You are on page 1of 16

‫مؤسسة قاضي األسرة‬

‫يمكن القول بأن أنجع وسيلة لضمان الحقوق المالية للمرأة المنجرة عن الزواج هي في ضمان‬
‫استم اررية واستقرار األسرة‪ ،‬وتقتضي هاته استم اررية بدورها تأمين العيش الكريم والذي ال يتحقق‬
‫إال بتوفر التوازن المادي والمعنوي للمرأة وهو األمر الذي جعل المشرع التونسي يتدخل إلحداث‬
‫خلية على صعيد كل محكمة أسرة تعنى بتسوية الخالفات األسرية ممثلة أساسا في مؤسسة‬
‫قاضي األسرة‪ 1‬كمؤسسة مختصة بالنظر في قضايا الطالق وآثارها المادية والشخصية‬
‫ويكمن الطابع المؤسساتي لهذه األحكام في تدخل الدولة مباشرة في حماية األسرة‪.‬‬

‫والحقيقة أن هذا االتجاه التشريعي يبرهن على مدى االهتمام المتواصل باألسرة عموما وبالمرأة‬
‫خاصة وضرورة تخصيصها بهيكل قضائي كمحاولة لتطويق النزاعات الزوجية قدر اإلمكان‬
‫وتأمين األسرة من خطورة المشاكل التي يمكن أن تحيط بها وتصل بها إلى االنهيار‪.‬‬

‫وحرصا على إضفاء أكبر قدر من النجاعة على محاولة إنقاذ األسرة وضمان استم ارريتها حتى‬
‫بعد انحالل الرابطة الزوجية والحفاظ على حقوق أفرادها عامة والمرأة خاصة والتي من بينها‬
‫الحقوق ذات الصبغة المعاشية والتي تكفل لها مستوى عيش ال يقل عما اعتادت عليه في ظل‬
‫قائم الحياة الزوجية‪ ،‬فقد أسند المشرع التونسي لقاضي األسرة بوصفه قاض متخصص من ذوي‬
‫الخبرة‪ 2‬مهّم ة النظر فيما يترتب عن الطالق من حقوق مالية أثناء قيامه بالجلسات الصلحية‬
‫والتي ال تكون إال بعد تسليط رقابته على إجراءات تبليغ الدعوى و ذلك ضمانا النعقادها بعلم‬
‫الطرف المدعى عليه حتى يتمكن من المطالبة بحقوقه‪ ,‬بل أكثر من ذلك فإن صالحيات‬

‫‪1‬‬
‫تم إحداث مؤسسة قاضي األسرة بمقتضى القانون عدد ‪ 74‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪ 1993‬المنقح للفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪.‬‬
‫والمالحظ أن مؤسسة قاضي األسرة ال تعتبر إجراء جديدا على قانوننا الوضعي ذلك أنه قبل تنقيح ‪ 12‬جويلية ‪ 1993‬لم يكن الحديث عن قاضي األسرة‬
‫إو نما عن القاضي الصلحي نظ ار لطبيعة اإلجراء الذي يقوم به والمتمثل في محاولة إصالح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين بما يعتبر معه في‬
‫الحقيقة وريثا للقاضي الصلحي مع تغيير التسمية إو ضافة اختصاصات جديدة أسندت إليه إلى جانب االختصاصات التي كان يتمتع بها القاضي‬
‫الصلحي‪.‬‬
‫ولو ألقينا نظرة على القانون المقارن لوجدنا أن عدة دول تبنت هذه المؤسسة إو ن كانت التسمية تختلف من دولة إلى أخرى‪ ،‬فمثال في فرنسا وقع‬
‫التنصيص على مؤسسة قاضي الشؤون العائلية ألول مرة ضمن القانون عدد ‪ 22‬المؤرخ في ‪ 8‬جانفي ‪ 1993‬الذي نقح بعض الفصول من المجلة‬
‫المدنية الفرنسية من بينها أحكام العائلة‪ ،‬إذ قبل هذا التنقيح كان يطلق على هذه المؤسسة اسم قاضي الشؤون الزوجية‪.‬‬
‫فضيلة بورقيبة ‪ :‬قاضي األسرة من خالل مجلة األحوال الشخصية‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء‪ ،‬السنة القضائية ‪ ، 96/95‬ص‪.9‬‬
‫‪Le juge aux affaires familiales : loi n°93-22 du 08-01-1993, édition Dalloz 1995.‬‬
‫‪2‬‬
‫قاضي األسرة يتم اختياره من بين وكالء رئيس المحكمة االبتدائية يكون من قضاة الرتبة الثانية والذي ال تقل أقدميته في الممارسة الفعلية للقضاء عن‬
‫عشر سنوات والذي اكتسب من الخبرة والمران ما أهله إلى أن يعين من قبل المجلس األعلى للقضاء في خطة وكيل رئيس محكمة ابتدائية‪ ،‬يراجع األمر‬
‫المؤرخ في ‪ 27‬ماي ‪ 1996‬المتعلق بتنقيح إو تمام األمر عدد ‪ 436‬لسنة ‪ 1973‬المتعلق بضبط الوظائف التي يمارسها القضاة من الصنف العدلي‪.‬‬
‫قاضي األسرة قد عرفت تطو ار ملحوظا وذلك من خالل تسليط رقابته على حقوق الزوجة‬
‫واألبناء حتى قبل تعهد المحكمة بقضية في الطالق لهدف حمايتهم‪.‬‬

‫وتندرج مؤسسة قاضي األسرة ضمن المؤسسات البديلة لفض النزاعات األسرية التي سعى‬
‫المشرع لتكرسها باعتبار أن الهدف األسمى والذي يرنو إليه المشرع من وراء تكريس الحقوق‬
‫المالية هي الحفاظ على األسرة حتى بعد انحالل الرابطة الزوجية‪ ،‬وكان هذا التفعيل أوال على‬
‫مستوى تطوير مؤسسة قاضي األسرة وتفعيل دوره الصلحي خالل عقد الجلسات الصلحية أو‬
‫البت في الق اررات الفورية إضافة إلى دوره الحمائي الموكول له بموجب القانون األساسي‬
‫المستحدث والمتعلق بالعنف ضد المرأة‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الدور الصلحي لقاضي األسرة‪:‬‬

‫إلى جانب الدور اإلجرائي المتمثل في مراقبة إجراءات اعالم المطلوب يضطلع قاضي األسرة‬
‫بالدور الموضوعي المتعلق بإصالح ذات البين بين الزوجين في إطار الجلسات الصلحية (‪)1‬‬
‫والتي يتخذ خاللها جملة من الق اررات الفورية يتعلق البعض منها بالحقوق المالية المنجرة عن‬
‫الطالق (‪.)2‬‬

‫دور قاضي األسرة في المحاولة الصلحية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫قد يكون السبيل األفضل لتمتع المرأة بكامل حقوقها المالية الزوجية تمر عبر قاضي األسرة‬
‫كوسيلة بديلة لفض النزاعات االسرية في اطار ممارسته لمهامه التوفيقية المتجسدة في الفقرة‬
‫األولى من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪ ,‬والتي كانت تقنينا لفقه قضاء محكمة التعقيب ومحاكم‬
‫األصل في تعاملها الواسع مع قضايا الطالق بدليل ما ورد بأحد األحكام القضائية منذ زمن‬
‫طويل من أنه "يتمثل بذل الوسع في إصالح ذات البين بين الزوجين في سماع القاضي‬
‫للزوجين ودعوتهما لتجاوز الخالف حتى أنه ال يعتد بالطالق بدون أن يبذل الحاكم ما في‬
‫وسعه في البحث عن أسباب الشقاق بين الزوجين ويعجز عن إصالحه"‪.3‬‬

‫وقد تتوفر مثل تلك الظروف المشجعة على الصلح في الجلسة المكتبية التي تعقد بصورة مغلقة‬
‫والتي ال يحضرها غير الزوجين المتداعيين وقاضي األسرة المكلف بمصالحتهما والذي يجب أن‬
‫يكون مقتنعا بدوره ومتحفز للنجاح في مهمته‪ ،‬وال ينتظر أن يكون الحوار الذي يدعى قاضي‬

‫‪3‬‬
‫قرار استئنافي مدني صادر عن محكمة االستئناف بتونس تحت عدد ‪ 16683‬بتاريخ ‪ 16‬جويلية ‪ 1957‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد‪ 1‬لسنة ‪ ،1959‬ص‪.52‬‬
‫األسرة إلى إقامته بين الزوجين بإشرافه مجديا إال إذا كان حوا ار مباش ار وصريحا دون مؤثرات‬
‫خارجية قد تكون تضع الزوجين في احراج وتعمق المشكل وتساهم سلبا في إيجاد الحلول بما‬
‫يفضي في النهاية إلى جنوح كل طرف إلى التشبث بموقفه في مواجهة الطرف اآلخر وعدم‬
‫التوصل إلى إيقاع الصلح بينهما‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار جرى التطبيق العملي على عقد الجلسة الصلحية بحضور الزوجين فقط دون‬
‫حضور أي من محامي الطرفين واضطالع القاضي المشرف على الجلسة الصلحية بمهمة‬
‫تحرير محضر الجلسة بنفسه ودون االستعانة في ذلك بخدمات كاتب المحكمة‪.4‬‬

‫وهو ما أكدته محكمة التعقيب في العديد من ق ارراتها حيث اعتبرت أن "الجلسة الصلحية‬
‫أوجبتها أحكام الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش ال يمكن أن يحضرها وكيل نيابة عن أحد الزوجين‪ ،‬بل‬
‫ال بد أن يشهدها الطرفان أنفسهما وبوجه أخص القائم بالدعوى المطالب بالطالق"‪.5‬‬

‫هذا فضال عما في ذلك من "أنسنة" للقضاء إذ أن القاضي‪ ،‬إذا ما توفر له الوقت والتكوين‬
‫الالزمان فإنه سوف لن ينظر إلى دعاوى الطالق كملفات جامدة ذات أرقام باهتة‪ ،‬بل إنه‬
‫سينظر إلى ما وراء هذه الدعاوى وسيحاول جاهدا استغالل الطور الصلحي خاصة التصاله‬
‫شخصيا بالمتقاضين بطريقة مباشرة‪ ،‬إليجاد حل ودي بين الطرفين‪ ،‬ويعيد الوئام إلى أسرتهما‬
‫ويحفظها من االندثار‪.6‬‬

‫أما اذا تعلق األمر بأبناء القصر فأن الجهد يتضاعف من قبل قاضي األسرة الذي يكون ملزما‬
‫بإعادة الجلسة الصلحية ثالث مرات مع احترام التباعد الزمني بين الجلسة واألخرى‪ 7‬طبقا‬

‫‪4‬‬
‫تتخذ بعض القوانين المقارنة موقفا وسطا حيال هذه المسألة من ذلك القانون المدني الفرنسي الذي نص في الفصل ‪ 52‬من المجلة المدنية الفرنسية أن‬
‫" القاضي عندما يسعى الى مصالحة الزوجين يجتمع شخصيا بكل واحد منهما على انفراد قبل أن يجتمع بهما معا ثم يدعو إذا ما طلب الزوجان ذلك‬
‫محامييهما للحضور والمشاركة في الحوار"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 8278‬المؤرخ في ‪ 14‬فيفري ‪ ،1971‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد‪ 2‬لسنة ‪ ،1972‬ص ‪ 55‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫نورة السوداني‪ :‬م‪.‬س ص ‪.108‬‬
‫سفيان البرجي‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.123-122‬‬
‫‪7‬‬
‫إن وجوب مراعاة التباعد الزمني الذي ضبطه القانون بين الجلسة والجلسة يعتبر من اإلجراءات األساسية التي تهم النظام العام العائلي لذلك يتعين‬
‫على المحكمة مراعاتها والتقيد بها في كل الحاالت ويتعين إثارة اخالل بها من تلقاء نفسها دون حاجة النتظار إثارتها من أي من أحد الخصوم وذلك في‬
‫أي طور من أطوار التقاضي ولو ألول مرة أمام محكمة التعقيب‪ ،‬يراجع في ذلك القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 7013‬المؤرخ في ‪ 7‬جوان ‪،2001‬‬
‫ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ ،2001‬قسم مدني‪ ،‬جزء ‪ 2‬ص ‪.40‬‬
‫وقد أوجب المشرع الفرنسي على قاضي الشؤون العائلية في كل أنواع الطالق سواء وجد قاصر أم لم يوجد أن يمتع الزوجين بهذا األجل وهو ما يسمى‬
‫‪ délais de réflexion‬وهو ما اقتضاه الفصل ‪ 250‬من المجلة المدنية الفرنسية في الفقرة األولى منه‪:‬‬
‫‪L'imposition du délai de réflexion, et même d'un sursis pouvant 'aller jusqu'à six mois ".‬‬
‫ألحكام الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش إو ال كان حكم الطالق في صورة صدوره باطال‬
‫وعرضة بالتالي للنقض‪.8‬‬

‫ومن ذلك المنطلق فإن المحاكم التونسية ال يمكنها أن تكسي األحكام األجنبية الصادرة في مادة‬
‫الطالق بالصيغة التنفيذية إذا لم تكن مسبوقة بمحاولة إصالح ذات البين بين الزوجين أو على‬
‫األقل بما يثبت سعي المحكمة التي أصدرته إجراء تلك المحاولة وهو األمر الذي أكدته محكمة‬
‫التعقيب التونسية عندما اعتبرت أنه "طالما لم يثبت أن الحكم الشخصي المراد إكساءه بالصيغة‬
‫التنفيذية قد احترم مبدأ المواجهة بين الخصوم أو ضمن سعي الهيئة التي أصدرته إلى إجراء‬
‫الصلح بين الطرفين فإنه أضحى متعارضا مع المبادئ األساسية التي يقوم عليها القانون‬
‫التونسي في مادة األحوال الشخصية وهي تهم النظام العام وال يمكن التغاضي عنها"‪.9‬‬

‫إن الجدوى من تعداد الجلسة الصلحية من شأنه أن يمكن الزوجين من التفكير مليا وبصفة‬
‫جدية في وضعهما ومحاولة إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة بينهما أو تجاوزها إن أمكن ذلك‬
‫إو عادة ترميم هذا التصدع الزوجي واستئناف حياتهما‪ .‬وهذا يعد دليل على ما يوليه المشرع‬
‫التونسي من عناية للمرأة ولألبناء ووجوب تربيتهم في ظل عائلة ملتحمة ومتماسكة‪ 10‬ذلك أن‬
‫تفكك العائلة له آثار سلبية بصورة مباشرة على الزوجين واألبناء وعلى المجتمع‪.‬‬

‫ونظ ار إلى أن الصلح هو غاية المشرع المنشودة طوال إجراءات دعوى الطالق‪ 11‬فقد أواله أهمية‬
‫بالغة حتى بعد فشل الجلسات الصلحية فأحدث فترة التأمل القانوني والتي تدوم شهرين قبل‬
‫طور المرافعة‪. 12‬‬

‫ولعل نية المشرع في ذلك تكمن أوال في إخضاع قضية الطالق لمبدأ توفير الضمانات ألفراد‬
‫األسرة أكثر من إخضاعها لمبدأ سرعة الفصل‪ ،‬وثانيا في مراعاة مصلحة األبناء في تواصل‬
‫عيشهم مع والديهم إلى جانب حرصه على توفير الضمانات الكافية عند إيقاع الطالق ‪.13‬‬

‫‪8‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 63383‬المؤرخ في ‪ 18‬ماي ‪ ،1998‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد‪ 7‬لسنة ‪ ،1999‬ص ‪.103‬‬
‫‪9‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1230‬المؤرخ في ‪ 29‬سبتمبر ‪ ،2005‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ ،2005‬القسم المدني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.413‬‬
‫‪10‬‬
‫نورة السوداني‪ :‬اإلجراءات الجديدة في مادة الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪11‬‬
‫مع اإلشارة إلى أن الصلح يمكن أن يتم في أي طو ار من أطوار التقاضي وذلك بالنظر إلى "طبيعة النزاعات األسرية ومادة الطالق التي يقدم فيها‬
‫الصلح حفاظا على الرابطة الزوجية ومؤسسة األسرة"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عـدد‪ 40249‬مؤرخ في ‪ ،2016-11-16‬غیر منشور‬
‫‪12‬‬
‫الفقرة الثامنة من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫سفيان البرجي‪ :‬إجراءات التقاضي في مادة الطالق من خالل تنقيح مجلة األحوال الشخصية في ‪ ،1993-07-12‬رسالة تخرج من المعهد األعلى‬
‫للقضاء‪ ،‬السنة القضائية ‪ ،1995-1994‬ص ‪.147-139‬‬
‫اال أن تكرار الجلسات الصلحية لمدة ثالثة أشهر إضافة إلى شهرين للتأمل القانوني قبل طور‬
‫المرافعة من شأنه إجهاد قاضي األسرة إو ضاعة الوقت ومضاعفة التوتر بين األزواج‪ 14‬إذا كانا‬
‫مصممين على إيقاع الطالق وهو ما يتجه معه التقليص من المدة الفاصلة بين الشروع في‬
‫المصالحة والفصل في القضية أو منح قاضي األسرة أكثر حرية في التصرف‪ 15‬بحسب الحالة‬
‫حتى ال يصبح رهين إجراءات مطولة دون موجب في بعض الحاالت‪.‬‬

‫وفي صورة نجاح الجلسة الصلحية تحال القضية على الدائرة الحكمية بتركيبتها الثالثية لتقضي‬
‫بطرحها أما في صورة فشلها رغم الجهود المبذولة‪ ،‬فإن المشرع أوكل لقاضي األسرة دو ار تقريريا‬
‫يتمثل في اتخاذ الق اررات الفورية‪.‬‬

‫دور قاضي األسرة في اتخاذ الق اررات الفورية‬ ‫‪-2‬‬

‫تتجلى اإلطالقية المخولة لقاضي األسرة في الق اررات المتعلقة بقضايا الطالق من خالل الفقرة‬
‫الرابعة من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش والذي جاء ينص أن "على قاضي األسرة أن يتخذ ولو بدون‬
‫طلب جميع الق اررات الفورية الخاصة بسكنى الزوجين وبالنفقة وبالحضانة وبزيارة المحضون‬
‫ويمكن للطرفين أن يتفقا صراحة على تركها كال أو بعضا ما لم تتعارض مصلحة األبناء‬
‫القصر"‪.‬‬

‫ويؤخذ من هذا الفصل أن اتخاذ قاضي األسرة للق اررات الفورية تعتبر مسألة متعلقة بالنظام العام‬
‫تأسيسا على أن قاضي األسرة ملزم بإثارة هذه المسألة من تلقاء نفسه لتقرير حقوق المفارق‬
‫واألبناء في الحضانة والسكنى والنفقة‪ 16‬حتى في صورة عدم إثارتها من طرفي النزاع‪ ،‬وهي‬
‫ق اررات فورية متأكدة لتأكد تنفيذها بشكل عاجل ألنه يتوقف عليها استقرار الوضعية المادية‬
‫للمرأة واألبناء القصر‪.‬‬

‫لكن كيف نجعل من هذه المسائل من متعلقات النظام العام التي يطالب القاضي بإثارتها ولو‬
‫من تلقاء نفسه ثم نسمح في ذات الوقت باالتفاق على مخالفتها؟‬

‫ففي ذلك تناقض ومخالفة واضحة للقواعد األصولية المعمول بها في التشريع والقضاء‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ :‬دور قاضي األسرة في قضايا الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪15‬‬
‫ثريا بن سعد‪ :‬آثار الطالق بين التشريع والواقع المجتمعي‪ ،‬تونس أنموذجا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪16‬‬
‫المالحظ بخصوص النفقة أنها متى ارتبطت بدعوى الطالق تكون من أنظار قاضي األسرة الذي يتخذها والئيا في الق اررات الفورية وهي استثناء‬
‫للقاعدة العامة الواردة بالفصل ‪ 39‬من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي يسند اختصاص النظر فيها حصريا لقاضي الناحية‪ .‬وعبارة النفقة في هذا‬
‫المجال جاءت مطلقة فهي تشمل نفقة الزوجة ونفقة األبناء‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى األهمية المصيرية لمثل هذه الق اررات وهو األمر الذي جعل المشرع عند‬
‫تنصيصه على الفقرة الخامسة من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش يعتبر الق اررات الفورية المتعلقة بها‬
‫ق اررات تنفذ على المسودة‪" 17‬لتكون من قبيل استعجال االستعجالي بامتياز"‪ ،18‬أي دون انتظار‬
‫رقنها واستخراج نسخة تنفيذية منها ذلك أن طول اإلجراءات سوف يفرغ هذه الق اررات من‬
‫محتواها ويخرجها عن طبيعتها القانونية‪ ،‬فالمقصود منها هو تأطير الفترة اإلجرائية قبل صدور‬
‫الحكم في الطالق الذي بدوره سيشير إلى إقرار الوسيلة الوقتية أو التراجع فيها‪ .‬فالتنفيذ على‬
‫المسودة هو ميزة من ميزات القضاء االستعجالي في المادة المدنية بصفة عامة يعكس صبغة‬
‫التأكيد والفورية للقرار‪.‬‬

‫وتتلخص إجراءات تنفيذ هذه الق اررات بحصول المعني باألمر بنفسه أو بواسطة محاميه على‬
‫نسخة قانونية من محضر الجلسة المتضمن للق اررات الفورية وينفذها بواسطة أحد عدول التنفيذ‬
‫مطبقا عليها قواعد اإلجراءات العامة‪ ،‬إذ اعتبرت محكمة التعقيب أن "الق اررات الصادرة عن‬
‫القاضي الصلحي في قضايا الطالق بخصوص الوسائل المتأكدة التي منها الحضانة وزيارة‬
‫المحضون إو ن كانت قابلة للمراجعة عند البت في أصل دعوى الطالق إال أن المشرع لم يميزها‬
‫عن سائر األحكام والق اررات من حيث قابليتها للتنفيذ وفقا لقواعد اإلجراءات"‪. 19‬‬

‫ويعتبر إخراج الق اررات الفورية من دائرة الطعن بأي وجه من الوجوه في طريقه طالما أنها عادة‬
‫ما تكون من أجزاء حكم الطالق الذي يخضع لالستئناف والتعقيب كما يجد تبريره في مسألتين‪:‬‬

‫تتمثل األولى في الصبغة االستعجالية للق اررات الفورية من حيث التنفيذ والموضوع باعتبارها‬
‫تنظم مسائل متأكدة خاصة منها التي تتعلق بالحقوق المادية للمرأة والطفل والتي تكتسي صبغة‬
‫معاشية كالنفقة التي ال تحتمل انتظار صدور حكم بات بالتنفيذ‪ ،‬أما الثانية فتتمثل في إمكانية‬
‫توافق الطرفين واتفاقهما أو باألحرى تصالحهما على محتوى الق اررات الفورية وذلك باالقتصار‬
‫على بعضها أو كلها مع تحديد مداها ومقدارها بالنسبة إلى النفقة مثال أو التنازل عنها حيث ال‬
‫يعتبر مثل هذا االتفاق بمثابة الصلح الحاسم للنزاع فيما يخص تنظيم المسائل المتعلقة بالسكن‬
‫‪20‬‬
‫والحضانة والنفقة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 30341‬مؤرخ في ‪ 2‬مارس ‪ ,1993‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،1993 ،‬قسم مدني‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫‪18‬‬
‫عماد نشبة‪ :‬قاضي األسرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪19‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 3926‬مؤرخ في ‪ ،1980/03/31‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ ،1980‬قسم القانون المدني الجزء ‪ 1‬ص ‪.109‬‬
‫لكن هذه الق اررات الفورية تقبل المراجعة من طرف قاضي األسرة بشكل يجعلها تتالءم خاصة‬
‫مع مصلحة األبناء وظروف األبوين خصوصا وأنها ق اررات ظرفية لما تعكسه من أهمية على‬
‫حياة الزوجة المفارقة وأبنائها خاصة وتضمن لهم ولو بصفة وقتية حقوقهم المادية إلى أن يتم‬
‫تضمين محتواها بالحكم الصادر بالطالق‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار نالحظ أن الطرف الذي لم يطلب المراجعة ال يمكنه االحتجاج بعدم العلم‬
‫بقرار المراجعة خاصة عندما يقضي‪ 21‬بالتعديل باعتبار وأن طلب المراجعة يبقى ممكنا طالما‬
‫لم يصدر الحكم في األصل وهو الزمن القانوني الذي حدده المشرع ضمن أحكام الفقرة السابعة‬
‫من الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪.22‬‬

‫فبصدور الحكم في األصل تصبح هذه الق اررات غير قابلة للمراجعة ألنها أصبحت جزءا من‬
‫الحكم الصادر في األصل الذي يمكن أن يكون موضوع طعن بالوسائل العادية وغير العادية‪،‬‬
‫على أنه تجدر المالحظة وأنه في صورة صدور حكم البداية دون النظر في مطلب المراجعة‬
‫المقدم قبل صدور الحكم فقد استقر فقه القضاء على إجازة النظر فيها خالل الطور‬
‫االستئنافي‪.23‬‬

‫لكن كل ذلك يمكن أال يكون كفيل بضمان تنفيذ هذه الق اررات بصفة فعلية استنادا إلى إمكانية‬
‫استشكال التنفيذ الفعلي للقرار الفوري‪.‬‬

‫فكثي ار ما أفرز الواقع العملي ممارسات مستهترة لعدم االنصياع لحكم القانون ولكيال تكن‬
‫اإللزامية القاطعة وضمانات التنفيذ العاجلة المقررة لما يتخذه قاضي األسرة كافية لتجسيد ما‬

‫‪20‬‬
‫حيث جاء بإحدى ق اررات محكمة التعقيب " إذا اعتمد القرار المطعون فيه في عدم االستجابة لفرع النفقة المطلوبة من الزوجة على اعتبار انه ثبت‬
‫من االطالع على ملف القضية وخاصة على محضر الجلسة الصلحية أن الزوجة حضرت شخصيا وأسقطت حقها أمام القاضي الصلحي في النفقة‬
‫وبالتالي فال يجوز لها أن تتراجع عن هذا الموقف إذ أن ما حرره القاضي يقوم مقام القانون عمال بأحكام بالفصل ‪ 443‬من م‪.‬ا‪.‬ع فإن تحليله غير‬
‫مستساغ"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 30368‬بتاريخ ‪ 3‬مارس ‪ 1992‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،1992 ،‬قسم مدني‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪21‬‬
‫"النعي بعدم العلم بمراجعة النفقة او بالمطلب المقدم في ذلك الشأن ال يصح قانونا طالما أن القانون خول لقاضي األسرة مراجعة ق ارراته الفورية متى‬
‫شاء مادام لم يصدر الحكم في األصل"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 51492‬مؤرخ في ‪ 15‬أكتوبر ‪ ،1996‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ ،1996‬جزء‪ ،2‬ص‪.95‬‬
‫‪" 22‬إن مراجعة موضوع النفقة قد أسند حق المطالبة بها للطرف الذي يهمه مناقشة ذلك في مرحلة معينة من إجراءات القضية وهي الفترة المحددة بين‬
‫تاريخ صدور القرار الفوري و تاريخ الحكم االبتدائي من المجلس الذي خوله القانون أن ينظر عند االقتضاء في طالب المراجعة عندما يقدم له وبذلك‬
‫ينتهي األمد القانوني المخصص وفق عبارة النص و مضمونه"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 30341‬بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪ ،1993‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة ‪ 1993‬قانون‬
‫مدني‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫‪23‬‬
‫عمال بأحكام الفصل ‪ 21‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت نقضت محكمة التعقيب الحكم االستئنافي باعتباره قد خرق القانون حيث اتضح من الوقائع المثبتة بأوراق القضية‬
‫أن نائب المعقبة كان قد قدم لدى محكمة البداية تقري ار ضمنه طلب منوبته الرامي إلى مراجعة القرار الفوري في خصوص السكن إو سكان الزوجة صحبة‬
‫بناتها المحضونات من طرفها بمحل الزوجية ذلك أن العبرة بالطلبات األخيرة‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 41404‬مؤرخ في ‪ ,1994/10/18‬ن‪.‬م‪.‬ت لسنة‬
‫‪ ,1994‬قسم القانون المدني‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫قرره على أرض الواقع إو يصال الحقوق إلى أصحابها لعدم قيام بعض األزواج أو اآلباء‬
‫بواجباتهم المالية المنجرة عن الطالق كأن يتعمد مثال المفارق عدم دفع منحة السكن أو النفقة‬
‫رغما عن العقاب المقرر لمثل هاته الممارسات‪.‬‬

‫لكن تبقى هذه التتبعات الجزائية غير كفيلة وحدها بفض اإلشكال بالكامل بما يمكن أن تؤول‬
‫إلى نتائج عكسية لتزيد من تعميق الجراح التي خلفها الطالق ويقف قاضي األسرة ومن وراءه‬
‫القانون شاهدا على ذلك‪ ،‬إال أن شهادته هذه قد تكون مفيدة في الصورة التي يتعهد فيها من‬
‫جديد بنفس تلك الوضعيات في نطاق مطالب الحماية مستندا في ذلك إلى القانون األساسي‬
‫عدد‪ 58‬المؤرخ في ‪ 11‬أوت ‪ 2017‬الذي سيمكنه من تجاوز ثغرات مجلة األحوال الشخصية‬
‫ومواجهة الصعوبات التي تعترضه في تطبيق أحكامها‪ ،‬خاصة أن المشرع خول له في إطار‬
‫النظر في مطلب الحماية من آليات أكثر فاعلية من تلك المضمنة بمجلة األحوال الشخصية‬
‫في مستوى اتخاذ التدابير الوقائية ومتابعة تنفيذها واالستعانة في ذلك بمؤسسات أخرى‪.‬‬

‫ب‪ -‬الدور الحمائي لقاضي األسرة‬

‫بالنظر إلى مدى أهمية مؤسسة قاضي األسرة في الحفاظ على الكيان األسري والحلقة األضعف‬
‫فيها وهي الزوجة خاصة في ظل ما يمارس من عنف مادي ومعنوي واقتصادي ضدها من قبل‬
‫الزوج في قائم الحياة الزوجية وحتى بعد انحالل هاته الرابطة‪ ،‬تدخل المشرع التونسي بموجب‬
‫القانون األساسي عدد‪ 58‬المؤرخ في ‪ 11‬أوت ‪242017‬والمتعلق بالقضاء على العنف ضد‬
‫المرأة والذي جاء فيه توسيع لدور قاضي األسرة واضطالعه بحماية المرأة من العنف‪ ،25‬إذ‬
‫اقتضى الفصل ‪ 23‬منه أنه "تخصص فضاءات مستقلة داخل المحاكم االبتدائية تضم القضاة‬
‫المختصين بقضايا العنف ضد المرأة على مستوى النيابة العمومية والتحقيق و قضاة األسرة"‪.‬‬
‫وتبعا لذلك أصبح بموجب هذا القانون دور حمائي لقاضي األسرة إذ بات يمكن للزوجة المفارقة‬
‫مطالبته بحقها في الحماية‪ ،‬وتتم هذه المطالبة طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 30‬من القانون‬
‫األساسي عدد‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬بموجب مطلب كتابي صاد ار عن الزوجة أو عن األبناء في‬

‫‪24‬‬
‫القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬المؤرخ في ‪ 11‬أوت ‪ 2017‬والمتعلق بالقضاء على العلف ضد المرأة‪ ،‬دخل حيز التنفيذ بتاريخ ‪ 11‬فيفري‬
‫‪.2018‬‬
‫‪25‬‬
‫يقصد العنف ضد المرأة طبقا ألحكام الفصل الثالث من قانون عدد ‪ 58‬لسنة ‪ " 2017‬كل اعتداء مادي او معنوي او جنسي او اقتصادي ضد المرأة‬
‫أساسه التمييز بسبب الجنس و الذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضور جسدي أو نفسي أو جنسي او اقتصادي للمرأة ويشمل هذا التهديد بهذا االعتداء‬
‫أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات سواء في الحياة العامة أو الخاصة"‪.‬‬
‫صورة تضررهم يتضمن شرحا ألسبابه والتدابير المطلوب اتخاذها ومدة الحماية وعند االقتضاء‬
‫تحديد معين النفقة‪ 26‬ومقدار منحة السكن ‪.27‬‬

‫لقد وسع المشرع في دور قاضي األسرة‪ 28‬ليشمل حتى سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بالحقوق‬
‫ذات الصبغة المعاشية والممثلة أساسا في النفقة ومنحة السكن حتى خارج إطار قضية الطالق‬
‫أي في قائم الحياة الزوجية أو بعد انحاللها‪ ،‬فالغاية هنا هي حماية مصلحة المرأة في أي وقت‬
‫تكون فيها هذه األخيرة معرضة للخطر بغض النظر عن وجود قضية طالق منشورة‪.‬‬

‫ويبت قاضي األسرة في مطلب الحماية طبقا لإلجراءات المقررة لدى محكمة الناحية في القضاء‬
‫المستعجل وذلك ضمانا لسرعة توفير الحماية باعتبارها الهدف الذي يسمو إليه المشرع من‬
‫خالل إرساء هذا القانون‪ ،‬هذا مع اإلشارة وأن تعهد قاضي األسرة بهذه الحماية يمكن أن يكون‬
‫من تلقاء نفسه دون تقديم مطلبا في الغرض‪ 29‬كما هو الشأن عند نظره في قضايا الطفولة‬
‫المهددة‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه بناء على قرار الحماية الممنوح للزوجة أو المفارقة واألبناء أصبح‬
‫قاضي األسرة يسلط رقابته على حق السكنى الممنوح لهما حتى خارج إطار قضية الطالق‬
‫وبمجرد وقوع عنف عليهما من قبل الزوج أو المفارق وذلك بانتهاج أحد الخيارات التي اقتضاه‬
‫الفصل ‪ 33‬من القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫فأما الخيار األول فهو إبقاء المرأة وأبنائها بالمسكن العائلي إو لزام األب قص ار بمغادرته وتمكينه‬
‫من تسلم كافة أغراضه الشخصية بموجب محضر محرر في الغرض من قبل عدل التنفيذ‪.‬‬

‫أما الخيار الثاني فتحديد سكنى المرأة وأبناءها المقيمين معها وعند االقتضاء إلزام المطلوب‬
‫بأداء منحة السكن حتى في صورة عدم سابقية تعهد المحكمة المختصة بها أو صدور حكم‬
‫فيها‪ ،‬وهذا األمر ليس حك ار على حق السكنى فقط إو نما يمتد أيضا إلى حق النفقة إذ اقتضى‬
‫نفس الفصل ‪ 33‬في فقرته السابعة أنه " يمكن لقاضي األسرة بموجب قرار الحماية أن يتخذ‬
‫أحد التدابير التالية‪ ... :‬تقدير نفقة الزوجة ضحية العنف واألطفال وعند االقتضاء مساهمة كل‬
‫من الزوجين فيها ما لم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر في النفقة أو صدور حكم فيها"‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫وقد نظم المشرع النظام القانوني للنفقة صلب مجلة األحوال الشخصية وتحديدا صلب الفصل ‪ 50‬وما بعده من المجلة‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل ‪ 31‬من القانون عدد‪ 58‬لسنة ‪.2017‬‬
‫‪28‬‬
‫نص الفصل ‪ 33‬من القانون عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬على أنه‪ " :‬يمكن لقاضي األسرة بموجب قرار الحماية أن يتخذ أحد التدابير التالية ‪."...‬‬
‫‪29‬‬
‫الفقرة الثانية من الفصل ‪ 30‬من القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪.2017‬‬
‫إو ن دل هذا على شيء فهو يدل على مدى حرص المشرع التونسي على توفير الظروف‬
‫المالئمة لفائدة المرأة وأبنائها حتى يتمكنوا من العيش بيسر دون وجود أي خطر قد يؤثر على‬
‫استقرارهم النفسي وخاصة المادي‪.‬‬

‫ولعل هذا األمر هو الذي دفع المشرع ليكفل حق الزوجة في أدباشها الموجودة في محل‬
‫الزوجية في صورة مغادرتها له وذلك بعد استالم كافة أغراضها الشخصية وكل مستلزمات‬
‫أبنائها المقيمين معها بموجب محضر رسمي محرر من قبل عدل التنفيذ يكون نفقته على‬
‫المطلوب‪ , 30‬وهو ما يستشف منه محاولة المشرع تقليل النزاعات التي قد تنشأ عن عدم تمكين‬
‫الزوجة من أدباشها بعد مغادرة محل الزوجية و التي تمتد إلى رفع دعاوى قضائية في ضبط‬
‫عارفة ومتاع البيت لما في ذلك من إثقال لكاهل الزوجة ماديا خاصة إذا كانت ال تعمل وليس‬
‫لها مورد رزق وكذلك تشديد إزاء الزوج من خالل تحميله نفقات تحرير المحضر وذلك بقصد‬
‫إثنائه عن هضم حقوق زوجته وأبناءه في العيش بأمان‪.‬‬

‫وهذه الحماية القانونية المكرسة بالقانون األساسي عدد‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬شملت أيضا األمالك‬
‫المشتركة إذ اقتضت الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 33‬منه "إلزام المطلوب‪ 31‬بعدم اإلضرار‬
‫بالممتلكات الخاصة بالضحية أو األطفال المشمولين بقرار الحماية أو األموال المشتركة أو‬
‫التصرف فيها"‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع نص على ضمانات جزائية ذات طبيعة زجرية تتمثل أساسا في‬
‫عقوبات سالبة للحرية وخطايا مالية ترتب في صورة عدم اإلذعان للتدابير المذكورة آنفا‬
‫والمحررة بقرار الحماية أو في صورة خرقها بعد تنفيذها‪.32‬‬

‫اختار المشرع أن يعهد قاضي األسرة بوظيفة إصدار ق اررات الحماية‪ .‬غير أّن هذا الخيار قد‬
‫يكون مصد ار لبعض الخلط بين الوظائف المختلفة لقاضي األسرة والتي تجد أسسها في عدة‬
‫قوانين أخرى تشترك مع القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬في نفس الهدف المتمثل في‬
‫توفير حماية مستعجلة وفورية للنساء واألطفال على وجه أخص‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫راجع أحكام الفقرة الخامسة من الفصل ‪ 33‬من القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪.2017‬‬
‫‪31‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع اعتمد صلب القانون المذكور عبارة "المطلوب" عوضا عن عبارة "المظنون فيه" باعتبار أن قرار الحماية يرتبط‬
‫بالجانب المدني وليس بالجانب الجزائي‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫راجع الفصلين ‪ 37‬و‪ 38‬من القانون األساسي عدد ‪ 58‬لسنة ‪.2017‬‬
‫ولعّل الخلط بين هاتين الوظيفتين لقاضي األسرة يزداد حدة حين نعلم أّن الفصل ‪ 32‬م‪.‬أ‪.‬ش‬
‫جعل من الق اررات الفورية المتخذة من قبل قاضي األسرة بصفته قاض صلحي في مادة الطالق‬
‫تنّفذ "على المسودة"‪ ،‬أي بناء على محضر المحاولة الصلحية المحّر ر بخط يد قاضي األسرة‬
‫والممضى من قبله‪ ،33‬نظ ار لطابعها المعيشي المستعجل‪ ،‬وغير قابلة للطعن بالتعقيب‪ .‬وهي‬
‫خصوصيات إجرائية تتالقى فيها الق اررات الفورية في مادة الطالق مع قرار الحماية‪.34‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نجاعة مؤسسة قاضي أسرة‬

‫رغم الدور الموكول لقاضي األسرة للنظر في قضايا الطالق وفروعه ضمانًا لكافة الحقوق في‬
‫صورة انحالل الرابطة الزوجية وخاصة منها ذات الصبغة المعاشية المتأكدة كالنفقة والسكنى‬
‫إضافة لدوره الموكول له حتى قبل سابقية تعهد المحكمة بقضية طالق إال أن هذه المؤسسة‬
‫شهدت على مستوى التطبيق عدة مواطن ضعف ذلك أن الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش الذي أرساها‬
‫بعد تنقيحه وردت عباراته عامة وغامضة في أغلبها وهو األمر الذي جعل نجاعة هذه المؤسسة‬
‫القضائية محدودة نسبيا‪.35‬‬

‫وتبدو مواطن الضعف جلية خاصة عند اإلجابة عن التساؤالت التالية كالغاية من إحداث هذه‬
‫المؤسسة؟ (‪ )1‬وكيفية اختيار قاضي األسرة؟ (‪ )2‬والتكوين المطلوب فيه؟ (‪)3‬‬

‫‪ -1‬الغاية من إحداث مؤسسة قاضي األسرة‬

‫نادت العديد من األصوات لعدة سنوات‪ 36‬بضرورة إنشاء هذا الهيكل القضائي المختص بالنظر‬
‫في قضايا األسرة فكان تنقيح الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش بموجب القانون عدد‪ 74‬لسنة ‪1993‬‬
‫المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪.1993‬‬

‫لكن بالرجوع إلى الفصل المذكور نجد أن المشرع التونسي تحدث عن قاضي األسرة بصيغة‬
‫المفرد‪ ،‬وهو ما قد يستنتج منه أنه ال يوجد في المحكمة إال قاض واحد يهتم باألسرة األمر الذي‬
‫يحيلنا إلى االعتقاد بأن دائرة األحوال الشخصية أصبحت دائرة فردية وهو ما يتناقض حسب‬

‫‪33‬‬
‫دليل ق اررات الحماية بتونس طبق القانون عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة إعداد الخبيرتين رشيدة جالمي ‪ -‬حنان‬
‫قداس جوان ‪. 2020‬‬
‫‪34‬‬
‫قرار قاضي األسرة عدد ‪ 1066‬المحكمة االبتدائية سوسة ‪ 2‬بتاريخ ‪.06/08/2019‬‬
‫‪35‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ :‬دور قاضي األسرة في قضايا الطالق‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬جانفي ‪ ،1994‬ص‪.56‬‬
‫‪36‬‬
‫ثريا بن سعد‪ :‬آثار الطالق بين التشريع والواقع المجتمعي‪ ،‬تونس أنموذجا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫بعض الفقهاء‪ 37‬مع ما هو موجود حاليا باعتبار أن العمل في الدائرة ال زال يتم بموجب تركيبة‬
‫ثالثية رغم إحداث هذه المؤسسة‪.‬‬

‫هذا األمر يقودنا للقول أنه من المستحسن أن يكون األمر متعلقا ال بقاضي األسرة بل به‬
‫محكمة األسرة‪.38‬‬

‫وان وقع تخصيص فضاء مستقل بمقرات المحاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف أطلق عليه‬
‫اسم‪" :‬فضاء األسرة والطفولة"‪ ،39‬وذلك حماية لخصوصية القضايا المتعلقة بالشؤون العائلية‬
‫والزوجية مما مثل خطوة ثانية هامة على درب التخصص إلى جانب "مؤسسة قاضي األسرة"‪،‬‬
‫ينتظر أن تليها خطوات أخرى حتى نصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول األجنبية من إحداث‬
‫"لمحاكم" متخصصة بالنظر في شؤون األسرة‪ ،‬متكونة من قضاة أسرة ومندوبي طفولة وموفقي‬
‫أو مندوبي أسرة مختصين في علوم االجتماع والنفس تسيرها إجراءات بسيطة وسريعة حفاظا‬
‫على الكيان األسري من التفكك‪ ،‬لما له من مخاطر على األفراد والمجمع ككل‪ ،‬وهو ما نادى‬
‫به العديد من رجال القانون‪ 40‬وال زالوا‪.‬‬

‫لكن بالرغم من كل ذلك فإن المشرع التونسي يشير إلى قاضي األسرة ال إلى محكمة األسرة أو‬
‫إلى دائرة األسرة باعتبار أن غايته كانت في خلق خلية متخصصة تشرف على توفير الحماية‬
‫لألسرة من التصدع والتفكك وذلك في نطاق ما اتخذه من تنقيحات دعمت مكاسب المرأة‬
‫التونسية بصفة خاصة وضمنت مناعة األسرة بصفة عامة‪.‬‬

‫‪ 2-‬من هو قاضي األسرة‬

‫اقتضت أحكام الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش أن رئيس المحكمة يختار قاضي األسرة من بين وكالئه‪.‬‬

‫ويؤخذ من عبارات الفصل المذكور أن اختيار قاضي األسرة يتم من طرف رئيس المحكمة‬
‫حسب اجتهاده الخاص إذ أن المشرع لم يضع مواصفات يجب توفرها في قاضي األسرة سوى‬
‫أنه يجب أن يقع اختياره من بين وكالئه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ :‬دور قاضي األسرة في قضايا الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪38‬‬
‫الهادي مريبح‪ :‬المناداة ببعث دائرة مختصة في قضايا األسرة‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،1968‬ص ‪.361‬‬
‫‪39‬‬
‫الذي بدأ العمل يوم ‪ ,2005-7-16‬ويعنى هذا الفضاء بقضايا الطفولة واألسرة‪ ،‬كقضايا الطالق بطوريها الصلحي والحكمي وقضايا الطفولة المهددة‬
‫والجانحة والقضايا الجزائية المنشورة بين األزواج واألصول والفروع‪ ،‬إلى جانب متابعة الشكايات المتولدة عن هذه العالقات‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫من بينهم المستشارة نجيبة الشريف التي لم تكتف بالمناداة بل اقترحت مشروعا لهيكلية هذه المؤسسة المختصة‪" :‬محكمة األسرة"‪ ,‬انظر كتابها‪ :‬الطفل‬
‫والطالق وبعد‪ ،‬ص ‪.220-219‬‬
‫كما يبدو أن رئيس المحكمة ال يمكنه أن يكون قاضي األسرة باعتبار أن النص قد كلفه‬
‫باختيار هذا األخير من بين وكالئه وبالتالي إقصاءه من دائرة القضاة الذين قد تشملهم خطة‬
‫قاضي األسرة‪ ،‬ويبدو أن البعض‪ 41‬اعتبر أن هذا اإلقصاء في غير طريقه إذ كان من‬
‫المستحسن أن يكون قاضي األسرة هو رئيس المحكمة بالنظر إلى خبرته ودرايته بأمور الناس‬
‫ولعله أيضا أوسع صد ار من زمالئه األصغر سنا الذي قد يضيقون ذرعا بمشاكل األسرة عامة‬
‫واألزواج خاصة‪.‬‬

‫لكن هذا اإلقصاء يبقى نسبيا إذ أن الباب ال يزال مفتوحا أمام رئيس المحكمة لممارسة مهام‬
‫قاضي األسرة إذا ما اعتبرنا أن ما يمكن لوكيل الرئيس أن يقوم به فإنه من باب أولى أن‬
‫يمارسه الرئيس نفسه‪.‬‬

‫إن صياغة الفصل ‪ 32‬من م‪.‬أ‪.‬ش تستوجب وجود ثالث وكالء للرئيس على األقل‪ ،‬فهل هذه‬
‫الوضعية موجودة في كل المحاكم التونسية؟‬

‫كما يستنتج منه أنه إذا كان وكيل رئيس واحد فهو بصفة مسبقة مفروض عليه أن يكون قاضي‬
‫أسرة‪ ،‬لكن اإلشكال الذي قد يطرح في هذا اإلطار هو في الحالة التي يكون فيها القاضي غير‬
‫مختص في ميدان القضاء األسري أو غير راغب في ممارسة هذه المهمة‪ ،‬فما هو الحل‬
‫حينئذ؟‬

‫تكوين قاضي األسرة‬ ‫‪-3‬‬

‫لم يذكر القانون شيئا عن تكوين قاضي األسرة‪ ،‬واعتبر بحسب ما يبدو أن من يصل إلى رتبة‬
‫وكيل الرئيس يصبح مؤهال للقيام بوظائف قاضي األسرة بصورة آلية وحتمية‪ .‬وبالرجوع إلى‬
‫أعمال التحضيرية للمشروع نجد أن السيد وزير العدل قد تحدث عن هذه المسألة‪ 42‬فقال‪ ":‬هو‬
‫القاضي الذي له إلمام بحياة األشخاص‪ ،‬وبالملفات التي تعرض عليه وهو الذي يكون له من‬
‫الوقت الكافي للصلح‪ ،‬ومن الوقت الكافي لمتابعة الملفات‪ ،‬ويكون له علم دقيق بسلوكيات‬
‫األسر وبتقنيات المصالحة بين األسرة وبتتبع حياة األسرة وخاصة مراعاة مصلحة األبناء"‪.43‬‬

‫‪41‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ :‬دور قاضي األسرة في قضايا الطالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪42‬‬
‫سفيان البرجي‪ :‬إجراءات التقاضي في مادة الطالق‪ ،‬ص ‪.127-126‬‬
‫‪43‬‬
‫الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ ،‬مداوالت مجلس النواب عدد‪ 43‬في ‪.1993-07-09‬‬
‫لكن سكوت المشرع عن الشروط والتكوين الواجب توفره في قاضي األسرة من شأنه أن يؤدي‬
‫إلى عدة مساوئ على المستوى التطبيقي من ذلك ما جرى العمل به في المحاكم التونسية وهو‬
‫أن يقع تكليف العديد من وكالء الرئيس بإجراء المحاولة الصلحية رغم أن الدائرة التي يترأسونها‬
‫ويمارسون في نطاقها وظيفتهم القضائية ال عالقة لها بالمرة بقضايا األسرة كأن تكون دائرة‬
‫مدنية عادية أو تجارية أو جناحية‪.‬‬

‫أيضا قد يكون القاضي المشرف على الجلسة الصلحية األولى ليس هو نفسه المشرف على‬
‫الجلسة الثانية والثالثة‪ ،‬ودون أن يشارك في الهيأة القضائية التي تنظر في القضية‪.‬‬

‫وهذا يتنافى تماما واألهداف التي من أجلها أرسى المشرع مؤسسة قاضي األسرة وهو جهاز‬
‫قضائي مختص في إجراء المحاوالت الصلحية وفي تتبع نفس القضية في كامل طورها‬
‫الصلحي‪ ،‬حتى يتسنى له معرفة شخصية ودقيقة بمالبسات كل قضية وهو من شأنه أن‬
‫يساعده على إنجاح الجلسات الصلحية وحماية األسرة من التفكك‪.44‬‬

‫إو ذا كان االتفاق حاصل فيما يجب أن يتوفر في قاضي األسرة من ضرورة اإلحاطة بمبادئ‬
‫علم النفس وعلم االجتماع إضافة إلى اكتساب تجربة إنسانية وقضائية واجتماعية معتبرة تمكنه‬
‫من النجاح في مهمته‪ ،‬فإن الواقع التطبيقي داخل المحاكم أثبت خالف ذلك‪ .‬باعتبار أن قضايا‬
‫األحوال الشخصية أصبحت موكولة بالنظر إلى قضاة شبان أو إلى قضاة يمارسون وظائفهم‬
‫في دائرة ال عالقة لها بقضاء األسرة‪ ،‬مع اإلشارة أن صغر السن أو قلة التجربة ال يعتبران‬
‫عائقا أمام أداء وظيفة الصلح بين األزواج على أحسن وجه طالما أن االستثناء موجود واقعا‬
‫وقانونا‪ ،‬وهو استثناء يتصل بقدرة القاضي على اإلقناع كموهبة ومعطى ال تحكمه في العادة‬
‫معطيات أو مقاييس موضوعية ‪.45‬‬

‫كما تبدو هذه المهمة من حيث الواقع وفي غالب األحيان مستحيلة بحكم نقص اإلطار‬
‫القضائي وتضخم عدد قضايا الطالق ببالدنا الشيء الذي يجعل قاضي األسرة أمام مفارقة‬
‫ضيق الوقت وكثرة الجهد المبذول من جانبه‪.46‬‬

‫‪44‬‬
‫سفيان البرجي‪ :‬إجراءات التقاضي في مادة الطالق‪ ،‬ص ‪.127-126‬‬
‫فضيلة بورقيبة ‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪45‬‬
‫عماد نشبة‪ :‬قاضي األسرة‪ ،‬محاضرة ختم التمرين لمهنة المحاماة‪ ،‬السنة القضائية‪ ،2001-2000 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪46‬‬
‫عبد الفتاح الزراتي‪ :‬الجلسة الصلحية‪ ،‬محاضرة ألقيت خالل الملتقى المنتظم بالمعهد األعلى للقضاء بتونس حول العالقات الزوجية أمام القضاء‪،‬‬
‫ليومي ‪ 2‬و‪ 3‬مارس ‪ ،1992‬ص ‪.39‬‬
‫لكن يجب أن نحصر هذا اإلشكال في األسباب المستمدة من واقع العمل إو مكانيات المحاكم بل‬
‫توجد أسباب أخرى ال تقل أهمية راجعة للمتقاضي في حد ذاته بفعل تعدد دوافع الطالق على‬
‫تفاهتها أحيانا وتفشي الظاهرة في مجتمعنا حيث ازدهرت عقلية الخصام دون أن ننسى عدم‬
‫تأقلم هذه العقلية بصفة فعلية إلى حد اآلن مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة كاختيار تشريعي‬
‫باألساس‪.‬‬

‫وهذه النقائص التي شهدتها مؤسسة قاضي األسرة كانت سببا في مناداة بعض رجاالت القانون‬
‫بضرورة إنشاء هياكل مساعدة له تضطلع بدور توفيقي أكثر منه قضائي وذلك في إطار‬
‫السياسة التشريعية اإلصالحية التي انتهجها المشرع التونسي دعما للنظام العائلي العام‪.‬‬

‫خالصة الجزء الثاني‬

‫إن وجود الخالفات بين الزوجين وتأججها خاصة في الحالة التي يكون لهم أبناء قد يكون معها‬
‫الطالق الحل األنسب وذلك حفاظا على الرابطة األسرية التي تبقى متواصلة وهو األمر الذي‬
‫جعل المشرع التونسي يكرس جملة من الحقوق ذات الطبيعة المالية لفائدة المفارقة وأبنائها‬
‫كضمانات قانونية تكفل لهم استقرارهم المادي‪ ،‬لكن المتأمل في جملة هذه الحقوق وعلى رغم‬
‫من تفصيلها إال أن تفعيلها على أرض الواقع وجد صعوبات مختلفة وذلك على عدة أصعدة‬
‫حّد ت من نجاعتها‪.‬‬

‫لقد أثبت الواقع أن هذه الحقوق ال تفي في حقيقة األمر بتلبية المتطلبات المعيشية للمفارقة‬
‫بطالق وأبنائها وذلك سواء من حيث غياب الضمانات الكفيلة باستمرارها خاصة في ظل ارتفاع‬
‫حال الوقت واألسعار ومحدودية دخل الزوج المفارق وانعدام الموارد المالية للمفارقة وهو ما من‬
‫شأنه أن يؤدي إلى تقهقر مستوى العيش بالنظر إلى العوز المالي من جهة وتفاقم المصاريف‬
‫وتزايدها مع تقدم األبناء في السن‪ ،‬أو من حيث صعوبة إجراءات تبليغ وتنفيذ األحكام الصادرة‬
‫بهذه الحقوق والتي من شأنها أن تقف عائقا أمام توصل المرأة المفارقة بهذه الحقوق‪.‬‬

‫فلئن أولى المشرع تبليغ وتنفيذ األحكام أهمية بالغة ونظم اإلجراءات المتعلقة بها بمجلة‬
‫المرافعات المدنية والتجارية إال أن كثرة هذه اإلجراءات وتعقيداتها طرح عدة إشكاالت سواء‬
‫على مستوى بطالنها بما يستحيل معه تنفيذ الحكم أو على مستوى ظهور منازعات في شأنها‬
‫بما يؤدي إلى تأخير وتباطؤ في تنفيذ الحكم الصادر بتلك الحقوق المالية‪.‬‬
‫وأمام كل هذه الصعوبات التي حّد ت من الحقوق المالية الناشئة لمفارقة الطالق وأبنائها‪ ،‬كان‬
‫ال بد من تدخل تشريعي يرسي جملة من الفعاليات وهو ما قام به المشرع التونسي وذلك من‬
‫خالل إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق كمؤسسة اجتماعية تهدف لضمان الحقوق‬
‫المالية ذات الطبيعة المعاشية وتحديد مجال تدخله إو جراءاته وكيفية تنمية موارده ضمانا‬
‫الستم ارريته‪.‬‬

You might also like