Professional Documents
Culture Documents
علم التوحيد
علم التوحيد
مــــقـــــــــــــــــــرر
حـــــــيدــو ت
َ الـ ـلــم ِ
ع
ْ ْ
للصف الثاين الثانوي
بنــات
(أديب ــ علمي ــ حتفيظ قرآن)
هلذا الكتاب قيمة مهمة وفائدة كبرية فحافظي عليه واجعيل نظافته تشهد
عىل حسن سلوكك معه ...
إذا مل حتتفظي هبذا الكتاب يف مكتبتك اخلاصة يف آخر العام لالستفادة فاجعيل
مكتبة مدرستك حتتفظ به ...
موقع الوزارة
www.moe.gov.sa حقوق الطبع والنرش حمفوظة
موقع اإلدارة العامة للمناهج لوزارة الرتبية والتعليم
www.moe.gov.sa/curriculum/index.htm
اإلدارة العامة للمناهج وحدة العلوم الرشعية باململكة العربية السعودية
runit@moe.gov.sa
قال اهلل تعاىل :
﴿
﴾
(سورة النساء آية .)136
الفصل الدرايس األول
اإليــمـــــان
َ ٌ
احــــــث يفــب
َم َ الفصل األول :
اإليــمــــــــان
َ َمــعـــنــى
اإليامن يف الرشع :تصديق بالقلب ،وإقرار باللسان ،وعمل باألركان .وهذا رأي اجلمهور وحكى
اإلمام الشافعي ـ رمحه اهلل ـ إمجاع الصحابة والتابعني ومن بعدهم ممن أدركهم عىل ذلك.
﴾ (.)1
( )1سورة املدثر :آية (.)31
2ـ قـول اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾ (.)1
3ـ ما روى مسلم بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :اإليامن
بضع وسبعون ،أو بضع وستون شعبة ،فأفضلها قول ال إله إالَّ اهلل ،وأدناها إماطة( )2األذى عن الطريق،
واحلياء شعبة من اإليامن»(.)3
4ـ ما روى مســلم بسـنده عن أيب ســعيد اخلـدري ـ ريض اهلل عنه ـ أنه قـال :سـمـعت رسـول
منكرا فليغريه بيده فإن مل يستطع فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه،
ً اهلل ـ ﷺ ـ يقـول « :من رأى منكم
وذلك أضـعـف اإليـامن»(.)4
وجه االستدالل من األدلة السابقة عىل زيادة اإليامن ونقصانه :
الدليل األول :
فيه إثبات زيادة إيامن املؤمنني إيام ًنا إىل إيامهنم وذلك شهودهم صدق نبيهم ـ ﷺ ـ بمطابقة خربه ملا
جاء يف الكتب الساموية السابقة.
الدليل الثاين :
وفيه إثبات زيادة اإليامن بسامع آيات اهلل ـ تعاىل ـ لدى من وصفهم اهلل ـ تعاىل ـ به ،وأولئك هم
من إذا ُذكر اهلل ـ تعاىل ـ حصل هلم خوفه املستلزم فعل املأمور واالبتعاد عن املحظور .وهم املتوكلون
عىل اهلل ـ تعاىل ـ فال يرجون سواه وال يقصدون إالَّ إياه وال يطلبون احلوائج إالَّ منه .املوصوفون بتأدية
( )2إماطة األذى :تنحيته وإبعاده. ( )1سورة األنفال :آية ( .)4 ، 2
( )3صحيح اإلمام مسلم . 63/1 :وورد يف مسند اإلمام أمحد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول اهلل ﷺ أنه قال :من أعطى هلل تعاىل
ومنع هلل تعاىل وأحب هلل تعاىل وأبغض هلل تعاىل وأنكح هلل تعاىل فقد استكمل إيـامنـه.
مسند اإلمام أمحد :م 3ص . 440 ، 438
( )4صحيح اإلمام مسلم . 69/1 :
األعامل املرشوعة من إقامة الصالة وإيتاء الزكاة فهؤالء هم املؤمنون حق اإليامن بحصول تلك األُمور
اعتقا ًدا وعمالً.
الدليل الثالث :
يف احلديث أن اإليامن ُش َعب متعددة وكل شعبة منها شعبة من اإليامن ومع تفاوهتا يف الفضل فأعالها
ال قول «ال إله إالَّ اهلل» وتتواىل بعدها ُ
الش َعب يف الفضل من حيث هي يف املنزلة والفضل حتى منزلة وفض ً
تنتهي إىل أدناها يف ذلك وهي شعبة إماطة األذى عن الطريق وما بينهام كالصالة ،والزكاة ،والصوم،
واحلج ،واألعامل الباطنة كاحلياء ،والتوكل ،واخلشية ،وغري ذلك كله يسمى إيام ًنا.
الش َعب منها ما يزول اإليامن بزواهلا إمجا ًعا كالشهادتني ،ومنها ما ال يزول بزواهلا إمجا ًعا كرتك
وهذه ُ
ال تأيت زيادة اإليامن ونقصانه.
إماطة األذى عن الطريق ،وبحسب القيام هبا كثرة ومتث ً
الدليل الرابع :
يف حديث اإلمام مسلم بيان مراتب تغيري املنكر وكوهنا من اإليامن حيث نفاه عن من مل حتصل منه
أدنى مرتبة من مراتب التغيري مرتبة تغيري املنكر بالقلب .كام يف بعض روايات احلديث « :وليس بعد ذلك
من اإليامن حبة خردل» وعىل هذا فام سبقها من املراتب أقوى إيام ًنا .واهلل أعلم.
األســـــــئــلــة
اإليــمـــان
َ َحـقــيــقــــة
﴾ (.)1
ويقـول تعاىل ﴿ :
﴾ (.)2
وذكر اهلل تبارك وتعاىل يف اآليات األوىل أولئك الذين ترق قلوهبم وختاف اهلل تعاىل عند ذكره ،ويزداد
تصديقهم بسامع آيات اهلل تبارك وتعاىل ،وال يرجون سواه ،وال يقصدون غريه كام ال يطلبون احلوائج
إالَّ منه ويعلمون أنه املترصف يف امللك وحده ال رشيك له .وحيافظون عىل أداء الفرائض كلها برشوطها
وأركاهنا وسننها ،هؤالء هم املؤمنون حق اإليامن وعدهم اهلل ـ تعاىل ـ بالدرجات العليا عنده كام ينالون
مغفرته وثوابه العظيم.
وقد وصف ـ سبحانه وتعاىل ـ يف اآلية األخرية أصحاب رسول اهلل ـ ﷺ ـ من املهاجرين واألنصار
بذلك اإليامن احلق ملا قام هبم من اإليامن وما قاموا به من األعامل ثمرة لذلك.
وقد سبقت لنا معرفة داللة لفظ «اإليامن» يف اللغة ويف االصطالح.
كام عرفنا أن مذهب أهل السنة واجلامعة دخول األعامل يف مسمى اإليامن ،وأنه يزيد وينقص ،يزيد
بزيادة األعامل وبزيادة التصديق ،وينقص بنقص ذلك ،وقد عرفنا كثري ًا من األدلة عىل ذلك.
وهنا نريد زيادة بيان معنى «اإلسالم واإليامن».
اإلسالم واإليامن :
10
اخلالل احلميدة يعني االنقياد والطاعة وتلك من أظهر الصور املعربة عن اإلسالم ،كام يستحيل ظهورها
ال وسلوكًا من غري تصديق .تلك ُ
األمور التي عرب هبا عن اإلسالم. عم ً
فقد عرفنا جواب الرسول ـ ﷺ ـ يف حديث جربيل ،كام سمى ـ عليه الصالة والسالم ـ ُأ ً
مورا أخرى
إيام ًنا ،كحسن اخللق ،والسامحة والصرب وحب الرسول ـ ﷺ ـ وحب األنصار ،واحلياء .وغري ذلك كثري
جدا .وهذا اإليامن هو التصديق الباطن ومل يأت ما خيصص اإليامن باألمور الباطنة .بل جاء ما يدل عىل
ً
أن األعامل الظاهرة تسمى إيام ًنا وبعضها مما قد أخرب عنه الرسول ـ ﷺ ـ بأنه اإلسالم فقد فرس اإليامن
لوفد عبدالقيس بام فرس به اإلسالم يف حديث جربيل ـ عليه السالم ـ وكام يف حديث ُش َعب اإليامن
وقوله « :أعالها قول ال إله إالَّ اهلل ...وأدناها إماطة األذى عن الطريق» مع ما بينهام من أعامل ظاهرة
وباطنة .ومعلوم أنه مل يرد أن هذه األعامل تكون إيام ًنا باهلل ـ تعاىل ـ بدون إيامن القلب كام قد ورد يف كثري
من النصوص الرشعية من رضورة إيامن القلب ،فالشعائر الظاهرة مع تصديق القلب هو اإليامن ،فاسم
اإلسالم يتناول تصديق القلب ،ويتناول األعامل ،فذلك كله استسالم هلل ـ تعاىل ـ.
11
وال يستكمل اإلنسان اإليمان واإلسالم الواجبين عليه إالَّ بامتثال األوامر واالبتعاد عن النواهي كما
ال يلزم على الكمال بلوغ الغاية الختالف الدرجات في زيادة األعمال من النوافل وزيادة التصديق.
والله أعلم.
األســـــــئــلــة
12
وشـــــــعــــبـه
َ اإليـــمــــــان
َ َ
أركـــــــان
والدليل عىل هذا جواب الرسول ـ ﷺ ـ حني سأله جربيل ـ عليه السالم ـ عن اإليامن قال « :أن
تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(.)1
ب اإليامن :خصاله املتعددة وهي والش ْع َبة :الفرقة والطائفة من اليشءُ .
وش َع ُ ب :مجع ُش ْع َبةُّ ،
والش َع ُ
ُّ
كثرية تزيد عىل اثنتني وسبعني ُش ْعب ًة ،فقد جاء يف احلديث أهنا بضع وسبعون ُش ْعب ًة.
والبضع يف العدد :ما بني االثنني والعرشة.
ودليل عدد ُش َع ِ
ب اإليامن ما روى مسلم بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال « :اإليامن بضع
وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول ال إله إالَّ اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق»(.)2
وقد بينَّ الرسول ـ ﷺ ـ أن أفضل هذه اخلصال التوحيد املتعني عىل كل أحد ،والذي ال يصح يشء
الش َعب إالَّ بعد صحته ،وأدناها إزالة ما يتوقع رضره باملسلمني ،من إماطة األذى عن طريقهم .وبني
من ُ
هذين الطرفني أعداد من الشعب .كحب الرسول ـ ﷺ ـ وحب املرء ألخيه كام حيب لنفسه واجلهاد وغري
( )1صحيح اإلمام مسلم 37/1 :وانظري صحيح البخاري . 20 ، 19/1 :
( )2صحيح اإلمام مسلم . 63/1 :
13
ذلك كثري ،ومل يرد الترصيح بخصال اإليامن كلها .فاجتهد العلامء يف عدها فذكرها احلليمي صاحب
املنهاج سبع ًا وسبعني ،وعدها احلافظ أبو حاتم ابن حبان تسع ًا وسبعني.
ب اإليامن املتعددة بعضها دعائم وأصول يزول اإليامن بزواهلا مثل إنكار اإليامن باليوم اآلخر
()1
وش َع ُ
ُ
نقصا يف اإليامن أو فسق ًا .مثل عدم إكرام
وبعضها فروع قد ال يزول اإليامن بزواهلا ،وإن كان يوجب تركها ً
اجلار( )2وقد جيتمع يف اإلنسان شعب إيامن ،وشعب نفاق ،فيستحق بشعب النفاق العذاب وال خيلد يف
النار ملا يف قلبه من اإليامن ومن هذه حاله ال يستحق اسم اإليامن املطلق املعلق به الوعد باجلنة والرمحة يف
اآلخرة والنجاة من العذاب مع تفاوت أصحاب هذا اإليامن املطلق يف درجاهتم .واهلل أعلم.
األســـــــئــلــة
14
اإليــــمــان
َ ُ
ــــواقـــضَن
1ـ إنكار الربـوبيـة أو شـيء من خـصـائصـها ،أو إدعاء شـيء منها أو تصـديــق املـدعـي لـذلك.
يـقـول اهلل تـعـاىل ﴿ :
﴾(.)1
2ـ االسـتـنكاف ،واالستـكـبار عن عـبـادة اهلل تعاىل قال اهلل تعاىل ﴿ :
﴾(.)2
﴾(.)3
15
ويقـول اهلل تعـاىل ﴿ :
﴾(.)1
4ـ جحد يشء مما أثبته اهلل ـ تعاىل ـ لنفسه أو أثبته له رسوله ـ ﷺ ـ ،وكذلك من جيعل ملخلوق شي ًئا
من الصفات اخلاصة باهلل كعلم اهلل وأيضا إثبـات يشء نفاه اهلل ـ تعاىل ـ عن نفـسـه أو نفاه عنـه
رسـوله ـ ﷺ ـ .يقول اهلل ـ تعاىل ـ خماط ًبا رسـوله ـ ﷺ ـ ﴿ :
﴾(.)2
﴾(.)5
6ـ اعتقاد عدم كامل هدي الرسول ـ ﷺ ـ أو جحود ما أنزل اهلل من احلكم الرشعي عليه ،أو اعتقاد
أن حكم غريه أحسن منه أو أتم أو أشمل حلاجة البرش ،أو اعتقاد مساواة حكم غري اهلل ـ تعاىل ـ
( )2سورة اإلخالص :اآليات (.)4 ، 1 ( )1سورة الرعد :آية (.)14
( )4سورة مريم :آية (.)65 ( )3سورة األعراف :آية (.)180
( )5سورة فاطر :اآليتان ( 25ـ .)26
16
حلكــم اهلل ورســوله .أو اعـتـقاد جــواز احلكـم بـغــري ما أنـزل اهلل ـ تعــاىل ـ يقول اهلل تعـاىل :
﴿
﴾(.)1
7ـ عدم تكفري املرشكني ،أو الشك يف كفرهم ،ألن هذا شك ،فيام جاء به الرسول ـ ﷺ ـ يقول اهلل ـ
﴾(.)4 تعاىل ـ ﴿ :
8ـ االستهزاء باهلل تعاىل ،أو بالقرآن الكريم ،أو بالدين ،أو بالثواب والعقاب أو نحو ذلك .أو
جـدا ،يقـول
مـزاحا أم ً
ً االسـتـهـزاء بالرســول ـ ﷺ ـ أو بأحد من األنـبـيـاء .سواء أكان ذلك
تعـاىل ﴿ :
﴾(.)5
9ـ مظـاهرة املشـركـني ومعاونـتـهم عىل املسلمني يقول اهلل تعـاىل ﴿ :
﴾(.)6
( )2سورة النساء :آية (.)65 ( )1سورة النساء :آية (.)60
( )4سورة إبراهيم :آية (.)9 ( )3سورة املائدة :آية (.)44
( )6سورة املائدة :آية (.)51
( )5سورة التوبة :اآليتان (.)66 ، 65
17
10ـ اعتقاد أنه يسع أحـد ًا اخلـروج عن هـدي حمـمد ـ ﷺ ـ وال جيـب عليـه اتباعه .يقـول تعاىل :
﴾(.)1 ﴿
11ـ اإلعـراض عن ديـن اهلل ـ تعاىل ـ ال يتـعـلـمه وال يعمل به يقـول اهلل تعاىل ﴿ :
﴾(.)2
هذه من أبرز النواقض وهناك نواقض كثرية ترجع يف مجلتها إىل بعض ما ذكر من ذلك السحر،
وجحود القرآن أو يشء منه ،أو الشك يف إعجازه ،أو امتهان املصحف أو جزء منه ،أو حتليل يشء جممع
عىل حتريمه كالزنا ورشب اخلمر .أو الطعن يف الدين أو سبه .نعوذ باهلل من الضالل .واهلل أعلم.
األســـــــئــلــة
18
ُحكم ُمرتَكب الكــبرية
فالكـبــــــرية :
هي كل ذنب ترتب عليه حد يف الدنيا أو أوعد اهلل عليه بنار أو لعن أو غضب .وقيل إن الكبرية :هي
كل معصية يقدم املرء عليها متهاو ًنا بارتكاهبا ومتجرئًا عليها .ومثال الكبرية ما ذكر يف حديث عن أيب
هريرة (ريض اهلل عنه) عن النبي ﷺ قال « :اجتنبوا السبع املوبقات ،قالوا :وما هن ؟ قال :الرشك باهلل،
والسحر ،وقتل النفس التي حرم اهلل إالَّ باحلق ،وأكل الربا ،وأكل مال اليتيم ،والتويل يوم الزحف ،وقذف
املحصنات املؤمنات الغافالت»(.)1
والصـغـــــرية :
هي كل ذنب ليس فيه حد يف الدنيا وال وعيد خاص يف اآلخرة .وقيل إن الصغرية :هي كل معصية
حتصل غفلة وال ينفك صاحبها عن ندم ينقص تلذذه باملعصية .ومثال الصغرية ،ما روى أبو هريرة (ريض
ب عىل ابن آدم نصيبه من الزنى .مدرك ذلك ال حمالة ،فالعينان زنامها النظر، ِ
اهلل عنه) أن النبي ﷺ قال « :كُت َ
واألذنان زنامها االستامع ،واللسان زناه الكالم ،واليد زناها البطش ،والرجل زناها اخلطا ،والقلب هيوى ُ
ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»( .)2ويدل عىل تقسيم الذنوب إىل كبـائر وصغائر قول اهلل تعاىل :
﴾(.)3 ﴿
﴾(.)4 وقول اهلل تعاىل ﴿ :
19
روي عن عمر وابن عباس وغريمها ـ ريض اهلل عنهم ـ ( :ال كبرية مع استغفار ،وال صغرية مع إرصار).
أن مرتكب الكبرية ال يكفر هبا إذا كان من أهل التوحيد واإلخالص ،بل هو مؤمن بإيامنه فاسق
بكبريته حتت مشيئة اهلل ـ تعاىل ـ إن شاء عفا عنه ،وإن شاء عذبه بالنار عىل ما كان من العمل ثم خيرجه
منها فال خيلده فيها ،خال ًفا لغالة الفرق الضالة يف ذلك وهم :
( )1املرجئة :وهم القائلون :بأنه ال يرض مع اإليامن معصية كام ال ينفع مع الكفر طاعة.
( )2املعتزلة :وهم الذين يقولون بأن مرتكب الكبرية ال مؤمن وال كافر ،بل هو يف منزلة بني املنزلتني،
وإذا خرج من الدنيا من غري توبة فهو من املخلدين يف النار.
( )3اخلوارج :وهم القائلون بأن مرتكب الكبرية كافر خملد يف النار.
﴾ (.)1
وجه االستدالل :أثبت اهلل تعاىل اإليامن ملرتكبي معصية االقتتال من املؤمنني .والباغي من بعض
الطوائف عىل بعض ،وجعلهم أخوة .وأمر ـ تعاىل ـ املؤمنني باإلصالح بني إخوهتم يف اإليامن.
20
2ـ روى مسلم بسنده عن أيب سعيد اخلدري ـ ريض اهلل عنه ـ ،أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال « :يدخل
اهلل أهل ِ
اجلنة اجلن َة ،يدخل من يشاء برمحته ،ويدخل أهل النَّ ِ
ار النَّ َار .ثم يقول :انظروا من وجدتم يف قلبه
مثقال حبة من خردل من إيامن فأخرجوه .فيخرجون منها محماً قد امتحشوا( )1فيلقون يف هنر احلياة ،أو
احليا( )2فينبتون فيه كام تنبت احلبة إىل جانب السبل .أمل تروها كيف خترج صفراء ملتوية»(.)3
وجه االستدالل يف احلديث :عدم ختليد أصحاب الذنوب يف النار حيث خيرج منها من يف قلبه أدنى
اإليامن ،وال يكون اإليامن هبذا القدر إالَّ باملعايص فع ً
ال للمنهيات أو تركًا للواجبات.
األســـــــئــلــة
21
اإليـمـــان
َ املــعــصـــية َعـلـى
َ أثـر
الــمـــعـــــصـــــيــة :
هي خالف الطاعة سواء كان تركًا ألمر أو ارتكا ًبا لنهي .واإليامن كام سبق معرفة ذلك؛ بضع
وسبعون شعبة أعالها قول ال إله إالَّ اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق .فليست شعبه عىل حد سواء
ال وتركًا ،وعىل هذا ختتلف املعصية التي هي اخلروج عن الطاعة فإذا كانت جحو ًدا وقدرا ،وفع ً
ً عظماً
﴾(.)1 وتكذي ًبا فهي ناقضة لإليامن كام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن فرعون بقوله ﴿ :
وقد تكون فيام دون ذلك فال حيصل هبا خروج من اإليامن ولكنها تقدح يف كامله بالنقص والتشويه فمن
أتى الكبائر كالزنا والرسقة ورشب اخلمر ونحو ذلك غري معتقد ِح ّلها ذهب ما يف قلبه من اخلشية واخلشوع
والنور ،وإن بقي أصل التصديق يف قلبه فإن أناب إىل اهلل ـ تعاىل ـ ،وعمل الصاحلات رجع إىل قلبه نوره
وخشيته ،وإن متادى يف املعايص زاد الرين( )2عىل قلبه إىل أن خيتم عليه والعياذ باهلل فيصبح ال يعرف معرو ًفا
منكرا روى اإلمام أمحد وغريه عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :إن وال ينكر ً
املؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء يف قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ،وإن زاد زادت حتى يعلو
﴾(.)4(»)3 قلبه ذاك الرين الذي ذكر اهلل ـ عز وجل ـ يف القرآن ﴿ :
تصويرا ألثر املعصية عىل اإليامن هو :أن اإليامن كدوحة كبرية ،فجذورها التصديق
ً وهناك مثال يعطي
وبه حياهتا .وفروعها األعامل وهبا بقاؤها وحياهتا أيضا.
فكلام زادت الفروع ازدانت وكملت ،وإذا نقصت تشوهت فلو استمر نقصها إىل أن مل يبق فيها
فرع وال ساق ،ذهب مسامها .فإن مل خترج جذورها سيقا ًنا وفرو ًعا وتورق يبست اجلذور وتفتتت يف
وخدشا يف كامله ومجاله بحسبها قلة وكثرة
ً نقصا منه
الرتبة .وكذلك املعايص بالنسبة لدوحة اإليامن حتدث ً
وكربا .واهلل أعلم.
وصغرا ً
ً
والدنس.
( )2الرين :الطبع ّ
( )1سورة النازعات آية (.)21
( )4مسند اإلمام أمحد . 297/2 : ( )3سورة املطففني آية (.)14
22
اإليـــمـــان بالــغــــيــب
َ
الغيب مصدر يستعمل يف كل غائب عن احلاسة ،علم أو مل يعلم .واإليامن بالغيب ،أي بام ال يقع حتت
احلواس ،وال يدرك ببداهة العقول ،إنام يعلم بخرب األنبياء عليهم الصالة والسالم.
واإليمان بالغيب من صـفـات المـؤمن كما قال تعالى ﴿ :
﴾(.)1
وقيل يف معنى إيامهنم رأيان :
أ ـ أهنم يؤمنون بام كان غائ ًبا عن احلـاســة ،مما جــاء اخلــرب به عن اهلل تعـاىل وعن رســله ـ عليهم
الصـالة والسـالم ـ.
ب ـ أهنم يؤمنون باهلل ـ تعاىل ـ حال الغيب كام يؤمنون به حال احلضور بخالف املنافقني .وال منافاة
بني املعنيني فالبد من األمرين يف املؤمن.
23
الدنيوي من الناس كــام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن عبــاده املطـعمني الطــعام مع حبـهم له بقـوله عنـهم :
﴾(.)1 ﴿
ب ـ القوة في الحق ـ ما وعد به أهل اإليمان يجعل المرء يسير في امتثال أوامر الله ـ تعالى ـ ،وبيان
الم ِعين فهو قوي بالله ـ تعالى ـ تهون ِ
الحق والدعوة إليه وبيان الباطل والتحذير منه ومحاربته ،وإن َعدم ُ
عليه الحياة الدنيا وعذابها بجانب الحيـاة اآلخرة .وقـد أخـبـر الله ـ تعـالى ـ عن خـلـيـله إبراهيم ـ
عليـه السالم ـ قـوله لقـومه﴿ :
﴾(.)2
وكام أخرب عن سحرة فرعون ملا آمنوا كيف استهانوا بتعذيب فـرعون هلم وقـالوا فيـام أخـرب اهلل ـ
تعاىل ـ عنهم ﴿ :
﴾(.)3
جـ ـ احتقار املظاهر الدنيوية وهذا يكون نتيجة عمران القلب باإليامن بزوال الدنيا وملذاهتا ،وأن
احلياة اآلخـرة هي حياة البقاء والسـعادة وليس من العـقل إيثـار الفـاين عىل البـاقي ،يقـول اهلل تعـاىل :
﴾(.)4 ﴿
وأخرب ـ سبحانه وتعاىل ـ عن امرأة فرعون التي استهانت بام هي فيه من متاع احلياة الدنيا ،وطلبت
النجاة من فرعون وعمله ابتغاء الدار اآلخرة ملا استنار قلبها بنور اإليامن باهلل ـ تعاىل ـ والدار اآلخرة
24
بـقـولـه ﴿ :
﴾(.)1
د ـ ذهاب الغل واألحقاد ـ إن السعي لتحقيق رغبات النفوس بغري طرقها الصحيحة يورث الغل
واألحقاد بني الناس ،واإليامن بالغيب من وعد اهلل ـ تعاىل ـ ووعيده جيعل املرء حماس ًبا لنفسه يف مجيع
ترصفاته طم ًعا يف الثواب وخو ًفا من العقاب ،واإليامن الصادق بتحقق الثواب جيعل النفس املؤمنة
مندفعة إىل اإلحسان واإليثار طم ًعا يف الثواب الباقي ،األمر الذي تصفو معه النفوس وتسود املحبة بني
األفراد واجلامعات كام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن الذين امتثلوا ذلك بقوله ﴿ :
﴾(.)2
تلك بعض آثار اإليامن بالغيب ،وال تتخلف إالَّ بضعف اإليامن ،وإذا اختلفت أصبح املجتمع حيوان ًيا
يأكل ح ُّي ُه م ِّي َته ،ويقهر قو ّيه ضعي َفه ،فيعم اخلوف وينترش البالء وتتخلف الفضيلة وتسود الرذيلة ،أعاذنا
اهلل من ذلك.
25
األســـــــئــلــة
26
اإليــمــــان
َ أركــــان الفصل الثاين :
ولدا ،وهو رب كل يشء ومليكههو االعتقاد اجلازم بأن اهلل ـ تعاىل ـ واحد أحد فرد صمد مل يتخذ صاحبة وال ً
ليس له رشيك يف امللك هو اخلالق ،الرازق ،املعطي ،املانع ،املحيي املميت املترصف يف مجيع شؤون اخللق.
وهو املستحق للعبادة وحده دون سواه بجميع أنواعها من اخلضوع ،واخلشوع ،واخلشية ،واإلنابة،
والقصد ،والطلب ،والدعاء ،والذبح ،والنذر ونحو ذلك.
ومن اإليامن باهلل ،اإليامن بام أخرب به عن نفسه يف كتابه الكريم ،أو أخرب به عنه رسوله ـ ﷺ ـ ،من
األسامء والصفات ،وأنه متفرد هبذا عن مجيع املخلوقات وأن له الكامل املطلق يف ذلك كله ،إثبا ًتا بال متثيل
وتنزهيا بال تعطيل .كام أخرب عن نفسه ـ تبارك وتعاىل ـ بقوله ﴿ :
ً
﴾(.)1
هذا واآليات القرآنية واألحاديث النبوية الدالة عىل معنى اإليامن وطلبه يطول حرصها .وباهلل التوفيق.
األســـــــئــلــة
س : 1هل االعرتاف بالربوبية داخل يف اإليامن ؟ و َلمِا َذا ؟
س : 2هل ينايف اإليامن إخراج شؤون احلياة عن حكم اهلل ـ تعاىل ـ ؟ مع االستدالل عىل ما تقولني.
س : 3ما معنى العبادة ؟
س : 4هل طلب النفع من أحد سوى اهلل ـ تعاىل ـ خيالف اإليامن باهلل ـ تعاىل ـ ؟ و َلمِا َذا ؟
س : 5ما معنى اإليامن بأسامء اهلل وصفاته ؟
س : 6هل اعتقاد مساواة أحد هلل ـ تعاىل ـ يف يشء من أسامئه أو صفاته خمل باإليامن ؟ مع التعليل .
( )1سورة األنعام :اآليتان (.)102 ، 101
27
اإليــــمــــان بالمـــــــالئــــــكــــة
َ ثاني ًا :
1-تعــــــريـفـــــهـم
لغة :املالئكة مجع م َل ْك .بفتح الالم ،قيل إنه مشتق من األلوكة وهي الرسالة ،وقيل من ألك إذا
أرسل .وقيل غري ذلك.
واصطالحا :هم نوع من خملوقات اهلل ـ عز وجل ـ خلقهم جمبولني عىل طاعته وعبادته ،قائمون
ً
بوظائفهم كام بـني ذلك ـ سـبحانه وتعاىل ـ بقوله ﴿ :
()1
﴾
﴾(.)2 وقوله عنهم ﴿ :
مل يكن وجود املالئكة حمل نزاع بني القدماء من الناس ،كام مل يعرف عن أحد من أهل اجلاهلية إنكارهم
مع االختالف يف طرق إثباهتم ونوعه بني أتباع األنبياء وغريهم.
وكان املرشكون يزعمون أهنـم بنـات اهلل ـ تبـارك وتـقـدس ـ وقـد رد اهلل تعـاىل علـيـهم هذا وبني
عـدم علـمـهـم بذلك بـقـوله ﴿ :
﴾(.)3
28
وبــقـولـه ﴿ :
﴾(.)1
3-اإليـــــمــــــانُ بـــهــــم
اإليامن باملالئكة هو الركن الثاين من أركان اإليامن ،ومعنى ذلك :التصديق اجلازم بأن هلل ـ تعاىل ـ
مالئكة موجودين خملوقني من نور ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
جـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ جواب ًا جلربيل حينام سأله عن اإليامن « :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه
ورسله ،واليوم اآلخر ،وتؤمن بالقدر خريه ورشه»( )5فجعل صلوات اهلل وسالمه عليه اإليامن :هو
اإليامن بجملة ما ذكر .واإليامن باملالئكة بعض ذلك .فوجودهم ثابت بالدليل القطعي ،وإنكارهم
كفر بإمجاع املسلمني ألن عدم اإليامن هبم خمالفة لرصيح القرآن والسنة.
( )2سورة البقرة آية (.)285 ( )1سورة الصافات :اآليات ( .)152 ، 151 ، 150
( )4سورة النساء آية (.)136 ( )3سورة البقرة آية (.)177
( )5صحيح اإلمام مسلم . 37/1انظري صحيح البخاري . 20 ، 19/1
29
4-أنواع املالئكة وأعامهلم
املالئكة عباد مكرمون وسفرة مؤمتنون خلقهم اهلل ـ تعاىل ـ لعبادته وليسوا بنا ًتا هلل وال أوال ًدا وال
رشكاء معه ،وال أندا ًدا ،ال يعلم عددهم إالَّ اهلل ـ تعاىل ـ حيملون رساالت رهبم ،ويؤدون أعامهلم يف العامل،
لكل نوع منهم عمل ،ومنهم :
أ ـ املوكل بالوحي من اهلل ـ تعاىل ـ إىل رسله ـ عليهم الصالة والسالم ـ وهو الروح األمني ـ جربيل
﴾( )1وقد وصـف عليه السـالم قـال تعـاىل ﴿ :
اهلل ـ تعاىل ـ رسوله جربيل ـ عليه السالم ـ يف معـرض تبـليـغه القــرآن بصفات هي غاية يف الثناء،
﴾(.)2 إذ يقول ﴿ :
ب ـ ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه ـ على مراد الله ـ تعالى ـ يدل على هذا ما روى مسلم في
صحيحه بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ ﷺ ـ قال « :بينا رجل بفالة من األرض
()3
أسق حديقة فالن فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة فسمع صو ًتا في سحابة ِ :
من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ...الحديث»( .)4وهذا يعني تصريف المطر من قبل
المالئكة على مراد الله ـ تعالى ـ.
بالصور( ،)5وهو إســرافيـل ـ عليـه الســالم ـ وهو الذي ينفخ فيه بأمر اهلل ـ تعاىل ـ
جـ ـ املوكل ُّ
ثــالثة نـفـخـــات نفـخــة الفــزع ونفــخة الصـعق .ونفخة البعث .ذكر هذا ابن جرير وغريه
30
من املفسـرين عنـد تفســري قوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾( )2وغيرهما مما ورد فيه ذكر النفخ في ﴾(﴿ .)1
الصور.
د ـ ومنهم املوكل بقبض األرواح ،وهو ملك املوت وأعوانه قال ـ تعاىل ـ عن تويل املالئكة ذلك
﴾(.)3 األمر﴿ :
﴾(.)5
و ـ خزنة جهنم ـ وهم الزبانية ،ورؤساؤهم تسعة عشر ومقدمهم مالك ـ عليه السالم ـ يدل على
ذلك قـول الله ـ تعـالى ـ في وصـف ســقـر ﴿ :
﴾( .)6وقال تعــالى حــكاية عـن أهــل الــنـار :
﴾(.)7 ﴿
ز ـ املوكلون بحفظ العبد يف مجيع أحواله وهم « :املعقبات» كام أخـرب اهلل ـ تعاىل ـ عن ذلك بقـوله :
﴿
﴾(.)8
( )2سورة الكهف آية (.)99 ( )1سورة األنعام آية (.)73
( )4سورة األنعام آية (.)61 ( )3سورة السجدة آية (.)11
( )6سورة املدثر :اآليات (.)31 ، 27 ( )5سورة الزمر :آية (.)73
( )8سورة الرعد :اآليتان (.)11 ، 10 ( )7سورة الزخرف :آية ( .)77
31
﴾(.)1 وقال ـ تعاىل ـ ﴿ :
حـ ـ الموكلون بحفظ عمل العبد من خير وشر وهم الكرام الكاتبون وهم داخلون في مسمى
الحـفـظـة ،كما أخـبر الله ـ تعالى ـ عنـهم بقوله ﴿ :
﴾(.)2
واآليات ()4
﴾ وقال اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
جدا.
واألحاديث يف ذكر الكرام الكاتبني كثرية ً
وكل اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ املالئكة بأصناف املخلوقات ومنها اإلنسان ،فلهم عالقة وثيقة به من
حني كونه نطفة ،ذكر هذه العالقة اإلمام ابن القيم يف كتابه «إغاثة اللهفان» فقال « :فإهنم موكلون
بتخليقه (أي اإلنسان) ونقله من طور إىل طور ،وتصويره ،وحفظه يف أطباق الظلامت الثالث ،وكتابة
رزقه وعمله ،وأجله وشقاوته وسعادته ،ومالزمته يف مجيع أحواله ،وإحصاء أقواله وأفعاله ،وحفظه
يف حياته ،وقبض روحه عند وفاته ،وعرضها عىل خالقه وفاطره ،وهم املوكلون بعذابه ونعيمه يف
الربزخ وبعد البعث ،وهم املوكلون بعمل آالت النعيم والعذاب ،وهم املث ِّبتون للعبد املؤمن بإذن اهلل،
واملع ِّلمون له ما ينفعه واملقاتلون الذابون عنه ،وهم أولياؤه يف الدنيا واآلخرة وهم الذين يعدونه باخلري،
ويدعونه إليه ،وينهونه عن الرش وحيذرون منه ،فهم أولياؤه وأنصاره ،وحفظته ومعلموه ،وناصحوه،
( )2سورة الزخرف :آية (.)80 ( )1سورة األنعام :آية (.)61
( )4سورة االنفطار :اآليات ( 10ـ .)12
( )3سورة ق :اآليتان (.)18 ، 17
32
والداعون له ،واملستغفرون له ،وهم الذين ُي َص ُّلون عليه ما دام يف طاعة ربه ،و ُي َص ُّلون عليه ما دام ُي َع ِّلم
الناس اخلري ،ويبرشونه بكرامة اهلل ـ تعاىل ـ يف منامه ،وعند موته ،ويوم بعثه ،وهم الذين يزهدونه يف
الدنيا ،ويرغبونه يف اآلخرة ،وهم الذي ُي َذكِّرونه إذا نيس ،و ُينَ ِّشطونه إذا كسل ،و ُي َث ِّبتونه إذا جزع ،وهم
تتنزل
الذين يسعون يف مصالح دنياه وآخرته فهم رسل اهلل يف خلقه وأمره ،وسفراؤه بينه وبني عبادهَّ ،
باألمر من عنده يف إقطار العامل ،وتصعد إليه باألمر»( )1وأدلة كل ما ذكر من القرآن والسنة يطول املقام
بذكرها وهي معروفة مشتهرة.
األســـــــئــلــة
33
ـــــان بالـكـــــتـب
ُ اإليــــم
َ ثالث ًا :
1ـــ الــتعــــــــريـــــف
الكتب ،لغة :مجع كتاب ،والكتاب مصدر سمي به املكتوب فيه ،وهو يف األصل اسم للصحيفة مع
املكتـوب فيها.
ورش ًعا :كالم اهلل ـ تعاىل ـ املوحى إىل رسله ـ عليهم الصالة والسالم ـ ليبلغوه للناس ،املتـع َّبد بتالوته.
بـــهـــا
اإليــمـــــــــان َ
َ 2ــــ
اإليامن بكتب اهلل ـ تعاىل ـ ركن من أركان اإليامن .أي التصديق اجلازم بأن هلل ـ تعاىل ـ كت ًبا أنزهلا
عىل رسله إىل عباده باحلق املبني واهلدي املستبني .وأهنا كالم اهلل ـ عز وجل ـ تكلم هبا حقيقة كام شاء
﴾( .)1واإليامن هبا عىل الوجه الذي أراد ،قال تعاىل ﴿ :
واجب إمجاالً فيام أمجل وتفصيلاً فيها فصل.
﴾(.)2
34
وجه االستدالل من اآلية :أن اهلل ـ تعاىل ـ أمر املؤمنني أن يؤمنوا به وبام أنزل عليهم بواسطة نبيهم
حممد ـ ﷺ ـ وهو القرآن الكريم ويؤمنوا بام أنزل عىل النبيني من رهبم من غري تفريق بني أحد منهم انقيا ًدا
هلل ـ تعاىل ـ وتصدي ًقا خلربه.
﴾(.)1
اشتملت اآلية الكريمة عىل بيان صفة إيامن الرسول ـ ﷺ ـ واملؤمنني وبيان ما أمروا به من اإليامن
باهلل ـ تعاىل ـ وباملالئكة وبالكتب وبالرسل من غري تفريق .فالكفر بالبعض كفر هبم مجي ًعا.
جـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)2
وجه االستدالل من اآلية :أن اهلل ـ تعاىل ـ أمر باإليامن به وبرسوله وبالكتاب املنزل عىل الرسول ـ
ﷺ ـ القرآن ،وبالكتب املنزلة من قبل القرآن .وقرن ـ سبحانه وتعاىل ـ الكفر باملالئكة وبالكتب وبالرسل
وباليوم اآلخر بالكفر به تعاىل.
د ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ يف حديث جربيل حني سأله عن اإليامن « :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه
ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(.)3
فجعل الرسول ـ ﷺ ـ اإليامن بكتب اهلل ـ تعاىل ـ أحد أركان اإليامن.
( )2سورة النساء :آية (.)136 ( )1سورة البقرة :آية (.)285
( )3صحيح مسلم ، 37/1 :انظري صحيح البخاري . 20 ، 19/1 :
35
ثانيا :وجوب اإليامن بالكتب تفصيلاً :
ً
جيب اإليامن عىل وجه التفصيل بام سمى اهلل ـ تعاىل ـ لنا من كتبه القرآن الكريم وما سبقه مما جاء
النص بذكره وهي :
أ ــــ صحف إبراهيم وموسى ـ عليـهـام السـالم ـ كام قال تعاىل ﴿ :
ب ــــ التوراة وهي كتاب هّالل ـ تعاىل ـ الذي أنزل عىل موسى ـ عليـه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ :
﴾(.)4
جـ ــــ الزبور وهـــو كـتاب ال ّله ـ تعاىل ـ املنزل عىل داود ـ عليه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ :
﴾(.)5 ﴿
د ــــ اإلنجيل وهو كتاب هّالل ـ تعاىل ـ املنزل عىل عيسى ـ عليه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ :
﴿
﴾(.)6
36
واإليمان بهذه الكتب التي أخبرنا الله ـ تعالى ـ عنها في القرآن الكريم واجب على وجه الخصوص
بأن كلاً منها كتاب الله ـ تعالى ـ فيه النور والهدى أنزله على من ذكر من رسله وكلها داعية كما دعا
القرآن الكريم إلى إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة وحده فهي متفقة في األصـول وإن اخـتلـفـت في
﴾(.)1 الشـرائع قال ـ تعـالى ـ ﴿:
﴾( )2وبين وقال تعـالى ﴿ :
القرآن الكريم أن الرسل ـ عليهم الصالة والسالم ـ دعوا قومهم إلى ذلك يقول تعالى حاك ًيا لنا قولهم:
﴾(.)3 ﴿
ويقول الرسول ـ ﷺ ـ « :األنبياء أخوة لعالت( ،)4أمهاهتم شتى ودينهم واحد»( .)5ومعنى احلديث
أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد ،وإن اختلفت فروع الرشائع .واهلل أعلم.
إن ما يف أيدي أهل الكتاب بام يسمونه التوراة واإلنجيل هو بال شك مما ال تصح نسبته كله إىل أنبياء
اهلل ـ تعاىل ـ فال يقال :إن التوراة املوجودة هي التي أنزلت عىل موسى ـ عليه السالم ـ ،وال أن األناجيل
املوجودة هي اإلنجيل املنزل عىل عيسى ـ عليه السالم ـ فليسا مها اللذان أمرنا باإليامن هبام عىل وجه
التفصيل ،وال يصح اإليامن بيشء مما فيهام عىل أنه كالم اهلل تعاىل إالَّ ما جاء يف القرآن الكريم منسو ًبا
إليهام ،ومها كتابان منسوخان ،ونسخهام القرآن الكريم .وقد ذكر ـ سبحانه وتعاىل ـ وقوع التحريف فيهام
يف مواضع من كتابه :قال اهلل تعاىل ﴿ :
﴾(.)6
( )2سورة األنبياء :آية (.)25 ( )1سورة النحل :آية (.)36
( )4العالت :الرضائر ـ بمعنى أخوة ألب.
( )3سورة األعراف :اآليات (.)85 ، 73 ، 65
( )6سورة البقرة آية (.)75 ( )5انظري صحيح اإلمام مسلم . 1837/4
37
وقال اهلل تعاىل ﴿ :
﴾(.)1
ومن حتريف أهل الكتاب لدينهم نسبتهم الولد هلل ـ تعاىل وتقدس ـ قال اهلل تعاىل ـ مكذ ًبا مقولتهم:
﴿
﴾(.)2
وكذلك تأليه النصارى لعيسى ابن مريم ـ عليه السالم ـ ،وقوهلم إن اهلل ثالث ثالثة .يقول ـ تعاىل ـ :
﴾( ،)3ويقول سبحانه ﴿ : ﴿
﴾(.)4
وحيث أخرب تعاىل أهنم حيرفون كالمه ،وقد نسوا حظا مما ذكروا به ،ونسبوا هلل ما يتنزه عنه من الولد،
والهّ وا معه سواه إىل غري ذلك مما أدخلوه يف كتبهم فال تصح معه نسبة هذه الكتب إىل اهلل ـ تعاىل ـ ،وهناك
ما يؤيد عدم صحة هذه النسبة إىل اهلل ـ تعاىل ـ مع ما رصح به القرآن الكريم.
( )1سورة املائدة :اآليات ( 13ـ .)15
( )2سورة التوبة :آية (.)30
( )3سورة املائدة :آية (.)72
( )4سورة املائدة :آية (.)73
38
ومن ذلك ما ييل :
أ ـ أن ما يف أيدي أهل الكتاب من كتب يزعمون أهنا مقدسة ليست نسخً ا أصلية وإنام هي ترامجها.
ب ـ أن هذه الكتب قد اختلط فيها كالم اهلل ـ تعاىل ـ بكالم غريه من املفرسين واملؤرخني ،ومستنبطي
األحكام ونحو ذلك.
جـ ـ عدم صحة النسبة فيها إىل الرسول الذي نسبت إليه فليس هلا سند موثوق ،فالتوراة دونت بعد
موسى ـ عليه السالم ـ بقرون عديدة .وأما األناجيل فهي منسوبة إىل مؤلفيها ،وقد اختريت من
أناجيل متعددة.
د ـ تعدد نسخها وتناقضها فيام بينها مما يدل داللة قاطعة عىل حتريفها.
هـ ـ اشتامهلا عىل عقائد فاسدة يف تصور اخلالق ووصفه بام يتضمن النقص ،وكذلك وصف الرسل
الكرام بام يتنزهون عنه ،وهلذا فالواجب عىل املسلم اعتقاده أن كتب العهدين ،العهد القديم
والعهد اجلديد ،ليس كل ما فيها قد أنزله اهلل عىل رسله بل هي مما كتبوه فال نصدق منها إالَّ ما
صدقه القرآن الكريم أو السنة املطهرة ،ونكذب ما كذبه القرآن والسنة ومما اشتملت عليه من
الباطل .ونسكت عام مل يأت تصديقه أو تكذيبه الحتامله الصدق والكذب .واهلل أعلم.
الـقــرآن يف الـلـغـة :مصـــدر كالقــراءة ـ تـقـول قــرأت الكــتـاب قــراءة وقــرآنـا ،ومن ذلـك
﴾( )1أي قراءته ،ثم نقل هذا املصدر ،وجعل إسماً للكتاب املنزل قـوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
عىل حممد ـ ﷺ ـ ،فأصبح علـمـ ًا عليه دون غريه وسمي قرآ ًنا لكونه جام ًعا لثــمرة كــتب اهلل كلهـا ،كام
﴾(.)2 قال اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
39
ويف االصطالح :هو كالم اهلل ـ تعاىل ـ املعجز املنزل عىل رسوله حممد ـ ﷺ ـ وح ًيا ،املكتوب يف
متواترا بال
ً ال
املصاحف واملحفوظ يف الصدور ،واملقروء باأللسن ،واملسموع باآلذان ،املنقول إلينا نق ً
شبهة ،املتعبد بتالوته.
ب ــــ القرآن كالم هّ
الل تعاىل :
مذهب سلف األمة وأئمتها :إن القرآن كالم اهلل ـ تعاىل ـ بلفظه ومعناه ،منزل غري خملــوق سمعه
منه جربيل ـ عليه السالم ـ وبلــغـه إىل حمــمـد ـ ﷺ ـ وحمــمد ـ ﷺ ـ بلـغــه ألصــحـابه ،وهو
الذي نتـلو بألسنتنا ،ونكتب يف مصاحفنا ،ونحــفـظ يف صــدورنا ،ونســمع بآذاننا لقــوله تعـاىل:
﴾(.)1 ﴿
وملا روى البخاري ومسلم وغريمها عن عبداهلل بن عمر ـ ريض اهلل عنهام ـ أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ :
«هنى أن يسافر بالقرآن إىل أرض العدو»( )2ولقوله ـ ﷺ ـ « :زينوا القرآن بأصواتكم»(.)3
ففي اآلية الكريمة سمى اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ املسموع وهو املتلو عىل املرشكني من الرسول ـ ﷺ ـ كالم اهلل.
وفي الحديث األول سمى المكـتوب قـرآ ًنا .كمـا قـال عنـه ـ تعـالى ـ ﴿ :
﴾( .)4ويف احلديث الثاين سمى الرسول ـ ﷺ ـ املتلو قرآ ًنا.
( )2البخاري ،68/4 :مسلم . 1491 ، 1490/3 : ( )1سورة التوبة :آية (.)6
( )3مسند اإلمام أمحد . 283/4 :وانظري صحيح البخاري . 193/9 :
( )5سورة الشعراء :اآليات (.)195 ، 193 ( )4سورة الواقعة :اآليتان (.)78 ، 77
( )6سورة غافر :اآليتان (.)2 ، 1
40
يف اآليات النص الرصيح عىل أن القرآن منزل من عند اهلل تعاىل.
وال يصح القول بأن القرآن الكريم أو غريه من كتب اهلل ـ تعاىل ـ التي نزهلا عىل رسله خملوقة ألهنا كالمه،
وكالمه من صفاته ،وصفاته غري خملوقة.
واإليامن بكل ما ذكرنا عن القرآن الكريم واجب ،كام جيب اإليامن بأنه آخر كتاب نزل من عند اهلل ـ
ومؤيدا ملا جاء يف كتب اهلل ـ تعاىل ـ السابقة من احلق ومبينًا ما أدخل عليها من التحريف
ً تعاىل ـ جاء مصد ًقا
()1
﴾ كام قال تعاىل ﴿ :
وأنه جاء برشيعة عامة صاحلة لكل زمان ومكان ناسخة ملا سبقها من الرشائع .واجبة عىل من بلغته إىل
قـيـام السـاعة ال يقبل اهلل ـ تعاىل ـ من أحد ديـنًا سواها بعد نـزوهلـا كـام أخرب بذلك رسول اهلل ـ ﷺ ـ
بـقـولـه « :والذي نفس حممد بيده ال يسمع يب أحد من هذه األمة هيودي أو نرصاين ثم يموت ومل يؤمن
بالذي أرسلت به إالَّ كان من أصـحاب النار»( .)2وهـذا احلــديث صــريـح يف بيان أن ما جـاء بـه
حمـمـد ـ ﷺ ـ من الديـن ناسـخ ملا سـبـقه.
جـ ـــــ حفظ هّ
الل ــــ تعاىل ــــ للقرآن :
القرآن الكريم المنزل على خاتم األنبياء هو آخر كتب الله ـ تعالى ـ نزوالً إلى البشر .وهو ناسخ
ال على كل ما يلزمهم في الحياة الدنيا إلى قيام الساعة ويأخذ
لما سبقه من الشرائع .لهذا جاء مشتم ً
بأيديهم إلى السعادة في اآلخـرة إن هـم تبعوا تعاليمه وساروا على نهجه ،وقد تكـفل الله ـ تعالى ـ
﴾(.)3 بحـفـظه لتـقوم الحجة به عـلى الناس قال ـ تعالى ـ ﴿ :
41
فالقرآن الذي بني أيدينا اليوم هو املنزل عىل رسولنا حممد ـ ﷺ ـ بجملته وتفصيله مل متتد إليه يد
عابث ولن متتد إليه بل سيبقى كام ُأ ْن ِز َل إىل أن يرفع يف آخر الزمان فيه الداللة عىل اهلدى والنور ـ مرجع
الناس يف عقائدهم ورشائعهم يستنبطون من نصوصه األحكام لكل ما جيد يف حياهتم فهو الفصل وهو
حبل اهلل املتني وذكره احلكيم ورصاطه املستقيم ال تزيغ به األهواء وال تلتبس به األلسن .وقد بني
الرسول ـ ﷺ ـ هذا القرآن للناس بأقواله وأفعاله وتقريراته قال تعاىل ﴿ :
﴾(.)1
وقد بعث خاتم األنبياء حممد ـ ﷺ ـ يف وسط كثر اهتامم أهله بصناعة اللسان فناسب إتياهنم هبذا الكتاب
املبني الذي هو من جنس ما برعوا فيه فهو كالم عريب مبني لكنه القمة فصاحة وبالغة فوق مستوى مجيعهم
فأيقنوا أنه ليس يف مقدور البرش وكان له تأثري قوي يف نفوسهم إذا سمعوه ،ولكن الستيالء الباطل عىل
تلك النفوس حاولوا جاهدين عدم سامعه ومنع الرسول ـ ﷺ ـ من تالوته عىل الناس يف املجامع واملواسم
﴾(.)2 كام حكى اهلل ذلك عنهم بقوله ﴿ :
وقد غالط مرشكوا قريش أنفسهم بادعائهم أن القرآن ليس من عند اهلل تعاىل فتحداهم اهلل ـ تبارك
وتعاىل ـ بأن يأتوا بمثله وأخرب أهنم ال يستطيعون ذلك وهذا التحدي شامل هلم ولغريهم ممن زعم هذا
42
الزعم من إنس أو جن إىل قيام السـاعة فقال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)1
ثم إن اهلل ـ تعاىل ـ حتداهم باإلتيان بأقل من ذلك فطلب منهم اإلتيان بعرش سور مثله مفرتيات إن
كـان مـفـرتى كـام يـزعـمـون بـقـوله ﴿ :
﴾(.)2
ثم حتداهم بأقل من ذلك فطلب منهم اإلتيان بسورة واحدة فقط إن كان هذا القرآن مفرتى كام
﴾
()3
يزعمون بقوله ﴿ :
وكــرر سـبحانه تحدي من كان في ريـب من هذا القـــرآن وباإلتيان بسـورة واحدة وأكد عدم
اسـتـطاعـتـهم علـى ذلك بـقـوله ﴿ :
﴾(.)4
ومعلوم أن هذا التحدي يصدق بأقرص سورة من القرآن يكون إتياهنم هبا مصدقا لدعواهم ،وأقرص
السـور يف القرآن ثالث آيات .وهذا غايـة إلبطـال دعــواهم .يقـول ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)5
أي ملا هو عليه من الفصاحة والبالغة ،مما ليس هو من مقدور اخللق اإلتيان بمثله فهو معجزة خالدة
باقية أعجزت من كانوا يف الذروة من الفصاحة والبالغة فكيف بمن هم دوهنم ؟! كام أن القرآن الكريم
اشتمل عىل دالئل كثرية يصعب حرصها غري أوجه اإلعجاز املتحدى هبا من ذلك ما تضمنه من اإلخبار
43
عن األمور الغيبية ماضية ومستقبلة ،وبام فيه من أحكام تطبيقها حيقق السعادة يف الدارين ،كام أنه اشتمل
عىل لفت نظر اإلنسان إىل الكون وما فيه ،وإىل اإلنسان وتكوينه مما يدل داللة رصحية عىل أنه من لدن
حكيم خبري ال ختفى عليه خافية وهو عىل كل يشء قدير بيده اخلري وهو اخلالق العليم.
األســـــــئــلــة
44
بالـــر ُســـــل
ّ ــــان
ُ اإليـــــم
َ رابع ًا :
والر ُسول
1ــــ تعريف ال ّنبي ّ
الـنـبــي لـغــة :مشتق إما من نبأ وأنبأ باهلمز ،بمعنى أخرب فهو خمرب عن اهلل تعاىل .وخمرب من قبله تعاىل.
أو مشتق من نبا بترك الهـمـز ،بمـعـنى عـال وارتفع فهو أشـرف الخلق وأعالهم
منزلة ومكانة.
ويف االصطالح :إنسان حر ذكر نبأه اهلل تعاىل برشع سابق يعلمه من حوله من أصحاب هذا الرشع.
والرسـول لغـة :املتابع ألخبار من أرسله ،من قوهلم :جاءت اإلبل رسلاً ،أي متتابعة.
والــرســــول :اسم للرسالة ،وللمرسل.
واإلرســـــال :هو التوجيه.
وفي االصطالح :إنسان حر ذكر نبأه الله تعالى بشـرع و ُأمر بتبـليغه إلى من ال يعلمه أو خالفه ممن
أرسل إليـهم.
النـبـوة شــرط في الرسـالة فال يكون رسولاً من لم يكن نب ًيا ،فالنبوة أعم فكل رسول نبي وليس كل
نبـي رسـوالً.
وأيضا :الرسول محل رسالة إىل من ال يعلم دين اهلل ورشعه ،أو إىل من غيرّ الرشائع واألديان ،لتعليمهم
ً
وإعادهتم إليها ،وهو احلاكم فيهم .والنبي يبعث بالدعوة لرشع من قبله.
45
2ــــ النبوة منحة إهلية
النبوة ليست غاية توصل إليها الطرق فيبلغها البرش بجهدهم وال رتبة تنال بالكسب ،إنام هي منزلة
عالية ورتبة خاصة خيتار هلا اهلل تعاىل بمحض فضله من يشاء من خلقه فيعدهم وهييئهم لتحملها فيحفظهم
من تأثري الشياطني ويصوهنم عن الرشك فضال منه ورمحة من غري جهد بذلوه ،به استحقوا النبوة ونالوا
رشفها ،بل منحة إهلـية ونعـمة ربانيـة كـام قال تعاىل ﴿ :
﴾(.)1
46
يف اآليات السابقة الداللة الرصحية عىل أن النبوة ال تنال بالعظمة وال بالعمل فهي نعمة من اهلل تعاىل
ورمحة يصطفى هلا بعض خلقه بعلمه وحكمته فليست ملن يتحراها وال ملن يتمناها.
عرفنا من تعريف الرسول ،إنه إنسان حر ذكر يصطفيه اهلل تعاىل من خيار البرش نس ًبا فيجعله أكملهم
جساما تتطلب كل ذلك من تلقي الوحي ،وامتثاله
ً نفسا ،وأفضلهم خل ًقا ليؤدي أعامالً
ال وأطهرهم ً
عق ً
وتبليغه ،وقيادة األمة ،فهم صلوات اهلل وسالمه عليهم املثل األعىل يف صفاهتم وأخالقهم واحلديث عن
جدا لكن نذكر منها :
صفاهتم طويل ً
47
وقـال ـ تعـاىل ـ عـن نـبـيـنا صـلـوات اهلل وســالمـه علـيـه ﴿ :
﴾( .)1وال شك أن الصدق هو لب الرسالة وبالدعوة به تستقيم األمور وتثمر
األعامل ،والكذب منقصة يتنزه عنها صفوة اخللق ،ومعصية حيذرون منها.
أرسل اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ رسله إىل الناس مبرشين ومنذرين يدعوهنم إىل طاعة اهلل تعاىل وحيذروهنم
من خمالفة أمره .وهذا عمل صعب ومسلك شاق ال يطيقه كل أحد لكن منهم الصفوة هم أهل ذلك فقد
القى رسل اهلل ـ صلوات اهلل وسالمه عليهم ـ يف سبيل دعوهتم صنوف املشاق وأنواع األذى فلم يثن
ذلك عزائهم ومل يوقف إقدامهم .وقد قص اهلل ـ تعاىل ـ علينا أخبار بعض أنبيائه وما القوه من األذى يف
سبيل دعوهتم وما كان منهم من الصرب والتحمل يف سبيل ظهور احلق وإعالء كلمة اهلل ـ تعاىل ـ وقد أمر
حممدا ﷺ بالصرب أسـوة بأويل العـزم من الرسـل فـقـال ﴿ :
اهلل تعاىل نـبيه ً
﴾(.)2
وباستعراض ما قص اهلل تعاىل علينا مما جرى لنوح ،وإبراهيم ،وموسى وعيسى عليهم الصالة
والسالم مع أممهم وما القوه من املشاق واألذى ومع ذلك صربوا وصابروا إىل َأن َأ ْظ َه َر اهلل أمره ،ثم إن يف
سرية خاتم األنبياء نبينا عليه صلوات اهلل وسالمه املثل األعىل يف الصرب والتحمل فقد كذبه قومه وآذوه،
وقاطعوه فصرب إىل أن أظهر اهلل دينه وأعىل كلمته .وتفصيل تلك القصص مما ال يتيرس يف صفحات قليلة.
وهو يف كتاب اهلل مسطور.
48
ثانيا :معجزات الرسل عليهم السالم :
ً
خلق اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ اإلنسان وميزه بالعقل ،وهذا العقل هو مناط التكليف وبمقتضاه حياسب
العبد عىل أعامله ،وبه يميز بني األشياء ،ويفرق بني النافع والضار ،فإذا جاء من يقول :إنه مرسل من
اهلل تعاىل هلداية اخللق وقيادهتم إىل طريق السعادة يف الدنيا واآلخرة ،فهذا يعني بالنسبة لإلنسان فالحه
أو هالكه ،هلذا فواجب عليه أن ينظر يف حال الداعي ودعوته ،وقد ميز اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ رسله عن
سائر اخللق ،واختصهم بأن حفظهم من كيد الشياطني ومكرهم فلم جيعل هلم القدرة عىل تغيري فطرهتم،
ال جل ًّيا عىل صدقهم
فتميزوا عن أقوامهم بسريهتم العطرة ،وفطرهتم الصافية فكانت مع ما يدعون إليه دلي ً
ملن أنار اهلل بصريته .وقد أيدهم ـ سبحانه وتعاىل ـ زيادة عىل ذلك بام يضطر العقول إىل اإليامن بام أتوا به،
األشياء عىلقدر َفجاءوا بآيات باهرات ال يقدر عىل فعلها إالَّ اهلل ـ تعاىل ـ ألن اخللق له وحده ،وهو الذي َّ
ما هي عليه ،وجعلها تسري بنظام خاص ال يقدر أحد عىل تغيريه ،فإذا أراد اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ أن يؤيد
أحدا تصدي ًقا لبعثته أجرى عىل يده ما عىل مثله يؤمن البرش مما ال يصلح عىل وجه الكامل إالَّ له وحده ـ
ً
علم ،وهو عىل كل يشء
سبحانه ـ من العلم أو القدرة أو الغنى ،فاهلل ـ تعاىل ـ هو الذي أحاط بكل يشء اً
حمـمدا ـ ﷺ ـ أن يربأ من دعوى هذه الثـالث بقـوله :
ً قدير وهو الغني عن العاملني ،وقد أمـر اهلل رسوله
﴾( .)1فإذا ﴿
جرى عىل يد الرسول يشء من ذلك فهو فعل اهلل ـ تعاىل ـ ألنه ليس من مستطاع البرش فهو دليل قاطع
إذا أضيف إىل ما عرف من حال الرسول مما يتفق وحال الرسل السابقني وصفة دعواهتم .وجب عىل
املرسل إليه إتباع رسوهلم وإالَّ حل هبم عذاب اهلل ـ تعاىل ـ ،وقد كثرت آياهتم ،وعالمات صدقهم فمنها
ما يتوقف عليه صدقهم ومنها ما ليس كذلك مما يؤكد صدقهم ويقوي إيامن املؤمنني هبم.
وتعرف معجزات الرسل بأهنا :كل خارق للعادة يظهره اهلل تعاىل عىل أيدي أنبيائه ورسله عىل وجه
49
يعجز البرش عن اإلتيان بمثله .وقد جرى عىل أيدي أنبياء اهلل ورسله ما تقوم به احلجة ويلزم العقول باخلضوع
والتصديق بام جاء به الرسل سواء بطلب أقوامهم أو بدون ذلك ،وتلك املعجزات ال خترج عن أن تكون إما
من باب العلم كاإلخبار باألمور الغائبة املاضية أو املستقبلة كإخبار عيسى «عليه السالم» قومه بام يأكلون
وما يدخرون يف بيوهتم .وكإخبار رسولنا حممد ـ ﷺ ـ بأخبار األمم السابقة مما جاء يف القرآن الكريم من ذكر
ال يف كثري من األحاديث.
قصصهم .وكإخباره ـ ﷺ ـ بالفتن وأرشاط الساعة مما سيأيت مستقب ً
وإما من باب القدرة ـ كتحويل العصا حية ـ وهي آيات موسى «عليه السالم» إىل فرعون وقومه،
وكإبراء األكمه واألبرص وإحياء املوتى ،وهذه من آيات عيسى «عليه السالم» وكانشقاق القمر آية من
آيات صدق رسولنا ـ ﷺ ـ.
وإما من باب الغنى .كحامية الرسول ـ ﷺ ـ ممن أرادوا به سوء ًا يف مواضع كثرية يف مكة ليلة اهلجرة،
ويف الغار ،ويف الطريق إىل املدينة عندما حلق به رساقة بن مالك ،ويف املدينة ملا حاول اليهود اغتياله ونحو
ذلك .فهذه األمثلة تدل عىل أن اهلل أغنى رسوله هبا عن محاية خلقه.
معنى اإليامن هبم هو التصديق اجلازم بأن اهلل تعاىل بعث يف كل أمة رسوالً يدعوهم إىل عبادته وحده
ال رشيك له والكفر بام يعبد من دونه .وأن مجيعهم صادقون كرام بررة هداة مهتدون ،وأهنم بلغوا مجيع
ما أرسلهم اهلل به مل يكـتـموا ومل يغـريوا قـال اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
()1
﴾
وأن بعـضـهم أفـضل من بعـض كـام قـال اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
50
﴾(.)1
كام قد اختذ اهلل إبراهيم وحممد ًا «صلوات اهلل وسالمه عليهام» خليلني ،وكلم موسى تكليماً ،ورفع
إدريس مكا ًنا عل ًيا.
واإليـمـان بهم جمي ًعا واجب فمن كـفـر بواحـد منـهم فقد كفر بهم جمي ًعا وهذا كفر بمن أرسلهم
وهـو الـ ّلـه ـ تـبـارك وتعـاىل ـ قـال ـ تـعـاىل ـ ﴿ :
﴾(.)3
وكام جيب اإليامن هبم عىل وجه العموم من علمنا منهم ومن مل نعلم كذلك جيب اإليامن عىل وجه
اخلصوص بكل من سمى اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ منهم ،وقد ورد يف القرآن الكريم ذكر بضعة وعرشين
رسوالً هم :نوح ،وإدريس ،وصالح ،وإبراهيم ،وهود ،ولوط ،ويونس ،وإسامعيل ،وإسحق ،ويعقوب،
ويوسف ،وأيوب ،وشعيب ،وموسى ،وهارون ،واليسع ،وذو الكفل ،وداود ،وزكريا ،وسليامن ،وإلياس،
ال سواهم كام
وحييى ،وعيسى ،وحممد «صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني» .مع االعتقاد بأن هلل تعاىل رس ً
﴾(.)4 قال ﴿ :
( )2سورة البقرة :آية ( .)285 ( )1سورة البقرة :آية (.)253
( )4سورة غافر :آية (.)78 ( )3سورة النساء :اآليات ( .)152 ، 150
51
ولب اإليامن هبم طاعـتـهم بإتباع أوامـرهم واالبتعاد عن مناهيهم .والسري عىل هنجهم فهم املبلغون
عن اهلل تعاىل .وهم األسوة ألممهم ،وقــد عصـمـهم اهلل ـ تعـاىل ـ من اخلـطأ قال ـ تعاىل ـ لنبيه ـ ﷺ ـ :
﴿
﴾(.)1
فطاعة اهلل ـ تعاىل ـ وعبادته باتباعهم واالقتداء هبم.
وليس من اإليامن هبم رفعهم فوق منزلتهم التي جعلها اهلل تعاىل هلم ،فهم عباد من البرش اختارهم
اهلل وأعدهم حلمل رسالته ،طبائعـهم طبــائع البـرش ،وال يملكون شي ًئا من خصـائص األلوهـيـة ،فال
حممدا ـ ﷺ ـ إبـالغ أمـتـه يعلمـون من الغيـب إالَّ ما أطلعـهم اهلل عليه قـال ـ تعـاىل ـ ً
آمـرا رســوله ً
﴾( .)2وقــال ﴿ : ﴿
﴾( )3وقد حكى اهلل ـ تعاىل ـ عن نـوح «عليه السالم» قـوله لقومـه :
﴿
﴾(.)4
فأول رسل اهلل تعاىل وخاتم األنبياء واملرسلني ينفون خصائص األلوهية عنهم ،ويبينون أهنم ليسوا
مالئكة وال علم هلم بالغيب وال يملكون خزائن اهلل تعاىل ،وإنام هم برش فضلهم اهلل بالوحي وبلغوا أعىل
مقامات البرشية وهي العبودية اخلالصة هلل رب العاملني.
52
بمحمد َن ًبيا َو َرسو ًال
5ــــ اإليماَ ن َ
قد أكمل اهلل ـ تعاىل ـ لنا الدين ،وأتم علينا النعمة ،وريض لنا اإلسالم دينًا ،عىل يد املبعوث رمحة
للعاملني ،خاتم األنبياء واملرسلني نبينا حممد «عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم» فهو رسول اهلل إىل مجيع
منريا.
ورساجا ً
ً ونذيرا وداع ًيا إىل اهلل بإذنه
ً بشريا
الثقلني اإلنس واجلن ً
فكل من قامت عليه احلجـة برسـالته «عليه الصالة والسالم» ومل يؤمـن به استحق عـقـاب اهلل ـ
تعاىل ـ كغـريه من الكافرين قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾( .)1وقــال ـ تـعـاىل ـ ﴿ :
﴾(.)2
واألحاديث الدالة عىل ختم النبوة كثرية منها قوله ـ ﷺ ـ « :إن يل أسامء أنا حممد وأنا أمحد ،وأنا املاحي
يمحو اهلل يب الكفر وأنا احلارش الذي حيرش الناس عىل قدمي ،وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده
نبي»( .)3وقوله ـ ﷺ ـ « :فضلت عىل األنبياء بست ،أعطيت جوامع الكلم ،ونرصت بالرعب ،وأحلت
ومسجدا ،وأرسلت إىل اخللق كافة ،وختم يب النبيون»(.)4
ً طهورا
ً يل الغنائم ،وجعلت يل األرض
ويف اآليات واألحاديث السابقة ،داللة رصحية عىل أن اهلل تعاىل أتم علينا نعمته بأن هدانا ألقوم
طريق ،وأكمل لنا ديننا فال نحتاج إىل سواه ،وال إىل نبي غري نبينا لذا جعله اهلل خاتم األنبياء فال
حالل إالَّ ما أحله وال حرام إالَّ ما حرمه ،وال ديـن إالَّ مـا شـرعه وهو رســول اهلل إىل اخلـلـق كافـة
()5
﴾ كـام قـال ـ تعاىل ـ آمرا رسوله إبالغ الناس ﴿ :
﴾(.)6 وقال ﴿ :
( )2سورة األحزاب :آية (.)40 ( )1سورة املائدة :آية (.)3
( )3صحيح اإلمام مسلم ،1828/4وانظري صحيح اإلمام البخاري . 188/6
( )4صحيح اإلمام مسلم ، 371/1وانظري مسند اإلمام أمحد . 412/2
( )6سورة األنعام :آية ( .)19 ( )5سورة األعراف :آية (.)158
53
﴾( )1وقال رسول اهلل ـ ﷺ ـ يف وقال ـ تعاىل ـ ﴿ :
احلديث السابق «وأرسلت إىل اخللق كافة» .وقال « :والذي نفس حممد بيده ،ال يسمع يب أحد من هذه
األمة هيودي وال نرصاين ،ثم يموت ومل يؤمن بالذي أرسلت به إالَّ كان من أصحاب النار»( )2فالشهادة
هلل سبحانه بالوحدانية ولنبيه بالرسالة مها الركن األول من أركان اإلسالم الذي ال يقبل اهلل دينًا سواه.
كام قال الرسول ـ ﷺ ـ « :بني اإلسالم عىل مخس :شهادة أن ال إله إالَّ اهلل وأن ً
حممدا عبده ورسوله،
وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة وحج البيت ،وصوم رمضان»(.)3
وإلقامة احلجة عىل الناس مجي ًعا إىل يوم القيامة جعل اهلل ـ تعاىل ـ القرآن الكريم الذي هو أقوى أدلة
صدقه ـ ﷺ ـ معجزة خالدة تكفل اهلل ـ تعاىل ـ بحفظها وصيانتها عن أيدي العابثني لتكون دليل صدق
ملحمد ـ ﷺ ـ وحجة اهلل تعاىل عىل خلقه إىل قيام الساعة.
األســـــــئــلــة
( )2صحيح اإلمام مسلم . 134/1 ( )1سورة سبأ :آية (.)28
( )3صحيح اإلمام مسلم ،45/1وانظري صحيح البخاري . 13/1
54
الفصل الدرايس الثاين
بالــــيــــوم اآلخــــــر
َ ــــان
ُ اإليــــم
َ خامس ًا :
1ـ اإليماَ نُ َ
باليوم اآلخر واملراد به
اإليامن باليوم اآلخر هو الركن اخلامس من أركان اإليامن ومعناه :االعتقاد اجلازم بصدق كل ما أخرب
به اهلل عز وجل يف كتابه العزيز أو أخرب به رسوله ـ ﷺ ـ مما يكون بعد املوت من فتنة القرب وعذابه ونعيمه،
وما بعد ذلك من البعث واحلرش والصحف واحلساب ،وامليزان واحلوض والرصاط والشفاعة واجلنة
والنار وما أعد اهلل تعاىل ألهلهام فيهام.
56
﴾(.)1
جـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ جوا ًبا جلربيل «عليه السالم» حني سأله عن اإليامن « :أن تؤمن باهلل ومالئكته
وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(.)2
﴾(.)4
فاآليات فيها داللة اجلزاء عىل األعامل واحلساب اليسري وإعطاء الصحف للمحسنني باليمني
والرسور بعد ذلك .واحلساب العسري وإعطاء الصحف للمسيئني من وراء الظهر بالشامل وبلوغ السعري
بعد ذلك.
﴾( .)5وهو احلوض الذي أعطيه رسولنا ـ ﷺ ـ ترد و ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ﴿ :
عليه أمته ـ ﷺ ـ إالَّ من خالف سنته.
57
البعث 2ــــ منهج القرآن الك ِريم يف َ
إثبات َ
إن مما أنكره أكثر أهل اجلاهلية من أمور الرسالة أمر البعث بعد املوت ،ورأوا استبعاد عودة احلياة بعد
إحالة األجسام ترا ًبا وتفرقها يف األرض أخرب اهلل عنهم بقـوله ﴿ :
58
قـال ـ تعـاىل ـ مـبـيـنًا هذا ﴿ :
﴾()1وقال﴿:
﴾(.)2
واآليات يف هذا كثرية يبني تبارك وتعاىل فيها كلها أن خلق اإلنسان ،وإحيائه بعد موته أيرس وأهون من
خلق هذه املخلوقات العظيمة مع أن الكل هني عليه تعاىل.
﴾(.)4
59
وقـولـه ـ تـعــالى ـ ﴿ :
﴾(.)3
وقــولـه ـ تـعــالـى ـ ﴿ :
﴾(.)4
﴾(.)5 وقوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
60
يف اآليات السابقة وأمثاهلا يبني ـ تعاىل ـ أن اإلحياء بعد اإلماتة ممكن بالنسبة ملن يملك ترصيف
األمور كلها والدليل احليس أمامكم ترونه دائماً ،وهو رؤيتكم األرض اليابسة اجلرداء التي ال حياة فيها،
فيسوق اهلل هلا املطر فتصبح بعد ذلك خرضاء نرضة قد نمت فيها األشجار وازدهرت فيها الثامر فالقادر
عىل هذا قادر عىل إعادة األجسام وإحيائها بعد بالئها وتفرقها وهو بكل خلق عليم.
وهذا الطريق هو ما جاء اخلرب عنه يف القرآن الكريم من إحياء اهلل تعاىل بعض املوتى يف الدنيا .آية من
آيات اهلل تعاىل تضطر املنكرين لدينه إىل االعرتاف بصدق بالغ الرسل وتزيد املؤمنني إيام ًنا .من ذلك ما
أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عنه بقوله ﴿ :
﴾(. )1
وقــولـه ﴿ :
﴾(.)2
وقــولــه ﴿ :
( )1سورة البقرة :اآليتان (.)73 ، 72
( )2سورة البقرة :آية (.)243
61
﴾(.)1
ومن هذا الطريق ما جرى على يد عيسى «عليه السالم» معجزة له من إحياء الموتى بإذن الله ـ تعالى ـ،
نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء
وال شك أن داللة هذه األدلة قطعية على إثبات البعث ألن من أحيا ً
جميع النفوس كما أكّـد هذا ـ تبارك وتعـالى ـ بـقـولـه ﴿ :
﴾(.)2
وألمهية اإليامن بالبعث يف جانب احلياة الدنيا لتحقق احلكمة اإلهلية به ،ووجود من ينكره جاء
االستدالل عليه يف القرآن بتلك الطرق املختلفة ،فكلام كانت احلاجة إىل يشء أشد كانت أدلته أظهر رمحة
من اهلل بخلقه.
62
بــعــــد الـمـوت
3ــــ َمـــا ْ
فقد روى اإلمام مسلم بسنده عن الرباء بن عازب عن النبي ـ ﷺ ـ قال «( :يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول
الثابت» قال :نزلت يف عذاب القرب ،فيقال له :من ربك ؟ فيقول :ريب اهلل ونبي حممد ـ ﷺ ـ فذلك قول
﴾)(.)3 اهلل عز وجل ﴿ :
فتفسري احلديث لآلية دليل عىل السؤال يف القرب يوضح هذا الدليل التايل :
ب ـ روى مسلم بسنده عن قتاد عن أنس بن مالك قال :قال نبي اهلل ـ ﷺ ـ «إن العبد إذا وضع يف
قربه ،وتوىل عنه أصحابه ،إنه ليسمع قرع نعاهلم» قال « :يأتيه ملكان فيقعدانه فيقوالن له :ما كنت تقول
( )1الربزخ احلاجز بني الشيئني وهو ما بني املوت إىل القيامة فمن مات فقد دخل الربزخ.
( )3صحيح اإلمام مسلم . 2201/4 ( )2سورة إبراهيم :آية (.)27
63
يف هذا الرجل ؟» «قال فأما املؤمن فيقول :أشهد أنه عبداهلل ورسوله» قال :فيقال له :انظر إىل مقعدك من
مقعدا من اجلنة» قال نبي اهلل ـ ﷺ ـ فريامها مجي ًعا .قال قتادة « :وذكر لنا أنه يفسح
ً النار ،قد أبدلك اهلل به
له يف قربه سبعون ذرا ًعا ويمأل عليه خرضً ا( )1إىل يوم يبعثون»(.)2
جـ ـ روى البخاري بسنده عن ابن عباس «ريض اهلل عنهام» قال « :مر النبي ـ ﷺ ـ عىل قربين
فقال إهنام ليعذبان وما يعذبان يف كبري ثم قال بىل :أما أحدمها فكان يميش بالنميمة ،وأما اآلخر فكان
ال يستربىء من بوله قال ثم أخذ عو ًدا رط ًبا فكرسه باثنتني ثم غرز كل واحد منهام عىل قرب ثم قال لعله
خيفف عنهام ما مل ييبسا»(.)3
د ـ روى البخاري بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال :كان رسول اهلل ـ ﷺ ـ «يدعو اللهم إين
أعوذ بك من عذاب القرب ،ومن عذاب النار ومن فتنة املحيا واملامت ومن فتنة املسيح الدجال»( .)4هذه
األدلة وأمثاهلا تدل عىل أن امليت يمتحن يف قربه فمن ثبته اهلل تعاىل وأجاب باحلق فسح له يف قربه وأويت
من نعيم اآلخرة ،ومن ضل الصواب يف سلوكه يف احلياة الدنيا فلن يوفق للصواب عند سؤال امللكني
فيرضب بمطارق من حديد ويضيق عليه يف قربه ويناله من العذاب بحسب ذنوبه إىل أن تقوم الساعة ،أو
إىل فرتة من الزمن فعذاب القرب نوعان :
دائم ال ينقطع إىل قيام الساعة وهو للكفار واملنافقني وبعض العصاة كام أخرب تعاىل عن آل فرعون بقوله :
﴾(.)5 ﴿
( )1اخلرض بفتح اخلاء وكرس الضاد النعم الغضة الناعمة ،وأصله من خرضة الشجر.
( )2صحيح اإلمام مسلم ، 2201 ، 2200 /4وانظري صحيح اإلمام البخاري . 123/2
( )3صحيح اإلمام البخاري . 124/2
( )4صحيح اإلمام البخاري ،124/2وانظري صحيح مسلم . 2200/4
( )5سورة غافر :آية (.)46
64
النوع الثاين :
مدة ثم ينقطع وهو عذاب العصاة الذين خفت جرائمهم ،فيعذب بحسب جرمه ثم خيفف عنه العذاب
أو ينقطع عنه لكون معصيته ال تستحق من العذاب إالَّ هذا أو بسبب حصول بعض مكفرات الذنوب
مما يكون لإلنسان بعد مماته من دعاء ولد صالح ،أو صدقة جارية خلفها يف الدنيا ،أو علم ينتفع به .واهلل
غفور رحيم.
وعال َماهتا
القيا َمة َ
4ــــ َ
﴾( .)1ونحو ذلك القيامة عبارة عن قيام الساعة املذكور يف مثل قوله تعاىل ﴿ :
وقد ذكرت يف القرآن بعدة أسامء منها القارعة ،والغاشية ،والطامة ،والواقعة ،واحلاقة ،والصاخة ،ويوم
احلساب ،ويوم الدين.
( )2سورة احلج اآلية (.)7 ( )1سورة غافر آية ( )46وسورة اجلاثية آية (.)27
( )4سورة القمر آية (.)1 ( )3سورة غافر آية (.)59
( )5انظري صحيح البخاري ، 206/6وصحيح مسلم . 592/2
65
أو ًال :أدلة استئثار هّ
الل بعلمها :
﴾(.)1
أ ـ «جاء يف حديث جربيل «عليه السالم» حني سأل الرسول ـ ﷺ ـ بقوله «متى الساعة ؟ قال ما
66
املسئول عنها بأعلم من السائل وسأخربك عن أرشاطها( )1إذا ولدت األمة رهبا( ،)2وإذا تطاول رعاة اإلبل
البهم( )3يف البنيان»(.)4
ب ـ ومنها قتال املسلمني لليهود وانتصار املسلمني عليهم يدل عىل هذا :ما رواه مسلم بسنده عن أيب
هريرة «ريض اهلل عنه» ،إن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال « :ال تقوم الساعة حتى يقاتل املسلمون اليهود فيقتلهم
املسلمون حتى خيتبىء اليهودي من وراء احلجر والشجر فيقول احلجر والشجر يا مسلم يا عبداهلل هذا
هيودي خلفي فتعال فاقتله إالّ الغرقد فإنه من شجر اليهود»(.)5
والعالمات الصغرى التي أخرب هبا الرسول ـ ﷺ ـ يطول ذكرها بأدلتها كتقارب الزمان ونقص
العمل وظهور الفتن وكثرة القتل وكثرة الزنا والفسوق وغري ذلك.
أ ـ خروج الدجال وقد أخرب الرسول ـ ﷺ ـ بخروجه بأحاديث كثرية بلغت التواتر وقد أنذرت به
األنبياء أقوامها وحذرت منه أممها ،وقد أخربنا الرسول ـ ﷺ ـ بأنه أعظم فتنة حتصل من خلق آدم إىل
قيام الساعة ،ومن دعائه ـ ﷺ ـ االستعاذة من فتنته وأمر أمته بذلك .ومن األحاديث الكثرية الواردة يف
التحذير منه ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ ريض اهلل عنه ـ قال :قال النبي ـ ﷺ ـ « :ما بعث
نبي إالَّ أنذر أمته األعور الكذاب أال إنه أعور ،وإن ربكم ليس بأعور وإن بني عينيه مكتوب كافر»(.)6
ب ـ نزول نبي اهلل عيسى ـ عليه السالم ـ عىل املنارة البيضاء رشقي دمشق ،فيقتل الدجال ويدعو
( )1األرشاط مجع رشط بفتح الشني والراء ،واألرشاط العالمات ،وقيل املقدمات وقيل صغار أمورها قبل متامها.
( )2رهبا :أي س ّيدها ومالكها.
( )3البهم الصغار من أوالد الغنم.
( )4صحيح البخاري 20/1ـ وانظري صحيح مسلم . 39/1
( )5صحيح اإلمام مسلم ، 2239/4انظري صحيح اإلمام البخاري . 51/4
( )6صحيح البخاري ،76 ، 75/9انظري مسلم . 2248/4
67
إىل دين اإلسالم وحيكم به ويكرس الصليب ويقتل اخلنزير ويضع اجلزية واألدلة عىل هذا كثرية منها ما
رواه البخاري ومسلم عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال « :ال تقوم الساعة حتى
ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقس ًطا فيكرس الصليب ويقتل اخلنزير ويضع اجلزية ويفيض املال حتى ال
يقبله أحد»(.)1
جـ ـ طلوع الشمس من مغرهبا وهذه عالمة اقرتاب الساعة وبداية تغري نظام هذا الكون الذي يسري
نفسا
به ولشدة تأثري هذه اآلية وحجبها لآلمال يفزع الناس عند رؤيتها ويؤمنون مجي ًعا ولكن ال ينفع ً
إيامهنا مل تكن آمنت من قبل كام قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)2
وروى البخاري ومسلم عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال « :ال تقوم الساعة
نفسا
حتى تطلع الشمس من مغرهبا ،فإذا طلعت من مغرهبا آمن الناس كلهم أمجعون فيومئذ ال ينفع ً
خريا»(.)3
إيامهنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت يف إيامهنا ً
وهناك عالمات كثرية غري ما ذكرنا كظهور املهدي ،والدابة ،والدخان ونار عىل أرض احلجاز وغري
جدا يعقبها هنـاية الدنيا ومـوت مجـيع اخللق قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
ذلك وهي متقاربة ً
﴾(.)4
وقد سئل رسول اهلل ـ ﷺ ـ عن الصور فقال قرن ينفخ فيه( .)5والذي ينفخ فيه إرسافيل «عليه السالم»
فيموت من يف الساموات واألرض إالَّ من شاء اهلل واهلل أعلم.
68
ـعــــث وا َ
حلــــــرشُ ُ 5ــــ َ
الب
بعد معرفة أدلة البعث نشري هنا إىل هيئته ،وهو أنه بعد النفخة األوىل يف الصور وموت مجيع اخللق
يمكثون مدة قبل البعث كام جاء يف احلـديث املتـفق عىل صحـته من روايـة أيب هـريـرة ريض اهلل عنه
يوما ؟ قال :أبيت(،)1
قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :ما بني النفختني أربعون .قالوا :يا أبا هريرة أربعون ً
شهرا ؟ قال :أبيت ،قالوا :أربعون سنة ؟ قال :أبيت .ثم ينزل اهلل من السامء ماء فينبتون
قالوا :أربعون ً
واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب
ً كام ينبت البقل .قال :وليس من اإلنسان يشء إالَّ يبىل .إالَّ عظماً
اخللق يوم القيامة»(.)2
فإذا نبت عجب الذنب وعادت األجسام كام كانت ُن ِف َخ يف الصور النفخة الثانية فعادت كل روح إىل
﴾( .)3فتـعـود احلـيـاة مـرة ثانـيـة كـام كانـت أول جـسـدها قـال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾( .)4وقـال ـ تعـاىل ـ : مـرة قـال ـ تعـاىل ـ ﴿ :
﴿
﴾( .)5وقــال ـ تـعـالـى ـ ﴿ :
جدا.
﴾( )7واآليات يف هذا كثرية ً ﴾( )6وقال ـ تعاىل ـ ﴿ :
وبعد هذا القـيام يـسـاق الخلـق إلى أرض المـحـشـر قـال ـ تعالى ـ ﴿ :
()9
﴾ ﴾( )8وقـال ﴿ :
( )2صحيح اإلمام مسلم . 2271 ، 2270/4 (« )1قال :أبيت» أي أبيت اجلزم إالَّ بأربعني فقط من غري متييز .
( )4سورة األنبياء :آية (.)104 ( )3سورة التكوير :آية (.)7
( )6سورة ق :آية (.)42 ( )5سورة يس :اآليتان (.)52 ، 51
( )8سورة ق :آية (.)44 ( )7سورة املطففني :آية (.)6
( )9سورة الكهف :آية ( .)47
69
وقـال ﴿ :
﴾(.)1
ويف اآلية داللة عىل أن احلرش من حقائق اآلخرة وهو مجعهم إىل أرض املحرش من أماكن بعثهم عىل
صفات خمتلفة.
انتظارا لفصل القضاء ،وهم عىل أحوال خمتلفة حتكي حاهلم يف احلياة
ً وهناك يقف اخللق وقو ًفا طوي ً
ال
الدنيا فتظهر أعامل الناس فال ختفى عىل أحد مع ما يف املوقف من الرهبة والشدة فيطلبون من يشفع هلم
إىل رهبم ليقيض بينهم فيذهبون إىل أبيهم آدم «عليه السالم» فيأمرهم بالذهاب إىل نوح «عليه السالم»
ونوح يأمرهم بالذهاب إىل إبراهيم «عليه السالم» ،ويأمرهم إبراهيم بالذهاب إىل موسى «عليه السالم»،
وكلهم يعتذرون بأن اهلل غضب اليوم غض ًبا مل يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وبذنوب حصلت
منهم .ويأمرهم موسى «عليه السالم» بالذهاب إىل عيسى «عليه السالم» ويعتذر بأن اهلل ـ تعاىل ـ غضب
اليوم غض ًبا مل يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ويأمرهم بالذهاب إىل حممد ـ ﷺ ـ فيشفع بذلك
حممد ـ ﷺ ـ ثم يأذن اهلل تعاىل بالقضاء بني اخلالئق( .)2واهلل رسيع احلساب ،وإليك ذكر بعض أدلة
املواقف احلاصلة يف القيامة قبل دخول اجلنة أو النار :
املراد هبذا َأن اهلل سبحانه وتعاىل يظهر اإلنسان عىل أعامله يف احلياة الدنيا ويقرره بذلك .كام يقتص
جدا مثل:
لبعض اخللق من بعض ويقيض بينهم وذلك عىل اهلل يسري واألدلة عىل هذا القرآن والسنة كثرية ً
70
﴾( )1وقـولـه ﴿ : قـولـه ـ تـعـاىل ـ ﴿ :
﴾( )2وقـوله ﴿ :
﴾(.)4 ﴾( )3وقوله ﴿ :
واهلل سبحانه وتعاىل هو الذي يتوىل حساب اخللق بنفسه ملا روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم
قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :ما منكم من أحد إالَّ سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترمجان فينظر أيمن منه
فال يرى إالَّ ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فال يرى إالَّ ما قدم وينظر بني يديه فال يرى إالَّ النار تلقاء
وجهه فاتقوا النار ولو بشق مترة»(.)5
فيؤتى بالكـتـب التي دونـتـها الحفظة على ابن آدم ليـقــرأ ما كتب بها وليـقـف كل إنسان على
عمله كما أخـبر تبارك وتعالى عن هـذا بقـوله ﴿ :
﴾(.)6
وقـال ﴿ :
﴾(.)7
ويعرف كل إنسان حاله كام يعلم الناس ذلك عند توزيع الكتب فمن أويت كتابه باليمني فهو من
املفلحني وحسابه سهل ميرس ومن أويت كتابه بشامله من وراء ظهره فحسابه عسري ومن نوقش احلساب
( )2سورة الكهف :آية (.)48 ( )1سورة األعراف :آية (.)6
( )4سورة الغاشية :اآليتان (.)26 ، 25 ( )3سورة غافر :آية (.)17
( )5صحيح اإلمام البخاري ، 181/9وصحيح اإلمام مسلم . 704 ، 703/2
( )7سورة اإلرساء :اآليتان (.)14 ، 13 ( )6سورة الكهف :آية (.)49
71
هلك ملا روى البخاري ومسلم وغريمها عن عائـشـة «ريض اهلل عنها » قالت :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ :
«ليس أحد حياسب إال هلك قالـت :قلـت يا رسـول اهلل جعلـني اهلل فداك أليـس يقول اهلل عز وجـل:
قـال ذالـك العـرض يعــرضـون ()1
﴾ ﴿
ومـن نوقـش احلـسـاب هـلـك(.»)2
فمن فضل اهلل ـ تعاىل ـ ولطفه باملؤمنني ال يناقشهم احلساب عىل أعامهلم وإنام يعرضها عليهم ويقررهم
هبا وهي مما سرته عليهم يف الدنيا وكذلك ال يطلع عليها أحدا يف هذا املوقف ويقول هلؤالء إين قد سرتت
ذلك يف الدنيا وأنا أغفرها اليوم بخالف الكفار فينادى هبم عىل رؤوس األشهاد ملا جاء عن ابن عمر أنه
سئل :كيف سمعت رسول اهلل ـ ﷺ ـ يقول يف النجوى ؟ قال :سمعته يقول «يدنى املؤمن يوم القيامة من
ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه( )3فيقرره بذنوبه ،فيقول هل تعرف ؟ فيقول :أي رب ! أعرف .قال:
فإين قد سرتهتا عليك يف الدنيا وإين أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته .وأما الكفار واملنافقون
فينادى هبم عىل رؤوس اخلالئق :هؤالء الذين كذبوا عىل اهلل»(.)4
خريا أو رشً ا كام قال ﴿ :
وقد أحىص ـ تبارك وتعاىل ـ عىل اخللق مجيع أعامهلم ً
﴾( .)5وقـال ﴿ :
﴾(.)6
فسريى كل عامل عمله وال جمال لإلنكار ألن األرض خترب بام عمل عليها وتنطق اجلـوارح بام
كـسبـت قـال تعـاىل ﴿ :
72
﴾( )1وقال تعاىل ﴿ :
﴾( .)2فاملوقف شديد والك ّيس من دان نفسه وعمل ملا بعد املوت والعاجز من
اتبع نفسه هواها ومتنى عىل اهلل األماين.
( )2سورة يس :آية (.)65 ( )1سورة الزلزلة :اآليات ( 1ـ .)4
( )3صحيح اإلمام البخاري . 149/8وصحيح اإلمام مسلم . 1800/4
( )4الفرط هو الذي يتقدم الواردين ليصلح هلم احلياض والدالء ،ونحوها.
( )5صحيح اإلمام البخاري . 151/8وصحيح اإلمام مسلم . 1792/4
( )6صحيح اإلمام مسلم . 1794/4انظري صحيح البخاري . 151 ، 151/8
73
رحيا من املسك
بياضا من اللبن وأبرد من الثلج .وأحىل من العسل وأطيب ً
فيه ميزابان من اجلنة ماؤه أشد ً
أبدا.
وكيزانه( )1عدد نجوم السامء من رشب منه مل يظمأ ً
وإن اإليامن باحلوض وصفته واجب عىل كل مسلم لثبوت ذلك عن رسول اهلل ـ ﷺ ـ بام ال يدع جماالً
للشك وهو عىل ظاهره كام يفهم من األلفاظ التي ورد هبا من غري تأويل.
74
د ـ قـول ال ّلـه ـ تـعـاىل ﴿ :
﴾(.)1
يف اآليات السابقة ما يدل عىل إثبات املوازين ،وإثبات وزن األعامل وترتب الفالح عىل ثقلها
واخلسارة عىل خفتها .ثم إن األعامل التي توزن يوم القيامة وهي أعراض ال تقبل الوزن يف احلياة الدنيا
وأيضا مع قبولتكون يف ذلك الوقت قابلة لذلك ،ألن معايري تلك احلياة ليست هي كام يف حياتنا اآلنً .
ال وخفة حتى مع كوهنا واحدة بحسب اإلخالص والنية املصاحبة لذلك. تلك األعامل الوزن تتفاوت ثق ً
كثريا من اخللق يأتون بكلمة الشهادة ومعفاعتبارات الوزن ليست لذات العمل وإنام ملا يصحبه ،ألن ً
ذلك تغلب سيئاهتم حسناهتم مع كون الشهادة متيل بالسموات واألرض لو وضعت يف كفة ووضعت
السموات واألرض ومن فيهن يف كفة كام جاء يف احلديث( .)2واهلل أعلم.
75
ومن حاد عن الرصاط املستقيم يف الدنيا وقت الرخاء ،فلن يصمد عىل الطريق املزلة وقت الشدة،
وقد افتقد وسيلته وهي العمل ومن األدلة عىل ثبوت الرصاط وصفته والعبور عليه ما ييل :
أ ـ روى البخاري ومسلم بسندهيام عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» ـ يف حديث طويل أن النبي ـ
ﷺ ـ قال « :ويرضب الرصاط بني ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من جييزها .وال يتكلم يومئذ إالَّ
الرسل ودعوى الرسل يومئذ :اللهم سلم ،سلم ،ويف جهنم كالليب مثل شوك السعدان( .)1هل رأيتم
السعدان؟ قالوا :نعم ،يا رسول اهلل قال :فإهنا مثل شوك السعدان ،غري أنه ال يعلم ما قدر عظمها إالَّ اهلل.
ختطف الناس بأعامهلم فمنهم املؤمن بقى بعمله( ،)2ومنهم املجازى حتى ُينَ ّجى ...احلديث»(.)3
ب ـ روى مسلم بسنده عن أيب هريرة ،وعن حذيفة قاال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ فذكر حديث
حممدا ـ ﷺ ـ فيقوم فيؤذن له ،وترسل األمانة والرحم .فتقومان جنبتي الرصاط،
الشفاعة وفيه « :فيأتون ً
يمينا وشامالًّ ،
فيمر أولكم كالربق ،قال قلت :بأيب أنت وأمي ! أي يشء كمر الربق ؟» قال «أمل تروا إىل
الربق كيف يمر ويرجع يف طرفة عني ؟ ثم كمر الريح ،ثم كمر الطري وشد الرجال( )4وجتري هبم أعامهلم،
ونبيكم قائم عىل الرصاط يقول :رب سلم سلم حتى تعجز أعامل العباد .حتى جييء الرجل فال يستطيع
السري إالَّ زحفا قال :ويف حافتي الرصاط كالليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج
ومكدوس يف النار»(.)5
ويف األحاديث أدلة ثبوت الرصاط ،وصفته ،وهول املوقف ،وأن األعامل هي وسيلة العبور وسبب
﴾(.)6 النجاة لقوله تعاىل ﴿ :
أي أن اهلل تعاىل ينجيهم بعد الورود ويذر الظاملني فيها جثيا ،فال يتجاوزوهنا.
76
ويالحظ فيام تقدم مما ذكر من أمور اليوم اآلخر أن حقائق هذه األمور خفية ال تدركها العقول ألنه
ال نظري هلا يف الواقع املشهود من كل وجه ،فيجب عدم اخلوض يف حقائق هذه األمور وكيفياهتا وتفويض
علم ذلك إىل اهلل تعاىل.
وأكثر ما يستعمل هذا املعنى يف انضامم من هو أعىل حرمة ومرتبة إىل من هو أدنى.
ومن الشفاعة دعاء املرء ألخيه وطلبه من اهلل تعاىل أن هيديه إىل الصواب ،أو يدفع عنه رضً ا ،أو يغفر
له خطاياه سواء كان ذلك يف احلياة الدنيا من احلي للحي ،أو من احلي للميت ،أو كان ذلك يوم القيامة
والشفاعة سبب من األسباب التي يرحم اهلل هبا من يرحم من عباده ،فيستحقها أهل توحيده ،ويمنعها
﴾(.)1 أهل الرشك كام قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
وختتلف الشفاعة عند اللهّ سبحانه عن الشفاعة عند غريه فالبد فيها من رشطني :
77
﴾(.)1
ويقول سيد الشفعاء يف حديث الشفاعة الطويل « :فأستأذن عىل ريب فيؤذن يل ويلهمني حمامد أمحده
ساجدا فيقال :يا حممد ارفع رأسك ،وقل يسمع لك،
ً هبا ال حترضين اآلن فأمحده بتلك املحامد وأخر له
وسل تعط ،واشفع تشفع»(.)2
78
الـشــــــــــــفـاعـة
َ أنــواع
َ
أ ـ الشفاعة العظمى ،وهي خاصية بنبينا حممد ـ ﷺ ـ وهي املقام املحمود الذي وعده اهلل عز وجل بقوله:
﴾(.)1 ﴿
وذلك حني يشتد عىل الناس املوقف ويلتمسون الشفاعة يف أن يفصل بينهم فيأتون آدم ،ثم نوح ًا ،ثم
إبراهيم ،ثم موسى ،ثم عيسى بن مريم وكلهم يقول نفيس نفيس إىل أن ينتهوا إىل نبينا حممد ـ ﷺ ـ
فيقول« :أنا هلا»(.)2
ب ـ الشـفاعة ألهـل اجلـنة يف دخــوهلا كــام روى مـسـلم بـسـنده عن أنـس بن مالك قـال :قـال
رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :أنا أول الناس يشفع يف اجلنة وأنا أكثر األنبياء تب ًعا»(.)3
جـ ـ الشفاعة يف أقوام تساوت حسناهتم وسيئاهتم فيشفع فيهم لدخول اجلنة.
د ـ الشفاعة يف درجات أقوام من أهل اجلنة فوق ما تقتضيه أحواهلم.
هـ ـ الشفاعة يف أقوام قد أمر هبم إىل النار أن ال يدخلوها.
و ـ الشفاعة يف أقوام أن يدخلوا اجلنة بغري حساب ومن أدلة هذا النوع قول الرسول ـ ﷺ ـ لعكاشة بن
حمصن ملا طلب منه أن يدعو اهلل أن جيعله من السبعني أل ًفا الذين يدخلون اجلنة بال حساب « :اللهم
اجعله منهم»( )4ويقول اهلل ملحمد ـ ﷺ ـ يف حديث الشفاعة « :أدخل اجلنة من ُأمتك من ال حساب
79
عليه من الباب األيمن من أبواب اجلنة»( )1وهذا بعد الشفاعة.
صريحا يف
ً ز ـ الشفاعة يف أهل الكبائر من املوحدين ممن أدخلوا النار فيخرجون منها .كام جاء ذلك
األحاديث الكثرية التي بلغت حد التواتر وهي عامة وتتكرر من الرسول ـ ﷺ ـ مرات ،ويشفع أيضا
املالئكة والنبيون واملؤمنون كام رصحت بذلك األحاديث الواردة فيها(.)2
حـ ـ شفاعة الرسول ـ ﷺ ـ يف ختفيف العذاب عن عمه أيب طالب ملا روى البخاري ومسلم بسندهيام عن
أيب سعيد اخلدري «ريض اهلل عنه» ،أن رسول اللهّ ـ ﷺ ـ ذكر عنده عمه أبو طالب .فقال « :لعله تنفعه
شفاعتي يوم القيامة فيجعل يف ضحضاح من نار يغيل منه دماغه»( .)3وال تنفعه الشفاعة يف اخلروج
من النار لكونه مات غري موحد بخالف أهل التوحيد .واهلل أعلم.
80
األســـــــئــلــة
81
س : 16ما احلوض ؟ اذكري بعض األدلة عىل ثبوته .
س : 17اذكري صفة احلوض .وما املانع من وروده ؟
س : 18هل امليزان حقيقي ،وما الدليل عليه ؟
س : 19هل األعامل تقبل الوزن ؟ وكيف يكون ذلك يوم القيامة ؟
س : 20ما الرصاط ،وهل هناك أحد يدخل اجلنة دون أن يمر عليه ؟ اذكري الدليل عىل ما تقولني.
س : 21اذكري بعض األدلة عىل ثبوت الرصاط وصفته .
س : 22ما الشفاعة ؟ وما رشوطها ؟ وما املانع منها ؟
س : 23اذكري بعض األدلة عىل ما يمنع من حصول الشفاعة .
ولمِا َذا ؟ مع ذكر الدليل عىل ما تقولني ؟
س : 24هل تطلب الشفاعة من غري اهلل ؟ َ
س : 25كم أنواع الشفاعة ؟ وما اخلاص منها بمحمد ـ ﷺ ـ ؟
82
َ
بالـقـــــضـاء والـقــــــدر اإليــــمــــان
َ سادس ًا :
83
بقضاء هّ
الل َوقدَ ره 2ــــ اإليماَ نُ َ
اإليامن بقضاء اهلل وقدره هو الركن السادس من أركان اإليامن كام يف جواب الرسول ـ ﷺ ـ حني
سأله جربيل «عليه السالم» عن اإليامن قال « :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن
بالقدر خريه ورشه»(.)1
ومعــنـى اإليـمـان بالـقــــدر التصديق الجازم بأن كل ما يقع من الخير والشر فهو بقــضاء الله
وقـدره كما قـال تـعـالى ﴿ :
﴾(.)2
ويف قول اهلل ـ تعاىل ـ داللة عىل أن مجيع ما جيري يف اآلفاق ويف األنفس من خري أو رش فهو مقدر
من اهلل تعاىل ومكتوب قبل خلق اخلليقة .فام فات من املحبوب ال يوجب احلزن ،وما حصل منه ال
يوجب الفرح.
روى اإلمام أمحد بسنده عن زيد بن ثابت قال :سمعت رسول اهلل ـ ﷺ ـ يقول « :لو أن اهلل عذب
خريا من أعامهلم ولو كان لك
أهل سمواته وأهل أرضه لعذهبم غري ظامل هلم ولو رمحهم كانت رمحته هلم ً
جبل أحد أو مثل جبل أحد ذه ًبا أنفقته يف سبيل اهلل ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك
مل يكن ليخطئك وأن ما أخطأك مل يكن ليصيبك وأنك إن مت عىل غري هذا دخلت النار»(.)3
وروى اإلمام مسلم «رمحه اهلل» بسنده عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ :
( )1صحيح اإلمام مسلم 37/1انظري صحيح البخاري . 20 ، 19/1
( )2سورة احلديد :اآليتان (.)23 ، 22
( )3مسند اإلمام أمحد ،185/5ورواه ابن ماجه وأبو داود.
84
«املؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل من املؤمن الضعيف ويف كل خري احرص عىل ما ينفعك واستعن باهلل
وال تعجز وإن أصابك يشء فال تقل لو أين فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر اهلل وما شاء فعل
فإن لو تفتح عمل الشيطان»( .)1وكل ما قدر اهلل تعاىل فهو حلكمة يعلمها وال خيلق اهلل تعاىل رشً ا حمض ًا ال
يرتتب عليه مصلحة فالرش ليس إليه من حيث هو رش حمض وإنام هو داخل يف عموم خلقه لكل يشء وهو
بالنسبة هلل عدل وحكمة ورمحة وال يدخل يف يشء من صـفاته وال أفـعـاله فله الكـامل املطـلق يدل عىل
﴾(.)2 هذا قوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
أي أن ما يصيب اإلنسان من اخلري واإلنعام فهو من اهلل ـ تعاىل ـ ،وما يصيبه من الرش فبذنوبه ومعاصيه
وال حميد ألحد عن القدر املقدور واهلل ـ تعاىل ـ خالق العباد وال جيري يف ملكه إالَّ ما يريد وال يرىض لعباده
الكفر .وقد وهبهم القدرة واالختيار فأفعاهلم واقعة بقدرهتم وإرادهتم هيدي من يشاء برمحته ويضل من
يشاء بحكمته ال يسأل عام يفعل وهم يسألون.
85
3ــــ َم َراتب اإليماَ ن بالقدَ ر
86
شاهدا وغائ ًبا ما كان وما يكون وما ال يكون
ً وداللة األدلة السابقة عىل علم اهلل وإحاطته بكل يشء
لو كان كيف يكون واضحة جلية.
اإليمان بأن الله تعالى كتب مقادير خلقه في اللوح المحفوظ ولم يفرط في ذلك من شيء وعلى
هذا األدلة الكثيرة منها :
د ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام رواه اإلمام أمحد وغريه عن عبادة بن الصامت « :أول ما خلـق اهلل
تبارك وتعـاىل القلم ثم قال له اكـتـب قال :وما أكـتـب قال :فكـتـب ما يكون وما هـو كائن إىل أن
تـقـوم الـسـاعة»(.)4
هـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام رواه البخاري بسنده عن عيل «ريض اهلل عنه» « :ما منكم من أحد إالَّ
87
قد كتب مقعده من النار أو اجلنة .فقال :رجل من القوم أال نتكل يا رسول اهلل ؟ قال :ال ،اعملوا فكل
﴾( )1اآليات»(.)2 ميرس ،ثم قرأ ﴿ :
واألدلة السابقة مرصحة بأن اهلل تبارك وتعاىل كتب كل يشء قبل اخللق ،ومل يفرط يف الكتاب من يشء
وذلك سهل يسري عىل من ال ختفى عليه خافية.
مرتبة اإليامن بمشيئة اهلل النافذة وقدرته الشاملة فام شاء اهلل تعاىل كونه فهو كائن بقدرته والبد ومامل
يشأ مل يكن لعدم املشيئة ال لعدم املشيئة ال لعدم القدرة ألن اهلل تبارك وتعاىل ال يعـجـزه يشء كـام قـال :
﴾(.)3 ﴿
88
هـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام روى البخاري ومسلم بسندهيام عن معاوية بن أيب سفيان « :من يرد اهلل
خريا يفقهه يف الدين»(.)1
به ً
وداللة هذه األدلة عىل عموم مشيئة اهلل تعاىل ظاهرة فكل ما حيصل يف هذا الكون فهو مراد له سبحانه
وتعاىل باإلرادة الكونية فهو اخلالق وحده املالك املدبر فال جيري يف ملكه إالَّ ما يريد ال راد لقضائه وال
معقب حلكمه وال يعجزه يشء.
89
الذي أحاط األشياء بعنايته ورعايته وقد قدر الكائنات وأوجدها ال عىل مثال سابق ووهب بعض خلقه
القدرة والفعل ،واهلل سبحانه هو اخلالق للفاعل وفعله وهو اخلالق العليم.
املقادير أربعة هي ضمن مرتبة كتابة املقادير العامة وكلها ترجع إىل علم اهلل تعاىل الشامل لكل يشء :
هو التقدير العام جلميع األشياء قبل خلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة عندما خلق اهلل
القلم وأمره بالكتابة ملا هو كائن إىل يوم القيامة وهو التقدير األزيل .ودليل هذا التقـديـر قول اهلل تعاىل :
﴾(.)1 ﴿
وقول الرسول ـ ﷺ ـ «كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة،
قال وعرشه عىل املاء»( )2وغري هذه األدلة مثلها كثري.
90
يكون بينه وبينها غري ذراع أو ذراعني فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»(.)1
وهذا التقدير بحسب اخلصوص مما هو يف اللوح املحفوظ.
التقدير اليومي وهو ملا حيصل يف اليوم من احلوادث املقدرة من اخللق والرزق واإلحياء واإلماتة
﴾( )3أي مما هو من شأنه تعاىل ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب كام قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
يف خلقه .وهذا التقدير وما سبقه من التقدير السنوي والعمري هو تفصيل من القدر األزيل.
91
5ــــ التحذير من ا َ
خلوض يف ال َقدَ ر
اإليامن بالقدر خريه ورشه ركن من أركان اإليامن ،كام أن القدر نظام التوحيد ،واإليامن باألسباب
املوصلة إىل خري القدر ورشه هي نظام الرشع ،وال يستقيم أمر الدنيا والدين بدون اإليامن بالتوحيد
والرشع وقد أكد هذا الرسول ـ ﷺ ـ ملن قال له أفال نتكل عىل كتابنا وندع العمل بقوله « :اعملوا فكل
ميرس ملا خلق له» أما أهل السعادة فييرسون لعمل أهل السعادة ،وأما أهل الشقاوة فييرسون لعمل أهل
الـشـقاوة ثم قرأ ﴿ :
﴾(.)2(»)1
وهذا القول من الرسول ـ ﷺ ـ أمر بالعمل وهني عن االتكال واألعامل احلاصلة من اإلنسان دليل
وقدر عىل اإلنسان ،وخالق األسباب ومسبباهتا هو اخلالق لكل يشء سبحانه وتعاىل
ما سبقت به املشيئةّ ،
ال يسأل عام يفعل والقدر رس اهلل تعاىل يف خلقه مل يطلع عليه ملكًا مقر ًبا وال نب ًيا مرس ً
ال وقد جاءت
مـر ذكر بعـض منها يف مراتب القدر ـ ومنها ما يدل
النصوص الـشـرعــيـــة بأمــــور من القــدر ـ ّ
﴾( .)3وقـوله : عىل نفي الظلم عن اهلل تعاىل كـقـوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)4 ﴿
ومنهم إثبات القدرة واملشيئة للعباد وإسناد أفعاهلم إليهم ،وسيأيت بيان هذا يف الكالم عىل مذهب
السلف يف القضاء والقدر فعىل ضوء ما ورد يدرك املخاطبون عىل اختالفهم شي ًئا من القدر كل بحسبه مما
يقودهم إىل اإليامن والتسليم بام أخفاه اهلل عنهم وهو من الغيب الذي يؤمن به املتقون املسلمون بعلم اهلل
92
الشامل وقدرته عىل كل يشء وخلقه له ،ما شاء كان ومامل يشأ مل يكن.
والرسول احلكيم احلريص عىل أمته حذرها مما يؤدي هبا إىل املزالق اخلطرة فنهاها عن اخلوض يف
القدر ألن ذلك مدعاة لقياسه عىل املحسوسات املشاهدة التي يرتتب بعضها عىل بعض من املاديات
التي أمامنا يف احلياة وهذا مسلك خطر يوصل اإلنسان إىل االعرتاض عىل املالك املترصف ويوقع يف
احلرية والضالل ،وال يصل اإلنسان إىل ما يطمئن به القلب إالَّ إذا امتثل ،وترك اخلوض يف القدر وجعل
ال يقود إىل التسليم والرىض بام مل يصل به إدراكه إليه ويف القرآن الكريم ما
ما يدرك من أوامر الرشع دلي ً
يلفت االنتـباه إىل مثل هذا يف شأن الروح .قـال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)1
أي مل تأتوا من العلم إالَّ شي ًئا قلي ً
ال ال يمكنكم من معرفة كنه الروح وحقيقتها إنام يمكنكم من معرفة
آثارها حال وجودها يف األجساد.
93
القضاء وال َق ْدر
السلف يف َ
ذهب ّ
6ــــ َم َ
ال يختلف سلف األمة على الحق في قضاء ال ّله وقدره .فيقولون :إن ال ّله خالق كل شيء وربه
ومليكه ال يخرج عن ذلك شيء فما شاء ال ّله كان وما لم يشأ لم يكن وال يكون في الوجود شيء إالَّ
بمشيئته وقدرته ،ال يمتنع عليه شيء شاءه ،وهو قادر على كل شيء وعالم بكل ما كان وما يكون وما
ال يكون أن لو كان كيف يكون ،فكتب كل ما هو كائن قبل كونه أفـعـال العـبـاد وغيرها من األرزاق
واآلجال والسعادة والشقاوة كما قال ـ تعالى ـ ﴿ :
﴾(.)1
فهذه األدلة ومثلها كثير تدل على أن كل ما يجري في الكون مقدر من الله تعالى ومكتوب عنده،
وهو مقتضى ربوبيته المطلقة سبحانه ال يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو الحكيم العليم رتب كل
شيء بعلمه وحكمته فجعل من األعمال الجارية ما ال قدرة ألحد عليه وال نفاذ إلرادة أحد فيه كالحياة
وعرضا ونحو ذلك وما يقع من المصائب والبالء ،كما ً الخ ْل ِق َّية من الشكل طوالً
والموت والصفات ِ
قـال ـ تـعـالى ـ ﴿:
﴾(.)4
وما كان من األفعال والصفات واألحداث خارج إرادة اإلنسان وقدرته فليس هو حمل تكليف من
اهلل تعاىل وال ينسب إىل اإلنسان منه يشء ولكن هناك أفعال مقدورة لإلنسان ومستطاعة يفعلها بام وهبه
( )2سورة التوبة :آية (.)51 ( )1سورة األنعام :آية (.)17
( )4سورة احلديد :آية (.)22 ( )3سورة القصص :آية ( .)68
94
اهلل تعـاىل من القـدرة واالخــتـبار ممـا تـظـهر فيه احلـكـمة اإلهلـيـة يف اجلــزاء كــام قـال ســبـحانه :
﴾(.)1 ﴿
فاإلنسان يجد من نفسه القدرة على تلك األفعال وتركها فهو فعل له حقيقة كما شاء وأراد قال ـ
﴾( )2وقـال ـ تـعـالى ـ ﴿ تعالى ـ ﴿ :
﴾(.)3
﴾( )4والختيار اإلنسان يف فعله من اإليامن واالستقامة وقال ـ تعاىل ـ ﴿ :
وخالفه كان السؤال واحلساب والثواب والعقاب ،وال يعني ذلك خروج أفعال اإلنسان هذه عن قدرة
اهلل تعاىل فهو ال يقدر إالَّ عىل ما قدره اهلل تعاىل عليه ،وال يشاء وال يفعل إالَّ ما شاء اهلل له فعله كام سبقت
األدلة عىل هذا ،فاهلل هو اخلالق لكل يشء .خالق اإلنسان وعمله وقد ربط سبحانه األسباب بمسبباهتا
فالبد من األسباب التي حتصل هبا املسببات واهلل خالق األسباب ومسبباهتا ،فلإلنسان قدرة ومشيئة
ولكنها تابعة لقدرة اهلل تعاىل ومشيئته وإضافة الفعل إىل اهلل تعاىل حقيقة كام أن إضافته إىل املخلوق أيضا
حقيقة .وأفعال اهلل تعاىل من حيث هي فعله خري حمض ،وصدور األفعال عن اهلل تعاىل ليس فيه رش بوجه
من الوجوه فهو مل خيلق رشً ا ً
حمضا من مجيع الوجوه فإن حكمته تأبى ذلك إذ ال مصلحة يف خلقه عىل هذا
وهو سبحانه بيده اخلري كله والرش ليس إليه فام نسب إليه فليس رشً ا ونسبته إليه من حيث اخللق واملشيئة
ليست برش فهو تعاىل حكيم عدل يضع األشياء يف مواضعها الالئقة هبا وما كان من الفعل رشً ا فهو من
جهة إضافته إىل العبد باكتـسابه له ملا يلحـقه من املـهالك بسـببـه كـام قـال تعاىل ﴿ :
﴾( )5وقال ـ ﷺ ـ « :واخلري كله يف يديك والرش ليس
إليك»( .)6أي أن الرش الذي يف الوجود ال يكون إىل اهلل تعاىل ألنه راجع إىل الذنوب وذلك من نفس العبد
فال يرجع إىل أسامء اهلل تعاىل وصفاته من ذلك يشء لكنه يرجع إىل مفعوالته واهلل أعلم.
( )2سورة الكهف :آية (.)29
( )1سورة هود :آية ( )7وامللك آية (.)2
( )4سورة التكوير :آية (.)28 ( )3سورة الطور :آية (.)21
( )6صحيح اإلمام مسلم . 535/1 ( )5سورة الشورى :آية ( .)30
95
القضاء وال َقدَ ر
السلف يف َ
مذهب ّ
ْ خالصة
َ
يتلخص يف النقاط التالية :
وقدره وأراده وكتبه
أ ـ اإليامن بالربوبية املطلقة هلل تعاىل فهو الرب الذي خلق كل يشء وعلمه ّ
سبحانه وتعاىل.
واختيارا هبا تتحقق أفعاله وبمقتضاها يكون الثواب والعقاب.
ً ب ـ أن للعبد قدرة ومشيئة
جـ ـ إن قدرة العبد ومشيئته التي هبا حتصل أعامله غري خارجة عن قدرة اهلل ومشيئته فهو الذي منح
قادرا عىل التمييز واالختيار فأي الفعلني اختار مل خيرج عن كونه داخ ً
ال اإلنسان ذلك وجعله ً
حتت مشيئة اهلل وقدرته وخلقه.
د ـ أن اإليامن بالقدر خريه ورشه بحسب إضافته إىل اخللق أما بالنسبة للخالق عز وجل فالقدر خري
كله والرش ال ينسب إليه فعلم اهلل تعاىل ومشيئته وكتابته وخلقه لألشياء كل ذلك حكمة وعدل
ورمحة وخري فالرش ال يدخل يف يشء من صفاته وال أفعاله وال يلحق ذاته نقص وال رش فله
الكامل املطلق واجلالل التام فال يضاف إليه الرش مفر ًدا وإن كان ضمن خلقه لكل يشء لكن
اخللق من حيث هو ليس برش.
96
بالقضاء وال َقدَ ر يف ترك َما أ َم َر اهلل به
َ االحتجاج
َ 7ــــ حكم
إن من عرف معنى القضاء والقدر ومراتبه ،والقول احلق فيه يسهل عليه فهم ما قد يشتبه عىل بعض
الناس ممن قرص فهمه يف هذا األمر وإبراز ذلك ما قد حيتج به البعض عند ترك املأمورات أو اقرتاف
ومقدرا ،يرون ذلك مسل ًيا ومطمئنًا لنفوسهم ويدعون هذا من اإليامنً املنهيات بكون ذلك مقض ًيا
بالقضاء والقدر .وما ذلك إالَّ من اخلطأ الشنيع يف فهم ركن من أركان اإليامن ،وهو اإليامن بالقدر خريه
ورشه حلوه ومره من اهلل تعاىل .وقد سبق لنا فيام تقدم فهم ذلك مجلة فال داعي إلعادته .واملقصود هنا
بيان حكم االحتجاج بالقضاء والقدر يف ترك األمر وإتيان النهي عىل وجه التحديد فنقول.
أ ـ أن اهلل تبارك وتعاىل هو اخلالق لكل يشء .ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل يكن ،فاهلل تعاىل وحده
بذاته وصفاته ليس خملو ًقا وما سواه خملوق له فهو اخلالق وحده ،ومن ضمن ذلك اخلري والرش،
واحلسن ،والقبيح.
ب ـ إن حكـمـة ال ّله تعالى في جـعل بعض خلـقه مكـلـ ًفا كـمـا قـال ـ تعـالى ـ ﴿ :
﴾( )1وقــال ـ تـعــالـى ـ ﴿ :
﴾(.)2
97
واالقـتـدار حاصل بـام وهـبـه اهلل تـعـاىل من الـقـوى وهـي :
أ ـ العقل الذي هو مناط التكليف .فالعقل هو املكلف ،ومن زال عقله زال تكليفه.
ب ـ سالمة اآلالت التي يكون هبا االقتدار من جهة الصحة والوسع والتمكن .وأما املعرفة فاملراد هبا
علم مادة االبتالء وقد جعل سبحانه وتعاىل مصادر املعرفة متنوعة فبعضها عن طبيعة اإلنسان
نفسه وبعضها خارج عنه.
فدواعي اخلـري هي :الفطرة ،والعقل ،والوحي اإلهلي الذي يرسل اهلل به رسله إىل الناس.
وداعـي الشـر :الشيطان باستغالله رغبات النفوس حيث قد مكنه اهلل تعاىل من القدرة عىل الوسوسة
والتأثري عىل بني آدم وقـد أمر اهلل باالستعـاذة منـه بقـولـه ﴿ :
()1
﴾
وقال ـ ﷺ ـ « :إن الشيطان يجري من اإلنسان مجرى الدم»( )2وال ّله سبحانه حكيم عدل له الحجة
البالغـة على خلقـه أجمعين فجـعل دواعــي الخــير أكــثر من دواعـــي الشـر وبين له الطريقين كما
﴾( .)3وهو بعد ذلك يسلك أيهما شاء بمحض اختياره فمن سلك طريق قال ﴿ :
الخير مستجي ًبا لدواعيه متغل ًبا على دواعي الشر استحق الثواب ،ومن سلك طريق الشر وانقاد لدواعيه،
وتجاهل دواعي الخير استحق العقاب ،وفعله ذلك كله واقع باختياره وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور
تماما يحسه كل إنسان من نفسه وعليه األدلة
على الفعل أو الترك ،وأنه لو شاء لم يفعل ،وهذا مدرك ً
من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وقد سبقت( .)4ثم إن فعل الخير وفعل الشر من العبد ال ينافي
98
نسبتها إلى ال ّله إيجا ًدا وخل ًقا ألنه هو الخالق لجميع األسباب التي وقعت بها.
وبعد هذا فمن حيتج بالقدر فحجته داحضة ومن يتعذر بالقدر فعذره غري مقبول ،وقد ذم اهلل تعاىل
املرشكني وعاهبم حني احتجوا بمشيئة اهلل تعاىل عىل كفـرهم قـال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)1
فهؤالء احتجوا بمشيئة الله على رضاه ومحبته فجعلوا المشيئة دليل الرضى ،والله سبحانه ال يحب
الشرك وال يرضاه بل يبغضه وينهى عنه فما أمر به فهو المحبوب المرضي .وما نهى عنه فهو المبغض
مذموما ال يخرجه عن مشيئة الله الكونية المتضمنة لكل شيء .واالحتجاج
ً المذموم ،وكونه مبغض ًا
بالقـدر إبطـال لمعـنى الجزاء على األعمال وإبـطال للحـكمة في خلق الجـنة والنار قـال ـ تعالى ـ :
﴾( .)3ولكن ﴿
املشـيئة اقتضت التكليف.
ثم إن املحتج بالقضاء والقدر ال يقبله حجة من غريه عليه يف أخذ ماله أو نحو ذلك بل يطالب
بحقه ويطلب تطبيق العقوبة عىل من اعتدى عليه .ولو كان القدر حجة لكان حجة للجميع يف كل أمر
ويف كل حال.
( )1سورة األنعام :اآليتان (.)149 ، 148
( )2سورة النحل :آية (.)35
( )3سورة يونس :آية (.)99
99
االحتجاج بال َقدَ ر عند َ
املصائب َ 8ــــ ُحكم
االحتجاج بالقدر على المصيبة جائز ،وما قدر على اإلنسان من المصائب يجب االستسالم له
والرضى به وذلك من الرضى بالربوبية .يدل على هذا حديث احتجاج آدم وموسى «عليهما السالم»
قال رسول الله ـ ﷺ ـ « :احتج آدم وموسى فقال موسى :يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة.
فقال له آدم :أنت موسى .اصطفاك الله بكالمه وخط لك بيده ،أتلومني على أمر قدره الله علي قبل
أن يخلقني بأربعين سنة ؟» فقال النبي ـ ﷺ ـ فحج آدم موسى .فحج آدم موسى»( .)1فآدم عليه السالم
احتج بالقدر على المصيبة وهي الخروج من الجنة ،وقد حاجه موسى «عليه السالم» بذلك حيث قال:
«لماذا أخرجتنا من الجنة ؟» فكانت الحجة آلدم على موسى .والله سبحانه وتعالى قد كتب أن آدم
وذريته يعيشون في األرض وقد خلقهم لذلك كما أخـبر ـ تعالى ـ بقـوله ﴿ :
﴾(.)2
فكانت احلجة آلدم عىل موسى ومل تكن حماجة موسى آلدم «عليهام السالم» عىل املعصية وهي األكل
من الشجرة حيث مل يلم عىل ذلك وموسى عليه السالم أعلم من أن يلومه عىل ذنب تاب منه وتاب اهلل
عليه ،وآدم عليه السالم أعلم من أن حيتج بالقدر عىل أن املذنب ال مالم عليه .واهلل أعلم.
100
األســـــــئــلــة
101
أثر اإليماَ ن يف َح َياة الفرد وا َ
جلماَ َعة الفصل الثالث :
اإلنسان جسم وروح فيه غرائز طبيعية هي متطلبات جسمه وله نزعات ورغبات هي متطلبات
ال يدعو إىل الفوىض واالضطراب ويعني عىل نرش
روحه ،ولو تركت رغباته بال ضابط لكان ذلك عام ً
الفساد يف األرض نتيجة تصارع تلك الرغبات وتزاحم الناس عىل حتقيقها.
وقد ميز اهلل سبحانه وتعاىل اإلنسان عن سائر احليوانات بالعقل ونوره بالفطرة وكمله بالنبوة.
واإلنسان مدين بطبعه فكل فرد من أفراده جيب أن يكون شعوره نحو جمتمعه بنّاء كام يأخذ يعطي ،وكام
يساهم اآلخرون يف حاجاته جيب أن يساهم هو يف حاجتهم ولكّن حب الذات ،واختالف الناس يف
ال أو خطأ يف الترصف أو احتياالً
كثريا من الناس جيانب الصواب إما كس ً
اإلدراك ،ويف قوى العمل جتعل ً
بعيدا عن أعني
ويسلك شتى الطرق لتحقيق رغباته ونزواته .فاجلرائم تدبر يف اخلفاء وحتاك يف الظالم ً
الرقباء ،وعن العدالة لو افرتض تطبيقها بني الناس ،وال يمكن السيطرة عىل هذه النواحي ألن هذه أمور
قد ال تكون ظاهرة للمجتمع وال يمكن أن يسيطر عليها وينظمها سوى قوة داخلية ورقيب مالزم.
وليس ذلك إالَّ الدين ونور اإليامن الذي يستشعر الفرد مراقبة عالم الغيوب الذي جيازي كال بعمله
وال ختفى عليه خافية يف األرض وال يف السامء .فجاءت التعاليم الساموية لألخذ بيد اإلنسان إىل ما فيه
وروحا ورسمت له الطريق الذي يسلكه لتحقيق رغباته فحرم اإلسالم القتل
ً جسدا
ً سعادته .واهتمت به
والرهبانية وأمر بالتمتع بالطيبات من الرزق وحرم اخلبائث .وأمر بعبادته وإخالص الدين له وهنى عن
الكفر والفسوق والعصيان يف مواضع كثرية من القرآن .وقد تربأ هادي هذه األمة حممد ـ ﷺ ـ من النفر
الذين أرادوا الزيادة يف العمل عىل ما كان عليه الرسول ـ ﷺ ـ غري مبالني براحة أبداهنم روى أنس بن
مالك «ريض اهلل عنه» « :أن ثالثة رهط جاءوا إىل بيوت أزواج النبي ـ ﷺ ـ يسألون عن عبادة النبي ـ ﷺ
ـ فلام ُأخربوا كأهنم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي ـ ﷺ ـ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال
أبدا ،وقال آخر أنا أصوم الدهر وال أفطر ،وقال آخر أنا اعتزل النساء فال
أحدهم أما أنا فإين أصيل الليل ً
102
أبدا فجاء رسول اهلل ـ ﷺ ـ فقال « :أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما واهلل إين ألخشاكم هلل وأتقاكم
أتزوج ً
له ،لكني أصوم وأفطر ،وأصيل وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس مني»( .)1واألحاديث
يف هذا املعنى كثرية.
رصحا شامخً ا متكام ً
ال بداخله مجيع أسباب احلياة املثمرة ووسائلها الكفيلة بحياة ملئها ً فالدين يمثل
السعادة يف احلياة الدنيا وعاقبتها يف اآلخرة حياة أسمى منها وأتم وأكمل قد رتبت عليها ال ترتب العوض
ال من اهلل ورمحة ملن كان صادق
عىل املعوض ألن املحدد الضئيل ال يكون ثمنًا للمستمر الكثري ،ولكن فض ً
اإليامن به وبمالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وبالقدر خريه ورشه .فامتثال كل ركن من هذه األركان
ثامرا كثرية للفرد أوالً وللجامعة ثان ًيا مع ارتباط كل ركن منها باآلخر ألن عدم التصديق بواحد
يعطي ً
مثمرا ما مل يكن إيام ًنا بجميع األركان.
منها يعد تكذي ًبا هبا مجي ًعا ،وال ينفع اإليامن صاحبه وال يكون ً
واإلنـسـان خـلـق لالبـتــالء قـال ـ تـعـاىل ـ ﴿ :
﴾(.)2
بصيرا متحركًا ووضع فيه الرغبات وقد كمله ال ّله تعالى بما هو الزم لهذا االبتالء فجعله عاق ً
ال سمي ًعا ً
والنزعات الجسدية والروحية وأرسل له الرسل توضح له الطريق المستقيم الذي ينبغي أن يسير عليه
لينال الحياة الطيبة في الدنيا وليصل إلى النعيم المقيم في اآلخرة ،وتحذره من الطرق الموصلة إلى
عذاب الـسعـير قـال ـ تعالى ـ مـبـينًا ذلك ﴿ :
﴾( .)3فالخروج عن العبادة خروج عن الصراط
المستقيم والعبادة الحقة هي الحسنة التي فيها اإلخالص واالتباع ،اإلخالص بالقصد ،واإلتباع بالتزام
﴾( .)4واالبتالء االختبار لمعرفة التعاليم السماوية لقوله ـ تعالى ـ ﴿ :
ال بموافقته األمر امتثاالً وابتعاده عن النهي هجرا ًنا.
األحسن عم ً
( )2سورة اإلنسان :آية (.)2 ( )1صحيح البخاري ،7/2باب النكاح ،انظري صحيح مسلم . 1020/2
( )4سورة هود :آية (.)7 ( )3سورة الذاريات :اآليات ( 56ـ .)58
103
وعىل هذا فاإليامن بجميع أركانه وحدة متكاملة مرتبط بعضها ببعض ال يغني بعضها عن اآلخر
وآثار اإليامن بكل ركن منها آثار لباقيها فهي عىل التحقيق غري منفصلة عن بعضها وكذلك تأثريها عىل
الفرد واجلامعة ولكون الفرد هو اللبنة األوىل التي يتكون منها املجتمع جاءت التعاليم الساموية منصبة
عىل األفراد ألن صالحهم صالح املجتمع ،ومن اآلثار ما ييل :
أ ـ أن اإليامن باهلل هو حياة القلوب الباعث هلا عىل القوة التي ترقى هبا يف مدارج الكامل ،وهو احلافز
للنفوس عىل التــحيل بخــصال اخلــري والتــنزه عىل الرذائل وســفاسـف األمـور كام قـال ـ تعاىل ـ :
﴿
﴾(.)1
ب ـ أن اإليامن مصدر الراحة والطمأنينة لألفراد ألنه يساير الفطرة ويوافق طبيعتها ،وهو مصدر
اهلناء والسعادة للمجتمع ألنه يقوي روابطه ويوثق صالته ويزكي عواطفه ويسمو هبا نحو الفضيلة .إهنا
نعمة الرضا يف كل حال ،حال السعة والضيق ،والعــرس واليــرس والفـرح واحلـزن إيــام ًنا بقـضـاء اهلل
وحكمـته كـام قال ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)2
وروى اإلمام مسلم بسنده عن صهيب قال :قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ « :عج ًبا ألمر املؤمن .إن أمره كله
خري ،وليس ذاك ألحد إالَّ للمؤمن .إن أصابته رساء شكر ،فكان ً
خريا له ،وإن أصابته رضاء ،صرب فكان
خريا له»( .)3فاملؤمن املستشعر هلذا يكون هادىء القلب مرتاح البدن والنفس .متأل حياته السعادة ويعلوه
ً
الرضا .والسكينة مطمئن إىل رمحة اهلل وعدله ،ألنه مالذه وملتجأه وقرة عينه وبرد يقينه.
جـ ـ طهر النفوس وصفائها ،أي أن اإليامن يطهر النفوس من األوهام واخلرافات فتصفو ملا فطرت عليه،
وتسمو ويعلو شأهنا بام تكون عليه من الكرامة فكل خضوع فيها واستكانة تتحدد جتاه خالقها وصاحب
( )2سورة البقرة :آية (.)216 ( )1سورة األنعام :آية ( .)122
( )3صحيح اإلمام مسلم . 2295/4ولسند اإلمام أمحد . 16 ، 15/6 ، 333 ، 332/4
104
الفضل عليها وعىل اخللق كلهم املتكفل بمصاحلهم فمتى استشعرت النفوس وحدهتا يف اخللقة ،وكفالتها
يف الرزق ذهبت عنها قيود الوهم ،واخلوف والرجاء من اخللق سواء من كرباء البرش أو مما خيرتعه اخليال مما
يظن يف الظواهر الكونية من الكواكب واألشجار واألحجار ونحوها أو من القبور وأصحاهبا فتتعلق باحلق
وتعرض عن سواه ،فيتحد الناس يف التعلق واهلدف فتزول عنهم بواعث التنافس واخلالف.
د ـ إظهار العزة والمنعة ،إن من يؤمن بأن الدنيـا مـزرعـة اآلخـرة كما قـال ـ تعالى ـ ﴿ :
﴾(.)1
وقـال ـ تـعـالى ـ ﴿ :
﴾( .)2ويؤمن بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه ينتزع من قلبه أي باعث
على الخوف وأي مظهر من مظاهره فال يرضى لنفسه بالذلة والهوان وال يصبر على الهزيمة والعدوان.
ومن هنا يظهر لنا بوضوح كيف تحققت تلك اإلنجازات العظيمة على يد الرسول ـ ﷺ ـ وعلى أيدي
أصحابه .إن قوى األرض كلها ال تقف أمام من خالطت بشاشة اإليمان قلبه وراقب ال ّله في عمله،
وكانت الدار اآلخرة مطلبه ،كما ندرك كيف كان األنبياء عليهم السالم وهم أفراد يقفون أمام أقوامهم
متحدين وغير مبالين بكثرة أولئك وقوتهم ،وفي مواقف الخليل وهود «عليهما الصالة والسالم» ما
يجلي ذلك بوضوح ويبرز قوة اإليمان الحقيقية.
هـ ـ التحيل بمكارم األخالق ،إن إيامن املرء بحياة بعد هذه احلياة حيصل هبا اجلزاء عىل األعامل
مما يشعر بأن حلياته غاية وهد ًفا سام ًيا األمر الذي يدفعه إىل األعامل احلسنة من فعل اخلريات والتحيل
بالفضائل واالبتعاد عن الرشور والتخيل عن الرذائل ،وهذا من شأنه أن يوجد الفرد الفاضل واملجتمع
الكريم والدولة الناهضة.
و ـ اجلد واالجتهاد يف العمل ،إن من يؤمن بقضاء اهلل وقدره يعلم ارتباط األسباب بمسبباهتا،
105
ويعرف قيمة العمل ومنزلته وفضله ويدرك أن من توفيق اهلل لإلنسان هدايته لألخذ باألسباب املوصلة
إىل املطلوب ،وال جيد القنوط واليأس طري ًقا إىل نفسه نتيجة ما فاته من أمر كام ال يدب الغرور والفخر إىل
نـفـسـه إذا نال شـيـ ًئا من حـطام الدنيا إيـام ًنا بـقـوله ـ تعاىل ـ ﴿ :
﴾(.)1
واهلل أعلم وصىل اهلل عىل حممد وعىل آله وصحبه وسلم.
األســـــــئــلــة
106
الم َراجع
أهم المصادر َو َ
1ـ القرآن الكريم.
2ـ اإلذاعة ملا كان وما يكون بني يدي الساعة تأليف :حممد صديق حسن.
3ـ األسئلة واألجوبة األصولية عىل العقيدة الواسطية :تأليف :الشيخ عبدالعزيز املحمد السلامن.
4ـ أضواء البيان يف إيضاح القرآن .تأليف :حممد األمني بن حممد املختار اجلكني الشنقيطي.
5ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان البن قيم اجلوزية.
6ـ اإليامن أركانه ،حقيقته ،نواقضه .تأليف :الدكتور حممد نعيم ياسني.
7ـ اإليامن ومعامله وسننه واستكامله ودرجاته .تأليف :اإلمام أبو عبيد القاسم بن سالم .حتقيق :نارص الدين األلباين.
8ـ اإليامن تأليف :احلافظ أبو بكر عبداهلل بن حممد بن أيب شيبة العبيس .حتقيق :نارص الدين األلباين.
9ـ اإليامن .تأليف :شيخ اإلسالم تقي الدين أمحد بن عبداحلليم بن تيمية.
10ـ كتاب اإليامن .تأليف :عبداملجيد الزنداين ،ومجاعة.
11ـ كتاب اإليامن .تأليف :احلافظ حممد بن إسحق بن منده .حتقيق :الدكتور عيل نارص فيقهي.
12ـ التبصري يف الدين ،ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اهلالكني .تأليف :أبو املظفر االسفرائيني .حتقيق :كامل
يوسف احلوت.
13ـ التحفة السنية يف هتذيب رشح العقيدة الطحاوية .تأليف :الدكتور مروان القييس.
14ـ حتفة املريد ـ رشح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم البيجوري.
15ـ التحفة املهدية رشح الرسالة التدمرية .تصحيح وتعليق :الشيخ عبدالرمحن بن صالح املحمود.
16ـ تفسري القرآن العظيم .للحافظ ابن كثري.
17ـ التفسري الكبري لإلمام الفخر الرازي.
18ـ تيسري العزيز احلميد يف رشح كتاب التوحيد .تأليف :الشيخ سليامن بن عبداهلل بن حممد بن عبدالوهاب.
19ـ جامع البيان يف تفسري القرآن .ملحمد بن جرير الطربي.
20ـ اجلامع لشعب اإليامن .لإلمام احلافظ أيب بكر البيهقي.
21ـ حد اإلسالم وحقيقة اإليامن .للشيخ عبداملجيد الشاذيل.
22ـ الرسل والرساالت .لعمر سليامن األشقر.
23ـ رشح العقيدة الطحاوية .البن أيب العز احلنفي.
24ـ رشح العقيدة الواسطية .ملحمد خليل هراس.
25ـ رشح العقيدة النونية .البن القيم .تأليف :الدكتور حممد خليل هراس.
26ـ رشح ملعة االعتقاد البن قدامة .تأليف :الشيخ حممد الصالح العثيمني.
107
27ـ رشح النووي عىل صحيح اإلمام مسلم.
28ـ الرشيعة .لإلمام أيب بكر حممد بن احلسني اآلجري .حتقيق :حممد حامد الفقي .دار الكتب العلمية ببريوت.
الطبعة األوىل (1403هـ ـ 1983م).
29ـ صحيح اإلمام البخاري .طبعة دار إحياء الرتاث العريب ـ بريوت ـ لبنان.
30ـ صحيح اإلمام مسلم .دار إحياء الرتاث العريب ـ بريوت ـ لبنان .حتقيق :حممد فؤاد عبدالباقي.
31ـ عامل املالئكة األبرار .لعمر سليامن األشقر.
32ـ العقائد اإلسالمية .لسيد سابق.
33ـ العقيدة اإلسالمية وأسسها .تأليف :األستاذ عبدالرمحن امليداين.
34ـ العقيدة اإلسالمية سفينة النجاة .تأليف :الدكتور حممد كامل عيسى.
35ـ عقيدة املسلمني والرد عىل امللحدين واملبتدعني .للشيخ صالح بن إبراهيم البليهي.
36ـ فتح الباري برشح صحيح البخاري .البن حجر العسقالين.
37ـ فتح املجيد رشح كتاب التوحيد .للشيخ عبدالرمحن بن حسن بن حممد بن عبدالوهاب.
38ـ الفرق بني الفرق .تأليف :عبدالقاهر بن طاهر.
39ـ القاموس املحيط .تأليف :جمدالدين حممد بن يعقوب الفريوزآبادي.
40ـ لسان العرب .البن منظور مجال الدين حممد بن مكرم األنصاري.
41ـ لوامع األنوار البهية يف سواطع األرسار األثرية ـ لرشح الدرة املضية ،يف عقيدة الفرقة املرضية .لإلمام حممد
ابن أمحد السفاريني.
42ـ جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية .مجع :عبدالرمحن بن قاسم.
43ـ خمتار الصحاح .تأليف :حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي.
44ـ املستدرك عىل الصحيحني لإلمام احلافظ أيب عبداهلل احلاكم .حممد أمني دمج ـ بريوت ـ لبنان.
45ـ مسند اإلمام أمحد بن حنبل وهبامشه منتخب كنز العامل يف سنن األقوال واألفعال :املكتب اإلسالمي ـ بريوت
ـ الطبعة الثالثة (1398هـ ـ 1978م).
46ـ املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للرافعي .لإلمام أمحد بن حممد املقري.
47ـ معارج القبول برشح سلم الوصول إىل علم األصول يف التوحيد .للشيخ حافظ بن أمحد احلكمي.
48ـ املعتمد يف أصول الدين .للقايض أيب يعيل احلنبيل.
49ـ املفردات يف غريب القرآن :أليب القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب األصفهاين.
50ـ امللل والنحل .أليب الفتح حممد عبدالكريم بن أيب بكر الشهرستاين.
51ـ كتاب املنهاج يف شعب اإليامن .أليب عبداهلل احلسني بن احلسني احلليمي.
108
الــــفــــــــهـــــــــــــرس
الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة
109
الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة
110
الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة
الفصل الثالث :أثر اإليامن يف حياة الفرد سادس ًا :اإليامن بالقضاء والقدر
والجماعة 83 1ـ تعريف القضاء والقدر
102 ذكر بعض اآلثار 84 2ـ اإليامن بقضاء اهلل وقدره
106 أسئلة 86 3ـ مراتب اإليامن بالقدر
107 أهم املصادر واملراجع 86 املرتبة األوىل
109 الفهرس 87 املرتبة الثانية
88 املرتبة الثالثة
89 املرتبة الرابعة
90 4ـ أنواع املقادير
90 التقدير األول
90 التقدير الثاين
91 التقدير الثالث
91 التقدير الرابع
92 5ـ التحذير من اخلوض يف القدر
94 6ـ مذهب السلف يف القضاء والقدر
96 خالصة مذهب السلف
7ـ حكم االحتجاج بالقضاء والقدر يف
97 ترك األمر
100 8ـ حكم االحتجاج بالقدر عند املصائب
101 أسئلة
111