Professional Documents
Culture Documents
إن اللغة العربية لها ثالثة مستويات وهي :الفصيح واللهجي والعامي ،فالفصيح
يمثل اللغة النموذجية المنتقاة في األلفاظ والمعاني والتراكيب ،وهي التي استعملت -وما
زالت تستعمل -في الكتابة والتأليف والفنون األدبية ،وتسمى اللغة المشتركة ،أو اللغة
المثالية ،وقد وصلت إلينا عن طريق القرآن الكريم ،والسنة المطهرة ،والشعر العربي ،
وأقوال العرب وأمثالهم .
واللهجة معناها :الخصائص اللغوية التي تشترك فيها بيئة من البيئات ،أو ينفرد بها مجتمع
من المجتمعات ,وتنتمي إلى مجموعة أكبر تتفق جميعها في سمات وخصائص مشتركة ،
والعامية لها تعريفان ،األول :هى تلك األلفاظ واالستعماالت التي يكثر دورانها على ألسنة
الناس ،واآلخر :هى تحريفات أللفاظ كانت من قبل عربية صحيحة أو تشويه لمعاني تلك
األلفاظ .
ـ مستويات اللغة :
وضع اللغويون مقاييس للحكم على االستعمال اللغوي بأنه صواب وصحيح ،وما يخالف
تلك المقاييس يعد خارجا عن االستعمال الصحيح الذى يتفق وطريقة العرب الفصحاء في
النطق والكالم ,و ينبغي أن نفرق بين ثالثة مستويات من االستعمال اللغوي ،وهي :
المستوى األول :الفصيح :
يقال :فصح الشيء ؛ أي :صار خالصا من الشوائب ،يتبين ذلك من قول نضلة السلمي :
الرغوة اللبن الفصيح .
َّ وتحت ..............................
صيح أي :خالص من العيوب ،ولغة فصيحة ؛ أي :ال لحن فيها ،والفصاحة :
ولفظ ف ِ
البيان ،ولسان فصيح ؛ أي :ط ْلق ،قال ابن منظور :وفصح األعجمى بالضم فصاحة :
تكلم بالعربية وفهم عنه ،وقيل :جادت لغته حتى ال يلحن ,واللغة العربية الفصحى هى
1
التي استعملت -وما زالت تستعمل – في التأليف والفنون األدبية ،وتسمى اللغة النموذجية،
أو اللغة المشتركة ،أو لغة الكتابة ،وهي لغة منتقاة في ألفاظها ومعانيها وتراكيبها.
المستوى الثاني :اللهجة :
واللهجة معناها :مجموعة من الخصائص اللغوية التي تشترك فيها بيئة من البيئات ،أو
يتكلم بها مجتمع من المجتمعات وتنتمي إلى بيئة أكبر تضم عددا من اللهجات التي تحمل
سمات مشتركة وتؤلف فيما بينها لغة لها خصائص ومميزات ،وقد عرفها أحد اللغويين
بقوله " :مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة ،وتشترك في هذه الصفات
جميع أفراد هذه البيئة ،وبيئة اللهجة هى جزء من بيئة أوسع وأشمل يضم عدة لهجات " ،
أو اللهجة هى " العادات الكالمية لمجموعة قليلة من مجموعة أكبرمن الناس تتكلم لغة
واحدة " ,وفصحاء العرب كانوا يتكلمون لغة مثالية منتقاة في ألفاظها ومعانيها ،وذلك إذا
قرضوا الشعر أو ألقوا خطبة في مجتمع فيه علية القوم وأرباب البيان ،فإذا خلوا إلى
بيئاتهم الخاصة نراهم يتكلمون بما يوافق تلك البيئة ,وما يشيع وينتشر فيها من الخصائص
اللغوية ,ويقول الدكتور صبحى الصالح " :والوحدة اللغوية التي صادفها اإلسالم حين
قواها قرآنه بعد نزوله ،ال تنفي ظاهرة اللهجات عمليا قبل اإلسالم وبقاءها بعده
ظهوره ،و ّ
،بل من المؤكد أن عامة العرب لم يكونوا إذا عادوا إلى أقاليمهم يتحدثون بتلك اللغة المثالية
الموحدة ،وإنما كانوا يعبرون بلهجاتهم الخاصة ،وتظهر على تعابيرهم صفات لهجاتهم
وخصائص ألحانهم " .
المستوى الثالث :العامي :
قد يقال :لفظ عامي ،أو لغة العوام ،أو اللغة العامية ،واستعمال مصطلح العامي ارتبط
عند بعض علماء اللغة بمعنى اللحن أو التحريف ,أما لغة العوام أو اللغة العامية ,فهذان
المصطلحان ال يدالن على أنها تخالف الفصحى أو أنها تطلق على كل استعمال ال يوافق
االستعمال الصحيح ،بل لغة العامة أو لغة العوام معناها :هى تلك األلفاظ التي يكثر
دورانها على ألسنة غير العارفين بلغة العرب ،و أطلق على هذه األلفاظ عامية باعتبار
كثرة استعمال العوام لها في محادثاتهم ومخاطباتهم ،ويسميه بعض البالغيين بالمبتذل ،
2
ولغة العوام منها صحيح وموافق للغة العرب ،ويسمى ( :العامي الفصيح ) ،ومنها غير
صحيح وهو ما أطلق عليه علماء اللغة مصطلح ) لحن العامة أو لحن العوام ) ,وكل
مستوى من تلك المستويات التي سبق الحديث عنها ،له مواطن يستعمل لها ،ومقامات
يستخدم فيها ،فاللغة الفصحى تستعمل في الكتابة والتأليف وصياغة التشريعات والفنون
األدبية ،واللهجات تستعمل في التعامالت واألحاديث اليومية بين مجموعة من الناس في
الحرف ,وعوام الناس فيما بينهم ،وال
بيئة معينة ،والعامية تستعمل في محادثات أصحاب ِ
يخفى التداخل بين اللهجات والعامية في االستعمال .
ـ وبعد هذا يمكن أن نذكر بعض الفروقات بين الفصحى والعامية :
1ـ العامية أو اللهجة هي لغة السواد األعظم لمجموعة من الناس ،بينما الفصحى تقتصر
على الخاصة أي لغة الطبقة المتعلمة ،وتعتبر اللغة الرسمية المعترف بها في إطار
مؤسسات السلطة وفي المحافل الدولية واإلعالمية والتربوية والعلمية واألدبية .
2ـ تحرر العامية من التقييدات واألحكام اللغوية لتنطلق على سجيتها الكالمية باعتبارها
اللغة المحكية ،بينما تحدّد الفصحى بأحكام الصرف والنحو واأللفاظ الداللية المنتقاة .
3ـ تقتصر العامية بتشعبات لهجاتها المختلفة على مجموعات سكانية متميّزة في البلد
الواحد من جراء تعايش المجاميع في مواقع جغرافية متفاوتة من البلد كشماله ،ووسطه
وجنوبه ،بينما تفرض الفصحى نفسها على البلد قاطبة من خالل العملية التعليمية
واألعالمية رغم انحصار تأثيرها واستعمالها على النخبة الخاصة والمتميّزة بحكم العمل
الوظيفي والشؤون الرسمية .
4ـ تتميز العامية بلهجاتها الكثيرة بطابع المغايرة النبرية في البلد الواحد كأن تقول هذه
لهجة عراقية ,أو سورية أو مصرية ،لبنانية ،بينما تتمثل الفصحى والحالة هذه بمصدرها
البليغ المتمثل بالقرآن الكريم الذي يتوجب قراءته وفق األصول المحتمة وبشكل خاص في
عملية التجويد .
3
5ـ من يتحدث بالعامية وال يقوى القراءة والكتابة ،عادة ما يعاني صعوبة في فهم
واستيعاب ما تعنيه الفصحى من خالل احتوائها على مفردات لم تطرق سمعه في المحيط
الذي نشأ وترعرع فيه ،وسهولة العملية لمن تسلح بسالح القراءة والكتابة.
6ـ إفتقار العامية إلى ما ال يحصى من المصطلحات العلمية والفنية والمفردات المستحدثة
وال سيِّما العصرية التي تمليها مستلزمات التطور الحضاري والتقدم التكنولوجي لتستدرج
في قاموس الفصحى تيسيرا ألستعمالها وضرورة انسجامها مع متطلبات مناهج البحث
العلمي والعلوم المستحدثة.
7ـ اختالف اللهجات العامية في البلد الواحد باختالف طبقات الناس وفئاتهم أي ما يسمى
باللهجات اإل جتماعية حيث تتشعب لغة المحادثة كلهجة االرستقراطيين والتجار والمهن
األخرى والنساء الالئي ينعزلن عن مجتمع الرجال ،بينما تفتقد هذه الظاهرة في عرف
الفصحى .
8ـ ندرة المترادفات في العامية واقتصار المعنى في لفظ واحد يفي بالغرض المطلوب أو
الضرورية منها للحديث ،بينما تزخر الفصحى بالمترادفات التي ال حصر لها في لغة
العرب.
10ـ عدم تواجد المعاجم والقواميس التي تفي بالغرض المطلوب في العامي ـ إالَّ ما ندر
ولحاجات خاصة تقتضيها الضرورة ـ بينما معاجم وقواميس الفصحى تغطي مساحة واسعة
في عالم الكتب ،وخاصة ما يتعلق بالعربية الفصحى ,واللغات األجنبية بسبب ظروف
الهجرة والدراسات األكاديمية أو التعليمية كما هو الحال في السويد والدنمارك والدول
األوروبية األخرى .
4
وهناك سؤال مهم كيف نحسن لغتنا الفصحى ؟ واإلجابة على هذا السؤال يكون عن طريق
قراءة عدد من المصادر منها :
يعد كتاب البيان والتبيين من أعظم كتب الجاحظ ،بل ومن أعظم الكتب التي ُكتبت باللغة
العربية على اإلطالق ,يقع في 4مجلدات ،غلبت على موضوعات الكتاب الصبغة األدبية ،
بخالل كتابه الحيوان الذي عالج موضوعات أقرب للعلمية ,ولكن على الرغم من غلبة
األدبية على كتاب البيان والتبيين ،إال أن روح الجاحظ ظلت حاضرة ،فهو بطبيعته يتطرق
. لموضوعات فلسفية عميقة ،مما يمنح القارئ متعة األدب وعمق الفكر
4ـ ألف حكاية وحكاية من األدب العربي القديم – حسين أحمد أمين :
يضم هذا الكتاب مجموعة رائعة من الحكايات والطرائف التي امتألت بها كتب األدب
القديم ،حيث قام مؤلفه حسين أحمد أمين بتجميع أفضل ما جاء في الكتب األدبية القديمة من
طرف وروائع تحبّب إليك اللغة العربية ودروبها .وقد كان موفقا جدا في اختياراته وعرضه
لموضوعاته .وقد عرض في هذا الكتاب مئة حكاية عربية منتقاة من كتب األدب العربي
اإلسالمي .
كتاب رائع في أسلوبه وموضوعاته ،فمصطفى صادق الرافعي في هذا الكتاب قد بلغ قمة
اإلبداع ،حين تقرأ الكتاب تجد أسلوبا رصينا يحبب إليك اللغة العربية ،وعرض قصص
تاريخية بهذا األسلوب الرائع ،حوارات قمة في العمق ،وامتالك دقيق لناصية اللغة العربية .
6