Professional Documents
Culture Documents
الغضب والإضطراب
الغضب والإضطراب
مقدمة
فى هذه الورقة البحثية نشرح تأثير الغضب واإلضطراب على حياة اإلنسان ،وكيف يمكن السيطرة
الغضب واإلضطراب
إن الغضب المصحوب باإلضطراب واألذى أصبح من سمات العصر الحديث ،وإرتبط هذا النوع
من الغضب باإلهانات اللفظية والشتائم واإلعتداءات النفسية والجسدية .ولهذا النوع من الغضب المرفوض
آثارا ً سلبية على حياة اإلنسان العقلية والنفسية واإلنفعالية واإلجتماعية أيضا ً .فقد يلقى هذا النوع من الغضب
الممقوت بظالله على حياة األسرة واألوالد ويظهر فى المدرسة والشارع وفى كل مكان .وإينما وجد هذا
وإذا أصاب الغضب واإلضطراب حياة إنسان ولم يستطع السيطرة على غضبه ؛ تزيد ضربات القلب
ويرتفع ضغط الدم وتتوقف عمليات الهضم والصداع وإلتهاب العضالت وغيرها من األعراض .والجدير
بالذكر أن هذه األعراض ليست بسبب عضوى ولكن الغضب هو الذى يدفع جسم اإلنسان إلى كل هذه
اإلضطرابات .
كما أن لإلضطراب والغضب آثارا ً نفسية على اإلنسان ،فاإلنسان المضطرب والغضوب الذى يظهر
غضبه لآلخرين يشعر بعدم إحترام الناس له ؛ بسبب عدم قدرته على ضبط عواطفة وحالته اإلنفعالية ،وقد
يصفه المحيطين بـ " المجنون " بسبب الحالة العصبية شديدة التوتر التى يصاب بها .كما أنه يبدو ضعيفا ً أمام
نفسه وأمام اآلخرين بسبب عدم قدرته على ضبط عواطفه وإنفعاالته .
ومن ضمن اآلثار النفسية لإلضطراب والقلق أنه قد يؤدى إلى اإلكتئاب ،فعدم إحترام اإلنسان لنفسه
قد يدفعه للحديث عن نفسه بكلمات بائسه بسبب إحباطاته ،وبعد فتره قد يتوقف عن الكالم وال يعبر عن
غضبه ولكنه يكبته وال يتذكر أسباب حالة اإلكتئاب التى وصل إليها ،وربما ال يهتم بتناول الطعام أو إرتداء
2
مالبس أنيقة .وعدم تعبير اإلنسان عن غضبه وإصابته بحالة اإلكتئاب قد تؤدى به إلى اإلنتحار .
يقول دكتور /وليام جراى فى كتابه " الغضب " " :ربما يصيبك اإلكتئاب كثيرا ً لفترات طويلة من
الوقت وال تعبر عن غضبك بصراحة لكن تحمل نفسك المسؤولية عنه ،سواء كنت تدركه أو ال تدركه .وهذا
1
يمكن أن يؤدى إلى أفكار وسلوكيات إنتحارية أو أمراض خطيرة "
وقد يؤدى اإلضطراب والغضب إلى محاولة الهروب من الواقع ،فنجد أن الشخص الغاضب يريد أن
يخفف من حالة اإلضطراب التى يعيشها فيلجأ إلى اإلنغماس فى األكل أو العمل أو فى الشراء أو التدخين بدالً
من التعبير عن الغضب .أو قد ينكر مشاعره وإنفعاالته وبذلك فهو يعوق نفسه بنفسه ويبعد نفسه عن طريق
كما أن للغضب آثارا ً إجتماعية ،الغضب يدمر العالقات .فغضب الزوج يدمر عالقته بزوجته .
وغضب اآلباء على األبناء يمكن أن يدمر الحب ويصيب التواصل بينهما بحالة من الشلل .كما أن الغضب
بين الموظفين فى العمل الواحد يضعف روابط العمل ويقف حائالً أمام إنجازه .
الغضب هو شعور وطاقة ليس فيه أى خطأ أو خطية ،ولكن طريقة التعبير عن الغضب قد يقود إلى
خطأ أو إلى خطية .يقول د /وليام جراى فى كتابه " الغضب " " :الغضب مجرد شعور ،والمشاعر هى
جزء من ذاتنا مثل رؤوسنا وقلوبنا وأيدينا ،وجميع المشاعر ال بأس بها .وتعريف القاموس أن الغضب
شعور يتولد لدى الفرد بسبب شيئ يجرحه أو يعارضه أو يضايقه ،إذ ليس هناك شيئ سيئ أو خبيث فى
2
مسألة الشعور بالغضب ".
ويقول نيافة الحبر الجليل األنبا يوسف فى كتابه " كيف نتعامل مع الغضب " " :إن الغضب فى حد
1دكتور وليام جراى ديفور ،الغضب تعامل معه إستشف به ال تدعه يقتلك ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة جرير 5 .
2جراى ،الغضب تعامل معه 23 .
3
3
ذاته طاقة .وكل طاقة يمكن أن نستخدمها فى البناء ،كما يمكننا أن نستخدمها فى الهدم "
لذا فمشاعر الخزى التى تنتاب اإلنسان عندما يغضب ليست بسبب أنه عبر عن غضبه ولكن ألنه
س ِم َع ِم ْنكَ فَقَ ْد َربِحْ تَ أ َ َخاكَ 6" .فالوصية اإللهية لم تعطنا تصريحا ً بالغضب بل وصية بأن ال
َوحْ دَ ُك َماِ .إ ْن َ
نكبت غضبنا .ولكن المهم هو أنه عندما نشعر بمشاعر الغضب نكون متحكمين فيها وال تقودنا مشاعرنا إلى
أول الخطوات التى يمكن إتباعها للتحكم فى الغضب هو قبول الغضب كجزء من التكوين العاطفى
لإلنسان ،فكما قلنا أن الغضب فى حد ذاته ليس خطية ،لذا فعلينا أن نقبل حقيقة أن الغضب هو جزء من
تكويننا ،موضوع فينا بهدف الوقاية من اإليذاءات التى تأتى علينا .ولكن المهم أن نحسن إستخدام هذه
الطاقة .
ثم بعد ذلك يجب أن يتحمل اإلنسان مسؤولية غضبه ،فليس من الصواب أن يلقى اإلنسان بمسؤولية
غضبه على اآلخرين .فإن شتمك أحد ،فمن حقك أن تغضب ولكن ليس من حقك كإنسان هللا أن ترد الشتيمة
عا ِل ِمينَ أَنَّ ُك ْم ِلهذَا دُ ِعيت ُ ْم ِل َك ْي ت َِرثُوا َب َر َكةً ". 7 ِب ْال َع ْك ِس ُم َب ِ
اركِينَ َ ،
3نيافة األنبا يوسف ،كيف نتعامل مع الغضب ،القاهرة ،دار الكرمة الحقيقية 2010 ،
4أفسس – 26 : 4الكتاب المقدس الترجمة السبعينية .
5رومية 19 : 12
6متى 15 : 18
7رسالة بطرس الرسول األولى 9 : 3
4
َربِحْ تَ أ َ َخاكَ " 8أى البد أن تعبر عن غضبك وال تكتمه أو تكبته .والسبب هو أنه لو تم كبت الغضب مرات
ومرات سيتحول الغضب إلى قوة مدمرة ،فنخسر الناس الذين نحبهم .ولكن إن كنا نتعامل مع مشاعر
الغضب أوالً بأول لن يحدث هذا اإلنفجار .إذاَ كبت الغضب وإدعاء أن شيئا ً لم يحدث ليس فى مصلحة
الطرفين .تقول جيل لندفيلد فى كتابها " إدارة الغضب " " :إن دفع الغضب إلى جحيم الالوعى يحوله من
قوة إيجابية إلى قوة سلبية عاصفة " 9ولذلك يجب أن نحتفظ بغضبنا فى الوعى ونحدد األسلوب والخطوات
التى تتفق مع الوصية اإللهية فى حالة ما إذا غضبت حتى ال نصل إلى حالة اإلنفالت وعدم القدرة على
وأمر آخر هام ليتحول الغضب إلى قوة إيجابية وهو تحديد نقاط ضعفك ،لتعرفها جيدا ً وتعرف كيف
تتصرف إذا قام أحد األشخاص بإثارة أحد نقاط ضعفك ،فالبد أن يفكر اإلنسان بوضوح كيف يتصرف إذا
وصل إنفعاله إلى القمة ،ألنه إذا ترك األمر بال قواعد سيتصرف بعشوائية مدمرة .
ونقطة أخرى هامة للسيطرة على الغضب هو أن يكون لك مرشد شخصى أمين أو مشير مستنير
حتى تخرج كل أفكار الغضب أوالً بأول ،باإلضافة إلى أنه يجب أن تخرج مشاعر الغضب القديمة بسبب
األحداث التى مرت بك فى مرحلة الطفولة أو المراحل التى تليها ،فكل هذا سيؤثر حتما ً على طريقة تفاعلك
مع المواقف التى تثير غضبك .فإن إستطعت أن تتعامل مع غضبك القديم وتخرج مشاعر الضيق واإلحباط
من األشخاص والمواقف فأنت تبدأ حياتك بطريقة إيجابية بناءة .كما يمكنك أيضا ً تأمل األحداث القديمة
وكتابتها وتحدد النقاط التى سببت غضبك فأنت بذلك تدرك الخلفية النفسية التى تشعر بها تجاه المواقف
واألحداث المختلفة .يقول د /وليم جراى فى كتابه " الغضب " ":ليس هناك أسوأ من الشعور بالغضب
القديم السام ولم يقرر أحد توليد هذه المشاعر لديه ؛ إنما هى تحدث بصورة طبيعية .فعندما كنا أطفاالً لم نكن
مهيأين للتعامل مع جميع هذه المشاعر التى كانت تتولد فى كل يوم والتخلص منها .إذا ً الكثير من هذه
المشاعر مازال موجودا ً لدينا ينتظر منا العودة إليه والتعامل معه .والحقيقة أن هذه المشاعر تزداد سوءا ً
بمرور الوقت وتصبح سامة " 10وبالتالى التعامل مع هذه المشاعر السامة يخفف من العبء ويمنح اإلنسان
وتأتى المرحلة التالية لفحص المشاعر القديمة وهى مرحلة مراجعة األفكارالقديمة والقرارات القديمة
وإستبدالها بقرارات جديدة واعية .فقد تجد أنك إتخذت بعض قرارات بناءا ً على تجارب الماضى ولكن بعد
أن مرت هذه التجارب البد أن نتعامل مع الغضب الناتج عنها وكذلك القرارات التى إتخذناها بناءا ً على
ماحدث .
أما عن الروشتة الروحية لعالج الغضب ،فيمكن أن نكتب فيها أوالً أن يتحلى اإلنسان بالتواضع .
ف فى كل موقف يمر على اإلنسان يجب أن يالحظ اإلنسان نفسه ويبحث عن أخطاؤه الشخصية فى عالقته مع
اآلخرين ويعمل على إصالحها ،أما أخطاء اآلخرين فتخصهم هم وليس لإلنسان سلطة على تغيير أحد بل له
سلطة على تغيير نفسه فقط والتحكم فى أموره وقراراته الشخصية فقط .
أما بالنسبة لإلساءة واإلهانة فيرى اآلباء أن نعتبر الشخص الذى أهاننا كالطبيب ،يقول األنبا
أنطونيوس " إفتكر فى شاتمك أنه قد عتقك من السبح الباطل إن إحتملته بمعرفة .وأن الرب قد أرسل على
لسانه الدواء النافع " 11فإن إحتملنا وفحصنا أنفسنا وحاولنا أن نغير من ضعفاتنا وال نغضب من الذى أساء
ويعتبر ترديد اآليات الخاصة بذم الغضب وسيلة فعالة لتذكير اإلنسان بمساوئ الغضب وأضراره
ولكن ماذا نفعل تجاه غضب اآلخرين نحونا ؟ هل نغضب نحن أيضا ً عليهم ؟
ب " 13ألنه من المعروف أن عملية الغضب عملية سريعة فعندما نبطئ فى فِي الت َّ َكلُّ ِمُ ،مب ِْطئًا فِي ْالغَ َ
ض ِ
الغضب فإننا نحد من هيجانه ونوقف قوته المدمرة .ويوصينا الكتاب المقدس أيضا ً ويقول " ا َ ْل َج َو ُ
اب اللَّ ِيّ ُن
ط " 14ألن نار غضب اآلخرين ال يطفئها نارغضبنا بل تطفئها بَ ،و ْال َكالَ ُم ْال ُموج ُع يُ َه ِيّ ُج ال َّ
س َخ َ ف ْالغَ َ
ض َ ص ِر ُ
يَ ْ
مياة الجواب اللين .كما أن األمر يحتاج إلى حكمة ففى الوقت الذى يقول فيه سليمان الحكيم " الَ ت ُ َجا ِو ِ
ب
ب ْال َجا ِه َل َح َ
ب َح َماقَتِ ِه ِلئَالَّ ت َ ْع ِدلَهُ أ َ ْنتَ " .نجده فى اآلية التالية مباشرة يقول " َجا ِو ِ ْال َجا ِه َل َح َ
15
ب َح َماقَتِ ِه
س َ س َ
هامة .فقد نشعر أن لغة اإلعتذار ستهدئ حالة الغضب فال مانع من أن نعتذر ،ولكن إن وجدنا أن اإلعتذار
سيشعل غضب اآلخرين أكثر فالبد من توضيح الموقف ،فاألمر يحتاج إلى حكمة .كما أن لغة الهدايا تطفئ
وأخيرا ً البد أن ندرك أن عملية التحكم فى الغضب ليست بالعملية السهلة وهنا نذكر قول أرسطو :
" أى إنسان يمكن أن يغضب ،هذا أمر سهل .لكن أن تغضب من الشخص المناسب بالدرجة المناسبة وفى
الوقت المناسب ومن أجل الهدف المناسب وبالطريقة المناسبة ؛ فهذا ليس سهالً "
فهرس الحواشي
-1دكتور وليام جراى ديفور ،الغضب تعامل معه إستشف به ال تدعه يقتلك ،المملكة العربية
السعودية ،مكتبة جرير 5 .
-3نيافة األنبا يوسف ،كيف نتعامل مع الغضب ،القاهرة ،دار الكرمة الحقيقية 2010 ،
-9جيل لندنفيلد ،إدارة الغضب ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة جرير 47 . 2008 ،
-11قداسة البابا شنودة الثالث ،الغضب ،القاهرة ،بدون ناشر 101 . 1993 ،
-14أمثال 1 : 15
-15أمثال 4 : 26
-16أمثال 5 : 26
المراجع
يوسف نيافة األنبا ،كيف نتعامل مع الغضب ،القاهرة ،دار الكرمة الحقيقية 2010 ،
ديفور دكتور وليام جراى ،الغضب تعامل معه إستشف به ال تدعه يقتلك ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة
جرير 2006 ،
لندنفيلد جيل ،إدارة الغضب ،المملكة العربية السعودية ،مكتبة جرير 2008 ،