Professional Documents
Culture Documents
(15) فرج الزبي
(15) فرج الزبي
Abstract
This study sheds light on the way of building personal excellence in the Islamic Qoran.
And identified elements of personal Islamic Qoran in only two, namely:
First: Righting the intellectual, and faith.
Second: Ingredient behavioral, and good work.
The study focused on clarifying the instructions in the Qur'an as follows:
1. Highlight the role of belief in the building and adjust the rectifier intellectual in
Islamic personal.
2. The statement the importance of linking the rectifier intellectual (faith) and the
rectifier behavioral (work) to produce a distinct Islamic character.
3. To highlight the most important rules governing the behavior in the Koran.
4. The need to be accepted for gaps in the behavior of Islamicpersonal being is infallible.
Keywords: character building. Personal ingredients. Islamic character in the Koran. Thought
and behavior.
مقدمة:
رب العالمين ،والصالة والسالم على سيد األنبياء والمرسلين ،وعلى آله وصحبه الطيبين :،ومن
الحمد هلل ّ
واستن بسنته إلى يوم الدين .وبعد:
ّ اهتدى بهديه
317 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد ،قسم الدراسات اإلسالمية ،كلية اآلداب ،جامعة الحسين بن طالل.
مهم ة المؤمنين بالدرجة األولى في التعامل مع القرآن الكريم -خاصة ذوي األلباب والمفكرين منهم،- أن ّالقرآن؛ إلى ّ
التدبري::ة هي ال::تي تنتج الفهم والعم::ل ،وتجع::ل
ّ أن الق::راءة
حفظي::ة فق::ط ،ذل::ك ّ
ّ تدبري::ة ال
هي ق::راءة الق::رآن الك::ريم ق::راءة ّ
:المية المتم ::يزة ال ::تي تق ::رأ الق ::رآن بقص ::د فهم أوام ::ره
األفع ::ال مطابق ::ة لألق ::وال ،وبالت ::الي تس ::اعد في بن ::اء الشخص ::ية اإلس ّ :
ونواهيه وتطبيقها والعم ::ل بموجبه ::ا ،ق ::ال الط ::بري" :ليت ::دبَّروا ُح َجج اهلل ال ::تي في ::ه ،وم ::ا ش ::رع في ::ه من ش ::رائعه ،فيتعظ ::وا
()1
حي::ة من
ويعمل::وا ب::ه" .فاألم::ة في ه::ذا العص::ر ال تحت::اج إلى نس:ٍ :خ مك::ررة من الق::رآن المق::روء ،ب::ل تحت::اج إلى نم::اذج ّ
:داء بمنهج :من ُأن::زل علي::ه الق::رآن ال::ذي لخص::ته عائش::ة -رض::ي اهلل عنه::ا– بقوله::ا عن::دما
الق::رآن العملي التط::بيقي ،اقتً :
()2
(بالخلُق) هنا السلوك (العمل).
ُ ُسئلت عن ُخلقه " :كان ُخلقه القرآن" .والمقصود
أن الصحابة الكرام كانوا يتميزون بشخصيات إنسانية راقية ،تحمل فكراً مستنيراً وسلوكاً
ولقد ثبت تاريخياً ّ
منظماً منضبطاً .تلك الشخصيات التي علمت البشرية الفضيلة ،وبنت حضارةً راشدة .وما ذلك كلّه إال بعد أن طرح::وا
أفك::ار الجاهلية وقيمها ،واس::تبدلوها بأفك::ار اإلس::الم وعقائ::ده اإليماني::ة ،وبن::وا شخص::ياتهم بم::وجب تع::اليم الق::رآن الك::ريم
وقيمه ،وهدي خير الخلق محمد .
(?) الطبري ،جامع البيان ،تحقيق :أحمد محمد شاكر ،مؤسسة الرسالة ،ط1420 ،1هـ ،ج ،21ص.190 1
(?) أحمد بن حنبل (ت 241هـ) ،المسند ،مؤسسة قرطبة ،القاهرة .حديث رقم.24645 : 2
(?) ابن كثير ،إسماعيل بن عمر (ت 774هـ) ،تفسير القرآن العظيم ،تحقيق :سامي سالمة ،دار طيبة ،ط 1420 ،2هـ ،ج ،7ص 3
.64
318
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
أهمية الدراسة:
الفكري::ة
ّ :دبر اآلي::ات القرآني::ة في بن::اء المقوم::ات
تكمن أهمي::ة الدراس::ة كونه::ا تلقي الض::وء على كيفي::ة اس::تثمار تّ :
المتمي:زة ،وبالت:الي تحقي:ق الرب:ط بين الفك:ر والس:لوك وبين اإليم:ان والعم:ل .حيث غ:اب ه:ذا
ّ :لوكية للشخص:ية اإلس:المية
والس ّ
الجانب عن كثير من مسلمي هذا العصر.
إشكاليّة الدراسة:
يمكن صياغة إشكالية الدراسة باألسئلة التالية:
(الشخصية)؟ .وما هي مقومات الشخصية بشكل عام؟
ّ .1ما مفهوم
الشخصية اإلسالمية؟
ّ تدبر القرآن الكريم في تحديد مقومات
.2ما أثر ّ
الشخصية اإلسالمية المتميزة؟
ّ المقوم الفكري في
اإلسالمية في بناء ّ
ّ .3ما دور العقيدة
.4ما هي دوافع السلوك؟ وما أبرز القواعد الضابطة للسلوك في القرآن الكريم؟
.5ما المنهج األمثل الذي أرشد إليه القرآن لبناء الشخصية اإلسالمية المتميزة من خالل الربط بين مقوماتها؟
الدراسات السابقة:
:ق مقوماته::ا الفكري::ة لم يج::د الب::احث دراس::ة مس::تقلة تُع::نى بمفه::وم الشخص::ية اإلس::المية المتم::يزة وبنائه::ا َوفَ :
والس ::لوكية تأص ::يالً من الق ::رآن الك ::ريم مباش ::رةً .لكن المكتب ::ة اإلس ::المية ال تخل ::و من بعض الدراس ::ات المتعلق ::ة ببن ::اء
ًّ
بشكل عام ،ومن أهمها: الشخصية اإلسالمية
أوالً" :شخصية المسلم كما يصوغها اإلسالم في الكتاب والسنة" لل:دكتور محم:د علي الهاش:مي .وه::و كت:اب جي:د ومفيـ ـــد
أم:ا الج:انب
في موضوعه ،جرى فيه التركيز على كيفية التعامل المثلى للشخصية المس:لمة م:ع (اهلل وال:ذات واآلخ:ر)ّ ،
التأصيلي لبناء الشخصية المسلمة فلم يكن هو المقصود في الكتاب.
ثانياً :بحث "مقومات الشخصية المسلمة" للدكتور عبدهلل بن محسن الحضرمي (1400هـ) .تح ّ:دث فيه:ا المؤل:ف عن أم:ور
مهمة تتعلق بالشخصية اإلسالمية ،وهي أقرب للدراسة الوصفية التاريخية أكثر من كونها تأصيلية.
ّ
ثالثا" :بن:اء الشخص:ية في القص:ة القرآني:ة" لل:دكتور مص:طفى علي:ان .وهي أق:رب الدراس:ات إلى موض:وع دراس:تي ،إال
ّأنها محددة في آيات القص:ص ،فر ّك:زت على بي:ان مقوم:ات الشخص:ية اإلس:المية من خالل نم:اذج ش:خوص القص:ة
القرآنية من :أنبياء ومؤمنين وكافرين.
319 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تم:يزت دراس:تي عن الدراس:ات الم:ذكورة في الج:انبين المنهجي والتأص:يلي ،فمن حيث المنهج ،فق:د قمت ببن:اء
الشخصية على مقومين فقط هم:ا (المق:وم الفك:ري العقلي = اإليم:ان ،والمق:وم النفس:ي = الرغب:ات والس:لوك) ،وانف:ردت ك:ذلك
ببيان ضوابط السلوك في القرآن ومعززاته ،أما من حيث التأصيل فقد قامت دراستي على منهج التأصيل المباش:ر لمقوم:ات
الشخص ::ية اإلس ::المية المتم ::يزة من الق ::رآن الك ::ريم مباش ::رة ،وه ::و الج ::انب ال ::ذي افتق ::رت إلي ::ه الدراس ::ات الس ::ابقة على وج ::ه
االستقالل.
خطّة الدراسة:
مقدمة وتمهيد :وثالثة مباحث وخاتمة:
طة الدراسة على ّ
ُبنيت خ ّ
طتها.
شكالية الدراسة ،وخ ّ
ّ تضمنت أسباب اختيار الموضوع ،وأهميته وأهدافه ،وإ
ّ المقدمة:
ّ
الشخصية اإلسالمية في القرآن الكريم.
ّ تحدث حول :مفهوم الشخصية .وتحديد :مقومات التمهيدّ :
المبحث األول :تح:ّ :دث ح::ول إرش::اد الق::رآن الك::ريم لبن::اء المق::وم الفك::ري في الشخص:ّ :ية اإلس::المية .وتوض::يح مفه::وم
التف ّكـ ـر
:المية في بن::اء المق:ّ :وم
والتع ّق::ل والعالق::ة بينهم::ا ،وبي::ان مج::ال التفك::ير وح::دوده في الق::رآن ،وإ ب::راز دور العقي::دة اإلسّ :
الشخصية اإلسالمية المتميزة.
ّ الفكري في
المبحث الثاني :تن::اول كش::ف عن توجي::ه الق::رآن في كيفي::ة بن::اء المق::وم الس::لوكي في الشخص:ّ :ية اإلس::المية .فتح:ّ :دث
عن تفسير السلوك من حيث المفهوم والدوافع ،وبيان أهم القواعد الضابطة للسلوك في القرآن.
:لوكية.
الفكري:ة والس ّ ّ كيفي::ة بن::اء الشخص ّ:ية اإلس::المية من خالل الرب:ط بين مقوماته:ا ق لبي::ان ّ ط:ّ :ر َ
المبحث الثالث :تَ َ
أهمي:: :ة العقي:: :دة في ض:: :بط المق:ّ : :وم الس:: :لوكي وض:: :بطه .وتض:ّ : :من مخطط ً : :ا بياني ً : :ا توض:: :يحيًا
فتن:: :اول في المطلب األول ّ
المتميزة باقتران مقوماتها.
ّ اإلسالمية
ّ لخطوات بناء الشخصية
تضمنت أهم النتائج والتوصيات.
ّ الخاتمة:
تمهيــد:
الشخصية:
ّ أوالً :مفهوم
الشخصية لغةً :مشتقة من الشخوص ،بمعنى الظه:ور والتب ّ:دي أم:ام اآلخ:ر .والش:خص :ه:و س:واد العين ،وك ُّ:ل جس ٍ:م ل:ه ّ
:دل على ارتف:اع في ش:يء .من ذل:ك ال ّش:خص، ارتفاع فه:و ش:خص .ق:ال ابن ف:ارس" :الش:ين والخ:اء والص:اد أص ٌ:ل واح ٌ:د ي ُّ
صر"(.)4 سواد اإلنسان إذا سما ل َ ِ
الب َ
ك من ُبعد .ومنه أيضاً ُش ُخوص َ ُ وهو
فعرفه:ا ص:الح أب:و ج:ادو بقول:ه: ٍ
الشخصية بتعريفات عدي:دة زادت عن الخمس:ينّ .
ّ عرف علماء النفس أما في االصطالح :فقد ّ
ّ
"هي تل:: :ك األنم:: :اط المس:: :تمرة المتس:: :قة نس:: :بيًا من اإلدراك والتفك:: :ير واإلحس:: :اس والس:: :لوك ال:: :تي تب:: :دو وتعطي للن:: :اس ذاتيتهم
() 5
وعرفه::ا (ب::يرت) بقول::ه" :الشخص:ّ:ية ذل::ك
المتم::يزة ،فهي تك::وين اخ::تزالي يتض::من األفك::ار وال::دوافع واالنفع::االت والمي::ول" ّ .
النظ::ام الكام::ل من المي::ول واالس::تعدادات الجس::مية والعقلي::ة الثابت::ة نس::بيًا ،وال::تي تعت::بر مم::يزًا خاصً:ا للف::رد" (:ّ .)6
أم:ا مص::طفى
(?) اب ـ ــن فارس ،أحمد ابن فارس (ت 395هـ) ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم هارون ،دار الفك ـ ــر ،ط1979 ،1 4
ص.
م ،مادةَ :ش َخ َ
320
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
ال عليان فعرفها بقوله" :الشخصية صفة داّل:ة على توح ٍ:د في اتج:اه اإلنس:ان ،واس ٍ
:تواء في أس:اس عقل:ه األش:ياء وميل:ه إليه:ا قب:و ً ّ
ورفضًا"(.)7
الشخصية ،وتلك
ّ والناظر في التعريفات السابقة؛ يلحظ ّأنها اشتركت في ذكر بعض األلفاظ للداللة على مقومات
أن ألف ::اظ: األلف ::اظ هي( :إدراك ،تفك ::ير ،اس ::تعدادات عقلي ::ة ،عق ::ل ،دواف ::ع ،انفع ::االت ،مي ::ول) .وبنظ ::ر ٍة فاحص ::ة يت ّ :
:بينّ :
(إدراك ،تفك::ير ،إحس::اس ،اس::تعدادات عقلي::ة ،عق::ل) تتض::من الدالل::ة على المق:ّ :وم الفك::ري في الشخص:ّ :ية ،وال::ذي ه::و ق::وام
وأن ألف::اظ( :س::لوك ،دواف::ع ،انفع::االت ،مي::ول) تتض:ّ :من الدالل::ة على المق:ِّ :وم الس::لوكي في الشخص:ّ :ية ،وال::ذي ه::و
(العقلي::ة)ّ .
ّ
(النفسية).
ّ قوام
"الشخصية في ك ّل إنسان نتاج متآلف لبعدين اثنين ::عقليته ونفسيته .فبهما يتوجه س:لوكه المرتب:ط ّ فإن
وعليه؛ ّ
() 8
إن
ارتباط ً:ا تالزمي ً:ا م::ع المف::اهيم والمي::ول ،فتك::ون ب::ذلك مف::اهيم اإلنس::ان وميول::ه هي ق::وام شخص::يته" .ل::ذا؛ نس::تطيع الق::ولّ :
اإلنسانية اثنان فقط:
ّ مقومات الشخصية
النفسية.
ّ (المقوم السلوكي) =
ِّ العقلية .الثاني:
ّ (المقوم الفكري) =
ِّ األول:
فشخص :ّ :ية اإلنس ::ان إذن؛ تس ::اوي مجم ::وع الم ::ركب العقلي والنفس ::ي لدي ::ه .وبه ::ذا التحدي :د :المنض ::بط لمفه ::وم
الشخص ::ية؛ ال يك::ون لش::كل اإلنس::ان ،أو هندام::ه ،أو مرك::زه االجتم::اعي أو ال::وظيفي أو االقتص::ادي ،أو انتمائ::ه الق::ومي أو
شخصيته.
ّ الوطني؛ أي عالقة في تكوين مقومات
المقوم الفكري الشخصية على وجه التحقيق؛ ينحصر فقط في كيفية بناءّ : ّ فإن البحث في بناء
وبناء على ذلك؛ ّ
والمقوم السلوكي. ّ
اس وب ِّي َناتٍ
ِ َّ ِ
أن الق::رآن الك::ريم ال::ذي ُأن::زل ُ ه ًدى للن َ َ
الشخصية اإلسالمية في القرآن الكريم :من المؤكد ّ
ّ ثانياً :مقومات
وبينه:ا
:لوكية)ّ ، (الفكري:ة والس ّ
ّ ِم َن ا ْل ُه َدى َوا ْلفُْرقَ ِ
ان[البقرة]185 :؛ قد اعتنى بتعيين :وض:بط مقوم:ات الشخص ّ:ية اإلس:المية
وألنه:ا بمثاب:ة األس:س والض:وابط
أتم بيان ،وذلك لما لها من أهمي:ة في بن:اء شخص:ية المس:لم وتوازنه:ا وتحدي:د ميزاته:اّ .
ّ
التي ينطلق منها المسلم في تعامله مع الواقع المعاش ،وتنظيم عالقاته مع خالقه ونفسه وغيره.
القرآني::ة ال::تي ّتم فيه::ا ُذك::ر اإليم::ان (الج::انب الفك::ري والعق::دي) .والعم::ل (الج::انب
ّ ومن خالل النظ::ر في اآلي::ات
ونتبين منهج القرآن الك:ريم في بن:اء تل:ك المقوم:ات وتنميته:ا
ّ الشخصية اإلسالمية،
ّ نحدد مقومات
السلوكي) .نستطيع أن ّ
والتدبر لآليات التي ُذكر فيها اإليمان والعمل معاً ،نستنتج ما يلي:
ّ وضبطها والربط فيما بينها .وبعد االستقراء
تكرر في القرآن ورود اإليمان مقترناً بالعمل الصالح ،فيما يزيد على سبعين موضعاً. ّ )1
ان
سَ M ِإل ِإ
صر* َّن ا ْن َ ِ للشخصية اإلسالمية ،قوله تع::الىَ :وا ْل َع ْ
ّ إن أوضح مثال وأكمله داللةً على المقومات الرئيسية ّ )2
ات[العصر .]3-1 :فق::د ك::ان اإلم::ام الش::افعي –رحم::ه اهلل -دقيق :اً في الصِ Mالح ِ ِ سٍ Mر* ِإال الَّ ِذ َ ِ
آم ُنMوا َو َعملُMوا َّ َ
ين َ لَفي ُخ ْ
:ق ُيفض:ي لبن::اء شخص:ّ :ية المس::لم َوف::ق منهج اهلل تع:الى فق:ال:وأن ت:ّ :دبرها بح ّ
فهم::ه لمقاص::د ه::ذه الس::ورة العظيم::ةّ ،
الناس هذه السورة لوسعتهم"(.)9
تدبر ُ"لو ّ
الشخصية
ّ (?) محمد محمد إسماعيل ،الفكر اإلسالمي ،دار الوراقة ،بيروت ،ص .102وينظر :النبهاني ،تقي الدين، 8
321 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمي::ع المواض::ع ال::تي ورد فيه::ا اإليم::ان مقترن :اً بالعم::ل الص::الح؛ ك::ان العم::ل الص::الح فيه::ا معطوف :اً على اإليم::ان )3
()10
وأن منهج الق ::رآن الك ::ريم في بن ::اء
:ابق علي ::هّ .
أن اإليم ::ان أص ::ل للعم ::ل الص ::الح وس ٌ :
ومرتب :اً عليه .مم ::ا يع ::ني ّ
الشخصية اإلسالمية؛ يقتضي البدء ببناء الجانب اإليماني الفكري أوالً. ّ
المتميزة.
ّ المقوم السلوكي للشخصية اإلسالمية
أي عمل غير صالح ال يدخل في نطاق ّ
أن ّ
ّ )4
(?) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ،تحقيق :محمد عوامة ،د(ط ،ت) ،كتاب اإليمان والرؤيا ،حديث رقم.30988 : 11
322
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
القرآنية
ّ تدبر اآليات
الشخصية اإلسالمية في ضوء ّ ّ بأن البحث في بناء
وفي ختام هذا المبحث نخلص إلى القولّ :
العقلي:ة .والمق ّ:وم الس:لوكي = النفس ّ:ية ،وكيفي:ة تنمي:ة ه:ذين
ّ المتعلقة في ذلك؛ ينحصر فقط في كيفية بناء :المق ّ:وم الفك:ري =
المقومين وضبطهما .وهو ما سيكون موضوع حديثنا في مباحث هذه الدراسة -بإذن اهلل تعالى .-
ّ
المبحث األول
اإلرشاد القرآني لبناء المقوّم الفكري في الشخصية اإلسالمية
مدخل:
الب:دء ببن:اء الج:انب اإليم:اني
أن منهج القرآن الكريم في بن:اء الشخص ّ:ية اإلس:المية؛ يقتض:ي َ
تبين لنا – فيما سبق ّ -
ّ
:المية ،ال::تي تُع:ّ :د بمثاب::ة القاع::دة الفكري::ة ال::تي يقيس عليه::ا المس::لم
العقلي::ة اإلسّ :
ّ أهمي::ة في تك::وين
الفك::ري أوالً .لم::ا ل::ه من ّ
الشخصية اإلسالمية.
ّ المقوم السلوكي وضبطه في صوابية وخطأ أي فكر ُيعرض عليه ،وكذلك يتوقف عليه بناء ّ ّ
إن الطريق::ة ال::تي أرش::د إليه::ا الق::رآن الك::ريم في بن::اء العقي::دة اإليماني::ة؛ تعتم::د على إطالق التفك::ير في اآلي::ات ّ
ون[ال ::ذاريات .]21-19 :وفي ِ ِ ِ
ين* َوفي َأ ْنفُس ُ Mك ْم َأفَال تُْبص ُ Mر َ ِ ِ ِ
Mات ل ْل ُمMMوقن َ
آيٌ M اَألر ِ ِ
ض َ الكوني ::ة واألنفس :ّ :ية ،ق ::ال تع ::الىَ :وفي ْ ّ
ين َفلَ ْن تَ ِج َد ِلس َّن ِت اللَّهِ ِ
اَألول َ َّ
سن َت َّ ِإ
ُ ون ال ُ اإللهية الثابتة في معاملة األمم والمجتمعات السابقة ،قال تعالىَ :ه ْل َي ْنظُُر َ ّ السنن
ج َMد ِلس َّ Mن ِت اللَّ ِه تَ ْحِ Mويال[ف ::اطرَّ .]43 : ِ
والتأم::ل والتف ّك::ر في ه ::ذه اآلي ::ات العظيم ::ة ّ فحث اإلنس ::ان على النظ ::ر تَْبMMديال َولَ ْن تَ ُِ M
تنـزيلية تتعلّ:ق به:ا في كتاب:ه المس:طور ّ الباهرة المبثوثة في كتابه المنظور ،والربط والمقارنة بينه:ا وبين م:ا ورد من آي:ات
أن ِ
(الق::رآن)؛ ليص::ل أص::حاب األلب::اب والنُهى واألبص ::ار إلى عقله::ا ،أي :حص::ول االعتب::ار به ::ذه اآلي::ات وإ دراك حقيق::ة ّ
ون[العنكبوت.]43 :: مخلوق لخالق يتصف بصفات الكمال المطلق .قال تعالىَ :و َما َي ْع ِقلُ َها ِإال ا ْل َع ِال ُم َ ٌ الوجود
ولذا؛ فق:د جع:ل اهلل تع:الى النظ:ر والتف ّك:ر في ه:ذه اآلي:ات؛ فرض:اً واجب:اً ،وطريق:اً موص:الً إلى اإليم:ان بحقيق:ة
ض[ي::ونس: اَألر ِ ظروا مMا َذا ِفي ال َّ ِ ِ
سَ Mم َاوات َو ْ اإليمانية األخرى .قال تعالىُ :قل اْن ُُ َ ّ وجود اهلل تعالى وما ينبني عليها من الحقائق
.]101ق ::ال القرط ::بي في تفس ::يرها" :أم :ٌ :ر للكف ::ار باالعتب ::ار والنظ ::ر في المص ::نوعات الدال ::ة على الص ::انع والق ::ادر على
فكر والتَّدب ُِّر َوالتَّ َذ ُّك ِر ،فَالالعقلي ،والتَّ ُّ اح بَِّ : ِ الكم::ال" .وق::ال ص::احب المن::ار" :ول َ :ذِل َ
:رآن ُيل ُّح َأ َش َّ :د اِإل َ
()18
ِّ ظ ِر
:الن َ لحِ : :اء القُُ :
ك جَ :
كم ِ ِ
:تجالء ُح ِ :الن َ ِ
اتفاقهَ ::ا اج َأس ::رارها ،واس ::تخر ِ
ظر فيهَ ::ا واس َ : :أم ُرك ب َّ : :وان ،وي ُ :
ك اَألك َ : :رض علي َ : تق :َ :رُأ من ::هُ قليالً ِإال وت ::راهُ َيع ُ :
السماو ِ ِ
اَألرض[يونس.)19("]101 : ِ ات َو واختالفهَا ُ ق ِل ا ْنظُ ُروا َما َذا في َّ َ َ
وع ّ:د بعض العلم:اء النظ::ر في آي:ات اهلل المبثوث:ة في األك::وان واألنفس الم::ؤدي لمعرف:ة اهلل؛ أول الواجب:ات على
إيمان::ه مبنيً: :ا على نظ :ٍ :ر وتف ّك:ٍ :ر ٍ
ذاتي مباش ::ر ،غ ::ير خاض :ٍ :ع لتبع ::ة التقلي ::د الم ::انع للعق ::ل من ال ،ليك ::ون ُ
العب ::د عن ::د بلوغ ::ه ع ::اق ً
"إن أول ما فرض اهلل على جميع العب::اد ،النظ::ر في آيات::ه ،واالعتب::ار بمقدورات::ه ،واالس::تداللاالنطالق .يقول الباقالنيّ :
عليه بآثار قدرته ،وشواهد ربوبيته"(.)20
وبهذه الطريقة فقط من التفكير المستنير()21؛ يستطيع اإلنسان الحصول على تفسير شامل وصحيح ومطابق لحقيق:ة
اق َوِفي َأْن ُف ِس ِهْم
آي ِاتَنا ِفي اآل َف ِ
سُنِري ِهْم َ ِ:
والموج:د ،والعالق::ة بينهم::ا .ق::ال تع::الىَ : األمر ،عن الوجود (الك::ون والحي:اة واإلنس::ان)
(?) القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،تحقيق :أحمد البردوني وزميله ،دار الكتب المصرية ،القاهرة ،ط1964 ،2م ،ج،8 18
ص .386
(?) محمد رشيد رضا ،تفسير المنار ،ج ،1ص.208 19
323 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهمي:ة عملي:تي
تدبر اآليات السابقة ونظائرها في القرآن الك:ريم ،تظه:ر ّ ق[فصلت .]53 :ومن خالل ّ َّن َل ُه ْم ََّأن ُه ا ْل َح ُّ
َحتَّى َيتََبي َ
ُّ
والتعقل؟ وما العالقة بينهما؟ للشخصية اإلسالمية .فما المقصود بالتف ّكر المقوم الفكري ُّ
ّ التف ّكر والتعقل في بناء ّ
أو ًال :مفهوم العقل لغة واصطالحاً( :العقل) في اللغة من األلفاظ المشتركة التي تطلق على أكثر من معنى ،فـ "العقل :نقيض
ال ،شددت يده بالعقال أي الرباط .اعتقل اللس::ان :انحبس عن الكالم.
الجهل ،والمعقول ما تعقله في فؤادك .وعقلت البعير عق ً
وعَق::ل الش::يء :فهم::ه .والعق::ل :الحص::ن وجمع::ه
وعَق:َ :ل :تثبت في األم::رَ .
وعاقل::ة الرج::ل :أقارب::ه ال::ذين يمنعون::ه من الغ::يرَ .
والنهى ض:د الحم:ق .والعق:ال :داء في س:اق الداب:ة يمنعه:ا
العق:ول .والعق:ل :الح:ابس عن ذميم الق:ول والفع:ل .والعق:ل :الحج:ر ُ
()22
أن لف ::ظ العق ::ل في اللغ ::ة ي ::دور ح ::ول مع ::اني :الش :ّ :د،
من المس ::ير .والعق::ال :الحب ::ل ال ::ذي ُيرب ::ط ب ::ه الش::يء" .وبه ::ذا يت ::بين ّ
والتحصن ،والمنع ،والحبس ،والفهم ،والتثبت .فالق::درة على العق:ل :هي الق::درة على التوثي::ق والرب::ط
ُّ والربط ،والحجر،
والتوثيق يشتمل على نفي وإ ثبات .فبعملية العقل ٍ
ألمر ما يقوم اإلنسان بـ: ُ والتثبت.
ّ
-1تثبيت المعلومات الصحيحة عن ذلك األمر في الذهن ومنعها من الذهاب.
-2نفي المعلومات غير الصحيحة عن ذلك الشيء واستبعادها عنه.
-3الحكم على ذلك األمر حكماً صائباً بدرجة القطع والجزم.
عملي::ة التع ّق::ل ق:ول ابن
Mطالحا :فق:د تع:ددت وتف:اوتت تعريف:ات العلم:اء ل:ه ،ومن أخص::رها وأقربه:ا لواق:ع ّ
وأمMا العقMل اص ً
ّ
()23
بأن العقل هو" :ما يقع به التمييز ،ويمكن االستدالل به على ما وراء المحسوس" " .فهذا التعري:ف روعي في:ه ال:دور تيميةّ :
الوظيفي للعقل في االستفادة من معطيات الحواس والبناء عليها؛ لتحصيل العلم بالمجهول"(.)24
دال على ذات ،وإ ّنم::ا ورد بص::يغة الفع ـــل: :در ّ ثانياً :العقMل في القMرآن الكMريم :لم ي::رد لف::ظ (العق::ل) في الق::رآن الك::ريم كمصٍ :
أن العق ::ل ليس (يعقل ،نعق ::ل ،يعقل ::ون ،تعقل ::ون ،يعقله ::ا ،عقل ::وه)؛ وذل ::ك في ( )49موض ::عًا من الق ::رآن ،وه ::و م ::ا ي ُّ :
:دل على َّ
تعقل يق ::وم به ::ا اإلنس ::ان ،قوامه ::ا الرب ::ط بين ال :َّ :د ّ
ال والم ::دلول ،واألس ::باب والمس ::ببات، مص ::درا قائم::ا ِ
بذات::ه ،وإ َّنم ::ا ه ::و عمليَّة ُّ
ً ً
والمقدمات والنتائج ،للوصول إلى ٍ
فكر صحيح عن الواقع المراد عقله ،أي فهمه وإ دراكه.
وإ ذا نظرن:ا إلى ص َ:يغ التعّق:ل الم:ذكورة في الق:رآن من خالل س:ياقاتها؛ نج:د ّأنه:ا تحم:ل مع:اني مش:تركة ت:دور ح:ول
ص:ر الق:ائم على الرب:ط بين آي:ات كت:اب اهلل المنظ:ور (الك:ون واألنفس) وآي:ات كتاب:ه النظر العقلي المفض:ي إلى االعتب:ار والتب ّ
السMMماو ِ
ات بالموج::د .ق:: :ال تع:: :الىِ :إ َّن ِفي َخْلِ MM
ِ:
ق َّ َ َ المس:: :طور (ال:: :وحي) ،للوص:: :ول إلى اكتش ::اف حق ::ائق الوج:: :ود وعالقته:: :ا
اء ِم ْن مٍ M
السMم ِ َّ ِ ح ِر ِبمMMا َي ْنفَMMعُ َّ ِ Mار َوا ْل ُف ْلMِ Mك الَِّتي تَ ْM اخ ِت ِ
الف اللَّ ْيMِ Mل َو َّ اَألر ِ
Mاء َ اس َو َمMMا َأ ْنMَ Mز َل الل ُه م َن َّ َ
الن َ ج ِري في ا ْل َب َْ M الن َهِ M ض َو ْ َو ْ
ض آليٍ M اب ا ْلمسَّ Mخ ِر ب ْي َن َّ ِ َّة وتَصِ Mر ِ
ٍ ث ِف ِ فَ ْ ِ
Mات اَألر ِ َالسَ Mماء َو ْ السَ Mح ِ ُ َ َ Mاح َو َّ الر َيِ M
يف ِّ يها م ْن ُك ِّل َداب َ ْ ض َب ْع َد َم ْو ِت َها َو َب َّ َ َأح َيا ِبه ْ
اَألر َ
(?) ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) ،بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية ،تحقيق: 23
324
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
"الف ْكر ِ
والف ْك ُ:رِ :إعم:ال الخ:اطر في يفكر تفكيرًا ،قال ابن منظورُ َ :
ثالثاً :مفهوم الفكر لغ ًة واصطالحاً :الفكر في اللغة من َف ّكَر ُ
ردَد قلبه معتِبرًا"( .)26ونقل الراغب القْلب في َّ
الشيء .يقال تف ّكَر إذا َّ الشيء"( .)25وقال ابن فارس" :الفاء والكاف والراء؛ ُّ
تردُد َ
أن "الفك ::ر مقل ::وب عن الف ::رك ،لكن يس ::تعمل الفك ::ر في المع ::اني ،وه ::و ف ::رك األم ::ور وبحثه ::ا طلب::اً
عن بعـــض األدب ::اء ّ
للوصـ ـول إلى حقيقتها"(.)27
أن مع:نى الفك:ر :ه:و
وح:ول ه:ذا المع:نى اللغ:وي ت:دور غ:الب التعريف:ات االص:طالحية للفك:ر .يق:ول الغ:زالي" :اعلم ّ
إحض ::ار معرف ::تين في القلب ليس ::تثمر منهم ::ا معرف ::ة ثالث ::ة"( .)28وعن ::د ال :َّ :راغب األص ::فهاني ه ::و" :ق :َّ :وة مطرق ::ة للعلم إلى
معل ::وم ،وج :َ :والن تل ::ك الق :َّ :وة بحس ::ب نظ ::ر العق ::ل ،وذل ::ك لإلنس ::ان دون الحي ::وان ،وال يمكن أن ُيق ::ال إالَّ فيم ::ا يمكن أن
يحص :: :ل ل :: :ه ص :: :ورة في القْلب"( .)29وق :: :ال الجرج :: :اني" :الفك :: :ر :ت :: :رتيب أم :: :ور معلوم :: :ة للت :: :أدي إلى مجه :: :ول"( .)30ومن
عرف:ه فتحي ج:روان بقول:ه" :التفك:ير في أبسط تعريف له عب:ارة عن سلس:لة من النش:اطات العقلية ال:تي يق:وم
المعاص:رين ّ
()31
أن التفك::ير:
بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس" .وبهذا يت::بين ّ
"نش:اط عقلي أو ذه:ني ،يب:دأ عند وج:ود مث::ير م::ا ،كح::دث ،أو ظ::اهرة ،أو موقف معين ،خطواته متسلس:لة ومنظم::ة ،تب::دأ
بالمالحظة ،يهدف للتوصل إلى نتيجة ما أو حل لمشكلة"(.)32
رابع Mاً :التفكMMير في القMMرآن :وردت م::ادة (فك::ر) في الق::رآن الك::ريم في ثماني::ة عش::ر موض:ً :عا ،ولم ت::رد بص::يغة االس::م أو
غالبي:ة آي:ات التف ّك:ر وردت
أن ّ "فكر"" ،يتفك:رون"" ،تتفك:رون" .ومن المالح:ظ ّ فعلي:ة ،مث:لَّ :
صيغ ّ
المصدر .وإ ّنما جاءت في َ
المكي ة ،وهذه الكثرة تتوافق مع طبيعة وأهداف القرآن المكي في التركيز على تقرير مسائل التوحيد والنبوة ّ في اآليات
والبعث وحقائق الوجود األخرى ،وبالمقابل ضرب األفكار الس:ائدة في المجتم::ع الج:اهلي آن::ذاك ،وبالت:الي تأس::يس منهج
فكري منضبط صالح لبناء مقومات الشخصية اإلنسانية وفق إرادة الخالق .
والتأم::ل ،واالنتق::ال من المق::دمات العلمي::ة أو الظني::ة إلى م::ا ّ وق::د ي::أتي التفك::ير في الق::رآن بمع::نى النظ::ر العقلي
:ير َي:ُ :د ُّل َعلَى ََّأنهُ َم::ا ِفي
آن ِللتَّفَ ُّك ِر َوالتَّ ْف ِكِ :
ي::ترتب عليه::ا من نتيج::ة علمي::ة أو ظني::ة .ق::ال ص::احب المن::ار"َ :وا ْس :تِ ْع َما ُل القُ:ْ :ر ِ
:ود ِه
جِ : :ات ِ
اهلل َو َدالِئل َو ُ: َّات ...وَأ ْكثَ:: :ر م:: :ا اس : :تَعملَه التَّْن ِزي ُ : :ل ِفي آيِ : : ِ ِ ِ ِ َّ ِ َّات المح ِ ِ الع ِقلي ِ
َ ض : :ة َأو في اْل َع ْقليَّات التي َمَبادُئهَ:: :ا ح ِّس : :ي ٌ َ ُ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ
ِ ِ ()33 ِ ِِ ِ ِِ
:إن الفك::ر والنظ::ر مس::ميان لمس:ّ :مى واح::د ،فـ"النظ::ر والفك::ر عب::ارة عن َو َو ْح َدانيَّت::ه َوح ْك َمت::ه َوَر ْح َمت::ه" .وعن::د ال::رازي فّ :
صِ :ر والبص:يرِة ِ ترتيب مق:دمات علمي:ة أو ظني:ة ،ليتوص:ل به:ا إلى تحص:يل علم أو ظن"( .)34وق:ال ال:راغبَّ :
الب َ
يب َ ظ ُ:ر :تَْقل ُ "الن َ
الر ِوَّيةُ .يق:ال:ص ،وه:و َّ ص ،وق:د ي:راد ب:ه المعرف:ةُ الحاص:لةُ بع:د الفَ ْح ِ َأم ُل والفَ ْح ُ ورؤيِت ِه ،وق ـ ـد ُي ُ
راد به التَّ ُّ َ
ِ
الشيء إلدر ِ
اك َ
()35
َأم ْل ولم تَتََر َّو" .ت فلم تَْنظُ ْر .أي :لـ ـم تَتَ َّ
ظ ْر َ َن َ
"والق:رآن الك::ريم ي:ذكر التفك:ير ويع:بر عنه بكلم:ات متع::ددة :،تش:ترك في المع:نى أحيان:اً ،وينف:رد بعض:ها بمعن::اه
على حسب السياق أحيانًا أخرى ،فهو الفكر والنظر والبصر والتدبر واالعتبار وال:ذكر والعلم ،وس:ائر ه:ذه الملك:ات الذهنية
ال::تي تتفق أحيانً:ا في الم::دلول ،ولكنها ال تس::تفاد من كلمة واح::دة تغ::ني عن س::ائر الكلم::ات األخ::رى"( .)36فمن خالل إحص::اء
التبصر ،التعّقل ،النظ:ر ،الت:ذ ّكر ،التف ّق:ه -على
ّ التدبر،
اآليات التي تدعو إلى التفكير بلفظه الصريح أو بواسطة نظائره مثلّ :
(?) الرازي ،محمد بن عمر ت 606هـ ،معالم أصول الدين ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،ط1992 ،1م ،ص.20 34
325 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن مجموعه::ا يس::اوي تقريب :اً ( )624آي::ة ،أي م::ا نس::بته ح::والي %10من الع::دد
مس::توى الج::ذور والمش::تقات -يت::بينّ :
الكلّي آليـ ـ ـ ـات القرآن( .)37وفي هذا داللة على أهمية التفكير بالنسبة لإلنس:ان ،وخط:ورة دوره في تحدي:د مع:الم شخص:يته في
الدنيا ،وتحديد مصيره في اآلخرة.
القرآني::ة ال::تي
ّ :دبر اآلي::ات
خامساً :العالقة بين التع ّقل والتف ّكر في القرآن :وبن::اء على م::ا س::بق ،وفي ض::وء اس::تقراء وتّ :
وردت فيه:ا مش:تقات (التع ّق:ل ،والتف ّك:ر) ،نس:تطيع أن نس:تنتج بعض المالحظ:ات ال:تي تس:اعدنا على فهم العالق:ة بين التع ّق:ل
والتف ّكر في استعمال القرآن ،ونجمل هذه المالحظات باآلتي:
أن التع ّق:ل :رب:ط ومن:ع .والتف ّك:ر :تقليب وتردي:د.
أو ًال :الفرق الجوهري من حيث المعنى اللغوي بين التف ّكر والتع ّق:ل :ه:و ّ
فالقدرة التفكيرية تختلف عن القدرة العقلية.
ص:ة ،يتّص:ف به:ا أه:ل العلم المنتج لإليم::ان ال::ذين يتفك:رون في العالق:ة الخالقي::ة وي:دركونها فق:ط، التعقل خا ّ عملي:ة ُّ ثانياًّ :
منفي:ةٌ عنهم
الخالقي:ة؛ فص:فة التع ّق::ل ّ ّ أما الكفّار الذين ال ُي:دركون العالق:ة ون[العنكبوتّ .]43 : َ و َما َي ْع ِقلُ َها ِإال ا ْل َع ِال ُم َ
صٌّ Mم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم ال َي ْع ِقلَُ M
Mون [البق::رة.]171: اء ُ Mاء َو ِن َMد ً
سَ Mمعُ ِإال ُد َع ً ين َكفَ ُروا َك َمثَ ِل الَّ ِذي َي ْن ِعُ M
Mق ِب َمMا ال َي ْ َ و َمثَ ُل الَّ ِذ َ
فعامة يشترك بها جميع الناس الذين يملكون عوامل التفكير. عملية التف ّكر ّ أما ّ ّ
َّر[الم::دثر: عملية التف ّكر قد تنتج حكماً عقلياً صائباً ،وقد تنتج فكراً منحرفاً خاطئ :اًِ .إ َّن ُه فَ َّك َر َوقَد ََّر* فَقُِت َل َك ْي َ
Mف قَMد َ ثالثاًّ :
أما التع ّقل فال ينتج إال صواباً وحكمة. ّ .]20-18
تعقل ب:: :دون تفك:: :ير.تعقل ،وال ُّ التعقل ليس ه:: :و التف ّ:ك ::ر وإ ّنم:: :ا نتيجت:: :ه .فق:: :د يحص:: :ل تف ّ:ك ::ر وال يحص:: :ل من:: :ه ُّ إن ُّ رابعMMاًّ :
التعقل ال ُي:ذكر إال بع::دأن ُّ ق واح::د؛ يالح::ظ ّ والتعقل في س:يا ٍُّ فباستقراء اآليات القرآنية ال::تي ورد فيه::ا ذك:ر التف ّك::ر
Mل الثَّمMMر ِ الن ِخيَ Mل َو ْ ت لَ ُك ْم ِب ِه َّ
Mاب َو ِم ْن ُكَ َ ِّ M
ات اَألع َنَ M ون َو َّ ع َو َّ
الز ْيتُ َ الز ْر َ التف ّكر .ومن األمثلة على ذلك قوله تعالىُ :ي ْن ِب ُ
َMأم ِر ِه ِإ َّن ِفي سَّ Mخ َر ٌ
ات ِب ْ Mوم ُم َ ُّ
س َوا ْلقَ َم َMر َوالن ُج ُ Mار َو َّ
الشْ Mم َ سَّ Mخ َر لَ ُكم اللَّ ْيَ Mل َو َّ
الن َه َ ُ ِإ َّن ِفي َذِل َك آَل َي ًة ِلقَ ْMوٍم َيتَفَ َّك ُر َ
ون* َو َ
ون[النحل.]12 -11 : ات ِلقَ ْوٍم َي ْع ِقلُ ََذِل َك آلي ٍ
َ
تفكير دقي ٍق وشامل لذلك الشيء وما يتعلّق به. عملية عقل الشيء ال تتأتى إال بعد ٍ أن ّ دليل واضح على ّ وفي هذا ٌ
العملية.
ّ عد نتيجة لتلك
ضرورية والزمة للوصول إلى الحكم العقلي الذي ُي ّ
ّ مقدمة
أن التفكير في الشيء ّ
وهذا يعني ّ
أن
:بين ّلغوي::ة واص::طالحية واس::تعماالت قرآني::ة لم::ادتي التع ّق::ل والتف ّك::ر يتّ :
وبن::اء على م::ا س::بق من تعريف::ات ّ
"لمنظوم::ة العق::ل آلي::ات معين::ة تعم::ل مع :اً لتحق::ق المفه::وم ال::ذي أراده الق::رآن ،ف::التفكير والتقليب والتأم::ل وإ مع::ان النظ::ر
واإلنض::اج وتوف::ير المعرف::ة والبحث عنه::ا ،جميعه::ا آلي::ات للعق::ل تعم::ل مع:اً في ت::وازن دقي::ق وحرك::ة دائم::ة ،موض::وعها
ه::و الواق::ع ،يش::ارك في إدارك::ه الح::واس وق::وة ال::دماغ والمع::ارف المكتس::بة وق::وى النفس المختلف::ة ،جميعه::ا تعم::ل مع :اً
فليس هناك جهة واحدة مسؤولة عن العقل دون أخرى ،بل جميع قوى اإلنسان الداخلية بما فيها بناءه المع::رفي ،وبيئت::ه
الخارجي::ة وقن::وات اتص::اله م::ع البيئ::ة الخارجي::ة ،تش::ارك جنب:اً إلى جنب في عملي::ة العق::ل ،ف::إن وص::لت إلى غايته::ا فق::د
حصل العقل ،وإ ال فال يخرج عن كون:ه كاألنع:ام ب:ل أض ُّ:ل س:بيالً ،فالك:افرون والعاص:ون مثالً ،ال يتحق:ق عن:دهم مفه:وم
فوصفَهم الق::رآن
َ العقل ،بالرغم من ّأنهم يمارسون كثيراً من فعاليات التفكير ،إال ّأنهم ال تكتمل عندهم منظمومة العقل،
بأنهم ال يعقلون .فالعقل بهذا المعنى وازعٌ يعقل صاحبه عما يأباه له التكليف"(.)38
ّ
حث على التفك::ير ،ولفت االنتب::اه إلى أهميت::ه كوس::يلة لحص::ول اإلنس::ان على المعرف::ة
أن الق::رآن الك::ريم ّ
فكم::ا ّ
الصادقة عن الوجود والمو ِجد والعالقة بينهما :،فقد ضبطه وح ّ:دد المج:ال ال:ذي ينبغي أن يعم:ل في:ه وال يتع:داه .وق:د ّبين
أن مجال التفكير ينحصر في الواقع المحسوس واآلثار الدالة على وجود واقع. القرآن الكريم ّ
بالحد الفاصل بين ع:الم الغيب وع:الم الش:هادة ،فجع:ل معطي:ات ع:الم الش:هادة
ّ حد مجال التفكير
فالقرآن الكريم ّ
والتبصر لوقوعها في نطاق الح:واس .ف:الحواس هي أدوات نق:ل ص:ورة الواق:ع إلى ّ هي ميدان التفكير الصالح للنظر والتأمل
Mك ِب ِMه
س َل َ
ف َما َلْي َ
عملية التفكير خارج نطاق الحواس .قال تع::الىَ :وال تَ ْق ُالدماغ .وهذا يعلل نهي القرآن عن محاولة إقحام ّ
سُئوال[اإلسراء.]36 :
ان َع ْن ُه َم ْاد ُك ُّل ُأولَِئ َك َك َ
ص َر َوا ْلفَُؤ َ ِعْلٌم ِإ َّن َّ
الس ْم َع َوا ْل َب َ
ألنه::ا خارج::ة عن مجال::ه
أم::ا األم::ور الغيبي::ة ال::تي وراء الواق::ع المحس::وس ،فال س::بيل لعقله::ا بواس::طة التفك::ير؛ ّ
ّ
()39
أن للبص::ر ح::داً ينتهي إلي::ه" .فـ "عقولن::ا مفتق::رة في إدراك ع:الم
"إن للعق::ل ح::داً ينتهي إلي::ه ،كم::ا ّ
وح::دوده .ق:ال الش::افعيّ :
()40
ذم اهلل تع::الى من يبحث الغيب إلى ال::وحي ،وإ ّن::ه يجب علين::ا الوق::وف في المغيب::ات عن::د النص الم::وحى ب::ه" .له::ذا ،فق::د ّ
Mه ِم َن
ب َمMMا َيقُMMو ُل َو َن ُمMُّ Mد َلُ M ِ ِ
Mع ا ْل َغ ْي َب َأم اتَّ َخَ Mذ ع ْنMَ Mد الMَّ Mر ْح َم ِن َع ْهMً Mدا* َكال َ
سَ Mن ْكتُ ُ في الغيب أو ي::دعى معرفت::ه ،ق::ال تع::الىَّ :
َأطَلَ M
ال للبحث والنظ:ر العقلي .ومن اب َمدًّا[م:ريم .]79 :،78 :ولهذا؛ أخط:أ بعض الفالس:فة وت:اهوا؛ عن:دما جعل:وا الغيب مج:ا ً ا ْل َع َذ ِ
شيء لم تقبل له صالة أربعين ليلة"(.)41 ٍ عرافاً فسأله عن هنا تُفهم الحكمة من قول النبي " :من أتى ّ
أما بالنسبة لمجاالت التفكير المندرجة في نطاق الواقع المدرك بالحس ،وال:تي لفت الق:رآن الك:ريم انتب:اه اإلنس:ان ّ
إليه::ا ،وحثّ::ه على النظ::ر والتف ّك::ر فيه::ا فمتع::ددة ،وق::د أش::ار ابن القيم إلى أص::ول مج::االت التف ّك::ر في آي::ات اهلل المنظ::ورة
ٍ
بإيجاز بليغ بقوله" :التفكر في القرآن نوعان :تف ّكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه .وتف ّك:ر في مع:اني م:ا والمسطورة
دع ::ا عب ::اده إلى التفك ::ر في ::ه .ف ::األول تفك ::ر في ال ::دليل الق ::رآني ،والث ::اني تفك ::ر في ال ::دليل العي ::اني .ف ::األول تفك ::ر في آيات ::ه
ويعم:ل ب:ه ،ال لمج:رد التالوة م:ع
ويتف ّك:ر في:ه ُ
:دبر ُ
المس:موعة ،والث:اني تفك:ر في آيات:ه المش:هودة ،وله:ذا أن:زل اهلل الق:رآن ُليتَ ّ
اإلعراض عنه"(.)42
ص:ر ويعق::ل من
إن آي::ات التنزي::ل الحكيم؛ هي أول األم::ور وأهمها ال::تي وج::ه اهلل اإلنس::ان إلى التف ّك::ر فيه::ا؛ ليتب ّ
ّ
الداعي::ة إلى التف ّك::ر في آي::ات
ّ خاللها حقائق اإليمان المدعو إلى التصديق بها تصديقاً جازماً مطابقاً للواق::ع .ومن اآلي::ات
اخِتالفًا َكِث ًيرا[النس ::اء .]82 :ق::ال الس::عدي ان ِم ْن ِع ْنِد َغ ْي ِر اللَّ ِه لَوج ُدوا ِف ِ
يه ْ َ َ آن َولَ ْو َك َ
ون ا ْلقُْر َ
القرآن قوله تعالىَ :أفَال َيتَ َدبَُّر َ
في تفسيرها" :يأمر تعالى بتدبر كتابه ،وهو التأمل في معانيه ،وتحديق الفكر فيه ،وفي مبادئه وعواقبه ،ولوازم ،ذلك فإن
ت::دبر كت::اب اهلل مفت::اح للعل::وم والمع::ارف ،وب::ه يس::تنتج ك::ل خ::ير وتس::تخرج من::ه جمي::ع العل::وم ،وب::ه ي::زداد اإليم::ان في القلب
ويع ِّ:رف الطري:ق
بالرب المعبود ،وما ل:ه من ص:فات الكم:ال؛ وم:ا ي:نزه عن:ه من س:مات النقصُ ، ّ عرففإنه ُي ِّ
وترسخ شجرتهّ .
الموص ::لة إلي ::ه ...وكلم ::ا ازداد العب ::د ت ::أمال في ::ه ازداد علم ::ا وعمال وبص ::يرة"( .)43وفي ه ::ذا المع ::نى يق ::ول م ::وريس بوك ::اي:
النص
الوصف الذي يعطيه عن ح ْشد كبير من الظواهر الطبيعية الواض::حة في ِّ منتهيا بشكل خاص إلى َّ
ْ "وتناولت القرآن كله ً ُ
المترجم للمفاهيم العلمي:ة ال:تي نملكه:ا الي:وم عن نفس الظ:واهر الكوني:ة ال:تي
َ النص غير
العربي األصيل للقرآن ،ومطابقة هذا ِّ
الدهش:ة في ُروح من يواج:ه ألي ْإنس:ان في عص:ر محم:د أن يعرفه:ا أو يمتل:ك منه:ا ْأدَنى فك:رةَّ ،أول م:ا يث:ير َّ لم يكن ِ
ممكًنا ِّ
ثراء الموضوعات العلمية"(.)44 القرآن أول مرة هو ُ
فـ"المحور ال:رئيس في المنهج الالزم لتنمي:ة الق:درات العقلي:ة ،والتفك:ير الس:ليم ،ه:و التفاع:ل م:ع عناص:ر الك:ون
الق::ائم ،واألح::داث الجاري::ة في::ه .فالق::درات العقلية تنم::و وتنض::ج من خالل دراس::ة ه::ذا الك::ون ،وعناص::ره المتن::اثرة في
الك :: :رة األرض :: :ية ،وغيرها من الك :: :واكب .ول :: :ذلك ك :: :انت التوجيه :: :ات اإلس :: :المية للس :: :ير في األرض ،والبحث في نش:: :أة
327 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناصر الوج ::ود ،وتط ::ور ه::ذه العناص::ر وتركيبها ...وكلم::ا اتس::عت رحل::ة الق::درات العقلي::ة ،وعملية التفك::ير خالل بع::دي
الوجود الزماني ،كلما نمت هذه القدرات وُأحكمت عملية التفكير"(.)45
و"في الق:رآن الك:ريم م:ا يزي:د على أْل:ف آي:ة تتح َّ:دث عن مع:الم ه:ذا الك:ون ،وتَْ :ذكر مفردات:ه من :الس:ماوات واألرض،
والشمس والقمر ،والكواكب والنجوم ،والجبال والبحار واألنهار ،والمطر والرعد والبرق ...إلى آخره ،وإ ذا كانت هذه
ق ل ْف ِت األنظ::ار إلى مظ::اهر ق::درة اهلل تع::الى في الخل::ق ،دالل :ةً على ْ
وحداني::ة اآلي::ات ق::د َذ َك::رت تل::ك المف::ردات في س::يا ِ
فإنه::ا م::ع ذل::ك ق::د ج::اءت في أسٍ :
:لوب وعب::ار ٍة تفتح أم::ام العق::ل الخ::الق س::بحانه ،وتُثْبِت قض::ية البعث ال::ذي أنك::ره الكفَّارَّ ،
المتعاقَبة من َبعد نزول القرآن ،فيقوم َلديه من هذه ال::دالالت في ِ عب َر عصوره البشري آفاقًا واسعة للتفكير في دالالتها ْ
()46
بالحق الذي جاءت به" . ِّ كل عصر ما يشهد ِّ
ق ق َو ِفي َأْنفُ ِس ِه ْم َحتَّى َيتََبي َ
َّن لَ ُه ْم ََّأن ُه ا ْل َح ُّ آي ِات َنا ِفي اآلفَا ِ سُن ِري ِه ْم َ
ق::ال الس::عدي عن::د حديث::ه ح::ول قول::ه تع::الىَ :
:ق، [فص::لت" :]53 :كاآلي::ات ال::تي في الس::ماء واألرض وم::ا يحدث::ه تع::الى من الح::وادث العظيم::ة الدال::ة للمستبص::ر على الحّ :
(وِفي َْأنفُ ِس ِ :ه ْم) :مم ::ا اش ::تملت علي ::ه أب ::دانهم من ب ::ديع ص ::نع اهلل ،وعج ::ائب ص ::نعته ،وب ::اهر قدرت ::ه ،وفي حل ::ول العقوب ::ات َ
ُّ
بيانا ال يقبل الشك (َأنهُ اْل َحق) وم:ا اش::تمل علي::هَّ َّن لَهُ ْم) من تلك اآلياتً ، (حتى َيتََبي َ َّ والمثالت في المكذبين ونصر المؤمنينَ .
حق"(.)47
ّ
:دبرها واإلف:ادة منه:ا أهمية التع:رف على الس:نن اإللهي:ة في الت:اريخ واالجتم:اع ،وت ّ كما ّنبه القرآن الكريم ،إلى ّ
آم ُنMوا ِم ْن ُك ْمين َ في معرف::ة أس::باب النه::وض الحض::اري والنص::ر والتمكين ،ألج::ل تحص::يلها .ق::ال تع::الىَ :و َع َMد اللَّ ُه الَّ ِذ َ
ه ْم[الن:ور: ضى لَ ُ ين ِم ْن قَ ْبِل ِه ْم َولَ ُي َم ِّك َن َّن لَ ُه ْم ِدي َن ُه ُم الَّ ِذي ْارتَ َ
ف الَّ ِذ َ استَ ْخلَ َ
ض َك َما ْ اَألر ِ ِ ات لَي ِ
ستَ ْخلفَ َّن ُه ْم في ْ
وع ِملُوا َّ ِ ِ
الصال َح َ ْ َ َ
س َ Mن ٌن ِ ِ
.]55ومعرف ::ة أس ::باب االنحط ::اط والتخل ::ف واالنه ::زام واإلهالك .ألج ::ل تجنبه ::ا ،ق ::ال تع ::الى :قَMْ Mد َخلَ ْت م ْن قَ ْبل ُك ْم ُ
ين[آل عمران.]137 : ان ع ِ
اق َب ُة ا ْل ُم َك ِّذ ِب َ اَألر ِ ِ ِ
ف َك َ َ
ض فَا ْنظُُروا َك ْي َ يروا في ْ فَس ُ
وتدبرها والتف ّكر فيها ،لتوظيفها لبناء المجتمع وتربيته وتزكيته ،فمن خالل "لهذا ينبغي معرفة السنن اإللهيةّ ،
أن هذه السنن مرتبطة ب:األمر والنهي والطاعة والمعص:ية السنن نعي عوامل البقاء التي تحفظ المجتمع من االنحالل .على ّ
واإليمان والكفر ،فاإلنسان إذا أتى األمر واجتنب النهي ووقف عند حدود اهلل؛ أصاب خير السنة الربانية ،وإ ذا أهمل األمر
وارتكب النهي وقع في حدود اهلل"(.)48
المطلب الثالث :دور العقيدة اإلسالمية في بناء المقوم الفكري في الشخصيّة اإلسالمية:
بيني::ة قائم::ة على التالزم والت::أثّر والت::أثير.
إن العالق::ة بين العقي::دة والتفك::ير ،عالق::ة ّ
أو ًال :طبيعة العالقة بين العقيدة والتفكيرّ :
عقدية في اآليات التنـزيلية ومقارنته::ا فالتفكير الزم لبناء العقيدة وتقريرها ،وذلك بواسطة النظر في ما ورد من حقائق ّ
أن اهلل وح:ده ه:وبث اهلل –تعالى -في اآلي:ات الكوني:ة واألنفس:ية من عج:ائب قدرت:ه وف:ائق دقّ:ة ص:نعته؛ الدالّ:ة على ّ في ما ّ
العقدي::ة
ّ منـزل الق::رآن وخ::الق األنفس واألك::وان .مم::ا ي::دفع المتف ّك::ر؛ لالقتن::اع العقلي واالطمئن::ان القل::بي بجمي::ع األم::ور
ّ
المنـزل ،والتص::ديق به::ا تص::ديقاً جازم :اً مطابق :اً لواقعه::ا .ه::ذا ه::و الطري::ق الس::ليم ال::ذي أرش:َ :د إلي::ه ّ ال::واردة في ال::وحي
ق َن َز َل[اإلسراء.]105 :ق َأ ْن َز ْل َناهُ َو ِبا ْل َح ِّ
اإلسالمية .قال تعالىَ :و ِبا ْل َح ِّ
ّ القرآن الكريم لتقرير مسائل العقيدة
بالتأمل في الواق::ع المحس:وس
ُّ :ق -في مج::ال العقي::دةَّ -إنم::ا يب::دأ حس:ب التوجي::ه الق::رآني فـ"الطري::ق إلى س::يادة الحّ :
أكدت علي:ه جمل:ة كث:يرة من اآلي:ات ،مث:ل ص:انع الحكيم العليم ،وه:و م:ا َّ ضمن المخلوق:ات اإللهيَّة ال:تي تتجلَّى فيه:ا ح ْكم:ة ال َّ
(?) السلمي ،محمد بن صامل ،كيف نفسر التاريخ ،مجلة البيان ،عدد ،50شوال 1412هـ ،إبريل 1992م ،ص.45 48
328
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
اإليماني::ة
ّ :دبر اآلي::ات القرآني::ة ال::واردة في تقري::ر العقائ::د
Mدبر القMMرآن في بنMMاء أركMMان اإليمMMان :من خالل تّ : ثالث Mاً :أثMMر تّ M
أن منهج الق::رآن الك::ريم في ه::ذا الج::انب؛ ق::ائم على توجي::ه اإلنس::ان إلى التف ّك::ر بعج::ائب مخلوقات::ه الواقع::ة
:بين ّ
وإ ثباته::ا؛ يتّ :
ال ،أول م:ا يوج:ه س:اكن الص:حراء ال:تي
الحس ،بادئً:ا بأبس:طها وأقربه:ا بالنس:بة لبيئ:ة اإلنس:ان ومحيط:ه .فتج:ده مث ً
تحت إدراك ّ
تحيطها الجبال وتكثر فيها اإلبل ،إلى النظر والتف ّكر في عظمة هذه األمور وإ تق:ان خلقه:ا ،بادئ:اً ب:أقرب األش:ياء إلنس:ان
Mف ر ِف َع ْت * َوِإلَى ا ْل ِج َبِ M
Mال Mف ُخِلقَ ْت* وِإلَى َّ ِون ِإلَى اِإل ِبMِ Mل َك ْيَ M
الس َ Mماء َك ْيُ َ M َ تل::ك البيئ::ة وهي اإلب::ل ،ق::ال تع::الىَ :أفَال َي ْنظُMُ Mر َ
س ِط َح ْت* فَ َذ ِّك ْر ِإ َّن َما َأ ْن َت ُم َذ ِّكٌر[الغاشية.]21-17 :
ف ُ اَألر ِ
ض َك ْي َ َك ْي َ ِ
ف ُنص َب ْت* َوِإلَى ْ
واإلنس:ان الع:ربي بذكائ:ه وص:فاء قريحت:ه؛ أدرك ه:ذه الخاص ّ:ية في س:هولة تلقي حق:ائق العقي:دة اإلس:المية ،فك:ان
أن الكون مخل::وق هلل
حقيتهاُ .يفهم هذا من قول ذلك العربي في معرض حديثه حول إثبات ّ يسارع في اإليمان بها والتدليل على ّ
تعالى" :البعرة تدل على البعير ،وأث:ر األق:دام على المس:ير ،أفس:ماء ذات أب:راج وأرض ذات فج:اج وبح:ر ذات أم:واج ،أال
تدل على اللطيف الخبير؟!"(.)51
329 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدبر القرآن الكريم في بعض المسائل المتعلقة باإليمان ولطلب االختصار ،سنكتفي بذكر مثال تطبيقي واحد ،لبيان أثر ّ
:ان أو س::مع ق::ول اهلل تع::الىَْ :أم ُخِلقُوا خاصةً ما يتعلّق بإثبات صفة (الخ::الق) هلل تع::الى .فمثالً إذا تال اإلنسُ : ّ باهلل تعالى،
وردد
أمعن النظ::رّ ، ض َبل اَّل ُيو ِق ُن َ ِ ش ْي ٍء َْأم ُه ُم ا ْل َخ ِالقُ َ
ِم ْن َغ ْي ِر َ
ثم َ ون[الط ::ورّ .]36-34 : اَأْلر َ
الس َم َاوات َو ْ ون * َْأم َخلَقُوا َّ
نظري:ة أو عقي:دة أو فك ٍ:ر وأن كّ :ل ٍ
ّ :الق كّ :ل ش:ىءّ ، أن اهلل تع:الى ه:و خ ُ الفكر ،في معاني هذه اآليات ودالالته:ا القاطع:ة على ّ ّ
ِِ ُّ
النبِ َّي َ ي ْق َ:رُأ ِفي اْل َم ْغ ِ:ر ِب بِ:الط ِ
اآلي:ةَ
ور َفَل َّما َبَل َ:غ َه:ذه َ ت َّط ِعٍمَ :سِ :م ْع ُ
:ال ُجَبْي ُ:ر ْب ُن ُم ْ
ال يق ُّ:ر به:ذه الحقيق:ة الدامغ:ة فه:و باط:ل .ق َ
ونصْMي ِطُر َ ِئ ِ ض َب ْل ال ُيوِقُن َ
ون* َْأم عْنَد ُهْم َخَزا ُن َرِّب َك َْأم ُهُم اْل ُم َ اَألر َ ون* َأم َخَل ُقوا َّ ِ
الس َم َاوات َو ْ
ِ َأم ُخِل ُقوا ِم ْن َغْيِر َ ٍ
ش ْيء َْأم ُهُم اْل َخال ُق َ ْ ْ
ِ اد َقْلبِي ْ
()52
َأن َيط َير" . [ الطور]37 - 35 :؛ َك َ
أخلقوا من غير خالق خلقهم؟ فهذا ممتنع في بدائه العقول ،أم هم َخلقوا تيمية" :هذا تقسيم حاصر ،يقولُ : قال ابن ّ
أن
أن لهم خالقاً خلقهم ،وهو اهلل سبحانه ،وإ ّنما ذك:ر ال:دليل بص:يغة اس:تفهام اإلنك:ار ليت::بين ّ
فعلم ّ
أشد امتناعاًُ ،
أنفسهم؟ فهذا ّ
ه::ذه القض::ية ال::تي اس::تدل به::ا فطرية بديهي::ة مس::تقرة في النف::وس ،ال يمكن إنكاره::ا ،فال يمكن لص::حيح الفط::رة أن ي:ّ :دعي
وجود حادث بدون محدث أحدثه ،وال يمكنه أن يقول :هو أحدث نفسه"(.)53
وهك::ذا في جمي::ع أرك::ان اإليم::ان ،وك::ذلك م::ا يتعلّ::ق بمنهج :التعام::ل م::ع الغيب وحقيق::ة البعث ،وغ::ير ذل::ك من
صْ :دقها وبره:ان يقينه:ا القَطعي في داللت::ه، األمور العقدية .فـ "ما من قضيَّة عقَديَّة ساقها الق::رآن الك::ريم إالَّ قرَنه:ا ب::دليل ِ
َ ُ
النص الق ::رآني من بره ::ان ع ْقلي يتَّص ::ل بالموض ::وع ال ::ذي
ُّ فيجب على ك :ِّ :ل ب ::احث أالَّ يغف ::ل عن التَّنبي ::ه إلى م ::ا يحتوي ::ه
يتحدث عنه"(.)54َّ
منهجي:ةً فري::دة في م::ا يتعلّ::ق ببن::اء الج::انب
ّ :أن الق::رآن الك::ريم تض:ّ :من
وفي خت::ام ه::ذا المبحث نس::تطيع الق::ول؛ بّ :
العقلي::ة بحق::ائق اإليم::ان،
ال للقناع::ة ّ :المية ،ب::دءًا بجع::ل التفك::ير المس::تنير؛ طريق ً:ا موص ً :
الفك ::ري والعق::دي في الشخص::ية اإلسّ :
وانتهاء بضبط مجاالته وحدوده.
ً مرورَا باالرتقاء بطرق التفكير وأنماطه،
:أمس الحاج:ة إلى النظ:ر
الفكري:ة الخارجي:ة المنحرف:ة ،هم ب ِّ
ّ وفي هذه األيام التي يواجه فيها المسلمون أش ّ:د الهجم:ات
:دبرها والتف ّك::ر في م ::دلوالتها ومقاص ::دها ،لتحص ::ين
في آي ::ات الق ::رآن الك ::ريم المتعلق ::ة بش ::تى مج ::االت النظ ::ر والتفك ::ير؛ وت ّ :
الفكري::ة من الجم ::ود واالنغالق والتقلي::د ،واالرتق::اء بط::رق تفك ::يرهم إلى المس::توى ال::ذي ي ::ؤهلهم لبن::اء الشخص :ّ :ية ّ منظ ::ومتهم
اإلس::المية الفاعل::ة في جمي::ع مي::ادين الحض::ارة والتم:ّ :دن ،ليس::تحقوا تب::وء المكان::ة ال::تي أراد اهلل لهم في قي::ادة البش::رية وداللته::ا
اس[آل عم::ران: ُأخِر َج ْت ِل َّلن ِ
ُأم ٍة ْ
على الخير ،سواء على المس:توى الف:ردي أو الجم::اعي ،وذل:ك تحقيقً:ا لقول:ه تع::الىُ :كْنتُْم َخْيَر َّ
اء َعَلى س ًطا ِلتَ ُكوُنوا ُ
شَ Mه َد َ .]110وليتح ّقق بهم ولهم ،الش::هود الحض::اري ال::ذي أراد اهلل لهم أن يبلغ::وهَ :و َك َذِل َك َج َعْلَنا ُك ْم َّ
ُأم ًة َو َ
َّ
الن ِ
اس[البقرة.]143 :
المبحث الثاني
توجيه القرآن الكريم في بناء المقوّم السلوكي في الشخصية اإلسالمية
تطرقن::ا في المبحث الس::ابق؛ إلرش::اد الق::رآن الك::ريم في بن::اء المق:ّ :وم الفك::ري في الشخص:ّ :ية اإلس::المية؛
بع::د أن ّ
سنتناول في هذا المبحث – بإذن اهلل تعالى– كيفية بناء المق ّ:وم الس:لوكي في الشخص ّ:ية اإلس:المية من خالل المنظ:ور الق:رآني
لـ :مفهوم السلوك وتفسيره ،ودوافعه وغاياته ،وتنظيمه وضوابطه.
330
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
مدخل:
أن القرآن الكريم بنى المق ّ:وم الس:لوكي (العم:ل) وض:بطه
قبل الولوج في تفصيالت هذا المبحث ،تجدر اإلشارة إلى ّ
لدى المسلم؛ بمجموعة األحكام الشرعية الناظمة لعالقات اإلنسان الرئيسية الثالث (م:ع رب:ه ،وم:ع نفس:ه ،وم:ع غ:يره) ،حيث
:لوكية كث::يرة ،نح::و قاع::دة( :ال كلي::ة ،تن::درج تحته::ا أحك::ام لجزئيٍ :
:ات سّ : إم:ا على ش::كل قواع::د وض::وابط ّ ج::اءت تل::ك األحك::ام:ّ ،
ٌ
:يلية ،نح::و :قول::ه
جزئي::ة تفصّ :
ض::رر وال ض::رار) ،وقاع::دة (درء المفاس::د أولى من جلب المص::الح) .وإ ّ:م:ا على ش::كل أحك::ام ّ
س ِط[األنع::ام .]152 :وال::تي ّقنن الفقه::اء بموجبه::ا مجموع::ة ُ
النظُم اإلس::المية ،ال::تي تع::الج تع::الى :وَأوفُوا ا ْل َكْي َل وا ْل ِم َيز َ ِ
ان ِبا ْلق ْ َ َ ْ
ِّ
كاف::ة ش::ؤون اإلنس::ان وتنظم عالقات::ه ،وهي( :نظ::ام العب::ادات ،ونظ::ام الحكم ،والنظ::ام االجتم::اعي ،والنظ::ام االقتص::ادي،
ونظام اإلعالم والتعلي ـ ـم ،ونظام العقوبات).
حقيته:ا
القرآني:ة المتعلق:ة بالتأص:يل والتقعي:د له:ذه القواع:د واألحك:ام الناظم:ة للس:لوك؛ س:يرى م:دى ّ
ّ :دبر لآلي:ات
والمت ّ
مم:ا يد َفع:ه
ونجاعتها وكمالها في تنظيم عالقات اإلنسان وتدبير ش:ؤونه ،وتفوقه:ا على األنظم:ة الوض:عية في ه:ذا الج:انبّ ،
–وعن رغبة ورضا -لتطبيق تلك األحكام ،وضبط سلوكه بموجبها.
المطلب األول :تفسير السلوك من حيث (المفهوم والدوافع):
ك ،وه::و يتض:ّ :من مع::نى :ال::دخول ،والنف::وذ في الش::يء، أوالً :مفهوم السلوك لغ ًة واصطالحاً :السMلوك لغً Mة :مص::در َس :لَ َ
لكت الش:يء كت الطَّري َ
:ق َأس:لُ ُكه .و َسُ : شيء في ش:يءُ .يق:ال س:لَ ُ ٍ واالستقامة .فـ"السين والالم والكاف :أص ٌل ُّ
يدل على نفوذ
ط في المخي::ط ،أي أدخلت::ه في::ه"(" .)55ويطل::ق الس::لوك على س::يرة :لكت الخيَ :
الم ْس:تَقيم .وسُ :
اَألم:ر ُ
في الش::يء :أنف ْذت::ه .وال ُّسْ:ل َكى:ْ :
اإلنسان ومذهبه واتجاهه"(.)56
السلوك في االصطالح :الس::لوك اإلنس::اني من وجه::ة نظ::ر علم النفس الح::ديث :يش::مل ك:ّ :ل م::ا يص::در عن اإلنس::ان من نش::اط
:إني أخت:ار م:ا أراهُ أقربه:ا انطباقً:ا على واق:ع
عرف العلماء السلوك بأكثر من تعريف ،وطلبً:ا لالختص:ار ف ّ
قولي أو فعلي .وقد ّ
بأن السلوك هو" :أعمال اإلنسان التي يقوم بها إلشباع جوعات غرائزه أو حاجاته العضوية"(.)57
السلوك ،والقاضي ّ
(?) النبهاني ،تقي الدين ،الشخصية اإلسالمية ،ج ،1ص .5 57
331 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن "ال::دوافع (
أن اإلنسان ال يقوم بنشاط ما إال إذا كان هناك شيء يدفعه لذلك .لذا؛ ّ
ثالثاً :دوافع السلوك :من المعلوم بداه ًة ّ
،)Motivesكم ::ا يس ::ميها علم النفس الح ::ديث؛ تع :ّ :د من مح ::ددات الشخص :ّ :ية اإلنس ::انية في الغ ::الب ،وهي عب ::ارة عن طاق ::ات
عين ،سواء مع نفسه أو في حياته اليومية ومع عالمه الخارجي"(.)59
نفسية كامنة في الكائن الحي ،تدفعه لسلوك قصدي ُم ّ
أن ال:دافع عب:ارة عن "طاق:ة داخ:ل الك:ائن الحي إنس:اناً أم حيوان:اً ،تدفع:ه إلى القي:ام بس:لوك وي:رى بعض الب:احثين ّ
معين أو نش ::اط معين تحقيقً: :ا له ::دف معين ،ه ::و إش ::باع ه ::ذا ال ::دافع ،ك ::دافع الج ::وع ال ::ذي ي ::دفع الك ::ائن الحي إلى البحث عن
()60
إم:ا بم:ؤثرات داخلي:ة الحي ّ
حي– لدي:ه طاق:ة حيوي:ة ،وه:ذه الطاق:ة تظه:ر في الك:ائن ّ :ائن ّالطع:ام" .واإلنس:ان –باعتب:اره ك ٌ
وهي الحاج::ات العض::وية ،مث::ل الحاج::ة إلى األك::ل والش::رب ،والن::وم ،واألمن ،والتط::بيب ،وغيره::ا .وإ ّ:م:ا أن تظه::ر ه::ذه
وتسمى الغرائز .وينتج عن هذه الحاجات والغرائز جوعات ت:دفع اإلنس::ان ألن يس:لك س:لوكاً م::ا
ّ الطاقة بمؤثرات خارجية،
إلشباعها.
:وية ل ::دى
الغرائز والحاجMMات كMMدوافع للسMMلوك من منظMMور قMMرآني :أق :ّ :ر الق ::رآن الك ::ريم بوج ::ود الغرائ ::ز والحاج ::ات العض ّ :
:وية ال::تي يتوق::ف بق::اء الحي::اة عليه::ا؛ فق::د
أم:ا بالنس::بة للحاج::ات العضّ : اإلنس::ان ،ووجه::ه إلى إش::باعها ب::الطرق المش::روعة:ّ .
:رورية والحق::وق الواجب::ة لإلنس::ان ،ف::إن لم يس::تطع س:ّ :دها من كس::به ه::و؛ أوجب ل::ه النفق::ة جعله::ا الق::رآن من المقاص::د الضّ :
وألهمي:: :ة ه:: :ذا الج ::انب؛ فق:: :د تك ّف ::ل الم:: :ولى آلدم وزوج:: :ه بم:: :ا يس:ّ : :د الحاج:: :ة إلى الطع ::ام والش:: :راب والملبس
ّ ولي:: :ه.
على ّ
ِ والمس::كن ،ق::ال تع::الىِ :إ َّن َل َك َأال تَج َ ِ
فبنص ه::ذه
ّ ضَ Mحى [ط::ه.]119 : ،118 : يهMا َوال تَ ْع َMرى* َو ََّأن َك ال تَ ْظ َمُMأ ف َ
يهMا َوال تَ ْ Mوع ف َ ُ
()61
:دبرنا قول:ه تع:الى :اآلية "ضمن له استمرار الطعام والشراب ،والكسوة ،والماء ،وعدم التعب والنص:ب" .وك:ذلك إذا ت ّ
ف[قريش .]4 :،3 :نجد ّأنها أشارت إلى ح:اجتين رئيس:تين وع وآم َنهم ِم ْن َخو ٍ ِ ِ َِّ
ْ َفْل َي ْعُب ُدوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْيت* الذي َأ ْط َع َم ُه ْم م ْن ُج ٍ َ َ ُ ْ
(أطعم،
َ من حاج::ات اإلنس::ان العض::وية ،وهم::ا :حاجت::ه إلى الطع::ام ،وحاجت::ه إلى األمن ،وأف::اد مجيئهم::ا بص::يغة الماض::ي
:إن الن::بي أ ّك::د ه::اتين الح::اجتين وزاد عليهم::ا
وكأن::ه تحص::يل حاص::ل .وك::ذلك فّ :
وحتميت :هّ ،
ّ وآمن) إلى ض::رورة إش::باعهما
َ
فكأنم:ا ح:يزت
:افى في جس:ده ،عن:ده ق:وت يوم:هّ ، الحاجة إلى الصحة والتطبيب ،فقال" :من أص:بح منكم آمن:اً في س:ربه ،مع ً
له الدنيا"(.)62
النس ِ ب َّ ِ ِ آيات عدي::دة :،منه::ا قول::ه تع::الىُ :ز ِّي َن ِل َّلن ِ
اء الش َه َوات م َن ِّ َ اس ُح ُّ أما بالنسبة للغرائز ،فقد أشارت إليها ٌ ّ
Mام َوا ْل َحْ Mر ِث[آل عم::ران .]14 :ومن خالل تّ :
:دبر َّة وا ْل َخ ْي ِل ا ْلمس َّوم ِة واَأل ْنعِ M
ُ َ َ َ َ
ِ ِ ير ا ْلمقَ ْن َ ِ َّ
ط َر ِة م َن الذ َه ِب َوا ْلفض َ
ِ َوا ْل َب ِن َ
ين َوا ْلقَ َناط ِ ُ
وحب
ّ جب::ل علي::ه اإلنس::ان من المي::ل إلى إش::باع جوع::ات الغرائ::ز ،فالمي::ل إلى النس::اء ه::ذه اآلي::ة؛ نج::د ّأنه::ا تش::ير إلى م::ا ُ
ض:ة واألنع:ام والح:رث؛ من مظ:اهر غري:زة البنين؛ من مظاهر غريزة الحفاظ على النوع .والميل إلى تملك الذهب والف ّ
س ِم ْن ُد ِ
ون ون ِل َّ
لشْ Mم ِ سُ Mج ُد َ ِ حب البقاء .أما قوله تعالى :وم ْن يعظِّم َ ِئ
ش َعا َر اللَّه[الحج ،]32 :وقول::هَ :و َج ْدتُ َها َوقَ ْو َم َهMا َي ْ َ َ َُ ْ ّ ّ
التدين ،كالعبادة والتعظيم والتقديس. اللَّ ِه[النمل .]24 :فقد أشارتا إلى الميل إلشباع مظاهر غريزة ّ
أن جوع::ات الغرائ::ز والحاج::ات؛ معت::برة قرآني:اً ك::دوافع للس::لوك اإلنس::اني .والواق::ع يش::هد
ومم::ا س::بق نس::تنتج؛ ّ
ال؛ تدفعه إلى الطهي ،وتناول الطع:ام... ،الخ .وحاجت:ه للتط:بيب عن:د الم:رض؛ تدفع:ه إلى بذلك ،فحاجة اإلنسان للطعام مث ً
البحث عن الطبيب والعالج .وجوعة غريزة التدين تدفعه :إلى البحث عن معبود ليعظّمه ويعبده :،وهكذا.
332
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
فإن القرآن الكريم جعل النفس ّ:ية معي:اراً النفسية المسلمة ،لذا؛ ّ ّ يعد الركن األهم في تكوين إن الجانب السلوكي ّ: ّ
َأن اللَّ َه لَ ْم َي ُك ُم َغ ِّي ًرا ِن ْع َم ًة َأ ْن َع َم َهMMا َعلَى قَMْ Mوٍم
الشخصية ومقدرتها على التغيير :،قال تعالىَ :ذِل َك ِب َّّ لقياس درجة انضباط
:إن الق ::رآن الك ::ريم وض ::ع األهمي ::ة العظيم ::ة للس ::لوك في حي ::اة اإلنس ::ان؛ ف ّ : ّ َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا َمMMا ِبَأ ْنفُ ِس ِ Mه ْم[األنف ::ال .]53:وله ::ذه
مجموعة من الضوابط والمحددات ،التي تجعل سلوك المسلم – في حال مراعاتها والتقيد بأحكامه:ا– س:لوكًا راقيً:ا منظمً:ا ،بعي:دًا
:دبر لبعض اآلي ::ات القرآني ::ة؛ نس ::تطيع أن نس ::تنبط أهم القواع ::د
عن االنح ::راف والتط :ّ :رفُ ،مرض ::ياً هلل .ومن خالل الت ّ :
الضابطة للسلوك في القرآن ،والتي نجملها باآلتي:
القاعدة األولى :تحديد الغاية الحقيقية للسلوك :إذا أردن::ا أن نف ّس:ر الغاي::ة من الس::لوك بحس::ب الفهم البش::ري ل::دوافع الس::لوك
في نظري::ات علم النفس الغ::ربي الح::ديث ،سنض::طر لوض::ع ح:ٍّ :د لغاي::ات الس::لوك اإلنس::اني ،ينتهي س::قف ه::ذا الح:ّ :د عن::د
فهم قاصر.
العضوية فقط ،ويقف عند حدود الحياة الدنيا .وهذا ٌ ّ تحصيل إشباع جوعات الغرائز والحاجات
:إن غاي::ات الس::لوك ال تق::ف عن::د ح:ّ :د إش::باع جوع::ات الغرائ::ز والحاج:ات فق:ط ،وإ ّنم::ا أم::ا من منظ::ور ق::رآني؛ ف ّ
الحقيقي:ة بالم:آل الم:ترتب علي:ه ّ تتعدى إلى تحقيق مرضاة اهلل .وذل:ك بتج:اوز ح:دود الحي:اة ال:دنيا ،ورب:ط غاي:ة الس:لوك ّ
ص ِر غايات الس:لوك على في اآلخرة ،وِإ َّنما تُوفَّو َن ُأجور ُكم يوم ا ْل ِقي ِ
أن قَ ْ
امة[آل عمران .]185 :وقد ّبين القرآن الكريم ّ ُ َ ْ َْ َ َ َ َ َ َ ْ
Mات ُك ْم ِفي
طِّيبِ M
ْه ْبتُ ْم َ َ الن ِ
ار َأذ َ ض الَِّذ َ
ين َك َفMُ Mروا َعَلى َّ ح ::دود الحي ::اة ال ::دنيا فق ::ط؛ ُيع :ّ :د س ::ببًا للخس ::ران ودخ ::ول الن ::ارَ ،و َيMْ Mو َم ُي ْعMَ Mر ُ
استَ ْمتَ ْعتُ ْم ِب َها[األحقاف.]20 : َح َي ِات ُك ُم ُّ
الد ْن َيا َو ْ
:وية
أن جوع::ات الغرائ::ز والحاج::ات العضّ : :بين معن::ا فيم::ا س::بق ّ القاعدة الثانية :تقييد السلوك بمفهوم الحالل والحرام :تّ :
إن الشارع الحكيم أوجب إشباع دوافع السلوك الناتجة عن جوع::ات تعد دوافع معتبرة للسلوك من منظور قرآني ،لذا؛ ف ّ ّ
ُّهMMا الَّ ِذ َ
ين الحاج::ات العض::وية ،وجعله::ا من درج::ة المقاص::د الض::رورية لتعلقه::ا بالحف::اظ على الحي::اة ،ق::ال تع::الىَ :يMMا َأي َ
لسد تلك الحاج::ة بق::در الض::رورة، ط ِّيب ِ
ات َما َر َز ْق َنا ُك ْم[البقرة .]172 :بل ّإنه سبحانه أباح تناول المحظور ّ ِ
آم ُنوا ُكلُوا م ْن َ َ
َ
ِ ٍ
اغ َوال َعاد فَال ِإثْ َم َعلَ ْيMMه[البق ::رةّ .]173 :
أم::ا وذلك َدرءاً للوقوع في مفسدة هالك النفس؛ قال تعالى :فَ َم ِن ْ
اضطَُّر َغ ْي َر َب ٍ
بالنس::بة إلش::باع دواف::ع الس::لوك الناتج::ة عن جوع::ات الغرائ::ز؛ فق::د جعل::ه اهلل مباح:اً ،لنزول::ه عن مرتب::ة الض::روري إلى
الحاجي.
أن اهلل تعالى لم يترك طريقة إشباع دوافع السلوك بدون ضبط وتنظيم ،وكذلك لم ُيسند طريقة
والجدير بالذكر هنا ،هو ّ
ض:بطها وتنظيمه:ا إلى اإلنس:ان نفس:ه ،ب:ل أس:ندها إلى ال:وحي المعص:وم ،فجع:ل االل:تزام بطاع:ة ال:وحي ه:و م:يزان اعتب:ار
ول َوال تُْب ِطلُMوا ْ
َأع َمMالَ ُك ْم[محم::د.]33 : سَ M
الر ُ
يعوا َّ ِ
يعوا اللَّ َه َوَأط ُ
ِ
آمُنوا َأط ُ ُّها الَِّذ َ
ين َ رده::ا ،ق::ال تع::الىَ :يا َأي َ األعمال شرعاً أو ّ
ظم:اً يلي:ق بإنس:انيته فاهلل سبحانه؛ أراد من اإلنسان –بخالف الحيوان -أن يسلك في إشباعه لهذه الجوعات؛ سلوكاً راقياً ُمن ّ
آد َم[اإلس ::راء .]70 :ف ::أوجب اهلل على اإلنس ::ان أن يجع ::ل أوام ::ر الش ::رع في وموافق :اً لتك ::ريم الخ ::الق ل ::هَ ،ولَقَMْ Mد َكَّر ْم َنMMا َبِني َ
الحالل والحرام؛ مقياسًا معياريًا لتصرفاته عند إشباع جوعات الغرائز والحاجات.
ثم ض::بطه ونظّم::ه فمثالً أب::اح ال::زواج كطريق::ة إلش::باع داف::ع المي::ل الجنس::ي الن::اتج عن غري::زة حف::ظ الن::وعّ ،
النسِ M ِ :رعية ،ف::أوجب االل::تزام ب::الحالل فَMMا ْن ِك ُحوا َمMMا َ
اء[النس ::اء .]3 :ونهى عن اإلش::باع غ::ير Mاب لَ ُك ْم م َن ِّ َ
طَ M باألحك::ام الشّ :
سِ M Mبيال[اإلس:: : :راء .]32 :ووج :: :ه إلى الص :: :بر والتعفّ :: :ف إلى حين Mان فَ ِ
الز َن MMا ِإ َّن ُه َك َ M
المش :: :روع َ وال تَ ْق َر ُب MMوا ِّ
اء َ
سَ M M
شً M Mة َو َ اح َ
فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يس::تطع فعلي::ه االستطاعة ،لقول النبي " :من استطاع منكم الباءة فليتزوجّ ،
333 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
()63
أن الق:رآن الك:ريم جع:ل مفه:وم الحالل والح:رام؛ معي:اراً لقي:اس النش:اط
:بين ّ
فإنه له وج:اء" .وبه:ذه الطريق:ة يت ّ
بالصوم ّ
الشخصية اإلسالمية المتميزة.
ّ السلوكي وضبطه لدى
أما إذا ترك اإلنسان لنفسه الحبل على الغارب ،ولم يلتزم بمفهوم الحالل والحرام كمقي:اس لس:لوكه ،فعندئ ٍ:ذ ال ف:رق ّ
امع ناَأل لكْأت امك ونلكْأيو ونعَّ
ت متي وارفك ينذَِّ
ال و فقط، والحاجات الغرائز دوافع إشباع سوى لها هم ال التي البهائم بينه وبين
َ َ َ َُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ُ ّ
:إن الم::تردد في س::لوكه بين االل::تزام وعدم::ه ،ينطب::ق علي::ه الوص::ف النب::وي لموق::ف َو َّ
الن ُار َمثْMًMوى َل ُه ْم[محم ::د .]12 :وك::ذلك فّ :
ثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ،تعير إلى هذه مرة وإ لى هذه مرة"(.)64
"م ُ
المنافقين الوارد في قوله َ :
(?) ابن ماجه ،محمد بن يزيد القزوين ـي (ت 273هـ) ،سنن ابن ماجه ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر، 66
بيروت ،كت ـ ـ ـاب الزهد ،باب ذكر التوبة ،حديث رقم .4250
(?) جمال الخطيب ،تعديل السلوك ،جمعية عمال المطابع التعاونية ،عمان ،ط1987 ،1م ،ص.82 67
334
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
Mون
ين اَل َيْر ُج َ ين[النس::اء .]14 :وق::الِ :إ َّن الَِّذ َ اب ُم ِه ٌ
Mه َعَ Mذ ٌيهMا َولَ ُ ِ ِ ص اللَّ َه ورسولَ ُه ويتَع َّد ح ُد َ ِ
ودهُ ُي ْدخْل ُه َن ًارا َخال ًدا ف َ ََ ُ ََ َ ُ َو َم ْن َي ْع ِ
الن ُار ِب َمMMا َكMMا ُنوا َي ْك ِس ُ Mب َ
ون اهم َّ
ْMأو ُ ُ
ِئ
ون* ُأولَ َك َمَ M
ين ُهم ع ْن آي ِات َنMMا َغِ M
Mافلُ َ ِ
َMأنوا ِب َهMMا َوالَّذ َ ْ َ َ
ض Mوا ِبا ْلحيِ M
Mاة الMُّ Mد ْن َيا َوا ْطمُّ M
َ ََ اء َنMMا َوَر ُ ِ
ل َق َ
[يونس.]8 ،7 :
المبحث الثالث
كيفية بناء الشخصية اإلسالمية المتميزة من خالل الربط بين مقوماتها الفكريّة والسلوكيّة
ال – بنسبة كبيرة – بين اإليم:ان والعم:ل ،أي
نجد انفصا ً
بالنظر إلى واقع حياة أغلب المسلمين في الوقت الحاضر؛ ُ
:إني
للعقلي:ة ،ومعطي:ات المق ّ:وم الس:لوكي المشّ :كل للنفس ّ:ية في الشخص ّ:ية اإلس:المية .ل:ذا؛ ف ّ
المقوم الفك:ري المشّ :كل ّ
بين معطيات ّ
:لوكية (اإليم ::ان
الفكري::ة والس ّ :
ّ مقوم ::ات الشخص ::ية اإلس ::المية
س ::أتحدث في ه ::ذا المبحث الخت ::امي؛ ح ::ول طبيع ::ة العالق ::ة بين ّ
متمي::زة
:المية ّ
عملي::ة الرب::ط بين ه::ذين المق::ومين لبن::اء شخص::ية إسّ :
والعم::ل) ،وبي::ان المنهج الق::رآني ال::ذي يجب أن ُيتب::ع في ّ
ينض::بط فيه::ا الس::لوك َوف::ق معطي::ات اإليم::ان .وقب::ل اإلجاب::ة عن ه::ذه األس::ئلة ،ال ب:ّ :د من معرف::ة دور العقي::دة في بن::اء الس::لوك
وتوجيهه.
التدين فهماً وتنزيالً ،قطر ،د (ط ،ت) ،ج ،2ص .13-12بتصرف قليل.
(?) النجار ،عبدالمجيد ،في فقه ّ
70
335 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني :مثال توضيحي يبيّن كيفية بناء الشخصية اإلسالمية باقتران مقوماتها:
منهجية منظّم:ة ومتس:قة ،تس:ير تل:ك الخط:وات
ّ فق ُخطوات
تتم َو َ
المتميزةّ ،
ّ الشخصية اإلسالمية
ّ عملية بناء
إن ّ ّ
في مسارين متوازيين ال يتخلّف أحدهما عن اآلخر.
للعقلية).
ّ المكونة
ّ المقوم الفكري ،ويشمل( :مصدر التفكير "الوحي" ،الحكم على الواقع "فكر" ،وينتهي بالمفاهيم ّ مسار
الحيوي::ة ،دواف ::ع الس ::لوك ،المي ::ول ،وينتهي باألعم ::ال) .ف ::إذا تك ::املت خط ::وات
ّ ومسMMار المقMّ Mوم السMMلوكي ،ويش ::مل( :الطاق ::ة
المتمي::زة .ينظ::ر
ّ المس::ارين الم::ذكورين؛ نتج بالض::رورة عن اقترانهم::ا في رأس اله::رم :البن::اء المتكام::ل للشخص:ّ :ية اإلس::المية
شكل رقم (.)1
أن ذل:ك الواق:ع ه:و (المي:ل إلش:باع جوع:ة أح:د مظ:اهر غري:زة
واقع ما ،ولنفترض ّ
ال إذا أراد المسلم التعامل مع ٍ
فمث ً
حفظ الن::وع وهي المي::ل إلى الجنس اآلخ::ر) .فكي::ف يتعام::ل م::ع ه::ذا الواق::ع وف::ق س::لوك مط::اب ٍ
ق للحال::ة المعياري::ة ال::تي َ
المتميزة؟
ّ اإلسالمية
ّ الشخصية
ّ تقاس عليها
إن أول الخط::وات ال::تي يجب علي::ه القي::ام به::ا هي النظ::ر إلى مص::در التفك::ير (ال::وحي) ،فيج::د إلش::باع ه::ذه الجوع::ة
الجMMوابّ :
النس ِ M ِ ط::ريقين :طري ::ق النك::اح الش::رعي ،وه ::و حالل ،لقول ::ه تع::الى :فَMMا ْن ِك ُحوا َمMMا َ
اء[النس ::اء .]3 :وطري::ق Mاب لَ ُك ْم م َن ِّ َ
طَ M
أن (الفك:ر) الحكم على الواق:ع الم:ذكور ،المس:تمد من الزَنا[اإلسراء .]32 :فيتضح له ّ الزنا ،وهو حرام .لقوله تعالىَ :وال َت ْقَرُبوا ِّ
مص:درية الق::رآن الك::ريم؛ يقض::ي ِ:
بح ّل إش::باع تل::ك الجوع::ة بالنك::اح الش::رعي فق::ط ،ويقض::ي بحرم::ة إش::باعها عن طري::ق
الزنا.
وه::ذا الكش::ف عن حكم حّ :ل النك::اح وحرم::ة الزن::ا ،ال يتع:ّ :دى أك::ثر من كون::ه (فك::رة) ،أي معلوم::ة يتس::اوى في
:ع ِ:ح ّل النك:اح وحرم:ة الزن:ا ،وص ّ:دق ب:ه تص:ديقاً جازم:اً
أدرك ذل:ك الش:خص واق َ
َ الن:اس .ف:إذا
الوص:ول إلى معرفته:ا جمي:ع ّ
:درك واقع:ه .وبم:وجب ه:ذا المفه:وم يض:بطمؤثرًا في سلوكه عن:د اإلش:باع ،عن:دها تتح:ول تل:ك الفك:رة إلى مفه:وم إيم:اني ُم ٌ
س::لو َكه وينظم::ه تج::اه ذل::ك الواق::ع .ويص::بح لدي::ه بواس::طة مفه::وم الحالل والح::رام معي::ار ض::ابط للس::لوك من حيث اإلق::دام
336
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
واإلحج ::ام على الفع ::ل .ف ::إذا تي ّس: :ر ل ::ه إش ::باع ذل ::ك المي ::ل بطري ::ق الحالل أق ::دم ،وإ ذا تع ::ذر الحالل أحجم وتعفّ ::ف .وبه ::ذه
المكون ::ة للنفس :ّ :ية؛ تتح ّكم مف:::اهيم الحالل
ّ للعقلي ::ة المس ::لمة وبين المي ::ول والس ::لوك
ّ المكون ::ة
ّ الطريق ::ة الرابط ::ة بين المف ::اهيم
والحرام بطريقة إشباع جوعات الغرائز والحاجات ،وتُضبط الميول واألهواء النفس ّ:ية َوف:ق إرادة اهلل .ينظ:ر الش:كل رقم
(:)1
تلمس خطواتهاالمتميزة ،تلك الطريقة التي توصلنا إلى ّ
ّ الشخصية اإلسالمية وبنائها
ّ هذه هي طريقة تكوين
تدبر اآليات القرآنية الكريمة .وهي الطريقة نفسها التي كان يسير عليها النبي في بنائه
ورسمها من خالل ّ
يقيس عليها المسلم مدى قربه
لشخصيات كبار الصحابة من السابقين في اإلسالم .وهي تصلح ألن تُتخذ معياراً ُ
ّ
خاصةً في هذا العصر الذي
ّ الشخصية اإلسالمية المتميزة التي أراد اهلل له أن يكون عليها،
ّ وبعده من تحقيق صفات
فتميعت شخصياتهم والسلوكية لدى ٍ
كثير من المسلمين عن المنهج اإلسالمي القويم؛ ّ ّ الفكرية
ّ انحرفت فيه البوصلة
واضطربت ،حتى غدا الفكر لديهم منفصالً عن السلوك ،وأصبح اإليمان ال أثر له في العمل.
337 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متميزة
إسالمية ّ
ّ شخصية
ّ
المقوم الس:: :لوكي .بحي:: :ث يت:: :م ضب:: :ط
المقوم الفكري م:: :ع مخرجات ّ
نتاج اقتران مخرجات ّ
اإليمانية
ّ السلوك وتنظيمه بحسب المفاهيم
دافع سلوكي
فكرة (حكم على واقع)
ناتج عن جوعة مظهر الميل للجنس
ِ
(ح ّل النكاح ،وحرمة الزنا)
اآلخر التابع لغريزة حفظ النوع
المقوم السلوكي)
ّ المسار الثاني (مدخالت المقوم الفكري)
ّ المسار األول (مدخالت
المتميزة ومخرجاتها
ّ اإلسالمية
ّ الشخصية
ّ مخطط مدخالت بناء
الشكل رقم ()1
338
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فرج حمد الزبيدي
الخاتمة:
الحمد هلل وكفى ،والصالة والسالم على عباده الذين اصطفى وبعد:
يسر الباحث في ختام هذه الدراسة؛ أن يجمل أهم النتائج والتوصيات باآلتي:
ّ
حدد القرآن الكريم مقومات الشخصية اإلسالمية بعنصرين رئيسين:أوالًّ :
ِ:
والموج:د ،والعالق::ة يتم بموجبه تكوين المفاهيم عن الوج::ود
)1اإليمان .ويتعلق بالجانب العقدي والفكري الذي ّ
الشخصية اإلسالمية وتنميتها وضبطها.
ّ العقلية في
ّ بينهما :.وبهذا الجانب يتم بناء
(?) نقالً عن :محمد خليفة بركات ،تحليل الشخصية ،مكتبة مصر ،ط ،3ص.8 6
عمان ،ط1992 ،1م ،ص.11 الشخصية في القصة القرآنية ،دار البشيرّ ،
ّ (?) مصطفى عليان ،بناء 7
(?) جميع هذه المواضع ورد فيها اإليمان متقدمًا على العمل الصالح ،ما عدا خمس مواضع تقريبًا ورد فيها العمل الصالح 10
متقدماً على اإليمان ،مع جعل اإليمان شرطاً العتبار العمل وقبوله.
ّ
جدة ،ط1406 ،2هـ ،ص .198بتصرف قليل.
(?) السمالوطي ،نبيل ،التنظيم المدرسي والتحدي التربوي ،دار الشروقّ ،
13
(?) محمــد رشيد رضا (ت 1354هـ) ،تفسير المنار ،الهيئة المصرية العامة للكتب1990 ،م ،ج ،1ص .389-388بتص ّ:رف 14
قليل.
(?) الخازن ،علي بن محمد ،لباب التأويل في معاني التنـزيل ،تحقيق :محمد علي شاهين ،دار الكتب العلمية ،بيروت، 15
الكوث ـ ـري،
المكتبة األزهرية للتراث ،القاهرة ،ط1421 ،2هـ ،ص .21
21
(?) التفكير المستنير أو المنظومي ،هو أرقى درجات التفكير ،ويكون من خالل النظر إلى الشيء وفهمه وفهم ما يتعلق به
البينية .أي فهم األشياء والحكم عليها مربوطة بما يتعلّق بها.
وير ّكز فيه على العالقات ّ
ثم الحكم عليهُ .ّ
(?) ُينظر :الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العين ،تحقيق :مهدي المخزومي وزميله ،مكتبة الهالل باب :العين والقاف 22
والالم .وأحمد بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،مادة :عقل .والرازي ،محمد بن أبي بكر ،مختار الصحاح ،تحقيق :محمد
خاطر ،مكتبة لبنان ،بيروت ،ط1415 ،1هـ ،مادة :عقل .واألزهري ،محمد بن أحمد ،تهذيب اللغة ،تحقيق :محمد عوض
مرعب ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط 2001 ،1م ،باب العين والقاف والالم .الراغب األصفهاني ،الحسين بن محمد ت
التوفيقية ،القاهرة ،ص.345
ّ 502هـ ،المفردات في غريب القرآن ،المكتبة
(?) ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،ط ،1مادة :فكر. 25
339 المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع (1437 ،)1ه2016/م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصية اإلسالمية المتميزة من منظور قرآني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتلخص باآلتي:
ثالثاً :وضع القرآن الكريم مجموعة قواعد ضابطة ومنظمة للسلوكّ ،
(?) الغزالي ،أبو حامد محمد بن محمد (ت 505هـ) ،إحياء علوم الدين ،دار المعرفة ،بيروت ،ج ،4ص.425 28
(?) الجرجاني ،التعريفات ،تحقيق :محمد مرعشلي ،دار النفائس ،بيروت ،ط1428 ،2هـ ،ص.247 30
(?) جروان ،فتحي عبدالرحمن ،تعليم التفكير ،دار الكتاب الجامعي ،اإلمارات1999 ،م ،ص.33 31
32
(?) حنايشة ،عبدالوهاب محمد إبراهيم ،التفكير وتنميته في ضوء القرآن الكريم ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس2009 ،م،
ص.14
36
(?) العقاد ،عباس محمود ،التفكير فريضة إسالمية ،نهضة مصر للطباعة ،القاهرة ،د (ط ،ت) ،ص.9
(?) ينظر تفاصيل اإلحصائية المذكورة :صالح صالح معمار ،علم التفكير ،دار ديبونو للطباعة والنشر ،عمان ،ط،1 37
2006م .ص.27-18
38
(?) حوامدة ،مصطفى محمود ،دور القرآن الكريم في تنمية التفكير المنظومي لدى اإلنسان ،من أوراق المؤتمر العربي
الثالث حول االتجاه المنظومي في التدريس والتعليم ،جامعة :عين شمس2002 ،م ،ص.6
(?) الرازي ،عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت327هـ) ،آداب الشافعي ومناقبه ،تحقيق د .عبد الغني عبد الخالق ،دار الكتب 39
(?) النيسابوري ،مسلم بن الحجاج (ت 241هـ) ،الصحيح ،تحقيق :محمد فؤاد عبدالباقي ،دار إحياء التراث ،بيروت، 41
كتاب السالم ،باب :تحريم الكهانة وإ تيان الكهان ،حديث رقم.2230 :
قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر (ت 751هـ) ،مفتاح دار السعادة ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ج ،1ص.187 (?) ابن ّ
42
(?) السعدي ،عبد الرحمن بن ناصر (ت 1376هـ) ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،تحقيق :عبد الرحمن 43
1976م ،ص.144
المكرمة ،ط1996 ،1م ،ص.46-42 ّ (?) ماجد عرسان الكيالني ،مقومات الشخصية المسلمة ،مكتبة االستقامة ،مكة 45
(?) محمد السيد راضي جبريل ،عناية المسلمين بإبراز وجوه اإلعجاز في القرآن الكريم ،مجمع الملك فهد لطباعة 46
(?) النجار ،عبد المجيد ،دور الفكر الواقعي في النهضة اإلسالمية ،بحوث اللقاء الخامس َّ
لمنظمة الندوة العالمية للشباب 49
حد إشباع جوعات الغرائز والحاجات فقط ،وإ ّنما تتع:ّ :دى إلى إن غايات السلوك من منظور قرآني؛ ال تقف عند ّ رابعاًّ :
تحقيق مرضاة اهلل .وذلك بتجاوز حدود الحياة الدنيا وربط السلوك بمآله المترتب عليه في اآلخرة.
منهجية منظّمة ومتسقة ،تسير في مسارين متوازيين. ّ فق ُخطوات تتم َو َ
الشخصية اإلسالمية؛ ّ
ّ عملية بناء
إن ّ خامساًّ :
المكون ::ة
)1مسMMار المقMّ Mوم الفكMMري ،ويش ::مل( :مص ::در التفك ::ير "ال ::وحي" ،والحكم على الواق ::ع "فك ::ر" ،وينتهي بالمف ::اهيم ّ
للعقلية).
ّ
(?) السيد رزق الحجر ،مسائل العقيدة وداللتها بين البرهنة القرآنيَّة واالستدالل الكالمي ،دار الثقافة ،القاهرة، 50
1410هـ ،ص.73
(?) اإليجي ،عضد الدين عبدالرحمن بن أحمد ،المواقف ،تحقيق :عبد الرحمن عميرة ،دار الجيل ،بيروت ،ط،1 51
مؤسسة المختار ،القاهرة ،ط1424 ،1هـ ،كتاب التفسير ،سورة الطور .حديث رقم.4854 :
(?) ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) ،مجموع الفتاوى ،تحقيق :أنور الباز وزميله ،دار الوفاء ،ط،3 53
(?) ُينظر :الفراهيدي ،كتاب العين ،مادة :سلك .وابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،مادة :سلك .وابن منظور ،لسان 55
1996م ،ص.95-94
عمان ،ط1998 ،1م ،ص.134
(?) العاني ،محمد يوسف ،الشخصية اإلنسانية في التراث اإلسالمي ،دار الفرقانّ ،
59
(?) فرج عبدالقادر طه ،أصول علم النفس الحديث ،دار المعارف ،القاهرة2000 ،م ،ص.325 60
61
(?) السعدي ،تفسير السعدي ،ص.514
(?) أخرجه الترمذي في السنن ،كتاب :الزهد ،باب :الكفاف والصبر ،حديث رقم .2346 62
(?) أخرجه البخاري في الصحيح ،كتاب الصوم ،باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ،حديث رقم .1905 63
(?) أخرجه مسلم في الصحيح ،كتاب المنافقين ،حديث رقم .2784 64
بتصرف.
ّ اإلسالمية ،ص.18-16
ّ الشخصية
ّ (?) ينظر :تقي الدين النبهاني، 65
(?) الخطيب البغدادي ،أحمد بن علي (ت 463هـ) ،اقتضاء العلم العمل ،تحقيق :ناصر الدين األلباني ،المكتب اإلسالمي، 69
الحيوي::ة ،ودواف::ع الس::لوك ،والمي ::ول ،وينتهي باألعم ::ال) .ف::إذا تك ::املت
ّ )2ومسMMار المقMّ Mوم السMMلوكي ،ويش ::مل( :الطاق ::ة
خط::وات المس::ارين الم::ذكورين؛ نتج بالض::رورة عن اقترانهم::ا في رأس اله::رم :البن::اء المتكام::ل للشخص:ّ:ية اإلس::المية
المتميزة.
ّ
إن الشخص ّ:ية اإلس:المية من منظ:ور ق:رآني ،ليس:ت مالئكي:ة :معص:ومة عن األخط:اء ،فق:د تق:ع بتقص:ير أو غفل:ة
سادساًّ :
أو خطأ ينتج عنه ثغرات في السلوك .لهذا؛ فقد عالج اإلسالم مسألة ثغرات السلوك في الشخصية اإلسالمية بأمرين:
)1فتح باب التوبة.
)2التعزيز السلوكي عن طريق نظرية العقاب والثواب.
التوصيات:
التعليمي::ة والتربوي::ة والثقافي::ة في البالد اإلس::المية ،لالس::تفادة من
ّ يتوج::ه الب::احث إلى الق::ائمين على المؤسس::ات
المتمي::زة ومخرجاتها (ال::ذي ُيع:ّ :د ُملخص :اً لمحت::وى ه::ذه الدراس::ة) ،وذل::ك من
ّ :المية
مخط::ط م::دخالت بن::اء الشخص:ّ :ية اإلسّ :
ثم القيام
عرض وتَشرح للناشئة والشباب خطوات ذلك المخططّ ، تربوية (نظرية وتطبيقية) ،تَ ِ
ّ خالل تصميم مناهج وبرامج
:لوكية)؛ َوف::ق منهج الق::رآن الك::ريم
(الفكري::ة والسّ :
ّ بت::دريبهم عملي :اً على كيفي::ة بن::اء مقوم::ات الشخص:ّ :ية اإلس::المية المتم::يزة
اإلسالمية والفكر اإلسالمي الصحيح .مم::ا ّ والسنة النبوية ،وبالتالي تعويدهم على ضبط سلوكهم وتوجيهه بمقتضى العقيدة ّ
ٍ
يس ::اعد بش ::كل كب ::ير على حّ : :ل اإلش ::كالية المتفش :ّ :ية بين المس ::لمين في ه ::ذه األي ::ام ،والمتمثل ::ة باالنفص ::ال م:::ا بين الفك:::ر
والسلوك ،وبالتالي االنفصال بين اإليمان والعمل.
وفي الختام؛ هذا ما وفقني اهلل إليه ،فما كان صواباً فبتوفيقه تعالى ،وما جانب الصواب فمن نفسي وأستغفر اهلل.
ال الم ::ولى أن يجعل ::ه خالص: :اً لوجه ::ه الك ::ريم ،وأن ينف ::ع ب ::ه اإلس ::الم والمس ::لمين ،وآخ ::ر دعوان ::ا أن الحم ::د هلل رب
س ::ائ ً
العالمين.
الهوامش:
342
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية ،مج ( ،)12ع ( 1436 ،)1ه2016/م