You are on page 1of 80

‫الشاىد من األمر أف كجود الفرؽ بُت خط ا‪١‬تصحف كا‪٠‬تط القياسي اإلمالئي ىو الذم يدفع‬

‫إىل معرفة القواعد اليت سار عليها ا‪٠‬تط ا‪١‬تصحفي من أجل اإلبقاء على ىذا ا‪٠‬تط ا‪٠‬تالد منتظما‬
‫‪٤‬تفوظا من النقص‪ ،‬ألنو ا‪٠‬تط الذم كتب بو القرآف الكرَل‪ ،‬فهو باؽ ببقائو‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف علم رسم المصحف‬


‫أكال‪ :‬تعريف الرسم‪.‬‬
‫قاؿ ابن منظور‪« :‬الرسم األثر‪ ،‬كقيل‪ :‬بقية األثر‪ ،‬كقيل‪ :‬ىو ما ليس لو شخص من اآلثار‪،‬‬
‫كقيل‪ :‬ىو ما لصق باألرض منها‪ .‬كرسم الدار‪ :‬ما كاف من آثارىا؛ الصقا باألرض‪ .‬كا‪ٞ‬تمع أرسم؛‬
‫كرسوـ‪ ».‬لساف العرب مادة [رسم]‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف المصحف‪.‬‬
‫كص ٍحف‪... .‬‬ ‫ً‬
‫كص يحف؛ ي‬
‫ف؛ ي‬ ‫ص ىحائ ي‬
‫قاؿ ُب اللساف‪« :‬الصحيفة‪ :‬اليت يكتب فيها‪ ،‬كا‪ٞ‬تمع ى‬
‫ف؛ كالكسر؛ كالفتح‬ ‫كا‪١‬تصحف؛ كا‪١‬تًصحف‪ :‬ا‪ٞ‬تامع للصحف ا‪١‬تكتوبة بُت الدفتُت‪ ،‬كأنو أ ً‬
‫يصح ى‬
‫ٍ‬ ‫ٍى ي‬ ‫يٍ ى ي‬
‫فيو‪ :‬لغة‪ ... ،‬أم‪ :‬جعل جامعا للصحف ا‪١‬تكتوبة‪ ».‬لساف العرب مادة [صحف]‬
‫ثالثا‪ :‬معنى العثماني‪.‬‬
‫ىي نسبة إىل الصحايب ا‪ٞ‬تليل؛ ا‪٠‬تليفة الراشد؛ عثماف بن عفاف‪.‬‬
‫بن عفاف؛ بن أيب العاص؛ بن أمية؛ بن عبد مشس؛ بن عبد مناؼ‪ ،‬أمَت‬ ‫كىو عثماف‬
‫ا‪١‬تؤمنُت‪ ،‬أبو عمرك‪ ،‬كأبو عبد ا﵁‪ ،‬القرشي؛ األموم‪.‬‬
‫لثماٍل عشرة خلت من ذم ا‪ٟ‬تجة؛ يوـ ا‪ٞ‬تمعة؛ بعد العصر‪ ،‬كدفن بالبقيع بُت‬ ‫قتل‬
‫العشاءين‪ ،‬كىو ابن اثنتُت ك‪ٙ‬تانُت سنة‪.‬‬
‫التعريف االصطالحي‪:‬‬
‫اختلفت عبارات أىل العلم؛ ُب التعبَت عن مصطلح رسم ا‪١‬تصحف العثماٍل‪ ،‬ا‪١‬تتعلق بالقرآف‬
‫الكرَل‪.‬‬
‫يقوؿ ابن خلدكف‪« :‬كرٔتا أضيف إىل فن القراءات فن الرسم أيضا‪ ،‬كىي‪ :‬أكضاع حركؼ‬ ‫ؼ‬
‫القرآف ُب ا‪١‬تصحف؛ كرسومو ا‪٠‬تطية‪ ،‬ألف فيو حركفا كثَتة؛ كقع ر‪ٝ‬تها على غَت ا‪١‬تعركؼ من قياس‬
‫ا‪٠‬تط‪.».‬‬
‫كيقوؿ التنسي‪« :‬ما يرجع إىل بياف الزائد كالناقص؛ كا‪١‬تبدؿ كغَته؛ كا‪١‬توصوؿ كغَته؛ كىو‬
‫ا‪١‬تسمى بعلم الرسم‪.».‬‬
‫‪« :‬ىو علم تعرؼ بو ‪٥‬تالفة ا‪١‬تصاحف العثمانية؛ ألصوؿ الرسم‬ ‫كيقوؿ علي الضباع‬
‫القياسي‪.».‬‬
‫؛ ُب كتابة كلمات‬ ‫كيقوؿ الزرقاٍل‪« :‬رسم ا‪١‬تصحف‪ :‬يراد بو الوضع الذم ارتضاه عثماف‬
‫القرآف كحركفو‪.».‬‬
‫كيقوؿ د‪ .‬الفرماكم‪« :‬ىو الرسم ا‪١‬تخصوص؛ الذم كتبت بو حركؼ القرآف؛ ككلماتو؛ أثناء‬
‫كتابة القرآف الكرَل‪ُ ،‬ب ‪ٚ‬تيع مراحلو الكتابية؛ اليت كاف آخرىا كتابتو ُب عهد عثماف ‪.».‬‬
‫فا‪١‬تالحظ من ‪ٚ‬تيع ىذه التعريفات؛ اجتماعها على أف للمصحف العثماٍل طريقة ُب الكتابة؛‬
‫ٗتالف الطريقة ا‪١‬تعتادة؛ اليت تستعمل ُب الرسم اإلمالئي؛ القياسي‪.‬‬
‫كمعلوـ أف ىذه الطريقة اختصت بشيئُت اثنُت‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬ضبط كحصر كلمات القرآف الكرَل؛ لئال تستبدؿ بأخرل‪ ،‬كلئال يزاد عليها؛ أك ينقص‪،‬‬
‫ككاف ىذا ا‪٢‬تدؼ األكؿ؛ من كجود ا‪١‬تصاحف العثمانية‪.‬‬
‫كاآلخر‪ :‬ضبط ا‪ٟ‬تركؼ ُب ىذه الكلمات؛ على نسق خاص؛ ٮتتلف مع الرسم اإلمالئي‬
‫ا‪١‬تعتاد‪ ،‬ألسرار؛ اختص ٔتعرفة بعض منها؛ من أطلعهم ا﵁ تعاىل؛ على شيء من ذلك‪.‬‬
‫من ذلك؛ احتما‪٢‬تا كثَتا من األحرؼ ‪-‬ا‪١‬تنزؿ عليها القرآف‪ -‬السبعة‪.‬‬
‫كمل تستوعب األمرين معا بعض التعريفات‪ ،‬كتعريف ابن خلدكف؛ كالتنسي؛ كالضباع‪ ،‬بينما كاف‬
‫ُب بعضها اآلخر حشو كتكرار كإيراد للخالؼ‪ ،‬كتعريف الفرماكم‪ ،‬كأحسن التعريفات؛ تعريف‬
‫الرض عن ا‪١‬تصحف؛ بعثماف كحده‬ ‫الزرقاٍل؛ لوال أنو يوىم اختصاص ا‬
‫كالتعريف الذم أقًتح ق؛ عن معٌت رسم ا‪١‬تصحف العثماٍل؛ أنو‪:‬‬
‫«صورة كلمات كحركؼ المصاحف؛ التي أجمع عليها الصحابة؛ زمن عثماف‬
‫كُب ىذا التعريف ‪-‬زيادة على ما ُب التعريفات السابقة‪ -‬ذكر حجية ىذا الرسم؛ كقيمتو‬
‫الشرعية‪ ،‬كأهنا ىي السبب ُب العناية بو‪ ،‬كا﵁ أعلم‪.‬‬
‫كعلم رسم ا‪١‬تصحف العثماٍل إذف ىو‪« :‬علم يعنى بصورة كلمات كحركؼ مصحف عثماف‬
‫رضي اهلل عنو ككجو مخالفتها للرسم القياسي‪.».‬‬
‫موضوع علم الرسم ‪ :‬حركؼ ا‪١‬تصاحف العثمانية من حيث ا‪ٟ‬تذؼ كالزيادة كالفصل كالوصل‬
‫ك‪٨‬تو ذلك‪.‬‬
‫أىميتو‪ :‬تظهر أ‪٫‬تية ىذا العلم من حيث تعلقو بكتاب ا﵁ تعاىل ككيفيتها‪ ،‬كاختالؼ الناس ُب‬
‫بعض الكلمات‪ ،‬كبياف ذلك‪.‬‬
‫كما يكتسي األ‪٫‬تية من خالؿ ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬كونو عبارة عن قواعد متعلقة بكتابة القرآف‪.‬‬


‫‪ .2‬كوف الصحابة ىم من قعد ىذه القواعد‪.‬‬
‫‪ .3‬كوهنم اعتمدكا ُب ذلك على ا‪١‬تكتوبات اليت كانت تكتب بُت يدم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم‪.‬‬
‫‪ .4‬كوف ا‪٠‬تليفة عثماف رضي ا﵁ عنو أمر بإحراؽ ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تصاحف دكف مصحفو‪.‬‬

‫فائدتو‪:‬‬

‫‪ .1‬الداللة على القراءات ا‪١‬تتنوعة ُب الكلمة الواحدة ما أمكن ‪٨‬تو (تبلوا_ تتلوا) كتبت بال نقط‬
‫كال إعراب فدلت على ذلك القراءتُت ‪.‬‬
‫َ َّ ٓ َ‬
‫ٱلص ٍَا َء بَن ۡي َنَٰ َٓا‬‫ﵟو‬ ‫‪.‬كزيادة الياء ُب‬ ‫عند من يقوؿ بداللتو‬ ‫‪ .2‬الداللة على معٌت خفي‬
‫َ‬
‫ب ِ ۡ يْ ّٖدﵞ [الذاريات‪ ]47 :‬إٯتاء لتعظيم قوة ا﵁‪ ،‬كأف يد ا﵁ تعاىل ليست كأيدينا‪.‬‬
‫َّ َ َٰ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫‪ .3‬الداللة على أصل ا‪ٟ‬تركة مثل ﵟش ورِييًﵞ [األعزاف‪ ]145 :‬أك أصل ا‪ٟ‬ترؼ ﵟٱلصئةﵞ‪.‬‬
‫َ َ َۡ‬
‫‪ .4‬إفادة بعض اللغات الفصيحة كقولو ﵟي ۡٔ ي ِتﵞ [هود‪ْ ]105 :‬تذؼ الياء على لغة ىذيل‪.‬‬
‫‪ٛ .5‬تل الناس على تلقي القر آف الكرَل من صدكر الثقات‪ ،‬كال يتكلوا على الرسم كُب ذلك‬
‫ميزتاف‪:‬‬

‫األكىل‪ :‬التوثق من اللفظ كاألداء حيث اليتقن من الرسم أيا كاف شكلو‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬اتصاؿ السند بالرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم كىذه خاصية لألمة ا﵀مدية‪.‬‬
‫حكمو‪ :‬ىو من فركض الكفاية اليت إذا قاـ هبا بعض سقط اإلٍب عن الباقُت‪ ،‬كذلك ألنو من‬
‫العلم بكتاب ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫مصادره‪:‬‬
‫‪ .1‬ا‪١‬تصاحف العثمانية اليت كتبها الصحابة رضواف ا﵁ عليهم بتكليف من عثماف بن عفاف‬
‫رضي ا﵁ عنو كا‪١‬تصاحف اليت يكتًبت موافقة ُب ر‪ٝ‬تها للمصاحف العثمانية‪.‬‬
‫‪.2‬ا‪١‬تؤلفات اليت صنفها العلماء مقتبسُت مادهتا العلمية من ا‪١‬تصاحف اليت كصلت إليهم‪ ،‬كقد‬
‫ظهر ُب كل مصر من األمصار إماـ ركل ما كرد ُب مصحف بلده‪ ،‬إذ أف أئمة القراءة كانوا يرككف‬
‫كيفية رسم الكلمات إىل جانب ركايتهم للقراءات‪.‬‬
‫‪.3‬الركايات اليت اعتمدىا العلماء عن أئمتهم كمشاٮتهم‪ ،‬ألف مصدر القرآف ىو التلقي باألفواه‬
‫كالضبط بالصدكر قبل السطور‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية‪ :‬أصل الكتابة العربية‬
‫ط العربي‪:‬‬
‫أصل الخ ّ‬
‫اللغة العربية ىي إحدل اللغات الساميٌة‪ ،‬كاليت سكن أىلها شبو جزيرة العرب بعد تشتت‬
‫الساميُت‪ ،‬الذين انتشركا ُب أ‪٨‬تاء ‪٥‬تتلفة‪ ،‬فنتج عن ذلك ا‪٨‬تالؿ لغتهم السامية إىل عدة لغات‪،‬‬
‫كقد قسم العلماءي العربيةى‪ ،‬إىل عربية بائدة‪ ،‬كعربية باقية‪ ،‬فأما البائدة‪ ،‬فلم يبق منها إال بعض‬
‫النقوش الصفوية كالثمودية كاللحيانية‪ ،‬كاليت تشَت إىل أف تلك األمم كانت تتكلم العربية‪ ،‬ك ٌأما الباقية‪،‬‬
‫كعمن‬
‫فهي اليت يتكلم هبا العرب ُب العصر ا‪ٟ‬تايل‪ ،‬كاليت اختلف العلماء ُب أصلها‪ ،‬كمكاف نشأهتا‪َّ ،‬‬
‫أخذىا العرب؟ كتعددت اآلراء ُب ذلك‪ ،‬كمنها‪:‬‬
‫ط العريب توقيف من ا﵁ تعاىل‪ ،‬علٌمو آلدـ عليو السالـ ‪.‬‬ ‫‪ -1‬أف ا‪٠‬ت ٌ‬
‫ط أىل اليمن‪ ،‬انتقل إىل العراؽ؛ حيث‬ ‫‪ -2‬أنٌو مشتق من ا‪٠‬تط ا‪ٟ‬تمَتم (ا‪١‬تسند)‪ ،‬كىو خ ٌ‬
‫تعلمو أىل ا‪ٟ‬تَتة‪ٍ ،‬ب تعلمو أىل األنبار‪ ،‬فنقلتو ‪ٚ‬تاعة إىل ا‪ٟ‬تجاز‪ ،‬عن طريق القوافل التجارية‪ ،‬غَت أف‬
‫ط‬
‫ىذا ال يستند إىل أم دليل مادم‪ ،‬كليست ىناؾ عالقة ظاىرة بُت خطوط «‪ٛ‬تَت» ُب اليمن‪ ،‬كا‪٠‬ت ٌ‬
‫العريب ا‪ٟ‬تايل‪ ،‬كاؿنقوش العربية البائدة‪ ،‬كاليت كتبت ٓتط ا‪١‬تسند‪ٗ ،‬تالف ىذا الرأم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -3‬أ ٌف من كضع ا‪٠‬تط العريب‪ ،‬رجل من بٍت ٮتلد‪ ،‬يدعى النضر بن كنانة‪ ،‬فكتبت بو العرب‪.‬‬
‫‪ -4‬ك يركل ابن عباس يقوؿ أف أكؿ من كضع الكتاب العريب إ‪ٝ‬تاعيل ‪ -‬عليو السالـ ‪-‬‬
‫كصفو على لفظو كمنطقو‪.‬‬
‫احدا كجعلوه‬
‫كتيما كدكمة بٍت إ‪ٝ‬تاعيل‪ ،‬كضعوا كتابنا ك ن‬
‫كنصرا ن‬
‫نفيسا ن‬‫‪ -5‬كقيل أف أكؿ من كضعو ن‬
‫احدا موصوؿ ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬ ‫سطرا ك ن‬
‫ن‬
‫‪ -6‬كقيل‪ :‬إف الكالـ العريب بلغة ‪ٛ‬تَت كطسم‪ ،‬كجديس كارـ كحويل‪ ،‬فهؤالء ىم العرب‬
‫العاربة‪ ،‬كأف إ‪ٝ‬تاعيل ‪١‬تا حصل ُب ا‪ٟ‬ترـ كنشأ ككرب‪ ،‬كتزكج ُب جرىم‪ ،‬اىل معاكية بن مضاض ا‪ٞ‬تر‪٫‬تي‪،‬‬
‫فهم أخواؿ كلده‪ ،‬فعلم كالمهم‪.‬‬
‫مرة‪ ،‬كأسلم بن سدرة‪ ،‬كعامر‬‫‪.-7‬كقيل‪ :‬إف ثالثة نفر من طيء اجتمعوا ببقعة كىم (مرامر بن ٌ‬
‫ط‪ ،‬كقاسوا ىجاء العربية على ىجاء السريانية‪ ،‬فتعلمو قوـ من األنبار‪ ،‬كعنهم‬
‫بن جدرة)‪ ،‬فوضعوا ا‪٠‬ت ٌ‬
‫أخذت العرب‪.‬‬
‫الصواب‪ ،‬ىو الرأم الذم اعتمده العلماء‬ ‫لعل أقرهبا إىل ٌ‬‫العريب كثَتة‪ ،‬ك ٌ‬
‫ط ٌ‬ ‫كاآلراء حوؿ أصل ا‪٠‬ت ٌ‬
‫ط النبطي‪ ،‬كأف العرب أخذكا‬ ‫ط العريب مشتق من ا‪٠‬ت ٌ‬ ‫ا‪١‬تعاصركف كا‪١‬تستشرقوف كالذم يقوؿ‪« :‬إ ٌف ا‪٠‬ت ٌ‬
‫ا‪٠‬تط العريب عن أبناء عمومتهم األنباط قبل اإلسالـ‪».‬‬
‫كأصل األنباط أنوـ قبائل عربية نزحت من ا‪ٞ‬تزيرة العربية كسكنوا ُب ا‪١‬تناطق اآلرامية ُب فلسطُت‬
‫كجنوب بالد الشاـ كاألردف‪ ،‬كيؤيد ىذا النقوش النبطية اليت كشفت الصلة بُت ا‪٠‬تط العريب كالنبطي‪،‬‬
‫كىذه النقوش ‪٥‬تتصرة‪:‬‬
‫‪ -1‬نقش النمارة‪:‬‬
‫كقد عثر على ىذا النقش ُب منطقة النمارة‪ ،‬كىي قصر صغَت للركـ‪ ،‬قرب دمشق‪ ،‬كىو يشَت‬
‫دكف بالرسم النبطي ا‪١‬تتصل ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كالرسم‪.‬‬
‫إىل قرب امرئ القيس بن عمرك‪ ،‬من ملوؾ ا‪ٟ‬تَتة‪ ،‬كقد ٌ‬

‫كتعد ىذه الكتابة أكؿ كتابة كأقدـ كتابة عثر عليها حىت اآلف مدكنة باللهجة العربية الشمالية‬
‫القريبة من ‪٢‬تجة القرآف كإف كتبت با‪٠‬تط النبطي ا‪١‬تتأخر‪ ،‬كىذا ‪٦‬تٌا يؤكد ارتباط ا‪٠‬تط النبطي با‪٠‬تط‬
‫ط القرآف‬
‫العريب‪ ،‬الذم ٗتتلف فيو بعض ا‪ٟ‬تركؼ‪ُ ،‬ب أكؿ الكلمة منها ُب آخر الكلمة كالقريب من خ ٌ‬
‫الكرَل‪.‬‬
‫كالرسم النبطي ىو أحد أنواع الرسم اآلرامي‪ ،‬كمن ‪٦‬تيزاتو ارتباط بعض حركفو ببعض‪ ،‬ككتابة‬
‫بعض ا‪ٟ‬تركؼ ُب هناية الكلمة بشكل ٮتتلف عن رسم ا‪ٟ‬تركؼ اليت من نوعها ا‪١‬تستعملة ُب أكائل‬
‫الكلمة أك أكاسطها‪.‬‬
‫‪ -2‬نقش أـ ا‪ٞ‬تماؿ‪:‬‬
‫عثر عليو جنوب حوراف‪ ،‬شرؽ األردف‪ ،‬كيوجد ُب ىذه الكتابة حركؼ غَت مرتبطة‪ ،‬كحركؼ‬
‫مشاهبة ‪ٟ‬تركؼ ا‪٠‬تط الكوُب‪ ،‬ككتبت باآلرامية‪ ،‬ككجد فيها أ‪ٝ‬تاء عربية‪ ،‬كقد كانت تستعمل القبائل‬
‫العربية الشمالية‪ ،‬اآلرامية ُب الكتابة‪.‬‬

‫‪ -3‬نقش زبد‪:‬‬
‫ككتب بثالث لغات‪ ،‬اليونانية كالسريانية‪ ،‬كالعربية‪ ،‬كعثر عليو بُت قنسرين كهنر الفرات‪ ،‬ككاف‬
‫النص العريب فيو ال ٮتلو من األثر اآلرامي‪.‬‬
‫‪ -4‬نقش حراف‪:‬‬
‫عثر عليو ُب حراف اللجا‪ُ ،‬ب ا‪١‬تنطقة الشمالية من جبل الدركز‪ ،‬كمدكف باليونانية كالعربية‪.‬‬
‫كالذم يدقق النظر ُب النقوش ا‪١‬تكتشفة ُب مشاؿ ا‪ٟ‬تجاز كإقليم حوراف كشبو جزيرة سيناء ككلها‬
‫تنحصر بُت عامى ‪ 250‬للميالد كخواتيم القرف السادس ا‪١‬تيالدم يرل كجو الشبو بُت النقوش العربية‬
‫كالنقوش النبطية االصيلة ك‪ٟ‬تظ التطور الذم ادرؾ الكاتب كىي ٕتاكز اصلها النبطي اىل صورهتا‬
‫العربية اليت حذقها العرب قبل االسالـ‪.‬‬
‫كبناءن على تلك النقوش اليت كجدت‪ ،‬اتفق أغلب العلماء كا‪١‬تستشرقوف على صواب الرأم‬
‫ط ا‪١‬تسند‪ ،‬بدليل‬
‫ط العريب مشتق من ا‪٠‬ت ٌ‬‫األخَت‪ ،‬غَت أنٌو ال ٯتكن إ‪٫‬تاؿ الرأم الذم يقوؿ بأف ا‪٠‬ت ٌ‬
‫بعضهم‬ ‫ط العريب‪ ،‬كقد حاكؿ‬‫كجود نقوش العربية البائدة‪ ،‬اليت تثبت الصلة بُت ا‪٠‬تط ا‪١‬تسند كا‪٠‬ت ٌ‬
‫ط ا‪١‬تسند غَت بعيد الشبو عن ا‪٠‬تط اآلرامي‪ ،‬كأف لغة ا‪١‬تسند تأثرت‬‫ا‪ٞ‬تمع بُت الرأيُت؛ بقولو‪ :‬إف ا‪٠‬ت ٌ‬
‫باللغة اآلرامية‪ ،‬كأف أّتديتنا العربية ترتبط بأّتدية العرب األصلية كىي ا‪١‬تسند‪ ،‬فكيف ا‪ٞ‬تمع بُت‬
‫الرأيُت؟‬
‫إف النبٌط ىم قوـ عرب‪ ،‬تأثركا با‪٠‬تط ا‪١‬تسند‪ ،‬كٓتط اآلراـ‪ٍ ،‬ب اشتقوا من ا‪٠‬تط اآلرامي خطِّا‬
‫ط العريب‪.‬‬
‫ط النبطي‪ ،‬كهبذا ٭تل ا‪٠‬تالؼ القائم حوؿ أصل ا‪٠‬ت ٌ‬ ‫جديدا ‪ٝ‬تي با‪٠‬ت ٌ‬
‫ن‬

‫أمثلة للنقوش العربية كاليت أكثرىا بعد اإلسالـ‪:‬‬


‫الكتابة قبل اإلسالـ‪:‬‬

‫مل يكن العرب الذين أنزؿ ا﵁ تعاىل عليهم القرآف ٔتعزؿ عن القراءة كالكتابة كلية‪ ،‬فقد كاف فيو‬
‫القرأة قليال‪ ،‬إال أف الغالب على الناس كاف ‪-‬إذ ذاؾ‪ -‬األمية‪ ،‬كمن ذلك كصفت ىذه األمة‬
‫الكتبة ك ى‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫باألمية‪ ،‬قاؿ‬
‫‪٨‬تسب )) ركاه البخارم‬ ‫‪(( :‬إنٌا ٌأمة أمية‪ ،‬ال نكتب كال‬ ‫﴾ [ا‪ٞ‬تمعة ‪ ،]2‬كقاؿ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯﭰﭱﭲ‬
‫كمسلم‪.‬‬
‫ىشاـ بن ‪٤‬تمد بن السائب منهم‪:‬‬
‫كقد ذكر الركاة أف رجاال كانوا يكتبوف ُب ا‪ٞ‬تاىلية‪ ،‬ف ىذكر ي‬
‫حرب بن أمية‪ ،‬كابنو سفياف بن حرب‪ ،‬كمعاكية بن أيب سفياف ‪ ،‬كعمر بن ا‪٠‬تطاب ‪.‬‬
‫كركل البالذرم عن أيب بكر بن عبد ا﵁ بن أيب جهم العدكم؛ قاؿ‪:‬‬
‫«دخل اإلسالـ؛ كُب قريش سبعة عشر رجال كلهم يكتب‪ :‬عمر بن ا‪٠‬تطاب؛ كعلي بن أيب‬
‫طالب؛ كعثماف بن عفاف؛ كأبو عبيدة بن ا‪ٞ‬تراح؛ كطلحة؛ كيزيد بن أيب سفياف؛ كأبو حذيفة بن عتبة‬
‫بن ربيعة؛ كحاطب بن عمرك أخو سهيل بن عمرك العامرم من قريش؛ كأبو سلمة بن عبد األسد‬
‫ا‪١‬تخزكمي؛ كأباف بن سعيد بن العاصي بن أمية؛ كخالد بن سعيد أخوه؛ كعبد ا﵁ بن سعد بن أيب‬
‫سرح العامرم؛ كحويطب بن عبد العزل العامرم؛ كأبو سفياف بن حرب بن أمية؛ كمعاكية بن أيب‬
‫سفياف؛ كجهيم بن الصلت بن ‪٥‬ترمة بن ا‪١‬تطلب بن عبد مناؼ‪ ،‬كمن حلفاء قريش العالء بن‬
‫ا‪ٟ‬تضرمي‪.».‬‬
‫‪ ،‬كتبو؛ كأمر بكتابتو؛ كحرص على ذلك‪،‬‬ ‫فلما نزؿ القرآف الكرَل على قلب سيدنا ‪٤‬تمد‬
‫ككتبو ا‪٠‬تلفاء من بعده‪ ،‬كسارت األمة على تلك السنن؛ حىت كصل إلينا مكتوبا ُب مصاحف؛ أكالىا‬
‫األكؿ ُب حرؼ كاحد‪ ،‬كضبط ا‪١‬تسلموف كتاب رهبم‬
‫ا‪١‬تسلموف عنايتهم الفائقة؛ فلم تفارؽ الكتاب ٌ‬
‫ُب كتابو‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ضبطا؛ مل يتسن لألمم السالفة‪ ،‬ككاف ذلك كلو مصداقا لوعد ا﵁‪ ،‬الذم قرره‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾[ا‪ٟ‬تجر ‪.]9‬‬
‫الكتابة في عهد النبي صلى اهلل عليو كسلم كعنايتو بكتابة القرآف الكريم‪:‬‬
‫الصحابة رضي ا﵁ عنهم مل يعطونا توصيفا شامال كامال لعملية تدكين القرآف الكرَل سواء ُب‬
‫عهد النيب الكرَل صلى ا﵁ عليو كسلم أك عهد من تاله من ا‪٠‬تلفاء الراشدين رضي ا﵁ عنهم‪.‬‬
‫لكننا على الرغم من ذلك ‪٧‬تد ُب اآلثار ما ٯتكن أف يكوف لنا عونا على فهم مالبسات ذلك‬
‫ا‪ٞ‬تمع‪.‬‬
‫كإف من أىم ما ٯتكن االعتماد عليو ُب ىذا الباب األثر الوارد عن زيد بن ثابت رضي ا﵁ عنو‬
‫ُب كصفو لعملية ا‪ٞ‬تمع اليت قاـ هبا زمن أيب بكر رضي ا﵁ عنو‪ ،‬يقوؿ ُب حديثو الطويل‪:‬‬
‫«قاؿ أبو بكر‪ :‬إنك رجل شاب عاقل؛ ال نتهمك‪ ،‬كقد كنت تكتب الوحي لرسوؿ ا﵁ صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فتتبٌع القرآف فا‪ٚ‬تعو‪ ،‬فوا﵁ لو كلفوٍل نقل جبل من ا‪ٞ‬تباؿ ما كاف أثقل علي ‪٦‬تا أمرٍل‬
‫بو من ‪ٚ‬تع القرآف‪ .‬قلت‪ :‬كيف تفعلوف شيئا مل يفعلو رسوؿ ا﵁؟ قاؿ‪ :‬ىو كا﵁ خَت‪ ،‬فلم يزؿ أبو‬
‫بكر يراجعٍت؛ حىت شرح ا﵁ صدرم للذم شرح لو صدر أيب بكر كعمر رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬فتتبعت‬
‫القرآف؛ أ‪ٚ‬تعو من العسب كاللخاؼ كصدكر الرجاؿ‪.»...‬‬
‫األكتاؼ؛ كاألقتاب؛ كالعسب؛ كصدكر‬ ‫كُب ركاية قاؿ‪« :‬فجمعت القرآف؛ أ‪ٚ‬تعو من‬
‫الرجاؿ‪ ، ».‬كُب ركاية أخرل‪« :‬فتتبعت القرآف أنسخو من الصحف؛ كالعسب؛ كاللخاؼ‪.».‬‬
‫كُب ركاية ابن حبٌاف‪ ،‬قاؿ‪« :‬فقمت أتتبع القرآف؛ أ‪ٚ‬تعو من الرقاع؛ كاللخاؼ؛ كالعسب؛‬
‫كصدكر الرجاؿ‪ ، ».‬كجاء ُب ركاية أخرل ذكر قطع األدـ‪.‬‬
‫فهذه الركايات ‪-‬على اختالفها‪ -‬ال تعرض لنا كبَت شيء غَت تلك الوسائل التقليدية بل‬
‫البدائية‪ ،‬قد كانت ىي اليت ‪ٚ‬تع منها زيد رضي ا﵁ عنو القرآف الكرَل‪ ،‬كىي ‪-‬بال شك‪ -‬األشياء اليت‬
‫كتب عليها القرآف زمن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فاكتسبت القيمة القدسية بذلك‪ ،‬بل إف الكتابة‬
‫عليها قد حصلت بُت يدم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كْتضرتو‪ ،‬فأقل أحكامها أهنا من السنة‬
‫التقريرية‪ ،‬اليت ىي من ىديو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫بالقراء يومئذ؛ ف ًرؽ أبو بكر على القرآف أف يضيع‪،‬‬
‫عن عركة بن الزبَت قاؿ‪١« :‬تا استحر القتل ٌ‬
‫فقاؿ لعمر بن ا‪٠‬تطاب كزيد بن ثابت‪ :‬اقعدكا على باب ا‪١‬تسجد‪ ،‬فمن جاءكما بشاىدين على شيء‬
‫من كتاب ا﵁؛ فاكتباه‪.».‬‬
‫إف قولو‪« :‬اقعدكا عند باب ا‪١‬تسجد‪ ،‬فمن جاءكما بشاىدين على شيء من كتاب ا﵁‪ .».‬يدؿ‬
‫داللة ظاىرة على أهنما كانا ينتظراف شيئا ‪٤‬تسوسا بيٌنا ملموسا‪ ،‬ال شيئا معنويا‪ ،‬فزيد مع أنو كاف‬
‫حافظا لكتاب ا﵁؛ فإنو كعمر رضي ا﵁ عنهم كانا ْتاجة إىل أف ‪٬‬تمعا مكتوبات؛ كنزىا أصحاب‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ُب حياتو كادخركىا‪ ،‬فلما احتاجا إليها؛ احتاجا إىل دليل يثبت‬
‫نسبتها للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم؛ كأهنا كتبت ُب زمانو على األقل ‪-‬حسبما تفيده ىذه الركاية‪-‬‬
‫كالدليل ىنا ىو الشهادة‪ ،‬لكنهما مل يكتفيا بشهادة شهيد كاحد؛ حىت يشهد معو آخر على صدؽ‬
‫شهادتو‪ ،‬كل ذلك ٖتريا ُب نقل كتاب ا﵁ عز كجل‪.‬‬
‫كاألثر كإف مل يكن صر٭تا ُب كوف ىذه ا‪١‬تكتوبات كتبت بُت يدم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪،‬‬
‫إال أنو يدؿ على ذلك‪ ،‬إذ العملية كانت بعد كفاة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ٔتدة كجيزة‪ ،‬فال يكوف‬
‫لقوؿ أيب بكر معٌت سول ىذا‪ ،‬خصوصا أف عثماف ُب زمنو رضي ا﵁ عنو قد قاـ بالفعل نفسو‪،‬‬
‫كجاءت الركاية عنو صر٭تة ُب إثبات صلة تلك ا‪١‬تكتوبات ْتضرة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم الشريفة‪،‬‬
‫عن مصعب بن سعد قاؿ‪« :‬قاـ عثماف فخطب الناس فقاؿ‪ :‬أيها الناس ‪ ...‬فأعزـ على كل رجل‬
‫منكم ما كاف معو من كتاب ا﵁ شيء ‪١‬تا جاء بو‪ ،‬فكاف الرجل يأٌب بالورقة كاألدَل فيو القرآف؛ حىت‬
‫لسمعت رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁‬‫ى‬ ‫‪ٚ‬تع من ذلك كثرة‪ٍ ،‬ب دخل عثماف فدعاىم رجال رجال‪ ،‬فناشدىم‪:‬‬
‫عليو كسلم كىو أماله عليك؟ فيقوؿ‪ :‬نعم‪ ،» ... ،‬كُب ركاية‪« :‬عزمت على من عنده شيء من‬
‫القرآف ‪ٝ‬تعو من رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪١‬تا أتاٍل بو‪ ،‬فجعل الرجل يأتيو باللوح كالكتف‬
‫كالعسب فيو الكتاب فمن أتاه بشيء قاؿ‪ :‬أنت ‪ٝ‬تعتو من رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم؟»‬
‫فال أصرح من ىذا –ُب رأيي‪ -‬داللة على أف ما اعتمد عليو زيد ُب ‪ٚ‬تعو األكؿ‪ٍ ،‬ب ُب ‪ٚ‬تعو‬
‫الثاٍل كاف ‪٦‬تا كتب بُت يدم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كْتضرتو‪.‬‬
‫كا‪١‬تقصود من ىذا كلو أف األغراض اليت كاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يكتب الوحي عليها مل‬
‫تكن إال من ذلك النوع البدائي‪ ،‬على حسب إمكاف الناس ُب ذلك الوقت‪.‬‬
‫كمع ذلك‪ ،‬فإف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم حرص على كتابة ‪ٚ‬تيع القرآف ا‪١‬تنزؿ عليو‪ ،‬حىت إنو‬
‫مل يبق آية منو غَت مكتوبة‪ ،‬فزيد رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كىو من حفظة كتاب ا﵁ كامال‪ ،‬صرح أنو مل يفقد‬
‫من القرآف سول آية كاحدة‪ٍ ،‬ب كجدىا‪ ،‬قاؿ زيد‪« :‬ففقدت آية؛ كنت أ‪ٝ‬تع رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم يقرأ هبا‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﴾ [التوبة ‪ ،]١٢٨‬فالتمستها؛‬
‫فوجدهتا مع خزٯتة بن ثابت‪ ،‬فأثبتها ُب سورهتا»‪.‬‬
‫فهذا يدؿ على أف كل القرآف كتب ْتضرة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كيف ال؟ كقد أكىل‬
‫كتابتو اىتماما بالغا‪ ،‬لدرجة أنو صلى ا﵁ عليو كسلم هنى أصحابو أف يكتبوا عنو شيئا من العلم‪ ،‬عن‬
‫أيب سعيد ا‪٠‬تدرم رضي ا﵁ عنو أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪« :‬ال تكتبوا عٍت شيئا إال القرآف‪،‬‬
‫كمن كتب شيئا فليمحو‪».‬‬
‫كمن أدؿ األدلة على عنايتو صلى ا﵁ عليو كسلم بكتاتبتو‪ ،‬كجود صحف مكتوب عليها القرآف‬
‫ُب بداية العهد ا‪١‬تكي بل ُب ا‪١‬ترحلة السرية من الدعوة‪ ،‬كقصة إسالـ عمر بسبب صحيفة عليها مطلع‬
‫سورة طو‪ ،‬مشهورة ُب كتب السَتة النبوية‪.‬‬
‫كمن أدلة العناية منو صلى ا﵁ عليو كسلم على تدكين القرآف‪ ،‬مسارعتو صلى ا﵁ عليو كسلم ُب‬
‫استدعاء الكاتب بُت يديو ليملي عليو النازؿ من القرآف لساعتو‪ ،‬عن الرباء بن عازب رضي ا﵁ عنو‬
‫قاؿ‪١« :‬تا نزلت ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ قاؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم «ادع يل زيدا‪،‬‬
‫«اكتب‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫»‪ٍ ،‬ب قاؿ‪:‬‬ ‫كليجئ باللوح؛ كالدكاة؛ كالكتف‪ ،‬أكالكتف؛ كالدكاة‬
‫ﭓ﴾‪.»...‬‬
‫فهذا ظاىر ُب مبادرتو صلى ا﵁ عليو كسلم إىل استدعاء كاتبو لكتابة القرآف‪ ،‬كمثلو ما جاء عن‬
‫ابن عباس رضي ا﵁ عنهم أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم بعث إىل معاكية يكتب لو ‪ ،‬فقاؿ ‪ :‬إنو‬
‫يأكل ‪ ...‬ا‪ٟ‬تديث‪.‬‬
‫فخالصة الكالـ أف مظاىر عنايتو صلى ا﵁ عليو كسلم ٕتلت ُب أمور عدة منها‪:‬‬

‫‪-‬أنو صلى ا﵁ عليو كسلم عٍت بكتابة القرآف دكف ما سواه ‪-‬إال ما كتبو بعض أصحابو‬
‫ألنفسهم‪ ،‬كعبد ا﵁ بن عمرك رضي ا﵁ عنهم‪ -‬ليعطيو حقو ُب ا‪ٞ‬تمع‪.‬‬
‫‪-‬أنو صلى ا﵁ عليو كسلم كاف قد جعل لنفسو كتبة يقوموف هبذه ا‪١‬تهمة بُت يديو‪ ،‬منهم زيد‬
‫لتوه‪ ،‬ليحفظ ر‪ٝ‬تو كما ٭تفظ لفظو‪،‬‬‫بن ثابت‪ ،‬كمعاكية بن أيب سفياف‪ ،‬فكاف يستدعيهم بعد نزكلو ٌ‬
‫بل إف الكتابة كانت منذ فجر اإلسالـ‪ ،‬قبل أف يسلم ىذاف الصحابياف رضي ا﵁ عنهم‪.‬‬
‫‪-‬أنو من حرصو صلى ا﵁ عليو كسلم كاف يكتبو على أم شيء تسنٌت الكتابة عليو‪ ،‬كذلك‬
‫أف اإلمكانات ا‪١‬تادية مل تكن ُب بداية الدعوة اإلسالمية متاحة كما أتيحت للخلفاء الراشدين بعده‪.‬‬
‫اللخاؼ‪ ،‬كاألكتاؼ‪ ،‬كاألقتاب‪ ،‬كالصحف‪،‬‬‫ى‬ ‫العسب‪ ،‬ك‬
‫ى‬ ‫‪-‬ككانت تلك األشياءي اليت كتبوا عليها‬
‫كقطع األدـ‪ ،‬يقوؿ السيوطي‪« :‬فالعسب‪ٚ :‬تع عسيب‪ ،‬كىو جريد النخل‪ ،‬كانوا يكشطوف‬ ‫كالرقاع‪ ،‬ى‬
‫ا‪٠‬توص؛ كيكتبوف ُب الطرؼ العريض‪.‬‬
‫كاللِّخاؼ‪ :‬بكسر الالـ؛ كٓتاء معجمة خفيفة؛ آخره فاء‪ٚ ،‬تع ‪٠‬تفة‪ :‬بفتح الالـ؛ كسكوف‬
‫ا‪٠‬تاء‪ ،‬كىي‪ :‬ا‪ٟ‬تجارة ال ٌدقاؽ‪ ،‬كقاؿ ا‪٠‬تطايب‪« :‬صفائح ا‪ٟ‬تجارة»‪.‬‬
‫جف؛ كتبوا عليو‪.‬‬
‫كاألكتاؼ‪ٚ :‬تع كتف‪ ،‬كىو العظم الذم للبعَت كالشاة‪ ،‬كانوا إذا ٌ‬
‫كاألقتاب‪ :‬ىو ا‪٠‬تشب الذم يوضع على ظهر البعَت؛ يلَتكب عليو‪».‬‬
‫‪-‬أنو صلى ا﵁ عليو كسلم حرص حرصا شديدا على كتابة كل القرآف دكف أف ينقص منو‬
‫شيئا‪٦ ،‬تا سهل ا‪١‬تهمة على من جاء بعده صلى ا﵁ عليو كسلم ُب عملية ‪ٚ‬تعو‪.‬‬
‫طريقة الكتابة في عهده صلى اهلل عليو كسلم‪:‬‬

‫كاف القرآف ينزؿ على النيب صلى ا﵁ عليو كسلم منجما على حسب ا‪١‬تناسبات‪ ،‬مفرقا على‬
‫األكقات‪ ،‬ال يدرم صلى ا﵁ عليو كسلم الساعة اليت ينزؿ فيها عليو‪ ،‬حىت ينزؿ عليو جربيل فيكلمو‬
‫بو‪ ،‬ك‪ٟ‬ترصو صلى ا﵁ عليو كسلم –كما مضى ُب ا‪١‬تبحث ا‪١‬تاضي‪ -‬كاف يبذؿ كل ما ُب كسعو‬
‫حسب الطاقة ا‪١‬تادية كا‪١‬تعنوية لكتابتو‪ ،‬كما أف الصحابة رضواف ا﵁ عليهم من حرصهم كاىتمامهم‬
‫كتبوا ألنفسهم‪ ،‬كقد جاء ما يدؿ على ترغيب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب ذلك‪ ،‬إذ هناىم عن‬
‫كتابة كل ما سول القرآف‪ ،‬كما ُب حديث أيب سعيد السابق‪.‬‬
‫كٯتكن من خالؿ النظر ُب تاريخ الدعوة أف نقسم مراحل كتابة القرآف زمن النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم إىل ثالثة مراحل‪:‬‬

‫‪.1‬ا‪١‬ترحلة األكىل كىي ا‪١‬ترحلة ا‪١‬تكية‪ :‬كىي فًتة مل يكن متيسرا للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم فيها‬
‫تلك األدكات اليت ييكتب عليها‪ ،‬كال الكتبة الذين يكفونو عملية التدكين‪ ،‬كٯتكن أف نق ٌدر الطريقة‬
‫الغالب على النيب صلى‬
‫ى‬ ‫اليت كاف يدكف هبا القرآف بأهنا كانت تفتقد إىل أدٌل شركط التدكين‪ ،‬إذ كاف‬
‫بعضهم بعضا كذلك‪ ،‬فإذا تيسر الكاتب‬ ‫تعليم الصحابة القرآف غيبا منو إليهم‪ ،‬كيلقنو ي‬
‫ا﵁ عليو كسلم ي‬
‫كالوسيلة قاـ صلى ا﵁ عليو كسلم بكتابة ما نزؿ عليو‪ ،‬كٯتكن االستدالؿ على ذلك بصحيفة إسالـ‬
‫عمر اآلنفة الذكر‪.‬‬
‫كقد ذكر الباحثوف ُب ‪ٚ‬تلة الكاتبُت ُب ىذه ا‪١‬ترحلة من السابقُت األكلُت‪ :‬األرقم بن أيب األرقم‪،‬‬
‫كخالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬كالزبَت بن العواـ‪ ،‬كشرحبيل بن حسنة –قيل أنو كاف أكؿ من كتب للنيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،-‬كعامر بن فهَتة‪ ،‬كعبد ا﵁ بن سعد بن أيب السرح –قيل إنو أكؿ من كتب‬
‫للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ -‬كالعالء بن ا‪ٟ‬تضرمي‪ ،‬كغَتىم‪.‬‬
‫فحيث أنو مل تكن ىناؾ دكلة قائمة‪ ،‬كمل يكن ىناؾ يكتاب ر‪ٝ‬تيوف للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪،‬‬
‫فإف ا‪ٟ‬تاؿ تقتضي أف كل كاحد من الصحابة ا‪١‬تتعلمُت كاف يكتب لنفسو أك ‪١‬تن يطلب منو ذلك‪،‬‬
‫ككانت تلك ا‪١‬تكتوبات ملكا للصحابة الذين يقرؤكهنا كيتعلموف القرآف منها‪ ،‬على قلة الكاتبُت منهم‬
‫رضي ا﵁ عنهم‪.‬‬
‫ا‪١‬ترحلة الثانية عند نشأة الدكلة اإلسالمية‪١ :‬تا ىاجر النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ذىب عنو‬
‫االضطهاد‪ ،‬الذم كاف يلقاه من قريش‪ ،‬كاألذل الذم كاف ينالو منهم‪ ،‬كشرع صلى ا﵁ عليو كسلم ُب‬
‫إرساء دعائم الدكلة الفتية اليت ستكوف نرباسا كىدل كنورا يأملو ا‪١‬تسلموف ُب كل زماف كمكاف‪ ،‬كصار‬
‫بإمكانو أف يتخذ لنفسو عماال كرسال كككالء على أعمالو‪ ،‬يكلفهم هبا‪.‬‬
‫ك‪٦‬تا اٗتذه رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬الكتبة الذين يكتبوف معامالتو كرسائلو إىل القبائل‬
‫كا‪١‬تلوؾ‪ ،‬كغَتىم‪...‬‬
‫كما اٗتذ كتبة للقرآف الكرَل قد أشرنا إىل بعضهم‪ ،‬كأشهر من جاء كصفو من الصحابة بكاتب‬
‫يد بن ثابت رضي ا﵁ عنو‪.‬‬
‫الوحي ز ي‬
‫فقد قاؿ أبو بكر رضي ا﵁ عنو لو‪« :‬إنك رجل شاب عاقل؛ ال نتهمك‪ ،‬كقد كنت تكتب‬
‫الوحي لرسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪.».‬‬
‫كٔتا أف الدكلة كانت ُب نشأهتا‪ ،‬مل يكن غريبا أف تبقى كسائل التدكين ىي نفسها اليت كانت‬
‫أياـ مكة‪٣ ،‬ترد أكتاؼ كأضالع كحجارة‪.‬‬
‫ففي حديث زيد رضي ا﵁ عنو‪« :‬إٍل قاعد جنب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يوما؛ إذ أكحي‬
‫إليو‪ ،‬قاؿ‪ :‬كغشيتو السكينة؛ ككقع فخذه على فخذم حُت غشيتو السكينة‪.».‬‬

‫ط أثقل من فخذ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ٍ ،‬ب‬


‫قاؿ زيد‪« :‬فال كا﵁ ما كجدت شيئا ق ٌ‬
‫سرم عنو‪ ،‬فقاؿ‪( :‬اكتب يا زيد)‪ ،‬فأخذت كتفا‪ ،‬فقاؿ‪« :‬اكتب‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﮊ ﮋ ﭙﮊ اآلية كلها؛ إىل قولو‪ :‬ﮋ ﭳ ﭴ ﮊ [النساء‪ ،»]95 :‬فكتبت ذلك ُب‬
‫كتف‪ ،‬فقاـ حُت ‪ٝ‬تعها ابن ٌأـ مكتوـ ‪-‬ككاف رجال أعمى‪ -‬فقاـ حُت ‪ٝ‬تع فضيلة اجملاىدين‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫«يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬فكيف ٔتن ال يستطيع ا‪ٞ‬تهاد ‪٦‬تن ىو أعمى؛ كأشباه ذلك؟ »‪ ،‬قاؿ زيد‪« :‬فوا﵁ ما‬
‫قضى كالمو‪ ،‬أك ما ىو إال أف قضى كالمو؛ غشيت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم السكينة؛ فوقعت‬
‫فخذه على فخذم؛ فوجدت من ثقلها؛ كما كجدت ُب ا‪١‬ترة األكىل؛ ٍب سرم عنو‪ ،‬فقاؿ‪« :‬اقرأ‪،».‬‬
‫فقرأت عليو‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ ﮋ ﭙ ﮊ [النساء‪ ،]95 :‬فقاؿ النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬ﮋ ﭫ ﭗ ﭘ ﮊ [النساء‪ ،]95 :‬فأ‪ٟ‬تقتها‪ ،‬فوا﵁ لكأٍل أنظر إىل ملحقها‬
‫عند صدع كاف ُب الكتف‪.».‬‬
‫فعلى كل حاؿ فإف الكتابة ُب ىذه ا‪١‬ترحلة كإف مل تصطبغ بالصبغة الر‪ٝ‬تية كبقي ‪٢‬تا الطابع‬
‫العفوم الذم كاف ُب ا‪١‬ترحلة األكىل‪ ،‬إال أف نشاط الصحابة ُب تدكين القرآف ككتابتو كالعناية بو كحده‬
‫أكجو‪ ،‬فال يستغرب أف ٕتد ُب كل بيت من بيوت ا‪١‬تسلمُت أنواعا كثَتة من األدكات ‪-‬‬ ‫كاف ُب ٌ‬
‫كالرقاع كاألكتاؼ‪ -‬مكتوبا عليها السور الطويلة كالقصَتة‪ ،‬كاآليات الكثَتة كالقليلة‪ ،‬يقرؤىا الكبَت‬
‫كالصغَت‪ ،‬كا‪ٟ‬تر كالعبد‪ ،‬خصوصا إذا استحضرنا حا‪٢‬تم رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬فهم الذين مل يكن ‪٢‬تم كتاب‬
‫يقرؤكنو‪ ،‬كال علم يتدارسونو سول ىذا القرآف العظيم‪ ،‬فلم يكونوا يغفلوف عما يكوف من شأف النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم حىت كإف غابوا عنو‪ ،‬كأعظم شأنو صلى ا﵁ عليو كسلم كاف القرآف‪.‬‬
‫عن عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁ عنو قاؿ‪ ...« :‬ككاف رجل من األنصار إذا غاب عن رسوؿ ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم كشهدتو أتيتو ٔتا يكوف‪ ،‬كإذا غبت عن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم كشهد‬
‫أتاٍل ٔتا يكوف من رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪.»...‬‬
‫ا‪١‬ترحلة الثالثة‪ :‬ككانت عند اقًتاب كماؿ الكتاب ككشوؾ انقطاع الوحي‪ ،‬ففي السنوات األخَتة‬
‫للبعثة‪ ،‬كاف أمر كث وَت من سور القرآف قد استقر‪ ،‬فال زيادة كال نقصاف‪ ،‬سول بعض السور ا‪ٟ‬تديثة‬
‫عهد بنزكؿ‪ ،‬فشرع النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب تأليف السور كضم آياهتا إىل بعض ليتيسر ‪ٚ‬تعو فيما‬
‫بعد‪ ،‬كعهده ُب تعليمها ألصحابو‪ ،‬تامة كاملة‪.‬‬
‫عن زيد بن ثابت رضي ا﵁ عنو أنو قاؿ‪« :‬كنا عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم نؤلف‬
‫القرآف من الرقاع ‪.». ...‬‬
‫فكانوا ‪٬‬تمعوف الرقعة إىل الرقعة كيضموف الواحدة إىل األخرل‪ ،‬أك يضموف اآلية إىل أختها ُب‬
‫رقعة كاحدة‪ ،‬لتكتمل ‪٢‬تم السورة مؤلفة مؤتلفة كما أراد ا﵁ عز كجل‪.‬‬
‫عن ابن عبا س رضي ا﵁ عنهم عن عثماف رضي ا﵁ عنو قاؿ‪« :‬كاف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم ‪٦‬تا يأٌب عليو الزماف؛ كىو ينزؿ عليو السور ذكات العدد‪ ،‬فكاف إذا نزؿ عليو الشيء؛ دعا من‬
‫كاف يكتب‪ ،‬فيقوؿ‪« :‬ضعوا ىؤالء اآليات؛ ُب السورة اليت يذكر فيها كذا ككذا»‪ ،‬كإذا أنزلت عليو‬
‫اآلية يقوؿ‪« :‬ضعوا ىذه اآلية؛ ُب السورة اليت يذكر فيها كذا ككذا»‪.‬‬
‫كلقد كانت ىذه مرحلةن مهمة من مراحل تدكين القرآف‪ ،‬كدليال آخر يضاؼ إىل أدلة عناية‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ّتمع القرآف الكرَل‪ ،‬إال أنو مل يكتمل؛ كال ًب على يديو‪ ،‬ألف بقاءه صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم على قيد ا‪ٟ‬تياة مظنة نزكؿ جديد من القرآف‪ ،‬فلم يعمد إىل ‪ٚ‬تعو حىت ي‪ٚ‬تع بعده‪ ،‬بأيب‬
‫ىو كأمي صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫عن زيد بن ثابت رضي ا﵁ عنو قاؿ‪« :‬قبض النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كمل يكن القرآف ‪ٚ‬تع ُب‬
‫شيء‪.».‬‬
‫ك‪٨‬تن إذا أردنا استنطاؽ النصوص الواردة ُب توصيف طريقة إمالء النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫للقرآف على كتبتو ‪-‬على قلتها‪ُ -‬ب ‪ٚ‬تيع تلك ا‪١‬تراحل الثالث‪ ،‬فإنو بإمكاننا أف نستشف ما يلي‪:‬‬
‫إف عملية الكتابة اليت كاف الصحابة يقوموف هبا بُت يدم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كانت على‬
‫نوعُت‪ ،‬فتارة كاف صلى ا﵁ عليو كسلم يستدعيهم لكتابة ما جد من القرآف ‪٦‬تا نزؿ عليو حديثا‪ ،‬كتارة‬
‫أخرل يستدعيهم لتأليف القدَل‪٦ ،‬تا ىو مدكف سابقا ُب أنواع من األدكات السالف الكالـ عنها‪.‬‬

‫فقد كاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يسارع إىل تدكين ما ينزؿ عليو ُب حينو كأكانو‪ ،‬فيستدعي‬
‫الكاتب آمرا إياه بإحضار لوازـ الكتابة‪ ،‬من لوح أك غَته‪ ،‬مع الدكاة كالقلم‪ ،‬كٯتكن أف نستفيد ىذا‬
‫من حديث الرباء بن عازب‪ :‬قاؿ‪١ « :‬تا نزلت ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ قاؿ النيب صلى‬
‫»‪ٍ ،‬ب قاؿ‪:‬‬ ‫ا﵁ عليو كسلم «ادع يل زيدا‪ ،‬كليجئ باللوح؛ كالدكاة؛ كالكتف‪ ،‬أكالكتف؛ كالدكاة‬
‫«اكتب‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﮊ‪.»...‬‬
‫الكتابة في عهد الخلفاء الراشدين‪:‬‬
‫حرص ا‪٠‬تليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي ا﵁ عنو رضي ا﵁ عنو ُب عهده على تدكين‬
‫القرآف الكرَل كفق ما كاف عليو التدكين ُب زمن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كذلك بعد اقًتاح كرأم‬
‫من عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁ عنو‪ ،‬ككلف لذلك كاتب الوحي للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬زيد بن‬
‫ثابت رضي ا﵁ عنو‪ ،‬قاؿ زيد‪:‬‬

‫إيل أبو بكر ‪١‬تقتل أىل اليمامة؛ كعنده عمر‪ ،‬فقاؿ أبو بكر‪« :‬إف عمر أتاٍل؛ فقاؿ‪« :‬إف‬ ‫«بعث ٌ‬
‫القتل قد استحر يوـ اليمامة بقراء القرآف‪ ،‬كإٍل أخشى أف يستحر القتل بقراء القرآف ُب ا‪١‬تواطن كلها؛‬
‫فيذىب قرآف كثَت‪ ،‬كإٍل أرل أف تأمر ّتمع القرآف‪ ،».‬قلت‪« :‬كيف أفعل شيئا مل يفعلو رسوؿ ا﵁‬
‫؟»‪ .‬فقاؿ عمر‪« :‬ىو كا﵁ خَت‪ ،».‬فلم يزؿ عمر يراجعٍت ُب ذلك؛ حىت شرح ا﵁ صدرم للذم‬
‫شرح لو صدر عمر‪ ،‬كرأيت ُب ذلك الذم رأل عمر‪.».‬‬
‫قاؿ زيد‪ :‬قاؿ أبو بكر‪« :‬كإنك رجل شاب؛ عاقل؛ ال نتهمك‪ ،‬قد كنت تكتب الوحي لرسوؿ‬
‫‪ ،‬فتتبع القرآف؛ فا‪ٚ‬تعو‪.».‬‬ ‫ا﵁‬

‫علي ‪٦‬تا كلفٍت من ‪ٚ‬تع‬


‫قاؿ زيد‪« :‬فوا﵁ لو كلٌفٍت نقل جبل من ا‪ٞ‬تباؿ؛ ما كاف بأثقل ٌ‬
‫؟»‪ ،‬قاؿ أبو بكر‪« :‬ىو كا﵁ خَت‪،».‬‬ ‫القرآف‪ ،».‬قلت‪« :‬كيف تفعالف شيئا مل يفعلو رسوؿ ا﵁‬
‫٭تث مراجعيت؛ حىت شرح ا﵁ صدرم؛ للذم شرح ا﵁ لو صدر أيب بكر كعمر‪ ،‬كرأيت ُب‬ ‫فلم يزؿ ٌ‬
‫ذلك الذم رأيا‪ ،‬فتتبعت القرآف؛ أ‪ٚ‬تعو من العسب؛ كالرقاع؛ كاللخاؼ؛ كصدكر الرجاؿ‪.». ... ،‬‬

‫كمع أف زيدا كاف حافظا؛ ضابطا للقرآف؛ قادرا على كتابتو من حفظو‪ ،‬فإنو مل يفعل‪ ،‬ألف مراده‬
‫كحضرتو‪.‬‬ ‫كغايتو كاف أف يكتب اقرآف كفق ا‪١‬تكتوب بُت يدم رسوؿ ا﵁‬
‫بتنفيذ خطٌة ا‪ٞ‬تمع ‪-‬على ما أرل‪ -‬كفق‬ ‫كألجل ىذه ا‪١‬تهمة العظيمة‪ ،‬قاـ أبو بكر الصديق‬
‫النظاـ اآلٌب‪:‬‬
‫‪- 1‬اإلعالف عنها ُب الناس‪ ،‬كسػخر ألجل ذلك عػمر بن ا‪٠‬تطاب ‪.‬‬
‫عن ٭تِت بن عبد الر‪ٛ‬تن بن حاطب قاؿ‪:‬‬
‫«أراد عمر بن ا‪٠‬تطاب أف ‪٬‬تمع القرآف؛ فقاـ ُب الناس؛ فقاؿ‪:‬‬
‫شيئا من القرآف فليأتنا بو»‪ ،‬ككانوا كتبوا ذلك ُب الصحف؛‬ ‫«من كاف تلقى من رسوؿ ا﵁‬
‫كاأللواح؛ كالعسب‪.».‬‬
‫كعن قولو‪« :‬أراد عمر بن ا‪٠‬تطاب أف ‪٬‬تمع القرآف»‪ ،‬قاؿ ابن كثَت‪:‬‬
‫«كمعناه أنو أشار ّتمعو فجمع‪ ،‬ك‪٢‬تذا كاف مهيمنا على حفظو؛ ك‪ٚ‬تعو‪ ... ،‬كذلك عن أمر‬
‫الصديق لو ُب ذلك‪.».‬‬
‫‪ٚ- 2‬تع ما ُب أيدم الناس من مكتوب؛ على أم شيء كاف‪ ،‬قاؿ زيد‪:‬‬
‫«فجمعت القرآف؛ أ‪ٚ‬تعو من األكتاؼ؛ كاألقتاب؛ كالعسب؛ كصدكر الرجاؿ‪.».‬‬
‫كعن عركة بن الزبَت قاؿ‪:‬‬
‫«فقاؿ [أم أبو بكر] لعمر بن ا‪٠‬تطاب؛ كزيد بن ثابت‪« :‬اقعدكا على باب ا‪١‬تسجد‪ ،‬فمن‬
‫جاءكما بشاىدين على شيء من كتاب ا﵁؛ فاكتباه‪.».».‬‬
‫‪- 3‬تصفية؛ كانتقاء ا‪١‬تكتوب‪ ،‬ككاف ذلك بأمرين‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬أف ال يقبل إال ما كتب ْتضرة النيب ‪.‬‬
‫‪ ،‬كمل‬ ‫قاؿ أبو شامة «إ‪٪‬تا كاف قصدىم؛ أف ينقلوا من عُت ا‪١‬تكتوب بُت يدم رسوؿ ا﵁‬
‫يكتبوا من حفظهم‪ ،‬ألف قراءهتم كانت ‪٥‬تتلفة‪١ ،‬تا أبيح ‪٢‬تم من قراءة القرآف على سبعة أحرؼ‪.».‬‬
‫‪ ،‬ككاف‬ ‫كالثاٍل‪ :‬أف ال يقبل إال ما شهد شاىداف من الصحابة على أنو كتب ْتضرة النيب‬
‫الصحابة إذ ذاؾ متوافركف‪.‬‬
‫قاؿ أبو بكر ‪« :‬فمن جاءكما بشاىدين على شيء من كتاب ا﵁؛ فاكتباه‪.».‬‬
‫كُب ركاية ٭تِت بن عبد الر‪ٛ‬تن بن حاطب‪ :‬أ ٌف عمر «كاف ال يقبل من أحد شيئا؛ حىت يشهد‬
‫شهيدين‪.».‬‬
‫قاؿ السيوطي‪:‬‬
‫«كىذا يدؿ على أف زيدا كاف ال يكتفي جملرد كجدانو مكتوبا؛ حىت يشهد بو من تلقاه ‪ٝ‬تاعا؛‬
‫مع كوف زيد كاف ٭تفظ‪ ،‬فكاف يفعل ذلك مبالغة ُب االحتياط‪.».‬‬
‫فتم األمر على ىذا العمل كىذه الطريقة حىت اجتمعت لدل ا‪٠‬تليفة نسخة ثانية من كل ما ىو‬
‫موجود عند الصحابة رضي ا﵁ عنهم دكف استثناء‪ ،‬حىت إف زيدا أكد ذلك بقولو‪:‬‬
‫كيسمي العلماء ىذه النسخة الثانية بصحف أيب بكر‪ ،‬ألهنا مل تكن مصحفا‪ ،‬كإ‪٪‬تا كانت ‪٣‬ترد‬
‫صحف ‪ٚ‬تعت بُت لوحُت‪ ،‬ليس ‪٢‬تا صفة ا‪١‬تصحف‪.‬‬
‫ٍب كانت تلك الصحف عند أيب بكر‪ٍ ،‬ب عند عمر‪ٍ ،‬ب عند حفصة بنت عمر ِّأـ ا‪١‬تؤمنُت‪،‬‬
‫بسبب أهنا كانت كصية أبيها على تركتو‪.‬‬
‫‪ٚ‬تع القرآف‪ ،... ،‬فكانت تلك الكتب؛ عند أيب‬ ‫عن سامل كخارجة‪« :‬أف أبا بكر الصديق‬
‫‪ ،‬فأرسل إليها عثماف‬ ‫بكر حىت توُب‪ٍ ،‬ب عند عمر؛ حىت توُب‪ٍ ،‬ب كانت عند حفصة زكج النيب‬
‫فأبت أف تدفعها إليو‪ ،‬حىت عاىدىا لَتدهنا إليها‪ ،‬فبعثت هبا إليو‪ ،‬فنسخها عثماف ُب ىذه ا‪١‬تصاحف‪،‬‬
‫ردىا إليها‪ ،‬فلم تزؿ عندىا؛ حىت أرسل مركاف فأخذىا فحرقها‪.».‬‬ ‫ٍب ٌ‬
‫قولو‪« :‬حىت أرسل مركاف ‪». ...‬؛ فيو اختصار‪ ،‬فقد جاء عن ابن شهاب؛ عن أنس؛ قولو‪:‬‬
‫«فلما كاف مركاف أمَتا على ا‪١‬تدينة؛ أرسل إىل حفصة يسأ‪٢‬تا عن الصحف؛ ليحرقها‪ ،‬كخشي أف‬
‫ٮتالف بعض الكتاب بعضا‪ ،‬فمنعتو إياىا‪.».‬‬
‫قاؿ ابن شهاب‪ :‬فحدثٍت سامل بن عبد ا﵁ قاؿ‪« :‬فلما توفيت حفصة؛ أرسل إىل عبد ا﵁ بن‬
‫عمر بعزٯتة؛ لَتسلن هبا‪ ،‬فساعة رجعوا من جنازة حفصة؛ أرسل هبا عبد ا﵁ بن عمر إىل مركاف‪،‬‬
‫ففشاىا؛ كحرقها؛ ‪٥‬تافة أف يكوف ُب شيء من ذلك اختالؼ ‪١‬تا نسخ عثماف ‪».‬‬
‫أما ُب عهد عمر رضي ا﵁ عنو‪ ،‬فإف األمر مل ‪٬‬تد فيو أم جديد‪ ،‬كمل ٭تدث أم أمر يستدعي‬
‫إعادة الكتابة‪.‬‬
‫لكن ُب زمن عثماف رضي ا﵁ عنو حدث ما دعا إىل ا‪ٞ‬تد ُب إعادة كتابة القرآف الكرَل‪ ،‬كتبٍت‬
‫مصحف ر‪ٝ‬تي من طرؼ الدكلة حىت ال يقع االختالؼ على غَته‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك العامرم كىو غَت أنس بن مالك األنصارم قاؿ‪« :‬اختلفوا ُب القرآف على‬
‫عهد عثماف؛ حىت اقتتل الغلماف كا‪١‬تعلموف‪ ،‬فبلغ ذلك عثماف؛ فقاؿ‪« :‬عنػدم تكػذبوف بو؛ كٗتتلػفوف‬
‫فيو! فمن نأل عٍت؛ كاف أشػد تكػذيبا؛ كأكثر ‪ٟ‬تنا ‪.»...‬‬
‫كُب ركاية عن أيب قالبة قاؿ‪١« :‬تا كاف ُب خالفة عثماف؛ جعل ا‪١‬تعلم يعلم قراءة الرجل؛ كا‪١‬تعلم‬
‫يعلم قراءة الرجل‪ ،‬فجعل الغلماف يلتقوف؛ فيختلفوف‪ ،‬حىت ارتفع ذلك إىل ا‪١‬تعلِّمُت»‪ ،‬قاؿ أيوب‪ :‬ال‬
‫أعلمو إال قاؿ‪« :‬حىت ىك ىفر بعضهم بقراءة بعض‪ ،‬فبلغ ذلك عثماف؛ فقاـ خطيبا؛ فقاؿ‪:‬‬
‫«أنتم عندم ٗتتلفوف فيو؛ كتلحنوف! فمن نأل عٍت من األمصار؛ أشد اختالفا؛ كأشد ‪ٟ‬تنا‪.».‬‬
‫فهذا الذم كاف؛ كاف ُب أىل ا‪١‬تدينة‪ ،‬كإ‪٪‬تا حصل من الذين مل يدركوا زمن التنزيل؛ ‪٦‬تن حفظوا‬
‫القرآف؛ ك‪٦‬تن تعلموا على أيديهم من الغلماف‪ ،‬فكاد يقع شر كبَت‪ ،‬ككاف األمر أشر كأخطر ُب سائر‬
‫البلداف‪.‬‬
‫عن ابن شهاب قاؿ‪ٍ :‬ب أخربٍل أنس بن مالك األنصارم‪:‬‬
‫«أنو اجتمع لغزكة أذربيجاف كأرمينية أىل الشاـ كأىل العراؽ‪ ،‬قاؿ‪ :‬فتذاكركا القرآف؛ فاختلفوا‬
‫فيو؛ حىت كاد يكوف بينهم فتنة‪ .‬قاؿ‪ :‬فركب حذيفة بن اليماف ‪١-‬تا رأل من اختالفهم ُب القرآف‪ -‬إىل‬
‫عثماف‪ ،‬فقاؿ‪« :‬إف الناس قد اختلفوا ُب القرآف؛ حىت ‪-‬كا﵁‪ -‬ألخشى أف يصيبهم ما أصاب اليهود‬
‫كالنصارل من االختالؼ»‪ .‬قاؿ‪ :‬ففزع لذلك عثماف فزعا شديدا‪.». ... ،‬‬
‫فدعا ىذا ا‪٠‬تالؼ؛ كىذا الشقاؽ عثماف إىل حزـ أمره؛ ك‪ٚ‬تع مشلو؛ كتدارؾ ا‪ٟ‬تاؿ‪ ،‬فجمع أىل‬
‫‪ ،‬كتراءل معهم األمر‪.‬‬ ‫الشورل من أصحاب رسوؿ ا﵁‬
‫قاؿ علي بن أيب طالب‪« :‬فوا﵁ ما فعل الذم فعل ُب ا‪١‬تصاحف؛ إال عن م وإل منا ‪ٚ‬تيعا‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬
‫«ما تقولوف ُب ىذه القراءة؟ فقد بلغٍت أف بعضهم يقوؿ‪« :‬إف قراءٌب خَت من قراءتك»‪ ،‬كىذا يكاد‬
‫يكوف كفرا»‪ ،‬قلنا‪« :‬فما ترل؟»‪ ،‬قاؿ‪« :‬نرل أف ‪٬‬تمع الناس على مصحف كاحد؛ فال تكوف فرقة؛‬
‫كال يكوف اختالؼ‪ ،».‬قلنا‪« :‬فنعم ما رأيت»‪.‬‬

‫كألجل ىذه ا‪١‬تهمة النبيلة كالصعبة ُب آف كاحد شكل عثماف ‪ٞ‬تنة تتوىل مهمة ىذا ا‪ٞ‬تمع‪ ،‬فقاـ‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫األمر األكؿ ‪ :‬طلب من عموـ الصحابة (رضواف ا﵁ عليهم) إحضار مكنوزاهتم؛ ‪٦‬تا كتبوه بُت‬
‫؛ كما فعل أبو بكر‬ ‫‪ ،‬فكأنو أراد أف يقوـ بالنقل من عُت ما كتب بُت يدم النيب‬ ‫يدم النيب‬
‫الصديق ‪ً ،‬‬
‫كضبطو على تلك الصفة ا‪١‬تأثورة‪.‬‬
‫عن مصعب بن سعد؛ أف عثماف خطب الناس‪ ،‬فقاؿ‪« :‬أعزـ على كل رجل منكم؛ ما كاف معو‬
‫من كتاب ا﵁ شيء ‪١‬تا جاء بو‪ .».‬قاؿ مصعب‪« :‬فكاف الرجل ‪٬‬تيء بالورقة؛ كاألدَل فيو القرآف‪ ،‬حىت‬
‫ى‬
‫‪ٚ‬تىع من ذلك كثرة‪.».‬‬
‫؛ ‪١‬تا أتاٍل‬ ‫كُب ركاية أخرل‪« :‬عزمت على من عنده شيء من القرآف؛ ‪ٝ‬تعو من رسوؿ ا﵁‬
‫بو»‪ ،‬فجعل الرجل يأتيو باللوح؛ كالكتف؛ كالعسب فيو الكتاب‪.».‬‬
‫ال يقبل من أحد شيئا حىت ٭تلف لو على شيئُت اثنُت‪:‬‬ ‫ككاف‬
‫األكؿ‪ :‬أنو ‪ٝ‬تعو من النيب ‪.‬‬
‫ىو من أماله عليو‪.‬‬ ‫كاآلخر‪ :‬أف النيب‬
‫قاؿ مصعب بن سعد‪ٍ« :‬ب دخل عثماف فدعاىم رجال؛ رجال‪ ،‬فناشدىم؛ «لسمعت رسوؿ ا﵁‬
‫‪ ،‬كىو أماله عليك؟» فيقوؿ‪« :‬نعم»‪.».‬‬
‫ُب قبوؿ القرآف من‬ ‫فنرل أف عثماف مل يتبع السياسة األكىل؛ اليت انتهجها أبو بكر الصديق‬
‫الناس‪ ،‬كىي شهادة الشاىدين؛ ألمرين‪:‬‬
‫‪ ،‬إذ أف ىذه الواقعة كقعت بعد كفاتو بأكثر من ثالث‬ ‫األكؿ منهما‪ :‬طوؿ العهد بزمن النيب‬
‫عشرة سنة‪.‬‬
‫قاؿ ا‪ٟ‬تافظ ابن حجر‪« :‬فيكوف ذلك ُب أكاخر سنة أربع كعشرين؛ كأكائل سنة ‪ٜ‬تس كعشرين‪،‬‬
‫كىو الوقت الذم ذكر أىل التاريخ أف أرمينية فتحت فيو‪ ،‬كذلك ُب ٌأكؿ كالية الوليد بن عقبة بن أيب‬
‫معيط على الكوفة؛ من قبل عثماف‪.».‬‬
‫‪ ،‬كىذه الصحف كتبت كلها؛ ٔتا يضمن‬ ‫عند حفصة‬ ‫كاآلخر‪ :‬كجود صحف أيب بكر‬
‫مر‪ ،‬كلو أف عثماف اعتمد عليها كحدىا لكاف كافيا‪ ،‬كيف كقد‬ ‫أهنا من عند ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كما ٌ‬
‫بذؿ فيها زيد ما بذؿ؟‬
‫كاألمر اآلخر الذم قاـ بو عثماف؛ أف أرسل إىل حفصة؛ لًتسل إليو الصحف اليت كانت عندىا‬
‫ُب بيت عمر ‪ ،‬كىي صحف أيب بكر الصديق‪.‬‬
‫فصار حينئذ للجنة العمل أصالف تعتمد عليهما‪:‬‬
‫صحف أيب بكر‪ ،‬كمكتوبات الناس؛ على عهد رسوؿ ا﵁ ‪.‬‬
‫كفائدة ضم ىذه القطع إىل صحف أيب بكر؛ اإلمعاف ُب التأكد‪ ،‬كضم اليقُت إىل اليقُت‪ ،‬حيث‬
‫إنو كاف بُت ‪ٚ‬تع أيب بكر ك‪ٚ‬تع عثماف؛ زماف يقرب من أربعة عشر عاما‪ ،‬كقد شب فيو قوـ؛ كانوا ُب‬
‫أياـ ا‪ٞ‬تمع األكؿ أطفاال‪ ،‬كدخل اإلسالـ قوـ؛ مل ٭تضركا ذلك ا‪ٞ‬تمع أصال‪ ،‬فلًيطمئن ىؤالء كأكلئك؛‬
‫كيرتفع كل كىم عندىم‪٦ ،‬تا تتحدث بو النفس عادة‪ ،‬ك‪٦‬تا يدخلو ُب ركعهم بعض أعداء اإلسالـ من‬
‫شبهات‪.‬‬
‫كا‪ٟ‬تاصل من كل ما سبق كىو ا‪١‬تستفاد من الدرس على طولو‪ :‬أف ا‪١‬تصاحف العثمانية كتبت‬
‫على كفق ما كتبو الصحابة زمن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم دكف تبديل أك تغيَت‪ ،‬فكاف ‪٢‬تا طابع‬
‫القدسية كاإلقرار النبوم كبركتو‪.‬‬
‫عدد المصاحف العثمانية‪:‬‬
‫‪١‬تا كاف ا‪٢‬تدؼ ىو ‪ٚ‬تع ا‪١‬تسلمُت على مصحف كاحد غَت ‪٥‬تتلف‪ ،‬كاف كال بد أف يقوـ ا‪٠‬تليفة‬
‫؛ أنو‬ ‫بنسخ نسخ متعددة من ىذا ا‪١‬تصحف ليتم توزيعها على أمصار ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فجاء عن أنس‬
‫قاؿ‪« :‬فأمر عثماف زيد بن ثابت؛ كسعيد بن العاص؛ كعبد ا﵁ بن الزبَت؛ كعبد الر‪ٛ‬تن بن ىشاـ أف‬
‫ينسخوىا ُب ا‪١‬تصاحف‪ ،... ،‬ففعلوا ذلك‪ ،‬حىت كتبت ُب ا‪١‬تصاحف‪ٍ ،‬ب رد عثماف الصحف إىل‬
‫حفصة‪ ،‬كأرسل إىل كل أجناد ا‪١‬تسلمُت ٔتصحف‪.».‬‬
‫كقد اختلف العلماء ُب عدة ىذه ا‪١‬تصاحف العثمانية‪.‬‬
‫فذىب قوـ إىل أهنا أربعة‪:‬‬
‫عن قبيصة بن عقبة‪ ،‬قاؿ‪ٝ :‬تعت ‪ٛ‬تزة الزيات يقوؿ‪« :‬كتب عثماف أربعة مصاحف‪ ،‬فبعث منها‬
‫إىل الكوفة‪ ،‬فوضع عند رجل من مراد‪ ،‬فبقي حىت كتبت مصحفي عليو‪.».‬‬
‫‪١‬تا كتب ا‪١‬تصحف؛ جعلو على أربع‬ ‫كقاؿ الداٍل‪« :‬كأكثر العلماء على أف عثماف بن عفاف‬
‫نسخ‪ ،‬كبعث إىل كل ناحية من النواحي بواحدة‪ ،‬فوجو إىل الكوفة إحداىن‪ ،‬كإىل البصرة أخرل‪ ،‬كإىل‬
‫الشاـ الثالثة‪ ،‬كأمسك عند نفسو كاحدة‪.».‬‬
‫كذىب آخركف إىل أهنا ‪ٜ‬تسة‪:‬‬
‫قاؿ ابن حجر‪« :‬كاختلفوا ُب عدة ا‪١‬تصاحف اليت أرسل هبا عثماف إىل اآلفاؽ‪ ،‬فا‪١‬تشهور أهنا‬
‫‪ٜ‬تسة‪ .».‬كقاؿ أبو الفضل الرازم‪« :‬فإف قيل فما الذم دعاىم إىل أف يكتبوا ‪ٜ‬تسة مصاحف؟‬
‫فا‪ٞ‬تواب‪ :‬ألف أمهات أمصار اإلسالـ كن ىذه ا‪٠‬تمسة‪ ،‬فلما أرادكا أف يقطعوا ا‪٠‬تالؼ ‪٦‬تا بُت‬
‫ا‪١‬تسلمُت كافة ُب القرآف؛ بعثوا إىل كل مصر منها مصحفا‪ ،‬فحسموا ا‪١‬تادة لذلك ُب ‪ٚ‬تيع دار‬
‫اإلسالـ‪.».‬‬
‫كقد أضاؼ ىؤالء إىل ما ذكره الداٍل نسخة إىل مكة أعزىا ا﵁‪.‬‬
‫كقيل إف عدة ا‪١‬تصاحف العثمانية ستة‪:‬‬
‫قاؿ العالمة ا‪ٟ‬تداد ُب الكواكب الدرية‪« :‬فقيل ‪ ...‬أهنا ستة‪ :‬ا‪١‬تكي؛ كالشامي؛ كالبصرم؛‬
‫من ‪٤‬تل نسخو إىل مقره‪ ،‬كا‪١‬تدٍل ا‪٠‬تاص بو؛ الذم‬ ‫كالكوُب؛ كا‪١‬تدٍل العاـ الذم سَته عثماف‬
‫حبسو لنفسو‪ ،‬كىو ا‪١‬تسمى باإلماـ‪.».‬‬
‫كقيل إهنا كانت سبعة‪:‬‬
‫قاؿ أبو حاًب السجستاٍل‪١« :‬تا كتب عثماف ا‪١‬تصاحف حُت ‪ٚ‬تع القرآف؛ كتب سبعة مصاحف‪،‬‬
‫فبعث كاحدا إىل مكة‪ ،‬كآخر إىل الشاـ‪ ،‬كآخر إىل اليمن‪ ،‬كآخر إىل البحرين‪ ،‬كآخر إىل البصرة‪،‬‬
‫مكي بن أيب طالب‪ ،‬كا‪ٟ‬تافظ ابن كثَت‬
‫كآخر إىل الكوفة‪ ،‬كحبس با‪١‬تدينة كاحدا‪ .» .‬كاعتمد ذلك ي‬
‫كغَت‪٫‬تا‪.‬‬
‫كقيل إهنا كانت ‪ٙ‬تانية‪:‬‬
‫قاؿ اإلماـ الشاطيب ُب رائيتو‪:‬‬
‫و‬ ‫ىك ىس ىار ًُب ني ىس وخ ًمٍنػ ىها ىم ىع الٍ ىم ىدًٍل‬
‫يكوؼ ىك ىش واـ ىكبى ٍ‬
‫ص ور ٘تىٍألي البى ى‬
‫صىرا‬
‫ت ًهبىا ني ىس هخ ًُب نى ٍش ًرىىا قىطىىرا‬ ‫يل ىم َّكةي ىكالبى ٍحىري ًن ىم ٍع ىٯتى ون‬ ‫ً‬
‫اع ٍ‬
‫ضى‬‫ى‬ ‫ىكق ى‬
‫الدريٌة أيضا‪:‬‬
‫قاؿ العالمة ا‪ٟ‬تداد ُب الكواكب ٌ‬
‫«فإف قلت‪ :‬ما ذكره الشاطيب ُب البيتُت سبعة؛ ال ‪ٙ‬تانية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬بل ‪ٙ‬تانية‪ ،‬فإف ا‪١‬تدٍل يشمل العاـ كا‪٠‬تاص‪ ،‬بدليل قولو ُب سورة البقرة‪:‬‬
‫ي‬
‫‪........................................‬‬ ‫أىكصى ا ًإلماـ مع الش ً‬
‫َّام ِّي ىكالٍ ىم ىدًٍل‬ ‫ٍ ى ى ي ىى‬
‫فإنو صريح ُب تع ٌدد ا‪١‬تدٍل‪.».‬‬
‫كلعل أقول األقواؿ كأكالىا بالقبوؿ؛ قوؿ من قاؿ إهنا كانت ‪ٜ‬تسة أك ستة‪ :‬ا‪١‬تكي؛ كا‪١‬تدٍل؛‬
‫لنفسو‪ ،‬ك‪ٝ‬تي فيما‬ ‫كالبصرم؛ كالكوُب؛ كالشامي‪ ،‬فهذه ‪ٜ‬تسة‪ ،‬بزيادة أك نقص ما جعلو عثماف‬
‫بعد باإلماـ‪.‬‬
‫كذلك لسببُت اثنُت‪:‬‬
‫أك‪٢‬تما‪ :‬أف العلماء الذين عنوا بذكر ا‪٠‬تالؼ ُب مرسوـ ا‪٠‬تط؛ مل ينقلوا لنا شيئا عن مصحفي‬
‫البحرين؛ كاليمن‪.‬‬
‫كالثاٍل‪ :‬أنو مل يشتهر هبذين ا‪١‬توطنُت أئمة إقراء؛ كما اشتهر ُب سائر األمصار ا‪١‬تذكورة‪ .‬كا﵁‬
‫أعلم‪.‬‬
‫المحاضرة الثالثة‪ :‬الرسم القرآني بين التوقيف كاالجتهاد‪:‬‬

‫إف قضية التوقيف كاالجتهاد ُب الرسم العثماٍل قضية حديثة مل تطرأ إال ُب األزمنة ا‪١‬تتأخرة‪،‬‬
‫كلذلك فإننا ال ‪٧‬تد ‪٢‬تا ذكرا ُب كتب األكلُت‪.‬‬
‫يقوؿ الدكتور غاًل قدكرم ا‪ٟ‬تمد‪« :‬كيبدك أف الذم فتح الطريق إىل القوؿ بكوف الرسم توقيفيان‬
‫الشيخ عبد العزيز الدباغ (ت ‪1132‬ىػ) ‪٦‬تا نقلو عنو تلميذه أ‪ٛ‬تد بن ا‪١‬تبارؾ (ت ‪1155‬ىػ) ُب‬
‫كتابو (اإلبريز) فقد سألو‪« :‬فهل ىر ٍس يم القرآف على الصفة ا‪١‬تذكورة صادر من النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم أك من ساداتنا الصحابة؟ فقاؿ ‪ :‬ىو صادر منو‪ ،‬كىو الذم أمر ال يكتَّاب من الصحابة أف‬
‫يكتبوه على ا‪٢‬تيئة ا‪١‬تذكورة ‪ ،‬فما زادكا كال نقصوا على ما ‪ٝ‬تعوا من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم»‪.‬‬
‫كحُت قاؿ لو تلميذه أ‪ٛ‬تد بن ا‪١‬تبارؾ‪« :‬فإف ‪ٚ‬تاعة من العلماء ر‪ٛ‬تهم ا﵁ ترخصوا ُب أمر الرسم‪،‬‬
‫كقالوا‪ :‬إ‪٪‬تا ىو اصطالح من الصحابة جركا فيو على ما كانت قريش تكتب عليو ُب ا‪ٞ‬تاىلية ‪،» ...‬‬
‫أجابو بقولو‪« :‬ما للصحابة كال لغَتىم ُب رسم القرآف العزيز كال شعرة كاحدة‪ ،‬كإ‪٪‬تا ىو توقيف من‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كىو الذم أمرىم أف يكتبوه على ا‪٢‬تيئة ا‪١‬تعركفة بزيادة األحرؼ كنقصاهنا‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ألسرا ور ال هتتدم إليها العقوؿ‪ ،‬كما كانت العرب ُب جاىليتها كال أىل اإلٯتاف من سائر األمم ُب‬
‫خص ا﵁ بو كتابو‬
‫أدياهنم يعرفوف ذلك‪ ،‬كال يهتدكف بعقو‪٢‬تم إىل شيء منو‪ ،‬كىو سر من أسراره‪َّ ،‬‬
‫العزيز ‪ ...‬ككل ذلك ألسرار إ‪٢‬تية كأغراض نبوية‪ ،‬كإ‪٪‬تا خفيت على الناس‪ ،‬ألهنا من األسرار الباطنية‬
‫اليت ال تدرؾ إال بالفتح الرباٍل»‪.‬‬
‫كا‪١‬تتتبع للركايات ا‪١‬تتعلقة بكتابة القرآف ُب زمنو صلى ا﵁ عليو كسلم ك‪ٚ‬تىٍعً ًو ُب الصحف كنى ٍس ًخ ًو‬
‫ُب ا‪١‬تصاحف ‪ ،‬ال ‪٬‬تد ما يشَت إىل شيء من التوقيف ُب الكتابة‪ ،‬بل ‪٬‬تد أف الصحابة – رضواف ا﵁‬
‫عليهم – أعملوا فكرىم ُب اختيار الرسم ا‪١‬تناسب‪ُ ،‬ب ضوء القاعدة اليت كضعها ‪٢‬تم أمَت ا‪١‬تؤمنُت‬
‫عثماف بن عفاف رضي ا﵁ عنو حُت قاؿ ل يكتَّاب ا‪١‬تصاحف‪« :‬إذا اختلفتم أنتم كزيد بن ثابت ُب‬
‫عربية من عربية القرآف ٱؼكتبوىا بلساف قريش‪ ،‬فإف القرآف أنزؿ بلساهنم ‪ ،‬ففعلوا»‪.‬‬
‫أما قوؿ الشيخ عبد العزيز الدباغ‪ :‬إف العرب ُب جاىليتها مل تعرؼ ىذه الكتابة فإف ذلك ْتسب‬
‫ما كاف معركفان للشيخ – ر‪ٛ‬تو ا﵁ – أما ُب زماننا فقد كشفت الدراسات أف الكتابة العربية قبل‬
‫ـ ُب‬ ‫اإلسالـ كانت ٖتمل ا‪٠‬تصائص اليت ظهرت ُب رسم ا‪١‬تصاحف العثمانية ‪ ،‬على ‪٨‬تو ما َّ‬
‫تقد‬
‫التمهيد عند ا‪ٟ‬تديث عن خصائص الكتابة العربية قبل تدكين القرآف الكرَل ‪.‬انتهى كالمو‪.‬‬
‫كعلى ىذا فإف القوؿ بالتوقيف ليس لو أصل من كالـ األئمة ا‪١‬تتقدمُت كال فيو نص من كتاب أك‬
‫سنة‪.‬‬
‫ذكر اتجاىات العلماء في ىذه المسألة‪:‬‬
‫أكال‪ :‬االتجاه القائل بالتوقيف‪:‬‬
‫ذىب عدد من العلماء ا‪١‬تتأخرين إىل أف رسم ا‪١‬تصحف توقيفي أم أنو‪ :‬قائم على سند من‬
‫الشرع ال ‪٬‬توز ٕتاكزه إىل غَته‪ ،‬كال تصح ‪٥‬تالفتو‪ ،‬ك‪ٛ‬تلوا نصوص أئمة السلف الواردة ُب كجوب‬
‫اتباعو على توقيفيتو‪ ،‬كيعنوف بذلك أنو جاء بأمر من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كليس للصحابة فيو‬
‫أدٌل اجتهاد‪.‬‬
‫كمن أكؿ القائلُت هبذا القوؿ‪ :‬عبد العزيز الدباغ (ت ‪ٍ ،)1132‬ب تتابع عليو بعض ا‪١‬تعاصرين‬
‫كابن ماياىب العاقب‪ ،‬كا‪١‬تخلالٌب كالشنقيطي كالضباع كالفرماكم كغَتىم‪.‬‬
‫أدلتهم‪:‬‬
‫َ َ ٓ َ َ َٰ ُ ُ َّ ُ َ ُ ُ‬
‫ٱلر ُشٔل فخذوهُ َو ٌَا‬ ‫‪ -1‬قاؿ ُب اإلبريز‪« :‬دليل الوجوب من الكتاب قولو تعاىل‪ :‬ﵟوٌا ءاتىيً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ ُ‬
‫ي ًۡ َ ِۡ ُّ ف َُت ُٓ ۚٔاﵞ [الحشز‪ ]7 :‬كإذا كاف رسم آخر ال يوُب با‪١‬تعٌت الذم قصده الشارع تعُت‬ ‫ٓى‬
‫ر‪ٝ‬تو بالرسم الذم أتى بو الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‪.».‬‬
‫‪ -2‬أمره صلى ا﵁ عليو كسلم ‪٢‬تم بالكتابة على ىذا الشكل‪ ،‬فإف نازع أحج فإنو ال ينازع ُب تقريره‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كتقريره على أمر ال يسد غَته مسده يوجب ذلك كيصَته الزما‪.‬‬
‫‪ -3‬استدلوا ْترص النيب صلى الو عليو كسلم على كتابة القرآف كٗتصيص كتبة لو يراجعهم فيما‬
‫كتبوا‪.‬‬
‫‪ -4‬إ‪ٚ‬تاع الصحابة على رسم ا‪١‬تصاحف‪ٍ ،‬ب إ‪ٚ‬تاع األمة بعد ذلك على كجوب اتباع الرسم‪.‬‬
‫‪ -5‬استدلوا باختالؼ رسم الكلمة الواحدة باختالؼ مواضعها ُب القرآف‪٨ ،‬تو كلمة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٱلرخِي ًِ ﵞ ‪ ،‬كباأللف ُب ﵟف َص ّب ِ ۡح ب ِ ۡش ًِ َر ّبِم‬
‫ٱلرِنَٰمۡح َّ‬
‫ٱَّلل ِ َّ‬ ‫ﵟِمۡسِب‬ ‫ﵟِمۡسِبﵞ كتبت بال ألف ُب‬
‫ۡ‬
‫ٱى َع ِ ي ًِﵞ [الواقعة‪ ]74 :‬فلو كاف الرسم باالصطالح فلم كقع ىذا االختالؼ؟‬
‫كٯتكن تلخيص مناقشتهم ُب ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كاف أميا ال يدرؾ رسم ا‪ٟ‬تركؼ فضال عن أف يقوـ بإمالئها أك‬
‫تقوٯتها‪.‬‬
‫‪-‬أف أدلة كجوب اتباع الرسم ال تدؿ بالضركرة على التوقيف‪.‬‬
‫‪-‬أف االختالؼ نابع من أصال من اصطالح أىل تلك العصور ُب جواز كتابة الكلمة الواحدة‬
‫على نسقُت أك ضربُت أك أكثر‪ ،‬كلرٔتا ‪٢‬تم ُب ذلك اصطالح مل يدركو أىل ىذا العصر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االتجاه القائل باالصطالح‪:‬‬
‫كيعٍت أىل ىذا القوؿ بأف القرآف كتب على ما كاف عليو اصطالح العرب ُب عصر اإلسالـ‬
‫األكؿ من رسم العربية اليت كانوا يكتبوف هبا رسائلهم كأشعارىم كخطاباهتم‪ ،‬كما يدكنونو على األلواح‬
‫كاألشجار كاألشجار كغَت ذلك‪ ،‬فلم ٮتتلف رسم الصحابة للقرآف عنو‪.‬‬
‫كمن أبرز القائلُت هبذا القوؿ ‪٤‬تمد طاىر الكردم‪ ،‬كاأللوسي كابن عاشور كمناع القطاف‪ ،‬كغَتىم‬
‫من األحياء كالدكتور غاًل ا‪ٟ‬تمد كالدكتور مساعد الطيار كغَتىم‪.‬‬
‫أدلتهم‪:‬‬
‫‪ -1‬أنو مل ينقل عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أنو كاف ٯتلي ا‪ٟ‬تركؼ إال من طرؽ كلها ضعيفة‪.‬‬
‫‪ -2‬اختالؼ الصحابة ُب كتابة كلمة التابوت دليل على أف األمر اصطالحي ْتت‪.‬‬
‫‪ -3‬كأظهر األدلة عندىم ىي موافقة النصوص العربية ا‪١‬تكتوبة ُب ذلك الزمن كاليت كصلت إلينا‬
‫ُب خصائصها الرسم ا‪١‬تصحفي ‪٦‬تا يدؿ على عدـ التوقيف‪.‬‬
‫كىذا الرأم ىو األظهر لوجود الدليل ا‪١‬تادم عليو‪ ،‬كيكوف القوؿ اآلخر قوال ‪٤‬تدثا ال تقول‬
‫الرباىُت على إعالئو‪ ،‬رغم اشتهاره‪.‬‬
‫حكم كتابة المصحف بغير الرسم العثماني‪:‬‬
‫مل يأت دليل عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب لزكـ كتابة القرآف الكرَل برسم ا‪١‬تصحف‪ ،‬فمن‬
‫أجل ذلك كقع ا‪٠‬تالؼ بُت العلماء ُب جواز ‪٥‬تالفتو من عدمها‪.‬‬
‫القوؿ األكؿ‪:‬‬
‫فذىب ‪ٚ‬تهور العلماء من ا‪٠‬تلف كالسلف كجوب التزاـ رسم ا‪١‬تصحف كعدـ جواز ‪٥‬تالفتو‪.‬‬
‫قاؿ الداٍل‪: :‬سئل مالك ىل يكتب ا‪١‬تصحف على ما أحدثو الناس من ا‪٢‬تجاء؟ فقاؿ‪ :‬ال‪ ،‬إال‬
‫على الكتبة األكىل»‪ ... ،‬كال ‪٥‬تالف لو ُب ذلك من علماء األمة‪.‬‬
‫كقاؿ أبو عبيد القاسم بن سالـ‪« :‬كرأكا تتبع حركؼ ا‪١‬تصحف كحفظها عندىم كالسنن القائمة‬
‫اليت ال ‪٬‬توز ألحد أف يتعداىا‪».‬‬
‫كقاؿ أ‪ٛ‬تد بن حنبل‪ٖ« :‬ترـ ‪٥‬تالفة خط ا‪١‬تصحف ُب كاك أك ألف أك ياء أك غَت ذلك»‬
‫أدلتهم‪:‬‬
‫‪-1‬إ‪ٚ‬تاع الصحابة على قبوؿ ما ُب مصحف عثماف‪ ،‬كاإل‪ٚ‬تاع حجة‪ ،‬فال ‪٬‬توز ا‪١‬تخالفة إىل ما‬
‫مل ‪٬‬تمع عليو الصحابة‪.‬‬
‫‪-2‬مضي األمر من لدف الصحابة إىل يومنا ىذا على كتابة ا‪١‬تصاحف بالرسم العثماٍل إال ما‬
‫ندر‪ ،‬كىذا يقضي بوجوب اتباعو ألنو إ‪ٚ‬تاع أمة كىديها كسبيل ا‪١‬تؤمنُت‪ ،‬ك‪٥‬تالفتو شقاء كعذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬كوف الرسم العثماٍل لو خصائص ك‪٦‬تيزات ال توجد ُب الرسم القياسي‪ ،‬كاحتمالو للقراءات‬
‫األخرل‪ ،‬كىذا ‪٦‬تا ٭تتم ا﵀افظة عليو كضركرة كتابة القرآف بو‪.‬‬
‫‪-4‬أنو كتب ْتضرة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فهو من سنتو‪ ،‬كاليصح بل ال ‪٬‬توز ‪٥‬تالفة سنتو‬
‫إىل غَتىا‪.‬‬
‫القوؿ الثاني‪:‬‬
‫ذىب بعض العلماء ا‪١‬تتأخرين إىل عدـ كجوب كتابة القرآف بالرسم العثماٍل‪ ،‬كأف ‪٢‬تم ُب ذلك‬
‫سعة إف كتبوه بغَت الرسم العثماٍل‪ ،‬كمن أبرز من عرؼ عنو ذلك‪ :‬الباقالٍل كالعز بن عبد السالـ‪،‬‬
‫كابن خلدكف‪.‬‬
‫نح للكاتب‪ ،‬ألف‬ ‫السنَّةي قد دلت على جوا ًز ىك ً‬
‫تبو بأم رس وم ىس و‬
‫كس ى‬
‫هل ى‬ ‫يقوؿ الباقالٍل‪« :‬بل ُّ‬
‫ٓتط و‬
‫‪٤‬تدكد‬ ‫كإثباتو على ما بيناه سالفا‪ ،‬كال يأخ يذ أحدان و‬
‫ً‬ ‫عليو كاف يأمر ً‬
‫بر‪ٝ‬تو‬ ‫رسوؿ ا﵁ً صلى ا﵁ ً‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ذلك‪ ،‬كال ي٭تفظ عنو فيو حرؼ كاحد»‪.‬‬ ‫كرسم ‪٤‬تصوور كال يسأ‪٢‬تيم عن ى‬
‫كيقوؿ العز بن عبد السالـ كما نقل عنو‪« :‬ال ٕتوز كتابة ا‪١‬تصحف اآلف على الرسوـ األكىل‬
‫باصطالح األئمة لئال يوقع ُب تغيَت من ا‪ٞ‬تهاؿ‪».‬‬
‫يقوؿ ابن خلدكف‪« :‬حيث ر‪ٝ‬تو الصحابة ٓتطوطهم ككانت غَت مستحكمة ُب اإلجادة‬
‫فخالف الكثَت من رسومهم ما اقتضتو أقيسة رسوـ صناعة ا‪٠‬تط عند أىلها ‪ ...‬كال تلتفنت إىل ما‬
‫يزعمو بعض ا‪١‬تغفلُت من أهنم كانوا ‪٤‬تكمُت لصناعة ا‪٠‬تط ‪.»...‬‬
‫أدلتهم‪:‬‬
‫‪-1‬أنو ال دليل على كجوب كتابتو بالكتابة األكىل‪.‬‬
‫‪-2‬أف ا‪٠‬تط العريب عند ظهور اإلسالـ مل يكن بالغ الغاية ُب اإلحكاـ‪ ،‬فكتبت ا‪١‬تصاحف‬
‫على ما تيسر حينها‪.‬‬
‫‪-3‬كتابة القرآف بالرسم القياسي ُب مصلحة إبعاد الناس عن ا‪٠‬تطأ ُب تالكة كتاب ا﵁ كٖتريف‬
‫القرآف‪ ،‬كذىاب الرسم العثماٍل لن ينقص من القرآف شيئا‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫ىذه ا‪١‬تسألة تعد ُب النصوص كاألدلة متكافئة‪ ،‬حيث ال دليل على كجوب التزاـ الكتبة األكىل‬
‫ُب كتابة ا‪١‬تصحف‪ ،‬غَت أف ذلك خركج عما ارتضاه الصحابة كمن تبعهم إىل يومنا ىذا‪ ،‬فيكوف دليال‬
‫مقربا من الرأم األكؿ كىو الوجوب‪ ،‬مع أف القواعد اإلمالئية ا‪ٟ‬تديثة عرضة للتغيَت كالتنقيح ُب كل‬
‫عصر‪.‬‬
‫يبقى أف من كتب جزء أك آية أك غَته ‪٦‬تن ال يريد كتابة مصحف‪ ،‬لو حكم ا‪ٞ‬تواز كاإلباحة‬
‫لعدـ الدليل‪ ،‬كالختالؼ ا‪١‬تصاحف العثمانية نفسها فيما بينها‪ ،‬كا﵁ أعلم‪.‬‬
‫المحاضرة الرابعة‪ :‬حكم اشتماؿ رسم المصحف على األحرؼ السبعة التي نزؿ بها‬
‫القرآف‪:‬‬
‫كتب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم القرآف ُب زمنو على ما اتفق لو من أدكات كاللخاؼ كقطع‬
‫األدَل كالعسب كرقائق ا‪ٟ‬تجارة كغَت ذلك‪ ،‬كمل يرتب مصحفا كامال كما حدث بعده‪ ،‬ألف زمنو زمن‬
‫كحي‪ ،‬كال ييعلم انتهاء الوحي إال ٔتوتو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فلذلك مل يكتب مصحفا الحتماؿ‬
‫النزكؿ دائما‪.‬‬
‫كاشتغل أبو بكر رضي ا﵁ عنو بإقامة الدكلة‪ ،‬فلم يفكر ُب شيء مل يفعلو رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم حىت كاف يوـ اليمامة حُت استحر القتل بالقراء‪ ،‬فأشَت عليو ّتمع القرآف‪ ،‬ك‪١‬تا كاف القراء‬
‫متوافرين ُب زمنو رضي ا﵁ عنو‪ ،‬حاكؿ ‪ٚ‬تع ما تفرؽ بُت الناس من ا‪١‬تكتوب بُت يدم النيب صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم‪ ،‬فكلف بذلك زيد ثابت‪ ،‬فقاـ باألمر على أكمل كجو رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كمن ٍب صار ىناؾ‬
‫شيء يقاؿ لو صحف أيب بكر‪.‬‬
‫كمل تسم ىذه الصحف مصحفا‪ ،‬كبقيت حكرا عليو كعلى ا‪٠‬تليفة بعده‪ ،‬فلم تنشر بُت الناس‪،‬‬
‫كمل تنسخ أبدا‪ ،‬ألمور‪:‬‬
‫أكال‪ :‬ألف الناس كانوا قد تلقنوا القرآف من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ‪٥‬تتلفُت ُب أحرفهم‪ ،‬فال‬
‫يصح إلزامهم بشيء غَت الذم تلقنوه من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كما كاف أبو بكر رضي ا﵁ عنو‬
‫الذم ٯتنع الناس ‪٦‬تا أباحو ‪٢‬تم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كقد توقف ُب أقل من ذلك‪ُ ،‬ب‬
‫كتابتو‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ألف ىذه الصحف كانت عبارة عن نى ٍسخ ‪١‬تا كاف ُب زمنو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬دكف أف‬
‫يكوف ‪٢‬تا طابع ا‪١‬تصحف الذم يقرأ فيو ‪ٚ‬تيع الناس‪ ،‬فكأهنا كانت نسخة طبق األصل ‪ٞ‬تميع ما كتب‬
‫بُت يدم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أف ما كتب بُت يديو صلى ا﵁ عليو كسلم كاف يكتب للناس على اختالؼ حركفهم اليت‬
‫يػي ىعلٌموف هبا‪ ،‬فكانت صحائفهم ‪٥‬تتلفة ا‪ٟ‬تركؼ‪ ،‬ك‪١‬تا كاف األمر كذلك‪ ،‬فإف صحف أيب بكر رضي‬
‫ا﵁ عنو كانت على األحرؼ السبعة‪.‬‬
‫فاكتفى رضي ا﵁ عنو ّتمع ذلك ا‪١‬تكتوب كحفظو‪ ،‬إىل حُت يأٌب كقت استعمالو‪ ،‬فكاف ذلك‬
‫ُب زمن عثماف رضي ا﵁ عنو‪.‬‬
‫زمن عثماف‪ ،‬كحصلت الفتنة باختالؼ القراء ُب حركفهم‪ ،‬حىت كاد يكفر بعضهم‬‫ك‪١‬تا كاف ى‬
‫بعضا‪ ،‬كيلعن بعضهم بعضا‪ ،‬احتاج عثماف إىل أف ٭تسم ا‪٠‬تالؼ كالنزاع‪ ،‬فجمع الناس على‬
‫مصحف كاحد‪ ،‬ألزـ بو كل الناس ُب ‪ٚ‬تيع األمصار‪.‬‬
‫كقد اختلف الناس ُب ىذا ا‪١‬تصحف الذم كتبو عثماف كنسخ عنو مصاحف أرسلها إىل‬
‫األقطار اإلسالمية‪ ،‬أكاف على حرؼ كاحد أـ أحرؼ عدة‪ ،‬كىل كتب على السبعة‪ ،‬أـ أنو اقتصر‬
‫من ذلك على بعض منها؟‬
‫كٯتكن حصر ىذه األقواؿ ُب مذىبُت رئيسُت ‪٥‬تتلفُت‪:‬‬
‫األكؿ‪ :‬أف عثماف رضي ا﵁ عنو مل يًتؾ من األحرؼ السبعة شيئا إال كزبره ُب مصحفو‪.‬‬
‫كالثاٍل‪ :‬أنو انتقى من تلك األحرؼ ما كتب بو مصحفو‪.‬‬

‫‪ -‬أكال‪ :‬القوؿ بأف عثماف كتب مصحفو على األحرؼ السبعة‪.‬‬

‫أب‬
‫ىذا القوؿ ينسب إىل طوائف من الفقهاء كالقراء كأىل الكالـ‪ ،‬كأكؿ من قاؿ بو القاضي ك‬
‫بكر الباقالٍل‪ ،‬قاؿ‪« :‬كالذم نذىب إليو ‪ ،...‬أف ‪ٚ‬تيع ىذه األحرؼ السبعة قد كانت ظهرت‬
‫كاستفاضت عن الرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ... ،‬كأف عثماف كا‪ٞ‬تماعة قد أثبتت ‪ٚ‬تيع تلك‬
‫كخَتت الناس فيها‪.».‬‬
‫األحرؼ ُب ا‪١‬تصاحف‪ ،‬كأخربت بصحتها‪ٌ ،‬‬
‫ابن حزـ كأبو عمرك الداٍل ُب أحد قوليو‪ ،‬كاستحسنو ا‪١‬تهدكم‪،‬‬‫كقاؿ بو من ا‪١‬تعاصرين للباقالٍل ي‬
‫كقاؿ بو أيضا السرخسي كأبو حامد الغزايل كا‪ٞ‬تعربم‪ ،‬كغَتىم‪.‬‬
‫قاؿ أبو عمرك الداٍل‪« :‬كإف أمَت ا‪١‬تؤمنُت عثماف رضي ا﵁ عنو كمن با‪ٟ‬تضرة من ‪ٚ‬تيع‬
‫الصحابة؛ قد أثبتوا ‪ٚ‬تيع تلك األحرؼ ُب ا‪١‬تصاحف‪ ،‬كأخربكا بصحتها‪ ،‬كأعلموا بصواهبا‪ ،‬كخَتكا‬
‫الناس فيها‪ ،‬كما كاف صنع رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪.».‬‬
‫كقاؿ السرخسي‪« :‬اعلم بأف الكتاب ىو القرآف ا‪١‬تنزؿ على رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪،‬‬
‫ا‪١‬تكتوب ُب دفات ا‪١‬تصاحف‪ ،‬ا‪١‬تنقوؿ إلينا على األحرؼ السبعة ا‪١‬تشهورة نقال متواترا‪. ».‬‬
‫كقاؿ أبو حامد الغزايل‪« :‬كح ٌد الكتاب ما نقل إلينا بُت دفيت ا‪١‬تصحف على ا‪ٟ‬ترؼ السبعة‬
‫ا‪١‬تشهورة نقال متواترا‪.».‬‬
‫كقاؿ ا‪ٞ‬تعربم‪« :‬كالصحيح أف ا‪١‬تصاحف العثمانية مشتملة على األحرؼ السبعة‪.».‬‬
‫‪ ،‬كعبد‬ ‫كقاؿ هبذا القوؿ من ا‪١‬تعاصرين علماء كثر‪ ،‬كابن ا‪١‬تنَت ا‪ٟ‬تسٍت‪ ،‬ك‪٤‬تمد ٓتيت ا‪١‬تطيعي‬
‫كغَتىم‪.‬‬
‫ا‬ ‫العظيم الزرقاٍل‪،‬‬
‫يقوؿ الزرقاٍل ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كمل يرد أف عثماف أمرىم أف يًتكوا ستة أحرؼ منها كيبقوا حرفا كاحدا‬
‫كما ذىب إىل ذلك بعض العلماء‪ ،‬فلنستمسك با‪١‬تتفق عليو حىت يثبت لدينا ما ينفيو‪ ،‬فما يكوف لنا‬
‫أف نًتؾ اليقُت للشك‪.».‬‬
‫كقاؿ بو أيضا د‪ .‬عبد ا‪ٟ‬تليم النجار‪ ،‬كد‪ .‬عبد الصبور شاىُت‪ ،‬كد‪ .‬صبحي صاحل‪ ،‬كد‪ .‬عبد‬
‫العاؿ سامل مكرـ‪ ،‬كلبيب السعيد‪ ،‬كغَتىم كثَت‪.‬‬
‫كحجة ىؤالء العلماء أنو ال ‪٬‬توز لألمة أف هتمل نقل شيء من كتاب رهبا‪.‬‬
‫أيب بن كعب أك زيد أك عثماف‬ ‫قاؿ الباقالٍل ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كأنو ال ‪٬‬توز أف يضاؼ إىل عبد ا﵁ أك ٌ‬
‫احد من كلده كعًتتو جحد آية أك حرؼ من كتاب ا﵁ عز كجل أك تغيَته‪ ،‬كقراءتو على‬ ‫أك علي أك ك و‬
‫غَت الوجو ا‪١‬ترسوـ ُب مصحف ا‪ٞ‬تماعة‪ ،‬بأخبار اآلحاد كما مل يبلغ منها ح ٌد التواتر كاالنتشار‪ ،‬كأف‬
‫يسع‪ ،‬بل ال يصلح عندنا إضافة ذلك إىل أدٌل ا‪١‬تؤمنُت منزلة من أىل عصرنا ٓترب‬ ‫٭تل كال ى‬
‫ذلك ال ٌ‬
‫الواحد‪ ،‬كما ال يوجب العلم‪ ،‬فضال عن إضافة ذلك إىل جلة الصحابة كاألماثل‪ ،‬كتعليقو عليهم ٔتا‬
‫دكف التواتر كاالنتشار من األخبار اليت مل تقم ا‪ٟ‬تجة بأنو قرآف منزؿ ‪.»...‬‬
‫فعندىم أنو ليس إىل عثماف كال إىل غَته أف يسقط حرفا من أحرؼ كتاب ا﵁‪ ،‬بل ليس ذلك‬
‫حىت إىل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم نفسو‪ ،‬فكيف يقاؿ ىذا عن عثماف رضي ا﵁ عنو؟‬
‫كمن زعم أف عثماف إ‪٪‬تا فعل ذلك ‪١‬تصلحة اجتماع األمة‪ ،‬ك‪٬‬توز لو عند الضركرة ما ال ‪٬‬توز ُب‬
‫غَتىا‪ ،‬فليس لو ذلك‪ ،‬ألف دفع الفتنة ال يكوف بفتنة مثلها‪ ،‬كترؾ ما أنزؿ ا﵁ ال شك فتنة أعظم‪.‬‬
‫يقوؿ الزرقاٍل ‪ٍ« :‬ب إف دفع الفتنة كتوحيد الكلمة بُت ا‪١‬تسلمُت؛ ال يتوقف على ترؾ ستة‬
‫أحرؼ كإبقاء حرؼ كاحد من األحرؼ اليت نزؿ القرآف عليها‪ ،‬بل إف الذم يدفع الفتنة كيوحد‬
‫الكلمة ىو إقرار النازؿ كما نزؿ ًمن تعدد حركفو السبعة ر‪ٛ‬تة هبذا األمة‪ ،‬غاية ما ُب الباب ىو إحاطة‬
‫ا‪١‬تسلمُت هبذه ا‪ٟ‬تركؼ‪ ،‬حىت يًتكوا ما عداىا‪ ،‬كال يعتمدكا سواىا‪ ،‬كحىت يعتمد كل منهم صواب‬
‫قراءة غَته‪ ،‬ما دامت قراءتو ال تتعداىا‪ ،‬كمن ىنا ٕتتمع كلمتهم‪ ،‬كتنطفئ فتنتهم‪.».‬‬
‫كمن حجج ىؤالء القوـ أيضا أنو ال توجد قراءة ثابتة عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كال عن‬
‫الصحابة ٗتالف مصحف عثماف رضي ا﵁ تعاىل عنو‪ ،‬كأف ما نقل من ذلك فإما غَت صحيح‪ ،‬أك أنو‬
‫‪٦‬تا ال تقوـ بو ا‪ٟ‬تجة‪ ،‬ألنو من أخبار اآلحاد‪ ،‬كال ينقل قرآف بأخبار اآلحاد‪.‬‬
‫‪٧‬توز أف نثبت قرآنا بطريق ال يوجب العلم كال يقطع العذر‪ ،‬كإف‬
‫يقوؿ الباقالٍل‪« :‬كإننا ال ٌ‬
‫الشهادة على أدٌل ا‪١‬تؤمنُت منزلة ٔتثل ذلك كأنو قد زاد ُب كتاب ا﵁ تعاىل ما ليس منو أك نقص شيء‬
‫منو غَت مقبولة‪ ،‬فال ‪٬‬تب االعتداد ٔتثل ىذه القراءات على كجو‪.».‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬ذكر من قاؿ إف عثماف انتقى في مصحفو من األحرؼ السبعة‪.‬‬

‫القوؿ بأف عثماف رضي ا﵁ عنو انتقى ُب مصحفو ما انتقاه‪ ،‬كترؾ ما سول ذلك‪ ،‬مع أنو صح‬
‫عنده أنو حرؼ من أحرؼ القرآف السبعة اليت نزؿ هبا‪ ،‬ىو قوؿ السلف قاطبة‪ ،‬كعليو ا﵀ققوف من‬
‫صرح بذلك شيخ اإلسالـ ابن تيمية كا﵀قق ابن ا‪ٞ‬تزرم‪.‬‬ ‫العلماء كأئمة الدين‪ٌ ،‬‬
‫فهو قوؿ سفياف بن عيينة كعبد ا﵁ بن كىب كالطربم كالطحاكم كابن أيب ىاشم تلميذ ابن‬
‫‪٣‬تاىد كأيب الفضل الرازم كمكي بن أيب طالب‪ ،‬كأيب عمرك الداٍل ُب قولو الثاٍل‪ ،‬كا‪١‬تهدكم كابن عبد‬
‫الرب كابن أيب الرضا ا‪ٟ‬تموم كابن تيمية كابن القيم كأيب إسحاؽ الشاطيب كابن ا‪ٞ‬تزرم كتلميذه النويرم‪،‬‬
‫كمن ا‪١‬تعاصرين علي بن ‪٤‬تمد الضباع ك‪٤‬تمد أبو زىرة ك‪٤‬تمد رشيد رضا كابن عثيمُت كعبد الفتاح‬
‫شليب كغاًل قدكرم ا‪ٟ‬تمد كغَتىم كثَت ال ٯتكن إحصاؤىم‪.‬‬
‫يقوؿ شيخ اإلسالـ ابن تيمية ‪« :‬فالذم عليو ‪ٚ‬تهور العلماء من السلف كاألئمة أهنا حرؼ من‬
‫ا‪ٟ‬تركؼ السبعة‪ ،‬بل يقولوف إف مصحف عثماف ىو أحد ا‪ٟ‬تركؼ السبعة‪ ،‬كىو متضمن للعرضة‬
‫األخَتة اليت عرضها النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على جربيل‪ ،‬كاألحاديث كاآلثار ا‪١‬تستفيضة تدؿ على‬
‫ىذا القوؿ‪.».‬‬
‫إال أف ىؤالء اختلفوا ُب ىذه القراءات اليت يقرأ هبا الناس اليوـ‪.‬‬
‫فالذم عليو اإلماـ سفياف بن عيينة كعبد ا﵁ بن كىب كابن جرير الطربم كأبو طاىر بن أيب‬
‫ىاشم كالطحاكم ككثَت من الفقهاء أهنا من حرؼ كاحد فحسب‪.‬‬
‫قاؿ أبو الطاىر قاؿ ‪« :‬سألت سفياف بن عيينة عن اختالؼ قراءة ا‪١‬تدنيُت كالعراقيُت‪ ،‬ىل‬
‫أم ذلك‬
‫كإ‪٪‬تا السبعة األحرؼ كقو‪٢‬تم‪ :‬ىلم‪ ،‬أقبل‪ ،‬تعاؿ‪ٌ ،‬‬ ‫تدخل ُب السبعة األحرؼ؟ فقاؿ‪« :‬ال‪َّ ،‬‬
‫قلت أجزأؾ»‪ .‬قاؿ أبو الطاىر ‪« :‬كقالو ابن كىب‪.».‬‬
‫كيقوؿ الطربم‪« :‬فال قراءة للمسلمُت اليوـ إال با‪ٟ‬ترؼ الواحد الذم اختاره ‪٢‬تم إمامهم الشفيق‬
‫الناصح‪ ،‬دكف ما عداه من األحرؼ الستة الباقية‪.».‬‬
‫كيقوؿ الطحاكم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كباف ٔتا ذكرنا أف تلك السبعة األحرؼ إ‪٪‬تا كانت ُب كقت خاص‬
‫لضركرة دعت إىل ذلك‪ٍ ،‬ب ارتفعت تلك الضركرة‪ ،‬فارتفع حكم ىذه السبعة األحرؼ‪ ،‬كعاد ما يقرأ‬
‫بو القرآف على حرؼ كاحد‪.».‬‬
‫كيقوؿ ابن أيب ىاشم‪« :‬فثبتت األمة على حرؼ كاحد من السبعة اليت خَتكا فيها‪ ،‬ككاف سبب‬
‫ثباهتم كرفضهم الستة ما أ‪ٚ‬تع عليو صحابة رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم حُت خافوا على األمة‪.».‬‬
‫كيقوؿ أيضا‪« :‬كأما ما اختلفت فيو أئمة القراءة باألمصار‪ ،... ،‬فليس بداخل ُب معٌت قوؿ‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪« :‬أنزؿ القرآف على سبعة أحرؼ‪.».‬‬
‫معٌت ىذا القوؿ يرمي إىل أف مصحف عثماف بن عفاف رضي ا﵁ عنو كلو مكتوب على حرؼ‬ ‫ؼ‬
‫كاحد‪ ،‬ال يغادر إىل غَته‪ ،‬كىذا ا‪١‬تعٌت مأخوذ من مذىب القوـ ُب معٌت ا‪ٟ‬ترؼ كما مر عند سفياف‬
‫ر‪ٛ‬تو ا﵁‪ ،‬فهم يركف أف األحرؼ لغات‪ ،‬كحرؼ مصحف عثماف رضي ا﵁ عنو أحدىا كىو حرؼ‬
‫قريش‪ ،‬دليلهم ُب ذلك ما ُب حديث أنس رضي ا﵁ عنو قاؿ‪« :‬كقاؿ ‪-‬أم عثماف‪ -‬للرىط القرشيُت‬
‫الثالثة‪« :‬ما اختلفتم أنتم كزيد بن ثابت فاكتبوه بلساف قريش‪ ،‬فإ‪٪‬تا نزؿ بلساهنم‪ .».‬فهو أحد‬
‫األحرؼ ال غَت‪.‬‬
‫كذىب آخركف ‪٦‬تن نصر القوؿ بعدـ اشتماؿ مصحف عثماف على ‪ٚ‬تيع األحرؼ السبعة إىل أف‬
‫القراءات الباقية ىي ‪٦‬تا احتملو ا‪١‬تصحف العثماٍل ا‪١‬تكتوب على حرؼ كاحد‪ ،‬ال أهنا كل األحرؼ‬
‫السبعة‪ ،‬ذىب إىل ذلك أبو الفضل الرازم كا‪١‬تهدكم كمكي بن أيب طالب كابن ا‪ٞ‬تزرم ر‪ٛ‬تة ا﵁‬
‫عليهم‪.‬‬
‫قاؿ ا‪ٟ‬تافظ ابن ا‪ٞ‬تزرم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كذىب ‪ٚ‬تاىَت العلماء؛ من السلف كا‪٠‬تلف كأئمة ا‪١‬تسلمُت‬
‫إىل أف ىذه ا‪١‬تصاحف العثمانية مشتملة على ما ٭تتملو ر‪ٝ‬تها من األحرؼ السبعة فقط‪.».‬‬
‫كىذا قد يؤكؿ إىل القوؿ األكؿ‪ ،‬أم أف ا‪١‬تصاحف العثمانية كتبت على حرؼ كاحد‪ ،‬لكن ىذا‬
‫ا‪ٟ‬ترؼ ٭تتمل كثَتا من حركؼ بقية األحرؼ الستة‪ ،‬فعلى سبيل ا‪١‬تثاؿ‪ :‬ىجاء كلمة ﴿ننشرىا﴾ بالراء‬
‫٭تتمل ﴿ ننشزىا﴾ بالزام‪ ،‬كىجاء ﴿ النبي﴾ بال ‪٫‬تز ٭تتمل ا‪ٟ‬ترؼ اآلخر الذم ىو با‪٢‬تمز‪ ،‬كىجاء‬
‫﴿يعملوف﴾ بالياء ٭تتمل ﴿ تعلموف﴾‪ ،‬كىكذا‪ ،‬كىذا ىو الذم صرح بو اإلماـ مكي بن أيب طالب‪،‬‬
‫قاؿ ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬فا‪١‬تصحف كتب على حرؼ كاحد‪ ،‬كخطو ‪٤‬تتمل ألكثر من حرؼ‪ ،‬إذ مل يكن‬
‫ط ىو من الستة األحرؼ الباقية‪.».‬‬
‫منقوطا كال مضبوطا‪ ،‬فذلك االحتماؿ الذم احتمل ا‪٠‬ت ي‬
‫كمثلو قوؿ أيب العباس ا‪١‬تهدكم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كأصح ما عليو ا‪ٟ‬تذاؽ من أىل النظر ُب معٌت ذلك‪،‬‬
‫أف ما ‪٨‬تن عليو ُب كقتنا من ىذه القراءات ىو بعض ا‪ٟ‬تركؼ السبعة اليت نزؿ عليها القرآف ‪ٍ ،»...‬ب‬
‫قاؿ‪« :‬فثبت هبذا أف ىذه القراءات اليت نقرؤىا ىي بعض من ا‪ٟ‬تركؼ السبعة اليت نزؿ عليها القرآف‪،‬‬
‫استعملت ‪١‬توافقتها ا‪١‬تصحف الذم اجتمعت عليو األمة‪ ،‬كتيرؾ ما سواىا من ا‪ٟ‬تركؼ السبعة ‪١‬تخالفتو‬
‫‪١‬ترسوـ خط ا‪١‬تصحف‪.».‬‬
‫كدليل ىؤالء أف قراءات األئمة اختلفت‪ ،‬كال بد الختالفها من مربر كال ‪٧‬تده إال ُب حديث‬
‫األحرؼ السبعة‪ ،‬كمن ٍب فإف ا‪ٟ‬تكم بأهنا من حرؼ كاحد غَت سليم‪ ،‬إذ ال ٯتكن جعل الواحد أشياء‬
‫‪٥‬تتلفة‪ ،‬فلما كاف األمر كذلك كانت ىذه االختالفات مستقاة من األحرؼ السبعة لكنها ليست كل‬
‫األحرؼ السبعة‪ ،‬إذ ثبت بطريق التواتر ا‪١‬تعنوم كجود قراءات عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كالصحابة رضواف ا﵁ عليهم‪ ،‬مع أهنا ‪٦‬تا ال يقبلو ا‪١‬تصحف العثماٍل‪ ،‬فكاف ىذا ا‪١‬تذىب مذىبا كسطا‬
‫بُت ا‪١‬تذىبُت‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫فالناظر إىل حاؿ الصحابة رضواف ا﵁ تعاىل عليهم ‪٬‬تد اختالفات شديدة بُت قراءاهتم‪ ،‬مع‬
‫إقرار رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم للجميع‪ ،‬كما ُب قصة عمر كىشاـ رضي ا﵁ عنهما‪ٍ ،‬ب إهنم‬
‫بعد كفاة رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم مل ييعلم أهنم هنوا عن شيء من ذلك‪ ،‬بل بقوا زمن أيب بكر‬
‫على قراءاهتم‪ٍ ،‬ب زمن عمر أيضا‪ ،‬حىت كاف الزمن الذم كتب فيو عثماف ا‪١‬تصحف‪ ،‬فإنو رضي ا﵁‬
‫عنو ألزـ ا‪ٞ‬تميع بالقراءة ٔتا ُب مصحفو‪.‬‬
‫فقراءاهتم تلك اليت اختلفوا فيها قبل كتابة ا‪١‬تصحف ىي من األحرؼ السبعة اليت أذف ا﵁ فيها‬
‫كال شك‪ ،‬إذ ال ٯتكن أف يقاؿ ىي من حرؼ كاحد مع أهنا ‪٥‬تتلفة ر‪ٝ‬تا‪ ،‬مثل قراءة‪( :‬ا‪ٟ‬تي القياـ)‬
‫[آؿ عمراف ‪ ،]2‬كقراءة‪( :‬فامضوا إىل ذكر ا﵁) [ا‪ٞ‬تمعة ‪ ،]9‬كقراءة‪( :‬كالذكر كاألنثى) [الليل ‪،]3‬‬
‫كغَتىا كثَت ‪٦‬تا يدؿ على كجود أصل ‪٢‬تذا االختالؼ‪.‬‬
‫ٍب إننا ال ‪٧‬تد ىذه االختالفات ُب قراءات القراء الثابتة اليوـ‪.‬‬
‫فإما أهنا مل تكن قرآنا أصال ‪-‬كما قرره الباقالٍل كالداٍل‪ ،-‬كإما أهنا كانت كذلك‪ ،‬فإف كاف‬
‫األكؿ فما باؿ الصحابة كانوا يقرؤكف هبا ُب صلواهتم ال يعدكهنا إىل غَتىا؟‬
‫عن ابن عمر رضي ا﵁ عنو قاؿ‪ :‬لقد توَب ا﵁ عمر رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كما يقرأ ىذه اآلية اليت ذكر‬
‫لصالةً ًم ٍن يىػ ٍوًـ ٍ‬
‫ا‪ٞ‬تي يم ىع ًة﴾ إال‪( :‬فامضوا إىل ذكر ا﵁)‬ ‫م لً َّ‬ ‫ً ً‬ ‫َّ ً‬
‫ا﵁ فيها ا‪ٞ‬تمعة‪ ﴿ :‬يىاأىيػُّ ىها الذ ى‬
‫ين ىآمنيوا إ ىذا نيود ى‬
‫[ا‪ٞ‬تمعة ‪.».]9‬‬
‫كأما إذا كاف الثاٍل فإما أف تكوف منسوخة أك ال‪ ،‬فإف كانت منسوخة فال نسخ بعد كفاة النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كيستطيع كل كاحد أف يزعم أف قراءة غَته منسوخة‪ ،‬عن خرشة بن ا‪ٟ‬تر أف‬
‫عمر بن ا‪٠‬تطاب رأل معو لوحا مكتوبا فيو ﴿إذا نودم للصالة من يوـ ا‪ٞ‬تمعة فاسعوا إىل ذكر ا﵁﴾‬
‫أمل عليك ىذا؟»‪ ،‬فقاؿ‪ :‬أيب بن كعب‪ ،‬فقاؿ ‪« :‬إف أبيا كاف‬ ‫[ا‪ٞ‬تمعة ‪ ]9‬فقاؿ‪« :‬من أقرأؾ أك من َّ‬
‫أقرأنا للمنسوخ‪ ،‬اقرأىا‪( :‬فامضوا إىل ذكر ا﵁)‪.».‬‬
‫كإف مل تكن منسوخة‪ ،‬فأين ىي ُب قراءات القوـ اليوـ؟ ال ٯتكن ا‪ٟ‬تمل إال على أهنا تركت‪.‬‬
‫كال ٯتكن القوؿ بأهنا تركت لضعف ُب إسنادىا أك لشذكذ من قرأ هبا‪ ،‬فلو ضربنا مثال قراءة‬
‫عمر السالفة (فامضوا إىل ذكر ا﵁)‪ ،‬فإننا مع العلم بأف عمر رضي ا﵁ عنو كاف يقرأ هبا ٔتحضر من‬
‫‪ٚ‬تيع الصحابة ُب مسجد رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كمل ينكرىا عليو أحد‪ ،‬فإنو قد ركاىا عنو‬
‫كعن ابن مسعود أصحاب الكتب باألسانيد الصحيحة ‪ ،‬فضال عن القراء‪.‬‬
‫يقوؿ ابن ا‪ٞ‬تزرم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬ألنا إذا قلنا إف ا‪١‬تصاحف العثمانية ‪٤‬تتوية على ‪ٚ‬تيع األحرؼ‬
‫السبعة اليت أنز‪٢‬تا ا﵁ تعاىل‪ ،‬كاف ما خالف الرسم ييقطع بأنو ليس من األحرؼ السبعة‪ ،‬كىذا قوؿ‬
‫‪٤‬تظور‪ ،‬ألف كثَتا ‪٦‬تا خالف الرسم قد صح عن الصحابة كعن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪.».‬‬
‫أقوؿ ما داـ األمر قد ظهر على ىذه ا‪ٟ‬تاؿ‪ ،‬كما دامت الركايات قد ثبتت عن النيب صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم كعن أصحابو هبذا االختالؼ‪ ،‬فال ٯتكن ا‪ٟ‬تمل إال على أهنا قراءات ذىبت ٔتصحف‬
‫عثماف‪ ،‬كإال فكيف ا‪ٟ‬تمل ككيف العمل؟‬
‫فإذا تقرر األمر كذلك‪ ،‬تبُت لنا أف مصحف عثماف حول بعضا من األحرؼ السبعة‪ ،‬ال كلها‪.‬‬
‫بقي أف ننظر ىل كاف ىذا البعض حرفا كاحدا أـ ‪ٚ‬تلة من األحرؼ؟‬
‫إف القراءات الثابتة عن القراء ا‪١‬تعركفُت اليوـ ىي قراءات فيها اختالؼ ُب اللفظ كا‪١‬تعاٍل‪ ،‬مع أف‬
‫مصحف عثماف رضي ا﵁ عنو ٭تتملها ‪ٚ‬تيعا‪ ،‬إال أحرفا يسَتة غض عنها العلماء الطرؼ‪ ،‬فكوهنا من‬
‫حرؼ كاحد أمر متناقض‪ ،‬إذ ال يعقل ذاؾ‪ ،‬كلو قيل إهنا من لغة كاحدة‪ ،‬ألننا لو قلنا بذلك لصار‬
‫عندنا كل حرؼ من األحرؼ السبعة ىو لغة‪ ،‬ككل لغة هبا قراءات متعددة‪ ،‬كىذا ‪٦‬تا مل يقل بو أحد‬
‫فيما أعلم‪.‬‬
‫يقوؿ أبو الفضل الرازم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬كىذا ‪٦‬تا يداخلو النقض من كجهُت‪:‬‬
‫أحد‪٫‬تا‪ :‬من حيث إف مصحف عثماف رضي ا﵁ عنو مل يكن على نسخة كاحدة‪ ،‬بل كانت‬
‫نسخا‪ ،‬كقد كاف ُب كل كاحد منها حركؼ ليست ُب األخرل‪ ،‬كال شك أف االختالؼ الذم ما بُت‬
‫النسخ من األحرؼ السبعة ا‪١‬تنزلة‪ ،‬كذلك غَت حرؼ‪.‬‬
‫كالثاٍل‪ :‬أف ‪ٚ‬تيع نسخ مصحف عثماف يكتب غفال من غَت شكل كال نقط‪ ،‬فلما كانت‬
‫كذلك‪ ،‬كقرأ أئمة األمصار من الصورة الواحدة ‪-‬اليت ليست ٔتشكولة كال منقوطة‪ -‬أكجها ‪٥‬تتلفة‬
‫أكجو أثران من اآلخر‪ ،‬كال أكىل‬
‫األلفاظ باتفاؽ ا‪١‬تعاٍل ٖتتها كاختالفها‪٦ ،‬تا مل يكن أحد الوجوه منها ى‬
‫دؿ على أف ‪ٚ‬تيع ذلك غَت حرؼ من األحرؼ ا‪١‬تنزلة؛ كال‬ ‫بالصورة الواحدة ا‪١‬ترسومة فيها من ضده‪ٌ ،‬‬
‫حرفُت؛ كال أكثر‪... .‬‬
‫بلى‪ ،‬لو كانت مصاحف عثماف كلها على ىجاء كاحد كنسخة كاحدة‪ ،‬من غَت تغاير ما بينها‬
‫ْتاؿ‪ ،-‬فكانت كلها مشكولة مقيدة منقطة‪ ،‬أك إف مل تكن مشكولة مل تىقرإ األئمة من الصور‬ ‫‪ -‬و‬
‫كالغفل إال كجها كاحدا‪ ،‬ألمكن أف يقطع بنسخ ستة أحرؼ من السبعة‪ ،‬كأف ا‪١‬تبىقى الذم مل ينسخ‪،‬‬
‫ككاف يلزـ األمة قاطبة أف ال ٮتالفوه ُب القراءة ْتاؿ‪ ،‬كال با‪ٟ‬تركؼ كال بالنقط كاإلعجاـ‪.».‬‬
‫ٍب إننا إذا جئنا إىل عمل الصحابة الذين كتبوا ا‪١‬تصحف رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬فإهنم ‪١‬تا كتبوه إما‬
‫أهنم ابتغوا كتابتو على األحرؼ السبعة ‪ٚ‬تيعها‪ ،‬فلما كاف متعسرا ُب ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تواضع اكتفوا فيما ٮتتلف‬
‫ر‪ٝ‬تو بوجو كاحد ىو لغة قريش‪ ،‬كإما أهنم تقصدكا أف يكتبوه على حرؼ كاحد تاركُت األحرؼ الستة‬
‫الباقية‪.‬‬
‫قاؿ أبو الفضل الرازم‪« :‬بل ‪ٚ‬تيع ما نقرؤه ُب ا‪ٟ‬تاؿ من تغاير األلفاظ ا‪١‬تنقوؿ من طريق التواتر‬
‫ا‪١‬توافق ‪١‬ترسوـ ا‪١‬تصحف فهو من ‪ٚ‬تلة األحرؼ السبعة‪ ،‬كإف نسخ شيء منها فهو األخف دكف‬
‫األكثر‪ ،‬كا﵁ أعلم‪.».‬‬
‫بقي أف نوجو إسقاطهم لبعض ا‪ٟ‬تركؼ اليت كانت عندىم ثابتة صحيحة النقل إىل رسوؿ ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ففي أم صنف ‪٧‬تعلو؟‬
‫فأقوؿ‪ :‬إف القراءة بكل األحرؼ مل تكن كاجبة يوما على األمة‪ ،‬كإ‪٪‬تا كانت رخصة رخصها ا﵁‬
‫تعاىل لنبيو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬يوـ أف كانت ىذه األمة ْتاجة إىل ىذه الرخصة‪ ،‬فلو اقتصرت‬
‫األمة على كجو كاحد من ىذه الرخصة أك كجهُت‪١ ،‬تا قيل إهنا فرطت كضيعت‪ ،‬بل إف قرآهنا كا‪ٟ‬تمد‬
‫﵁ ‪٤‬تفوظ حفظا تاما كامال على الوجو الذم أراد ا﵁ تعاىل‪ ،‬فال نقص ُب ذلك‪.‬‬
‫يقوؿ أبو العباس ا‪١‬تهدكم ر‪ٛ‬تو ا﵁‪« :‬إذ ليس بواجب علينا القراءة ّتميع ا‪ٟ‬تركؼ السبعة اليت‬
‫نزؿ عليها القرآف‪ ،‬كإذ قد أباح النيب عليو السالـ لنا القراءة ببعضها دكف بعض لقولو عز كجل‪:‬‬
‫﴿فاقرؤكا ما تيسر من القرآف﴾ [ا‪١‬تزمل ‪ ،]20‬فصارت ىذه القراءات ا‪١‬تستعملة ُب كقتنا ىذا ىي اليت‬
‫تيسرت لنا‪ ،‬بسبب ما رآه سلف األمة من ‪ٚ‬تع الناس على ىذا ا‪١‬تصحف‪ ،‬لقطع ما كقع بُت الناس‬
‫من االختالؼ كتكفَت بعضهم لبعض‪.».‬‬
‫كٯتكن أف ًلثل ذلك بأف لو قرأ ‪ٚ‬تيع من كاف ُب زمن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم سورة الفرقاف‬
‫ْترؼ عمر بن ا‪٠‬تطاب الذم أقرأه إياه رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كتىركوا حرؼ ىشاـ بن‬
‫حكيم رضي ا﵁ عنهما‪ ،‬ىل كاف ُب ذلك عليهم من بأس؟ كلو مات ىشاـ‪ ،‬فلم يبق ُب الناس من‬
‫يقرأ بقراءتو‪ ،‬ىل كاف ُب ذلك خلل أك نقص؟ اللهم ال‪ ،‬فكذلك فيمن بعدىم‪.‬‬
‫كخصوصا إذا علمنا أف بقاء الرخصة سيكوف فتنة للناس‪ ،‬حىت كإف كانوا ُب موطن العلم مدينة‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فمن لنا بدارئ بعد عثماف يفعل مثلما فعل‪ ،‬حُت يتسع ا‪٠‬ترؽ على‬
‫الراقع؟‬
‫عن أيب قالبة قاؿ‪ :‬حدثٍت رجل من بٍت عامر يقاؿ لو أنس بن مالك قاؿ‪« :‬اختلفوا ُب القرآف‬
‫على عهد عثماف حىت اقتتل الغلماف كا‪١‬تعلموف‪ ،‬فبلغ ذلك عثماف فقاؿ‪« :‬عنػدم تكػذبوف بو‬
‫كٗتتلػفوف فيو! فمن نأل عٍت كاف أشػد تكػذيبا كأكثر ‪ٟ‬تنا ‪.»...‬‬
‫كُب ركاية قاؿ‪١« :‬تا كاف ُب خالفة عثماف جعل ا‪١‬تعلم يعلم قراءة الرجل كا‪١‬تعلم يعلم قراءة‬
‫الرجل‪ ،‬فجعل الغلماف يلتقوف فيختلفوف‪ ،‬حىت ارتفع ذلك إىل ا‪١‬تعلِّمُت‪ ،‬قاؿ أيوب‪ :‬ال أعلمو إال‬
‫قاؿ‪ :‬حىت ىك ىفر بعضهم بقراءة بعض‪ ،‬فبلغ ذلك عثماف فقاـ خطيبا فقاؿ‪« :‬أنتم عندم ٗتتلفوف فيو‬
‫كتلحنوف! فمن نأل عٍت من األمصار أشد اختالفا كأشد ‪ٟ‬تنا‪.».‬‬
‫كقد صدؽ حدس عثماف رضي ا﵁ عنو‪ ،‬فجاءه النبأ بذلك بعد حُت‪ :‬عن ابن شهاب قاؿ‪:‬‬
‫ٍب أخربٍل أنس بن مالك األنصارم‪« :‬أنو اجتمع لغزكة أذربيجاف كأرمينية أىل الشاـ كأىل العراؽ‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬فتذاكركا القرآف فاختلفوا فيو حىت كاد يكوف بينهم فتنة‪ ،‬قاؿ‪ :‬فركب حذيفة بن اليماف ‪١-‬تا رأل‬
‫من اختالفهم ُب القرآف‪ -‬إىل عثماف‪ ،‬فقاؿ‪« :‬إف الناس قد اختلفوا ُب القرآف حىت ‪-‬كا﵁‪ -‬ألخشى‬
‫أف يصيبهم ما أصاب اليهود كالنصارل من االختالؼ»‪ ،‬قاؿ‪ :‬ففزع لذلك عثماف فزعا شديدا ‪. »...‬‬
‫كا﵁ أعلم‪.‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬مصادر الرسم العثماني‪:‬‬

‫مصادر الرسم العثماٍل ىي بالدرجة األكىل تلك ا‪١‬تصاحف اليت خطتها اللجنة اليت أمرىا عثماف‬
‫بتوحيد مصاحف ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كحيث أننا ال نستطيع ا‪ٞ‬تزـ بوجود تلك ا‪١‬تصاحف حيث طرأت عليها‬
‫حوادث الزماف من االنتقاؿ كالضياع كغَتىا‪ ،‬فإننا ال ننكر بأف ا‪١‬تصاحف ُب زمنها كتبت منها‪ ،‬فصار‬
‫بذلك ‪٢‬تا أبناء كأحفاد كثَتكف‪.‬‬
‫فإف عملية نسخ ا‪١‬تصاحف نشطت بعد عثماف رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كخاصة ُب زمن الدكلة األموية‬
‫اليت حرصت كل ا‪ٟ‬ترص على تنفيذ ا‪١‬تشركع العثماٍل‪.‬‬
‫يقوؿ ابن قتيبة‪« :‬ككاف ا‪ٟ‬تجاج كىك ىل عاصما كناجية بن رمح كعلي بن أصمع بتتبع ا‪١‬تصاحف‪،‬‬
‫كأمرىم أف ييقطٌعوا كل مصحف؛ كجدكه ‪٥‬تالفا ‪١‬تصحف عثماف‪ ،‬كيعطوا صاحبو ستُت در‪٫‬تا‪ ،‬خربٍل‬
‫بذلك أبو حاًب عن األصمعي‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫«كُب ذلك يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫ًً‬ ‫ً‬ ‫إًالَّ رس ً‬
‫‪».‬‬ ‫ىص ىم ىعا‬ ‫وـ ل ىدا ًر قىػ ٍفران ىكأىنػ ىَّها كتى ه‬
‫اب ‪٤‬تىاهي البىاىل ُّي بٍ ين أ ٍ‬ ‫يي ه‬
‫فيمكن كا‪ٟ‬تالة ىذه االعتماد إىل حد ما على ا‪١‬تصاحف العتيقة حيث تكوف مادهتا ىي مادة‬
‫ىذا العلم‪ ،‬ك‪٤‬تتواىا ىو ما ينبغي نقلو ككتابة ا‪١‬تصاحف عليو‪ ،‬كذلك بعد ا‪١‬تقارنة بينها كنبذ ما شذ‬
‫من ر‪ٝ‬تها ككتابتها‪.‬‬
‫كقد قاـ هبذه ا‪١‬تهمة أئمة أعالـ كالداٍل كتلميذه سليماف بن ‪٧‬تاح‪ ،‬حيث استقرؤكا تلك‬
‫ا‪١‬تصاحف كاطلعوا على أكثرىا‪ ،‬كنقلوا ‪٤‬تتواىا ُب كتبهم‪ ،‬خاصة ىذاف األخَتاف حيث كاف الناس‬
‫بعد‪٫‬تا عالة عليهما‪ُ ،‬ب ىذا ا‪١‬تضمار‪ ،‬كاصطلحوا على تسميتهما بالشيخُت‪ ،‬فهو مصطلح ٮتصهما‬
‫عند إطالقو ُب ىذا العلم ال غَت‪.‬‬
‫فإذا قيل ىاىنا اتفق الشيخاف أك اختلفا‪ ،‬فإ‪٪‬تا يعنياف أبا عمرك عثماف بن سعيد الداٍل‪ ،‬كأبا‬
‫داكد سليماف بن ‪٧‬تاح األموم ر‪ٛ‬تة ا﵁ عليهما‪.‬‬
‫كىناؾ غَت‪٫‬تا ‪٦‬تا سنذكر من كتب األئمة مثلهما كالشاطيب كابن كثيق األندلسي كغَتىا‪.‬‬
‫كما يالحظ أف ىذا العلم كإف كاف أصلو مشرقيا‪ ،‬فإف عناية ا‪١‬تغاربة بو كانت أكثر كأ‪٧‬تع‪.‬‬
‫كقبل ذلك‪ ،‬فإف ‪ٚ‬تلة من األئمة ا‪١‬تتقدمُت اطلعوا على ا‪١‬تصاحف العثمانية األصلية‪ ،‬كنقلوا ما‬
‫فيها كاإلماـ نافع الذم نقل عنو الداٍل تفصيال طويال ُب ذكر ما رسم ُب ا‪١‬تصحف العثماٍل‪ ،‬كاإلماـ‬
‫أيب عبيد القاسم بن سالـ الذم نقل عن ا‪١‬تصحف العثماٍل الذم رآه ُب خزائن بعض األمراء‪ ،‬فإف‬
‫ىؤالء عاشوا ُب األزمنة الفاضلة حيث كاف العلم غضا طريا‪ ،‬ككاف الناس ُب كرع كتقول‪ ،‬فنقلوا بأمانة‬
‫ما رأكه‪ ،‬كحدثونا بو‪ ،‬فينبغي أف يعوؿ عليهم الناس كثَتا ُب ىذا العلم‪ ،‬كيأخذكا بأقوا‪٢‬تم‪.‬‬
‫ٍب تتابع الناس بعد ذلك على التأليف ُب ىذا العلم كسائر العلوـ‪ ،‬كعنوا بو نظما كنثرا‪،‬‬
‫كتكاثرت الكتب ا‪١‬تؤلفة فيو‪٦ ،‬تا يدؿ على فضل ىذه األمة‪ ،‬كقبل ذلك على حفظ ا﵁ تعاىل لكتابو‬
‫حىت ُب ر‪ٝ‬تو‪ ،‬فلو ا‪ٟ‬تمد على عظيم جزيلو كنعمائو‪.‬‬
‫فنخلص إىل أف مصادر ىذا العلم ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ /1‬ا‪١‬تصاحف العثمانية األصلية‪ ،‬كا‪١‬تصاحف ا‪١‬تنتسخة عنها‪.‬‬
‫‪ /2‬ركايات األئمة األعالـ الذين رأكا ىذه ا‪١‬تصاحف كاطلعوا على ما فيها‪.‬‬
‫‪ /3‬الكتب ا‪١‬تؤلفة ُب ىذا ا‪١‬تضمار‪ ،‬سواء اليت نقل مؤلفوىا عن ا‪١‬تصاحف العتيقة‪ ،‬أك اليت‬
‫نقلت عنها ك‪٤‬تصت ما فيها‪.‬‬
‫حديث عن بعض المصادر‪:‬‬
‫‪ /1‬المقنع في رسم مصاحف األمصار ألبي عمرك عثماف بن سعيد الداني (ت ‪.)444‬‬
‫ذكر ا‪١‬تؤلف ُب ىذا الكتاب ما ‪ٝ‬تعو من مشا يخق كركاه عن أئمتو من مرسوـ خطوط مصاحف‬
‫أىل األمصار‪ :‬ا‪١‬تدينة كمكة كالكوفة كالبصرة كالشاـ كسائر العراؽ ا‪١‬تصطلح عليو قدٯتا ‪٥‬تتلفا عن‬
‫ا‪١‬توجو هبا إىل‬
‫اإلماـ مصحف عثماف بن ع ٌفاف رضي ا﵁ عنو كعن سائر النسخ اليت انتسخت منو ٌ‬
‫الكوفة كالبصرة كالشاـ كجعل ‪ٚ‬تيع ذلك أبوابا‪ ،‬كصنفو فصوال‪ ،‬كأخاله من بسط العلل ك زح ا‪١‬تعاٍل‬
‫لكي يقرب حفظو‪ ،‬كٮتفف متناكلو على من التمس معرفتو من طاليب القراءة ككاتيب ا‪١‬تصاحف كغيهم‬
‫‪٦‬تن قد أ‪٫‬تل شرح ذلك كضرب عن ركايتو‪ ،‬ك اكتفى فيو دىرا بظنو كدرايتو‪ ،‬كقد رأل أف يفتتح كتابو‬
‫ىذا بذكر بعض ما تأدل إليو من األخبار كالسنن ُب شأف أىل ا‪١‬تصاحف ك‪ٚ‬تع القرآف فيها ‪ ،‬إذ ال‬
‫يستغٌت عن ذكر ذلك فيو أكال‪.‬‬
‫كقد قسم أبو عمرك كتابو إىل اثنُت كعشرين بابا ‪:‬‬
‫فعقد الباب األكؿ ‪١‬تالبسات ‪ٚ‬تع القرآف‪ ،‬كهتيب الصحابة لنسخو‪ٍ ،‬ب ما كاف من إ‪ٚ‬تاعهم‬
‫على ذلك كإرساؿ كل نسخة منو ‪١‬تصر من األمصار‪ ،‬كذلك ُب عهد ا‪٠‬تليفة الراشد عثماف بن عفاف‪.‬‬
‫لينتقل للحديث عن موضوع الكتاب‪ ،‬فبسط ‪٤‬تاكر علم الرسم ا‪٠‬تمسة –ا‪ٟ‬تذؼ‪،‬‬
‫كالزيادة‪،‬كصور رسم ا‪٢‬تمز‪ ،‬كالفصل كالوصل‪ ،‬كىاء التأنيث‪ُ -‬ب سبعة عشر بابا ‪ ،‬كأفرد األربعة الباقية‬
‫لذكر توافق اك اختالؼ مصاحف األمصار ُب بعض الكلمات القرآنية‪.‬‬
‫كا‪١‬تنهج الذم ارتضاه أبو عمرك ُب ‪ٚ‬تع ىذه ا‪١‬تادة القرائية؛ استقراء األشباه كالنظائر ُب أكؿ‬
‫موضع ذكرت فيو اللفظة؛ كمل يلتزـ ترتيب ا‪١‬تصحف‪ ،‬معتمدا ُب ذلك ذكر سنده عن مشيختو‪ ،‬كقد‬
‫يشفع ذلك بذكر ما حصل بُت يديو من عتق ا‪١‬تصاحف‪.‬‬
‫كيرجح عند االختالؼ ُب رسم بعض الكلمات القرآنية ما رسم ُب مصحف اإلماـ –يعنوف‬
‫بو مصحف عثماف بن عفاف‪-‬كيضعف الركاية األخرل كرٔتا يغلطها‪.‬‬
‫كالشيخ ر‪ٛ‬تة ا﵁ عليو ٔتاآتاه ا﵁ من ٘تكن كسعة اطالع ُب ىذا العلم‪ ،‬ال يكتفي ٔتجرد النقل‬
‫ا‪ٞ‬تامد فحسب‪ ،‬بل إنو يتعقب كيستدرؾ على أعالـ ىذا العلم‪ ،‬ك رٔتا يضيف ما أغفلوه منو‪.‬‬
‫‪ /2‬مختصر التبيين لهجاء التنزيل ألبي داكد سليماف بن نجاح (ت ‪:)496‬‬
‫يعد من نفائس كتب ىجاء ا‪١‬تصاحف‪ ،‬فال يدانيو أم كتاب كتتجلى أ‪٫‬تيتو ُب أمور كثَتة منها‪:‬‬
‫أسلوب أيب داكد ُب كتابو ا‪١‬تتميز بالسهولة‪ ،‬كالبعد عن التكلف كالتعقيد‪ ،‬كظهر ذلك ُب شكلو‬
‫ك‪٤‬تتواه‪ ،‬بل ٕتلت ُب اختياراتو كترجيحاتو‪.‬‬
‫ك‪٦‬تٌا يدؿ على أ‪٫‬تيتو أنو اشتمل على بياف السور ا‪١‬تكية كا‪١‬تدنية‪ ،‬كا‪١‬تختلف فيها‪ ،‬كعلى بياف عد‬
‫اآلم‪ ،‬كعلى األجزاء كاألحزاب‪ ،‬كعلى ا‪٠‬تمس كالعشر‪ ،‬ككل ما ٭تتاج إليو كتبة ا‪١‬تصاحف كنساخها‪،‬‬
‫فضال عن كونو اشتمل على أصوؿ القراءات‪ ،‬كعلى ٕتزئة رمضاف‪ ،‬كبُت ‪٤‬تل الوقوؼ اليت يتم عليها‬
‫ا‪١‬تعٌت‪ ،‬كينتهي عندىا الكالـ‪.‬‬
‫أما غزارة مادة الكتاب‪ ،‬فال يعلم كتاب أمشل كأكسع ُب ىجاء ا‪١‬تصاحف من ق‪ ،‬بل إنو من‬
‫أ‪ٚ‬تعها كأكسعها كأمشلها لكل ما يتصل بكتابة ا‪١‬تصاحف كإعراهبا بالنقط ككيفية ذلك‪ .‬فالكتاب‬
‫حول بُت طياتو ‪ٚ‬تيع ىجاء مصاحف األمصار على ما كضعو الصحابة رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬أكدع فيو‬
‫مؤلفو كل ما عرؼ عن موضوع ىجاء ا‪١‬تصاحف كما ٭تتاجو الناسخ للمصحف‪.‬‬
‫كقد بُت منهجو بإسهاب كتفصيل ُب مقدمتو‪ ،‬فلَتجع إليو‪.‬‬
‫‪ /3‬عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد في علم رسم المصحف ألبي محمد القاسم‬
‫بن فيره الشاطبي الرعيني (ت ‪:)590‬‬
‫ىي قصيدة رائية من البحر البسيط‪ ،‬نظم ُب ىا الشاطيب كتاب ا‪١‬تقنو أليب عمرك البصرم‪،‬‬
‫فنهج هنجو كاتبع سبيلو مع زيادات كٖتقيقات علمية تنم عن بلوغو اجملد ُب علوـ القرآف كالقراءات‪.‬‬
‫‪ /4‬الجامع لما يحتاج إليو من رسم المصحف ألبي إسحاؽ إبراىيم بن محمد ابن كثيق‬
‫اإلشبيلي األندلسي (ت ‪:)654‬‬
‫كتاب ابن كثيق األندلسي ىو أحد الكتب ا‪١‬تؤلفة ُب الرسم العثماٍل‪ ،‬كىو يضم إىل جانب‬
‫ذلك موضوعات أخرل تتعلق برسم القرآف كتأرٮتو ‪ ،‬ففي الكتاب باب كبَت عن طريقة ضبط الرسم ‪،‬‬
‫كأنواع العالمات‪ ،‬ا‪١‬تستخدمة ُب عصره‪.‬‬
‫يقوـ منهج ابن كثيق ُب كتابو على ٕتميع األمثلة ا‪١‬تتشاهبة ُب ا‪١‬توضوع الواحد ُب فصل معُت‪،‬‬
‫مثل طريقة الداٍل ُب ا‪١‬تقنع‪.‬‬
‫‪ /5‬مورد الظمآف في رسم أحرؼ القرآف ألبي عبد اهلل محمد بن محمد بن إبراىيم‬
‫الشريشي الفاسي المعركؼ بالخراز (ت ‪:)718‬‬
‫ىي منظومة جامعة لعلم الرسم على ْتر الرجز‪ ،‬عٍت فيها ناظمها بتحرير القوؿ ُب مسائل‬
‫الرسم بالنقل عن األئمة قبلو كأيب عمرك كأيب داكد‪ ،‬كا‪١‬تعتمد عند ا‪١‬تغاربة ُب ذلك إذ أنو جعل ىذا‬
‫النظم على قراءة نافع ر‪ٛ‬تو ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫كقد عٍت العلماء بعده بشرحها كالتحشية عليها ‪١‬تا فيها من التحقيق كالتحرير‪ ،‬كمل تزؿ إىل اليوـ‬
‫عمدة عند نساخ ا‪١‬تصاحف‪.‬‬
‫‪ /6‬سمير الطالبين في رسم كضبط الكتاب المبين لعلي بن محمد الضباع‪:‬‬
‫ىو كتاب معاصر ‪٥‬تتصر كضعو مؤلفو كىو من أعلم أىل زمانو بالقراءات كالرسم‪ ،‬ر‪ٛ‬تو ا﵁‬
‫تعاىل‪ .‬فجمع فيو خالصة علمي الرسم كالضبط بأسلوب فريد كترتيب بديع‪ ،‬فقعد القواعد كبوب‬
‫األبواب‪ ،‬كرتب ا‪١‬تسائل‪ ،‬كنظٌم الفوائد‪ ،‬كرجح كعلل كأكضح كبُت‪ ،‬كقد نقل جل مادتو عن كتايب‬
‫ا‪١‬تقنع كالتنزيل‪ ،‬كعقيلة الشاطيب‪ ،‬ككانت اختياراتو من منظومة ا‪٠‬تراز‪ ،‬كشرحها البن عاشر‪.‬‬
‫المحاضرة السادسة‪ :‬قواعد الرسم العثماني‪.‬‬

‫حيث أف ا‪١‬تصحف ‪٥‬تتلف عن الرسم القياسي اإلمالئي‪ ،‬بناء على ما كتبو الصحابة ُب زمن‬
‫عثماف رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كىو الذم نقلوه عن ا‪١‬تكتوبات زمن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فقد حرصت‬
‫األمة على العناية بو‪ ،‬كجعل االىتماـ بو من أكلياهتم‪ ،‬حىت صار العلم ٔتحتول ا‪١‬تصاحف كطرؽ كتابة‬
‫كلماهتا علما لو قواعده كضوابطو‪.‬‬
‫كباستقراء علماء األمة للمصاحف العثمانية كا‪١‬تصاحف ا‪١‬تكتوبة عنها كا‪١‬تركيات اليت كصلتهم‬
‫عن األئمة فقد جعلوا للرسم العثماٍل خصائص ك‪٦‬تيزات ٗتصو عن الرسم القياسي كيفًتؽ هبا عنو‪:‬‬
‫كىذه القواعد أك ا‪٠‬تصائص تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ /1‬ا‪ٟ‬تذؼ‬
‫‪ /2‬الزيادة‪.‬‬
‫‪ /3‬البدؿ‪.‬‬
‫‪ /4‬ا‪٢‬تمز‪.‬‬
‫‪ /5‬الفصل كالوصل‪.‬‬
‫‪ /6‬ما فيو قراءتاف أك أكثر‪.‬‬
‫كىذا األخَت ال يكاد ٮترج عن ا‪٠‬تصائص ا‪٠‬تمسة األكىل‪ ،‬فنستغٍت بذلك عن ذكره‬
‫القاعدة األكلى‪ :‬الحذؼ‪.‬‬
‫تعريف الحذؼ‪ :‬ىو اإلزالة أك اإلسقاط‪.‬‬
‫كيقع ُب ا‪١‬تصاحف بإزالة حرؼ من ا‪ٟ‬تركؼ العربية من الكلمة القرآنية‪ ،‬حيث يثبت نطقا كال‬
‫يوجد لو نظَت ُب ا‪١‬تكتوب‪.‬‬
‫كا‪ٟ‬تركؼ اليت جرل ُب ا‪١‬تصحف حذفها ‪ٜ‬تسة فقط‪ :‬األلف كالواك كالياء ا‪١‬تدية‪ ،‬كالالـ كالنوف‪.‬‬
‫أكال‪ :‬حذؼ األلف‪:‬‬
‫األلف أكثر ا‪ٟ‬تركؼ حذفا ُب القرآف الكرَل‪ ،‬كقد حاكؿ العلماء تصنيف األلفات ا﵀ذكفة ٖتت‬
‫قواعد فلم يتيسر ‪٢‬تم ذلك ُب ‪ٚ‬تيع أفراد الكلمات‪ ،‬فقسموا األلفات ا﵀ذكفة إىل نوعُت‪:‬‬
‫أ‪ /‬ما يدخل تحت قاعدة‪ :‬كىو كاآلٌب‪:‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف ‪ٚ‬تع ا‪١‬تذكر السامل‬
‫‪-‬حذؼ ألف ‪ٚ‬تع ا‪١‬تؤنث السامل‬
‫‪-‬حذؼ ضمَت الرفع ا‪١‬تتصل‪.‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف التثنية‪.‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف األ‪ٝ‬تاء األعجمية‪.‬‬
‫ب‪ /‬ما ال يدخل تحت قاعدة‪ :‬كىو جزئيات كثَتة ُب القرآف الكرَل منها ا‪١‬تكرر كغَت ا‪١‬تكرر‪.‬‬
‫ك‪٨‬تن ُب ىذا الدرس نذكر ا‪١‬تواضع اليت ٖتذؼ فيها األلف مع أمثلة خفيفة ألف مقصودنا‬
‫اإلطٍالع على ا‪١‬توضوع ال تفصيلو‪ ،‬فإف تفاصيلو يرجع فيها إىل ا‪١‬تصادر ا‪١‬تذكورة ُب ا﵀اضرة السابقة‪.‬‬
‫‪ :1‬ما يدخل تحت قاعدة‪:‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف جمع المذكر السالم‪٨ :‬تو العلمُت الصلحُت اللعنوف ‪ٟ‬تفظوف‪ ،‬كيستثٌت منها‬
‫كلمات اختلف العلماء ُب ركابتها الختالؼ ا‪١‬تصاحف العثمانية‪.‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف جمع المؤنث السالم‪٨ :‬تو مسلمت البينت ءايتنا الصلحت قنتت‬
‫‪-‬حذؼ ألف ضمير الرفع المتصل‪٨ :‬تو‪ :‬علمنو زدنك ءاتينو ك‪٨‬توه‪.‬‬
‫‪-‬حذؼ ألف التثنية ‪ُ :‬ب كسط الكلمة سواء كانت ا‪ٝ‬تا أك فعال‪٨ ،‬تو‪ :‬رجالف كيعلمن‬
‫كتكذباف‪ ،‬كىذه كرد فيها ا‪٠‬تالؼ بُت الشيخُت‪.‬‬
‫‪ -‬حذؼ ألفات األسماء األعجمية الزائدة على ثالثة أحرؼ‪٨ :‬تو إبرىيم إسحف إ‪ٝ‬تعيل‬
‫ىركف‪ ،‬كاختلفوا ُب بعضها‪.‬‬
‫‪ :2‬ما ال يدخل تحت قاعدة‪ :‬كىو كثَت ‪٨‬تو األلبب متع ميثق ٕترة أصحب ٮتدعوف تدركو‬
‫ذلك كغَتىا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حذؼ الياء‪.‬‬
‫ليس ‪ٟ‬تذؼ الياء قاعدة مضطرة لكن يالحظ بعض الضوابط كاآلٌب‪:‬‬
‫‪ٖ -‬تذؼ الياء ُب كسط الكلمة إذا اجتمعت معهاء ياء أخرل ‪٨‬تو ا‪ٟ‬توارين النبُت األمُت ربنُت‬
‫‪ -‬ككذلك إذا كانت ُب آخر الكلمة ياءاف ‪٨‬تو‪ :‬٭تي يستحي كيل لنحي حيي‪ ،‬كاستثٍت من‬
‫ذلك ‪٨‬تو حييتم أفعيينا كغَتىا‪.‬‬
‫‪ -‬حذفت الياء الساكنة ُب آخر الكلمة إذا كاف بعدىا ساكن ‪٨‬تو يؤت ا﵁ ننج ا‪١‬تؤمنُت بالزاد‬
‫ا‪١‬تقدس‪.‬‬
‫‪ -‬حذفت الياء ُب رؤكس اآلم مراعاة للمجانسة بينها‪٨ ،‬تو‪ :‬فارىبوف فاعبدكف فاتقوف ا‪١‬تتعاؿ‬
‫متاب دعاء كغَتىا‪.‬‬
‫‪ -‬حذفت ياء ضمَت ا‪١‬تتكلم ا‪١‬تضاؼ إىل االسم ا‪١‬تنادل ‪٨‬تو يقوـ رب ارجعوف إال يعبادم‬
‫فثببت إال موضع الزخرؼ‪.‬‬
‫‪ -‬حذفت الياء ُب كلمات أخرل من غَت علة ظاىرة ‪٨‬تو إذا دعاف كخافوف يوـ يأت اتبعوف‬
‫أىدكم‪ ،‬كغَتىا‪.‬‬
‫‪ -‬اختلفت ا‪١‬تصاحف ُب كلمة إبرىيم بُت إثبات كحذؼ يائها ُب سورة البقرة خاصة‪ ،‬فأثبتتها‬
‫ا‪١‬تصاحف ا‪١‬تدنية كا‪١‬تكية كحذفت ُب العراقية كالشامية‪ ،‬أما األلف فقد سلف أهنا ‪٤‬تذكفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حذؼ الواك‬
‫أما الواك فقد ذكر العلماء ضوابط ‪ٟ‬تذفها‬
‫‪ -‬إذا اجتمعت كاكاف األكىل مضمومة كالثانية ساكنة‪٨ ،‬تو‪ :‬يستوف كرم داكد الغاكف‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت صورة للهمزة كبعدىا كاك أخرل ‪٨‬تو مسؤال يؤسا يدرءكف ال يطؤف‬
‫‪ -‬حذفت ُب أربعة أفعاؿ كيدع اإلنسن كٯتح ا﵁ البطل‪ ،‬كيدع الداع‪ ،‬سندع الزبانية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬حذؼ الالـ‬
‫ٖتذؼ الالـ خالفا للرسم القياسي ُب كلمة كاحدة‪ ،‬كىي اليل‪.‬‬
‫كحذفت ُب الرسم العثماٍل كالقياسي معا ُب الذم كالذاف كالذين كالذين كاليت كاليت كالئ‪ .‬غَت‬
‫أف اللذاف كاللذين ‪٦‬تا اختلف فيو ُب الرسم القياسي‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬حذؼ النوف‪.‬‬
‫كرد حذؼ النوف ُب ا‪١‬تصاحف ُب كلمت ىي‪ :‬فنجي من نشاء ك‪٧‬تي ا‪١‬تؤمنُت كال تأمنا‪ ،‬كذكر‬
‫الداٍل أف بعضهم ركل حذؼ النوف ُب لننظر كلننصر كمل ير ذلك ُب ا‪١‬تصاحف‪.‬‬
‫تنبيو‪ :‬ذكر بعض العلماء أف ا‪ٟ‬تذؼ نوعاف‪:‬‬
‫حذؼ إشارة‪ :‬حيث يشَت ا‪ٟ‬تذؼ إىل قراءة أخرل مثل‪( :‬ملك)‪.‬‬
‫حذؼ اختصار‪ :‬يقع عادة ُب الكلمات ا‪١‬تتكررة ُب القرآف مثل (السموت)‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬الزيادة‪.‬‬
‫تعريف الزيادة‪ :‬ىي إثبات حرؼ ر‪ٝ‬تا دكف أف يكوف لو مقابل ُب النظق‪ ،‬كمثل ىذا يقع ُب‬
‫الرسم اإلمالئي أيضا ُب ‪٨‬تو عمرك كأكلئك كغَتىا‪.‬‬
‫كا‪ٟ‬تركؼ اليت تزاد ُب ا‪١‬تصحف ىي األلف كالواك كالياء‪ ،‬كتزاد ُب كسط الكلمة كُب آخرىا‪.‬‬
‫أكال زيادة األلف‪:‬‬
‫زيدت األلف ُب ا‪١‬تصاحف ُب ‪٨‬تو مائة كمائتُت‪ ،‬كاتفقت ا‪١‬تصاحف على زيادة ألف ُب‬
‫ألاذْتنو كاختلفت ُب مواضع أخرل إلاىل ا﵁ ٖتشركف‪ ،‬كألاكضعوا خللكم كإلاىل ا‪ٞ‬تحيم‪.‬‬
‫كزيدت األلف ُب كلمة شيء ُب قولو تعاىل‪ :‬كال تقولن لشامء ُب الكهف فقط‪ ،‬كركم أهنا‬
‫تزاد ُب كل القرآف‪ ،‬كليس بالقوم‪.‬‬
‫كزيدت الألؼ ٓتالؼ ُب جامء ُب الزمر كالفجر‪.‬‬
‫كزيدت ُب كال تايئسوا إنو ال يايئس‪ ،‬أفلم يايئس‪ ،‬كاختلف ُب استيئسوا كاستيئس‪.‬‬
‫زيدت األلف أيضا بعد الواك سواء كانت الما للفعل أك كاكا للجمع أك عالمة لإلعراب أك بدال‬
‫من ا‪٢‬تمزة إال ما ستثٍت‪ ،‬مثاؿ ذلك‪ :‬ءامنوا فاسعوا ‪ ،‬أشكوا فال يربوا لن ندعوا‪ ،‬مرسلوا الناقة كاشفوا‬
‫العذاب‪ ،‬جزؤا البلؤا شركؤا يبدؤا‬
‫ثانيا زيادة الياء‪:‬‬
‫زيدت الياء ُب القرآف ُب كلمات‪ :‬أفإين مات‪ ،‬أفإين مت فهم‪ ،‬بنينها بأييد‪ ،‬بأييكم ا‪١‬تفتوف‪،‬‬
‫من نبإم ا‪١‬ترسلُت‪ ،‬كجاءت صورة للهمزة ُب كلمات ‪٨‬تو‪ :‬تلقائ كإيتائ ءانائ كرائ‪ ،‬كاختلف‬
‫العلماء ُب عدىا صورة للهمزة أك زائدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬زيادة الواك‬
‫زيدت الواك ُب ا‪١‬تصاحف ُب عدة كلمة جاءت فيها بعد ‪٫‬تزة مضمومة‪٨ ،‬تو‪ :‬أكلوا أكيل أكلت‬
‫أكالء أكلئك‪ ،‬كزيدت ُب بعض ا‪١‬تصاحف ُب ‪٨‬تو‪ :‬سأكريكم كألكصلبنكم‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬البدؿ‬
‫تعريف البدؿ‪ :‬ىو كضع حرؼ مكاف حرؼ آخر‪ ،‬أك ىو رسم حرؼ بغَت ا‪ٟ‬تركؼ ا‪١‬توضوع‬
‫لو‪.‬‬
‫ككقع البدؿ ُب القرآف الكرَل ُب حرؼ األلف‪ ،‬حيث أبدؿ كاكا كياء‪.‬‬
‫ككقع أيضا ُب ىاء التأنيث‪ ،‬فر‪ٝ‬تت ىاء كر‪ٝ‬تت تاء‪.‬‬
‫أكال‪ :‬إبداؿ األلف كاكا‪:‬‬
‫اتفقت ا‪١‬تصاحف على رسم األلف كاكا ُب الصلوة كالزكوة كا‪ٟ‬تيوة حيث كقعت‪ ،‬ككمشكوة‬
‫كالنجوة كمنوة كبالغدكة كالربوا‪ ،‬ما مل تضف إىل الضمَت‪٨ ،‬تو صالهتم‪ ،‬كاختلف ُب زكوة كحيوة ُب‬
‫حالة التنكَت‪ ،‬كاألشهر كتابتهما بالواك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إبداؿ األلف ياء‬
‫ُب ىذا ا‪١‬توضع يستحضر درس اإلمالة من التجويد‪.‬‬
‫فإذا كاف أصل األلف كاكيا‪ ،‬فإهنا األصل كتابتها باأللف إال ما ستثٍت‪٨ ،‬تو‪ :‬ضحى‪ ،‬زكى‪،‬‬
‫دحيها‪ ،‬ضحيها‪ ،‬تليها‪ ،‬طحيها‪ ،‬كالضحى كسجى‪.‬‬
‫كإذا كاف أصلها يائيا فإهنا تكتب ياء ‪٨‬تو‪ :‬أتى‪ ،‬ىدل‪ ،‬موسى‪ ،‬غزل‪ ،‬إنيو‪ ،‬تقية‪.‬‬
‫كاستثٍت من ذلك أصل كسبعة أحرؼ‪.‬‬
‫فاألصل ‪٨‬تو الدنيا كالعليا الرءيا ا‪ٟ‬توايا‪ ،‬كغَتىا‪ ،‬كضابطها أهنا كل موضع لو كتبت فيو األلف‬
‫ياء الجتمعت ياءاف‪.‬‬
‫كاألحرؼ ىي‪ :‬عصاٍل‪ ،‬األقصا‪ ،‬تواله‪ ،‬أقصا‪ ،‬سيماىم‪ ،‬طغا‪ ،‬كرءا‪ ،‬إال ُب النجم‪.‬‬
‫كاختلف ُب لدل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إبداؿ ىاء التأنيث تاء‬
‫كذلك ُب كلمات ىي‪ :‬ر‪ٛ‬تت‪ ،‬نعمت‪ ،‬امرأت‪ ،‬سنت‪ ،‬لعنت‪ ،‬معصيت‪ ،‬كلمت‪ ،‬شجرت‪،‬‬
‫جنت‪ ،‬بقيت‪ ،‬قرت‪ ،‬فطرت‪ ،‬ابنت‪ ،‬كبينت‪ .‬على أف بعض القراء ‪٬‬تعل بعض ىذه الكلمات ‪ٚ‬تعا‪،‬‬
‫مثل كلمت كبينت‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬الهمز‬
‫ا‪٢‬تمز ُب الرسم األكؿ مل تكن لو صورة‪ ،‬كالصورة اليت ىو عليها اليوـ ُب ا‪٠‬تط العريب (ء) حادثة‬
‫بعد الصحابة‪ ،‬كلذلك اختلف العرب األكائل ُب تصويره‪ ،‬بالنظر إىل اختالفهم ُب نطقو‪ ،‬فمن كانوا‬
‫ٮتففونو كعرب ا‪ٟ‬تجاز كقريش ر‪ٝ‬توه على صورة ا‪ٟ‬ترؼ الذم خففوه إليو‪ ،‬فما خففوه إىل الواك كتبوه‬
‫كاكا‪ ،‬كما خففوه إىل الياء كتبوه ياء‪ ،‬كما خففوه إىل األلف كتبوه ألفا‪ ،‬كما نقلوه أك أسقطوه مل يصوركا‬
‫لو أم صورة‪.‬‬
‫كمن كانوا ٭تققونو كتبوه ألفا على كل حاؿ كتميم كقيس‪.‬‬
‫ٍب إنو ‪١‬تا غلبت قريش الناس بكتب القرآف غلب كضعها على كضع البقية من العرب‪ ،‬ككإف‬
‫كاف ُب الظاىر كضع ا﵀ققُت أدؽ‪.‬‬
‫فلذلك نرل مذىب قريش ىو السائد ُب ا‪١‬تصاحف العثمانية‪ ،‬أعٍت تصوير ا‪٢‬تمزة على ا‪ٟ‬ترؼ‬
‫الذم تؤكؿ إليو عند التخفيف‪.‬‬
‫ك‪١‬تعرفة كيفية رسم ا‪٢‬تمزة ُب ا‪١‬تصحف ينبغي معرفة القواعد اليت ترسم هبا مع مراعاة حركتها‪،‬‬
‫كا‪ٟ‬ترؼ الذم قبلها‪ ،‬كحركتو‪ ،‬ككوهنا ُب أكؿ الكلمة أك كسطها أك آخرىا‪.‬‬
‫كسنذكر ىاىنا أصوؿ الباب‪ ،‬كلن نتعرض لتفاصيلو كسائر ما سبق من القواعد‪.‬‬
‫أكال‪ :‬الهمزة المتقدمة‬
‫ا‪٢‬تمزة إذا كانت ُب أكؿ الكلمة فإهنا ترسم دكما ألفا‪ ،‬أيا كانت حركتها‪٨ ،‬تو‪ :‬أمر إياؾ أكحي‪.‬‬
‫كحىت لو سبقها حرؼ زائد ‪٨‬تو‪ :‬سأصرؼ‪ ،‬سأنزؿ‪ ،‬لبإماـ‪.‬‬
‫كاستثٍت من ذلك‪ :‬ىؤالء لئال‪ ،‬يبنؤـ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الهمزة المتوسطة‬
‫ا‪٢‬تمزة ا‪١‬تتوسطة تكوف ساكنة أك متحركة‪.‬‬
‫كالساكنة إما أف يسبقها فتح أك ضم أك كسر‪.‬‬
‫فا‪١‬تضموـ ما قبلها ترسم كاكا ‪٨‬تو يؤمن‪ ،‬تؤفكوف إال إذا كقع بعدىا ‪٫‬تز‪ ،‬فال صورة ‪٢‬تا ‪٨‬تو‬
‫تئوم‪ ،‬ككذلك الرءيا‪.‬‬
‫كا‪١‬تكسور ما قبلها ما قبلها ترسم ياء ‪٨‬تو بئس بئر الذئب‪ ،‬إال رءيا فبالصورة‪.‬‬
‫كا‪١‬تفتوح ما قبلها ترسم ألفا‪٨ ،‬تو يأكل الرأس تأ‪١‬توف‪ ،‬إال فادرءًب‪.‬‬
‫كأما ا‪١‬تتحركة فإما أف يكوف ما قبلها ساكنا أك متحركا‪.‬‬
‫فإف كاف ساكنا فإف كاف غَت ألف ‪٨‬تو يسئموف‪ ،‬األفئدة‪ ،‬مسئوال‪ ،‬مل ٕتعل ‪٢‬تا صورة‪ ،‬إال‬
‫النشأة كموئال كالسوأل‪.‬‬
‫كإف كاف ألفا فإف كانت مفتوحة مل ترسم ‪٢‬تا صورة ‪٨‬تو أبناءىكم‪ ،‬كإف كانت مضمومة ر‪ٝ‬تت‬
‫كاكا ‪٨‬تو أبناؤكم‪ ،‬كإف كانت مكسورة ر‪ٝ‬تت ياء ‪٨‬تو أبنائكم‪.‬‬
‫كإف كاف ما قبل ا‪١‬تتحركة متحركا‪:‬‬
‫فإف كانت مفتوحة‪:‬‬
‫فإف كاف قبلها مفتوح ر‪ٝ‬تت ألفا ‪٨‬تو بدأكم‪ ،‬سأؿ‪ ،‬ألمألف‪ ،‬امشأزت‪ ،‬فإف كاف بعدىا ألف مل‬
‫يكن ‪٢‬تا صورة ‪٨‬تو‪ :‬ملجئا‪ ،‬تبوءا‬
‫كإف كاف قبلها مضموـ ر‪ٝ‬تت كاكا ‪٨‬تو مؤجال‪ ،‬الفؤاد‪.‬‬
‫كإف كاف قبلها مكسور ر‪ٝ‬تت ياء ‪٨‬تو خاطئة‪ ،‬السيئة‪ ،‬رئاء‪ ،‬إال السيئات فال صورة ‪٢‬تا‪.‬‬
‫فإف كانت مضمومة‬
‫فإف كاف ما قبلها مفتوحا ر‪ٝ‬تت كاكا ‪٨‬تو‪ :‬يذرؤكم‪ ،‬يكلؤكم‪.‬‬
‫فإف كاف ما قبلها مضموما فال يوجد ُب القرآف إال ما بعده الواك‪ ،‬فهي ال ترسم ‪٢‬تا صورة‬
‫لوجود الواك بعدىا‪.‬‬
‫كإف كاف ما قبلها مكسورا ر‪ٝ‬تت ياء ‪٨‬تو سنقرئك‪ ،‬فإف كاف بعدىا كاك مل تكن ‪٢‬تا صورة ‪٨‬تو‬
‫يستهزءكف متكئوف‪.‬‬
‫فإف كانت مكسورة فإهنا ترسم ياء سواء سبقها فتح أك ضم أك كسر‪٨ ،‬تو‪ :‬يئس‪ ،‬سئلت‪،‬‬
‫بارئكم‪ ،‬إال إطا جاء بعجها ياء فال صورة ‪٢‬تا‪٨ ،‬تو‪ :‬متكئُت‪ ،‬مستهزءين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الهمزة المتطرفة‬
‫تتبع ا‪٢‬تمزة ا‪١‬تتطرفة الساكنة ما قبلها‪ ،‬فًتسم من جنسو‪ ،‬فإف كاف مفتوحا ر‪ٝ‬تت ألفا ‪٨‬تو اقرأ‪،‬‬
‫كإف كاف مكسورا ر‪ٝ‬تت ياء ‪٨‬تو‪ :‬ىيئ كنبئ‪ ،‬كمل تقع ساكنة قبلها مضموـ ُب القرآف‪.‬‬
‫كإف كانت متحركة ككاف قبلها ساكن ال يكن ‪٢‬تا صورة‪٨ ،‬تو ا‪٠‬تبء‪ ،‬دؼء‪ ،‬شيء‪ ،‬قركء‪،‬‬
‫جاء‪ ،‬إال بعض ا‪١‬تواضع ‪٨‬تو أف تبوأ‪ ،‬لتنوأ‪ ،‬ك‪٨‬تو‪ :‬جزؤا‪ ،‬دعؤا‪ ،‬الضعفؤا كغَتىا فقد صورت كاكا‪.‬‬
‫كإذا كاف ما قبلها متحركا ر‪ٝ‬تت من جنسو أيضا‪.‬‬
‫فمثاؿ ا‪١‬تفتوحة‪ :‬ذرأ كقرئ‪.‬‬
‫كمثاؿ ا‪١‬تضمومة‪:‬يستهزأي ا‪١‬تأل‪ ،‬لؤلؤ كامرؤا‪ ،‬كتبوئ‪ ،‬غَت كلمات ‪٨‬تو‪ :‬ا‪١‬تلؤا‪ ،‬يبدؤا‪ ،‬تفتؤا‪ ،‬يعبؤا‬
‫كغَتىا‪.‬‬
‫كمثاؿ ا‪١‬تكسورة‪ :‬من نبإ‪،‬اللؤل ًؤ‪ ،‬السيئ‪ ،‬امرئ‪.‬‬
‫القاعدة الخامسة‪ :‬الفصل كالوصل‬
‫األصل أف تكتب كل كلمة مفصولة عن غَتىا‪ ،‬لكن كقع ُب الر‪ٝ‬تُت القياسي كاالصطالحي‬
‫العثماٍل كلمات موصولة ببعضها‪ ،‬كليس ‪٢‬تذا األمر قاعدة‪ ،‬فإننا قد ‪٧‬تد ُب ا‪١‬تصحف كلمة موصولة‬
‫ُب موضع مفصولة ُب غَته‪.‬‬
‫كىنا سنعد ىذه الكلمات‪ ،‬ك‪٧‬تعلها على قسمُت‪:‬‬
‫ما كقع فيو اإلدغاـ‬
‫كما ليس فيو إدغاـ‬
‫أكال‪ :‬ما فيو إدغاـ‪:‬‬
‫أف ال‪ :‬كلها موصولة (إال) سول عشرة مواضع منها أف ال أقوؿ على ا﵁‪ ،‬أف ال ملجأ‪.‬‬
‫من ما‪ :‬كلها موصولة (‪٦‬تا) سول ثالثة مواضع‪ :‬منها‪ :‬فمن ما ملكت أٯتانكم‪.‬‬
‫أف لن‪ :‬كلها مفصولة ىكذا سول موضعُت‪ :‬ألن ‪٧‬تعل‪ ،‬ألن ‪٧‬تمع‪.‬‬
‫عن من‪ :‬توجد ُب موضعُت‪ ،‬ككال‪٫‬تا جاء مفصوال ىكذا‪.‬‬
‫فإف لم‪ :‬كلو رسم بالفصل إال موضعا كاحدا فبالوصل‪ :‬فإمل يستجيوا لكم‬
‫إف ما‪ :‬كلو موصوؿ (إما) إال موضع الرعد‪ :‬كإف ما نرينك‪.‬‬
‫أـ من‪ :‬كلو موصوؿ إال أربعة‪ .‬منها‪ :‬أـ من أسس‪ ،‬أـ من يكوف عليهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما ليس فيو إدغاـ‪:‬‬
‫في ما‪ :‬كلو موصوؿ إال إحدل عشر موضعا‪ ،‬منها‪ُ :‬ب ما فعلن ُب‪.‬‬
‫لكي ال‪ :‬جاءت موصلة ُب أربعة مواضع‪ ،‬كمفصولة ُب موضعُت‪.‬‬
‫بئس ما‪ :‬جاءت موصولة ُب ثالثة مواضع‪.‬‬
‫أين ما‪ :‬اتفقوا على كصل موضعُت‪ ،‬كاختلفوا ُب ثالثة‪ ،‬كاتفقوا على فصل الباقي‪ .‬كعدهتا ‪.12‬‬
‫إ ّف ما‪ :‬كلو موصوؿ إال إف ما توعدكف آلت‪ ،‬فهو مفصوؿ باتفاؽ‪ ،‬كاختلفوا ُب إف ما عند ا﵁‬
‫خَت‪.‬‬
‫أ ّف ما‪ :‬اتفقوا على قطعو ُب موضعُت كاختلفوا ُب الثالث‪ ،‬كالباقي كلو موصوؿ‪.‬‬
‫كل ما‪ :‬اتفقوا على فصل (من كل ما سألتموه)‪ ،‬كاختلفوا ُب أربعة‪ ،‬كاتفقوا على كصل الباقي‪.‬‬
‫حيث ما‪ :‬اتفقوا على قطعها ُب مواضعها‪.‬‬
‫مل يرض كثَت من العلماء أكال ضبط ا‪١‬تصحف‪ ،‬كالذين جوزكه‪ ،‬أجازكه ُب ا‪١‬تصاحف اليت يتعلم فيها‬
‫الصبياف‪ ،‬ك قالوا يرسم بلوف مغاير لسواد ا‪١‬تصحف‪.‬‬
‫حكمو‪:‬‬
‫اختلف العلماء قدٯتا حوؿ حكم إضافة ٖتسينات أك نقط أك شكل على القرآف الكرَل‪ ،‬فمنهم‬
‫من أنكرىا كقاؿ ببدعيتها كأدخلها ُب حديث ‪" :‬من أحدث ُب أمرنا ىذا ما ليس منو فهو رد"‪،‬‬
‫كمنهم من مل ير ُب ذلك حرجا كجعل ذلك من باب‪" :‬ما ال يتم الواجب إال بو فهو كاجب"‪ ،‬كمنهم‬
‫من جعل إدخاؿ ىذه األشياء ضركرة ال بد منها كفق قاعدة الضركرات تبيح ا﵀ظورات‪.‬‬
‫أدلة المانعين‪:‬‬
‫ما ركم عن عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي ا﵁ عنو‪" :‬جردكا القرآف كأقلكا الركاية عن رسوؿ ا﵁ صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم كأنا شريككم‪".‬‬
‫ما ركم عن ابن مسعود رضي ا﵁ عنو أنو قاؿ‪":‬جردكا القرآف لَتبوا فيو صغَتكم كال ينأل‬
‫عنو كبَتكم‪ ،‬فإف الشيطاف يفر من البيت الذم يسمع فيو سورة البقرة"‪.‬‬
‫ىاتاف الركايتاف كغَت‪٫‬تا فهم منها بعض أىل العلم ٕتريد القرآف من النقط كالشكل‪.‬‬
‫‪ -‬كمن األدلة العقلية للمانعُت أف ا‪١‬تصاحف ‪١‬تا كتبت ُب ا‪١‬ترحلة البكرية كالعثمانية كانت خالية‬
‫من النقط كالشكل فال ‪٬‬توز ‪٥‬تالفتهم كإحداث شيء فيها مل يفعلو الصحابة الكراـ‪.‬‬
‫كركم عن غَت كاحد من السلف منع إدخاؿ أم شيء على ا‪١‬تصحف‪ ،‬كابن مسعود كإبراىيم‬
‫النخعي كا‪ٟ‬تسن كابن سَتين‪.‬‬
‫أدلة المجيزين‪:‬‬
‫ما نقلو الداٍل عن بعض العلماء أهنم قالوا‪( :‬العجم نور الكتاب) كا‪١‬تقصود بالعجم النقط‪.‬‬
‫ما نقلو السيوطي عن األكزاعي حُت سئل عن نقط ا‪١‬تصاحف فقاؿ ‪( :‬إعجاـ الكتاب نور‬
‫لو)‪.‬‬
‫قالوا بأف ترؾ ا‪١‬تصحف دكف نقط كشكل يوقع ُب اللبس ا‪١‬تفضي إىل اللحن كا‪٠‬تطأ ُب القراءة‬
‫فيكوف النقط كالشكل كسيلة لتجنب الوقوع ُب ذلك‪.‬‬
‫كأجابوا عن ترؾ نقط ا‪١‬تصاحف ُب العهد النبوم كالبكرم كالعثماٍل بأف ا‪ٟ‬تاجة مل تكن تدعو‬
‫إليو ألف العرب كانوا ٯتتازكف بالسليقة اليت تغنيهم عن النقط كالشكل‪.‬‬
‫كا‪ٟ‬تق أف ىذا ا‪٠‬تالؼ القدَل مات كاندثر‪ ،‬كليس عليو اليوـ أحد من الناس ُب غالب الظن‪،‬‬
‫كقد أ‪ٚ‬تعت األمة على العمل بضبط ا‪١‬تصاحف حىت لكأنو منها‪ ،‬كصارت ‪ٞ‬تاف مراجعة ا‪١‬تصاحف ال‬
‫ٕتيز ا‪١‬تصحف للطباعة إال أف يكوف مضبوطا كفق قواعد الضبط‪.‬‬
‫فال يًتتب اليوـ أثر على ىذا ا‪٠‬تالؼ‪ ،‬فصار بفضل ا﵁ علم الضبط من الفركض الكفائية اليت‬
‫يتعُت على األمة حفظها‪ ،‬كبا﵁ التوفيق‪.‬‬
‫فائدة الضبط‪:‬‬
‫تتلخص أ‪٫‬تية كضع اصطالحات ضبط ا‪١‬تصحف ُب األمور التالية‪:‬‬
‫‪-1‬إرشاد القارئ إىل مواضع الوقف ا‪ٞ‬تائز كا‪١‬تمنوع‪.‬‬
‫‪-2‬إرشاد القارئ إىل أحكاـ التجويد‪ ،‬كأحكاـ اإلدغاـ‪ ،‬كاالظهار‪ ،‬كا‪١‬تدكد‪.‬‬
‫‪-3‬إعانة ا‪١‬تتعلم على ٕتويد كالـ لفظ ا‪ٞ‬تاللة تعاىل بيسر كسهولة أثناء التالكة‪.‬‬
‫‪-4‬إرشاد القارئ إىل سالمة نطق كمعرفة ا‪ٟ‬تركؼ ا‪٢‬تجائية ٔتعرفة اصطالحات ضبط ا‪١‬تصحف‪.‬‬
‫‪-5‬سالمة الفهم ‪١‬تعاٍل كلمات القرآف الكرَل‪ ،‬كحفظو من كقوع اللحن فيو‪.‬‬
‫‪-6‬إعانة القارئ على التأٍل ُب قراءة القرآف الكرَل كالتدبر كا‪٠‬تشوع‪ ،‬كاالنشغاؿ بالتفكَت ُب‬
‫معٌت اآلية‪.‬‬
‫‪-7‬حفظ القرآف الكرَل من الضياع‪.‬‬
‫‪-8‬توحيد ا‪١‬تصحف بنسخة كاحدة ُب اللفظ‪.‬‬
‫تاريخ إدخاؿ العالمات في المصاحف‪:‬‬
‫منهم قاؿ إنو علي بن أيب طالب‪،‬‬ ‫اختلف العلماء على أكؿ من كضع النقاط على ا‪ٟ‬تركؼ‪ ،‬ؼ‬
‫كمنهم من قاؿ إنو أبو األسود الدؤيل‪ ،‬كآخركف يركف أنو نصر بن عاصم الليثي‪ ،‬كفريق آخر يقوؿ بأنو‬
‫عبد الر‪ٛ‬تن بن ىرمز ا‪١‬تدٍل‪.‬‬
‫كلكن ٯتكن أف نقوؿ إف من اخًتع الضمة‪ ،‬كالكسرة‪ ،‬كالفتحة‪ ،‬أم ا‪ٟ‬تركات اليت ترسم على‬
‫ا‪ٟ‬تركؼ ىو أبو األسود الدؤيل‪ .‬كالذم قاـ بوضع ا‪ٟ‬تركؼ على النقاط‪ ،‬كالتاء كالباء كالياء‪ ،‬كقاـ‬
‫بالتمييز بينهما‪ ،‬ىو نصر بن عاصم الليثي‪.‬‬
‫‪١‬تا انتشر اإلسالـ ُب عصر ا‪٠‬تلفاء كدخل فيو أقواـ من األعاجم ‪٦‬تن مل يرتشفوا من العربية‬
‫شيئا كلو قليال‪ ،‬كاف كال بد كأف يكتوم بنار العجمة العرب أنفسهم‪ ،‬حيث أنو كانوا أصحاب النفوذ‬
‫كالوالء‪ ،‬كُب ىذا الصدد تذكر ا‪١‬تصادر أف معاكية رضي ا﵁ عنو كتب إىل زياد يطلب عبيد ا﵁ ابنو‪،‬‬
‫فلما قدـ عليو كلمو فوجده يلحن‪ ،‬فرده إىل زياد ككتب إليو كتابا يلومو فيو‪ ،‬كيقوؿ‪ :‬أمثل عبيد ا﵁‬
‫يضيع‪ ،‬فبعث زياد إىل أيب األسود فقاؿ‪ :‬يا أبا األسود‪ ،‬إف ىذه ا‪ٟ‬تمراء قد كثرت‪- ،‬يقصد‬
‫األعاجم‪ -‬كأفسدت من ألسن العرب‪ ،‬فلو كضعت شيئا يصلح بو الناس كالمهم‪ ،‬كيعربوف بو كتاب‬
‫ا﵁ تعاىل‪ ،‬فأىب ذلك أبو األسود‪ ،‬ككره إجابة زياد إىل ما سأؿ‪ ،‬فوجو زياد رجال فقاؿ لو‪ :‬اقعد ُب‬
‫طريق أيب األسود‪ ،‬فإذا مر بك فاقرأ شيئا من القرآف كتعمد اللحن فيو‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬فلما مر بو أبو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ىف اللَّوى بىًرمءه م ىن الٍ يم ٍش ًرك ى‬
‫ُت ىكىر يسوليوي ) [التوبة‪– ]3 :‬بكسر الالـ من‬ ‫األسود رفع الرجل صوتو فقاؿ‪( :‬أ َّ‬
‫رسولو‪ -‬فاستعظم ذلك أبو األسود‪ ،‬كقاؿ‪ :‬عز كجل ا﵁ أف يربأ من رسولو‪ٍ ،‬ب رجع من فوره إىل زياد‬
‫إيل ثالثُت رجال‪ ،‬فأحضرىم‬ ‫فقاؿ‪ :‬يا ىذا قد أجبتك إىل ما سألت‪ ،‬كرأيت أف أبدأ بإعراب القرآف‪َّ ،‬‬
‫زياد‪ ،‬فاختار منهم أبو األسود عشرة‪ٍ ،‬ب مل يزؿ ٮتتار منهم حىت اختار رجال من عبد قيس‪ ،‬فقاؿ‬
‫شفيت فانقط كاحدة فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كإذا‬ ‫خذ ا‪١‬تصحف كصبغا ٮتالف لوف ا‪١‬تداد‪ ،‬فإذا فتحت ٌ‬
‫ضممتهما فاجعل النقطة إىل جانب ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كإذا كسرهتما فاجعل النقطة ُب أسفلو‪ ،‬فإف اتبعت شيئا‬
‫من ىذه ا‪ٟ‬تركات غنة فانقط نقطتُت‪ ،‬فابتدأ با‪١‬تصحف حىت أتى على آخره‪.‬‬
‫‪ .‬فكاف ضبط أيب األسود نقطا مدكران كنقط األعجاـ إال أنو ‪٥‬تالف لو ُب اللوف‪ .‬كأخذ ذلك عنو‬
‫ا‪١‬تطوؿ كىو األشكاؿ الثالثة‬
‫‪ٚ‬تاعة كأخذه منهم ا‪٠‬تليل‪ٍ .‬ب إف ا‪٠‬تليل اخًتع نقطا آخر يسمى ٌ‬
‫ا‪١‬تأخوذة من صور حركؼ ا‪١‬تد‪ .‬كجعل مع ذلك عالمة الشد شينان أخذىا من أكؿ شديد‪ .‬كعالمة‬
‫ا‪٠‬تفة خاء أخذىا من أكؿ ٗتفيف ككضع ا‪٢‬تمز كاإلمشاـ كالركـ فاتبعو الناس على ذلك كاستمر العمل‬
‫بو إىل كقتنا ىذا لكن بعض تغيَت فيو كما سفقف عليو ُب ىذه ا﵀اضرات‪.‬‬

‫ترتيب الحركؼ العربية‪:‬‬


‫ا‪ٟ‬تركؼ العربية جاءت ُب أصلها مرتبة الًتتيب األّتدم‪ ،‬كىو الًتتيب ا‪١‬توركث عن ترتيب‬
‫النبطية‪ ،‬ا‪١‬تأخوذ من ترتيب اللغة اآلرامية‪.‬‬
‫كىو على النحو التايل‪:‬‬
‫على ترتيب ا‪١‬تشارقة قولك‪ :‬أّتد ىوز حطمكلمن سفعص قرشت ثخذ ضظغ‪ .‬كعلى ترتيب‬ ‫ؼ‬
‫ا‪١‬تغاربة قولك‪ :‬أّتد ىوز حطم صعفض قرست ثخذ ظغش‪ ،‬فاختلفوا ُب موضع بعض ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫كىو الًتتيب الذم كاف عليو األمر أكؿ اإلسالـ‪ ،‬كىو أيضا الًتتيب الذم بو ٭تسب حساب‬
‫ا‪ٞ‬تمل عند كل من الفريقُت ا‪١‬تشارقة كا‪١‬تغاربة‪ ،‬فيقع الًتتيب على تتباع ا‪ٟ‬ترؼ‪،5 ،4 ،3 ،2 ،1 :‬‬ ‫ٌ‬
‫‪،300 ،200 ،100 ،90 ،80 ،70 ،60 ،50 ،40 ،30 ،20 ،10 ،9 ،8 ،7 ،6‬‬
‫‪.1000 ،900 ،800 ،700 ،600 ،500 ،400‬‬
‫ك‪١‬تا كقع من االختالؼ بُت ا‪١‬تشارقة كا‪١‬تغاربة ُب ترتيب الطريقة األّتدية حصل اختالؼ بينهما‬
‫أيضا ُب ترتيب الطريقة األلفبائية فصار ترتيبها عند ا‪١‬تشارقة ىكذا‪:‬‬
‫ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ؼ ؽ ؾ ؿ ـ ف ق ك ال م‪.‬‬
‫كعند ا‪١‬تغاربة ىكذا‪:‬‬
‫ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ؾ ؿ ـ ف ص ض ع غ ؼ ؽ س ش ىػ ك ال م‪.‬‬
‫كلكال الفريقُت مربرات ُب ترتيبهم ىذا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫اعتبار تقدـ ا‪ٟ‬ترؼ ُب الًتتيب األّتدم‪ٍ ،‬ب ضم مثيلو إليو‪ ،‬كتقدَل ا‪١‬تهمل على ا‪١‬تعجم ُب‬
‫الغالب‪ ،‬كتأخَت ما ال نظَت لو كا‪٢‬تاء كالواك كغَت ذلك‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية‪ :‬مصادر علم الضبط‬

‫ىذا العلم رغم ما سبق من أنو داخل على ا‪١‬تصاحف العثماٍل‪ ،‬حادث‪ ،‬إال أنو قدَل‪ ،‬كقد عٍت‬
‫بو كما سلف أئمة القركف األكىل لعنايتهم بالقرآف‪ ،‬كحفظو من الضياع‪.‬‬
‫كعليو فإف أىم ا‪١‬تصادر اليت يعوؿ عليها ُب ىذا العلم ما يلي‪:‬‬
‫‪ /1‬ا‪١‬تصاحف العتيقة اليت أ‪ٟ‬تقت هبا عالمات الضبط على اختالؼ أنواع كمدارسها كمشارب‬
‫نساخها‪.‬‬
‫‪ /2‬كتب األئمة الذين عنوا هبذا الشأف كدكنوا فيو ما بلغهم عن شيوخهم‪ ،‬كما الحظوه ُب‬
‫ا‪١‬تصاحف اليت سبقتهم‪ ،‬كما اجتهدكا فيو رأيهم‪ ،‬كعلى األخص منهم الشيخاف أبو عمرك الداٍل‪،‬‬
‫كأبو داكد سليماف بن ‪٧‬تاح‪.‬‬
‫‪ /3‬ا‪١‬تصاحف ا‪ٟ‬تديثة اليت تصرفت فيها ‪ٞ‬تاف ا‪١‬تصاحف ُب استحداث عالمات تليق بآالت‬
‫الطبع ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬خصوصا عند تعسر الطبع بألواف متغايرة ُب الزماف ا‪١‬تاضي‪.‬‬

‫ك‪٨‬تن ُب ىذه ا﵀اضرة سنتحدث عن أىم كتابُت ُب ىذا العلم‪:‬‬


‫ا﵀كم ُب علم النقط أليب عمرك الداٍل‪ ،‬كأصوؿ الضبط أليب داكد ر‪ٛ‬تهما ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫‪ /1‬المحكم في علم نقط المصاحف ألبي عمرك الداني‪:‬‬
‫كتاب ا﵀كم ُب نقط ا‪١‬تصاحف‪ ،‬ىو كتاب لعثماف بن سعيد أيب عمرك الداٍل ( ت‪،)444‬‬
‫كىو كتاب ُب نقط ا‪ٟ‬تركؼ كطريقة كضع العالمات عليها‪ ،‬كيعد من أكرب الكتب كأكسعها ُب ىذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫كقد ذكر ا‪١‬تؤلف موضوع الكتاب فقاؿ‪ « :‬قذا كتاب علم نقط ا‪١‬تصاحف ككيفيتو على صيغ‬
‫التالكة كمذاىب القراءة فيما اتفقوا عليو كما اختلفوا فيو كعلى ما سنو ا‪١‬تاضوف كاستعملو الناقطوف كما‬
‫يوجبو قياس العربية كٖتققو طريق اللغة‪ ،‬مشركحا ذلك بأصولو كفركعو مبينا بعللو ككجوىو‪ ،‬مع ذكر‬
‫السنن الواردة عن السلف ا‪١‬تاضُت كاألئمة ا‪١‬تتقدمُت ُب النقط كمن ابتدأ بو أكال كمن كرىو منهم كمن‬
‫ترخص فيو‪ ،‬إىل غَت ذلك ‪٦‬تا ينضاؼ إليو كيتصل بو من ذكر رسم فواتح السور كرؤكس اآلم‬
‫كا‪٠‬تموس كالعشور كمن أىب ذلك كمن أجازه‪".‬‬
‫يتكوف الكتاب من أربعُت بابا‪ ،‬كىي على النحو التايل‪:‬‬
‫الباب األكؿ‪ :‬باب ذكر ا‪١‬تصاحف ككيف كانت عارية من النقط كخالية من الشكل كمن‬
‫نقطها أكال من السلف كالسبب ُب ذلك‪.‬‬
‫الباب الثاٍل‪ :‬باب ذكر من كره نقط ا‪١‬تصاحف من السلف‪ .‬ذكر منهم‪ :‬ابن عمر‪ ،‬كقتادة‪،‬‬
‫كابن سَتين‪ ،‬كمالك‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬باب ذكر من ترخص ُب نقطها كذكر منهم‪ :‬ربيعة بن أيب عبد الر‪ٛ‬تن‪ ،‬كابن أيب‬
‫ليلى‪ ،‬كالكسائي‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬باب ذكر ما جاء ُب تعشَت ا‪١‬تصاحف كٗتميسها كمن كره ذلك كمن أجازه‪.‬‬
‫كالتعشَت ىو كضع عالمة هناية كل عشر آيات‪ ،‬كالتخميس ىو كضع عالمة هناية كل ‪ٜ‬تس آيات‪.‬‬
‫الباب ا‪٠‬تامس‪ :‬باب ذكر ما جاء ُب رسم فواتح السور كعدد آيهن كمن شدد ُب ذلك كمن‬
‫تسهل فيو‪ .‬كا‪١‬تراد بفواتح السور‪ ،‬ذكر سورة كذا ككذا‪ ،‬كعدد اآليات‪ ،‬ك‪٦‬تن كره ذلك ‪:‬ابن مسعود‪،‬‬
‫كأبو رزين‪.‬‬
‫الباب السادس‪ :‬باب جامع القوؿ ُب النقط كعلى ما يبٌت من الوصل كالوقف كما يستعمل لو‬
‫من األلواف كما يكره من ‪ٚ‬تع قراءات شىت كركايات ‪٥‬تتلفة ُب مصحف كاحد كما يتصل بذلك من‬
‫ا‪١‬تعاٍل اللطيفة كالنكت ا‪٠‬تفية‪.‬‬
‫الباب السابع‪ :‬باب ذكر القوؿ ُب حركؼ التهجي كترتيب ر‪ٝ‬تها ُب الكتابة‪ .‬ذكر فيو تعلم‬
‫الناس الكتابة‪ ،‬فقيل إف ا‪١‬تهاجرين تعلموا الكتاب من أىل ا‪ٟ‬تَتة‪ ،‬كىم من أىل األنبار‪.‬‬
‫الباب الثامن‪ :‬باب ذكر البياف عن إعجاـ ا‪ٟ‬تركؼ كنقطها بالسواد‪ .‬ذكر فيو طريقة العرب ُب‬
‫النقط‪.‬‬
‫الباب التاسع‪ :‬باب ذكر نقط ا‪ٟ‬تركات ا‪١‬تشبعات كمواضعهن من ا‪ٟ‬تركؼ‪ .‬ذكر فيو ما يتعلق‬
‫با‪ٟ‬تركات الثالث‪ :‬الفتحة كالكسرة كالضمة‪.‬‬
‫الباب العاشر‪ :‬باب ذكر كيفية نقط ما ال يشبع من ا‪ٟ‬تركات فيختلس أك ٮتفى أك يشم‪ .‬ذكر‬
‫فيو عالمات ا‪ٟ‬تركؼ ا‪١‬تختلسة كا‪١‬تشمومة كما يتعلق بذلك‪ ،‬كمن ذلك مثال‪ :‬أف توضع نقطة فوؽ‬
‫ا‪ٟ‬ترؼ ا‪١‬تختلس إف كاف مفتوحا‪.‬‬
‫الباب ا‪ٟ‬تادم عشر‪ :‬باب ذكر التشديد كالسكوف ككيفيتهما‪ .‬ذكر موضع عالمات الشدة ُب‬
‫ا‪ٟ‬تركات‪.‬‬
‫الباب الثاٍل عشر‪ :‬باب ذكر ا‪١‬تد كموضعو ُب ا‪ٟ‬تركؼ‪ .‬ذكر عالمة ا‪١‬تد ككيف توضع‪.‬‬
‫الباب الثالث عشر‪ :‬باب ذكر التنوين الالحق لأل‪ٝ‬تاء ككيفية صورتو كموضع جعلو ذكر فيو‬
‫التنوين‪ ،‬كبُت أنو حرؼ من ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫الباب الرابع عشر‪ :‬باب ذكر تراكب التنوين كتتابعو ككيفية نقط ما يلقى من ا‪ٟ‬تركؼ‪ .‬ذكر‬
‫طريقة كتابة التنوين‪ ،‬كفصل فيما إذا كاف بعده حرؼ من حركؼ ا‪ٟ‬تلق أك غَتىا‪.‬‬
‫الباب ا‪٠‬تامس عشر‪ :‬باب ذكر حكم النوف الساكنة كما بعدىا ُب حاؿ البياف كاإلدغاـ‬
‫كاإلخفاء‪ .‬ذكر ما يوضع على النوف الساكنة ْتسب ما يأٌب بعدىا من حركؼ‪.‬‬
‫الباب السادس عشر‪ :‬باب ذكر أحكاـ نقط ا‪١‬تظهر من ا‪ٟ‬تركؼ‪ .‬ذكر عالمة اإلظهار كيف‬
‫تكوف‪.‬‬
‫الباب السابع عشر‪ :‬ذكر عالمة اإلدغاـ كيف تكوف‪.‬‬
‫الباب الثامن عشر‪ :‬باب ذكر أحكاـ نقط ما ٮتفى من ا‪١‬تدغم‪ .‬ذكر عالمة اإلخفاء كيف‬
‫تكوف‪.‬‬
‫الباب التاسع عشر‪ :‬باب ذكر أحكاـ الصالت أللفات الوصل‪ .‬ذكر العالمات اليت تكتب‬
‫على ‪٫‬تزة الوصل ْتسب ا‪ٟ‬تركات قبلها‪.‬‬
‫الباب العشركف‪ :‬باب ذكر أحكاـ نقط ا‪٢‬تمزة ا‪١‬تفردة اللينة‪ .‬ذكر فيو ‪٫‬تزة القطع كما يوضع‬
‫عليها ْتسب حركتها كحركة ما قبلها‪.‬‬
‫الباب ا‪ٟ‬تادم كالعشركف‪ :‬باب ذكر أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت اللتُت ُب كلمة‪ .‬ذكر فيو أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت‬
‫إف كانتا ُب كلمة كاحدة‪٨ .‬تو‪« :‬أأنزؿ عليو»‪.‬‬
‫الباب الثاٍل كالعشركف‪ :‬باب ذكر أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت اللتُت من كلمتُت‪ .‬ذكر فيو أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت‬
‫إف كانتا ُب كلمتُت‪ ،‬مثل‪« :‬جاء أحدىم»‪.‬‬
‫الباب الثالث كالعشركف‪ :‬باب ذكر األلف كموضع ا‪٢‬تمزة منها‪ .‬ذكر فيو األلف إذا اجتمع مع‬
‫ا‪٢‬تمز كيف تكتب‪.‬‬
‫الباب الرابع كالعشركف‪ :‬باب ذكر الياء كموضع ا‪٢‬تمزة منها ذكر فيو كيف تكتب ا‪٢‬تمزة مع‬
‫الياء‪.‬‬
‫الباب ا‪٠‬تامس كالعشركف‪ :‬باب ذكر الواك كموضع ا‪٢‬تمزة منها‪ .‬ذكر فيو كيف تكتب ا‪٢‬تمزة مع‬
‫الواك‪.‬‬
‫الباب السادس كالعشركف‪ :‬باب ذكر نقط ما اجتمع فيو ألفاف فحذفت إحدا‪٫‬تا اختصارا‪ .‬ذكر‬
‫فيو العالمة اليت تكوف على األلف الباقية بعد حذؼ األلف الثانية اللتقائهما‪.‬‬
‫الباب السابع كالعشركف‪ :‬باب ذكر نقط ما اجتمع فيو ياءاف فحذفت إحدا‪٫‬تا إ‪٬‬تازا‪ .‬ذكر فيو‬
‫العالمة اليت تكوف على الياء الباقية بعد حذؼ الياء الثانية اللتقائهما‪ ،‬مثل كلمة‪« :‬النبُت‪».‬‬
‫الباب الثامن كالعشركف‪ :‬باب ذكر نقط ما اجتمع فيو كاكاف فحذفت إحدا‪٫‬تا ٗتفيفا‪ .‬ذكر فيو‬
‫العالمة اليت تكوف على الواك الباقية بعد حذؼ الواك الثانية اللتقائهما‪ ،‬مثل كلمة‪« :‬تئويو‪».‬‬
‫الباب التاسع كالعشركف‪ :‬باب ذكر نقط ما زيدت األلف ُب ر‪ٝ‬تو‪ .‬ذكر فيو أف كتَّاب‬
‫ا‪١‬تصاحف أ‪ٚ‬تعوا على زيادة األلف ُب الرسم ُب أصل مطرد ك‪ٜ‬تسة أحرؼ‪ ،‬كاألصل ا‪١‬تطر ىو ما جاء‬
‫من لفظ مائة كمائتُت‪.‬‬
‫الباب الثالثوف‪ :‬باب ذكر نقط ما نقص ىجاؤه‪ .‬ذكر فيو بعض الكلمات اليت كصلت كىي‬
‫منفصلة‪ ،‬ككصلت ْتذؼ بعض األحرؼ‪.‬‬
‫الباب ا‪ٟ‬تادم كالثالثوف‪ :‬باب ذكر الدارة اليت ٕتعل على ا‪ٟ‬تركؼ الزكائد كا‪ٟ‬تركؼ ا‪١‬تخففة‬
‫كأصلها كمعناىا‪ .‬ذكر فيو ا‪ٟ‬تركؼ الزكائد ُب ا‪٠‬تط ا‪١‬تعدكمة ُب اللفظ‪ ،‬كما يوضع فيها من عالمات‪.‬‬
‫الباب الثاٍل كالثالثوف‪ :‬باب ذكر الالـ ألف كأم الطرفُت منو ىي ا‪٢‬تمزة‪ .‬ذكر فيو رسم الالـ‬
‫ألف كىل ا‪٢‬تمزة تسبق أـ الالـ‪.‬‬
‫الباب الثالث كالثالثوف‪ :‬ذكر البياف عن مذاىب متقدمي أىل العربية كتابعيهم من النقاط كأىل‬
‫األداء ُب النقط‪ .‬ذكر فيو ما اتفقوا على نقطو كما اختلفوا فيو‪.‬‬
‫الباب الرابع كالثالثوف‪ :‬باب ا‪١‬تقيد من األلفات بنقطتُت‪ .‬ا‪١‬تقيد من األلف مثل‪ :‬فلما أنبأىم‪،‬‬
‫كالسيئات‪.‬‬
‫الباب ا‪٠‬تامس كالثالثوف‪ :‬باب ا‪٢‬تمز الساكن‪ .‬ذكر فيو طريقة نقط ا‪٢‬تمزة الساكنة‪.‬‬
‫الباب السادس كالثالثوف‪ :‬باب ا‪٢‬تمز ا‪١‬تتحرؾ‪ .‬ذكر فيو طريقة كتابة ا‪٢‬تمز ا‪١‬تتحرؾ ْتب موقعها‬
‫كما قبلها كبعدىا‪.‬‬
‫الباب السابع كالثالثوف‪ :‬باب ا‪٢‬تمزتُت‪ .‬ذكر فيو طريقة نقط ا‪٢‬تمزتُت ُب كلمة أك كلمتُت‪.‬‬
‫الباب الثامن كالثالثوف‪ :‬باب الواكات كتفسَت نقطهن‪ .‬ذكر فيو طريقة النقط على الواكات‬
‫ْتسب موقعها كما قبلها كبعدىا‪.‬‬
‫الباب التاسع كالثالثوف‪ :‬باب األلفات كتفسَتىن‪ .‬ذكر فيو أحكاـ األلف ْتسب ما قبلو‬
‫كبعده‪.‬‬
‫الباب األربعوف‪ :‬باب الالـ ألف‪ .‬ذكر فيو نقط الالـ ألف‪ ،‬كأنو على اثٍت عشر كجها‪.‬‬
‫مميزات الكتاب‪:‬‬
‫أنو كتاب ‪ٚ‬تع أكثر من علم‪ ،‬فإف ا‪١‬تؤلف مل يقتصر على نقط ا‪ٟ‬تركؼ كالعالمات فقط‪ ،‬بل‬
‫تكلم عن العالمات نفسها‪ ،‬كعن حذؼ بعض ا‪ٟ‬تركؼ‪ ،‬كعن إبقاء بعض ا‪ٟ‬تركؼ مع حذفها لفظا‪،‬‬
‫كغَت ذلك‪.‬‬
‫السهولة ُب العبارة‪.‬‬
‫ذكر األمثلة من القرآف الكرَل ‪١‬تا يذكره من أحكاـ‪.‬‬
‫نقل اآلراء باألسانيد ‪٦‬تا ‪٬‬تعلها أكثر كثوقية‪.‬‬
‫يعد من أكرب الكتب ا‪١‬تؤلفة ُب موضوعو‪ ،‬كىو أكرب الكتب اليت كصلتنا ُب ا‪١‬توضوع ‪.‬‬
‫طبعاتو‪:‬‬
‫طبع الكتاب عدة طبعات‪ ،‬كىي‪:‬‬
‫طبعة دار الكتب العلمية‪ ،‬بتحقيق ‪٤‬تمد حسن ‪٤‬تمد إ‪ٝ‬تاعيل‪ ،‬عاـ ‪2004‬ـ‪.‬‬
‫طبعة دار الغوثاٍل للدراسات القرآنية‪ ،‬بتحقيق‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬غاًل قدكرم ا‪ٟ‬تمد‪ ،‬عاـ ‪2017‬ـ‪ ،‬كىي‬
‫أحسنها فيما يبدك‪.‬‬
‫طبعة دار الفكر‪ ،‬بتحقيق عزة حسن‪ ،‬عاـ ‪1407‬ىػ‪ ،‬كالطبعة الثانية‪1418 :‬ىػ‪.‬‬
‫‪ /2‬أصوؿ الضبط كما جرل بو عمل المصاحف‪ :‬ألبي داكد سليماف بن نجاح األموم‪.‬‬
‫جعل أبو داكد ىذا الكتاب ذيال لكتاب التنزيل‪ ،‬كيعد ىذا الكتاب مناأل‪٫‬تية ٔتكاف لألسباب‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬كوف ا‪١‬تؤلف عمدة ُب باب الضبط ىو كشيخو اإلماـ الداٍل‬
‫‪-‬كوف االختيارات اليت جرل عليها عمل األئمة أكثرىا اختيار اإلماـ أيب داكد ر‪ٛ‬تو ا﵁‪.‬‬
‫‪-‬ا‪١‬تادة العلمية ا﵀كمة كا‪١‬تختصرة‪ ،‬حيث أكدع فيو مسائل ا‪٠‬تالؼ‪ ،‬كُب أكثر األحياف يذكر‬
‫اختياره ىو ليس إال‪.‬‬
‫‪-‬ربطو الضبط بالقراءة‪.‬‬
‫‪-‬عناية العلماء من بعده هبذا ا‪١‬تؤلف‪ ،‬كباختيارات اإلماـ أيب داكد‪.‬‬
‫أما أبواب الكتاب فهي‪:‬‬
‫‪: 1‬باب ذكر ا‪١‬تصاحف‪ ،‬ككيف كانت عارية من النقط‪ ،‬كخالية من الشكل‪ ،‬كمن نقطها أكال‬
‫من السلف‪ ،‬كالسبب ُب ذلك‪.‬‬
‫‪. 2‬باب ذكر من ؾره نقط ا‪١‬تصاحف من السلف‪.‬‬
‫‪ 3‬باب ذكر من ترخص ُب نقطها‪.‬‬
‫‪ 4‬باب ذكر ما جاء ُب تعشَت ا‪١‬تصاحف‪ ،‬كٗتميسها‪ ،‬كمن كره ذلك‪ ،‬كمن أجازه‪.‬‬
‫‪ .5‬باب ذكر ما جاء ُب رسم فواتح السور‪ ،‬كعدد آيهن‪ ،‬كمن شدد ُب ذلك‪ ،‬كمن تسهل فيو‪.‬‬
‫‪ .6‬باب جامع القوؿ ُب النقط‪ ،‬كعلى ما پيتی من الوصل كالوقف‪ ،‬كما يستعمل لو من‬
‫األلواف‪ ،‬كما يكره من ‪ٚ‬تع قراءات شتی كركايات ‪٥‬تتلفة ُب مصحف كاحد‪ ،‬كما يتصل بذلك من‬
‫ا‪١‬تعاٍل اللطيفة كالنكت ا‪٠‬تفية ‪.‬‬
‫‪ .7‬باب ذكر القوؿ ُب حركؼ التهجي‪ ،‬كترتيب ر‪ٝ‬تها ُب الكتابة‬
‫‪ .8‬باب ذكر البياف عن إعجاـ ا‪ٟ‬تركؼ‪ ،‬كنقطها بالسواد‬
‫‪ .9‬باب ذكر نقط ا‪ٟ‬تركات ا‪١‬تشبعات‪ ،‬ك مواضعهن من ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫‪ .10‬باب ذکر کيفية نقط ما ال يشبع من ا‪ٟ‬تركات فيختلس أك ٮتفي أك بشم‪.‬‬
‫‪ .11‬باب ذكر التشديد ك السكوف ك کيفيتها‬
‫‪ .12‬باب ذكر ا‪١‬تد‪ ،‬كموضعو ُب ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫‪ .13‬باب ذكر التنوين الالحق األ‪ٝ‬تاء‪ ،‬ككيفية صورتو‪ ،‬كموضع جعلق ‪.‬‬
‫‪ .14‬باب ذکر تراكب التنوين ك تتابعو‪ ،‬ككيفية نقط ما يلقى من ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫‪ .15‬باب ذكر حكم النوف الساكنة‪ ،‬كما بعدىا ُب حاؿ البياف كاإلدغاـ كاإلخفاء‬
‫‪ .16‬باب ذكر أحكاـ تقط ا‪١‬تظهر من ا‪ٟ‬تركؼ‪.‬‬
‫‪ .17‬باب ذكر أحكاـ نقط ا‪١‬تدغم‬
‫‪ .18‬باب ذكر أحكاـ نقط ما ٮتفى من ا‪١‬تدغم‬
‫‪ .19‬باب ذكر أحكاـ الصالت األلفات الوصل ‪.‬‬
‫‪ .20‬باب ذكر أحكاـ نقط ا‪٢‬تمزة ا‪١‬تفردة اللينة‪.‬‬
‫‪ .21‬باب ذكر أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت اللتُت ُب كلمة‪.‬‬
‫‪ .22‬باب ذكر أحكاـ ا‪٢‬تمزتُت اللتُت من كلمتُت‪.‬‬
‫‪ .23‬باب ذكر األلف ك موضع ا‪٢‬تمزة منها‪.‬‬
‫‪ .24‬باب ذكر الياء ك موضع ا‪٢‬تمزة منها‬
‫‪ .25‬باب ذكر الواك كموضع ا‪٢‬تمزة منها‪.‬‬
‫‪ .26‬باب ذکر تنقط ما اجتمع فيو ألغاف قحذفت إحدا‪٫‬تا اختصارا‬
‫‪ .27‬باب ذكر نقط ما اجتمع فيو ياءاف فحذفت إحدا‪٫‬تا إ‪٬‬تازا‬
‫‪ .28‬باب ذكر نقط ما اجتمع فيو كاكاف فحذفت إحدا‪٫‬تا ٗتفيفا‪.‬‬
‫‪ .29‬باب ذكر نقط ما زيدت األلف ُب ر‪ٝ‬تو‪.‬‬
‫‪ .30‬باب نقط ما زيدت الياء ُب ر‪ٝ‬تو‪.‬‬
‫‪ .31‬باب نقط ما زيدت الواك ُب ر‪ٝ‬تو‪.‬‬
‫‪ .32‬باب ذكر نقط حركؽ متفرقة نقصت من ىجائها‪.‬‬
‫‪ .33‬باب ذكر نقط ما نقص ىجاؤه‬
‫‪ .34‬باب ذكر الدارة اليت ٕتعل على ا‪ٟ‬تركؼ الزكائد كا‪ٟ‬تركؼ ا‪١‬تخففة كاصلها كمعناىا‬
‫‪ .35‬باب ذكر الالـ ألف كأم الطرفُت منو ىي ا‪٢‬تمزة‪.‬‬
‫كىناؾ كتب أخرل منها‪:‬‬
‫‪-1‬إرشاد الطالبُت إىل ضبط الكتاب ا‪١‬تبُت‪.‬‬
‫‪-2‬استعماؿ األلواف ُب اصطالحات ضبط ا‪١‬تصاحف عند علماء األندلس كا‪١‬تغرب بُت‬
‫التأصيل الفقهي كالتطبيق ا‪١‬تنهجي‪.‬‬
‫‪-3‬السبيل إىل ضبط كلمات التنزيل‪.‬‬
‫‪-4‬الضبط ا‪١‬تصحفي نشأتو كتطوره‪.‬‬
‫‪-5‬الطراز ُب شرح ضبط ا‪٠‬تراز‪.‬‬
‫المحاضرة الثالثة‪ :‬كيفية ضبط الحركات كالسكوف‪.‬‬

‫‪ /1‬كيفية ضبط الحركات األصلية‪:‬‬


‫ا‪ٟ‬تركات األصلية ُب العربية ثالثة‪ :‬فتحة كضمة ككسرة‪ ،‬كأصل كل كاحدة منها حرؼ ا‪١‬تد الذم‬
‫اشتقت منو‪ ،‬أعٍت األلف كالواك كالياء ا‪١‬تدية‪.‬‬
‫الفتحة‪١ :‬تا كاف أصل الفتحة ىو األلف فإهنا كضعت عالمة عليها‪ٍ ،‬ب ٔتركر الزمن صارت ألفا‬
‫مبطوحة على ىذا الشكل‪:‬‬
‫َ‬
‫فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪:‬رر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬كىو ا‪١‬تختار كعليو العمل‪.‬‬
‫َ‬
‫أك أمامو ىكذا‪:‬ررر ـ ـ ـ ـ ـ ـرـر‬
‫الضمة‪ :‬ك‪١‬تا كاف أصل الواك‪ ،‬فإهنا جعلت عالمة ‪٢‬تا‪ ،‬فتوضع ىكذا‪:‬‬
‫ُ‬
‫كىو ا‪١‬تختار كعليو العمل‪.‬‬ ‫ـــــــ‬ ‫فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪:‬‬
‫ُ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـرـ‬ ‫أك أمامو ىكذا‪:‬‬
‫ـ ـ‪,‬ـ ـ ـ ـ‬ ‫أك فيو ىكذا‪:‬‬
‫كقد اختلف األمر بُت ا‪١‬تشارقة كالغاربة ُب حذؼ رأس ا‪ٟ‬تركة‪ ،‬فأبقى عليو ا‪١‬تشارقة كحذفو‬
‫ا‪١‬تغاربة ىكذا‪ُ :‬‬
‫ـــ‬
‫الكسرة‪ :‬ك‪١‬تا كاف أصل الكسرة الياء‪ ،‬فإهنا جعلت عالمة عليها‪ ( ،‬ۦ)‪ٍ ،‬ب ٔتركر الزمن حذؼ‬
‫رأسها‪ ،‬فتوضع ٖتت ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪ :‬ـ ـ ـ ِـ ـ ـ‬
‫التنوين‪ :‬التنوين نوف ساكنة زائدة يلحق ُب آخر االسم لفظا ال كتابة‪ ،‬كعالمتو ُب علم الضبط‬
‫ــ‪ ،‬ـ ٍــ‪ ،‬أك متتابعتاف ىكذا‪ٗ :‬ـ‬
‫ــ‪ ،‬ــ ‪ٞ‬ـ‪ ،‬ـ ٖــ‪ ،‬خالؼ بينهم‪.‬‬ ‫حركتاف إما مًتاكبتاف ىكذا‪ً :‬ـ‬
‫ــ‪ ،‬ـ ٌـ‬
‫فإف كاف التنوين ا‪١‬تتوح ‪٦‬تا يوقف عليو بألف‪ ،‬ففي ا‪١‬تسألة أربعة أقواؿ‪:‬‬
‫رحيماى‪.‬‬
‫‪ /1‬أف توضع فتحة ا‪ٟ‬ترؼ على ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كفتحة التنوين على األلف‪ ،‬ىكذا‪ :‬ى‬
‫رحيمان‪.‬‬
‫‪ /2‬أف توضع فتحة على ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كفتحتاف على األلف‪ ،‬ىكذا‪ :‬ى‬
‫رحيما‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تشارقة‪.‬‬‫‪ /3‬أف توضع الفتحتاف على ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ن‬
‫‪ /4‬أف توضع الفتحتاف على األلف‪ ،‬ىكذا‪ :‬رحيمان‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تغاربة‪ ،‬كالقوالف األكالف‬
‫ضعيفاف‪.‬‬
‫كمثل ىذا ما لو كاف التنوين على ‪٨‬تو‪ :‬قرل‪ ،‬كمفًتل‪ ،‬كمسمى‪.‬‬
‫أما التتابع كالًتاكب فهما متعلقاف با‪ٟ‬ترؼ الذم يلي التنوين‪ ،‬فإف كاف من حركؼ ا‪ٟ‬تلق‪ ،‬كىي‬
‫حركؼ اإلظهار‪ ،‬على اختالؼ مذاىب القراء ُب عد ا‪٠‬تاء كالغُت منها أك ال‪ ،‬على حسب القراءة‪،‬‬
‫ِيي َ‌ب ِ ٍيﵞ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ ‪ّٞ‬‬ ‫َ ً َ ً‬
‫فإف ا‪ٟ‬تكم الًتكيب‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟعي ِيٍا خهِيٍاﵞ ‪ ،‬ﵟ ش ٍِيي عي ِيًﵞ‪ ،‬ﵟخه ٍ‬
‫َ‬
‫ىكذا‪ :‬ﵟك ۡٔ ٌّٗا‬ ‫كإف كاف ا‪ٟ‬ترؼ الذم يلي التنوين من حركؼ اإلخفاء‪ ،‬فا‪ٟ‬تكم ىو التتابع‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ‪ َّٞ‬فل ُ ٓۥﵞ ﵟش ۡي ّٖء كد ‪ّٞ‬‬ ‫ََ‬
‫َ‌َٰيِد َ‬ ‫ُۡ‬
‫ِير ﵞ‪ .‬كدكف أف يشدد ذلك ا‪ٟ‬ترؼ ا‪١‬تذكور‪.‬‬ ‫ينﵞ ﵟ ِ‬ ‫ِ‬
‫كيستثٌت من ذلك ما ٭ترؾ فيو التنوين بالكسر ألجل التخلص من التقاء الساكنُت‪٨ .‬تو‪:‬‬
‫َ ً‬
‫ﵟفتِيي ٱُ ُ ۡرﵞ ﵟ َّرخ ً‬
‫ِيٍا َّ‬
‫ٱلل ِ ُّيﵞ‪.‬‬
‫فإف كاف ا‪ٟ‬ترؼ الذم يلي التنوين حرؼ إدغاـ‪ ،‬فا‪ٟ‬تكم أيضا التتابع‪ ،‬غَت أف ا‪ٟ‬ترؼ يشدد‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ ‪ّٞ َ ُ ۡ َّ ّٞ‬‬ ‫عند حركؼ اإلدغاـ الكامل (مل نر)‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ٌُ َذ ّن ‪ِّٞ‬ر ىَّ ۡص َ‬
‫تﵞ ﵟوأ ٔاب ٌٔ ٔع ﵞ ﵟئٌه ِ ّٖذ‬
‫اجا‬ ‫ِيًﵞ كيعرل عن التشديد عند الياء كالواك ىكذا‪ :‬ﵟكَر ّٗ‬
‫يبا يَ ۡٔ َ ﵞ ﵟس َر ّٗ‬
‫ِ‬ ‫َُّاع ٍَِ ‪ّٞ‬ﵞ ﵟ َ ُفٔر‪َّ ّٞ‬رخ ‪ّٞ‬‬
‫ِ‬
‫اجاﵞ‪ ،‬إال عند من يدغم عند‪٫‬تا إدغاما كامال‪ ،‬كىو خلف عن ‪ٛ‬تزة‪.‬‬ ‫َو َّْ ّٗ‬

‫فإف كاف ا‪ٟ‬ترؼ الذم يلي التنوين ىو حرؼ الباء‪ ،‬فألىل الضبط كجهاف‪ :‬أف ٕتعل كعالمتو‬
‫عند حركؼ اإلخفاء ىكذا‪ :‬ﵟ َعي ‪ّٞ‬‬
‫ِيً ب ِ ٍَاﵞ ‪ ،‬أك أف تبدؿ فتحة التنوين ميما صغَتة‪ ،‬للداللة على‬
‫القلب‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ َعي ُ‬
‫ِيً ۢ ب ِ ٍَاﵞ‪.‬‬
‫كعلى األكؿ اقتصر الداٍل‪ ،‬كذكر أبو داكد الوجهُت‪ ،‬لكنو اختار الثاٍل‪ ،‬كبو جرل العمل تبعا‬
‫لو‪.‬‬
‫‪ /2‬كيفية ضبط الحركات الفرعية‪ :‬االختالس‪ ،‬كاإلشماـ‪ ،‬كاإلمالة‪.‬‬
‫االختالس إسراع با‪ٟ‬تركة إسراعا ٭تكم بو السامع أف ا‪ٟ‬تركة قد ذىبت كىي كاملة ُب الوزف‪،‬‬
‫كقيل ىو النطق بثلثي ا‪ٟ‬تركة كيراد بو اإلخفاء‪.‬‬
‫اإلمشاـ النطق ْتركة تامة مركبة من حركتُت ضمة ككسرة‪ ،‬كيكوف جزء الضمة مقدما كىو األقل‬
‫كيليو جزء الكسر كىو األكثر‪.‬‬
‫اإلمالة‪ :‬ىي النحو بالفتحة إىل الكسرة‪ ،‬كباأللف إىل الياء‪ ،‬كىو باب كبَت من أبواب التجويد‪،‬‬
‫كاختص بو من القراء ‪ٛ‬تزة كالكسائي كأبو عمرك ككرش‪ ،‬كللبقية مواضع إمالة‪.‬‬
‫كىي نوعاف‪٤ ،‬تضة كتسمى اإلضجاع‪ ،‬كاإلمالة الكربل‪ ،‬كغَت ‪٤‬تضة‪ ،‬كتسمى التقليل‪ ،‬اإلمالة‬
‫بُت بُت‪ ،‬كاإلمالة الصغرل‪.‬‬
‫ك‪١‬تا كانت ىذه األنواع الثالثة ‪٥‬تالفة ُب اللفظ ‪١‬تا حركتو خالصة لكوف حركة ا‪١‬تختلس مشوبة‬
‫بسكوف‪ ،‬كحركة ا‪١‬تشم كسرة مشوبة بضمة ‪ ،‬كحركة ا‪١‬تماؿ فتحة مشوبة بكسرة ‪ ،‬احتاج أىل الضبط‬
‫إىل ٘تييزىا عنو‪.‬‬
‫فذىب ‪ٚ‬تاعة إىل تعريتها من الشكل مطلقا‪ ،‬كىو اختيار أيب داكد‪.‬‬
‫كذىب ‪ٚ‬تاعة إىل نقطها‪ ،‬كىو اختيار الداٍل كعليو جرل العمل‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟأ ٌََّ لا‬ ‫ككيفية ضبطو ُب االختالس نقطة فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ إف كاف مفتوحا‬
‫َ ۬ ّ ُ َ‬ ‫َ ۬ٓ ّد ٓ‬
‫ٔنﵞ‪.‬‬ ‫ِيﵞ ﵟييخ ِصٍ‬
‫كٖتتو إف كاف مكسورا ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟُ ِ ۪ع ٍَّاﵞ‬
‫ككيفيتو ُب اإلمشاـ نقطة أماـ حرفو ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟش ۬ي ٓي َء ﵞ ﵟش ۬ي ٓي َئ ۡتﵞ تنبيها على أنو يشار‬
‫بالكسرة إىل الضمة‪.‬‬
‫ككيفيتو ُب ا‪١‬تماؿ نقطة ٖتت ا‪ٟ‬ترؼ ا‪١‬تماؿ كصال عوضا من فتحتو للداللة على أنو ‪٦‬تاؿ ‪،‬‬
‫ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ٱش َت ۪ٔ ٰٓىىﵞ ﵟ َ ۪ َٰيﵞ‪.‬‬
‫ىكذا‪ :‬ﵟ جرى َٰ َٓاﵞ ﵟ ۡ‬
‫۪‬
‫أما ما ٯتاؿ ُب الوقف فقط‪ ،‬فإف ال ينقط‪ ،‬ألف ا‪١‬تصحف يضبط على الوصل ال على الوقف‪.‬‬
‫‪ /3‬كيفية ضبط السكوف‪:‬‬
‫اختلف أئمة الضبط ُب عالمة السكوف على مذاىب عدة‪:‬‬
‫فمنهم من جعلها دائرة ‪٣‬توفة توضع فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪ :‬ﹿ‪ ،‬كبو جرل عمل ا‪١‬تغاربة‪.‬‬
‫كمنهم من جعلها رأس خاء صغَتة‪ ،‬مأخوذة من كلمة خفيف الدالة على السكوف‪ ،‬كىي ما‬
‫يقابل ا‪ٟ‬تركة‪ ،‬ىكذا‪ ،) ۡ ( :‬كبو جرل عمل ا‪١‬تشارقة‪.‬‬
‫كمنهم من جعلها جرة صغَتة فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ كىو مذىب نقاط األندلس كعمل بو‬
‫ْ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫بعض ا‪١‬تغاربة ُب الياء الثانية ُب قولو تعاىل‪ :‬ﵟب ِ ي ّٖدﵞ‬
‫كمنهم من جعلها ىاء مشقوقة ىكذا‪ :‬هـ‪ ،‬كأهنا تدؿ على ىاء السكت‪ ،‬ألف السكوف سكت‬
‫على ا‪ٟ‬ترؼ‪.‬‬
‫كمنهم من جعلها نقطة مربعة فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ الساكن‪.‬‬
‫كمنهم من مل ‪٬‬تعل للسكوف عالمة‪ ،‬مكتفيا بوضع عالمات للحركة فحسب‪.‬‬
‫موضعها‪:‬‬
‫كاختلفوا أيضا ُب موضع ىذه العالمة على أقواؿ‪:‬‬
‫‪ /1‬أف توضع على ا‪ٟ‬ترؼ ا‪١‬تظهر فقط‪ ،‬كيعرل منها ا‪١‬تدغم كا‪١‬تخفى كا‪١‬تمدكد للداللة على ىذه‬
‫األحكاـ‪ ،‬كىو الذم عليو العمل‪.‬‬
‫‪ /2‬أف يعرم حركؼ ا‪١‬تد فقط‪ ،‬كيضعها على سائر ا‪ٟ‬تركؼ ا‪١‬تظهرة كا‪١‬تخفاة كا‪١‬تدغمة‪ ،‬كىذا‬
‫يعمل بو أصحاب اإلمالء عادة‪.‬‬
‫‪ /3‬أف توضع على كل ا‪ٟ‬تركؼ الساكنة أيا كانت مظهرة أك مدغمة أك ‪٥‬تفاة أك ‪٦‬تدكدة‪.‬‬
‫‪ /4‬أف توضع على ا‪ٞ‬تميع‪ ،‬لكن يفرؽ بُت ا‪١‬تمدكد كغَته بصورة السكوف حيث ال تشبو صورة‬
‫ما عليو ما على البقية‪.‬‬
‫تتمة في ضبط النوف الساكنة‪:‬‬
‫النوف لدكرىا ُب الكالـ ‪٢‬تا أحكامها األربعة ا‪١‬تعركفة‪ ،‬كقد سبق الكالـ عنها ُب التنوين‪.‬‬
‫فإف كاف بعد النوف الساكنة حرؼ من حركؼ اإلظهار‪ ،‬فحكمها أف توضع عليها عالمة‬
‫ۡ‬ ‫ّ ۡ َ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ۡ َۡ َ‬
‫السكوف‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟفٍَ أظيً ﵞ ﵟٌَِ عِي ٍيﵞ ﵟٌَِ ‌ ّٖيﵞ‬
‫كإف كاف بعدىا حرؼ من حركؼ اإلخفاء فحكمها أف تعرل من عالمة السكوف‪ ،‬كال يشدد‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ا‪ٟ‬ترؼ بعدىا‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ن ُن ُ‬
‫ِت ًۡﵞ ﵟأُف ِ‬
‫ص ًِٓﵞ ﵟعِِدﵞ ﵟٌَ نﵞ‬ ‫ِ‬
‫كإف كاف بعدىا حرؼ الباء فوجهاف‪ :‬أف تكوف كاإلخفاء‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ٌَِّ َ ۡع ِدﵞ أك أف توضع‬
‫فوؽ النوف ميم صغَتة داللة على القلب‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ّ ٌِ َۢ َ ۡع ِدﵞ‬
‫كإف كاف بعدىا حرؼ من حركؼ اإلدغاـ التاـ (مل نر)‪ ،‬فا‪ٟ‬تكم أف تعرل من السكوف‪،‬‬
‫ّ َّ‬ ‫َّ ّ َ‬ ‫كيشدد ا‪ٟ‬ترؼ الذم بعدىا‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟم ٍََِّ ٌَّ َِ َ‬
‫ِيرﵞ‬
‫ّٖ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ﵟ‬ ‫ﵞ‬‫م‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ﵟ‬ ‫ﵞ‬ ‫ي‬
‫كإف كاف بعدىا حرؼ من حركؼ اإلدغاـ الناقص فهنا ا‪٠‬تالؼ بُت ا‪١‬تشارقة كا‪١‬تغاربة‪ ،‬فاألكلوف‬
‫على أف تعرل النوف من عالمة السكوف إشعارا بإدغامها فيما بعدىا‪ ،‬كتعرل النوف من عالمة‬
‫السكوف إشعارا بإدغامها فيما بعدىا‪ ،‬كتعرل الواك كالياء من عالمة التشديد ال من ا‪ٟ‬تركة إشعارا بأف‬
‫َ‬ ‫َ ُۡ َ‬ ‫َ‬
‫الﵞ ﵟأن يذنر ﵞ‬
‫النوف مل تدغم فيهما إدغاما خالصا‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟٌَِ و ٍ‬
‫كا‪١‬تغاربة على أف توضع عالمة التشديد على الواك كالياء للداللة على إدغاـ النوف فيهما‪،‬‬
‫كتوضع عالمة السكوف على النوف للداللة على أف اإلدغاـ ناقص بسبب إبقاء غنة ا‪١‬تدغم الذم ىو‬
‫َۡ ۡ َ‬
‫النوف‪ ،‬كىذا الوجو ىو اختيار الشيخُت‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟٌ َِۡ َّو ٍالﵞ ﵟأن يُّذن َر ﵞ‪.‬‬
‫كال بد دائما من مراعاة مذىب القارئ‪ ،‬فمن كاف لو اإلدغاـ التاـ ُب الياء كالواك‪ ،‬ضبط كفق‬
‫ذلك‪ ،‬كمن كاف لو اإلدغاـ الناقص ُب اللم كالراء‪ ،‬ضبط كفق ذلك‪ ،‬أما النوف كا‪١‬تيم فإف ضبطهما ال‬
‫يتغَت‪ ،‬لكماؿ اإلدغاـ فيهما‪.‬‬
‫تنبيو‪ :‬ليس ا‪١‬تقصود ىنا بكماؿ اإلدغاـ انتفاء الغنة‪ ،‬كلكن ا‪١‬تقصود ىو دخوؿ النوف ُب ا‪ٟ‬ترؼ‬
‫الذم يليها دكف بقاء أثر يدؿ عليها‪ ،‬بناء على أف الغنة ُب ا‪١‬تيم كالنوف ا‪١‬تدغم فيهما ىي غنتهما ال‬
‫غنة النوف اليت دخلت فيهما‪ٓ ،‬تالؼ الياء كالواك كالراء الالـ‪ ،‬فال غنة ‪٢‬تا‪.‬‬
‫‪ /4‬كيفية ضبط الشدة‪:‬‬
‫عالمة التشديد اختلف ُب كيفيتها األئمة قدٯتا‪.‬‬
‫أ‪ /‬فمنهم من جعلها شينا فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪ :‬ﹽ أخذىا من كلمة ش ٌد‪ ،‬غَت أنو اكتفى منها‬
‫بثالثة أسناف فقط‪ ،‬فهي غَت ‪٣‬تركرة‪ :‬شػ ػ ػػ‪ ،‬كال معرقة‪ :‬ش‪ ،‬كال منقوطة‪.‬‬
‫كىذا مذىب ا‪٠‬تليل كأصحابو ا‪١‬تشارقة‪ ،‬كىو الذم عليو العمل اليوـ‪.‬‬
‫كاختلف ُب موضع ا‪ٟ‬تركة منها‪:‬‬
‫فقيل توضع الفتحة كالضمة فوقها‪ ،‬كالكسرة ٖتت ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كعليو العمل‪.‬‬
‫كقيل توضع الفتحة كالكسرة ٖتت الشدة‪.‬‬
‫كأما القوؿ بأف الكسرة توضع ٖتت الشدة فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ ىكذا‪ :‬ﳴ‪ ،‬فهو ضعيف‪.‬‬
‫ب‪ /‬كقاؿ آخركف عالمة التشديد داؿ توضع قائمة ا‪ٞ‬تناحُت فوؽ ا‪ٟ‬ترؼ إف كاف مفتوحا‪،‬‬
‫ىكذا‪ ᴗ :‬كمنكسة إىل أسفل أمامو إف كاف مضموما ىكذا‪ ᴖ :‬كٖتتو إف كاف مكسورا‪ ،‬ىكذا‪.ᴖ :‬‬
‫كقد أخذكا الداؿ أيضا من كلمة ش ٌد‪ ،‬كوهنا ثلثا الكلمة‪ ،‬كىو اختيار الداٍل‪.‬‬
‫كاختلفوا ُب إ‪ٟ‬تاؽ ا‪ٟ‬تركات هبذه العالمة على أقواؿ‪:‬‬
‫‪ /1‬أهنا تغٍت بوضعها عن ا‪ٟ‬تركة‪ ،‬فال ينبغي زيادة ا‪ٟ‬تركة‪ ،‬ألف األصل عدـ إدخاؿ ماؿ ال ٭تتاج‬
‫إليو ُب ا‪١‬تصحف‪،‬كىو قوؿ أيب داكد‪.‬‬
‫‪ /2‬أنو ‪٬‬تمع بينهما تأكيدا للبياف‪ ،‬كتفريقا بُت ا‪١‬تماؿ كا‪١‬تفتوح إذا كاف مشددا‪.‬‬
‫‪ /3‬أنو ال ‪٬‬تمع بُت الشكل كالشد إال ُب أطراؼ الكلمات‪ ،‬ألهنا ‪٦‬تا يقع فيو اللبس‪.‬‬
‫المحاضرة الرابعة‪ :‬في ضبط المد كالهمزة كاإلظهار كاإلدغاـ‪.‬‬
‫‪ /1‬كيفية ضبط المد‪:‬‬
‫حركؼ ا‪١‬تد الثالثة قد يزيد مدىا عن ا‪١‬تقدار الطبيعي إذا كليها ‪٫‬تز أك سكوف‪ ،‬فاحتاج إىل أف‬
‫يضبط ٔتا يدؿ عليو كيفرقو عن الطبيعي‪.‬‬

‫)‪ ،‬توضع فوؽ ا‪ٟ‬تركؼ‬ ‫ٓ‬ ‫كعالمة ا‪١‬تد جرة ُب أك‪٢‬تا ارتفاع قليل‪ ،‬كُب آخرىا ا‪٩‬تفاض‪ ،‬ىكذا‪( :‬‬

‫الثالثة‪ْ ،‬تيث يكوف بينها كبينها فراغ‪ ،‬كعليو العمل‪ ،‬كال تكوف ملتصقة هبا‪ ،‬كقد أخذ ب ىبو‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫كىي مأخوذة من كلمة مد‪ ،‬بعد التعديل الذم طرأ عليها بعامل الزمن‪ ،‬فطمست ميمها‪ ،‬كزاؿ‬
‫الطرؼ األعلى من دا‪٢‬تا‪.‬‬
‫تنبيو‪ :‬ال توضع عالمة ا‪١‬تد إال فيما يزاد على مقداره الطبيعي‪ ،‬كلذلك تنبغي مراعاة الركاية‪،‬‬
‫كالطريق ا‪١‬تكتوب عليها ا‪١‬تصحف‪.‬‬
‫‪ /2‬كيفية ضبط الهمزة القطعية‪:‬‬
‫مضى ُب دركس الرسم أف ا‪٢‬تمزة مل تكن ‪٢‬تا صورة ُب نفسها‪ ،‬فكاف النساخ يضعوف بدال منها‬
‫ا‪ٟ‬ترؼ الذم تؤكؿ إليو عند التخفيف ُب الكلمة‪ ،‬كإال أسقطوىا‪ ،‬فلم تكن ‪٢‬تا صورة حينها‪.‬‬
‫كُب ضبط ‪٫‬تزة القطع عند أئمة الضبط مذىباف‪:‬‬
‫فمنهم من ‪٬‬تعلها دائرة صغَتة مطموسة الوسط‪ ،‬ىكذا‪ :‬كىو مذىب نقاط ا‪١‬تصاحف‪.‬‬
‫كمنهم من ‪٬‬تعلها عينا صغَتة‪ ،‬ىكذا‪ ( :‬ع )‪ ،‬أخذىا من كلمة "قطع"‪.‬‬
‫كالذم عليو العمل اليوـ أف تكتب رأس عُت صغَتة إذا كانت ‪٤‬تققة‪ ،‬ىكذا‪ ( :‬ء)‪ ،‬كدائرة‬

‫صغَتة مطموسة الوسط إذا كانت مغَتة‪ ،‬ىكذا‪.) · ( :‬‬


‫كٔتا أهنا ليست من السواد األكؿ من ا‪١‬تصحف‪ ،‬فإهنا تكتب بغَت السواد ُب ا‪١‬تصاحف القدٯتة‪،‬‬
‫فتكتب باألصفر إذا كانت ‪٤‬تققة‪ ،‬كباأل‪ٛ‬تر إذا كانت ‪٥‬تففة مسهلة أك مبدلة‪ ،‬كال تكتب إذا كانت‬
‫‪٤‬تذكفة ساقطة كما ُب النقل‪.‬‬
‫كأما اليوـ فا‪١‬تصاحف تكتب بلوف كاحد‪ ،‬كيفرؽ بُت السواد األصلي كالزائد بصغر ا‪ٟ‬ترؼ‪،‬‬
‫فالصغَت ىو الزائد‪.‬‬
‫حركتها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫توضع ا‪ٟ‬تركة على ا‪٢‬تمزة ا﵀ققة كا‪١‬تبدلة حرفا غَت حرؼ ا‪١‬تد‪ ،‬ىكذا‪ :‬أُزل‪ ،‬أوىهِم‪ ،‬اىٍيهِه ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ي َ۬‬ ‫َ۬‬
‫يشآء ِ۪ايل‪.‬‬ ‫ميجال‪ ،‬وعآ ِء َ۬اخيه‪،‬‬ ‫يلال‪،‬‬
‫كأما ا‪١‬تسهلة كا‪١‬تبدلة حرؼ مد فإهنا ال توضع عليها أم حركة‪ ،‬ىكذا‪ :‬جآء ۟امة‪ ،‬يشآء ۪ايل‪،‬‬
‫ءايمنجم‪ ،‬أر۟يت‪ ،‬واينجم‪ ،‬ئٌَ‪ ،‬تاىٍٔن‪ ،‬بيس‪ ،‬جاء امرُا‪ ،‬الب اء ان‪ ،‬على قراءة اإلبداؿ‪.‬‬
‫تنبيو‪ :‬إذا اجتمعت ‪٫‬تزتاف ُب كلمة إلحدا‪٫‬تا صورة كليس لألخرل صورة‪ ،‬فقد اختلفوا ُب أيها‬
‫صاحبة الصورة‪.‬‬
‫كالعمل على ما يلي‪:‬‬
‫إذا كانتا متفقتُت فالصورة للثانية‪ ،‬ىكذا‪َ۬ :‬ءاينذرثىم‪.‬‬
‫كإذا كانتا ‪٥‬تتلفتُت فالصورة لألكىل‪ ،‬ىكذا‪َ۟ :‬أهل‪َ۟ ،‬أنزل‪.‬‬
‫‪ /3‬كيفية ضبط ىمزة الوصل‪:‬‬
‫‪١‬تا كانت ‪٫‬تزة الوصل ساقط ُب درج الكالـ‪ ،‬مل ينفع أف تتخذ ‪٢‬تا عالمة القطع‪ ،‬فاختلف‬
‫الناس ُب عالمتها‪.‬‬
‫فذىب كثَت من ا‪١‬تغاربة إىل جعل عالمتها جرة‪ ،‬توضع فوقها إذا كاف ما قبلها مفتوحا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نصتعين ُاودنا‪.‬‬ ‫ككسطها إذا كاف مضموما‪ ،‬كٖتتها إذا كاف مكسورا‪ ،‬ىكذا‪ :‬كال َاهلل‪ ٌَ ،‬عِ ِد ا َِّلل‪،‬‬
‫كاختار الداٍل أف تزاد إليها دائرة مطموسة الوسط‪ ،‬فوقها إذا كانت مفتوحة ُب االبتداء هبا‪ ،‬كُب‬
‫َ‬
‫الوسط إذا كانت مضمومة ُب االبتداء‪ ،‬كٖتتها إذا كانت مكسورة ُب االبتداء‪ ،‬ىكذا ‪ :‬كال َ۬اهلل‪ٌَ ،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫نصتعين ُ۪اودنا‪ ،‬فتيي ُ۟انظر‪ .‬كىو ا‪١‬تختار عند ا‪١‬تغاربة كعليو العمل‪.‬‬ ‫عن ِد ِ۬اهلل‪،‬‬

‫ۖ )‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫(‬ ‫كذىب ا‪١‬تشارقة إىل جعل عالمة الوصل صاد صغَتة‪ ،‬ىكذا‪:‬‬
‫َُۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ّ ۡ‬
‫انﵞ ‪.‬‬‫ﵟٱٱذِن ُرﵞ‪ ،‬ﵟٱىلرء‬
‫تنبيو‪ :‬العمل على عدـ كضع عالمة الوصل على األلف اليت ال ٯتكن االبتداء بو‪ ،‬كىناؾ من‬
‫يفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ /4‬كيفية ضبط النقل‪:‬‬
‫ٔتا أف ‪٫‬تزة النقل ساقطة‪ ،‬فإف عالمتها ال توضع على ا‪ٟ‬ترؼ‪ ،‬كرغم أهنا تثبت ُب االبتداء ‪٨‬تو‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عذاب اليً ‪ ،‬فإنو يكتفى بوضع جرة على األلف إذا كانت مفتوحة ‪٨‬تو ا‪١‬تثاؿ السابق‪ ،‬أك كسطو إذا‬
‫َٰ‬ ‫ُ‬
‫ٌَ ا ِميق‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬‫ىكذا‬ ‫مكسورة‪،‬‬ ‫كانت‬ ‫إذا‬ ‫ٖتتو‬ ‫أك‬ ‫حي‬ ‫ُاو‬ ‫كو‬ ‫كانت مضمومة‪ ،‬ىكذا‪:‬‬
‫حميم ـ ان‬
‫ٍ‬ ‫أما إذا مل يكن للهمزة صورة‪ ،‬فإف جرهتا توضع على السطر‪ ،‬ىكذا‪:‬‬
‫‪ /5‬كيفية ضبط المظهر كالمدغم‪:‬‬
‫سبق كأف أخذنا ضبط النوف الساكنة على اختالفها أحكامها‪ ،‬كمنها اإلظهار كاإلدغاـ‪.‬‬
‫كاألمر ىنا مثل ما ىناؾ‪.‬‬
‫فيضبط ا‪١‬تظهر إذف ّتعل عالمة السكوف عليو ككضع حركة ا‪ٟ‬ترؼ الذم يليو عليو‪ ،‬كال ٕتعل‬
‫َ َّ َ ۡ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ ۡ َ َ‬
‫عليو عالمة التشديد‪ ،‬إذ ال موجب ‪٢‬تا‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟأف ِرغ عييِا ﵞ ﵟكد ش ٍِيﵞ ﵟنذبت ثٍٔد ﵞ‪.‬‬
‫كيفرؽ بُت ا‪١‬تدغم الذم إدغامو تاـ كالذم إدغامو ناقص‪:‬‬
‫فيضبط التاـ بتعرية الساكن من عالمة السكوف‪ ،‬كتشديد ا‪ٟ‬ترؼ الذم يليو مع حركتو‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ٓ ‪ّٞ‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ﵟكو َّر ّ ِب ﵞ ﵟكد تَّ َي َّ َنﵞ ﵟكاىت َّطان ِ َف ﵞ‪.‬‬
‫كيضبط اإلدغاـ الناقص بأحد الوجهُت‪:‬‬
‫مذىب ا‪١‬تغاربة‪ :‬كضع عالمة السكوف على ا‪ٟ‬ترؼ الساكن للداللة على بقاء شيء من صفتو‪،‬‬
‫َ‬
‫كتشديد ا‪ٟ‬ترؼ الذم يليو للداللة على اإلدغاـ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ َ َص ۡ َّتﵞ ﵟف َّر ۡط ُّت ًۡﵞ‪.‬‬
‫كمذىب ا‪١‬تشارقة تعرية الساكن من عالمة السكوف للداللة على اإلدغاـ‪ ،‬كتعرية ا‪ٟ‬ترؼ ا‪١‬توايل‬
‫تﵞ ﵟفَ َّر ُ‬
‫طت ًۡﵞ‪.‬‬ ‫من الشدة من كضع حركتو للداللة على نقصاف اإلدغاـ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ َ َص َ‬

‫تنبيو ُب كيفية ضبط ا‪١‬تيم عند الباء‪:‬‬


‫كا‪١‬تقصود ىنا حكم ضبط ا‪١‬تيم عند الباء على كجو إخفائها‪ ،‬أما على كجو اإلظهار فهو معلوـ‬
‫‪٦‬تا سبق‪ ،‬كالذم جرل بو العمل أف ضبطها كضبط النوف الساكنة عند حركؼ اإلخفاء ‪ ،‬كىو أف‬
‫تعرل من عالمة السكوف كال ٕتعل عالمة التشديد على الباء‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ِ َّن َر َّب ًُٓ ب ِ ِٓ ًۡﵞ‪.‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬في كيفية ضبط الملحق كالمزيد رسما كأحكاـ الـ األلف‪.‬‬
‫‪ /1‬كيفية إلحاؽ ما حذؼ رسما‬
‫قد سبق ُب ‪٤‬تاضرات الرسم أف الكتابة كانت خالية من اإلعجاـ كالشكل‪ ،‬كإ‪٪‬تا جاء علم‬
‫الضبط هبما‪ ،‬من أجل تيسَت القراءة على الناس كما بينا ُب أكؿ ‪٤‬تاضرة من ‪٤‬تاضرات الضبط‪.‬‬
‫ك‪٦‬تا اختص بو الرسم العثماٍل أيضا حذؼ بعض األحرؼ ا‪١‬تنطوقة‪ ،‬كما سبق أيضا ُب درس‬
‫ا‪ٟ‬تذؼ من السداسي األكؿ‪ ،‬كقد قاـ أئمة الضبط بإ‪ٟ‬تاؽ ىذه ا‪ٟ‬تركؼ باألصل‪ ،‬لكن جعلوىا بلوف‬
‫مغاير كىو األ‪ٛ‬تر‪ ،‬غَت أنو ُب مصاحفنا ا‪ٟ‬تديثة‪ ،‬تلحق ىذه األحرؼ صغَتة ألف اللوف كلو كاحد‪.‬‬
‫كفيما يلي نذكر تفاصيل اإل‪ٟ‬تاؽ‪:‬‬
‫أكثر ا‪١‬تلحقات ىي أحرؼ ا‪١‬تد الثالثة‪ ،‬كتلحق النوف أيضا على قلة‪.‬‬
‫كا‪ٟ‬تذؼ إما أف يكوف الجتماع مثلُت‪٨ ،‬تو ألفيُت أك ياءين أك كاكين‪ ،‬فإما أف تعد ا﵀ذكؼ ىو‬
‫ﵟتَ َرآَٰءﵞ ﵟ َّ‬
‫ٱلل ِ ّيِي َۧـَﵞ‬ ‫األكؿ أك الثاٍل‪ ،‬فتلحقو صغَتا ُب ‪٤‬تلو‪ ،‬كالثاٍل ىو الذم عليو العمل ‪٨‬تو‪:‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫ۡ‬
‫ۥنﵞ‪.‬‬‫ﵟيئ‬
‫إال إذا كاف ا﵀ذكؼ صورة للهمزة‪ ،‬فإنو ‪٬‬تعل األكؿ‪ ،‬كيكوف حرؼ ا‪١‬تد مدا ‪٢‬تا‪٨ ،‬تو‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اﵞ ‪.‬‬ ‫ﵟت َر ٰٓى َءاﵞ ﵟا َّنل ِ ـۤــِٕـ َ۬ ﵞ ﵟ‬
‫ٱلص َ َٰ َ َٰتﵞ‪ ،‬ﵟ َ‌َٰيِد َ‬
‫ينﵞ‪.‬‬ ‫كإما أف يكوف ا‪ٟ‬تذؼ اختصارا‪ ،‬كىو ُب األلف خاصة ‪٨‬تو‪ :‬ﵟ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كإما أف يكوف ا‪ٟ‬تذؼ لوجود عوض عن ا‪ٟ‬ترؼ ا﵀ذكؼ‪٨ ،‬تو الصلوة‪ ،‬كالزكوة‪ ،‬ضحيها‪،‬‬
‫كموسى‪ ،‬كالقرل‪ ،‬فإف األلف يلحق فوؽ ىذه األحرؼ‪ ،‬ليدؿ على عدـ النطق هبا‪٨ ،‬تو‪:‬‬
‫ٔو َٰيﵞ‪.‬‬ ‫ٱلصيَ َٰٔةَﵞ ﵟ َو ُ َ‬
‫دى َٰ َٓاﵞ ﵟ ُم َ‬ ‫ﵟ َّ‬

‫ك‪٦‬تا يلحق أيضا الياء ُب إيالفهم‪ ،‬كاختلف ُب ضبطها على مذىبُت‪:‬‬


‫أف تلحق دقيقة متصلة بالالـ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ِي َِٰل ِى ۡممﵞ‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تغاربة‪.‬‬
‫َ‬
‫أف تلحق ياء مردكدة‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟ ِ ۦَٰفِ ِٓ ًۡﵞ‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تشارقة‪.‬‬
‫كأما النوف فإهنا تلحق ُب موضعها من حيث النطق على مذىبُت أيضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫أف تلحق دقيقة متصلة بالنوف‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟنـۨـ ِ ﵞ‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تغاربة‪.‬‬
‫أف تلحق نونا صغَتة فوؽ‪ ،‬ىكذا‪ :‬ﵟُُيۨ ِجيﵞ‪ ،‬كىو عمل ا‪١‬تشارقة‪.‬‬
‫‪ /2‬كيفية ضبط المزيد رسما‪:‬‬

You might also like