Professional Documents
Culture Documents
أصحاب الجنة
أصحاب الجنة
أصحاب الجنة
إعــداد
منير عرفه
-1 -
ص لَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّكُرو َن
ص َ ص ِ
ص ال َق َ .... فَاقْ ُ
سورة األعراف آية 176
-2 -
()1
هكذا ..
الرجل الكبري الصاحل
ُ نام
وأصبح يعاىن سكرات املوت ،
ذلك الرجل الطيب ...
الذى لطاملا كان يفتح بيوتا كثرية ..
وال يدرى به أحد من الناس غريُ اهلل سبحانه .
فقد كان رجال ثريا ،
أنعم اهلل عليه
ببستان كبري ،
حديقة مثمرة ،
أنواع الثمار ..
أفضل ِ وجنة تتدىل من أشجارها ُ
وزروع كثرية .
ٍ أعناب ٍ
وخنيل من ٍ
ال ..إهنا ليست حديقة فقط
وال بستانا فحسب !
إهنا ....
جنة .
بكل ما حتمل هذه الكلمة من ٍ
معان وخريات .
-3 -
الرجل الصاحلُ هذا اخلري العميم والنعم الكثرية ،
ُ وقابل
بنفس مؤمنة ..
ِ
والثناء على اهلل وبفيض من الشك ِر
ٍ
نعم املال الصاحل للرجل الصاحل . فكان َ
وقت حصاد الزروع ،يرسل إىل الفقراء واملساكني وكان إذا حان ُ
ليشاركوه ىف حصاده .
بل إن الفقراء واملساكني عرفوا طريق هذا الرجل الصاحل ..
فكانوا يذهبون إليه ىف أوقات مجع الثمار لِيع ِطيهم من ِ
رزق اهلل. ُْ َُ ْ
بدعوات ٍ
كثرية ٍ تلهث
فيأخذون ما يأخذون ،مث ينصرفون وألسنتُهم ُ
نابعة من داخل قلوهبم ونفوسهم .
يرجع إىل بيته بشئ من الثمار حىت يعطى الفقراء ومل يكن الرجل الصاحل ُ
واملساكني حقوقهم .
ومجع اهلل تعاىل هلذا الرجل جبوار نعمة املال نعمة األوالد ،
فكان له جمموعةٌ من البنني ..
وكانوا يرون أباهم يفعل ما يفعل ..
سكرات املوت خاف على أبنائه أن يغريوا ، ِ األب يعاىن
وبينما كان ُ
ومينعوا حقوق الفقراء
فيبدل اهلل حاهلم ..
-4 -
خاصة أن بعض أبنائه قد طلبوا منه -قبل ذلك -أن ميتنع عن إعطاء
الفقراء واملساكني.
فأوصاهم – وهو ىف سكرات املوت -أن حيافظوا على طاعة اهلل ،
وأوصاهم أال مينعوا املساكني حقوقَهم ،بل أوصاهم باحملافظة عليها ..
مجيع األوالد بالسمع والطاعة . فأجابه ُ
ص ُدقُو َن ىف وعدهم ألبيهم الصاحل !! فهل يَ ْ
هذا ما ستسفر عنه األيام والفعال .
()2
مات الرجل الصاحل
رب ٍ
كرمي ، وأقبل على ٍ
بعد هذه الرحلة الطيبة .
َت ُزفُهُ دعوات صاحلة من أهل األرض ..
الكرام الطيبون .
ُ وتستقبله املالئكةُ
وبقى األبناءُ
ورثوا ثرو َة أبيهم ..
وورثوا اجلنةَ العظيمة .
ِ
بالفاكهة والثمار ، ورثوها مليئةً
فاألعناب قد تدلت ،
ُ
-5 -
والنخل يريد أن يبكى من كثر ِة ما حيمله من الثمار. ُ
وقالوا فيما بينهم :هذه هى املرة األوىل الىت جنىن فيها مثار هذه اجلنة ..
قال أحدهم :إن أبانا كان يعطى أموالنا ومثرة تعبنا هلؤالء العالة ،
إىل الفقراء واملساكني !
كلمت أىب ىف ذلك ،وال فائدة ! ُ قال الثاىن :لَ َك ْم
قال الثالث :وأنا أيضا كلمتُه ،ومل يستجب ىل .
قال الرابع :ال بأس .فقد صارت الثمار مثارنا ،ولسوف جنىن هذه
الثمار بدون أن يشعر بنا أحد .
ٍ
بضحكات ساخرة . ضحك اجلميع
قال أصغرهم وكان أعدهلم وأفضله :أتقصدون أننا لن نعطى حق
الفقراء واملساكني ،
كما كان يفعل أبونا رمحه اهلل !!
قالوا :سوف مننعهم متاما من اجملئ إىل حديقتنا .
قال هلم :لقد أوصانا أبونا أن نعطيهم .
قالوا :إن هؤالء املساكني يأخذون أموالنا بدون وجه حق .
قال :إن املال نعمة من اهلل ،وهذه الثمار أخرجها اهلل لنا ،فينبغى أن
نقابل هذه النعمة بالشكر والثناء على اهلل ،
بإعطاء الفقراء نصيبهم .
-6 -
قالوا :لن خنرج هلم أى شئ ..
وإذا كنت تريد أن جتربنا على ذلك ،
حنرمك منها مثلهم .
ونستطيع أن َ
ُ أصغرنا
فأنت ُ
وجتاهلوا صوته متاما ،
كأنه غري موجود .
وأخذوا خيططون ..
()3
ذهب أصحاب اجلنة إىل جنتهم بعد العصر ،
فوجدوا الثمار على أحسن حال وأطيب مثر .
ومل يعد هناك إال مجع الثمار وقطعها .
وأخذوا يدبرون كيف جيمعون هذه الثمار دون أن يشعر هبم املساكني
والعالة .
وأقسموا أن جينوا مثار اجلنة بدون أن يشعر هبم أحد .
ومل يضعوا ىف أذهاهنم أى بدائل وال أى احتماالت أخرى ألن حيدث
أدىن خطإ .
حىت إهنم مل يقولوا إن شاء اهلل .
وإذا كان من عادة الفالحني أن جيمعوا الثمار بعد طلوع الشمس
لكن أصحاب اجلنة ،
-7 -
وخالفا لعادة الفالحني ،
وضعوا خطتهم بإحكام ،
حيث اتفقوا على جىن الثمار قبيل الصباح
فإذا ما استيقظ الناس ىف الصباح ،
وطلعت الشمس وانتشر الناس ..
وجدوا اجلنة قد مت مجعها ،
و ذلك لكي ال يعلم املساكني باألمر فيحضرون طلبا للمعونة ،
وأخذوا يُ ْق ِس ُمو َن مجيعا على ذلك ،
بل أخذوا األميان واملواثيق بصفة خاصة على أخيهم الذى كان خمالفا
ملثل هذه العملية .
وتعاهدوا على ذلك حىت ال يفشى أح ٌد منهم سرهم .
وأرادوا أمرا ..
أمرا آخر ..
وأراد ربك ً
حيث حدث ما مل يكن ىف احلسبان !
()4
كان اجلزاء من جنس العمل ،
فكما مكروا وخططوا ىف منع املساكني من الثمار ،
وبينما كانوا نائمني ال يشعرون بشئ ،
-8 -
حيث ناموا أول الليل طمعا يف القيام مبكرين .
وخالفا لظنهم
فإن اهلل الذي ال تأخذه سنة وال نوم ،
ما كان ليغفل عن تدبري خلقه و إجراء سننه يف احلياة ،
فقد أرسل اهلل على جنتهم طائ ًفا من عنده جعلها ،
تبدو وكأهنا قد مت َجىْن ُ مثا ِرها قبل ذلك ،
وليعيدوها اىل حاهلا لو كانوا يستطيعون !
وهل يقف مكر اإلنسان الضعيف أمام تدبري اهلل وقدرته ؟!!
كال ..كال
فقد ُحسمت القضية وانتهى األمر .
وقد أرادوا خداع املساكني وتضليلهم ،
فما خدعوا إال أنفسهم
وهم ىف غفلتهم نائمون ال يدرون ما حدث .
و إذا استطاعوا أن خيفوا مكرهم عن املساكني ،
فهل استطاعوا أن خيفوه عن عامل الغيب و الشهادة ؟
كال ..كال
فخ ِدعُوا .
فمنعُوا ،وأرادوا أن خَي ْ َدعُوا ُ
لقد أرادوا أن مَيَْنعُوا ُ
فهذه من تلك .
-9 -
()5
و ألن من طبيعة اإلنسان انه يكون سريع االنتباه من الرقاد عند انتظار
أمر هام ،فإهنم كانوا أيقاظا قبيل الصبح .
[ فتنادوا مصبحني ]
نادى بعضهم بعضا ،و أمجعوا بالفعل على ضرورة التبكري يف الذهاب
إىل اجلنة و مجعها ،
و استحث بعضهم بعضا جلىن الثمار ،
وكانوا ينادون على بعضهم البعض بأصوات متخافتة ،حىت ال يسمع
هبم أحد .
حىت ىف طريقهم إىل اجلنة كانوا يتكلمون بصوت خفيض خافت ،
حىت ال يشعر هبم أحد من الناس فيفتضحوا .
وانطلقوا وهم ىف حذر بالغ ،
و كانوا يف أثناء انطالقهم يسرون احلديث و التآمر .
و عملوا املستحيل من أجل ذلك
بل كان ُمههم الشاغل الذي ختافتوا به طيلة الطريق إىل جنتهم ،
و هو إخفاء األمر على احملتاجني حىت ال يسألوهم شيئا مما جيمعون .
وحىت ال يدخل عليهم مسكني ىف هذا اليوم ،
وىف هذا اليوم بالذات .
- 10 -
()6
وصل أصحاب اجلنة إىل جنتهم ..
فما عرفوها ،
و أنكروها ..
جيدا ليتأكدوا
وفركوا أعينهم ً
فوجدوا اجلنة غري اجلنة الىت رأوها قبل ذلك ..
بل وجدوها قد استحالت على تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار ،
إىل أن صارت سوداء مدهلمة،
ال ُينتفع بشيء منها ،
فاعتقدوا أهنم قد أخطأوا الطريق ..
قالوا إنا لضالون ،
وأخذوا يبحثون عن جنتهم مرة أخرى ،
و لكن كيف يضل اإلنسان عن أرضه ؟!
كال ..إهنا أرضهم بعينها ،
فتأكدوا أهنا هى جنتهم .
وأخذوا يتعجبون ما الذى حدث ؟
وما الذى فعل ذلك جبنتهم ؟!
إهنم ضالون عن احلقيقة و ليسوا ضالني عن جنتهم ،
- 11 -
وإمنا حرمهم اهلل مبشيئته و حكمته .
فقالوا :بل حنن حمرومون ،بسبب ذنوبنا .
و هناك عالقة بني ضالل اإلنسان و حرمانه ،
و بلوغ اإلنسان إىل تطلعاته و أهدافه ،متصل باملنهج الذي يتبعه
يف احلياة ،
فحينما خيطىء اختيار املنهج أو يضل عن املنهج الصحيح ،
فإنه بصورة طبيعية مباشرة ،
سيُحرم ليس من أهدافه املعنوية فقط ،
بل حىت املادية منها ،
فإن العبد حُي رم الرزق بالذنب يصيبه
ودار بينهم حوار طويل ..
قال أخوهم الذى نصحهم قبل ذلك :
أمل أقل لكم لوال تسبحون اهلل ،
بشكر نعمته وبتأدية الزكاة للفقراء ؟!
متحمسا لعدم أداء
ً فطأطأوا رءوسهم ،مث نظروا إىل أخيهم الذى كان
حق الفقراء ،
وقالوا له :أنت الذى شجعتنا على ذلك ،
فأشاح هلم بيده :وأنتم أطعتموىن .
- 12 -
قال األخ الناصح هلم :ليس املهم اآلن من بدأ ومن أطاع .
قالوا :ما املهم إذن ؟
قال هلم :املهم أن نتوب إىل اهلل ونستغفره عن ذنبنا الكبري .
مث أتبع حديثه ..
لقد كان أبونا رجال صاحلا ،ولذا فقد بارك اهلل له ىف اجلنة ،
أما حنن ...
فقد جحدنا نعم اهلل فأزاهلا عنا .
قادرا على أن يصيبنا باملوتفاحلمد هلل أن اهلل مل يأخذنا بذنوبنا ،وكان ً
واهلالك مع هذه األرض .
ولكن رمبا أراد اهلل لنا توبة من عنده ،بسبب أن أبانا كان رجال صاحلًا.
أو أن اهلل يريد أن نتوب إليه ..
قالوا :صدقت .وإنا تائبون إىل اهلل .
واحلمد هلل أننا تبنا إليه قبل املمات .
وتفجرت صورة أبيهم الصاحل ىف أذهاهنم وأخذوا يرتمحون عليه ،بعدما
كانوا حياولون نسيانه .
وتذكروا جرميتهم ..
فوجدوها جرمية بشعة ..ما أقبحها وأخسها
قالوا :يا ولينا إنا كنا طاغني
- 13 -
و هكذا أصبح احلادث املريع ،
مبثابة صدمة قوية أيقظتهم من نوبة الضالل و احلرمان ،
و بداية لرحلة ىف آفاق التوبة و اإلنابة ،
واليت أوهلا اكتشاف اإلنسان خلطئه يف احلياة .
مث طمعوا ىف رمحة اهلل سبحانه ىف الدنيا واآلخرة
وقالوا ( :عسى ربنا أن يبدلنا خريا منها )
واتفقوا فيما بينهم ..
وأقسموا وتعاقدوا على ما يلى ..
قالوا :إنْ أبدلنا اهلل خريًا منها ،
صَنَعَّن كما صنع أبوناَلَن ْ
فأخذوا يدعون اهلل .
ويتضرعون ..
فأبدهلم اهلل ما هو خري من جنتهم .
أكيدا ..ونية صاحلة .
أبدهلم توبة صادقة ..وعزما ً
سن
بل من العلماء من يذكر أن اهلل أبدهلم جبنة أخرى ،ملا رأى ُح َ
توبتهم وعزمهم الطيب ..
- 14 -
وقد سجل اهلل تعاىل هذه القصة الىت وقعت وعاشها أصحاهبا ..
فقال اهلل تعاىل ىف سورة القلم:
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب اجلنة إذ أقسموا
ليصر ُمنها مصبحني وال يستثنون فطاف عليها ِّ
طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصرمي
فتنادوا مصبحني أن اغدوا على حرثكم إن كنتم
صارمني فانطلقوا وهم يتخافتون أن ال يدخلنها
اليوم عليكم مسكني وغدوا على حرد قادرين
فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل حنن حمرومون قال
أوسطهم أمل أقل لكم لوال تسبحون قالوا سبحان
ربنا إنا كنا ظاملني فأقبل بعضهم على بعض
يتالومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغني عسى ربنا
أن يبدلنا خرياً منها إنا إىل ربنا راغبون كذلك
العذاب ولعذاب اآلخرة أكرب لو كانوا يعلمون
[القلم .]33-17:
- 15 -
قال رسول اهلل
لق .
سن اخلُ ِ
الرب حُ ُ
ُ
حاك ىف نفسِك ،
واإلمث ما َ
ُ
الناس .
وكرهتَ أن يطلَِّع عليه ُ
- 16 -