Professional Documents
Culture Documents
تقييم دور الصلح في حماية مؤسّسة الزواج
تقييم دور الصلح في حماية مؤسّسة الزواج
سسة الزواج
تقييم دور الصلح في حماية مؤ ّ
marriage institution
1
د.بلعباس أمال
ملخص:
فك الرابطة الزوجية ،وعلى القاضي قبل مباشرتها أن محاوالت الصلح وجوبية في قضايا ّ
يتأكد من وجود دعوى قضائية وحضور الزوجين شخصيا ،ث ّم يسعى إلى محاولة التوفيق
واإلصالح بينهما ،وأثناء ذلك منحه القانون صالحية اتخاذ التدابير المناسبة ،وتعيين الحكمين إذا
ُحرر محضر الصلح الذي يعتبر سندا اشتد الخصام ولم يثبت الضرر .وسواء تم الصلح أو لم يت ّم ،ي ّ
ُعرض حكمه للنقض واإلبطال وهو ما ال يتماشى تنفيذيا .وفي حالة عدم قيام القاضي بالصلح فإنه ي ّ
مع األثر غير الموقف للطعن بالنقض في أحكام الطالق ،مما يجعله يصطدم مع عديد من األحكام
الشرعية والقانونية للطالق الذي يرتب آثاره في الحين .والنتيجة أن أهمية إجراء الصلح تستدعي
إ عادة النظر في النصوص اإلجرائية الناظمة له بإعادة صياغتها والتفصيل فيها وإزالة التعارض
فيما بينها وبين النصوص الموضوعية.
Abstract:
53
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
مقدمة:
ال ريب أن تماسك المجتمع واستمراره من استقرار األسرة ومتانة أواصرها ،لتقوم بدورها
الف ّعال في رعاية وتربية األوالد على أُسس سليمة بما يغرس فيهم مشاعر ّ
الرحمة والتسامح
والتعاون وغيرها مما ينعكس على تطور المجتمع وحفظ أمنه .لكن قد يطرأ على مؤسسة الزواج
ما يعكر صفوها ويزعزع استقرارها بسبب الخالفات المستمرة بين الزوجين التي قد تصل إلى
طلب الطالق أمام القضاء.
ّ
بفك الرابطة الزوجة ،ألزم القانون قاضي شؤون األسرة القيام وقبل صدور الحكم
بمحاوالت الصلح للتوفيق بين الزوجين ،هذا اإلجراء الجوهري الذي يعبر عن رقي إنساني وسلوك
حضاري كان من وسائل القضاء في فض النزاعات حتى قبل صدور قانون األسرة رقم -84
،)1984 ،11-84(11وهذا األخير نص صراحة على وجوب محاولة الصلح قبل التعديل وبعده،
صل المشرع في إجراءاتها بموجب نصوص قانون اإلجراءات المدنية وأكد على وجوبها ثم ف ّ
واإلدارية رقم )2008 ،09-08(09-08
والحق ،أن الصلح نظام شرعي ،فاإلسالم ترك لنا شريعة صالحة لكل زمان ومكان ،وهو
أول من هدى إلى الصلح ،الذي يت ّم بتنازل كل طرف عن جزء من حقه في سبيل الميثاق الغليظ
ام َرأَةٌ َخافَتْ ِمن بَ ْع ِل َها
الذي يربطهما وهو خير من الفرقة وما يترب عنها لقوله تعالىَ {:وإِ ِن ْ
54
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
وللصلح أهمية إجرائية في أي مادة كانت ،وهو ما يبرر عناية المشرع به ،حيث نص عليه
في األحكام التمهيدية لقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية بمقتضى المادة 04التي جاء فيها:
"يمكن للقاضي إجراء الصلح بين األطراف أثناء سير الخصومة في أية مادة كانت" .وبما أن
إطار هذه الدراسة ينحصر في الصلح األسري ،فستقتصر على الصلح القضائي الذي يتم في
المحكمة ويتطلب وجود دعوى قضائية واستبعاد الصلح غير القضائي الذي يتم خارج مرفق
القضاء والذي يلجأ إليه بهدف اتقاء نزاع محتمل.
ومن ثم ،يمكن تعريف محاولة الصلح بأنها مرحلة إجرائية من مراحل الدعوى القضائية
يقوم بها قاضي شؤون األسرة في جلسة سرية تجمعه بالزوجين محاوال فيها إصالح ذات البين
والحفاظ على األسرة.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من مكانة الصلح وأهميته في فض النزاع ،حيث يساهم في إعادة
ترم يم األسرة ،واستئناف الحياة الزوجية بعد شقاق قد يطول .مما ينعكس إيجابا على األوالد
والزوجية خاصة ،وعلى أمن المجتمع بصفة عامة.
لذلك ،تهدف هذه الدراسة إلى تحليل ونقد النصوص القانونية والتطبيقات القضائية ألجل
التوصل إلى مواضع القصور التشريعي ومدى حرص القضاء على التطبيق السليم للنصوص
القانونية الناظمة للصلح وكذا سعيه لإلصالح بين الزوجين للوصل إلى اآلثار المترتبة على إجراء
الصلح وكذا عدم إجرائه.
ّ
المسطرة ،يجري البحث عن إجابة وعلى ضوء ما سبق ،ولغرض الوصول إلى األهداف
للسؤال اآلتي :إلى أي مدى وفق القانون والقضاء في معالجة وتطبيق محاوالت الصلح في قضايا
ّ
فك الرابطة الزوجية؟
ولإلجابة على هذا السؤال تم اعتماد منهج تحليلي استقرائي وصفي مالئم لطبيعة الدراسة
التي شملت جوانب نظرية وتطبيقية ،في مبحثين ،حيث تم تقييم مساعي قاضي شؤن األسرة في
اإلصالح بين الزوجين في المبحث األول ،ثم ،تقييم اآلثار المترتبة على إجراء محاوالت الصلح
وعدم إجرائها في مبحث ثاني.
المبحث األول :تقييم مساعي قاضي شؤون األسرة في اإلصالح بين الزوجين
يبذل قاضي شؤون األسرة جهدا لمحاولة اإلصالح بين الزوجين حماية لمؤسسة الزواج،
والحقيقة أنه ليس بجهد قانوني ،فال يعتمد القاضي على تكوينه البيداغوجي والتطبيقي وإنما يعتمد
55
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
على الموعظة الحسنة والقدرة على تقريب وجهات النظر إلنهاء الخصام ،ويعتمد أيضا على تجربة
ودرايته بأهمية لم شمل األسرة وما يترتب على تصدعها .وقبل الشروع في الصلح ،يجب أن
يحرص على توفر شروط إجرائه (المطلب األول) ،ثم يتخذ ما يراه مناسبا لسير الجلسات في إطار
ما منحه القانون من صالحيات أثناء محاوالت الصلح (المطلب الثاني).
قبل مباشرة الصلح بين الزوجين ،يتأ ّكد القاضي من وجود دعوى طالق بشروطها
القانونية(الفرع األول) ،مع وجوب حضور الزوجين شخصيا (الفرع الثاني).
إن إجراء الصلح يستوجب وجود دعوى طالق إما بإرادة منفردة للزوج أو بإرادة
الزوجة(التطليق والخلع) أو بتراضي الزوجين (المادة 48من ق.أ) .أو من أحد الزوجين في
الطالق للنشوز(المادة 55من ق.أ) والطالق قبل الدخول (المادة 16من ق.أ) .فالقاضي ملزم في
كل أحوال الطالق بإجراء محاوالت الصلح .وال يوجد نصوص خاصة برفع دعوى الطالق في
قانون اإلجراءات المدنية رقم 09-08لذلك تطبق القواعد العامة في رفع الدعوى ،التي تشترط
وجود المصلحة والصفة طبقا لما نصت عليه المادة 13من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية
على أنه" :ال يجوز ألي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة ،وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها
القانون.
فيشترط الصفة من المدعي والمدعى عليه ،وهي الحق في المطالبة أمام القضاء وتقوم على
المصلحة المباشرة والشخصية في التقاضي(بربارة ،2009 ،صفحة ،)34والصفة في دعوى
الطالق هي أن يكون الشخص الذي له حق رفع الدعوى إما الزوج أو الزوجة ،وتثبت الصفة عن
طريق إثبات وجود عقد زواج بينهما وذلك بإرفاق عريضة الطالق بمستخرج من سجالت الحالة
المدنية (المادة 22من قانون األسرة).
أما المصلحة فهي المنفعة التي يحققها صاحب المطالبة القضائية وقت اللّجوء إلى القضاء
هذه المنفعة تشكل الدافع وراء رفع الدعوى والهدف من تحريكها فال دعوى من دون
مصلحة(بربارة ،2009 ،صفحة .)38
56
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
وبخصوص اإلذن فقد نصت المادة 13في فقرتها األخيرة كشرط لقبول الدعوى إذا كان
القانون يشترطه ،وهو تلك الرخصة التي نص عليها القانون في حاالت معينة ،بحيث ال تقبل دعواه
دون الحصول على إذن(مقفولجي ،2013 ،صفحة .)120كاإلذن المقدم من القاصر المرخص له
بالزواج قبل بلوغ السن القانوني(المادة 07من ق.أ) في حالة التقاضي حول آثار الزواج.
ونص ق.إ.م.إ في المواد 64و 65من ق.إ.م.إ على األهلية وهي ليست شرطا لقبول الدعوى
وإنما شرط لصحة اإلجراءات ،ويكون الشخص أهال قانونا ببلوغه 19سنة كاملة غير محجور
عليه(المادة 40من القانون المدني( )1975 ،58-75والمادة 07من ق.أ) .بيد أنه إذا كان الزوج
ناقص األهلية فإن الطلب يقدم باسمه من قبل وليه أو مقدمه حسب الحالة(.المادة 437منق.إ.م.إ).
ناهيك عن وجوب احترام قواعد االختصاص النوعي ،وحسب المادة 423منق.إ.م.إ فإن
قسم شؤون األسرة هو المختص نوعيا في الدعاوى المتعلقة بانحالل الرابطة الزوجية وتوابعها
حسب الحاالت والشروط المذكورة في قانون األسرة .كما يجب االلتزام بقواعد االختصاص
اإلقليمي الذي نصت عليه المادة 426من ذات القانون التي نصت على أن المحكمة المختصة
إقليميا في قضايا الطالق هي المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية .وفي الطالق
بالتراضي بمكان إقامة أحد الزوجين حسب اختيارهما.
بعد إبالغ الزوجان بتاريخ جلسة الصلح سواء شفاهية من طرف القاضي إذا حضرا معا،
أو يتولى الطرف الحاضر منهما تبليغ الطرف الغائب تبليغا رسميا ،فيتوجب عليهما الحضور
شخصيا لميعاد محاوالت الصلح ،وقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية نظم إجراءات الحضور
وعدم الحضور بالنص على أنه إذا استحال على أحد الزوجين الحضور في التاريخ المحدد أو
حدث له مانع ،جاز للقاضي إما تحديد تاريخ الحق للجلسة ،أو ندب قاض آخر لسماعه بموجب
يحرر
إنابة قضائية .غير أنه إذا تخلف أحد الزوجين عن الحضور بدون عذر رغم تبليغه شخصياّ ،
المبرر يؤدي إلى رفض الدعوى
ّ القاضي محضرا بذلك (المادة 441من ق.إم.إ) .فالغياب غير
والحكم بعدم التأسيس.
57
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
غير انه بالرجوع إلى قرارات المحكمة العليا ،نجد موقفان متباينان من حيث وجوب
حضور الزوجين جلسات الصلح ،الموقف األول كان في قرار بتاريخ 1997/10/23جاء فيه:
"إن عدم حضور أحد الطرفين لجلة الصلح ،رغم تأجيل إجرائها عدة مرات يجعل القاضي ملزما
بالفصل في الدعوى( ."...المحكمةالعليا ،غرفة االحوال الشخصية ،ملف رقم ،174132بتاريخ
،1999 ،1997/10/23صفحة .)179وفي قرار آخر بتاريخ 1999/03/16أكدت المحكمة العليا
على أن غياب المدعي عن جلست الصلح يفيد عدم رغبته في الصلح (المحكمةالعليا ،غرفة
االحوال الشخصية ،ملف رقم ،217179بتاريخ ،2001 ،1999/03/16صفحة .)123
لكن ،تغير منحى القضاء الجزائري بعد صدور قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية رقم
ّ
وسطر مراحلها ،فاستقر اجتهاد المحكمة العليا على 09-08الذي أكد على وجوب إجراء الصلح
وجوب حضور الزوجين شخصيا لجلسات الصلح ووضع مبدأ قضائيا مفاده "عدم حضور رافع
الدعوى لجلسات الصلح يؤدي إلى رفض الدعوى" .ومن التطبيقات القضائية ،جاء في القرار
فك الرابطة الزوجية ،حضور بتاريخ الصادر بتاريخ : 2009/01/14يجب على الزوج طالب ّ
جلسة الصلح شخصيا ،تحت طائلة رفض دعواه (المحكمةالعليا ،2009 ،صفحة .)271وفي قرار
آخر بتاريخ 09ماي 2013قضت المحكمة العليا بنقض وإبطال الحكم الذي لم يحضر فيه المدعي
(الزوج) لجلسات الصلح وجاء في القرار" :المبدأ :استقر اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث
بالمحكمة العليا على وجوب حضور طالب فك الرابطة الزوجية شخصيا جلسات محاولة الصلح.
...وحيث إنه يتبين بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه أن المحكمة أشارت أن المطعون ضده-
بصفة مدعيا وطالب الطالق -لم يحضر جلستي محاولة الصلح ،بينما حضرت الطاعنة وتمسكت
بالرجوع.
وحيث إن اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث بالمحكمة العليا قد استقر على وجوب
حضور طالب ّ
فك الرابطة الزوجية لجلسات محاولة الصلح ،وإال أصبح الوجوب المنصوص عليه
في المادة 49من قانون األسرة ،بدون جدوى(...المحكمةالعليا ،غرفة االحوال الشخصية
والمواريث ،ملف رقم ،0798882بتاريخ ،2013 ،2013/05/09صفحة .")286
وقررت المحكمة العليا قبول الطعن بالنقض شكال وموضوعا ونقض وإبطال الحكم ّ
المطعون فيه وبدون إحالة .بمعني أن حكم الطالق باطل فصلت فيه المحكمة العليا بصفة نهائية
دون إحالة إلى الهيئة التي أصدرت الحكم .مما يترتب عليه بقاء العالقة الزوجية قائمة ،وعلى
الزوج أن يرفع دعوى طالق من جديد إذا ما رغب في ذلك.
فالقانون نص على وجوب محاوالت الصلح وسطر مسألة الحضور وعدم الحضور إلى
جلسات الصلح لكن لم يبين صراحة مصير الدعوى ،فسدّ القضاء هذا الفراغ واعتبر تخلف رافع
58
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
الدعوى عن الصلح وهو الزوج في الطالق اإلرادة المنفردة والزوجة في دعوى الخلع والتطليق
يؤدي إلى رفض الدعوى ،وهذا كما ورد أعاله خالف رأيه مسبقا.
والحق ،أن هذا فراغ تشريعي يجب تداركه حماية لمؤسسة الزواج وألداء الصلح وظيفته
الحقيقية فال يكفي وضع مبدأ قضائي بوجوب حضور رافع دعوى الطالق جلسات الصلح ،ألنه في
كل االحوال ال تعتبر قرارات القضاء مصدرا للقانون ،بل يجب النص صراحة على أن تخلف رافع
الدعوى جلسة الصلح يعتبر تراجعا منه و ،وهو ما نستشفه من مدونه األسرة المغربية في المادة
81التي جاء فيها" :تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة اإلصالح:
إذا توصل الزوج شخصيا باالستدعاء ولم يحضر ،اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه.
إذا توصلت الزوجة شخصيا باالستدعاء ولم تحضر ،ولم تقدم مالحظات مكتوبة ،أخطرتها
المحكمة عن طريق النيابة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الدعوى. )2004 ،1.04.22( ".
فالمالحظ إذن ،أن مدونة األسرة اهتمت بمسألة حضور الزوجين لجلسة الصلح ورتبت
اآلثار القانونية لعدم حضور الزوج طالب الطالق جلسات الصلح واعتبرت ذلك تراجعا منه عن
الطالق أما الزوجة المبلغة شخصيا إذا لم تحضر فأوكلت مهمة إخطارها للنيابة العامة بأنها إن لم
تحضر فسيتم البت في الملف.
وبالرغم من أن سلطة القاضي مقيدة أمام حق الزوج بالطالق باإلرادة المنفردة الن العصمة
بيده ،فال هو مجبر على اإلفصاح باألسباب التي دفعته للطالق وال تقديم دالئل على رغبته ،إال أن
وجوب حضور جلسات الصلح من شأنه أن يساعد القاضي في الحكم بالتعويض من عدمه ،وكذا
تقديره من خالل التوصل إلى تعسف الزوج من عدمه ،وحصول الضرر أم ال .فيكون على القاضي
أن يحكم بفك الرابطة الزوجية وفقا إلرادة الزوج مع تعويض عادل للزوجة في حالة تعسف
الزوج(المادة 52من ق.أ).
إضافة إلى ذلك ،ال يمكن أن ينوب عن أحد الزوجين شخص غيرهم في حضور الجلسات،
فال المحامي وال أي شخص آخر يمكنه حضور جلسات الصلح بدال عنهم .وهو جاء في قرار
للمحكمة العليا بتاريخ 2008/01/16أنه ":ال تجوز النيابة عن الزوجين في محاولة
الصلح"(المحكمةالعليا ،غرفة االحوال الشخصية والمواريث ،ملف رقم ،417622بتاريخ
،2009 ،2008/01/16صفحة .)302مع مالحظة أنه يجوز توكيل المحامي في اإلجراءات لكن
ال يمكن له و اآلخر حضور جلسات الصلح.
وإذا اجتمعت في أحد الزوجين عاهتين في قضية طالق بالتراضي ،فيجب تعيين مساعد
قضائي طبقا للمادة 80من القانون المدني يحضر جلسات الصلح ،وهذا ما قررته المحكمة العليا
بتاريخ" :2020-01-18ال يمكن إضفاء وصف الطالق بالتراضي على الحكم بالطالق ،الذي
59
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
يكون أحد طرفيه مصابا بعاهة الصم والبكم ولم يعيّن له مساعد قضائي يسمح بالتأكد من إرادته،
أثناء محاولة الصلح" .فقررت المحكمة العليا نقض وإبطال الحكم المطعون فيه الصادر عن قسم
شؤون األسرة لمحكمة عين البيضاء وبدون إحالة (المحكمةالعليا ،غرفة االحوال الشخصية
والمواريث ،ملف رقم ،1412750بتاريخ ،2020 ،2020/01/08صفحة .)74
تعتمد محاوالت الصلح على جهد القاضي الذي منحه القانون دورا إيجابيا حيث ألزمه
بمحاوالت الصلح في مرحلة تسبق النطق بحكم الطالق ،فيحاول التوفيق بين الزوجين (الفرع
األول) وإذا اشتد الخصام يعين حكمين (الفرع الثاني).
الفرع األول :محاولة اإلصالح بين الزوجين في جلسات سرية خالل ثالثة أشهر من تاريخ رفع
الدعوى
ألزم القانون قاضي شؤون األسرة بمحاوالت الصلح في كل صور فك الرابطة الزوجية
حتى في الطالق باإلرادة المنفردة الذي يقيد سلطة القاضي ،وهو تقييد لحق العصمة تبنى المشرع
هذا الموقف للحد ّمن ظاهرة الطالق التي تشهد ارتفاعا متزايدا.
وأول مرحلة بعد التبليغ الرسمي للزوج اآلخر والنيابة العامة وتحديد الجلسة ،وفي التاريخ المحدد
إلجراء محاوالت الصلح يستمع القاضي إلى كل زوج على انفراد ويحاول تقريب وجهات النظر ثم
يستمع إليهما معا ويحاول إصالح ذات البين.
وكان قانون األسرة قبل التعديل ينص على محاولة للصلح ،لكن بعد التعديل نص على
محاوالت الصلح وهو ما أكدته أيضا نصوص قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،مستعمال صيغة
الجمع محاوالت مما يعني أكثر من محاولتين.
لكن القضاء لم يطبق هذه النصوص في كل األحوال ،فت ّم الحكم بالطالق بعد محاولة واحدةّ
للصلح في قرار بتاريخ 2011/4/14سالف الذكر ":بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين ان
قاضي الموضوع أجرى محاولة صلح بين الزوجين وعقد لذلك جلسة بتاريخ 2008/11/30تمسك
فيها الزوجان بمطالبهما وبالتالي فإن اإلجراء المقرر في المادة 49من ق.اتم استنفاذه وال يعيب
الحكم اكتفاؤه بجلسة صلح واحدة طالما أن القاضي اقتنع بعدم جدوى عقد جلسات صلح أخرى مما
يجعل الوجه غير سديد مستوجب الرفض(".المحكمةالعليا ،غرفة شؤون االسرة والمواريث ،ملف
رقم ،620084بتاريخ ،2012 ،2011/01/14صفحة .)299وفي قرار آخر بتاريخ
2014/03/13جاء فيه " :استقر اجتهاد غرفة شؤون األسرة والمواريث بالمحكمة العليا على
خضوع عدد محاوالت الصلح للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع وال رقابة للمحكمة العليا
60
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
فبالنسبة للمحكمة العليا ،فإن عدد جلسات الصلح خاضع للسلطة التقديرية للقاضي وال
رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن ،والحقيقة أن هذا المبدأ هو عين الصواب ويجب تطبيقيه
في الطالق باإلرادة المنفردة للزوج فقط ،ألن هناك بعض حاالت الطالق أين يكون أوقعه الزوج
لفظا وانقضت العدّة ،ومن خالل الجلسة األولى للصلح تبين للقاضي ذلك وما عليه إال الحكم
بالطالق.
ويجدر التنويه إلى أن مسألة الطالق التي تقع خارج المحكمة تحتاج إلى تأطير تشريعي
باالعتراف بالطالق الرجعي وتفصيل أحكامه ،ال سيما وأن أحكام الشريعة اإلسالمية مصدر مادي
لنصوص قانون األسرة ومصدر رسمي احتياطي له(المادة 222من ق.أ) والمجتمع الجزائري في
مسائل األحوال الشخصية متمسك بشريعته ،وكثيرا ما يقع تصادم بين أحكام الطالق الرجعي
والطالق البائن المنصوص عليه في قانون األسرة السيما في مسألة بداية احتساب العدة والنسب
والميراث.
وفي حالة الطالق اللفظي وانقضاء العدة الشرعية ،فالصلح يتنافى مع أحكام الشرعية
اإلسالمية فيمكن االكتفاء بجلسة واحدة لتنوير القاضي بتاريخ التلفظ بالطالق والحكم بالتعويض إذا
تبين له تعسف الزوج في إيقاعه .أما في الحاالت األخرى ،أي في غير الطالق اللفظي فالراجح هو
إلزام القاضي بعدة محاوالت صلح حفاظا على األسرة من التفكك.
نص القانون على سرية محاوالت الصلح حفظا على خصوصية ّ إضافة إلى ما سبق،
العالقة الزوجية ،فجاء في المادة 439من ق.إ.م.إ أن ":محاوالت الصلح وجوبية وتتم في سرية"،
فجلسة الصلح يحضرها القاضي والزوجين وأمين الضبط ،على أنه يمكن وبناء على طلب
الزوجين حضور أحد أفراد العائلة والمشاركة في محاولة الصلح طبقا للمادة 440من ق.إ.م.إ.
وخالل كل ذلك ،يجب على القاضي إحرام المدة القانونية أثناء إجراء محاوالت الصلح والمقدرة
بثالثة أشهر ( )03ابتداء من تاريخ رفع الدعوى طبقا المادة 49من ق.أ والمادة 2/442
منق.إ.م.إ.
ق بَ ْينِ ِه َما فَا ْبعَثُواْ َح َك ًما ِ ّم ْن مؤسسة التحكيم نظام شرعي بحت ،لقوله تعالىَ { :وإِ ْن ِخ ْفت ُ ْم ِ
شقَا َ
يرا} (سورة النساء، ع ِلي ًما َخ ِب ًَّللاَ كَانَ َ َّللاُ بَ ْينَ ُه َما إِنه ه
ق ه أ َ ْه ِل ِه َو َح َك ًما ِ ّم ْن أ َ ْه ِل َها إِن يُ ِريدَا إِصْال ًحا يُ َو ِفّ ِ
اآلية رقم .)35وتبناها المشرع الجزائري في المادة 56منق.أ ":إذا اشتد الخصام بين الزوجين
ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما.
61
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
يعين القاضي الحكمين،حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة ،وعلى هذين الحكمين
أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين ".وهو ما أكدته المادة 446من ق.إ.م.إ بنصها:
"إذا لم يثبت الضرر أثناء الخصومة ،جاز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بينهما
حسب مقتضيات قانون األسرة".
والمالحظ أن قانون األسرة نص على وجوب تعيين الحكمين في حالة عدم ثبوت الضرر
أما قانون اإلجراءات المدنية فجعله جوازيا بالنسبة للقاضي ،وهذا يعتبر تعارضا وعيبا في
ألن القاعدة اإلجرائية وضعت لخدمة القاعدة الموضوعية ،فال ينبغي أن تخالفهاّ ،
وأن الصياغةّ ،
هذا التعارض ال يخدم مصلحة األسرة ورغم أن قانون اإلجراءات المدنية أحال إلى قانون األسرة
في مسألة الحكمين إال أنه يجب أن ينص على إلزاميتها هو اآلخر.
فإذا اشتد الشقاق ولم يثبت الضرر وجب على القاضي تعيين حكمين طبقا للنص أعاله
مهمتهما معرفة أسباب الخالف واإلصالح بين الزوجين وهذا في مهلة شهرين تبدأ من يوم تبليغهما
بالحكم ،وعليهما أن يقدما تقريرا إلى القاضي خالل تلك المهلة يذكران فيه مساعيهما وهذا
بالتوصل إلى اإلصالح أو عدم اإلصالح(آث ملويا ،2016-2015 ،صفحة .)191
ولم يحدد المشرع طريقة معينة لتعيين الحكمين ،غير أن ما جرى عليه العمل القضائي أن
يتم كتابة وعن طريق أمر شبه قضائي يصدره القاضي يحدّد فيه مهمتهما وتاريخ تقديم
تقريرهما(بزاز زينب & لويزة حنفي ،2021 ،صفحة .)44وعلى الحكمين أن يطلعا القاضي بما
يعترضهما من إشكاالت أثناء تنفيذ المهمة.وإذا تم الصلح من طرفهما ،يثبت ذلك في محضر،
يصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل ألي طعن ( 448من قانون إ.م.إ) .أما إذا تبين للقاضي
صعوبة اإلصالح بين الزوجين ،جاز له إنهاء مهام الحكمين تلقائيا ،فيعيد القضية إلى الجلسة
وتستمر الخصومة( 449من قانون إ.م.إ).
ويشترط لتعيين الحكمين اشتداد الخصام وعدم ثبوت الضرر ،فإذا ثبت الضرر فال حاجة
للحكمين ،وهو ما جاء في قرار للمحكمة العليا بتاريخ 14أبريل " :2011المبدأ :لقاضي غير ملزم
بتعيين الحكمين في حالة اشتداد الخصام بين الزوجين وثبوت الضرر.
...حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين ان قاضي الدرجة األولى اعتمد في
قضائه بالتطليق على اشتداد الخصام والشقاق المستمر وانتهى إلى أن إضرار الزوج بزوجته
ثابت وبالتالي فإنه غير ملزم في هذه الحالة بإجراء التحكيم المنصوص عليه في المادة 56من
ق.أ التي تشترط عدم ثبوت الضرر( ."...المحكمة العليا ،ملف رقم 620084بتاريخ
،2011/04/14سبق اإلشارة إليه).
62
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
نصت المادة 450منق.إ.م.إ على" :يتأكد القاضي من إرادة الزوج في طلب الطالق ،ويأمر
باتخاذ كل التدابير التي يراها الزمة في ذلك .كما هو واضح فإن للقاضي سلطات واسعة في اتخاذ
التدابير المناسبة من أجل إيضاح األمور وأسباب النزاع وغيرها".
وفي المادة 451أكد على إمكانية اتخاذه كل التدابير التي يراها مالئمة ،السيما األمر
بالتحقيق أو بخبرة طبية أو االنتقال للمعاينة .وهي وسائل على سبيل المثال للتأكد من إرادة الزوج
في الطالق .فيمكن للقاضي األمر بخبرة طبية إلثبات العقم أحد الزوجين مثال ،أو استدعاء الشهود
إلثبات الشقاق ،ويمكنه أيضا اللّجوء إلى إجراء تحقيق في حالة الخالف بين الطرفين بخصوص
الدخول بالزوجة ،ليتضح أمر الدخول من عدمه وهو ما قررته المحكمة العليا في قرارها
بتاريخ(2021/02/2المحكمةالعليا ،غرفة شؤون االسرة والمواريث ،ملف رقم ،1431464
.)2021
ويجوز للقاضي الفصل على وجه االستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير
المؤقتة والسيما ما تعلق منها بالنفقة والحضانة والزيارة والسكن (المادة 57من ق.أ) .ويتخذ
القاضي ما يراه الزما من التدابير المؤقتة بموجب أمر غير قابل ألي طعن(المادة 442من
ق.إ.م.إ) .على أنه يجوز للقاضي في حالة ظهور واقعة جديدة ،وحسب الظرف ،أن يلغي أو يعدل
أو يتمم التدابير التي أمر بها ،ما لم يتم الفصل في الموضوع بأمر غير قابل ألي طعن (لمادة 445
من ق.إ.م.إ).
بعد متابعة مسار القضاء في تطبيق إجراءات الصلح وتقييم النصوص القانونية الناظمة له،
ال شك أن هناك آثار تترتب على ذلك تستدعي هي األخرى تقييما.
المبحث الثاني :تقييم اآلثار المترتبة على إجراء محاوالت الصلح وعدم إجرائها
إن قيام القاضي بمحاوالت الصلح من شأنه مؤسسة الزواج بالحيلولة دون تصدعها ،وسواء
نجح الصلح أم لم ينجح فإن القانون يرتب عليه آثارا (المطلب األول) وطبقا للقواعد سالفة الذكر
شك أن هناك آثار أخرى مهمة تترتب على عدم إجراء الصلح (المطلب وأمام وجوب الصلح ،فال ّ
الثاني).
يحرر محضر ّ سواء نجح الصلح بين الزوجين أم لم ينجح ،فإنه يقع على القاضي أن
الصلح قبل النطق بالحكم(الفرع األول) ،مما يستدعي دراسة ما يترتب على الصلح وفشله (الفرع
الثاني).
63
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
يحرر
جاء في نص المادة 443من ق.إ.م.إ" :يثبت الصلح بين الزوجين بموجب محضرّ ،
في الحال من أمين الضبط تحت إشراف القاضي.
يوقع المحضر من طرف القاضي وأمين الضبط والزوجين ويودع بأمانة الضبط.
في حالة عدم الصلح أو تخلف أحد الزوجين بالرغم من مهلة التفكير الممنوحة له ،يشرع
في مناقشة موضوع الدعوى".
من خالل النص ،يتبين أن القانون اشترط توقيع الزوجين القاضي وكاتب الضبط على
محضر الصلح ولم يخضع القانون محضر الصلح لشكل معين ،فيقتصر دوره على إثبات ما جرى
وما صرح به الزوجان دون أن يشمل رأي القاضي أو يعلّله ألنه ال يخضع لرقابة أي جهة قضائية
أعلى(بن هبري ،2015/2014 ،صفحة .)261
وطبقا للمادة 443منق.إم.إ يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا باإلضافة إلى الفقرة 6من
المادة 600من ذات القانون التي عددت السندات التنفيذية " :ال يجوز التنفيذ الجبري إال بسند
تنفيذي والسندات التنفيذية هي...:
وبالتالي فإن مهر محضر الصلح بالصيغة التنفيذية 601يجعله قابال للتنفيذ .لكن دعوى
الطالق تبقى قائمة ما دام لم يصدر حكم طبقا لقاعدة لكل دعوى حكم .وعليه ،يجب على القاضي أن
يصدر حكمه عالنية بانقضاء الدعوى بالصلح.
نصت عليه المادة 50منق.أ" :من راجع زوجه أثناء محاولة الصلح ال يحتاج إلى عقد
جديد ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطالق يحتاج إلى عقد جديد" .وعليه ،إذا تم الصلح بين
الزوجين تستأنف الحياة الزوجية دون إبرام عقد زواج جديد أما إذا تم حكم الطالق فيجب إبرام عقد
زواج جديد بين الطرفين لبداية حياة زوجية جديدة.
لكن ،هذا النص أثار العديد من النقاشات الفقهية ،فهناك من اعتبر مدة الصلح 3أشهر هي
نفسها مدة العدّة ،والمراجعة المذكورة في المادة 50هي رجعة من طالق رجعي طبقا ألحكام
64
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
الشريعة اإلسالمية التي تعتبر مصدرا ماديا لقانون األسرة ومصدر رسمي احتياطي له وأن الثابت
الذي ال يحتاج إلى دليل هو أن المراجعة أثر من آثار الطالق أو أنها ال تثار إال إذا كان هناك طالق
فحسب رأي أول أن هذه المادة تناولت مسألة المراجعة .والرجعة والمقصودة في المادة 50سواء
المراجعة التي تكون قبل صدور الحكم أو بعد صدوره هي التي تكون بعد الطالق غاية ما في األمر
أن واضع القانون قدر أن العدة في الغالب تكون لم تنتهي أثناء فترة الصلح والطالق يكون رجعي
بما يمكن المراجعة دون عقد جديد في حين بعد صدور الحكم فالغالب أن العدة تكون انتهت وأن
الطالق يكون بائنا بما يقتضي عقدا جديدا(عالل ،2017 ،صفحة .)275
لكن تطبيق ذلك يتطلب أن يرفع الزوج دعوى الطالق في نفس اليوم الذي يتلفظ فيه
بالطالق وهذا ال يتحقق في كل األحوال ،فلو تم الصلح في الفترة بعد تلفظ الزوج بالطالق بما
يتجاوز ثالثة قروء بالنسبة لغير اليائس من المحيض و 3أشهر بالنسبة لليائس من المحيض كأن
يطلقها ثم بعد ثالثة أشهر يرفع دعوى طالق وبعد شهرين يصلح بينهما القاضي ،فهنا شرعا قد
بانت من زوجها بينونة صغرى ،لذلك ال يمكن اعتبار مدة الصلح بمثابة الرجعة ألنه ناذرا ما يرفع
أحد الزوجين دعوى الطالق مباشرة بعد التلفظ بالطالق ،وإذا حدث فهو من قبيل الشاذ والناذر
الذي ال يقاس عليه(نعوم ،2013 ،صفحة .)24
وال أد ّل على صحة هذا الرأي األخير ،استعمال المشرع لمصطلح "مراجعتها" بعقد جديد
حتى بعد صدور حكم الطالق (المادة 50من ق.أ) ألن الرجعة ال تكون في الطالق البائن ،وحكم
الطالق في القانون الجزائري بائن في كل األحوال .فلو كان قصد المشرع "الرجعة" الكتفى
باستعمالها بداية أثناء مدة الصلح وأسقطها في العقد الجديد بعد الطالق.
رغم ذلك ،فإن الطالق اللّفظي الذي يقع خارج مرفق القضاء يفتح العديد من اإلشكاالت،
فالمشرع نص على ثالثة أشهر لمحاوالت الصلح من يوم رفع دعوى الطالق متجاهال إمكانية
انتهاء العدة الشرعية أثناء محاوالت الصلح أو حتى قبل رفع الدعوى وهو ما يجعل أحكام الرجعة
غير مالئمة خالل فترة الصلح،وهنا يبقى دور القاضي االيجابي خالل أول جلسة للصلح يستعلم من
الزوجان إن تم الطالق لفظا والمدة بين التلفظ وجلسة الصلح،فمتى انقضت مدة العدة الشرعية يحكم
بالطالق مباشرة دون أن يحاول الصلح بينهما.
هذا عن نجاح الصلح ،لكن إذا فشل القاضي في اإلصالح بين الزوجين فيترتب على ذلك
وجوب تحرير محضر عدم الصلح يبين فيه مساعيه لإلصالح بين الزوجين ويوقع من طرف
القاضي والزوجين وكاتب الضبط ثم يحيل الطرفان إلى مناقشة الموضوع وينطق بحكم الطالق في
جلسة علنية ،ويبين في حكمه عدد جلسات الصلح التي قام بها وتاريخ كل جلسة وموقف الزوج
والزوجة من الصلح.
65
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
المطلب الثاني :أثر تخلف محاوالت الصلح على الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجية
إن إلزامية محاوالت الصلح جعلت تخلفها يشكل وجها من أوجه الطعن بالنقض (الفرعّ
األول) ،إال أن نقض حكم الطالق يؤدي إلى إبطاله مما يترتب عليه آثار على األسرة (الفرع
الثاني).
الفرع األول :الطعن بالنقض في الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجية لتخلف إجراء الصلح
إن األحكام الصادرة بالطالق باإلرادة المنفردة للزوج أو بطلب من الزوجة أو بالتراضي، ّ
هي أحكام ابتدائية نهائية في شقها القاضي بفك الرابطة الزوجية ،على أنه يمكن الطعن باالستئناف
في توابع الطالق المالية والحضانة(المادة 57من ق.أ).
فك الرابطة الزوجية ،لكن بالرجوع إلى قانونإذن ال يمكن االستئناف في الشق الفاصل في ّ
اإلجراءات المدنية واإلدارية نص على إمكانية الطعن بالنقض مباشرة أمام المحكمة العليا متى
توفرت أحد األوجه التي نصت عليها المادة 358من ق.إ.م.إ .وال يكون للطعن بالنقض أثر موقف
فيما نصت عليه المادة " :452ال يوقف الطعن بالنقض تنفيذ أحكام الطالق المنصوص عليها في
المواد 450و 451أعاله ،فيقيد الحكم في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة طبقا لما نصت
عليه المادة 3/49ق.أ وينفذ الحكم بصفة عادية ولو تم الطعن فيه بالنقض.
وفي قرارات المحكمة العليا نميز بين حالتين في شأن أحكام الطالق ،فهو إما رفض الطعن
وتأييد الحكم وال إشكال يثور هنا ،يبقى الزوجان مطلقان ،وإما قبول الطعن وإبطال حكم الطالق
وإعادة الزوجان أمام نفس الجهة التي أصدرت الحكم للنظر فيها من جديد(المحكمةالعليا ،غرفة
االحوال الشخصية ،ملف رقم ،75141بتاريخ ،1993 ،1991/06/18صفحة )65أو يتم النقض
دون إحالة(قرار للمحكمة العليا بتاريخ 2020/01/08سبق اإلشارة إليه) وكان غياب محاوالت
الصلح قبل الحكم بالطالق أحد أهم أسباب إبطال العديد من األحكام القضائية من طرف المحكمة
العليا ،فيكون النقض باإلحالة أو دون إحالة.
بعد صدور قرار المحكمة العليا بنقض حكم الطالق ،يصبح الحكم وكأنه لم يكن ،فيرجع
الزوج والزوجة إلى حالتهما قبل الطالق ،أي متزوجين ،وهذا ما يتعارض مع عديد من األحكام
الشرعية ولقانونية.
فالطالق شرعا وقانونا يرتب آثاره فور صدوره ،فيبدأ احتساب مدة العدة ،وتنفذ النفقة وكل
ما يتعلق بالحضانة وغيرها .لكن الطعن بالنقض سيعطل كل ذلك وهو ما يضعنا أمام حاالت
يستحيل أن يستوعبها القانون.
66
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
ونبدأ بالعدة ،نصت المادة 58منق.أ على أنه" :تعتد المطلقة المدخول بها غير الحامل
بثالثة قروء واليائس من المحيض بثالثة أشهر من تاريخ التصريح بالطالق .".ثم أضافت المادة
60عدة الحامل بوضع حملها.
إذن ،بداية احتساب العدّة يكون من تاريخ النطق بحكم الطالق ،وهو طالق بائن في قانون
األسرة الذي ال يعترف بالطالق الرجعي .وعند انتهاء العدة يمكن للمرأة أن تتزوج .السيما أن
المادة 452من ق.إ.م.إ .نصت على أن الطعن بالنقض ليس له أثر موقف لحكم الطالق.
فإذا تم الطعن في الحكم القاضي بفك الرابطة الزوجة بأن أغفل محاوالت الصلح مثال،
فقضت المحكمة العليا بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة األطراف إلى نفس الجهة التي أصدرت
الحكم وإلى حين ردّ المحكمة العليا تكون العدة قد انقضت والمرأة ربما تزوجت من رجل آخر .ألن
أجل الطعن بالنقض هو شهرين طبقا للمادة 354ق.إ.م.إ،وإلى حين إصدار القرار من المحكمة
العليا تكون المدة كافية النقضاء العدة.
وهنا تختلط وتهتز المراكز القانونية ،فيعتبران متزوجان بعد أن كانا مطلقان ،وتزداد األمور
تعقيدا إذا تزوجت المطلقة من رجل آخر فهمنا تجد نفسها متزوجة من رجلين.وإن لم تتزوج
المطلقة وقضي ببطالن الطالق ،فهي أجنبية عن طليقها وال يمكن أن يراجعها إال بعقد جديد.
ثم إن ،إبطال حكم الطالق يجعل أحكام النسب عاجزة عن استيعاب اعتبار المرأة متزوجة
من رجل بعد طالقها وفي نفس الوقت زوجة لرجل آلخر طلقها من قبل فابن من فيهم الولد الذي
ستنجبه؟ فبطالن الحكم يتنافى مع أحكام النسب والعدة وأحكام الزواج والطالق بصفة عامة .كما أن
أحكام الميراث تتنافى مع بطالن الطالق ،فيما إذا توفي أحدهما وهما مطلقان بعد انقضاء العدّة
فيبطل الطالق ويبقى الزواج ساريا فيقع التوارث بينهما.
فكان على المشرع النص على أن حكم الطالق ينفذ حاال ،وال يمكن الطعن فيه بأي طريق
كان ،وأن تخلف محاوالت الصلح يرتب عقوبات تأديبية على القاضي وليس على الزوجين ألنها
ملزمة للقاضي في عمله.
خاتمة
إن حماية مؤسسة الزواج من التصدع يقتضي تفعيل الطرق البديلة لحل النزاعات على
الس احة القضائية ،والمشرع الجزائري اهتم بمحاوالت الصلح كإجراء سابق على الحكم بالطالق
حماية لألسرة والمجتمع ،ورغم تفصيله في قانون اإلجراءات المدنية إال أن التطبيق الفعلي لهذه
النصوص كشف عن نقائص وعيوب في الصياغة .وعلى العموم من خالل هذه الدراسة تم التوصل
إلى النتائج اآلتية:
67
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
محاوالت الصلح وجوبية وتتم في جلسة سرية على أالّ تتجاوز مدة ثالثة أشهر من يوم •
رفع الدعوى.
قبل مباشرة إجراءات الصلح ،على القاضي أن يتأكد من وجود دعوى طالق وفقا •
لألشكال القانونية ،مع وجوب حضور الزوجين شخصيا السيما رافع الدعوى تحت
طائلة عدم قبول الدعوى.
منح القانون لقاضي شؤون األسرة دورا إيجابيا أثناء محاوالت الصلح ،فيسعى إلى •
اإلصالح بين الزوجين ،ويمكنه اتخاذ التدابير الضرورية أثناء ذلك كما يمكنه الفصل
على وجه االستعجال بموجب أمر على عريضة في جميع التدابير المؤقتة والسيما ما
تعلق منها بالنفقة والحضانة وما يترتب عنها بموجب أمر غير قابل ألي طعن.
يترتب على نجاح محاولة الصلح تحرير محضر الصلح الذي يوقع من طرف القاضي •
والزوجين وأمين الضبط ،ويعتبر سندا تنفيذيا ،ثم يصدر حكمه بانقضاء الدعوى
يحرر القاضي محضرا بذلك ويشرع في مناقشة ّ بالصلح .وفي حالة عدم الصلح
الدعوى ويصدر حكمه بالطالق.
فك الرابطة الزوجية ال يمكن االستئنافحكم الطالق ابتدائي نهائي في شقه الفاصل في ّ •
أن القانون نص على إمكانية الطعن بالنقض فيه ،وتخلف محاوالت الصلح فيه غير ّ
مخالفة للقانون مما يجعلها وجها سديدا للطعن بالنقض وصدرت عدة قرارات بنقض
وبطالن ألحكام الطالق التي ال تسبقها محاوالت للصلح.
الطعن بالنقض في حكم الطالق ال يخدم مصلحة األسرة ،بل إنه يهدد استقرارها، •
ويتعارض مع كثير من األحكام القانونية والشرعية للطالق.
ثم ،إن البحث في هذا الموضوع نظريا وتطبيقيا ،أبان عن بعض النقائص التشريعية ،لذلك
يمكن اقتراح ما يلي:
• إن الطابع الخاص لمنازعات األسرة يتطلب جهودا وقائية وتعزيز العمل بالطرق
البديلة لحل النزاعات وتوسيع نطاقها.
• تعديل المادة 49بما يوافق أحكام الشريعة اإلسالمية ،واالعتراف بالطالق الرجعي
وتنظيم أحكامه منفصال عن أنواع الطالق األخرى.
صت على جواز اللّجوء• تعديل المادة 446بما يتماشى مع المادة 56من ق.أ فاألولى ن ّ
إلى الحكمين والثانية نصت على وجوب تعيين حكمين إذا لم يثبت الضرر ،فارتفاع
حاالت الطالق وكثرة القضايا تقتضي تفعيل مؤسسة التحكيم وال يتم ذلك إال بفرض
وجوبها.
• إلغاء إمكانية الطعن بالنقض في أحكام الطالق ،والنص على عقوبات تأديبية للقاضي
الذي ال يقوم بمحاوالت الصلح.
68
مجلة استراتيجيات ضمان الجودة
القرآن الكريم
.3مقفولجي عبد العزيز ،شروط قبول الدعوى ،مجلة البحوث والدراسات القانونية
والسياسية ،2013،مجلد ،3ع.2
.4نعوم مراد ،من معوقات الممارسة القضائية في التشريع اإلجرائي األسري ،األكاديمية
للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،جوان ،2013ع.10
69