Professional Documents
Culture Documents
مؤسسة قاضي الأسرة
مؤسسة قاضي الأسرة
يمكن القول بأن أنجع وسيلة لضمان الحقوق المالية للمرأة المنجرة عن الزواج هي في ضمان
استم اررية واستقرار األسرة ،وتقتضي هاته استم اررية بدورها تأمين العيش الكريم والذي ال يتحقق
إال بتوفر التوازن المادي والمعنوي للمرأة وهو األمر الذي جعل المشرع التونسي يتدخل إلحداث
خلية على صعيد كل محكمة أسرة تعنى بتسوية الخالفات األسرية ممثلة أساسا في مؤسسة
قاضي األسرة 1كمؤسسة مختصة بالنظر في قضايا الطالق وآثارها المادية والشخصية
ويكمن الطابع المؤسساتي لهذه األحكام في تدخل الدولة مباشرة في حماية األسرة.
والحقيقة أن هذا االتجاه التشريعي يبرهن على مدى االهتمام المتواصل باألسرة عموما وبالمرأة
خاصة وضرورة تخصيصها بهيكل قضائي كمحاولة لتطويق النزاعات الزوجية قدر اإلمكان
وتأمين األسرة من خطورة المشاكل التي يمكن أن تحيط بها وتصل بها إلى االنهيار.
وحرصا على إضفاء أكبر قدر من النجاعة على محاولة إنقاذ األسرة وضمان استم ارريتها حتى
بعد انحالل الرابطة الزوجية والحفاظ على حقوق أفرادها عامة والمرأة خاصة والتي من بينها
الحقوق ذات الصبغة المعاشية والتي تكفل لها مستوى عيش ال يقل عما اعتادت عليه في ظل
قائم الحياة الزوجية ،فقد أسند المشرع التونسي لقاضي األسرة بوصفه قاض متخصص من ذوي
الخبرة 2مهّم ة النظر فيما يترتب عن الطالق من حقوق مالية أثناء قيامه بالجلسات الصلحية
والتي ال تكون إال بعد تسليط رقابته على إجراءات تبليغ الدعوى و ذلك ضمانا النعقادها بعلم
الطرف المدعى عليه حتى يتمكن من المطالبة بحقوقه ,بل أكثر من ذلك فإن صالحيات
1
تم إحداث مؤسسة قاضي األسرة بمقتضى القانون عدد 74لسنة 1993المؤرخ في 12جويلية 1993المنقح للفصل 32من م.أ.ش.
والمالحظ أن مؤسسة قاضي األسرة ال تعتبر إجراء جديدا على قانوننا الوضعي ذلك أنه قبل تنقيح 12جويلية 1993لم يكن الحديث عن قاضي األسرة
إو نما عن القاضي الصلحي نظ ار لطبيعة اإلجراء الذي يقوم به والمتمثل في محاولة إصالح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين بما يعتبر معه في
الحقيقة وريثا للقاضي الصلحي مع تغيير التسمية إو ضافة اختصاصات جديدة أسندت إليه إلى جانب االختصاصات التي كان يتمتع بها القاضي
الصلحي.
ولو ألقينا نظرة على القانون المقارن لوجدنا أن عدة دول تبنت هذه المؤسسة إو ن كانت التسمية تختلف من دولة إلى أخرى ،فمثال في فرنسا وقع
التنصيص على مؤسسة قاضي الشؤون العائلية ألول مرة ضمن القانون عدد 22المؤرخ في 8جانفي 1993الذي نقح بعض الفصول من المجلة
المدنية الفرنسية من بينها أحكام العائلة ،إذ قبل هذا التنقيح كان يطلق على هذه المؤسسة اسم قاضي الشؤون الزوجية.
فضيلة بورقيبة :قاضي األسرة من خالل مجلة األحوال الشخصية ،رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء ،السنة القضائية ، 96/95ص.9
Le juge aux affaires familiales : loi n°93-22 du 08-01-1993, édition Dalloz 1995.
2
قاضي األسرة يتم اختياره من بين وكالء رئيس المحكمة االبتدائية يكون من قضاة الرتبة الثانية والذي ال تقل أقدميته في الممارسة الفعلية للقضاء عن
عشر سنوات والذي اكتسب من الخبرة والمران ما أهله إلى أن يعين من قبل المجلس األعلى للقضاء في خطة وكيل رئيس محكمة ابتدائية ،يراجع األمر
المؤرخ في 27ماي 1996المتعلق بتنقيح إو تمام األمر عدد 436لسنة 1973المتعلق بضبط الوظائف التي يمارسها القضاة من الصنف العدلي.
قاضي األسرة قد عرفت تطو ار ملحوظا وذلك من خالل تسليط رقابته على حقوق الزوجة
واألبناء حتى قبل تعهد المحكمة بقضية في الطالق لهدف حمايتهم.
وتندرج مؤسسة قاضي األسرة ضمن المؤسسات البديلة لفض النزاعات األسرية التي سعى
المشرع لتكرسها باعتبار أن الهدف األسمى والذي يرنو إليه المشرع من وراء تكريس الحقوق
المالية هي الحفاظ على األسرة حتى بعد انحالل الرابطة الزوجية ،وكان هذا التفعيل أوال على
مستوى تطوير مؤسسة قاضي األسرة وتفعيل دوره الصلحي خالل عقد الجلسات الصلحية أو
البت في الق اررات الفورية إضافة إلى دوره الحمائي الموكول له بموجب القانون األساسي
المستحدث والمتعلق بالعنف ضد المرأة.
إلى جانب الدور اإلجرائي المتمثل في مراقبة إجراءات اعالم المطلوب يضطلع قاضي األسرة
بالدور الموضوعي المتعلق بإصالح ذات البين بين الزوجين في إطار الجلسات الصلحية ()1
والتي يتخذ خاللها جملة من الق اررات الفورية يتعلق البعض منها بالحقوق المالية المنجرة عن
الطالق (.)2
قد يكون السبيل األفضل لتمتع المرأة بكامل حقوقها المالية الزوجية تمر عبر قاضي األسرة
كوسيلة بديلة لفض النزاعات االسرية في اطار ممارسته لمهامه التوفيقية المتجسدة في الفقرة
األولى من الفصل 32من م.أ.ش ,والتي كانت تقنينا لفقه قضاء محكمة التعقيب ومحاكم
األصل في تعاملها الواسع مع قضايا الطالق بدليل ما ورد بأحد األحكام القضائية منذ زمن
طويل من أنه "يتمثل بذل الوسع في إصالح ذات البين بين الزوجين في سماع القاضي
للزوجين ودعوتهما لتجاوز الخالف حتى أنه ال يعتد بالطالق بدون أن يبذل الحاكم ما في
وسعه في البحث عن أسباب الشقاق بين الزوجين ويعجز عن إصالحه".3
وقد تتوفر مثل تلك الظروف المشجعة على الصلح في الجلسة المكتبية التي تعقد بصورة مغلقة
والتي ال يحضرها غير الزوجين المتداعيين وقاضي األسرة المكلف بمصالحتهما والذي يجب أن
يكون مقتنعا بدوره ومتحفز للنجاح في مهمته ،وال ينتظر أن يكون الحوار الذي يدعى قاضي
3
قرار استئنافي مدني صادر عن محكمة االستئناف بتونس تحت عدد 16683بتاريخ 16جويلية 1957م.ق.ت عدد 1لسنة ،1959ص.52
األسرة إلى إقامته بين الزوجين بإشرافه مجديا إال إذا كان حوا ار مباش ار وصريحا دون مؤثرات
خارجية قد تكون تضع الزوجين في احراج وتعمق المشكل وتساهم سلبا في إيجاد الحلول بما
يفضي في النهاية إلى جنوح كل طرف إلى التشبث بموقفه في مواجهة الطرف اآلخر وعدم
التوصل إلى إيقاع الصلح بينهما.
وفي هذا اإلطار جرى التطبيق العملي على عقد الجلسة الصلحية بحضور الزوجين فقط دون
حضور أي من محامي الطرفين واضطالع القاضي المشرف على الجلسة الصلحية بمهمة
تحرير محضر الجلسة بنفسه ودون االستعانة في ذلك بخدمات كاتب المحكمة.4
وهو ما أكدته محكمة التعقيب في العديد من ق ارراتها حيث اعتبرت أن "الجلسة الصلحية
أوجبتها أحكام الفصل 32من م.أ.ش ال يمكن أن يحضرها وكيل نيابة عن أحد الزوجين ،بل
ال بد أن يشهدها الطرفان أنفسهما وبوجه أخص القائم بالدعوى المطالب بالطالق".5
هذا فضال عما في ذلك من "أنسنة" للقضاء إذ أن القاضي ،إذا ما توفر له الوقت والتكوين
الالزمان فإنه سوف لن ينظر إلى دعاوى الطالق كملفات جامدة ذات أرقام باهتة ،بل إنه
سينظر إلى ما وراء هذه الدعاوى وسيحاول جاهدا استغالل الطور الصلحي خاصة التصاله
شخصيا بالمتقاضين بطريقة مباشرة ،إليجاد حل ودي بين الطرفين ،ويعيد الوئام إلى أسرتهما
ويحفظها من االندثار.6
أما اذا تعلق األمر بأبناء القصر فأن الجهد يتضاعف من قبل قاضي األسرة الذي يكون ملزما
بإعادة الجلسة الصلحية ثالث مرات مع احترام التباعد الزمني بين الجلسة واألخرى 7طبقا
4
تتخذ بعض القوانين المقارنة موقفا وسطا حيال هذه المسألة من ذلك القانون المدني الفرنسي الذي نص في الفصل 52من المجلة المدنية الفرنسية أن
" القاضي عندما يسعى الى مصالحة الزوجين يجتمع شخصيا بكل واحد منهما على انفراد قبل أن يجتمع بهما معا ثم يدعو إذا ما طلب الزوجان ذلك
محامييهما للحضور والمشاركة في الحوار".
5
قرار تعقيبي مدني عدد 8278المؤرخ في 14فيفري ،1971م.ق.ت عدد 2لسنة ،1972ص 55وما بعدها.
6
نورة السوداني :م.س ص .108
سفيان البرجي :م.س ،ص .123-122
7
إن وجوب مراعاة التباعد الزمني الذي ضبطه القانون بين الجلسة والجلسة يعتبر من اإلجراءات األساسية التي تهم النظام العام العائلي لذلك يتعين
على المحكمة مراعاتها والتقيد بها في كل الحاالت ويتعين إثارة اخالل بها من تلقاء نفسها دون حاجة النتظار إثارتها من أي من أحد الخصوم وذلك في
أي طور من أطوار التقاضي ولو ألول مرة أمام محكمة التعقيب ،يراجع في ذلك القرار التعقيبي المدني عدد 7013المؤرخ في 7جوان ،2001
ن.م.ت لسنة ،2001قسم مدني ،جزء 2ص .40
وقد أوجب المشرع الفرنسي على قاضي الشؤون العائلية في كل أنواع الطالق سواء وجد قاصر أم لم يوجد أن يمتع الزوجين بهذا األجل وهو ما يسمى
délais de réflexionوهو ما اقتضاه الفصل 250من المجلة المدنية الفرنسية في الفقرة األولى منه:
L'imposition du délai de réflexion, et même d'un sursis pouvant 'aller jusqu'à six mois ".
ألحكام الفقرة الرابعة من الفصل 32من م.أ.ش إو ال كان حكم الطالق في صورة صدوره باطال
وعرضة بالتالي للنقض.8
ومن ذلك المنطلق فإن المحاكم التونسية ال يمكنها أن تكسي األحكام األجنبية الصادرة في مادة
الطالق بالصيغة التنفيذية إذا لم تكن مسبوقة بمحاولة إصالح ذات البين بين الزوجين أو على
األقل بما يثبت سعي المحكمة التي أصدرته إجراء تلك المحاولة وهو األمر الذي أكدته محكمة
التعقيب التونسية عندما اعتبرت أنه "طالما لم يثبت أن الحكم الشخصي المراد إكساءه بالصيغة
التنفيذية قد احترم مبدأ المواجهة بين الخصوم أو ضمن سعي الهيئة التي أصدرته إلى إجراء
الصلح بين الطرفين فإنه أضحى متعارضا مع المبادئ األساسية التي يقوم عليها القانون
التونسي في مادة األحوال الشخصية وهي تهم النظام العام وال يمكن التغاضي عنها".9
إن الجدوى من تعداد الجلسة الصلحية من شأنه أن يمكن الزوجين من التفكير مليا وبصفة
جدية في وضعهما ومحاولة إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة بينهما أو تجاوزها إن أمكن ذلك
إو عادة ترميم هذا التصدع الزوجي واستئناف حياتهما .وهذا يعد دليل على ما يوليه المشرع
التونسي من عناية للمرأة ولألبناء ووجوب تربيتهم في ظل عائلة ملتحمة ومتماسكة 10ذلك أن
تفكك العائلة له آثار سلبية بصورة مباشرة على الزوجين واألبناء وعلى المجتمع.
ونظ ار إلى أن الصلح هو غاية المشرع المنشودة طوال إجراءات دعوى الطالق 11فقد أواله أهمية
بالغة حتى بعد فشل الجلسات الصلحية فأحدث فترة التأمل القانوني والتي تدوم شهرين قبل
طور المرافعة. 12
ولعل نية المشرع في ذلك تكمن أوال في إخضاع قضية الطالق لمبدأ توفير الضمانات ألفراد
األسرة أكثر من إخضاعها لمبدأ سرعة الفصل ،وثانيا في مراعاة مصلحة األبناء في تواصل
عيشهم مع والديهم إلى جانب حرصه على توفير الضمانات الكافية عند إيقاع الطالق .13
8
قرار تعقيبي مدني عدد 63383المؤرخ في 18ماي ،1998م.ق.ت عدد 7لسنة ،1999ص .103
9
قرار تعقيبي مدني عدد 1230المؤرخ في 29سبتمبر ،2005ن.م.ت لسنة ،2005القسم المدني ،ج ،2ص.413
10
نورة السوداني :اإلجراءات الجديدة في مادة الطالق ،مرجع سابق ،ص .109
11
مع اإلشارة إلى أن الصلح يمكن أن يتم في أي طو ار من أطوار التقاضي وذلك بالنظر إلى "طبيعة النزاعات األسرية ومادة الطالق التي يقدم فيها
الصلح حفاظا على الرابطة الزوجية ومؤسسة األسرة" ،قرار تعقيبي مدني عـدد 40249مؤرخ في ،2016-11-16غیر منشور
12
الفقرة الثامنة من الفصل 32من م.أ.ش.
13
سفيان البرجي :إجراءات التقاضي في مادة الطالق من خالل تنقيح مجلة األحوال الشخصية في ،1993-07-12رسالة تخرج من المعهد األعلى
للقضاء ،السنة القضائية ،1995-1994ص .147-139
اال أن تكرار الجلسات الصلحية لمدة ثالثة أشهر إضافة إلى شهرين للتأمل القانوني قبل طور
المرافعة من شأنه إجهاد قاضي األسرة إو ضاعة الوقت ومضاعفة التوتر بين األزواج 14إذا كانا
مصممين على إيقاع الطالق وهو ما يتجه معه التقليص من المدة الفاصلة بين الشروع في
المصالحة والفصل في القضية أو منح قاضي األسرة أكثر حرية في التصرف 15بحسب الحالة
حتى ال يصبح رهين إجراءات مطولة دون موجب في بعض الحاالت.
وفي صورة نجاح الجلسة الصلحية تحال القضية على الدائرة الحكمية بتركيبتها الثالثية لتقضي
بطرحها أما في صورة فشلها رغم الجهود المبذولة ،فإن المشرع أوكل لقاضي األسرة دو ار تقريريا
يتمثل في اتخاذ الق اررات الفورية.
تتجلى اإلطالقية المخولة لقاضي األسرة في الق اررات المتعلقة بقضايا الطالق من خالل الفقرة
الرابعة من الفصل 32من م.أ.ش والذي جاء ينص أن "على قاضي األسرة أن يتخذ ولو بدون
طلب جميع الق اررات الفورية الخاصة بسكنى الزوجين وبالنفقة وبالحضانة وبزيارة المحضون
ويمكن للطرفين أن يتفقا صراحة على تركها كال أو بعضا ما لم تتعارض مصلحة األبناء
القصر".
ويؤخذ من هذا الفصل أن اتخاذ قاضي األسرة للق اررات الفورية تعتبر مسألة متعلقة بالنظام العام
تأسيسا على أن قاضي األسرة ملزم بإثارة هذه المسألة من تلقاء نفسه لتقرير حقوق المفارق
واألبناء في الحضانة والسكنى والنفقة 16حتى في صورة عدم إثارتها من طرفي النزاع ،وهي
ق اررات فورية متأكدة لتأكد تنفيذها بشكل عاجل ألنه يتوقف عليها استقرار الوضعية المادية
للمرأة واألبناء القصر.
لكن كيف نجعل من هذه المسائل من متعلقات النظام العام التي يطالب القاضي بإثارتها ولو
من تلقاء نفسه ثم نسمح في ذات الوقت باالتفاق على مخالفتها؟
ففي ذلك تناقض ومخالفة واضحة للقواعد األصولية المعمول بها في التشريع والقضاء.
14
ساسي بن حليمة :دور قاضي األسرة في قضايا الطالق ،مرجع سابق ،ص .53
15
ثريا بن سعد :آثار الطالق بين التشريع والواقع المجتمعي ،تونس أنموذجا ،مرجع سابق ،ص.165
16
المالحظ بخصوص النفقة أنها متى ارتبطت بدعوى الطالق تكون من أنظار قاضي األسرة الذي يتخذها والئيا في الق اررات الفورية وهي استثناء
للقاعدة العامة الواردة بالفصل 39من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي يسند اختصاص النظر فيها حصريا لقاضي الناحية .وعبارة النفقة في هذا
المجال جاءت مطلقة فهي تشمل نفقة الزوجة ونفقة األبناء.
هذا إضافة إلى األهمية المصيرية لمثل هذه الق اررات وهو األمر الذي جعل المشرع عند
تنصيصه على الفقرة الخامسة من الفصل 32من م.أ.ش يعتبر الق اررات الفورية المتعلقة بها
ق اررات تنفذ على المسودة" 17لتكون من قبيل استعجال االستعجالي بامتياز" ،18أي دون انتظار
رقنها واستخراج نسخة تنفيذية منها ذلك أن طول اإلجراءات سوف يفرغ هذه الق اررات من
محتواها ويخرجها عن طبيعتها القانونية ،فالمقصود منها هو تأطير الفترة اإلجرائية قبل صدور
الحكم في الطالق الذي بدوره سيشير إلى إقرار الوسيلة الوقتية أو التراجع فيها .فالتنفيذ على
المسودة هو ميزة من ميزات القضاء االستعجالي في المادة المدنية بصفة عامة يعكس صبغة
التأكيد والفورية للقرار.
وتتلخص إجراءات تنفيذ هذه الق اررات بحصول المعني باألمر بنفسه أو بواسطة محاميه على
نسخة قانونية من محضر الجلسة المتضمن للق اررات الفورية وينفذها بواسطة أحد عدول التنفيذ
مطبقا عليها قواعد اإلجراءات العامة ،إذ اعتبرت محكمة التعقيب أن "الق اررات الصادرة عن
القاضي الصلحي في قضايا الطالق بخصوص الوسائل المتأكدة التي منها الحضانة وزيارة
المحضون إو ن كانت قابلة للمراجعة عند البت في أصل دعوى الطالق إال أن المشرع لم يميزها
عن سائر األحكام والق اررات من حيث قابليتها للتنفيذ وفقا لقواعد اإلجراءات". 19
ويعتبر إخراج الق اررات الفورية من دائرة الطعن بأي وجه من الوجوه في طريقه طالما أنها عادة
ما تكون من أجزاء حكم الطالق الذي يخضع لالستئناف والتعقيب كما يجد تبريره في مسألتين:
تتمثل األولى في الصبغة االستعجالية للق اررات الفورية من حيث التنفيذ والموضوع باعتبارها
تنظم مسائل متأكدة خاصة منها التي تتعلق بالحقوق المادية للمرأة والطفل والتي تكتسي صبغة
معاشية كالنفقة التي ال تحتمل انتظار صدور حكم بات بالتنفيذ ،أما الثانية فتتمثل في إمكانية
توافق الطرفين واتفاقهما أو باألحرى تصالحهما على محتوى الق اررات الفورية وذلك باالقتصار
على بعضها أو كلها مع تحديد مداها ومقدارها بالنسبة إلى النفقة مثال أو التنازل عنها حيث ال
يعتبر مثل هذا االتفاق بمثابة الصلح الحاسم للنزاع فيما يخص تنظيم المسائل المتعلقة بالسكن
20
والحضانة والنفقة.
17
قرار تعقيبي مدني عدد 30341مؤرخ في 2مارس ,1993ن.م.ت ،1993 ،قسم مدني ،ص .280
18
عماد نشبة :قاضي األسرة ،مرجع سابق ،ص .14
19
قرار تعقيبي مدني عدد 3926مؤرخ في ،1980/03/31ن.م.ت ،1980قسم القانون المدني الجزء 1ص .109
لكن هذه الق اررات الفورية تقبل المراجعة من طرف قاضي األسرة بشكل يجعلها تتالءم خاصة
مع مصلحة األبناء وظروف األبوين خصوصا وأنها ق اررات ظرفية لما تعكسه من أهمية على
حياة الزوجة المفارقة وأبنائها خاصة وتضمن لهم ولو بصفة وقتية حقوقهم المادية إلى أن يتم
تضمين محتواها بالحكم الصادر بالطالق.
وفي هذا اإلطار نالحظ أن الطرف الذي لم يطلب المراجعة ال يمكنه االحتجاج بعدم العلم
بقرار المراجعة خاصة عندما يقضي 21بالتعديل باعتبار وأن طلب المراجعة يبقى ممكنا طالما
لم يصدر الحكم في األصل وهو الزمن القانوني الذي حدده المشرع ضمن أحكام الفقرة السابعة
من الفصل 32من م.أ.ش.22
فبصدور الحكم في األصل تصبح هذه الق اررات غير قابلة للمراجعة ألنها أصبحت جزءا من
الحكم الصادر في األصل الذي يمكن أن يكون موضوع طعن بالوسائل العادية وغير العادية،
على أنه تجدر المالحظة وأنه في صورة صدور حكم البداية دون النظر في مطلب المراجعة
المقدم قبل صدور الحكم فقد استقر فقه القضاء على إجازة النظر فيها خالل الطور
االستئنافي.23
لكن كل ذلك يمكن أال يكون كفيل بضمان تنفيذ هذه الق اررات بصفة فعلية استنادا إلى إمكانية
استشكال التنفيذ الفعلي للقرار الفوري.
فكثي ار ما أفرز الواقع العملي ممارسات مستهترة لعدم االنصياع لحكم القانون ولكيال تكن
اإللزامية القاطعة وضمانات التنفيذ العاجلة المقررة لما يتخذه قاضي األسرة كافية لتجسيد ما
20
حيث جاء بإحدى ق اررات محكمة التعقيب " إذا اعتمد القرار المطعون فيه في عدم االستجابة لفرع النفقة المطلوبة من الزوجة على اعتبار انه ثبت
من االطالع على ملف القضية وخاصة على محضر الجلسة الصلحية أن الزوجة حضرت شخصيا وأسقطت حقها أمام القاضي الصلحي في النفقة
وبالتالي فال يجوز لها أن تتراجع عن هذا الموقف إذ أن ما حرره القاضي يقوم مقام القانون عمال بأحكام بالفصل 443من م.ا.ع فإن تحليله غير
مستساغ" ،قرار تعقيبي مدني عدد 30368بتاريخ 3مارس 1992ن.م.ت ،1992 ،قسم مدني ،ص .170
21
"النعي بعدم العلم بمراجعة النفقة او بالمطلب المقدم في ذلك الشأن ال يصح قانونا طالما أن القانون خول لقاضي األسرة مراجعة ق ارراته الفورية متى
شاء مادام لم يصدر الحكم في األصل" ،قرار تعقيبي مدني عدد 51492مؤرخ في 15أكتوبر ،1996ن.م.ت ،1996جزء ،2ص.95
" 22إن مراجعة موضوع النفقة قد أسند حق المطالبة بها للطرف الذي يهمه مناقشة ذلك في مرحلة معينة من إجراءات القضية وهي الفترة المحددة بين
تاريخ صدور القرار الفوري و تاريخ الحكم االبتدائي من المجلس الذي خوله القانون أن ينظر عند االقتضاء في طالب المراجعة عندما يقدم له وبذلك
ينتهي األمد القانوني المخصص وفق عبارة النص و مضمونه" ،قرار تعقيبي مدني عدد 30341بتاريخ 2مارس ،1993ن.م.ت لسنة 1993قانون
مدني ،ص .280
23
عمال بأحكام الفصل 21م.م.م.ت نقضت محكمة التعقيب الحكم االستئنافي باعتباره قد خرق القانون حيث اتضح من الوقائع المثبتة بأوراق القضية
أن نائب المعقبة كان قد قدم لدى محكمة البداية تقري ار ضمنه طلب منوبته الرامي إلى مراجعة القرار الفوري في خصوص السكن إو سكان الزوجة صحبة
بناتها المحضونات من طرفها بمحل الزوجية ذلك أن العبرة بالطلبات األخيرة ،قرار تعقيبي مدني عدد 41404مؤرخ في ,1994/10/18ن.م.ت لسنة
,1994قسم القانون المدني ،ص .279
قرره على أرض الواقع إو يصال الحقوق إلى أصحابها لعدم قيام بعض األزواج أو اآلباء
بواجباتهم المالية المنجرة عن الطالق كأن يتعمد مثال المفارق عدم دفع منحة السكن أو النفقة
رغما عن العقاب المقرر لمثل هاته الممارسات.
لكن تبقى هذه التتبعات الجزائية غير كفيلة وحدها بفض اإلشكال بالكامل بما يمكن أن تؤول
إلى نتائج عكسية لتزيد من تعميق الجراح التي خلفها الطالق ويقف قاضي األسرة ومن وراءه
القانون شاهدا على ذلك ،إال أن شهادته هذه قد تكون مفيدة في الصورة التي يتعهد فيها من
جديد بنفس تلك الوضعيات في نطاق مطالب الحماية مستندا في ذلك إلى القانون األساسي
عدد 58المؤرخ في 11أوت 2017الذي سيمكنه من تجاوز ثغرات مجلة األحوال الشخصية
ومواجهة الصعوبات التي تعترضه في تطبيق أحكامها ،خاصة أن المشرع خول له في إطار
النظر في مطلب الحماية من آليات أكثر فاعلية من تلك المضمنة بمجلة األحوال الشخصية
في مستوى اتخاذ التدابير الوقائية ومتابعة تنفيذها واالستعانة في ذلك بمؤسسات أخرى.
بالنظر إلى مدى أهمية مؤسسة قاضي األسرة في الحفاظ على الكيان األسري والحلقة األضعف
فيها وهي الزوجة خاصة في ظل ما يمارس من عنف مادي ومعنوي واقتصادي ضدها من قبل
الزوج في قائم الحياة الزوجية وحتى بعد انحالل هاته الرابطة ،تدخل المشرع التونسي بموجب
القانون األساسي عدد 58المؤرخ في 11أوت 242017والمتعلق بالقضاء على العنف ضد
المرأة والذي جاء فيه توسيع لدور قاضي األسرة واضطالعه بحماية المرأة من العنف ،25إذ
اقتضى الفصل 23منه أنه "تخصص فضاءات مستقلة داخل المحاكم االبتدائية تضم القضاة
المختصين بقضايا العنف ضد المرأة على مستوى النيابة العمومية والتحقيق و قضاة األسرة".
وتبعا لذلك أصبح بموجب هذا القانون دور حمائي لقاضي األسرة إذ بات يمكن للزوجة المفارقة
مطالبته بحقها في الحماية ،وتتم هذه المطالبة طبقا لمقتضيات الفصل 30من القانون
األساسي عدد 58لسنة 2017بموجب مطلب كتابي صاد ار عن الزوجة أو عن األبناء في
24
القانون األساسي عدد 58لسنة 2017المؤرخ في 11أوت 2017والمتعلق بالقضاء على العلف ضد المرأة ،دخل حيز التنفيذ بتاريخ 11فيفري
.2018
25
يقصد العنف ضد المرأة طبقا ألحكام الفصل الثالث من قانون عدد 58لسنة " 2017كل اعتداء مادي او معنوي او جنسي او اقتصادي ضد المرأة
أساسه التمييز بسبب الجنس و الذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضور جسدي أو نفسي أو جنسي او اقتصادي للمرأة ويشمل هذا التهديد بهذا االعتداء
أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات سواء في الحياة العامة أو الخاصة".
صورة تضررهم يتضمن شرحا ألسبابه والتدابير المطلوب اتخاذها ومدة الحماية وعند االقتضاء
تحديد معين النفقة 26ومقدار منحة السكن .27
لقد وسع المشرع في دور قاضي األسرة 28ليشمل حتى سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بالحقوق
ذات الصبغة المعاشية والممثلة أساسا في النفقة ومنحة السكن حتى خارج إطار قضية الطالق
أي في قائم الحياة الزوجية أو بعد انحاللها ،فالغاية هنا هي حماية مصلحة المرأة في أي وقت
تكون فيها هذه األخيرة معرضة للخطر بغض النظر عن وجود قضية طالق منشورة.
ويبت قاضي األسرة في مطلب الحماية طبقا لإلجراءات المقررة لدى محكمة الناحية في القضاء
المستعجل وذلك ضمانا لسرعة توفير الحماية باعتبارها الهدف الذي يسمو إليه المشرع من
خالل إرساء هذا القانون ،هذا مع اإلشارة وأن تعهد قاضي األسرة بهذه الحماية يمكن أن يكون
من تلقاء نفسه دون تقديم مطلبا في الغرض 29كما هو الشأن عند نظره في قضايا الطفولة
المهددة.
وتجدر اإلشارة إلى أنه بناء على قرار الحماية الممنوح للزوجة أو المفارقة واألبناء أصبح
قاضي األسرة يسلط رقابته على حق السكنى الممنوح لهما حتى خارج إطار قضية الطالق
وبمجرد وقوع عنف عليهما من قبل الزوج أو المفارق وذلك بانتهاج أحد الخيارات التي اقتضاه
الفصل 33من القانون األساسي عدد 58لسنة 2017وهي كاآلتي:
فأما الخيار األول فهو إبقاء المرأة وأبنائها بالمسكن العائلي إو لزام األب قص ار بمغادرته وتمكينه
من تسلم كافة أغراضه الشخصية بموجب محضر محرر في الغرض من قبل عدل التنفيذ.
أما الخيار الثاني فتحديد سكنى المرأة وأبناءها المقيمين معها وعند االقتضاء إلزام المطلوب
بأداء منحة السكن حتى في صورة عدم سابقية تعهد المحكمة المختصة بها أو صدور حكم
فيها ،وهذا األمر ليس حك ار على حق السكنى فقط إو نما يمتد أيضا إلى حق النفقة إذ اقتضى
نفس الفصل 33في فقرته السابعة أنه " يمكن لقاضي األسرة بموجب قرار الحماية أن يتخذ
أحد التدابير التالية ... :تقدير نفقة الزوجة ضحية العنف واألطفال وعند االقتضاء مساهمة كل
من الزوجين فيها ما لم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر في النفقة أو صدور حكم فيها".
26
وقد نظم المشرع النظام القانوني للنفقة صلب مجلة األحوال الشخصية وتحديدا صلب الفصل 50وما بعده من المجلة.
27
الفصل 31من القانون عدد 58لسنة .2017
28
نص الفصل 33من القانون عدد 58لسنة 2017على أنه " :يمكن لقاضي األسرة بموجب قرار الحماية أن يتخذ أحد التدابير التالية ."...
29
الفقرة الثانية من الفصل 30من القانون األساسي عدد 58لسنة .2017
إو ن دل هذا على شيء فهو يدل على مدى حرص المشرع التونسي على توفير الظروف
المالئمة لفائدة المرأة وأبنائها حتى يتمكنوا من العيش بيسر دون وجود أي خطر قد يؤثر على
استقرارهم النفسي وخاصة المادي.
ولعل هذا األمر هو الذي دفع المشرع ليكفل حق الزوجة في أدباشها الموجودة في محل
الزوجية في صورة مغادرتها له وذلك بعد استالم كافة أغراضها الشخصية وكل مستلزمات
أبنائها المقيمين معها بموجب محضر رسمي محرر من قبل عدل التنفيذ يكون نفقته على
المطلوب , 30وهو ما يستشف منه محاولة المشرع تقليل النزاعات التي قد تنشأ عن عدم تمكين
الزوجة من أدباشها بعد مغادرة محل الزوجية و التي تمتد إلى رفع دعاوى قضائية في ضبط
عارفة ومتاع البيت لما في ذلك من إثقال لكاهل الزوجة ماديا خاصة إذا كانت ال تعمل وليس
لها مورد رزق وكذلك تشديد إزاء الزوج من خالل تحميله نفقات تحرير المحضر وذلك بقصد
إثنائه عن هضم حقوق زوجته وأبناءه في العيش بأمان.
وهذه الحماية القانونية المكرسة بالقانون األساسي عدد 58لسنة 2017شملت أيضا األمالك
المشتركة إذ اقتضت الفقرة الرابعة من الفصل 33منه "إلزام المطلوب 31بعدم اإلضرار
بالممتلكات الخاصة بالضحية أو األطفال المشمولين بقرار الحماية أو األموال المشتركة أو
التصرف فيها".
وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع نص على ضمانات جزائية ذات طبيعة زجرية تتمثل أساسا في
عقوبات سالبة للحرية وخطايا مالية ترتب في صورة عدم اإلذعان للتدابير المذكورة آنفا
والمحررة بقرار الحماية أو في صورة خرقها بعد تنفيذها.32
اختار المشرع أن يعهد قاضي األسرة بوظيفة إصدار ق اررات الحماية .غير أّن هذا الخيار قد
يكون مصد ار لبعض الخلط بين الوظائف المختلفة لقاضي األسرة والتي تجد أسسها في عدة
قوانين أخرى تشترك مع القانون األساسي عدد 58لسنة 2017في نفس الهدف المتمثل في
توفير حماية مستعجلة وفورية للنساء واألطفال على وجه أخص.
30
راجع أحكام الفقرة الخامسة من الفصل 33من القانون األساسي عدد 58لسنة .2017
31
وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع اعتمد صلب القانون المذكور عبارة "المطلوب" عوضا عن عبارة "المظنون فيه" باعتبار أن قرار الحماية يرتبط
بالجانب المدني وليس بالجانب الجزائي.
32
راجع الفصلين 37و 38من القانون األساسي عدد 58لسنة .2017
ولعّل الخلط بين هاتين الوظيفتين لقاضي األسرة يزداد حدة حين نعلم أّن الفصل 32م.أ.ش
جعل من الق اررات الفورية المتخذة من قبل قاضي األسرة بصفته قاض صلحي في مادة الطالق
تنّفذ "على المسودة" ،أي بناء على محضر المحاولة الصلحية المحّر ر بخط يد قاضي األسرة
والممضى من قبله ،33نظ ار لطابعها المعيشي المستعجل ،وغير قابلة للطعن بالتعقيب .وهي
خصوصيات إجرائية تتالقى فيها الق اررات الفورية في مادة الطالق مع قرار الحماية.34
رغم الدور الموكول لقاضي األسرة للنظر في قضايا الطالق وفروعه ضمانًا لكافة الحقوق في
صورة انحالل الرابطة الزوجية وخاصة منها ذات الصبغة المعاشية المتأكدة كالنفقة والسكنى
إضافة لدوره الموكول له حتى قبل سابقية تعهد المحكمة بقضية طالق إال أن هذه المؤسسة
شهدت على مستوى التطبيق عدة مواطن ضعف ذلك أن الفصل 32من م.أ.ش الذي أرساها
بعد تنقيحه وردت عباراته عامة وغامضة في أغلبها وهو األمر الذي جعل نجاعة هذه المؤسسة
القضائية محدودة نسبيا.35
وتبدو مواطن الضعف جلية خاصة عند اإلجابة عن التساؤالت التالية كالغاية من إحداث هذه
المؤسسة؟ ( )1وكيفية اختيار قاضي األسرة؟ ( )2والتكوين المطلوب فيه؟ ()3
نادت العديد من األصوات لعدة سنوات 36بضرورة إنشاء هذا الهيكل القضائي المختص بالنظر
في قضايا األسرة فكان تنقيح الفصل 32من م.أ.ش بموجب القانون عدد 74لسنة 1993
المؤرخ في 12جويلية .1993
لكن بالرجوع إلى الفصل المذكور نجد أن المشرع التونسي تحدث عن قاضي األسرة بصيغة
المفرد ،وهو ما قد يستنتج منه أنه ال يوجد في المحكمة إال قاض واحد يهتم باألسرة األمر الذي
يحيلنا إلى االعتقاد بأن دائرة األحوال الشخصية أصبحت دائرة فردية وهو ما يتناقض حسب
33
دليل ق اررات الحماية بتونس طبق القانون عدد 58لسنة 2017المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة إعداد الخبيرتين رشيدة جالمي -حنان
قداس جوان . 2020
34
قرار قاضي األسرة عدد 1066المحكمة االبتدائية سوسة 2بتاريخ .06/08/2019
35
ساسي بن حليمة :دور قاضي األسرة في قضايا الطالق ،م.ق.ت ،جانفي ،1994ص.56
36
ثريا بن سعد :آثار الطالق بين التشريع والواقع المجتمعي ،تونس أنموذجا ،مرجع سابق ،ص.172
بعض الفقهاء 37مع ما هو موجود حاليا باعتبار أن العمل في الدائرة ال زال يتم بموجب تركيبة
ثالثية رغم إحداث هذه المؤسسة.
هذا األمر يقودنا للقول أنه من المستحسن أن يكون األمر متعلقا ال بقاضي األسرة بل به
محكمة األسرة.38
وان وقع تخصيص فضاء مستقل بمقرات المحاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف أطلق عليه
اسم" :فضاء األسرة والطفولة" ،39وذلك حماية لخصوصية القضايا المتعلقة بالشؤون العائلية
والزوجية مما مثل خطوة ثانية هامة على درب التخصص إلى جانب "مؤسسة قاضي األسرة"،
ينتظر أن تليها خطوات أخرى حتى نصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول األجنبية من إحداث
"لمحاكم" متخصصة بالنظر في شؤون األسرة ،متكونة من قضاة أسرة ومندوبي طفولة وموفقي
أو مندوبي أسرة مختصين في علوم االجتماع والنفس تسيرها إجراءات بسيطة وسريعة حفاظا
على الكيان األسري من التفكك ،لما له من مخاطر على األفراد والمجمع ككل ،وهو ما نادى
به العديد من رجال القانون 40وال زالوا.
لكن بالرغم من كل ذلك فإن المشرع التونسي يشير إلى قاضي األسرة ال إلى محكمة األسرة أو
إلى دائرة األسرة باعتبار أن غايته كانت في خلق خلية متخصصة تشرف على توفير الحماية
لألسرة من التصدع والتفكك وذلك في نطاق ما اتخذه من تنقيحات دعمت مكاسب المرأة
التونسية بصفة خاصة وضمنت مناعة األسرة بصفة عامة.
اقتضت أحكام الفصل 32من م.أ.ش أن رئيس المحكمة يختار قاضي األسرة من بين وكالئه.
ويؤخذ من عبارات الفصل المذكور أن اختيار قاضي األسرة يتم من طرف رئيس المحكمة
حسب اجتهاده الخاص إذ أن المشرع لم يضع مواصفات يجب توفرها في قاضي األسرة سوى
أنه يجب أن يقع اختياره من بين وكالئه.
37
ساسي بن حليمة :دور قاضي األسرة في قضايا الطالق ،مرجع سابق ،ص.26
38
الهادي مريبح :المناداة ببعث دائرة مختصة في قضايا األسرة ،م.ق.ت ،1968ص .361
39
الذي بدأ العمل يوم ,2005-7-16ويعنى هذا الفضاء بقضايا الطفولة واألسرة ،كقضايا الطالق بطوريها الصلحي والحكمي وقضايا الطفولة المهددة
والجانحة والقضايا الجزائية المنشورة بين األزواج واألصول والفروع ،إلى جانب متابعة الشكايات المتولدة عن هذه العالقات.
40
من بينهم المستشارة نجيبة الشريف التي لم تكتف بالمناداة بل اقترحت مشروعا لهيكلية هذه المؤسسة المختصة" :محكمة األسرة" ,انظر كتابها :الطفل
والطالق وبعد ،ص .220-219
كما يبدو أن رئيس المحكمة ال يمكنه أن يكون قاضي األسرة باعتبار أن النص قد كلفه
باختيار هذا األخير من بين وكالئه وبالتالي إقصاءه من دائرة القضاة الذين قد تشملهم خطة
قاضي األسرة ،ويبدو أن البعض 41اعتبر أن هذا اإلقصاء في غير طريقه إذ كان من
المستحسن أن يكون قاضي األسرة هو رئيس المحكمة بالنظر إلى خبرته ودرايته بأمور الناس
ولعله أيضا أوسع صد ار من زمالئه األصغر سنا الذي قد يضيقون ذرعا بمشاكل األسرة عامة
واألزواج خاصة.
لكن هذا اإلقصاء يبقى نسبيا إذ أن الباب ال يزال مفتوحا أمام رئيس المحكمة لممارسة مهام
قاضي األسرة إذا ما اعتبرنا أن ما يمكن لوكيل الرئيس أن يقوم به فإنه من باب أولى أن
يمارسه الرئيس نفسه.
إن صياغة الفصل 32من م.أ.ش تستوجب وجود ثالث وكالء للرئيس على األقل ،فهل هذه
الوضعية موجودة في كل المحاكم التونسية؟
كما يستنتج منه أنه إذا كان وكيل رئيس واحد فهو بصفة مسبقة مفروض عليه أن يكون قاضي
أسرة ،لكن اإلشكال الذي قد يطرح في هذا اإلطار هو في الحالة التي يكون فيها القاضي غير
مختص في ميدان القضاء األسري أو غير راغب في ممارسة هذه المهمة ،فما هو الحل
حينئذ؟
لم يذكر القانون شيئا عن تكوين قاضي األسرة ،واعتبر بحسب ما يبدو أن من يصل إلى رتبة
وكيل الرئيس يصبح مؤهال للقيام بوظائف قاضي األسرة بصورة آلية وحتمية .وبالرجوع إلى
أعمال التحضيرية للمشروع نجد أن السيد وزير العدل قد تحدث عن هذه المسألة 42فقال ":هو
القاضي الذي له إلمام بحياة األشخاص ،وبالملفات التي تعرض عليه وهو الذي يكون له من
الوقت الكافي للصلح ،ومن الوقت الكافي لمتابعة الملفات ،ويكون له علم دقيق بسلوكيات
األسر وبتقنيات المصالحة بين األسرة وبتتبع حياة األسرة وخاصة مراعاة مصلحة األبناء".43
41
ساسي بن حليمة :دور قاضي األسرة في قضايا الطالق ،مرجع سابق ،ص.27
42
سفيان البرجي :إجراءات التقاضي في مادة الطالق ،ص .127-126
43
الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ،مداوالت مجلس النواب عدد 43في .1993-07-09
لكن سكوت المشرع عن الشروط والتكوين الواجب توفره في قاضي األسرة من شأنه أن يؤدي
إلى عدة مساوئ على المستوى التطبيقي من ذلك ما جرى العمل به في المحاكم التونسية وهو
أن يقع تكليف العديد من وكالء الرئيس بإجراء المحاولة الصلحية رغم أن الدائرة التي يترأسونها
ويمارسون في نطاقها وظيفتهم القضائية ال عالقة لها بالمرة بقضايا األسرة كأن تكون دائرة
مدنية عادية أو تجارية أو جناحية.
أيضا قد يكون القاضي المشرف على الجلسة الصلحية األولى ليس هو نفسه المشرف على
الجلسة الثانية والثالثة ،ودون أن يشارك في الهيأة القضائية التي تنظر في القضية.
وهذا يتنافى تماما واألهداف التي من أجلها أرسى المشرع مؤسسة قاضي األسرة وهو جهاز
قضائي مختص في إجراء المحاوالت الصلحية وفي تتبع نفس القضية في كامل طورها
الصلحي ،حتى يتسنى له معرفة شخصية ودقيقة بمالبسات كل قضية وهو من شأنه أن
يساعده على إنجاح الجلسات الصلحية وحماية األسرة من التفكك.44
إو ذا كان االتفاق حاصل فيما يجب أن يتوفر في قاضي األسرة من ضرورة اإلحاطة بمبادئ
علم النفس وعلم االجتماع إضافة إلى اكتساب تجربة إنسانية وقضائية واجتماعية معتبرة تمكنه
من النجاح في مهمته ،فإن الواقع التطبيقي داخل المحاكم أثبت خالف ذلك .باعتبار أن قضايا
األحوال الشخصية أصبحت موكولة بالنظر إلى قضاة شبان أو إلى قضاة يمارسون وظائفهم
في دائرة ال عالقة لها بقضاء األسرة ،مع اإلشارة أن صغر السن أو قلة التجربة ال يعتبران
عائقا أمام أداء وظيفة الصلح بين األزواج على أحسن وجه طالما أن االستثناء موجود واقعا
وقانونا ،وهو استثناء يتصل بقدرة القاضي على اإلقناع كموهبة ومعطى ال تحكمه في العادة
معطيات أو مقاييس موضوعية .45
كما تبدو هذه المهمة من حيث الواقع وفي غالب األحيان مستحيلة بحكم نقص اإلطار
القضائي وتضخم عدد قضايا الطالق ببالدنا الشيء الذي يجعل قاضي األسرة أمام مفارقة
ضيق الوقت وكثرة الجهد المبذول من جانبه.46
44
سفيان البرجي :إجراءات التقاضي في مادة الطالق ،ص .127-126
فضيلة بورقيبة :م.س ،ص .11
45
عماد نشبة :قاضي األسرة ،محاضرة ختم التمرين لمهنة المحاماة ،السنة القضائية ،2001-2000 ،ص.12
46
عبد الفتاح الزراتي :الجلسة الصلحية ،محاضرة ألقيت خالل الملتقى المنتظم بالمعهد األعلى للقضاء بتونس حول العالقات الزوجية أمام القضاء،
ليومي 2و 3مارس ،1992ص .39
لكن يجب أن نحصر هذا اإلشكال في األسباب المستمدة من واقع العمل إو مكانيات المحاكم بل
توجد أسباب أخرى ال تقل أهمية راجعة للمتقاضي في حد ذاته بفعل تعدد دوافع الطالق على
تفاهتها أحيانا وتفشي الظاهرة في مجتمعنا حيث ازدهرت عقلية الخصام دون أن ننسى عدم
تأقلم هذه العقلية بصفة فعلية إلى حد اآلن مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة كاختيار تشريعي
باألساس.
وهذه النقائص التي شهدتها مؤسسة قاضي األسرة كانت سببا في مناداة بعض رجاالت القانون
بضرورة إنشاء هياكل مساعدة له تضطلع بدور توفيقي أكثر منه قضائي وذلك في إطار
السياسة التشريعية اإلصالحية التي انتهجها المشرع التونسي دعما للنظام العائلي العام.
إن وجود الخالفات بين الزوجين وتأججها خاصة في الحالة التي يكون لهم أبناء قد يكون معها
الطالق الحل األنسب وذلك حفاظا على الرابطة األسرية التي تبقى متواصلة وهو األمر الذي
جعل المشرع التونسي يكرس جملة من الحقوق ذات الطبيعة المالية لفائدة المفارقة وأبنائها
كضمانات قانونية تكفل لهم استقرارهم المادي ،لكن المتأمل في جملة هذه الحقوق وعلى رغم
من تفصيلها إال أن تفعيلها على أرض الواقع وجد صعوبات مختلفة وذلك على عدة أصعدة
حّد ت من نجاعتها.
لقد أثبت الواقع أن هذه الحقوق ال تفي في حقيقة األمر بتلبية المتطلبات المعيشية للمفارقة
بطالق وأبنائها وذلك سواء من حيث غياب الضمانات الكفيلة باستمرارها خاصة في ظل ارتفاع
حال الوقت واألسعار ومحدودية دخل الزوج المفارق وانعدام الموارد المالية للمفارقة وهو ما من
شأنه أن يؤدي إلى تقهقر مستوى العيش بالنظر إلى العوز المالي من جهة وتفاقم المصاريف
وتزايدها مع تقدم األبناء في السن ،أو من حيث صعوبة إجراءات تبليغ وتنفيذ األحكام الصادرة
بهذه الحقوق والتي من شأنها أن تقف عائقا أمام توصل المرأة المفارقة بهذه الحقوق.
فلئن أولى المشرع تبليغ وتنفيذ األحكام أهمية بالغة ونظم اإلجراءات المتعلقة بها بمجلة
المرافعات المدنية والتجارية إال أن كثرة هذه اإلجراءات وتعقيداتها طرح عدة إشكاالت سواء
على مستوى بطالنها بما يستحيل معه تنفيذ الحكم أو على مستوى ظهور منازعات في شأنها
بما يؤدي إلى تأخير وتباطؤ في تنفيذ الحكم الصادر بتلك الحقوق المالية.
وأمام كل هذه الصعوبات التي حّد ت من الحقوق المالية الناشئة لمفارقة الطالق وأبنائها ،كان
ال بد من تدخل تشريعي يرسي جملة من الفعاليات وهو ما قام به المشرع التونسي وذلك من
خالل إحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق كمؤسسة اجتماعية تهدف لضمان الحقوق
المالية ذات الطبيعة المعاشية وتحديد مجال تدخله إو جراءاته وكيفية تنمية موارده ضمانا
الستم ارريته.