You are on page 1of 112

‫ق�ررت وزارة الرتبيـ�ة والتعلـي�م تدري�س‬

‫هـ�ذا الكـت�اب وطـبــعـه على نفـقـــتـها‬

‫مــــقـــــــــــــــــــرر‬

‫حـــــــيد‬‫ــو‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫الـ‬ ‫ـلــم‬ ‫ِ‬
‫ع‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫للصف الثاين الثانوي‬
‫بنــات‬
‫(أديب ــ علمي ــ حتفيظ قرآن)‬

‫طـبــعـة ‪ 1428‬هـ ‪ 1429 -‬هـ‬


‫‪2007‬م ‪2008 -‬م‬
‫وزارة الرتبية والتعليم‪1416 ،‬هـ‬

‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬


‫السعودية ‪ -‬وزارة الرتبية والتعليم‬
‫علم التوحيد ‪ :‬املرحلة الثانوية ‪ -‬الصف الثاين ‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫‪112‬ص ‪ 23 × 21 ،‬سم‬
‫ردمك ‪9960 - 09 - 459 - 9‬‬
‫‪ - 1‬التوحيد ‪ -‬كتب دراسية‬
‫أ ‪ -‬العنوان‬ ‫‪ - 2‬السعودية ‪ -‬التعليم الثانوي ‪ -‬كتب دراسية‬
‫‪16/2436‬‬ ‫ ‬ ‫ديوي ‪240 ، 0712‬‬

‫رقم اإليداع ‪16/2436 :‬‬


‫ردمك ‪9960 - 09 - 459 - 9‬‬

‫هلذا الكتاب قيمة مهمة وفائدة كبرية فحافظي عليه واجعيل نظافته تشهد‬
‫عىل حسن سلوكك معه ‪...‬‬

‫إذا مل حتتفظي هبذا الكتاب يف مكتبتك اخلاصة يف آخر العام لالستفادة فاجعيل‬
‫مكتبة مدرستك حتتفظ به ‪...‬‬

‫موقع الوزارة‬
‫‪www.moe.gov.sa‬‬ ‫حقوق الطبع والنرش حمفوظة‬
‫موقع اإلدارة العامة للمناهج‬ ‫لوزارة الرتبية والتعليم‬
‫‪www.moe.gov.sa/curriculum/index.htm‬‬
‫اإلدارة العامة للمناهج وحدة العلوم الرشعية‬ ‫باململكة العربية السعودية‬
‫‪runit@moe.gov.sa‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫﴿‬

‫﴾‬ ‫ ‬
‫(سورة النساء آية ‪.)136‬‬ ‫ ‬
‫الفصل الدرايس األول‬
‫اإليــمـــــان‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫احــــــث يف‬‫ــب‬
‫َم َ‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫اإليــمــــــــان‬
‫َ‬ ‫َمــعـــنــى‬

‫اإليامن يف اللغة ‪ :‬تصديق القلب‪.‬‬

‫اإليامن يف الرشع ‪ :‬تصديق بالقلب‪ ،‬وإقرار باللسان‪ ،‬وعمل باألركان‪ .‬وهذا رأي اجلمهور وحكى‬
‫اإلمام الشافعي ـ رمحه اهلل ـ إمجاع الصحابة والتابعني ومن بعدهم ممن أدركهم عىل ذلك‪.‬‬

‫رشح التعريف ‪:‬‬


‫«تصديق القلب» ‪ :‬قبوله كل ما جاء به الرسول ـ ﷺ ـ «إقرار اللسان» ‪ :‬النطق بالشهادتني ‪ :‬شهادة‬
‫حممدا رسول اهلل‪« .‬العمل باألركان» ‪ :‬عمل القلب اعتقا ًدا‪ ،‬أو عمل اجلوارح‬
‫ً‬ ‫أن ال إله إالَّ اهلل وأن‬
‫بالعبادات بحسبها‪.‬‬
‫والسلف ـ رمحهم اهلل تعاىل ـ جعلوا األعامل داخلة يف مسمى اإليامن‪ .‬وعىل هذا فهو يزيد‪ ،‬وينقص‬
‫تب ًعا لزيادة األعامل ونقصها‪.‬‬

‫أدلة السلف ‪:‬‬


‫استدل السلف بأدلة كثرية منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾ (‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬سورة املدثر ‪ :‬آية (‪.)31‬‬

‫‬
‫‪ 2‬ـ قـول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾ (‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ ما روى مسلم بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬اإليامن‬
‫بضع وسبعون‪ ،‬أو بضع وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها قول ال إله إالَّ اهلل‪ ،‬وأدناها إماطة(‪ )2‬األذى عن الطريق‪،‬‬
‫واحلياء شعبة من اإليامن»(‪.)3‬‬
‫‪ 4‬ـ ما روى مســلم بسـنده عن أيب ســعيد اخلـدري ـ ريض اهلل عنه ـ أنه قـال ‪ :‬سـمـعت رسـول‬
‫منكرا فليغريه بيده فإن مل يستطع فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه‪،‬‬
‫ً‬ ‫اهلل ـ ﷺ ـ يقـول ‪« :‬من رأى منكم‬
‫وذلك أضـعـف اإليـامن»(‪.)4‬‬
‫وجه االستدالل من األدلة السابقة عىل زيادة اإليامن ونقصانه ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪:‬‬
‫فيه إثبات زيادة إيامن املؤمنني إيام ًنا إىل إيامهنم وذلك شهودهم صدق نبيهم ـ ﷺ ـ بمطابقة خربه ملا‬
‫جاء يف الكتب الساموية السابقة‪.‬‬
‫الدليل الثاين ‪:‬‬
‫وفيه إثبات زيادة اإليامن بسامع آيات اهلل ـ تعاىل ـ لدى من وصفهم اهلل ـ تعاىل ـ به‪ ،‬وأولئك هم‬
‫من إذا ُذكر اهلل ـ تعاىل ـ حصل هلم خوفه املستلزم فعل املأمور واالبتعاد عن املحظور‪ .‬وهم املتوكلون‬
‫عىل اهلل ـ تعاىل ـ فال يرجون سواه وال يقصدون إالَّ إياه وال يطلبون احلوائج إالَّ منه‪ .‬املوصوفون بتأدية‬

‫(‪ )2‬إماطة األذى ‪ :‬تنحيته وإبعاده‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األنفال ‪ :‬آية (‪ .)4 ، 2‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 63/1 :‬وورد يف مسند اإلمام أمحد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول اهلل ﷺ أنه قال ‪ :‬من أعطى هلل تعاىل‬
‫ومنع هلل تعاىل وأحب هلل تعاىل وأبغض هلل تعاىل وأنكح هلل تعاىل فقد استكمل إيـامنـه‪.‬‬
‫مسند اإلمام أمحد ‪ :‬م ‪ 3‬ص ‪. 440 ، 438‬‬
‫(‪ )4‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 69/1 :‬‬

‫‬
‫األعامل املرشوعة من إقامة الصالة وإيتاء الزكاة فهؤالء هم املؤمنون حق اإليامن بحصول تلك األُمور‬
‫اعتقا ًدا وعمالً‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪:‬‬
‫يف احلديث أن اإليامن ُش َعب متعددة وكل شعبة منها شعبة من اإليامن ومع تفاوهتا يف الفضل فأعالها‬
‫ال قول «ال إله إالَّ اهلل» وتتواىل بعدها ُ‬
‫الش َعب يف الفضل من حيث هي يف املنزلة والفضل حتى‬ ‫منزلة وفض ً‬
‫تنتهي إىل أدناها يف ذلك وهي شعبة إماطة األذى عن الطريق وما بينهام كالصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪،‬‬
‫واحلج‪ ،‬واألعامل الباطنة كاحلياء‪ ،‬والتوكل‪ ،‬واخلشية‪ ،‬وغري ذلك كله يسمى إيام ًنا‪.‬‬
‫الش َعب منها ما يزول اإليامن بزواهلا إمجا ًعا كالشهادتني‪ ،‬ومنها ما ال يزول بزواهلا إمجا ًعا كرتك‬
‫وهذه ُ‬
‫ال تأيت زيادة اإليامن ونقصانه‪.‬‬
‫إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬وبحسب القيام هبا كثرة ومتث ً‬
‫الدليل الرابع ‪:‬‬
‫يف حديث اإلمام مسلم بيان مراتب تغيري املنكر وكوهنا من اإليامن حيث نفاه عن من مل حتصل منه‬
‫أدنى مرتبة من مراتب التغيري مرتبة تغيري املنكر بالقلب‪ .‬كام يف بعض روايات احلديث ‪« :‬وليس بعد ذلك‬
‫من اإليامن حبة خردل» وعىل هذا فام سبقها من املراتب أقوى إيام ًنا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما معنى اإليامن لغة ؟‬


‫س‪ : 2‬ما تعريف اجلمهور لإليامن اصطالح ًا ؟‬
‫س‪ : 3‬اذكري بعض أدلة السلف عىل زيادة اإليامن ونقصه‪.‬‬
‫س‪ : 4‬ما وجه االستدالل من حديث ُش َعب اإليامن عىل زيادة اإليامن ونقصه ؟‬
‫س‪ : 5‬اذكري وجه استدالل السلف بحديث «من رأى منكم منكر ًا‪ ..‬احلديث» عىل كوهنا من‬
‫اإليامن‪ ،‬وعىل زيادته ونقصه‪.‬‬

‫‬
‫اإليــمـــان‬
‫َ‬ ‫َحـقــيــقــــة‬

‫يقول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾ (‪.)1‬‬
‫ويقـول تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾ (‪.)2‬‬
‫وذكر اهلل تبارك وتعاىل يف اآليات األوىل أولئك الذين ترق قلوهبم وختاف اهلل تعاىل عند ذكره‪ ،‬ويزداد‬
‫تصديقهم بسامع آيات اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وال يرجون سواه‪ ،‬وال يقصدون غريه كام ال يطلبون احلوائج‬
‫إالَّ منه ويعلمون أنه املترصف يف امللك وحده ال رشيك له‪ .‬وحيافظون عىل أداء الفرائض كلها برشوطها‬
‫وأركاهنا وسننها‪ ،‬هؤالء هم املؤمنون حق اإليامن وعدهم اهلل ـ تعاىل ـ بالدرجات العليا عنده كام ينالون‬
‫مغفرته وثوابه العظيم‪.‬‬
‫وقد وصف ـ سبحانه وتعاىل ـ يف اآلية األخرية أصحاب رسول اهلل ـ ﷺ ـ من املهاجرين واألنصار‬
‫بذلك اإليامن احلق ملا قام هبم من اإليامن وما قاموا به من األعامل ثمرة لذلك‪.‬‬
‫وقد سبقت لنا معرفة داللة لفظ «اإليامن» يف اللغة ويف االصطالح‪.‬‬
‫كام عرفنا أن مذهب أهل السنة واجلامعة دخول األعامل يف مسمى اإليامن‪ ،‬وأنه يزيد وينقص‪ ،‬يزيد‬
‫بزيادة األعامل وبزيادة التصديق‪ ،‬وينقص بنقص ذلك‪ ،‬وقد عرفنا كثري ًا من األدلة عىل ذلك‪.‬‬
‫وهنا نريد زيادة بيان معنى «اإلسالم واإليامن»‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة األنفال ‪ :‬اآليات (‪.)4 ، 2‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنفال ‪ :‬آية (‪.)74‬‬

‫‬
‫اإلسالم واإليامن ‪:‬‬

‫يف اإلسالم واإليامن جيتمع الدين كله‪.‬‬


‫وقد فرق النبي ـ ﷺ ـ بني مسمى اإلسالم وبني مسمى اإليامن وبني مسمى اإلحسان يف حديث‬
‫يوما للناس‬
‫بارزا ً‬
‫جربيل ـ عليه السالم ـ‪ .‬فقد روى البخاري بسنده عن أيب هريرة قال ‪ :‬كان النبي ـ ﷺ ـ ً‬
‫فأتاه جربيل فقال ‪« :‬ما اإليامن ؟‪ ،‬قال ‪ :‬اإليامن أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وتؤمن بالبعث‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما اإلسالم ؟‪ ،‬قال ‪ :‬اإلسالم أن تعبد اهلل وال ترشك به وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤيت الزكاة املفروضة‪،‬‬
‫وتصوم رمضان‪ ،‬وحتج البيت‪ ،‬قال ‪ :‬ما اإلحسان ؟‪ ،‬قال ‪ :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن مل تكن تراه فإنه‬
‫يراك‪ ،‬قال ‪ :‬متى الساعة ؟‪ ،‬قال ما املسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخربك عن أرشاطها إذا ولدت‬
‫األمة رهبا(‪ ،)1‬وإذا تطاول رعاة اإلبل البهم(‪ )2‬يف البنيان يف مخس ال يعلمهن إالَّ اهلل‪ ،‬ثم أدبر فقال ردوه فلم‬
‫يروا شي ًئا فقال هذا جربيل جاء يعلم الناس دينهم»‪.‬‬

‫فأما اإلسالم ‪:‬‬


‫إسالما كتسليم القلب وسالمة الناس من اللسان واليد‪،‬‬
‫ً‬ ‫كثريا من األمور‬
‫فقد سمى الرسول ـ ﷺ ـ ً‬
‫إسالما فيها االستسالم‬
‫ً‬ ‫األمور التي سامها الرسول ـ ﷺ ـ‬‫وإطعام الطعام‪ ،‬وطيب الكالم ومجيع هذه ُ‬
‫واالنقياد الظاهر‪ .‬فحكم اإلسالم يثبت بالشهادتني وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج‬
‫بيت اهلل احلرام‪ .‬وهذه األمور أظهر شعائر اإلسالم وبقيام اإلنسان هبا يتم استسالمه وتركها يشعر بعدم‬
‫االستجابة واالنقياد‪ .‬كام أن تسليم القلب يعني الرضاء والطاعة وسالمة الناس من اللسان واليد تعني‬
‫الشعور برابطة األخوة الدينية‪ ،‬وكف األذى امتثاالً لتعاليم الدين الذي حث عىل اإلحسان‪ ،‬وهنى عن‬
‫اإليذاء‪ ،‬وأمر بالبذل واملساعدة ورغب يف خصال اخلري كلها‪ .‬متثل اإلنسان بتلك األمور وغريها من‬
‫(‪ )1‬اختلفت الروايات يف اللفظ فروى «رهبا» واملعنى أن الرساري تلد سيدها وملكها‪ ،‬أو سيدهتا ومالكتها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجع هبمة‪ ،‬الصغار من أوالد الغنم‪ ،‬الضأن واملعز مجي ًعا‪ .‬وقيل أوالد الضأن خاصة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫اخلالل احلميدة يعني االنقياد والطاعة وتلك من أظهر الصور املعربة عن اإلسالم‪ ،‬كام يستحيل ظهورها‬
‫ال وسلوكًا من غري تصديق‪ .‬تلك ُ‬
‫األمور التي عرب هبا عن اإلسالم‪.‬‬ ‫عم ً‬

‫وأما اإليـمـــان ‪:‬‬

‫فقد عرفنا جواب الرسول ـ ﷺ ـ يف حديث جربيل‪ ،‬كام سمى ـ عليه الصالة والسالم ـ ُأ ً‬
‫مورا أخرى‬
‫إيام ًنا‪ ،‬كحسن اخللق‪ ،‬والسامحة والصرب وحب الرسول ـ ﷺ ـ وحب األنصار‪ ،‬واحلياء‪ .‬وغري ذلك كثري‬
‫جدا‪ .‬وهذا اإليامن هو التصديق الباطن ومل يأت ما خيصص اإليامن باألمور الباطنة‪ .‬بل جاء ما يدل عىل‬
‫ً‬
‫أن األعامل الظاهرة تسمى إيام ًنا وبعضها مما قد أخرب عنه الرسول ـ ﷺ ـ بأنه اإلسالم فقد فرس اإليامن‬
‫لوفد عبدالقيس بام فرس به اإلسالم يف حديث جربيل ـ عليه السالم ـ وكام يف حديث ُش َعب اإليامن‬
‫وقوله ‪« :‬أعالها قول ال إله إالَّ اهلل‪ ...‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق» مع ما بينهام من أعامل ظاهرة‬
‫وباطنة‪ .‬ومعلوم أنه مل يرد أن هذه األعامل تكون إيام ًنا باهلل ـ تعاىل ـ بدون إيامن القلب كام قد ورد يف كثري‬
‫من النصوص الرشعية من رضورة إيامن القلب‪ ،‬فالشعائر الظاهرة مع تصديق القلب هو اإليامن‪ ،‬فاسم‬
‫اإلسالم يتناول تصديق القلب‪ ،‬ويتناول األعامل‪ ،‬فذلك كله استسالم هلل ـ تعاىل ـ‪.‬‬

‫وعىل هذا يقال ‪:‬‬


‫إن اإلسالم واإليامن إذا اجتمعا‪ ،‬فرس اإلسالم باألمور الظاهرة من األعامل‪ ،‬وفرس اإليامن باألمور‬
‫الباطنة من االعتقاد‪.‬‬
‫وإذا افرتقا‪ ،‬فرس أحدمها بام يفرس به اآلخر‪ ،‬بمعنى أن اإلسالم يفرس باالعتقاد واألعامل‪ ،‬كام يفرس‬
‫بمثل ذلك اإليامن أيض ًا‪.‬‬
‫ومها واجبان فال ينال رضوان اهلل ـ تعاىل ـ وال ينجى من عقابه إالَّ باالنقياد الظاهر مع يقني القلب‬
‫فال يصح التفريق بينهام‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وال يستكمل اإلنسان اإليمان واإلسالم الواجبين عليه إالَّ بامتثال األوامر واالبتعاد عن النواهي كما‬
‫ال يلزم على الكمال بلوغ الغاية الختالف الدرجات في زيادة األعمال من النوافل وزيادة التصديق‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما صفات املؤمنني حق اإليامن ؟‬


‫س‪ : 2‬يف أي يشء جيتمع الدين ؟ وما الدليل ؟‬
‫س‪ : 3‬ما معنى ا ِ‬
‫إلسالم مع ذكر األدلة ؟‬
‫س‪ : 4‬ما معنى ا ِ‬
‫إليامن مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 5‬هل يطلق عىل األعامل الظاهرة إيام ًنا ؟ وكيف ذلك ؟‬
‫واحدا ؟ ومتى خيتلف ؟‬
‫ً‬ ‫س‪ : 6‬متى يكون معنى اإلسالم واإليامن‬

‫‪12‬‬
‫وشـــــــعــــبـه‬
‫َ‬ ‫اإليـــمــــــان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أركـــــــان‬

‫األركان ‪ :‬مجع ركن‪ ،‬وركن اليشء جانبه األقوى‪.‬‬


‫واملراد بأركان اإليامن ‪ :‬ما يتوقف عليه‪.‬‬
‫وأركـانه ســتة هـي ‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ اإليامن باملالئكة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ اإليامن باهلل تعاىل‪ .‬‬
‫‪ 4‬ـ اإليامن بالرسل‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ 3‬ـ اإليامن بالكتب الساموية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اإليامن بالقدر خريه ورشه‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ 5‬ـ اإليامن باليوم اآلخر‪.‬‬

‫والدليل عىل هذا جواب الرسول ـ ﷺ ـ حني سأله جربيل ـ عليه السالم ـ عن اإليامن قال ‪« :‬أن‬
‫تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(‪.)1‬‬
‫ب اإليامن ‪ :‬خصاله املتعددة وهي‬ ‫والش ْع َبة ‪ :‬الفرقة والطائفة من اليشء‪ُ .‬‬
‫وش َع ُ‬ ‫ب ‪ :‬مجع ُش ْع َبة‪ُّ ،‬‬
‫والش َع ُ‬
‫ُّ‬
‫كثرية تزيد عىل اثنتني وسبعني ُش ْعب ًة‪ ،‬فقد جاء يف احلديث أهنا بضع وسبعون ُش ْعب ًة‪.‬‬
‫والبضع يف العدد ‪ :‬ما بني االثنني والعرشة‪.‬‬
‫ودليل عدد ُش َع ِ‬
‫ب اإليامن ما روى مسلم بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال ‪« :‬اإليامن بضع‬
‫وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول ال إله إالَّ اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق»(‪.)2‬‬
‫وقد بينَّ الرسول ـ ﷺ ـ أن أفضل هذه اخلصال التوحيد املتعني عىل كل أحد‪ ،‬والذي ال يصح يشء‬
‫الش َعب إالَّ بعد صحته‪ ،‬وأدناها إزالة ما يتوقع رضره باملسلمني‪ ،‬من إماطة األذى عن طريقهم‪ .‬وبني‬
‫من ُ‬
‫هذين الطرفني أعداد من الشعب‪ .‬كحب الرسول ـ ﷺ ـ وحب املرء ألخيه كام حيب لنفسه واجلهاد وغري‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام مسلم ‪ 37/1 :‬وانظري صحيح البخاري ‪. 20 ، 19/1 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 63/1 :‬‬

‫‪13‬‬
‫ذلك كثري‪ ،‬ومل يرد الترصيح بخصال اإليامن كلها‪ .‬فاجتهد العلامء يف عدها فذكرها احلليمي صاحب‬
‫املنهاج سبع ًا وسبعني‪ ،‬وعدها احلافظ أبو حاتم ابن حبان تسع ًا وسبعني‪.‬‬
‫ب اإليامن املتعددة بعضها دعائم وأصول يزول اإليامن بزواهلا مثل إنكار اإليامن باليوم اآلخر‬
‫(‪)1‬‬
‫وش َع ُ‬
‫ُ‬
‫نقصا يف اإليامن أو فسق ًا‪ .‬مثل عدم إكرام‬
‫وبعضها فروع قد ال يزول اإليامن بزواهلا‪ ،‬وإن كان يوجب تركها ً‬
‫اجلار(‪ )2‬وقد جيتمع يف اإلنسان شعب إيامن‪ ،‬وشعب نفاق‪ ،‬فيستحق بشعب النفاق العذاب وال خيلد يف‬
‫النار ملا يف قلبه من اإليامن ومن هذه حاله ال يستحق اسم اإليامن املطلق املعلق به الوعد باجلنة والرمحة يف‬
‫اآلخرة والنجاة من العذاب مع تفاوت أصحاب هذا اإليامن املطلق يف درجاهتم‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما الفرق بني أركان اإليامن وشعبه ؟‬


‫س‪ : 2‬ما أركان اإليامن ؟ وما الدليل ؟‬
‫س‪ : 3‬ما معنى البضع يف العدد ؟‬
‫س‪ : 4‬هل أركان اإليامن وشعبه عىل حد سواء يف االعتقاد والعمل ؟‬
‫س‪ : 5‬هل جيتمع يف شخص إيامن ونفاق ؟ وما حكم من كان كذلك ؟‬
‫س‪ : 6‬من املؤمن املطلق ؟‬

‫﴾ (التغابن آية ‪. )7‬‬ ‫(‪ )1‬قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬


‫خريا أو ليصمت‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل‬ ‫(‪ )2‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال ‪« :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل ً‬
‫واليوم اآلخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم ضيفه» رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫انظري جامع العلوم واحلكم صفحة ‪. 123‬‬

‫‪14‬‬
‫اإليــــمــان‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ــــواقـــض‬‫َن‬

‫نواقض اإليامن ‪ :‬هو ما يذهبه بعد الدخول فيه ‪:‬‬

‫ومن نواقض اإليامن ما ييل ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ إنكار الربـوبيـة أو شـيء من خـصـائصـها‪ ،‬أو إدعاء شـيء منها أو تصـديــق املـدعـي لـذلك‪.‬‬
‫يـقـول اهلل تـعـاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬ـ االسـتـنكاف‪ ،‬واالستـكـبار عن عـبـادة اهلل تعاىل قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫‪ 3‬ـ اختـاذ الوســائط والشـفـعاء يدعــوهـم من دون اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة اجلاثية ‪ :‬آية (‪.)24‬‬


‫(‪ )2‬سورة النساء ‪ :‬اآليتان (‪.)173 ، 172‬‬
‫(‪ )3‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)18‬‬

‫‪15‬‬
‫ويقـول اهلل تعـاىل ‪﴿ :‬‬ ‫ ‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫‪ 4‬ـ جحد يشء مما أثبته اهلل ـ تعاىل ـ لنفسه أو أثبته له رسوله ـ ﷺ ـ‪ ،‬وكذلك من جيعل ملخلوق شي ًئا‬
‫من الصفات اخلاصة باهلل كعلم اهلل وأيضا إثبـات يشء نفاه اهلل ـ تعاىل ـ عن نفـسـه أو نفاه عنـه‬
‫رسـوله ـ ﷺ ـ‪ .‬يقول اهلل ـ تعاىل ـ خماط ًبا رسـوله ـ ﷺ ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫ويـقــول الـ ّلــه ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫ويـقـول اهلل ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)4‬‬

‫‪ 5‬ـ تكذيب الرسـول ـ ﷺ ـ يف يشء ممـا جـاء به يقول تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)5‬‬

‫‪ 6‬ـ اعتقاد عدم كامل هدي الرسول ـ ﷺ ـ أو جحود ما أنزل اهلل من احلكم الرشعي عليه‪ ،‬أو اعتقاد‬
‫أن حكم غريه أحسن منه أو أتم أو أشمل حلاجة البرش‪ ،‬أو اعتقاد مساواة حكم غري اهلل ـ تعاىل ـ‬

‫(‪ )2‬سورة اإلخالص ‪ :‬اآليات (‪.)4 ، 1‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة الرعد ‪ :‬آية (‪.)14‬‬
‫(‪ )4‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)65‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪.)180‬‬
‫(‪ )5‬سورة فاطر ‪ :‬اآليتان (‪ 25‬ـ ‪.)26‬‬

‫‪16‬‬
‫حلكــم اهلل ورســوله‪ .‬أو اعـتـقاد جــواز احلكـم بـغــري ما أنـزل اهلل ـ تعــاىل ـ يقول اهلل تعـاىل ‪:‬‬

‫﴿‬

‫﴾(‪.)1‬‬

‫ويقـول اهلل تعـاىل ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)2‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬ ‫ويقول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫‪ 7‬ـ عدم تكفري املرشكني‪ ،‬أو الشك يف كفرهم‪ ،‬ألن هذا شك‪ ،‬فيام جاء به الرسول ـ ﷺ ـ يقول اهلل ـ‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫‪ 8‬ـ االستهزاء باهلل تعاىل‪ ،‬أو بالقرآن الكريم‪ ،‬أو بالدين‪ ،‬أو بالثواب والعقاب أو نحو ذلك‪ .‬أو‬
‫جـدا‪ ،‬يقـول‬
‫مـزاحا أم ً‬
‫ً‬ ‫االسـتـهـزاء بالرســول ـ ﷺ ـ أو بأحد من األنـبـيـاء‪ .‬سواء أكان ذلك‬
‫تعـاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬

‫‪ 9‬ـ مظـاهرة املشـركـني ومعاونـتـهم عىل املسلمني يقول اهلل تعـاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)65‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)60‬‬
‫(‪ )4‬سورة إبراهيم ‪ :‬آية (‪.)9‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)44‬‬
‫ ‬
‫(‪ )6‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)51‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )5‬سورة التوبة ‪ :‬اآليتان (‪.)66 ، 65‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ 10‬ـ اعتقاد أنه يسع أحـد ًا اخلـروج عن هـدي حمـمد ـ ﷺ ـ وال جيـب عليـه اتباعه‪ .‬يقـول تعاىل ‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬

‫‪ 11‬ـ اإلعـراض عن ديـن اهلل ـ تعاىل ـ ال يتـعـلـمه وال يعمل به يقـول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫هذه من أبرز النواقض وهناك نواقض كثرية ترجع يف مجلتها إىل بعض ما ذكر من ذلك السحر‪،‬‬
‫وجحود القرآن أو يشء منه‪ ،‬أو الشك يف إعجازه‪ ،‬أو امتهان املصحف أو جزء منه‪ ،‬أو حتليل يشء جممع‬
‫عىل حتريمه كالزنا ورشب اخلمر‪ .‬أو الطعن يف الدين أو سبه‪ .‬نعوذ باهلل من الضالل‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما القاعدة العامة فيام ينقض اإليامن ؟‬


‫س‪ : 2‬ما الدليل عىل أن إنكار الربوبية ناقض لإليامن ؟‬
‫س‪ : 3‬ما الفرق بني إنكار الربوبية‪ ،‬وإنكار استحقاقه ـ تعاىل ـ للعبادة ؟‬
‫س‪ : 4‬ما حكم اختاذ الوسائط والشفعاء يف عبادة اهلل تعاىل ؟‬
‫س‪َ : 5‬لمِاذا كان تأويل أسامء اهلل وصفاته يف حكم التعطيل ؟‬
‫س‪ : 6‬هل يصح التحاكم إىل غري رشع اهلل ؟ وما الدليل ؟‬
‫مزاحا‪ ،‬مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 7‬هل جيوز االستهزاء باهلل أو بالقرآن أو بالرسول ـ ﷺ ـ ً‬
‫س‪ : 8‬هل يسع أحد اخلروج من هدي حممد ـ ﷺ ـ‪ ،‬وهل تسقط التكاليف عن أحد‪ ،‬مع االستدالل‬
‫عىل ما تقولني ؟‬

‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)3‬‬


‫(‪ )2‬سورة السجدة ‪ :‬آية (‪.)22‬‬

‫‪18‬‬
‫ُحكم ُمرتَكب الكــبرية‬

‫تنقسم الذنوب إىل كبائر وصغائر ‪:‬‬

‫فالكـبــــــرية ‪:‬‬

‫هي كل ذنب ترتب عليه حد يف الدنيا أو أوعد اهلل عليه بنار أو لعن أو غضب‪ .‬وقيل إن الكبرية ‪ :‬هي‬
‫كل معصية يقدم املرء عليها متهاو ًنا بارتكاهبا ومتجرئًا عليها‪ .‬ومثال الكبرية ما ذكر يف حديث عن أيب‬
‫هريرة (ريض اهلل عنه) عن النبي ﷺ قال ‪« :‬اجتنبوا السبع املوبقات‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما هن ؟ قال ‪ :‬الرشك باهلل‪،‬‬
‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم اهلل إالَّ باحلق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتويل يوم الزحف‪ ،‬وقذف‬
‫املحصنات املؤمنات الغافالت»(‪.)1‬‬

‫والصـغـــــرية ‪:‬‬
‫هي كل ذنب ليس فيه حد يف الدنيا وال وعيد خاص يف اآلخرة‪ .‬وقيل إن الصغرية ‪ :‬هي كل معصية‬
‫حتصل غفلة وال ينفك صاحبها عن ندم ينقص تلذذه باملعصية‪ .‬ومثال الصغرية‪ ،‬ما روى أبو هريرة (ريض‬
‫ب عىل ابن آدم نصيبه من الزنى‪ .‬مدرك ذلك ال حمالة‪ ،‬فالعينان زنامها النظر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل عنه) أن النبي ﷺ قال ‪« :‬كُت َ‬
‫واألذنان زنامها االستامع‪ ،‬واللسان زناه الكالم‪ ،‬واليد زناها البطش‪ ،‬والرجل زناها اخلطا‪ ،‬والقلب هيوى‬ ‫ُ‬
‫ويتمنى‪ ،‬ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»(‪ .)2‬ويدل عىل تقسيم الذنوب إىل كبـائر وصغائر قول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫﴿‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫وقول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬صحيح مسلم ح (‪.)2657‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬


‫(‪ )4‬سورة النجم ‪ :‬آية (‪.)32‬‬ ‫ ‬‫(‪ )3‬النساء ‪ :‬آية (‪.)31‬‬

‫‪19‬‬
‫روي عن عمر وابن عباس وغريمها ـ ريض اهلل عنهم ـ ‪( :‬ال كبرية مع استغفار‪ ،‬وال صغرية مع إرصار)‪.‬‬

‫ومذهب أهل السنة يف مرتكب الكبرية هو ‪:‬‬

‫أن مرتكب الكبرية ال يكفر هبا إذا كان من أهل التوحيد واإلخالص‪ ،‬بل هو مؤمن بإيامنه فاسق‬
‫بكبريته حتت مشيئة اهلل ـ تعاىل ـ إن شاء عفا عنه‪ ،‬وإن شاء عذبه بالنار عىل ما كان من العمل ثم خيرجه‬
‫منها فال خيلده فيها‪ ،‬خال ًفا لغالة الفرق الضالة يف ذلك وهم ‪:‬‬

‫(‪ )1‬املرجئة ‪ :‬وهم القائلون ‪ :‬بأنه ال يرض مع اإليامن معصية كام ال ينفع مع الكفر طاعة‪.‬‬

‫(‪ )2‬املعتزلة ‪ :‬وهم الذين يقولون بأن مرتكب الكبرية ال مؤمن وال كافر‪ ،‬بل هو يف منزلة بني املنزلتني‪،‬‬
‫وإذا خرج من الدنيا من غري توبة فهو من املخلدين يف النار‪.‬‬

‫(‪ )3‬اخلوارج ‪ :‬وهم القائلون بأن مرتكب الكبرية كافر خملد يف النار‪.‬‬

‫أدلة أهل السنة ‪:‬‬

‫جدا من الكتاب الكريم ومن السنة املطهرة منها ‪:‬‬


‫استدل أهل السنة بأدلة كثرية ً‬
‫‪ 1‬ـ قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾ (‪.)1‬‬

‫وجه االستدالل ‪ :‬أثبت اهلل تعاىل اإليامن ملرتكبي معصية االقتتال من املؤمنني‪ .‬والباغي من بعض‬
‫الطوائف عىل بعض‪ ،‬وجعلهم أخوة‪ .‬وأمر ـ تعاىل ـ املؤمنني باإلصالح بني إخوهتم يف اإليامن‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة احلجرات اآليتان ‪.)10 ، 9( :‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ 2‬ـ روى مسلم بسنده عن أيب سعيد اخلدري ـ ريض اهلل عنه ـ‪ ،‬أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬يدخل‬
‫اهلل أهل ِ‬
‫اجلنة اجلن َة‪ ،‬يدخل من يشاء برمحته‪ ،‬ويدخل أهل النَّ ِ‬
‫ار النَّ َار‪ .‬ثم يقول ‪ :‬انظروا من وجدتم يف قلبه‬
‫مثقال حبة من خردل من إيامن فأخرجوه‪ .‬فيخرجون منها محماً قد امتحشوا(‪ )1‬فيلقون يف هنر احلياة‪ ،‬أو‬
‫احليا(‪ )2‬فينبتون فيه كام تنبت احلبة إىل جانب السبل‪ .‬أمل تروها كيف خترج صفراء ملتوية»(‪.)3‬‬
‫وجه االستدالل يف احلديث ‪ :‬عدم ختليد أصحاب الذنوب يف النار حيث خيرج منها من يف قلبه أدنى‬
‫اإليامن‪ ،‬وال يكون اإليامن هبذا القدر إالَّ باملعايص فع ً‬
‫ال للمنهيات أو تركًا للواجبات‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫عريف الكبرية‪ ،‬والصغرية‪.‬‬


‫س‪ِّ : 1‬‬
‫س‪ : 2‬ما مذهب أهل السنة يف مرتكب الكبرية ؟‬
‫س‪ : 3‬هل املؤمن أخ ملرتكب الكبرية مع االستدالل ؟‬
‫س‪ : 4‬ما وجه االستدالل عىل مذهب أهل السنة يف مرتكب الكبرية من قوله ـ ﷺ ـ ‪« :‬خيرج من النار‬
‫من كان يف قلبه مثقال ذرة من إيامن» ؟‬
‫س‪ : 5‬ما األرضار املرتتبة عىل انتشار الذنوب يف املجتمع ؟‬

‫(‪ )1‬امتحشوا بمعنى احرتقوا‪.‬‬


‫(‪ )2‬املراد باحليا ‪ :‬املطر‪ ،‬سمي بذلك ألهنا حتيا به األرض‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ،172/1 :‬انظري صحيح البخاري ‪. 158/4 :‬‬

‫‪21‬‬
‫اإليـمـــان‬
‫َ‬ ‫املــعــصـــية َعـلـى‬
‫َ‬ ‫أثـر‬

‫الــمـــعـــــصـــــيــة ‪:‬‬
‫هي خالف الطاعة سواء كان تركًا ألمر أو ارتكا ًبا لنهي‪ .‬واإليامن كام سبق معرفة ذلك؛ بضع‬
‫وسبعون شعبة أعالها قول ال إله إالَّ اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق‪ .‬فليست شعبه عىل حد سواء‬
‫ال وتركًا‪ ،‬وعىل هذا ختتلف املعصية التي هي اخلروج عن الطاعة فإذا كانت جحو ًدا‬ ‫وقدرا‪ ،‬وفع ً‬
‫ً‬ ‫عظماً‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫وتكذي ًبا فهي ناقضة لإليامن كام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن فرعون بقوله ‪﴿ :‬‬
‫وقد تكون فيام دون ذلك فال حيصل هبا خروج من اإليامن ولكنها تقدح يف كامله بالنقص والتشويه فمن‬
‫أتى الكبائر كالزنا والرسقة ورشب اخلمر ونحو ذلك غري معتقد ِح ّلها ذهب ما يف قلبه من اخلشية واخلشوع‬
‫والنور‪ ،‬وإن بقي أصل التصديق يف قلبه فإن أناب إىل اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وعمل الصاحلات رجع إىل قلبه نوره‬
‫وخشيته‪ ،‬وإن متادى يف املعايص زاد الرين(‪ )2‬عىل قلبه إىل أن خيتم عليه والعياذ باهلل فيصبح ال يعرف معرو ًفا‬
‫منكرا روى اإلمام أمحد وغريه عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬إن‬ ‫وال ينكر ً‬
‫املؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء يف قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه‪ ،‬وإن زاد زادت حتى يعلو‬
‫﴾(‪.)4(»)3‬‬ ‫قلبه ذاك الرين الذي ذكر اهلل ـ عز وجل ـ يف القرآن ‪﴿ :‬‬
‫تصويرا ألثر املعصية عىل اإليامن هو ‪ :‬أن اإليامن كدوحة كبرية‪ ،‬فجذورها التصديق‬
‫ً‬ ‫وهناك مثال يعطي‬
‫وبه حياهتا‪ .‬وفروعها األعامل وهبا بقاؤها وحياهتا أيضا‪.‬‬
‫فكلام زادت الفروع ازدانت وكملت‪ ،‬وإذا نقصت تشوهت فلو استمر نقصها إىل أن مل يبق فيها‬
‫فرع وال ساق‪ ،‬ذهب مسامها‪ .‬فإن مل خترج جذورها سيقا ًنا وفرو ًعا وتورق يبست اجلذور وتفتتت يف‬
‫وخدشا يف كامله ومجاله بحسبها قلة وكثرة‬
‫ً‬ ‫نقصا منه‬
‫الرتبة‪ .‬وكذلك املعايص بالنسبة لدوحة اإليامن حتدث ً‬
‫وكربا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وصغرا ً‬
‫ً‬
‫والدنس‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرين ‪ :‬الطبع ّ‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬سورة النازعات آية (‪.)21‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أمحد ‪. 297/2 :‬‬ ‫ ‬‫(‪ )3‬سورة املطففني آية (‪.)14‬‬

‫‪22‬‬
‫اإليـــمـــان بالــغــــيــب‬
‫َ‬

‫مفهومه وأثره يف عقيدة املسلم ‪:‬‬

‫أو ًال ‪« :‬اإليامن بالغيب» ‪:‬‬

‫الغيب مصدر يستعمل يف كل غائب عن احلاسة‪ ،‬علم أو مل يعلم‪ .‬واإليامن بالغيب‪ ،‬أي بام ال يقع حتت‬
‫احلواس‪ ،‬وال يدرك ببداهة العقول‪ ،‬إنام يعلم بخرب األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫واإليمان بالغيب من صـفـات المـؤمن كما قال تعالى ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫وقيل يف معنى إيامهنم رأيان ‪:‬‬
‫أ ـ أهنم يؤمنون بام كان غائ ًبا عن احلـاســة‪ ،‬مما جــاء اخلــرب به عن اهلل تعـاىل وعن رســله ـ عليهم‬
‫الصـالة والسـالم ـ‪.‬‬
‫ب ـ أهنم يؤمنون باهلل ـ تعاىل ـ حال الغيب كام يؤمنون به حال احلضور بخالف املنافقني‪ .‬وال منافاة‬
‫بني املعنيني فالبد من األمرين يف املؤمن‪.‬‬

‫ثانيا ‪« :‬أثر اإليامن بالغيب يف عقيدة املسلم» ‪:‬‬


‫ً‬
‫جدا تنعكس عىل سلوك اإلنسان‪ ،‬وسريته يف احلياة فهي دافع قوي ألعامل‬
‫لإليامن بالغيب آثار كبرية ً‬
‫اخلري ومكافحة الرش منها ‪- :‬‬
‫أ ـ اإلخالص يف العمل رغبة يف الثواب‪ ،‬وخو ًفا من العقاب يف اآلخرة‪ ،‬ال طم ًعا يف اجلزاء والشكر‬

‫(‪ )1‬سورة البقرة اآليتان (‪.)3 ، 1‬‬

‫‪23‬‬
‫الدنيوي من الناس كــام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن عبــاده املطـعمني الطــعام مع حبـهم له بقـوله عنـهم ‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬

‫ب ـ القوة في الحق ـ ما وعد به أهل اإليمان يجعل المرء يسير في امتثال أوامر الله ـ تعالى ـ‪ ،‬وبيان‬
‫الم ِعين فهو قوي بالله ـ تعالى ـ تهون‬ ‫ِ‬
‫الحق والدعوة إليه وبيان الباطل والتحذير منه ومحاربته‪ ،‬وإن َعدم ُ‬
‫عليه الحياة الدنيا وعذابها بجانب الحيـاة اآلخرة‪ .‬وقـد أخـبـر الله ـ تعـالى ـ عن خـلـيـله إبراهيم ـ‬
‫عليـه السالم ـ قـوله لقـومه‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫وكام أخرب عن سحرة فرعون ملا آمنوا كيف استهانوا بتعذيب فـرعون هلم وقـالوا فيـام أخـرب اهلل ـ‬
‫تعاىل ـ عنهم ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬

‫جـ ـ احتقار املظاهر الدنيوية وهذا يكون نتيجة عمران القلب باإليامن بزوال الدنيا وملذاهتا‪ ،‬وأن‬
‫احلياة اآلخـرة هي حياة البقاء والسـعادة وليس من العـقل إيثـار الفـاين عىل البـاقي‪ ،‬يقـول اهلل تعـاىل ‪:‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫﴿‬

‫وأخرب ـ سبحانه وتعاىل ـ عن امرأة فرعون التي استهانت بام هي فيه من متاع احلياة الدنيا‪ ،‬وطلبت‬
‫النجاة من فرعون وعمله ابتغاء الدار اآلخرة ملا استنار قلبها بنور اإليامن باهلل ـ تعاىل ـ والدار اآلخرة‬

‫(‪ )1‬سورة اإلنسان اآليتان (‪.)9 ، 8‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنبياء ‪ :‬اآليتان (‪.)58 ، 57‬‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف ‪ :‬اآليتان (‪.)126 ، 125‬‬
‫(‪ )4‬سورة العنكبوت ‪ :‬آية (‪.)64‬‬

‫‪24‬‬
‫بـقـولـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫د ـ ذهاب الغل واألحقاد ـ إن السعي لتحقيق رغبات النفوس بغري طرقها الصحيحة يورث الغل‬
‫واألحقاد بني الناس‪ ،‬واإليامن بالغيب من وعد اهلل ـ تعاىل ـ ووعيده جيعل املرء حماس ًبا لنفسه يف مجيع‬
‫ترصفاته طم ًعا يف الثواب وخو ًفا من العقاب‪ ،‬واإليامن الصادق بتحقق الثواب جيعل النفس املؤمنة‬
‫مندفعة إىل اإلحسان واإليثار طم ًعا يف الثواب الباقي‪ ،‬األمر الذي تصفو معه النفوس وتسود املحبة بني‬
‫األفراد واجلامعات كام أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عن الذين امتثلوا ذلك بقوله ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫تلك بعض آثار اإليامن بالغيب‪ ،‬وال تتخلف إالَّ بضعف اإليامن‪ ،‬وإذا اختلفت أصبح املجتمع حيوان ًيا‬
‫يأكل ح ُّي ُه م ِّي َته‪ ،‬ويقهر قو ّيه ضعي َفه‪ ،‬فيعم اخلوف وينترش البالء وتتخلف الفضيلة وتسود الرذيلة‪ ،‬أعاذنا‬
‫اهلل من ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة التحريم ‪ :‬آية (‪.)11‬‬


‫(‪ )2‬سورة احلرش ‪ :‬اآليتان (‪.)10 ، 9‬‬

‫‪25‬‬
‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما املعصية‪ ،‬ومتى تكون خمرجة من الدين ؟‬


‫س‪ : 2‬ما أثر املعصية عىل اإليامن ؟‬
‫س‪ : 3‬إذا شبهنا اإليامن بشجرة فام صورة التشبيه ؟‬
‫﴾؟‬ ‫س‪ : 4‬ما معنى اإليامن بالغيب‪ ،‬وما تفسري قول اهلل ـ تعاىل ـ ﴿‬
‫س‪ : 5‬كيف يكون اإلخالص يف العمل من آثار اإليامن بالغيب‪...‬؟‬
‫س‪َ : 6‬لمِا َذا ال يكون املؤمن جبا ًنا ؟‬
‫س‪َ : 7‬لمِا َذا رغبت امرأة فرعون عن ما بني يدهيا من متع احلياة وطلبت النجاة من فرعون وعمله ؟‬
‫س‪ : 8‬كيف يكون اإليامن بالغيب سب ًبا النتشار املحبة يف املجتمع ؟‬

‫‪26‬‬
‫اإليــمــــان‬
‫َ‬ ‫أركــــان‬ ‫الفصل الثاين ‪:‬‬

‫تــعــــاىل‬ ‫اإليــمــــان هَّ‬


‫بالل َ‬ ‫َ‬ ‫أو ًال ‪:‬‬

‫ولدا‪ ،‬وهو رب كل يشء ومليكه‬‫هو االعتقاد اجلازم بأن اهلل ـ تعاىل ـ واحد أحد فرد صمد مل يتخذ صاحبة وال ً‬
‫ليس له رشيك يف امللك هو اخلالق‪ ،‬الرازق‪ ،‬املعطي‪ ،‬املانع‪ ،‬املحيي املميت املترصف يف مجيع شؤون اخللق‪.‬‬
‫وهو املستحق للعبادة وحده دون سواه بجميع أنواعها من اخلضوع‪ ،‬واخلشوع‪ ،‬واخلشية‪ ،‬واإلنابة‪،‬‬
‫والقصد‪ ،‬والطلب‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والذبح‪ ،‬والنذر ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن اإليامن باهلل‪ ،‬اإليامن بام أخرب به عن نفسه يف كتابه الكريم‪ ،‬أو أخرب به عنه رسوله ـ ﷺ ـ‪ ،‬من‬
‫األسامء والصفات‪ ،‬وأنه متفرد هبذا عن مجيع املخلوقات وأن له الكامل املطلق يف ذلك كله‪ ،‬إثبا ًتا بال متثيل‬
‫وتنزهيا بال تعطيل‪ .‬كام أخرب عن نفسه ـ تبارك وتعاىل ـ بقوله ‪﴿ :‬‬
‫ً‬

‫﴾(‪.)1‬‬
‫هذا واآليات القرآنية واألحاديث النبوية الدالة عىل معنى اإليامن وطلبه يطول حرصها‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫األســـــــئــلــة‬
‫س‪ : 1‬هل االعرتاف بالربوبية داخل يف اإليامن ؟ و َلمِا َذا ؟‬
‫س‪ : 2‬هل ينايف اإليامن إخراج شؤون احلياة عن حكم اهلل ـ تعاىل ـ ؟ مع االستدالل عىل ما تقولني‪.‬‬
‫س‪ : 3‬ما معنى العبادة ؟‬
‫س‪ : 4‬هل طلب النفع من أحد سوى اهلل ـ تعاىل ـ خيالف اإليامن باهلل ـ تعاىل ـ ؟ و َلمِا َذا ؟‬
‫س‪ : 5‬ما معنى اإليامن بأسامء اهلل وصفاته ؟‬
‫س‪ : 6‬هل اعتقاد مساواة أحد هلل ـ تعاىل ـ يف يشء من أسامئه أو صفاته خمل باإليامن ؟ مع التعليل ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬اآليتان (‪.)102 ، 101‬‬

‫‪27‬‬
‫اإليــــمــــان بالمـــــــالئــــــكــــة‬
‫َ‬ ‫ثاني ًا ‪:‬‬

‫‪ 1-‬تعــــــريـفـــــهـم‬

‫لغة ‪ :‬املالئكة مجع م َل ْك‪ .‬بفتح الالم‪ ،‬قيل إنه مشتق من األلوكة وهي الرسالة‪ ،‬وقيل من ألك إذا‬
‫أرسل‪ .‬وقيل غري ذلك‪.‬‬

‫واصطالحا ‪ :‬هم نوع من خملوقات اهلل ـ عز وجل ـ خلقهم جمبولني عىل طاعته وعبادته‪ ،‬قائمون‬
‫ً‬
‫بوظائفهم كام بـني ذلك ـ سـبحانه وتعاىل ـ بقوله ‪﴿ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫﴾‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫وقوله عنهم ‪﴿ :‬‬

‫‪ 2-‬اعتقاد الناس فيهم قبل اإلسالم‬

‫مل يكن وجود املالئكة حمل نزاع بني القدماء من الناس‪ ،‬كام مل يعرف عن أحد من أهل اجلاهلية إنكارهم‬
‫مع االختالف يف طرق إثباهتم ونوعه بني أتباع األنبياء وغريهم‪.‬‬

‫وكان املرشكون يزعمون أهنـم بنـات اهلل ـ تبـارك وتـقـدس ـ وقـد رد اهلل تعـاىل علـيـهم هذا وبني‬
‫عـدم علـمـهـم بذلك بـقـوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬

‫(‪ )2‬سورة األنبياء اآليتان (‪.)27 ، 26‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة األنبياء اآليتان (‪.)20 ، 19‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزخرف آية (‪ .)19‬‬

‫‪28‬‬
‫وبــقـولـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫‪ 3-‬اإليـــــمــــــانُ بـــهــــم‬
‫اإليامن باملالئكة هو الركن الثاين من أركان اإليامن‪ ،‬ومعنى ذلك ‪ :‬التصديق اجلازم بأن هلل ـ تعاىل ـ‬
‫مالئكة موجودين خملوقني من نور ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬

‫أدلة وجوب اإليامن هبم ‪:‬‬


‫أ ـ قـول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫فجعل ـ تبارك وتعاىل ـ هذا اإليامن من عقيدة املؤمن‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫﴾‬

‫ب ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬
‫وأوجب ـ سبحانه وتعـاىل ـ اإليـامن هبذه ُ‬
‫األمـور‪ ،‬وكـفـر من جـحـدها بـقـوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬

‫جـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ جواب ًا جلربيل حينام سأله عن اإليامن ‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(‪ )5‬فجعل صلوات اهلل وسالمه عليه اإليامن‪ :‬هو‬
‫اإليامن بجملة ما ذكر‪ .‬واإليامن باملالئكة بعض ذلك‪ .‬فوجودهم ثابت بالدليل القطعي‪ ،‬وإنكارهم‬
‫كفر بإمجاع املسلمني ألن عدم اإليامن هبم خمالفة لرصيح القرآن والسنة‪.‬‬

‫(‪ )2‬سورة البقرة آية (‪.)285‬‬ ‫(‪ )1‬سورة الصافات ‪ :‬اآليات (‪ .)152 ، 151 ، 150‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء آية (‪.)136‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة البقرة آية (‪.)177‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 37/1‬انظري صحيح البخاري ‪. 20 ، 19/1‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ 4-‬أنواع املالئكة وأعامهلم‬

‫املالئكة عباد مكرمون وسفرة مؤمتنون خلقهم اهلل ـ تعاىل ـ لعبادته وليسوا بنا ًتا هلل وال أوال ًدا وال‬
‫رشكاء معه‪ ،‬وال أندا ًدا‪ ،‬ال يعلم عددهم إالَّ اهلل ـ تعاىل ـ حيملون رساالت رهبم‪ ،‬ويؤدون أعامهلم يف العامل‪،‬‬
‫لكل نوع منهم عمل‪ ،‬ومنهم ‪:‬‬

‫أ ـ املوكل بالوحي من اهلل ـ تعاىل ـ إىل رسله ـ عليهم الصالة والسالم ـ وهو الروح األمني ـ جربيل‬
‫﴾(‪ )1‬وقد وصـف‬ ‫عليه السـالم قـال تعـاىل ‪﴿ :‬‬
‫اهلل ـ تعاىل ـ رسوله جربيل ـ عليه السالم ـ يف معـرض تبـليـغه القــرآن بصفات هي غاية يف الثناء‪،‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫إذ يقول ‪﴿ :‬‬

‫ب ـ ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه ـ على مراد الله ـ تعالى ـ يدل على هذا ما روى مسلم في‬
‫صحيحه بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬بينا رجل بفالة من األرض‬
‫(‪)3‬‬
‫أسق حديقة فالن فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة‬ ‫فسمع صو ًتا في سحابة ‪ِ :‬‬
‫من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله‪ ...‬الحديث»(‪ .)4‬وهذا يعني تصريف المطر من قبل‬
‫المالئكة على مراد الله ـ تعالى ـ‪.‬‬

‫بالصور(‪ ،)5‬وهو إســرافيـل ـ عليـه الســالم ـ وهو الذي ينفخ فيه بأمر اهلل ـ تعاىل ـ‬
‫جـ ـ املوكل ُّ‬
‫ثــالثة نـفـخـــات نفـخــة الفــزع ونفــخة الصـعق‪ .‬ونفخة البعث‪ .‬ذكر هذا ابن جرير وغريه‬

‫(‪ )1‬سورة الشعراء اآليتان (‪.)194 ، 193‬‬


‫(‪ )2‬سورة التكوير اآليات (‪.)21 ، 19‬‬
‫(‪ )3‬الرشجة مسيل املاء يف احلرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2288/4‬‬
‫(‪ )5‬الصور‪ ،‬كام فرسه الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬قرن ينفخ فيه»‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫من املفسـرين عنـد تفســري قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ )2‬وغيرهما مما ورد فيه ذكر النفخ في‬ ‫﴾(‪﴿ .)1‬‬
‫الصور‪.‬‬

‫د ـ ومنهم املوكل بقبض األرواح‪ ،‬وهو ملك املوت وأعوانه قال ـ تعاىل ـ عن تويل املالئكة ذلك‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫األمر‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)4‬‬ ‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫هـ ـ خزنة الجـنة ـ أخـبر تعالى عنـهم في ذكر حال المـ َّت ِ‬
‫ـقين بقوله ‪﴿ :‬‬ ‫ُ‬

‫﴾(‪.)5‬‬

‫و ـ خزنة جهنم ـ وهم الزبانية‪ ،‬ورؤساؤهم تسعة عشر ومقدمهم مالك ـ عليه السالم ـ يدل على‬
‫ذلك قـول الله ـ تعـالى ـ في وصـف ســقـر ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)6‬وقال تعــالى حــكاية عـن أهــل الــنـار ‪:‬‬
‫﴾(‪.)7‬‬ ‫﴿‬

‫ز ـ املوكلون بحفظ العبد يف مجيع أحواله وهم ‪« :‬املعقبات» كام أخـرب اهلل ـ تعاىل ـ عن ذلك بقـوله ‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾(‪.)8‬‬

‫(‪ )2‬سورة الكهف آية (‪.)99‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام آية (‪.)73‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنعام آية (‪.)61‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة السجدة آية (‪.)11‬‬
‫(‪ )6‬سورة املدثر ‪ :‬اآليات (‪.)31 ، 27‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة الزمر ‪ :‬آية (‪.)73‬‬
‫(‪ )8‬سورة الرعد ‪ :‬اآليتان (‪.)11 ، 10‬‬ ‫(‪ )7‬سورة الزخرف ‪ :‬آية (‪ .)77‬‬

‫‪31‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫حـ ـ الموكلون بحفظ عمل العبد من خير وشر وهم الكرام الكاتبون وهم داخلون في مسمى‬
‫الحـفـظـة‪ ،‬كما أخـبر الله ـ تعالى ـ عنـهم بقوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫وقـال اهلل ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫واآليات‬ ‫(‪)4‬‬
‫﴾‬ ‫وقال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫واألحاديث يف ذكر الكرام الكاتبني كثرية ً‬

‫‪ 5-‬عال َق ُتهم بالبشرَ ِ‬

‫وكل اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ املالئكة بأصناف املخلوقات ومنها اإلنسان‪ ،‬فلهم عالقة وثيقة به من‬
‫حني كونه نطفة‪ ،‬ذكر هذه العالقة اإلمام ابن القيم يف كتابه «إغاثة اللهفان» فقال ‪« :‬فإهنم موكلون‬
‫بتخليقه (أي اإلنسان) ونقله من طور إىل طور‪ ،‬وتصويره‪ ،‬وحفظه يف أطباق الظلامت الثالث‪ ،‬وكتابة‬
‫رزقه وعمله‪ ،‬وأجله وشقاوته وسعادته‪ ،‬ومالزمته يف مجيع أحواله‪ ،‬وإحصاء أقواله وأفعاله‪ ،‬وحفظه‬
‫يف حياته‪ ،‬وقبض روحه عند وفاته‪ ،‬وعرضها عىل خالقه وفاطره‪ ،‬وهم املوكلون بعذابه ونعيمه يف‬
‫الربزخ وبعد البعث‪ ،‬وهم املوكلون بعمل آالت النعيم والعذاب‪ ،‬وهم املث ِّبتون للعبد املؤمن بإذن اهلل‪،‬‬
‫واملع ِّلمون له ما ينفعه واملقاتلون الذابون عنه‪ ،‬وهم أولياؤه يف الدنيا واآلخرة وهم الذين يعدونه باخلري‪،‬‬
‫ويدعونه إليه‪ ،‬وينهونه عن الرش وحيذرون منه‪ ،‬فهم أولياؤه وأنصاره‪ ،‬وحفظته ومعلموه‪ ،‬وناصحوه‪،‬‬

‫(‪ )2‬سورة الزخرف ‪ :‬آية (‪.)80‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)61‬‬
‫(‪ )4‬سورة االنفطار ‪ :‬اآليات (‪ 10‬ـ ‪.)12‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )3‬سورة ق ‪ :‬اآليتان (‪.)18 ، 17‬‬

‫‪32‬‬
‫والداعون له‪ ،‬واملستغفرون له‪ ،‬وهم الذين ُي َص ُّلون عليه ما دام يف طاعة ربه‪ ،‬و ُي َص ُّلون عليه ما دام ُي َع ِّلم‬
‫الناس اخلري‪ ،‬ويبرشونه بكرامة اهلل ـ تعاىل ـ يف منامه‪ ،‬وعند موته‪ ،‬ويوم بعثه‪ ،‬وهم الذين يزهدونه يف‬
‫الدنيا‪ ،‬ويرغبونه يف اآلخرة‪ ،‬وهم الذي ُي َذكِّرونه إذا نيس‪ ،‬و ُينَ ِّشطونه إذا كسل‪ ،‬و ُي َث ِّبتونه إذا جزع‪ ،‬وهم‬
‫تتنزل‬
‫الذين يسعون يف مصالح دنياه وآخرته فهم رسل اهلل يف خلقه وأمره‪ ،‬وسفراؤه بينه وبني عباده‪َّ ،‬‬
‫باألمر من عنده يف إقطار العامل‪ ،‬وتصعد إليه باألمر»(‪ )1‬وأدلة كل ما ذكر من القرآن والسنة يطول املقام‬
‫بذكرها وهي معروفة مشتهرة‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما معنى املالئكة لغة‪ ،‬واصطالح ًا ؟‬


‫س‪ : 2‬ما اعتقاد املرشكني يف املالئكة وما حكم هذا االعتقاد ؟‬
‫س‪ : 3‬ما حكم اإليامن باملالئكة مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 4‬من املوكل بالوحي من املالئكة مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫الصور‪ ،‬ومن املوكل به‪ ،‬وماذا يعني النفخ فيه ؟‬
‫س‪ : 5‬ما ُّ‬
‫س‪ : 6‬من احلفظة وما معنى حفظهم لإلنسان ؟‬
‫س‪ : 7‬ما عالقة املالئكة بالبرش ؟‬

‫(‪ )1‬إغاثة اللهفان البن القيم ‪. 126 ، 125/2 :‬‬

‫‪33‬‬
‫ـــــان بالـكـــــتـب‬
‫ُ‬ ‫اإليــــم‬
‫َ‬ ‫ثالث ًا ‪:‬‬

‫‪1‬ـــ الــتعــــــــريـــــف‬

‫الكتب‪ ،‬لغة ‪ :‬مجع كتاب‪ ،‬والكتاب مصدر سمي به املكتوب فيه‪ ،‬وهو يف األصل اسم للصحيفة مع‬
‫املكتـوب فيها‪.‬‬
‫ورش ًعا ‪ :‬كالم اهلل ـ تعاىل ـ املوحى إىل رسله ـ عليهم الصالة والسالم ـ ليبلغوه للناس‪ ،‬املتـع َّبد بتالوته‪.‬‬

‫بـــهـــا‬
‫اإليــمـــــــــان َ‬
‫َ‬ ‫‪ 2‬ــــ‬

‫اإليامن بكتب اهلل ـ تعاىل ـ ركن من أركان اإليامن‪ .‬أي التصديق اجلازم بأن هلل ـ تعاىل ـ كت ًبا أنزهلا‬
‫عىل رسله إىل عباده باحلق املبني واهلدي املستبني‪ .‬وأهنا كالم اهلل ـ عز وجل ـ تكلم هبا حقيقة كام شاء‬
‫﴾(‪ .)1‬واإليامن هبا‬ ‫عىل الوجه الذي أراد‪ ،‬قال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫واجب إمجاالً فيام أمجل وتفصيلاً فيها فصل‪.‬‬

‫«األدلة عىل وجــــوب اإليــمــان بالكــــتـب»‬

‫أو ًال ‪ :‬أدلة اإليامن َهبا مجلة ‪:‬‬

‫أ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)136‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة النحل ‪ :‬آية (‪.)2‬‬

‫‪34‬‬
‫وجه االستدالل من اآلية ‪ :‬أن اهلل ـ تعاىل ـ أمر املؤمنني أن يؤمنوا به وبام أنزل عليهم بواسطة نبيهم‬
‫حممد ـ ﷺ ـ وهو القرآن الكريم ويؤمنوا بام أنزل عىل النبيني من رهبم من غري تفريق بني أحد منهم انقيا ًدا‬
‫هلل ـ تعاىل ـ وتصدي ًقا خلربه‪.‬‬

‫ب ـ قــول الـلــه ـ تـعـــالى ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)1‬‬

‫اشتملت اآلية الكريمة عىل بيان صفة إيامن الرسول ـ ﷺ ـ واملؤمنني وبيان ما أمروا به من اإليامن‬
‫باهلل ـ تعاىل ـ وباملالئكة وبالكتب وبالرسل من غري تفريق‪ .‬فالكفر بالبعض كفر هبم مجي ًعا‪.‬‬
‫جـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫وجه االستدالل من اآلية ‪ :‬أن اهلل ـ تعاىل ـ أمر باإليامن به وبرسوله وبالكتاب املنزل عىل الرسول ـ‬
‫ﷺ ـ القرآن‪ ،‬وبالكتب املنزلة من قبل القرآن‪ .‬وقرن ـ سبحانه وتعاىل ـ الكفر باملالئكة وبالكتب وبالرسل‬
‫وباليوم اآلخر بالكفر به تعاىل‪.‬‬

‫د ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ يف حديث جربيل حني سأله عن اإليامن ‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه‬
‫ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(‪.)3‬‬
‫فجعل الرسول ـ ﷺ ـ اإليامن بكتب اهلل ـ تعاىل ـ أحد أركان اإليامن‪.‬‬

‫(‪ )2‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)136‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)285‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ‪ ، 37/1 :‬انظري صحيح البخاري ‪. 20 ، 19/1 :‬‬

‫‪35‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وجوب اإليامن بالكتب تفصيلاً ‪:‬‬
‫ً‬
‫جيب اإليامن عىل وجه التفصيل بام سمى اهلل ـ تعاىل ـ لنا من كتبه القرآن الكريم وما سبقه مما جاء‬
‫النص بذكره وهي ‪:‬‬

‫أ ــــ صحف إبراهيم وموسى ـ عليـهـام السـالم ـ كام قال تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬ ‫﴾(‪﴿ ، )1‬‬

‫ب ــــ التوراة وهي كتاب هّالل ـ تعاىل ـ الذي أنزل عىل موسى ـ عليـه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ ‪:‬‬

‫﴾(‪ )3‬وقال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬ ‫﴿‬

‫﴾(‪.)4‬‬

‫جـ ــــ الزبور وهـــو كـتاب ال ّله ـ تعاىل ـ املنزل عىل داود ـ عليه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ ‪:‬‬

‫﴾(‪.)5‬‬ ‫﴿‬

‫د ــــ اإلنجيل وهو كتاب هّالل ـ تعاىل ـ املنزل عىل عيسى ـ عليه السالم ـ قال ـ تعاىل ـ ‪:‬‬

‫﴿‬
‫﴾(‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬سورة األعىل ‪ :‬اآليتان (‪.)19 ، 18‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة النجم ‪ :‬اآليتان (‪.)37 ، 36‬‬
‫(‪ )4‬سورة آل عمران ‪ :‬اآليات من (‪.)4-2‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)44‬‬
‫(‪ )6‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)46‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)163‬‬

‫‪36‬‬
‫واإليمان بهذه الكتب التي أخبرنا الله ـ تعالى ـ عنها في القرآن الكريم واجب على وجه الخصوص‬
‫بأن كلاً منها كتاب الله ـ تعالى ـ فيه النور والهدى أنزله على من ذكر من رسله وكلها داعية كما دعا‬
‫القرآن الكريم إلى إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة وحده فهي متفقة في األصـول وإن اخـتلـفـت في‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫الشـرائع قال ـ تعـالى ـ ‪﴿:‬‬
‫﴾(‪ )2‬وبين‬ ‫وقال تعـالى ‪﴿ :‬‬
‫القرآن الكريم أن الرسل ـ عليهم الصالة والسالم ـ دعوا قومهم إلى ذلك يقول تعالى حاك ًيا لنا قولهم‪:‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫﴿‬

‫ويقول الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬األنبياء أخوة لعالت(‪ ،)4‬أمهاهتم شتى ودينهم واحد»(‪ .)5‬ومعنى احلديث‬
‫أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد‪ ،‬وإن اختلفت فروع الرشائع‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الكتب املوجودة لدى أهل الكتاب ‪:‬‬

‫إن ما يف أيدي أهل الكتاب بام يسمونه التوراة واإلنجيل هو بال شك مما ال تصح نسبته كله إىل أنبياء‬
‫اهلل ـ تعاىل ـ فال يقال ‪ :‬إن التوراة املوجودة هي التي أنزلت عىل موسى ـ عليه السالم ـ‪ ،‬وال أن األناجيل‬
‫املوجودة هي اإلنجيل املنزل عىل عيسى ـ عليه السالم ـ فليسا مها اللذان أمرنا باإليامن هبام عىل وجه‬
‫التفصيل‪ ،‬وال يصح اإليامن بيشء مما فيهام عىل أنه كالم اهلل تعاىل إالَّ ما جاء يف القرآن الكريم منسو ًبا‬
‫إليهام‪ ،‬ومها كتابان منسوخان‪ ،‬ونسخهام القرآن الكريم‪ .‬وقد ذكر ـ سبحانه وتعاىل ـ وقوع التحريف فيهام‬
‫يف مواضع من كتابه ‪ :‬قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)6‬‬

‫(‪ )2‬سورة األنبياء ‪ :‬آية (‪.)25‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة النحل ‪ :‬آية (‪.)36‬‬
‫(‪ )4‬العالت ‪ :‬الرضائر ـ بمعنى أخوة ألب‪.‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف ‪ :‬اآليات (‪.)85 ، 73 ، 65‬‬
‫(‪ )6‬سورة البقرة آية (‪.)75‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬انظري صحيح اإلمام مسلم ‪. 1837/4‬‬

‫‪37‬‬
‫وقال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)1‬‬

‫ومن حتريف أهل الكتاب لدينهم نسبتهم الولد هلل ـ تعاىل وتقدس ـ قال اهلل تعاىل ـ مكذ ًبا مقولتهم‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾(‪.)2‬‬
‫وكذلك تأليه النصارى لعيسى ابن مريم ـ عليه السالم ـ‪ ،‬وقوهلم إن اهلل ثالث ثالثة‪ .‬يقول ـ تعاىل ـ ‪:‬‬
‫﴾(‪ ،)3‬ويقول سبحانه ‪﴿ :‬‬ ‫﴿‬

‫﴾(‪.)4‬‬
‫وحيث أخرب تعاىل أهنم حيرفون كالمه‪ ،‬وقد نسوا حظا مما ذكروا به‪ ،‬ونسبوا هلل ما يتنزه عنه من الولد‪،‬‬
‫والهّ وا معه سواه إىل غري ذلك مما أدخلوه يف كتبهم فال تصح معه نسبة هذه الكتب إىل اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وهناك‬
‫ما يؤيد عدم صحة هذه النسبة إىل اهلل ـ تعاىل ـ مع ما رصح به القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪ :‬اآليات (‪ 13‬ـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )2‬سورة التوبة ‪ :‬آية (‪.)30‬‬
‫(‪ )3‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)72‬‬
‫(‪ )4‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)73‬‬

‫‪38‬‬
‫ومن ذلك ما ييل ‪:‬‬
‫أ ـ أن ما يف أيدي أهل الكتاب من كتب يزعمون أهنا مقدسة ليست نسخً ا أصلية وإنام هي ترامجها‪.‬‬
‫ب ـ أن هذه الكتب قد اختلط فيها كالم اهلل ـ تعاىل ـ بكالم غريه من املفرسين واملؤرخني‪ ،‬ومستنبطي‬
‫األحكام ونحو ذلك‪.‬‬
‫جـ ـ عدم صحة النسبة فيها إىل الرسول الذي نسبت إليه فليس هلا سند موثوق‪ ،‬فالتوراة دونت بعد‬
‫موسى ـ عليه السالم ـ بقرون عديدة‪ .‬وأما األناجيل فهي منسوبة إىل مؤلفيها‪ ،‬وقد اختريت من‬
‫أناجيل متعددة‪.‬‬
‫د ـ تعدد نسخها وتناقضها فيام بينها مما يدل داللة قاطعة عىل حتريفها‪.‬‬
‫هـ ـ اشتامهلا عىل عقائد فاسدة يف تصور اخلالق ووصفه بام يتضمن النقص‪ ،‬وكذلك وصف الرسل‬
‫الكرام بام يتنزهون عنه‪ ،‬وهلذا فالواجب عىل املسلم اعتقاده أن كتب العهدين‪ ،‬العهد القديم‬
‫والعهد اجلديد‪ ،‬ليس كل ما فيها قد أنزله اهلل عىل رسله بل هي مما كتبوه فال نصدق منها إالَّ ما‬
‫صدقه القرآن الكريم أو السنة املطهرة‪ ،‬ونكذب ما كذبه القرآن والسنة ومما اشتملت عليه من‬
‫الباطل‪ .‬ونسكت عام مل يأت تصديقه أو تكذيبه الحتامله الصدق والكذب‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬القرآن الكريم ‪:‬‬


‫ً‬
‫أ ــــ تـعــــــريــفـــــه ‪:‬‬

‫الـقــرآن يف الـلـغـة ‪ :‬مصـــدر كالقــراءة ـ تـقـول قــرأت الكــتـاب قــراءة وقــرآنـا‪ ،‬ومن ذلـك‬
‫﴾(‪ )1‬أي قراءته‪ ،‬ثم نقل هذا املصدر‪ ،‬وجعل إسماً للكتاب املنزل‬ ‫قـوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫عىل حممد ـ ﷺ ـ‪ ،‬فأصبح علـمـ ًا عليه دون غريه وسمي قرآ ًنا لكونه جام ًعا لثــمرة كــتب اهلل كلهـا‪ ،‬كام‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫قال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬سورة النحل ‪ :‬آية (‪.)89‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة القيامة ‪ :‬آية (‪.)17‬‬

‫‪39‬‬
‫ويف االصطالح ‪ :‬هو كالم اهلل ـ تعاىل ـ املعجز املنزل عىل رسوله حممد ـ ﷺ ـ وح ًيا‪ ،‬املكتوب يف‬
‫متواترا بال‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫املصاحف واملحفوظ يف الصدور‪ ،‬واملقروء باأللسن‪ ،‬واملسموع باآلذان‪ ،‬املنقول إلينا نق ً‬
‫شبهة‪ ،‬املتعبد بتالوته‪.‬‬
‫ب ــــ القرآن كالم هّ‬
‫الل تعاىل ‪:‬‬
‫مذهب سلف األمة وأئمتها ‪ :‬إن القرآن كالم اهلل ـ تعاىل ـ بلفظه ومعناه‪ ،‬منزل غري خملــوق سمعه‬
‫منه جربيل ـ عليه السالم ـ وبلــغـه إىل حمــمـد ـ ﷺ ـ وحمــمد ـ ﷺ ـ بلـغــه ألصــحـابه‪ ،‬وهو‬
‫الذي نتـلو بألسنتنا‪ ،‬ونكتب يف مصاحفنا‪ ،‬ونحــفـظ يف صــدورنا‪ ،‬ونســمع بآذاننا لقــوله تعـاىل‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬

‫وملا روى البخاري ومسلم وغريمها عن عبداهلل بن عمر ـ ريض اهلل عنهام ـ أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪:‬‬
‫«هنى أن يسافر بالقرآن إىل أرض العدو»(‪ )2‬ولقوله ـ ﷺ ـ ‪« :‬زينوا القرآن بأصواتكم»(‪.)3‬‬
‫ففي اآلية الكريمة سمى اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ املسموع وهو املتلو عىل املرشكني من الرسول ـ ﷺ ـ كالم اهلل‪.‬‬
‫وفي الحديث األول سمى المكـتوب قـرآ ًنا‪ .‬كمـا قـال عنـه ـ تعـالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)4‬ويف احلديث الثاين سمى الرسول ـ ﷺ ـ املتلو قرآ ًنا‪.‬‬

‫وأما األدلة عىل كـونـه مـنـزالً غري خمـلـوق فكـثـرية ً‬


‫جدا منـها ‪ :‬قولـه تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬

‫﴾(‪.)6‬‬ ‫وقوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬البخاري ‪ ،68/4 :‬مسلم ‪. 1491 ، 1490/3 :‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة التوبة ‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أمحد ‪ . 283/4 :‬وانظري صحيح البخاري ‪. 193/9 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة الشعراء ‪ :‬اآليات (‪.)195 ، 193‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )4‬سورة الواقعة ‪ :‬اآليتان (‪.)78 ، 77‬‬
‫(‪ )6‬سورة غافر ‪ :‬اآليتان (‪.)2 ، 1‬‬

‫‪40‬‬
‫يف اآليات النص الرصيح عىل أن القرآن منزل من عند اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وال يصح القول بأن القرآن الكريم أو غريه من كتب اهلل ـ تعاىل ـ التي نزهلا عىل رسله خملوقة ألهنا كالمه‪،‬‬
‫وكالمه من صفاته‪ ،‬وصفاته غري خملوقة‪.‬‬
‫واإليامن بكل ما ذكرنا عن القرآن الكريم واجب‪ ،‬كام جيب اإليامن بأنه آخر كتاب نزل من عند اهلل ـ‬
‫ومؤيدا ملا جاء يف كتب اهلل ـ تعاىل ـ السابقة من احلق ومبينًا ما أدخل عليها من التحريف‬
‫ً‬ ‫تعاىل ـ جاء مصد ًقا‬
‫(‪)1‬‬
‫﴾‬ ‫كام قال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫وأنه جاء برشيعة عامة صاحلة لكل زمان ومكان ناسخة ملا سبقها من الرشائع‪ .‬واجبة عىل من بلغته إىل‬
‫قـيـام السـاعة ال يقبل اهلل ـ تعاىل ـ من أحد ديـنًا سواها بعد نـزوهلـا كـام أخرب بذلك رسول اهلل ـ ﷺ ـ‬
‫بـقـولـه ‪« :‬والذي نفس حممد بيده ال يسمع يب أحد من هذه األمة هيودي أو نرصاين ثم يموت ومل يؤمن‬
‫بالذي أرسلت به إالَّ كان من أصـحاب النار»(‪ .)2‬وهـذا احلــديث صــريـح يف بيان أن ما جـاء بـه‬
‫حمـمـد ـ ﷺ ـ من الديـن ناسـخ ملا سـبـقه‪.‬‬
‫جـ ـــــ حفظ هّ‬
‫الل ــــ تعاىل ــــ للقرآن ‪:‬‬

‫القرآن الكريم المنزل على خاتم األنبياء هو آخر كتب الله ـ تعالى ـ نزوالً إلى البشر‪ .‬وهو ناسخ‬
‫ال على كل ما يلزمهم في الحياة الدنيا إلى قيام الساعة ويأخذ‬
‫لما سبقه من الشرائع‪ .‬لهذا جاء مشتم ً‬
‫بأيديهم إلى السعادة في اآلخـرة إن هـم تبعوا تعاليمه وساروا على نهجه‪ ،‬وقد تكـفل الله ـ تعالى ـ‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫بحـفـظه لتـقوم الحجة به عـلى الناس قال ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬

‫وقال تعالى ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪ )4‬وكامل حفظه يستلزم حفظ ما يفرسه‪ ،‬وهو سنة الرسول ـ ﷺ ـ‪.‬‬

‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 134/1 :‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)48‬‬
‫(‪ )4‬سورة فصلت ‪ :‬اآليتان (‪.)42 ، 41‬‬ ‫ ‬‫(‪ )3‬سورة احلجر ‪ :‬آية (‪.)9‬‬

‫‪41‬‬
‫فالقرآن الذي بني أيدينا اليوم هو املنزل عىل رسولنا حممد ـ ﷺ ـ بجملته وتفصيله مل متتد إليه يد‬
‫عابث ولن متتد إليه بل سيبقى كام ُأ ْن ِز َل إىل أن يرفع يف آخر الزمان فيه الداللة عىل اهلدى والنور ـ مرجع‬
‫الناس يف عقائدهم ورشائعهم يستنبطون من نصوصه األحكام لكل ما جيد يف حياهتم فهو الفصل وهو‬
‫حبل اهلل املتني وذكره احلكيم ورصاطه املستقيم ال تزيغ به األهواء وال تلتبس به األلسن‪ .‬وقد بني‬
‫الرسول ـ ﷺ ـ هذا القرآن للناس بأقواله وأفعاله وتقريراته قال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫د ــــ التحدي بالقرآن ‪:‬‬


‫كثريا من أدلة صدق األنبياء تناسب ما اشتهر فيه أقوامهم‪ ،‬فلشهرة أهل مرص‬
‫جعل اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ ً‬
‫يف وقت فرعون بالسحر جاءهم موسى ـ عليه السالم ـ بقلب العصا حية وإخراج يده بيضاء من غري سوء‬
‫بعد أن يسلكها يف جيبه‪ .‬وجاء عيسى ـ عليه السالم ـ بإحياء املوتى وإبراء األكمه واألبرص يف أمة اشتهرت‬
‫بالطب‪ ،‬وهذا أبلغ يف الداللة حتى يستبني أولئك صدق صاحب الدعوى ملعرفتهم بجنس الدليل‪.‬‬

‫وقد بعث خاتم األنبياء حممد ـ ﷺ ـ يف وسط كثر اهتامم أهله بصناعة اللسان فناسب إتياهنم هبذا الكتاب‬
‫املبني الذي هو من جنس ما برعوا فيه فهو كالم عريب مبني لكنه القمة فصاحة وبالغة فوق مستوى مجيعهم‬
‫فأيقنوا أنه ليس يف مقدور البرش وكان له تأثري قوي يف نفوسهم إذا سمعوه‪ ،‬ولكن الستيالء الباطل عىل‬
‫تلك النفوس حاولوا جاهدين عدم سامعه ومنع الرسول ـ ﷺ ـ من تالوته عىل الناس يف املجامع واملواسم‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫كام حكى اهلل ذلك عنهم بقوله ‪﴿ :‬‬

‫وقد غالط مرشكوا قريش أنفسهم بادعائهم أن القرآن ليس من عند اهلل تعاىل فتحداهم اهلل ـ تبارك‬
‫وتعاىل ـ بأن يأتوا بمثله وأخرب أهنم ال يستطيعون ذلك وهذا التحدي شامل هلم ولغريهم ممن زعم هذا‬

‫(‪ )1‬سورة النحل ‪ :‬آية (‪.)44‬‬


‫(‪ )2‬سورة فصلت ‪ :‬آية (‪ .)26‬‬

‫‪42‬‬
‫الزعم من إنس أو جن إىل قيام السـاعة فقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫ثم إن اهلل ـ تعاىل ـ حتداهم باإلتيان بأقل من ذلك فطلب منهم اإلتيان بعرش سور مثله مفرتيات إن‬
‫كـان مـفـرتى كـام يـزعـمـون بـقـوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫ثم حتداهم بأقل من ذلك فطلب منهم اإلتيان بسورة واحدة فقط إن كان هذا القرآن مفرتى كام‬
‫﴾‬
‫(‪)3‬‬
‫يزعمون بقوله ‪﴿ :‬‬
‫وكــرر سـبحانه تحدي من كان في ريـب من هذا القـــرآن وباإلتيان بسـورة واحدة وأكد عدم‬
‫اسـتـطاعـتـهم علـى ذلك بـقـوله ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)4‬‬

‫ومعلوم أن هذا التحدي يصدق بأقرص سورة من القرآن يكون إتياهنم هبا مصدقا لدعواهم‪ ،‬وأقرص‬
‫السـور يف القرآن ثالث آيات‪ .‬وهذا غايـة إلبطـال دعــواهم‪ .‬يقـول ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬
‫أي ملا هو عليه من الفصاحة والبالغة‪ ،‬مما ليس هو من مقدور اخللق اإلتيان بمثله فهو معجزة خالدة‬
‫باقية أعجزت من كانوا يف الذروة من الفصاحة والبالغة فكيف بمن هم دوهنم ؟! كام أن القرآن الكريم‬
‫اشتمل عىل دالئل كثرية يصعب حرصها غري أوجه اإلعجاز املتحدى هبا من ذلك ما تضمنه من اإلخبار‬

‫(‪ )2‬سورة هود ‪ :‬آية (‪.)13‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة اإلرساء ‪ :‬آية (‪.)88‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة ‪ :‬اآليتان (‪.)24 ، 23‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)38‬‬
‫(‪ )5‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)37‬‬

‫‪43‬‬
‫عن األمور الغيبية ماضية ومستقبلة‪ ،‬وبام فيه من أحكام تطبيقها حيقق السعادة يف الدارين‪ ،‬كام أنه اشتمل‬
‫عىل لفت نظر اإلنسان إىل الكون وما فيه‪ ،‬وإىل اإلنسان وتكوينه مما يدل داللة رصحية عىل أنه من لدن‬
‫حكيم خبري ال ختفى عليه خافية وهو عىل كل يشء قدير بيده اخلري وهو اخلالق العليم‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما معنى الكتب لغة‪ ،‬واصطالح ًا ؟‬


‫س‪ : 2‬ما معنى اإليامن بالكتب ؟ مع ذكر الدليل عىل ما تقولني‪.‬‬
‫س‪ : 3‬ما معنى اإليامن بالكتب عىل وجه التفصيل ؟‬
‫س‪ : 4‬بأي يشء تتفق كتب اهلل تعاىل‪ ،‬وبأي يشء اختلفت ؟ مع االستدالل‪.‬‬
‫س‪ : 5‬ما الكتب املوجودة عند أهل الكتاب اآلن وهل تصح نسبتها إىل األنبياء ؟‬
‫س‪ : 6‬اذكري بعض األدلة عىل وقوع التحريف يف التوراة واإلنجيل‪.‬‬
‫س‪ : 7‬ما معنى القرآن لغة واصطالح ًا ؟‬
‫س‪ : 8‬ما معنى كون القرآن كالم اهلل ـ تعاىل ـ ؟ مع ذكر األدلة‪.‬‬
‫س‪ : 9‬ما املراد باإليامن بالقرآن الكريم ؟‬
‫س‪َ : 10‬لمِا َذا حفظ اهلل القرآن الكريم دون بقية كتبه ؟ وما معنى حفظه ؟‬
‫س‪َ : 11‬لمِا َذا وقع التحدي بالقرآن الكريم ؟‬
‫س‪ : 12‬ما درجات التحدي بالقرآن مع االستدالل ؟‬

‫‪44‬‬
‫بالـــر ُســـــل‬
‫ّ‬ ‫ــــان‬
‫ُ‬ ‫اإليـــــم‬
‫َ‬ ‫رابع ًا ‪:‬‬

‫والر ُسول‬
‫‪ 1‬ــــ تعريف ال ّنبي ّ‬

‫الـنـبــي لـغــة ‪ :‬مشتق إما من نبأ وأنبأ باهلمز‪ ،‬بمعنى أخرب فهو خمرب عن اهلل تعاىل‪ .‬وخمرب من قبله تعاىل‪.‬‬
‫أو مشتق من نبا بترك الهـمـز‪ ،‬بمـعـنى عـال وارتفع فهو أشـرف الخلق وأعالهم‬
‫منزلة ومكانة‪.‬‬
‫ويف االصطالح ‪ :‬إنسان حر ذكر نبأه اهلل تعاىل برشع سابق يعلمه من حوله من أصحاب هذا الرشع‪.‬‬

‫والرسـول لغـة ‪ :‬املتابع ألخبار من أرسله‪ ،‬من قوهلم ‪ :‬جاءت اإلبل رسلاً ‪ ،‬أي متتابعة‪.‬‬
‫والــرســــول ‪ :‬اسم للرسالة‪ ،‬وللمرسل‪.‬‬
‫واإلرســـــال ‪ :‬هو التوجيه‪.‬‬
‫وفي االصطالح ‪ :‬إنسان حر ذكر نبأه الله تعالى بشـرع و ُأمر بتبـليغه إلى من ال يعلمه أو خالفه ممن‬
‫أرسل إليـهم‪.‬‬

‫الفرق بني النبي والرسول ‪:‬‬

‫النـبـوة شــرط في الرسـالة فال يكون رسولاً من لم يكن نب ًيا‪ ،‬فالنبوة أعم فكل رسول نبي وليس كل‬
‫نبـي رسـوالً‪.‬‬

‫وأيضا ‪ :‬الرسول محل رسالة إىل من ال يعلم دين اهلل ورشعه‪ ،‬أو إىل من غيرّ الرشائع واألديان‪ ،‬لتعليمهم‬
‫ً‬
‫وإعادهتم إليها‪ ،‬وهو احلاكم فيهم‪ .‬والنبي يبعث بالدعوة لرشع من قبله‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ 2‬ــــ النبوة منحة إهلية‬
‫النبوة ليست غاية توصل إليها الطرق فيبلغها البرش بجهدهم وال رتبة تنال بالكسب‪ ،‬إنام هي منزلة‬
‫عالية ورتبة خاصة خيتار هلا اهلل تعاىل بمحض فضله من يشاء من خلقه فيعدهم وهييئهم لتحملها فيحفظهم‬
‫من تأثري الشياطني ويصوهنم عن الرشك فضال منه ورمحة من غري جهد بذلوه‪ ،‬به استحقوا النبوة ونالوا‬
‫رشفها‪ ،‬بل منحة إهلـية ونعـمة ربانيـة كـام قال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫﴾(‪ )2‬وحكى اهلل تعاىل قول‬ ‫وقال ملوسى ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪ ،)3‬كام أنكر سبحانه وتعاىل عىل من‬ ‫يعقوب البنه يوسف عليهام السالم بقوله ‪﴿ :‬‬
‫رأوا أحقية أحد الرجلني العظيمني يف مكة والطائف بالنبوة ومها الوليد بن املغرية‪ ،‬وعروة بن مسعود‬
‫الثقفي‪ ،‬ملا أوحى اهلل إىل حممد ـ ﷺ ـ وبينّ أنه الرب املترصف الذي يتوىل قسمة األرزاق بني خلقه فال‬
‫يصح ألحد أن يتدخل يف حتديد من يستحق رمحة نبوته ورسالته‪.‬‬
‫فـقـال عـنـهـم ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬
‫وقد نـدد سـبـحانـه وتعالى بالمتـعـنـتـين الذين يقـولون لن نؤمن حـتى نـؤتـى مـثـل ما أوتـي رسـل‬
‫ال ّلـه بـقـولـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)58‬‬


‫(‪ )2‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪.)144‬‬
‫(‪ )3‬سورة يوسف ‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫(‪ )4‬سورة الزخرف ‪ :‬اآليتان (‪.)32 ، 31‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)124‬‬

‫‪46‬‬
‫يف اآليات السابقة الداللة الرصحية عىل أن النبوة ال تنال بالعظمة وال بالعمل فهي نعمة من اهلل تعاىل‬
‫ورمحة يصطفى هلا بعض خلقه بعلمه وحكمته فليست ملن يتحراها وال ملن يتمناها‪.‬‬

‫‪ 3‬ــــ صفات الرسل ومعجزاهتم‬

‫أو ًال ‪ :‬صفات الرسل عليهم الصالة والسالم ‪:‬‬

‫عرفنا من تعريف الرسول‪ ،‬إنه إنسان حر ذكر يصطفيه اهلل تعاىل من خيار البرش نس ًبا فيجعله أكملهم‬
‫جساما تتطلب كل ذلك من تلقي الوحي‪ ،‬وامتثاله‬
‫ً‬ ‫نفسا‪ ،‬وأفضلهم خل ًقا ليؤدي أعامالً‬
‫ال وأطهرهم ً‬
‫عق ً‬
‫وتبليغه‪ ،‬وقيادة األمة‪ ،‬فهم صلوات اهلل وسالمه عليهم املثل األعىل يف صفاهتم وأخالقهم واحلديث عن‬
‫جدا لكن نذكر منها ‪:‬‬
‫صفاهتم طويل ً‬

‫أ ــــ الـصــــدق ‪:‬‬

‫أخــبر الله ـ تـبـارك وتعـالى ـ عن رسـله إنهـم صـادقـون بقوله ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪ )1‬كام وصف بعضـهم بذلك حـيـث قـال عـن خلـيـله إبراهـيم علـيـه الـسالم ‪:‬‬
‫﴾(‪ )2‬وقـال تعــاىل عـن إســامعـيـل علـيـه الـسـالم ‪:‬‬ ‫﴿‬
‫﴾(‪ .)3‬وقال ـ تعاىل ـ عن إدريـس علـيـه‬ ‫﴿‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫السـالم ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة يس ‪ :‬آية (‪.)52‬‬


‫(‪ )2‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)41‬‬
‫(‪ )3‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)54‬‬
‫(‪ )4‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)56‬‬

‫‪47‬‬
‫وقـال ـ تعـاىل ـ عـن نـبـيـنا صـلـوات اهلل وســالمـه علـيـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)1‬وال شك أن الصدق هو لب الرسالة وبالدعوة به تستقيم األمور وتثمر‬
‫األعامل‪ ،‬والكذب منقصة يتنزه عنها صفوة اخللق‪ ،‬ومعصية حيذرون منها‪.‬‬

‫ب ــــ الـصــــــبـر ‪:‬‬

‫أرسل اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ رسله إىل الناس مبرشين ومنذرين يدعوهنم إىل طاعة اهلل تعاىل وحيذروهنم‬
‫من خمالفة أمره‪ .‬وهذا عمل صعب ومسلك شاق ال يطيقه كل أحد لكن منهم الصفوة هم أهل ذلك فقد‬
‫القى رسل اهلل ـ صلوات اهلل وسالمه عليهم ـ يف سبيل دعوهتم صنوف املشاق وأنواع األذى فلم يثن‬
‫ذلك عزائهم ومل يوقف إقدامهم‪ .‬وقد قص اهلل ـ تعاىل ـ علينا أخبار بعض أنبيائه وما القوه من األذى يف‬
‫سبيل دعوهتم وما كان منهم من الصرب والتحمل يف سبيل ظهور احلق وإعالء كلمة اهلل ـ تعاىل ـ وقد أمر‬
‫حممدا ﷺ بالصرب أسـوة بأويل العـزم من الرسـل فـقـال ‪﴿ :‬‬
‫اهلل تعاىل نـبيه ً‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫وباستعراض ما قص اهلل تعاىل علينا مما جرى لنوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى وعيسى عليهم الصالة‬
‫والسالم مع أممهم وما القوه من املشاق واألذى ومع ذلك صربوا وصابروا إىل َأن َأ ْظ َه َر اهلل أمره‪ ،‬ثم إن يف‬
‫سرية خاتم األنبياء نبينا عليه صلوات اهلل وسالمه املثل األعىل يف الصرب والتحمل فقد كذبه قومه وآذوه‪،‬‬
‫وقاطعوه فصرب إىل أن أظهر اهلل دينه وأعىل كلمته‪ .‬وتفصيل تلك القصص مما ال يتيرس يف صفحات قليلة‪.‬‬
‫وهو يف كتاب اهلل مسطور‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة الزمر ‪ :‬آية (‪.)33‬‬


‫(‪ )2‬سورة األحقاف ‪ :‬آية (‪.)35‬‬

‫‪48‬‬
‫ثانيا ‪ :‬معجزات الرسل عليهم السالم ‪:‬‬
‫ً‬

‫خلق اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ اإلنسان وميزه بالعقل‪ ،‬وهذا العقل هو مناط التكليف وبمقتضاه حياسب‬
‫العبد عىل أعامله‪ ،‬وبه يميز بني األشياء‪ ،‬ويفرق بني النافع والضار‪ ،‬فإذا جاء من يقول ‪ :‬إنه مرسل من‬
‫اهلل تعاىل هلداية اخللق وقيادهتم إىل طريق السعادة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهذا يعني بالنسبة لإلنسان فالحه‬
‫أو هالكه‪ ،‬هلذا فواجب عليه أن ينظر يف حال الداعي ودعوته‪ ،‬وقد ميز اهلل ـ تبارك وتعاىل ـ رسله عن‬
‫سائر اخللق‪ ،‬واختصهم بأن حفظهم من كيد الشياطني ومكرهم فلم جيعل هلم القدرة عىل تغيري فطرهتم‪،‬‬
‫ال جل ًّيا عىل صدقهم‬
‫فتميزوا عن أقوامهم بسريهتم العطرة‪ ،‬وفطرهتم الصافية فكانت مع ما يدعون إليه دلي ً‬
‫ملن أنار اهلل بصريته‪ .‬وقد أيدهم ـ سبحانه وتعاىل ـ زيادة عىل ذلك بام يضطر العقول إىل اإليامن بام أتوا به‪،‬‬
‫األشياء عىل‬‫قدر َ‬‫فجاءوا بآيات باهرات ال يقدر عىل فعلها إالَّ اهلل ـ تعاىل ـ ألن اخللق له وحده‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫ما هي عليه‪ ،‬وجعلها تسري بنظام خاص ال يقدر أحد عىل تغيريه‪ ،‬فإذا أراد اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ أن يؤيد‬
‫أحدا تصدي ًقا لبعثته أجرى عىل يده ما عىل مثله يؤمن البرش مما ال يصلح عىل وجه الكامل إالَّ له وحده ـ‬
‫ً‬
‫علم‪ ،‬وهو عىل كل يشء‬
‫سبحانه ـ من العلم أو القدرة أو الغنى‪ ،‬فاهلل ـ تعاىل ـ هو الذي أحاط بكل يشء اً‬
‫حمـمدا ـ ﷺ ـ أن يربأ من دعوى هذه الثـالث بقـوله ‪:‬‬
‫ً‬ ‫قدير وهو الغني عن العاملني‪ ،‬وقد أمـر اهلل رسوله‬
‫﴾(‪ .)1‬فإذا‬ ‫﴿‬
‫جرى عىل يد الرسول يشء من ذلك فهو فعل اهلل ـ تعاىل ـ ألنه ليس من مستطاع البرش فهو دليل قاطع‬
‫إذا أضيف إىل ما عرف من حال الرسول مما يتفق وحال الرسل السابقني وصفة دعواهتم‪ .‬وجب عىل‬
‫املرسل إليه إتباع رسوهلم وإالَّ حل هبم عذاب اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وقد كثرت آياهتم‪ ،‬وعالمات صدقهم فمنها‬
‫ما يتوقف عليه صدقهم ومنها ما ليس كذلك مما يؤكد صدقهم ويقوي إيامن املؤمنني هبم‪.‬‬
‫وتعرف معجزات الرسل بأهنا ‪ :‬كل خارق للعادة يظهره اهلل تعاىل عىل أيدي أنبيائه ورسله عىل وجه‬

‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)50‬‬

‫‪49‬‬
‫يعجز البرش عن اإلتيان بمثله‪ .‬وقد جرى عىل أيدي أنبياء اهلل ورسله ما تقوم به احلجة ويلزم العقول باخلضوع‬
‫والتصديق بام جاء به الرسل سواء بطلب أقوامهم أو بدون ذلك‪ ،‬وتلك املعجزات ال خترج عن أن تكون إما‬
‫من باب العلم كاإلخبار باألمور الغائبة املاضية أو املستقبلة كإخبار عيسى «عليه السالم» قومه بام يأكلون‬
‫وما يدخرون يف بيوهتم‪ .‬وكإخبار رسولنا حممد ـ ﷺ ـ بأخبار األمم السابقة مما جاء يف القرآن الكريم من ذكر‬
‫ال يف كثري من األحاديث‪.‬‬
‫قصصهم‪ .‬وكإخباره ـ ﷺ ـ بالفتن وأرشاط الساعة مما سيأيت مستقب ً‬
‫وإما من باب القدرة ـ كتحويل العصا حية ـ وهي آيات موسى «عليه السالم» إىل فرعون وقومه‪،‬‬
‫وكإبراء األكمه واألبرص وإحياء املوتى‪ ،‬وهذه من آيات عيسى «عليه السالم» وكانشقاق القمر آية من‬
‫آيات صدق رسولنا ـ ﷺ ـ‪.‬‬
‫وإما من باب الغنى‪ .‬كحامية الرسول ـ ﷺ ـ ممن أرادوا به سوء ًا يف مواضع كثرية يف مكة ليلة اهلجرة‪،‬‬
‫ويف الغار‪ ،‬ويف الطريق إىل املدينة عندما حلق به رساقة بن مالك‪ ،‬ويف املدينة ملا حاول اليهود اغتياله ونحو‬
‫ذلك‪ .‬فهذه األمثلة تدل عىل أن اهلل أغنى رسوله هبا عن محاية خلقه‪.‬‬

‫‪ 4‬ــــ اإليماَ ن بالرسل جمَ ًيعا‬

‫معنى اإليامن هبم هو التصديق اجلازم بأن اهلل تعاىل بعث يف كل أمة رسوالً يدعوهم إىل عبادته وحده‬
‫ال رشيك له والكفر بام يعبد من دونه‪ .‬وأن مجيعهم صادقون كرام بررة هداة مهتدون‪ ،‬وأهنم بلغوا مجيع‬
‫ما أرسلهم اهلل به مل يكـتـموا ومل يغـريوا قـال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫﴾‬
‫وأن بعـضـهم أفـضل من بعـض كـام قـال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة النحل ‪ :‬اآليتان (‪.)36 ، 35‬‬

‫‪50‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫كام قد اختذ اهلل إبراهيم وحممد ًا «صلوات اهلل وسالمه عليهام» خليلني‪ ،‬وكلم موسى تكليماً ‪ ،‬ورفع‬
‫إدريس مكا ًنا عل ًيا‪.‬‬

‫واإليـمـان بهم جمي ًعا واجب فمن كـفـر بواحـد منـهم فقد كفر بهم جمي ًعا وهذا كفر بمن أرسلهم‬
‫وهـو الـ ّلـه ـ تـبـارك وتعـاىل ـ قـال ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪ )2‬وقــال تـعــاىل ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬

‫وكام جيب اإليامن هبم عىل وجه العموم من علمنا منهم ومن مل نعلم كذلك جيب اإليامن عىل وجه‬
‫اخلصوص بكل من سمى اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ منهم‪ ،‬وقد ورد يف القرآن الكريم ذكر بضعة وعرشين‬
‫رسوالً هم ‪ :‬نوح‪ ،‬وإدريس‪ ،‬وصالح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وهود‪ ،‬ولوط‪ ،‬ويونس‪ ،‬وإسامعيل‪ ،‬وإسحق‪ ،‬ويعقوب‪،‬‬
‫ويوسف‪ ،‬وأيوب‪ ،‬وشعيب‪ ،‬وموسى‪ ،‬وهارون‪ ،‬واليسع‪ ،‬وذو الكفل‪ ،‬وداود‪ ،‬وزكريا‪ ،‬وسليامن‪ ،‬وإلياس‪،‬‬
‫ال سواهم كام‬
‫وحييى‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وحممد «صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني»‪ .‬مع االعتقاد بأن هلل تعاىل رس ً‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫قال ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪ .)285‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)253‬‬
‫(‪ )4‬سورة غافر ‪ :‬آية (‪.)78‬‬ ‫(‪ )3‬سورة النساء ‪ :‬اآليات (‪ .)152 ، 150‬‬

‫‪51‬‬
‫ولب اإليامن هبم طاعـتـهم بإتباع أوامـرهم واالبتعاد عن مناهيهم‪ .‬والسري عىل هنجهم فهم املبلغون‬
‫عن اهلل تعاىل‪ .‬وهم األسوة ألممهم‪ ،‬وقــد عصـمـهم اهلل ـ تعـاىل ـ من اخلـطأ قال ـ تعاىل ـ لنبيه ـ ﷺ ـ ‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫فطاعة اهلل ـ تعاىل ـ وعبادته باتباعهم واالقتداء هبم‪.‬‬
‫وليس من اإليامن هبم رفعهم فوق منزلتهم التي جعلها اهلل تعاىل هلم‪ ،‬فهم عباد من البرش اختارهم‬
‫اهلل وأعدهم حلمل رسالته‪ ،‬طبائعـهم طبــائع البـرش‪ ،‬وال يملكون شي ًئا من خصـائص األلوهـيـة‪ ،‬فال‬
‫حممدا ـ ﷺ ـ إبـالغ أمـتـه‬ ‫يعلمـون من الغيـب إالَّ ما أطلعـهم اهلل عليه قـال ـ تعـاىل ـ ً‬
‫آمـرا رســوله ً‬
‫﴾(‪ .)2‬وقــال ‪﴿ :‬‬ ‫﴿‬
‫﴾(‪ )3‬وقد حكى اهلل ـ تعاىل ـ عن نـوح «عليه السالم» قـوله لقومـه ‪:‬‬

‫﴿‬
‫﴾(‪.)4‬‬

‫فأول رسل اهلل تعاىل وخاتم األنبياء واملرسلني ينفون خصائص األلوهية عنهم‪ ،‬ويبينون أهنم ليسوا‬
‫مالئكة وال علم هلم بالغيب وال يملكون خزائن اهلل تعاىل‪ ،‬وإنام هم برش فضلهم اهلل بالوحي وبلغوا أعىل‬
‫مقامات البرشية وهي العبودية اخلالصة هلل رب العاملني‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة آل عمران ‪ :‬اآليتان (‪.)32 ، 31‬‬


‫(‪ )2‬سورة الكهف ‪ :‬آية (‪ ،)110‬وسورة فصلت ‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)50‬‬
‫(‪ )4‬سورة هود ‪ :‬آية (‪.)31‬‬

‫‪52‬‬
‫بمحمد  َن ًبيا َو َرسو ًال‬
‫‪ 5‬ــــ اإليماَ ن َ‬
‫قد أكمل اهلل ـ تعاىل ـ لنا الدين‪ ،‬وأتم علينا النعمة‪ ،‬وريض لنا اإلسالم دينًا‪ ،‬عىل يد املبعوث رمحة‬
‫للعاملني‪ ،‬خاتم األنبياء واملرسلني نبينا حممد «عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم» فهو رسول اهلل إىل مجيع‬
‫منريا‪.‬‬
‫ورساجا ً‬
‫ً‬ ‫ونذيرا وداع ًيا إىل اهلل بإذنه‬
‫ً‬ ‫بشريا‬
‫الثقلني اإلنس واجلن ً‬
‫فكل من قامت عليه احلجـة برسـالته «عليه الصالة والسالم» ومل يؤمـن به استحق عـقـاب اهلل ـ‬
‫تعاىل ـ كغـريه من الكافرين قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)1‬وقــال ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬
‫واألحاديث الدالة عىل ختم النبوة كثرية منها قوله ـ ﷺ ـ ‪« :‬إن يل أسامء أنا حممد وأنا أمحد‪ ،‬وأنا املاحي‬
‫يمحو اهلل يب الكفر وأنا احلارش الذي حيرش الناس عىل قدمي‪ ،‬وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده‬
‫نبي»(‪ .)3‬وقوله ـ ﷺ ـ ‪« :‬فضلت عىل األنبياء بست‪ ،‬أعطيت جوامع الكلم‪ ،‬ونرصت بالرعب‪ ،‬وأحلت‬
‫ومسجدا‪ ،‬وأرسلت إىل اخللق كافة‪ ،‬وختم يب النبيون»(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫طهورا‬
‫ً‬ ‫يل الغنائم‪ ،‬وجعلت يل األرض‬
‫ويف اآليات واألحاديث السابقة‪ ،‬داللة رصحية عىل أن اهلل تعاىل أتم علينا نعمته بأن هدانا ألقوم‬
‫طريق‪ ،‬وأكمل لنا ديننا فال نحتاج إىل سواه‪ ،‬وال إىل نبي غري نبينا لذا جعله اهلل خاتم األنبياء فال‬
‫حالل إالَّ ما أحله وال حرام إالَّ ما حرمه‪ ،‬وال ديـن إالَّ مـا شـرعه وهو رســول اهلل إىل اخلـلـق كافـة‬
‫(‪)5‬‬
‫﴾‬ ‫كـام قـال ـ تعاىل ـ آمرا رسوله إبالغ الناس ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)6‬‬ ‫وقال ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬سورة األحزاب ‪ :‬آية (‪.)40‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪.)3‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ،1828/4‬وانظري صحيح اإلمام البخاري ‪. 188/6‬‬
‫(‪ )4‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ، 371/1‬وانظري مسند اإلمام أمحد ‪ . 412/2‬‬
‫(‪ )6‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪ .)19‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪.)158‬‬

‫‪53‬‬
‫﴾(‪ )1‬وقال رسول اهلل ـ ﷺ ـ يف‬ ‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫احلديث السابق «وأرسلت إىل اخللق كافة»‪ .‬وقال ‪« :‬والذي نفس حممد بيده‪ ،‬ال يسمع يب أحد من هذه‬
‫األمة هيودي وال نرصاين‪ ،‬ثم يموت ومل يؤمن بالذي أرسلت به إالَّ كان من أصحاب النار»(‪ )2‬فالشهادة‬
‫هلل سبحانه بالوحدانية ولنبيه بالرسالة مها الركن األول من أركان اإلسالم الذي ال يقبل اهلل دينًا سواه‪.‬‬
‫كام قال الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬بني اإلسالم عىل مخس ‪ :‬شهادة أن ال إله إالَّ اهلل وأن ً‬
‫حممدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة وحج البيت‪ ،‬وصوم رمضان»(‪.)3‬‬
‫وإلقامة احلجة عىل الناس مجي ًعا إىل يوم القيامة جعل اهلل ـ تعاىل ـ القرآن الكريم الذي هو أقوى أدلة‬
‫صدقه ـ ﷺ ـ معجزة خالدة تكفل اهلل ـ تعاىل ـ بحفظها وصيانتها عن أيدي العابثني لتكون دليل صدق‬
‫ملحمد ـ ﷺ ـ وحجة اهلل تعاىل عىل خلقه إىل قيام الساعة‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما معنى النبي‪ .‬لغة‪ ،‬واصطالح ًا ؟‬


‫س‪ : 2‬ما معنى الرسول لغة واصطالح ًا ؟ وما الفرق بينه وبني النبي ؟‬
‫س‪ : 3‬هل يمكن احلصول عىل النبوة من طريق العمل‪ ،‬أم ماذا ؟‬
‫س‪ : 4‬اذكري بعض أدلة وجوب ا ِّتصاف الرسل بالصدق‪.‬‬
‫س‪ : 5‬بِ َم ِّ‬
‫تعرفني املعجزة ؟ واذكري أمثلة من معجزات الرسل‪.‬‬
‫وخصوصا ؟‬
‫ً‬ ‫عموما‪،‬‬
‫ً‬ ‫س‪ : 6‬ما معنى اإليامن بالرسل‬
‫س‪ : 7‬هل يعترب الغلو يف الرسل من اإليامن هبم ؟ و َلمِا َذا ؟‬
‫س‪ : 8‬اذكري بعض خصائص الرسالة املحمدية‪.‬‬
‫س‪َ : 9‬لمِا َذا تكفل اهلل تعاىل بحفظ القرآن الكريم دون سائر كتبه التي أنز َلت عىل رسله ؟‬

‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 134/1‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة سبأ ‪ :‬آية (‪.)28‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ،45/1‬وانظري صحيح البخاري ‪. 13/1‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الدرايس الثاين‬
‫بالــــيــــوم اآلخــــــر‬
‫َ‬ ‫ــــان‬
‫ُ‬ ‫اإليــــم‬
‫َ‬ ‫خامس ًا ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اإليماَ نُ َ‬
‫باليوم اآلخر واملراد به‬

‫اإليامن باليوم اآلخر هو الركن اخلامس من أركان اإليامن ومعناه ‪ :‬االعتقاد اجلازم بصدق كل ما أخرب‬
‫به اهلل عز وجل يف كتابه العزيز أو أخرب به رسوله ـ ﷺ ـ مما يكون بعد املوت من فتنة القرب وعذابه ونعيمه‪،‬‬
‫وما بعد ذلك من البعث واحلرش والصحف واحلساب‪ ،‬وامليزان واحلوض والرصاط والشفاعة واجلنة‬
‫والنار وما أعد اهلل تعاىل ألهلهام فيهام‪.‬‬

‫عاما يف اإليامن بأمور اآلخرة إما ثناء عىل‬


‫جدا منها ما جاء ً‬
‫واألدلة عىل وجوب هذا اإليامن كثرية ً‬
‫خاصا ببعض أمور اآلخرة كعذاب القرب‬
‫املؤمنني باليوم اآلخر أو طل ًبا لإليامن بذلك‪ .‬ومن األدلة ما جاء ً‬
‫جدا يف القرآن الكريم ويف السنة املطهرة‪.‬‬
‫ونعيمه‪ ،‬والبعث واحلرش‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهو كثري ً‬

‫من األدلة العامة ‪:‬‬

‫أ ـ قـول اهلل ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)1‬‬

‫ب ـ قـول الله ـ تـعـالـى ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)62‬‬

‫‪56‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫جـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ جوا ًبا جلربيل «عليه السالم» حني سأله عن اإليامن ‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته‬
‫وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خريه ورشه»(‪.)2‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬ ‫د ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ عن البعث ‪﴿ :‬‬

‫هـ ـ قـول الـ ّلـه ـ تـعـالى ـ فـي شـأن الـحـسـاب ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)4‬‬

‫فاآليات فيها داللة اجلزاء عىل األعامل واحلساب اليسري وإعطاء الصحف للمحسنني باليمني‬
‫والرسور بعد ذلك‪ .‬واحلساب العسري وإعطاء الصحف للمسيئني من وراء الظهر بالشامل وبلوغ السعري‬
‫بعد ذلك‪.‬‬

‫﴾(‪ .)5‬وهو احلوض الذي أعطيه رسولنا ـ ﷺ ـ ترد‬ ‫و ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫عليه أمته ـ ﷺ ـ إالَّ من خالف سنته‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)177‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 37 ، 36/1‬‬
‫(‪ )3‬سورة املؤمنون ‪ :‬آية (‪.)16‬‬
‫(‪ )4‬سورة االنشقاق ‪ :‬اآليات (‪.)12 ، 6‬‬
‫(‪ )5‬سورة الكوثر ‪ :‬آية (‪.)1‬‬

‫‪57‬‬
‫البعث‬ ‫‪ 2‬ــــ منهج القرآن الك ِريم يف َ‬
‫إثبات َ‬

‫إن مما أنكره أكثر أهل اجلاهلية من أمور الرسالة أمر البعث بعد املوت‪ ،‬ورأوا استبعاد عودة احلياة بعد‬
‫إحالة األجسام ترا ًبا وتفرقها يف األرض أخرب اهلل عنهم بقـوله ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪ )1‬وأيـض ًا ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪ .)2‬كام قـالـوا ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪ .)3‬وقال ـ تعاىل ـ عـنـهم ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)4‬‬
‫واآليات التي ذكر اهلل تعاىل فيها استنكار املرشكني للبعث أكثر مما ذكرنا وكلها حتكي حالة استبعادهم‬
‫ملا وعدهم اهلل به من احلياة اآلخرة واحلساب عىل األعامل‪.‬‬
‫وقد جاء يف القرآن الكريم االستدالل عىل إثبات البعث والرد عىل املنكرين بطرق برهانية باهرة‬
‫اهد حمسوس يدرك ببداهة العقول‪ ،‬ومنها ما‬
‫تضطر العقول إىل التسليم واإلذعان وأغلب تلك الطرق ُم َش ٌ‬
‫وقع يف حاالت خاصة جاء اخلرب عنها يف القرآن الكريم‪ ،‬وتلك الطرق أربعة هي ‪:‬‬

‫الطريق األول ‪:‬‬


‫االستدالل بخلق الساموات واألرض‪ ،‬تلك األجرام العظيمة الشاهدة بام فيها من الدقة واالتقان وعجيب‬
‫الصنعة عىل قدرة اخلالق املطلقة‪ ،‬األمر الذي يوجب قدرته عىل ما هو أهون من ذلك من باب أوىل‪.‬‬

‫(‪ )2‬سورة املؤمنون ‪ :‬اآليتان (‪.)83 ، 82‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة الرعد ‪ :‬آية (‪.)5‬‬
‫(‪ )4‬سورة السجدة ‪ :‬آية (‪.)10‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة ق ‪ :‬آية (‪.)3‬‬

‫‪58‬‬
‫قـال ـ تعـاىل ـ مـبـيـنًا هذا ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪)1‬وقال‪﴿:‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫وقــال ـ تـعـالى ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫واآليات يف هذا كثرية يبني تبارك وتعاىل فيها كلها أن خلق اإلنسان‪ ،‬وإحيائه بعد موته أيرس وأهون من‬
‫خلق هذه املخلوقات العظيمة مع أن الكل هني عليه تعاىل‪.‬‬

‫الطريق الثاين ‪:‬‬

‫ابتداء قادر عىل اإلعادة ثان ًيا وجاء تقرير‬


‫ً‬ ‫االستدالل عىل البعث بخلق اإلنسان أوالً ألن من خلق اإلنسان‬
‫كثيرا كام يف قوله سبحانه ‪﴿ :‬‬
‫هذا يف القرآن الكريم ً‬

‫﴾(‪.)4‬‬

‫وقوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)5‬‬

‫(‪ )2‬سورة األحقاف ‪ :‬آية (‪.)33‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة اإلرساء ‪ :‬آية (‪.)99‬‬
‫(‪ )4‬سورة احلج ‪ :‬آية (‪.)5‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة غافر ‪ :‬آية (‪.)57‬‬
‫(‪ )5‬سورة الروم ‪ :‬آية (‪.)27‬‬

‫‪59‬‬
‫وقـولـه ـ تـعــالى ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬ ‫﴾(‪ .)1‬وقوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫ويف النظر إىل اآليات التي رسدنا وما ماثلها مما مل نذكره لفت انتباه املنكرين للبعث بأن ينظروا يف‬
‫أنفسهم من أين خلقت ابتداء ويف األطوار التي مر هبا خلقهم حيث إن كل طور خيتلف عن سابقه‪ ،‬فمن‬
‫قدر عىل اخللق أول األمر ال تعجزه اإلعادة مرة أخرى فهي أهون من اإلنشاء ابتداء‪ .‬وهذا التفاوت يف‬
‫حكم العقل والعادة بالنسبة للمخلوق أما بالنسبة لقدرة اهلل ـ تعاىل ـ فليس يشء أهون من يشء بل كل‬
‫يشء عليه يسري‪.‬‬

‫الطريق الثالث ‪:‬‬


‫أقام الله الدليل في القرآن الكريم على بعث األجساد بعد الموت بإحياء األرض بعد موتها كما جاء‬
‫ذلك فـي آيـات كثـيـرة مـنـها قـولـه ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬
‫وقــولـه ـ تـعــالـى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬ ‫وقوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬سورة ق ‪ :‬آية (‪.)15‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة يس ‪ :‬اآليات (‪ 77‬ـ ‪.)79‬‬
‫(‪ )4‬سورة احلج ‪ :‬آية (‪.)5‬‬ ‫(‪ )3‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪ .)57‬‬
‫(‪ )5‬سورة الزخرف ‪ :‬آية (‪.)11‬‬

‫‪60‬‬
‫يف اآليات السابقة وأمثاهلا يبني ـ تعاىل ـ أن اإلحياء بعد اإلماتة ممكن بالنسبة ملن يملك ترصيف‬
‫األمور كلها والدليل احليس أمامكم ترونه دائماً ‪ ،‬وهو رؤيتكم األرض اليابسة اجلرداء التي ال حياة فيها‪،‬‬
‫فيسوق اهلل هلا املطر فتصبح بعد ذلك خرضاء نرضة قد نمت فيها األشجار وازدهرت فيها الثامر فالقادر‬
‫عىل هذا قادر عىل إعادة األجسام وإحيائها بعد بالئها وتفرقها وهو بكل خلق عليم‪.‬‬

‫الطريق الرابع ‪:‬‬

‫وهذا الطريق هو ما جاء اخلرب عنه يف القرآن الكريم من إحياء اهلل تعاىل بعض املوتى يف الدنيا‪ .‬آية من‬
‫آيات اهلل تعاىل تضطر املنكرين لدينه إىل االعرتاف بصدق بالغ الرسل وتزيد املؤمنني إيام ًنا‪ .‬من ذلك ما‬
‫أخرب اهلل ـ تعاىل ـ عنه بقوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪. )1‬‬

‫وقــولـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫وقــولــه ‪﴿ :‬‬

‫ ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬اآليتان (‪.)73 ، 72‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)243‬‬

‫‪61‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫ومن هذا الطريق ما جرى على يد عيسى «عليه السالم» معجزة له من إحياء الموتى بإذن الله ـ تعالى ـ‪،‬‬
‫نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء‬
‫وال شك أن داللة هذه األدلة قطعية على إثبات البعث ألن من أحيا ً‬
‫جميع النفوس كما أكّـد هذا ـ تبارك وتعـالى ـ بـقـولـه ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫وألمهية اإليامن بالبعث يف جانب احلياة الدنيا لتحقق احلكمة اإلهلية به‪ ،‬ووجود من ينكره جاء‬
‫االستدالل عليه يف القرآن بتلك الطرق املختلفة‪ ،‬فكلام كانت احلاجة إىل يشء أشد كانت أدلته أظهر رمحة‬
‫من اهلل بخلقه‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬اآليتان (‪ .)260 ، 259‬‬


‫(‪ )2‬سورة لقامن ‪ :‬آية (‪.)28‬‬

‫‪62‬‬
‫بــعــــد الـمـوت‬
‫‪ 3‬ــــ َمـــا ْ‬

‫سـؤال امللكني ونعيم القرب وعذابه‪.‬‬

‫القــرب ‪ :‬واحد القبور‪ ،‬و َقبرَ َ امليت َد َفنَه‪.‬‬


‫وقد تواترت األخبار عن رسول اهلل ـ ﷺ ـ يف ثبوت سؤال امللكني ونعيم القرب وعذابه فاإليامن بذلك واجب‪.‬‬
‫والنعيم والعذاب للروح واجلسد م ًعا بحسب تعلق الروج باجلسد يف هذه احلياة الربزخية(‪ )1‬حيث إنه‬
‫خمالف لتعلقها هبا يف الدنيا واآلخرة فأحكام هذه احلياة عىل الروح واجلسد تابع هلا بعكس احلياة الدنيوية‪.‬‬
‫وعىل هذا يفهم أن نعيم القرب وعذابه حيصل ملن استحقه‪ُ ،‬قبِ َر أو مل يقرب أكلته السباع‪ ،‬أو احرتق حتى صار‬
‫رما ًدا أو غرق يف البحر أو غري ذلك‪ .‬واألدلة عىل ذلك كثرية ً‬
‫جدا منها ‪:‬‬

‫أ ـ قــول اهلل ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)2‬‬

‫فقد روى اإلمام مسلم بسنده عن الرباء بن عازب عن النبي ـ ﷺ ـ قال ‪«( :‬يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول‬
‫الثابت» قال ‪ :‬نزلت يف عذاب القرب‪ ،‬فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ريب اهلل ونبي حممد ـ ﷺ ـ فذلك قول‬
‫﴾)(‪.)3‬‬ ‫اهلل عز وجل ‪﴿ :‬‬

‫فتفسري احلديث لآلية دليل عىل السؤال يف القرب يوضح هذا الدليل التايل ‪:‬‬
‫ب ـ روى مسلم بسنده عن قتاد عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال نبي اهلل ـ ﷺ ـ «إن العبد إذا وضع يف‬
‫قربه‪ ،‬وتوىل عنه أصحابه‪ ،‬إنه ليسمع قرع نعاهلم» قال ‪« :‬يأتيه ملكان فيقعدانه فيقوالن له ‪ :‬ما كنت تقول‬

‫(‪ )1‬الربزخ احلاجز بني الشيئني وهو ما بني املوت إىل القيامة فمن مات فقد دخل الربزخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2201/4‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )2‬سورة إبراهيم ‪ :‬آية (‪.)27‬‬

‫‪63‬‬
‫يف هذا الرجل ؟» «قال فأما املؤمن فيقول ‪ :‬أشهد أنه عبداهلل ورسوله» قال ‪ :‬فيقال له ‪ :‬انظر إىل مقعدك من‬
‫مقعدا من اجلنة» قال نبي اهلل ـ ﷺ ـ فريامها مجي ًعا‪ .‬قال قتادة ‪« :‬وذكر لنا أنه يفسح‬
‫ً‬ ‫النار‪ ،‬قد أبدلك اهلل به‬
‫له يف قربه سبعون ذرا ًعا ويمأل عليه خرضً ا(‪ )1‬إىل يوم يبعثون»(‪.)2‬‬

‫جـ ـ روى البخاري بسنده عن ابن عباس «ريض اهلل عنهام» قال ‪« :‬مر النبي ـ ﷺ ـ عىل قربين‬
‫فقال إهنام ليعذبان وما يعذبان يف كبري ثم قال بىل ‪ :‬أما أحدمها فكان يميش بالنميمة‪ ،‬وأما اآلخر فكان‬
‫ال يستربىء من بوله قال ثم أخذ عو ًدا رط ًبا فكرسه باثنتني ثم غرز كل واحد منهام عىل قرب ثم قال لعله‬
‫خيفف عنهام ما مل ييبسا»(‪.)3‬‬

‫د ـ روى البخاري بسنده عن أيب هريرة ـ ريض اهلل عنه ـ قال ‪ :‬كان رسول اهلل ـ ﷺ ـ «يدعو اللهم إين‬
‫أعوذ بك من عذاب القرب‪ ،‬ومن عذاب النار ومن فتنة املحيا واملامت ومن فتنة املسيح الدجال»(‪ .)4‬هذه‬
‫األدلة وأمثاهلا تدل عىل أن امليت يمتحن يف قربه فمن ثبته اهلل تعاىل وأجاب باحلق فسح له يف قربه وأويت‬
‫من نعيم اآلخرة‪ ،‬ومن ضل الصواب يف سلوكه يف احلياة الدنيا فلن يوفق للصواب عند سؤال امللكني‬
‫فيرضب بمطارق من حديد ويضيق عليه يف قربه ويناله من العذاب بحسب ذنوبه إىل أن تقوم الساعة‪ ،‬أو‬
‫إىل فرتة من الزمن فعذاب القرب نوعان ‪:‬‬

‫النوع األول ‪:‬‬

‫دائم ال ينقطع إىل قيام الساعة وهو للكفار واملنافقني وبعض العصاة كام أخرب تعاىل عن آل فرعون بقوله ‪:‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬ ‫﴿‬

‫(‪ )1‬اخلرض بفتح اخلاء وكرس الضاد النعم الغضة الناعمة‪ ،‬وأصله من خرضة الشجر‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ، 2201 ، 2200 /4‬وانظري صحيح اإلمام البخاري ‪. 123/2‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام البخاري ‪. 124/2‬‬
‫(‪ )4‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ،124/2‬وانظري صحيح مسلم ‪. 2200/4‬‬
‫(‪ )5‬سورة غافر ‪ :‬آية (‪.)46‬‬

‫‪64‬‬
‫النوع الثاين ‪:‬‬

‫مدة ثم ينقطع وهو عذاب العصاة الذين خفت جرائمهم‪ ،‬فيعذب بحسب جرمه ثم خيفف عنه العذاب‬
‫أو ينقطع عنه لكون معصيته ال تستحق من العذاب إالَّ هذا أو بسبب حصول بعض مكفرات الذنوب‬
‫مما يكون لإلنسان بعد مماته من دعاء ولد صالح‪ ،‬أو صدقة جارية خلفها يف الدنيا‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ .‬واهلل‬
‫غفور رحيم‪.‬‬

‫وعال َماهتا‬
‫القيا َمة َ‬
‫‪ 4‬ــــ َ‬

‫﴾(‪ .)1‬ونحو ذلك‬ ‫القيامة عبارة عن قيام الساعة املذكور يف مثل قوله تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫وقد ذكرت يف القرآن بعدة أسامء منها القارعة‪ ،‬والغاشية‪ ،‬والطامة‪ ،‬والواقعة‪ ،‬واحلاقة‪ ،‬والصاخة‪ ،‬ويوم‬
‫احلساب‪ ،‬ويوم الدين‪.‬‬

‫جدا منها ‪:‬‬


‫وأدلة وقوعها كثرية ً‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫أ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫ب ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫جـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫د ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬بعثت أنا والساعة كهاتني ويقرن إصبعيه السبابة والوسطى»(‪.)5‬‬
‫أحدا‬
‫ومع قطعية ثبوهتا ووجوب اإليامن هبا فقد استأثر اهلل ـ تعاىل ـ بالعلم بوقت وقوعها فلم يطلع ً‬
‫عىل حتديده لكنه أخرب بعالمات تدل عىل قرب وقوعها ‪:‬‬

‫(‪ )2‬سورة احلج اآلية (‪.)7‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة غافر آية (‪ )46‬وسورة اجلاثية آية (‪.)27‬‬
‫(‪ )4‬سورة القمر آية (‪.)1‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة غافر آية (‪.)59‬‬
‫(‪ )5‬انظري صحيح البخاري ‪ ، 206/6‬وصحيح مسلم ‪. 592/2‬‬

‫‪65‬‬
‫أو ًال ‪ :‬أدلة استئثار هّ‬
‫الل بعلمها ‪:‬‬

‫جدا منها ما ييل ‪:‬‬


‫واألدلة عىل هذا كثرية ً‬

‫أ ـ قـول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)1‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬ ‫ب ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫جـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عالمات الساعة ‪:‬‬


‫ً‬
‫حممدا ـ ﷺ ـ بأمارات قــرهبا‬
‫ً‬ ‫ملا اقتضت حكمـة اهلل تعـاىل إخـفاء وقـت وقـوعــها أعلم نبــيـه‬
‫فأخـربنا ـ ﷺ ـ بعالمات كثرية يدل ظهورها عىل قرب وقوع الساعة وهي نوعان‪ ،‬عالمات صغرى تدل‬
‫عىل قرهبا وعالمات كربى تكون بني يدهيا قـري ًبا تنهال متتابعة‪.‬‬

‫فمن عالماهتا الصغرى ما ييل ‪:‬‬

‫أ ـ «جاء يف حديث جربيل «عليه السالم» حني سأل الرسول ـ ﷺ ـ بقوله «متى الساعة ؟ قال ما‬

‫(‪ )1‬سورة األعراف آية (‪.)187‬‬


‫(‪ )2‬سورة لقامن آية (‪.)34‬‬
‫(‪ )3‬سورة األحزاب آية (‪.)63‬‬

‫‪66‬‬
‫املسئول عنها بأعلم من السائل وسأخربك عن أرشاطها(‪ )1‬إذا ولدت األمة رهبا(‪ ،)2‬وإذا تطاول رعاة اإلبل‬
‫البهم(‪ )3‬يف البنيان»(‪.)4‬‬
‫ب ـ ومنها قتال املسلمني لليهود وانتصار املسلمني عليهم يدل عىل هذا ‪ :‬ما رواه مسلم بسنده عن أيب‬
‫هريرة «ريض اهلل عنه»‪ ،‬إن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬ال تقوم الساعة حتى يقاتل املسلمون اليهود فيقتلهم‬
‫املسلمون حتى خيتبىء اليهودي من وراء احلجر والشجر فيقول احلجر والشجر يا مسلم يا عبداهلل هذا‬
‫هيودي خلفي فتعال فاقتله إالّ الغرقد فإنه من شجر اليهود»(‪.)5‬‬
‫والعالمات الصغرى التي أخرب هبا الرسول ـ ﷺ ـ يطول ذكرها بأدلتها كتقارب الزمان ونقص‬
‫العمل وظهور الفتن وكثرة القتل وكثرة الزنا والفسوق وغري ذلك‪.‬‬

‫وأما العالمات الكربى فمنها ‪:‬‬

‫أ ـ خروج الدجال وقد أخرب الرسول ـ ﷺ ـ بخروجه بأحاديث كثرية بلغت التواتر وقد أنذرت به‬
‫األنبياء أقوامها وحذرت منه أممها‪ ،‬وقد أخربنا الرسول ـ ﷺ ـ بأنه أعظم فتنة حتصل من خلق آدم إىل‬
‫قيام الساعة‪ ،‬ومن دعائه ـ ﷺ ـ االستعاذة من فتنته وأمر أمته بذلك‪ .‬ومن األحاديث الكثرية الواردة يف‬
‫التحذير منه ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ ريض اهلل عنه ـ قال ‪ :‬قال النبي ـ ﷺ ـ ‪« :‬ما بعث‬
‫نبي إالَّ أنذر أمته األعور الكذاب أال إنه أعور‪ ،‬وإن ربكم ليس بأعور وإن بني عينيه مكتوب كافر»(‪.)6‬‬
‫ب ـ نزول نبي اهلل عيسى ـ عليه السالم ـ عىل املنارة البيضاء رشقي دمشق‪ ،‬فيقتل الدجال ويدعو‬

‫(‪ )1‬األرشاط مجع رشط بفتح الشني والراء‪ ،‬واألرشاط العالمات‪ ،‬وقيل املقدمات وقيل صغار أمورها قبل متامها‪.‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )2‬رهبا ‪ :‬أي س ّيدها ومالكها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البهم الصغار من أوالد الغنم‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ 20/1‬ـ وانظري صحيح مسلم ‪. 39/1‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام مسلم ‪ ، 2239/4‬انظري صحيح اإلمام البخاري ‪. 51/4‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري ‪ ،76 ، 75/9‬انظري مسلم ‪. 2248/4‬‬

‫‪67‬‬
‫إىل دين اإلسالم وحيكم به ويكرس الصليب ويقتل اخلنزير ويضع اجلزية واألدلة عىل هذا كثرية منها ما‬
‫رواه البخاري ومسلم عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬ال تقوم الساعة حتى‬
‫ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقس ًطا فيكرس الصليب ويقتل اخلنزير ويضع اجلزية ويفيض املال حتى ال‬
‫يقبله أحد»(‪.)1‬‬
‫جـ ـ طلوع الشمس من مغرهبا وهذه عالمة اقرتاب الساعة وبداية تغري نظام هذا الكون الذي يسري‬
‫نفسا‬
‫به ولشدة تأثري هذه اآلية وحجبها لآلمال يفزع الناس عند رؤيتها ويؤمنون مجي ًعا ولكن ال ينفع ً‬
‫إيامهنا مل تكن آمنت من قبل كام قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬
‫وروى البخاري ومسلم عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬ال تقوم الساعة‬
‫نفسا‬
‫حتى تطلع الشمس من مغرهبا‪ ،‬فإذا طلعت من مغرهبا آمن الناس كلهم أمجعون فيومئذ ال ينفع ً‬
‫خريا»(‪.)3‬‬
‫إيامهنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت يف إيامهنا ً‬
‫وهناك عالمات كثرية غري ما ذكرنا كظهور املهدي‪ ،‬والدابة‪ ،‬والدخان ونار عىل أرض احلجاز وغري‬
‫جدا يعقبها هنـاية الدنيا ومـوت مجـيع اخللق قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫ذلك وهي متقاربة ً‬
‫﴾(‪.)4‬‬
‫وقد سئل رسول اهلل ـ ﷺ ـ عن الصور فقال قرن ينفخ فيه(‪ .)5‬والذي ينفخ فيه إرسافيل «عليه السالم»‬
‫فيموت من يف الساموات واألرض إالَّ من شاء اهلل واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام البخاري ‪ . 178/3‬انظري صحيح اإلمام مسلم ‪. 136/1‬‬


‫(‪ )2‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)158‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 137/1‬انظري صحيح البخاري ‪. 132/0‬‬
‫(‪ )4‬سورة الزمر ‪ :‬آية (‪.)68‬‬
‫(‪ )5‬انظري مسند اإلمام أمحد ‪. 192 ، 162/2‬‬

‫‪68‬‬
‫ـعــــث وا َ‬
‫حلــــــرشُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ 5‬ــــ َ‬
‫الب‬

‫بعد معرفة أدلة البعث نشري هنا إىل هيئته‪ ،‬وهو أنه بعد النفخة األوىل يف الصور وموت مجيع اخللق‬
‫يمكثون مدة قبل البعث كام جاء يف احلـديث املتـفق عىل صحـته من روايـة أيب هـريـرة ريض اهلل عنه‬
‫يوما ؟ قال ‪ :‬أبيت(‪،)1‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬ما بني النفختني أربعون‪ .‬قالوا ‪ :‬يا أبا هريرة أربعون ً‬
‫شهرا ؟ قال ‪ :‬أبيت‪ ،‬قالوا ‪ :‬أربعون سنة ؟ قال ‪ :‬أبيت‪ .‬ثم ينزل اهلل من السامء ماء فينبتون‬
‫قالوا ‪ :‬أربعون ً‬
‫واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب‬
‫ً‬ ‫كام ينبت البقل‪ .‬قال ‪ :‬وليس من اإلنسان يشء إالَّ يبىل‪ .‬إالَّ عظماً‬
‫اخللق يوم القيامة»(‪.)2‬‬

‫فإذا نبت عجب الذنب وعادت األجسام كام كانت ُن ِف َخ يف الصور النفخة الثانية فعادت كل روح إىل‬
‫﴾(‪ .)3‬فتـعـود احلـيـاة مـرة ثانـيـة كـام كانـت أول‬ ‫جـسـدها قـال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)4‬وقـال ـ تعـاىل ـ ‪:‬‬ ‫مـرة قـال ـ تعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴿‬
‫﴾(‪ .)5‬وقــال ـ تـعـالـى ـ ‪﴿ :‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫﴾(‪ )7‬واآليات يف هذا كثرية ً‬ ‫﴾(‪ )6‬وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫وبعد هذا القـيام يـسـاق الخلـق إلى أرض المـحـشـر قـال ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫(‪)9‬‬
‫﴾‬ ‫﴾(‪ )8‬وقـال ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2271 ، 2270/4‬‬ ‫(‪« )1‬قال ‪ :‬أبيت» أي أبيت اجلزم إالَّ بأربعني فقط من غري متييز ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنبياء ‪ :‬آية (‪.)104‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة التكوير ‪ :‬آية (‪.)7‬‬
‫(‪ )6‬سورة ق ‪ :‬آية (‪.)42‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة يس ‪ :‬اآليتان (‪.)52 ، 51‬‬
‫(‪ )8‬سورة ق ‪ :‬آية (‪.)44‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )7‬سورة املطففني ‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫(‪ )9‬سورة الكهف ‪ :‬آية (‪ .)47‬‬

‫‪69‬‬
‫وقـال ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫ويف اآلية داللة عىل أن احلرش من حقائق اآلخرة وهو مجعهم إىل أرض املحرش من أماكن بعثهم عىل‬
‫صفات خمتلفة‪.‬‬

‫انتظارا لفصل القضاء‪ ،‬وهم عىل أحوال خمتلفة حتكي حاهلم يف احلياة‬
‫ً‬ ‫وهناك يقف اخللق وقو ًفا طوي ً‬
‫ال‬
‫الدنيا فتظهر أعامل الناس فال ختفى عىل أحد مع ما يف املوقف من الرهبة والشدة فيطلبون من يشفع هلم‬
‫إىل رهبم ليقيض بينهم فيذهبون إىل أبيهم آدم «عليه السالم» فيأمرهم بالذهاب إىل نوح «عليه السالم»‬
‫ونوح يأمرهم بالذهاب إىل إبراهيم «عليه السالم»‪ ،‬ويأمرهم إبراهيم بالذهاب إىل موسى «عليه السالم»‪،‬‬
‫وكلهم يعتذرون بأن اهلل غضب اليوم غض ًبا مل يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وبذنوب حصلت‬
‫منهم‪ .‬ويأمرهم موسى «عليه السالم» بالذهاب إىل عيسى «عليه السالم» ويعتذر بأن اهلل ـ تعاىل ـ غضب‬
‫اليوم غض ًبا مل يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ويأمرهم بالذهاب إىل حممد ـ ﷺ ـ فيشفع بذلك‬
‫حممد ـ ﷺ ـ ثم يأذن اهلل تعاىل بالقضاء بني اخلالئق(‪ .)2‬واهلل رسيع احلساب‪ ،‬وإليك ذكر بعض أدلة‬
‫املواقف احلاصلة يف القيامة قبل دخول اجلنة أو النار ‪:‬‬

‫أو ًال ‪ :‬العرض واحلساب ‪:‬‬

‫املراد هبذا َأن اهلل سبحانه وتعاىل يظهر اإلنسان عىل أعامله يف احلياة الدنيا ويقرره بذلك‪ .‬كام يقتص‬
‫جدا مثل‪:‬‬
‫لبعض اخللق من بعض ويقيض بينهم وذلك عىل اهلل يسري واألدلة عىل هذا القرآن والسنة كثرية ً‬

‫(‪ )1‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)45‬‬


‫(‪ )2‬يراجع يف هذا حديث الشفاعة الطويل يف كتب السنة كالبخاري ‪ . 180 ، 179/9‬ومسلم ‪ . 186 - 184/1‬ومسند اإلمام أمحد‬
‫‪. 436 ، 435/2‬‬

‫‪70‬‬
‫﴾(‪ )1‬وقـولـه ‪﴿ :‬‬ ‫قـولـه ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ )2‬وقـوله ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫﴾(‪ )3‬وقوله ‪﴿ :‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل هو الذي يتوىل حساب اخللق بنفسه ملا روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم‬
‫قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬ما منكم من أحد إالَّ سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترمجان فينظر أيمن منه‬
‫فال يرى إالَّ ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فال يرى إالَّ ما قدم وينظر بني يديه فال يرى إالَّ النار تلقاء‬
‫وجهه فاتقوا النار ولو بشق مترة»(‪.)5‬‬

‫فيؤتى بالكـتـب التي دونـتـها الحفظة على ابن آدم ليـقــرأ ما كتب بها وليـقـف كل إنسان على‬
‫عمله كما أخـبر تبارك وتعالى عن هـذا بقـوله ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)6‬‬

‫وقـال ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)7‬‬

‫ويعرف كل إنسان حاله كام يعلم الناس ذلك عند توزيع الكتب فمن أويت كتابه باليمني فهو من‬
‫املفلحني وحسابه سهل ميرس ومن أويت كتابه بشامله من وراء ظهره فحسابه عسري ومن نوقش احلساب‬

‫(‪ )2‬سورة الكهف ‪ :‬آية (‪.)48‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪.)6‬‬
‫(‪ )4‬سورة الغاشية ‪ :‬اآليتان (‪.)26 ، 25‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة غافر ‪ :‬آية (‪.)17‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ، 181/9‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 704 ، 703/2‬‬
‫(‪ )7‬سورة اإلرساء ‪ :‬اآليتان (‪.)14 ، 13‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )6‬سورة الكهف ‪ :‬آية (‪.)49‬‬

‫‪71‬‬
‫هلك ملا روى البخاري ومسلم وغريمها عن عائـشـة «ريض اهلل عنها » قالت ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪:‬‬
‫«ليس أحد حياسب إال هلك قالـت ‪ :‬قلـت يا رسـول اهلل جعلـني اهلل فداك أليـس يقول اهلل عز وجـل‪:‬‬
‫قـال ذالـك العـرض يعــرضـون‬ ‫(‪)1‬‬
‫﴾‬ ‫﴿‬
‫ومـن نوقـش احلـسـاب هـلـك(‪.»)2‬‬
‫فمن فضل اهلل ـ تعاىل ـ ولطفه باملؤمنني ال يناقشهم احلساب عىل أعامهلم وإنام يعرضها عليهم ويقررهم‬
‫هبا وهي مما سرته عليهم يف الدنيا وكذلك ال يطلع عليها أحدا يف هذا املوقف ويقول هلؤالء إين قد سرتت‬
‫ذلك يف الدنيا وأنا أغفرها اليوم بخالف الكفار فينادى هبم عىل رؤوس األشهاد ملا جاء عن ابن عمر أنه‬
‫سئل ‪ :‬كيف سمعت رسول اهلل ـ ﷺ ـ يقول يف النجوى ؟ قال ‪ :‬سمعته يقول «يدنى املؤمن يوم القيامة من‬
‫ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه(‪ )3‬فيقرره بذنوبه‪ ،‬فيقول هل تعرف ؟ فيقول ‪ :‬أي رب ! أعرف‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإين قد سرتهتا عليك يف الدنيا وإين أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته‪ .‬وأما الكفار واملنافقون‬
‫فينادى هبم عىل رؤوس اخلالئق ‪ :‬هؤالء الذين كذبوا عىل اهلل»(‪.)4‬‬
‫خريا أو رشً ا كام قال ‪﴿ :‬‬
‫وقد أحىص ـ تبارك وتعاىل ـ عىل اخللق مجيع أعامهلم ً‬
‫﴾(‪ .)5‬وقـال ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)6‬‬
‫فسريى كل عامل عمله وال جمال لإلنكار ألن األرض خترب بام عمل عليها وتنطق اجلـوارح بام‬
‫كـسبـت قـال تعـاىل ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة االنشقاق ‪ :‬اآليتان (‪.)8 ، 7‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام البخاري ‪ . 208/6‬انظري صحيح اإلمام مسلم ‪. 2205 ، 4/2204‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )3‬كنفه ‪ :‬هو سرته وعفوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 2120/4‬انظري صحيح البخاري ‪. 93/6‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة الزلزلة ‪ :‬اآليتان (‪.)8 ، 7‬‬
‫(‪ )6‬سورة املجادلة ‪ :‬آية (‪.)6‬‬

‫‪72‬‬
‫﴾(‪ )1‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)2‬فاملوقف شديد والك ّيس من دان نفسه وعمل ملا بعد املوت والعاجز من‬
‫اتبع نفسه هواها ومتنى عىل اهلل األماين‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬احلــــوض ‪:‬‬


‫ً‬
‫احلوض ‪ :‬جمتمع املاء‪ ،‬ومجعه حياض‪ .‬واملراد باحلوض هنا مورد عظيم ترده أمة حممد ـ ﷺ ـ يوم‬
‫القيامة إالَّ من خالف هديه وبدل بعده‪ .‬وقد تواترت األحاديث يف خرب احلوض وصفته من ذلك ما ييل ‪:‬‬
‫أ ـ روى البخاري ومسلم بسندهيام عن أنس بن مالك ‪ :‬أن النبي ـ ﷺ ـ قال ‪« :‬إن قدر حويض كام بني‬
‫أيلة وصنعاء من اليمن‪ ،‬وإن فيه من األباريق كعدد نجوم السامء»(‪.)3‬‬
‫ب ـ روى البخاري ومسلم بسندهيام عن عبدامللك بن عمري قال ‪ :‬سمعت جندبا يقول ‪ :‬سمعت‬
‫النبي ﷺ يقول ‪« :‬أنا فرطكم(‪ )4‬عىل احلوض»(‪.)5‬‬
‫جـ ـ جاء يف الصحيحني وغريمها أن رسول اهلل ـ ﷺ ـ قال وهو بني ظهراين أصحابه ‪« :‬إين عىل‬
‫عيل منكم‪ .‬فواهلل ليقتطعن دوين رجال‪ ،‬فألقولن ‪ :‬أي ريب‪ ،‬منّي ومن أمتي ‪:‬‬
‫احلوض‪ .‬أنتظر من يرد ّ‬
‫فيقول ‪ :‬إنك ال تدري ما عملوا بعدك‪ .‬مازالوا يرجعون عىل أعقاهبم»(‪ .)6‬يف األحاديث التي ذكرنا داللة‬
‫عىل إثبات حوض الرسول ـ ﷺ ـ وذكر بعض صفاته‪ .‬وأن الرسول ـ ﷺ ـ يتقدم أمته لريدوا عليه‪ .‬وأن‬
‫االبتداع وخمالفة األوامر موانع من ورود هذا احلوض‪ .‬ومن صفات احلوض الواردة يف األحاديث‪ ،‬أنه يف‬
‫غاية العظم واالتساع عرضه وطوله سواء كل زاوية من زواياه مسرية شهر‪ ،‬ويمد من هنر الكوثر يشخب‬

‫(‪ )2‬سورة يس ‪ :‬آية (‪.)65‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة الزلزلة ‪ :‬اآليات (‪ 1‬ـ ‪.)4‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام البخاري ‪ . 149/8‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 1800/4‬‬
‫(‪ )4‬الفرط هو الذي يتقدم الواردين ليصلح هلم احلياض والدالء‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام البخاري ‪ . 151/8‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 1792/4‬‬
‫(‪ )6‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 1794/4‬انظري صحيح البخاري ‪. 151 ، 151/8‬‬

‫‪73‬‬
‫رحيا من املسك‬
‫بياضا من اللبن وأبرد من الثلج‪ .‬وأحىل من العسل وأطيب ً‬
‫فيه ميزابان من اجلنة ماؤه أشد ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫وكيزانه(‪ )1‬عدد نجوم السامء من رشب منه مل يظمأ ً‬
‫وإن اإليامن باحلوض وصفته واجب عىل كل مسلم لثبوت ذلك عن رسول اهلل ـ ﷺ ـ بام ال يدع جماالً‬
‫للشك وهو عىل ظاهره كام يفهم من األلفاظ التي ورد هبا من غري تأويل‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الـمــيـــــزان ‪:‬‬

‫امليزان ‪ :‬اآللة التي تعرف هبا مقادير األشياء‪.‬‬


‫واملراد بامليزان هنا ‪ :‬ميزان حقيقي له كفتان حسيتان يوضع لوزن أعامل العباد بعد انقضاء احلساب‬
‫والتقرير باألعامل وعرضها عىل ابن آدم‪.‬‬
‫وفيه إظهار العدل الرباين فال تظلم نفس شي ًئا فيحرض تبارك وتعاىل أعامل اإلنسان وإن كان مثقال‬
‫حبة من خردل إلظهار مقاديرها ليكون اجلزاء بحسبها‪ .‬وقد تكون موازين األعامل متعددة‪ ،‬وقد يكون‬
‫واحدا واهلل قادر عىل كل يشء‪ .‬واألدلة عىل ثبوت امليزان ووزن األعامل كثرية منها ‪:‬‬
‫ً‬ ‫امليزان‬

‫أ ـ قـول اهلل ـ تعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)2‬‬

‫ب ـ قول اهلل ـ تعاىل ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬
‫جـ ـ قـول ال ّلـه ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬

‫(‪ )2‬سورة األعراف ‪ :‬آية (‪.)9 ، 8‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬الكيزان مجع كوز وهو إناء بعروة يرشب به املاء‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة املؤمنون ‪ :‬اآليتان (‪.)103 ، 102‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة األنبياء ‪ :‬آية (‪.)47‬‬

‫‪74‬‬
‫د ـ قـول ال ّلـه ـ تـعـاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫يف اآليات السابقة ما يدل عىل إثبات املوازين‪ ،‬وإثبات وزن األعامل وترتب الفالح عىل ثقلها‬
‫واخلسارة عىل خفتها‪ .‬ثم إن األعامل التي توزن يوم القيامة وهي أعراض ال تقبل الوزن يف احلياة الدنيا‬
‫وأيضا مع قبول‬‫تكون يف ذلك الوقت قابلة لذلك‪ ،‬ألن معايري تلك احلياة ليست هي كام يف حياتنا اآلن‪ً .‬‬
‫ال وخفة حتى مع كوهنا واحدة بحسب اإلخالص والنية املصاحبة لذلك‪.‬‬ ‫تلك األعامل الوزن تتفاوت ثق ً‬
‫كثريا من اخللق يأتون بكلمة الشهادة ومع‬‫فاعتبارات الوزن ليست لذات العمل وإنام ملا يصحبه‪ ،‬ألن ً‬
‫ذلك تغلب سيئاهتم حسناهتم مع كون الشهادة متيل بالسموات واألرض لو وضعت يف كفة ووضعت‬
‫السموات واألرض ومن فيهن يف كفة كام جاء يف احلديث(‪ .)2‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬الصــــــراط ‪:‬‬


‫ً‬
‫الرصاط ‪ :‬هو الطريق‪ .‬ويلفظ بالسني‪.‬‬
‫واملراد هنا ‪ :‬اجلرس املنصوب عىل ظهر جهنم طري ًقا إىل اجلنة‪ .‬واملرور عىل الرصاط عام جلميع الناس‪،‬‬
‫وال يمكن الوصول إىل اجلنة إالَّ بعد جتاوزه‪.‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫قال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫وقد بني الرسول ـ ﷺ ـ ذلك بام يدل عىل أنه املرور عىل الرصاط وهو مشهد خميف ينيس اإلنسان أهله‬
‫وذويه حتى ينجو‪.‬‬
‫والقدرة عىل العبور مرجعها استقامة اإلنسان عىل الرصاط املستقيم رصاط املنعم عليهم فمن‬
‫استقام عىل دين اهلل الذي ارتىض لعباده وهو الرصاط املعنوي‪ ،‬استطاع العبور عىل الرصاط احليس‬
‫بحسب استقامته‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظري مسند اإلمام أمحد ‪. 225 ، 186 ، 170/2‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬سورة القارعة ‪ :‬اآليات (‪ 6‬ـ ‪.)11‬‬
‫(‪ )3‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)71‬‬

‫‪75‬‬
‫ومن حاد عن الرصاط املستقيم يف الدنيا وقت الرخاء‪ ،‬فلن يصمد عىل الطريق املزلة وقت الشدة‪،‬‬
‫وقد افتقد وسيلته وهي العمل ومن األدلة عىل ثبوت الرصاط وصفته والعبور عليه ما ييل ‪:‬‬
‫أ ـ روى البخاري ومسلم بسندهيام عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» ـ يف حديث طويل أن النبي ـ‬
‫ﷺ ـ قال ‪« :‬ويرضب الرصاط بني ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من جييزها‪ .‬وال يتكلم يومئذ إالَّ‬
‫الرسل ودعوى الرسل يومئذ ‪ :‬اللهم سلم‪ ،‬سلم‪ ،‬ويف جهنم كالليب مثل شوك السعدان(‪ .)1‬هل رأيتم‬
‫السعدان؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ ،‬يا رسول اهلل قال ‪ :‬فإهنا مثل شوك السعدان‪ ،‬غري أنه ال يعلم ما قدر عظمها إالَّ اهلل‪.‬‬
‫ختطف الناس بأعامهلم فمنهم املؤمن بقى بعمله(‪ ،)2‬ومنهم املجازى حتى ُينَ ّجى‪ ...‬احلديث»(‪.)3‬‬
‫ب ـ روى مسلم بسنده عن أيب هريرة‪ ،‬وعن حذيفة قاال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ فذكر حديث‬
‫حممدا ـ ﷺ ـ فيقوم فيؤذن له‪ ،‬وترسل األمانة والرحم‪ .‬فتقومان جنبتي الرصاط‪،‬‬
‫الشفاعة وفيه ‪« :‬فيأتون ً‬
‫يمينا وشامالً‪ّ ،‬‬
‫فيمر أولكم كالربق‪ ،‬قال قلت ‪ :‬بأيب أنت وأمي ! أي يشء كمر الربق ؟» قال «أمل تروا إىل‬
‫الربق كيف يمر ويرجع يف طرفة عني ؟ ثم كمر الريح‪ ،‬ثم كمر الطري وشد الرجال(‪ )4‬وجتري هبم أعامهلم‪،‬‬
‫ونبيكم قائم عىل الرصاط يقول ‪ :‬رب سلم سلم حتى تعجز أعامل العباد‪ .‬حتى جييء الرجل فال يستطيع‬
‫السري إالَّ زحفا قال ‪ :‬ويف حافتي الرصاط كالليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج‬
‫ومكدوس يف النار»(‪.)5‬‬
‫ويف األحاديث أدلة ثبوت الرصاط‪ ،‬وصفته‪ ،‬وهول املوقف‪ ،‬وأن األعامل هي وسيلة العبور وسبب‬
‫﴾(‪.)6‬‬ ‫النجاة لقوله تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫أي أن اهلل تعاىل ينجيهم بعد الورود ويذر الظاملني فيها جثيا‪ ،‬فال يتجاوزوهنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬السعدان ‪ :‬نبت له حسكة يعم الشوك حميطها‪.‬‬


‫(‪ )2‬بقي بعمله ـ أي مل خيطف ـ ورويت «املوثق بعمله» ورويت «املوبق يعني بعمله»‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ‪ 163/1‬ـ ‪ 166‬انظري صحيح البخاري ‪ 146/8‬ـ ‪. 148‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 187 ، 186/1‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )4‬الشد هو العدو البالغ‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة مريم ‪ :‬آية (‪.)72‬‬

‫‪76‬‬
‫ويالحظ فيام تقدم مما ذكر من أمور اليوم اآلخر أن حقائق هذه األمور خفية ال تدركها العقول ألنه‬
‫ال نظري هلا يف الواقع املشهود من كل وجه‪ ،‬فيجب عدم اخلوض يف حقائق هذه األمور وكيفياهتا وتفويض‬
‫علم ذلك إىل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الشفاعة ‪:‬‬


‫ً‬
‫الشفع ‪ :‬ضم اليشء إىل مثله‪.‬‬
‫والشفاعة ‪ :‬الوسيلة والطلب وهذا لغة‪.‬‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫ناصرا له وسائ ً‬
‫ً‬ ‫أما عر ًفا فهي ‪ :‬سؤال اخلري للغري‪ ،‬أي االنضامم إىل آخر‬

‫وأكثر ما يستعمل هذا املعنى يف انضامم من هو أعىل حرمة ومرتبة إىل من هو أدنى‪.‬‬
‫ومن الشفاعة دعاء املرء ألخيه وطلبه من اهلل تعاىل أن هيديه إىل الصواب‪ ،‬أو يدفع عنه رضً ا‪ ،‬أو يغفر‬
‫له خطاياه سواء كان ذلك يف احلياة الدنيا من احلي للحي‪ ،‬أو من احلي للميت‪ ،‬أو كان ذلك يوم القيامة‬
‫والشفاعة سبب من األسباب التي يرحم اهلل هبا من يرحم من عباده‪ ،‬فيستحقها أهل توحيده‪ ،‬ويمنعها‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫أهل الرشك كام قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫وختتلف الشفاعة عند اللهّ سبحانه عن الشفاعة عند غريه فالبد فيها من رشطني ‪:‬‬

‫الرشط األول ‪:‬‬


‫﴾(‪ )2‬وقـوله ‪:‬‬ ‫إذن اهلل تعاىل للـشـافع ‪ :‬أن يشـفـع لقوله تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)3‬وقـولـه ‪﴿ :‬‬ ‫﴿‬
‫﴾(‪ .)4‬وقـولـه ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)255‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)116 ، 48‬‬
‫(‪ )4‬سورة سبأ ‪ :‬آية (‪.)23‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة طه ‪ :‬آية (‪.)109‬‬

‫‪77‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫ويقول سيد الشفعاء يف حديث الشفاعة الطويل ‪« :‬فأستأذن عىل ريب فيؤذن يل ويلهمني حمامد أمحده‬
‫ساجدا فيقال ‪ :‬يا حممد ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع لك‪،‬‬
‫ً‬ ‫هبا ال حترضين اآلن فأمحده بتلك املحامد وأخر له‬
‫وسل تعط‪ ،‬واشفع تشفع»(‪.)2‬‬

‫الرشط الثاين ‪:‬‬


‫الرىض عن املشفوع له ‪ :‬ورىض اهلل تعاىل ال حيصل إالَّ باتباع األوامر واجتناب املناهي فام أمر به فهو‬
‫مريض حمبوب وما هنى عنه فهو مبغض منبوذ واألدلة عىل هذه كثرية منها ‪:‬‬
‫﴾(‪ .)3‬وقـولـه ـ تـعـالى ـ ‪﴿ :‬‬ ‫قـولـه ـ تـعـالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬ ‫﴾(‪ .)4‬وقوله ‪﴿ :‬‬
‫ومنها ما رواه مسلم بسنده عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬لكل نبي‬
‫دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته‪ ،‬وإين اختبأت دعويت شفاعة ألمتي يوم القيامة‪ .‬فهي نائلة إن شاء‬
‫اهلل من مات من أمتي ال يرشك باهلل شي ًئا»(‪.)6‬‬
‫وأدلة هذين الرشطني كثرية‪ ،‬تبني أن الشفاعة عند اهلل تعاىل يوم القيامة ال تكون إالَّ ملن أذن له‬
‫بالشفاعة‪ ،‬وال يأذن إال ألوليائه املرتضني األخيار‪ ،‬وال يشفعون إالَّ ملن رىض اهلل عنه من أهل توحيده‪،‬‬
‫كام أهنا نائلة من قال ال إله إالَّ اهلل ولو بعد دخول النار بإخراجه منها‪ ،‬كام تنتفي عن أهل الرشك‪ ،‬وهي‬
‫﴾(‪ .)7‬فال جيوز طلبها من أحد سواه‪.‬‬ ‫ملك اهلل وحده كام قال ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة النجم ‪ :‬آية (‪.)26‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ،180 ، 179/9‬وصحيح اإلمام مسلم ‪ . 181 ، 180/1‬‬
‫(‪ )4‬سورة غافر ‪ :‬آية (‪.)18‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة األنبياء ‪ :‬آية (‪.)28‬‬
‫(‪ )6‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 189/1‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )5‬سورة املدثر ‪ :‬آية (‪.)48‬‬
‫(‪ )7‬سورة الزمر ‪ :‬آية (‪.)44‬‬

‫‪78‬‬
‫الـشــــــــــــفـاعـة‬
‫َ‬ ‫أنــواع‬
‫َ‬

‫عــدد الشـــفاعــة ثامنية أنـواع ‪:‬‬

‫أ ـ الشفاعة العظمى‪ ،‬وهي خاصية بنبينا حممد ـ ﷺ ـ وهي املقام املحمود الذي وعده اهلل عز وجل بقوله‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬
‫وذلك حني يشتد عىل الناس املوقف ويلتمسون الشفاعة يف أن يفصل بينهم فيأتون آدم‪ ،‬ثم نوح ًا‪ ،‬ثم‬
‫إبراهيم‪ ،‬ثم موسى‪ ،‬ثم عيسى بن مريم وكلهم يقول نفيس نفيس إىل أن ينتهوا إىل نبينا حممد ـ ﷺ ـ‬
‫فيقول‪« :‬أنا هلا»(‪.)2‬‬
‫ب ـ الشـفاعة ألهـل اجلـنة يف دخــوهلا كــام روى مـسـلم بـسـنده عن أنـس بن مالك قـال ‪ :‬قـال‬
‫رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬أنا أول الناس يشفع يف اجلنة وأنا أكثر األنبياء تب ًعا»(‪.)3‬‬
‫جـ ـ الشفاعة يف أقوام تساوت حسناهتم وسيئاهتم فيشفع فيهم لدخول اجلنة‪.‬‬
‫د ـ الشفاعة يف درجات أقوام من أهل اجلنة فوق ما تقتضيه أحواهلم‪.‬‬
‫هـ ـ الشفاعة يف أقوام قد أمر هبم إىل النار أن ال يدخلوها‪.‬‬
‫و ـ الشفاعة يف أقوام أن يدخلوا اجلنة بغري حساب ومن أدلة هذا النوع قول الرسول ـ ﷺ ـ لعكاشة بن‬
‫حمصن ملا طلب منه أن يدعو اهلل أن جيعله من السبعني أل ًفا الذين يدخلون اجلنة بال حساب ‪« :‬اللهم‬
‫اجعله منهم»(‪ )4‬ويقول اهلل ملحمد ـ ﷺ ـ يف حديث الشفاعة ‪« :‬أدخل اجلنة من ُأمتك من ال حساب‬

‫(‪ )1‬سورة اإلرساء ‪ :‬آية (‪.)79‬‬


‫(‪ )2‬انظري صحيح البخاري ‪ ،180 ، 179/9‬وصحيح مسلم ‪ 180/1‬ـ ‪. 187‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 188/1‬‬
‫(‪ )4‬انظري صحيح البخاري ‪ ، 140/8‬وصحيح مسلم ‪. 198 ، 197/1‬‬

‫‪79‬‬
‫عليه من الباب األيمن من أبواب اجلنة»(‪ )1‬وهذا بعد الشفاعة‪.‬‬
‫صريحا يف‬
‫ً‬ ‫ز ـ الشفاعة يف أهل الكبائر من املوحدين ممن أدخلوا النار فيخرجون منها‪ .‬كام جاء ذلك‬
‫األحاديث الكثرية التي بلغت حد التواتر وهي عامة وتتكرر من الرسول ـ ﷺ ـ مرات‪ ،‬ويشفع أيضا‬
‫املالئكة والنبيون واملؤمنون كام رصحت بذلك األحاديث الواردة فيها(‪.)2‬‬
‫حـ ـ شفاعة الرسول ـ ﷺ ـ يف ختفيف العذاب عن عمه أيب طالب ملا روى البخاري ومسلم بسندهيام عن‬
‫أيب سعيد اخلدري «ريض اهلل عنه»‪ ،‬أن رسول اللهّ ـ ﷺ ـ ذكر عنده عمه أبو طالب‪ .‬فقال ‪« :‬لعله تنفعه‬
‫شفاعتي يوم القيامة فيجعل يف ضحضاح من نار يغيل منه دماغه»(‪ .)3‬وال تنفعه الشفاعة يف اخلروج‬
‫من النار لكونه مات غري موحد بخالف أهل التوحيد‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 186 ، 185/9‬‬


‫(‪ )2‬انظري صحيح اإلمام البخاري ‪ 185/9‬ـ ‪ ،161‬وصحيح اإلمام مسلم ‪ 179/1‬ـ ‪. 184‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ، 144/8‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 195/1‬‬

‫‪80‬‬
‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما معنى اإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬واستديل عىل ما تقولني ؟‬


‫س‪ : 2‬ما موقف املرشكني من عقيدة البعث‪ ،‬مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 3‬اذكري طرق القرآن يف الرد عىل منكري البعث ‪.‬‬
‫س‪َ : 4‬لمِا َذا كثر االستدالل يف القرآن عىل إثبات البعث ؟‬
‫س‪ : 5‬ما حكم اإليامن بسؤال امللكني ونعيم القرب وعذابه مع ذكر الدليل ؟‬
‫س‪ : 6‬ما أنواع عذاب القرب ؟ وما الدليل ؟‬
‫س‪ : 7‬ما معنى القيامة‪ ،‬وما هي أسامؤها يف القرآن ؟‬
‫س‪ : 8‬هل يعلم وقت وقوعها مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 9‬اذكري بعض عالمات الساعة الصغرى‪ ،‬والكربى‪ .‬وما الفرق بينهام ؟‬
‫س‪ : 10‬ما الصور ؟ وما معنى النفخ فيه ؟ وكم مرة يكون النفخ يف الصور ؟ ومن الذي ينفخ فيه ؟‬
‫س‪ : 11‬متى يكون البعث‪ ،‬وما الدليل ؟‬
‫س‪ : 12‬ما معنى احلرش‪ ،‬وكيف يأيت الناس إىل املحرش ؟‬
‫س‪ : 13‬ما العرض‪ ،‬واحلساب‪ ،‬وما الدليل عىل حصوله ؟‬
‫س‪ : 14‬هل حياسب من أويت كتابه باليمن مع االستدالل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 15‬ما مـعـنـى قـولـه تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬سورة يس ‪ :‬آية (‪.)65‬‬

‫‪81‬‬
‫س‪ : 16‬ما احلوض ؟ اذكري بعض األدلة عىل ثبوته ‪.‬‬
‫س‪ : 17‬اذكري صفة احلوض‪ .‬وما املانع من وروده ؟‬
‫س‪ : 18‬هل امليزان حقيقي‪ ،‬وما الدليل عليه ؟‬
‫س‪ : 19‬هل األعامل تقبل الوزن ؟ وكيف يكون ذلك يوم القيامة ؟‬
‫س‪ : 20‬ما الرصاط‪ ،‬وهل هناك أحد يدخل اجلنة دون أن يمر عليه ؟ اذكري الدليل عىل ما تقولني‪.‬‬
‫س‪ : 21‬اذكري بعض األدلة عىل ثبوت الرصاط وصفته ‪.‬‬
‫س‪ : 22‬ما الشفاعة ؟ وما رشوطها ؟ وما املانع منها ؟‬
‫س‪ : 23‬اذكري بعض األدلة عىل ما يمنع من حصول الشفاعة ‪.‬‬
‫ولمِا َذا ؟ مع ذكر الدليل عىل ما تقولني ؟‬
‫س‪ : 24‬هل تطلب الشفاعة من غري اهلل ؟ َ‬
‫س‪ : 25‬كم أنواع الشفاعة ؟ وما اخلاص منها بمحمد ـ ﷺ ـ ؟‬

‫‪82‬‬
‫َ‬
‫بالـقـــــضـاء والـقــــــدر‬ ‫اإليــــمــــان‬
‫َ‬ ‫سادس ًا ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـــ تعريف القــــضاء وال َقـــــدَ ر‬

‫القـضاء لـغـة ‪ :‬يرد ملعان ختتلف باختالف الرتكيب فمنها ‪:‬‬


‫أ ـ احلكم ‪ :‬يقال قىض يقيض قضاء بمعنى حكم‪.‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫ب ـ ومنها األمر ‪ :‬كام قال اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫أي أمر بعبادته وحده دون سواه‪.‬‬
‫جـ ـ ومـنـها الخــبر ‪ :‬كـمـا فـي قـولـه ـ تـعـالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ )2‬أي أخربناه بذلك‪.‬‬
‫واملقصود هنا األول‪.‬‬
‫فالـقــدر ‪ :‬هو التقدير وهو تحديد مقادير األشياء قبل وقوعها وكتابتـها في اللوح المحفوظ قال‬
‫﴾(‪ .)3‬أي حددها‪.‬‬ ‫الله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬

‫شــــــــرح الـتـعــــــــريف ‪:‬‬


‫حكم اهلل تعاىل الذي وضعه للعامل وجعله يسري بموجبه من السنن التي ربط هبا املسببات بأسباهبا منذ‬
‫أراد ذلك إىل األبد فكل ما جيري يف الكون فهو عىل هذا التقدير السابق عىل ما قدر سبحانه ورتب‪ .‬فام‬
‫وقع فهو املقدر املقيض‪ ،‬وما مل يقع فهو غري مقدر وال مقيض‪ .‬ما أخطأك مل يكن ليصيبك وما أصابك مل‬
‫يكن ليخطئك‪.‬‬

‫(‪ )2‬سورة احلجر ‪ :‬آية (‪.)66‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة اإلرساء ‪ :‬آية (‪.)23‬‬
‫(‪ )3‬سورة فصلت ‪ :‬آية (‪.)10‬‬

‫‪83‬‬
‫بقضاء هّ‬
‫الل َوقدَ ره‬ ‫‪ 2‬ــــ اإليماَ نُ َ‬

‫اإليامن بقضاء اهلل وقدره هو الركن السادس من أركان اإليامن كام يف جواب الرسول ـ ﷺ ـ حني‬
‫سأله جربيل «عليه السالم» عن اإليامن قال ‪« :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن‬
‫بالقدر خريه ورشه»(‪.)1‬‬

‫ومعــنـى اإليـمـان بالـقــــدر التصديق الجازم بأن كل ما يقع من الخير والشر فهو بقــضاء الله‬
‫وقـدره كما قـال تـعـالى ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫ويف قول اهلل ـ تعاىل ـ داللة عىل أن مجيع ما جيري يف اآلفاق ويف األنفس من خري أو رش فهو مقدر‬
‫من اهلل تعاىل ومكتوب قبل خلق اخلليقة‪ .‬فام فات من املحبوب ال يوجب احلزن‪ ،‬وما حصل منه ال‬
‫يوجب الفرح‪.‬‬

‫روى اإلمام أمحد بسنده عن زيد بن ثابت قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل ـ ﷺ ـ يقول ‪« :‬لو أن اهلل عذب‬
‫خريا من أعامهلم ولو كان لك‬
‫أهل سمواته وأهل أرضه لعذهبم غري ظامل هلم ولو رمحهم كانت رمحته هلم ً‬
‫جبل أحد أو مثل جبل أحد ذه ًبا أنفقته يف سبيل اهلل ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك‬
‫مل يكن ليخطئك وأن ما أخطأك مل يكن ليصيبك وأنك إن مت عىل غري هذا دخلت النار»(‪.)3‬‬

‫وروى اإلمام مسلم «رمحه اهلل» بسنده عن أيب هريرة «ريض اهلل عنه» قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪:‬‬
‫(‪ )1‬صحيح اإلمام مسلم ‪ 37/1‬انظري صحيح البخاري ‪. 20 ، 19/1‬‬
‫(‪ )2‬سورة احلديد ‪ :‬اآليتان (‪.)23 ، 22‬‬
‫(‪ )3‬مسند اإلمام أمحد ‪ ،185/5‬ورواه ابن ماجه وأبو داود‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫«املؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل من املؤمن الضعيف ويف كل خري احرص عىل ما ينفعك واستعن باهلل‬
‫وال تعجز وإن أصابك يشء فال تقل لو أين فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر اهلل وما شاء فعل‬
‫فإن لو تفتح عمل الشيطان»(‪ .)1‬وكل ما قدر اهلل تعاىل فهو حلكمة يعلمها وال خيلق اهلل تعاىل رشً ا حمض ًا ال‬
‫يرتتب عليه مصلحة فالرش ليس إليه من حيث هو رش حمض وإنام هو داخل يف عموم خلقه لكل يشء وهو‬
‫بالنسبة هلل عدل وحكمة ورمحة وال يدخل يف يشء من صـفاته وال أفـعـاله فله الكـامل املطـلق يدل عىل‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫هذا قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫أي أن ما يصيب اإلنسان من اخلري واإلنعام فهو من اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وما يصيبه من الرش فبذنوبه ومعاصيه‬
‫وال حميد ألحد عن القدر املقدور واهلل ـ تعاىل ـ خالق العباد وال جيري يف ملكه إالَّ ما يريد وال يرىض لعباده‬
‫الكفر‪ .‬وقد وهبهم القدرة واالختيار فأفعاهلم واقعة بقدرهتم وإرادهتم هيدي من يشاء برمحته ويضل من‬
‫يشاء بحكمته ال يسأل عام يفعل وهم يسألون‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2052/4‬‬


‫(‪ )2‬سورة النساء ‪ :‬آية (‪.)79‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ 3‬ــــ َم َراتب اإليماَ ن بالقدَ ر‬

‫اإليامن بالقدر عىل أربع مراتب هي ‪:‬‬

‫املرتبة األوىل ‪:‬‬


‫اإليامن بعلم اهلل الذي هو صفته األزلية فهو سبحانه عامل بكل يشء وهو بكل يشء حميط فال يعزب‬
‫عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض فيعلم مجيع خلقه قبل خلقهم ويعلم ما ستكون عليه أحواهلم‬
‫كلها رسها وعالنيتها‪ .‬واألدلة عىل هذا كثرية منها ‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫أ ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫ب ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫جـ ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬
‫د ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬
‫هـ ـ ما رواه اإلمام مسلم وغريه عن ابن عباس قال ‪ :‬سئل رسول اهلل ـ ﷺ ـ عن أطفال املرشكني ؟‬
‫قـال ‪« :‬اهلل أعلم بام كانوا عاملني إذ خلقهم»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬سورة الطالق ‪ :‬آية (‪.)12‬‬


‫(‪ )2‬سورة احلرش ‪ :‬آية (‪ ،)22‬وتكرر حملل الدليل «عامل الغيب والشهادة» يف آيات كثرية من القرآن يف البقرة‪ ،‬واألنعام والرعد‪ ،‬واملؤمنون‪،‬‬
‫والروم‪ ،‬والسجدة‪ ،‬واجلمعة‪ ،‬والتغابن‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة سبأ ‪ :‬آية (‪.)3‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)59‬‬
‫(‪ )5‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 49/4‬وانظري صحيح اإلمام البخاري باب القدر ‪. 153/8‬‬

‫‪86‬‬
‫شاهدا وغائ ًبا ما كان وما يكون وما ال يكون‬
‫ً‬ ‫وداللة األدلة السابقة عىل علم اهلل وإحاطته بكل يشء‬
‫لو كان كيف يكون واضحة جلية‪.‬‬

‫املرتبة الثانية ‪:‬‬

‫اإليمان بأن الله تعالى كتب مقادير خلقه في اللوح المحفوظ ولم يفرط في ذلك من شيء وعلى‬
‫هذا األدلة الكثيرة منها ‪:‬‬

‫أ ـ قـولـه ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)1‬‬

‫ب ـ قــولـه ـ تـعـالى ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)2‬‬

‫جـ ـ قـولـه ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫د ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام رواه اإلمام أمحد وغريه عن عبادة بن الصامت ‪« :‬أول ما خلـق اهلل‬
‫تبارك وتعـاىل القلم ثم قال له اكـتـب قال ‪ :‬وما أكـتـب قال ‪ :‬فكـتـب ما يكون وما هـو كائن إىل أن‬
‫تـقـوم الـسـاعة»(‪.)4‬‬

‫هـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام رواه البخاري بسنده عن عيل «ريض اهلل عنه» ‪« :‬ما منكم من أحد إالَّ‬

‫(‪ )1‬سورة احلديد ‪ :‬آية (‪.)22‬‬


‫(‪ )2‬سورة احلج ‪ :‬آية (‪.)70‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)38‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أمحد ‪ 317/5‬وانظري كتاب الرشيعة لآلجري ‪. 187 ، 186 ، 178 ، 177 :‬‬

‫‪87‬‬
‫قد كتب مقعده من النار أو اجلنة‪ .‬فقال ‪ :‬رجل من القوم أال نتكل يا رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬اعملوا فكل‬
‫﴾(‪ )1‬اآليات»(‪.)2‬‬ ‫ميرس‪ ،‬ثم قرأ ‪﴿ :‬‬

‫واألدلة السابقة مرصحة بأن اهلل تبارك وتعاىل كتب كل يشء قبل اخللق‪ ،‬ومل يفرط يف الكتاب من يشء‬
‫وذلك سهل يسري عىل من ال ختفى عليه خافية‪.‬‬

‫املرتبة الثالثة ‪:‬‬

‫مرتبة اإليامن بمشيئة اهلل النافذة وقدرته الشاملة فام شاء اهلل تعاىل كونه فهو كائن بقدرته والبد ومامل‬
‫يشأ مل يكن لعدم املشيئة ال لعدم املشيئة ال لعدم القدرة ألن اهلل تبارك وتعاىل ال يعـجـزه يشء كـام قـال ‪:‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫﴿‬

‫جدا منها ‪:‬‬


‫واألدلة عىل املشيئة الشاملة كثرية ً‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫أ ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)5‬‬ ‫ب ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)6‬‬ ‫جـ ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)7‬‬ ‫د ـ قوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬سورة الليل ‪ :‬آية (‪ )5‬وما بعدها إىل آية (‪.)10‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ،154/8‬وانظري صحيح اإلمام مسلم ‪. 2040/4‬‬
‫(‪ )3‬سورة فاطر ‪ :‬آية (‪.)44‬‬
‫(‪ )4‬سورة التكوير ‪ :‬آية (‪.)29‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)39‬‬
‫(‪ )6‬سورة املائدة ‪ :‬آية (‪ )48‬والنحل آية (‪.)93‬‬
‫(‪ )7‬سورة يس ‪ :‬آية (‪.)82‬‬

‫‪88‬‬
‫هـ ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ فيام روى البخاري ومسلم بسندهيام عن معاوية بن أيب سفيان ‪« :‬من يرد اهلل‬
‫خريا يفقهه يف الدين»(‪.)1‬‬
‫به ً‬
‫وداللة هذه األدلة عىل عموم مشيئة اهلل تعاىل ظاهرة فكل ما حيصل يف هذا الكون فهو مراد له سبحانه‬
‫وتعاىل باإلرادة الكونية فهو اخلالق وحده املالك املدبر فال جيري يف ملكه إالَّ ما يريد ال راد لقضائه وال‬
‫معقب حلكمه وال يعجزه يشء‪.‬‬

‫املرتبة الرابـعـة ‪:‬‬


‫اإليامن بأن اهلل تعاىل خالق كل يشء ال خالق غريه وال رب سواه ومما يدل عىل هذا ما ييل ‪:‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬ ‫أ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬ ‫ب ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫جـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)5‬‬ ‫د ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)6‬‬ ‫هـ ـ قول اهلل ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫و ـ قول الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬إن اهلل خالق كل صانع وصنعته»(‪.)7‬‬
‫يف اآليات السابقة واحلديث‪ .‬النص اجليل عىل أن اهلل تبارك وتعاىل هو الذي قدر كل يشء وخلقه وهو‬
‫(‪ )1‬صحيح اإلمام البخاري ‪ . 27/1‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 1524/3‬‬
‫(‪ )2‬سورة الزمر ‪ :‬آية (‪.)62‬‬
‫(‪ )3‬سورة الفرقان ‪ :‬آية (‪.)2‬‬
‫(‪ )4‬سورة الفاحتة ‪ :‬آية (‪.)1‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪ )117‬واألنعام (‪.)101‬‬
‫(‪ )6‬سورة الصافات ‪ :‬آية (‪.)96‬‬
‫(‪ )7‬املستدرك للحاكم ‪ ،32 ، 31/1‬وجممع الزوائد ‪. 197/7‬‬

‫‪89‬‬
‫الذي أحاط األشياء بعنايته ورعايته وقد قدر الكائنات وأوجدها ال عىل مثال سابق ووهب بعض خلقه‬
‫القدرة والفعل‪ ،‬واهلل سبحانه هو اخلالق للفاعل وفعله وهو اخلالق العليم‪.‬‬

‫‪ 4‬ــــ أنواع املَ َق ْ‬


‫ادير‬

‫املقادير أربعة هي ضمن مرتبة كتابة املقادير العامة وكلها ترجع إىل علم اهلل تعاىل الشامل لكل يشء ‪:‬‬

‫التقدير األول ‪:‬‬

‫هو التقدير العام جلميع األشياء قبل خلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة عندما خلق اهلل‬
‫القلم وأمره بالكتابة ملا هو كائن إىل يوم القيامة وهو التقدير األزيل‪ .‬ودليل هذا التقـديـر قول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬

‫وقول الرسول ـ ﷺ ـ «كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة‪،‬‬
‫قال وعرشه عىل املاء»(‪ )2‬وغري هذه األدلة مثلها كثري‪.‬‬

‫التقدير الثاين ‪:‬‬


‫التقدير العمري هو ما جيري عىل ا ِ‬
‫إلنسان من بداية حياته عند ختليق النطفة إىل ما بعد ذلك وهو عام‬
‫للرزق والعمل والسعادة والشقاوة والدليل عىل هذا قول الرسول ـ ﷺ ـ ‪« :‬إن أحدكم جيمع يف بطن أمه‬
‫يوما ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اهلل ملكًا فيؤمر بأربع‪ ،‬برزقه وأجله‬
‫أربعني ً‬
‫وشقي أو سعيد‪ ،‬فو اهلل إن أحدكم أو الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غري باع أو‬
‫ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها‪ ،‬وإن الرجل ليعمل بعمل أهل اجلنة حتى ما‬

‫(‪ )1‬سورة احلديد ‪ :‬آية (‪.)22‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2044/4‬‬

‫‪90‬‬
‫يكون بينه وبينها غري ذراع أو ذراعني فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»(‪.)1‬‬
‫وهذا التقدير بحسب اخلصوص مما هو يف اللوح املحفوظ‪.‬‬

‫التقدير الثالث ‪:‬‬


‫التقدير السنوي ويكون يف ليلة القـدر من كل عـام كـام قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)2‬ذكر املفرسون أنه يكتب يف هذه الليلة كل ما سيكون يف العام من اخلري والرش‬
‫واألرزاق واآلجال وغري ذلك إفرا ًدا حلوادث السنة كلها مما سبق كتابته يف اللوح املحفوظ ومما اثبت فيام‬
‫خيص اإلنسان يف تقديره العمري واهلل عىل كل يشء حفيظ‪.‬‬

‫التقدير الرابع ‪:‬‬

‫التقدير اليومي وهو ملا حيصل يف اليوم من احلوادث املقدرة من اخللق والرزق واإلحياء واإلماتة‬
‫﴾(‪ )3‬أي مما هو من شأنه تعاىل‬ ‫ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب كام قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫يف خلقه‪ .‬وهذا التقدير وما سبقه من التقدير السنوي والعمري هو تفصيل من القدر األزيل‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام البخاري ‪ ،152/8‬وصحيح اإلمام مسلم ‪. 36/4‬‬


‫(‪ )2‬سورة الدخان ‪ :‬اآليتان (‪.)5 ، 4‬‬
‫(‪ )3‬سورة الرمحن ‪ :‬اآلية (‪.)29‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ 5‬ــــ التحذير من ا َ‬
‫خلوض يف ال َقدَ ر‬

‫اإليامن بالقدر خريه ورشه ركن من أركان اإليامن‪ ،‬كام أن القدر نظام التوحيد‪ ،‬واإليامن باألسباب‬
‫املوصلة إىل خري القدر ورشه هي نظام الرشع‪ ،‬وال يستقيم أمر الدنيا والدين بدون اإليامن بالتوحيد‬
‫والرشع وقد أكد هذا الرسول ـ ﷺ ـ ملن قال له أفال نتكل عىل كتابنا وندع العمل بقوله ‪« :‬اعملوا فكل‬
‫ميرس ملا خلق له» أما أهل السعادة فييرسون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة فييرسون لعمل أهل‬
‫الـشـقاوة ثم قرأ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2(»)1‬‬

‫وهذا القول من الرسول ـ ﷺ ـ أمر بالعمل وهني عن االتكال واألعامل احلاصلة من اإلنسان دليل‬
‫وقدر عىل اإلنسان‪ ،‬وخالق األسباب ومسبباهتا هو اخلالق لكل يشء سبحانه وتعاىل‬
‫ما سبقت به املشيئة‪ّ ،‬‬
‫ال يسأل عام يفعل والقدر رس اهلل تعاىل يف خلقه مل يطلع عليه ملكًا مقر ًبا وال نب ًيا مرس ً‬
‫ال وقد جاءت‬
‫مـر ذكر بعـض منها يف مراتب القدر ـ ومنها ما يدل‬
‫النصوص الـشـرعــيـــة بأمــــور من القــدر ـ ّ‬
‫﴾(‪ .)3‬وقـوله ‪:‬‬ ‫عىل نفي الظلم عن اهلل تعاىل كـقـوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬ ‫﴿‬

‫ومنهم إثبات القدرة واملشيئة للعباد وإسناد أفعاهلم إليهم‪ ،‬وسيأيت بيان هذا يف الكالم عىل مذهب‬
‫السلف يف القضاء والقدر فعىل ضوء ما ورد يدرك املخاطبون عىل اختالفهم شي ًئا من القدر كل بحسبه مما‬
‫يقودهم إىل اإليامن والتسليم بام أخفاه اهلل عنهم وهو من الغيب الذي يؤمن به املتقون املسلمون بعلم اهلل‬

‫(‪ )1‬سورة الليل ‪ :‬اآليات (‪ 5‬ـ ‪.)10‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام مسلم ‪ 2040 ، 2039/4‬انظري صحيح اإلمام البخاري ‪. 154/8‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزخرف ‪ :‬آية (‪.)76‬‬
‫(‪ )4‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)44‬‬

‫‪92‬‬
‫الشامل وقدرته عىل كل يشء وخلقه له‪ ،‬ما شاء كان ومامل يشأ مل يكن‪.‬‬
‫والرسول احلكيم احلريص عىل أمته حذرها مما يؤدي هبا إىل املزالق اخلطرة فنهاها عن اخلوض يف‬
‫القدر ألن ذلك مدعاة لقياسه عىل املحسوسات املشاهدة التي يرتتب بعضها عىل بعض من املاديات‬
‫التي أمامنا يف احلياة وهذا مسلك خطر يوصل اإلنسان إىل االعرتاض عىل املالك املترصف ويوقع يف‬
‫احلرية والضالل‪ ،‬وال يصل اإلنسان إىل ما يطمئن به القلب إالَّ إذا امتثل‪ ،‬وترك اخلوض يف القدر وجعل‬
‫ال يقود إىل التسليم والرىض بام مل يصل به إدراكه إليه ويف القرآن الكريم ما‬
‫ما يدرك من أوامر الرشع دلي ً‬
‫يلفت االنتـباه إىل مثل هذا يف شأن الروح‪ .‬قـال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫أي مل تأتوا من العلم إالَّ شي ًئا قلي ً‬
‫ال ال يمكنكم من معرفة كنه الروح وحقيقتها إنام يمكنكم من معرفة‬
‫آثارها حال وجودها يف األجساد‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة اإلرساء ‪ :‬آية (‪.)85‬‬

‫‪93‬‬
‫القضاء وال َق ْدر‬
‫السلف يف َ‬
‫ذهب ّ‬
‫‪ 6‬ــــ َم َ‬

‫ال يختلف سلف األمة على الحق في قضاء ال ّله وقدره‪ .‬فيقولون ‪ :‬إن ال ّله خالق كل شيء وربه‬
‫ومليكه ال يخرج عن ذلك شيء فما شاء ال ّله كان وما لم يشأ لم يكن وال يكون في الوجود شيء إالَّ‬
‫بمشيئته وقدرته‪ ،‬ال يمتنع عليه شيء شاءه‪ ،‬وهو قادر على كل شيء وعالم بكل ما كان وما يكون وما‬
‫ال يكون أن لو كان كيف يكون‪ ،‬فكتب كل ما هو كائن قبل كونه أفـعـال العـبـاد وغيرها من األرزاق‬
‫واآلجال والسعادة والشقاوة كما قال ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬

‫﴾(‪ .)2‬وقـال ـ تعاىل ‪﴿ :‬‬ ‫وقـال ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)3‬‬

‫فهذه األدلة ومثلها كثير تدل على أن كل ما يجري في الكون مقدر من الله تعالى ومكتوب عنده‪،‬‬
‫وهو مقتضى ربوبيته المطلقة سبحانه ال يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو الحكيم العليم رتب كل‬
‫شيء بعلمه وحكمته فجعل من األعمال الجارية ما ال قدرة ألحد عليه وال نفاذ إلرادة أحد فيه كالحياة‬
‫وعرضا ونحو ذلك وما يقع من المصائب والبالء‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫الخ ْل ِق َّية من الشكل طوالً‬
‫والموت والصفات ِ‬
‫قـال ـ تـعـالى ـ ‪﴿:‬‬
‫﴾(‪.)4‬‬

‫وما كان من األفعال والصفات واألحداث خارج إرادة اإلنسان وقدرته فليس هو حمل تكليف من‬
‫اهلل تعاىل وال ينسب إىل اإلنسان منه يشء ولكن هناك أفعال مقدورة لإلنسان ومستطاعة يفعلها بام وهبه‬

‫(‪ )2‬سورة التوبة ‪ :‬آية (‪.)51‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪.)17‬‬
‫(‪ )4‬سورة احلديد ‪ :‬آية (‪.)22‬‬ ‫(‪ )3‬سورة القصص ‪ :‬آية (‪ .)68‬‬

‫‪94‬‬
‫اهلل تعـاىل من القـدرة واالخــتـبار ممـا تـظـهر فيه احلـكـمة اإلهلـيـة يف اجلــزاء كــام قـال ســبـحانه ‪:‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬ ‫﴿‬
‫فاإلنسان يجد من نفسه القدرة على تلك األفعال وتركها فهو فعل له حقيقة كما شاء وأراد قال ـ‬
‫﴾(‪ )2‬وقـال ـ تـعـالى ـ ﴿‬ ‫تعالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)3‬‬
‫﴾(‪ )4‬والختيار اإلنسان يف فعله من اإليامن واالستقامة‬ ‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫وخالفه كان السؤال واحلساب والثواب والعقاب‪ ،‬وال يعني ذلك خروج أفعال اإلنسان هذه عن قدرة‬
‫اهلل تعاىل فهو ال يقدر إالَّ عىل ما قدره اهلل تعاىل عليه‪ ،‬وال يشاء وال يفعل إالَّ ما شاء اهلل له فعله كام سبقت‬
‫األدلة عىل هذا‪ ،‬فاهلل هو اخلالق لكل يشء‪ .‬خالق اإلنسان وعمله وقد ربط سبحانه األسباب بمسبباهتا‬
‫فالبد من األسباب التي حتصل هبا املسببات واهلل خالق األسباب ومسبباهتا‪ ،‬فلإلنسان قدرة ومشيئة‬
‫ولكنها تابعة لقدرة اهلل تعاىل ومشيئته وإضافة الفعل إىل اهلل تعاىل حقيقة كام أن إضافته إىل املخلوق أيضا‬
‫حقيقة‪ .‬وأفعال اهلل تعاىل من حيث هي فعله خري حمض‪ ،‬وصدور األفعال عن اهلل تعاىل ليس فيه رش بوجه‬
‫من الوجوه فهو مل خيلق رشً ا ً‬
‫حمضا من مجيع الوجوه فإن حكمته تأبى ذلك إذ ال مصلحة يف خلقه عىل هذا‬
‫وهو سبحانه بيده اخلري كله والرش ليس إليه فام نسب إليه فليس رشً ا ونسبته إليه من حيث اخللق واملشيئة‬
‫ليست برش فهو تعاىل حكيم عدل يضع األشياء يف مواضعها الالئقة هبا وما كان من الفعل رشً ا فهو من‬
‫جهة إضافته إىل العبد باكتـسابه له ملا يلحـقه من املـهالك بسـببـه كـام قـال تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ )5‬وقال ـ ﷺ ـ ‪« :‬واخلري كله يف يديك والرش ليس‬
‫إليك»(‪ .)6‬أي أن الرش الذي يف الوجود ال يكون إىل اهلل تعاىل ألنه راجع إىل الذنوب وذلك من نفس العبد‬
‫فال يرجع إىل أسامء اهلل تعاىل وصفاته من ذلك يشء لكنه يرجع إىل مفعوالته واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة الكهف ‪ :‬آية (‪.)29‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬سورة هود ‪ :‬آية (‪ )7‬وامللك آية (‪.)2‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )4‬سورة التكوير ‪ :‬آية (‪.)28‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة الطور ‪ :‬آية (‪.)21‬‬
‫(‪ )6‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 535/1‬‬ ‫(‪ )5‬سورة الشورى ‪ :‬آية (‪ .)30‬‬

‫‪95‬‬
‫القضاء وال َقدَ ر‬
‫السلف يف َ‬
‫مذهب ّ‬
‫ْ‬ ‫خالصة‬
‫َ‬
‫يتلخص يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫وقدره وأراده وكتبه‬
‫أ ـ اإليامن بالربوبية املطلقة هلل تعاىل فهو الرب الذي خلق كل يشء وعلمه ّ‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫واختيارا هبا تتحقق أفعاله وبمقتضاها يكون الثواب والعقاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ب ـ أن للعبد قدرة ومشيئة‬
‫جـ ـ إن قدرة العبد ومشيئته التي هبا حتصل أعامله غري خارجة عن قدرة اهلل ومشيئته فهو الذي منح‬
‫قادرا عىل التمييز واالختيار فأي الفعلني اختار مل خيرج عن كونه داخ ً‬
‫ال‬ ‫اإلنسان ذلك وجعله ً‬
‫حتت مشيئة اهلل وقدرته وخلقه‪.‬‬
‫د ـ أن اإليامن بالقدر خريه ورشه بحسب إضافته إىل اخللق أما بالنسبة للخالق عز وجل فالقدر خري‬
‫كله والرش ال ينسب إليه فعلم اهلل تعاىل ومشيئته وكتابته وخلقه لألشياء كل ذلك حكمة وعدل‬
‫ورمحة وخري فالرش ال يدخل يف يشء من صفاته وال أفعاله وال يلحق ذاته نقص وال رش فله‬
‫الكامل املطلق واجلالل التام فال يضاف إليه الرش مفر ًدا وإن كان ضمن خلقه لكل يشء لكن‬
‫اخللق من حيث هو ليس برش‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫بالقضاء وال َقدَ ر يف ترك َما أ َم َر اهلل به‬
‫َ‬ ‫االحتجاج‬
‫َ‬ ‫‪ 7‬ــــ حكم‬

‫إن من عرف معنى القضاء والقدر ومراتبه‪ ،‬والقول احلق فيه يسهل عليه فهم ما قد يشتبه عىل بعض‬
‫الناس ممن قرص فهمه يف هذا األمر وإبراز ذلك ما قد حيتج به البعض عند ترك املأمورات أو اقرتاف‬
‫ومقدرا‪ ،‬يرون ذلك مسل ًيا ومطمئنًا لنفوسهم ويدعون هذا من اإليامن‬‫ً‬ ‫املنهيات بكون ذلك مقض ًيا‬
‫بالقضاء والقدر‪ .‬وما ذلك إالَّ من اخلطأ الشنيع يف فهم ركن من أركان اإليامن‪ ،‬وهو اإليامن بالقدر خريه‬
‫ورشه حلوه ومره من اهلل تعاىل‪ .‬وقد سبق لنا فيام تقدم فهم ذلك مجلة فال داعي إلعادته‪ .‬واملقصود هنا‬
‫بيان حكم االحتجاج بالقضاء والقدر يف ترك األمر وإتيان النهي عىل وجه التحديد فنقول‪.‬‬

‫أ ـ أن اهلل تبارك وتعاىل هو اخلالق لكل يشء‪ .‬ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬فاهلل تعاىل وحده‬
‫بذاته وصفاته ليس خملو ًقا وما سواه خملوق له فهو اخلالق وحده‪ ،‬ومن ضمن ذلك اخلري والرش‪،‬‬
‫واحلسن‪ ،‬والقبيح‪.‬‬

‫ب ـ إن حكـمـة ال ّله تعالى في جـعل بعض خلـقه مكـلـ ًفا كـمـا قـال ـ تعـالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ )1‬وقــال ـ تـعــالـى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬

‫﴾(‪.)3‬‬ ‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫واآليات تدل عىل أن اإلنسان خملوق لالختبار بحسن العمل وهذا يتطلب اقتداره عىل املطلوب‬
‫وعدمه بعد معرفة ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة هود ‪ :‬آية (‪.)7‬‬


‫(‪ )2‬سورة امللك ‪ :‬آية (‪.)2‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلنسان ‪ :‬آية (‪.)2‬‬

‫‪97‬‬
‫واالقـتـدار حاصل بـام وهـبـه اهلل تـعـاىل من الـقـوى وهـي ‪:‬‬
‫أ ـ العقل الذي هو مناط التكليف‪ .‬فالعقل هو املكلف‪ ،‬ومن زال عقله زال تكليفه‪.‬‬

‫ب ـ سالمة اآلالت التي يكون هبا االقتدار من جهة الصحة والوسع والتمكن‪ .‬وأما املعرفة فاملراد هبا‬
‫علم مادة االبتالء وقد جعل سبحانه وتعاىل مصادر املعرفة متنوعة فبعضها عن طبيعة اإلنسان‬
‫نفسه وبعضها خارج عنه‪.‬‬

‫فدواعي اخلـري هي ‪ :‬الفطرة‪ ،‬والعقل‪ ،‬والوحي اإلهلي الذي يرسل اهلل به رسله إىل الناس‪.‬‬

‫وداعـي الشـر ‪ :‬الشيطان باستغالله رغبات النفوس حيث قد مكنه اهلل تعاىل من القدرة عىل الوسوسة‬
‫والتأثري عىل بني آدم وقـد أمر اهلل باالستعـاذة منـه بقـولـه ‪﴿ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫﴾‬

‫وقال ـ ﷺ ـ ‪« :‬إن الشيطان يجري من اإلنسان مجرى الدم»(‪ )2‬وال ّله سبحانه حكيم عدل له الحجة‬
‫البالغـة على خلقـه أجمعين فجـعل دواعــي الخــير أكــثر من دواعـــي الشـر وبين له الطريقين كما‬
‫﴾(‪ .)3‬وهو بعد ذلك يسلك أيهما شاء بمحض اختياره فمن سلك طريق‬ ‫قال ‪﴿ :‬‬
‫الخير مستجي ًبا لدواعيه متغل ًبا على دواعي الشر استحق الثواب‪ ،‬ومن سلك طريق الشر وانقاد لدواعيه‪،‬‬
‫وتجاهل دواعي الخير استحق العقاب‪ ،‬وفعله ذلك كله واقع باختياره وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور‬
‫تماما يحسه كل إنسان من نفسه وعليه األدلة‬
‫على الفعل أو الترك‪ ،‬وأنه لو شاء لم يفعل‪ ،‬وهذا مدرك ً‬
‫من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وقد سبقت(‪ .)4‬ثم إن فعل الخير وفعل الشر من العبد ال ينافي‬

‫ ‬ ‫(‪ )1‬سورة الناس ‪ :‬اآليات (‪ 1‬ـ ‪.)6‬‬


‫(‪ )2‬صحيح اإلمام البخاري ‪. 87/9 ، 150/4 ، 65/3‬‬
‫ ‬ ‫(‪ )3‬سورة البلد ‪ :‬آية (‪.)10‬‬
‫(‪ )4‬عند الكالم عىل مذهب السلف‪ .‬وكذلك ما استدل به القدرية من النصوص‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫نسبتها إلى ال ّله إيجا ًدا وخل ًقا ألنه هو الخالق لجميع األسباب التي وقعت بها‪.‬‬

‫وبعد هذا فمن حيتج بالقدر فحجته داحضة ومن يتعذر بالقدر فعذره غري مقبول‪ ،‬وقد ذم اهلل تعاىل‬
‫املرشكني وعاهبم حني احتجوا بمشيئة اهلل تعاىل عىل كفـرهم قـال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)1‬‬

‫وقال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬


‫﴾(‪.)2‬‬

‫فهؤالء احتجوا بمشيئة الله على رضاه ومحبته فجعلوا المشيئة دليل الرضى‪ ،‬والله سبحانه ال يحب‬
‫الشرك وال يرضاه بل يبغضه وينهى عنه فما أمر به فهو المحبوب المرضي‪ .‬وما نهى عنه فهو المبغض‬
‫مذموما ال يخرجه عن مشيئة الله الكونية المتضمنة لكل شيء‪ .‬واالحتجاج‬
‫ً‬ ‫المذموم‪ ،‬وكونه مبغض ًا‬
‫بالقـدر إبطـال لمعـنى الجزاء على األعمال وإبـطال للحـكمة في خلق الجـنة والنار قـال ـ تعالى ـ ‪:‬‬
‫﴾(‪ .)3‬ولكن‬ ‫﴿‬
‫املشـيئة اقتضت التكليف‪.‬‬

‫ثم إن املحتج بالقضاء والقدر ال يقبله حجة من غريه عليه يف أخذ ماله أو نحو ذلك بل يطالب‬
‫بحقه ويطلب تطبيق العقوبة عىل من اعتدى عليه‪ .‬ولو كان القدر حجة لكان حجة للجميع يف كل أمر‬
‫ويف كل حال‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬اآليتان (‪.)149 ، 148‬‬
‫(‪ )2‬سورة النحل ‪ :‬آية (‪.)35‬‬
‫(‪ )3‬سورة يونس ‪ :‬آية (‪.)99‬‬

‫‪99‬‬
‫االحتجاج بال َقدَ ر عند َ‬
‫املصائب‬ ‫َ‬ ‫‪ 8‬ــــ ُحكم‬

‫االحتجاج بالقدر على المصيبة جائز‪ ،‬وما قدر على اإلنسان من المصائب يجب االستسالم له‬
‫والرضى به وذلك من الرضى بالربوبية‪ .‬يدل على هذا حديث احتجاج آدم وموسى «عليهما السالم»‬
‫قال رسول الله ـ ﷺ ـ ‪« :‬احتج آدم وموسى فقال موسى ‪ :‬يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة‪.‬‬
‫فقال له آدم ‪ :‬أنت موسى‪ .‬اصطفاك الله بكالمه وخط لك بيده‪ ،‬أتلومني على أمر قدره الله علي قبل‬
‫أن يخلقني بأربعين سنة ؟» فقال النبي ـ ﷺ ـ فحج آدم موسى‪ .‬فحج آدم موسى»(‪ .)1‬فآدم عليه السالم‬
‫احتج بالقدر على المصيبة وهي الخروج من الجنة‪ ،‬وقد حاجه موسى «عليه السالم» بذلك حيث قال‪:‬‬
‫«لماذا أخرجتنا من الجنة ؟» فكانت الحجة آلدم على موسى‪ .‬والله سبحانه وتعالى قد كتب أن آدم‬
‫وذريته يعيشون في األرض وقد خلقهم لذلك كما أخـبر ـ تعالى ـ بقـوله ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)2‬‬

‫فكانت احلجة آلدم عىل موسى ومل تكن حماجة موسى آلدم «عليهام السالم» عىل املعصية وهي األكل‬
‫من الشجرة حيث مل يلم عىل ذلك وموسى عليه السالم أعلم من أن يلومه عىل ذنب تاب منه وتاب اهلل‬
‫عليه‪ ،‬وآدم عليه السالم أعلم من أن حيتج بالقدر عىل أن املذنب ال مالم عليه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح اإلمام مسلم ‪. 2043 ، 2042/4‬‬


‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)30‬‬

‫‪100‬‬
‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬عريف القضاء والقدر لغة واصطالح ًا‪.‬‬


‫س‪ : 2‬ما معنى اإليامن بالقدر ؟ وما الدليل وجوب اإليامن به ؟‬
‫س‪ : 3‬ما معنى كون الرش ليس إىل اهلل ؟‬
‫س‪ : 4‬كم مراتب اإليامن بالقدر‪ ،‬واذكرهيا ُم َر َّتبة ؟‬
‫س‪ : 5‬ما معنى قول الرسول ﷺ عن أطفال املرشكني ‪« :‬اهلل أعلم بام كانوا عاملني» ؟‬
‫س‪ : 6‬هل تعارض كتابة ما هو كائن األمر والنهي و َلمِا َذا ؟‬
‫س‪ : 7‬هل يفهم من مشيئة اهلل تعاىل لكل يشء اجلرب و َلمِا َذا ؟‬
‫س‪ : 8‬هل خلق اهلل تعاىل لكل يشء يعني إلغاء قدرة العبد ؟ وضحي جوابِك باألدلة‪.‬‬
‫س‪ : 9‬اذكري أنواع املقادير‪ ،‬وما دليل التقدير العام ؟‬
‫س‪ : 10‬ما الدليل عىل التقدير العمري وما فائدته ؟‬
‫س‪ : 11‬ما الفوائد املرتتبة عىل اإليامن بمراتب القدر واملقادير ؟‬
‫س‪ : 12‬ما الفوائد المستفادة من قول الرسول ـ ﷺ ـ «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» مع وجوب‬
‫اإليمان بالقدر ؟‬
‫س‪ : 13‬ما فائدة النهي عن اخلوض يف القدر ؟‬
‫س‪ : 14‬ما رأي السلف يف القضاء والقدر مع االستدالل ؟‬
‫س‪ : 15‬ما معنى أن الرش ليس إىل اهلل‪ ،‬مع وجوب اإليامن بالقدر خريه ورشه ؟‬
‫س‪َ : 16‬لمِا َذا ال جيوز االحتجاج بالقدر عىل املعصية ؟‬
‫س‪ : 17‬ما دواعي اخلري‪ ،‬ودواعي الرش يف اإلنسان ؟‬
‫س‪ : 18‬ما معنى كون االحتجاج بالقدر إبطاالً ملعنى اجلزاء عىل األعامل ؟‬
‫س‪ : 19‬ما حكم االحتجاج بالقدر عىل املصيبة و َلمِا َذا ؟‬

‫‪101‬‬
‫أثر اإليماَ ن يف َح َياة الفرد وا َ‬
‫جلماَ َعة‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫اإلنسان جسم وروح فيه غرائز طبيعية هي متطلبات جسمه وله نزعات ورغبات هي متطلبات‬
‫ال يدعو إىل الفوىض واالضطراب ويعني عىل نرش‬
‫روحه‪ ،‬ولو تركت رغباته بال ضابط لكان ذلك عام ً‬
‫الفساد يف األرض نتيجة تصارع تلك الرغبات وتزاحم الناس عىل حتقيقها‪.‬‬
‫وقد ميز اهلل سبحانه وتعاىل اإلنسان عن سائر احليوانات بالعقل ونوره بالفطرة وكمله بالنبوة‪.‬‬
‫واإلنسان مدين بطبعه فكل فرد من أفراده جيب أن يكون شعوره نحو جمتمعه بنّاء كام يأخذ يعطي‪ ،‬وكام‬
‫يساهم اآلخرون يف حاجاته جيب أن يساهم هو يف حاجتهم ولكّن حب الذات‪ ،‬واختالف الناس يف‬
‫ال أو خطأ يف الترصف أو احتياالً‬
‫كثريا من الناس جيانب الصواب إما كس ً‬
‫اإلدراك‪ ،‬ويف قوى العمل جتعل ً‬
‫بعيدا عن أعني‬
‫ويسلك شتى الطرق لتحقيق رغباته ونزواته‪ .‬فاجلرائم تدبر يف اخلفاء وحتاك يف الظالم ً‬
‫الرقباء‪ ،‬وعن العدالة لو افرتض تطبيقها بني الناس‪ ،‬وال يمكن السيطرة عىل هذه النواحي ألن هذه أمور‬
‫قد ال تكون ظاهرة للمجتمع وال يمكن أن يسيطر عليها وينظمها سوى قوة داخلية ورقيب مالزم‪.‬‬
‫وليس ذلك إالَّ الدين ونور اإليامن الذي يستشعر الفرد مراقبة عالم الغيوب الذي جيازي كال بعمله‬
‫وال ختفى عليه خافية يف األرض وال يف السامء‪ .‬فجاءت التعاليم الساموية لألخذ بيد اإلنسان إىل ما فيه‬
‫وروحا ورسمت له الطريق الذي يسلكه لتحقيق رغباته فحرم اإلسالم القتل‬
‫ً‬ ‫جسدا‬
‫ً‬ ‫سعادته‪ .‬واهتمت به‬
‫والرهبانية وأمر بالتمتع بالطيبات من الرزق وحرم اخلبائث‪ .‬وأمر بعبادته وإخالص الدين له وهنى عن‬
‫الكفر والفسوق والعصيان يف مواضع كثرية من القرآن‪ .‬وقد تربأ هادي هذه األمة حممد ـ ﷺ ـ من النفر‬
‫الذين أرادوا الزيادة يف العمل عىل ما كان عليه الرسول ـ ﷺ ـ غري مبالني براحة أبداهنم روى أنس بن‬
‫مالك «ريض اهلل عنه» ‪« :‬أن ثالثة رهط جاءوا إىل بيوت أزواج النبي ـ ﷺ ـ يسألون عن عبادة النبي ـ ﷺ‬
‫ـ فلام ُأخربوا كأهنم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي ـ ﷺ ـ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال‬
‫أبدا‪ ،‬وقال آخر أنا أصوم الدهر وال أفطر‪ ،‬وقال آخر أنا اعتزل النساء فال‬
‫أحدهم أما أنا فإين أصيل الليل ً‬

‫‪102‬‬
‫أبدا فجاء رسول اهلل ـ ﷺ ـ فقال ‪« :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما واهلل إين ألخشاكم هلل وأتقاكم‬
‫أتزوج ً‬
‫له‪ ،‬لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصيل وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني»(‪ .)1‬واألحاديث‬
‫يف هذا املعنى كثرية‪.‬‬
‫رصحا شامخً ا متكام ً‬
‫ال بداخله مجيع أسباب احلياة املثمرة ووسائلها الكفيلة بحياة ملئها‬ ‫ً‬ ‫فالدين يمثل‬
‫السعادة يف احلياة الدنيا وعاقبتها يف اآلخرة حياة أسمى منها وأتم وأكمل قد رتبت عليها ال ترتب العوض‬
‫ال من اهلل ورمحة ملن كان صادق‬
‫عىل املعوض ألن املحدد الضئيل ال يكون ثمنًا للمستمر الكثري‪ ،‬ولكن فض ً‬
‫اإليامن به وبمالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وبالقدر خريه ورشه‪ .‬فامتثال كل ركن من هذه األركان‬
‫ثامرا كثرية للفرد أوالً وللجامعة ثان ًيا مع ارتباط كل ركن منها باآلخر ألن عدم التصديق بواحد‬
‫يعطي ً‬
‫مثمرا ما مل يكن إيام ًنا بجميع األركان‪.‬‬
‫منها يعد تكذي ًبا هبا مجي ًعا‪ ،‬وال ينفع اإليامن صاحبه وال يكون ً‬
‫واإلنـسـان خـلـق لالبـتــالء قـال ـ تـعـاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬
‫بصيرا متحركًا ووضع فيه الرغبات‬ ‫وقد كمله ال ّله تعالى بما هو الزم لهذا االبتالء فجعله عاق ً‬
‫ال سمي ًعا ً‬
‫والنزعات الجسدية والروحية وأرسل له الرسل توضح له الطريق المستقيم الذي ينبغي أن يسير عليه‬
‫لينال الحياة الطيبة في الدنيا وليصل إلى النعيم المقيم في اآلخرة‪ ،‬وتحذره من الطرق الموصلة إلى‬
‫عذاب الـسعـير قـال ـ تعالى ـ مـبـينًا ذلك ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)3‬فالخروج عن العبادة خروج عن الصراط‬
‫المستقيم والعبادة الحقة هي الحسنة التي فيها اإلخالص واالتباع‪ ،‬اإلخالص بالقصد‪ ،‬واإلتباع بالتزام‬
‫﴾(‪ .)4‬واالبتالء االختبار لمعرفة‬ ‫التعاليم السماوية لقوله ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫ال بموافقته األمر امتثاالً وابتعاده عن النهي هجرا ًنا‪.‬‬
‫األحسن عم ً‬

‫(‪ )2‬سورة اإلنسان ‪ :‬آية (‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،7/2‬باب النكاح‪ ،‬انظري صحيح مسلم ‪ . 1020/2‬‬
‫(‪ )4‬سورة هود ‪ :‬آية (‪.)7‬‬ ‫(‪ )3‬سورة الذاريات ‪ :‬اآليات (‪ 56‬ـ ‪ .)58‬‬

‫‪103‬‬
‫وعىل هذا فاإليامن بجميع أركانه وحدة متكاملة مرتبط بعضها ببعض ال يغني بعضها عن اآلخر‬
‫وآثار اإليامن بكل ركن منها آثار لباقيها فهي عىل التحقيق غري منفصلة عن بعضها وكذلك تأثريها عىل‬
‫الفرد واجلامعة ولكون الفرد هو اللبنة األوىل التي يتكون منها املجتمع جاءت التعاليم الساموية منصبة‬
‫عىل األفراد ألن صالحهم صالح املجتمع‪ ،‬ومن اآلثار ما ييل ‪:‬‬
‫أ ـ أن اإليامن باهلل هو حياة القلوب الباعث هلا عىل القوة التي ترقى هبا يف مدارج الكامل‪ ،‬وهو احلافز‬
‫للنفوس عىل التــحيل بخــصال اخلــري والتــنزه عىل الرذائل وســفاسـف األمـور كام قـال ـ تعاىل ـ ‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫ب ـ أن اإليامن مصدر الراحة والطمأنينة لألفراد ألنه يساير الفطرة ويوافق طبيعتها‪ ،‬وهو مصدر‬
‫اهلناء والسعادة للمجتمع ألنه يقوي روابطه ويوثق صالته ويزكي عواطفه ويسمو هبا نحو الفضيلة‪ .‬إهنا‬
‫نعمة الرضا يف كل حال‪ ،‬حال السعة والضيق‪ ،‬والعــرس واليــرس والفـرح واحلـزن إيــام ًنا بقـضـاء اهلل‬
‫وحكمـته كـام قال ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)2‬‬
‫وروى اإلمام مسلم بسنده عن صهيب قال ‪ :‬قال رسول اهلل ـ ﷺ ـ ‪« :‬عج ًبا ألمر املؤمن‪ .‬إن أمره كله‬
‫خري‪ ،‬وليس ذاك ألحد إالَّ للمؤمن‪ .‬إن أصابته رساء شكر‪ ،‬فكان ً‬
‫خريا له‪ ،‬وإن أصابته رضاء‪ ،‬صرب فكان‬
‫خريا له»(‪ .)3‬فاملؤمن املستشعر هلذا يكون هادىء القلب مرتاح البدن والنفس‪ .‬متأل حياته السعادة ويعلوه‬
‫ً‬
‫الرضا‪ .‬والسكينة مطمئن إىل رمحة اهلل وعدله‪ ،‬ألنه مالذه وملتجأه وقرة عينه وبرد يقينه‪.‬‬

‫جـ ـ طهر النفوس وصفائها‪ ،‬أي أن اإليامن يطهر النفوس من األوهام واخلرافات فتصفو ملا فطرت عليه‪،‬‬
‫وتسمو ويعلو شأهنا بام تكون عليه من الكرامة فكل خضوع فيها واستكانة تتحدد جتاه خالقها وصاحب‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)216‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام ‪ :‬آية (‪ .)122‬‬
‫(‪ )3‬صحيح اإلمام مسلم ‪ . 2295/4‬ولسند اإلمام أمحد ‪. 16 ، 15/6 ، 333 ، 332/4‬‬

‫‪104‬‬
‫الفضل عليها وعىل اخللق كلهم املتكفل بمصاحلهم فمتى استشعرت النفوس وحدهتا يف اخللقة‪ ،‬وكفالتها‬
‫يف الرزق ذهبت عنها قيود الوهم‪ ،‬واخلوف والرجاء من اخللق سواء من كرباء البرش أو مما خيرتعه اخليال مما‬
‫يظن يف الظواهر الكونية من الكواكب واألشجار واألحجار ونحوها أو من القبور وأصحاهبا فتتعلق باحلق‬
‫وتعرض عن سواه‪ ،‬فيتحد الناس يف التعلق واهلدف فتزول عنهم بواعث التنافس واخلالف‪.‬‬
‫د ـ إظهار العزة والمنعة‪ ،‬إن من يؤمن بأن الدنيـا مـزرعـة اآلخـرة كما قـال ـ تعالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪.)1‬‬
‫وقـال ـ تـعـالى ـ ‪﴿ :‬‬
‫﴾(‪ .)2‬ويؤمن بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه ينتزع من قلبه أي باعث‬
‫على الخوف وأي مظهر من مظاهره فال يرضى لنفسه بالذلة والهوان وال يصبر على الهزيمة والعدوان‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر لنا بوضوح كيف تحققت تلك اإلنجازات العظيمة على يد الرسول ـ ﷺ ـ وعلى أيدي‬
‫أصحابه‪ .‬إن قوى األرض كلها ال تقف أمام من خالطت بشاشة اإليمان قلبه وراقب ال ّله في عمله‪،‬‬
‫وكانت الدار اآلخرة مطلبه‪ ،‬كما ندرك كيف كان األنبياء عليهم السالم وهم أفراد يقفون أمام أقوامهم‬
‫متحدين وغير مبالين بكثرة أولئك وقوتهم‪ ،‬وفي مواقف الخليل وهود «عليهما الصالة والسالم» ما‬
‫يجلي ذلك بوضوح ويبرز قوة اإليمان الحقيقية‪.‬‬
‫هـ ـ التحيل بمكارم األخالق‪ ،‬إن إيامن املرء بحياة بعد هذه احلياة حيصل هبا اجلزاء عىل األعامل‬
‫مما يشعر بأن حلياته غاية وهد ًفا سام ًيا األمر الذي يدفعه إىل األعامل احلسنة من فعل اخلريات والتحيل‬
‫بالفضائل واالبتعاد عن الرشور والتخيل عن الرذائل‪ ،‬وهذا من شأنه أن يوجد الفرد الفاضل واملجتمع‬
‫الكريم والدولة الناهضة‪.‬‬
‫و ـ اجلد واالجتهاد يف العمل‪ ،‬إن من يؤمن بقضاء اهلل وقدره يعلم ارتباط األسباب بمسبباهتا‪،‬‬

‫(‪ )2‬سورة الزلزلة ‪ :‬اآليتان (‪.)8 ، 7‬‬ ‫ ‬


‫(‪ )1‬سورة البقرة ‪ :‬آية (‪.)110‬‬

‫‪105‬‬
‫ويعرف قيمة العمل ومنزلته وفضله ويدرك أن من توفيق اهلل لإلنسان هدايته لألخذ باألسباب املوصلة‬
‫إىل املطلوب‪ ،‬وال جيد القنوط واليأس طري ًقا إىل نفسه نتيجة ما فاته من أمر كام ال يدب الغرور والفخر إىل‬
‫نـفـسـه إذا نال شـيـ ًئا من حـطام الدنيا إيـام ًنا بـقـوله ـ تعاىل ـ ‪﴿ :‬‬

‫﴾(‪.)1‬‬
‫واهلل أعلم وصىل اهلل عىل حممد وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫األســـــــئــلــة‬

‫س‪ : 1‬ما رغبات جسم اإلنسان‪ ،‬ورغبات روحه ؟‬


‫س‪ : 2‬بِ َم يتميز اإلنسان عن سائر احليوانات ؟‬
‫س‪ : 3‬ما بوا َعث اإلفساد عند البرش ؟‬
‫س‪ : 4‬ما الطريق الصحيح يف حتقيق رغبات اجلسم والروح ؟ اذكري الدليل عىل ما تقولني ‪.‬‬
‫س‪ : 5‬هل يكون مؤمنًا من آمن ببعض أركان اإليامن دون بعضها ؟‬
‫س‪ : 6‬ما اهلدف من خلق اإلنسان‪ ،‬وما الطريق املرسوم له ؟‬
‫س‪َ : 7‬لمِا َذا اهتم اإلسالم ببناء الفرد ؟‬
‫س‪ : 8‬كيف يعترب اإليامن حياة للقلوب ؟‬
‫س‪َ : 9‬لمِا َذا يبعث اإليامن عىل الراحة والطمأنينة ؟‬
‫س‪ : 10‬ما أسباب تعلق الناس باخلرافات ونشوء الوثنيات بينهم ؟‬
‫س‪ : 11‬ماذا يرتتب عىل اإليامن بالقضاء والقدر واجلزاء عىل األعامل جتاه الفرد واجلامعة ؟‬
‫س‪ : 12‬ما الدافع عىل مكارم األخالق من أركان اإليامن ؟‬
‫س‪َ : 13‬لمِا َذا ال يكون اإليامن بالقضاء والقدر عامل مخول بني الناس ؟‬
‫(‪ )1‬سورة احلديد ‪ :‬اآليتان (‪.)23 ، 22‬‬

‫‪106‬‬
‫الم َراجع‬
‫أهم المصادر َو َ‬
‫‪ 1‬ـ القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلذاعة ملا كان وما يكون بني يدي الساعة تأليف ‪ :‬حممد صديق حسن‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األسئلة واألجوبة األصولية عىل العقيدة الواسطية ‪ :‬تأليف ‪ :‬الشيخ عبدالعزيز املحمد السلامن‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أضواء البيان يف إيضاح القرآن‪ .‬تأليف ‪ :‬حممد األمني بن حممد املختار اجلكني الشنقيطي‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان البن قيم اجلوزية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اإليامن أركانه‪ ،‬حقيقته‪ ،‬نواقضه‪ .‬تأليف ‪ :‬الدكتور حممد نعيم ياسني‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ اإليامن ومعامله وسننه واستكامله ودرجاته‪ .‬تأليف ‪ :‬اإلمام أبو عبيد القاسم بن سالم‪ .‬حتقيق ‪ :‬نارص الدين األلباين‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اإليامن تأليف ‪ :‬احلافظ أبو بكر عبداهلل بن حممد بن أيب شيبة العبيس‪ .‬حتقيق ‪ :‬نارص الدين األلباين‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ اإليامن‪ .‬تأليف ‪ :‬شيخ اإلسالم تقي الدين أمحد بن عبداحلليم بن تيمية‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ كتاب اإليامن‪ .‬تأليف ‪ :‬عبداملجيد الزنداين‪ ،‬ومجاعة‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ كتاب اإليامن‪ .‬تأليف ‪ :‬احلافظ حممد بن إسحق بن منده‪ .‬حتقيق ‪ :‬الدكتور عيل نارص فيقهي‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ التبصري يف الدين‪ ،‬ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اهلالكني‪ .‬تأليف ‪ :‬أبو املظفر االسفرائيني‪ .‬حتقيق ‪ :‬كامل‬
‫يوسف احلوت‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ التحفة السنية يف هتذيب رشح العقيدة الطحاوية‪ .‬تأليف ‪ :‬الدكتور مروان القييس‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ حتفة املريد ـ رشح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم البيجوري‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ التحفة املهدية رشح الرسالة التدمرية‪ .‬تصحيح وتعليق ‪ :‬الشيخ عبدالرمحن بن صالح املحمود‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ تفسري القرآن العظيم‪ .‬للحافظ ابن كثري‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ التفسري الكبري لإلمام الفخر الرازي‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ تيسري العزيز احلميد يف رشح كتاب التوحيد‪ .‬تأليف ‪ :‬الشيخ سليامن بن عبداهلل بن حممد بن عبدالوهاب‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ جامع البيان يف تفسري القرآن‪ .‬ملحمد بن جرير الطربي‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ اجلامع لشعب اإليامن‪ .‬لإلمام احلافظ أيب بكر البيهقي‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ حد اإلسالم وحقيقة اإليامن‪ .‬للشيخ عبداملجيد الشاذيل‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ الرسل والرساالت‪ .‬لعمر سليامن األشقر‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ رشح العقيدة الطحاوية‪ .‬البن أيب العز احلنفي‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ رشح العقيدة الواسطية‪ .‬ملحمد خليل هراس‪.‬‬
‫‪ 25‬ـ رشح العقيدة النونية‪ .‬البن القيم‪ .‬تأليف ‪ :‬الدكتور حممد خليل هراس‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ رشح ملعة االعتقاد البن قدامة‪ .‬تأليف ‪ :‬الشيخ حممد الصالح العثيمني‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ 27‬ـ رشح النووي عىل صحيح اإلمام مسلم‪.‬‬
‫‪ 28‬ـ الرشيعة‪ .‬لإلمام أيب بكر حممد بن احلسني اآلجري‪ .‬حتقيق ‪ :‬حممد حامد الفقي‪ .‬دار الكتب العلمية ببريوت‪.‬‬
‫الطبعة األوىل (‪1403‬هـ ـ ‪1983‬م)‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ صحيح اإلمام البخاري‪ .‬طبعة دار إحياء الرتاث العريب ـ بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 30‬ـ صحيح اإلمام مسلم‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب ـ بريوت ـ لبنان‪ .‬حتقيق ‪ :‬حممد فؤاد عبدالباقي‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ عامل املالئكة األبرار‪ .‬لعمر سليامن األشقر‪.‬‬
‫‪ 32‬ـ العقائد اإلسالمية‪ .‬لسيد سابق‪.‬‬
‫‪ 33‬ـ العقيدة اإلسالمية وأسسها‪ .‬تأليف ‪ :‬األستاذ عبدالرمحن امليداين‪.‬‬
‫‪ 34‬ـ العقيدة اإلسالمية سفينة النجاة‪ .‬تأليف ‪ :‬الدكتور حممد كامل عيسى‪.‬‬
‫‪ 35‬ـ عقيدة املسلمني والرد عىل امللحدين واملبتدعني‪ .‬للشيخ صالح بن إبراهيم البليهي‪.‬‬
‫‪ 36‬ـ فتح الباري برشح صحيح البخاري‪ .‬البن حجر العسقالين‪.‬‬
‫‪ 37‬ـ فتح املجيد رشح كتاب التوحيد‪ .‬للشيخ عبدالرمحن بن حسن بن حممد بن عبدالوهاب‪.‬‬
‫‪ 38‬ـ الفرق بني الفرق‪ .‬تأليف ‪ :‬عبدالقاهر بن طاهر‪.‬‬
‫‪ 39‬ـ القاموس املحيط‪ .‬تأليف ‪ :‬جمدالدين حممد بن يعقوب الفريوزآبادي‪.‬‬
‫‪ 40‬ـ لسان العرب‪ .‬البن منظور مجال الدين حممد بن مكرم األنصاري‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ لوامع األنوار البهية يف سواطع األرسار األثرية ـ لرشح الدرة املضية‪ ،‬يف عقيدة الفرقة املرضية‪ .‬لإلمام حممد‬
‫ابن أمحد السفاريني‪.‬‬
‫‪ 42‬ـ جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ .‬مجع ‪ :‬عبدالرمحن بن قاسم‪.‬‬
‫‪ 43‬ـ خمتار الصحاح‪ .‬تأليف ‪ :‬حممد بن أيب بكر بن عبدالقادر الرازي‪.‬‬
‫‪ 44‬ـ املستدرك عىل الصحيحني لإلمام احلافظ أيب عبداهلل احلاكم‪ .‬حممد أمني دمج ـ بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 45‬ـ مسند اإلمام أمحد بن حنبل وهبامشه منتخب كنز العامل يف سنن األقوال واألفعال ‪ :‬املكتب اإلسالمي ـ بريوت‬
‫ـ الطبعة الثالثة (‪1398‬هـ ـ ‪1978‬م)‪.‬‬
‫‪ 46‬ـ املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للرافعي‪ .‬لإلمام أمحد بن حممد املقري‪.‬‬
‫‪ 47‬ـ معارج القبول برشح سلم الوصول إىل علم األصول يف التوحيد‪ .‬للشيخ حافظ بن أمحد احلكمي‪.‬‬
‫‪ 48‬ـ املعتمد يف أصول الدين‪ .‬للقايض أيب يعيل احلنبيل‪.‬‬
‫‪ 49‬ـ املفردات يف غريب القرآن ‪ :‬أليب القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب األصفهاين‪.‬‬
‫‪ 50‬ـ امللل والنحل‪ .‬أليب الفتح حممد عبدالكريم بن أيب بكر الشهرستاين‪.‬‬
‫‪ 51‬ـ كتاب املنهاج يف شعب اإليامن‪ .‬أليب عبداهلل احلسني بن احلسني احلليمي‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الــــفــــــــهـــــــــــــرس‬
‫الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة‬

‫‪19‬‬ ‫حكم مرتكب الكبرية‬ ‫الفصل الدرايس األول‬


‫‪19‬‬ ‫تقسيم الذنوب‬ ‫الفصل األول ‪ :‬مباحث يف اإليامن‬
‫‪20‬‬ ‫مذهب أهل السنة يف مرتكب الكبرية‬ ‫‪6‬‬ ‫معنى اإليامن‬
‫‪20‬‬ ‫أدلة أهل السنة‬ ‫‪6‬‬ ‫املعنى اللغوي‬
‫‪21‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪6‬‬ ‫املعنى اإلصطالحي‬
‫‪22‬‬ ‫أثر املعصية عىل اإليامن‬ ‫‪6‬‬ ‫رشح التعريف‬
‫‪23‬‬ ‫وأثره يف العقيدة‬‫اإليامن بالغيب َ‬ ‫‪6‬‬ ‫أدلة السلف‬
‫‪23‬‬ ‫‪ 1‬ـ اإليامن بالغيب‬ ‫‪7‬‬ ‫وجه االستدالل من األدلة‬
‫‪23‬‬ ‫‪ 2‬ـ أثر اإليامن بالغيب‬ ‫‪8‬‬ ‫أسئلة‬
‫‪26‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪9‬‬ ‫حقيقة اإليامن‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬أركان اإليامن‬ ‫‪10‬‬ ‫اإلسالم واإليامن‬
‫أو ًال ‪ :‬اإليامن باهلل تعاىل‬ ‫‪10‬‬ ‫مسمى اإلسالم مفردًا‬
‫‪27‬‬ ‫املراد باإليامن باهلل تعاىل‬ ‫‪11‬‬ ‫مسمى اإليامن مفردًا‬
‫‪27‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪11‬‬ ‫حالة اجتامع اإلسالم واإليامن‬
‫ثاني ًا ‪ :‬اإليامن باملالئكة‬ ‫‪12‬‬ ‫أسئلة‬
‫‪28‬‬ ‫‪ 1‬ـ تعريف املالئكة‬ ‫‪13‬‬ ‫أركان اإليامن وشعبه‬
‫‪28‬‬ ‫‪ 2‬ـ اعتقاد الناس يف املالئكة قبل اإلسالم‬ ‫‪13‬‬ ‫تعريف األركان والشعب‬
‫‪29‬‬ ‫‪ 3‬ـ اإليامن باملالئكة قبل اإلسالم‬ ‫‪13‬‬ ‫عدد األركان‬
‫‪29‬‬ ‫أدلة وجوب اإليامن باملالئكة‬ ‫‪13‬‬ ‫الشعب‬ ‫عدد ُ‬
‫‪30‬‬ ‫أنواع املالئكة‬ ‫‪14‬‬ ‫أسئلة‬
‫‪32‬‬ ‫عالقتهم بالبرش‬ ‫‪15‬‬ ‫نواقض اإليامن‬
‫‪33‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪18‬‬ ‫أسئلة‬

‫‪109‬‬
‫الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة‬

‫الفصل الدرايس الثاين‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬اإليامن بالكتب‬


‫خامس ًا ‪ :‬اإليامن باليوم اآلخر‬ ‫‪34‬‬ ‫‪ 1‬ـ التعريف بالكتب‬
‫‪34‬‬ ‫ً‬
‫وتفصيال‬ ‫‪ 2‬ـ اإليامن بالكتب مجلة‬
‫‪56‬‬ ‫‪ 1‬ـ اإليامن باليوم اآلخر واملراد به‬
‫‪34‬‬ ‫أ ـ أدلة اإليامن بالكتب مجلة‬
‫‪58‬‬ ‫‪ 2‬ـ منهج القرآن الكريم يف إثبات البعث‬
‫‪36‬‬ ‫ً‬
‫تفصيال‬ ‫ب ـ وجوب اإليامن بالكتب‬
‫‪58‬‬ ‫الطريق األول خلق السموات‬
‫‪37‬‬ ‫‪ 3‬ـ الكتب املوجودة لدى أهل الكتاب‬
‫‪59‬‬ ‫الطريق الثاين خلق اإلنسان‬ ‫‪39‬‬ ‫‪ 4‬ـ القرآن الكريم‬
‫‪60‬‬ ‫الطريق الثالث إحياء األرض‬ ‫‪39‬‬ ‫أ ـ تعريفه‬
‫‪61‬‬ ‫الطريق الرابع إحياء بعض املوتى‬ ‫‪40‬‬ ‫ب ـ القرآن كالم اهلل تعاىل‬
‫‪63‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما بعد املوت سؤال امللكني‬ ‫‪41‬‬ ‫جـ ـ حفظ اهلل تعاىل للقرآن‬
‫‪42‬‬ ‫د ـ التحدي بالقرآن‬
‫‪65‬‬ ‫‪ 4‬ـ القيامة وعالماهتا‬
‫‪44‬‬ ‫أسئلة‬
‫‪69‬‬ ‫‪ 5‬ـ البعث واحلرش‬
‫رابع ًا ‪ :‬اإليامن بالرسل‬
‫‪70‬‬ ‫أ ـ العرض واحلساب‬ ‫‪45‬‬ ‫‪ 1‬ـ تعريف النبي والرسول‬
‫‪73‬‬ ‫ب ـ احلوض‬ ‫‪45‬‬ ‫الفرق بني النبي والرسول‬
‫‪74‬‬ ‫جـ ـ امليزان‬ ‫‪46‬‬ ‫‪ 2‬ـ النبوة منحة إهلية‬
‫‪75‬‬ ‫د ـ الرصاط‬ ‫‪47‬‬ ‫‪ 3‬ـ صفات الرسل ومعجزاهتم‬
‫هـ ـ الشفاعة‬ ‫‪47‬‬ ‫أ ـ صفات الرسل عليهم السالم‬
‫‪77‬‬
‫‪49‬‬ ‫ب ـ معجزات الرسل عليهم السالم‬
‫‪77‬‬ ‫رشوط الشفاعة‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 4‬ـ اإليامن بالرسل مجيعا‬
‫‪79‬‬ ‫أنواع الشفاعة‬ ‫ً‬
‫‪53‬‬ ‫ورسوال‬ ‫‪ 5‬ـ اإليامن بمحمد ﷺ نب ًيا‬
‫‪81‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪54‬‬ ‫أسئلة‬

‫‪110‬‬
‫الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة الـمــــــوضـــــــــــــــــــــــــــــوع الصفحة‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬أثر اإليامن يف حياة الفرد‬ ‫سادس ًا ‪ :‬اإليامن بالقضاء والقدر‬
‫والجماعة‬ ‫‪83‬‬ ‫‪ 1‬ـ تعريف القضاء والقدر‬
‫‪102‬‬ ‫ذكر بعض اآلثار‬ ‫‪84‬‬ ‫‪ 2‬ـ اإليامن بقضاء اهلل وقدره‬
‫‪106‬‬ ‫أسئلة‬ ‫‪86‬‬ ‫‪ 3‬ـ مراتب اإليامن بالقدر‬
‫‪107‬‬ ‫أهم املصادر واملراجع‬ ‫‪86‬‬ ‫املرتبة األوىل‬
‫‪109‬‬ ‫الفهرس‬ ‫‪87‬‬ ‫املرتبة الثانية‬
‫‪88‬‬ ‫املرتبة الثالثة‬
‫‪89‬‬ ‫املرتبة الرابعة‬
‫‪90‬‬ ‫‪ 4‬ـ أنواع املقادير‬
‫‪90‬‬ ‫التقدير األول‬
‫‪90‬‬ ‫التقدير الثاين‬
‫‪91‬‬ ‫التقدير الثالث‬
‫‪91‬‬ ‫التقدير الرابع‬
‫‪92‬‬ ‫‪ 5‬ـ التحذير من اخلوض يف القدر‬
‫‪94‬‬ ‫‪ 6‬ـ مذهب السلف يف القضاء والقدر‬
‫‪96‬‬ ‫خالصة مذهب السلف‬
‫‪ 7‬ـ حكم االحتجاج بالقضاء والقدر يف‬
‫‪97‬‬ ‫ترك األمر‬
‫‪100‬‬ ‫‪ 8‬ـ حكم االحتجاج بالقدر عند املصائب‬
‫‪101‬‬ ‫أسئلة‬

‫‪111‬‬

You might also like