You are on page 1of 8

‫مدخل‬

‫‪ .1‬مفهوم النقد وأهدافه‪:‬‬


‫النقد لغة ‪ :‬ىو النقد والتنقاد‪ ،‬وىو تمييز الدراىم واخراج الزيف منيا‪ ،‬ونقدت الدراىم‬
‫وانتقدتيا‪ ،‬إذا أخرجت منيا الزيف‪ ،‬والنقد أيضا تمييز الدراىم واعطاؤىا إنسانا‪ ،‬وأخذىا يسمى‬
‫االنتقاد‪ ،‬ونقد الشيء ينقده نقدا إذا نقره بإصبعو كما تنقر الجوزة‪ ،‬ونقد الطائر الفخ ينقده‬
‫بمنقاره أي ينقره‪ ،‬والمنقاد‪ :‬منقاره‪ ،‬واإلنسان ينقد الشيء بعينو‪ :‬وىو مخالسة النظر لئبل يفطن‬
‫لو‪ .‬وفي حديث أبي الدرداء أنو قال‪ :‬إن نقدت الناس نقدوك‪ ،‬وان تركتيم تركوك‪ ،‬ومعنى‬
‫نقدتيم أي عبتيم واغتبتيم قابموك بمثمو‪.1‬‬
‫واذا كان النقد لغة ىو تمييز الدراىم واخراج الزائف منيا‪ ،‬فإن النقد األدبي أيضا‬
‫ييدف إلى الكشف عن العناصر األدبية التي إذا توفرت لؤلديب كميا بمغ بأدبو غايتو من‬
‫التأثير والنفع‪ ،‬وينقص ىذا التأثير بقدر نقص تمك العناصر‪ ،‬بمعنى أنو يعين عمى فيم‬
‫األ دب وتذوقو والحكم عميو ومعرفة مواطن الجمال فيو‪ ،‬وتمييز الجيد من الرديء فيو‪ ،‬كما‬
‫أنو يوجو األدباء لمرقي بإبداعيم نحو الجودة والفائدة والكمال‪ ،‬وأيضا يعمل عمى تربية الذوق‬
‫الناضج لدى الطمبة‪ ،‬ويمنحيم القدرة عمى التمييز والحكم عمى مستوى النصوص األدبية من‬
‫حيث األفكار واأللفاظ واألسموب والتراكيب والصور والعاطفة والموضوع‪.‬‬
‫مما ذكر نصل إلى أن النقد األدبي ليس اليدف منو االقتصار عمى كشف الجوانب‬
‫السمبية في العمل األدبي‪ ،‬أو إعبلن الحرب والعداء ضد األديب‪ ،‬بل النقد األدبي ىو عممية‬
‫وصفية تبدأ بعد عممية اإلبداع مباشرة‪ ،‬فبل يمكن تصور نقد دون إبداع‪ ،‬سواء أكان شع ار أم‬
‫نث ار‪ ،‬ألن النقد وجد لخدمة األدب؛ فالنقد األدبي قد يتناول عمبل أدبيا واحدا أو إنتاجا أدبيا‬
‫ألديب من األدباء أو حركة أدبية بكامميا خبلل مرحمة زمنية معينة‪ ،‬أو غيرىا من األنشطة‬
‫األدبية‪ ،‬ومن تم فإن موضوعات النقد األدبي كثيرة ومتنوعة بتعدد وتنوع اإلنتاجات اإلبداعية‬
‫وكثرة المدارس واالتجاىات والتيارات األدبية‪.‬‬
‫أما تاريخ بداية النقد األدبي فيمتد إلى مراحل متقدمة لعميا تبدأ منذ ظيور أول‬
‫األعمال األدبية ‪ ،‬فما يبديو المتمقي من استحسان أو استيجان اتجاه اإلنتاج األدبي‪ ،‬وما‬

‫‪ .1‬المسان ‪ :‬نقد‪.‬‬
‫يقدمو المتمقي لممؤلف من نصح أو إعجاب يعتبر في حد ذاتو موقفا نقديا‪ ،‬لذلك كان النقد‬
‫في بدايتو يرتبط بالذوق أكثر من المؤىبلت العممية‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فالنقد األدبي ىو نوع من محاكمة اآلثار األدبية والحكم ليا أو عمييا‪،‬‬
‫والفصل بين الصالح والفاسد بينيا‪ ،‬ثم إصدار الحكم‪ ،‬ولن يتم ذلك الحكم إال من خبلل‬
‫الكشف عن جوانب النضج الفني في اإلنتاج األدبي‪ ،‬وتمييزه عما سواه عن طريق الشرح‬
‫والتعميل‪ ،‬والناقد الحق ىو الذي يقدم التعميبلت والمبررات في تقييمو لؤلعمال األدبية حتى‬
‫وان إخطأ‪ ،‬أما الذي يصدر األحكام عمى األعمال األدبية دون تبرير فني‪ ،‬فبل يعتبر ناقدا‬
‫وان أصاب‪ ،‬كما يذىب إلى ذلك الدكتور محمد غنيمي ىبلل‪ ،2‬فالنقد غالبا ما يرتبط‬
‫بالوصف والتفسير والتأويل والتحميل والتقويم‪ ،‬ألن ىدفو ىو قراءة األثر األدبي ومقاربتو قصد‬
‫تبيان مواطن الجودة والرداءة فيو‪ ،‬يقول الدكتور عماد حاتم‪« :‬النقد األدبي ىو تقييم العمل‬
‫األدبي وبيان قيمتو في ذاتو ودرجتو بالنسبة لسواه ‪ ...‬إنو نوع من محاكمة اآلثار األدبية‬
‫والحكم ليا أو عمييا والفصل بين الصالح والفاسد بينيا ثم إصدار الحكم»‪.3‬‬
‫لذلك يتطمب النقد الصحيح استعدادات فنية رفيعة ومستوى ثقافيا عاليا‪ ،‬ولعل ىذا ما‬
‫يفسر كون تاريخ األدب لم يحفظ سوى أسماء عدد محدود من النقد سواء في القديم كالجاحظ‬
‫وابن قتيبة والجمحي والقاضي الجرجاني واآلمدي والعسكري وابن رشيق ‪ ..‬وفي الحديث‬
‫كسبلمة موسى وطو حسين ومحمد مندور والعقاد واحسان عباس وغيرىم‪ ،‬ىؤالء جميعا‬
‫«ساىموا في تكوين عممية النقد األدبي وساىموا في تربية األذواق واستطاع بعضيم أن يقوم‬
‫بثورة شاممة في المفاىيم واألذواق وأن يعيد نظرنا في عدد من القيم الجمالية ويحدث نوعا‬
‫من االنعطاف‪ ،‬ليس فقط في حركة النقد األدبي بل وفي حركة الفكر»‪.4‬‬
‫من ىنا يتضح أن أىمية النقد كبيرة تتجمى في توجيو عممية اإلبداع وتساعده عمى‬
‫النمو واالزدىار والتقدم‪ ،‬كما أنو يعمل عمى تقويم وتقييم اإلنتاج األدبي‪ ،‬فيميز فيو بين‬
‫مواطن الجمال والقبح‪ ،‬ويبرز الجودة من الرداءة‪ ،‬والطبع من التكمف والتصنيع والتصنع‪،‬‬
‫وذلك من خبلل الخضوع لمجموعة من الخطوات الضرورية والتي تتمثل في‪:‬‬

‫‪ .2‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬نيضة مصر لمطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2005 /6‬‬
‫‪ .3‬النقداألدبي‪ :‬قضاياه واتجاىاتو الحديثة‪ ،‬ص‪.12-11‬‬
‫‪ .4‬نفسو‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ -‬قراءة النص اإلبداعي؛‬
‫‪ -‬مبلحظة النص؛‬
‫‪ -‬تحميمو مضمونا وشكبل؛‬
‫‪ -‬تقييمو إيجابا أو سمبا؛‬
‫‪ -‬وفي األخير ترد عممية التوجيو‪ ،‬وىدفيا تأطير المبدع وتدريبو وتكوينو وتوجييو‬
‫الوجية السميمة‪.‬‬
‫إال أن ىذه العممية في حد ذاتيا وىذه الخطوات تختمف حسب المؤىبلت الثقافية‬
‫واالستعدادات الفكرية لكل ناقد‪ ،‬لذلك اختمفت المناىج المعتمدة‪ ،‬فإذا كان بعضيا يكتفي‬
‫بعممية الوصف الظاىري الداخمي لمنص‪ ،‬كما ىو الشأن مع بعض المناىج الببلغية القديمة‪،‬‬
‫إضافة إلى بعض الماىج الحديثة كالمنيج البنيوي المساني والمنيج السيميائي‪ ،‬فإن ىناك‬
‫مناىج تتعدى الوصف إلى التفسير والتأويل‪ ،‬كما الحال مع المنيج التاريخي واالجتماعي‬
‫والنفسي والبنيوي التكويني‪ .‬لذلك اختمفت المناىج المعتمدة بحسب اختبلف المشارب التي‬
‫يستقي منيا كل ناقد والتوجيات التي ينطمق منيا‪ ،‬لكن قبل الخوض في ىذه المناىج نتساءل‬
‫عن ماىية المنيج والوظيفة التي يقوم بيا‪ ،‬وعبلقتو بالتطورات التي عرفتيا العموم ابتداء من‬
‫القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫‪ .2‬مفهوم المنهج‪:‬‬
‫إذا حاولنا البحث في المعاجم المغوية المختمفة عن مدلول كممة "المنيج"‪ ،‬سنجدىا‬
‫تدل في مجمميا عمى الخطة والطريق واليدف والسير الواضح والصراط المستقيم‪ ،‬يقول‬
‫محمد بن منظور في مادة نيج‪" :‬طريق نيج‪ :‬بين واضح‪ ،‬وىو النيج‪ ،‬وسبيل َمنيج‪ :‬كنيج‪،‬‬
‫ومنيج الطريق‪ :‬وضحو‪ ،‬والمنياج كالمنيج‪ ،‬وفي التنزيل‪﴿ :‬لكل جعمنا منكم شرعة‬
‫ومنياجا﴾‪ ،5‬وىذا يحيمنا إلى أن المنيج في االصطبلح خطة واضحة المعالم ىدفيا الوصول‬
‫إلى نتيجة ممموسة من خبلل االعتماد عمى مجموعة من الخطوات واالجراءات‪ ،‬لذلك حدد‬
‫"بول رويال" المنيج بأنو‪« :‬فن التنظيم الصحيح لسمسمة من األفكار العديدة إما من أجل‬

‫‪ .5‬لسان العرب‪ :‬مادة نيج‪.‬‬


‫الكشف عن الحقيقة حين نكون بيا جاىمين‪ ،‬أو من أجل البرىنة عمييا لآلخرين حين نكون‬
‫بيا عارفين»‪.6‬‬
‫وعرف السيد تقي الدين المنيج بأنو‪« :‬خطة معقولة لمعالجة المشكمة وحميا عن‬
‫طريق استخدام المبادئ العممية المبنية عمى الموضوعية واإلدراك السميم ال البداىة والتخمين‬
‫أو التجربة العابرة أو مجرد المنطق»‪.7‬‬
‫وعرف عمي جواد الطاىر المنيج أيضا بأنو «طريقة يصل بيا اإلنسان إلى الحقيقة»‪.8‬‬
‫ويقصد بالمنيج النقدي في مجال األدب‪ ،‬تمك الطريقة التي يتبعيا الناقد في قراءة‬
‫العمل اإلبداعي والفني‪ ،‬وذلك قصد استكناه دالالتو وبنياتو الجمالية والشكمية‪ ،‬وىذا ما يذىب‬
‫إليو الدكتور صبلح فضل حين يقول بأن المنيج النقدي في األدب «ىو الذي يتعمق بالدراسة‬
‫األدبية‪ ،‬وبطرق معالجة القضايا األدبية والنظر في مظاىر اإلبداع األدبي بأشكالو وتحميميا‪،‬‬
‫وىو بيذا المفيوم يتحرك طبقا لمنظومة خاصة بو‪ ،‬تتألف من مستويات مختمفة»‪.9‬‬
‫والذي نستخمصو من ىذه القولة‪ ،‬وخصوصا إذا حاولنا عقد مقارنة بين المذىب‬
‫والمنيج‪ ،‬ىو أن المذىب لو بطانة أيديولوجية يصعب تحريكيا‪ ،‬بينما يعتمد المنيج عمى‬
‫مفاىيم عقمية أو منطقية يمكن تحريكيا وتغييرىا‪ ،‬وبالتالي يصعب عمى األديب الذي يعتنق‬
‫مذىبا أن يغيره بسرعة‪ ،‬بينما يسيل عمى المفكر الذي يقتنع بمنيج محدد ثم يكتشف قصوره‬
‫في بعض الجوانب أن يستكممو أو يعدلو بمرونة أوضح بمعنى أن الناقد يحدد مجموعة من‬
‫النظريات النقدية واألدبية ومنطمقاتيا الفمسفية والعممية‪ ،‬ويختزليا في فرضيات ومعطيات‬
‫ومسممات‪ ،‬ثم ينتقل بعد ذلك إلى التأكد من تمك التصورات عن طريق التحميل النصي‬
‫ليستخمص مجموعة من النتائج والخبلصات التركيبية‪ ،‬ولعل ىذا ما سنجد الدكتور عباس‬
‫الجراري يتحدث عنو حين يقول‪« :‬ولقد شاع أن المنيج مجرد وسيمة لمبحث عن المعرفة‬
‫وفحصيا‪ ،‬أي مجرد خطة مضبوطة بمقاييس وقواعد وطرق تساعد عمى الوصول إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬وتقديم الدليل عمييا‪ ،‬ىذه مجرد أدوات إجرائية‪ ،‬وىي في نظرنا ال تمثل إال جانبا‬

‫‪ .6‬منطق بول رويال‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪ ،1977 ،‬ص‪.5‬‬


‫‪ .7‬أصول البحث األدبي ومناىجو‪ ،‬دار نيضة مصر لمطبع والنشر‪ ،‬القاىرة‪.1984 ،‬‬
‫‪ .8‬منيج البحث األدبي‪ ،‬مكتبة النيضة‪ ،‬بغداد‪،1972 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ .9‬مناىج النقد المعاصر‪ :‬ص‪.10‬‬
‫واحدا من المنيج أقترح تسميتو بالجانب المرئي في المنيج»‪ ،‬لذلك يجب النظر إلى المنيج‬
‫«ال باعتباره مجرد أسموب أو وسيمة تضبطيا خطة وقواعد تنير السير في طريق البحث عن‬
‫الحقيقة وتساعد عمى الوصول إلى نتائج معينة‪ ،‬ولكن باعتباره منظومة متكاممة تبدأ بالوعي‬
‫والرؤيا المشكمتين لروح المنيج وكنيو البلمرئي‪ ،‬وتنتيي بالعناصر البلزمة لتحقيق تمك الرؤيا‬
‫وذلك الوعي من خبلل الكشف والفحص والدرس والتحميل والبرىنة لئلثبات أو النفي»‪.10‬‬
‫وما تمك العناصر إال مجموعة من المعارف البلزم توفرىا لمناقد‪ ،‬والتي تتيح لو‬
‫التعامل مع العديد من المناىج التي اعتبرت مفاتيح متنوعة ىدفيا خدمة النص األدبي‪ ،‬ذلك‬
‫أن «المناىج جميعا يجب أن توظف في خدمة األثر األدبي وفيمو وتقييمو‪ ،‬وال يجوز البثة‬
‫تمديد األثر األدبي عمى سرير بروكست‪ ،11‬أي منيج جاىز سمفا»‪.12‬‬
‫فاألمر الطبيعي في مجال النقد أن يكون النص األدبي ىو الذي يستدعي المنيج‬
‫النقدي‪ ،‬واألمر الشاذ وغير المقبول حينما يفرض المنيج قس ار عمى النص األدبي‪ ،‬خصوصا‬
‫وأن الكثير من النصوص اإلبداعية األدبية تستدعي أكثر من منيج في التحميل والدراسة‪ ،‬إال‬
‫أن ىذا ال يعني أن نخض ع النص المعين لعدد من المناىج الغير منسجمة فيما بينيا‪ ،‬وىنا‬
‫يقول صبلح فضل‪« :‬يجب التأكيد عمى أمرين من حيث طبيعة التداخل والتخارج بين‬
‫المناىج المختمفة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ىذا التداخل ال يمكن أن يتم في ظل منيج متكامل مفتعل ممفق‪ ،‬وال بد أن‬
‫يتم بين عناصر قابمة لبلتساق المعرفي وليست متناقضة؛‬
‫الثاني‪ :‬أنو يوظف دائما الستكمال اإلجراءات التي تؤدي إلى نجاعة التحميل النقدي‬
‫لمظواىر األدبية»‪.13‬‬

‫‪ .10‬د‪.‬عباس الجراري‪ :‬خطاب المنيج‪ /‬منشورات النادي الجراري‪ /‬ط‪ /1995 /2‬ص‪.41-40‬‬
‫‪ . 11‬بروكست ىو قاطع طريق يتسم بالقوة والشراسة وحب التعذيب؛ وبروكست وسريره أسطورة عادة ما‬
‫تستعمل في المجال السياسي لمتعبير عن فكرة الرقابة والمطابقة ورفض االختبلفات البشرية ‪ ..‬وفرض‬
‫نظام تعسفي يسعى لتحويل أفراد المجتمع إلى متشابية ومطابقة لنموذج وىمي‪.‬‬
‫‪ .12‬جورج طرابيشي‪ :‬األدب من الداخل‪ /‬دار الطميعة‪ /1978 /‬ص‪.8‬‬
‫‪ .13‬مناىج النقد المعاصر‪ :‬ص‪.17‬‬
‫ولعل نفس الفكرة حاول الدكتور محمد الدغمومي مقاربتيا في قولو بعد أن تحدث عن‬
‫المنيج وقيمتو ووظيفتو التي ىي خدمة األثر األدبي‪ ،‬ولكن دون االعتماد عمى المنيج‬
‫الجاىز أو التمفيق بين المناىج‪« :‬والنتيجة أحد أمرين‪ :‬إما أن يمتمك الناقد كل المناىج‪ ،‬واما‬
‫أال يقرب إال النص الذي يتوافق والمنيج الذي يتبناه؛ وفي الحالة األولى‪ ،‬عمى الناقد أن‬
‫يحيط إحاطة شاممة بالمنيج لكي يرى المناسب منيا‪ ،‬أو ليجد فييا ما يناسب النص ويحممو‬
‫تحميبل نفسيا وماديا وبنيويا وجماليا وذوقيا‪ ،‬أو يختار مفتاحا واحدا‪ ،‬وفي ىذه الحالة الثانية‬
‫عميو أن ينظر والدة النص الذي يمكن أن يقبل الخضوع لممنيج»‪.‬‬
‫وكبل األمرين يدل عمى التعسف وسوء الفيم لمنقد والمنيج‪ ،‬ذلك أن الكثير من النقاد‬
‫يتسمحون بمناىج كثيرة ومتنوعة وأكثر حداثة وعمق لمتعامل مع نص سطحي مباشر ال‬
‫يحتاج إلى تحميل دقيق‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬بحيث نجد من يتعامل مع نصوص أكثر تعقيدا‬
‫وغموضا بمناىج تقميدية وقاصرة ال تحقق المبتغى والمطموب منيا‪ ،‬لذلك عمى الناقد األدبي‬
‫التزود بالثقافة الواسعة واالطبلع عمى مختمف العموم وخاصة منيا العموم اإلنسانية‪.‬‬
‫وعموما يبقى التسمح بالمنيج أمر ضروري لتحميل النصوص األدبية المختمة‪ ،‬سواء‬
‫أكانت شع ار أم نث ار بمختمف أشكالو‪ :‬قصة أو رواية و مسرحية ‪ ...‬وىنا يقول الدكتور وليد‬
‫قصاب‪ « :‬لممنيج النقدي أىمية كبرى‪ ،‬وال يستطيع الدارس أن يتوغل في أعماق العمل األدبي‬
‫توغبل منظما دقيقا إذا لم يتسمح بمنياج واضح يضيء لو الطريق‪ ،‬ويبصره مواقع أقدامو»‪.14‬‬
‫‪ .3‬نشأة عمم المناهج‪:‬‬
‫اىتم بقضية المنيج الكثير من العمماء والمفكرين عمى مر القرون‪ ،‬ولعل الفبلسفة‬
‫كانوا أسبق ىؤالء جميعا حيث ظير المنيج مع كتابات أفبلطون وأرسطو في القرن الرابع‬
‫قبل الميبلد‪ ،‬ثم بعد ذلك انتقل إلى الميدان التربوي بداية من القرن السابع عشر مع العالم‬
‫التشيكي جون آموس كومينوس (‪ ،)1670-1592‬وىو رجل دين مسيحي‪ ،‬انتقد البرامج‬
‫التربوية الموجودة في عصره‪ ،‬حيث نادى بتطوير في طرق تصنيف الموسوعات والمعارف‪،‬‬
‫حيث نبو عمى أن تصنيف كل عمم أو فن يجب أن يبتدئ من البسيط المعروف إلى الصعب‬
‫المجيول ألكثر البشر‪ ،‬ليطبق ذلك فيما بعد في مؤلفاتو الدراسية‪ ،‬حيث اقترح تنظيم التعميم‬
‫في مراحل متدرجة تبدأ باألبواب البسيطة السيمة لتزداد الصعوبة تدريجيا‪ ،‬وكان يبني كل‬

‫‪ .14‬وليد قصاب‪ :‬مناىج النقد األدبي‪ /‬ص‪.17‬‬


‫باب عمى ما قبمو‪ ،‬حتى يسيل الفيم‪ ،‬ويبين لكل المتمقين بأن العمم شيء متصل‪ ،‬وأن‬
‫المعرفة باألشياء البسيطة الواضحة ىو الذي أدى لمعرفة العموم المركبة الضخمة‪.‬‬
‫وبعد كومنيوس نجد فريدريك فروبل في القرن التاسع عشر (‪ ،)1852 -1782‬كان‬
‫مربيا ألمابيا‪ ،‬أول من أسس روضة أطفال عام ‪ ،1837‬وأطمق عمييا حديقة األطفال‪ ،‬وذلك‬
‫لمساعدة األطفال عمى التعمم بصورة طبيعية‪ ،‬وكان برنامجو يشمل المعب الحر وعمل‬
‫النماذج بالطين وقطع الورق‪ ،‬وكذلك صمم مواد تعميمية قياسية ظمت مستخدمة لسنين‬
‫طويمة‪ ،‬ومن المبادئ التي نص عمييا فروبل ىو إيجاد صمة بين المناىج الدراسية والحياة‬
‫االجتماعية المعاصرة لمطفل‪.‬‬
‫ولعل العرب القدماء في مؤلفاتيم اىتموا بمنطق أرسطو وراحوا يترجمونو ويمخصونو‬
‫ويشرحونو‪ ،‬واستخدموا المنطق في مصنفاتيم العديدة‪ ،‬وخاصة فيما يتصل بالنحو والمغة‬
‫وأصول الدين ‪ ..‬لكن الدراسة المتخصصة في المنيج وجوانبو المتعددة‪ ،‬وظيور عمماء‬
‫متخصصين بالمنيج والنواحي المرتبطة بو‪ ،‬كل ىذا لم يبدأ إال في القرن العشرين‪ ،‬وخاصة‬
‫منذ عام ‪ ،1918‬عندما ظير أول كتاب مختص بالمناىج من تأليف فرانكمين بوبيت معنون‬
‫بـ ــ"المنيج"‪ ،‬ويعتبر ىذا الكتاب معمما يحدد بداية ظيور عمم المناىج كعمم وتخصص مستقل‬
‫بذاتو ‪ ،‬وقد ارتبط ظيور المناىج الدراسية بأشكاليا المختمفة بازدىار الحركة العممية والعقمية‬
‫منذ القرن التاسع عشر‪ ،‬وبتشعب المعارف والعموم وكثرتيا‪ ،‬وبتعدد اآلراء واألفكار‬
‫والتصورات‪.‬‬
‫وىنا يقول الدكتور وليد قصاب‪« :‬وكما تطور العمم ‪ ،‬واتسعت ساحاتو‪ ،‬وغزرت آفاقو‪،‬‬
‫تطور األدب والدرس األدبي كذلك‪ ،‬ثم راح الدرس األدبي يستفيد من مناىج العموم المختمفة‪:‬‬
‫إنسانية وطبيعية‪ ،‬ويجند كثي ار من نتائجيا في عممو‪ ،‬فأصابو التوفيق والعمق حينا‪ ،‬وأصابو‬
‫اإلخفاق والتكمف حينا آخر‪ ،‬ذلك أن األدب والدرس األدبي – وان التقيا مع العمم في جوانب‪،‬‬
‫أو استفادا منو في قميل أو كثير – متميزان عنو‪ ،‬ولكل منيما خصوصية ال ينبغي ليا أن‬
‫تغيب في اآلخر أو تتماىى فيو‪ ،‬واال أضاع طبيعتو الخاصة»‪.15‬‬
‫وقد اتجو البحث األدبي إلى العمم واالستفادة من إنجازاتو منذ القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫يعني قبل تبمور عمم المناىج‪ ،‬وانما منذ بدء عصر العمم‪ ،‬حيث انبيرت النفوس والعقول‬

‫‪ .15‬وليد قصاب‪ :‬مناىج النقد األدبي‪ /‬ص‪.18‬‬


‫بالمكتشفات والبحوث التي اشتغل عمييا العمم‪ ،‬والنتائج التي حققيا‪ ،‬فرافق ذلك التطور‬
‫العممي تطور أدبي‪ ،‬خصوصا وأن األدب ىو أيضا جزء من النيضة والتطور‪ ،‬فانفتح عمى‬
‫تمك العموم المختمفة واستفاد منيا‪ ،‬كما انفتحت عميو كذلك بعض العموم واستفادت منو‪،‬‬
‫وىكذا نبلحظ أن المنيج في النقد األدبي‪ ،‬بعد أن كان مرتبطا بالمنطق الذي تأثر فيو من‬
‫الفمسفة اليونانية‪ ،‬وممتزما بحدود العقل‪ ،‬أصبح مرتبطا في عصر النيضة بحركة التيار‬
‫العممي‪ ،‬ىذا التيار ال يحتكم إلى العقل فحسب‪ ،‬بل يحتكم باإلضافة إلى ذلك إلى الواقع‬
‫ومعطياتو وقوانينو‪.‬‬
‫ولما كان األدب جانبا من الحياة الثقافية‪ ،‬فإنو كان موضع نظر تخصصات متنوعة‪،‬‬
‫ولما تطورت أنواع العموم‪ ،‬استفاد منيا األدب والنقد عمى حد سواء‪ ،‬وىنا يقول الدكتور وليد‬
‫قصاب‪ « :‬كانت الدراسات التاريخية تتقدم وتتطور‪ ،‬فاستفاد منيا النقد األدبي‪ ،‬فطور وعمق‬
‫ممحوظاتو التاريخية القديمة‪ ،‬وراح يتجو إلى درس تاريخي مؤصل يقوم عمى منيج عممي‪.‬‬
‫وكانت الدراسات االجتماعية والنفسية تحرز تقدما ىائبل ‪ ..‬فكان البد أن يستفيد‬
‫الدرس األدبي –الذي انفتح عمى جميع المعارف والعموم‪ -‬من ثمرات ما حققتو الدراسات‬
‫االجتماعية والنفسية من إنجازات ‪ ..‬وأن يحاول تطبيقيا في عممو‪ ،‬فعرف –في ميدان النقد‬
‫األدبي‪ -‬المنيج االجتماعي بأشكالو المتعددة‪ ،‬وعرف المنيج النفسي بأشكال وصور متعددة‬
‫كذلك»‪.16‬‬
‫وخبلصة القول‪ ،‬ىو أن نشوء عمم المناىج في النقد ظير وتطور مع عصر النيضة‬
‫بتطور المعارف والعموم عمى اختبلف أشكاليا وألوانيا‪ ،‬تمك العموم التي أفادت النقد كثيرا‪،‬‬
‫وعممت عمى تطوير الدرس األدبي والنقدي‪.‬‬

‫‪ .16‬وليد قصاب‪ :‬مناىج النقد األدبي‪ /‬ص‪.18‬‬

You might also like