Professional Documents
Culture Documents
مكتبة نور الضوابط الشرعية للعمليات التجميلية
مكتبة نور الضوابط الشرعية للعمليات التجميلية
أعدها
د /هاني بن عبد هللا بن محمد الجبير
1
بسم اهلل الرمحن الرحيم
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ،وعلى آله وصحبه
أمجعني .أما بعد :
فإن من روائع اإلعجاز يف ديننا اإلسالمي ،ومن آيات عمومه وخلوده أنّه مل يدع جانبًا من
جوانب احلياة اإلنسانية إالّ كان له فيه موقف .
وعالجا ،
ً والتجمل ،استطبابًا
ّ وإن من مجلة ما حدد قيوده ،وبنّي موقفه منه ،ما يتعلّق بالزينة
حرصا منه على مصلحة البشر ،وحتقيق التوازن لديهم ،لئال تنطلق غرائزهم على خالف مقتضى ً
املصلحة .
ولقد كانت دعوة كرمية أن أكتب ورقة علمية بعنوان ( :الضوابط الشرعيّة للعمليات التجميليّة
خريا .
) لتق ّدم يف الندوة املعنونة بـ ( العمليات التجميليّة بني الشرع والطب ) .فجزى اهلل القائمني عليها ً
وقد جاءت هذه الورقة يف مخس فقرات أساسية ،كانت خامتتها عرض لثمانية ضوابط هلذه
العمليات .
أسأل اهلل تعاىل أن ينفع هبا وأن جيعلها خالصة لوجهه الكرمي ،إنه ويل ذلك والقادر عليه .
2
ّأوالً :مفهوم العمليات التجميليّة :
العمليات :مجع عمليّة .
()1
والعمليّة لفظ مشتق من العمل ،وهو عام يف كل فعل يفعل .
خاصا ،يقال :عملية جراحية ،أو حربيّة .
أثرا ًّ
والعمليّة كلمة حمدثة تطلق على مجلة أعمال حتدث ً
()2
()3
والتجميل :هو التحسني .
وقد عرفت العمليات التجميليّة بأهنا :جمموعة العمليات اليت تتعلّق بالشكل واليت يكون الغرض
()4
منها عالج عيوب طبيعيّة أو مكتسبة يف ظاهر اجلسم البشري .
وعرفت جراحة التجميل بأهنا :جراحة جترى لتحسني منظر جزء من أجزاء اجلسم الظاهرة ،أو
()5
وظيفته إذا طرأ عليه نقص أو تلف أو تشويه .
التشوهات اخللقيّة ،أو النامجة عن احلوادث
وعرف بأهنا :فن من فنون اجلراحة يرمى إىل تصحيح ّ
()6
املختلفة .
()7
وعرفت بإصالح أو إعادة تشكيل أجزاء معطوبة من اجلسم .
والتعريفات السابقة متقاربة املدلول ظاهرة املعىن وهي تدل على أن العمليات التجميليّة جمموعة
أعمال يقوم هبا طبيب خمتص تتعلق بتحسني الشكل سواء كان يرافقه إصالح خلل يف وظيفة العضو أو
لتشوه خلقي أو ناتج عن حادث ،أو لتغيري املنظر ،أو استعادة مظهر
ال ،وسواء كان التحسني ّ
الشباب .
وعلى هذا فإ ّن األعمال اليت ال يقوم هبا األطباء من أنواع الزينة ال تدخل يف هذا البحث .
فقه القضايا الطبية املعاصرة .أ.د .علي احملمدي ص . 530 (?) 4
3
الصحة أو حفظها دون مراعاة حتسني
كما ال يدخل يف حبثنا األعمال الطبيّة املنصبة على استعادة ّ
الشكل .
وال فرق يف العمليات التجميليّة بني أن تتم باجلراحة أو بدوهنا .
تتضمن
ويطلق على هذا النوع من العمليات :العمليات التقومييّة وإعادة البناء والرتميم ؛ ألهنا ّ
إصالح وإعادة تشكيل أجزاء من اجلسم .
السكري ص 23؛ أحكام اجلراحة الطبية انظر يف تقسيم العمليات :نقل وزراعة األعضاء اآلدمية .عبد السالم ُّ (?) 1
.حممد املخت ار الش نقيطي ص 183؛ املوس وعة الطبيّة احلديثة ( ) 3/455؛ فقه القض ايا الطبيّة املعاص رة ص . 530وقد
اخرتت هذه التعبريات لكي ال تتداخل مع التعبريات الفقهيّة ذات املدلول اخلاص .
4
-13تصحيح كسور الوجه ( بسبب احلوادث مثالً ) .
تشوه حادث أو
دافعا صحيًّا أو أهنا إلصالح ّ
وغريها من أنواع العيوب اليت جيمعها ويضبطها أن هلا ً
عيب خيالف أصل خلقة اإلنسان أو صورته املعهودة .
)2عمليات اختياريّة ،ال داعي إلجرائها سوى رغبة املريض ،فهي عمليات هتدف لتحسني املظهر ،
تشوه ،بل لتحقيق منظر أحسن وأمجل ،أو هتدف لتجديد الشباب وإزالة مظاهر ال لوجود عيب أو ّ
الشيخوخة .
ومن أمثلة هذه العمليات :
-1إزالة الشعر وزرعه .
-2تقشري البشرة .
-3شد اجلبني ورفع احلاجبني .
-4شد الوجه والرقبة .
-5حقن الدهون ( غري ما سبق ) .
-6شفط الدهون ( غري ما سبق ) .
تكبريا .
تصغريا أو ً
ً -7جتميل األنف
-8جتميل الذقن .
تصغريا .
ً تكبريا أو
-9جتميل الثديني ً
وغريها من أنواع العمليات اليت جيمعها أهنا ال دافع هلا سوى إنزعاج املريض من مظهره ورغبته يف
إصالحه إىل مستوى مقبول لديه .
)3عمليات اختياريّة تتضمن شكل اإلنسان وهيئته اخلارجية ليشبه بعض احليوانات أو غريها مما هو
تشويه للشكل مثل شق اللسان ،وتركيب األنياب الضخمة وغريها .
5
ثالثًا :مقدمات وقواعد أساسيّة :
)1خلق اهلل تعاىل اإلنسان على صورة حسنة ،وإن تفاوت احلسن بني الناس كما قال تعاىل { :لقد
خلقنا اإلنسان يف أحسن تقومي } [ .سورة التني ] 4 :قال ابن كثري ( :هذا هو املقسم عليه -أي يف
سوي األعضاء حسنهاالسورة -وهو أنّه تعاىل خلق اإلنسان يف أحسن صورة وشكل ،منتصب القامة ّ
()1
. )
لآلدمي ،وهذا ال مينع تفاوت
ّ فكل إنسان فهو خملوق خلقة حسنة ،ما دام على اخللقة املعهودة
قصة
البشر يف احلسن فمنهم من أويت من اجلمال واحلسن أكثر مما أويت غريه فقد حكى اهلل تعاىل لنا ّ
بشرا إن هذا إال
يوسف عليه السالم وأن النسوة ملا رأينه { أكربنه وقطعن أيديهن وقلن حاش هلل ما هذا ً
ملك كرمي } [ .سورة يوسف . ] 31 :
أي قلن هلا :ما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا ،ألهنن مل يرين يف البشر شبهه وال قريبًا منه
،فإنه عليه السالم كان قد أعطي شطر احلسن كما ثبت ذلك يف احلديث الصحيح يف حديث اإلسراء .
()2
وهذا التفاوت املوجود بني بين البشر ختضع املفاضلة فيه بني أفراده أيهم أكثر مجاالً إىل أذواق الناس
مستسمجا عند غريه ،فليس ميزان
ً قبيحا
مستملحا عند أحد فإنه قد يكون ً
ً املتفاوتة ،فمن كان مجيالً
واحدا بني الناس ومن هنا تفاوتت تعاريفهم للجمال .
اجلمال ً
وهذا أمر مستقر يف النفوس ال حيتاج إىل دليل .
وذلك أن اجلمال يدرك بالبداهة بغري تفكري ،وإذا كانت البديهة هي املوكلة باجلمال -ال الذهن -
()3
فمن العسري أن توضع له القواعد احلامسة وترسم له احلدود القاطعة كالقضايا الذهنية .
وحسن املظهر البدين ال يشغل عن مسات اجلمال األخرى ومظاهره املغايرة ، وكذلك فإن مجال اجلسد ُ
التذوق جلمال اجلسد والعناية به مساحة أكرب مما ينبغي أثر ذلك على بقيّة أهداف احلياة
فحني يأخذ ّ
وألوان اجلمال فيها .
6
ض النيب صلى اهلل عليه وسلم على اختيار مجيلة الروح ولو على حساب نصيبها من اجلمال ولذا َح ّ
اجلسدي فقال ( :تنكح املرأة ألربع :ملاهلا ،وحلسبها ،وجلماهلا ،ولدينها ،فاظفر بذات الدين تربت
()1
يداك ) .
وبني أ ّن العربة به عند اهلل سبحانه فقال ( :إ ّن اهلل ال ينظر إىل أجسادكم وال إىل صوركم ،ولكن
()2
ينظر إىل قلوبكم ) .
توعد أن يضل بين آدم حبملهم على أمور منها تغيري خلق اهلل تعاىل )2أخرب اهلل تعاىل أن الشيطان ّ
كما يف قوله { :وآلمرهنم فليغري ّن خلق اهلل } [ .سورة النساء . ] 119 :
ذما لتغيري خلق اهلل تعاىل .
والشك أن يف هذا ًّ
وقد تنوعت عبارات السلف يف تفسري هذا التغيري على أقوال :
األول :أنه تغيري دين اهلل الذي خلق الناس وفطرهم عليه .
الثاين :أ ّن املراد به اخلصاء .
الثالث :أنّه الوشم .
الرابع :أنّه عبادة الشمس والقمر واحلجارة اليت خلقها اهلل تعاىل لالعتبار واالنتفاع هبا فعريها
()3
الكفار وجعلوها معبودة .
وليس بني هذه األقوال تضارب وال اختالف ،فإ ّن من طريقة السلف يف التفسري :التعبري عن املراد
باآلية بذكر أحد أفراد املعىن ،دون إرادة حصر املعىن فيه .
ويف هذا يقول ابن تيمية .. ( :يقع يف عباراهتم تباين يف األلفاظ حيسبها من ال علم عنده اختالفًا ،
فيحكيها أقواالً ،وليس كذلك ،فإ ّن منهم من يعرّب عن الشيء بالزمه أو نظريه ،ومنهم من ينص على
()4
الشيء بعينه ،والكل مبعىن واحد يف كثري من األماكن فليتفطن اللبيب لذلك ) .
انظر :زاد املسري يف التفسري البن اجلوزي ص 327؛ اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ( ) 5/391؛ (?) 3
7
ولذا اختار الطربي املعىن األول لآلية إذ يقول ( :وأوىل األقوال بالصواب يف تأويل ذلك قول من
قال معناه دين اهلل وذلك لداللة اآلية األخرى على أ ّن ذلك معناه وهي قوله { :فطرة اهلل اليت فطر
الناس عليها ال تبديل خللق اهلل ذلك الدين القيّم } [ .سورة الروم ] 30 :وإذا كان ذلك معناه دخل يف
ذلك فعل كل ما هنى اهلل عنه من خصاء ما ال جيوز خصاؤه ،ووشم ما هني عن ومشه ،ووشره ،وغري
ك أنه يدعو إىل مجيع معاصي ذلك من املعاصي ودخل فيه ترك كل ما أمر اهلل به ،ألن الشيطان ال َش ّ
()1
اهلل وينهى عن مجيع طاعته ) .
فيكون معىن اآلية َّ :
أن الشيطان يأمرهم بالكفر ،وتغيري فطرة اإلسالم اليت خلقهم اهلل عليها وأن
معىن قوله تعاىل { :فأقم وجهك للدين حني ًفا فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل } أي
()2
ال تبدلوا فطرة اهلل اليت خلقكم عليها بالكفر .
وبيانه أكثر يتضح مبعرفتنا ملعىن اخللق ،ومعىن التغيري .
فاخللق قد يراد به خملوق اهلل كما يف قوله تعاىل { :ما ترى يف خلق الرمحن من تفاوت } [ سورة امللك
] 3 :أي :هو مست ٍو ال اختالف فيه وال نقص وال عيب .
وكقوله تعاىل { :هذا خلق اهلل فأروين ماذا خلق الذين من دونه } [ .سورة لقمان . ] 11 :
ويأيت اخللق مبعىن التقدير كما يف قوله تعاىل { :خيلقكم يف بطون أمهاتكم خل ًقا من بعد خلق يف
ظلمات ثالث } [ .سورة الزمر ] 6 :أي :ق ّدركم يف بطون أمهاتكم .
ويأيت اخللق مبعىن الفطرة اليت خلق اهلل تعاىل عليها عبادة كقوله تعاىل { :فأقم وجهك للدين حني ًفا
فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل } [ .سورة الروم . ] 30 :
قال ابن كثري ( :أي :فس ّدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه اهلل لك ..وأنت مع ذلك
الزم فطرتك السليمة اليت فطر اهلل اخللق عليها ،فإنه تعاىل فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنّه ال إله
غريه ،ويف احلديث (( :إين خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطني عن دينهم )) .
وقوله تعاىل { :ال تبديل خللق اهلل } قال بعضهم :معناه ال تبدلوا خلق اهلل فتغريوا الناس عن فطرهتم
خربا مبعىن الطلب وهو معىن حسن صحيح ،وقال آخرون :هو خرب على اليت فطرهم اهلل عليها فيكون ً
بابه ومعناه أنه تعاىل ساوى بني خلقه كلهم يف الفطرة على اجلبلة املستقيمة ،ال يولد أحد إال على ذلك
..وهلذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبري وجماهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد يف
8
قوله { :ال تبديل خللق اهلل } أي لدين اهلل قال وقال البخاري :قوله { :ال تبديل خللق اهلل } لدين اهلل
()1
،خلق األولني :دين األولني ،الدين والفطرة واإلسالم ) أ.هـ
وهذا التفسري وارد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حديث الفطرة :ما من مولود يولد إال على
الفطرة مث قرأ اآلية .متفق عليه .
وقال الراغب ( اخللق :أصله التقدير ،ويستعمل يف إبداع الشيء من غري أصل ..ويستعمل يف إجياد
الشيء من الشيء ..وقوله { :وآلمرهنم فليغرين خلق اهلل } قيل :إشارة إىل ما يشوهونه من اخللقة
()2
باخلصاء ونتف اللحية وما جيري جمراه ،وقيل :معناه يغريون حكمه ) .
حتول الشيء عن صفته حىت يكون كأنه شيء آخر ،ويطلق على اإلزالة .
وأما التغيري فيطلق على ّ
ّ
()3
. قال يف لسان العرب ( :تغيري الشيب يعين :نتفه ،فإ ّن تغيري لونه قد ََأمر به ) .
وعلى هذا فليس يف اآلية دليل على حترمي جمرد تغيري خلق اهلل تعاىل ،بل فيها بيان أن مجيع ما هنى اهلل
ورسوله صلى اهلل عليه وسلم عنه فالشيطان يأمر به .
تتفرد دليالً على التحرمي
عمل ،إال بعد ثبوت أنّه حمرم ،وال ّوبذلك ال يستدل باآلية على حترمي ٍ
باستقالل .
ويدل على ذلك أن الشرع ورد باألمر ،أو اإلذن جبملة من األعمال اليت فيها تغيري خللق اهلل تعاىل
كاخلتان ،وقطع يد السارق ،وثقب أذن األنثى ،واختاذ أنف بديل ملا قطع ،بل إن الكحل واخلضاب
باحلناء كلها من تغيري خلق اهلل تعاىل وهذا كله يصب يف تقوية ما أختاره الطربي -رمحه اهلل -ومينع
عموم االستدالل باآلية حىت يثبت حترمي الفعل ّأوالً ليندرج بعد ذلك يف مدلوله .
يفرق بني التغيري الباقي والتغيري الذي ال يزول فيحرم األول ويبيح الثاين ،إذ
وكثري من أهل العلم ّ
الذي يزول ورد اإلذن به يف اخلضاب واملمنوع يف النصوص كله مما ال يزول فجعل ذلك علة للمنع يف
مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم (( :لعن اهلل الوامشات واملستومشات والنامصات واملتنمصات واملتفلجات
للحسن املغريات خلق اهلل )) متفق عليه .
ويف جعله الدوام علة للمنع نظر ،بيانه أن الشرع جاء بتغيري ال يزول كقطع يد السارق ويد ورجل
احملارب وحنوها من أنواع التغيري الدائم .
تفسري القرآن العظيم ص . 1029 (?) 1
لسان العرب ( ) 6/344؛ وانظر :النهاية يف غريب احلديث ص . 685 (?) 3
9
الشعر
كما أن ما جاء الشرع بالنهي عنه ليس كله من ما يدوم ،فالنمص ال يدوم أثره ،بل يعود ّ
املعول ليس هو الدوام .
للنبات مرة أخرى ،وهذا يدل على أ ّن ّ
ولذا يضيف بعض أهل العلم علة أخرى ليكون مناط التحرمي علة مكونة من وصفني مها الدوام
وإرادة التحسني به واستشهد لذلك مبا جاء يف احلديث املتق ّدم ( املتفلجات للحسن ) .
واحلقيقة أن جعل التحسني مناطًا للتحرمي واملنع غري مناسب ؛ ألنّا نشهد من الشرع إباحة التزين
واألمر به ،فال يسوغ جعله علة للمنع والتحرمي ،وثقب إذن األنثى مباح مع أنّه تزيني دائم .
وكل ذلك إمنا هو حماولة لتعدية احلكم ،مع أن اإلمام أمحد رمحه اهلل يبيح حلق احلاجب ومينع
()1
وال جيعل إزالة الشعر من احلاجب بقصد التحسني ،وال استوائهما يف األثر سببًا للتحرمي وهذا نتفه
يدل على عدم فهم تعدية حكم املنصوص ملا عداه .
وقال ابن حجر يف شرحه للفظ املغريات خلق اهلل ( :هي صفة الزمة ملن يصنع الوشم والنمص
()2
. والتفليج )
ولذا فإ ّن ما ورد يف الشرع النهي عنه فيوقف عنده وال يتجاوز إال بدليل واضح ظاهر .
)3مجيع األعمال اليت يقوم هبا اإلنسان إما أن يريد هبا حفظ الضروريات أو مراعاة احلاجيات أو
التحسينيات .وبني هذه املراتب فرقًا .
حدا خيشى فيه على نفسه اهلالك أو مقاربة فالضرورة شدة وضيق يف املرتبة القصوى حبيث يبلغ ً
صل
اهلالك ،بضياع مصاحلة الضروريّة .وإذا وجدت الضرورة فإن التحرمي يرتفع قال تعاىل { :وقد فَ ّ
حرم عليكم إال ما اضطررمت إليه } [ سورة األنعام . ] 119 :وهذا النص يقتضي وجود اإلباحة
لكم ما ّ
()3
بوجود الضرورة يف كل حال وجدت فيها .
ّأما احلاجة فإهنا مرتبة متوسطة يف املش ّقة ولذا فإنّه ال يستباح هبا ما يستباح بالضرورة ،إال أ ّن احلاجة
()4
.وأما تنزل منزلة الضرورة يف حق الشخص الواحد
عامة تتناول أكثر اخللق فإهنا ّ
إذا كانت ّ
التحسينات فهي دون ذلك .
شفاء الغليل للغزايل ص 246؛ األشباه والنظائر للسيوطي ص. 97 (?) 4
10
عرفها فقال :وملا تناول الشاطيب أ ّن مقاصد الشريعة يف اخللق ال تعد وأن تكون ضروريّة أو حاجيّة ّ
فأما الضرورية فمعناها أهّن ا البد منها يف قيام مصاحل الدين والدنيا حبيث إذا فقدت مل جتر مصاحل الدنيا
" ّ
على استقامة ..
وأما احلاجيات فمعناها أهنا مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق املؤدي يف الغالب إىل احلرج ّ
تراع دخل على املكلفني على اجلملة احلرج واملش ّقة ،ولكنّه ال
واملش ّقة الالحقة بفوت املطلوب ،فإذا مل َ
()1
. العامة "
يبلغ مبلغ الفساد العادي املتوقع يف املصاحل ّ
وبناء على هذا فال بد أن منيّز بني أنواع التصرفات واإلجراءات العالجيّة ،وما هتدف إليه ؛ إذ منها
واحلاجي ،ومنها ما هو دون ذلك ،فرياعى التخفيف يف أمور الضروريات واحلاجيات ّ الضروري ،
ّ
العامة ما ال يراعى يف غريها .
ّ
فيهن وهو
َ ) 4ج َسد اإلنسان ملك هلل تعاىل كما قال تعاىل { :وهلل ملك السماوات واألرض وما ّ
يتصرف يف ملك مبا حيرمه مالكه. ٍ
على كل شي قدير } [ .املائدة . ] 120:وعليه فإنّه ال حيق ألحد أن ّ
وبناء على ذلك فال حيل للطبيب أن يباشر جسم املريض إال إذا كان سيعمل عمالً أذن به الشرع وال
يكفي إذن املريض ورضاه .قال ابن القيم " :فإنّه ال جيوز اإلقدام على قطع عضو مل يأمر اهلل ورسوله
بقطعه ،وال أوجب قطعه ،كما لو أذن له يف قطع أذنه أو أصبعه ،فإنّه ال جيوز له ذلك ،وال يسقط
()2
اإلمث عنه باإلذن " .
عضوا من أعضائه ،وال أن ٍ
وقال ابن حزم " :واتفقوا أنّه ال حيل ألحد أن يقتل نفسه ،وال يقطع ً
()3
خاصةً ".
يؤمل نفسه ،يف غري التداوي بقطع العضو األمل ّ
11
بعض الباحثني حديث عرفجة بن أسعد أنّه قُطع أنفه يوم ال ُكالب ،فاختذ أن ًفا من َو ِرق فأننت عليه ،
()1
فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم فاختذ أن ًفا من ذهب .
فعرفجة مل يتخذ أن ًفا من ذهب حلاجته للشم أو التنفس ؛ ألهنما حاصالت بدون وجود الربوز ،وإمنا
اختذه لتحسني املنظر وهذا يدل على مراعاة احلالة النفسيّة .
حمرما لوجود الضرر النفسي ،بل فعله مباح أصالً ،وهذا وهذا غري صحيح ،أل ّن عرفجة مل يرتكب ً
احلديث يدل على جواز إصالح العيوب بالعمليات التجميليّة ،وال يدل على أن الضرر النفسي هو
املعيار يف اإلباحة .
مع أن ضرر عرفجة رضي اهلل عنه غري ثابت أصالً ،فمن أين أخذ أنه أصابه ضرر نفسي سعى إلزالته
هبذا األنف ؟ .
فإن الضرر النفسي واحلزن واهلم وإن كانت معتربة يف زيادة ثواب اإلنسان وتكفري سيئاته كما ورد يف
احلديث املرفوع ( :ما يصيب املؤمن من هم وال نصب وال وصب وال حزن حىت الشوكة يشاكها إال
()2
كفر اهلل هبا من خطاياه ) .
ومع أن الشرع راعاه مبنع تسبب اإلنسان يف إيذاء أخيه ما حيزنه ،لكنه غري معترب يف الشرع يف
ختفيف التكليف عن العبد ،وغري معترب يف استباحة ما حرم اهلل سبحانه وتعاىل .
سئل ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب منه مث رجع أخفى سكينة وقتل نفسه .
فأجاب " :مل يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه ،بل كان عليه إذا مل
يفرج اهلل ،فإن كان سيّده ظلمه حىت فعل ذلك مثل أن يقرّت ميكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصرب إىل أن ّ
عليه يف النفقة أو يعتدى عليه يف االستعمال أو يضربه بغري حق فإن على سيّده من الوزر بقدر ما نسب
()3
إليه يف املعصية ".
فالتكليف مناطه االستطاعة فمن قدر على امتثال األوامر والنواهي لزمته ،ولو كان فيها ما يكرهه
عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أ ّن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ( :إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم ،
()4
وإذا هنيتكم عن شيء فاجتنبوه ) .
سنن أيب داود ( ، ) 4232سنن الرتمذي ( ، ) 1691والنسائي ( ، ) 8/163وأمحد يف املسند ( . ) 5/25 (?) 1
12
أحدا قد ال حيزن غريه ،ومقدار
كما أن الضرر النفسي واحلزن من األمور اليت ال تنضبط فما حيزن ً
احلزن ووقت حتققه وطريقة زواله متفاوتة بني الناس ومثل هذه األمور غري املنضبطة ال يعلّق الشرع عليها
أحكاما .
ً
الص َور واألشخاص واألزمان واألحوال فإنه ال ميكن
فإهنا ( ما دامت خفيّة مضطربة خمتلفة باختالف ُّ
معرفة ما هو مناط احلكم إال بالبحث الشديد ..وحنن نعلم باالستقراء من ذات الشارع رد الناس يف مثل
هذا إىل املظان الظاهرة اجلليّة دفعاً للتخبيط ,وإزالة للتغليط ونفياً للحرج واملشقة والعسر والضرر ,أال
ترى أ ّن املش ّقة ملا مل تنضبط وخيتلف الناس فيها باختالف األشخاص واألحوال رد الشارع يف وجوب
()1
الس َفر ).
القصر والفطر بسببها إىل مظنتها يف الغالب وهو َّ
ونبينا عليه الصالة والسالم تشهد سريته مبواقف َش ّدد فيها على التزام التكاليف الشرعية رغم ما
يشوهبا من ضرر نفسي ..
عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما قالت :جاءت امرأة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت :
فتمرق شعرها ،أفأصله ؟ فقال :لعن اهلل الواصلة
يسا أصابتها حصبة ّيا رسول اهلل إ ّن يل ابنةً عُّر ً
()2
واملستوصلة ).
وعن أم سلمة رضي اهلل عنها قالت :جاءت امرأة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالت يا رسول اهلل
إ ّن ابنيت تويف عنها زوجها وقد اشتكت عينها ،أفتكتحلُها ؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :
()3
( ال مرتني أو ثالثًا ).
13
رابعا :حكم العمليات التجميليّة :
ً
تق ّدم أن العمليات التجميليّة منها عمليات ال بد من إجرائها ومنها عمليات اختياريّة فالعمليات
عالجا ملرض ما ،أو للحاجة إليها ؛ َّ
فإن الباحثني املعاصرين جييزون التجميليّة اليت البد منها لتضمنها ً
()1
إجراءها ومنهم من قيدها بشروط تشمل كل أنواع العمليات اجلراحيّة .
ويستدل على جوازها بأهّن ا نوع من التداوي ،فهي إما عالج ملرض أو إصالح لعيب حمسوس
تابعا
قصدا أوليًا بل جاء التجميل ً
والتداوي مشروع ،كما أن هذه العمليات ال يقصد هبا التجميل ً
()2
وأما العمليات العبثيّة املشوهة لإلنسان فهي ليست إلزالة الضرر ومعلوم أن التابع ال يفرد حبكم .
جتميالً بل عبث وتشويه وهو حمرم ملا فيه من املثلة وطلب الشهرة .
ّأما العمليات التجميليّة االختيارية ،واليت يطلق عليها :جراحة التجميل التحسينيّة فقد اختلف
املعاصرون فيها على اجتاهني :
االجتاه األول :يرى املنع منها وحترميها ؛ أل ّن فيها تغيرياً خللق اهلل تعاىل ؛ وألنه قد وردت نصوص
تدل على منع الوشم والنمص والتفليج والوصل وذلك ملا فيها من تغيري طلبًا للتحسني وهذا املعىن
()3
موجود يف هذه العمليات ،وملا فيها من غش وتدليس وأضرار ومضاعفات إىل غري ذلك من األدلة .
االجتاه الثاين :يرى أن تبحث كل عملية جتميليّة لوحدها ،إذ من هذه العمليات ما دل الشرع على
حترميه واملنع منه ،ومنه ما ميكن قياسه عليها ،ومنها ما حبثه الفقهاء ساب ًقا أو ميكن خترجيه على أقواهلم
()4
فال جتعل العمليات من هذا النوع كلها يف مرتبة واحدة .
وال شك أن التفصيل أسعد بالقبول وأرجح ،وسبب ذلك أن الشرع مع هنيه عن الوشم والنمص
والوصل جاء باإلذن بأنواع من الزينة والتحسني كصبغ الشعر مثالً وهذا يدل على أن تعميم العلة مبنع
()5
التحسني غري مقبول ،والعلّة مىت فُقد اطرادها َد ّل على إبطال عليتّها .
انظر :أحكام اجلراحة الطبيّة ص 173؛ نقل وزراعة األعضاء ص 234؛ املسائل املستجدة د .حممد النتشة ( (?) 1
. ) 2/260
انظر يف هذه القاعدة :األشباه والنظائر للسيوطي ص 130؛ والبن جنيم ص 120؛ قواعد الزركشي ( (?) 2
. ) 1/234
أحكام اجلراحة الطبيّة ص 183؛ نقل وزراعة األعضاء ص . 242 (?) 3
أحكام جراحة التجميل د .حممد عثمان شبري ضمن دراسات فقهية يف قضايا طبيّة معاصرة ( ) 2/524؛ فقه (?) 4
14
أيضا -ألنا نشهد من الشارع اعتبار قصد
والتعليل بقصد التحسني ال يصلح علةً للتحرمي ً -
()1
التحسني والتجميل ال املنع منه كما تقدَّم .
مث إ ّن أهل العلم اختلفوا يف املعىن املمنوع يف النمص والوصل وحنوها ،فقيل ُ :منع الوصل أل ّن فيه
()3 ()2
،وقيل ألجل ما فيه من تدليس وخداع . استعماالً جلزء آدمي
()5 ()4
وقيل يف النمص احملرم أن املراد به هو التربج والتزين لألجانب ،أو ما كان بدون إذن الزوج ،
()6
أو للتدليس ،أو للتشبّه بالفاجرات .
ومادام أن أهل العلم قد اختلفوا يف العلة اليت من أجلها ورد النهي ،مل يَ ُسغ بعد ذلك توحيد علة املنع
،مع ما تقدَّم من املراد بتغيري خلق اهلل تعاىل .
حرم بعض املعاصرين العملياتوكذلك فإن األضرار واملضاعفات والغش والتدليس اليت من أجلها ّ
التحسينيّة بإطالق ليست قاعدة مطردة يف كل العمليات التحسينيّة بل قد تقع يف هذه العمليات أحيانًا
وقد ال تقع ،وهي مع ذلك أمور خارجة عن نفس العمليات فيكون التحرمي هلا ال لنفس اجلراحة ،إال
إذا رافقتها .
حكما يناسبه
ومن مجيع ما تقدَّم فإين أرى أ ّن االجتاه الثاين الذي جيعل لكل نوع من العمليات التحسينيّة ً
حسبما تدل عليه األدلّة ويبقى الباقي على أصل اإلباحة ،أوىل من تعميم األحكام على صور خمتلفة .
ويشهد هلذه النتيجة ما ورد أ ّن املقداد بن األسود -رضي اهلل عنه -كان عظيم البطن وكان له غالم
فشق بطنه مث خاطه ،فمات املقداد وهرب
رومي ،فقال له :أشق بطنك فأخرج من شحمه حىت تلطف ّ ، ّ
()7
الغالم .
وهذا نوع من العمليات التجميليّة التحسينيّة .واهلل أعلم .
نقله يف اإلصابة ( ) 6/161وقال :أخرجه يعقوب بن سفيان وابن شاهني من طريقه بسنده إىل كرمية زوج (?) 7
املقداد ،به .ومل أجده يف كتاب املعرفة والتاريخ وإن كان حمققه قد ذكره من النصوص املنسوبة إىل الكتاب واليت مل جيدها
وأما كتاب ابن شاهني فلم أقف عليه .
يف خمطوطته ّ
15
خامسا :ضوابط العمليات التجميليّة :
ً
الضوابط اليت أتناوهلا اآلن شروط وقواعد تضبط العمليات التجميليّة عن االحنراف بارتكاب احملظور ،
فهي مىت روعيت عند إجراء العملية حفظتها عن الوقوع يف احملظور الشرعي .
الضابط األول :أال تكون العمليّة محل نهي شرعي خاص .
والنهي يستفاد بطريق النهي الصريح أو مبا يدل على إمث فاعله ،أو وعيده .
وقد جاء الشرع بالنهي عن عدة إجراءات جتميليّة ،منها :
-عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما قالت :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الواصلة
()1
واملستوصلة .
عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( :لعن اهلل الواصلة -
()2
واملستوصلة ،والوامشة واملستومشة ) .
وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال :زجر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن تصل -
()3
املرأة برأسها شيًئا .
()4
فهذه األحاديث تدل على حترمي الوصل ،وأنّه من املعاصي الكبرية .
ومنها :
-عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى عن القزع .فقيل لنافع :
()5
وما القزع ؟ قال :حيلق بعض رأس الصيب ويرتك بعضه .
()6
وهذا يدل على كراهة القزع للرجال والنساء .
ومنها :
16
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :ال تنتفوا -
()1
الشيب ) .
ومنها :
-عن عبد اهلل بن مسعود قال :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الوامشات واملستومشات
()2
واملتنمصات واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل .
فهذا يدل على حترمي الوشم وتفليج األسنان والنمص .
ومنها :
-عن عائشة رضي اهلل عنها قالت :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يلعن القاشرة واملقشورة .
()3
()4
وعنها أهنا كانت تقول :يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه . -
وهذه تدل على منع قشر الوجه -لو صح احلديثان - -
مسند اإلمام أمحد ( ) 6/250برقم ( ) 26128؛ قال اهليتمي :فيه من مل أعرفه .جممع الزوائد ( (?) 3
. ) 5/169
مسند اإلمام أمحد ( ) 6/210وسندمها ضعيف جلهالة آمنة بنت عبد اهلل وأم هنار حيث مل يوثقهما أحد . (?) 4
للحديث شاهد أوجه الطرباين يف الدعاء ( ) 2159من طريق هشام بن سلمان اجملاشعي عن امرأته غفيلة عنها به وغفيلة غري
معروفة .
17
عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املتشبهني من الرجال
()1
بالنساء واملتشبهات من النساء بالرجال .
وليس من هذا عمليات تصبح اجلنس حبيث يعود التوافق بني ظاهر الشخص وتركيبه الكرموسومي
وأعضائه التناسلية ،بل املراد هبذا العمليات اهلادفة إىل تغيري ظاهر الشخص ليشبه غري جنسه ومالحمه .
غشا
تتضمن العمليّة ً
-ومما وجدت بعض الباحثني يذكره ممّا يصلح أن يكون ضابطًا وهو :أالّ ّ
وتدليسا .
ً
وال شك أن الغش ممنوع يف الشرع ؛ وقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :من غشنا فليس منا ) .
()2
ولكن إعمال هذا الضابط إمنا يكون يف املوضع الذي مينع فيه الغش والتدليس مثل من جيرى
جراحة للتن ّكر والفرار من العدالة .
أو مثل الرجل أو املرأة قبل اخلطبة إذا أجريت هلم عملية توقيعيّة غري دائمة ،أما لو كانت آثار
اجلراحة دائمة فإنّه ال تدليس هنا .
أحدا بذلك ،بل غايةوكذلك فال تدليس لو أجرت امرأة متزوجة عملية جتميليّة ،فإهّن ا لن تغش ً
التجمل يف نفسها وهو غري ممنوع . عملها هو ّ
وذلك أن إخفاء احلقيقة إمنا متنع إذا ارتبط هبا َح ٌّق للغري ،وأما إذا مل يرتبط هبا حق للغري فال وجه
أمرا شخصيًا .
لتحرمي إخفاء احلقيقة ؛ ألنه يعود ً
ومع ظهور هذا ،فإنه ميكن تأكيده مبا يذكره أهل العلم عند تعليلهم ملنع بعض األعمال ملا فيها
من التدليس قال خطايب ( :الواصالت هن للوايت يصلن شعور غريهن من النساء يردن بذلك طول
رخص فيها أهل العلم ،وذلك أ ّنزورا وكذبًا فنهي عنه ّ ،أما القرامل فقد ّ الشعر ...فيكون ذلك ً ّ
()3
الغرور ال يقع هبا ؛ أل ّن من نظر إليها مل يشك يف أ ّن ذلك مستعار ).
()4
صد به التلبيس على النساء فهو أشد يف املنع ).
وقال ابن جزي ( :ويكره نتف الشيب ،وإن قَ َ
18
وال أرى جعل منع التدليس والغش ضابطًا ،لندرة حصوله ،وال يسوغ إن جيعل التحرز من
الصور النادرة ضابطًا لعدد كبري من اإلجراءات العالجيّة .
ومما وقفت عليه مما يُذكر ضابطًا أالّ يكون بقصد التشبّه بالكافرين أو أهل الشر والفجور .
وال إشكال أن التشبّه بالكفار مذموم يف الشرع .عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب
()1 صلى اهلل عليه وسلم قال ( :من تشبه ٍ
بقوم فهو منهم ) . ّ
شبيها بالكافر ،وذلك
وهذا ضابط صحيح ،لكين ال أعلم عمليّة جتميليّة ميكن أن جتعل املسلم ً
وأما قصد التشبّه من املريض بكافر معني ،فهذا يعودألن كل عرق وجنس بشري فيه املسلم والكافر ّ
للمريض دون الطبيب .
وعليه فإنّه ال يسوغ عمل جتميلي يقصد به املسلم التشبّه بالكافر .
سنن أيب داود ( ) 5312؛ مسند أمحد ( ) 2/50بإسناد جيّد . (?) 1
19
-5مدى احلاجة هلا -مثل عمليات شد البطن أو شفط الدهون عند وجود الرتهل الشديد . -
-6عمر املريض وجنسه .
-7هل للشكل املراد تغيريه آثار سلبيّة على حياة املريض أم ال .
-8هل ميكن إزالة شكوى املريض بغري اجلراحة .
وعند تأمل مثل هذه اجلوانب يتبنّي للطبيب هل جيري اجلراحة أم أن طلب املريض إمنا هو حماولة
جسدي مبالغ فيه ،أو نتيجة ضعف يف الشخصيّة
ّ إلشباع نزعة غرور تعرتيه بالتطلّع إىل حتسني
فهذه ال ينبغي إجراء العمل هلم ألن شكواهم لن تزول بزوال العيب الظاهر ،بل هم حباجة
للعالج اإلمياين والنفسي .
20
يتصرف يف جسم إنسان آخر بغري إذنه ؛ فإنّه اعتداء عليه ؛ قال تعاىل : ال حيق ألي إنسان أن ّ
حيب املعتدين } [ .البقرة . ] 190 :
{ وال تعتدوا إ ّن اهلل ال ّ
وعن أيب بكرة رضي اهلل عنه أ ّن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يف خطبته يوم النحر مبىن َّ ( :
إن
()1
دماءكم وأموالكم عليكم حرام ،كحرمة يومكم هذا يف شهركم هذا يف بلدكم هذا ) .
يتصرف يف ملك الغري بال إذن ،ومنافع اإلنسان وأطرافه ٍ
وقد قرر الفقهاء أنّه ال جيوز ألحد أن ّ
()2
حق له .
ويدل على ذلك ما روت عائشة رضي اهلل عنها قالت ( :لددنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
يف مرضه فجعل يشري إلينا أن ال تلدوين ،فقلتا :كراهية املريض للدواء ،فلّما أفاق قال :أمل أهنكم
()3
أن تلدوين ؛ ال يبقى أح ٌد يف البيت إالّ لُ َّد ) .
فقد عاقب صلى اهلل عليه وسلم من داوه بعد هنيه عن ذلك ،والعقوبة ال تكون إال بسبب
( )4
ضروري إلجراء التداوي فإذا رفض التداوي فله احلق يف ذلك
ّ يوضح أ ّن إذن املريض
،وهذا ّ تعد
ٍّ
()5
،ويكون إجباره على التداوي تعديًا .
مؤهالً .
-3أن يكون الطبيب ّ
قال ابن القيم ( :إذا تعاطي علم الطب وعمله ،ومل يتقدم له به معرفة ،فقد هجم جبهله
بالتهور على ما مل يعلمه ..قال اخلَطّايب :ال أعلم خالفًا يف أن املعاجل
على إتالف األنفس ،وأقدم ّ
()6
متعد ).
علما وعمالً ال يعرفه ٍّ
إذا اعتدى ،فتلف املريض كان ضامنًا ،واملتعاطي ً
()7
حتل له املباشرة مع جهلة ولو ُأذن له ) .
وقال ابن مفلح عن الطبيب ( :ال ّ
انظر تفصيل اإلذن وأحكامه يف حبثنا اإلذن يف إجراء العمليات الطبيّة أحكامه وأثره . (?) 5
21
واملتطبب اجلاهل يشمل من مل حيسن الطب ومل ميارس العالج أصالً ،ومن عنده إملام بسيط يعلم
ختصص
الطب ال يؤهله ملمارسته ،ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب مث يقدم على املمارسة يف ّ
غريه .
ففي كل هذه احلاالت يكون املعاجل متطببًّا جاهالً .
وهؤالء ال حيل هلم أن يباشروا أي إجراء عالجي على أبدان املرضى ،لفقدهم شرط اجلواز وهو
املعرفة بالطب .
حواشي اإلقناع ( ) 1/174؛ مغين احملتاج ( . ) 1/185وانظر يف تفصيل ما يتعلق هبده املسألة حبثنا :حفظ (?) 1
الصحي .
العورات كواجب على العاملني يف القطاع ّ
22
حرم عليكم إالّ ما
صل لكم ما ّ
وذلك أل ّن كل حمرم يباح عند االضطرار كما قال تعاىل { :وقد فَ ّ
()1
اضطررمت إليه } [ .األنعام . ] 119 :واحلاجة تُنـََّزل منـزلة الضرورة .
قال يف الشرح الكبري ( :وللطبيب النظر إىل ما تدعو احلاجة إىل نظره إليه من بدهنا من العورة
()2
وغريها ،ألنّه موضع حاجة ).
()3
ولكن قاعدة إباحة احملرم بعلّة االضطرار مقيدة بقاعدة أخرى وهي أ ّن الضرورة تقدَّر بقدرها ،
يرتخص بقدر ما تندفع الضرورة وتنتهي احلاجة . يتوسع يف احملظور ،وإمنّا ّ
فال ّ
وعليه فإين ال أرى أن للطبيب إجراء عمليات جتميل تتضمن كشف عورة مغلظة إال إذا كانت من
العمليات احملتاج هلا دون العمليات التحسينية احملضة .
إن مجيع ما سبق إمنا هو عرض لبعض العالمات واملنارات اليت ميكن للطبيب االستفادة منها يف
تقومي مدى مشروعيّة إجراء األعمال التجميليّة بشكل عام .
وإن فيما سبق عن عرض دليل على صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان كيف ال وهي
دين رب العاملني .
وفيه دليل على عناية اإلسالم باجلمال الذي هو من مسات ما خلق اهلل يف الكون ( فاهلل مجيل حيب
()4
اجلمال ).
23
24