Professional Documents
Culture Documents
األخالق :جملة الضوابط و القواعد و المعايير التي تحدّد سلوك اإلنسان و توجهه نحو الخير باعتب اره م ا
هو منشود ،و المقصود باألخالق معرفة الفضائل و كيفية اكتس ابها لتس مو به ا النفس ،و معرف ة الرذائ ل
لتتن ّزه عنها .
الإيتيقا : Ethiqueكلمة فرنسية من أصل يون اني ،و تع ني البحث عن نس ق مب ادئ ته دف إلى وج و ٍد خيّ ر
وسعيد ،في حين أن كلمة أخالق Moraleالفرنسية من أصل التيني ،و تتحدد كنظرية في الج بر ،نظري ة في
القانون والواجب األخالقي باعتباره ال مشروط و كوني .و يجب أن نالحظ أن اإليتيقا تشهد اليوم أك ثر حظ وة
في مقابل احتشام االهتمام باألخالق .و اإليتيقا اليوم تفيد عموما النظرية العقالنية حول الفع ل والحي اة الخ يرة
وبالتالي تتمثل في دراسة مش اكل القيم ال تي تطرحه ا مس ائل المحي ط (إيتيق ا المحي ط) و الممارس ات الطبي ة
(البيو -ايتيقا)...
الخير :لغة هو حصول الشيء على كماالته ،أما فلس فيا ه و تص وّ ر معي اري للفع ل اإليج ابي و التأس يس
ي مستوى من مستويات الغايات مكتمل في لألفضل ،فالخير كل ما يكون موضوع إرضاء أو استحسان في أ ّ
ي غاية ،و الخير هو ما يتعيّن و ما يجب فعله وهو نقيض الشرّ . نوعه ،ناجح و ناجع ،مفيد أل ّ
السعادة :لغة هي نقيض الحزن و الشقاء و النحس ،كما تفيد معنى البهجة و الف رح و الح ظ .أم ا فلس فيا
فهي حالة من الغبطة و الرضاء و الطمأنينة التي تعيشها النفس ،فالسعادة هي شعور بالرضا التام و غياب ما
يع ّكر صفو النفس و اعتدالها .
الفرق بين السعادة و اللذة ،أن السعادة حالة خاص ة باإلنس ان و أن رض اء النفس به ا ت ام ،في حين أن الل ذة
حالة مشتركة بين اإلنسان و الحيوان و أن رضاء النفس بها مؤقت .
في التالزم بين الخير و السعادة .I
في اعتبار التأمل هو السعادة : -1
تهتم الفلسفة األخالقية بتحديد الس عادة حق ا .ل ذا ينطل ق أرس طو من الش وق أو الرغب ة في الس عادة باعتب اره
معطى طبيعي لدى كل الناس .لكن تحقيق السعادة يتطلب دربة شاقة بمعنى أنّ بلوغ الخ ير األس مى و بالت الي
السعادة ال يحصل بشكل آني و مباشر .لكن إذا كانت الرغبة في السعادة شيئا مشتركا بين جميع الن اس ،ف إن
االختالف يكون من جهة موضوع الرغبة الذي يتغير لدى الشخص نفس ه .ل ذلك يم يز ارس طو بين م ا يك ون
الخير في ذاته و بين الخيرات الوسائل.
= الخيرات الوسائل تؤدي إلى الخير األسمى و السعادة بم ا هي خ ير أس مى هي غاي ة قص وى أيض ا تُطلب
لذاتها و ليس من أجل شيء سواها.
لكن ما هي هذه الخيرات الوسائل و فيم يكمن الخير األسمى الذي هو السعادة ؟
ينطلق أرسطو مما هو أكثر شيوعا بين الناس مثل المتعة و الثروة و المج د ...لكنه ا ليس ت غاي ات قص وى و
بالتالي ال تعبر عن السعادة حقيقة ،إنها مجرد وسائل تؤدي إلى غاية تعلو عليها جميعا.
ينتهي أرسطو إلى اختزال أهم الرؤى حول السعادة في ثالثة مواقف :
اعتبار السعادة متعة
اعتبار السعادة مجدا
اعتبار السعادة تأمال
يضع أرسطو االعتبارين األولين موضع نظر من جهة ما هما بحث عن االستحقاق و الجدارة.
أما االعتبار الثالث /التأمل :هو الذي يمكن أن نع دّه التعب ير األساس ي عن الوج ود الس عيد .يق ول أرس طو
":إذا لم تكن السعادة حقا إال الفعل المطابق للفض يلة ،فمن الط بيعي أن يك ون الفع ل المط ابق
13
شرط السعادة [طبيعة في اإلنسان] الخير األول/معيار الخير :اللذة شرط الخير
في أن الخ ير ه و غاي ة ذات ه :الس عادة ك واجب [ :في انفص ال الخ ير عن .II
السعادة]
طرح المشكل :
13
ما هو أساس الفعل األخالقي ؟ ماهي الشروط التي تجعل من فع ل م ا أخالقي ا ؟ ه ل يس تم ّد
الفعل األخالقي أخالقيته من المبدأ الذي يصدر عنه أم من الهدف و الغاية التي ينش دها ؟
و كيف يمكن التمييز بين ما هو أخالقي و ما هو ال /غير أخالقي ؟
إن موض وع األخالق الكانطي ة ه و المث ل األعلى األخالقي ال الواق ع الموض وعي ،فهي ت درس م ا يجب أن
يكون و ليس ما هو كائن .يقطع كانط م ع األخالق الس ائدة بم اهي قيم مص لحية ،نفعي ة ،نس بية تت أثر
بميول الناس و رغباتهم المتناقض ة و طلبهم لتحقي ق الس عادة كمطلب نس بي .إن األخالق الكانطي ة مص درها
العقل ،فالعقل هو المشرّ ع الوحيد للقانون األخالقي باعتبار أنه يزوّ دنا بقاعدة نموذجية توج ه الس لوك وهي
اإلرادة الخيّرة وما يجعل من اإلرادة خيّرة هي النية الطيبة .
لذا فإن الفعل األخالقي ال يكتسب أخالقيته إال بتوفر اإلرادة الخيّرة في ذات الفاعل أي أن تكون غايته الخير
في ذاته و لذاته و ليس له غايات مصلحية و نفعية .فالفع ل ال ذي يه دف لمص لحة و يه دف لغاي ة من أج ل
تحقيق السعادة ال يعت بر خ يرا و ال يعت بر فعال أخالقي ا .ف اإلرادة الخيّ رة بم ا هي المب دأ المح دّد لك ل فع ل
أخالقي تع ّد خيرا على اإلطالق و تظل خيّرة ألنها تريد الخير لكل كائن عاقل .
إن الواجب يتحدد وفق ا لإلرادة الخيّ رة و دون اعتب ار للرغب ات و مس تقل عن المي والت و متح رّ ر من ك ل
شرط خارجي و معزول عن الغائية و ال يستند إلى العاطفة و الوجدان و إنما إلى الني ة الطيب ة .ال واجب ه و
إلزام أخالقي مطلوب لذاته و حرّ ،فالفعل األخالقي هو الذي يكون الدافع إليه احترام الواجب من جهة م ا ه و
ي اهتمام بالسعادة أو المنفعة .فالسعادة رهينة شروط معين ة واجب .لذلك فهو ال يقاس بنتائجه و مستقل عن أ ّ
لذلك ال يمكن أن تكون موضوع واجب ألنها مرتبطة بإشباع رغبة جسدية كانت أم عقلية .
ومن هذا المنطلق يميّز كانط بين صنفين من األوامر :
األمر الشرطي :هو األمر الذي يكون فيه الفعل مش روطا بنتيج ة و مرتب ط ب الواقع التجري بي و ال ذي
تكون في إطاره اإلرادة محدّدة بحسب مبدأ الرغبة و المنفع ة و الس عادة مث ال :الت اجر ال ذي يتجنب الغش
حفاظا على زبائنه .
إن األمر الشرطي ال يمكن أن يع ّد قانونا أخالقيا ألنه خال من ص فات اإلطالقي ة و نس بي و مرتب ط
بالمنفعة و السعادة .
األمر القطعي :هو األمر ال ذي يت ّم في ه الفع ل تمثال للق انون و احترام ا لل واجب و يك ون مس تقال عن
إرادة األفراد ،متعاليا عن كل واقع تجريبي و الذي في إطاره تكون اإلرادة متحرّ رة من كل انفعال أو منفعة
و يك ون ملزم ا لجمي ع ال ذوات اإلنس انية ( كلي \ ك وني ) مث ال :الت اجر ال ذي يتجنب الغش تمثال للق انون
األخالقي و احتراما للواجب .
من خالل هذا التمييز يعتبر كان ط أن األفع ال ال تي هي اس تجابة ألم ر قطعي هي وح دها أخالقي ة ،ألن
األخالق غاية في ذاتها و ليست وسيلة كما ه و الش أن في األم ر الش رطي .إن القيم األخالقية الكانطي ة
هي قيم مطلقة كلية و شاملة تمثل قاسما مشتركا بين جميع الناس .
ي فعل ال يكون أخالقيا إال إذا كان ح ّرا ،فالفرد في امتثاله للقانون األخالقي ال يخضع إال إلى إرادة كلية إن أ ّ
مش ّر عة للقانون األخالقي و من ثمة فالفرد هو الذي يلزم نفسه بالطاعة أي طاعة الواجب دون ضغط خارجي
،فاألخالق الكانطية ليست أخالق إلزام و إنما هي أخالق التزام .
ينفي كانط ربط الفعل األخالقي بمصلحة أو منفعة لتكون السعادة ليست غاي ة األخالق أو ال واجب ،وه و م ا
يفسر ضرورة عدم تناول األخالق بما هي مذهب في السعادة بل بما هي الطريقة التي توصلنا لمعرف ة س بل
الجدارة بالسعادة .إن السعادة ليست النتيجة المترتبة عن األخالق بل هي رهان ج دارة ،يق ول كان ط " :ال
تعلمنا األخالق كيف نكون سعداء بل كيف نكون جديرين بالسعادة " .يراهن كانط على تطهير
األخالق من المصلحة و المنفعة و التأسيس ألخالق كونية صالحة لكل الكائنات العاقلة .
13
في اخ تزال دالل ة الس عادة في الرف اه :بودري ار :الس عادة في المجتم ع .III
االستهالكي نقد السعادة في المجتمعات الصناعية المتقدمة
إنّ طرح مسألة السعادة يقتضي تنزيلها ضمن الظروف االجتماعي ة و التاريخي ة ال تي أفرزته ا .ل ذلك ليس ت
مطلب ا أخالقي ا محض ا و ال هي مث ل أعلى يمي ل إلي ه اإلنس ان بطبيعت ه .فمث ل ه ذا الحكم تك ّذب ه الدراس ات
االنثروبولوجية المعاصرة التي ش ّككت في القول بوجود طبيعة بش رية ثابت ة ،و تؤك د في مقاب ل ذل ك أنّ
مختلف سلوكات اإلنسان و أفعاله تكتسب من واقعه االجتماعي و التاريخي.
من هذا المنظور يقوم بودريار بتنزيل مسألة السعادة في سياق الظروف االجتماعية و التاريخية ال تي أفرزه ا
نمط اإلنتاج الرأسمالي و الكشف عن المضمون اإليديولوجي لفكرة السعادة داخل المجتمع االستهالكي.
يؤك د بودري ار أنّ فك رة الس عادة هي" المرجع المطلق للمجتم ع االس تهالكي و هي بال ذات نظ ير
النجاة " .مثل هذا التصوّ ر السائد لمفهوم السعادة ،و ال ّذي تسوّ قه وسائل اإلعالم الرأسمالية ،يترابط مع بقي ة
القيم التي يقوم عليها المجتمع الرأسمالي مثل الفردانية النجاعة المردودية ،كما يتقاطع مع الوعود الزائفة التي
يعلن عنها المجتمع الحديث كالوعد بالمساواة الحرية و العدالة ...
إنّ البحث عن الوظيفة اإليديولوجية لفكرة السعادة ،يعني حسب بودري ار الكش ف عن زيفه ا و ذل ك بالكش ف
عن بعدها التضليلي و المزيف ،خاصة و أنها فكرة تزامنت مع نشأة الرأسمالية التي تقدّم نفس ها على " أنه ا
خالص الناس من الفقر و الحاجة و االستغالل "..و لع ّل هذا المعنى هو م ا يش ير إليـه بودري ار في
قـولـه " إنّ أسطـورة الس عادة هـي ال تي تحتض ن في المجتمع ات أس طورة المسـاواة و
تجسّدها ".إن ربط المس اواة بالس عادة في المجتم ع االس تهالكي ،يفي د أنّ الس عادة ليس ت إال مج رّ د ش عار
إيديولوجي و سياسي ،الغاية منه إخفاء واقع الال مساواة و الفوارق الطبقية .فثمّة فرق كبير بين ما وع دت ب ه
الثورة الصناعية و نمط اإلنتاج الرأسمالي ،و بين ما انتهت إليه هذه الثورة من تناقضات اقتصادية ،اجتماعية،
سياسية و أخالقية .لذلك يمكننا الق ول إنّ مطلب الس عادة " ليس إال مج ّرد فكرة جوف اء تس مح لتقن يي
المجتمع الرأسمالي و ساس ته بتضليـل الجماهيـر و توجي ه رغب اتهم و هك ذا ف إنّ السعـادة
عم ة بالئح ة حق وق اإلنسـان و الم واطن ال تي الوهمية " تتأسس على مب ادئ الفرداني ة المد ّ
تعترف صراحة لكل فرد بالحق في السعادة "
هل يع ني مث ل ه ذا اإلق رار أنّ الس عادة مج ّرد وهم نس لّي ب ه أنفس نا ؟ و ه ل يع ني أيض ا أنّ الس عادة وهم
ضروري ِلتَواصل الرأسمالية كنمط إنتاج يك ّرس الال مساواة ؟
إذا سلمنا بأن اإلنسان ال يمكن أن يكون سعيدا ،فهل يحق له أن يأمل في حياة بال ألم ؟
السعادة هي مطلب مشترك بين جميع الناس ،إنها الغاية النهائي ة ال تي يس عى اإلنس ان إلى بلوغه ا ،و
الطريق الوحيدة المؤدية إلى السعادة تم ّر عبر اللذة حتما .فمن المعروف أن الرأي السائد يربط السعادة باللذة
،إذ نرى أن اإلنسان يسعى بص فة تلقائي ة إلى ني ل الل ذة و تجنب األلم .يعت بر فروي د أن ك ل فع ل يق وم ب ه
اإلنسان هو إشباع للحاجات الحسية الغريزية و تحصيل أكبر لذة ،غير أنه " لم ي دخل في خط ة الخل ق البت ة
أن يكون اإلنسان سعيدا " .في هذا اإلطار يؤكد فرويد أنه ثمة تالزم ا حقيقي ا بين الحض ارة من جه ة و كبت
الرغبات الغريزية من جهة أخرى ،فكلم ا تق دمت الحض ارة زاد قم ع اإلنس ان لدوافع ه الغريزي ة .الحض ارة
قمعية بالضرورة .فثمة صراع جوهري بين رغبة الفرد الذي يأمل في اإلشباع الجنسي من جهة و متطلبات
المجتمع التي تتعارض مع هذه الرغبات من جهة ثانية ،إذ أن الرغبة في اإلشباع الجنس ي و العدواني ة أم ور
فطرية في الطبيعة البشرية ،وهو ما يفسر بحسب فرويد استحالة تحقيق السعادة ألن المجتمع ال يستطيع
تحقيق المعادلة الصعبة :إسعاد الطبيعة البشرية ( الغريزة ) و تحقيق الحضارة في نفس الوقت .
األخالق تق ّر أن الفرد هو بالضرورة عد ّو الحضارة ،و بالتالي لكي تنب ني الحض ارة
وجب قمع الغرائز و إخضاعها لمنطق الحضارة القائم على القسر و القمع
3ــ يتمثل المصدر الثالث في عدم كفاية التدابير لتنظيم العالقات بين البشر في مختلف مستويات مجاالته ا
األسرة /المجتمع /الدولة.
إذا كان فرويد قد بيّن ع دم إمك ان التخلي عن الحض ارة رغم احتوائه ا لقل ق أو هي مص در القل ق ذات ه ف ذلك
راجع لكونها مصدر التشريعات و المحرمات المنظمة لالجتم اع اإلنس اني فالحض ارة مص در ب ؤس اإلنس ان
حتـى ال
وتعاسته بما هي تُحيل على مبدأ المثال ( األنا األعلى ) الذي يمارس سلطة على األنا (مب دأ الواق ع ) ّ
يمتثل لرغبات الهو ( مبدأ اللذة ) ،علما أن هذا المبدأ أصيل في اإلنسان .
خاتمة :
يبدو إذن أنّ التوتر بين الخير بما هو قيمة مطلقة و الس عادة بم ا هي مطلب ذاتي يع ود في الواق ع إلى
عجز الكائن البشري ،بحكم تناهيه ،عن أن يحدد و بكامل الدقة الصورة المثلى لما يراه خ يرا
و السبيل القويمة لتحقيق السعادة التي يصبو إليها.
لذلك لم يلبث الخط الفاصل في الوعي السائد بين األخالق و الال أخالق أن تالشى و ب دت الفض يلة
وجها آخر للرذيلة و الخير صورة مقلوبة للشر و األخيار أشرار حالمين.
13
إن األنساق األخالقية السابقة لكانط ترى في الس عادة غاي ة ك ل فع ل إنس اني ،فهي الخ ير األس مى .في حين
يعتبر كانط أن الفعل األخالقي هو الفعل الذي يقوم بالواجب من أج ل ال واجب .فهل يع ني ذل ك أن القي ام
بالفعل من أجل تحقيق السعادة هو فعل ال أخالقي؟
يالحظ كانط أن السعادة بما هي حالة كمال هي مفهوم غامض ألن ه يرتب ط بالتجرب ة فالس عادة عن ده هي مث ل
أعلى ال للعقل بل للمخيلة يقوم على مبادئ خبرية فحسب .فالسعادة إذن ،ليس ت مفهوم ا عقلي ا وترتب ط برغ د
العيش ،لذلك ال يمكن تحديدها ،فرغد العيش يختلف من شخص إلى آخر بحسب خبرته ومي وال ت ه ل ذلك ي رى
كانط أن السعادة ليس ت من مج ال األخالق ,فمج ال األخالق ه و مج ال م ا ه و عقلي ،ك وني وض روري أي
واجب .ومجال السعادة حسب كانط هو الدين ألن السعادة هي موضوع أمل و من ح ق اإلنس ان كك ائن رغب ة
أن يأمل في أن يكون سعيدا دون أن يناقض ذلك الواجب .فما هو أولي بالنسبة لكانط ه و األخالق الكوني ة وال
يهدف أي فعل في المجال العملي إال إلى تحقيق الفضيلة باعتبارها طاعة األمر القطعي .لكن ذل ك ال يمن ع من
أن تكون مقوالت العقل العملي مقبولة في حقل األخالق وهو م ا يض في مش روعية على البحث عن الس عادة.
يقول كانط« :األخالق ليست إذن نظرية تعلمن ا كي ف يجب أن نك ون س عداء ولكن تعلمن ا كي ف
يجب أن نكون جديرين بالسعادة ,ذلك أننا ال نأمل في تحقيق السعادة إال بتدخل ال دين» .وهك ذا
يكون البحث عن الس عادة عن د كان ط أم را مش روعا وواجب ا في بم ا أن التعاس ة ليس ت ظرف ا مناس با للقي ام
بالواجب .السعادة كموضوع أمل بالنسبة لكانط ال تتحقق في األرض و تبقى موضوع أمل مشروع ليس إال .و
هكذا يربط كانط الحرية بالعقل ،فاإلرادة الخيرة هي التي تخضع إلرادة القانون العقالني والك وني أم ا اإلرادة
التي تخضع للرغبات الحسية فهي إرادة مرضية بالمعنى الك انطي أي ال تخ رج عن ت أثير الح واس ,فالحري ة
والعقل ال ينفصالن عند كانط الذي يقول " :الحرية هي خاصية إرادة ك ل ك ائن عاق ل " ،وبالت الي ال
تكون السعادة بالنسبة لكانط شأنا سياسيا.
السؤال : 1هل يحق لي أن أكون سعيدا قبل االلتزام بأداء واجبي األخالقي ؟
13
هل أن الحق في السعادة يمكن أن يتجاوز ك--ل اكراه--ات ال--واجب األخالقي ؟ أم أنّ الح--ق في
يتقوم إال بتماهيه -مع الواجب األخالقي ؟
السعادة ال يستقيم ّ /
إذا كانت السعادة متعة و ل--ذة ه--ل يح--ق لإلنس--ان أن يطلب المت--ع دون الخض--وع ألي ق--انون
أخالقي ؟
مرحلة بلورة الجواب :بلورة التفكير في المشكل باعتماد التم ّشي التالي :
.Iفي إمكان أن أكون سعيدا قبل أداء الواجب األخالقي :
ضرورة االنطالق من المفاهيم :
*ضرورة االشتغال على األفكار التالية :
.1االنطالق من معنى الحق في السعادة من جهة أنها مطلب إنساني ضروري -و هو معطى مشترك
بين جميع البشر
.تحديد داللة السعادة بما هي تجربة ذاتية مشروطة برغبات األفراد و ميوالتهم المتغيرة باستمرار.
.بيان بعض تجليات السعادة من ذلك اختزالها في اللذة ،المتعة و إش باع الرغب ات و ش هوات الجس د
أو تحقيق كل أشكال المنفعة و خاصة منها تلك التي تيسّر حياة األفراد .بمعنى إمكان اختزال الس عادة
في الرفاه و هو ما يحوّ ل السعادة إلى شيء مادي قابل للقيس و الحساب.
ّ
الملذات و إشباع رغبات الجس د و اللهث وراء االس تهالك و تلبي ة الحاج ات .االنتهاء إلى أن تحقيق
المتكاثرة قد يكون على حساب الواجب = يتناقض مع ما يمليه الواجب األخالقي .
.2تحديد داللة الواجب األخالقي بما هو التزام بقانون كلي و ضروري و ال مشروط.
13
.بيان أن الواجب األخالقي بهذا المعنى يعتبر مصدرا لأللم و عائقا أمام تحقيق سعادة الفرد من جهة
أنه في تعارض مع رغبات الذات و ميوالتها.
.االنتهاء إلى أن الحرص على تحقيق السعادة قبل االلتزام بأداء الواجب األخالقي يجعل من اإلنسان
كائنا ال أخالقيا .فنكون إزاء اإلمّية التالية :إما سعادة بال أخالق و إ ّما أخالق بال سعادة
= بيان أن االلتزام بالواجب األخالقي ال يجعل منا سعداء بل جديرين بالسعادة ( موقف كانط )
.يرى كانط أن طريق السعادة هو االلتزام بالقانون األخالقي الق ائم على ال واجب العقلي .ف إذا ك انت
الغريزة أو الطبيعة تدفع كل واح د م ّن ا إلى تص وّ ر المتع ة في اإلرادة الخاص ة و األناني ة ،ف إنّ ه ذه
المتعة ال تكون إال على حساب اآلخرين و تتعارض مع جوهر الحرية كالتزام بالقواعد األخالقية.
.و إذا كان الواجب األخالقي القطعي يقتضي أن نلتزم به دون أن تكون لنا مص لحة من وراء ذل ك،
ف إنّ االل تزام به ذا ال واجب يجعلن ا ـ في النهاي ة ـ ج ديرين بالس عادة ال تي تكمن في رض ا الض مير
والتوافق مع الروح األخالقي ة ،ف واجب ق ول الحقيق ة مثال يولّ د في النفس س عادة روحي ة ح تى و إن
كانت هذه الحقيقة ُتخلّف ألما أو ضررا لإلنسان على المستوى العملي.
.IIفي أن اإلنسان ال يكون سعيدا إال عند أدائه الواجب األخالقي :
.تعريف السعادة بما هي انعدام لأللم و غياب االضطراب على النفس
.تحقيق الطمأنينة و طلب السكينة من خالل حساب اللذات و عقلنتها و هو ما يحيل على هذا التوافق
بين االلتزام بأداء الواجب األخالقي و طلب السعادة = تحقيق االعتدال /الوسط العادل بما هو فضيلة
تجعل اإلنسان في توافق مع الخير و بالتالي االلتزام بما يقتض يه ال واجب األخالقي و ه و م ا يجعل ه
سعيدا.
تخلّص :
لكن إذا تعلق األمر في السؤال بكيفية /بالسبل التي نحقق بها السعادة فإنّ السؤال المُلح اليوم هو هل
هناك سعادة فعال ؟ أم إنّ السعادة مطلب مستحيل ؟.
يستنكرها " .كما يرى أنصار االتجاه الديني أن القيم األخالقية صادر عن الوحي
) فالتعاليم الدينية مصدر القيم األخالقية ( فهي جاءت لكي تساعد العقل علي إدراك الخير والشر .
هذا الموقف الديني نجده بوضوح عند مفكري اإلسالم خاصة موق ف المفك رين األش اعرة ال ذي يعت بر
الدين مصدر الخير والشر
فالواجبات في نظرهم سمعية كلها " افعل ما تؤمر آية .باعتبار أن القيم مختلفة باختالف الدين .
_ لكن الفرد قد يحدث ثورة فكرية ،وأخالقية ويخرج عن العرف ويغير قواعد المجتمع ،كما أن المثل
األعلى الوارد
عن طريق الوحي قد ينعدم عند بعض الشعوب وتبقي لديهم أخالقهم الخاصة .
القيمة األخالقية ذاتية وموضوعية :القيم من صنع أطراف مختلفة
من القيم األخالقية ما هو صادر عن الفرد وتبقى هذه األخالق محل اختالف بين الن اس ،ومن القيم م ا
هو صادر عن
المجتم ع كالع ادات والتقالي د وهي متغ ير من جماع ة ألخ رى ،ومن القيم م ا ه و ص ادر عن ال وحي
كأخالق المسلمين وما يتعلق
بالحالل والحرام وهي تتمتع بالثبات .
الخاتمة :إن موقف سارتر من األخالق ال يمكن التسليم به ،إذ ليس بإمكان الفرد أن يقرر وحده الخير
والشر ،رغم أنه قادر
على ابتكار القيم األخالقية وقادر على االلتزام بها أو تركها .فالقيم األخالقية تصنعها أط راف مختلف ة
الفرد ،المجتمع ،
13