You are on page 1of 2

‫قضية اللفظ والمعنى عند ابن قتيبة‬

‫مقدمة‬
‫تعد مسألة اللفظ والمعنى من المسائل الكبيرة التي شـغلت النقـاد القـدماء ‪ ،‬فقـد قـام جـدال بيـنهم فـي تحديـد مصطلح كل‬
‫منهمـا فـي إعطـاء الـنص األدبـي قيمتـه الفنيـة ‪ ،‬ومـن ثـم فـي تقـويم شخـصية كـل منهمـا فـي الريـادة واألولويـة ‪ .‬ولعـل‬
‫المحفـز لهـذا الجـدال هـو اإلعجـاز ا لقرانـي ‪ ،‬أو فكـرة اإلعجـاز فـي القـران وارتبـاط الفكـر النقـدي ‪ ،‬فكـانً النـزاع‬
‫محتـدما فـي أي منهمـا يكمـن االعجـاز ‪ ،‬فـي اللفـظ إسـالمياً والبالغـي بمـضامينها بوصـفه عربيـا وتأليفه ‪ ،‬أو في المعنى‬
‫وداللته أو بهما معا أم‪ ،‬بالعالقة المتولدة بينهما؟ ويمكن حصر أبعاد هذه القضية والجدل فيها‬

‫أربعة مباحث‬

‫المبحث األول ‪ :‬تفضيل األلفاظ ‪ :‬ويتمثل بالجاحظ( ت ‪ ( )٢٥٥‬هـ وابي هالل العسكري ت( ‪٣٩٥‬هـ)‬

‫المبحـــث الثـــاني الجمـــع بـــين اللفـــظ والمعنـــى ‪ :‬ويتمثـــل بـــابن قتيبـــة ت( ‪ ، ( )٢٧٦‬هــــ وقدامـــة بـــن جعفـــر ‪.‬‬
‫ت ‪٣٣٧‬هــ)‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬وحدة اللفظ والمعنى ‪ :‬ويتمثل بابن رشيق القيرواني ت( ‪ ) ٤١٤‬هـ وابن االثير ت( ‪ ، ٦٣٧‬هـ) حيث‬
‫انهما لم يفصال بين اللفظ والمعنى‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬العالقة القائمة بين اللفظ والمعنى ‪ :‬ويتمثل بعبد القاهر الجرجاني ت( ‪٤٧١‬هـ)‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الجمع بين اللفظ والمعنىُّ ذهــب جماعــٌة مــن النقــاد وفــي مقــدمتهم ابــن قتيبــة‬

‫إلــى القــول بــالجمع بــين اللفــظً والمعنى مقياسا في البالغة ‪ ً،‬وميزانا للقيمـة الفنيـة ‪ ً،‬فـرأى ان الـشعر يـسمو بـسموهما‬
‫ويـنخفض تبعـا لهما ‪ ،‬وقد قسم الشعر إلى أربعة أ ضرب‬

‫ــ ضرب حسن لفظه وجاد معناه ‪1‬‬

‫ــ ضرب منه حسن لفظه وحال ‪ ،‬فإذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى ‪2‬‬

‫ــ ضرب منه جاد معناه ‪ ،‬وقصرت ألفاظ ‪3‬‬

‫ــ ضرب منه تأخر معناه ‪ ،‬وتأخر لفظ ‪4‬‬

‫فاللفظ والمعنى دعن ابن قتيبه يتعرضان اعـمً للجـودة والقـبح ‪ ،‬وال مزيـة ألحـدهما علـى األخـر ‪ ،‬وال استئثار باألولوية‬
‫ألحد القسيمين ‪ ،‬فقد يكون اللفظ حسنًا وكذلك المعنى‪ ،‬وق سيتد اويان في القـبح وقد يفترقان‬

‫ولـم يعـدم ابـن قتيبـة المـوافقين لـه علـى رأيـه ‪ ،‬وفيـه مـن الوجاهـة مـا يدعمـه ‪ ،‬فقـد سـار علـى منهاجـه قدامـة بـن‬
‫جعفـر فـي نقـد الـشعر وتحـدث عـن اللفـظ والمعنى ‪ ،‬وجعلهمـا قـسيمين فـي تحمـل مظاهر القبح ومالمح الجودة فيما أورده‬
‫من راء في عيوب األلفاظ والمعاني ‪ٕ.‬واذاً ‪ ،‬فإننـا يمكـن ان نخالفـه فـي وافقنـا ابن قتيبـة فـي تقر يـر الموضـوع األصـل‬
‫وهـو سـليم جـدا تطبيق الحكم على النماذج التي اختارها دليًال على صحة دع هاو ‪ .‬وال سيما في الضرب الثاني الذي حسن‬
‫لفظه وقصر معنا ‪،‬ه ‪ ،‬فإنه يستتشهد بهذا األبيات‬

‫ومسح باالزكان من هو ماسح‬ ‫ولما قضينا من منى كل حاجة‬

‫ولم ينظر الغادي الذي هو رائح‬ ‫وشدت على حدب المهاي رحلنا‬

‫سألت باعناق المطي االباطح‬ ‫اخذنا باطراف االحاديث بينننا‬

‫ثــم يعقــب عليهــا ناقــدا ومعلقــًا بقولــه هذه األلفــاظ كمــا تــرى أحــسن شــ يء مخــارج ثــم يعقــب عليهــا ناقــداَ ‬
‫ومطــالع ومقاطعَ ‪ ،‬وان نظرت إلى ما تحتها من المعنى وجدته ‪ :‬ولما قطعنـا أيـام منـىَ ‪ ،‬واسـتلمنا األركـان ‪ ِ،‬وعالينا إبلنا‬
‫األنضاءَ موضى الناس ال ينتظر الغادي لـرا ئح ‪ ،‬ابتـدأنا فـي الحـديث وسـارت المطـيّ في االبطح فـابن قتيبـة يحكـم علـى‬
‫سـذاجة المعنـى ‪ ،‬ويـدعي فـي األلفـاظ سـلس العبـارة ‪ ،‬وجـودة المخـارج ‪ ،‬وحسن المقاطع ‪ ،‬ولكننا يمكن ان نخالفه في‬

‫موضعين األول ‪ :‬اعتبار األلفاظ في سـياقها جيـدة المخـارج والمقـاطع والمطـالع ‪ ،‬وقـد يكـون بعـضها كمـا رأى ‪ ،‬ولكن اقل‬
‫ما يؤخذ على هذه األلفاظ توالي حروف الحلق في حاءاتها وهاءاتهـا والعـين والغـين مما يمنع جريانها في النطق وانصبابها في‬
‫التحدث إال بتكلـف ‪ ،‬وهـي علـى وجـه الـضبط ‪ :‬حاجـة ‪ ،‬ومــسح و هــو ‪ ،‬ماســح ‪ ،‬علــى ‪ ،‬حــدب ‪ ،‬المهــارى ‪ ،‬رحالنــا ‪،‬‬
‫الغــادي ‪ ،‬هــو ر‪ ،‬ائــح ‪ ،‬األحاديــث ‪ ،‬اعنـاق ‪ ،‬االبـاطح وذلـك ؛ ألن كثـرة تـوالي حـروف الحلـق وازدحامهـا فـي الكـالم‬
‫تـؤدي إلـى خلـل فـي الفـصاحة وهـو مـا عـُ رف عنـد البالغيـين بالتنـافر ‪ ،‬ويـضربون علـى ذلـك مـثال بقـول العربـي "‬
‫تركتهـا ترعى الهعخع‬

‫الثاني إن المعـاني التـي عابهـا ‪ ،‬ونثرهـا نثـرا ال حاجـة إلـى بيـان مـا اشـتملت عليـه مـن رقـة وزهـو وسالسـة والسـيما فـي‬
‫البيـت الثالـث منهـا ‪ .‬ويكفـي ان احيلـك علـى عبـد القـاهر الجرجـاني فـي كشف جمالها وبيان روعتها ‪ ،‬فقد تناولها بالتعليق في‬
‫قوله ‪ :‬إن أول مـا يتلقـاك مـن محاسـن هـذا الشعر أنه قال ‪( :‬ولما قضينا من منى كل حاجة) فعبـر عـن قـضاء المناسـك‬
‫باجمعهـا والخـروج مـن فروضها وسننها من طريق أمكنه أن يقصر معهّ اللفظ وهو طريقة العمـوم ثـم نبـه بقولـه ومـسح‬
‫سح باألركــان مــن هــو ماســح) علــى طــواف الــوداع الــذي هــو آخــر األمــر ‪ ،‬ودليــل المــسير الــذي هــو مقصوده مـن‬
‫الـشعر ‪ ،‬ثـم قـال (أخـذنا بـأطراف األحاديـث بيننـا) فوصـل بـذكر مـسح األركـان مـا وليـه من زمّ الركاب وركوب الركبان ‪،‬‬
‫ثم دل بلفظة (األطـراف) علـى الـصفة التـي يخـتص بهـا الرفـاق فـي الــسفر مــن التــصرف فــي فنــون القــول وشــجون‬
‫الحــديث ‪ ،‬أو مــا هــو عــادة المتطــوفين مــن اإلشــارة والتلـويح والرمـز واإليمـاء ‪ ،‬وأنبـأ بـذلك عـن طيـب النفـوس ‪ ،‬وقـوة‬
‫النـشاط ‪ ،‬وفـضل االغتبـاط‪ ،‬كمـا توجبه إلفة األصـحاب ‪ ،‬وَأنـسة األحبـاب ‪ ،‬وكيـف يليـق بحـال مـن وُ فـقّ لقـضاء العبـادة‬
‫الـشريفة ورجـا سن اإليـابح ‪ ...‬ثـم زان ذلـك كلـه باسـتعارة لطيفـة طبـِ ق بهـا مفـصل التـشبيه‪ ...‬فـصَر حً أوال بمـا أومـأ إليه‬
‫في األخذ بأطراف األحاديث من أنهم تنازعوا أحاديثهم على ظهور الرواحل ‪ ،‬وفي حالة التوجـه إلى المنازل وأخبر بعد ذلك‬
‫بسرعة السير‪ ،‬ووطـأة الظهـر‪ ،‬إذ جعـل سالسـة سـيرها بهـم كالمـاء تـسيل‬

‫فما رأيناه في األلفاظ ‪ ،‬وما قرره عبد القـاهر للمعـاني ‪ ،‬كـان سـبب مخالفتنـا لمـا ذهـب إليـه ابـن قتيبة في التطبيق ‪ ،‬وموافقتنا‬
‫له في الحكم وعموم األصل‬

‫وتم بحمد هللا‬

You might also like