You are on page 1of 3

‫الشراكة بين القطاعين العام والخاص‬

‫أصبحت شراكة القطاع العام والخاص ظاهرة مسيطرة خالل السنوات األخيرة‪ ،‬كنتيجة حتمية لعدم كفاية االستثمارات الضغوط‬
‫المتزايدة على الميزانيات الحكومية باإلضافة إلى القلق العام تجاه عدم كفاية كفاءة الخدمات التي تقدمها المؤسسات والوكاالت‬
‫الحكومية‪ ،‬إذ طبقت شراكة القطاع العام والخاص بشكل رئيسي في مجاالت البنية األساسية االقتصادية باألساس‪ ،‬ولكن بدأ مؤخرا‬
‫االلتفات إلى البنية األساسية االجتماعية‪ ،‬ذلك أن الرغبة في الحصول على خدمات; أفضل وبكفاءة أعلى إضافة إلى التمويل كلها‬
‫عوامل تدفع باإلدارات المركزية والمصالح الالممركزة والجماعات الترابية‪ ،‬وباقي مؤسسات; القطاع العام‪ ،‬بشكل متزايد إلى تبني‬
‫أسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬لتقديم هذه الخدمات‪785.‬‬

‫وفقا لذلك تعد عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬نموذجا متطور لألنشطة األعمال التي تساعد على زيادة استثمارات‬
‫القطاع الخاص في كافة مجاالت; النشاط االقتصادي واالجتماعي من أجل الوفاء باحتياجات; المجتمع‪786 .‬‬

‫وفي ذات التوجه تعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬عقد إداري بموجبه يعهد إلى أحد أشخاص القطاع العام إلى أحد‬
‫أشخاص القطاع الخاص للقيام بتحويل االستثمارات المتعلقة باألعمال والتجهيزات الضرورية للمرافق العام‪ ،‬وإدارتها واستقاللها‪،‬‬
‫وصيانتها طوال مدة العقد المحددة‪ ،‬مقابل مبالغ مالية تلتزم اإلدارة المتعاقدة بدفعها إليه بشكل مجزاً طوال مده الفترة التعاقدية‪ ،‬ويقوم‬
‫هذا الصنف من الشراكة على إبرام عقود للشراكة بين طرفين مختلفين من الناحية القانونية والمبدئية وذلك من أجل إنجاز أعمال‬
‫مختلفة يرى الطرفين ضرورة إنجازها بصفة المشترك بناء على عقد واضح يبين االلتزامات ‪ 787‬والحقوق والواجبات بشكل دقيق‪.‬‬

‫وال يعد أن يكون طرفي هذا النوع من الشراكة سواء من القطاع العام أو من جهة أخرى القطاع الخاص‪ ،‬من أجل إشراك القطاع‬
‫الخاص في تدبير الشأن العام‪ ،‬إذ ما فتئ أن تشريعات كثير من الدول تولي غاية‬

‫‪ 785‬أحمد بوعشيق‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص آلية فعالة لتمويل التنمية بالمغرب»‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد‬

‫مزدوج ‪ ، 2010 ،91 - 96‬ص‪.84 :‬‬

‫‪ 786‬أحمد بوعشيق‪ :‬العقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص آلية فعالة لتمويل التنمية بالمغرب»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.102 :‬‬
‫‪Paul LIGIES: Patentais public privé édition Litec affaires finances 200, P: 1 787‬‬

‫خاصة في أعقاب توجه عالمي يسير في اتجاه إيالء هذه األهمية ‪ 788‬للشراكة مع الفاعليين الخواص خصوصا بعدما أثبتت العديد‬
‫من التجارب نجاعة هذا النوع من التدبير في إطار عقود الشراكة المبرمة بين القطاع الخاص‪ ،‬بما يتميز هذا األخير من الفعالية‬
‫والسرعة واإلتقان على المستوى المغربي وبالرغم من كون المشرع عمل على تأطير شراكة القطاع العام والخاص ضمني القانون‬
‫‪ 86,12‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬حيث عمل على إبرام العديد من عقود الشراكة مع القطاع الخاص‬
‫إلنجاز مشاريع كبرى عكس الجماعات الترابية التي لم تعرف هذا النوع من العقود ذات األهمية االقتصادية الكبرى‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫باألساس إلى التكاليف المالية الباهظة التي يتطلبها مثل هذا النوع من المشاريع‪ ،‬خاصه وأن القوانين التنظيمية الحالية والمؤطرة‬
‫لتدخالت الجماعات الترابية بكل أصنافها; أكدت على أهمية الشراكة كعنصر فعال لتحول دور الجماعات; الترابية حتى تصبح جماعة‬
‫فاعلة في محيطها الدولي‪ ،‬ونستحضر هنا كل من المادتان ‪ 86‬و‪ 92‬من قانون الجماعات والمادة ‪ 94‬من قانون العماالت واألقاليم‬
‫والمادة ‪ 82‬من قانون الجهات‪ ،‬حيث يتبين من خالل هذه المواد أن المشرع المغربي وفي إطار ترسيخه للجهوية المتقدمة‪ ،‬وبتأكيده‬
‫على تدعيم الجهات وباقي المستويات الترابية األخرى‪ .‬بدعامات أساسية بغية تحقيق مشاريعها التنموية‪ ،‬فهو بذلك يسعى إلى جعل‬
‫الجهات والجماعات الترابية األخرى جماعة فاعلة في محيطها الدولي‪ ،‬من خالل منحها إمكانية االنخراط والمشاركة; في أنشطة‬
‫المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية وكل أشكال التبادل مع الجماعات الترابية األجنبية‪ ،‬ونشير بهذا الخصوص إلى كون المشرع‬
‫أغفل مسألة الشراكة مع الخواص األجانب إذ اقتصر مجال التعاون بين الجماعات; الترابية المغربية ونظيرتها األجنبية فقط في أشكال‬
‫التعاون من خالل إبرام اتفاقيات التوأمة واالنخراط في بعض المنظمات; المهتمة بالشأن المحلي‪ 789 ،‬وبذلك تأتي أهمية إشراك‬
‫القطاع الخاص األجنبي في التدبير المحلي من خالل عقود الشراكة التي ستتمكن الجماعات; الترابية من االحتكاك بالقطاع الخاص‬
‫األجنبي‪ ،‬األمر الذي يجعلها تكتسب التجارب الدولية في مجال تدبير الشأن العام المحلي‪ ،‬ومن زاوية أخرى فإن تنامي أهمية الشراكة‬
‫مع القطاع الخاص جاء نتيجة لتخلي الدولة عن كثير من المهام واالختصاصات; لصالح الجماعات الترابية ليس فقط لكون هذه‬
‫األخيرة تعتبر مجاال خصبا لتنظيم التعاون والتعاضد بين كل الفاعلين على المستوى المحلي‪ ،‬بل ‪790‬‬

‫‪ 788‬أندريه لرينهارد ‪ :‬الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سويسرا التجارب والمخاطر واإلمكانيات‪ ،‬المجلة الدولية للعلوم‬
‫اإلدارية منشورات معهد التنمية اإلدارية‪ ،‬رقم ‪ ،11‬العدد ‪ ،2006 ،4‬ص‪ 709 179 :‬موالي إسماعيل هيكل‪« :‬الجماعات; الترابية‬
‫بالمغرب بعد اإلصالح الدستوري والقانوني إشكالية الحكامة الترابية ورهانات التدبير الحر‪ ،‬مرجع‬

‫سابق‪ ،‬ص‪. 150 :‬‬

‫‪Zarrouk(N) la coopération internationale collectivités des locales marocain (la lettre de 790‬‬
‫‪.collectivités locales, septembre 2005, P: 33‬‬

‫لكون أن عقود الشراكة أضحت أداة فعالة في يد القائمين على تدبير الشأن العام الترابي لترجمة التدخالت االقتصادية للجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬التي تعتبر أساس الفصل التنموي برمته ‪ 79‬ومن جهة أخرى تنبع أهمية الشراكة من صعوبة اضطالع الجماعات الترابية‬
‫بمهامها; وصالحياتها‪ ،‬نظرا لتعددها وكثرة مقارنة باإلمكانيات المالية والبشرية والتقنية الالزمة تتوفر عليها‪.‬‬

‫ونظرا لألهمية البالغة التي تحتلها الشراكة ضمن المستجدات الدستورية والتنظيمية المؤطرة لتدخالت الجماعات; الترابية بكل‬
‫أصنافها‪ ،‬ولتدارك الضعف الحاصل على مستوى اإلطار القانوني للشراكة‪ ،‬خاصة وأن قانون ‪ 86.12‬المنظم للشراكة بين القطاعين‬
‫العام والخاص والذي حصرا األشخاص العامة التي لها الحق في إبرام عقود الشراكة في الدولة والمؤسسة العمومية التابعة للدولة في‬
‫والمقاوالت العمومية واستثنى بذلك الجهات; والجماعات; الترابية األخرى‪ ،‬فإنه ولتدارك هذا النقص عمل المشرع على تغييره وتتميمه‬
‫بمقتضى قانون جديد لعقود الشراكة بين القطاع العام والخاص قانون ‪ 46.18‬الذي جاء بالعديد من المستجدات منها مالئمة الحكامة‬
‫للخصائص اإلقليمية والمحلية وكذا إحداث لجنة وطنية للشراكة بين القطاعين العام والخاص برئاسة رئيس الحكومة ‪ 792‬وتتمثل‬
‫المهمة الرئيسية لهذه اللجنة في وضع استراتيجية وطنية للشراكة بين القطاعين العام والخاص وبرنامج وطني سنوي أو متعدد‬
‫السنوات‪ ،‬إلى جانب تحديد شروط وطرق تبسيط المساطر ‪ ،‬السيما تلك المتعلقة بالتقييم المسبق والمسطرة التفاوضية‪ ،‬إلى جانب‬
‫دراسة عتبة االستثمارات التي يكون فيما دونها التقييم المحلي المنصوص عليه في هذا القانون ‪ 793‬هذا إلى جانب تعديلين إضافيين‬
‫في هذا المجال فيرتبط األول منه بتبسيط المادة ‪ 2‬من‬
‫عملية العرض التلقائي‪ ،‬وتوضيح شروط اللجوء إلى المسطرة التفاوضية بينما يشتمل التعديل الثاني ضمان التناسق واالنسجام بين‬
‫مقتضيات القانون الحالي والقوانين الخاصة القطاعية التي تحيل على آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪.‬‬

‫ويستشف من خالل مواد هذا القانون ‪ 46,18‬أن المشرع واعي بأهمية الشراكة كآلية تنظيمية له مزايا عديدة في تحقيق التنمية وذلك‬
‫من خالل تدارك للنقائص التي شملها قانون ‪ 86,12‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر توسيع دائرة األشخاص‬
‫العامة التي لها الحق في إبرام عقود الشراكة لتشمل الجهات وباقي المستويات الترابية من أجل تنفيذ اختياراتها‪ 794 ،‬االقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية والرياضية‪ ،‬وعموما كل ما يندرج ضمن سياستها; العامة الترابية المؤطرة بموجب االختصاصات والصالحيات‬
‫المنوطة بها قانونا‪ ،‬ويتم المصادقة; على عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمرسوم إذ يوافق على عقود الشراكة التي تبرمها‬
‫المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية الدولة من لدن أجهزتها التداولية وتتم المصادقة; عليها من قبل سلطات الوصاية ‪795 .‬‬

‫كما يتم المصادقة على عقود الشراكة التي تبرمها للمقاوالت العمومية‪ ،‬التي تملك الدولة بصفة مباشرة أغلبية رأسمالها سواء بصفة‬
‫حصرية أو مشتركة مع مؤسسات عمومية‪ ،‬أو مقاوالت عمومية وفقا ألنظمتها األساسية طبقا للتشريع الجاري به العمل ال تكون‬
‫مقررات األخيرة التداولية للجماعات الترابية أو مجموعاتها المتعلقة بعقود الشراكة قابلة للتنفيذ إال بعد التأثير عليها من لدن السلطة‬
‫الحكومية‬
‫المكلفة بالداخلية‪.‬‬

‫إلى جانب ذلك يتم المصادقة على عقود الشراكة التي تبرمها األشخاص االعتبارية الخاضعة للقانون العام التابعة للجماعات; الترابية‬
‫من لدن أجهزتها التداولية ويتم التأشير عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية‪ ،‬أو الشخص المفوض من لدنها لهذا الغرض‪.‬‬
‫‪796‬‬
‫وعموما يمكن القول بأنه وبالرغم من أن الشركة والتعاون بين الجماعات الترابية بكل أصنافها‪ ;،‬السيما الجهة والقطاع الخاص‬
‫أضحت ضرورة ملحة تفرضها مجموعة من اإلكراهات والتحديات التي يطرحها تدبير الشأن العام الترابي‪ ،‬فإن تعدد أصناف هذه‬
‫الشركات ال يمكن حصرها في الشراكة بين الجماعات; الترابية والجمعيات أو بين الجماعات; الترابية أو المنسقين االقتصاديين‬
‫والخواص‪ ،‬بل أن الشراكة يمكن أن تأخذ أبعاد أخرى من قبل الشراكة بين الجماعات الترابية فيما بينها أو مع اإلدارات العمومية‬
‫األخرى أو الجمعيات المعترف لها بصفة‬

‫المنفعة العامة‪.‬‬

‫من جهة أخرى فإذا كانت الشراكة والتعاون تعد آليات مهمة لتفعيل الدور التنموي للجهات; من خالل مساهمتها في إنجاز العديد من‬
‫المشاريع‪ ،‬إال أن المالحظ في هذا المجال أن تفعيل هذه اآللية يبقى محدودا واقتصر على بعض الجهات دون غيرها‪ ،‬ويرجع السبب‬
‫في ذلك حسب تصورنا إلى ضعف ثقافة الشراكة والتعاون لدى المنتخبين والمديرين المحليين وذلك راجع باألساس عن عدم قدرتهم‬
‫عن تملك تفعيل هذه اآللية‪ ،‬إلى جانب العوامل السلبية األخرى من قبيل (الحزازات الحزبية أو االنتخابية)‪ .‬إلى جانب عوامل تدبيرية‬
‫األخرى ترتبط بدرجة أولى بضعف شفافية العديد من الجهات; في تدبيرها المالي‪ ،‬إلى جانب اشتراط المشرع التأشير على هذه العقود‬
‫من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية يطرح التساؤل حول إمكانية تفعيل رؤساء الجماعات لهذه اآللية‪ ،‬وهو ما يتطلب‬
‫ضرورة استحضار هاتين اآلليتين كرافعة للتنمية الديمقراطية المحلية إضافة إلى تدعيم التنمية المحلية وتعزيز وتقوية دور القطاع‬
‫الخاص في التنمية الجهوية المندمجة عبر شراكات ما بين القطاعين العام والخاص‪.‬‬

You might also like