Professional Documents
Culture Documents
1 الفصل الأول
1 الفصل الأول
تعريـف السـياسـة
أوال – ما هى السياسة.
ثانيا – ذاتية علم السياسة.
ثالثا – قوانين علم السياسة.
رابعا – السياسة بين الفلسفة والعلم.
خامسا – الجانب الفنى للسياسة.
سادسا – جوهر السياسة.
9
الفصل األول
تعريـف السـياسـة
أوال -ما هى السياسة:
منذ أن ب دأ انتظ ام الف رد في مجتمع يتب ادل الن اس فيه المن افع ،نش أت
السياسة .فالمجتمع ما هو إال مجموعة من األفراد يعيشون معا ،وتنشأ بينهم
عالق ات تحتم عليهم خلق ن وع من التنظيم ،يس اعدهم على التط ور والنم و،
وتوف ير أس باب األمن والحماية لكل منهم ،واإلنس ان هو ص نعة المجتم ع ،فيه
يولد وينم و ،ومنه يس تقى قيمه ومثالياته ال تى تش كل رأيه وفك ره وض ميره،
وهو ال يعيش فيه منع زال ،بل منخرطا في عالق ات متنوعة مع أقران ه .ولما
كانت كلمة "سياسة" ترتبط بتجمع األفراد في جماعة تتبادل المصالح ،فمعنى
ذلك أن اإلنس ان Manوالمجتمع Societyوالسياسة Politicsظ واهر
متالزم ة؛ حيث ال يع رف الت اريخ إنس انا ع اش في عزلة تامة عن المجتم ع،
وال جماعة عاشت بال س لطة بش كل أو ب آخر ،أى أن المجتمع ليس س ابقا
لوجود السياسة ،وال السياسة الحقة على وجود المجتمع ،وإ نما يصاحب قيام
المجتمع انقس ام الن اس إلى فئة حاكمة وأخ رى محكوم ة ،وتنظيم العالقة بين
هاتين الفئتين هو أهم وظائف السياسة.
وإ ذا ما ب دأنا ب التعريف اللغ وى ،نجد أن كلمة "سياس ة" مكونة – وفقا
للمصطلح اليوناني القديم – من شقين Polis:أى المدينة kechne،أى فن
الت دبير ،فتك ون السياسة به ذا المع نى هى فن إدارة المدينة (المدينة الدولة أو
دولة المدينة City – stateوهى الوح دة السياسة ال تى ك انت ش ائعة في
العصر اإلغ ريقى) وقد اختلف الكت اب الع رب في تحديد أصل كلمة "سياس ة"
حيث رأى البعض أنها كلمة دخيلة على اللغة العربي ة ،بينما اتجه جمه ور
الكت اب إلى التأكيد على عربيتها وق الوا أنها مص در ،وفعلها س اس ،يس وس،
فيق ال :هو يس وس ال دواب ،بمع نى يق وم عليها ويرعاه ا ،وال والى يس وس
الرعية ،أى يأمرهم وينهاهم .وبذلك تكون السياسة هى القيام على الشيء بما
يصلحه ( .)1وفى الحديث الشريف – كما ورد في الصحيحين – قول رسول
اهلل (ص لى اهلل عليه وس لم)" :ك ان بنو إس رائيل يسوس هم أنبي اؤهم ،كلما م ات
ن بى ج اء آخ ر ،أما أنا فال ن بى بع دى ،فمن أط اعنى فقد أط اع اهلل ،ومن
عص انى فقد عصى اهلل ،ومن أط اع األم ير فقد أط اعنى ،ومن عصى األم ير
فقد عص انى" ( .)2ويت بين من ه ذا الح ديث الش ريف أن كلمة "سياس ة" تع نى
الحكم والتوجيه ومباشرة السلطة.
( )1ابن منظور :لسان العرب ،اجلزء السادس (بريوت :دار إحياء الرتاث العرىب، 1
)1999ص.429 :
( )1رواه البخارى ومسلم -يف صحيحيهما. 2
11
ف العلوم تتب اين تبعا لتب اين نوعية الم واد المس تهدفة (الظ واهر) ونوعية
من اهج البحث المس تخدمة .وقائمة العل وم االجتماعية فى العصر الح ديث قد
تط ول أو تقصر حسب نظ رة الب احث ،غ ير أن من أمثلة ه ذه العل وم:
الأنثروبولوجيا (علم تط ور اإلنس ان) االقتص اد ،االجتم اع ،الت اريخ،
الجغرافي ا ،الفلس فة ،الق انون ،علم النفس االجتم اعي ،األخالق ،إلى ج انب
السياسة بالطبع .وال شك أن هناك صالت وثيقة بين هذه العلوم جميعا؛ حيث
أن كل العل وم االجتماعية تح اول – ف رادى أو جماع ات – أن تفسر بش كل
أكثر علمية سلوك اإلنسان في المجتمع .ليس هذا فحسب ،بل ينبغى أن يكون
)2( 1حممد توفيق رمزى :علم السياسة أو مقدمة يف أصول احلكم (القاهرة :مكتبة
النهضة املصرية )1957 ،ص.17 :
)3(2املرجع السابق ،ص.20 :
12
وقد تبل ور تعريف السياسة في ثالثة اتجاه ات ،ج اء كل منها انعكاسا
لوجهة نظر ص احبه ،وهى إن ب دت مختلفة في مظاهره ا؛ إال أنها تتفق في
األصل والج وهر ،االتج اه األول يربط بين السياسة والدول ة ،ويربط الث انى
بين السياسة والس لطة ،أما الث الث ف ذو نزعة قانوني ة ،حيث يجعلها مرادفة
للقانون الدستورى والنظم السياسة.
()2
حيث أن ظ اهرة الس لطة ،وبال ذات الس لطة السياس يةPolitical البش رية
Authorityتم ارس لص الح المجتمع باعتب اره موج دها .فالس لطة تنبثق عن
المجتمع وليس العكس ،والس لطة السياس ية به ذا المفه وم ال تم ارس إال من
خالل دولة ،وهى الظاهرة االجتماعية الوحيدة التى استطاعت الصمود أمام
عاص فة الت اريخ الح ديث كما ق ال دورك ايم ،وذلك ما جعل بعض علم اء
السياسة ينزعون إلى تسمية علم السياسة باسم "علم السلطة" (.)2
أما أص حاب االتج اه الث الث ،وال ذين يرادف ون بين علم السياسة من
جهة ،وعلم القانون الدستورى والنظم السياسية من جهة أخرى ،فإنهم يرون
أنه ما دام أن علم الق انون الدس تورى والنظم السياس ية هو ذلك الف رع من
فروع القانون العام الذى يهتم بدراسة "نظام الحكم في الدولة" كما هو مدون
في الوث ائق الدس تورية؛ ف إن الدولة وإ ن ك انت كيانا سياس يا ،فإنها موض وع
قانونى ،تستند إليه ممارسة السلطة السياسية في المجتمع ،بعد أن انفصلت –
بموجب الدستور – عن شخص الحاكم ،كما أنها الوعاء القانونى الذى يجرى
فيه إنش اء التنظيم ات الدس تورية للس لطة .بعب ارة أخ رى ،ي رى أص حاب هذا
االتج اه أن دراسة الق انون الدس تورى والنظم السياس ية هى دراسة للق والب
االجتماعية التى يتم إفراغ سلطة الدولة فيها ،وهو ما جعلهم يميلون إلى ربط
علم السياسة بالقانون.
)1(1ثروت بدوى :النظم السياسية (القاهرة :دار النهضة العربية )1977 ،املقدمة.
)2( 2حممد طه بدوى :أصول علوم السياسة (اإلسكندرية :املكتب املصرى احلديث،
)1970ص.460 :
14
للق انون الدس تورى والنظم السياس ية ،ف إن ذلك أدعى إلى تأكيد حقيقة مؤداها
أن السياسة موضوعها الدولة ،ومظهرها السلطة ،وإ طارها القانون.
وعلى أية ح ال ،ف إن التعريف ات الس ابقة ليست هى كل تعريف ات
السياس ة ،حيث ي رى البعض أن الص راع Struggleهو خالصة العملي ات
السياس ية كله ا؛ ذلك ألن الكائن ات البش رية تتن وع أص ولها الثقافي ة ،وتختلف
ميولها واهتماماتها نوعـا وعمق ا ،ثم إن الثـروات الطبيعية ال تى يمتلكـها
المجتمع مح دودة ،ومن ثم فهى غ ير كافية لسد حاج ات الق وى البش رية
المتزايدة في المجتمع ،ولذلك فمحاولة السيطرة على هذه الموارد أمر غالب
الح دوث ،وه ذه المح اوالت هى ال تى تخلق ه ذا الص راع بين األف راد
والجماعات والمنظمات بل والدول المختلفة ( .)1وكما يحدث الصراع بسبب
ن درة الم وارد في المجتمع وع دم كفايته ا ،فإنه يح دث ك ذلك نتيجة ل دواع
أخ رى ،منها – على س بيل المث ال – تجاهل بعض المش كالت االجتماعية
الملحة مثل البطالة واإلس كان واألج ور ..الخ .كما أن االختالف ات بين
األف راد والجماع ات ت تيح الفرصة لكث ير من أن واع الص راع ،ف البيض مثال
نراهم يبحثون عن كل وسيلة تدعم سيادتهم على السود كما حدث في أمريكا
وجن وب أفريقي ا ،والفق راء غالبا ما ينقم ون على األغني اء وينخرط ون في
جماعات تطالب بإعادة توزيع الثروة كما يحدث في المجتمعات الرأسمالية،
والرجل قد يعمد إلى التشبث بأفضليته على المرأة كما يحدث في المجتمعات
الش رقية ،وتن وع األدي ان ثم التعصب لها في بعض البالد قد ي دعو إلى
االحتك اك وأحيانا إلى ح روب دامية كما ح دث في إنجل ترا أثن اء الح رب
األهلية ( .)2والمطامع الشخصية لبعض الحكام سبب آخر للصراع السياسى،
مثلما ح دث مع ن ابليون حينما ح اول تك وين إمبراطورية عالمية يحكمها على
( )1عبد الرمحن خليفة :أيديولوجية الصراع السياسى (اإلسكندرية :دار املعرفة 1
بينما ي رى البعض اآلخر أن الق وة Powerهى أهم م داخل التع رف
على السياسة ،وبهذا المعنى تصبح دراسة السياسة هى دراسة عالقات القوة
بين الن اس ،من حيث ص ورها وأش كالها والكيفية ال تى تع بر عنها بنائياً
ووظيفي ا .ويميل أص حاب ه ذا االتج اه إلى النظر إلى ع الم السياسة على أنه
مف رغ من أى محت وى أخالقى ،فالسياسة كما يقول ون هى الس يطرة (.)1
وباستقراء بسيط لمجريات األمور على المسرح السياسى عبر تعاقب الحقب
التاريخية والس يما في العصر الح ديث ،ن رى الم دى البعيد ال ذى يصل إليه
ص دق ه ذا االتج اه .فمنذ السوفس طائيين ال ذين ن ادوا ب أن الحق لألق وى،
ومكي افيللى ال ذى ن ادى ب القوة والمحافظة عليها واالس تزادة منه ا ،وبس مارك
رئيس وزراء ألمانيا في الق رن التاسع عشر وص احب ش عار "السياسة هى
الحديد والدم" والذى استطاع بهذا الشعار توحيد ألمانيا سنة 1871بعد طول
انقس ام ،إلى إس رائيل ال تى تطيح بكل المواثيق والق رارات الدولية منتهجة
ب ذلك س لوك الق وة ،قوتها أو ق وة من يس اندها من األقوي اء .لكل ه ذا راح
البعض يرى أن القوة وعالقاتها هى صلب عالم السياسة.
( )1عبد الرمحن خليفة :مقاالت سياسية (اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية)1985 ، 2
ص.291 :
( )2حممد على حممد وعلى عبد املعطى حممد :السياسة بني النظرية والتطبيق 1
( )1عبد الرمحن خليفة :يف الفكر السياسى (اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية، 1
إلى فهمها ودراستها وتحليلها بكل أبعادها .ومع أن التحليل السياسى يستعين
ب إجراءات منهجية ووس ائل فنية بالغة الدقة واإلحك ام؛ إال أن ه ذا المنظ ور
المبسط أو التص ور الع ام للموض وع هو دائما األس اس ال ذى يق وم عليه أى
تحليل متعمق أو دراسة مستفيضة بعد ذلك (.)1
وأخ يراً ،هن اك من يح اول وضع أس ئلة ،وي رى أن فهم السياسة يتوقف
على إمكانية اإلجابة عليها ،ومن هذه األسئلة على سبيل المثال:
ما هى الدولة ،وكيف نشأت ،ولماذا نشأت ،وما هى وظائفها ،وما هى
حدود سلطتها ،وما هى أفضل أنواع الحكم فيها؟
كيف تتحمل مختلف التنظيم ات البش رية مثل ال دول واألح زاب
السياس ية والهيئ ات الرس مية والمنظم ات الدولية كل أن واع الض غوط ال تى
تتعرض لها ،وكيف يمكن التغلب عليها بأسلم الحلول؟
)1(1حممد على حممد وعلى عبد املعطى حممد ،مرجع سابق ،ص.12 – 11 :
18
فى ذلك يرجع إلى إلح اح المع ارف القديمة كالفلس فة والت اريخ والق انون على
التمسك بعلم السياسة كمج ال من مج االت ه ذه المع ارف ،وحيث ك ان قاس ما
مشتركا بينها على اختالف مناهجها وطرائقها فى البحث ،فبدت موضوعات
علم السياسة وكأنها فرعية ب دال من أن تك ون علما مس تقال ،ومن ثم أص بحت
عب ارة العل وم السياس ية Political Sciencesال تع نى أك ثر من مجموعة
المع ارف التقليدية ال تى تتقاسم دراسة السياسة Politicsوكأنها مج رد ف رع
من ف روع ه ذه المع ارف ،فك ان الفالس فة يتن اولون دراسة السياسة بمنهج
معي ارى (منهج ما يجب أن يك ون) وك ان الت اريخيون يتناولونها بمنهجهم
التاريخي ،فيدرسون وقائعها كلا على حدة ودون الكشف عن دالالتها ،وكان
القانونيون يتناولونها بمنهج التحليل القانونى ،أى فى ضوء ما يجب أن تكون
عليه طبقا ألحك ام الدس اتير والتش ريعات ...وهك ذا ( .)1وك ان أس اس ه ذه
النظرة هو االعتقاد أن جميع العلوم االجتماعية تهتم بالسياسة بشكل أو بآخر
بواسطة فرع من فروعها على األقل ،وأنه ليس هناك ميدان خاص للمعرفة
ينفرد به علم السياسة.
غ ير أن تط ورا كب يرا قد لحق بعلم السياسة فى الس نوات األخ يرة كعلم
تجري بى له ذاتية مس تقلة ،وارتبط ه ذا التط ور ب أمرين :ظه ور المنهج
التجريبى Empirical Methodفى الدراسات االجتماعية من جهة ،واقتناع
الباحثين التجريبيين من ناحية أخرى بأن لعلم السياسة "مفهوم أس اس" Basic
Conceptأو نقطة انطالق أو مركز اهتم ام ت دور حوله دراسة ه ذا العلم.
وبه اتين الخاص يتين راح علم السياسة المعاصر يحقق ذاتيته فى مواجهة
الدراسات التقليدية التى تشاركه نفس المجال ،ولكي يصبح العلم الذى يعنى
( )1حممد طه بدوى وليلى أمني مرسى :املدخل إىل العلوم -السياسية (مذكرات غري 2
بتحليل ع الم السياسة تحليال علميا تجريبي ا ،وص ار ب ذلك أح دث العل وم
التجريبية من حيث النش أة وتحقيق االس تقالل ،بالقي اس – مثال – إلى علم
االجتماع Sociologyأو علم االقتصاد Economicsأو غيرهما من العلوم
االجتماعية التجريبية التى سبقت علم السياسة الناشئ.
والحق أن التنبيه إلى علم السياسة كعلم تجري بى متم يز عن المع ارف
التقليدية المتقدمة (الفلسفة والتاريخ والق انون) بمادته ومنهجه ،إنما يرجع إلى
جه ود الب احثين التجريب يين األمريك يين فى الق رن العش رين أمث ال إس تون
والسويل وكوبان ومورجانتو وبنتلى ،الذين نبهوا إلى أن للعالقات السياسية
خواصا تتم يز بها عما ع داها من عالق ات الواقع االجتم اعي األخ رى ،ومن
ثم فهى جديرة بأن يعنى بها علماء تجريبيون متخصصون (.)1
ويجرنا الح ديث عن ذاتية علم السياسة إلى ض رورة التمي يز بين
ال دالالت المختلفة لبعض المف ردات السياس ية وال تى تب دو – ألول وهلة –
مترادف ة ،وال تى يخلط الكث يرون بين معانيها ويس تخدمونها دون تمي يز ،ومن
ه ذه المص طلحات :علم السياس ة ،والعل وم السياس ية ،وفلس فة السياس ة،
والفلسفة السياسية ،والفكر السياسى ،والنظرية السياسية ...الخ.
وأول ما يجب توض يحه هو الف رق بين عب ارة علم السياسة (ب المفرد)
وعب ارة عل وم السياسة أو العل وم السياس ية (ب الجمع) فعب ارة علم السياسة
(ب المفرد) تع نى بم دلولها المعاصر (أى بعد أن حقق علم السياسة ذاتيته
المس تقلة م ؤخرا كما س بق وأش ير) ذلك الض رب من ض روب المعرفة
السياس ية ال ذى ينف رد بمعالجة الظ واهر السياس ية ،والبحث فيها بمنهج علمى
تجريبي خالص؛ ولذلك فإنه يأتى فى طليعة المعارف السياسية (العلوم ذات
الص لة الوثيقة بالسياس ة) وهو منها بمثابة األصل أو الج ذع المش ترك ،مما
يجعله يحتل موقع الص دارة فى التوزيع األك اديمي لموض وعات الدراس ات
السياس ية كله ا .أما عب ارة عل وم السياسة (العل وم السياس ية) فهى تش ير إلى
مجموعة المع ارف أو العل وم ال تى تتن اول الج وانب المختلفة لع الم السياسة
على اختالف من اهج ه ذه العل وم وانتماءاتها المتش عبة إلى أن واع المع ارف
المختلفة (.)1
وس واء منها ما ينتمى إلى علم السياسة البحت ال ذى ينهج فى تحليله
للظ اهرة السياس ية نهجا علميا تجريبيا (منهج ما هو ك ائن بالفع ل) كعلم
العالق ات الدولي ة ،أو ما ينتمى إلى مع ارف وعل وم أخ رى أوسع ك العلوم
القانونية التى ال تزال تمعن فى االرتباط بالتحليل الشكلى (منهج ما يجب أن
يك ون) ك النظم السياس ية ،والق انون ال دولى الع ام .وس نرى م دى ارتب اط
السياسة بكثير من هذه العل وم عند عرض عالقاتها ببعض العلوم االجتماعية
األخرى فى الفصل الثالث.
وجملة القول فى مجال التفرقة بين علم السياسة والعلوم السياسية ،هو
أن علم السياسة المعاصر هو علم عل وم السياس ة ،باعتب ار أن المنهج العلمى
التجريبى يعد الزمة من لوازمه ،أما العلوم السياسية فهى تلك المعارف التى
لها عالقة مباشرة أو غير مباشرة بعالم السياسة ،بصرف النظر عن اختالف
انتماءاتها لعلوم أخرى أو اختالف مناهجها ،وعليه فإن االنتماء لعلم السياس ة
البحت وكذلك مناهج البحث ،ليست مقياسا للحكم على هذا الفرع أو ذاك من
العلم بأنه سياسى أو غير سياسى (.)1
السياس ية على الفلس فة .وأغلب الظن أن من وقع فى الخلط بين فلس فة
السياسة والفلس فة السياس ية ،ك ان يقصد الح ديث عن فلس فة السياس ة ،وليس
الفالسفة السياسيين ،ثم فى ب اب المقارنة ،كانوا يعقدونها بين فلسفة السياسة
وعلم السياسة (.)1
)2(1عبد الرمحن خليفة :أيديولوجية الصراع السياسى ،مرجع سابق ،ص.118 :
24
نق ول إذا ك انت السياسة علم ا؛ فالبد وأن يك ون لها ق وانين (ش أن كل
العلوم) ولذلك فإنه يجدر بنا قبل بحث هذه المسألة أن نعرف أوال مع نى كلمة
"علم" ،ومع نى كلمة "ق انون علمى" .ف العلم – من الناحية االش تقاقية – هو كل
( )1حممد نصر مهنا :مدخل إىل النظرية السياسية احلديثة (اإلسكندرية :اهليئة املصرية 1
ما ي دخل فى نط اق المعرفة كمقابل لما ي دخل فى نط اق التخمين ،ول ذلك فهو
ينطبق على أية دراسة تق وم على المعرفة أك ثر مما تق وم على اآلراء ،بينما
يس تخدم المص طلح فنيا لإلش ارة إلى البنـاء المنظم من المعرفة المحققة
والمض بوطة المس تندة إلى المالحظة والتجرب ة ،وهو أش مل من "المعرف ة"
Knowledgeفنحن ال نعرف إال أشياء من العلم ،فيقال أننا نعرف كذا من
العلم ،وال يق ال أننا نعلم ك ذا من المعرف ة ،ويق ول اهلل تع الى" :وما أوتيتم من
العلم إال قليال" أى "ما ع رفتم" منه إال الن ذر اليس ير ،وب ذلك تك ون "المعرف ة"
هى مج رد الق در ال ذى نبلغ ه من "العلم" .والمعرفة عند فالس فة العل وم هى
مجموعة من اإلج راءات الذهنية ت دور بين ط رفين هم ا :العقل من ناحي ة،
والم ادة المس تهدفة من ناحية أخ رى ،بغ رض الكشف عن حقيقة ه ذه الم ادة
وال تى اص طلح على تس ميتها "بالظ اهرة" Phenomenaوتتخذ ه ذه
اإلج راءات الذهنية ال تى ت دور بين العقل والظ اهرة العديد من األش كال
اص طلح على تس ميتها بالمن اهج Methodsأو ط رق البحث Approaches
أما "الق انون العلمى" Scientific Ruleفهو عالقة ثابتة مس تمرة بين
ظ اهرتين أو أك ثر ،مع ت وافر ش روط معينة وبق اء العوامل األخ رى على
حالها ،أو اس تمرار بقية الظ واهر كما هى علي ه .والق وانين العلمية أك ثر
وض وحا فى العل وم الطبيعي ة ،ك القول ب أن الم اء يتجمد عند درجة ح رارة
ص فر بش رط أن يك ون نقي ا ،أو أن الب ذور تنبت بعد ف ترة معينة بش رط أن
تروى بالماء ،أو أن الحدي د يتم دد بالحرارة ،والنحاس موصل جيد للكهرباء
...ونحو ذلك.
يس تطيع الب احث السياسى أن ي رقى بها إلى درجة اعتبارها ق وانين علمية
للسياسة.
)1(1انظر ىف ذلك:
-بطرس غاىل وحممود خريى عيسى :املدخل ىف علم السياسة (القاهرة :مكتبة األجنلو
املصرية )1999 ،ص.17 ،16 :
-عبد الرمحن خليفة :مقاالت سياسية ،مرجع سابق ،ص.284 :
-حممد على حممد وعلى عبد املعطى حممد :السياسة بني النظرية والتطبيق ،مرجع سابق،
ص.37 ،36 :
)2(2عبد الرمحن خليفة :مقاالت سياسية ،مرجع سابق ،ص.284 :
27
االقتصاد الذى يستطيع أن يقيس تغير المجتمع عبر الزمن عن طريق إنتاجه
الكلى ،وأن يقيس ثروته عن طريق حس اب دخله وم وارده ،وأنه يس تطيع أن
يصل إلى قاع دة اقتص ادية ،ك التى تق ول مثال :أنه إذا ك ثر المع روض وقل
الطلب انخفض الثمن والعكس ص حيح ،فهى قاعدة أو قانون اقتصادى ،وهو
رغم قلة وض وحه ،إال أنه موج ود فعال ومع ترف ب ه ،ويس اعد الب احثين فى
الكشف عن حقائق الموضوعات التى يبحثونها.
كما يمثلون أيضا بعالم النفس الذى يستطيع أن يقوم بإجراء اختبارات
فروضه فى وسط مح دد ال يضم إال ع ددا مح ددا من األف راد ،وب ذا يمكنه
الوصول – بشكل أو بآخر – إلى قوانين لها صفة العلمية .فى حين ي رون أن
السياسة الزالت من تلك العلوم االجتماعية التى تفتقر إلى التنظيم ،فال تتحقق
لها ه ذه الدرجة من الدق ة ،بل على النقيض من ذل ك ،نجد ع الم السياسة
يتعامل مع قطاع ات عريضة من المجتم ع ،تضم ك ثرة من األف راد فى بيئة ال
يمكن التحكم فيه ا ،ويمكن لكل ف رد فيها أن ي ؤمن بما ش اء من اختي ارات
كثيرة تعرض عليه ،ولذلك فإن هذا الفريق ينفى صفة العلمية عن السياسة،
وال يعترف بوجود قوانين لها.
أما أنصار االتجاه الثانى ،فإنهم ال يميلون إلى التسليم بهذه الفكرة التى
تنكر ص فة العلم على السياسة وبالت الى وج ود ق وانين له ا ،وي رون فى نفس
ال وقت أن معالجة موض وعات السياسة بنفس األس اليب ال تى تع الج بها
موضوعات العلوم الطبيعية فيه قدر من التعسف ،فالسياسة عند هؤالء علم،
ألنها تق وم أساسا على حق ائق واقعي ة ،ولكنها ليست ك العلوم الطبيعي ة؛ إذ
تنقصها الدقة الصارمة التى تتوافر فى أبحاث الطبيعيين ،ويرجع ذلك إلى أن
الظواهر السياس ية يصعب أن تخضع للمعالجة الكمية أو القياس الدقيق ،كما
28
ومما الشك فيه أن الماضى ي ترك بص ماته على الحاضر والمس تقبل،
فالخبرة التى اكتسبناها والعبرة التى خرجنا بها من مختلف الصراعات ،هى
التى تحدد لنا الدرب الذى ينبغى أن تسير عليه ،وعلى ذلك فهن اك كثير من
الق وانين ال تى يمكن اس تنباطها لتك ون فى مجموعها علما نأخذ به ونح اول
)1(1بطرس غاىل وحممود خريى عيسى :املدخل ىف علم السياسة ،مرجع سابق ،ص:
.18
29
الخاص ية العلمية ألى دراسة ال تؤك دها طبيعة الم ادة المدروسة بق در ما
تؤكدها الوسائل المتبعة فى إثبات هذه الخاصية ،ومن ثم فإن علمية السياسة
أمر ال يقبل الج دل اآلن ،الس يما بعد أن ب دأ علم اء السياسة المعاص رون فى
اس تخدام من اهج البحث العلمى فى التحليل السياس ى ،وتط بيق النظري ات
العلمية فى الميدان السياسى .ثم كيف ال تكون السياسة علما وهى التى تشمل
وتربط بين التص نيفات السياس ية المختلفة ال تى ح ددها خ براء اليونس كو وهى
(النظري ات السياس ية ،النظم السياس ية ،الحي اة السياس ية ،العالق ات الدولي ة)
وكل منها فى حد ذاته علم ،يأخذ بض رب معين من ض روب المعرفة
السياس ية .فهل يمكن أن تك ون الف روع علوما واألصل ننكر عليه ذل ك؟ (.)1
وسيأتى تفصيل ذلك عند الحديث عن مجاالت علم السياسة فى الفصل الثانى
من هذه الدراسة.
لفظ العلم ب المعنى ال ذى يهمنا هنا ،أى فى مقابل الفلس فة ،اس تعمال
ح ديث ال يرجع فى الت اريخ إلى أبعد من الق رن الس ابع عش ر ،أما قبل ذلك
فك ان كل ش يء ي دور فى فلك الفلس فة ،فأرس طو وأتباعه من ال ذين كتب وا
دوائر مع ارف لعل وم كث يرة ،ك انوا يعتبرونها كلها أج زاء من الحكمة
أو الفلس فة ،ونحن نجد صدى ه ذا فى المؤلف ات العربية كق ولهم
"الحكمة الطبيعي ة" كما أن ني وتن واضع أسس الميكانيكا الحديثة أو بص ورة
أعم الطبيعي ات ،ك ان يسمى ه ذا الف رع العلمى البحت "الفلس فة الطبيعي ة" مما
ي دل على أنه لم يف رق بين التفك يرين العلمى والفلس فى .غ ير أنه منذ تأس يس
أكاديمي ات للعل وم البحتة س نة 1662فى إنجل ترا وس نة 1666فى فرنس ا،
اع ترف المفك رون ض منا باس تقالل العل وم عن أمها الفلس فة ،ولم يص بح
المفكرون على وعى تام بهذا االنفصال إال بظهور الفلسفة الوضعية على يد
أوجست ك ونت فى أوائل الق رن التاسع عشر ،وهو اتجـاه يحصر كل جـهده
فى محـاولة وضـع حـدود فاص لة بيـن تفك يرين ظال مختلطين طوال عص ور
التاريخ ( .)1فما هى الفروق بين هذين التفكيرين؟
الواقع أن ثمة فروقا عديدة بين العلم والفلسفة يمكن إجمالها فيما يلى:
-1يس تهدف العلم وصف الظ واهر وكيف تح دث ،أما الفلس فة فهى
تح اول تفس ير ما وصل إليه العلم ،ف العلم يبحث فى كيفية ح دوث الظ واهر،
بينما تبحث الفلسفة فى علة حدوثها ،أى أن العلم وصفى والفلسفة تفسيرية.
( )1على عبد املعطى حممد :قضايا الفلسفة العامة ومباحثها (اإلسكندرية :دار املعرفة 1
-8يق وم العلم أساسا على المنهج التجري بى ،أما الفلس فة فال ش أن لها
بالتجريب أو التجربة ،فهى تأملية ،وهذا فارق منهجى ،أى أن العلم تجريبى
والفلسفة نظرية (.)1
وإ ذا ما رجعنا إلى موض وع السياسة بين الفلس فة والعلم فالبد من
الرج وع إلى عمالق ة الفكر اإلغ ريقى ،حيث يمكن اعتب ار أفالط ون مؤسس
فلس فة السياس ة ،وأرس طو مؤسس علم السياس ة ،على ال رغم من أنهما نظ را
إلى الدولة من منظ ور الفيلس وف ال ذى يعت بر المعرفة كال متك امال ،إال أنهما
من األهمية بمك ان؛ ليس لكونهما فيلس وفين عظيمين أو ح تى مفك رين
سياسيين ،ولكن ألن قدرا كبيرا مما كتباه ال زال صحيحا وثابتا حتى اليوم.
( )2انظر ىف تفاصيل األزمتني وانعكاس ذلك على الفلسفة -بوجه خاص ،على عبد 1
أما أرس طو ،فقد ذهب فى تقس يمه الثالثى للمع ارف إلى جعل السياسة
من العل وم العملية ،حيث ك ان يم يز بين ثالث عملي ات عقلية هى :المعرفة
والعمل واإلبداع ،ومن ثم هناك ثالث طوائف كبرى من العلوم هى :النظرية
والعملية والش عرية ،والعل وم النظرية عن ده هى الرياض يات والطبيع ة،
والعلوم الشعرية هى الخطابة وفن الشعر ،وبين هاتين الطائفتين تقوم العلوم
العملية وهى األخالق واالقتص اد والسياسة ،وإ ذا ك انت األخالق – حس بما
يرى أرسطو – هى علم السلوك اإلنسانى ،واالقتصاد هو العلم الذى يدرس
األسرة ،مكوناتها ومواردها ،فإن السياسة عنده هى العلم الذى يدرس دس تور
المدينة (المدينة الدولة) وكيفية إدارة شئونها ،ومن ثم فإن السياسة من وجهة
نظ ره تقع فى قمة ه ذا الت درج؛ ألن موض وعها (أى الدول ة) يش مل التنظيم
االجتماعي كله (.)2
تلك ك انت وجهة نظر اإلغريق فى فلس فية السياسة وعلميته ا ،وقد
اتس مت بس عة األفق كما ت بين ،العتبارها أن السياسة فلس فة وعلم فى آن
واح د .أما فى العصر الح ديث ،فهن اك من يمعن فى التقليل من ش أن فلس فية
)1( 1حممد على حممد وعلى عبد املعطى حممد :السياسة بني النظرية والتطبيق ،مرجع
سابق ،ص.18 :
)1(2عبد الرمحن خليفة :مقاالت سياسة ،مرجع سابق ،ص.285 :
35
السياسة (أى الج انب الفلس فى من السياس ة) لص الح الج انب العلمى فيه ا،
وهؤالء هم التحليليون أو التجريبيون ،أى المنادون بضرورة تطبيق المنهج
التجري بى العلمى فى السياس ة ،ويطلق عليهم أيضا اسم "الس لوكيون" أو
أص حاب المنهج الس لوكى ،لترك يزهم على بحث األنم اط الس لوكية فى
السياسة ،أو محاولة اكتشاف التماثل فى السلوك السياسى لإلنسان وهن اك من
يتبنى وجهة نظر الفالسفة اإلغريق ،فيرى أن السياسة فلسفة وعلم فى الوقت
نفس ه ،وأن الج انب الفلس فى فى السياسة ال يقل أهمية عن الج انب العلمى
فيه ا ،وهؤالء هم العبر -تجريبيون أو المعي اريون ،ويطلق عليهم أيضا اسم
"التقلي ديون" لإتب اعهم الطريقة الفلس فية أو التاريخية أو القانونية ال تى ظلت
أم دا ط ويال منهجا لدراسة السياسة .وس نقف قليال عند رأى كل من ه اتين
الفئ تين أو وجه تى النظر المتعارض تين ،مش يرين إلى األولى باسم
التجريبيين ،والثانية باسم التقليديين.
أسس قيمية أو معيارية يت ورط الب احث أو ال دارس فى اعتناقه ا ،وبالت الى
إغراء اآلخرين بها ،فعند الحديث عن الديمقراطية مثال ،يرى فيبر أنه يجب
على الم درس أن ين اقش أش كالها المختلف ة ،ويحلل الط رق ال تى ت ؤدى فيها
وظيفته ا ،ويتح رى نت ائج ذلك فى الحي اة االجتماعي ة ،ويضع ذلك فى وضع
المقارنة مع األش كال األخ رى غ ير الديمقراطي ة ،ثم بعد ذلك يس مح لل دارس
باالختيار بين كل هذه األشكال واالعتقاد فيما يناسبه منها (.)1
العلم متحرر من القيم بوجه ع ام ،ومحايد من الناحية السياسية بوجه خ اص؛
ألن العلم يس تطيع فقط أن يعلمنا كيف نحقق أه دافنا ،ولكنه ال يح دد لنا أى
األه داف يجب أن نحققها ( .)1كما يع زو ميلز ظه ور ه ذا االتج اه إلى النج اح
الملحوظ الذى أحرزته العلوم الطبيعية والبيولوجية إبان القرن التاسع عشر،
والرغبة فى إض فاء الط ابع ال ذى تم يزت به ه ذه العل وم على الدراس ات
االجتماعية والسياس ية ،والميل إلى محاك اة األس اليب واإلج راءات المنهجية
ال تى تس تخدمها تلك العل وم فى دراسة ظ واهر المجتمع ومش كالته( .)2ويربط
بوبر بين ظهور هذا االتجاه وبيناالنتقاداتالتى وجهتإلى الم ذهبالتاريخى
Historicityالذىيعتمد علىالنظرة الكلية فى تفسير الظواهر االجتماعية
والسياس ية ،وتفهم أح داثالت اريخ بن اء علىدع اوىغ ير قابلة لالختب ار
التجريبى (.)3
-على ليلة :النظرية االجتماعية املعاصرة ،دراسة العالقة اإلنسانية باجملتمع (دار املعارف
مبصر.)1981 ،
-حممد على حممد :علم االجتماع واملنهج العلمى ،دراسة ىف طرائق البحث
وأساليبه (اإلسكندرية :دار املعرفة اجلامعية )1981 ،ص.871 ،858 :
)2( 1حممد عاطف غيث :املوقف النظري ىف علم االجتماع املعاصر (اإلسكندرية :دار
املعرفة اجلامعية )1982 ،ص.209 :
2
(1) Mills, C,W: The Sociological Imagination (New York, Grove
press, 1961) P: 9.
( )2كارل بوبر :عقم املذهب التارخيي ،ترمجة عبد احلميد صربة (منشأة املعارف 3
وين تقلة تماما عن تك النظر إلى التجربة على أنها مس -2
األنساق النظرية.
-3زي ادة االهتم ام ب الجوانب التطبيقية للعلم ،والرغبة فى توجيه
البح وث لحل المش كالت ال تى تواجهها الجماع ات والهيئ ات والمؤسس ات
القائمة فى المجتمع.
-4إن فلس فة البحث التجري بى تتفق إلى حد كب ير مع النزعة التحليلية
التى أصبحت السمة المميزة للعصر(.)1
)3( 1مسري أيوب :تأثريات األيديولوجيا ىف علم االجتماع (بريوت :معهد اإلمناء العرىب،
)1983ص ،188 – 182 :وملزيد من املعلومات عن إمكانية قيام علم اجتماع
متحرر من أحكام القيمة ،انظر ،حممد وقيدى :العلوم -اإلنسانية واأليديولوجيا (بريوت:
دار الطليعة )1983 ،ص.141 -129 :
)1(2حممد نصر مهنا ،مرجع سابق ،ص.73 - 72 :
39
وينعى التجري بيون على التقلي ديين المعاص رين انش غالهم أك ثر من
الالزم بتفقد آث ار فلس فة السياسة فى الق رون الس ابقة ،واهتم امهم بأبعادها
التاريخية ،وحياتهم حياة طفيلية على أفكار الماضى رغم كثير من الظروف
الش اذة ال تى نش أت فيها ه ذه األفك ار ،كما ينع ون على ه ؤالء الفالس فة أن
نظري اتهم السياس ية أص بحت تتسم بالج انب التكه نى أو التص ورى ،أك ثر من
تركيزها على األح داث ال تى تظهر على المس رح السياسى المعاص ر،
متناس ين أن اإلنس ان ال يقتصر اهتمامه على ما ح دث فى الماضى فحس ب،
بل إنه يتطلع كذلك إلى ما يحتمل حدوثه مستقبال.
أما التقلي ديون (أص حاب وجهة النظر الفلس فية فى السياس ة) ف إنهم لم
يفتتن وا ب العلم وتجريبيته فى مج ال السياس ة ،ورأوا أنه ال وجه لض رورة
تطبيق منهج العلوم الطبيعية بحذافيره على السياسة ،وعلى الرغم من أنهم لم
ينكروا حقيقة أن السياسة تشتمل ضمنا على عرق علمى ،وأنه ليس هناك ما
يمنع من أن تعامل الظاهرة السياسية – كالظواهر األخرى – معاملة علمي ة،
إال أنهم ي رون أن علم اء السياسة التجريب يين يص رون على دراس تها بمن اهج
علوم الطبيعة ،متناسين أو متجاهلين أن ثمة أسئلة فى العلوم الطبيعية – رغم
دقة مناهجها – لم يتوصل فيها إلى إجاب ات ش افية ،ف العلم – كما ي رى
التقليديون – يساعدنا على فهم وتحليل األشياء ،ولكنه ال يقدم معايير الحكم،
والتى يفترض أن تكون فى النظرية السياسية (فلسفة السياسة) (.)1
-2إنهم فى محاولة تق ييمهم للقيم ،ف إنهم يرفض ون جميع األسس فى
التقييم ،ويعاملون جميع القيم بالتساوى ،فيسوون بين الصالح والفاسد أو بين
تدرج القيم.
والواقع أنه على ال رغم من النصر الظ اهرى لالتج اه التجري بى وقبوله
على نط اق واسع فى الس لوكية؛ ف إن هن اك ع ددا كب يرا من علم اء السياسة
الزال وا يعتق دون فى النظرية السياس ية الكالس يكية (التقليدي ة) ليس ه ذا
فحسب ،بل إنهم شديدو النقد للمناهج التجريبية التحليلية ،ومن هؤالء – على
س بيل المث ال – مايكل أوكش وط أس تاذ ورئيس قسم العل وم السياس ية بجامعة
لن دن ،وال ذى ي رى أن فلس فة السياسة هى التفكر فى العالقة بين السياسة
والخل ود .ك ذلك ف إن برتراند جوفينيل ي رى أن علم السياسة ال يس تطيع أن
يك ون وال يجب أن يك ون متح ررا من القيم ،وأنه ب دال من قض اء وقت
التجريب يين فى محاولة الكتش اف التماثل فى الس لوك اإلنس اني؛ يجب عليهم
أن يطوروا معايير ثابتة لتقييم التطورات الكبرى فى حياة المجتمع .أما ليو
ش تراوس أس تاذ علم السياسة بجامعة ش يكاغو ،فهو من أب رز النظ ريين
التقلي ديين المعاص رين ،وأعنف ناقد لمنهج الس لوكيين التجري بى ،ويمكن
اعتب اره مؤسس مدرسة فكرية ت ؤمن بدراسة فالس فة السياسة عموم ا،
وأفالط ون وأرس طو خصوص ا ،دراسة ج ادة ،وهو يهتم ب الفكر السياسى
41
الق ديم لش عوره بأزمة المدنية الحديث ة ،وينتقد وجهة النظر ال تى ت رى أن كل
النظرية السياس ية ذات طبيعة أيديولوجية (نظرية أو فكرية بحت ة) كما ي رى
إيريك ف وجلين أن فلس فة السياسة هى الفكر النق دى للسياس ة ،وال ذى بدونه ال
يمكن أن يكون هناك علم سياسة ،ومثل اإلغريق القدامى يعتبر علم السياسة
هو المعرفة السياسية التى توجد جذورها فى الفكر (.)1
فة السياسة وعلم والواقع أنه ال يمكن وضع حد فاصل بين فلس
السياس ة؛ ألن فيلس وف السياسة ال يس تطيع أن ينفصل عن الص راع السياسي
فى عصره ،كما يفعل السلوكى الذى ينظر إلى الصراع من بعيد ،معتقدا أن
مهمته هى مج رد معرفة الحقيقة بين المتق اتلين ال االش تراك فى الص راع
نفس ه ،أما فيلس وف السياس ة ،ف يرى أنه ج زء من الص راع ،والف رق الوحيد
بينه وبين المتص ارعين هو أنه يح اول اكتش اف الحقيقة فى موقف م ا ،ثم
يعممها فى ظ روف أخ رى ،تؤي ده فى ذلك كل العواطف والقيم ال تى لديه (.)2
ففالس فة السياسة الي وم منهمك ونفى دراسة مش كالتالمجتمع الح ديث،وقد
نجحوا بالفعل فى الوصول إلى نظريات سياسية كعبادة الفرد والكار يزما
وتض خم س لطات الدول ة ،كما أنالماركس ية الجدي دة والتوماوية الجدي دة
والقومية والليبرالية المض ادة وغيره ا ،كل ذلك منعملفالس فة السياس ة،
ويشير إلى عدم اندثار أو فناء التقليد الكالسيكىالعظيم.
ففلس فة السياسة لم ولن تت دهور كما ي زعم التجري بيون وأنص ار
الس لوكية ،وإ نما تغ يرت فى الش كل ،إذ ك انت النظرية السياس ية التقليدية
تشتمل فى الماضى على نشاطين :األول هو الصعيد العملى ،حيث تبحث فى
ماهية الدولة ووظيفته ا ،والث انى :هو الص عيد الفلس فى ،حيث تبحث فى
أه داف الدولة والخط وات المؤدية إليه ا .ولما ك ان الج انب الفلس فى ذا طبيعة
تكهنية أو تخمينية ،فإنه تفاوت من زمن إلى زمن ،ومن مفكر إلى مفكر ومن
بلد إلى آخر( .)1وذلك ال يع نى ان دثار النظري ة ،وإ نما هو تغ ير ط بيعى فى
جانبها ال ذاتى بحكم اختالف الظ روف ،ل ذلك فإنه قد أخطأ كل من ح اول
التقليل من ش أن النظرية السياس ية التقليدي ة ،مثل ب يرك ال ذى تص ور أنها
أبخرة عقل الفيلسوف ،وليست وطيدة الصلة بالمجتمع ،وماركس الذى رأى
أن الحاجة إلى النظ ريين س وف تتالشى ف ور أن ينشأ نظ ام اجتم اعي جدي د،
وإ س تون ال ذى ق رر أن النظرية ب دون حق ائق مثل الس فينة الخربة وإ ن ك ان
يقودها قبطان ماهر .فإذا كان علماء السياسة قد تقدموا فى السنوات األخيرة
فى ابتك ار أس اليب معق دة لفهم س لوك التص ويت واالق تراع وال رأى الع ام
والقيادة ...الخ؛ فإنهم قد أخفقوا فى إعطاء توجيه نظرى لدراساتهم ،وفقدوا
النظ رة السياس ية الش املة ،ولم يس تطيعوا تط وير األدوات والوس ائل ال تى
تس تخدم بص ورة لها مع نى فى الدراس ة ،وظلت اهتمام اتهم مرك زة على
مشكالت محددة ،وحتى هذه المشكالت المحددة ،عجزوا عن رؤية عالقاتها
الخاصة بالنظام السياسى (.)2
إن المجتمع اإلنس انى المعاصر فى حاجة إلى النظرية السياس ية أك ثر
من ذى قب ل ،ذلك أنه فى المجتمع الب دائى ك ان اإلنس ان يس تطيع أن يص يغ
تص رفاته على ض وء الع ادة وب دون حاجة إلى فلس فة تنظيمي ة ،ولكن مع
تحضر البش رية ف إن اإلنس ان أص بح فى حاجة ماسة إلى فلس فة عملية يواجه
بها تعقي دات المجتمع المعاص ر ،لكى يفهم ه ذا المجتمع وكيف يتغ ير ولم اذا
يتغير ،وهو ال يستطيع ذلك إال بحيازته لمجموعة من القيم المتماسكة وفلس فة
عملية تنتظم فيها تلك القيم ،وذلك هو دور فلس فة السياس ة ،ثم إن اإلنس ان
المعاصر – على عكس اإلنس ان الب دائي – لن يرت اح فى المجتمع ما لم
يفهم ه .وإ ذا ك ان البعض ال ي زال يس تجدى أو يس تدين أو يس رق فلس فته
السياس ية من المنظم ات الدينية أو األح زاب السياس ية ،أو يقبل من الب دائل
المتاحة الفلسفة التى تروقه ،دون الدخول فى أصلها وعمقها وكيفية وصولها
إلي ه؛ فإنه س يظل دائما أف راد قالئل فى المجتمع هم ال ذين يقيم ون نظري ات
سياسية ويدافعون عنها بحماس ،فهم الذين يملكون قدرة الكشف عما يجب أن
()1
يكون عليه اإلنسان ،ثم إنهم لن ينصت إليهم ما لم يكن كالمهم مقنعا .
يش ير مص طلح "فن السياس ة" Art of Policyإلى طريق ة اختي ار
األس اليب والوس ائل أو ابت داعها ك أدوات لتحقيق األه داف السياس ية ،أى أن
تت وافر عند ه ؤالء ال ذين يض طلعون بمهمة ممارسة الحكم ،مم يزات أو
خصائص فريدة كاإللهام والتذوق وبعد النظر والخيال الخالق ،لتحقيق الغاية
السياس ية بنج اح ،من خالل اختي ار أنسب الوس ائل وأدقه ا ،وذلك ما يطلق
عليه اسم "الحكم ة العملي ة" .ويؤكد ال ذين يتبن ون ه ذا المنظ ور أن ممارسة
الحكم ال تتم عن طريق المنطق فحس ب ،ولكنها تحت اج إلى ن وع من العبقرية
التى تمكن صاحبها من القدرة على ممارسة االختيار الحر ألنسب األساليب
فى صناعة القرار السياسى.
فمما ال شك فيه أن مجال علم السياسة ال يزال حتى اآلن بعيدا عن أن
يس تنفد كل ج وانب الحي اة السياس ية ال تى تتسم بالتعقيد والتش عب فى
المجتمع ات المعاص رة .ص حيح أن السياسة فى ال وقت ال راهن أك ثر علمية
عما مض ى ،وأن أجه زة الدولة الحديثة كث يرا ما تلجأ إلى اس تخدام أس اليب
علمي ة ،فى عملية ص نع الق رار السياس ى ،كاإلحص اء والحس اب اإللك تروني
وقي اس ال رأى الع ام وغيره ا؛ إال أن إص دار الق رارات الزال يعتمد إلى حد
كبير على الذاتية ،ويأتى استجابة لنزعات أيديولوجية تتحكم فى عقل صانع
الق رار ،إلى الدرجة ال تى يمكن معها الق ول أن الفن فى السياسة ال ي زال
يستأثر بالقطاع األكبر من الحياة السياسية المعاصرة ،وعلى صورة ال تبشر
()1
باقتراب الوقت الذى تصبح فيه السياسة علمية خالصة .
( )1حممد طه بدوى وليلى أمني مرسى :املدخل إىل العلوم -السياسية ،مرجع 1
العلم .فحين يصدر الحاكم قرارا سياسيا يستهدف به صوالح طبقية معينة أو
مص الح ذاتية وأحيانا ش به شخص ية ،فإنه يخت ار من بين األس اليب السياس ية
ما يتالءم وتحقيق هذه الغاية ،وبذلك فهو يمارس س لطة تقديرية ملؤها التحكم
بمن أى عن العلم ،وإ ن ك انت السياسة كعلم تظل رغم ذلك قابعة وراء ه ذا
االختيار ،قادرة دائما على تقييمه ،كاشفة عن حقيقة ما وراء الواجهات التى
صورت بها أجهزة السلطة غاية القرار السياسى ،مظهرة مدى انحرافه عن
الحل العلمى الص حيح ،ذلك أن علم السياسة – كما يق ول ديفرجي ه – س يظل
دائما هو الفيصل بين ما هو موضوعى وما هو دون ذلك فى مجال السياسة.
إن الحل ول األيديولوجية وما تفضى إليه من قيـم تص ورها الس لطة،
سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيره ا ،تقع كلها فى مج ال
فن السياس ة ،بل إنها من عمل ه ،األمر ال ذى يع نى أن الحل ول ال تى تص ورت
هذه النظم القيمية على مقتضاها ليست بالضرورة موضوعية ،بل إن األصل
فيها هو االفتق ار إلى الموض وعية ال تى هى عنصر ج وهرى من عناصر
المعرفة العلمية ،ومن ثم الحل العلمى .وليس من شك أن كل نظ ام سياسى
قيمى مثل النظام الغ ربى الرأسمالى أو السوفييتى االشتراكى الس ابق ،يدّعى
لنفسه الموض وعية وينكرها على غ يره .إال أن علم السياسة هو وح ده الق ادر
على أن يكشف بموضوعيته (واقعيته العلمية) ومن ثنايا منهجه التحليلى عن
الحل ول السياس ية الص حيحة ،مق درا ب ذلك م دى موض وعيتها ،ومن ثم م دى
صحتها أو انحرافها عن الحلول العلمية السليمة.
على المجتمع تحقيقا لص والحهم الشخص ية .بينما ي رى البعض اآلخر أن
السياسة هى الجهد المبذول من أجل سيادة النظام والعدل عن طريق السلطة
باعتبارها أداة تحقيق الخ ير الع ام لكل األف راد .وهك ذا تب دو السياسة فى
النظ رة األولى مج رد ض مانة لتأكيد "االمتي از" Privilegeللقلة على حس اب
الكثرة ،فى حين ترى فيها النظرة الثانية أداة لتحقيق "التكامل" Integration
بين الجميع من أجل إقامة مجتمع عادل.
واح د .فه ذه الس لطة المنظمة تعمل بالفعل على تحقيق مص الحها الخاصة
ومص الح الم رتبطين به ا ،بج انب محاولتها العمل على تحقيق التكامل
االجتماعى ،ومن ثم تجمع بين فكرتى السيطرة والتكامل .وال شك أن تغليب
السلطة "كأداة للسيطرة" على السلطة "كأداة لتحقيق التكامل" أو العكس يتباين
من مجتمع إلى مجتمع تبعا لتباين الظروف التاريخية والمكانية ،وبالذات فى
المجتمعات المعاصرة ،حيث تتباين األيديولوجيات السياسية .غير أن التقاء
الفك رتين مهما تب اينت النسب بينهم ا ،يمثل واقع الس لطة ح تى فى ص ورتها
المعاصرة (.)1
وبعد الح ديث عن السياسة كفلس فة والسياسة كعلم والسياسة كفن ،بقى
أن نوضح حقيقة هام ة ،وهى أن األدوار ال تى يؤديها كل ج انب من ه ذه
الج وانب (الفلس فة والعلم والفن) للسياسـة أو ما يتعلق بحكم الن اس ،ليست
أدوارا منعزلة أو مس تقلة بعض ها عن بعض ،وإ نما هى أدوار متداخلة
ومتفاعلة فيما بينها بشكل يصعب معه فصل هذا عن ذاك ،فالفلسفة تقع عليها
مهمة توض يح األه داف أو الغاي ات ال تى نريد تحقيقها عن طريق السياس ة،
وتحدد لنا نوع وطبيعة السلوك السياسى الذى ينبغى أن يكون.
)1(1حممد طه بدوى وليلى أمني مرسى ،مرجع سابق ،ص.229 – 226 :
48
الص لة واالنس جام بين الفلس فة والعلم ،وتحقيق الت وازن بين إس هامات كل
(.)1
منهما فى مجال السياسة
اإلنس ان ك ائن اجتم اعي بطبع ه ،وهو يميل ب الفطرة إلى العيش فى
جماعة Communityألن الحي اة االجتماعية حتم من حتمي ات الطبع
اإلنس انى ،وفيها يس تطيع اإلنس ان أن يحقق كماله من خالل تعاونه مع
اآلخرين .وبناء على ذلك ،فاإلنسان سياسى بطبعه ،بمعنى أنه ال يستطيع أن
يعيش إال فى مجتمع منقسم إلى ح اكمين ومحك ومين ،ولقد نب ه أرس طو منذ
القدم إلى أن اإلنسان حيوان سياسى ،ثم أخذت فكرته هذه تتردد بين الفالسفة
على مر العصور إلى أن ثبت للنظريين المعاصرين – بالعلم التجريبى – أن
السياسة ج وهر فى اإلنس ان بالفع ل ،وأن ع الم السياسة بش تى ظ واهره
ومظاهره إن هو إال تعبير عن هذا الجوهر المتأصل فى طبع اإلنس ان .ولكن
ما هو جوهر السياسة فى اإلنسان؟
( )1حممد على حممد وعلى عبد املعطى حممد :السياسة بني النظرية والتطبيق ،مرجع 1
أما المق وم الث انى لج وهر السياسة فى اإلنس ان ،أى ظ اهرة التم يز
السياسى الثانية وهى عالقة الص ديق والع دو ،فهى على مس توى الجماعة
البشرية الكبرى ،إذ تظهر فى المجال العالمى بمضمون قوامه عالقات تميز
بين الوحدات أو المجتمعات السياسية ،على أساس أن اإلطار الجغرافى لكل
50
مجتمع سياسى يمثل بالنسبة ألصحابه دار السالم ،وأن ما وراءه دار حرب،
ومن ثم ف إن األصل فى األجن بى أنه ع دو ما لم تثبت ص داقته بمقتضى
المصلحة الوطنية ،ولذلك تعتبر العالقات الدولية -بص رف النظر عن طبيعة
مض امينها– عالق ات سياس ية ،األصل فيها الع داء وال يعد الس الم من
طبيعتها.
وهك ذا ،ف إن ج وهر السياسة فى اإلنس ان يجعل منه كائنا سياس يا مع دا
بطبعه للحي اة فى جماع ة ،يتحقق لها االنس جام واالس تمرار بعامل عالقة
األمر والطاعة فى الداخل ،وبعامل عالقة الصديق والعدو فى الخارج ،ومن
ثم فى جماعة "مسيسة" بطبيعتها ،أى فى مجتمع سياسى.
غير أنه يتعين علينا أن نميز بين جوهر السياسة فى اإلنسان كما سبق
بيان ه ،وبين النش اط السياسى أو السياسة من حيث هى نش اط يزاوله اإلنس ان
فى المجتم ع .فج وهر السياسة يع نى مجموعة الحق ائق الثابتة الخال دة الكامنة
فى ش تى المجتمع ات ،وال تى تجعل منها مجتمع ات سياس ية ينقسم فيها الن اس
إلى حك ام ومحك ومين ،وبين ه ذه المجتمع ات وبعض ها عالق ات تب دأ من
افتراض العداء ،ما لم تقتضى المصلحة الوطنية المهادنة ،ولذلك فإن جوهر
السياسة ث ابت فى اإلنس ان ال يتغ ير ،وطبع فيه ال يختفى إال باختف اء اإلنس ان
نفس ه؛ ألن ص ور التم يز السياسى – بنوعيها – الناش ئة عن ج وهر السياسة
فى اإلنس ان ،ال يتص ور البتة إال أن تظل خال دة تبعا لخل ود جوهرها فى
اإلنس ان .أما ع الم السياسة أو النش اط السياسى وما يرتبط به من أفك ار
وأي ديولوجيات ،وما ي ؤدى إليه من نظم حكم مختلفة فى ال داخل ،وعالق ات
تنظيمية متنوعة فى الخ ارج ،فهو ال يتسم بط ابع الخل ود ،وإ نما هو متغ ير
بتغ ير ظ روف األزمنة والأمكن ة .فالنش اط السياسى يقع فى مج ال الفن ،ومن
51
ثم االختي ار بين أس اليب العمل المختلفة ال تى تحكمها م ذهبيات متنوعة ،ومن
هنا كان اتسامه بعدم الثبات فى مواجهة خلود جوهر السياسة.
فالجماعات البدائية كانت (وال يزال الباقى منها) تتمتع بحبك وتماسك
يج اوز مج رد االنس جام المطل وب لتحقيق المجتمع المس تقر ،إلى درجة من
االن دماج ال ي درك معها الف رد ذاتيته فى مواجهة الك ل .إن جماع ات محبوكة
على ه ذه الص ورة ال يمكن وال يتص ور بح ال خلوها من آث ار عالقة األمر
والطاع ة ،ومن ثم لم تكن خالية من الس لطة اآلم رة ،وإال لما تحقق لها ذلك
التماسك ،وكل ما هنالك أن السلطة فيها كانت تبدو وكأنها سلطة جماعية أو
سلطة مشاعية ،أى سلطة الكل الضاغطة والتى ال سبيل للفرد إلى الخالص
منها إال أن ينب ذ من كل الجماع ة ،على ص ورة تع نى له ما نس ميه الي وم
بالموت المدنى (.)1
( )1موريس ديفرجيه :النظم السياسية ،ترمجة أمحد حسيب عباس (القاهرة :مؤسسة 1
س لطة األمر بعامل التق دم الحض ارى والثق افى .وهو ما يع نى أن ج وهر
السياسة طبع أزلى فى اإلنس ان ،خالد بخل وده ،ومن ثم ف إن المجتمع السياسي
()1
ليس من إبداع اإلنسان ،وإ نما هو أثر تلقائي لجوهر السياسة فيه .
( )1حممد طه بدوى وليلى أمين مرسى :املدخل إىل العلوم السياسية ،مرجع 1