You are on page 1of 24

‫الضوابط الشرعيّة للعمليات التجميليّة‬

‫ورقة علميّة مقدمة لندوة‬


‫( العمليات التجميليّة بين الشرع والطب )‬

‫أعدها‬
‫د‪ /‬هاني بن عبد هللا بن محمد الجبير‬

‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬

‫فإن من روائع اإلعجاز يف ديننا اإلسالمي ‪ ،‬ومن آيات عمومه وخلوده أنّه مل يدع جانبًا من‬
‫جوانب احلياة اإلنسانية إالّ كان له فيه موقف ‪.‬‬
‫وعالجا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫والتجمل ‪ ،‬استطبابًا‬
‫ّ‬ ‫وإن من مجلة ما حدد قيوده ‪ ،‬وبنّي موقفه منه ‪ ،‬ما يتعلّق بالزينة‬
‫حرصا منه على مصلحة البشر ‪ ،‬وحتقيق التوازن لديهم ‪ ،‬لئال تنطلق غرائزهم على خالف مقتضى‬ ‫ً‬
‫املصلحة ‪.‬‬
‫ولقد كانت دعوة كرمية أن أكتب ورقة علمية بعنوان ‪ ( :‬الضوابط الشرعيّة للعمليات التجميليّة‬
‫خريا ‪.‬‬
‫) لتق ّدم يف الندوة املعنونة بـ ( العمليات التجميليّة بني الشرع والطب ) ‪ .‬فجزى اهلل القائمني عليها ً‬
‫وقد جاءت هذه الورقة يف مخس فقرات أساسية ‪ ،‬كانت خامتتها عرض لثمانية ضوابط هلذه‬
‫العمليات ‪.‬‬
‫أسأل اهلل تعاىل أن ينفع هبا وأن جيعلها خالصة لوجهه الكرمي ‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫هاين بن عبد اهلل بن حممد اجلبري‬

‫‪2‬‬
‫ّأوالً ‪ :‬مفهوم العمليات التجميليّة ‪:‬‬
‫العمليات ‪ :‬مجع عمليّة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والعمليّة لفظ مشتق من العمل ‪ ،‬وهو عام يف كل فعل يفعل ‪.‬‬
‫خاصا ‪ ،‬يقال ‪ :‬عملية جراحية ‪ ،‬أو حربيّة ‪.‬‬
‫أثرا ًّ‬
‫والعمليّة كلمة حمدثة تطلق على مجلة أعمال حتدث ً‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫والتجميل ‪ :‬هو التحسني ‪.‬‬
‫وقد عرفت العمليات التجميليّة بأهنا ‪ :‬جمموعة العمليات اليت تتعلّق بالشكل واليت يكون الغرض‬
‫(‪)4‬‬
‫منها عالج عيوب طبيعيّة أو مكتسبة يف ظاهر اجلسم البشري ‪.‬‬
‫وعرفت جراحة التجميل بأهنا ‪ :‬جراحة جترى لتحسني منظر جزء من أجزاء اجلسم الظاهرة ‪ ،‬أو‬
‫(‪)5‬‬
‫وظيفته إذا طرأ عليه نقص أو تلف أو تشويه ‪.‬‬
‫التشوهات اخللقيّة ‪ ،‬أو النامجة عن احلوادث‬
‫وعرف بأهنا ‪ :‬فن من فنون اجلراحة يرمى إىل تصحيح ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫املختلفة ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وعرفت بإصالح أو إعادة تشكيل أجزاء معطوبة من اجلسم ‪.‬‬

‫والتعريفات السابقة متقاربة املدلول ظاهرة املعىن وهي تدل على أن العمليات التجميليّة جمموعة‬
‫أعمال يقوم هبا طبيب خمتص تتعلق بتحسني الشكل سواء كان يرافقه إصالح خلل يف وظيفة العضو أو‬
‫لتشوه خلقي أو ناتج عن حادث ‪ ،‬أو لتغيري املنظر ‪ ،‬أو استعادة مظهر‬
‫ال ‪ ،‬وسواء كان التحسني ّ‬
‫الشباب ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإ ّن األعمال اليت ال يقوم هبا األطباء من أنواع الزينة ال تدخل يف هذا البحث ‪.‬‬

‫معجم مقاييس اللغة ( ‪ ) 4/145‬؛ لسان العرب ( ‪. ) 11/475‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫املعجم الوسيط ( ‪. ) 2/628‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫خمتار الصحاح ص ‪. 47‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫فقه القضايا الطبية املعاصرة ‪ .‬أ‪.‬د‪ .‬علي احملمدي ص ‪. 530‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫املوسوعة الطبيّة احلديثة ‪ .‬جمموعة من األطباء ( ‪. ) 3/454‬‬ ‫(?)‬ ‫‪5‬‬

‫املوسوعة الطبيّة الفقهيّة ‪ .‬د‪ .‬أمحد كنعان ص ‪. 237‬‬ ‫(?)‬ ‫‪6‬‬

‫املوسوعة العربيّة العاملية ( ‪. ) 8/251‬‬ ‫(?)‬ ‫‪7‬‬

‫‪3‬‬
‫الصحة أو حفظها دون مراعاة حتسني‬
‫كما ال يدخل يف حبثنا األعمال الطبيّة املنصبة على استعادة ّ‬
‫الشكل ‪.‬‬
‫وال فرق يف العمليات التجميليّة بني أن تتم باجلراحة أو بدوهنا ‪.‬‬
‫تتضمن‬
‫ويطلق على هذا النوع من العمليات ‪ :‬العمليات التقومييّة وإعادة البناء والرتميم ؛ ألهنا ّ‬
‫إصالح وإعادة تشكيل أجزاء من اجلسم ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬أنواع العمليات التجميليّة ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫‪:‬‬ ‫تنقسم العمليات التجميليّة عند املتخصصني إىل نوعان‬
‫الصحة ‪ ،‬أو على‬
‫‪ )1‬عمليات البد من إجرائها ‪ ،‬لوجود الداعي لذلك إما إلزالة عيب يؤثر على ّ‬
‫تشوه غري معتاد يف خلقة اإلنسان املعهودة ‪.‬‬‫استفادته من العضو املعيب أو لوجود ّ‬
‫ومن أمثلة هذه العمليات ‪ :‬العمليات اليت جترى إلزالة العيوب التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الشفة األرنبيّة ( الشق الشفي ) ‪ ،‬والشق احللقي ‪.‬‬
‫‪ -2‬التصاق أصابع اليد أو الرجل ‪.‬‬
‫‪ -3‬انسداد فتحة الشرج ‪.‬‬
‫‪ -4‬املبال التحتاين ‪.‬‬
‫‪ -5‬إزالة الوشم والومحات والندبات ‪.‬‬
‫‪ -6‬إزالة شعر الشارب واللحية عن النساء ‪.‬‬
‫‪ -7‬إعادة تشكيل األذن ‪.‬‬
‫‪ -8‬شفط الدهون إذا رافقها إصابة أو مرض يستدعيه ‪.‬‬
‫‪ -9‬تصغري الثدي إذا رافقه مرض يستدعيه ( كأمراض الظهر مثالً ) ‪.‬‬
‫‪ -10‬زراعة الثدي ملن استؤصل منها ‪.‬‬
‫‪ -11‬تصحيح احلاجز األنفي أو األنف املصاب بتشوه ‪.‬‬
‫‪ -12‬تشوه اجللد بسبب احلروق أو اآلالت القاطعة أو الطلقات الناريّة ‪.‬‬

‫السكري ص ‪ 23‬؛ أحكام اجلراحة الطبية‬ ‫انظر يف تقسيم العمليات ‪ :‬نقل وزراعة األعضاء اآلدمية ‪ .‬عبد السالم ُّ‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .‬حممد املخت ار الش نقيطي ص ‪ 183‬؛ املوس وعة الطبيّة احلديثة ( ‪ ) 3/455‬؛ فقه القض ايا الطبيّة املعاص رة ص ‪ . 530‬وقد‬
‫اخرتت هذه التعبريات لكي ال تتداخل مع التعبريات الفقهيّة ذات املدلول اخلاص ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -13‬تصحيح كسور الوجه ( بسبب احلوادث مثالً ) ‪.‬‬
‫تشوه حادث أو‬
‫دافعا صحيًّا أو أهنا إلصالح ّ‬
‫وغريها من أنواع العيوب اليت جيمعها ويضبطها أن هلا ً‬
‫عيب خيالف أصل خلقة اإلنسان أو صورته املعهودة ‪.‬‬

‫‪ )2‬عمليات اختياريّة ‪ ،‬ال داعي إلجرائها سوى رغبة املريض ‪ ،‬فهي عمليات هتدف لتحسني املظهر ‪،‬‬
‫تشوه ‪ ،‬بل لتحقيق منظر أحسن وأمجل ‪ ،‬أو هتدف لتجديد الشباب وإزالة مظاهر‬ ‫ال لوجود عيب أو ّ‬
‫الشيخوخة ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه العمليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬إزالة الشعر وزرعه ‪.‬‬
‫‪ -2‬تقشري البشرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬شد اجلبني ورفع احلاجبني ‪.‬‬
‫‪ -4‬شد الوجه والرقبة ‪.‬‬
‫‪ -5‬حقن الدهون ( غري ما سبق ) ‪.‬‬
‫‪ -6‬شفط الدهون ( غري ما سبق ) ‪.‬‬
‫تكبريا ‪.‬‬
‫تصغريا أو ً‬
‫ً‬ ‫‪ -7‬جتميل األنف‬
‫‪ -8‬جتميل الذقن ‪.‬‬
‫تصغريا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫تكبريا أو‬
‫‪ -9‬جتميل الثديني ً‬
‫وغريها من أنواع العمليات اليت جيمعها أهنا ال دافع هلا سوى إنزعاج املريض من مظهره ورغبته يف‬
‫إصالحه إىل مستوى مقبول لديه ‪.‬‬

‫‪ )3‬عمليات اختياريّة تتضمن شكل اإلنسان وهيئته اخلارجية ليشبه بعض احليوانات أو غريها مما هو‬
‫تشويه للشكل مثل شق اللسان ‪ ،‬وتركيب األنياب الضخمة وغريها ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬مقدمات وقواعد أساسيّة ‪:‬‬
‫‪ )1‬خلق اهلل تعاىل اإلنسان على صورة حسنة ‪ ،‬وإن تفاوت احلسن بني الناس كما قال تعاىل ‪ { :‬لقد‬
‫خلقنا اإلنسان يف أحسن تقومي } ‪ [ .‬سورة التني ‪ ] 4 :‬قال ابن كثري ‪ ( :‬هذا هو املقسم عليه ‪ -‬أي يف‬
‫سوي األعضاء حسنها‬‫السورة ‪ -‬وهو أنّه تعاىل خلق اإلنسان يف أحسن صورة وشكل ‪ ،‬منتصب القامة ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬
‫لآلدمي ‪ ،‬وهذا ال مينع تفاوت‬
‫ّ‬ ‫فكل إنسان فهو خملوق خلقة حسنة ‪ ،‬ما دام على اخللقة املعهودة‬
‫قصة‬
‫البشر يف احلسن فمنهم من أويت من اجلمال واحلسن أكثر مما أويت غريه فقد حكى اهلل تعاىل لنا ّ‬
‫بشرا إن هذا إال‬
‫يوسف عليه السالم وأن النسوة ملا رأينه { أكربنه وقطعن أيديهن وقلن حاش هلل ما هذا ً‬
‫ملك كرمي } ‪ [ .‬سورة يوسف ‪. ] 31 :‬‬
‫أي قلن هلا ‪ :‬ما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا ‪ ،‬ألهنن مل يرين يف البشر شبهه وال قريبًا منه‬
‫‪ ،‬فإنه عليه السالم كان قد أعطي شطر احلسن كما ثبت ذلك يف احلديث الصحيح يف حديث اإلسراء ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهذا التفاوت املوجود بني بين البشر ختضع املفاضلة فيه بني أفراده أيهم أكثر مجاالً إىل أذواق الناس‬
‫مستسمجا عند غريه ‪ ،‬فليس ميزان‬
‫ً‬ ‫قبيحا‬
‫مستملحا عند أحد فإنه قد يكون ً‬
‫ً‬ ‫املتفاوتة ‪ ،‬فمن كان مجيالً‬
‫واحدا بني الناس ومن هنا تفاوتت تعاريفهم للجمال ‪.‬‬
‫اجلمال ً‬
‫وهذا أمر مستقر يف النفوس ال حيتاج إىل دليل ‪.‬‬
‫وذلك أن اجلمال يدرك بالبداهة بغري تفكري ‪ ،‬وإذا كانت البديهة هي املوكلة باجلمال ‪ -‬ال الذهن ‪-‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فمن العسري أن توضع له القواعد احلامسة وترسم له احلدود القاطعة كالقضايا الذهنية ‪.‬‬
‫وحسن املظهر البدين ال يشغل عن مسات اجلمال األخرى ومظاهره املغايرة ‪،‬‬ ‫وكذلك فإن مجال اجلسد ُ‬
‫التذوق جلمال اجلسد والعناية به مساحة أكرب مما ينبغي أثر ذلك على بقيّة أهداف احلياة‬
‫فحني يأخذ ّ‬
‫وألوان اجلمال فيها ‪.‬‬

‫تفسري القرآن العظيم ( ‪. ) 14/395‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫تفسري القرآن العظيم ( ‪. ) 8/36‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫منهج الفن اإلسالمي ‪ .‬حممد قطب ص ‪. 85‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫ض النيب صلى اهلل عليه وسلم على اختيار مجيلة الروح ولو على حساب نصيبها من اجلمال‬ ‫ولذا َح ّ‬
‫اجلسدي فقال ‪ ( :‬تنكح املرأة ألربع ‪ :‬ملاهلا ‪ ،‬وحلسبها ‪ ،‬وجلماهلا ‪ ،‬ولدينها ‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت‬
‫(‪)1‬‬
‫يداك ) ‪.‬‬
‫وبني أ ّن العربة به عند اهلل سبحانه فقال ‪ ( :‬إ ّن اهلل ال ينظر إىل أجسادكم وال إىل صوركم ‪ ،‬ولكن‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر إىل قلوبكم ) ‪.‬‬

‫توعد أن يضل بين آدم حبملهم على أمور منها تغيري خلق اهلل تعاىل‬ ‫‪ )2‬أخرب اهلل تعاىل أن الشيطان ّ‬
‫كما يف قوله ‪ { :‬وآلمرهنم فليغري ّن خلق اهلل } ‪ [ .‬سورة النساء ‪. ] 119 :‬‬
‫ذما لتغيري خلق اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫والشك أن يف هذا ًّ‬
‫وقد تنوعت عبارات السلف يف تفسري هذا التغيري على أقوال ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أنه تغيري دين اهلل الذي خلق الناس وفطرهم عليه ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أ ّن املراد به اخلصاء ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنّه الوشم ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنّه عبادة الشمس والقمر واحلجارة اليت خلقها اهلل تعاىل لالعتبار واالنتفاع هبا فعريها‬
‫(‪)3‬‬
‫الكفار وجعلوها معبودة ‪.‬‬
‫وليس بني هذه األقوال تضارب وال اختالف ‪ ،‬فإ ّن من طريقة السلف يف التفسري ‪ :‬التعبري عن املراد‬
‫باآلية بذكر أحد أفراد املعىن ‪ ،‬دون إرادة حصر املعىن فيه ‪.‬‬
‫ويف هذا يقول ابن تيمية ‪ .. ( :‬يقع يف عباراهتم تباين يف األلفاظ حيسبها من ال علم عنده اختالفًا ‪،‬‬
‫فيحكيها أقواالً ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬فإ ّن منهم من يعرّب عن الشيء بالزمه أو نظريه ‪ ،‬ومنهم من ينص على‬
‫(‪)4‬‬
‫الشيء بعينه ‪ ،‬والكل مبعىن واحد يف كثري من األماكن فليتفطن اللبيب لذلك ) ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5090‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 1466‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ( ‪. ) 6542‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ‪ :‬زاد املسري يف التفسري البن اجلوزي ص ‪ 327‬؛ اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ( ‪ ) 5/391‬؛‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫الطربي ( ‪. ) 9/222‬‬ ‫تفسري‬


‫مقدمة التفسري ص ‪. 97‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫ولذا اختار الطربي املعىن األول لآلية إذ يقول ‪ ( :‬وأوىل األقوال بالصواب يف تأويل ذلك قول من‬
‫قال معناه دين اهلل وذلك لداللة اآلية األخرى على أ ّن ذلك معناه وهي قوله ‪ { :‬فطرة اهلل اليت فطر‬
‫الناس عليها ال تبديل خللق اهلل ذلك الدين القيّم } ‪ [ .‬سورة الروم ‪ ] 30 :‬وإذا كان ذلك معناه دخل يف‬
‫ذلك فعل كل ما هنى اهلل عنه من خصاء ما ال جيوز خصاؤه ‪ ،‬ووشم ما هني عن ومشه ‪ ،‬ووشره ‪ ،‬وغري‬
‫ك أنه يدعو إىل مجيع معاصي‬ ‫ذلك من املعاصي ودخل فيه ترك كل ما أمر اهلل به ‪ ،‬ألن الشيطان ال َش ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل وينهى عن مجيع طاعته ) ‪.‬‬
‫فيكون معىن اآلية ‪َّ :‬‬
‫أن الشيطان يأمرهم بالكفر ‪ ،‬وتغيري فطرة اإلسالم اليت خلقهم اهلل عليها وأن‬
‫معىن قوله تعاىل ‪ { :‬فأقم وجهك للدين حني ًفا فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل } أي‬
‫(‪)2‬‬
‫ال تبدلوا فطرة اهلل اليت خلقكم عليها بالكفر ‪.‬‬
‫وبيانه أكثر يتضح مبعرفتنا ملعىن اخللق ‪ ،‬ومعىن التغيري ‪.‬‬
‫فاخللق قد يراد به خملوق اهلل كما يف قوله تعاىل ‪ { :‬ما ترى يف خلق الرمحن من تفاوت } [ سورة امللك‬
‫‪ ] 3 :‬أي ‪ :‬هو مست ٍو ال اختالف فيه وال نقص وال عيب ‪.‬‬
‫وكقوله تعاىل ‪ { :‬هذا خلق اهلل فأروين ماذا خلق الذين من دونه } ‪ [ .‬سورة لقمان ‪. ] 11 :‬‬
‫ويأيت اخللق مبعىن التقدير كما يف قوله تعاىل ‪ { :‬خيلقكم يف بطون أمهاتكم خل ًقا من بعد خلق يف‬
‫ظلمات ثالث } ‪ [ .‬سورة الزمر ‪ ] 6 :‬أي ‪ :‬ق ّدركم يف بطون أمهاتكم ‪.‬‬
‫ويأيت اخللق مبعىن الفطرة اليت خلق اهلل تعاىل عليها عبادة كقوله تعاىل ‪ { :‬فأقم وجهك للدين حني ًفا‬
‫فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل } ‪ [ .‬سورة الروم ‪. ] 30 :‬‬
‫قال ابن كثري ‪ ( :‬أي ‪ :‬فس ّدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه اهلل لك ‪ ..‬وأنت مع ذلك‬
‫الزم فطرتك السليمة اليت فطر اهلل اخللق عليها ‪ ،‬فإنه تعاىل فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنّه ال إله‬
‫غريه ‪ ،‬ويف احلديث ‪ (( :‬إين خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطني عن دينهم )) ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ال تبديل خللق اهلل } قال بعضهم ‪ :‬معناه ال تبدلوا خلق اهلل فتغريوا الناس عن فطرهتم‬
‫خربا مبعىن الطلب وهو معىن حسن صحيح ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬هو خرب على‬ ‫اليت فطرهم اهلل عليها فيكون ً‬
‫بابه ومعناه أنه تعاىل ساوى بني خلقه كلهم يف الفطرة على اجلبلة املستقيمة ‪ ،‬ال يولد أحد إال على ذلك‬
‫‪ ..‬وهلذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبري وجماهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد يف‬

‫تفسري الطربي ( ‪. ) 9/222‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫أضواء البيان للشنقيطي ( ‪. ) 1/366‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬
‫قوله ‪ { :‬ال تبديل خللق اهلل } أي لدين اهلل قال وقال البخاري ‪ :‬قوله ‪ { :‬ال تبديل خللق اهلل } لدين اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬خلق األولني ‪ :‬دين األولني ‪ ،‬الدين والفطرة واإلسالم ) أ‪.‬هـ‬
‫وهذا التفسري وارد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حديث الفطرة ‪ :‬ما من مولود يولد إال على‬
‫الفطرة مث قرأ اآلية ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وقال الراغب ( اخللق ‪ :‬أصله التقدير ‪ ،‬ويستعمل يف إبداع الشيء من غري أصل ‪ ..‬ويستعمل يف إجياد‬
‫الشيء من الشيء ‪ ..‬وقوله ‪ { :‬وآلمرهنم فليغرين خلق اهلل } قيل ‪ :‬إشارة إىل ما يشوهونه من اخللقة‬
‫(‪)2‬‬
‫باخلصاء ونتف اللحية وما جيري جمراه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬معناه يغريون حكمه ) ‪.‬‬
‫حتول الشيء عن صفته حىت يكون كأنه شيء آخر ‪ ،‬ويطلق على اإلزالة ‪.‬‬
‫وأما التغيري فيطلق على ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫قال يف لسان العرب ‪ ( :‬تغيري الشيب يعين ‪ :‬نتفه ‪ ،‬فإ ّن تغيري لونه قد ََأمر به ‪) .‬‬
‫وعلى هذا فليس يف اآلية دليل على حترمي جمرد تغيري خلق اهلل تعاىل ‪ ،‬بل فيها بيان أن مجيع ما هنى اهلل‬
‫ورسوله صلى اهلل عليه وسلم عنه فالشيطان يأمر به ‪.‬‬
‫تتفرد دليالً على التحرمي‬
‫عمل ‪ ،‬إال بعد ثبوت أنّه حمرم ‪ ،‬وال ّ‬‫وبذلك ال يستدل باآلية على حترمي ٍ‬
‫باستقالل ‪.‬‬
‫ويدل على ذلك أن الشرع ورد باألمر ‪ ،‬أو اإلذن جبملة من األعمال اليت فيها تغيري خللق اهلل تعاىل‬
‫كاخلتان ‪ ،‬وقطع يد السارق ‪ ،‬وثقب أذن األنثى ‪ ،‬واختاذ أنف بديل ملا قطع ‪ ،‬بل إن الكحل واخلضاب‬
‫باحلناء كلها من تغيري خلق اهلل تعاىل وهذا كله يصب يف تقوية ما أختاره الطربي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ومينع‬
‫عموم االستدالل باآلية حىت يثبت حترمي الفعل ّأوالً ليندرج بعد ذلك يف مدلوله ‪.‬‬
‫يفرق بني التغيري الباقي والتغيري الذي ال يزول فيحرم األول ويبيح الثاين ‪ ،‬إذ‬
‫وكثري من أهل العلم ّ‬
‫الذي يزول ورد اإلذن به يف اخلضاب واملمنوع يف النصوص كله مما ال يزول فجعل ذلك علة للمنع يف‬
‫مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬لعن اهلل الوامشات واملستومشات والنامصات واملتنمصات واملتفلجات‬
‫للحسن املغريات خلق اهلل )) متفق عليه ‪.‬‬
‫ويف جعله الدوام علة للمنع نظر ‪ ،‬بيانه أن الشرع جاء بتغيري ال يزول كقطع يد السارق ويد ورجل‬
‫احملارب وحنوها من أنواع التغيري الدائم ‪.‬‬
‫تفسري القرآن العظيم ص ‪. 1029‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫املفردات يف غريب القرآن ص ‪. 157‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫لسان العرب ( ‪ ) 6/344‬؛ وانظر ‪ :‬النهاية يف غريب احلديث ص ‪. 685‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫الشعر‬
‫كما أن ما جاء الشرع بالنهي عنه ليس كله من ما يدوم ‪ ،‬فالنمص ال يدوم أثره ‪ ،‬بل يعود ّ‬
‫املعول ليس هو الدوام ‪.‬‬
‫للنبات مرة أخرى ‪ ،‬وهذا يدل على أ ّن ّ‬
‫ولذا يضيف بعض أهل العلم علة أخرى ليكون مناط التحرمي علة مكونة من وصفني مها الدوام‬
‫وإرادة التحسني به واستشهد لذلك مبا جاء يف احلديث املتق ّدم ( املتفلجات للحسن ) ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن جعل التحسني مناطًا للتحرمي واملنع غري مناسب ؛ ألنّا نشهد من الشرع إباحة التزين‬
‫واألمر به ‪ ،‬فال يسوغ جعله علة للمنع والتحرمي ‪ ،‬وثقب إذن األنثى مباح مع أنّه تزيني دائم ‪.‬‬
‫وكل ذلك إمنا هو حماولة لتعدية احلكم ‪ ،‬مع أن اإلمام أمحد رمحه اهلل يبيح حلق احلاجب ومينع‬
‫(‪)1‬‬
‫وال جيعل إزالة الشعر من احلاجب بقصد التحسني ‪ ،‬وال استوائهما يف األثر سببًا للتحرمي وهذا‬ ‫نتفه‬
‫يدل على عدم فهم تعدية حكم املنصوص ملا عداه ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر يف شرحه للفظ املغريات خلق اهلل ‪ ( :‬هي صفة الزمة ملن يصنع الوشم والنمص‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫والتفليج )‬
‫ولذا فإ ّن ما ورد يف الشرع النهي عنه فيوقف عنده وال يتجاوز إال بدليل واضح ظاهر ‪.‬‬

‫‪ )3‬مجيع األعمال اليت يقوم هبا اإلنسان إما أن يريد هبا حفظ الضروريات أو مراعاة احلاجيات أو‬
‫التحسينيات ‪ .‬وبني هذه املراتب فرقًا ‪.‬‬
‫حدا خيشى فيه على نفسه اهلالك أو مقاربة‬ ‫فالضرورة شدة وضيق يف املرتبة القصوى حبيث يبلغ ً‬
‫صل‬
‫اهلالك ‪ ،‬بضياع مصاحلة الضروريّة ‪ .‬وإذا وجدت الضرورة فإن التحرمي يرتفع قال تعاىل ‪ { :‬وقد فَ ّ‬
‫حرم عليكم إال ما اضطررمت إليه } [ سورة األنعام ‪ . ] 119 :‬وهذا النص يقتضي وجود اإلباحة‬
‫لكم ما ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫بوجود الضرورة يف كل حال وجدت فيها ‪.‬‬
‫ّأما احلاجة فإهنا مرتبة متوسطة يف املش ّقة ولذا فإنّه ال يستباح هبا ما يستباح بالضرورة ‪ ،‬إال أ ّن احلاجة‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ .‬وأما‬ ‫تنزل منزلة الضرورة يف حق الشخص الواحد‬
‫عامة تتناول أكثر اخللق فإهنا ّ‬
‫إذا كانت ّ‬
‫التحسينات فهي دون ذلك ‪.‬‬

‫الشرح الكبري ( ‪. ) 1/263‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ( ‪. ) 10/385‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫أحكام القرآن للجصاص ( ‪. ) 1/147‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫شفاء الغليل للغزايل ص ‪ 246‬؛ األشباه والنظائر للسيوطي ص‪. 97‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪10‬‬
‫عرفها فقال ‪:‬‬‫وملا تناول الشاطيب أ ّن مقاصد الشريعة يف اخللق ال تعد وأن تكون ضروريّة أو حاجيّة ّ‬
‫فأما الضرورية فمعناها أهّن ا البد منها يف قيام مصاحل الدين والدنيا حبيث إذا فقدت مل جتر مصاحل الدنيا‬
‫" ّ‬
‫على استقامة ‪..‬‬
‫وأما احلاجيات فمعناها أهنا مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق املؤدي يف الغالب إىل احلرج‬ ‫ّ‬
‫تراع دخل على املكلفني على اجلملة احلرج واملش ّقة ‪ ،‬ولكنّه ال‬
‫واملش ّقة الالحقة بفوت املطلوب ‪ ،‬فإذا مل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫العامة "‬
‫يبلغ مبلغ الفساد العادي املتوقع يف املصاحل ّ‬
‫وبناء على هذا فال بد أن منيّز بني أنواع التصرفات واإلجراءات العالجيّة ‪ ،‬وما هتدف إليه ؛ إذ منها‬
‫واحلاجي ‪ ،‬ومنها ما هو دون ذلك ‪ ،‬فرياعى التخفيف يف أمور الضروريات واحلاجيات‬ ‫ّ‬ ‫الضروري ‪،‬‬
‫ّ‬
‫العامة ما ال يراعى يف غريها ‪.‬‬
‫ّ‬

‫فيهن وهو‬
‫‪َ ) 4‬ج َسد اإلنسان ملك هلل تعاىل كما قال تعاىل ‪ { :‬وهلل ملك السماوات واألرض وما ّ‬
‫يتصرف يف ملك مبا حيرمه مالكه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫على كل شي قدير } ‪ [ .‬املائدة ‪ . ] 120:‬وعليه فإنّه ال حيق ألحد أن ّ‬
‫وبناء على ذلك فال حيل للطبيب أن يباشر جسم املريض إال إذا كان سيعمل عمالً أذن به الشرع وال‬
‫يكفي إذن املريض ورضاه ‪ .‬قال ابن القيم ‪ " :‬فإنّه ال جيوز اإلقدام على قطع عضو مل يأمر اهلل ورسوله‬
‫بقطعه ‪ ،‬وال أوجب قطعه ‪ ،‬كما لو أذن له يف قطع أذنه أو أصبعه ‪ ،‬فإنّه ال جيوز له ذلك ‪ ،‬وال يسقط‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلمث عنه باإلذن " ‪.‬‬
‫عضوا من أعضائه ‪ ،‬وال أن‬ ‫ٍ‬
‫وقال ابن حزم ‪ " :‬واتفقوا أنّه ال حيل ألحد أن يقتل نفسه ‪ ،‬وال يقطع ً‬
‫(‪)3‬‬
‫خاصةً "‪.‬‬
‫يؤمل نفسه ‪ ،‬يف غري التداوي بقطع العضو األمل ّ‬

‫تضرر اإلنسان النفسي بنظرته الدونية لنفسه يف أمور‬


‫‪ )5‬وبناء على ما تقدم فإنّا نقول ‪ :‬إن جمرد ّ‬
‫يذكر‬
‫حمرما ‪ ،‬ولذا فقد ُ‬‫اجلمال وأوصافه ال يكفي الستباحة أي فعل حمرم عليه لكن بعد ثبوت كونه ً‬

‫املوافقات ( ‪. ) 11-2/8‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫حتفة املودود بأحكام املولود ص ‪. 136‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫مراتب اإلمجاع ص ‪. 157‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫بعض الباحثني حديث عرفجة بن أسعد أنّه قُطع أنفه يوم ال ُكالب ‪ ،‬فاختذ أن ًفا من َو ِرق فأننت عليه ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم فاختذ أن ًفا من ذهب ‪.‬‬
‫فعرفجة مل يتخذ أن ًفا من ذهب حلاجته للشم أو التنفس ؛ ألهنما حاصالت بدون وجود الربوز ‪ ،‬وإمنا‬
‫اختذه لتحسني املنظر وهذا يدل على مراعاة احلالة النفسيّة ‪.‬‬
‫حمرما لوجود الضرر النفسي ‪ ،‬بل فعله مباح أصالً ‪ ،‬وهذا‬ ‫وهذا غري صحيح ‪ ،‬أل ّن عرفجة مل يرتكب ً‬
‫احلديث يدل على جواز إصالح العيوب بالعمليات التجميليّة ‪ ،‬وال يدل على أن الضرر النفسي هو‬
‫املعيار يف اإلباحة ‪.‬‬
‫مع أن ضرر عرفجة رضي اهلل عنه غري ثابت أصالً ‪ ،‬فمن أين أخذ أنه أصابه ضرر نفسي سعى إلزالته‬
‫هبذا األنف ؟ ‪.‬‬
‫فإن الضرر النفسي واحلزن واهلم وإن كانت معتربة يف زيادة ثواب اإلنسان وتكفري سيئاته كما ورد يف‬
‫احلديث املرفوع ‪ ( :‬ما يصيب املؤمن من هم وال نصب وال وصب وال حزن حىت الشوكة يشاكها إال‬
‫(‪)2‬‬
‫كفر اهلل هبا من خطاياه ) ‪.‬‬
‫ومع أن الشرع راعاه مبنع تسبب اإلنسان يف إيذاء أخيه ما حيزنه ‪ ،‬لكنه غري معترب يف الشرع يف‬
‫ختفيف التكليف عن العبد ‪ ،‬وغري معترب يف استباحة ما حرم اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫سئل ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب منه مث رجع أخفى سكينة وقتل نفسه ‪.‬‬
‫فأجاب ‪ " :‬مل يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه ‪ ،‬بل كان عليه إذا مل‬
‫يفرج اهلل ‪ ،‬فإن كان سيّده ظلمه حىت فعل ذلك مثل أن يقرّت‬ ‫ميكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصرب إىل أن ّ‬
‫عليه يف النفقة أو يعتدى عليه يف االستعمال أو يضربه بغري حق فإن على سيّده من الوزر بقدر ما نسب‬
‫(‪)3‬‬
‫إليه يف املعصية "‪.‬‬
‫فالتكليف مناطه االستطاعة فمن قدر على امتثال األوامر والنواهي لزمته ‪ ،‬ولو كان فيها ما يكرهه‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أ ّن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وإذا هنيتكم عن شيء فاجتنبوه ) ‪.‬‬

‫سنن أيب داود ( ‪ ، ) 4232‬سنن الرتمذي ( ‪ ، ) 1691‬والنسائي ( ‪ ، ) 8/163‬وأمحد يف املسند ( ‪. ) 5/25‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5641‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 2573‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫جمموع الفتاوى ( ‪. ) 31/384‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 7288‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 1337‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪12‬‬
‫أحدا قد ال حيزن غريه ‪ ،‬ومقدار‬
‫كما أن الضرر النفسي واحلزن من األمور اليت ال تنضبط فما حيزن ً‬
‫احلزن ووقت حتققه وطريقة زواله متفاوتة بني الناس ومثل هذه األمور غري املنضبطة ال يعلّق الشرع عليها‬
‫أحكاما ‪.‬‬
‫ً‬
‫الص َور واألشخاص واألزمان واألحوال فإنه ال ميكن‬
‫فإهنا ( ما دامت خفيّة مضطربة خمتلفة باختالف ُّ‬
‫معرفة ما هو مناط احلكم إال بالبحث الشديد ‪..‬وحنن نعلم باالستقراء من ذات الشارع رد الناس يف مثل‬
‫هذا إىل املظان الظاهرة اجلليّة دفعاً للتخبيط ‪ ,‬وإزالة للتغليط ونفياً للحرج واملشقة والعسر والضرر ‪ ,‬أال‬
‫ترى أ ّن املش ّقة ملا مل تنضبط وخيتلف الناس فيها باختالف األشخاص واألحوال رد الشارع يف وجوب‬
‫(‪)1‬‬
‫الس َفر )‪.‬‬
‫القصر والفطر بسببها إىل مظنتها يف الغالب وهو َّ‬
‫ونبينا عليه الصالة والسالم تشهد سريته مبواقف َش ّدد فيها على التزام التكاليف الشرعية رغم ما‬
‫يشوهبا من ضرر نفسي ‪..‬‬
‫عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما قالت ‪ :‬جاءت امرأة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت ‪:‬‬
‫فتمرق شعرها ‪ ،‬أفأصله ؟ فقال ‪ :‬لعن اهلل الواصلة‬
‫يسا أصابتها حصبة ّ‬‫يا رسول اهلل إ ّن يل ابنةً عُّر ً‬
‫(‪)2‬‬
‫واملستوصلة )‪.‬‬
‫وعن أم سلمة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬جاءت امرأة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت يا رسول اهلل‬
‫إ ّن ابنيت تويف عنها زوجها وقد اشتكت عينها ‪ ،‬أفتكتحلُها ؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫( ال مرتني أو ثالثًا )‪.‬‬

‫هناية الوصول لصفي الدين اهلندي ( ‪. ) 8/3496‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5941‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 2122‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5336‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 1488‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫رابعا ‪ :‬حكم العمليات التجميليّة ‪:‬‬
‫ً‬
‫تق ّدم أن العمليات التجميليّة منها عمليات ال بد من إجرائها ومنها عمليات اختياريّة فالعمليات‬
‫عالجا ملرض ما ‪ ،‬أو للحاجة إليها ؛ َّ‬
‫فإن الباحثني املعاصرين جييزون‬ ‫التجميليّة اليت البد منها لتضمنها ً‬
‫(‪)1‬‬
‫إجراءها ومنهم من قيدها بشروط تشمل كل أنواع العمليات اجلراحيّة ‪.‬‬
‫ويستدل على جوازها بأهّن ا نوع من التداوي ‪ ،‬فهي إما عالج ملرض أو إصالح لعيب حمسوس‬
‫تابعا‬
‫قصدا أوليًا بل جاء التجميل ً‬
‫والتداوي مشروع ‪ ،‬كما أن هذه العمليات ال يقصد هبا التجميل ً‬
‫(‪)2‬‬
‫وأما العمليات العبثيّة املشوهة لإلنسان فهي ليست‬ ‫إلزالة الضرر ومعلوم أن التابع ال يفرد حبكم ‪.‬‬
‫جتميالً بل عبث وتشويه وهو حمرم ملا فيه من املثلة وطلب الشهرة ‪.‬‬
‫ّأما العمليات التجميليّة االختيارية ‪ ،‬واليت يطلق عليها ‪ :‬جراحة التجميل التحسينيّة فقد اختلف‬
‫املعاصرون فيها على اجتاهني ‪:‬‬
‫االجتاه األول ‪ :‬يرى املنع منها وحترميها ؛ أل ّن فيها تغيرياً خللق اهلل تعاىل ؛ وألنه قد وردت نصوص‬
‫تدل على منع الوشم والنمص والتفليج والوصل وذلك ملا فيها من تغيري طلبًا للتحسني وهذا املعىن‬
‫(‪)3‬‬
‫موجود يف هذه العمليات ‪ ،‬وملا فيها من غش وتدليس وأضرار ومضاعفات إىل غري ذلك من األدلة ‪.‬‬
‫االجتاه الثاين ‪ :‬يرى أن تبحث كل عملية جتميليّة لوحدها ‪ ،‬إذ من هذه العمليات ما دل الشرع على‬
‫حترميه واملنع منه ‪ ،‬ومنه ما ميكن قياسه عليها ‪ ،‬ومنها ما حبثه الفقهاء ساب ًقا أو ميكن خترجيه على أقواهلم‬
‫(‪)4‬‬
‫فال جتعل العمليات من هذا النوع كلها يف مرتبة واحدة ‪.‬‬
‫وال شك أن التفصيل أسعد بالقبول وأرجح ‪ ،‬وسبب ذلك أن الشرع مع هنيه عن الوشم والنمص‬
‫والوصل جاء باإلذن بأنواع من الزينة والتحسني كصبغ الشعر مثالً وهذا يدل على أن تعميم العلة مبنع‬
‫(‪)5‬‬
‫التحسني غري مقبول ‪ ،‬والعلّة مىت فُقد اطرادها َد ّل على إبطال عليتّها ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬أحكام اجلراحة الطبيّة ص ‪ 173‬؛ نقل وزراعة األعضاء ص ‪ 234‬؛ املسائل املستجدة د‪ .‬حممد النتشة (‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫‪. ) 2/260‬‬
‫انظر يف هذه القاعدة ‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي ص ‪ 130‬؛ والبن جنيم ص ‪ 120‬؛ قواعد الزركشي (‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫‪. ) 1/234‬‬
‫أحكام اجلراحة الطبيّة ص ‪ 183‬؛ نقل وزراعة األعضاء ص ‪. 242‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫أحكام جراحة التجميل د‪ .‬حممد عثمان شبري ضمن دراسات فقهية يف قضايا طبيّة معاصرة ( ‪ ) 2/524‬؛ فقه‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫القضايا الطبيّة املعاصرة ص ‪. 532‬‬


‫انظر ‪ :‬إرشاد الفحول ص ‪. 207‬‬ ‫(?)‬ ‫‪5‬‬

‫‪14‬‬
‫أيضا ‪ -‬ألنا نشهد من الشارع اعتبار قصد‬
‫والتعليل بقصد التحسني ال يصلح علةً للتحرمي ‪ً -‬‬
‫(‪)1‬‬
‫التحسني والتجميل ال املنع منه كما تقدَّم ‪.‬‬
‫مث إ ّن أهل العلم اختلفوا يف املعىن املمنوع يف النمص والوصل وحنوها ‪ ،‬فقيل ‪ُ :‬منع الوصل أل ّن فيه‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وقيل ألجل ما فيه من تدليس وخداع ‪.‬‬ ‫استعماالً جلزء آدمي‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وقيل يف النمص احملرم أن املراد به هو التربج والتزين لألجانب ‪ ،‬أو ما كان بدون إذن الزوج ‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أو للتدليس ‪ ،‬أو للتشبّه بالفاجرات ‪.‬‬
‫ومادام أن أهل العلم قد اختلفوا يف العلة اليت من أجلها ورد النهي ‪،‬مل يَ ُسغ بعد ذلك توحيد علة املنع‬
‫‪ ،‬مع ما تقدَّم من املراد بتغيري خلق اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫حرم بعض املعاصرين العمليات‬‫وكذلك فإن األضرار واملضاعفات والغش والتدليس اليت من أجلها ّ‬
‫التحسينيّة بإطالق ليست قاعدة مطردة يف كل العمليات التحسينيّة بل قد تقع يف هذه العمليات أحيانًا‬
‫وقد ال تقع ‪ ،‬وهي مع ذلك أمور خارجة عن نفس العمليات فيكون التحرمي هلا ال لنفس اجلراحة ‪ ،‬إال‬
‫إذا رافقتها ‪.‬‬
‫حكما يناسبه‬
‫ومن مجيع ما تقدَّم فإين أرى أ ّن االجتاه الثاين الذي جيعل لكل نوع من العمليات التحسينيّة ً‬
‫حسبما تدل عليه األدلّة ويبقى الباقي على أصل اإلباحة ‪ ،‬أوىل من تعميم األحكام على صور خمتلفة ‪.‬‬
‫ويشهد هلذه النتيجة ما ورد أ ّن املقداد بن األسود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كان عظيم البطن وكان له غالم‬
‫فشق بطنه مث خاطه ‪ ،‬فمات املقداد وهرب‬
‫رومي ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أشق بطنك فأخرج من شحمه حىت تلطف ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪)7‬‬
‫الغالم ‪.‬‬
‫وهذا نوع من العمليات التجميليّة التحسينيّة ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬املرجع السابق ص ‪. 218‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫الفتاوى اهلندية ( ‪. ) 5/358‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫مغين احملتاج ( ‪ ) 1/191‬؛ كشاف القناع ( ‪. ) 1/81‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫البحر الرائق ( ‪. ) 8/233‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫مغين احملتاج ( ‪. ) 1/191‬‬ ‫(?)‬ ‫‪5‬‬

‫اإلنصاف ( ‪. ) 1/126‬‬ ‫(?)‬ ‫‪6‬‬

‫نقله يف اإلصابة ( ‪ ) 6/161‬وقال ‪ :‬أخرجه يعقوب بن سفيان وابن شاهني من طريقه بسنده إىل كرمية زوج‬ ‫(?)‬ ‫‪7‬‬

‫املقداد ‪ ،‬به ‪ .‬ومل أجده يف كتاب املعرفة والتاريخ وإن كان حمققه قد ذكره من النصوص املنسوبة إىل الكتاب واليت مل جيدها‬
‫وأما كتاب ابن شاهني فلم أقف عليه ‪.‬‬
‫يف خمطوطته ّ‬
‫‪15‬‬
‫خامسا ‪ :‬ضوابط العمليات التجميليّة ‪:‬‬
‫ً‬
‫الضوابط اليت أتناوهلا اآلن شروط وقواعد تضبط العمليات التجميليّة عن االحنراف بارتكاب احملظور ‪،‬‬
‫فهي مىت روعيت عند إجراء العملية حفظتها عن الوقوع يف احملظور الشرعي ‪.‬‬

‫الضابط األول ‪ :‬أال تكون العمليّة محل نهي شرعي خاص ‪.‬‬
‫والنهي يستفاد بطريق النهي الصريح أو مبا يدل على إمث فاعله ‪ ،‬أو وعيده ‪.‬‬
‫وقد جاء الشرع بالنهي عن عدة إجراءات جتميليّة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -‬عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما قالت ‪ :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الواصلة‬
‫(‪)1‬‬
‫واملستوصلة ‪.‬‬
‫عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬لعن اهلل الواصلة‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واملستوصلة ‪ ،‬والوامشة واملستومشة ) ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬زجر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن تصل‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)3‬‬
‫املرأة برأسها شيًئا ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فهذه األحاديث تدل على حترمي الوصل ‪ ،‬وأنّه من املعاصي الكبرية ‪.‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫‪ -‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى عن القزع ‪ .‬فقيل لنافع ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وما القزع ؟ قال ‪ :‬حيلق بعض رأس الصيب ويرتك بعضه ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وهذا يدل على كراهة القزع للرجال والنساء ‪.‬‬
‫ومنها ‪:‬‬

‫تقدم خترجيه ‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5937‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 2124‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم ( ‪. ) 2125‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫فتح الباري ( ‪ ) 10/377‬؛ نيل األوطار ( ‪. ) 6/216‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح مسلم ( ‪. ) 1213‬‬ ‫(?)‬ ‫‪5‬‬

‫انظر ‪ :‬حتفة املودود بأحكام املولود ص ‪. 59‬‬ ‫(?)‬ ‫‪6‬‬

‫‪16‬‬
‫عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال تنتفوا‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشيب ) ‪.‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫‪ -‬عن عبد اهلل بن مسعود قال ‪ :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الوامشات واملستومشات‬
‫(‪)2‬‬
‫واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل ‪.‬‬
‫فهذا يدل على حترمي الوشم وتفليج األسنان والنمص ‪.‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫‪ -‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يلعن القاشرة واملقشورة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫وعنها أهنا كانت تقول ‪ :‬يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهذه تدل على منع قشر الوجه ‪ -‬لو صح احلديثان ‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫شرعي عام ‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫الضابط الثاني ‪ :‬أالّ تكون العملية محل نهي‬
‫وأقصد هبذا الضابط أن جواز العمليّة اجلراحية يستدعي السالمة من عدة حماذير هني الشرع عنها‬
‫أدخلها كلها يف هذا الضابط ‪.‬‬
‫فمنها ‪ :‬أن تشبّه الرجال بالنساء ‪ ،‬وتشبّه النساء بالرجال حمذور ‪.‬‬
‫مشبها للنساء يف خلقتهن وكذلك العكس ‪،‬‬‫فال جيوز للرجل أن جيري عملية جتميل حترفه ليكون ً‬
‫ومعلوم أن لكل من الذكر واألنثى خصائص جسديّة متيّزه عن اآلخر ‪.‬‬

‫سنن أيب داود ( ‪ ) 4/85‬؛ مسند أمحد ( ‪. ) 2/207‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 5939‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 2125‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫مسند اإلمام أمحد ( ‪ ) 6/250‬برقم ( ‪ ) 26128‬؛ قال اهليتمي ‪ :‬فيه من مل أعرفه ‪ .‬جممع الزوائد (‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫‪. ) 5/169‬‬
‫مسند اإلمام أمحد ( ‪ ) 6/210‬وسندمها ضعيف جلهالة آمنة بنت عبد اهلل وأم هنار حيث مل يوثقهما أحد ‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫للحديث شاهد أوجه الطرباين يف الدعاء ( ‪ ) 2159‬من طريق هشام بن سلمان اجملاشعي عن امرأته غفيلة عنها به وغفيلة غري‬
‫معروفة ‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املتشبهني من الرجال‬
‫(‪)1‬‬
‫بالنساء واملتشبهات من النساء بالرجال ‪.‬‬
‫وليس من هذا عمليات تصبح اجلنس حبيث يعود التوافق بني ظاهر الشخص وتركيبه الكرموسومي‬
‫وأعضائه التناسلية ‪ ،‬بل املراد هبذا العمليات اهلادفة إىل تغيري ظاهر الشخص ليشبه غري جنسه ومالحمه ‪.‬‬
‫غشا‬
‫تتضمن العمليّة ً‬
‫‪ -‬ومما وجدت بعض الباحثني يذكره ممّا يصلح أن يكون ضابطًا وهو ‪ :‬أالّ ّ‬
‫وتدليسا ‪.‬‬
‫ً‬
‫وال شك أن الغش ممنوع يف الشرع ؛ وقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬من غشنا فليس منا ) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ولكن إعمال هذا الضابط إمنا يكون يف املوضع الذي مينع فيه الغش والتدليس مثل من جيرى‬
‫جراحة للتن ّكر والفرار من العدالة ‪.‬‬
‫أو مثل الرجل أو املرأة قبل اخلطبة إذا أجريت هلم عملية توقيعيّة غري دائمة ‪ ،‬أما لو كانت آثار‬
‫اجلراحة دائمة فإنّه ال تدليس هنا ‪.‬‬
‫أحدا بذلك ‪ ،‬بل غاية‬‫وكذلك فال تدليس لو أجرت امرأة متزوجة عملية جتميليّة ‪ ،‬فإهّن ا لن تغش ً‬
‫التجمل يف نفسها وهو غري ممنوع ‪.‬‬ ‫عملها هو ّ‬
‫وذلك أن إخفاء احلقيقة إمنا متنع إذا ارتبط هبا َح ٌّق للغري ‪ ،‬وأما إذا مل يرتبط هبا حق للغري فال وجه‬
‫أمرا شخصيًا ‪.‬‬
‫لتحرمي إخفاء احلقيقة ؛ ألنه يعود ً‬
‫ومع ظهور هذا ‪ ،‬فإنه ميكن تأكيده مبا يذكره أهل العلم عند تعليلهم ملنع بعض األعمال ملا فيها‬
‫من التدليس قال خطايب ‪ ( :‬الواصالت هن للوايت يصلن شعور غريهن من النساء يردن بذلك طول‬
‫رخص فيها أهل العلم ‪ ،‬وذلك أ ّن‬‫زورا وكذبًا فنهي عنه ‪ّ ،‬أما القرامل فقد ّ‬ ‫الشعر ‪ ...‬فيكون ذلك ً‬ ‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الغرور ال يقع هبا ؛ أل ّن من نظر إليها مل يشك يف أ ّن ذلك مستعار )‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫صد به التلبيس على النساء فهو أشد يف املنع )‪.‬‬
‫وقال ابن جزي ‪ ( :‬ويكره نتف الشيب ‪ ،‬وإن قَ َ‬

‫صحيح البخاري ( ‪. ) 5885‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ( ‪. ) 1/99‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫معامل السنن ( ‪. ) 4/209‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫القوانني الفقهيّة ص ‪. 383‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪18‬‬
‫وال أرى جعل منع التدليس والغش ضابطًا ‪ ،‬لندرة حصوله ‪ ،‬وال يسوغ إن جيعل التحرز من‬
‫الصور النادرة ضابطًا لعدد كبري من اإلجراءات العالجيّة ‪.‬‬
‫ومما وقفت عليه مما يُذكر ضابطًا أالّ يكون بقصد التشبّه بالكافرين أو أهل الشر والفجور ‪.‬‬
‫وال إشكال أن التشبّه بالكفار مذموم يف الشرع ‪ .‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب‬
‫(‪)1‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬من تشبه ٍ‬
‫بقوم فهو منهم ) ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫شبيها بالكافر ‪ ،‬وذلك‬
‫وهذا ضابط صحيح ‪ ،‬لكين ال أعلم عمليّة جتميليّة ميكن أن جتعل املسلم ً‬
‫وأما قصد التشبّه من املريض بكافر معني ‪ ،‬فهذا يعود‬‫ألن كل عرق وجنس بشري فيه املسلم والكافر ّ‬
‫للمريض دون الطبيب ‪.‬‬
‫وعليه فإنّه ال يسوغ عمل جتميلي يقصد به املسلم التشبّه بالكافر ‪.‬‬

‫للتصور اإلسالمي للجمال ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الضابط الثالث ‪ :‬أن تكون خاضعةً‬
‫وصوركم‬
‫التصور اإلسالمي يؤمن بأن اهلل تعاىل خلق اإلنسان خلقة حسنة كما قال تعاىل ‪ّ ( :‬‬ ‫فهذا ّ‬
‫فأحسن صوركم ) [ غافر ‪. ] 64 :‬‬
‫ويؤمن كذلك أن اجلمال وإن تفاوت لكنه ليس كل شيء ‪ ،‬فال يعطى أكرب من قدره كما سبق‬
‫‪.‬‬
‫وهذا حيتم على الطبيب أن يكون له ذوقه يف مسألة اجلمال ‪ ،‬ومدى ما فات منها ‪ ،‬وحالة‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وهل شعوره بالنقص نتيجة لضعف يف تركيبته النفسية ‪ ،‬أو ملرض نفسي لديه َولّد عنده‬
‫عدم الرضا مبا ق ّدر اهلل عليه ‪ ،‬أو هو حقيقة تستحق العالج ‪.‬‬
‫وميكنين أشري إىل أمور ميكن للطبيب من خالل ترجيح إجراء العمل الطيب من عدمه ‪.‬‬
‫فمنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬هل للشكوى املراد إزالتها بالعمليّة أثر على صحة اإلنسان مثل ‪ :‬أمل الظهر ‪ ،‬أو آثار السمنة‬
‫‪.‬‬
‫عالجا ‪.‬‬
‫‪ -2‬هل هي ناجتة عن حادث استدعى ً‬
‫‪ -3‬هل املراد تغيريه خيالف اخللقة املعهودة يف اإلنسان ‪.‬‬
‫‪ -4‬هل يزول تضرر املريض وشكواه مبجرد العمليّة ‪.‬‬

‫سنن أيب داود ( ‪ ) 5312‬؛ مسند أمحد ( ‪ ) 2/50‬بإسناد جيّد ‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -5‬مدى احلاجة هلا ‪ -‬مثل عمليات شد البطن أو شفط الدهون عند وجود الرتهل الشديد ‪. -‬‬
‫‪ -6‬عمر املريض وجنسه ‪.‬‬
‫‪ -7‬هل للشكل املراد تغيريه آثار سلبيّة على حياة املريض أم ال ‪.‬‬
‫‪ -8‬هل ميكن إزالة شكوى املريض بغري اجلراحة ‪.‬‬
‫وعند تأمل مثل هذه اجلوانب يتبنّي للطبيب هل جيري اجلراحة أم أن طلب املريض إمنا هو حماولة‬
‫جسدي مبالغ فيه ‪ ،‬أو نتيجة ضعف يف الشخصيّة‬
‫ّ‬ ‫إلشباع نزعة غرور تعرتيه بالتطلّع إىل حتسني‬
‫فهذه ال ينبغي إجراء العمل هلم ألن شكواهم لن تزول بزوال العيب الظاهر ‪ ،‬بل هم حباجة‬
‫للعالج اإلمياين والنفسي ‪.‬‬

‫عموما وهي الضوابط اآلتية ‪:‬‬


‫الضابط الرابع ‪ :‬أن يتحقق فيها ضوابط األعمال الطبيّة ً‬

‫‪ -1‬أن يغلب على الظن جناحها ‪.‬‬


‫وذلك أن كل إجراء طيب يشرتط فيه أن تكون نسبة النجاح أكرب من نسبة عدم النجاح ‪ ،‬وإال‬
‫صار العمل عبثًا ‪ ،‬وكل عاقل فإنّه ال يقدم على عمل إال بعد أن يغلب على ظنّه جناحه وحصول النفع‬
‫به ‪.‬‬
‫وقد تقدم أن جسد اإلنسان ملك هلل تعاىل ‪ ،‬فال حيق ألحد أن يقدم تصرف فيه إال مبا يغلب على‬
‫وموضعا للعبث ‪.‬‬
‫ً‬ ‫الظن حصول املقصود منه ‪ ،‬وإال صار جسد اإلنسان حمالً للتجارب ‪،‬‬
‫وكل إجراء ال يغلب على الظن جناحه فهو عبث وإفساد وإضاعة وقت ومال ‪.‬‬
‫قال العز بن عبد السالم ‪ " :‬االعتماد يف جلب مصاحل الدارين ‪ ،‬ودرء مفاسدمها على ما يظهر يف‬
‫يتصرفون بناء على حسن الظنون ‪ ،‬وإمنا اعتمد عليها ألن الغالب‬ ‫الظنون ‪ .. ،‬وكذلك أهل الدنيا إمّن ا ّ‬
‫صدقها عند قيام أسباهبا ‪ ،‬فإ ّن التجار يسافرون على ظَ ّن أهّن م يرحبون ‪ ..‬واملرضى يتداوون لعلهم‬
‫(‪)1‬‬
‫يُشفون ويربؤون " ‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يأذن هبا املريض ‪.‬‬

‫قواعد األحكام يف مصاحل األنام ( ‪. ) 1/6‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫‪20‬‬
‫يتصرف يف جسم إنسان آخر بغري إذنه ؛ فإنّه اعتداء عليه ؛ قال تعاىل ‪:‬‬ ‫ال حيق ألي إنسان أن ّ‬
‫حيب املعتدين }‪ [ .‬البقرة ‪. ] 190 :‬‬
‫{ وال تعتدوا إ ّن اهلل ال ّ‬
‫وعن أيب بكرة رضي اهلل عنه أ ّن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يف خطبته يوم النحر مبىن ‪َّ ( :‬‬
‫إن‬
‫(‪)1‬‬
‫دماءكم وأموالكم عليكم حرام ‪ ،‬كحرمة يومكم هذا يف شهركم هذا يف بلدكم هذا ) ‪.‬‬
‫يتصرف يف ملك الغري بال إذن ‪ ،‬ومنافع اإلنسان وأطرافه‬ ‫ٍ‬
‫وقد قرر الفقهاء أنّه ال جيوز ألحد أن ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حق له ‪.‬‬
‫ويدل على ذلك ما روت عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ ( :‬لددنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يف مرضه فجعل يشري إلينا أن ال تلدوين ‪ ،‬فقلتا ‪ :‬كراهية املريض للدواء ‪ ،‬فلّما أفاق قال ‪ :‬أمل أهنكم‬
‫(‪)3‬‬
‫أن تلدوين ؛ ال يبقى أح ٌد يف البيت إالّ لُ َّد ) ‪.‬‬
‫فقد عاقب صلى اهلل عليه وسلم من داوه بعد هنيه عن ذلك ‪ ،‬والعقوبة ال تكون إال بسبب‬
‫( ‪)4‬‬
‫ضروري إلجراء التداوي فإذا رفض التداوي فله احلق يف ذلك‬
‫ّ‬ ‫يوضح أ ّن إذن املريض‬
‫‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫تعد‬
‫ٍّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬ويكون إجباره على التداوي تعديًا ‪.‬‬

‫مؤهالً ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الطبيب ّ‬
‫قال ابن القيم ‪ ( :‬إذا تعاطي علم الطب وعمله ‪ ،‬ومل يتقدم له به معرفة ‪ ،‬فقد هجم جبهله‬
‫بالتهور على ما مل يعلمه ‪ ..‬قال اخلَطّايب ‪ :‬ال أعلم خالفًا يف أن املعاجل‬
‫على إتالف األنفس ‪ ،‬وأقدم ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫متعد )‪.‬‬
‫علما وعمالً ال يعرفه ٍّ‬
‫إذا اعتدى ‪ ،‬فتلف املريض كان ضامنًا ‪ ،‬واملتعاطي ً‬
‫(‪)7‬‬
‫حتل له املباشرة مع جهلة ولو ُأذن له ) ‪.‬‬
‫وقال ابن مفلح عن الطبيب ‪ ( :‬ال ّ‬

‫صحيح البخاري ( ‪ ) 1740‬؛ صحيح مسلم ( ‪. ) 1679‬‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫شرح القواعد الفقهيّة للشيخ أمحد الزرقا ص ‪. 463‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫ب يف أحد جانيب فم املريض ‪.‬‬


‫صّ‬ ‫صحيح البخاري (‪ ) 5712‬؛ صحيح مسلم ( ‪ ) 2213‬؛ واللدود ‪ :‬دواء يُ َ‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم ( ‪. ) 4/199‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫انظر تفصيل اإلذن وأحكامه يف حبثنا اإلذن يف إجراء العمليات الطبيّة أحكامه وأثره ‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪5‬‬

‫زاد املعاد ( ‪. ) 4/139‬‬ ‫(?)‬ ‫‪6‬‬

‫اآلداب الشرعية واملنح املرعيّة ( ‪. ) 2/474‬‬ ‫(?)‬ ‫‪7‬‬

‫‪21‬‬
‫واملتطبب اجلاهل يشمل من مل حيسن الطب ومل ميارس العالج أصالً ‪ ،‬ومن عنده إملام بسيط يعلم‬
‫ختصص‬
‫الطب ال يؤهله ملمارسته ‪ ،‬ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب مث يقدم على املمارسة يف ّ‬
‫غريه ‪.‬‬
‫ففي كل هذه احلاالت يكون املعاجل متطببًّا جاهالً ‪.‬‬
‫وهؤالء ال حيل هلم أن يباشروا أي إجراء عالجي على أبدان املرضى ‪ ،‬لفقدهم شرط اجلواز وهو‬
‫املعرفة بالطب ‪.‬‬

‫‪ -4‬أالّ يرتتب عليها ضرر أكرب ‪.‬‬


‫مبىن الشريعة اإلسالمية على جلب املصاحل ودرء املفاسد ‪.‬‬
‫وإذا تعارضت املصاحل واملفاسد ‪ :‬فإن أمكن حتصيل املصاحل ودرء املفاسد فهو املطلوب ‪ ،‬وإن مل‬
‫ميكن حتصيل املصلحة إال بارتكاب مفسدة فينظر يف الغالب منهما ‪.‬‬
‫حرم اخلمر وامليسر مع أن فيهما منفعة ‪ ،‬ألن مفسدهتما أكرب قال تعاىل ‪ { :‬يسألونك‬ ‫فاهلل تعاىل ّ‬
‫عن اخلمر وامليسر قل فيهما إمث كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب من نفعهما } [ سورة البقرة ‪.] 219 :‬‬
‫فالبد للطبيب قبل إجراء عمل جتميلي أن يقارن بني اآلثار السلبيّة املرتتبة على عمله وبني األضرار‬
‫املرتتبة على عدم التدخل العالجي ‪ ،‬واملصلحة املرتتبة عليه ‪.‬‬
‫ولألضرار أنواع فمنها ‪ :‬شلل الوجه وتلف عصب الوجه يف عمليات شد اجلبني ‪ ،‬أو التواء الذكر‬
‫يف عمليات إصالح املبال التحتاين ‪.‬‬
‫ومنها الضرر النفسي واالكتئاب املصاحب لعدم اقتناعه بنتيجة العمليّة وأثرها ‪.‬‬

‫‪ -5‬مراعاة أحكام كشف العودة ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫العودة هي ما أوجب اهلل تعاىل سرته من جسد اإلنسان ‪ ،‬وحيرم النظر إليه ‪.‬‬
‫واستلهاما من مقاصده وعوائده ‪ -‬أنّه‬
‫ً‬ ‫وقد قرر أهل العلم ‪ -‬استباطًا من نصوص الشرع وقواعده ‪،‬‬
‫يسوغ كشف العورات عند مجلة من أنواع الضرورات ‪ ،‬ومنها املداواة ‪.‬‬

‫حواشي اإلقناع ( ‪ ) 1/174‬؛ مغين احملتاج ( ‪ . ) 1/185‬وانظر يف تفصيل ما يتعلق هبده املسألة حبثنا ‪ :‬حفظ‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫الصحي ‪.‬‬
‫العورات كواجب على العاملني يف القطاع ّ‬
‫‪22‬‬
‫حرم عليكم إالّ ما‬
‫صل لكم ما ّ‬
‫وذلك أل ّن كل حمرم يباح عند االضطرار كما قال تعاىل ‪ { :‬وقد فَ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اضطررمت إليه }‪ [ .‬األنعام ‪ . ] 119 :‬واحلاجة تُنـََّزل منـزلة الضرورة ‪.‬‬
‫قال يف الشرح الكبري ‪ ( :‬وللطبيب النظر إىل ما تدعو احلاجة إىل نظره إليه من بدهنا من العورة‬
‫(‪)2‬‬
‫وغريها ‪ ،‬ألنّه موضع حاجة )‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ولكن قاعدة إباحة احملرم بعلّة االضطرار مقيدة بقاعدة أخرى وهي أ ّن الضرورة تقدَّر بقدرها ‪،‬‬
‫يرتخص بقدر ما تندفع الضرورة وتنتهي احلاجة ‪.‬‬ ‫يتوسع يف احملظور ‪ ،‬وإمنّا ّ‬
‫فال ّ‬
‫وعليه فإين ال أرى أن للطبيب إجراء عمليات جتميل تتضمن كشف عورة مغلظة إال إذا كانت من‬
‫العمليات احملتاج هلا دون العمليات التحسينية احملضة ‪.‬‬
‫إن مجيع ما سبق إمنا هو عرض لبعض العالمات واملنارات اليت ميكن للطبيب االستفادة منها يف‬
‫تقومي مدى مشروعيّة إجراء األعمال التجميليّة بشكل عام ‪.‬‬
‫وإن فيما سبق عن عرض دليل على صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان كيف ال وهي‬
‫دين رب العاملني ‪.‬‬
‫وفيه دليل على عناية اإلسالم باجلمال الذي هو من مسات ما خلق اهلل يف الكون ( فاهلل مجيل حيب‬
‫(‪)4‬‬
‫اجلمال )‪.‬‬

‫بن جنيم ‪. 85‬‬


‫األشباه والنظائر للسيوطي ‪ ، 84‬وال ّ‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫( ‪. ) 20/44‬‬ ‫(?)‬ ‫‪2‬‬

‫األشباه والنظائر للسيوطي ص ‪. 84‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح مسلم ( ‪. ) 91‬‬ ‫(?)‬ ‫‪4‬‬

‫‪23‬‬
24

You might also like