Professional Documents
Culture Documents
تقرير نظرية ابن تيمية في المعرفة
تقرير نظرية ابن تيمية في المعرفة
سابقا كنت قد طويت ملف إبن تيمية رحمه هللا وتغافلت عنه ،ولكن بعض من يحامي عنه ،أبى إال أن يدفعنا دفعا لفتح ملفه
من جديد من باب اإللزام والتحدي ،وأنا لم أخيب ظنه بنا ،وسأنقل كالم إبن تيمية من كتبه بالصفحة والسطر وسنرى أي
منقلب سينقلبون .
قال ابن تيمية في نقض التأسيس (: )1/118
( فمن المعلوم أن الكتاب والسنة واإلجماع لم ينطق بأن األجسام كلها محدثة وأن هللا ليس بجسم ،وال قال ذلك إمام من أئمة
المسلمين ،فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة وال عن الشريعة) .اهـ.
وقال في موضع آخر منه( :قلتم ليس هو بجسم ،وال جوهر ,وال متحيز ,وال في جهة وال يشار إليه بحس وال يتميز منه
شيء؛ وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم وال مركب وأنه ال حد له وال غاية ،تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له
حد وقدر أو يكون له قدر ال يتناهى ..فكيف ساغ لكم هذا النفي بال كتاب وال سنة).اهـ.
كالم الشيخ هنا واضح وصريح ،و يدل داللة واضحة على معتقده وال يحتاج لتعليق ..
*******************************************
حيث أن أصل التجسيم عند ابن تيمية راجع لوسائل المعرفة عنده فوسائل المعرفة عنده محصورة بالحس والوهم والخيال
فقط دون العقل فهو يثبت مايثبته حسه وان خالف عقله ..والعقل وسيلة لضبط مايثبته مايثبته الحس فقط ..
وقد صرح بهذا في كتابه التأسيس بقوله (:)1/325
(وهذا األصل الذي قالوه عليه أهل اإلثبات ،فإن أهل السنة والجماعة المقرين بأن هللا تعالى يرى ،متفقون على أن ما ال
يمكن معرفته بشيء من الحواس فإنما يكون معدومًا ال موجودًا) .اهـ
اذًا عند ابن تيمية ما ال يدرك بشيء من الحواس يكون معدومًا الموجودًا وكالمه في عموم الموجودات فاهلل تعالى اذًا خاضع
للحس عنده ويدركه بحواسه واال لم يكن موجودًا وهذا قول أهل السنة والجماعة عنده كما هو ظاهر من كالمه .
وهو يكرر هذا المعنى بصور مختلفة في هذا الكتاب ،وفي غيره من الكتب ..
******************************************
ابن تيمية يعتبر الوهم مصدرًا من مصادر المعرفة ،وأن قياس الغائب على الشاهد قاعدة كلية صحيحة عند ابن تيمية ،وهو
يستعملها في إثبات ما يثبته لإلله بال هوادة.
ومن المعلوم أن الوهميات قضايا كاذبة يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة أصًال.
كحكم ابن تيمية بأن هللا جسم ومحدود من جميع جهاته ،وأنه يتحرك ،ويمس األشياء وغير ذلك من أوهامه.
ألن الحكم بها على هللا تعالى فرع تصوره محسوسًا متحيزًا ،وهو في الحقيقة ليس بمحسوس ،فال يكون حكم الوهم فيه
صحيحًا أبدًا ،كما قال اإلمام الطحاوي:
ال تبلغه األوهام).(
وبناء على ماسبق من وسائل المعرفة الحسية عند ابن تيمية يستنتج أن كل موجود البد أن يكون جسمًا ومتحيزًا ومااليكون
جسمًا متحيزًا اليكون موجودًا
وانظره يقول في التأسيس (: )1/9
(ما ثَّم موجود إال جسٌم أو قائٌم بجسم) .اهـ
ثم ينسب هذا القول لألمام أحمد رحمه هللا
ويقول في التأسيس ( )1/97أيضا:
ًا ّال ًا
( بل هذا القول الذي اتفق عليه العقالء من أهل اإلثبات والنفي :اتفقوا على أن الوهم والخيال ال يتصَّو ُر موجود إ متحِّيز ،
أو قائمًا بمتحِّي ٍز وهو الجسم وصفاته ،ثَّم المثبتة والنفاة قالوا :وهذا حٌّق معلوم أيضًا باألدلة العقلية والشرعية بل بالضرورة).
اهـ
وهذا نص واضح ال لبس فيه أنه اليصح أن يكون موجودًا عند ابن تيمية اال ماكان جسمًا متحيزًا أو قائمًا به وهو حق معلوم
بالكتاب وبالسنة وبالعقل أيضًا بل وبالبديهة التي عبر عنها بالضرورة أو الفطرة وهي االحساس الباطن الذي أشار اليه سابقًا
وهو من وسائل المعرفة عنده .
وهاهو يؤكد الكالم بطريقة أخرى )1/93( :
(ومعلوم أن كون الباري ليس جسًم ا ليس هو مما تعرفه الفطرة بالبديهة ،وال بمقدمات قريبة من الفطرة ،وال بمقدمات بينة
في الفطرة ،بل مقدمات فيها خفاء وطول ،وليست مقدمات بينة وال متفًقا على قبولها بين العقالء)
اذًا الفطرة والبديهة التي قلنا أنها وسيلة للمعرفة عند ابن تيمية التؤيد أن هللا ليس بجسم ,وليس القول بأن هللا ليس بجسم
أمر متفق عليه بين العقالء) !!
ثم قال بعد ذلك في نفس الصفحة :
ًا
(بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب ،وإَّن الموجود القائم بنفسه ال يكون إال جسًما ،وما ال يكون جسم ال
يكون اال معدومًا ،ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من األول) .اهـ
فهاهو يؤكد بصراحة أن الموجود القائم بنفسه اليكون اال جسمًا وهذا ماثبت بالفطرة وقامت به القواطع العقلية !!
******************************************
قد يقول قائل :هذا مما يجري فيه الخالف في نسبة المذهب االصطالحي إلى المذهب الشخصي؟).
بمعنى :هو ال يقصد بالجسم الذي نفهمه من أنه المتحيز أو ذي األبعاد الثالثة بل هو يقصد مطلق القائم بنفسه سواء كان
متحيزًا أم ال !!
قلنا :األصل استخدام األلفاظ فيما وضعت له ،وأستعمال المصطلحات بمعناها الشائع عند أصحاب كل فن عند الكالم في فنهم
،وهو هنا متكلم.
فاألصل حمل معنى مصطلحاته على المعاني التي يقصدها المتكلمون ...
وللتدليل على كالمنا ،فهو أبدل لفظ (الجسم) في نفس هذا القول بلفظ (المتحيز) بالقول الذي أوردناه سابقًا فبان أنه يريد
بالجسم المتحيز فبطل ماتؤولونه له .
فمثًال حين يقول ابن تيمية إن هللا جسم .فهو يقصد بالضبط المركب المتحيز أي المحدود من جميع الجهات القائم بنفسه
والذي تقوم به األعراض من الحركة وغيرها من الحوادث .ويصرح بذلك.
فكيف يصح اإلدعاء البن تيمية حين يدعي بأن هللا جسم أن له مصطلحه الخاص المخالف لمصطلح المتكلمين في
الجسمية ؟!!
وهو ولو صرح بذلك فال نقبله منه ،ألنه مع قوله بأن هللا جسم ،أثبت هلل تعالى خصائص األجسام ولوازمها.
******************************************
هنا يدلس ابن تيمية على لسان السلف)1/118( :
يقول( :من المعلوم أن السنة واإلجماع لم تنطق بأن األجسام كلها محدثة وأن هللا ليس بجسم وال قال ذلك إمام من أئمة
المسلمين) .اهـ
وهنا يثبت ابن تيمية الحد هلل (: )2/163
( إذا نظرنا في ذات هللا فإن لها حدا ويجب أن يكون لها حد أي نهاية في كل جهة من الجهات يتوقف عنده امتدادها وهذا
الحد هو حدود ذات هللا التي ينتهي إليها حده) .اهـ
ولعمري إن كان اإلله جسمًا فكل نص ورد في وصفه تعالى وجب حمله على المعاني الحسية .وهذا غيض من فيض مما
يمكن أن أقوله في تقرير مذهبه مستدًال عليه من كالمه.
وحقيقة أنا استصعب نسبة ذلك إلى ابن تيمية ،ولكن حين استيقنت أن تلك هي حقيقة قوله ،عشت الحيرة واالستغراب من
أقواله وأقوال متابعيه ممن اشتهروا !!
وهللا المستعان ..