You are on page 1of 17

‫المجلد‪ ،03 :‬عدد‪ 02 :‬لشهر‪ :‬أكتوبر ‪2022‬‬ ‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫سسة الزواج‬
‫تقييم دور الصلح في حماية مؤ ّ‬

‫‪Assessment of the reconciliation role in the protection of the‬‬

‫‪marriage institution‬‬
‫‪1‬‬
‫د‪.‬بلعباس أمال‬

‫المركز الجامعي مغنية –الجزائر‪-‬‬


‫‪amel.belabbas@cumaghnia.dz‬‬

‫تاريخ النشر‪2022/10/20 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪ 2022/08/10 :‬تاريخ القبول‪2022/09/22 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬

‫فك الرابطة الزوجية‪ ،‬وعلى القاضي قبل مباشرتها أن‬ ‫محاوالت الصلح وجوبية في قضايا ّ‬
‫يتأكد من وجود دعوى قضائية وحضور الزوجين شخصيا‪ ،‬ث ّم يسعى إلى محاولة التوفيق‬
‫واإلصالح بينهما‪ ،‬وأثناء ذلك منحه القانون صالحية اتخاذ التدابير المناسبة‪ ،‬وتعيين الحكمين إذا‬
‫ُحرر محضر الصلح الذي يعتبر سندا‬ ‫اشتد الخصام ولم يثبت الضرر‪ .‬وسواء تم الصلح أو لم يت ّم‪ ،‬ي ّ‬
‫ُعرض حكمه للنقض واإلبطال وهو ما ال يتماشى‬ ‫تنفيذيا‪ .‬وفي حالة عدم قيام القاضي بالصلح فإنه ي ّ‬
‫مع األثر غير الموقف للطعن بالنقض في أحكام الطالق‪ ،‬مما يجعله يصطدم مع عديد من األحكام‬
‫الشرعية والقانونية للطالق الذي يرتب آثاره في الحين‪ .‬والنتيجة أن أهمية إجراء الصلح تستدعي‬
‫إ عادة النظر في النصوص اإلجرائية الناظمة له بإعادة صياغتها والتفصيل فيها وإزالة التعارض‬
‫فيما بينها وبين النصوص الموضوعية‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬صلح – طالق ‪ -‬قاضي شؤون األسرة – حكمين ‪ -‬نقض‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬

‫‪Attempts at reconciliation are compulsory in cases of dissociation of‬‬


‫‪marriage. Before proceeding, the judge must ascertain the existence of a‬‬
‫‪lawsuit and the spouses’ presence, and then endeavor to reconcile the‬‬
‫‪spouses. During this, the law granted the judge the authority to take‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬بلعباس أمال‪amel.belabbas@cumaghnia.dz ،‬‬

‫‪53‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫‪appropriate measures and appoint two arbiters if the quarrel intensified‬‬


‫‪and the damage was not proved. Whether or not the reconciliation is‬‬
‫‪fulfilled, the record of the reconciliation, which is regarded as an executive‬‬
‫‪document, shall be edited. If the judge fails to do so, he subjects his‬‬
‫‪judgment to cassation and annulment, which is inconsistent with the non-‬‬
‫‪suspensive effect of cassation appeals against the divorce judgments,‬‬
‫‪thereby clashing with numerous legal provisions of divorce; the effects of‬‬
‫‪which are timely. As a result, the importance of the reconciliation‬‬
‫‪procedure requires a review of the procedural texts governing it by‬‬
‫‪redrafting, detailing them, and eliminating the inconsistency between them‬‬
‫‪and substantive texts.‬‬

‫– ‪Keys words: reconciliation – divorce - family judge - two arbiters‬‬


‫‪cassation.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ال ريب أن تماسك المجتمع واستمراره من استقرار األسرة ومتانة أواصرها‪ ،‬لتقوم بدورها‬
‫الف ّعال في رعاية وتربية األوالد على أُسس سليمة بما يغرس فيهم مشاعر ّ‬
‫الرحمة والتسامح‬
‫والتعاون وغيرها مما ينعكس على تطور المجتمع وحفظ أمنه‪ .‬لكن قد يطرأ على مؤسسة الزواج‬
‫ما يعكر صفوها ويزعزع استقرارها بسبب الخالفات المستمرة بين الزوجين التي قد تصل إلى‬
‫طلب الطالق أمام القضاء‪.‬‬

‫ّ‬
‫بفك الرابطة الزوجة‪ ،‬ألزم القانون قاضي شؤون األسرة القيام‬ ‫وقبل صدور الحكم‬
‫بمحاوالت الصلح للتوفيق بين الزوجين‪ ،‬هذا اإلجراء الجوهري الذي يعبر عن رقي إنساني وسلوك‬
‫حضاري كان من وسائل القضاء في فض النزاعات حتى قبل صدور قانون األسرة رقم ‪-84‬‬
‫‪،)1984 ،11-84(11‬وهذا األخير نص صراحة على وجوب محاولة الصلح قبل التعديل وبعده‪،‬‬
‫صل المشرع في إجراءاتها بموجب نصوص قانون اإلجراءات المدنية‬ ‫وأكد على وجوبها ثم ف ّ‬
‫واإلدارية رقم ‪)2008 ،09-08(09-08‬‬

‫والحق‪ ،‬أن الصلح نظام شرعي‪ ،‬فاإلسالم ترك لنا شريعة صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬وهو‬
‫أول من هدى إلى الصلح‪ ،‬الذي يت ّم بتنازل كل طرف عن جزء من حقه في سبيل الميثاق الغليظ‬
‫ام َرأَةٌ َخافَتْ ِمن بَ ْع ِل َها‬
‫الذي يربطهما وهو خير من الفرقة وما يترب عنها لقوله تعالى‪َ {:‬وإِ ِن ْ‬

‫‪54‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫ص ْل ُح َخ ْير} سورة (النساء اآلية‬


‫ص ْل ًحا َوال ُّ‬ ‫علَ ْي ِه َما أَن يُ ْ‬
‫ص ِل َحا بَ ْينَ ُه َما ُ‬ ‫ُوزا أ َ ْو إِع َْراضًا فَالَ ُجنَا َ‬
‫ح َ‬ ‫نُش ً‬
‫‪.)128‬‬

‫وللصلح أهمية إجرائية في أي مادة كانت‪ ،‬وهو ما يبرر عناية المشرع به‪ ،‬حيث نص عليه‬
‫في األحكام التمهيدية لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية بمقتضى المادة ‪ 04‬التي جاء فيها‪:‬‬
‫"يمكن للقاضي إجراء الصلح بين األطراف أثناء سير الخصومة في أية مادة كانت"‪ .‬وبما أن‬
‫إطار هذه الدراسة ينحصر في الصلح األسري‪ ،‬فستقتصر على الصلح القضائي الذي يتم في‬
‫المحكمة ويتطلب وجود دعوى قضائية واستبعاد الصلح غير القضائي الذي يتم خارج مرفق‬
‫القضاء والذي يلجأ إليه بهدف اتقاء نزاع محتمل‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬يمكن تعريف محاولة الصلح بأنها مرحلة إجرائية من مراحل الدعوى القضائية‬
‫يقوم بها قاضي شؤون األسرة في جلسة سرية تجمعه بالزوجين محاوال فيها إصالح ذات البين‬
‫والحفاظ على األسرة‪.‬‬

‫وتأتي أهمية هذه الدراسة من مكانة الصلح وأهميته في فض النزاع‪ ،‬حيث يساهم في إعادة‬
‫ترم يم األسرة‪ ،‬واستئناف الحياة الزوجية بعد شقاق قد يطول‪ .‬مما ينعكس إيجابا على األوالد‬
‫والزوجية خاصة‪ ،‬وعلى أمن المجتمع بصفة عامة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬تهدف هذه الدراسة إلى تحليل ونقد النصوص القانونية والتطبيقات القضائية ألجل‬
‫التوصل إلى مواضع القصور التشريعي ومدى حرص القضاء على التطبيق السليم للنصوص‬
‫القانونية الناظمة للصلح وكذا سعيه لإلصالح بين الزوجين للوصل إلى اآلثار المترتبة على إجراء‬
‫الصلح وكذا عدم إجرائه‪.‬‬
‫ّ‬
‫المسطرة‪ ،‬يجري البحث عن إجابة‬ ‫وعلى ضوء ما سبق‪ ،‬ولغرض الوصول إلى األهداف‬
‫للسؤال اآلتي‪ :‬إلى أي مدى وفق القانون والقضاء في معالجة وتطبيق محاوالت الصلح في قضايا‬
‫ّ‬
‫فك الرابطة الزوجية؟‬

‫ولإلجابة على هذا السؤال تم اعتماد منهج تحليلي استقرائي وصفي مالئم لطبيعة الدراسة‬
‫التي شملت جوانب نظرية وتطبيقية‪ ،‬في مبحثين‪ ،‬حيث تم تقييم مساعي قاضي شؤن األسرة في‬
‫اإلصالح بين الزوجين في المبحث األول‪ ،‬ثم‪ ،‬تقييم اآلثار المترتبة على إجراء محاوالت الصلح‬
‫وعدم إجرائها في مبحث ثاني‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تقييم مساعي قاضي شؤون األسرة في اإلصالح بين الزوجين‬

‫يبذل قاضي شؤون األسرة جهدا لمحاولة اإلصالح بين الزوجين حماية لمؤسسة الزواج‪،‬‬
‫والحقيقة أنه ليس بجهد قانوني‪ ،‬فال يعتمد القاضي على تكوينه البيداغوجي والتطبيقي وإنما يعتمد‬

‫‪55‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫على الموعظة الحسنة والقدرة على تقريب وجهات النظر إلنهاء الخصام‪ ،‬ويعتمد أيضا على تجربة‬
‫ودرايته بأهمية لم شمل األسرة وما يترتب على تصدعها‪ .‬وقبل الشروع في الصلح‪ ،‬يجب أن‬
‫يحرص على توفر شروط إجرائه (المطلب األول)‪ ،‬ثم يتخذ ما يراه مناسبا لسير الجلسات في إطار‬
‫ما منحه القانون من صالحيات أثناء محاوالت الصلح (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شروط إجراء الصلح بين الزوجين‬

‫قبل مباشرة الصلح بين الزوجين‪ ،‬يتأ ّكد القاضي من وجود دعوى طالق بشروطها‬
‫القانونية(الفرع األول)‪ ،‬مع وجوب حضور الزوجين شخصيا (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬وجود دعوى طالق‬

‫إن إجراء الصلح يستوجب وجود دعوى طالق إما بإرادة منفردة للزوج أو بإرادة‬
‫الزوجة(التطليق والخلع) أو بتراضي الزوجين (المادة ‪ 48‬من ق‪.‬أ)‪ .‬أو من أحد الزوجين في‬
‫الطالق للنشوز(المادة ‪ 55‬من ق‪.‬أ) والطالق قبل الدخول (المادة ‪ 16‬من ق‪.‬أ)‪ .‬فالقاضي ملزم في‬
‫كل أحوال الطالق بإجراء محاوالت الصلح‪ .‬وال يوجد نصوص خاصة برفع دعوى الطالق في‬
‫قانون اإلجراءات المدنية رقم ‪ 09-08‬لذلك تطبق القواعد العامة في رفع الدعوى‪ ،‬التي تشترط‬
‫وجود المصلحة والصفة طبقا لما نصت عليه المادة ‪ 13‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‬
‫على أنه‪" :‬ال يجوز ألي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة‪ ،‬وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها‬
‫القانون‪.‬‬

‫يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعي أو في المدعى عليه‪.‬‬

‫يثيرا لقاضي تلقائيا انعدام اإلذن إذا ما اشترطه القانون‪".‬‬

‫فيشترط الصفة من المدعي والمدعى عليه‪ ،‬وهي الحق في المطالبة أمام القضاء وتقوم على‬
‫المصلحة المباشرة والشخصية في التقاضي(بربارة‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)34‬والصفة في دعوى‬
‫الطالق هي أن يكون الشخص الذي له حق رفع الدعوى إما الزوج أو الزوجة‪ ،‬وتثبت الصفة عن‬
‫طريق إثبات وجود عقد زواج بينهما وذلك بإرفاق عريضة الطالق بمستخرج من سجالت الحالة‬
‫المدنية (المادة ‪ 22‬من قانون األسرة)‪.‬‬

‫أما المصلحة فهي المنفعة التي يحققها صاحب المطالبة القضائية وقت اللّجوء إلى القضاء‬
‫هذه المنفعة تشكل الدافع وراء رفع الدعوى والهدف من تحريكها فال دعوى من دون‬
‫مصلحة(بربارة‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)38‬‬

‫‪56‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫وبخصوص اإلذن فقد نصت المادة ‪ 13‬في فقرتها األخيرة كشرط لقبول الدعوى إذا كان‬
‫القانون يشترطه‪ ،‬وهو تلك الرخصة التي نص عليها القانون في حاالت معينة‪ ،‬بحيث ال تقبل دعواه‬
‫دون الحصول على إذن(مقفولجي‪ ،2013 ،‬صفحة ‪ .)120‬كاإلذن المقدم من القاصر المرخص له‬
‫بالزواج قبل بلوغ السن القانوني(المادة ‪ 07‬من ق‪.‬أ) في حالة التقاضي حول آثار الزواج‪.‬‬

‫ونص ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ في المواد ‪ 64‬و‪ 65‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ على األهلية وهي ليست شرطا لقبول الدعوى‬
‫وإنما شرط لصحة اإلجراءات‪ ،‬ويكون الشخص أهال قانونا ببلوغه ‪ 19‬سنة كاملة غير محجور‬
‫عليه(المادة ‪ 40‬من القانون المدني(‪ )1975 ،58-75‬والمادة ‪ 07‬من ق‪.‬أ)‪ .‬بيد أنه إذا كان الزوج‬
‫ناقص األهلية فإن الطلب يقدم باسمه من قبل وليه أو مقدمه حسب الحالة‪(.‬المادة ‪ 437‬منق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫ناهيك عن وجوب احترام قواعد االختصاص النوعي‪ ،‬وحسب المادة ‪ 423‬منق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ فإن‬
‫قسم شؤون األسرة هو المختص نوعيا في الدعاوى المتعلقة بانحالل الرابطة الزوجية وتوابعها‬
‫حسب الحاالت والشروط المذكورة في قانون األسرة‪ .‬كما يجب االلتزام بقواعد االختصاص‬
‫اإلقليمي الذي نصت عليه المادة ‪ 426‬من ذات القانون التي نصت على أن المحكمة المختصة‬
‫إقليميا في قضايا الطالق هي المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية‪ .‬وفي الطالق‬
‫بالتراضي بمكان إقامة أحد الزوجين حسب اختيارهما‪.‬‬

‫وترفع الدعوى من الزوج في الطالق باإلرادة المنفردة أو من الزوجة في التطليق والخلع‬


‫بتقديم عريضة افتتاح الدعوى لدى أمانة ضبط المحكمة لتحدّد تاريخ الجلسة وإبالغ نسخة من‬
‫العريضة إلى النيابة العامة والزوج(ة)‪ .‬أ ّما إذا كان الطالق بالتراضي‪ ،‬فيقدم طلب مشترك في شكل‬
‫عريضة وحيدة موقّعة من الزوجين تودع لدى أمانة الضبط (المادة ‪ 428‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حضور الزوجين شخصيا‬

‫بعد إبالغ الزوجان بتاريخ جلسة الصلح سواء شفاهية من طرف القاضي إذا حضرا معا‪،‬‬
‫أو يتولى الطرف الحاضر منهما تبليغ الطرف الغائب تبليغا رسميا‪ ،‬فيتوجب عليهما الحضور‬
‫شخصيا لميعاد محاوالت الصلح‪ ،‬وقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية نظم إجراءات الحضور‬
‫وعدم الحضور بالنص على أنه إذا استحال على أحد الزوجين الحضور في التاريخ المحدد أو‬
‫حدث له مانع‪ ،‬جاز للقاضي إما تحديد تاريخ الحق للجلسة‪ ،‬أو ندب قاض آخر لسماعه بموجب‬
‫يحرر‬
‫إنابة قضائية‪ .‬غير أنه إذا تخلف أحد الزوجين عن الحضور بدون عذر رغم تبليغه شخصيا‪ّ ،‬‬
‫المبرر يؤدي إلى رفض الدعوى‬
‫ّ‬ ‫القاضي محضرا بذلك (المادة ‪ 441‬من ق‪.‬إم‪.‬إ)‪ .‬فالغياب غير‬
‫والحكم بعدم التأسيس‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫غير انه بالرجوع إلى قرارات المحكمة العليا‪ ،‬نجد موقفان متباينان من حيث وجوب‬
‫حضور الزوجين جلسات الصلح‪ ،‬الموقف األول كان في قرار بتاريخ ‪ 1997/10/23‬جاء فيه‪:‬‬
‫"إن عدم حضور أحد الطرفين لجلة الصلح‪ ،‬رغم تأجيل إجرائها عدة مرات يجعل القاضي ملزما‬
‫بالفصل في الدعوى‪( ."...‬المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة االحوال الشخصية‪ ،‬ملف رقم ‪ ،174132‬بتاريخ‬
‫‪ ،1999 ،1997/10/23‬صفحة ‪ .)179‬وفي قرار آخر بتاريخ ‪ 1999/03/16‬أكدت المحكمة العليا‬
‫على أن غياب المدعي عن جلست الصلح يفيد عدم رغبته في الصلح (المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة‬
‫االحوال الشخصية‪ ،‬ملف رقم ‪ ،217179‬بتاريخ ‪ ،2001 ،1999/03/16‬صفحة ‪.)123‬‬

‫لكن‪ ،‬تغير منحى القضاء الجزائري بعد صدور قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية رقم‬
‫ّ‬
‫وسطر مراحلها‪ ،‬فاستقر اجتهاد المحكمة العليا على‬ ‫‪ 09-08‬الذي أكد على وجوب إجراء الصلح‬
‫وجوب حضور الزوجين شخصيا لجلسات الصلح ووضع مبدأ قضائيا مفاده "عدم حضور رافع‬
‫الدعوى لجلسات الصلح يؤدي إلى رفض الدعوى"‪ .‬ومن التطبيقات القضائية‪ ،‬جاء في القرار‬
‫فك الرابطة الزوجية‪ ،‬حضور‬ ‫بتاريخ الصادر بتاريخ ‪: 2009/01/14‬يجب على الزوج طالب ّ‬
‫جلسة الصلح شخصيا‪ ،‬تحت طائلة رفض دعواه (المحكمةالعليا‪ ،2009 ،‬صفحة ‪.)271‬وفي قرار‬
‫آخر بتاريخ ‪ 09‬ماي ‪ 2013‬قضت المحكمة العليا بنقض وإبطال الحكم الذي لم يحضر فيه المدعي‬
‫(الزوج) لجلسات الصلح وجاء في القرار‪" :‬المبدأ‪ :‬استقر اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث‬
‫بالمحكمة العليا على وجوب حضور طالب فك الرابطة الزوجية شخصيا جلسات محاولة الصلح‪.‬‬

‫‪...‬وحيث إنه يتبين بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه أن المحكمة أشارت أن المطعون ضده‪-‬‬
‫بصفة مدعيا وطالب الطالق‪ -‬لم يحضر جلستي محاولة الصلح‪ ،‬بينما حضرت الطاعنة وتمسكت‬
‫بالرجوع‪.‬‬

‫وحيث إن اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث بالمحكمة العليا قد استقر على وجوب‬
‫حضور طالب ّ‬
‫فك الرابطة الزوجية لجلسات محاولة الصلح‪ ،‬وإال أصبح الوجوب المنصوص عليه‬
‫في المادة ‪ 49‬من قانون األسرة‪ ،‬بدون جدوى‪(...‬المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة االحوال الشخصية‬
‫والمواريث‪ ،‬ملف رقم ‪ ،0798882‬بتاريخ ‪ ،2013 ،2013/05/09‬صفحة ‪.")286‬‬

‫وقررت المحكمة العليا قبول الطعن بالنقض شكال وموضوعا ونقض وإبطال الحكم‬ ‫ّ‬
‫المطعون فيه وبدون إحالة‪ .‬بمعني أن حكم الطالق باطل فصلت فيه المحكمة العليا بصفة نهائية‬
‫دون إحالة إلى الهيئة التي أصدرت الحكم‪ .‬مما يترتب عليه بقاء العالقة الزوجية قائمة‪ ،‬وعلى‬
‫الزوج أن يرفع دعوى طالق من جديد إذا ما رغب في ذلك‪.‬‬

‫فالقانون نص على وجوب محاوالت الصلح وسطر مسألة الحضور وعدم الحضور إلى‬
‫جلسات الصلح لكن لم يبين صراحة مصير الدعوى‪ ،‬فسدّ القضاء هذا الفراغ واعتبر تخلف رافع‬

‫‪58‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫الدعوى عن الصلح وهو الزوج في الطالق اإلرادة المنفردة والزوجة في دعوى الخلع والتطليق‬
‫يؤدي إلى رفض الدعوى‪ ،‬وهذا كما ورد أعاله خالف رأيه مسبقا‪.‬‬

‫والحق‪ ،‬أن هذا فراغ تشريعي يجب تداركه حماية لمؤسسة الزواج وألداء الصلح وظيفته‬
‫الحقيقية فال يكفي وضع مبدأ قضائي بوجوب حضور رافع دعوى الطالق جلسات الصلح‪ ،‬ألنه في‬
‫كل االحوال ال تعتبر قرارات القضاء مصدرا للقانون‪ ،‬بل يجب النص صراحة على أن تخلف رافع‬
‫الدعوى جلسة الصلح يعتبر تراجعا منه و‪ ،‬وهو ما نستشفه من مدونه األسرة المغربية في المادة‬
‫‪ 81‬التي جاء فيها‪" :‬تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة اإلصالح‪:‬‬

‫إذا توصل الزوج شخصيا باالستدعاء ولم يحضر‪ ،‬اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه‪.‬‬

‫إذا توصلت الزوجة شخصيا باالستدعاء ولم تحضر‪ ،‬ولم تقدم مالحظات مكتوبة‪ ،‬أخطرتها‬
‫المحكمة عن طريق النيابة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الدعوى‪. )2004 ،1.04.22( ".‬‬

‫فالمالحظ إذن‪ ،‬أن مدونة األسرة اهتمت بمسألة حضور الزوجين لجلسة الصلح ورتبت‬
‫اآلثار القانونية لعدم حضور الزوج طالب الطالق جلسات الصلح واعتبرت ذلك تراجعا منه عن‬
‫الطالق أما الزوجة المبلغة شخصيا إذا لم تحضر فأوكلت مهمة إخطارها للنيابة العامة بأنها إن لم‬
‫تحضر فسيتم البت في الملف‪.‬‬

‫وبالرغم من أن سلطة القاضي مقيدة أمام حق الزوج بالطالق باإلرادة المنفردة الن العصمة‬
‫بيده‪ ،‬فال هو مجبر على اإلفصاح باألسباب التي دفعته للطالق وال تقديم دالئل على رغبته‪ ،‬إال أن‬
‫وجوب حضور جلسات الصلح من شأنه أن يساعد القاضي في الحكم بالتعويض من عدمه‪ ،‬وكذا‬
‫تقديره من خالل التوصل إلى تعسف الزوج من عدمه‪ ،‬وحصول الضرر أم ال‪ .‬فيكون على القاضي‬
‫أن يحكم بفك الرابطة الزوجية وفقا إلرادة الزوج مع تعويض عادل للزوجة في حالة تعسف‬
‫الزوج(المادة ‪ 52‬من ق‪.‬أ)‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬ال يمكن أن ينوب عن أحد الزوجين شخص غيرهم في حضور الجلسات‪،‬‬
‫فال المحامي وال أي شخص آخر يمكنه حضور جلسات الصلح بدال عنهم‪ .‬وهو جاء في قرار‬
‫للمحكمة العليا بتاريخ ‪ 2008/01/16‬أنه‪ ":‬ال تجوز النيابة عن الزوجين في محاولة‬
‫الصلح"(المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة االحوال الشخصية والمواريث‪ ،‬ملف رقم ‪ ،417622‬بتاريخ‬
‫‪ ،2009 ،2008/01/16‬صفحة ‪ .)302‬مع مالحظة أنه يجوز توكيل المحامي في اإلجراءات لكن‬
‫ال يمكن له و اآلخر حضور جلسات الصلح‪.‬‬

‫وإذا اجتمعت في أحد الزوجين عاهتين في قضية طالق بالتراضي‪ ،‬فيجب تعيين مساعد‬
‫قضائي طبقا للمادة ‪ 80‬من القانون المدني يحضر جلسات الصلح‪ ،‬وهذا ما قررته المحكمة العليا‬
‫بتاريخ‪" :2020-01-18‬ال يمكن إضفاء وصف الطالق بالتراضي على الحكم بالطالق‪ ،‬الذي‬

‫‪59‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫يكون أحد طرفيه مصابا بعاهة الصم والبكم ولم يعيّن له مساعد قضائي يسمح بالتأكد من إرادته‪،‬‬
‫أثناء محاولة الصلح"‪ .‬فقررت المحكمة العليا نقض وإبطال الحكم المطعون فيه الصادر عن قسم‬
‫شؤون األسرة لمحكمة عين البيضاء وبدون إحالة (المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة االحوال الشخصية‬
‫والمواريث‪ ،‬ملف رقم‪ ،1412750‬بتاريخ ‪ ،2020 ،2020/01/08‬صفحة ‪.)74‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صالحيات قاضي شؤون األسرة أثناء محاوالت الصلح‬

‫تعتمد محاوالت الصلح على جهد القاضي الذي منحه القانون دورا إيجابيا حيث ألزمه‬
‫بمحاوالت الصلح في مرحلة تسبق النطق بحكم الطالق‪ ،‬فيحاول التوفيق بين الزوجين (الفرع‬
‫األول) وإذا اشتد الخصام يعين حكمين (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬محاولة اإلصالح بين الزوجين في جلسات سرية خالل ثالثة أشهر من تاريخ رفع‬
‫الدعوى‬

‫ألزم القانون قاضي شؤون األسرة بمحاوالت الصلح في كل صور فك الرابطة الزوجية‬
‫حتى في الطالق باإلرادة المنفردة الذي يقيد سلطة القاضي‪ ،‬وهو تقييد لحق العصمة تبنى المشرع‬
‫هذا الموقف للحد ّمن ظاهرة الطالق التي تشهد ارتفاعا متزايدا‪.‬‬

‫وأول مرحلة بعد التبليغ الرسمي للزوج اآلخر والنيابة العامة وتحديد الجلسة‪ ،‬وفي التاريخ المحدد‬
‫إلجراء محاوالت الصلح يستمع القاضي إلى كل زوج على انفراد ويحاول تقريب وجهات النظر ثم‬
‫يستمع إليهما معا ويحاول إصالح ذات البين‪.‬‬

‫وكان قانون األسرة قبل التعديل ينص على محاولة للصلح‪ ،‬لكن بعد التعديل نص على‬
‫محاوالت الصلح وهو ما أكدته أيضا نصوص قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬مستعمال صيغة‬
‫الجمع محاوالت مما يعني أكثر من محاولتين‪.‬‬

‫لكن القضاء لم يطبق هذه النصوص في كل األحوال‪ ،‬فت ّم الحكم بالطالق بعد محاولة واحدة‬‫ّ‬
‫للصلح في قرار بتاريخ ‪ 2011/4/14‬سالف الذكر‪ ":‬بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين ان‬
‫قاضي الموضوع أجرى محاولة صلح بين الزوجين وعقد لذلك جلسة بتاريخ ‪ 2008/11/30‬تمسك‬
‫فيها الزوجان بمطالبهما وبالتالي فإن اإلجراء المقرر في المادة ‪ 49‬من ق‪.‬اتم استنفاذه وال يعيب‬
‫الحكم اكتفاؤه بجلسة صلح واحدة طالما أن القاضي اقتنع بعدم جدوى عقد جلسات صلح أخرى مما‬
‫يجعل الوجه غير سديد مستوجب الرفض‪(".‬المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة شؤون االسرة والمواريث‪ ،‬ملف‬
‫رقم ‪ ،620084‬بتاريخ ‪ ،2012 ،2011/01/14‬صفحة ‪ .)299‬وفي قرار آخر بتاريخ‬
‫‪ 2014/03/13‬جاء فيه‪ " :‬استقر اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث بالمحكمة العليا على‬
‫خضوع عدد محاوالت الصلح للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع وال رقابة للمحكمة العليا‬

‫‪60‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫عليه‪(".‬المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة شؤون االسرة والمواريث‪ ،‬ملف رقم ‪ ،2014 ،0870291‬صفحة‬


‫‪.)268‬‬

‫فبالنسبة للمحكمة العليا‪ ،‬فإن عدد جلسات الصلح خاضع للسلطة التقديرية للقاضي وال‬
‫رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن‪ ،‬والحقيقة أن هذا المبدأ هو عين الصواب ويجب تطبيقيه‬
‫في الطالق باإلرادة المنفردة للزوج فقط‪ ،‬ألن هناك بعض حاالت الطالق أين يكون أوقعه الزوج‬
‫لفظا وانقضت العدّة‪ ،‬ومن خالل الجلسة األولى للصلح تبين للقاضي ذلك وما عليه إال الحكم‬
‫بالطالق‪.‬‬

‫ويجدر التنويه إلى أن مسألة الطالق التي تقع خارج المحكمة تحتاج إلى تأطير تشريعي‬
‫باالعتراف بالطالق الرجعي وتفصيل أحكامه‪ ،‬ال سيما وأن أحكام الشريعة اإلسالمية مصدر مادي‬
‫لنصوص قانون األسرة ومصدر رسمي احتياطي له(المادة ‪ 222‬من ق‪.‬أ) والمجتمع الجزائري في‬
‫مسائل األحوال الشخصية متمسك بشريعته‪ ،‬وكثيرا ما يقع تصادم بين أحكام الطالق الرجعي‬
‫والطالق البائن المنصوص عليه في قانون األسرة السيما في مسألة بداية احتساب العدة والنسب‬
‫والميراث‪.‬‬

‫وفي حالة الطالق اللفظي وانقضاء العدة الشرعية‪ ،‬فالصلح يتنافى مع أحكام الشرعية‬
‫اإلسالمية فيمكن االكتفاء بجلسة واحدة لتنوير القاضي بتاريخ التلفظ بالطالق والحكم بالتعويض إذا‬
‫تبين له تعسف الزوج في إيقاعه‪ .‬أما في الحاالت األخرى‪ ،‬أي في غير الطالق اللفظي فالراجح هو‬
‫إلزام القاضي بعدة محاوالت صلح حفاظا على األسرة من التفكك‪.‬‬

‫نص القانون على سرية محاوالت الصلح حفظا على خصوصية‬ ‫ّ‬ ‫إضافة إلى ما سبق‪،‬‬
‫العالقة الزوجية‪ ،‬فجاء في المادة ‪ 439‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ أن‪ ":‬محاوالت الصلح وجوبية وتتم في سرية"‪،‬‬
‫فجلسة الصلح يحضرها القاضي والزوجين وأمين الضبط‪ ،‬على أنه يمكن وبناء على طلب‬
‫الزوجين حضور أحد أفراد العائلة والمشاركة في محاولة الصلح طبقا للمادة ‪ 440‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬‬

‫وخالل كل ذلك‪ ،‬يجب على القاضي إحرام المدة القانونية أثناء إجراء محاوالت الصلح والمقدرة‬
‫بثالثة أشهر (‪ )03‬ابتداء من تاريخ رفع الدعوى طبقا المادة ‪ 49‬من ق‪.‬أ والمادة ‪2/442‬‬
‫منق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تعيين الحكمين‬

‫ق بَ ْينِ ِه َما فَا ْبعَثُواْ َح َك ًما ِ ّم ْن‬ ‫مؤسسة التحكيم نظام شرعي بحت‪ ،‬لقوله تعالى‪َ { :‬وإِ ْن ِخ ْفت ُ ْم ِ‬
‫شقَا َ‬
‫يرا} (سورة النساء‪،‬‬ ‫ع ِلي ًما َخ ِب ً‬‫َّللاَ كَانَ َ‬ ‫َّللاُ بَ ْينَ ُه َما إِنه ه‬
‫ق ه‬ ‫أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِ ّم ْن أ َ ْه ِل َها إِن يُ ِريدَا إِصْال ًحا يُ َو ِفّ ِ‬
‫اآلية رقم ‪ .)35‬وتبناها المشرع الجزائري في المادة ‪ 56‬منق‪.‬أ ‪":‬إذا اشتد الخصام بين الزوجين‬
‫ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫يعين القاضي الحكمين‪،‬حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة‪ ،‬وعلى هذين الحكمين‬
‫أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين‪ ".‬وهو ما أكدته المادة ‪ 446‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ بنصها‪:‬‬
‫"إذا لم يثبت الضرر أثناء الخصومة‪ ،‬جاز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بينهما‬
‫حسب مقتضيات قانون األسرة"‪.‬‬

‫والمالحظ أن قانون األسرة نص على وجوب تعيين الحكمين في حالة عدم ثبوت الضرر‬
‫أما قانون اإلجراءات المدنية فجعله جوازيا بالنسبة للقاضي‪ ،‬وهذا يعتبر تعارضا وعيبا في‬
‫ألن القاعدة اإلجرائية وضعت لخدمة القاعدة الموضوعية‪ ،‬فال ينبغي أن تخالفها‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫الصياغة‪ّ ،‬‬
‫هذا التعارض ال يخدم مصلحة األسرة ورغم أن قانون اإلجراءات المدنية أحال إلى قانون األسرة‬
‫في مسألة الحكمين إال أنه يجب أن ينص على إلزاميتها هو اآلخر‪.‬‬

‫فإذا اشتد الشقاق ولم يثبت الضرر وجب على القاضي تعيين حكمين طبقا للنص أعاله‬
‫مهمتهما معرفة أسباب الخالف واإلصالح بين الزوجين وهذا في مهلة شهرين تبدأ من يوم تبليغهما‬
‫بالحكم‪ ،‬وعليهما أن يقدما تقريرا إلى القاضي خالل تلك المهلة يذكران فيه مساعيهما وهذا‬
‫بالتوصل إلى اإلصالح أو عدم اإلصالح(آث ملويا‪ ،2016-2015 ،‬صفحة ‪.)191‬‬

‫ولم يحدد المشرع طريقة معينة لتعيين الحكمين‪ ،‬غير أن ما جرى عليه العمل القضائي أن‬
‫يتم كتابة وعن طريق أمر شبه قضائي يصدره القاضي يحدّد فيه مهمتهما وتاريخ تقديم‬
‫تقريرهما(بزاز زينب & لويزة حنفي‪ ،2021 ،‬صفحة ‪ .)44‬وعلى الحكمين أن يطلعا القاضي بما‬
‫يعترضهما من إشكاالت أثناء تنفيذ المهمة‪.‬وإذا تم الصلح من طرفهما‪ ،‬يثبت ذلك في محضر‪،‬‬
‫يصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل ألي طعن (‪ 448‬من قانون إ‪.‬م‪.‬إ)‪ .‬أما إذا تبين للقاضي‬
‫صعوبة اإلصالح بين الزوجين‪ ،‬جاز له إنهاء مهام الحكمين تلقائيا‪ ،‬فيعيد القضية إلى الجلسة‬
‫وتستمر الخصومة(‪ 449‬من قانون إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫ويشترط لتعيين الحكمين اشتداد الخصام وعدم ثبوت الضرر‪ ،‬فإذا ثبت الضرر فال حاجة‬
‫للحكمين‪ ،‬وهو ما جاء في قرار للمحكمة العليا بتاريخ‪ 14‬أبريل ‪" :2011‬المبدأ‪ :‬لقاضي غير ملزم‬
‫بتعيين الحكمين في حالة اشتداد الخصام بين الزوجين وثبوت الضرر‪.‬‬

‫‪...‬حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين ان قاضي الدرجة األولى اعتمد في‬
‫قضائه بالتطليق على اشتداد الخصام والشقاق المستمر وانتهى إلى أن إضرار الزوج بزوجته‬
‫ثابت وبالتالي فإنه غير ملزم في هذه الحالة بإجراء التحكيم المنصوص عليه في المادة ‪ 56‬من‬
‫ق‪.‬أ التي تشترط عدم ثبوت الضرر‪( ."...‬المحكمة العليا‪ ،‬ملف رقم‪ 620084‬بتاريخ‬
‫‪ ،2011/04/14‬سبق اإلشارة إليه)‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اتخاذ التدابير خالل محاوالت الصلح‬

‫نصت المادة ‪ 450‬منق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ على‪" :‬يتأكد القاضي من إرادة الزوج في طلب الطالق‪ ،‬ويأمر‬
‫باتخاذ كل التدابير التي يراها الزمة في ذلك‪ .‬كما هو واضح فإن للقاضي سلطات واسعة في اتخاذ‬
‫التدابير المناسبة من أجل إيضاح األمور وأسباب النزاع وغيرها"‪.‬‬

‫وفي المادة ‪ 451‬أكد على إمكانية اتخاذه كل التدابير التي يراها مالئمة‪ ،‬السيما األمر‬
‫بالتحقيق أو بخبرة طبية أو االنتقال للمعاينة‪ .‬وهي وسائل على سبيل المثال للتأكد من إرادة الزوج‬
‫في الطالق‪ .‬فيمكن للقاضي األمر بخبرة طبية إلثبات العقم أحد الزوجين مثال‪ ،‬أو استدعاء الشهود‬
‫إلثبات الشقاق‪ ،‬ويمكنه أيضا اللّجوء إلى إجراء تحقيق في حالة الخالف بين الطرفين بخصوص‬
‫الدخول بالزوجة‪ ،‬ليتضح أمر الدخول من عدمه وهو ما قررته المحكمة العليا في قرارها‬
‫بتاريخ‪(2021/02/2‬المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة شؤون االسرة والمواريث‪ ،‬ملف رقم ‪،1431464‬‬
‫‪.)2021‬‬

‫ويجوز للقاضي الفصل على وجه االستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير‬
‫المؤقتة والسيما ما تعلق منها بالنفقة والحضانة والزيارة والسكن (المادة ‪ 57‬من ق‪.‬أ)‪ .‬ويتخذ‬
‫القاضي ما يراه الزما من التدابير المؤقتة بموجب أمر غير قابل ألي طعن(المادة ‪ 442‬من‬
‫ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ) ‪ .‬على أنه يجوز للقاضي في حالة ظهور واقعة جديدة‪ ،‬وحسب الظرف‪ ،‬أن يلغي أو يعدل‬
‫أو يتمم التدابير التي أمر بها‪ ،‬ما لم يتم الفصل في الموضوع بأمر غير قابل ألي طعن (لمادة ‪445‬‬
‫من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ)‪.‬‬

‫بعد متابعة مسار القضاء في تطبيق إجراءات الصلح وتقييم النصوص القانونية الناظمة له‪،‬‬
‫ال شك أن هناك آثار تترتب على ذلك تستدعي هي األخرى تقييما‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تقييم اآلثار المترتبة على إجراء محاوالت الصلح وعدم إجرائها‬

‫إن قيام القاضي بمحاوالت الصلح من شأنه مؤسسة الزواج بالحيلولة دون تصدعها‪ ،‬وسواء‬
‫نجح الصلح أم لم ينجح فإن القانون يرتب عليه آثارا (المطلب األول) وطبقا للقواعد سالفة الذكر‬
‫شك أن هناك آثار أخرى مهمة تترتب على عدم إجراء الصلح (المطلب‬ ‫وأمام وجوب الصلح‪ ،‬فال ّ‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫الطلب األول‪ :‬اآلثار المترتبة على إجراء محاوالت الصلح‬

‫يحرر محضر‬ ‫ّ‬ ‫سواء نجح الصلح بين الزوجين أم لم ينجح‪ ،‬فإنه يقع على القاضي أن‬
‫الصلح قبل النطق بالحكم(الفرع األول)‪ ،‬مما يستدعي دراسة ما يترتب على الصلح وفشله (الفرع‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫الفرع األول تحرير محضر الصلح‬

‫يحرر‬
‫جاء في نص المادة ‪ 443‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪" :‬يثبت الصلح بين الزوجين بموجب محضر‪ّ ،‬‬
‫في الحال من أمين الضبط تحت إشراف القاضي‪.‬‬

‫يوقع المحضر من طرف القاضي وأمين الضبط والزوجين ويودع بأمانة الضبط‪.‬‬

‫يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا‪.‬‬

‫في حالة عدم الصلح أو تخلف أحد الزوجين بالرغم من مهلة التفكير الممنوحة له‪ ،‬يشرع‬
‫في مناقشة موضوع الدعوى"‪.‬‬

‫من خالل النص‪ ،‬يتبين أن القانون اشترط توقيع الزوجين القاضي وكاتب الضبط على‬
‫محضر الصلح ولم يخضع القانون محضر الصلح لشكل معين‪ ،‬فيقتصر دوره على إثبات ما جرى‬
‫وما صرح به الزوجان دون أن يشمل رأي القاضي أو يعلّله ألنه ال يخضع لرقابة أي جهة قضائية‬
‫أعلى(بن هبري‪ ،2015/2014 ،‬صفحة ‪.)261‬‬

‫وطبقا للمادة ‪ 443‬منق‪.‬إم‪.‬إ يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا باإلضافة إلى الفقرة ‪ 6‬من‬
‫المادة ‪ 600‬من ذات القانون التي عددت السندات التنفيذية ‪" :‬ال يجوز التنفيذ الجبري إال بسند‬
‫تنفيذي والسندات التنفيذية هي‪...:‬‬

‫‪ −‬محاضر الصلح أو االتفاق المؤشر عليه من طرف القضاة والمودعة بأمانة‬


‫الضبط‪.".‬‬

‫وبالتالي فإن مهر محضر الصلح بالصيغة التنفيذية ‪ 601‬يجعله قابال للتنفيذ‪ .‬لكن دعوى‬
‫الطالق تبقى قائمة ما دام لم يصدر حكم طبقا لقاعدة لكل دعوى حكم‪ .‬وعليه‪ ،‬يجب على القاضي أن‬
‫يصدر حكمه عالنية بانقضاء الدعوى بالصلح‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثر الصلح وعدم الصلح على العالقة الزوجية‬

‫نصت عليه المادة ‪ 50‬منق‪.‬أ‪" :‬من راجع زوجه أثناء محاولة الصلح ال يحتاج إلى عقد‬
‫جديد ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطالق يحتاج إلى عقد جديد"‪ .‬وعليه‪ ،‬إذا تم الصلح بين‬
‫الزوجين تستأنف الحياة الزوجية دون إبرام عقد زواج جديد أما إذا تم حكم الطالق فيجب إبرام عقد‬
‫زواج جديد بين الطرفين لبداية حياة زوجية جديدة‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬هذا النص أثار العديد من النقاشات الفقهية‪ ،‬فهناك من اعتبر مدة الصلح ‪ 3‬أشهر هي‬
‫نفسها مدة العدّة‪ ،‬والمراجعة المذكورة في المادة ‪ 50‬هي رجعة من طالق رجعي طبقا ألحكام‬

‫‪64‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫الشريعة اإلسالمية التي تعتبر مصدرا ماديا لقانون األسرة ومصدر رسمي احتياطي له وأن الثابت‬
‫الذي ال يحتاج إلى دليل هو أن المراجعة أثر من آثار الطالق أو أنها ال تثار إال إذا كان هناك طالق‬
‫فحسب رأي أول أن هذه المادة تناولت مسألة المراجعة‪ .‬والرجعة والمقصودة في المادة ‪ 50‬سواء‬
‫المراجعة التي تكون قبل صدور الحكم أو بعد صدوره هي التي تكون بعد الطالق غاية ما في األمر‬
‫أن واضع القانون قدر أن العدة في الغالب تكون لم تنتهي أثناء فترة الصلح والطالق يكون رجعي‬
‫بما يمكن المراجعة دون عقد جديد في حين بعد صدور الحكم فالغالب أن العدة تكون انتهت وأن‬
‫الطالق يكون بائنا بما يقتضي عقدا جديدا(عالل‪ ،2017 ،‬صفحة ‪.)275‬‬

‫لكن تطبيق ذلك يتطلب أن يرفع الزوج دعوى الطالق في نفس اليوم الذي يتلفظ فيه‬
‫بالطالق وهذا ال يتحقق في كل األحوال‪ ،‬فلو تم الصلح في الفترة بعد تلفظ الزوج بالطالق بما‬
‫يتجاوز ثالثة قروء بالنسبة لغير اليائس من المحيض و‪ 3‬أشهر بالنسبة لليائس من المحيض كأن‬
‫يطلقها ثم بعد ثالثة أشهر يرفع دعوى طالق وبعد شهرين يصلح بينهما القاضي‪ ،‬فهنا شرعا قد‬
‫بانت من زوجها بينونة صغرى‪ ،‬لذلك ال يمكن اعتبار مدة الصلح بمثابة الرجعة ألنه ناذرا ما يرفع‬
‫أحد الزوجين دعوى الطالق مباشرة بعد التلفظ بالطالق‪ ،‬وإذا حدث فهو من قبيل الشاذ والناذر‬
‫الذي ال يقاس عليه(نعوم‪ ،2013 ،‬صفحة ‪.)24‬‬

‫وال أد ّل على صحة هذا الرأي األخير‪ ،‬استعمال المشرع لمصطلح "مراجعتها" بعقد جديد‬
‫حتى بعد صدور حكم الطالق (المادة ‪ 50‬من ق‪.‬أ) ألن الرجعة ال تكون في الطالق البائن‪ ،‬وحكم‬
‫الطالق في القانون الجزائري بائن في كل األحوال‪ .‬فلو كان قصد المشرع "الرجعة" الكتفى‬
‫باستعمالها بداية أثناء مدة الصلح وأسقطها في العقد الجديد بعد الطالق‪.‬‬

‫رغم ذلك‪ ،‬فإن الطالق اللّفظي الذي يقع خارج مرفق القضاء يفتح العديد من اإلشكاالت‪،‬‬
‫فالمشرع نص على ثالثة أشهر لمحاوالت الصلح من يوم رفع دعوى الطالق متجاهال إمكانية‬
‫انتهاء العدة الشرعية أثناء محاوالت الصلح أو حتى قبل رفع الدعوى وهو ما يجعل أحكام الرجعة‬
‫غير مالئمة خالل فترة الصلح‪،‬وهنا يبقى دور القاضي االيجابي خالل أول جلسة للصلح يستعلم من‬
‫الزوجان إن تم الطالق لفظا والمدة بين التلفظ وجلسة الصلح‪،‬فمتى انقضت مدة العدة الشرعية يحكم‬
‫بالطالق مباشرة دون أن يحاول الصلح بينهما‪.‬‬

‫هذا عن نجاح الصلح‪ ،‬لكن إذا فشل القاضي في اإلصالح بين الزوجين فيترتب على ذلك‬
‫وجوب تحرير محضر عدم الصلح يبين فيه مساعيه لإلصالح بين الزوجين ويوقع من طرف‬
‫القاضي والزوجين وكاتب الضبط ثم يحيل الطرفان إلى مناقشة الموضوع وينطق بحكم الطالق في‬
‫جلسة علنية‪ ،‬ويبين في حكمه عدد جلسات الصلح التي قام بها وتاريخ كل جلسة وموقف الزوج‬
‫والزوجة من الصلح‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر تخلف محاوالت الصلح على الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجية‬

‫إن إلزامية محاوالت الصلح جعلت تخلفها يشكل وجها من أوجه الطعن بالنقض (الفرع‬‫ّ‬
‫األول)‪ ،‬إال أن نقض حكم الطالق يؤدي إلى إبطاله مما يترتب عليه آثار على األسرة (الفرع‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الطعن بالنقض في الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجية لتخلف إجراء الصلح‬

‫إن األحكام الصادرة بالطالق باإلرادة المنفردة للزوج أو بطلب من الزوجة أو بالتراضي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫هي أحكام ابتدائية نهائية في شقها القاضي بفك الرابطة الزوجية‪ ،‬على أنه يمكن الطعن باالستئناف‬
‫في توابع الطالق المالية والحضانة(المادة ‪ 57‬من ق‪.‬أ)‪.‬‬

‫فك الرابطة الزوجية‪ ،‬لكن بالرجوع إلى قانون‬‫إذن ال يمكن االستئناف في الشق الفاصل في ّ‬
‫اإلجراءات المدنية واإلدارية نص على إمكانية الطعن بالنقض مباشرة أمام المحكمة العليا متى‬
‫توفرت أحد األوجه التي نصت عليها المادة ‪ 358‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪ .‬وال يكون للطعن بالنقض أثر موقف‬
‫فيما نصت عليه المادة ‪" :452‬ال يوقف الطعن بالنقض تنفيذ أحكام الطالق المنصوص عليها في‬
‫المواد ‪ 450‬و‪ 451‬أعاله‪ ،‬فيقيد الحكم في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة طبقا لما نصت‬
‫عليه المادة ‪ 3/49‬ق‪.‬أ وينفذ الحكم بصفة عادية ولو تم الطعن فيه بالنقض‪.‬‬

‫وفي قرارات المحكمة العليا نميز بين حالتين في شأن أحكام الطالق‪ ،‬فهو إما رفض الطعن‬
‫وتأييد الحكم وال إشكال يثور هنا‪ ،‬يبقى الزوجان مطلقان‪ ،‬وإما قبول الطعن وإبطال حكم الطالق‬
‫وإعادة الزوجان أمام نفس الجهة التي أصدرت الحكم للنظر فيها من جديد(المحكمةالعليا‪ ،‬غرفة‬
‫االحوال الشخصية‪ ،‬ملف رقم ‪ ،75141‬بتاريخ ‪ ،1993 ،1991/06/18‬صفحة ‪)65‬أو يتم النقض‬
‫دون إحالة(قرار للمحكمة العليا بتاريخ ‪ 2020/01/08‬سبق اإلشارة إليه) وكان غياب محاوالت‬
‫الصلح قبل الحكم بالطالق أحد أهم أسباب إبطال العديد من األحكام القضائية من طرف المحكمة‬
‫العليا‪ ،‬فيكون النقض باإلحالة أو دون إحالة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آثار بطالن حكم الطالق على األسرة‬

‫بعد صدور قرار المحكمة العليا بنقض حكم الطالق‪ ،‬يصبح الحكم وكأنه لم يكن‪ ،‬فيرجع‬
‫الزوج والزوجة إلى حالتهما قبل الطالق‪ ،‬أي متزوجين‪ ،‬وهذا ما يتعارض مع عديد من األحكام‬
‫الشرعية ولقانونية‪.‬‬

‫فالطالق شرعا وقانونا يرتب آثاره فور صدوره‪ ،‬فيبدأ احتساب مدة العدة‪ ،‬وتنفذ النفقة وكل‬
‫ما يتعلق بالحضانة وغيرها‪ .‬لكن الطعن بالنقض سيعطل كل ذلك وهو ما يضعنا أمام حاالت‬
‫يستحيل أن يستوعبها القانون‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫ونبدأ بالعدة‪ ،‬نصت المادة ‪ 58‬منق‪.‬أ على أنه‪" :‬تعتد المطلقة المدخول بها غير الحامل‬
‫بثالثة قروء واليائس من المحيض بثالثة أشهر من تاريخ التصريح بالطالق‪ .".‬ثم أضافت المادة‬
‫‪ 60‬عدة الحامل بوضع حملها‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬بداية احتساب العدّة يكون من تاريخ النطق بحكم الطالق‪ ،‬وهو طالق بائن في قانون‬
‫األسرة الذي ال يعترف بالطالق الرجعي‪ .‬وعند انتهاء العدة يمكن للمرأة أن تتزوج‪ .‬السيما أن‬
‫المادة ‪ 452‬من ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪ .‬نصت على أن الطعن بالنقض ليس له أثر موقف لحكم الطالق‪.‬‬

‫فإذا تم الطعن في الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجة بأن أغفل محاوالت الصلح مثال‪،‬‬
‫فقضت المحكمة العليا بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة األطراف إلى نفس الجهة التي أصدرت‬
‫الحكم وإلى حين ردّ المحكمة العليا تكون العدة قد انقضت والمرأة ربما تزوجت من رجل آخر‪ .‬ألن‬
‫أجل الطعن بالنقض هو شهرين طبقا للمادة ‪ 354‬ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬إ‪،‬وإلى حين إصدار القرار من المحكمة‬
‫العليا تكون المدة كافية النقضاء العدة‪.‬‬

‫وهنا تختلط وتهتز المراكز القانونية‪ ،‬فيعتبران متزوجان بعد أن كانا مطلقان‪ ،‬وتزداد األمور‬
‫تعقيدا إذا تزوجت المطلقة من رجل آخر فهمنا تجد نفسها متزوجة من رجلين‪.‬وإن لم تتزوج‬
‫المطلقة وقضي ببطالن الطالق‪ ،‬فهي أجنبية عن طليقها وال يمكن أن يراجعها إال بعقد جديد‪.‬‬

‫ثم إن‪ ،‬إبطال حكم الطالق يجعل أحكام النسب عاجزة عن استيعاب اعتبار المرأة متزوجة‬
‫من رجل بعد طالقها وفي نفس الوقت زوجة لرجل آلخر طلقها من قبل فابن من فيهم الولد الذي‬
‫ستنجبه؟ فبطالن الحكم يتنافى مع أحكام النسب والعدة وأحكام الزواج والطالق بصفة عامة‪ .‬كما أن‬
‫أحكام الميراث تتنافى مع بطالن الطالق‪ ،‬فيما إذا توفي أحدهما وهما مطلقان بعد انقضاء العدّة‬
‫فيبطل الطالق ويبقى الزواج ساريا فيقع التوارث بينهما‪.‬‬

‫فكان على المشرع النص على أن حكم الطالق ينفذ حاال‪ ،‬وال يمكن الطعن فيه بأي طريق‬
‫كان‪ ،‬وأن تخلف محاوالت الصلح يرتب عقوبات تأديبية على القاضي وليس على الزوجين ألنها‬
‫ملزمة للقاضي في عمله‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إن حماية مؤسسة الزواج من التصدع يقتضي تفعيل الطرق البديلة لحل النزاعات على‬
‫الس احة القضائية‪ ،‬والمشرع الجزائري اهتم بمحاوالت الصلح كإجراء سابق على الحكم بالطالق‬
‫حماية لألسرة والمجتمع‪ ،‬ورغم تفصيله في قانون اإلجراءات المدنية إال أن التطبيق الفعلي لهذه‬
‫النصوص كشف عن نقائص وعيوب في الصياغة‪ .‬وعلى العموم من خالل هذه الدراسة تم التوصل‬
‫إلى النتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫محاوالت الصلح وجوبية وتتم في جلسة سرية على أالّ تتجاوز مدة ثالثة أشهر من يوم‬ ‫•‬
‫رفع الدعوى‪.‬‬
‫قبل مباشرة إجراءات الصلح‪ ،‬على القاضي أن يتأكد من وجود دعوى طالق وفقا‬ ‫•‬
‫لألشكال القانونية‪ ،‬مع وجوب حضور الزوجين شخصيا السيما رافع الدعوى تحت‬
‫طائلة عدم قبول الدعوى‪.‬‬
‫منح القانون لقاضي شؤون األسرة دورا إيجابيا أثناء محاوالت الصلح‪ ،‬فيسعى إلى‬ ‫•‬
‫اإلصالح بين الزوجين‪ ،‬ويمكنه اتخاذ التدابير الضرورية أثناء ذلك كما يمكنه الفصل‬
‫على وجه االستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير المؤقتة والسيما ما‬
‫تعلق منها بالنفقة والحضانة وما يترتب عنها بموجب أمر غير قابل ألي طعن‪.‬‬
‫يترتب على نجاح محاولة الصلح تحرير محضر الصلح الذي يوقع من طرف القاضي‬ ‫•‬
‫والزوجين وأمين الضبط‪ ،‬ويعتبر سندا تنفيذيا‪ ،‬ثم يصدر حكمه بانقضاء الدعوى‬
‫يحرر القاضي محضرا بذلك ويشرع في مناقشة‬ ‫ّ‬ ‫بالصلح‪ .‬وفي حالة عدم الصلح‬
‫الدعوى ويصدر حكمه بالطالق‪.‬‬
‫فك الرابطة الزوجية ال يمكن االستئناف‬‫حكم الطالق ابتدائي نهائي في شقه الفاصل في ّ‬ ‫•‬
‫أن القانون نص على إمكانية الطعن بالنقض فيه‪ ،‬وتخلف محاوالت الصلح‬ ‫فيه غير ّ‬
‫مخالفة للقانون مما يجعلها وجها سديدا للطعن بالنقض وصدرت عدة قرارات بنقض‬
‫وبطالن ألحكام الطالق التي ال تسبقها محاوالت للصلح‪.‬‬
‫الطعن بالنقض في حكم الطالق ال يخدم مصلحة األسرة‪ ،‬بل إنه يهدد استقرارها‪،‬‬ ‫•‬
‫ويتعارض مع كثير من األحكام القانونية والشرعية للطالق‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬إن البحث في هذا الموضوع نظريا وتطبيقيا‪ ،‬أبان عن بعض النقائص التشريعية‪ ،‬لذلك‬
‫يمكن اقتراح ما يلي‪:‬‬
‫• إن الطابع الخاص لمنازعات األسرة يتطلب جهودا وقائية وتعزيز العمل بالطرق‬
‫البديلة لحل النزاعات وتوسيع نطاقها‪.‬‬
‫• تعديل المادة ‪ 49‬بما يوافق أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واالعتراف بالطالق الرجعي‬
‫وتنظيم أحكامه منفصال عن أنواع الطالق األخرى‪.‬‬
‫صت على جواز اللّجوء‬‫• تعديل المادة ‪ 446‬بما يتماشى مع المادة ‪ 56‬من ق‪.‬أ فاألولى ن ّ‬
‫إلى الحكمين والثانية نصت على وجوب تعيين حكمين إذا لم يثبت الضرر‪ ،‬فارتفاع‬
‫حاالت الطالق وكثرة القضايا تقتضي تفعيل مؤسسة التحكيم وال يتم ذلك إال بفرض‬
‫وجوبها‪.‬‬
‫• إلغاء إمكانية الطعن بالنقض في أحكام الطالق‪ ،‬والنص على عقوبات تأديبية للقاضي‬
‫الذي ال يقوم بمحاوالت الصلح‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مجلة استراتيجيات ضمان الجودة‬

‫المجلد‪، )03( :‬عدد (‪)02‬‬


‫سسة الزواج‬
‫صلح في حماية مؤ ّ‬
‫تقييم دور ال ّ‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫أوال‪ :‬النصوص القانونية‬


‫‪ .1‬األمر رقم ‪ ،58-75‬مؤرخ في ‪ ،1975/09/26‬المتضمن القانون المدني‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪،‬‬
‫مؤرخة في ‪ ،1975/11/30‬السنة ‪ ،12‬ع‪ ،78‬ص‪ ،990.‬المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ .2‬القانون رقم ‪11-84‬المتضمن قانون األسرة‪ ،‬مؤرخ في ‪ ،1984/06/09‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪ ،‬لسنة‬
‫‪ ،1984‬ع‪ ،24‬ص‪ ،910.‬المعدل والمتمم باألمر رقم ‪ ،02–05‬المؤرخ في‬
‫‪ ،2005/02/27‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج لسنة ‪ ،2005‬عدد ‪ ،15‬ص‪.18.‬‬
‫‪ .3‬القانون رقم ‪ ،09-08‬مؤرخ في ‪ ،2008/02/25‬المتضمن قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪ ،‬مؤرخة في ‪ ،2008/04/23‬ع‪ ،21‬ص‪.3.‬‬
‫‪ .4‬ظهير شريف رقم ‪1.04.22‬الصادر بتاريخ ‪ ،2004/02/05‬جريدة رسمية رقم‬
‫‪،5184‬بتنفيذ القانون ‪ 05،70-03‬بمثابة مدونة األسرة المغربية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المؤلفات والمذكرات‬
‫‪ .1‬بربارة عبد الرحمن‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬ط‪ ،2‬منشورات البغدادي‪،‬‬
‫الجزائر‪.2009 ،‬‬
‫‪ .2‬لحسين بن شيخ آث ملويا‪ ،‬المرشد في قانون األسرة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪-2015 ،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ .3‬بن هبري عبد الحكيم‪ ،‬أحكام الصلح في قضاء شؤون األسرة‪ ،‬مذكرة ماجستير في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬فرع قانون األسرة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.2015-2014 ،01‬‬
‫ثالثا‪ :‬المقاالت‬
‫‪ .1‬بزاز زينب ولويزة حنيفي‪ ،‬فعالية التحكيم في حماية األسرة‪ ،‬دراسة تحليلية‪ ،‬دائرة البحوث‬
‫والدراسات القانونية والسياسية‪ ،2021 ،‬مجلد‪ ،5‬عدد‪ ،3‬ص‪.44.‬‬
‫‪ .2‬عالل طحطاح‪ ،‬دراسة نقدية تقويمية لنص المادة ‪ 49‬من قانون األسرة‪ ،‬مجلة صوت‬
‫القانون‪ ،2017 ،‬ع‪.8‬‬

‫‪ .3‬مقفولجي عبد العزيز‪ ،‬شروط قبول الدعوى‪ ،‬مجلة البحوث والدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،2013،‬مجلد‪ ،3‬ع‪.2‬‬
‫‪ .4‬نعوم مراد‪ ،‬من معوقات الممارسة القضائية في التشريع اإلجرائي األسري‪ ،‬األكاديمية‬
‫للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬جوان ‪ ،2013‬ع‪.10‬‬

‫‪69‬‬

You might also like