‫ازدواجية اللغة العربية بين العامية والفصحى‬

‫محمد هاشمي‪،1‬‬
‫‪2‬‬
‫ضياء الرحمن مت سعد‬

‫الملخص‬

‫هتدف هذه الدراسة يف التحقيق وراء قضية ازدواجية اللغة العربية بني ش ّقيها الفصحى والعامية‪ .‬الظاهرة‬
‫اليت بدأت تثري تساؤال حموريا حول ماهية هذه االزدواجية ومدى تأثرياهتا على لغة اجملتمع‪ .‬ال سيما‬
‫فيما يتصل مبصري اللغة العربية الفصحى‪.‬بال شك‪ ،‬أن اللغة العربية الفصحى ليست مبجرد لغة من‬
‫لغات بل هي عينها هوية ثقاقية للمجتمع العريب وهوية دينية للمجتمع اإلسالمي يف شىت أصقاع‬
‫األرض من مشرقها إىل مغرهبا‪ .‬هذه املرجعية العاملية باتت هتدد بتفشي العامية على لسان الناطقني‬
‫يها‪ ،‬وبذلك تتالشى الفصاحة فيهم وتنزع منهم نزعا دون أن يلقي أحد هلا باال وال خطرا‪ .‬تعتمد هذه‬
‫الدراسة على املنهج الوصفي التحليلي؛ وذلك بتتبّع املواد العلمية حول ماهية االزدواجية على صعيد‬
‫لغوي أوال‪ ،‬وبيان اإلشكاليات اليت تطرأ عليها على صعيد نظري‪ ،‬مث تناول العوامل الرئيسة وراء ظهور‬
‫االزدواجية‪ .‬تستنتج هذه الدارسة أن ازدواجية اللغة العربية جاءت من حمورين أساسيني؛ حمور داخلي‬
‫وهو غياب دور األدب العريب من اجملتمع وكذلك نشوب العامية يف جمال التعليم‪ .‬العنصران اللذان‬
‫مهدا السبيل الستعمار الفكري الثقايف من حمور خارجي ليح ّد من دور اللغة العربية الفصحى يف‬
‫اجملتمع العريب خاصة واجملتمع اإلسالمي عامة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الفصحى‪ ،‬العامية‪ ،‬اللغة‪ ،‬اللهجة‪،‬العربية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Muhammad bin Hashimee, Jabatan Bahasa dan Pembangunan Insan, Pusat Pengajian Teras, Kolej Universiti‬‬
‫‪Islam Antarabangsa Selangor KUIS, muhammad@kuis.edu.my‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Diyakulrahman bin Mat Saad, Jabatan Bahasa dan Pembangunan Insan, Pusat Pengajian Teras, Kolej‬‬
‫‪Universiti Islam Antarabangsa Selangor KUIS, diyakulrahman@kuis.edu.my‬‬

‫‪1‬‬
‫وقالوا على سبيل املزاوجة هو واالزدواج مبعىن واحد‪ .‬وازدوج الكالم وتزاوج‪ :‬أشبه بعضه بعضا يف‬
‫‪4‬‬
‫السجع أو الوزن‪ ،‬أو كأن إلحدى قضيتني تعلق باألخرى"‬

‫زدوج يَزد ِوج‪ ،‬ازدواجا‪ ،‬فهو ُمزد ِوج‪ .‬ازدوج الشَّيءُ صار اثنني ازدوج‬
‫ّأما يف املعاجم املعاصرة ا َ‬
‫تزوج بعضهم من بعض‪ .‬ازدوج التَّعبريان‪:‬‬
‫القوم‪ّ :‬‬
‫لسانه‪ :‬استعمل اللغة الفصحى واللغة ال ّدارجة‪ .‬ازدوج ُ‬
‫‪5‬‬
‫السجع أو الوزن ‪.‬‬
‫أحدمها اآلخر يف َّ‬
‫(بالغة) أشبه ُ‬
‫اصطالحا‬

‫االزدواجية من حيث االصطالح يكاد يكون معناها مشاهبا مبا هو مذكور يف املعاجم املعاصرة‪ ،‬مع‬
‫إحاطتها مبزيد التفاصيل حول اجلانب النظري واالجتماعي هلذه الكلمة‪ .‬كالذي أشار إليه الباحث‬
‫عباس املصري يف تعريفه الزدواحية اللغة "االزدواجية تعين وجود مستويني للغة الواحدة؛ أحدمها مستوى‬
‫اللغة الفصيحة الذي يُستخدم يف املناسبات الرمسية والكتابة األدبية والتعليم‪ ،‬واآلخر مستوى اللغة‬
‫‪6‬‬
‫العامية‪ ،‬أو اللهجات الدارجة‪ ،‬الذي يستعمل يف احلياة اليومية"‬

‫فعرفها الباحث وليم مارسني‬

‫والحق به اآلخرون يف حماولة تفسريهم ظاهرة االزدواجية يف اللغة‪ّ ،‬‬
‫على أن ازدواجية اللغة هي عبارة عن تنافس بني لغة أدبية مكتوبة ولغة عامية شائعة‪ ،‬أي بني الفصحى‬
‫والعامية‪ 7.‬وقام بذلك أيضا شارل فرغسون حيث إنه اعترب االزدواجية يف اللغة على أهنا وصفا لغويا‬
‫مستقرا نسبيا‪ ،‬يوجد فيه باإلضافة إىل اللهجات املستعملة يف احملادثة العادية‪ ،‬منط فوقي عايل التشفري‪،‬‬

‫‪ 4‬سيد حممد املرتضى احلسيين الزبيدي‪1969 .‬م‪ .‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ .‬الكويت‪ :‬دار الرتاث العريب‪ .‬ط‪ .2‬ج‪.6‬‬
‫ص‪.20‬‬
‫‪ 5‬عبد الغين أبو العزم‪2013 .‬م‪ .‬املعجم الغين‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪ .1‬ص‪.456‬‬
‫‪ 6‬عباس املصري‪ ،‬عماد أبو حسن‪2014 .‬م‪ .‬االزدواجية اللغوية يف اللغة العربية‪ .‬اجمللة اللغة العربية‪ .‬فلسطني‪:‬كلية أكادميية للرتبية‬
‫القامسية‪ .‬ص‪.38‬‬
‫‪ 7‬حممد راجي الزغول‪1980 .‬م‪ .‬ازدواجية اللغة‪ .‬نظرة يف حاضر اللغة العربية وتطلع حنو مستقبلها يف ضوء الدراسات اللغوية‪.‬‬
‫جملة جممع اللغة العربية األردين األردن‪ :‬جممع اللغة العربية األردين‪ .‬ص‪.121-120‬‬
‫‪3‬‬
‫يستعمل يف معظم األغراض املكتوبة واألحاديث الرمسية‪ 8.‬كما أتى أندريدمارتينه بنظرة مشاهبة جتاه‬
‫ازدواجية اللغة يف قوله "موقف لغوي اجتماعي‪ ،‬تتنافس فيه هلجتان لكل منهما وضع اجتماعي وثقايف‬
‫‪9‬‬
‫خمتلف‪ ،‬فتكون األوىل شكل لغويا مكتسبا ومستخدما يف احلياة اليومية"‪.‬‬

‫مجيع هذه التعريفات تتفق يف نقطة وختتلف يف أخرى‪ .‬أما نقطة االتفاق فتكون يف النظر إىل‬
‫ازدواجية اللغة على أهنا وجود صراع بني كيانني يف اللغة خيتلف كل منها يف مساهتا وخصائصها‪ ،‬ويتع ّدى‬
‫هذا االختالف إىل جانب التطبيقي للغة من حيث املمارسة يف املواقف والظروف املتفاوتة‪.‬أما نقطة‬
‫االختالف‪ ،‬فتكمن يف النظر إىل هذا الكيان املتصارع يف كونه من صنف اللهجة أو اللغة‪ ،‬فنرى يف‬
‫تعريف عباس املصري ذكر االزدواجية على أهنا لغة‪ ،‬الرأي الذي أشار إليه وليم مارسني يف تعريفه‬
‫الزدواجية اللغة حيث ذكرها على أهنا تنافس بني لغة من لغات تصارع بعضها البعض‪.‬‬

‫إال أنّنا نرى طابعا خمتلفا يف التعريفات األخرى‪ ،‬منها ما أتى به شارل فرغسون حيث أورد يف‬
‫وصفه االزدواجية على أهنا وجود نوعني من اللهجات املستعملة‪ ،‬منها ما يستخدم يف احملادثات‬
‫العادية وما هو خمصص ألمناط أخرى كالكتابة واملكاملات الرمسية‪ .‬يكاد يكون التعريف الذي أتى به‬
‫شارل فرغسون مشاهبا مبا ذكره أندريدمارتينه ال سيما يف اعتبار ازدواجية اللغة من قبيل احتكاك‬
‫اللهجات ال اللغات‪ ،‬مما يثري تساؤالت أخرى حول ماهية اللهجة واللغة‪ ،‬واحلد الفاصل لكل منها‪،‬‬
‫وهل يصح وصف االزدواجية يف أهنا ظاهرة لغوية أو أهنا ظاهرة هلجية؟األمر الذي جيدر بيانه من خالل‬
‫تغطية الفوارق بني اللغة واللهجة‪.‬‬

‫‪ 8‬عبد الرمحن حممد‪1997 .‬م‪ .‬االزدواج اللغوي يف اللغة العربية‪ .‬الرياض‪ :‬مطابع التقنية لألوسفت‪ .‬ط‪ .1‬ص‪.104‬‬
‫‪ 9‬أندريه مارتينيه‪1990 .‬م‪ .‬الثنائية األلسنة واالزدواجية األلسنة دعوة إىل رؤيا دينامية للوقائع‪ .‬جملة العرب والفكر العاملي‪ .‬بريوت‪:‬‬
‫مركز اإلمناء القومي‪ .‬ص‪.24‬‬
‫‪4‬‬
 ‫تعريف اللغة‬
‫لغة‬

‫من مادة ( ل غ و) فيعين هبا السقط وما ال يعتد به من كالم وغريه دون فائدة وال نفع‪ ،‬وذكر‬
‫األصمعي ‪ ":‬ذاك الشيء لك لغو ولغو ولغوى‪ ،‬وهو الشيء الذي ال يعتد به"‪ .‬وقال األزهري‪" :‬وأصلها‬
‫‪10‬‬
‫عرف البستاين يف كتابه (حميط احمليط)‬
‫من لُغوة من لغا إذا تكلم واللغا ما ال يعتد هبا يف املعاملة"‪ّ .‬‬
‫اللغة على أهنا "ضم الكالم ما هو ساقط العربة منه وهو الذي ال معىن له يف حق ثبوت احلكم‪ ،‬واللغو‬
‫من اليمني وهو أن حيلف على شيء وهو يرى أنه كذلك وليس كما يف الواقع"‪ 11.‬وقال الزخمشري‬
‫حول اللغة "لغو‪ :‬لغا فالن يلغو‪ ،‬وتكلم باللغو واللغا‪ ،‬واللغوت بكذا‪ :‬لفظت به وتكلمت‪ ،‬وإذا أردت‬
‫‪12‬‬
‫أن تسمع من األعراب فاستغلهم‪ :‬فاستنطقهم ومسعت لغواهم"‪.‬‬

‫توصل إىل اتفاق‬

‫أما اللغة من حيث االصطالح لقد ذكرت حبقها تعريفات كثرية جدا دون ّ‬
‫بني العلماء حول ماهيّة اللغة من حيث االصطالح‪ ،‬ولعلّنا نذكر بأهم ما أتى به العلماء يف حماولة‬
‫تفسري معىن اللغة من جانب اإلصطالحي من أبرزها‪:‬‬

‫ما أتى به أبو الفتح عثمان ابن اجلين يف كتابه (اخلصائص) حيث قال ‪ ":‬أما ح ّدها فإهنا‬
‫يعرب هبا كل قوم عن أغراضهم"‪ 13.‬وهذا التعريف قد تبنّاه كثري من العلماء اللسانيني احملدثني‬
‫أصوات ّ‬
‫فق ّدم ابن جين الصوت يف اللغة مبا فيه من دور وال سيما فيما يتصل بالدالالت الصوتية اليت تتميز من‬
‫سائر تراكيب االلغة األخرى‪ .‬وال نستغين عن ذكر ما أتى به الدكتور حممد مبارك يف كتابه (فقه اللغة)‬

‫‪ 10‬ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج ‪ .12‬ص ‪.299‬‬

‫‪ 11‬بطرس البستاين‪1987 .‬م‪ .‬حميط احمليط قاموس املطول للغة العربية‪ .‬بريوت‪ :‬مكتبة لبنان‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬ص‪.820‬‬
‫‪ 12‬أبو القاسم جار اهلل حممود بن عمر بن أمحد الزخمشري‪1998 .‬م‪ .‬أساس البالغة‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمبة‪ .‬ط‪ .1‬ج‪.2‬‬
‫ص‪.173‬‬
‫‪ 13‬سلطاين نعمان‪2006 .‬م‪ .‬الكشف اللغوي عن التعدد اللهجي يف القرآن الكرمي‪ .‬رسالة ماجيسرت‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.‬‬
‫ص‪.236‬‬
‫‪5‬‬
‫" اللغة يف شكليها امللفوظ واملكتوب أداة عجيبة تنتقل هبا األشياء اليت تقع عليها حواسنا إىل أذهاننا‬
‫‪ ...‬فاللغة هي اجلسر الذي يصل بني احلياة والفكر "‪ 14‬كما ذكر أنطوان مبيه يف كتابه ( لغات العامل)‬
‫"إن كلمة لغة تعين كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق املستعملة يف جمموعة بيعينها من بين‬
‫اإلنسان"‪ 15‬أما ابن خلدون فقد عرف اللغة بكوهنا هي عبارة املتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل‬
‫‪16‬‬
‫إنساين ناشئة يف القصد إلفادة الكالم‪.‬‬

‫تعريف اللهجة‬
‫لغة‬
‫اللهجة من مادة هلج‪ ،‬هلج باألمر هلجا‪ ،‬وأهلج كالمها أي أولع به واعتاده‪ ،‬فاللهج بالشيء أي الولوع‬
‫اللهجة جرس الكالم‪ ،‬والفتح أعلى‪.‬يقال فالن فصيح‬ ‫اللهجة واللَّهجة طرف اللسان و َ‬
‫اللهجة و ْ‬ ‫به‪ُ .‬‬
‫‪17‬‬
‫اللهجة أي لغته اليت جبل عليها فاعتادها ونشأ عليها‪.‬‬

‫أما اللهجة من حيث االصطالح فقد اختلف العلماء يف وضع تعريف خمصص هلا لسعة‬
‫معانيها وصعوبة تتبع مدلوالهتا؛كوهنا ال تتقيّد بالقواعد املعروفة‪ ،‬بل جاء تطورها عفويا اعتباطيا مبرور‬
‫الزمان من خالل مبدأ التأثر والتأثري‪ .‬من أهم ما جاء يف تعريف اللهجة ما ذكره الباحث حسن ظاظا‬
‫يف قوله ‪" :‬إذا كانت جمموعة من اللهجات تنتمي إىل لغة ما وكانت هذه اللغة األم ما زالت على قيد‬
‫احلياة شائعة االستعمال‪ ،‬فإن أية واحدة من فروعها غري جديرة بأن تسمى لغة إىل أن متوت اللغة األم‬
‫بنفسها"‪ 18.‬كما حدد اآلخرون مفهوم اللهجة على أهنا جمموعة من الصفات اللغوية تنتمي إىل بيئات‬
‫‪19‬‬
‫خاصة ويشرتك فيها أفراد البيئة‪.‬‬

‫‪ 14‬حممد املبارك‪2009 .‬م‪ .‬فقه اللغة دراسة حتليلية مقارنة للكلمة العربية‪ .‬دمشق‪ :‬مطبعة جامعة دمشق‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬ص‪.1‬‬
‫‪ 15‬حسن ظاظا‪1990 .‬م‪ .‬اللسان واإلنسان مدخل إىل معرفة اللغة‪ .‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ .‬ط‪ .2‬ص‪.19‬‬
‫‪ 16‬عبد الرمحن بن خلدون‪1960 .‬م‪ .‬املقدمة‪ .‬بريوت‪ :‬مكتبة لبنان‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬ص‪.546‬‬
‫‪ 17‬ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج ‪ ، 12‬ص ‪.340‬‬
‫‪ 18‬حسن ظاظا‪ .‬اللسان واإلنسان مدخل إىل معرفة اللغة‪ .‬ص‪.122‬‬
‫‪ 19‬إبراهيم أنيس‪2001 .‬م‪ .‬اللهجات العربية‪.‬القاهرة‪ :‬مكتبة األجنلو املصرية‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬ص‪.16‬‬
‫‪6‬‬
‫االجتماعية والفكرية واالقتصادية والرتبوية وكانت وسيلة رئيسة يف حتريك الدعوة اإلسالمية وإظهار‬
‫‪32‬‬
‫قيمها النبيلة على صعيد احمللي والعاملي‪.‬‬

‫أما يف العصر احلايل‪ ،‬بدأ الشعوب يعاين من الفقر يف األدب العريب‪ .‬ويكون ذلك بسبب‬
‫عزوفهم عنه مبا هو أكثر مواكبة للعصر على حد زعمهم‪.‬بل الوضع أسوأ من ذلك وقد وثق تقرير‬
‫شبكة اجلزيرة لألخبار أن اإلنتاج املعريف العريب السنوي يرتاوح بني ‪ 15‬و‪ 18‬كتابا‪ ،‬وهو ما يعادل‬
‫إنتاج دار نشر أمريكية واحدة تدعى بينغيوم راندوم‪ .33‬الواقع املؤسف الذي ال بد من اخلروج منه‬
‫الستعادة هيبة األدب العريب وأجماده الشاخمة‪.‬‬

‫‪ 2‬استخدام العامية في لغة التدريس‬

‫هذا األمر نراه يف مدارس بلدان العربية أكثر من غريها من بلدان اإلسالمية‪ ،‬وهو شيء يبعث الندم‬
‫واحلسرة كون الشعوب العربية أنفسهم ال يأخذون اللغة العربية الفصحى مبحمل اجلد‪ ،‬بل لطخوا‬
‫صفوف الدراسية بشوائب العامية‪ .‬يكون العامل وراء ذلك عدم إملام باللغة العربية الفصحى من طرف‬
‫املعلم حيث إهنم فضلوا التدريس بالعامية؛ بذريعة ضمان إيصال املعلومات إىل الطلبة‪ ،‬وهو أمر مرفوض‬
‫بالبتة كون الفصحى هي أسلم بيانا وأوسع معىن‪ ،‬وأجدر أن تكون لغة التواصل يف صفوف الدراسية‬
‫بل يف مجيع مراحل احلياة كلها‪ .‬أما من طرف الطالب فلعل السبب وراء تسرب العامية يف دراستهم‬
‫تأثرهم ببيئتهم اليت سادت فيها االعتماد على اللغة العامية فيحضروهنا إىل فصول املعاهد واملدارس‪.‬‬

‫‪ 32‬علي الشعيب‪2002 .‬م‪ .‬اإلجابية والسلبية يف الشعر العريب بني اجلاهلية واإلسالم‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمبة‪ .‬ط‪.1‬‬
‫ص‪.176‬‬
‫من‬ ‫‪33‬أخبار اجلزيرة‪ .‬هل يهجر الشباب اخلليجي‪ .‬شوهد يف ‪ 17‬سبتمرب ‪2018‬م‬
‫‪http://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2018/3/31‬‬

‫‪13‬‬
‫مهما كان األمر‪ ،‬فإن حتصيل العلوم ال بد أن يتم باللغة العربية الفصحى‪ ،‬كوهنا هي اللغة‬
‫األصلح لذلك‪ ،‬ال سيما على مرحلة االبتدائية والثانوية‪ .‬فهذه املرحلة يف غاية من األمهية إذ أهنا تعترب‬
‫نقطة انطالق يف تكوين مهارات اللغوية لدى الطالب قبل حوضهم الدراسة يف مراحل اجلامعية‪.‬‬

‫‪ 3‬الغزو الفكري‬

‫يقصد بذلك احلرب اليت تشنها جهات خارجية دون االعتماد على وسائل العسكرية التقليدية‪ ،‬وذلك‬
‫هلدف القضاء على األفكار واملعتقدات اليت هتدد مصاحلها‪ ،‬واحلرص على فرض أفكارها اخلاصة على‬
‫أذهان وثقافات الشعوب املغلوبة‪ .‬يتم الغزو الفكري بأمت السرية والكتمان‪ ،‬وغالبا ما يتنكر بشعارات‬
‫املؤسسات اإلنسانية مثل اجلامعات‪ ،‬وسائل اإلعالم‪ ،‬املستشفيات‪ ،‬املدارس واحلضانات وغريها‪ .‬تكون‬
‫الغاية وراء هذه التسميات جذب املنتسبني إىل هذه املؤسسات ليتم غسل دماغهم وتشكيل قوالب‬
‫أفكارهم مبا خيدم مصاحل العدو وخمططاهتم اخلبيثة‪.‬‬

‫مل تكن اللغة العربية الفصحى أن تسلم من استهداف الغزو الفكري بل كانت هدفا رائيسا‬
‫هلذا الغرو يف املقام األول‪ .‬لقد أشار الدكتور الريح محد النيل الليث يف مذكرته (الغزو الفكري) أنه يتم‬
‫هدم اللغة العربية الفصحى عرب الغزو الفكري خبطوات عديدة منها‪ :‬الدعوة إىل كتابة العربية حبروف‬
‫الالتيتينية بدعوى أن احلركات ال تكتب‪ ،‬الدعوة إىل العامية والبعد عن الفصحى‪ ،‬االدعاء على أن‬
‫اللغة العربية الفصحى لغة معقدة صعبة وأهنا غري قادرة على مواكبة العصر والتشجيع على تعلم اللغة‬
‫‪34‬‬
‫األجنبية خاصة للصغار لتحل حمل لغتهم األصلية‪.‬‬

‫أما على صعيد العلمي فيتم القضاء على اللغة العربية الفصحى من خالل تسريب املصطلحات‬
‫األجنبية إليها‪ .‬غالب األحيان‪ ،‬تأيت هذه املصطلحات من جماالت العلمية احلديثة كالفيزياء والعلوم‬

‫‪34‬الريح محد النيل الليث‪2002 .‬م‪ .‬الغزو الفكري‪ .‬مكة املكرمة‪ :‬مركز الصفوة للخدمات العلمية واهلندسة‪ .‬ص‪.8‬‬
‫‪14‬‬