You are on page 1of 13

‫األدوار التنموية للجماعات‬

‫دراسة سوسيواقتصادية في ضوء القانون التنظيمي للجماعات‬

‫هشام العقراوي – باحث بسلك الدكتوراه ‪،‬‬

‫كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ‪ -‬المحمدية‬

‫المقدمة‬

‫أضحت تحتل الجماعات مكانة دستورية‪ 1‬وتنظيمية‪ 2‬ووظيفية‪ 3‬مهمة‪ ،‬وتعد شريكا‬
‫ترابي للدولة‪ ،‬في بلورة وتنفيذ المشاريع التنموية واالستثمارية على المستوى الترابي‪،‬‬
‫وتشكل البنية األساسية في النظام الالمركزي بالمغرب باعتبارها وحدة ترابية تتمحور حولها‬
‫المشاريع التنموية االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.4‬‬

‫وباعتبارها المحرك األساسي في إنجاز تجهيزات القرب وأداء الخدمات األساسية‬


‫المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين‪ ،‬لذلك جاءت االختصاصات المنوطة بجهازيها التداولي‬
‫والتنفيذي أكثر دقة وتفصيال ضمن القانون التنظيمي المتعلق الجماعات‪ .14- 113‬و لتفعيل‬
‫اختصاصاتها وأدوارها التنموية‪ ،‬منحها المشرع المغربي مجموعة من األليات و‬
‫االختصاصات وبناء عليه سنعملعلى رصد مساهمة الجماعات في تحقيق التنمية المحلية‬
‫انطالقا من اختصاصاتها الذاتية والمشتركة مع الدولة ثم االختصاصات المحولة لها‪.‬‬

‫‪ : 1‬خصص لها دستور ‪ 2011‬بابا تحث عنوان الجماعات الترابية والجهات‪ ،‬ونص على مبادئ دستورية‪ ،‬كمبدأ التدبير‬
‫الحر‪ ،‬والتفريع‪ ،‬ومبدأ التعاون‪ ،‬والتدبير التشاركي‪ ،‬الفصل ‪ 135‬و‪.137 .136‬‬
‫‪ : 2‬عبر إصدار ثالثة قوانين تنظيمية التي تعتبر مكملة ومفسرة للمبادئ الدستورية الترابية ثم مترجمة للمكانة الدستورية‬
‫التي أضحت تحتلها الجماعات الترابية‪.‬‬
‫‪ : 3‬منحها المشرع المغربي عدة وظائف واختصاصات ذاتية ومشتركة ومحولة‪ ،‬وعدة اليات لتحقيق التنمية الترابية‪،‬‬
‫‪ :4‬نجيب المصمودي ‪ :‬القانون التنظيمي الجديد للجماعات‪ ،‬نحو تدبير عمومي ترابي جديد بالمغرب‪ ،‬منشورات سلسلة‬
‫الحكامة الترابية ودراسة السياسات العدد ‪ 2‬مطبعة االمنية الرباط الطبعة األولى سنة ‪ 2017‬ص ‪.50‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األدوار التنموية للجماعات في ضوء اختصاصاتها الذاتية‪.‬‬

‫تتعدد مجاالت تدخل الفاعل الترابي على المستوى المحلي‪ ،‬وذلك راجع الى تعدد‬
‫وتنامي حاجيات األفراد‪ ،‬وتتوزع مجاالت التنمية المحلية على المستوى االقتصادي‬
‫واالجتماعي والثقافي والبيئي‪.5‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دور الجماعات في التنمية االقتصادية المحلية‪.‬‬

‫يعد المجال الفالحي والنشاط السياحي والصناعة التقليدية مجاالت حيوية للجماعات‬
‫الترابية للمساهمة في تحقيق التنمية المحلية‪.‬‬

‫أ‪ :‬تدخل الجماعات في المجال الفالحي‪.‬‬

‫يشكل دعم وتشجيع القطاع الفالحي مدخال نحو تحقيق التنمية المحلية ومن تجلياته‬
‫نذكر برنامج سقي مليون هكتار‪ ،‬ثم إحداث صندوق القرض الفالحي ومراكز االستثمار‬
‫الفالحي‪ ،‬وذلك من أجل تقديم مختلف المساعدات والتسهيالت واإلرشادات والقروض‪،‬‬
‫إضافة إلى اإلعفاءات الضريبية الممنوحة للقطاع الفالحي‪ ،‬زيادة على المخطط األخضر‬
‫للفالحة الذي جاء ليواكب التطورات وتحسين مردودية الفالحة بصفة عامة والفالح بصفة‬
‫خاصة‪.‬‬

‫وتعتبر الجماعات عضوا فاعال في تسيير مراكز التجهيز الفالحي حيث تتدخل من أجل‬
‫إعداد وتهيئة القطاع الفالحي السقوي‪ ،‬عن طريق تخصيص اعتمادات في الميزانيات لبناء‬

‫‪ :5‬سعيد جفري‪ :‬قانون الجماعات الترابية‪ ،‬مطبعة األمنية – الرباط‪ ،‬نشر وتوزيع مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪ ،2017‬ص ‪.170‬‬
‫قنوات الري لترشيد استعمال عمليات السقي‪ ،‬كما أن مجالس الجماعات يمكنها كذلك مساعدة‬
‫المزارعين في تطوير طرق ووسائل الري أمام ندرة المياه‪.6‬‬

‫كما يعتبر رؤساء المجالس أعضاء في المجلس اإلداري لمراكز األشغال للمجلس‬
‫اإلقليمي للغابات‪ ،‬حيث يتم إخبارهم وإشراكهم في جميع األنشطة الفالحية وتربية المواشي‬
‫واإلعداد الهيدرو مائي واالستثمار الغابوي بالجماعة‪.7‬‬

‫ب‪ :‬دور الجماعات في إحداث وتهيئة مناطق لممارسة األنشطة االقتصادية‪.‬‬

‫سواء تعلق األمر بالجهة والعمالة أو األقاليم أو الجماعات‪ ،‬فإنها أصبحت من الفاعلين‬
‫والمتعاملين االقتصاديين إلى جانب الدولة والخواص في إطار التوجهات الجديدة لدعم‬
‫وتثبيت الالمركزية‪ ،‬وتفعيل سياسة القرب واالستجابة لمتطلبات المجهود الوطني الخاص‬
‫بالتنمية الشاملة‪.‬‬

‫فالجماعة الترابية يبقى على عاتقها عبء التدخل لتهيئ الظروف المالئمة لجلب‬
‫االستثمار في القطاع الصناعي‪ ،‬وأيضا خلق مناطق األنشطة االقتصادية التي تشمل المناطق‬
‫الصناعية‪ ،‬كما تقوم بتجهيز هذه المناطق بالتجهيزات الضرورية من طرق وكهرباء‪...‬‬

‫ونظرا لضعف ميزانية أغلب الجماعات بالمغرب وعدم كفاية فائضها أو انعدامه‪ ،‬يتم‬
‫تجهيز وإعداد المناطق الصناعية عن طريق الحسابات الخصوصية خارج الميزانية‬
‫االعتيادية‪ ،‬عن طريق القروض سواء صندوق التجهيز الجماعي أو من األبناك الوطنية‬
‫والدولية‪.8‬‬

‫والمنطقة الصناعية هي مجموع األراضي المهيئة الستقبال االستثمارات في المجال‬


‫الصناعي بعد أن توفر لها األرضية الالزمة‪ ،‬إما في أمالكها الخاصة إذا كانت تتوفر على‬
‫رصيد عقاري‪ ،‬أو عن طريق االقتناء من الخواص أو من األمالك الخاصة للدولة أو‬

‫‪ : 6‬ينظر المواد من ‪ 78‬الى ‪ 82‬من القانون التنظيمي للجماعات‪.‬‬


‫‪ :7‬ايت يعيش عبد العزيز ‪ :‬إشكالية الجماعات المحلية والتنمية‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس أكدال كلية الحقوق الرباط ‪ ،2007/2006‬ص‪ 18‬و‪.19‬‬
‫‪ : 8‬سعيد جفري‪ :‬الجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.180‬‬
‫األراضي الساللية أو الجيش حسب الطبيعة القانونية لألرض‪ ،‬تم تقوم بعد ذلك بإنجاز‬
‫التجهيزات الضرورية من طرق وماء وكهرباء‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك متدخلون آخرين‪ ،‬إلحداث‬
‫المنشآت التي تتطلبها الصناعة‪.‬‬

‫هذا التعدد في التدخل يرجع إلى عدة فاعلين‪ ،‬فمن حيث الموافقة على هذه المناطق‬
‫تكون الجهة المختصة هي لجنة حكومية يرأسها رئيس الحكومة‪ ،‬وعضوية كل من وزير‬
‫الداخلية باعتباره الوصي على الجماعة الترابية ووزير المالية والسكنى ومدير مكتب التنمية‬
‫الصناعية‪ ،‬ومدير صندوق اإليداع والتدبير‪ ،‬والوكالة العقارية‪ ،‬وتقوم هذه اللجنة بتحديد ثمن‬
‫البيع وبالتالي دراسة المشاريع المزمع إحداثها داخل هذه المناطق‪ ،‬ثم حجم هذه االستثمارات‬
‫المراد توظيفها‪.‬‬

‫والمالحظ هو غياب تمثيلية الجماعات عن هذه اللجنة رغم أن المناطق الصناعية تقع‬
‫داخل تراب الجماعة الترابية المعنية‪ ،‬لكن رغم ذلك يبقى للجماعة الترابية دورها وتأثيرها‬
‫في إحداث المناطق الصناعية وذلك لوقوعها داخل النفوذ الترابي للجماعة المعنية‪ ،‬هذا‬
‫إضافة إلى المستثمر سيدخل في عالقات وإجراءات إدارية مع الجماعة‪ ،‬ورغم هذه‬
‫الصالحيات التي خولت للجماعات فيما يخص إحداث المناطق الصناعية أو المناطق ذات‬
‫األنشطة االقتصادية فإنها تبقى غير كافية‪ ،‬ويجب أن تمنح لها المزيد من الصالحيات‬
‫وإشراكها في كل ما يتعلق بإحداث هذه المناطق وفي كل عمليات اتخاذ القرار بشأن إنجازها‪.‬‬

‫ج‪ :‬دور الجماعات في تنمية مجال الصناعة التقليدية‪.‬‬

‫يتجلى دور الجماعات هنا من خالل إبرام اتفاقيات الدعم والتعاون مع الجمعيات العاملة‬
‫في حقل الصناعات التقليدية سواء منها تلك المتعلقة بالرجال (كالبناء‪ ،‬النجارة‪ ،‬صباغة‬
‫المباني‪ ،‬الزليج‪ ،‬الزجاج‪ ،‬الترصيص الدباغة‪ ،‬الخرازة‪ ،‬المصنوعات الجلدية‪ ،‬الخزف‪،‬‬
‫النقش على الجبص‪ ،‬النقش على العود‪ ،‬الفخار‪ ،‬صناعة األجور‪ ،‬منتوجات النباتات المتجددة‬
‫كالحصير والقنب والصابة‪ )...‬أو تلك المتعلقة بالنساء (كالطرز‪ ،‬الحالقة‪ ،‬الحلويات‪.9)...‬‬

‫‪ :9‬محمد بوجيدة‪ :‬تداخل اختصاصات الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممارسة العملية منشورات المجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد ‪ ،78‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص‪.509‬‬
‫د‪ :‬الجماعات وتشجيع المجال التجاري المحلي‪.‬‬
‫أعطيت للجماعات صالحيات بموجب القانون التنظيمي رقم ‪ 113/14‬في هذا المجال‪،‬‬
‫حيث لم يعد هناك مجال للجماعة للتملص من واجباتها‪ ،‬بل أصبح يتحتم عليها اإلشراف على‬
‫األسواق التجارية كأسواق الجملة والحبوب والسمك والمواشي والمجازر باعتبارها مرافق‬
‫جماعية اقتصادية ومصدر موارد مالية لميزانياتها‪ ،‬وال ينحصر تدخل الجماعات في‬
‫اإلشراف فقط بل وإحداث األسواق سواء تعلق األمر باألسواق الممتازة بالنسبة للمدينة‪ ،‬وهو‬
‫ما من شأنه أن يدر مداخيل هامة للجماعة من خالل كراء المحالت التجارية أو االحتالل‬
‫المؤقت للملك العمومي بالنسبة لألسواق األسبوعية‪ ،‬كما أن قلة مناصب الشغل في القطاع‬
‫العمومي والخاص والزيادة الديمغرافية وقلة االستثمارات أدت النتشار البطالة‪ ،‬وبالتالي تفاقم‬
‫ظاهرة الباعة المتجولين مما أدى إلى فوضى التجارة الصغيرة‪ ،‬مما حتم على الجماعة‬
‫التدخل إلحداث أسواق مختلفة المتصاص العديد من العاطلين‪.10‬‬

‫د‪ :‬أي دور للجماعات في تشجيع السياحة المحلية‪.‬‬

‫يتوفر المغرب على مؤهالت سياحية مهمة‪ ،‬ومن أجل استغالل هذه األخيرة وتوظيفها في‬
‫خدمة التنمية االقتصادية واالجتماعية تم تأسيس وزارة خاصة بالسياحة إضافة إلى التشجيع‬
‫الذي يلقاه االستثمار الخاص في هذا القطاع بحيث لم يعد من الممكن معه تهميش دور‬
‫الجماعات في هذا المجال‪ ،‬خاصة وأن أي مشروع سياحي أقيم بأي مكان البد أن يوجد‬
‫داخل الحيز الترابي لجماعة من الجماعات‪ ،‬وهو ما يجعلها معنية بكيفية أو بأخرى بالقطاع‬
‫السياحي‪ ،‬وعلى كل مشروع يعني إنجازه من طرف الدولة أو أي جماعة أو مؤسسة عمومية‬
‫أخرى بتراب الجماعة‪ ،‬باإلضافة إلى إعطاء صالحية اتخاذ أي قرار أو تدبير يتعلق بتنمية‬
‫الجماعة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬وهذه دعوة صريحة للجماعات للعمل على إحداث‬
‫‪11‬‬
‫المشاريع التنموية بترابها‬

‫‪ : 10‬المادة ‪ 87‬من القانون التنظيمي للجماعات‪.‬‬


‫‪ : 11‬المادة ‪ 87‬من القانون التنظيمي للجماعات‪.‬‬
‫وبالتالي فالجماعة معنية بتقديم الدعم الالزم إلنجاز المشاريع السياحية في حدود‬
‫اإلمكانيات المتاحة والمتوفرة لديها‪ ،‬كتوفير األرض وتفويتها للوكاالت السياحية إلقامة‬
‫مشاريع سياحية أو تنجزها هي نفسها مادام القانون ال يمنعها‪ ،‬ويجب أال يتم اقتصار واختزال‬
‫التنمية المحلية في بعدها االقتصادي فقط بل البد من النظر إليها نظرة تكاملية وشمولية‬
‫تتضامن ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي‪.12‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور الجماعات في تحقيق التنمية االجتماعية‪.‬‬

‫تستمد الجماعات اختصاصها في المجال االجتماعي من القانون التنظيمي المتعلق‬


‫بالجماعات ‪ ،‬أن المجلس يفصل في مداوالته في قضايا الجماعة‪ ،‬ويتخذ لهذه الغاية التدابير‬
‫الالزمة ليضمن للجماعة الترابية كامل نموها االقتصادي واالجتماعي والثقافي‪ ،‬ويستفيد‬
‫المجلس من مساعدة الدولة واألشخاص العمومية األخرى‪ ،‬ورغم تعدد األدوات الحكومية‬
‫التي تتولى نفس المسؤولية في الميدان العمومية األخرى‪ ،‬ورغم تعدد األدوات الحكومية التي‬
‫تتولى نفس المسؤولية في الميدان االجتماعي‪ ،‬يبقى دور الجماعات الترابية دورا هاما ومن‬
‫هذه المجاالت االجتماعية نذكر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الجماعات وتعزيز المجال الصحي‪.‬‬

‫تعتبر الصحة العامة مكونا من مكونات النظام العام‪ ،‬بحيث ال يمكن أن يتحقق ويستقر‬
‫هذا النظام داخل أي مجتمع أو دولة دون إعطاء العناية الالزمة لصحة المجتمع‪ ،‬ومحاربة‬
‫كل األوبئة واألمراض‪ ،‬حيث أصبح إشباع الحقوق االجتماعية كالحق في الصحة والحق في‬
‫التعليم يعتبر من طرف البنك الدولي عنصرا من عناصر التنمية البشرية ومحفزا للتنمية‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫كما أن المشرع المغربي منح لرؤساء الجماعات صالحية ممارسة مهام الشرطة‬
‫اإلدارية الجماعية التي كانت من قبل من اختصاص رجال السلطة‪ ،‬حيث أصبحت للجماعة‬
‫دور في إنجاز وتجهيز المستوصفات والمراكز االستشفائية‪ ،‬حيث يتجلى الدور المهم‬

‫‪ :12‬أيت يعيش عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫للجماعات وخاصة لرؤساء المجالس‪ ،‬بمقتضى المادة ‪100‬من القانون التنظيمي رقم‬
‫‪ 14/113‬من خالل دور الرؤساء في ميدان الشرطة اإلدارية في حفظ الصحة السيما في‬
‫مجال الوقاية الصحية‪.13‬‬

‫ويتحدد دور هذه المكاتب من خالل مراقبة المواد الغذائية والتأكد من صالحيتها عن‬
‫طريق التحليالت والفحوص ومراقبة المياه المخصصة للشرب أو االستعمال أو السقي‪،‬‬
‫وكذلك المؤسسات العمومية والمقاهي والفنادق والمطاعم والحمامات ودور السينما وكل‬
‫المحالت العمومية وحتى الخصوصية‪ ،‬إضافة إلى االختصاص العام في ميدان الوقاية‬
‫الصحية والتطهير كمحاربة الحشرات والحيوانات الضالة وداء الكلب‪ ،‬وإذا كان المتتبع‬
‫لوضعية الصحة العمومية يرى أن هناك توجهات حالية تميل إلى إشراك الخواص في هذا‬
‫القطاع‪.‬‬

‫وفي اعتقادنا المتواضع أن ضبط أمور الصحة العمومية سيظل بيد الدولة والجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬والسيما أن الصحة العمومية تدخل ضمن مكوناته النظام العام‪ ،‬وتفويتها للخواص‬
‫من شأنه أن يحدث خلخلة بالنظام العام خاصة وأن القطاع الخاص يطغى عليه هاجس الربح‪،‬‬
‫مما يعرض فئات اجتماعية كبيرة إلى فقدان حقها في التطبيب والصحة‪ ،‬وهذا يتجلى في‬
‫تلقيح األطفال والنساء اللواتي في سن الحمل ضد األمراض الفتاكة‪ ،‬وكذا القيام بحمالت‬
‫التوعية ضد السلوكات التي تضر بالصحة العمومية‪ ،‬غير أن ضعف اإلمكانيات والوسائل‬
‫المالية والبشرية من شأنه أن يقلص دورها‪.14‬‬

‫ثانيا‪ :‬السكن‪.‬‬

‫نص الدستوري المغربي في الفصل ‪ 32‬على االستفادة بالتساوي من الحق في السكن‬


‫كما اكد على ضرورة إشراك متدخلين وفاعلين آخرين كالجماعات الترابية والمجتمع المدني‪،‬‬

‫‪ : 13‬المادة ‪ 100‬من القانون التنظيمي للجماعات رقم ‪.14/113‬‬


‫‪ :14‬كما يجب أال ننسى دور هيئات المجتمع المدني في هذا المجال كجمعيات األحياء المهتمة بالنظافة"‪.‬‬
‫ذلك أن هذين األخيرين أصبحا معنيين باتخاذ كل القرارات والتدابير التي تضمن كامل نموها‬
‫االقتصادي واالجتماعي والثقافي‪.15‬‬

‫ثالثا‪ :‬في مجال التعليم‪.‬‬

‫ينحصر تدخل الجماعات الترابية في التعليم االبتدائي وذلك عن طريق تقديم‬


‫المساعدات وإحداث المدارس‪ ،‬بينما في فرنسا نجد أن التعليم العمومي تتوزع مسؤوليته على‬
‫أربع مستويات حسب درجته ونوعه وكذا نوعية المسؤولية من تكاليف النفقات البيداغوجية‬
‫إلى نفقات البناء والتجهيز والتسيير‪ ،‬حيث أن الدولة تحتفظ بتكاليف النفقات البيداغوجية‬
‫لإلعداديات والثانويات والمؤسسات التربوية الخاصة‪ ،‬إما بالنسبة لمدارس التعليم األساسي‬
‫فإن البلديات هي التي تؤمن نفقات البناء والتجهيز والتسيير‪ ،‬وتؤدي حتى الموظفين غير‬
‫الرسميين‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬في مجال التشغيل‪.‬‬

‫يمكن للجماعات الترابية على العموم والمجالس الحكومية على الخصوص أن تتدخل في‬
‫الميادين التي تهم تعزيز تأطير الجماعات‪ ،‬تهيئ المحالت للمستثمرين الشباب كإجراء أولي‬
‫لخلق مقاوالت‪ ،‬برامج اإلنعاش الوطني‪.‬‬

‫وبالتالي يمكن للجماعات الترابية أن تتدخل في مجال التشغيل كما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تشجيع المستثمرين الشباب‪ ،‬حيث يمكن للجماعات المساهمة في خلق فرص للشغل‬
‫عن طريق تهيئ محالت المستثمرين الشباب‪ ،16‬خاصة بالمناطق ذات األنشطة‬
‫االقتصادية كإجراء أولي لخلق مقاوالت وذلك بتعاون مع وزارة الصناعة‬
‫والتجارة‪.‬‬
‫‪ ‬خلق فرص لشغل في القطع الخاص‪.17‬‬

‫‪ :15‬أيت يعيش عبد العزيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25-24‬‬


‫‪ :16‬كما أن مؤسسات الوساطة في التشغيل "الوكاالت الوطنية إلنعاش وتشغيل الكفاءات (‪ )Annapec‬تلعب دورا هاما‬
‫في تشغيل الشباب حاملي الشواهد الجامعية ودبلومات مؤسسات التكوين المهني‪.‬‬
‫‪:17‬أيت يعيش عبد العزيز‪ :‬مرجع‪.‬سابق‪ ،‬ص‪.30-29‬‬
‫خامسا‪ :‬في مجال الخدمات‪.‬‬

‫تقوم الجماعات الترابية بمنح الشواهد والوثائق اإلدارية المختلفة التي يطلبها المواطنون‪،‬‬
‫منح الوثاق المتعلقة بالحالة المدنية‪ ،‬تصحيح اإلمضاءات ومطابقة النسخ ألصولها‪ ،‬منح‬
‫الرخص المتعلق بالمؤسسات المضرة أو المزعجة أو الخطيرة وأيضا تنظيم ومراقبة مرفق‬
‫النقل الحضري من خالل‪:‬‬

‫‪ ‬تنظيم ومراقبة المحطات الطرقية ومحطات وقوف حافالت المسافرين وحافالت النقل‬
‫العمومي وسيارات األجرة وعربات نقل البضائع‪.‬‬
‫‪ ‬تنظيم السير والجوالن والتشوير الطرقي‪.‬‬
‫‪ ‬المساهمة في تمويل العجز الذي تعاني منه وكاالت النقل الحضري لضمان توازنها‬
‫المالي من أجل تحسين خدماتها‪.‬‬
‫‪ ‬السهر على توفير أحسن وبأسعار منخفضة في مجال النقل المدرسي والجامعي‪.‬‬
‫‪ ‬تنظيم مرافق نقل اللحوم واألسماك والخضر‪.‬‬
‫‪ ‬تنظيم مرافق الجنائز ودفن الجثث‬
‫‪ ‬تنظيم مرافق نقل المرضى والجرحى‪.‬‬
‫‪ ‬م شاركة الجماعات الترابية المعنية في الخلية الجهوية المكلفة بتتبع قطاع النقل‬
‫الحضري على مستوى الجهة‪.‬‬
‫‪ ‬مشاركة الجماعات الترابية المعنية في الخلية اإلقليمية المكلفة بتتبع قطاع النقل‬
‫الحضري على مستوى العماالت واألقاليم‪.18‬‬
‫سادسا‪ :‬في ميدان التجهيزات واألعمال االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫يقرر المجلس الجماعي أو يساهم في إنجاز وصيانة وتدبير التجهيزات االجتماعية‬


‫والثقافية والرياضية والسيما في المراكز االجتماعية لإليواء ودور الشباب والمراكز النسوية‬
‫ودور العمل الخيري ومأوى العجزة وقاعات األفراح والمنتزهات ومراكز الترفيه‪.‬‬

‫‪:18‬محمد بوجيدة‪ :‬تداخل اختصاصات الدولة والجماعات المحلية بين القانون والممارسة العملية‪ ،‬مرجع سابق‬
‫ص‪.507-506‬‬
‫المركبات الثقافية والمكتبات الجماعية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية‬
‫وحضانة وروض األطفال‪.‬‬

‫المركبات الرياضية والميادين والمالعب الرياضية والقاعات المغطاة والمعاهد الرياضية‬


‫والمسابح ومالعب لسباق الدراجات والخيل‪.‬‬

‫يقوم بكل أعمال المساعدة والدعم والتضامن وكل عمل ذي طابع إنساني أو إحساني ولهذه‬
‫الغاية يبرم شراكة مع المؤسسات والمنظمات غير الحكومية والجمعيات ذات طابع اجتماعي‬
‫وإنساني‪.‬‬

‫يساهم في إنجاز برامج لمساعدة والدعم واإلدماج االجتماعي لألشخاص المعاقين وكل‬
‫الفئات التي توجد في وضع صعب‪ ،‬يساهم في الحفاظ على خصوصيات التراث الثقافي‬
‫المحلي وإنعاشها‪.‬‬

‫هكذا يالحظ أن التعابير واأللفاظ المستعملة للداللة على االختصاصات الذاتية للجماعات‬
‫تبقى غامضة‪ ،‬فما معنى التجهيز الجماعي؟ كما أن المناظرات الوطنية حول الجماعات‬
‫الترابية اختلفت في تحديدها لمحتوى التجهيز الجماعي‪ ،‬نفس االختالف يحصل لدى الباحثين‬
‫والمهتمين بالشأن العام المحلي وعلى مستوى الممارسة العملية‪.‬‬

‫يضاف إلى ما سبق أن التبويب الجديد لميزانيات الجماعة الترابية بخصوص نفقاتها‬
‫(التبويب الوظيفي) يدرج بدون تمييز بين أصنافها‪ ،‬وبينها وبين الدولة كل التجهيزات ضمن‬
‫التجهيزات التابعة لها بما في ذلك المساجد والسدود والمؤسسات التعليمية‪.19‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة والفاعل الترابي المحلي ودعم التنمية الترابية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات و ضمان للتنمية الترابية‬

‫االختصاصات المشتركة فهي متكررة في القوانين التنظيمية المنظمة للجماعات الترابية‪،‬‬


‫وتسمح للجماعات بممارسة اختصاصات بشراكة مع الدولة أو تقديم اقتراح أو ملتمس‬

‫‪ :19‬محمد بوجيدة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬


‫بخصوص كل قضية أو مشروع ينجز على ترابها‪ ،‬من قبل الدولة أو المؤسسات العمومية أو‬
‫من قبل المنظمات غير الحكومية أو جمعيات المجتمع المدني‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك صعوبة االكتفاء بتقديم اآلراء واالقتراحات أو الملتمسات بخصوص‬
‫مختلف القضايا لعدم الفصل بدقة بين اختصاصاتها واختصاصات غيرها‪ ،‬وبتعبير آخر ال‬
‫تعرف متى تقرر ومتى تقترح أو تبدي الرأي‪ ،‬علما أنه بإمكان المجلس االقتراح فقط‪.‬‬

‫والبأس كذلك من ذكر تلك االختصاصات‪ ،‬ذلك أن المجلس يقترح على الدولة واألشخاص‬
‫المعنوية األخرى الخاضعة للقانون العام األعمال الواجب القيام بها بإنعاش التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية للجماعة‪ ،‬إذا كانت هذه األعمال تتجاوز نطاق‬
‫اختصاصاتها أو تفوق الوسائل المتوفرة لديها‪ ،‬كما يطلع المجلس مسبقا على كل مشروع‬
‫ت قرر إنجازه من طرف الدولة أو جماعة أو هيئة عمومية أخرى بتراب الجماعة‪ ،‬إذا كان من‬
‫شأن تحقيقه أن يرتب تحمالت على كاهل الجماعة أو يمس بالبيئة كما يبدي رأيه أيضا حول‬
‫سياسات وتصاميم إعداد التراب والتعمير في حدود التراب الجماعة‪.20‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاصات المحولة من الدولة إلى الجماعات‪.‬‬

‫االختصاصات المحولة أو القابلة للنقل من الدولة الى الجماعات الترابية ليست مجرد‬
‫إعالن عن نية المشرع تحويل بعض اختصاصاته لفائدة الجماعات‪ ،‬بل إن بعضها ورد كذلك‬
‫في مجال االختصاصات القابلة للنقل إلى العماالت أو األقاليم أو الجهات في النصوص‬
‫المنظمة لها‪ ،‬ولم تخل بدورها من الغموض واإلبهام بسبب استعمال صيغ فضفاضة بشأنها‪،‬‬
‫بل إن بعضها تمارسه الجماعات منذ فترة قديمة كإنجاز التشجير وصيانة المنتزهات‪ ،‬أضف‬
‫إلى ذلك أن المنتزهات وردت أيضا من االختصاصات الذاتية المنصوص عليها في المادة‬
‫‪ 90‬من القانون التنظيمي الجديد‪ 14-113‬للجماعات‪.21‬‬

‫‪ :20‬المادة ‪93‬من القانون التنظيمي الجديد‪ 14-113‬للجماعات‪.‬‬


‫‪ :21‬محمد بوجيدة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫وتتجلى هده االختصاصات التي نصت عليها المادة ‪ 87‬من القانون التنظيمي‬
‫الجديد‪ 14- 113‬للجماعات ‪.22‬‬

‫إحداث وصيانة المدارس ومؤسسات التعليم األساسي والمستوصفات‬ ‫‪‬‬


‫والمراكز الصحية ومراكز العالج‪.‬‬
‫إنجاز برامج التشجير وصيانة المنتزهات الطبيعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة‬ ‫‪‬‬
‫حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع‬ ‫‪‬‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫إنجاز وصيانة مراكز التأهيل والتكوين المهني‬ ‫‪‬‬
‫تكوين الموظفين والمنتخبين الجماعيين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫البنيات التحتية والتجهيزات ذات الفائدة الجماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ولإلشارة يكون كل نقل لالختصاصات مقترنا وجوبا بتحويل الموارد الالزمة لممارسة‬
‫هذه االختصاصات‪.‬‬

‫يتضح لنا من خالل عرضنا لمجاالت تدخل الجماعات الترابية والتي أصبحت أداة‬
‫حقيقية البد منها لتحقيق التنمية المحلية‪ ،‬مع ضرورة إعادة توزيع وتنويع األهداف والوسائل‬
‫الكفيلة بصياغة تنمية مستدامة قادرة على الدفع بعجلة النمو والرخاء االقتصادي لجميع‬
‫المواطنين‪ ،‬وذلك لتفادي القصور الكبير والعجز الواضح في إشباع الحاجيات العامة‪.23‬‬

‫الخاتمة‬
‫يتضح ان المبادئ الدستورية تعتبر بمثابة دستور ترابي مهيكل نمية للجماعات ثم دور‬
‫األلية التخطيطية في تحقيق التنمية المحلية بشكل تراعي فيه حاجيات وخصوصيات النطاق‬
‫الترابي المحلي‪ ،‬ثم اهمية ودور المرتكز المالي للجماعات باعتباره ألية مادية تجعل‬
‫‪ :22‬المادة ‪87‬من القانون التنظيمي الجديد‪ 14-113‬للجماعات‪.‬‬
‫‪ : 23‬سعيد جفري‪ :‬الجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.181‬‬
‫و األساس التنظيمي‬ ‫الجماعات قادرة على تنفيذ برامجها‪ ،‬ودور المرجعية القانونية‬
‫للجماعات في رسم االختصاصات التنموية للجماعات‪ ،‬والدي عرف تطورا ملموسا على‬
‫مستوى االختصاصات والمهام وذلك قصد تمكينها من أداء أدوارها التنموية واالستجابة‬
‫لحاجيات السكان‪ ،‬حيث خولها المشرع عدة امكانيات مالية وبشرية وقانونية ألداء مهامها ‪.‬‬

‫إال أنه رغم تقدم النص القانوني في الرفع من مكانة ودور الجماعات فإنها الزالت‬
‫تعرف عدة تحديات هيكلية وبنيوية تحد من فعاليتها في مجال التنمية المحلية‪ ،‬سواء على‬
‫مستوى تقادم النصوص القانونية أو تداخل االختصاصات والمهام‪ ،‬أو تعدد مظاهر‬
‫ومستويات الرقابة‪ ،‬مما نتج عنه ضعف التنسيق وتضارب المواقف في معالجة االشكاالت‬
‫التنموية في واقع الجماعات سواء على مستوى التدبير أو التجهيزات أو التنسيق في‬
‫ممارستها الختصاصاتها‪.‬‬

You might also like