You are on page 1of 27

‫المبحث االول ‪:‬‬

‫السياسة المالية في الفكر اإلقتصادي‬


‫تعتبر السياسة المالية من بين أهم السياسات اإلقتصادية تداوال‪ ,‬و هذا راجع لتعدد أدوا ا‬

‫من جهة و قدرة الدولة على التحكم فيها من جهة أخرى‪ ,‬و قد عرفت السياسة المالية تجاذبات فكرية‬

‫بين المدارس اإلقتصادية‪ ,‬ففي حين حيد الكالسيك دورها) بتحييد الدولة بصفة عامة‪ ,‬أعطي‬

‫اإلقتصادي كينز أهمية كبيرة لها‪ ,‬و سنتطرق) في هذا المبحث للسياسية المالية و دورها) و موقعها)‬

‫اإلقتصادي بين مختلف المدارس‪ ,‬و كذالك اآلليات التي تنتهجها هذه السياسة لمعالجة اإلختالالت‬

‫الممكنة ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم السياسة المالية‬

‫ازدادت أهمية السياسة المالية بالمقارنة بالسياسات) األخرى بزيادة دور الدولة و كثرت‬

‫المتغيرات الطارئة في ا تمع و ذالك على جميع األصعدة‪ ,‬و سنسوق في ما يلى بعض التعاريف)‬

‫السياسة المالية و منها السياسة المالية هي" السياسة التي بموجبها) تستعمل الحكومة برامج نفقا ا و إيرادا‬

‫ا إلنشاء أثار مرغوبة و تجنب أثار غير المرغوبة على الدخل و اإلنتاج و التوظيف) ‪ ,‬و بعبارة‬

‫مختصرة إستخدام أدوات السياسة المالية من ضرائب و نفقات و إدارة الدين و الموازنة العامة في‬

‫التنمية و اإلستقرار) اإلقتصادي"‪ ,1‬من الناحية الفنية تعرف السياسة المالية بأ ا اإلجراءات التي تقوم ا‬

‫الحكومة بغية تحقيق التوازن المالي العام مستخدمةً ‪ ,‬بذلك الوسائل) المالية الهامة من الضرائب‬

‫والرسوم) والنفقات العامة والقروض العامة‪ ,‬وذلك للتأثير على المتغيرات االقتصادية الكلية‪ ,‬والوصول)‬

‫‪ 1‬السید عطیة عبد الواحد ‪ ,‬المرجع األسبق ‪,‬ص ‪20.‬‬


‫إلى أهداف السياسة االقتصادية العامة للدولة‪ ,1‬و تعرف السياسة المالية بأ ا مجموعة السياسات المتعلقة‬

‫باإليرادات العامة و النفقات العامة بقصد تحقيق أهداف محددة‪.2‬‬

‫تشمل ُجل التعريفات الحرص على ذكر أمرين مهمين و هما بيان أهداف السياسة المالية من جهة و‬

‫أدوات هذه السياسة من جهة أخرى ‪.‬‬

‫مما سبق يمكن القول بأن السياسة المالية هي أداة من أدوات السياسة اإلقتصادية و تشتمل على‬

‫مجموعة من السياسات المبرمجة من طرف الدولة ‪,‬تعتمد فيها على أدوات مختلفة كاإليرادات العامة و‬

‫النفقات العامة باإلضافة إلى الموازنة العامة‪ ,‬دف تحقيق مجموعة من األهداف االقتصادية و‬

‫‪.‬‬ ‫االجتماعية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬السياسة المالية في الفكر اإلقتصادي‬

‫مع التطورات المتسارعة لألفكار) اإلقتصادية لدى مختلف المفكرين‪ ,‬باإلضافة إلى تشعب وظائف)‬

‫الدولة‪ ,‬اتضح أن مفهوم الدولة الحارسة لم يعد كافيا) لمسايرة معطيات ومتطلبات المتغيرات التي‬

‫طرأت‪ ,‬و الرؤية التي سادت منذ أن ساد العالم الكساد الكبير ‪ ,9291‬و المتمثلة في تحجيم دور)‬

‫الدولة‪ ,‬برزت أفكار و نظريات االقتصادي كينز ‪ ,‬والتي جاءت معاكسة ألصحاب النظرية‬

‫الكالسيكية التي كانت ترى أن دور الدولة يقتصر) على مجاالت محصورة مثل األمن‪ ,‬الحماية‪ ,‬العدالة‬

‫و الدفاع و أن النشاط االقتصادي) لديه اآللية الذاتية إلعادة توازنه‪ ,‬وبعد عجز اقتصاديات الدول على‬

‫إعادة تواز ا بطريقة آلية كما كان يرى الكالسيكيون بدأت مجال يتسع أفكار مغايرة تماما‪ ,‬فأوضح‬

‫اإلقتصادي كينز بنظرياته كيف أن الدولة وتدخلها له دور فعال في اقتصاد) ‪.‬‬

‫و سنعرض لمحة بسيطة عن أفكار) مختلف المدارس اإلقتصادية و رؤيتها) للسياسة المالية ‪.‬‬

‫‪ 1‬كنعان علي‪ ,‬اقتصادیات المال والسیاستین المالیة والنقدیة ‪ ,‬الطبعة األولى‪ ,‬منشوارت دار الحسنین‪ ,‬دمشق‪ ,8991 ,‬ص ‪219‬‬
‫‪ 2‬وجدي حسین‪ ,‬المالیة الحكومیة واالقتصاد العام‪ ,‬اإلسكندریة‪ 8891 , ,‬ص‪.134‬‬
‫الكالسيكي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ساد هذا الفكر لعدة قرون و كان هو المسيطرة ‪ ,‬و الناظر إلى فكر الكالسيك في ما يتعلق بالسياسة‬

‫المالية عموما يجد أ م دافعو و بقوة عن الحرية اإلقتصادية و حيادية الدولة في نفقا ا و إيرادا ا‪ ,‬و‬

‫كان من دواعي هذه األفكار الوضع السياسي) آنذاك‪ ,‬و اعتماد الحكام على المنتجين و التجار لتمويل‬

‫حمال م العسكرية و ذالك عن طريق) الدين العام‪ ,‬و الذي رأى فيه الكالسيكيون) عبارة عن تقييد لرأس‬

‫المال الذي مآله الضياع ‪,‬و تقييد لإلستهالك العام شأنه شأن تقيد اإلستهالك الخاص و الذي هو مهم‬

‫لدفع قاطرة اإلنتاج‪ ,‬و ت وفير) مبدأ تراكم رأس المال على إعتبار أن تدخل الدولة عن طريق) الدين‬

‫العام هو إهدار لرأس مال كان من الممكن إعادة إنتاجه‪ ,‬و سنعرض بعض المبادئ التي إعتني ا‬

‫الكالسيك في المالية المالية على النحو التالي‪:‬‬

‫الدولة الحارسة‪ :‬و هو إقتصار) الدولة على مهام محددة ليس لها عالقة بالتدخل في النشاط‬ ‫‪-1.1‬‬
‫اإلقتصادي‪,‬و) من بين هذه القطاعات األمن ‪ ,‬المرافق) العامة ‪ ,‬التعليم ‪...‬‬

‫حياد المالية العامة‪ :‬و هو تعطيل الجانب اإلقتصادي) للموازنة العامة للدولة ‪ ,‬فال تتدخل‬ ‫‪-1.2‬‬
‫الدولة بإيرادا ا و ال في نفقا ا في الحياة اإلقتصادية ‪.‬‬

‫توازن الميزانية ‪ :‬و حرص الكالسيك على توازن في الموازنة العامة راجع إلى أن ذالك‬ ‫‪-1.3‬‬
‫أدعى إلى تجنب البالد للقرض العام و أثاره السلبية على رأس المال‪ ,‬و دليل لإلدارة الرشيدة و‬

‫القدرة على التمويل السليم لنفقات الدولة ‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أن رؤية اإلقتصاديين الكالسيك لتوازن اإلقتصادي) و الذي أسس له اإلقتصادي) أدم‬

‫سميث‪ 1‬بمبدأ اليد الخفية و اإلقتصادي) ساي‪ 2‬بمبدأ العرض يخلق طلبه‪ ,‬و أن اإلقتصاد) يؤول إلى‬
‫التوازن في حالة التشغيل الكامل‪ ,‬كان دافعا قويا لقيام إقتصاد) حر بعيدا عن توجيه أو إعادة توجيه‬

‫من قبل الدولة ‪.‬‬

‫‪ 1‬آدم سمیث(‪ )3271- 0971:‬فیلسوف أسكتلندي ومن رواد االقتصاد) السیاسي‪ ,‬اشتھر بكتابھ‬
‫التحقیق في طبیعة وأسباب ثروة األمم(‪. )6771‬‬

‫‪ 2‬جان باتست ساي(‪ )2381-7671‬اقتصادي) فرنسي‪ ),‬من رواد المدرسة الكالسیكیة ‪ ,‬صاحب قانون‬

‫المنافذ‪ ),‬من اشهر كتبه االقتصاد) السیاسي‪ ,‬صدر في ‪1803.‬‬

‫الكنزي‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫كانت األزمة الكساد العالمية التي سادت إبتداءا من سنة ‪ 9291‬م و فشل التحليل الكالسيكي) في إيجاد‬

‫حلول لها‪ ,‬و كذالك إعتماد الكالسيك على جانب العرض و إهمال جانب الطلب‪ ,‬و تغليبهم تخفيض‬

‫تكاليف اإلنتاج بتخفيض األجر النقدي ‪ ,‬أدت كل هذه العوامل لخلق مناخ مالئم لظهور) الفكر الكنزي‬

‫على يد مؤسسه "جون مينيرد كينز")‪ 1‬و الذي رفض مبادئ الكالسيك و تحليلهم للتوازن الكلي ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فيما يتعلق بالسياسة المالية فإن أهم فروض كينز تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫إن اإلقتصاد) الصناعي المتقدم ال يتحقق فيه التوازن عند التوظيف) الكامل‪ ,‬ففي أي وقت‬ ‫‪-‬‬
‫معين قد يكون حجم اإلستثمار الخاص غير كافي للحفاض على مستوى) عال من الدخل و التوظيف) ‪.‬‬

‫إن العالج التقليدي للكساد بخفض األجور النقدية لخفض تكاليف أصحاب األعمال ليس كافيا‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ,‬ففي أحسن األحوال يكون هذا العالج حياديا‪ ,‬وفي أسوء حاالته قد يؤدي) إلى زيادة حدة الكساد ‪.‬‬

‫‪ 1‬جون مینیرد كینز‪:‬اقتصادي إنجلیزي ‪ ,6491 – 3881‬مؤسس النظریة الكنزیة‪ ,‬و صاحب كتاب النظریة العامة في اإلقتصاد‬
‫‪ 2‬السید عطیة عبد الواحد ‪ ,‬المرجع األسبق ‪,‬ص ‪64,63.‬‬
‫يمكن القيام بالعمل الحكومي لإلبقاء على مستوى عال و مستقر للطلب الفعال‪ ,1‬و في فترات‬ ‫‪-‬‬
‫الكساد ال يتوازن اإلنفاق الحكومي اإلضافي) بالخفض المقابل في اإلنفاق الخاص‪ ,‬و فيما يتعلق‬

‫باإلقتصاد ككل‪ ,‬فإن اإلنتاج الزائد و مستويات) المعيشة العالية يمكن أن تتحقق بزيادة اإلنفاق‬

‫الحكومي) ‪.‬‬

‫اإلسالمي‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ظهرت في السنوات األخير الكثير من البحوث و الدراسات تم بالسياسة المالية في اإلقتصاد)‬

‫اإلسالمي‪ ,‬و المميز في النظام اإلسالمي أن له مرجعية دينية في تحديد المبادئ اإلقتصاد) و أهدافه و‬

‫النصوص الشرعية كثيرة و واضحة‪ ,‬و اإلختالف المميز له عن اإلقتصاد) الوضعي) في ميدان‬

‫السياسة المالية في نظري يرجع إلى عنص رين إثنين و هما‪:‬‬

‫‪ -3-1‬فيما يتعلق باألهداف السياسة المالية يختلفان فقط في أولوية تلبية الحاجات‪ ,‬ففي حين أن‬

‫اإلقتصاد الوضعي) ال يراعي أولوية قطاعات اإلنتاجية بعضها عن بعض فهو ينظر إلى اإلقتصاد‬

‫ككتلة‪ ,‬أما في اإلسالم و على سبيل المثال لو أخذنا أداة من أدوات السياسة المالية و هي اإلنفاق‬

‫العام في اإلقتصاد) اإلسالمي له ضوابط الواجب تلبيتها و اإلهتمام ا و هي كما يلى ‪:2‬‬

‫فالضابط) األول في سياسة اإلنفاق العام هو أن تدور) هـذه السياسـة مـع المصلحة العامة دائما‬ ‫‪-‬‬
‫‪,‬فيحدد) كل من حجـم النفقـة أو مقـدارها‪ ,‬وجهـة اإلنفـاق بحيث تحقق المصـالح العامـة لألمـة ‪.‬‬

‫‪ 1‬یعتبر‪ F‬الطلب الفعال الركیزة األساسیة للنظریة الكنزیة‪ ,‬و الطلب الفعال هو الذي یحدد مستوى اإلنتاج‪ F‬الذي بدوره یحدد مستوي العمالة ‪ ,‬و‬
‫هو عكس التحلیل الكالسیكي‪.‬‬
‫‪ 2‬منذر قحف ‪ ,‬دور السیاسات المالیة وضوابطها في إطار االقتصاد‪ ,‬اإلسالمي‪,‬ص ‪, 66-56‬دار النشر ال یوجد ‪.‬‬
‫الضابط الثاني الكفـاءة في اإلنفـاق العـام والكفـاءة تعـني أن يعمـل علـى تحقيق المصلحة بأقل‬ ‫‪-‬‬
‫ثمن‪ ,‬فال يكون إسراف) وال تبذير في اإلنفاق العام‪ ,‬وال توضـع النفقة في غير مواضعها) الشرعية ‪.‬‬

‫الضابط الثالث هو عدم التحيز إلى فئـة األغنيـاء في النفقـة ‪ ,‬مـع جـواز) التحيز إلى فئة الفقراء‬ ‫‪-‬‬
‫حتى يغنـوا‪ .‬وهـو أمـر تـدل عليـه نصـوص كـثيرة في الكتـاب والسنة‪ ,‬وفي) إجراءات الخلفاء‬

‫الراشدين ‪.‬‬

‫الضابط الرابع هو ضـابط) االلتـزام األحكـام الشـرعية في اإلنفـاق فـال تقع النفقات العامة إال في‬ ‫‪-‬‬
‫الواجبات و المباحات‪ ,‬وتجتنب المحرمات ‪.‬‬

‫الضـابط الخامس ضـابط) االلتـزام بالترتيـب الشـرعي لألولويـات‪ ,‬فلألحكـام الشـرعية درجـات‬ ‫‪-‬‬
‫‪,‬مـن واحبـات‪ ,‬ومنـدوبات‪ ,‬ومباحـات‪ ,‬وغيرهـا‪ .‬وهنالـك أيضـا درجـات داخـل كـل زمرة من األحكـام ‪.‬‬

‫فالواجبـات علـى درجـات‪ ,‬وكـذلك المنـدوبات و المباحـات ‪.‬‬


‫‪ -3-2‬اإلختالف الثاني هو في األدوات السياسة المالية‪ ,‬فتركيبة األدوات في اإلقتصاد) اإلسالمي‬

‫مختلفة بحيث نجد موارد) مختلفة منها الخراج و الزكاة و يستثني من الموارد) الضرائب إال في‬

‫حاالت إستثنائية و بشروط حددها الفقهاء ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬آلية عمل السياسة المالية‬

‫إن عمل السياسة المالية و آلية تنفيذها مرتبطة أساسا بالمناخ اإلقتصادي العام‪ ,‬و السياسة المالية‬

‫المنتهجة هي محاولة لعالج هذا المناخ اإلقتصادي‪ ),‬و حالة اإلقتصاد تتراوح) بين أربعة مواضع هي كما‬

‫يلي ‪ :‬الركود) ‪,‬الكساد ‪ ,‬اإلنتعاش ‪ ,‬الرواج‪.‬‬

‫و سنسوق) في ما يلى الحاالت التي تستوجب تدخل السياسة المالية بأليا ا للخروج باإلقتصاد) من‬

‫الحاالت اإلختالل الموجودة ‪.‬‬

‫حالة التضخم‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫يعد التضخم من المشاكل االقتصادية التي تصيب اقتصاديات) البلدان النامية والمتقدمة على السواء ‪,‬غير‬

‫أن األسباب المنشئة للتضخم في البلدان النامية تختلف عنها في البلدان المتقدمة‪ ,‬مما يترتب عليه تباين‬

‫اآلثار االقتصادية واالجتماعية التي تفرزها الضغوط التضخمية على اقتصاديات تلك البلدان و يعرف)‬

‫التضخم على أنه اإلرتفاع العام و المستمر في مستوي) العام لألسعار) الذي ال يوافقه زيادة في اإلنتاج ‪.‬‬

‫أسباب التضخم‪ :‬إختلف تفسير التضخم باإلختالف) المدارس المفسرة له‪ ,‬فعند الكالسيك‬ ‫‪-1.1‬‬
‫كانت نظرية كمية النقود المسيطرة أن ذاك حيث كانت هذه النظرية تعنى بتفسير العوامل‬

‫المحددة للمستوى) العام لألسعار‪ ,‬حيث ساد اعتقاد خالل الفترة ما بين أواخر القرن الثامن عشر‬

‫وبداية القرن التاسع عشر بوجود) عالقة وثيقة فيما بين كمية النقود والتضخم‪ ),‬وأن التضخم يعد‬

‫نتيجة طبيعية للزيادة في كمية النقود‪,1‬أما في الفكر الكنزي إرتبط) تفسير التضخم بمستوي)‬

‫‪ 1‬الروبي نبیل‪ ,‬نظریة التضخم‪ ,‬الطبعة الثانیة‪ ,‬اإلسكندریة‪ ,‬مؤسسة الثقافة الجامعیة‪ 4891 ,‬م‪ ,‬ص ‪49‬‬
‫العام لألسعار) أي أن التضخم وفقًا لهذه النظرية هو زيادة حجم الطلب الكلي على السلع‬

‫والخدمات عن العرض الحقيقي بشكل محسوس وبصورة مستمرة‪ ,‬وبما يؤدي إلى حدوث‬

‫ٍ‬
‫سلسلة من االرتفاعات في المستوى العام لألسعار وذلك ما يعبر عنه بفائض الطلب‪ ,‬ويقصد‬

‫به أن الطلب الكلي على السلع و الخدمات في االقتصاد) يفوق المقدرة الحالية للطاقات اإلنتاجية‪,‬‬

‫مما يودي إلى حدوث ارتفاع في المستوى) العام لألسعار‪ ,21‬إال أن عجز التحليل الكنزي في‬

‫تفسير التضخم و الذي نجم عن حالة من التضخم و التي خالفت منحني فيلبس المعتمد أساسا‬

‫على التفسير الكنزي‪ ,‬سمح لعودة نظرية النقدية من جديد على يد النقديين الجدد‪,‬حيث‬

‫االقتصاديين تبنو من جديد أفكار هذه النظرية‪ ,‬وتعتبر) مدرسة شيكاغو والذي يعد ميلتون‬

‫فريدمان) من روادها من أكثر االتجاهات المعاصرة التي تبنت من جديد نظرية كمية النقود‪,‬‬

‫وذلك على اعتبار أ ا أصلح النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة التضخم‪.3‬‬

‫قياس التضخم‪ :‬هناك عدة طرق لحساب التضخم‪ ,‬يعتبر الرقم القياسي ألسعار المستهلك‬ ‫‪-1.2‬‬
‫م ؤشر إحصائي لقياس تطور مجموع أسعار) التجزئة للسلع والخدمات المستهلكة من قبل‬

‫العائالت‪ ،‬ومن ثم يستخدم) على نطاق واسع كمؤشر) التجاهات التضخم) و االنكماش االقتصادي‬

‫‪,‬فيتم االعتماد على هذا الرقم القياسي باعتباره يعكس مقدار التغير في السلع و الخدمات التي‬

‫يمكن للمستهلك اقتناؤها‪ ),‬إلى جانب أنه يعتبر المؤشر) األكثر استعماال لقياس مستوى األسعار ‪.‬‬

‫اقتصادية‬
‫ّ‬ ‫بناء على معايير‬
‫أنواع التضخم‪ :‬قسم التضخم) إلى مجموعة من األنواع‪ً ,‬‬ ‫‪-1.3‬‬
‫متنوعة و هي‪:‬‬

‫‪ 1‬م‪ ,‬ص ‪58-59.‬‬


‫‪ 2‬زكي رمزي ‪ ,‬مشكلة التضخم في مصر أسبابها ونتائجها مع مقترحات لمكافحة الغالء‪ ,‬القاهرة‪ ,‬الهیئة المصریة العامة للكتاب ‪,‬‬
‫‪ 3‬زكي رمزي ‪1980‬م ‪,‬مرجع األسبق‪ ,‬ص‪.76‬‬
‫معيار الضغط التضخمي‪ :‬ويقسم إلى نوعين هما‪ ,‬التضخم الطلب و هو زيادة‬ ‫‪-1.3.1‬‬
‫مما يؤدي إلى عجز العرض عن مواجهة‬
‫األسعار) نتيجةً الرتفاع الطلب عن العرض‪ّ ,‬‬

‫االرتفاع في الطلب‪ ,‬بسبب االستعمال الكامل للعناصر اإلنتاجية‪ ,‬أو لعدم مرونة‬

‫الوسائل المستخدمة في العرض لمواجهة فائض الطلب و تضخم) التكاليف الذي هو‬

‫يةبمعد ٍل يفوق نسبة الزيادة في اإلنتاج‪ ,‬مما‬


‫ّ‬ ‫اإلنتاج‬
‫ّ‬ ‫زيادة التكاليف الخاصة بالعوامل)‬

‫أهم العوامالإلنتاجية أجور العمالة التي‬


‫يؤدي) إلى ارتفاع مستوى األسعار العام‪ ,‬ومن ّ‬

‫يترتب رفع معدال ا‪ ,‬وزيادة مستويات فوائد اإلنتاج المحققة ‪.‬‬

‫معيار انكشاف التضخم‪ُ :‬وُيقسم إلى ثالثة أنواع هي التضخم) الظاهر و هو‬ ‫‪-1.3.2‬‬
‫اتخاذ السلطات الحكومية والنقدية موقفاً) سلبياً نحو هذا التضخم‪ ,‬مما يؤدي إلى انتشار‬

‫بمعدل أعلى من زيادة‬


‫ظواهره‪ ,‬وتراكمها ‪,‬و تسارعها فترتفع مستويات) األسعار العامة ّ‬

‫تداول النقود للكميات المتداولة و التضخم المكبوت و هو حالة اقتصادية تكون فيها‬

‫األسعار) ثابتة‪ ,‬مع تعرضها) لضغط التضخم ‪,‬بسبب تجميد السلطة العامة األسعار‪ ,‬في‬

‫اتخاذ تشريعات) أو قرارات إدارية خاصة ذا النوع من التضخم باإلضافة إلى التضخم‬

‫النقدية دون وجود طريقة لصرفها‪ ,‬بسبب‬


‫ّ‬ ‫الخفي و هو ظهور ارتفاع ملحوظ بالدخول)‬

‫مما‬
‫وجود) تدخل من الدولة‪ ,‬فتحول اإلجراءات المتنوعة دون صرف الدخول المتزايدة‪ّ ,‬‬

‫يؤدي) إلى بقاء التضخم خفّياً ال يمكن ظهوره ‪.‬‬

‫معيار انتماء العوامل‪ 9‬المؤدية إلى حدوث التضخم‪ :‬ويقسم إلى نوعين هما‬ ‫‪-1.3.3‬‬
‫المحلي و هو ظهور التضخم نتيجةً للعوامل المحلية في الدولة وال يكون‬
‫ّ‬ ‫التضخم‬
‫أي ‪,‬تأثير كبير في حدوثه‪ ,‬و التضخم المستورد و هو زيادة‬
‫الخارجية ّ‬
‫ّ‬ ‫للعوامل‬

‫ٍ‬
‫بشكل واضح ‪.‬‬ ‫الخارجية‬
‫ّ‬ ‫مستويات) األسعار المحلية‪ ,‬بسبب تأثير مجموعة من العوامل‬

‫شدة التضخم‪ُ :‬وُيقسم إلى نوعين هما التضخم الجامح و هو ظهور)‬


‫معيار ّ‬ ‫‪-1.3.4‬‬
‫ارتفاعات متتالية و شديدة في األسعار‪ ,‬حيث تؤدي إلى ظهور) آثار كبيرة وضارة‪ ,‬من‬

‫تحد منها السلطة الحكومية أو تستطيع معالجتها‪ ,‬كما يؤدي ذلك إلى فقدان‬
‫أن ّ‬‫الصعب ّ‬

‫مما يدفع األفراد إلى التخلص من األموال التي معهم و‬


‫النقود لقيمتها وقو) ا الشرائية‪ّ ,‬‬

‫معدالت األسعار بنسبة أق ّل من التضخم الجامح‪ ,‬مع‬


‫التضخم المتوسط الذي هو زيادة ّ‬

‫ظهور) اضطراب في الدور الخاص بالنقود بصفتها وسيطا ماليا‪ ,‬ولكن ال تفقد الثقة ا‬

‫أن تعيد التوازن ‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫بشكل تام‪ ,‬حيث تستطيع السلطة الحكومية ّ‬

‫السياسة المالية في عالج التضخم‪:‬إن آلية عالج التضخم في السياسة المالية تعتمدأساسا‬ ‫‪-1.4‬‬
‫على األدوات هذه السياسة و المتمحورة أساسا في اإليرادات العامة و النفقات العامة‪ ,‬وبغض‬

‫النظر عن إختالف التفسيرات المؤدية للتضخم إال أنه له نتائج سلبية على اإلقتصاد) ككل‪,‬و‬

‫التوجه العام لمعاجة الظاهرة تعتمد أساسا على تقليل اإلنفاق و زيادة التحصيل في جانب‬

‫النفقات ‪,‬هذا على المدى القصير و المتوسط ‪ ,‬أما على المدى الطويل فهو دعم القاعدة‬

‫اإلنتاجية لمواكبة فائض الطلب الموجود في السوق ‪.‬‬

‫حالة الكساد ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫و هي حالة سلبية يمر ا اإلقتصاد) ككل‪ ,‬و يظهر الكساد في اإلقتصاد) حينما يعاني من حالة إنخفاض‬

‫مستوى) الطلب الكلي و المقترن بعجز تصريف المنتجات‪ ,‬مما يعني أيضا عدم و جود فرص عمل‬

‫كافية و وجود) بطالة بأنواعها‪ ,‬أي أن النشاط يمر بحالة تباطؤ‪ ,21‬و تبدو في االقتصاد المظاهر التالية‪:3‬‬

‫انخفاض حجم الطلب الكلي في االقتصاد الوطني ‪,‬‬ ‫‪-‬‬


‫انخفاض حجم االستثمار الحكومي واالستثمار) الخاص نتيجة انخفاض مستوى الكفاية الحدية‬ ‫‪-‬‬
‫لرأس المال ‪,‬‬

‫ازدياد) معدالت نمو البطالة باستمرار) وانخفاض دخول العمل ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫انخفاض المستوى العام لألسعار وارتفاع القيمة الحقيقية للعملة الوطنية ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫هجرة الرأس المال إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل أو استثمار أفضل ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إن هذه المظاهر) السابقة تتطلب قيام) الحكومة بالبدء بسياسة مالية توسعية تعمل على تالفي تعمق الركود‬

‫و البدء بحركة توسعية تعمل على رفع مستوى) الطلب الكلي ‪.‬‬

‫‪ -2-1‬السياسة المالية في عالج الكساد‪:‬في حالة الكساد تنتهج الدولة بما يسميبالسياسة المالية‬

‫التوسعية‪ ,‬و هذا ما وقع و نادي به اإلقتصادي) كينز في األزمة اإلقتصادية لسنة‬

‫‪1929‬م ‪.‬‬

‫و في هذه الحالة فإن السياسة المالية تستخدم) على النحو األتي‪:4‬‬

‫زيادة مستوى اإلنفاق الحكومي العام‪ ,‬مما يساعد في زيادة مستوي الطلب الكلي ‪,‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪, 1‬ص ‪246.‬‬


‫‪ 2‬خالد واصف الوزني ‪,‬أحمد حسین رفاعي‪ ,‬مبادئ اإلقتصاد‪ ,‬الكلي بین النظریة و التطبیق‪,‬الطبعة الثالثة دار وائل للنشر‪ ,‬سنة‬
‫‪ 3‬هیفاء غدیر غدیر‪,‬السیاسة المالیة و النقدیة و دورها التنموي في اإلقتصاد السوري‪,‬مطابع الهیئة العامة السوریة للكتاب ‪,2010,‬ص‪18‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 4‬خالد واصف الوزني ‪,‬أحمد حسین رفاعي ‪,‬المرجع األسبق‪ ,‬ص‪ , 742-642‬بتصرف‪.‬‬
‫تخفيض الضرائب أو إعطاء إعفاءات ضريبية‪ ,‬مما يؤدي إلى زيادة الميل نحو اإلستثمار‪ ,‬و‬ ‫‪-‬‬
‫إرتفاع دخول األفراد و زيادة القوة الشرائية ‪,‬‬

‫إستخدام مزيج من زيادة اإلنفاق و تخفيض اإليرادات (الضرائب)‪ ,‬بما يخدم هدف إعادة النشاط‬ ‫‪-‬‬
‫إلى زيادة مستوى) طلب الكلي في اإلقتصاد) ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف و محددات السياسة المالية ‪.‬‬

‫العوامل المحددة للسياسة المالية‬ ‫‪-1‬‬


‫يعتمد نجاح السياسة المالية على عدة عوامل إقتصادية و سياسية تكون مواكبة للسياسة المالية في‬

‫تحقيق األهداف المسطرة‪ ,‬و من بين هذه العوامل‪:1‬‬

‫مستوى الوعي الضريبي في البلد ووجود جهاز إداري كفؤ‪ :‬بما أن للضريبة دور كبير‬ ‫‪-1.1‬‬
‫في اإليرادات العامة ألية دولة‪ ,‬وهي تتناسب تناسبا طرديا) مع درجة التقدم االقتصادي للدول‬

‫‪,‬أي من ناحية التحصيل ‪.‬فكلما كان االقتصاد متقدما كانت الحصيلة أوفر) من ناحية الطاقة‬

‫الضريبية‪ ,‬حيث هناك إمكانية فرض ضرائب و إمكانية تحصيل ضرائب كبيرة ‪.‬و تعتمد جميع‬

‫الضرائب في تحصيلها‪ ,‬فضال عن الطاقة الضريبية‪ ,‬على درجة الوعي الضريبي) من جهة‪,‬‬

‫وعلى مستوى) كفاءة الجهاز الذي يقوم على التحصيل‪ ,‬بالتالي فإن مستوى) الوعي الضريبي في‬

‫البلد و وجود جهاز إداري كفؤ عامالن محددان لمدى قدرة السياسة المالية على تحقيق أهدافها‬

‫مدى تقدم المؤسسات العامة و كفاءتها‪ :‬بما أن المؤسسات‬ ‫بالنسبة لالقتصاد) ‪-2-1.‬‬

‫العامة تتولى مسؤولية‬

‫النفقات في مجال اختصاصها‪ ),‬كما يتم تحديدها في الميزانية العامة حسب اختالف تصنيفا ا وتقسيما ا‪,‬‬

‫و بالتالي فإن لمدى تقدم المؤسسات) و كفاء ا دورا في ترجمة الميزانية العامة و إلى ما دف إليه‬

‫‪ 1‬حربي محمد‪ ,‬موسى عریقات ‪,‬مبادئ‪ ,‬االقتصاد الكلي التحلیلي‪ ,‬دار وائل للنشر‪ ,‬ط ‪ 1,‬عمان‪ 6002 , ,‬ص ‪186-187.‬‬
‫السياسة المالية‪ ,‬و عندما يقوم صانعوا) السياسة المالية بتخصيص إنفاق عام لمؤسسة عمومية‪ ,‬و تقوم‬

‫هذه المؤسسة بإنفاقه دون تبديد أو إسراف و في األوجه التي حددت له‪ ,‬فإن ذلك يبين مدى كفاءة‬

‫المؤسسات) العمومية و العكس ‪.‬‬

‫‪ -1.3‬وجود سوق مالي‪ :‬من السياسات التي يتبعها البنك المركزي) للتأثير على األوضاع االقتصادية‬

‫سياسة السوق المفتوحة‪ ,‬و منه فإن وجود) سوق مالي يوفر) أو يفتح مجاال كبيرا أمام واضعي) السياسة‬

‫المالية و النقدية في رسم السياسة المالية المناسبة‪ ,‬و هذا يقودنا إلى أن وجود سوق) مالي منظم في بلد‬

‫معين‪ ,‬يؤدي إلى تحديد و وضع سياسات مالية مالئمة ألهداف السياسة االقتصادية‪ ,‬و ال يمكن اعتماد‬

‫سياسة مالية ناجحة في بلد يوجد فيه سوق) مالي منظم‪ ,‬لتطبيقها في بلد ال يوجد فيه سوق مالي‪ ,‬و‬

‫مباشراً و فعاال في وسائل‬


‫ً‬ ‫تأثيراً‬
‫يستطيع) البنك المركزي باستخدام سياسة السوق المفتوحة أن يؤثر ً‬

‫الدفع المتاحة و المتداولة في االقتصاد‪ ),‬بمعنى التأثير على درجة سيولة سوق) النقد واألسواق األخرى‬

‫(سلع‪ ,‬رأس مال‪ ,‬أصول حقيقية)‪ ,‬و من ثم إمكانية خلق نقود إضافية (داخلية)‪ ,1‬تتضح أهمية سياسة‬

‫السوق) المفتوحة عندما ندرك أن البنك المركزي يستطيع المساهمة في سوق) رأس المال ‪.‬‬

‫‪ -1.4‬وجود جهاز مصرفي قادر على جعل السياسة النقدية في خدمة السياسة المالية‪:‬‬

‫نعني بالجهاز المصرفي البنوك على اختالف أنواعها التجارية المتخصص و المركزية‪ ,‬تمر السياسات‬

‫النقدية و المالية من خالل الجهاز المصرفي‪ ,‬و بالتالي فان اإلطار الذي توضع) فيه هذه السياسة يتحدد‬

‫بقدرة الجهاز المصرفي) و كفاءته‪.2‬‬

‫أهداف اإلقتصادية للسياسة المالية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ 1‬احمد فرید مصطفى‪ ,‬سهیر محمد السید حسن ‪,‬السیاسات النقدیة والبعد الدولي للیورو‪ ,‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ,,‬اإلسكندریة ‪,‬‬
‫‪2000 ,‬ص‪. 06‬‬
‫‪ 2‬مصطفى سلمان وآخرون‪ ,‬مبادئ االقتصاد‪ ,‬الكلي‪ ,‬دار المسیرة للنشر والتوزیع والطباعة‪ ,‬ط ‪ 1,‬عمان‪ , 0002,‬ص‪. 872‬‬
‫كل السياسات الموضوعة من طرف الدولة أو حتى من طرف األفراد‪ ),‬تكون مسطرة لتجسيد هدف‬

‫معين أو مجموعة من األهداف‪ ,‬و على إعتبار أن السياسة المالية هي أحد أهم السياسات اإلقتصادية‬

‫التي تعتمد عليها الدولة‪ ,‬فالغرض منها تحقيق أهداف معينة سواء أكان ذالك على المدى الطويل أو‬

‫المتوسط) أو حتى على المدى القصير‪ ,‬و يمكننا أن نصنف) أهداف هذه السياسة إلى نوعين و هما كما‬

‫يلى‪:‬‬

‫أهداف إقتصادية ‪ :‬و هي عموما تندرج ضمن منظومة أهداف السياسة اإلقتصادية‬ ‫‪-2.1‬‬
‫الكلية‪ ,‬و مما سبق ذكره عن ألية عمل السياسة المالية في معالجة اإلختالالت الموجودة في‬

‫اإلقتصاد من فجوة تضخمية و أخرى إنكماشية‪ ,‬يتبين الهدف اإلقتصادي و المتمثل في تحقيق‬

‫التوازن العام في اإلقتصاد) و العمل عليه و استقرار) اإلنتاج والدخل‪ ,‬استقرار المستوى العام‬

‫لألسعار‪ ,‬رفع معدالت النمو االقتصادي‪ ),‬فالحكومة تتبع سياسة مالية توسعية في فترات الركود‬

‫و سياسة مالية انكماشية في فترات التضخم‪ ,‬و يندرج ضمن األهداف اإلقتصادية أهداف مالية‬

‫و المقصود االستخدام األمثل لموارد) الدولة بالشكل الذي يتالئم و حاجات الخزانة العامة من‬

‫جهة و مصلحة الممول من جهة أخرى‪ ,‬باإلضافة إلى أنه بإمكان السياسة المالية أن تحقق‬

‫موارد) مالية للخزينة العمومية حيث أن أدوات السياسة المالية و المتمثلة في جانب اإليرادات‬

‫تلعب دورا مهما في توفير) الغطاء المالي للمعامالت التي تقوم ا الدولة‪ ,‬و لتسديد إلتراما ا‬

‫الداخلية و الخارجية‪ ,‬فتحصيل الضرائب و االستدانة و أمالك الدولة تعطي الدولة القدرة على‬

‫اإلستمرارية ككيان سياسي و إقتصادي تكرس له القدرة على تمويل برامجه المسطرة‪.‬باإلضافة‬

‫إلى توجيه التنمية اإلقتصادية فالسياسة المالية اآلليات الضرورية إلعطاء توازن في التنمية‬

‫اإلقتصادية و ذالك ضمانا للتنمية الشاملة و المستدامة‪ ,‬فتوجيه األنشطة اإلقتصادية من أقاليم‬

‫أكثر نشاطا) إلى األقاليم التي تعاني نقص من التنمية و بالتالي تعاني من البطالة و النتائج‬
‫السلبية النعدام التنمية‪ ,‬يساهم في خلق التوازن الجهوي بين مختلف مناطق الدولة هذا من‬

‫جهة‪ ,‬و من جهة أخري توجيه المتعاملين اإلقتصادين لإلستثمار) في القطاعات معينة ‪,‬تريد الد‬

‫ولة دعمها لخلق تنوع في اإلقتصاد‪ ),‬و تشجيع القطاعات األكثر ضعفا للنهوض ا و جعلهاأكثر)‬

‫قدرة على المساهمة في التنمية اإلقتصادية الشاملة ‪.‬‬

‫أهداف إجتماعية ‪ :‬و تقوم السياسة المالية بتحقيق األهداف اإلجتماعية عن طريق)‬ ‫‪-2.2‬‬
‫إستخدام) جانب النفقات و ذالك عن طريق) التحويالت لألفراد‪ ),‬أو توفير) الخدمات الضرورية‬

‫للفئات المعنية بالخدمات اإلجتماعية‪ ,‬أو عن طريق جانب اإليرادات و يتمثل ذالك بتخفيف‬

‫العبء الضريبي عن هذه الفئات ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫عالقة السياسة المالية بالسياسة النقدية‬


‫إن الضمان الحقيقي لنجاح أي سياسة إقتصادية هو مدي التكامل الموجود بين أدوا ا ‪,‬فالسياسة‬

‫المالية مرتبطة تمام اإلرتباط) بالعوامل المحيطة ا و السياسات اإلقتصادية األخرى‪ ,‬و خصوصا السياسة‬

‫النقدية‪ ,‬و التي تعد المكملة للسياسة المالية‪ ,‬و ال يمكن ألي سياسة إقتصادية أن تحقق أهدافها دون أن‬

‫يكون هنالك تكامل بين هاذين السياستين ‪ ,‬و سنعرض في هذا المبحث نبذة عن السياسة النقدية و طرق‬

‫تكاملها مع السياسة المالية ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم‪ 9‬السياسة النقدية‬

‫تحتل السياسة النقدية أهمية كبيرة على مستوى السياسات اإلقتصادية‪ ,‬بالنظر للدور المحوري)‬

‫الذي تلعبه لتحقيق أهداف السياسة اإلقتصادية‪ ,‬و تعرف بأ ا مجموعة من القرارات و اإلجراءات التي‬
‫تتخذها الحكومة في ا ال النقدي مباشرة أو عن طريق) المصرف المركزي من أجل التأثير) على النشاط‬

‫اإلقتصادي‪ ,1‬و تعرف كذالك بأ ا إستخدام مجموعة من األدوات التي يستطيع) البنك المركزي من خاللها‬

‫تأثير أو السيطرة على عرض النقد في البالد أو السيطرة و إدارة الحجم اإلئتمان الممنوح وشروطه و‬

‫يأتي ذالك كله في سياق معالجة القضايا اإلقتصادية و اإلختالالت المالية و النقدية من قبيل التضخم و‬

‫البطالة و الركود و غيره‪ ,2‬و يقصد بالسياسة النقدية قيام البنك المركزي) بتغيير كمية النقود في ا تمع‬

‫زيادة و نقصانا وذلك بتأثيره على حجم االئتمان وأسعار) الفائدة عن طريق استخدام أدواته التقليدية‬

‫(أدوات السياسة النقدية) للتأثير على االستثمار و بالتالي على النشاط االقتصادي) في ا تمع‪.3‬‬

‫مما سبق يمكن أن نعرف السياسة النقدية على أ ا مجموعة متكاملة من األدوات و اإلجراءات‬

‫منتهجة من طرف السلطة النقدية (البنك المركزي)) دف التحكم بالكتلقة النقدية و االئتمان في ا تمع‪,‬‬

‫لتحقيق أهداف السياسة اإلقتصادية الكلية ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أدوات السياسة النقدية‬

‫إن الدور األساسي) الذي تلعبه السياسة النقدية يبين مدى التنوع األدوات و الوسائل التي‬

‫تنتهجها هذه السياسة‪ ,‬و ذالك لتحقيق مجموعة من األهداف هي جزء من األهداف السياسة‬

‫اإلقتصادية ككل‪ ,‬و تشمل أدوات السياسة النقدية نوعين من الوسائل‪:‬‬

‫‪ -1‬األدوات المباشرة‪:‬‬

‫و هي مجموعة من التدابير و اإلجراءات تتخذها اإلدارة النقدية في الدولة‪ ,‬و الهدف األساسي) منها‬

‫التأثير على حجم االئتمان الموجه لقطاع أو لقطاعات ما‪ ,‬و تعمل على الحد من حرية ممارسة‬

‫المؤسسات) المالية لبعض األنشطة كما و نوعا‪ ,4‬و يمكن إجمالها في ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬أحمد االشقر ‪,‬اإلقتصاد‪ ,‬الكلي ‪,‬دار الثقافة ‪ ,7002,‬ص‪. 133‬‬


‫‪ 2‬خالد واصف الوزني ‪,‬أحمد حسین رفاعي ‪,‬المرجع األسبق‪ ,‬ص‪.233‬‬

‫‪ 3‬عبد المنعم ارضي ‪,‬النقود و البنوك‪ ,‬مكتبة عین شمس – القاهرة ‪ 8991 .‬ص‪290-291.‬‬
‫‪ 4‬عبد المجید قدي ‪ ,‬مرجع األسبق‪ ,‬ص ‪80.‬‬
‫‪ -1-1‬تأطير القروض‪ :‬و المقصود به أن اإلدارة المعنية بإتخاذ القرار النقدي‪ ,‬و التي تكون جزء من‬

‫منظومة الحكومة‪ ,‬تعمد إلى تقنين في منح القروض بالنسبة للبنوك التجارية‪ ,‬و ذالك بتحديد سقف معين‬

‫موع القروض الممنوحة‪ ,‬و تكون هذه القرارات إلزامية لهذه البنوك و المخالف لمثل هذهالتعليمات يكون‬

‫محل عقوبات تفرض عليه من طرف السلطات المعنية‪ ,‬و يكون هذا اإلجراء إما لتحديد العرض النقدي‬

‫في السوق أو لتحويل التمويل من قطاع إلى أخر ‪.‬‬

‫‪ -1-2‬الودائع إلزامية لإلستراد‪ :‬و هي حصص مالية تفرضها السلطة النقدية على المستوردين في‬

‫شكل ودائع‪ ,‬مما يدفع المستوردين إلى طلب قروض من البنوك التجارية‪ ,‬فيصبح بذالك جزء من‬

‫األموال البنكية مقيدة‪ ,‬و ذالك بعدم إستخدامها) في األنشطة اإلقتصادية األخرى‪,‬و) هذه من الطرق التي‬

‫تنتهجها السلطات النقدية للتحكم في للكتلة النقدية في السوق ‪.‬‬

‫‪ -1-3‬البنك المركزي كمتعامل إقتصادي‪ :‬و هو دخول البنك المركزي على خط التمويل في‬

‫اإلقتصاد‪ ,‬لعدة أسباب منها‪:‬‬

‫كونه في حالة تقديم قروض في األنشطة اإلقتصادية‪ ,‬فهو في نفس الوقت يجد آلية للتحكم‬ ‫‪-‬‬
‫في الكتلة النقدية‪ ,‬و ذالك بضخ حصة زائدة في السوق ‪.‬‬

‫إن تقديم البنك المركزي لمثل هذه القروض يعد دفعة للتنمية اإلقتصادية‪ ,‬حيث أن معضم‬ ‫‪-‬‬
‫القروض المقدمة في هذه الحالة تتعلق بالمشاريع) التي يعجز عنها باقي البنوك التجارية ‪.‬‬

‫األدوات الغير مباشرة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫إن األدوات الغير مباشرة تعتمد على السوق في التأثير على الكتلة النقدية و نذكر منها‪:‬‬

‫اإلحتياط القانوني‪ :‬و المقصود به أن البنك المركزي) على البنوك التجارية نسبة معينة‬ ‫‪-2.1‬‬
‫كإحتياط) لدى البنك المركزي) في شكل ودائع‪ ,‬و يصبح البنك المركزي) يتحكم ذه النسبة زيادة و‬
‫انخفاضا و ذالك بحسب الوضعية النقدية في السوق‪ ,‬و الهدف كذالك من هذا اإلجراء إطالق يد‬

‫البنوك التجارية في اإلقراض بتخفيض نسبة االحتياط‪ ),‬في حالة إحتياج السوق) لكتلة نقدية‬

‫إظافية‪ ,‬و العكس في حالة وجود تضحم) نقدي في السوق ‪.‬‬

‫سعر إعادة الخصم ‪ :‬يعرف سعر إعادة الخصم (ويسمى أيضا سعر البنك) بأنه عبارة‬ ‫‪-2.2‬‬
‫عن سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك المركزي) من البنوك التجارية عند قيامه بإعادة خصم ما‬

‫أيضا سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك المركزي على القروض‬


‫تقدمه له من السندات‪ ,‬كما يمثل ً‬

‫التي ِّ‬
‫يقد مها للبنوكالتجارية‪.1‬‬

‫من معلوم) أ َن البنك المركزي) يستعمل أداة سعر إعادة الخصم كوسيلة للتحكم في حجم اإلئتمان ‪,‬بحيث‬

‫التجاري ة‬
‫َّ‬ ‫التجاري ة إلى إعادة خصم أوراقها)‬
‫َّ‬ ‫التضخم ليقلل من لجوء البنوك‬
‫ُ‬ ‫يرفعه في حاالت‬

‫لديه أو اإلقتراض منه‪ ,‬مما يجعلها ترفع من سعر إقراضها وخصمها للجمهور‪ ,‬و في حاالت الكساد و‬

‫اإلنكماش ِّ يخفضه البنك المركزي) طلبا للتأثير) العكسي‪.2‬‬

‫سياس ة الس وق المفتوح ة ‪ :‬ي دخل البن ك المرك زي للس وق المالي ة كب ائع و‬ ‫‪-2.3‬‬
‫مش تري ل ألوراق المالي ة م ع جمي ع اإلط راف الفاعل ة في الس وق ‪ ,‬ف إذا كان ت‬

‫ترغ ب في زي ادة الس يولة تح ت ظ رف في ه االقتص اد يع اني م ن حال ة الرك ود ف‬

‫إن البن ك المرك زي ي دخل كمش تري ل ألوراق) المالي ة ‪ ,‬و تقلي ل الس يولة يعتم د عل‬

‫ى دخول ه كب ائع م ن أج ل امتص اص ق در معـين م ن الكتل ة النقدية و التي ستنعكس‬

‫على سعر الفائدة بارتفاعها من طرف البنوك التجارية ‪.‬‬

‫‪ 1‬مروان عطون ‪ ,‬أسعار صرف العمالت؛ أزمات العمالت في العالقات النقدیة الدولیة‪ ,‬دار الهدى‪ ,‬عین ملیلة‪ ,‬الج ازئر ‪1992,‬‬
‫‪,‬ص ‪43.‬‬
‫‪ 2‬سلیمان الناصر‪ ,‬عالقة البنوك اإلسالمیة بالبنوك‪ ,‬المركزیة‪ ,‬رسالة دكتواره‪ ,‬جامعة الج ازئر‪ 5002 ,‬ص‪72.‬‬
‫إن عملي ة الش راء األوراق المالي ة م ن البن وك و الوح دات االقتص ادية يش كل زي ادة في كمي‬

‫ة النق ود المتداول ة و احتياط ات البن وك و ال تي ب دورها ستس اعد البن وك عل ى التوس ع في‬

‫اإلق راض ‪ ,‬و حاالت هذا التدخل تكون خصوصا عندما يعاني االقتصاد) نقص في السيولة ‪.‬‬

‫و في حالت ه كب ائع فإن ه يس تهدف امتص اص ج زء م ن الكتل ة النقدي ة ‪ ,‬فتأخ ذ احتياط ات‬

‫البن وك التجاري ة في النقص ان و ه ذا ي ؤدي إلى نق ص في الع رض النق دي إلى إض عاف‬

‫مق درة البن وك عل ى اإلق راض ‪ ,‬و ك ذا ارتف اع تكلف ة اإلق راض ممثل ة بارتف) اع س عر‬

‫الفائ دة ‪ ,‬و ع ادة م ا تنتهج هذه السياسة في حالة تضخم يصيب اإلقتصاد ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬إدارة السياسة النقدية‬

‫إن توجيه السياسة النقدية يرجع أساسا إلي البنك المركزي) و هو المخول قانونا) إلتخاذ اإلجراءات‬

‫الالزمة و المتعلقة بالجانب النقدي و ذالك وفقا للسياسة العامة للحكومة‪ ,‬يعرف دليل اإلحصاءات النقدية‬

‫و المصرفية لسنة ‪1984‬م السلطة النقدية على أ ا تقوم بمهام عديدة‪ ,‬بوصفها) الجهة المسؤولة عن‬

‫اإلصدار) العملة تقوم السلطات النقدية بتزويد) اإلقتصاد) بأوراق) النقدية و عمالت المعدنية‪ ,‬يتم تداولها)‬

‫بحرية كوسيلة دفع معترف) ا‪ ,‬و بوصفها) الجهة الحائزة لإلحتياطات الدولية باإلقتصاد) فإن السلطات‬

‫النقدية مستعدة لقبول أو توفير) النقد األجنبي مقابل عمال ا ألغراض ميزان المدفوعات‪ ,‬و إن تم ذالك‬

‫أحيانا في ظل قيود‪ ,‬أو إلجراء تعديالت بسعر الصرف العملة الوطنية‪ ,‬ويتطلب اإلشراف) على النظام‬

‫المالي قيام) السلطات النقدية بتحديد) المستويات المالئمة للسيولة اإلقتصاد) المحلي و لدى البنوك أيضا‪,‬‬

‫وبالتأثير على تطور األصول و الخصوم) للمؤسسات) المالية تبعا لذالك‪ ,‬و بوصفها الوكيل المالي األصلي‬
‫للحكومة المركزية‪ ,‬تختص السلطات النقدية بدعم معامالت الحكومة بتوفير اإلئتمان‪ ,‬بما يتفق و القيود‬

‫القانونية و بإمتصاص فائض أموال الحكومة‪.1‬‬

‫البنك المزكزي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫يعرف البنك المركزي بأنه مؤسسة مركزية نقدية تقوم بوظيفة بنك البنوك‪ ,‬و وكيل مالي للحكومة‪ ,‬و‬

‫مسؤول) عن إدارة النظام النقدي في الدولة‪ ,‬و باختصار يأتي البنك المركزي على رأس المؤسسة‬

‫المصرفية في البالد‪ ,‬و عالوة على ذلك ما عدا بعض اإلستثناءات‪ ,2‬يجب أن ال يقوم البنك المركزي‬

‫بتلك األعمال التي تقوم ا البنوك التجارية في تعاملها مع أفراد ا تمع‪,3‬و يعرف كذالك بأنه تلك المؤسسة‬

‫التي تقف على قمة النظام المصرفي في الدولة‪ ,‬و تتولى اإلصدار أوراق النقد و الرقابة على المصارف‬

‫األخرى و الرقابة على اإلئتمان و تنظيمه لخدمة المصلحة العامة‪.4‬‬

‫إستقاللية البنك المركزي‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫إن مدى إستقاللية البنك المركزي مؤشر على نجاعة السياسة النقدية‪ ,‬فالتبعية لمؤسسات) حكومية أخري‬

‫يقيد وضع سياسة نقدية أكثر كفاءة و تستجيب لمتطلبات السوق‪ ),‬يعد هذا الموضوع) من أهم وأكثر‬

‫المواضيع) التي حظيت بأهمية كبيرة في الدراسات االقتصادية السيما بالنظر) للدور الكبير الذي يمارسه‬

‫البنك المركزي) في تحقيق االستقرار) النقدي ‪ ,‬و الجدير بالذكر بأن الدعوات إستقاللية البنك المركزي‬

‫سائدا في بريطانيا ‪ ,‬فمنذ سنة ‪1997‬م أسندت مهام إدارة‬


‫حديثة العهد نسبيا‪ ,‬فعلى سبيل المثال ما كان ً‬

‫النقدي ة إلى بنك إنجلترا بشكل مستقل حيث كان بنك إنجلترا يكتفي بوضع اإلطار العام للسياسة‬
‫َّ‬ ‫السياسة‬

‫‪ 1‬عبد المجید قدي ‪ ,‬مرجع األسبق‪ ,‬ص ‪91-92.‬‬


‫‪ 2‬المقصود باإلستثناءات‪ F‬بعض األلیات التي ینتهجها البنك المركزي للتحكم في اإلئتمان و تفعیل السیاسة النقدیة المسطرة في اإلقتصاد ‪.‬‬
‫‪ 3‬ضیاء مجید الموسوي ‪,‬االقتصاد النقدي‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬الج ازئر‪ ,3991 ,‬ص‪244. :‬‬
‫‪ 4‬محمود حسن صوان ‪,‬أساسیات العمل المصرفي اإلسالمي‪ ,‬دار وائل للنشر‪ ,‬الطبعة الثانیة ‪ ,8002‬ص‪. 65‬‬
‫النقدية السنوية ضمن ما يعرف باإلستراتيجية المالية متوسطة األجل التي يتم اإلعالن عنها سنويا من‬

‫قبل وزارة الخزانة في نفس الوقت التي يتم فيه اإلعالن عن الموازنة العامة‪.1‬‬

‫من بين أهم المعاير التي تدل على إستقاللية البنك المركزي) نذكر ما يلى‪:2‬‬

‫سلطة و حرية البنك المركزي في وضع و تنفيذ السياسة النقدية و مدى التدخل ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدى التزام البنك المركزي) بمنح التسهيالت االئتمانية للحكومة‪ ,‬تكون البنوك المركزية أكثر‬ ‫‪-‬‬
‫استقاللية عندما تزيد من فرض القيود المحددة على تقديم اإلقراض العام للقطاعات‬

‫الحكومية ‪,‬‬

‫سلطة الحكومة في تعيين و عزل محافظ البنك المركزي) و أعضاء مجالس إدار ا و مؤسستها)‬ ‫‪-‬‬
‫و مدة واليتهم) و معدل استقرارهم في وظائفهم ‪,‬‬

‫دور ممثلي الحكومة في البنك المركزي‪ ,‬حيث تختلف درجة استقاللية البنوك المركزية من‬ ‫‪-‬‬
‫ناحية عدد أعضاء مجلس اإلدارة ممن يمثلون الحكومة في البنك المركزي‪ ),‬فكلما انخفضت‬

‫نسبة أعضاء الحكومة الممثلين في مجلس إدارة البنك في أنه يكون أكثر استقالال ‪ -,‬سلطة‬

‫الحكومة بشأن ميزانية البنك المركزي) (االستقالل المالي) ‪,‬‬

‫تحديد األهداف ‪ ,‬يكون البنك المركزي أكثر استقاللية عندما يحدد القانون مهامه بعدد محدد‬ ‫‪-‬‬
‫من األهداف‪ ,‬فعندما) يكون الهدف األساسي للبنك المركزي هو تحقيق استقرار المستوى) العام‬

‫لألسعار فأن مسؤولية السياسة النقدية تنحصر في البنك المركزي بالمحافظة على استقرار‬

‫المستوى العام لألسعار ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف السياسة النقدية ‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد المجید قدي‪ ,‬مرجع األسبق‪ ,‬ص ‪. 85-75‬‬


‫‪ 2‬خلف محمد حمد الجبوري ‪,‬مجلة تكریت للعلوم اإلداریة واالقتصادیة ‪ /‬العدد ‪ /32‬المجلد‪.1102/ 7‬‬
‫تعد أهداف السياسة النقدية جزء من األهداف الكلية للسياسة اإلقتصادية ‪ ,‬و نذكر من بين أهم أهدافها‪:3‬‬

‫دف السياسة النقدية إلى التأثير في عرض النقود وفـي معـدالت نموها‪ ,‬وذلك دف التأثير في‬ ‫‪-‬‬
‫النشاط االقتصادي‪ ,‬فزيادة معدل نمو العرض النقدي يؤدي إلى زيادة حجم النقود المتداولة‬

‫لدى الجمهور وهذا يخلق فائضاً في الطلب على السلع والخدمات بالنسبة للعـرض المتاح‬

‫منها‪ ,‬وتكون النتيجة زيادة الضغوط التضخمية أما إذا كـان معدل نمو العرض النقدي‬

‫‪,‬بطيئاً‪ ,‬فيؤدي ذلك إلى هبوط في الـدخل النقدي‪ ,‬وبالتالي) تقليل اإلنفاق على السلع والخدمات‬

‫أي انخفاض في مستوى) الطلب الكلي و بالتالي تراجع مستويات) التنميـة والتـشغيل‪ ,‬وهنا يأتي‬

‫دور السياسة النقدية للتأثير في عرض النقود لمعالجة هذه الفجوة التضخمية و االنكماشية ‪,‬‬

‫كما دف السياسة النقدية إلى تحقيق مستوى مقبول من االسـتقرار النقدي واالقتصادي) ‪,‬وذلك‬ ‫‪-‬‬
‫من خالل تجنب العوامل المؤثرة في قيمة العملة الوطنية داخلياً وخارجياً) والتي تنـشأ عـن‬

‫التغيـرات فـي المستوى) العام لألسعار‪ ,‬والمساهمة في تحقيق معدالت نمو اقتصادية مناسبة في‬

‫القطاعات االقتصادية المختلفة‪ ,‬بما يحقق زيادة في حجم الدخل القومي و نمو اإلنتاج‬

‫المحلي ‪,‬‬

‫دف إلى تطوير المؤسسات المالية والمصرفية‪ ,‬واألسـواق) التـي تتعامل معها هذه المؤسسات‬ ‫‪-‬‬
‫(السوق) المالي والسوق) النقـدي) بمـا يخدم تطوير) االقتصاد الوطني) ‪,‬‬

‫تساهم في تسريع) عملية التنمية االقتصادية‪ ,‬وذلك بتـوفير المنـاخ المناسب لتنفيذ مشاريع‬ ‫‪-‬‬
‫وبرامج التنمية االقتصادية واالجتماعية فـي البلدان النامية ‪,‬‬

‫المساهمة في تحقيق التوازن المطلوب في ميزان المدفوعات ‪,‬‬ ‫‪-‬‬


‫مراقبة توزيع االئتمان ‪,‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 3‬هیفاء غدیر غدیر ‪,‬المرجع األسبق‪ ,‬ص ‪34-35.‬‬


‫الرقابة المصرفية لدعم مسيرة التنمية ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫دف السياسة النقدية إلى تحقيق االستقرار االقتصادي) و تخفيف حدة التقلبات االقتصادية عن‬ ‫‪-‬‬
‫طريق اإلبقاء علـى مـستويات) اإلنفـاق الكلـي الالزمة لتحقيق أكبر قدر من التشغيل و بأقل‬

‫ارتفاع ممكن فـي األسـعار‪ ,‬و ذلك من خالل التدابير التي تتخذها السلطات النقدية للتأثير في‬

‫حجم اإلئتمان و كلفته بحسب طبيعة الوضع االقتصادي) السائد تضخم أو ركود ‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪:‬العالقة بين السياسة المالية و السياسة النقدية ‪.‬‬

‫إن الخالف بين اإلقتصاديين حول ما هي األنجع بين السياستين‪ ,‬لم يعد جدال كبيرا حيث أجمع‬

‫اإلقتصادين على ضرورة التكامل بين السياستين و التنسيق األمثل بينهما لما ينتج عنه من تحقيق‬

‫األهداف المسطرة في السياسة اإلقتصادية ككل‪ ,‬فضرورة التفاعل و التكامل بين مختلف السياسات‬

‫حتمية إقتصادية‪ ,‬و ال يتأتي فعالية كل سياسة على حدي‪ ,‬و المالحظ إن تطبيق) السياسة المالية والنقدية‬

‫يبقى في كثير من البالد النامية يعاني من وجود معوقات تحول دون ارتقاءها إلى المستوى) المطلوب‪,‬‬

‫هذا بالرغم من اإلصالحات التي تبنتها هذه الدول على أكثر من صعيد فالسياسة المالية تبقى األداة‬

‫األكثر استخداما لتعبئة الموارد لتمويل التنمية ‪.‬‬

‫التكامل بين السياستين المالية والنقدية لتحقيق مستوى التشغيل الكامل‪:1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إن سعي الدولة للوصول) إلى اإلستخدام الكامل و معالجة اإلختالالت في اإلقتصاد‪ ),‬يدفع ا إلى البحث‬

‫عن السياسة األمثل لتحقيق هذه األهداف‪ ,‬و المالحظ أن كال من السياستين النقدية و المالية تعمل بألية‬

‫مختلفة عن األخرى فالسياسة النقدية تعمل عن طريق تخفيض معدل الفائدة و تشجع اإلستثمار) بصورة‬

‫عامة‪ ,‬أما السياسة المالية فإ ا تشجع التوسع في إنتاج السلع و الخدمات و السيما السلع و الخدمات التي‬

‫‪ 1‬أحمد االشقر ‪,‬المرجع األسبق‪ ,‬ص‪. 443‬‬


‫تظهر الحكومة طلبا إضافيا عليها‪ ,‬و يكون ذالك عن طريق زيادة اإلنفاق الحكومي) أو عن طريق‬

‫تخفيض الضرائب أو عن طريق زيادة المساعدات للمنتجين الشكل رقم (‪ )10‬منحنى ‪ML-SI‬‬

‫‪C‬‬ ‫‪LM‬‬ ‫‪2i‬‬

‫‪A‬‬
‫‪0i‬‬
‫‪B‬‬ ‫‪IS‬‬
‫‪1i‬‬

‫‪Y0‬‬ ‫*‪Y‬‬ ‫المصدر) ‪ :‬من إعداد الباحث‬

‫إن السعي إلى السياسة األكثر نجاعة للوصول من مستوى) التشغيل ‪ Y 0‬كما هو مبين في الشكل‬ ‫‪Y‬‬

‫رقم)‪ (01‬إلى مستوى) التشغيل الكامل *‪ , Y‬و من النقطة التوازنية ‪ A‬إلى النقطة التوازنية ‪C‬أو ‪B ,‬‬

‫تظل اإلجابة على هذا السؤال ذات طابع سياسي‪ ,1‬لكن عند إفتراض أن التوازن عند النقطة ‪ A‬و هو‬

‫دون التشغيل الكامل * ‪ , Y‬ففي هذه الحالة يكون تأثير السياسة المالية بإستخدام أدوا ا عن طرق الرفع‬

‫من اإلنتاج التوازني‪ ),‬و يكون متمثال في إنتقال منحنى الطلب الكلي إلى جهة اليمين‪ ,‬إما عن طريق‬

‫زيادة اإلنفاق أو عن طريق تخفيض الضرائب‪ ,‬و تؤدي) كال من هذين‬

‫السياستين‪)T‬و (‪G‬إلى زيادة اإلنفاق اإلستهالكي و من تم إنتقال منحنى‪ 0SI‬إلى ‪ , SI 1‬و بذالك ينتقل‬

‫‪0‬‬ ‫مستوى) اإلنتاج التوازني) إلى ‪ , Y 1‬و تتمثل زيادة في الناتج التوازني) عند ثبات مستوى) العام لألسعار)‬

‫‪ P‬في إنتقال منحنى الطلب الكلى نحو اليمين ‪.‬‬

‫التكامل بين السياستين المالية والنقدية لتحقيق استقرار المستوى العام لألسعار‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ 1‬أحمد االشقر ‪,‬المرجع األسبق‪ ,‬ص‪.543‬‬


‫أما إذا كان االقتصاد) يعاني من حالة التضخم فتسعى السلطات الماليـة والنقديـة لتحقيـق استقرار‬

‫المستوى) العام لألسعار‪ ,‬فتقوم بإجراءات لمعالجة هذا اإلختالل‪ ,‬حيث تقوم بما يلي‪:1‬‬

‫تقوم السلطات المالية برفع نسبة الضرائب المفروضة على دخول المستهلكين و المنتجين‪ ,‬كما‬ ‫‪-‬‬
‫تقوم بتخفيض حجم اإلنفاق العام مما يؤدي إلى تراجع حجم الطلب الكلـي االسـتهالكي) و االستثماري‬

‫فتنخفض مستويات) األسعار ‪.‬‬

‫أما السلطات النقدية فتقوم برفع سعر إعادة الخصم و رفع نسبة االحتياطي القـانوني) فيقل‬ ‫‪-‬‬
‫المعروض النقدي وترتفع أسعار الفائدة ‪ ,‬مما يقلل من حجم الطلب الفعلي وتنخفض األسعار‪ ,‬فإذا لم‬

‫تكف هذه اإلجراءات للحد من ظاهرة التضخم تدخل البنك المركزي باستخدام األدوات المباش رة لتحقيق‬

‫ذلك كما سبق ‪.‬‬

‫أما اإلجراءات المشتركة بين السياستين فتتمثل في طلب السلطات المالية مـن البنـك المركزي) بيع‬ ‫‪-‬‬
‫األوراق) المالية الحكومية التي لديه دف سحب جزء من المعروض النقدي ‪ ,‬ويـؤدي ذلك إلى تخفيض‬

‫الكتلة النقدية المتداولة بنسبة أكبر نظرا إلضعاف) قدرة البنوك التجاريـة علـى اشتقاق نقود الودائع بسبب‬

‫سحب المبالغ المقابلة لشراء هذه األوراق) المالية ‪.‬‬

‫لذلك ال بد من التأكيد على ضرورة التكامل والتنسيق) بين اإلجراءات المتخذة من قبل السياسة‬

‫المالية والسياسة النقدية للوصول) إلى الهدف المطلوب في تحقيق التوازن بين العرض الكلي والطلب‬

‫الكلي على السلع والخدمات ‪.‬‬

‫خالصة الفصل‪:‬‬

‫إن السياسة االقتصادية بوسائلها المختلفة في ظل اقتصاد السوق وا يار مفهوم الدولة‬

‫الحارسة‪ ,‬وكذا قانون " اليد الخفية في تحقيق التوازن " جعل من تدخل الدولة من األولويات في الحياة‬
‫‪ 1‬جمال بن دعاس ‪ ,‬التكامل الوظیفي بین السیاستین النقدیة والمالیة ‪,‬رسالة دكتواره‪ ,‬جامعة الحاج لخضر ـ باتنة ـ‪2010‬م‪,‬ص‬
‫‪. 991-891‬‬
‫االقتصادية من أجل الحفاظ على الم ؤشرات االقتصادية المتعددة سواء كانت خارجية أو داخلية ‪ ,‬إن‬

‫تعدد هذه المؤشرات يتطلب وجود) سياسة اقتصادية قوية مدروسة مبنية على معطيات علمية اقتصادية‬

‫من أجل ضمان التوازن لالقتصاد) ككل‪ ,‬أنتاج ‪ ,‬استثمار ‪ ,‬تضخم ‪ ,‬بطالة ‪ ,‬صادرات‪ ,‬واردات ‪ ,‬سعر‬

‫الصرف) ‪ ,‬أجور) ‪ ,‬ميزان المدفوعات ‪ ,‬ميزات تجاري ‪ ,‬أسعار فائدة ‪ ,‬كتلة نقدية ‪ ,‬عمالة ‪ ,‬كساد ‪,‬‬

‫احتياطات ‪ ,‬نمو اقتصادي ‪ ,‬كل هذه المؤشرات ال توحي إال بشيء واحد أنه يجب أن تتضافر جملة من‬

‫السياسات ممثلة بالسياسة االقتصادية الكلية من اجل ضمان إتزا ا و تحقيق معدالت إيجابية ا‪ ,‬فاإلعتماد‬

‫على سياسة واحدة دون األخرى ال تؤدي إلى النتائج المرجوة ‪.‬‬

You might also like