Professional Documents
Culture Documents
ch 4 السياسة المالية PDF
ch 4 السياسة المالية PDF
تسعى الدول من خالل موازناتها العامة إلى تحديد حجم اإلنفاق العام مقارنة باإليراد العام؛
تفاديا للعجوز املالية ،وللوصول إلى هذا الهدف تخطط نفقاتها العامة االقتصادية واالجتماعية
ً
استنادا إلى اإليرادات املتوقعة التي تستند في تقديرها إلى معدالت نحو الناتج املحلي وحالة االقتصاد
الوطني ،وهذا ما يسمى في علم السياسة املالية باإلدارة املالية.
أما السياسة املالية فهو مفهوم أوسع من ذلك بكثير ،إذ يتعدى األمر التخاذ إجراءات يمكن من
خاللها إدارة املال وتفعيل اآلثار اإليجابية إلنفاقه ،يمكن تعريف السياسة املالية بأنها:
"هي كافة الوسائل املالية التي تتدخل الدولة من خاللها للتأثير في حجم الطلب اإلجمالي والتأثير
على مستوى التشغيل الوطني وحجم الدخل القومي".
فالسياسة املالية بهذا املفهوم تركز على تأثير األدوات املالية للدولة في الحياة االقتصادية للبالد
وفق األهداف التي تضعها لنفسها أو تفرضها الحالة االقتصادية التي تعيشها ،ففي ظل الدولة
املتدخلة التي يعيشها اقتصادنا املعاصر أصبحت السياسة املالية الحديثة تهدف إلى تحقيق
ً
االستقرار االقتصادي وليس مجرد تحقيق التوازن املالي الحسابي فقط كما ذكر سابقا.
ً
بدأ هذا املفهوم الجديد للسياسة املالية الذي نوهنا عنه آنفا مع االقتصادي كينز حيث كان حال
ملشكلة األزمات االقتصادية والكساد الكبير الذي ساد العالم في الثالثينات من القرن املاض ي،
فالسياسة املالية الكينزية كانت سياسة توسعية وقد ركز كينز في نظريته على تفعيل دور الحكومة
في الحياة االقتصادية عن طريق زيادة حجم اإلنفاق العام ،عبر اآلثار الناجمة عن ذلك التي تتوقف
على مصادر تمويل هذه الزيادة.
ومن هنا أخرجت السياسة املالية الكينزية املالية العامة من إطار التوازن املالي إلى إطار التوازن
االقتصادي ،وعدت أدوات املالية العامة وسائل لتحقيق أهداف املجتمع االقتصادية واالجتماعية،
فأصبحت تستخدم القروض العامة إلى جانب الضرائب لتحقيق هذه األهداف ،بحيث تسهم في
تمويل اإلنفاق العام الذي تؤثر من خالله في الطلب الكلي الذي يحفز املنتجين على زيادة اإلنتاج
الذي يؤدي بدوره إلى زيادة نسبة التشغيل وبالتالي نقل حالة االقتصاد إلى حالة فضلى.
ً
ثانيا ـ نشأة مفهوم السياسة املالية والفرق بينها وبين املالية العامة:
يمكن تعريف علم املالية العامة بأنه العلم الذي يبحث في جملة الوسائل املالية التي
تستخدمها من نفقات وإيرادات وموازنة عامة لتحقيق أهدافها السياسية
واالقتصادية واالجتماعية ،ومن خالل هذا التعريف يتبين أن هذا العلم يهتم
باملوضوعات التالية:
أ ـ ماذا يجب أن تكون وظيفة الحكومة في االقتصاد؟ وماذا يجب أن تفعل الحكومة
وماذا يتعين على املشروعات الخاصة أن تفعله؟ وعن األنشطة التي يجب أن تقوم بها
الحكومة ،وأيها يجب أن تتواله الحكومة املركزية وأيها يجب أن تتواله الوحدات اإلدارية
املحلية؟
ب ـ ماذا يجب أن يكون عليه مستوى اإلنفاق الحكومي؟ وكم ينفق على البرامج
البديلة؟
ج ـ ما أنواع الضرائب التي يجب أن تفرضها الدولة لتمويل تلك النفقات؟
د ـ ما مقدار الضرائب التي يجب تحصيلها في ظل الظروف املختلفة؟ وما شكلها
نسبية أو تصاعدية أو تنازلية؟
هـ ـ ما آثار الضرائب واإلنفاق الحكومي في مكونات االقتصاد الكلي من استهالك
وادخار واستثمار وإنتاج وعمالة؟
و ـ كيف يمكن إعداد املوازنة العامة؟ وهل يجب أن تكون متوازنة؟
ز ـ كيف يمكن تحقيق أهداف املالية العامة املتناقضة من توظيف ونمو وتنمية
اقتصادية واستقرار األسعار؟
ح ـ كيف يجب أن يكون حجم الدين العام؟ وكيف يجب أن يدار؟ وما آثاره
االقتصادية واملالية؟
فإذا كانت املالية العامة تهتم في توصيف املسائل السابق ذكرها وتحليلها فإن مهمة
السياسة املالية تتجلى في اتخاذ القرارات املالئمة لكل حالة من الحاالت السابقة،
بمعنى أن السياسة املالية تهتم بالجانب التطبيقي والعملي للمسائل املالية للدولة
ودورها االقتصادي واالجتماعي على ضوء األهداف املحددة لها.
وبذلك تتضح العالقة بين السياسة املالية واملالية العامة بأنها ليست عالقة
انفصال وتضاد بل عالقة تكامل واتصال ،فالسياسة املالية تهتم في كيفية استخدام
عناصر املالية العامة في تحقيق األهداف املرغوب بتحقيقها عبر اآلثار التي تحدثها هذه
العناصر في الدخل واإلنتاج والتوظيف وكل مكونات االقتصاد الكلي في حل املشاكل
التي يعانيها مجتمع معين في وقت معين.
عالقة السياسة املالية بغيرها من السياسات:
تستهدف السياسة املالية تحقيق أهداف متعددة تحتاج معها إلى مساعدة عدة
سياسات ،ومن هنا تنشأ العالقة بينها وبين غيرها من السياسات ،كالسياسة
االقتصادية والسياسة النقدية.
أ ـ عالقة السياسة املالية بالسياسة االقتصادية:
يقصد بالسياسة االقتصادية التأثير التوجيهي الذي تمارسه الدولة على النشاط
االقتصادي ،وكذلك مقدار تدخلها وتأثيرها في تحديد اإلطار االقتصادي الذي تعمل
الوحدات االقتصادية من خالله؛ لذلك توجد عالقة تبادلية بين هاتين السياستين،
فكلتاهما تؤثر وتتأثر باألخرى .فالدراسة الصحيحة آلثار كل منهما ينبغي أن تتم في
كنف آثار السياسة األخرى ،ولبيان التأثير املتبادل بينهما ينبغي دراسة أثر السياسة
املالية في السياسة االقتصادية ،وأثر السياسة االقتصادية في السياسة املالية من
دون إهمال دراسة أثر السياسة املالية في الناتج االجتماعي في املجتمع.
ب ـ عالقة السياسة املالية بالسياسة النقدية:
يقصد بالسياسة النقدية مجموعة القواعد والوسائل واألساليب واإلجراءات
والتدابير التي تقوم بها السلطة النقدية في الدولة للتأثير في عرض النقود بما يالئم
النشاط االقتصادي لتحقيق أهداف اقتصادية معينة خالل فترة معينة ،والسياسة
املالية تحتاج إلى التنسيق مع السياسة النقدية ألنهما فرعان للسياسة االقتصادية
ونتيجة للتأثير املتبادل بينهما في تحقيق أهداف السياسة االقتصادية .فالسياسة
النقدية تؤثر في السياسة املالية والسياسة املالية تؤثر في السياسة النقدية من خالل
األهداف املشتركة التي تسعى كل منها إلى تحقيقها ضمن إطار السياسة االقتصادية،
إال أنه لكل منهما أدواته ،واملشكلة في ذلك تحديد متى تعمل أدوات كل منهما في تحقيق
ً
هذه األهداف املشتركة وأيهما أكثر تأثيرا في تحقيق هذه األهداف ،وكيف يتم التناغم
بين هذه األدوات لتحقيق هذه األهداف .فاملدرسة األمريكية تؤكد أن السياسة
النقدية بأدواتها أكثر فعالية في تحقيق أهداف السياسة االقتصادية ،واملدرسة
ً
الكينزية تؤكد أن السياسة املالية أكثر تأثيرا في تحقيق تلك األهداف.
ً
ثالثا ـ خصائص السياسة املالية
من خالل تعريف السياسة املالية يمكن القول إنها تتميز بالخصائص التالية:
1ـ هي مجموعة من اإلجراءات املالية :فتتضمن اإلجراءات مجموعة من القوانين
والقرارات والترتيبات والعالقات بين األفراد والدوائر املالية وغيرها من األمور التي
يمكن أن تضعها من أجل تصنيف هذه اإلجراءات؛ حيث تشكل في مجموعها سياسة
معينة من أجل الوصول إلى أهداف محددة تضعها الدولة ملعالجة املشكالت التي
يعانيها اقتصادها ،والحالة التي يعيشها على املدى الطويل بعد دراسات معمقة تقوم
بها الدولة للبحث عن الوسائل واإلجراءات املثلى لتحقيق هذه األهداف ،وترتيب
اإلجراءات واألدوات املالية التي يجب أن تستخدمها الدولة للوصول إلى تلك األهداف.
ففي أوقات الرواج االقتصادي التي تزداد فيها معدالت التضخم تتركز اإلجراءات
املالية على زيادة حجم الضرائب وتخفيض معدالت القروض العامة والنفقات العامة
من أجل تخفيض حجم الطلب الكلي وزيادة حجم العرض الكلي الذي يؤدي إلى
تخفيض معدالت التضخم.
وفي أوقات الكساد االقتصادي الناجم عن زيادة العرض الكلي ونقص الطلب الكلي
ال بد لألدوات املالية أن تعمل على زيادة حجم الطلب الكلي عبر زيادة حجم النفقات
العامة ملواجهة العرض املتزايد ما أمكن.
2ـ السياسة املالية تؤثر في مكونات االقتصاد الكلي :ال بد لكل سياسة مالية من
أن تحدد الحالة التي يكون عليها االقتصاد في البداية ،لتحديد الهدف التي يجب عليها
أن تعمل على تحقيقه ومن ثم تقرير كيف يمكن أن تستخدم األدوات املالية التي يمكن
أن تسعى إلى تحقيق الهدف املحدد الذي يناسب تلك الحالة التي يعيشها اقتصاد
الدولة عبر تأثير هذه األدوات في املتغيرات االقتصادية للحالة االقتصادية التي يعيشها
ً
اقتصاد الدولة .فالضرائب تؤثر في االدخار (تؤدي إلى تخفيضه عموما) الذي يؤدي
بدوره إلى نقص حجم االستثمارات وبالتالي نقص حجم اإلنتاج الذي يؤثر في العرض
الكلي (ينقصه) ،والنفقات العامة تؤثر في العرض الكلي ،فنقص النفقات يؤدي إلى
نقص العرض وزيادة حجم النفقات العامة يؤدي إلى زيادة االستهالك الذي يؤدي إلى
زيادة الطلب الذي يحفز العرض على الزيادة املطلوبة للوصول إلى حالة االستقرار
االقتصادي.
ً ً
ـ وهذا يعني أن كل إجراء مالي يؤثر تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في املتغيرات
االقتصادية ،وبالتالي يؤثر في الحالة االقتصادية للبالد؛ لذلك ينصح االقتصاديون
بعدم اإلقدام على تغيير مفردات السياسة املالية قبل تحديد األهداف التي ينبغي
تحقيقها ،فالحالة هي التي تحدد الوسائل املالية التي تصل إلى الهدف املطلوب بأقل
كلفة ممكنة ،وكل إجراء مالي ال يأخذ هذا الترتيب بالحسبان يؤدي إلى أهداف غير
مرغوب فيها في حقل السياسة االقتصادية للدول.
3ـ تسعى إلى زيادة معدالت النمو االقتصادي على املدى الطويل :يجب أن تسعى
كل سياسة مالية إلى زيادة معدالت النمو في الناتج املحلي اإلجمالي على املدى الطويل
من أجل رفع معدل الرفاهية االقتصادية في املجتمع ،وبالتالي يجب على أدوات
ً
السياسة املالية أن تعمل دائما على تحقيق هذا الهدف ،وإن لم تحقق ذلك يمكن
ً
القول إن مكونات السياسة املالية غير مجانسة بعضها بعضا وقد تؤدي إلى أهداف
غير مرغوب فيها؛ لذلك يجب على السياسة املالية أن تحدد حالة االقتصاد القائمة في
البلد ومن ثم تختار األدوات املالية املناسبة كي تسهم في زيادة حجم الطلب الكلي على
املدى الطويل ،األمر الذي يدفع إلى زيادة العرض الكلي في االقتصاد الوطني على هذا
املدى ،مع مالحظة أن هذه الزيادة يجب أن تفوق نسبة الزيادة السكانية كي تؤدي إلى
زيادة معدل الرفاهية االقتصادي في مستوى االقتصاد الكلي على املدى الطويل.
ولزيادة معدالت النمو االقتصادي عادة ينبغي استخدام األدوات املالية التالية:
أ ـ تخفيض معدالت الضرائب لتشجيع املنتجين على زيادة اإلنتاج (زيادة العرض).
ب ـ زيادة حجم اإلنفاق العام في قطاع الخدمات االجتماعية بهدف زيادة الدخل لدى
الطبقات الفقيرة وخاصة في قطاعي التعليم والرعاية الصحية واالجتماعية.
ج ـ زيادة حجم اإلعانات اإلنتاجية للقطاعات غير الرابحة وتنشيط اإلنتاج في
املناطق النائية.
د ـ إقامة مشاريع القاعدة األساسية بهدف جذب االستثمارات الوطنية واألجنبية في
القطاعات التي ترغب الدولة بتطويرها وتحفيزها.
ً
رابعا :أهداف السياسة املالية
ً
إن السياسة املالية أصبح الزما عليها أن تعمل على تحقيق االستقرار في جوانب
االقتصاد الوطني وبالتالي تحقيق األهداف التالية:
ً
1ـ االستقراراملالي :ويقصد به استخدام موارد الدولة على أحسن وجه ،فينبغي مثال
أن يتسم النظام الضريبي بالصفات التي تجعله يالئم حاجات الخزينة العامة من حيث
املرونة والوفرة في الحصيلة ،ويالئم في الوقت نفسه مصلحة املكلف من حيث العدالة
ً
في توزيع العبء الضريبي ومواعيد الجباية واالقتصاد في الجباية… إلخ ،كما يجب أيضا
عدم استخدام القروض إال ألغراض إنتاجية واالبتعاد عن استخدام القروض العامة
لتمويل أغراض استهالكية غير منتجة.
2ـ االستقرار االقتصادي :أي الوصول إلى حجم اإلنتاج األمثل الذي يؤدي إلى
التشغيل الكامل في الدولة ،وهذا يعني أنه يتعين على الدولة (الحكومة) أن توازن بين
نشاط القطاعين الخاص والعام للوصول إلى أقص ى إنتاج ممكن ،فكلما كانت
املشروعات الخاصة أقدر على اإلنتاج من املشروعات العامة وجب على الحكومة أن
تمتنع عن التدخل املباشر وأن يقتصر نشاطها على التوجيه بواسطة اإلعانات
والضرائب إذا دعت الحاجة إلى ذلك ،وينبغي أال تقل املنافع التي يحصل عليها املجتمع
من اإلنفاق الحكومي عن تلك التي يمكن الحصول عليها لو ظلت املوارد في أيدي األفراد.
ويتحقق التوازن بين القطاعين العام والخاص عندما يصل مجموع املنافع الناجمة
ً
عن املنشآت الخاصة والنفقات معا إلى أقص ى حد مستطاع ،أي عندما يصل الدخل
القومي إلى أقص ى حد ممكن ،أي يتحقق هذا االستقرار عندما يتبين أن املنافع الحدية
الناتجة من النشاط االقتصادي للحكومة يتعادل مع املنافع الحدية التي تقتطعها
الحكومة بتحصيل إيراداتها من األفراد ،فاالستقرار هنا يعني استغالل موارد املجتمع
على أفضل وجه للوصول إلى حجم اإلنتاج األمثل.
3ـ االستقرار االجتماعي :أي أن يصل املجتمع إلى أعلى مستوى ممكن من الرفاهية
لألفراد في حدود اإلمكانات املتاحة في املجتمع وما تقتضيه عملية تحقيق العدالة
االجتماعية ،وبالتالي يجب على السياسة املالية أال تسعى إلى زيادة حجم اإلنتاج الكلي
للمجتمع على حساب تحقيق العدالة االجتماعية ،إذ يجب على السياسة املالية أن
ً
تسعى إلى تحقيق العدالة االجتماعية أيضا ،أي أن تعمل على تحقيق التوازن في توزيع
ً
املنتجات على األفراد عن طريق هذه السياسة وإعادة توزيع الدخل بين األفراد توزيعا
أقرب إلى العدالة ،أي أن تعمل على توزيعها ملصلحة الفقراء وليس ملصلحة األغنياء.
4ـ االستقرار العام :أي تحقيق التوازن بين مجموع اإلنفاق القومي (نفقات األفراد
لالستهالك واالستثمار) ،إضافة إلى النفقات العامة (الحكومة) وبين مجموع الناتج
القومي باألسعار الثابتة في مستوى يسمح بتشغيل جميع عناصر اإلنتاج املتاحة.
واألدوات املالية التي يمكن أن تستخدمها الدولة في هذا املجال كثيرة ومتنوعة ،أهمها
القروض العامة والضرائب والرسوم واإلعفاءات واملشاركة مع األفراد في قيام
املشروعات.
يجب أن يالحظ أنه قد يقوم هنالك تعارض بين تلك األهداف ،وربما ال يمكن تجنب
ذلك ،فالهدف األول للسياسة املالية هو عدم قيام هذا التعارض بين أهدافها ،وإن
حدث هذا التعارض فمن املفروض أن تهدف السياسة املالية إلى تحقيق االستقرار
ً
العام أوال ،ومن ثم تسعى إلى تحقيق االستقرار االقتصادي ،ثم االستقرار االجتماعي
ً
شرط أال يخل ذلك بالوصول إلى حجم اإلنتاج األمثل ،وأخيرا تعمل على تحقيق
االستقرار املالي على املدى القصير ولكنه يجب أال يكون تحقيق األهداف السابقة على
حساب تحقيق االستقرار املالي على املدى الطويل.
ً
خامسا :أدوات السياسة املالية:
تمتلك السياسة املالية مجموعة من األدوات املالية لتحقيق أهدافها ،لعل أهمها:
1ـ الضرائب والرسوم :فالضرائب والرسوم عادة تعد أهم اإليرادات املالية التي
يمكن أن تستخدمها الدولة وسيلة مالية للتأثير في الحياة االقتصادية للبالد؛ فيمكن
للدولة زيادة الضرائب في بعض القطاعات التي ال ترغب في زيادتها وتخفيضها في
القطاعات التي ترغب الدولة في تنشيطها ،أو القطاعات املتعثرة التي ترغب الدولة في
زيادة حجمها ،أو في القطاعات التي ال يرغب القطاع الخاص بالقيام بها ،كاإلعفاء
الضريبي أو تخفيض معدل الضرائب على بعض القطاعات التي ترغب الدول في زيادة
حجم االستثمار فيها ،كما يمكن للدولة أن تستخدم الضرائب لتحقيق العدالة
االجتماعية وذلك بتخفيض معدل الضرائب غير املباشرة وزيادة معدل الضرائب
املباشرة التي يمكن أن تنال الدخول املرتفعة ،وفي كل مرحلة أو حالة اقتصادية يمكن
ً
للدولة زيادة الضرائب أو تخفيضها استنادا إلى الهدف الذي تسعى للوصول إليه.
2ـ القروض العامة :فالقروض العامة تأتي بعد الضرائب والرسوم من حيث األهمية
ضمن إيراداتها املالية التي يمكن أن تستخدمها الدولة للتأثير في الحياة االقتصادية
ً
للبالد ،فقد أصبحت وسيلة عادية يمكن أن تلجأ إليها الدولة حديثا من أجل معالجة
ً
حالة العجز املالي التي غالبا ما تعاني منه الدول في موازناتها العامة ،فقد تلجأ الدول
إلى القروض العامة من أجل تمويل املشاريع االستثمارية التي ال يمكن أن توفرها
االعتمادات املتاحة ،وذلك من أجل زيادة حجم الناتج القومي (النمو االقتصادي) على
املدى الطويل ،وقد تلجأ إليها الدول من أجل تمويل اإلنفاق االستهالكي على املدى
القصير بقصد زيادة الطلب الكلي من أجل تحقيق االستقرار االقتصادي.
3ـ اإلعانات :وهي مبالغ نقدية تخصصها الدولة عبر زيادة حجم نفقاتها العامة من
أجل مساعدة املنتجين أو القطاعات اإلنتاجية التي تنخفض فيها معدالت األرباح،
كاإلعانات االقتصادية التي تقدمها للصناعات الناشئة لزيادة قدرتها على املنافسة
واإلعانات التي تقدمها إلى املصدرين بهدف زيادة حجم الصادرات الوطنية ورفع قدرتها
التنافسية في السوق الدولية ،واإلعانات االجتماعية التي تقدمها الدولة من أجل
تخفيض أسعار السلع الضرورية لألفراد محدودي الدخل.
4ـ اإلنفاق العـام :وهي إحدى الوسائل املالية املهمة التي يمكن من خاللها أن تزيد
الدول من حجم الطلب الكلي في االقتصاد الوطني ،فكلما زاد اإلنفاق العام يزداد
خفضت الدول من حجم اإلنفاق العام ينخفض حجم الطلب الكلي ،وباملقابل إذا َّ
الطلب الكلي .والدولة تستخدم عادة هذه الوسيلة املالية للتأثير في حجم النشاط
االقتصادي بالزيادة أو النقصان بحسب الحالة القائمة في االقتصاد الوطني.
ـ عادة تعتمد الدول على النفقات العامة االقتصادية واالجتماعية للتأثير في حجم
النشاط االقتصادي بآن واحد في الدول الليبرالية والدول االشتراكية وإن كانت في
الدول األولى تعطي القطاع الخاص فرصة أكبر للتأثير في تفاصيل هذه الحياة أكثر.
5ـ عجز املوازنة :وهي سياسة مالية تستخدمها الدولة عادة لزيادة حجم اإلنفاق
العام وذلك من خالل زيادة حجم املشاريع املخططة في املوازنة من أجل زيادة حجم
ً ً
ن
النمو االقتصادي على املدى الطويل ،علما بأن املخططين يعلمو مسبقا بأن
اإليرادات املتاحة ال تستطيع تمويل هذه املشاريع؛ لذلك تعتمد الدول عادة من أجل
تمويل هذا العجز إما على السياسة النقدية فتعمل على زيادة اإلصدار النقدي ،وإما
على القروض العامة فتعمل على زيادة حجم القروض الداخلية والخارجية وذلك من
أجل زيادة حجم الطلب الكلي ،وعادة تعتمد الدول على هذه الوسيلة املالية في حالة
االنكماش االقتصادي (الكساد) ،أما الدول النامية فإنها تعتمد على هذه السياسة
ً ً
دائما نظرا لنقص مواردها املالية ولكن هذه السياسة قد تؤدي إلى مخاطر على املدى
الطويل لذلك على الدول أن تلجأ إلى هذه الوسيلة بحذر شديد كيال تثقل كاهل
اقتصادها بحجم مديونية عالية ربما ال يستطيع اقتصادها أن يتحملها على املدى
البعيد ،كما حصل في لبنان الذي وصلت ديونه الخارجية إلى 51مليار دوالر.
ً
سادسا ـ السياسة املالية في حاالت الركود:
تتمثل حالة الركود بانخفاض حجم اإلنفاق الكلي األمر الذي يؤدي إلى نقص حجم الطلب
الكلي في مواجهة العرض الكلي ،مما يؤدي إلى االنخفاض في املستوى العام لألسعار وتبدأ بعدها
ً ّ
حركة البطالة في االزدياد ،مما يولد ضغوطا مستمرة لتخفيض الطلب الكلي باستمرار ويتعمق
ً
الركود تدريجيا حتى يصل إلى حالة الكساد االقتصادي .وتتمثل حالة الركود االقتصادي
باملظاهر التالية:
1ـ انخفاض حجم الطلب الكلي.
2ـ انخفاض حجم االستثمار الحكومي والخاص.
3ـ زيادة معدالت البطالة التي تؤدي إلى تخفيض مستويات دخول العمل.
4ـ انخفاض املستوى العام لألسعار.
5ـ زيادة توظيف األموال في املصارف بدل توظيفها في العمليات اإلنتاجية.
6ـ هجرة االستثمارات إلى الخارج.
إن هذه املؤشرات العامة تتطلب سياسة مالية معاكسة إليقاف تعمق حالة الركود والبدء
بحركة توسعية ،وهذا يتطلب القيام باإلجراءات املالية التالية:
1ـ زيادة حجم اإلنفاق العام االستهالكي واالستثماري.
2ـ تشجيع االستثمار الخاص عبر تخفيض معدالت الضرائب وزيادة إعفاءات وزيادة حجم
اإلعانات للمنتجين.
3ـ زيادة حجم اإلعانات التصديرية.
4ـ زيادة حجم القروض العامة.
5ـ تخفيض معدالت الفائدة لزيادة الطلب على االقتراض من أجل زيادة حجم استثمارات
القطاع الخاص (سياسة نقدية تدعم السياسة املالية).
إن هذه اإلجراءات تسهم مباشرة في تخفيض حجم الضغوط الركودية وتدفع االقتصاد
ً
تدريجيا نحو االنطالق.
ً
سابعا ـ السياسة املالية في حاالت الرواج:
تتمثل حاالت الرواج بزيادة الطلب الكلي في مواجهة العرض الكلي ،األمر الذي يؤدي
إلى تزايد حجم املبيعات وزيادة حجم االستثمارات إلى أن يصل االقتصاد إلى مستوى
التشغيل شبه الكامل .وبالتالي فإن أهم مظاهر الرواج االقتصادي هي:
1ـ الزيادة املستمرة في حجم االستثمارات لتلبية الطلب املتزايد.
2ـ تزايد حجم االستهالك مقارنة بحجم الدخل لدى األفراد.
3ـ تمويل االستثمارات عبر االقتراض الداخلي (املصرفي) أو الخارجي.
4ـ تمويل الدولة للنفقات العامة عبر اإلصدار النقدي.
5ـ نقص نسبة البطالة.
6ـ زيادة حجم االستثمارات الخارجية.
7ـ ارتفاع املستوى العام لألسعار وميل االقتصاد لحالة التضخم.
إن هذه املظاهر العامة لحاالت الرواج تترافق بسياسة مالية تنتهجها الدولة بحسب
األهداف التي تنوي الوصول إليها ،وعادة ما تفضل الدول االستمرار في حالة الرواج من
أجل املحافظة على نسبة النمو االقتصادي املطلوبة ،وبالتالي فإن السياسة املالية
املفضل استخدامها هنا يجب أن تعتمد على األسس التالية:
1ـ تمويل اإلنفاق العام عن طريق الضرائب وسندات الدين العام.
2ـ زيادة معدالت الضرائب ألن املستثمرين ال يشعرون بعبئها.
ً
3ـ تسديد القروض العامة التي لجأت إليها الدول سابقا.
4ـ تخفيض حجم اإلعانات اإلنتاجية إلى أقل حد ممكن.
إن الوصول لحالة التشغيل شبه الكامل (زيادة الطلب) سوف يؤدي إلى ارتفاع
األسعار ،لذلك يجب على الدول في هذه الحالة أن تخفض من حجم اإلنفاق الحكومي
حيث يؤدي ذلك إلى تخفيض حجم الطلب الكلي الذي يؤدي بدوره إلى تخفيض
الضغوط التضخيمية التي يعانيها االقتصاد والعودة به إلى حالة االستقرار ،إضافة إلى
زيادة الضرائب على الشركات واألفراد التي سوف تؤدي إلى تناقص حجم االستثمارات
واالستهالك الذي يؤدي بدوره إلى نقص الطلب الكلي.
ً ً
إن زيادة الضرائب وتخفيض اإلنفاق العام يحققان معا فائضا في املوازنة العامة
يسمح للدولة بتكوين االحتياطات الالزمة ملواجهة حاالت العجز التي يمكن أن تقع في
املستقبل أو يسمح لها بتسديد الديون املستحقة عليها ،وبالتالي تخفيض عبء الديون
عن كاهل اقتصادها في تلك الفترة.
ً
ثامنا ـ مفهوم متانة السياسة املالية:
ال يمكن أن تكون السياسة املالية متينة وقوية إذا كان هناك عجز في اإليرادات
العامة مقارنة بالنفقات العامة مما يؤدي إلى زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج املحلي
اإلجمالي ،فإن ذلك سوف يؤدي إلى ظهور التضخم الذي ال يمكن معالجته إال بزيادة
الضرائب والعبء الضريبي وتخفيض اإلنفاق العام الذي يؤدي بدوره إلى ظهور
الكساد .فإدارة الدين العام وضبط نسبته إلى الناتج املحلي اإلجمالي هو الذي يجعل
السياسة املالية متينة ويجنبها الوقوع في مخاطر الكساد أو العجز املالي غير املحسوب
وابتعادها عن تحقيق التوازن االقتصادي على املدى البعيد ،فإدارة الدين العام هي
التي تحقق االنضباط املالي ،وهنا تتداخل السياسة النقدية مع السياسة املالية في
تحقيق ذلك ،وعدم االنضباط يؤدي إلى انهيار أهداف السياسة املالية ،وال يمكن
تحقيق هذا االنضباط إال من خالل ثبات نسبة الدين العام إلى الناتج املحلي اإلجمالي
أو تخفيضها بحسب الحال ،وال يمكن الوصول إلى ذلك إال من خالل تحقيق املعادلة
التالية:
عجز املوازنة = نسبة الدين العام /الناتج املحلي اإلجمالي
وبهذا يمكن تحقيق استقرار نسبة الدين العام إلى الناتج املحلي اإلجمالي بحيث ال
تزيد هذه النسبة على ما يقتضيه نمو هذا الناتج ،ومتانة السياسة املالية وقوتها
تتوقف على الكفاءة في إدارة الدين العام عند مواجهة عجز املوازنة العامة.