Professional Documents
Culture Documents
التنبؤ العلمي
التنبؤ العلمي
المستقبل هو مرحلة غيبية ،مرتبطة بمراحل زمنية سابقة تتمثل في الماضي والحاضر ،وهي تعقب هذه
المراحل ويصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث ،فهو مرحلة زمنية مرتبطة بالغيب ،وهناك العديد من
االجتهادات التي يقوم بها بعض البشر محاولين ،ومدعين معرفة المستقبل مثل قيام البعض بعملية ”
التكهن”.
التَنبُؤ هو ع ملية بناء التوقعات المدروسة لما سيحدث في المستقبل من ِقبَل خبراء العلوم والرياضيات،
وذلك ِوفقًا لعدة معايير ومعلومات أولية .والتنبؤ يكون في مختلف العلوم واألنشطة كاالقتصاد ،علم
االجتماع ،علم األحياء وغيرها من العلوم األخرى.
ِلع ْلـ ُم (الجمع :العُلو ْم) (بالالتينية )Scientia :أي «المعرفة» هو أسلوب منهجي لبناء وتنظيم المعرفة في
صورة تفسيرات وتوقعات قابلة لالختبار)يرتكز مفهوم العلم على مصطلح المنهجية العلمية الذي بدوره
يدرس البيانات ويضع فرضيات لتفسيرها ويقوم باختبارها وكل هذه العملية للوصول إلى معرفة قائمة على
التجربة والتأكد من صحتها بدل التخمين.
لكهانة او التكهن هي محاولة للتبصر بالمستقبل من أجل معرفة سؤال أو موقف معين عن طريق عملية أو
طقس شعائري تنجيمي موحد .لقد استخدمت الكهانة في أشكال مختلفة منذ آالف السنين ،حيث يؤكد الكهّان
والعرافون تفسيراتهم لكيفية اإللهام ويجب عليهم مباشرة كالمهم عن طريق قراءة معنى العالمات أو
الوقائع أو التكهنات أو من خالل تواصلهم المزعوم مع جهات خارقة للطبيعة
تقديم
ثالث قرون مضت على قوله اسحاق نيوتن (ابدو لنفسي كما لو انني صبي يلعب على شاطئ البحر وتلفت
انتباهه من فينة الى اخرى حصاة انعم او صدفة اجمل من العادية بينما يمتد محيط الحقيقة العظيم امام ناظريه دون
اكتشاف)
هذه التغيرات السريعة و المدهشة ليست كمية فقط انها االم المخاض لمولد عصر جديد
و نحن اليوم مرة اخرى مثل اطفال يمشون على الشاطئ و لكن المحيط الذي عرفه نيوتن و هو صغير قد اختفى
الى حد كبير فامامنا يمتد محيط جديد
ودائما ما نطرح نفس السؤال (كيف سيكون مستقبل البشرية)
غير ان عقولنا لن تكون مستعدة لتقبل االختراعات المستقبلية بعقل حالي
فـي بـدايـة الـقـرن الماضي عرضت في إحدى المحاكم االتحادية بمدينة نيويورك قضية غريبة عام
1913وبدأ ممثل االتـهـام يتهكم على مخترع شاب هزيل الجسم ,رث الثياب ,وأخذ يـكـيـل لـه تـهـمـا
انصبت عناصرها على الخداع والنصب واالحتيال على عدد من األبريـاء,ليبتز أموالهم في مشروع وهمي
ال يصدقه إال كل عقل ضعيف ! وأمسك ممثل االتهام بيده الدليل ,وهو يلوح به أمام هيئة المحكمـة. ..
امسك بانتفاخ زجاجي صغير الحجم ..خفيف الوزن ,وتبرز من داخله إلى خارجه بعض األسالك التي ال
تعني شيئا في عقول الناس ,وبلهجة يشوبها االحتقار والتسفيه شرح للمحكمة كـيـف أن المـتـهـم »دي
فـورسـت« قـد وقـع بإمضائه قرارات غريبة متعمدة التضليل ,وهي برمتها تشـيـر إلـى أن هـذا الجهاز
سوف ينجح في نقل الصوت البشري يوما عبر المحيط األطلنطي ! ويستطرد ثل االتهام قائال :إن المحتال
دي فـورسـت قـد اقـنـع بـعـض االستثمرين السذج بدفع أسهم مالية في شركة حملت اسمه ,وحث ثل
االتهام هيئة المحكـمـة أن تـوقـع باسم شعب الواليات االتحدة على هذا الشاب وشريكيه-اللذين سانداه في
عملية التغرير بالناس-العقوبة التي يستحقونها ,نتيجة الدعاءاتهم االضللة .وبالفعل اقتيد زميال فورست إلى
السجن ,أما هو فـقـد أطـلـقـت هـيـئـة المحكمة سراحه ,بعد أن لقنته درسا قاسيا ,ناصحة إيـاه بـأن يـتـخـلـى
عـن التظاهر بكونه مخترعا ,ويحاول العثور على وظيفة عادية يأكل بهـا خـبـزه إن ثل االتهام وهيئة
المحكمـة وكـل الـنـاس فـي ذلـك الـزمـان لـم تـكـن عقولهم مهيأة لتقبل فكرة إمكان نقل االكااالت عـبـر
المحـيـط ,أو أي مـكـان
آخر دون االستعانة بأسالك الهاتف التقليدية ,واعتبروا فكرة دي فورست أو أنبو بته االتواضعة خبال وغباء
ال يستقيم مع فكر صائب ,وعقل راجح ,ومن أجل هذا كانت تلك المحاكمة الظاالة .لم يكن هذا االنتفاخ
الزجاجي »الـعـديم الـقـيـمـة« الـذي أوشـك أن يـزج بفورست في السجن-لم يكن إال أنبوبة »أال وديون«
التي ثبت بعد ذلك أنها أعظم اختراع في القرن العشريـن ,وواحـدة مـن االبـتـكـارات االـذهـلـة الـتـي
أنتجها عقل اإلنسان ,إذ كانت هذه األنبوبة الزجاجـيـة االـتـواضـعـة بمـثـابـة النواة أو األساس الذي قامت
عليه التكنولوجيا اإلليكترونية بأسرها ,وأدت إلى اختراع مكبرات الصوت ,واالتصاالت الهاتفية عبـر
المحـيـطـات ,ونـقـل الصور باالوجات ,كما دخلت في صناعة السينما الناطقة ,وفي أجهزة الرادار ,وغير
ذلك من ابتكارات إليكترونية عديدة ..لقـد كـانـت أنـبـوبـة »االوديـون« بمثابة مصباح عالء الدين الذي
سيطر على اإلليكترون ,ومنحه قـوة جـنـي عمالق
وهناك ايضا قصة اهل الكهف اللذين استيقظو في زمان غير زمانهم فاخد هللا ارواحهم رافة بهم
و لكن و رغم كل هذا يبقى التنبؤ بالمستقبل و احداثه شيئا ممتعا و مشبع لغريزة االنسان الفضولية
دائما ً ما نسمع أنه علينا دراسة التاريخ ألنه يعلمنا دروسا ً نستفيد بها في الحاضر وتساعدنا على التحضير
للمستقبل ،كل هذا جميل لكن أغلب ما نجده فيما يتعلق بالتاريخ هو األحداث لكن نادراً جداً ما نجد دروسا ً
مستفادة وما هو أندر هو كيفية استخدام تلك الدروس في الحاضر ،فهل يمكن أن نجد مثل هذه الدراسات
متاحة للخاصة والعامة؟ فمثالً في قسم إدارة األعمال العريق في الجامعة األشهر جامعة هارفارد نجد أن
أغلب مواد ماجستير إدارة األعمال هناك (وهي من أفضل البرامج في العالم) قائمة على ما يسمى
"الحاالت" أو ( )casesوهي دراسة مشكلة واجهت شركات في الماضي وكيف تصرفت ،ويناقش الطالب
في المحاضرة الحلول األخرى وتأثيرها ،هذا مثال جيد على تحليل الماضي واالستفادة منه ،فهل يمكن أن
نتوسع أكثر ونستخدم تلك الطريقة في دراسة التاريخ كله وليس التاريخ المتعلق بالشركات فقط؟ هذا فيما
يتعلق بالماضي والحاضر ،فماذا عن المستقبل؟
علم المستقبل ومستقبل العلم
محمد زهران
-تعريف التنبؤ:
يعرف التنبؤ:على أنه "التخطيط ووضع االفتراضات حول أحداث المستقبل باستخدام تقنيات خاصة عبر
فترات زمنية مختلفة وبالتالي فهو العملية التي يعتمد عليه المديرون أو متخذو القرارات في تطوير
االفتراضات حول أوضاع المستقبل" 1
إذا فهو يشمل تقدير نشاط في المستقبل مع األخذ بعين االعتبار كل العوامل التي تؤثر على ذلك النشاط.
أهمية التنبؤ:
تعيش المؤسسة االقتصادية في بيئة تتميز بالديناميكية هذا ما يستوجب استعمال التقنيات الكمية في اتخاذ
قراراتها ومن هنا تبرز أهمية ودور التنبؤ والمتمثلة في:
-يضمن وإلى حد كبير الكفاءة والفاعلية للمؤسسة في المرونة مع البيئة الخارجية .
-معرفة احتياجات المؤسسة في المدى القصير والمتوسط.
-تساهم في الحد من المخاطر التي قد تواجه المؤسسة.
-تعطي صورة للمؤسسة عن توجهها المستقبلي.
-تساهم بقدر كبير في اتخاذ القرارات وترقب آثارها مستقبال.
-3مراحل عملية التنبؤ:
المرحلة األولى :تحديد الهدف من التنبؤ
المرحلة الثانية :تجميع البيانات الالزمة للظاهرة محل التنبؤ.
المرحلة الثالثة :تحليل البيانات وانتقائها الستعمالها.
المرحلة الرابعة :اختيار النموذج المناسب من أساليب التنبؤ بالظاهرة محل الدراسة.
المرحلة الخامسة :اتخاذ القرار المناسب.
خامسا :النقلة العلمية االبتدائية في التنبؤ في القرن الخامس عشر بدأت فكرة مراقبة الظواهر وقياسها تأخذ
أهمية أكبر،الففي هذه الفترة صمم ليوناردو دافنشي آلة لقياس الرطوبة (وبالتالي تحديد آلية لتوقع سقوط
المطر) ،ثم جاءت فكرة دوران األرض على يد جاليليو الذي اخترع ( )thermometerفأصبحت النظرية
األولى له تربط بين دورة األرض والمواسم الزراعية والمظاهر األخرى المرتبطة برتابة الحركة ،وساعد
الثاني على قياس درجات الحرارة لبناء تنبؤات على أساسها ،ثم جاء تورشيللي( )Torricelliواخترع آلة
قياس ضغط الهواء( ،)barometerولعل ذلك ساهم في تزايد ثقة العقل البشري بقدرته على “الرصد
للحركة المنتظمة وللحركة العشوائية ،وهي نقلة هامة في مجال رصد التغير الذي يشكل وحدة التحليل في
الدراسات المستقبلية .وتدعم التوجه العلمي بظهور نظريات اليوتوبيا (توماس مور) في بداية القرن
السادس عشر ،وهو ما مهد المسرح ألدباء الخيال العلمي Jules Verneالفرنسي و H. G. Wells
البريطاني(حيث ركزا على انعكاس التطور التقني على الحياة اإلنسانية ،وانتقل األمر للشركات غير
العسكرية ،ثم ظهرت فكرة الخطة الخمسية لكهربة االتحاد السوفييتي في عام 1921مع لينين ،ثم التنافس
العسكري بين شركات انتاج األسلحة وتنبؤ كل منهما لما سينتجه الطرف اآلخر ،وانتقل األمر بعد نجاح
تنبؤات العسكريين إلى الشركات غير العسكرية ،ثم أصبح علم الدراسات المستقبلية فرعا علميا أكاديميا في
منتصف الستينات من القرن الماضي .ثم بدأت مناهج الميدان تتطور بتقنيات علمية ،وظهرت دراسات
مستقبلية متنوعة لكنها مثيرة في هذا المجال مثل دراسة الحرب النووية) التي طرحها األمريكي هيرمان
كان ( )Herman Kahnودراسة جوفنيل الفرنسي( )-Bertrand de Jouvenel-حول المستقبالت
الممكنة ودراسة الهنغاري غابور دينيس ( Dennis Gaborحول (اختراع المستقبل) ثم (
)Buckminister Fullerبخاصة اللعبة العالمية ،إلى جانب دراسات الهيئات العلمية مثل نادي روما
والجامعات ،لنصل إلى طرح الموضوع كتخصص علمي منفصل تطرحه أغلب جامعات العالم
المتطور(إال الجامعات العربية) في مراحل الدراسة الجامعية الثالث وما بعدها.
إذا نظرنا لإلنسان في ُمجريات حياته اليومية ،فإننا نراه يتكلم بسالسة وبتركيز في الموضوع ويستطيع
اختيار الكلمات وال ُجمل ،وأن يستمر في الحديث دون اختيار كلمات أو جمل.
وهذا يعني أن هناك قدرةً لغويةً كامنةً لدى البشر للتنبؤ بحاجة اإلنسان الذي يملك ملكة الكالم السلس دون
مزيد من الجهد الفكري.
واإلنسان يتأثر بالحاضر أكثر من تأثره بالماضي ،لكن الماضي والحاضر يساعدان اإلنسان على التنبؤ
بالمستقبل في مناحي الحياة ويمكناه من االستمرار في عملية التنمية.
ونرى ترجمة هذا في واقعنا من خالل المصطلحات التي نستخدمها في كثير من عملنا سواء التنموية أو
الحياتية ،فنرى كلمات كالرؤية أو التصور أو خريطة الطريق ،وكل هذه المصطلحات بها قدر كبير من
التنبؤ والتخطيط اإلستراتيجي يكون مبنيا على التنبؤ أيضا.
ولسنا مبالغين في أن نقول إن كل ما يفعله اإلنسان له عالقة بالتنبؤ ،فما تحدثنا عنه من إستراتيجية وأيضا ً
قدرتنا على التغيير أو قدرتنا على التحول ،يقوم أساسا ً على التنبؤ؛ لذلك فإن الحديث عن التحول من
االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد الرقمي وإلى اقتصاد المعرفة يحتاج إلى التعامل مع المستقبل والتنبؤ بحاجة
اإلنسان وحاجة المجتمع؛ ومن هنا فعملية التحول من االقتصاد التقليدي للرقمي وإلى مجتمع المعرفة ،كلها
توقعات أو تنبؤات بأن هذا المسار هو المسار األهم لمتابعة الحياة وهو مسار البشرية خالل المراحل
القادمة.
وإذا كان التنبؤ مهما ً لهذه الدرجة ،فإن السؤال الملح هو التفكير في المستقبل وكيفية تحوله ،إن الخيال
العلمي والتطورات األخيرة التي ترتكز على الذكاء اآللي (الصناعي) هي في الحقيقة تفاعل مع الواقع
واستفادة من الماضي واستشراف للمستقبل الذي يعد الهامش الذي يمكننا من التفاعل وتبني التوقعات لما قد
يحدث في المستقبل.
وإذا كان هذا الكالم واقعياً ،فالسؤال ...إلى أي مدى تستطيع الدولة وأجهزتها والحكومة وقطاع األعمال أن
تتعامل مع هذا العامل بشكل يُمكنّهم من النجاح واالستمرار في المستقبل ،وما هي المهارات ،وما هي
العلوم والمجاالت التي يجب أخذها في الحسبان من أجل تحقيق تطلعات اإلنسان والمؤسسات العامة في
القطاع العام ومؤسسات قطاع األعمال ،وما األمور التي تسمح أو تدعم القدرة على التنبؤ بدقة؟ اآلن ال
نتحدث عن التنبؤ فقط ،ولكن التنبؤ بدقة ،وكما يعلم الجميع فإن معظم النماذج المحاسبية والحسابية والعلمية
الهدف منها القدرة على توقع المستقبل ،ولذلك نرى علوم الفيزياء والكيمياء لها أهميتها بالنسبة للبشرية،
ونرى إلى أي مدى علوم الفيزياء والنظريات الفيزيائية والمعادالت يتم استخدامها من أجل بناء التقنيات
الحديثة وخاصة بالنسبة للميكانيكا وعلوم الفضاء وغيرها ،إذاً الجانب التنبؤي والقدرة على بناء نماذج
تُمكن من البناء واإلعداد للمستقبل هي العامل األهم بالنسبة للبشرية بشكل عام.
وإذا كان هذا صحيحاً ،فكيف إذا نبني مؤسسات في القطاع العام وقطاع األعمال؛ لتمكين مؤسساتنا عامة،
وخاصة من أن تقوم بأفضل دور ،وأن تقوم أيضا ً على المواءمة مع تحوالت المستقبل ومع المتغيرات؟.
إن أحد أهم العوامل التي تمكننا من التنبؤ بدقة يتمثل في البيانات وجمعها وتحليلها واالستفادة منها بقدر
اإلمكان.
إن علينا أن نبني تصوراً أو فهما ً أو إدراكا ً لملكة التنبؤ والعوامل والعناصر التي تدخل في تقويتها وتمكينها
من تحقيق تنبؤات دقيقة ،بداية من البيانات وجمع البيانات وتحليل البيانات ،وهذا اآلن نراه في الشركات
المتقدمة على المستوى العالمي؛ ألنها تبني الكثير من تنبؤاتها وقدراتها على التنبؤ بتحليل البيانات ،ألن
هناك نموذجا لترتيب البيانات يستخدم كجزء من التنبؤ ،وهناك جانب يُبنى على العلوم وعلى المستوى
التعليمي ومستوى المؤسسات التعليمية والقدرة على بناء اإلنسان للتعامل مع المعطيات العصرية والحديثة.
إن الجانب المهم أيضا في تمكين مؤسساتنا على التنبؤ بدقة بالنسبة للمستقبل هو البحث والتطوير ،فالجانب
البحثي مهم في اإلعداد ثم تطويره وخلقه وتحويله إلى معلومات مهمة ،فقدرتنا على التنبؤ باألحداث
وباالحتماالت في المستقبل تخلق خيارات ذات جودة عالية ،وتمكن صانع القرار من اتخاذ القرار األقل
مخاطرة واألكثر نصيبا ً وحظا ً في النجاح.
وطبعا النظام التعليمي له دور كبير في تحديث نوعية المهارات والقدرات واإلمكانيات والعلوم وأسلوب
التعامل مع الطلبة وهو ما يخلق لدينا أفرادا قادرين على توجيه طاقاتهم وقدراتهم في دعم القدرة على التنبؤ
بدقة.
إذا كان هذا صحيحاً ...فإن قدرة أي مجتمع على البقاء واالستمرار أو أية مؤسسة تتوقف على قدرتها على
التنبؤ بدقة ،وإذا كان هذا المفهوم حقيقيا فإننا نستطيع أن ننسب التغيرات أو تقدم مجتمع على مجتمع أو تقدم
مؤسسة على مؤسسة ،وقدرة تلك المؤسسات أو المجتمعات على التوقع والتنبؤ باألحداث المستقبلية بدقة
أكبر من غيرها ،وهذا هو العامل الذي يُمكن من النجاح بالنسبة لمؤسساتنا على المستوى العالمي.
مناهج االستشراف هو اتجاه مطبق على نطاق واسع في العديد من دول العالم ،والتي تنتمي في األصل إلى
مجال الدراسات المستقبلية ،حيث تغيرت أساليب الدراسات المستقبلية ،وح دث به ا ع دد من التط ورات ،
وال تي ك انت نتيجته ا أنه ا انتقلت من التوق ع ، forecastingومنهج التق دير estimationإلى التبص ر
واالستشراف ، foresightكم ا ترتب ط من اهج االستش راف بش كل كب ير بمج ال إدارة األزم ات ،وج دير
بالذكر أن هذا المحال قد تعرض للعديد من التطورات المتعددة على الصعيد النظري والعملي.
ومازال هذا المجال حتى اآلن يتعرض للتطوير المستمر من قبل الباحثين األج انب ،حيث أن ه بمثاب ة منهج
Methodيح اول من خالل ه خ براء إدارة األزم ات تط ويره ،لي ؤدي مهمت ه القائم ة على ” التنب ؤ ”
، predictionبشكل يحقق تجنب ،أو تقليل ح دة المخ اطر واألزم ات المتفاقم ة ،والج دير بال ذكر أن ه ال
يمكن أن يقوم االستشراف المستقبلي على استخدام جميع أدوات البحث المس تقبلي ،ولكنه ا تش مل اس تخدام
التطبيقات في الوقت الحاضر أيضا ً ،كما يعتبر منهج عملي ة قائم ة على جم ع المعلوم ات ال تي تس اعد في
تقدير ما سيكون في المستقبل واالستشراف ال يعتبر تخطيطًا.
ولكن نتائج االستشراف توفر هذه المعلومات ،وبالتالي فهي خط وة واح دة وأساس ية في عملي ة التخطي ط ،
وإع داد الق رارات ال تي تخص المنظم ة ،أو ال تي تخص القي ادة ،أو اإلدارة ،فمج االت البحث المس تقبلي
متعددة ،وكثيرة ،وهي قبالة للتطوير بين الحين اآلخر فهناك حكومات قامت بتطبيق من اهج االستش راف ،
وله ذا الس بب اتجهت الحكوم ات ال تي طبقت ه ذه المن اهج في مجاالته ا العس كرية ،و االقتص ادية ،
والسياسية ،ال سيما في مرحلة ما بعد التسعينيات ،نحو تغيير المنهج الموجه نحو المستقبل من التق دير إلى
االستشراف حيث يعتبر األخير وسيلة للنظر إلى المستقبل عبر تطبيق أدوات البحث المستقبلي.
إن الدراسات المستقبلية تجسد “مرحلة من مراحل أعمال الفكر في شؤون المستقبل ،ترسي أساسا لمراحل
أخرى أقرب إلى التخطيط والتدبير”[ ]1ولذا فهي ليست ضربا من الترف الفكري ،وإنما جهد حقيقي لتبين
االتجاهات الممكنة لمستقبل دولة أو قطاع معين ،مما يقتضي التفكير في وضع سياسات عمومية تتواءم مع
التغيرات القادمة.
ويبدو أن أهداف أو وظائف الدراسات المستقبلية ،كامنة في األهمية االستراتيجية لالشتغال بالبحث في
قضايا المستقبل .وقد حددناها في مواكبة التغير وفهم إيقاعات الزمن العالمي ،وتفادي االقصاء والمساهمة
في الدينامية العالمية ومراعاة مصلحة األجيال القادمة وتقدير المخاطر المهددة للحضارة اإلنسانية برمتها.
هناك مجموعة من العوامل تقف وراء غياب الدراسات العلمية المستقبلية في العالم العربي تبدأ من غياب
ثقافة تنظيم الحياة وفق خطط مدروسة تأخذ في االعتبار اإلمكانات المتوفرة في كل مجال من مجاالت
الحياة ،وهو ما يتضح في حالة رب األسرة ذي الدخل المحدود ،والذي يُنجب عشرة أطفال بدون أي
تخطيط منه لكيفية توفير احتياجاتهم في كل مرحلة من مراحل نموهم ،ومن الجدير بالذكر أن انعدام تلك
الثقافة على مستوى األسرة إنما ينعكس على مستوى الدولة.
ويُعد انتشار أفكار التواكلية والقدرية القائمة على التفسير الخاطئ للدين ،إلى جانب النظرة العربية
المتوارثة عن الزمن من أهم هذه األسباب أيضاً ،فنظرة اإلنسان العربي للزمن في معظمها تتسم بالتشاؤم،
وهو ما استنتجه العلماء أمثال الدكتور فهمى جدعان الذي يرى أن التاريخ اإلسالمي بعد عصر الخلفاء
الراشدين كان يقوم على “حتمية التقدم إلى األسوأ
من ناحية أخرى ،فإن األوضاع االجتماعية والسياسية في العالم العربي ،بما تُسببه من انكفاء المواطنين
على الذات وعدم االطالع على التجارب المعاصرة ،تؤدى في نهاية المطاف إلى حالة خوف من المستقبل.
عندما سئل أينشتاين عن سر اهتمامه بالمستقبل رد قائال “ :ببساطة ألننا سنعيش بقية عمرنا هناك” .فهل
نهتم نحن – كعرب وكمسلمين – بهذا الحيّز الزمني الذي يُع ّرف بأنه “اآلتي بعد الحال” ،أم إننا نفضل أن
نعيش حاضرنا فقط ،ونهيم في غياهب الماضي؟
عندما نتحدث عن عالقة اإلسالم بالدراسات المستقبلة ،يجب أن نتفق أن استشراف المستقبل ال يعني علم
الغيب .فقد أثبت تاريخ الدراسات المستقبلية أنها ال تصيب دائما وال تخطئ دائما ،فهي ليست علوما دقيقة
أو رياضيات ،كما أنها ليست فلسفة ،على الرغم من التطور الكبير الذي وصلت إليه ،خاصة في جانب
تحويل الظواهر الطبيعية والسياسية “الكيفية” إلى أرقام ونسب وحسابات .قد يكمن التعامل مع الدراسات
المستقبلية في صورة التنبؤ مثال بمعرفة جنس الجنين ما إذا كان ذكرا أو أنثى ،ألن ذلك يتم عن طريق
جهاز علمي خاص قد يخطئ وقد يصيب ،على الرغم من التقنية العالية التي وضعت لهذا الغرض ،في
حين أن هللا عز وجل وحده الذي يعرف ما في األرحام ،و بدون جهاز،وهذا هو الفرق بين القدرة اإللهية
والقدرة البشرية ،بين منطق “كن فيكون” وبين قدرة البشر على االجتهاد وتوقع حدوث االشياء واالستعداد
لها من خالل جملة من العوامل المتكاثفة التي تشكل في النهاية نتيجة منطقية لبحث ما على ظاهرة ما.
امثلة عن التنبؤ العلمي و علماؤه
لقد تفاجأ العالم في الكثير من الحقب والعصور بظواهر غريبة وتغيرات عميقة ،لم يكن أحد يتوقع
حدوثها ،لكن في مكان ما من هذا العالم كان هناك أناس ال يثقون كثيرا في الصدفة أو المفاجأة ،قضوا
حياتهم بحثا عن االحتماالت قليلة الحدوث كبيرة التأثير ،وأصدروا دراساتهم بناء على معطيات علمية
بعضها ربما كان سببا في الوقاية من كوارث سياسية واجتماعية ،والبعض اآلخر لم يجد الرعاية واالهتمام
فتُرك للمجهول .فال أحد كان يتوقع انهيار امبراطورية عظمى كاإلتحاد السوفياتي ،لكن هذا غير صحيح
إلى حد بعيد ،ففي عام ، 1970نشر المنشق السوفياتي أندريه أمالريك كتابه المشهور “هل سيبقى االتحاد
السوفييتي حتى عام 1984؟” ،وتوقع فيه أن ينهار االتحاد السوفييتي عام ، 1984وبنى توقعاته بعد تحليل
األوضاع االقتصادية والسياسية واالجتماعية وشبكة عالقات االتحاد السوفياتي الدولية بخاصة مع الصين
والواليات المتحدة ،ووضع احتمالين للشكل الذي سيأخذه االنهيار،ويمكن القول أن جزء من كل شكل هو ما
وقع فعال .فقد جاء غورباتشوف للسلطة عام 1985وبدأ مسار االنهيار السوفياتي الذي اكتمل عام .1991
وكلما كانت المعطيات ذاتها صحيحة والعالقة بينها قائمة ووثيقة ،ولم يقع خطأ في عملية االستدالل ،كان
التنبؤ صحيحاً .وإذا ما استنطقنا التاريخ العلمي ،فإنه يبوح بتلكم األمثلة :
-1التنبؤ بكوكب جديد في منظومتنا الشمسية :كان لفرييه وآدمز قد تنبأ بوجود كوكب ثامن في منظومتنا
الشمسية ،وعيّنا موقعه وكتلته ،وح َّددا مساره ومداره حول الشمس قبل رصده في كبد السماء .وقد تحقَّقت
النبوءة بكل أبعادها! .
-2التنبؤ بالموجات الكهرومغناطسية :تنبَّأ بها ماكسويل وح َّدد خصائصها .ثم جاء هرتز بعد وفاته بسنين
عشر فاكتشف وجودها ،مؤيِّداً بذلك نظرية تعتبر من أبدع النظريات العلمية الحديثة وهي النظرية
الكهرومغناطيسية ،وما ترتَّب على ذلك من تطبيقات عمليَّة وتحوال ٍ
ت نظرية عميقة في النظرية النسبية،
وتحقَّقت نبوءة ماكسويل .
-3تنبؤات النظرية النسبية :كانت لنسبية آينشتاين نبوءات كثيرة سرعان ما أثبتت األيام صدقها .وتلكم
واحدة :ينكسر شعاع الضوء عندما يمر في مجال جاذبية الشمس.
وكانت المفاجأة عندما حدث كسوف كلي للشمس في 29مايو ، 1919حيث أكدت الصور التي التقطها
العلماء صحة ما تنبأ به آينشتاين حتى العالمة العشرية للرقم الذي حسبه في معادلته الرياضية ،إذ انحنى
شعاع الضوء "فعالً" بالطريقة ذاتها والمقدار نفسه الذي ح َّدده عالمنا آنفا ً
والثانية :إنه لما وضع آينشتاين معادلته الشهيرة (ط = ك.ع )2تنبَّأ من خاللها بوجود طاقة رهيبة كامنة في
المادة وأنه باإلمكان تحويلها إلى طاقة ،ولكنه لم يكن يعرف إلى ذلك التحويل سبيالً .
ولما كان اليوم التاريخي 6 ،أغسطس ، 1945كان في تفجير القنبلة الذرية األولى في هيروشيما خير دليل
على صدق تلكم النبوءة .
-4التنبؤ بوجود الهيليوم على األرض :بعد أن صنع العالمان األلمانيان بنزن وكيرشهوف
السبكتروسكوب (المطياف) استخدمه العالم اإلنجليزي "نورمان كولير" فوجد خطوطا ً خاصة بعنصر
جدي ٍد ،إذ كان يُحلَّل الضوء الواصل إليه من قرص الشمس ،فأسماه الهيليوم وتنبَّا بوجوده على األرض .
وبعد عشرين عاما ً على نبوءته عثر "وليم هلبراند" األمريكي على الغاز في المعدن النادر "كليفيتيت"،
فتحقَّقت بذلك النبوءة .
-5التنبؤ بوجود المادة المضادة :تنبأ العالم األلماني بول ديراك Paul Diracالحائز على جائزة نوبل
في الفيزيقا بالمشاركة مع العالم النمساوي إرفين شرودينجر Irvin Schrodingerعام 1933بوجود
المادة المضادة عام .1928
فقد حاول الجمع بين معادالت نظريتي الكم لبالنك والنسبية الخاصة آلينشتاين ،وقادته حساباته إلى استنباط
نظرية "اإللكترونات المتناسبة" حيث تنبَّا فيها بوجود إلكترون مضاد لإللكترون السالب المعروف .وبالفعل
ضد موجب الشحنة عام 1932والذي ُأطلق عليه اسم بوزيترون .Positron تم اكتشاف هذا اإللكترون ال ِّ
-6التنبوء بعناصر مجهولة :وقدرة مندلييف في هذا الخصوص ال تُبارى .فقد تنبَّأ بوجود عناصر تمأل
الخانة الفارغة بين الكالسيوم والتيتانيوم