪  ‬لنسبية آينشتاين نبوءات كثيرة سرعان ما أثبتت األيام صدقها‪ .‬وتلكم‬
‫واحدة ‪ :‬ينكسر شعاع الضوء عندما يمر في مجال جاذبية الشمس‪.‬‬

‫وكانت المفاجأة عندما حدث كسوف كلي للشمس في ‪ 29‬مايو ‪ ، 1919‬حيث أكدت الصور التي التقطها‬
‫العلماء صحة ما تنبأ به آينشتاين حتى العالمة العشرية للرقم الذي حسبه في معادلته الرياضية‪ ،‬إذ انحنى‬
‫شعاع الضوء "فعالً" بالطريقة ذاتها والمقدار نفسه الذي ح َّدده عالمنا آنفا ً‬

‫والثانية ‪ :‬إنه لما وضع آينشتاين معادلته الشهيرة (ط = ك‪.‬ع‪ )2‬تنبَّأ من خاللها بوجود طاقة رهيبة كامنة في‬
‫المادة وأنه باإلمكان تحويلها إلى طاقة‪ ،‬ولكنه لم يكن يعرف إلى ذلك التحويل سبيالً ‪.‬‬

‫ولما كان اليوم التاريخي‪ 6 ،‬أغسطس ‪ ، 1945‬كان في تفجير القنبلة الذرية األولى في هيروشيما خير دليل‬
‫على صدق تلكم النبوءة ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -4‬التنبؤ بوجود الهيليوم على األرض ‪ :‬بعد أن صنع العالمان األلمانيان بنزن وكيرشهوف‬
‫السبكتروسكوب (المطياف) استخدمه العالم اإلنجليزي "نورمان كولير" فوجد خطوطا ً خاصة بعنصر‬
‫جدي ٍد‪ ،‬إذ كان يُحلَّل الضوء الواصل إليه من قرص الشمس‪ ،‬فأسماه الهيليوم وتنبَّا بوجوده على األرض ‪.‬‬

‫وبعد عشرين عاما ً على نبوءته عثر "وليم هلبراند" األمريكي على الغاز في المعدن النادر "كليفيتيت"‪،‬‬
‫فتحقَّقت بذلك النبوءة ‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ -5‬التنبؤ بوجود المادة المضادة ‪ :‬تنبأ العالم األلماني بول ديراك ‪ Paul Dirac‬الحائز على جائزة نوبل‬
‫في الفيزيقا بالمشاركة مع العالم النمساوي إرفين شرودينجر ‪  Irvin Schrodinger‬عام ‪ 1933‬بوجود‬
‫المادة المضادة عام ‪.1928‬‬

‫فقد حاول الجمع بين معادالت نظريتي الكم لبالنك والنسبية الخاصة آلينشتاين‪ ،‬وقادته حساباته إلى استنباط‬
‫نظرية "اإللكترونات المتناسبة" حيث تنبَّا فيها بوجود إلكترون مضاد لإللكترون السالب المعروف‪ .‬وبالفعل‬
‫ضد موجب الشحنة عام ‪ 1932‬والذي ُأطلق عليه اسم بوزيترون ‪.Positron‬‬ ‫تم اكتشاف هذا اإللكترون ال ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫من ميدان الكيمياء ‪:‬‬

‫‪ -6‬التنبوء بعناصر مجهولة‪ :‬وقدرة مندلييف في هذا الخصوص ال تُبارى‪ .‬فقد تنبَّأ بوجود عناصر تمأل‬
‫الخانة الفارغة بين الكالسيوم والتيتانيوم‬

You might also like