Professional Documents
Culture Documents
نظريّة غريماس السّيميائيّة ومرجعيّاتها اللّسانيّة والمعرفيّة
نظريّة غريماس السّيميائيّة ومرجعيّاتها اللّسانيّة والمعرفيّة
حداد خديجة
مت ّكن جوليان أجلريداس غرمياس رفقة جمموعة من الباحثني من تالميذته أن
يؤسس لدرس سيميائي يتّكئ على مجلة من املفاهيم اجلديدة والقدمية يف الوقت نفسه، ّ
توصل
ومتفردة يف التّحليل السردي انطالقا من مجلة النتّائج الّيت ّ
حبيث بين نظريّة جديدة ّ
اجلواين للنّصوص ،لذلكإليها سابقوه يف هذا اجملال ،فنادى أنصار هذه املدرسة بالتحليل ّ
السردية.
أهم املرتكزات اللسانية واملعرفيّة الّيت بلورت السيميائيّات ّ
ليرتصد ّ
يأيت هذا املقال ّ
الروافد اللسانيّة واملعرفيّة. الكلمات المفتاحيّة :السيميائيّات ّ
السرديةّ ،
634 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
Absact: Keywords: Semantic Seminaries, Linguistic and
Cognitive Lexicons.
Julian Algredas Grimas, together with a group of his students,
established a semantic study based on a number of new and old concepts.
He built a new and unique theory of narrative analysis based on the
findings of his predecessors. So this article comes to watch the most
important linguistic and cognitive bases that crystallized the semantic
descriptive
تمهيـد:
وعطفا على ما سبق ذ ره لقد اتّكأ غرمياس يف تشييد معمار "نظريّة العامل
السرديّة"على مصادر انت مبثابة اللّبنات األولية للبناء ،إذ " انت سببا يف بلورة
السردية إ ّّنا اإلرهاصات األوىل الّيت يستوجب اإلشارة إليها ،لِ َما هلا من فضل
السيميائية ّ
ّ
2
األديب املعاصر على العموم".
وأمهّية يف ترسيخ البعد املعريف يف النّقد ّ
وعليه"ال ميكننا احلديث عن نظريّة ما ،واختبار فاعليّتها اإلجرائيّة بكيفيّة
يتم حتديد أصوهلا العلميّة وسرب خفايا خلفيّاهتا واضحة خاليّة من ّل لبس ،ما مل ّ
النّظريّة ،وضبط امتداداهتا املعرفيّة يف تقاطعها مع حقول معرفيّة أخرى" ،3خاصة وأن
النظريات النقدية احلديثة صارت منفتحة على شىت املعارف تستقي منها وتتحاور معها
بل وتضيع إليها.4
635 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
أن الوقوف على روافد "نظرية العامل ال َّسردية" أ ُثر من ويُ ْستَ َشع ممّا تقدَّم َّ
ضرورة ُملِ َّحة ،وحتمية منهجية؛ ألنه أمر يكفل تطبيق إجراءاهتا بعيدا عن ل خطأ
حمتمل ،فالتّعاطي مع النّظريات واملناهج وهي مقطوعة الصلة عن سيّاقاهتا اليت أفرزهتا
مظان الغلط وعدم التّمثل واالستيعاب.يعترب من أ ثر ِّ
أ-الروافد اللّسانيّة:
636 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
نقدي من أثر لساين امن فيه ،ألن اللسانيات انت مبثابة املساءلة االبيستيمولوجية
العامة للغة يف ل متظهراهتا.
وعليه فال غرو أن يكون اإلرث اللّساين مسامها يف بزوغ النموذج العاملي
الغرمياسي إىل الوجود ،حيث يتّفق الكثري من الباحثني أ ّن اللّسانيّات أثّثت اخلطاب
السيميائي وأغنته ،وأسهمت بشكل بري يف بلورة مقوالته وإضافة إىل توحيد النّقدي ّ
مفاهيمه؛ وذلك ألنّه امتداد هلا وتطوير لياهتا اإلجرائيّة ،بل األ ثر من ذلك هناك من
يذهب بالقول إىل أ ّن السيميائيّات ما هي ّإال نقل حريف للسانيّات ممّا ي ّدل على أنّه مثّة
وشائج قرىب بني السيميائية السردية واللسانيات.
ل ككذلك البك ك ّد لن ككا م ككن الوق ككوف عن ككد بع ككف املف ككاهيم اللّس ككانية ال ككيت تع ككد ج ككذورا
للس ككيميائية الغرمياس ككية ،وذل ككك أ ّن "بع ككف املص ككطلحات اللس ككانية األساس ككيّة ال ككيت ككان هل ككا
637 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
8
السككردي للنظريككة السككيميائية" ال ميكككن اسككتيعاب األخككرية إال
الصككعيد ّ
عميككق األثككر يف بنككاء ّ
عرب متثلها جيدا ،ومن بني هاته التصورات اللسانية الّيت أثرت السيميائيات السرديّة نذ ر:
-1تصور دي سوسير]FerdinanddeSaussre[:
ننوه إىل أ ّن سوسري أبو اللسانيات احلديثة ،حيث " ان ما ال يفوتنا أن ّ
السيميائيّة،
سن املفاهيم العلميّة األوىل اليت استخدمتها ّ
لدي سوسري ال ّدور األساسي يف ّ
مثل :اللغة/الكالم ،ال ّدال /املدلول ،الوحدة/االختالف" ،10وهكذا ان لثنائيّات سوسري
فعال يف بلورة نظرية غرمياس السيميائية ،بل ان هلا عميق األثر يف هذه األخرية دور ّ
فكانت مبثابة الر يزة الكربى اليت استند إليها املشروع الغرمياسي ومن بني هاته الثنائيات
نذ ر:
أ-اللغة والكالمlangue/parole:
أن اللغة تتحدد بكوّنا"منظَّم ًة عرفيَّة ترمز إىل نشاط اجملتمع وهذه الشك َّ
َّ
املنظّمة تشتمل على عدد من األنظمة يتألّع ّل واحد منها من جمموعة من املعاين،
"املباين"املعربة عن هذه املعاين" ،11يف
ّ تقع بإزائها جمموعة من الوحدات التَّنظيميّة أو
حني يكَتَ َحدَّد الكالم بأنه "فعل فردي نابع من اإلرادة وال ّذ اء إنّه تأليفات من خالهلا
الشخصي"12ويتب ّدى لنا ممّا تق ّدم
يستخدم املتكلّم سنن اللّسان بغرض التّعبري عن فكره ّ
638 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
أن مثّة فرقا واضحا وجليّا بني اللغة والكالم ،إذ تتعلّق األوىل باجلماعة ّأما الثّاين بالفرد،
من جهة ،وتعرب اللغة عن نظام أو نسق تواصلي فيما يعرب الكالم عن التجسيد الفردي،
أي :أن هذه القسمة السوسريية هي أساس التفكري الداليل البنيوي ،فهناك ب امنة أو
جتسدات هلا متنوعة ،ما أن القصص أو الروايات تلفة لكنها ترجع افرتاضية ،وهناك ّ
إىل منوذج أعلى يشكل مفاصل اشتغاهلا ،ذلك النموذج الذي شع عنه الشكالنيون
أول األمر على يد فالدميري بروب مث اشتغل عليه غرمياس فيما بعد.
مبدأ االختالف عبارة عن مقولة مر زية يف الفكر اللساين احلديث ،فقد" أرسى
قواعده "سوسري" واستعمله لل ّداللة على أ ّن املفاهيم املتباينة تكون معرفة ليس بشكل
إجيايب من مضموّنا ،وإّمنا بشكل سليب من عالقتها مع العناصر األخرى للنظام".13
ومن الواضح أن مبدأ االختالف مبدأ للمخالفة والتباين والتميّز يتداخل مع
معناه مفهوم مكاين ،مبا أن املفاهيم بالضرورة ال بد أن تنطبع داخل األنظمة والب
حيث تتم عملية اإلحالة واملرجعية إىل املفاهيم األخرى :تنطبع ما يقول سوسري بشكل
سليب ،أي :بشكل غري متحيز ،ألن اللغة تتكون من االختالفات فقط!14
يتم إالّ من خالل حضورويتب ّدى لنا ممّا تقدم بأ ّن استنباط مع اللّفظ ال ّ
تنظم األحكام
اليت ّ
املتضادةّ ،
ّ وهي الثنائيات هامة أال ّض ّده ،ومن هنا ترتاءى لنا مسألة ّ
عن طريق التقابل نفيا وإثباتا ،ما يظهر جبالء النَّك َفس البنيوي ملسألة االختالف اليت هي
إفراز من إفرازات النظر والتفكري من خالل الب واألنظمة ،فالعناصر ليست معزولة بل
تعقد عالقات وظيفية مع غريها يف إطار البنية ،تلك العالقات هي يف احلقيقة مبثابة
احملددات للعنصر.
639 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
وهكذا فإ ّن "االنطالقة انت مع سوسري ،حني وجد أ ّن املع ال يكون إالّ مع
تطور ال ّدراسات
ويف االختالف ،وهو املبدأ الذي ّتوجته ال ّدالليّة مسار حبث هلا يف ّ
15
حىت أضحى االختالف البوتقة الّيت من خالهلا يتشكل املع ،وهذا ما البنيويّة" ّ ،
حاول غرمياس أن يتبناه يف نظريته العامليّة.
فقد استثمر غرمياس مبدأ االختالف صائغا بذلك تصوره الذي يبتغي من
"تصور جديد يقتضي فيه
ّ خالله حتليال علميا للنّص السردي ،ومن مثّة اهتدى إىل
االقرتاب من املسألة ال ّداللية ،الستيعاب االختالفات املنتجة للمع دون اال رتاث
لطبيعته يف إطار بنية تدرك حبضور عنصرين (على األقل) تربطهما عالقة بطريقة أو
16
التع حول هذا املبدأ ،مستثمرا إيّاه مهتديا إىل
بأخرى" ،من هذا نلفي أن غرمياس َّ
تصور مغاير بغية الوصول إىل ال ّداللة من خالل االختالفات الّيت تفضي بدورها إىل املع
ّ
وذلك بوجود عنصرين تؤطرمها عالقة ما ،وهكذا "فإ ّن متفصل العامل ال ّداليل إىل وحدات
السيم
معنويّة صغرى(السيمات) يناظر الفنيمات املميّزة لصعيد التّعبري ،ومن الواضح أ ّن ّ
بوصفه وحدة دالليّة قاعديّة ال حي ّقق وجوده ّإال يف عالقته بعنصر آخر ،ولئن انت
وظيفته خالفيّة بال ّدرجة األوىل ،فإنّه يستحيل أن يدرك خارج إطار البنية" ،17فإنتاج
الداللة عملية اختالفية يف ظل التّفكري البنيوي.
ذات النَّك َفس البنيوي للغة ولألدب على يد فالدميري بروب ورومان جا بسون وأضراهبم،
إذا عرفنا واستذ رنا ذلك له مل يعسر علينا أن نربط الصالت بني حلقة براغ الوظيفية
وبني سيميائية غرمياس السردية.
فه ككذه املدرس ككة"من تأس ككيس روم ككان جا بس ككون()R.Jakobsonوتروبتز ككوي
()Troubetwkoyوأنك ك ككدري مك ك ككارتيين(،)A.Martinetومفاهيمه ك ك ككا مسك ك ككتقاة م ك ك ككن
وجهككت اهتمامهككا إىل ربككط األص كوات أعمككال سوسككري حككول علككم اللغككة احلككديث ،إالّ أ ّّنككا ّ
بال ّداللككة واملع ك ،19"...أي أّنككا مدرسككة اشككتغلت أ ثككر علككى املسككتوى الصككويت يف الظككاهرة
خاصكة
اللغوية وظيفيكا ودالليكا ،وهككذا عرفكت "مدرسكة بكراغ مبشكار تها يف تطكوير األلسكنيّةّ ،
فيمككا يتعلّككق بعلككم األصكوات -الفونولوجيككا ( -)La phonologieالّككذي يعككين دراسككة
أصوات اللغة من حيث وظائفها وخضوعها لقواعد معيّنة.20".
الصويت يف سبيل مسعاه حنو تطوير نظريّته توسل بالنّموذج ّ ونلحظ أ ّن غرمياس ّ
الصوايت( )Modèlephonologiqueمصدر إهلام وهكذا " ان النّموذج ّ
لغرمياس ،حني إعداده للبنية األساسيّة لل ّداللة احمل ّققة للمربع السيميائي ،باإلضافة إىل
طوره انطالقا من عالقة الفاعل باملرسل واملرسل إليه يف عمليّة مترير
النموذج العاملي الّذي ّ
الرسالة" ،21فكانت "هذه االعتبارات شديدة الفعاليّة ،تستجيب ملساعي غرمياس وتبليغ ّ
الصلبة لدراسة
السيميائيّة مرورا بالقوانني البنيويّة ّ
االفرتاضيّة ،من انتقال ال ّدالليّة إىل ّ
22
خاصة يف جمال الفلكلور"
الظواهر – يفما انتّ -
الشك فيه أن غرمياس استعان باملخطّط التّواصلي جلا بسون الذي ّ ومما
ّ
الشفرة ،والسياق الذي يصل بينهما
الرسالة ،و ّ
يشمل" :املرسل ،املتل ّقي ،وقناة االتّصال ،و ّ
هذا ويلخص بعف الباحثني أثر حلقة براغ اللسانية يف مشروع غرمياس من
خالل اإلشارة إىل اعتماد األخري مفهوم الثانية اليت تساهم يف تشييد البنية األولية
641 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
للداللة ،وقد حدد هذه الثنائية باعتبارها عالقة بني ح ّدين ،ما ميّز بني مفهوم الثّنائية
العلميّة اإلجرائيّة واملنهاجيّة الثّنائية ،وقد استلهم غرمياس هذه الثّنائية من اللّساين
تقر بوجود تقابل بني عالقتني :عالقة التّناقف وعالقة جا بسون ،تلك الثّنائية اليت ّ
التّضاد ،عالقة احلضور والغياب.23
-1-3الكفاءة واألداءCompétence/Performance:
إن أول م ككن ض ككبط مفه ككوم ه ككذه الثنائي ككة اللس ككانية سوس ككري وتشومس كككي مثّ ق ككام
غرميككاس ب ":اسككتيعاب اإلرث اللسككاين (السوسككريي) ومتثّلككه يف مشككروع يرتكككز أساسككا علككى
التشومس كككية ال ككيت يتبنّاه ككا غرمي ككاس ويص ككهرها يف مفهم ككة جدي ككدة ت ككويل أمهي ككة
املص ككطلحيّة ّ
للعناصر اليت تدخل يف تشكيل الكفاءة وللبعدين املعريف والتّداويل لكألداء"،25أي أن هنكاك
642 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
ناسكال هلكذا املفهكوم الثنككائي مكن لكدن سوسكري إىل تشومسكككي إىل أن تلقفكه غرميكاس ،مضككيفا
إليكه بعكدين مهككا البعكد األديب عمومككا والسكردي خصوصكا ،بعككد أن كان ذلككك املفهكوم لسككانيا
خالصا.
هذا ويطلق"تشومسكي القدرة على إنتاج اجلمل وتفهمها ،يف عمليّة تكلّم
السامع ،وهياللغة ،والكفاءة اللّغوية ،على املعرفة الضمنيّة للّغة اليت ميتلكها املتكلّم و ّ
نظام داخلي من القواعد الّيت مت ّكن اجلهاز احملدود من إنتاج وفهم عدد ال حمدود من
26
امللفوظات".
و مككا أش كرنا آنفككا فهككذا املفهككوم التشومسكككي لثنككائييت الكفككاءة/األداء انبثككق مككن
دراس ككة سوس ككري حينم ككا وض ككع ح ككدودا فاص ككلة ب ككني اللغ ككة والك ككالم؛ إذ يتك ككئ"إدراك مفه ككوم
"تشومسكي" على فهم التّمييز األلسين الّذي أشاعه "فردينانكد دو سوسكري" حكني ميّكز بكني
اللّغككة نظككام لككه قواعككده وأعرافككه( ،)Langeوبككني (الكككالم) أو عمليّككة القككول الفعليّككة الّككيت
يقوم هبا شخص ما ( )Paroleضمن هكذا النّظكام اللّغكوي ،أي الفكرق بكني النّظكام اللّغكوي
السككلوك الفككردي حينمككا ميككارس الفككرد لغتككه ،جاء"تشومسكككي"ليطلق مصككطلح املقعككد وبككني ّ
(الق ك ك ك ككدرة/الكفاءة) عل ك ك ك ككى م ك ك ك ككا أَساه"سوس ك ك ك ككري"باللغة ()Langueومص ك ك ك ككطلح األدائيّ ك ك ك ككة
السك ككلوك الفك ككردي حينمك ككا ميك ككارس شك ككخص مك ككا عمليّك ككة القك ككول
( )Performanceعلك ككى ّ
والكالم".27
إال أنه جيب التنبه إىل أن هناك فرقا بني الطرح التشومسكي والطرح
السوسريي ،فاألخري يرى أن السلوك اللغوي الفردي هو جمرد انعكاس للنظام اللغوي،
وبذلك ميكننا استقصاء املمارسات الفردية لنشتق بالتايل ل قوانني اللغة ،أما تشومسكي
فريى أن النظام اللغوي ال ميكن استقصاؤه من خالل جمموع سلوك أفراد اللغة الواحدة،
ولذلك هو يذهب إىل أن النظام اللغوي ينطوي على إمكانات وجود تعابري مل يسبق هلا
643 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
أن خرجت إىل حيز الوجود ،مل ينطقها أحد أبدا وستبقى هذه اإلمكانية قائمة مهما
28
حاول الباحثون أن يستقرؤوها...
ما يعين أن تشومسكي يفتح احتماالت ال ّنائية لتجسدات النظام فرديا يف
ضوء تقنيات التحويل والتوليد يف مستويات الظاهرة اللغوية.
تتفرع
هذا وميكن أن نشري إىل أ ّن مفهوم تشومسكي فاءة/أداء أنسب لئن ّ
السرد ،وال أدل على ذلك من استثماره على يد غرمياس ،وعلىعليه نظريّات يف األدب و ّ
يد ناقد أديب آخر وهو جوناثان ولر يف سبيل بناء نظرية شعرية بنيوية.29
وهكذا "مييّز غرمياس على هذا األساس بني نوعني من األداءات :نوع
يستهدف امتالك قيّم اجلهة ( ،)valeursmodalesونوع آخر يتميّز بامتالك وإنتاج
القيّم الوصفيّة ( ،32")valeursdescriptivesفاألداء السردي العاملي عبارة عن
امتالك وإنتاج للقيم ما سيظهر أ ثر عند شرح مشروعه.
644 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
يف املآل ومما ال شك فيه أ ّن غرمياس نبش يف املشروع التّشومسكي وراح يأخذ
مصطلحي "الكفاءة واألداء" ليدجمهما يف احلقل السيميائي.
-2-3مبدأ المحايثة:
مما ارتفدت به السيمائية السردية أيضا مبدأ احملايثة ،فهي هتدف "إىل دراسة
التّجليّات ال ّدالليّة من ال ّداخل مرتكزة يف ذلك على مبدأ احملايثة
33
باجلوانية يف أيّة دراسة مستبعدة ل ما هو
( "…)immanenceمنادية بذلك ّ
واقع يف اخلارج ،ما يعين أن هناك نفسا بنيويا متأصال يف السيميائية السردية يؤ ده مبدأ
"احملايثة" فما املقصود به إذن؟
أي
و"املقصود بالتّحليل احملايث أ ّن النّص ال ينظر إليه ّإال يف ذاته مفصوال عن ّ
السياقات
شيء يوجد خارجه ،واحملايثة هبذا املع هي عزل النّص والتّخلّص من ّل ّ
أي شيءمستقل بذاته وميتلك داللته يف انفصال عن ّ
ّ نص
احمليطة به ،فاملع ينتجه ّ
آخر" ،34فال ّداللة تتولّد من خالل األنساق والوظائع ال ّداخلية للنّص ،دون أي تفاعل
مع سياقه اخلارجي ،أي أن هناك ثقة مطلقة يف إفصاح النص عن وامنه من خالل ذاته.
وعليه فإذا ان"دوسوسري وأتباعه قد أ ّ دوا على دراسة اللغة دراسة حمايثة،
وأقصوا املرجع واإلحاالت اخلارجيّة من ضمن اهتماماهتم ،فإ ّن السيميائيّة السردية
الغرمياسيّة انت سبّاقة إىل االستفادة من املردوديّة التّحليليّة هلذا املبدأ يف حتديد
مستويات ال ّداللة وأمناط تش ّكلها" ،36وهذا ما شكل صورة بارزة للمنزع البنيوي يف
املشروع الغرمياسي رغم أنه مشروع سيميائي باألصالة.
ويف الطّككرح نفس ككه س ككار هيلمس ككليع"ليؤ د عل ككى ض ككرورة اس ككتبعاد الوق ككائع غ ككري
اللسككانية مككن عمليككة الوصككع ...انطالقككا مككن هككذا التحديككد الككذي يش ك ّكل قفككزة نوعيككة يف
الدراسككات اللسككانية ،سككيعمد غرميككاس إىل صككياغة مبككدأ احملايثككة يف البحككوث السككيميائية وفككق
منظورين :يب املنظور األول على مقولكة التصكديق()véridictionاملتمفصكلة إىل حمكوري
احملايثكة (الكينونككة) والتّجلككي (الظكاهر) ،تتفككرع حمصككلة هككذه الثنائيكة األساسككية يف مرتبككة أعلككى
إىل أربع مقوالت تظهر يف املربع التصديقي.37".
وعلى أيّة حال فمبدأ احملايثة عبارة عن مبدأ منطقي بنيوي ،استعان به غرمياس
يف إنتاج ال ّداللة باإلصغاء إىل النص وفقط.
647 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
على أن هذا الكالم ما زال يكتنفه الغموض بسبب تعقيد مفاهيم هيلمسليع
ما يفرض علينا أن نضع عنوانا خاصا لشرح ثنائيته باعتبارها حمددا مرجعيا ال غ عنه ملن
أراد أن يتمثل الطرح الغرمياسي.
ال جرم أ ّن" ّأول من تنبّه إىل هذه الثّنائيّة يف ال ّدراسات اللّسانيّة احلديثة هو
"هياملسليع" وذلك سنة ،1940فقد هاجم هذا ال ّدامنار ي نظريّات "براغ" ،وع ّدها
الشكلي من اللّغة فقط ،لذلك وضع لسانيّات جديدة َسّاها هتتم باجلانب ّ
نظريّات ّ
السيميائية املستقبليّة
" لوسيماتيكيّة" ،Glossématiqueومحل معها إىل النّظريات ّ
سيتم االهتمام به بعد عشرين
مضمونا مزدوجا هو التّعيني والتّضمني ،هذا املضمون الذي ّ
43
خاصة".
سنة من طرف "روالن بارث" ّ
وهكذا فربأي هيامسليع عند حتليل النصوص اللغوية الب ّد من الوقوف على
مهمتني ومها :التعبري/احملتوى وقد استعاض هبما "هيامسليع"عن ختوم ثنائيتني ّ
مصطلحي ال ّدال واملدلول لدى "دي سوسري" ،واعترب"هياملسليع" أن"التعبري
واحملتوى"مفهومان متساوقان ال ميكن االستغناء عن أحدمها فبينهما عالقة تالزمية
يستدعي أحدمها ا خر.
الغين عن البيان أن"قيمة هذه الثنائية ال تكمن يف نعت طريف ال ّداللة بو ّ
"العبارة" و"احملتوى"بدال عن "ال ّدال"و"املدلول"بقدر ما تتجلّى يف التفريعات املنبثقة من
يتضمن ثنائيّة الش ّكل واجلوهر" ،44وهنا مربط الفرس
رحم هذه الطّرفني؛ إذ ّل طرف ّ
يف نظرية هيلمسليع الذي حيث ينتج من ربط الشكل باحملتوى أو باملادة أربعة
مستويات:
648 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
)1جوهر احملتوى
)شكل احملتوى
)3شكل التعبري
45
)4جوهر التعبري
وإذا ككان مككن رهانككات لككويس هيملسككع الّككيت حققهككا إدراج هككذين املفهككومني يف
دوالي ككب البح ككث اللس ككاين احل ككديث م ككن خ ككالل الفص ككل ب ككني التعب ككري(،)Expression
الشك كككل( ،)Formeواجلك ككوهر()Substance واحملتك ككوى( ،)contenuوالتّمييك ككز بك ككني ّ
السككيميائيّة قككد أولككت اهتمامهككا بدراسككة احملتككوى ،فإ ّّنككا سككلكت
كك فيككه هككو"أ ّن ّ
فإمنمككا الشك ّ
ّ
ذات املسككلك يف تقسككيم هككذا احملتككوى إىل شكككل وجككوهر :جككوهر :ويتمثّككل يف ال ّداللككة الّككيت
يتضمنها اخلطاب .شكل :ويتمثّل يف التنظيم الشكلي للحكاية وفكق مبكدأ النّحكو السكردي ّ
تتأس ككس عليه ككا
الّككذي ،وعل ككى غ كرار األحن ككاء اللّغويّككة ،جيم ككع ب ككني العالق ككات التّص ككنيفيّة الّككيت ّ
ال ّدالال ككة والعمليّككات الرت يبيّ ككة الّككيت تن ككتظم م ككن خالهلاال ّدالل ككة،46".م ككا يع ككين أن بني ككة الس ككرد
بدورها تنقسم إىل حمتوى وتعبري عنه ،وهذان بدورمها ينقسمان إىل شكل وجوهر.
أي أن مما ينبغي التّشديد عليه هو أ ّن غرمياس بناءً على ثنائييت التعبري واحملتوى
فلقد"ظل غرمياس لصا للنظرة احملايثة قصد بناء مشروع علمي ّ ضبط النّص السردي
للمع ،فهو مل حيد عنها قيد أمنلة ،ومنه إ ّن غرمياس أظهراإلمكانات الثّرة ملفاهيم
649 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
اخلاصة مبجتمع
-3االستعمال )usage( :وهو عبارة عن مجلة من العادات ّ
47
ما".
وهكذا نكون قد قمنا باإلشارة إىل الرافد اللساين وأهم مفاهيمه ومصطلحاته
اليت انت هلا عميق األثر يف بلورة النظرية الغرمياسية ،إشارة من شأّنا إزاحة سدول
السرديّة.
الغموض والتسهيل على القارئ يف التعرف عى املرجعية اللسانية لنظرية العامل ّ
ب-الروافد المعرفية:
ونقصد هبا تلك اخللفيات واملعارف اليت استند إليها غرمياس وعلى رأسها من
حقل الدراسات األدبية والنقدية اليت انت ممتزجة بالعلوم اإلنسانية وخاصة
األنثروبولوجيا ،مل يلتزم غرمياس مببدأ احملايثة يف بناء مشروعه السردي بل راح ينفتح
ويتوسل بدراسات سابقيه فصاغ من خالهلا منوذجه العاملي.
ّ
650 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
ما أنّه " ال نسطيع أن نرصد األصول العلميّة للبحث السيميائي بقطع النظر
عن املظهر التّنظريي العام لبحوث الشكالنيني الروس الّيت ظهرت خالل احلقبة للمناهج
خاصة مع الرت يز على
التقليدية ودراسة األدب بوصفه جمموعة شكليّة حتكمها قوانني ّ
49
تؤديها يف جممل النّص".
العناصر النّصيّة والعالقات املتبادلة بينها وعلى الوظيفة الّيت ّ
ويف مق ّدمة الشكالنيني الروس الباحث بروب الذي "حظيت مسألة األشكال األدبيّة
االجتاه
خاص .ويع ّد فالدمري بروب Vladimir Proppالباحث الوحيد يف ّ ّ ...باهتمام
تعمقا م ّكنه من استخراج بنيتها.ويعترب تابه
تعمق يف دراسة احلكاية ّ الشكالين الذي ّ
50
الشكالنيني".
املوسوم مورفولوجية احلكاية...النّموذج األ ثر نضجا يف حبوث ّ
وهذه الروافد تعد ر يزة مهمة اتكأ عليها غرمياس لبناء تصوره ،ولعلنا نرتب
تلك املرجعيات املعرفية انطالقا من اإلرث األنثروبولوجي ،مرورا بنموذج فالدميري بروب
الذي يعد حجر الزاوية لدى غرمياس ،وصوال إىل لود ليفي سرتاوس وغريه ممّن عنوا
السردية:
بال ّدراسات ّ
ب-1-اإلر األنثروبولوجي:
متثّل أعمال جورج دوميزال مصدر إهلام لغرمياس يف صيّاغته لنموذجه العاملي
تأمالته حول النماذج العامليّة من حتديد مستويني للوصع – حيث"ينطلق غرمياس يف ّ
خاصة حبثه املتعلّق بوصع العامل
الشكل -وهو يناقش أعمال األسطوري دوميزالّ ، ّ
اإلهلي ،حملّال إيّاه برويّة ،وذلك باتّباع الطريقة املزدوجة التّاليّة:
651 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
-2التّطرق إىل صفاته الّيت متيّزه عن ا هلة ا خرين ،من خالل أَسائه أو نعوته
51
السمة األخالقيّة الّيت يتّصع هبا"
وتبيان ّ
مؤداهاأ ّن مثّة "تعريفان لإلله :التّعريع
مما أفضى بغرمياس إىل اخلروج بنتيجة ّ
مؤديا لوظيفة الفعل ملا له من فعاليّة أسطوريّة ،يف حني جند التّعريع
األول ،يعترب اإلله ّ
ّ
52
تصور اجلماعة ألخالقه" . ا خر ميوقعه باعتباره عامال منظورا إليه من حيث ّ
أي أننا أمام ما ميكن تصنيفه ضمن اخللفيات الالهوتية واألسطورية ،فأصل
الفعل واحلر ة صادر عن اإلله ،فهو منوذج الفاعل احلق ،الذي له الفاعلية من جهة،
وصفات الكمال من جهة أخرى ،يؤدي وظائع ويتصع بصفات ،وهذا ما جنده يف
عوامل غرمياس اليت تؤدي وظائع وحتتوي على مؤهالت تتيح هلا امتالك القيم اليت تتجه
وظيفتها العاملية حنوها.
جل الباحثني
ممّا ال خيتلع فيه اثنان هو أ ّن "أعمال بروب مصدر انبثاق إلهلام ّ
من بعده ،وإشعاع فكري تشهد له أحباثهم ،ألّنا امتداد حاصل عن فرز وحصر ومراجعة
الروسيّة" ،53"...ويتب ّدى لنا مما تق ّدم بأ ّن
لتصوره "مورفولوجية احلكاية العجيبة ّ
وإضافة ّ
مثال بروب الوظائفي اسرتعى اهتمام الباحثني وعلى رأسهم غرمياس ،الذي قطع الوشائج
بينه وبني الدراسة النقدية اليت تتسم بالطابع التقليدي ،يف مبادرة منه لفسح اجملال
للتفكري العلمي أثناء التعامل مع النصوص.
فلقد درس فالدمري بروب احلكاية الشعبيّة واليت تتح ّدد حبسبه"بصفتها تواليا
جملموعة من الوظائع الّيت تع ّد ثابتة وحت ّدد يف إحدى وثالثني وظيفة" ،55وهذه هي
اخلطوة األساسية يف رصده العلمي،وعقب هذا "أثار بروب مسألة التنظيم العاملي يف
الشخصيّات"بدائرة
"بالشخصيّات" ،وتتح ّدد هذه ّ ّ يسميه
احلكاية وتتمثّل يف ما ّ
األفعال"الّيت تنجزها ،و ّل دائرة أفعال هي مؤلّفة من جمموعة من الوظائع ،أل ّن الوظائع
الّيت ح ّددها تنتظم داخل دوائر األفعال" ،56فهنا تظهر ثنائية الفعل أو الوظيفة يف مقابل
الشخص أو العامل.
ّ
آلية :االختزال ،ومتثلت يف تقليص عدد الوظائع ،وإزاحة ثري منها خاصة
املكرر ،والذي ميكن أن ينضوي حتت غريه.
وهكذا حتمل الشخصيات حسب دراسة فالدمري بروب بعدا وظيفيا وال ّذي
جعل غرمياس يتجاوزها باستبدال الوظيفة بالعامل مع إجراء التّعديالت الالّزمة على عمل
بروب ،فصاغ غرمياس على إثر ذلك منوذجه العاملي ال ّذي يصلح جلميع اخلطابات ،بل
وينطبق عليها ،خبالف وظائع بروب اليت قد يوجد بعضها يف خطاب سردي وال يوجد
يف آخر ،ومع ذلك فلم يكن لغرمياس بد من اتباع خطى بروب ألن عمله يتأطر "عموما
الشكليّة الّيت تع ّد حمايثة
ضمن تص ّور منهجي رصني هو البحث يف شبكة العالقات ّ
للحكايات الشعبيّة الّيت ح ّددها يف منت عام" ،58لكن ذلك ال مينع من انتقاده لربوب
حيث "يصوغ غرمياس انطالقا من هذا النموذج نتيجة مغايرة للمسلّمة الربوبية الّيت حتملنا
للمهمات ،ذلك أ ّن التّمفصل ّ على االعتقاد بأ ّن احلكاية مبنيّة على التّتابع الكرونولوجي
املهمات الثّالث
حىت ولو تعاقبت ّ السردي جيري جمرى التّتابع املعكوسّ . املنطقي للبناء ّ
الزمين ،فإنّه ال توجد أيّة ضرورة منطقيّة تعلّل
ط ّ الواحدة تلو األخرى على طول اخل ّ
املمجدة" ،59فهذه إحدى ّ باملهمة
ّ باملهمة احلاَسة وهذا
ّ املهمة التّأهيليّة
التحاق ّ
التعديالت الغرمياسية للنموذج الربويب فيما خيص البنية الزمنية للخطاب السردي.
لكن وإن ع ّد النموذج الربويب خطوة ج ّد هامة حنو فهم واستيعاب آليات
جمرد؛ أل ّن فالدمري بروب
اشتغال النّص احلكائي،فإنّه بقي رغم ذلك ،رهني مستوى ّ
خاصية هذا النموذج وعن مقدرته على إنتاج جمموعة من
أقصى يف دراسته التكلّم عن ّ
اخلاصة ،ما أمهل شيء مهما جدا وهو
ّ نص سرديلمسته
لكل ّ
البنيات اخلطابيّة الباثّة ّ
املكونة للنموذج ،فهذه بعف جوانب اهلفوات
الرابطة بني جل الثنائيّات ّ
تفسري العالقات ّ
يهتم
الّيت سقط فيها يف منوذج بروب واليت عمل غرمياس على تدار ها األمر الّذي جعله ّ
صوب "مثال بروب الوظائفي اهتماما ،دفعه إىل درجة العمل على تعميق مفاهيمه
السردية ،يفما انت طبيعتها ال ّداللية ،وهذا
تصور منطقي شامل لألجناس ّ وبلورهتا يف ّ
هو الفارق اجلوهري بينه وبني بروب الذي مل يعر انتباها لتلك األجناس ،األمر الذي
654 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
60
جعل حبثه يدور يف نطاق ضيق ،ال يتجاوز حدود االشتغال باحلكاية اخلرافية، ".
الشعبية ،فتشكل يف ضوئهافالنّموذج الربويب بقي أسريا للمادة املرصودة وهي احلكاية ّ
السردية بأجناسها املختلفة ،فجاء
منوذجا ضيقا األفق ،ال يغطي إشكاالت اخلطابات ّ
ليوسع من هذا النموذج حنو إمداده بالكفاءة املنهجية العالية الّيت تنمحه االقتدار
غرمياس ّ
السردية بأجناسها وتالوينها.
على احتواء وتغطية افّة اخلطابات ّ
فغرمياس بذلك حاول دحر سدول اللّبس اليت انت تكتنع منوذج بروب
الوظائفي وخصوصا التطبيق الضيق له والذي اقتصر على احلكاية الشعبية دون غريها من
لكل اخلطابات األدبية وغري
األنواع األدبية األخرى ،ليستنبط -غرمياس -منوذجا يصلح ّ
يتوصل إليه بروب ،وهو الفارق
األدبية ،ما يعين أن غرمياس أعطى"...البديل الذي مل ّ
اجلوهري بينهما واملتمثّل يف عدم ا رتاث هذا األخري باألجناس األخرى وحتديده جملال
ضيق يف الدراسة ،وهو احلكاية اخلرافية ،بينما راح األخر يوسع النطاق يف العمل من
61
أجل الوصول إىل معرفة لية شاملة للتصرف البشري".
ما أن غرمياس أعاد النظر يف تصور بروب مستنبطا منوذجا توفيقيا "يؤلع فيه
بني األداة واملانح للحصول على عامل "املساعد" ، Adjuvantوبني املعتدي والغادر
الذي "الفاعل"Sujet
احملققان لعامل " املعارض"،Opposantفيما يشخص البطل يف دور
يسعى للبحث عن الشخص املطلوب-األمرية-وهي عامل "موضوع القيمة" Objet de
valeurاملرغوب فيه ،ويف األخري ،يأخذ الوالد-نقصد والد األمرية -صفة العامل
"املرسل" Destinateurويقابله املفوض يف صفة "املرسل إليه" ،62".Destinataireأي أنه
اختزل الشخوص حتت مسميات عاملية مشرت ة ،ما منح منوذجه دقة وصرامة وجتريدا
أ رب مما ان عليه منوذج سلفه بروب.
655 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
وال يقع أمر التأثر عند هذا احلد ،ف"استنادا إىل النّموذج الربويب والتّعديالت
املنهجيّة الّيت أجراها عليه أ.ج .غرمياس وج .ورتيس ،حنصل يف ّناية التّحليل على
يتأسس عليه اإليعاز والتّقومي ،وبعد
السيميائيّة :بعد معريفّ :
بعدين أساسيني يف النّظرية ّ
تداويل :ندر ه من خالل عمل الفاعل" ،63وهي قضايا جزئية تتضح بشكل أ رب عند
التعرض إىل شرح نظرية غرمياس السيميائية السردية.
وبذلك ان ألفكار بروب تأثري على الدارسني البنيويني الذين أرادوا املضي
قدما بأفكاره لتصب يف نظرية الرواية بتعميق أ رب ،فحاولوا إقامة تصنيع للوظائع أ ثر
إيغاال يف التجريد والتعميم مما فعل هو ،ولذا عد بروب دائما إرهاصا قويا للبنيوية األدبية.
ما ميكن أن نسجل أن غرمياس راجع عمل بروب متقفيا بذلك الفجوات
اليت سقط فيها هذا األخري ،حماوال بذلك-غرمياس -س ّدها عرب التصويبات اليت سنّها،
بيد أن هذا ال يع إنكارا جلهود بروب باملرة ،وإمنا ان ذلك يف إطار تقليد معريف
أصيل ،صار يعرف فيما بعد مبمارسة نقد النقد ،وهي ممارسة تستند إىل آليات
656 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
ومقوالت ،منها العام ،ومنها اخلاص ،وقد متت اإلشارة سابقا إىل أن غرمياس اعتمد يف
حواره مع مشروع بروب على آلية االختزال ،وآلية االستبدال.
يعد لود ليفي سرتاوس أحد أعمدة األنثربولوجية يف القرن العشرين ،حيث
استطاع املتح من منجزات البنيوية وخاصة للباحثني سوسري ويا بسون ،وع ّد ليفي
سرتاوس مهزة وصل وذلك عندما راح يسقط منوذج اللسانيات على تلع األنظمة
الثقافية من خرافة وأسطورة..اخل
657 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
خيص
ما قام ليفي سرتوس بتوجيه ع ّدة انتقادات لربوب ولنموذجه فيما ّ
"الشكلنة اليت أحدثها و انت سببا يف التمييز الذي أواله بالبعد النظمي ملساعدته على
التطبيق امليكانيكي ،وتوقّع التحليل على مستوى البنيات السطحيّة ،خاصة إذا ما تعلّق
األمر باألحباث امليثولوجية املقارنة اليت ميكن البتّة إخضاعها هلكذا دراسة أل ّّنا ال تستقيم
حتليال وتطبيقا" ،68األمر الّذي جعل سرتاوس "يضيّع احملتوى سعيا منه للمرور إىل
اجملرد إىل امللموس يع ّد أمرا
اجملرد ،ممّا ّأدى إىل جعل العودة من ّ
احملسوس وصوال إىل ّ
مستبعدا" 69وال ريب أن غرمياس يف نقده لفالدميري بروب ان قد استعان بالنقد الذي
وجهه لود ليفي شرتاوس إليه ،لذا ميكن القول بأن غرمياس قد قرأ مشروع بروب يف ضوء
قراءة شرتاوس له ،لذلك تب ّدت آثار ذلك يف مشروعه هو ،حيث سعى إىل جتاوز مالمح
العامية والبساطة عند بروب ،فرّ ز على املضامني والب العميقة ،ما أن آلية االختزال
املشار إليها آنفا ان قد اشتغل عليها شرتاوس قبل غرمياس ،ما يعين يف املآل أن سريورة
املشروع السردي الغرمياسي مرت بدون شك على مرحلة النقد الذي تق ّدم به شرتاوس.70
فضال عن منوذج بروب الذي استفاد منه غرمياس ،راح هذا األخري ذلك ميتح
71
من عمل سوريو والذي"استنبط أيضا مفهوم الوظيفة الدرامية من [" E.Souriau
التطورات والتّحوالت،
يضم جمموع ّ "انطلق من النصوص املسرحيّة مبلورا منوذجا عامليّاّ ،
اليت يزخر هبا النص املسرحي " ،72ولع ل هذا ما يؤيد عمق ومشولية منوذج غرمياس الذي
استفاد من ل التجارب حىت تلك اليت ان املسرح موضوعا هلا.
658 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
فبعد بروب بعشرين سنة و"انطالقا من املسرح ميّز سوريو شخصيّات األدوار
ويلمح إلمكانية توزيع غري منظّم للقسمني وهذه يسميها "الوظائع ال ّدراميّة" ّ
(الّيت ّ
املوجهة ،ممثّل اخلري مرغوب فيه ،القابف املفرتض
األدوار هي التّايل" :القوة املوضوعاتية ّ
املوجهة) :املعارض العشوائي ،فاعل
هلذا األخري (الذي تعمل لصاحله القوة املوضوعية ّ
اخلري ،املساعدة ،مضاعفة إحدى اجلهود السابقة )" ،73وبنظرة خاطفة إىل هذه
التمييزات نلمح اخليوط اخلفية لعوامل غرمياس بادية للعيان ،بل جند ذات املصطلحات
تتكرر ،مثل :مرغوب ،املعارض ،املساعد...
ويتجلى أمهّية عمل سوريو يف أنّه "برهن على أ ّن التأويل العاملي ميكن تطبيقه
ّ
على نصوص تلفة من احلكايات الشعبيّة [النصوص املسرحيّة ...هو تصنيع جتد
القصة الّيت ال تش ّكل عنده سوى سلسلة من ال ّذوات ال ّدراميّة ،وبني
التمييزات نفسها بني ّ
مستوى الوصع ال ّداليل الّذي ينجز انطالقا من الوضعيّات القابلة للتّفكري يف إجراء
74
عوامل".
املوجهة.
-األسد .........القوة التّيماتيكيّة ّ
املوجهة.
الشمس.......ممثّل اخلري املرغوب فيه والقيمة ّ
ّ -
-مارس........املعا س.
659 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
-امليزان.......احلكم ،املانح.
660 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
-املساعد.
79
-الضديد.
ب-5-نموذج تنييرTesniere:
مل تستطع نظرية غرمياس أن تنفلت من قبضة النحو البنيوي ،إذ راهن غرمياس
على دراسة تنيري وذلك باالستناد عليها ساعيا إىل بناء منوذجه العاملي ،فدراسة تنيري
تعد"اخللفية األساسية اليت ب عليها جرمياس نظريته العاملية .فتسنيري يعترب
يقسم األفعال إىل نوعني:
الفعل ،Verbe/مر زا منظّما للعالقات العامليّة ممّا جعله ّ
أفعال احلدث وأفعال احلالة ،80".هذا يف إطار بنية اجلملة اللغوية.
الزاوية
ومنه نلفي أ ّن غرمياس أحدث تعديال على تصور تنيري من زاويتني "فمن ّ
الزاويّة الثّانية :جيب
وردها إىل وضعها ال ّداليل ،ومن ّ
األوىل :جيب تقليص العوامل الرت يبيّة ّ
جتميع ّل الوظائع املنطويّة داخل منت ما ،وإسنادها إىل عامل واحد ( ،)...وهبذا
تصبح اجلملة باعتبارها مسرحا للفرجة منطلقا لتوليد بنية تر يبيّة برية هي :بنية اخلطاب
السردي ،81".وهذا يدل على عبقرية غرمياس يف حتوير حنو اجلملة إىل حنو للخطاب
لتصور سردي مصغر.
السردي ،من جهة أ ّن اجلملة نواة أساسيّة ّ
ومن هذه الزاوية يذهب غرمياس بالقول إىل أ ّن " ل العوامل مهما انت نوعية
82
يعربون عن التّجلي يف لّيته"
العالقة الّيت تشجهم ّ
تنمي من عدد فغرمياس يرى بأنّه "إذا انت اللّغة الطبيعيّة ال ميكن أن ّ
العوامل ،فإ ّن هذه الفضاءات ال ميكن أن حت ّدد بصفتها ال داالّ ّإال إذا نظرنا إليها
661 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
83
باعتبارها فرجة أو مشهدا ،أي النّظر إليها بصفتها بنية عامليّة، ".فنحن بصدد نوع من
تغيري النظرة التقليدية إىل اجلملة إىل نظرة جديدة تعتربها مشهدا متحر ا.
وعلى أية حال فال ميكن رصد ل تأثريات تنيري يف غرمياس ،فيكفي أن نشري
إىل حمورية تصوره لرت يب اللغة الطبيعية ،و يع نقله غرمياس إىل اخلطاب السردي.
الخاتمة:
وهكذا يظهر لنا مما تق ّدم أ ّن مثة عدة روافد سامهت يف تشكل دواليب النظرية
السيميائية ،من خالل وقفة غرمياس على ختوم دراسات سابقيه حبيث جنح يف بلورة
الرافد اللّساين واملعريف ،وهكذا "استطاعت السيميائية الغرمياسيّة أن
مشروعه داخل بوتقة ّ
خاصا ونطقا تلفا ،ال يشبه تلك املناهج فيما تلزم به تكتسب هيئة جديدة وقواما ّ
نفسها ،فيما يأخذ هو منها ،84".ففيه من ل ما يف تلك ،لكنه ليس واحدا منها ،وهنا
مكمن الفرادة.
ويف األخري ما يسعنا إال أن نكرر ما ذهب إليه الد تور عقاق قادة عندما
السردي ،هو مشوليتها يف
وخباصة يف اجملال ّ
ّ لعل أهم ما تتميّز به هذه النظرية،
قال" :و ّ
التّصور وعمقها يف التّحليل ،وقدرهتا على النّفاذ إىل باطن النّص ،من خالل الكشع عن
آليات انتظامه ،وحتديد القواعد املتح ّكمة يف تنظيم مستوياته.85".
ما ال ميكن إغفال ا ليات اليت حاور من خالل غرمياس مشاريع سابقيه،
مثل :آلية االختزال ،فقد اختزل الوظائع الربوبية ،وآلية االستبدال ،فقد استبدل ثريا من
املصطلحات ،مثل الوظيفة اليت وضع بدهلا العامل ،وآلية التعديل باحلذف أو باإلضافة،
وآلية التأهيل فقد أهل منوذج تسنيري الرت ييب إىل أن يكون حتديدا للخطاب السردي ،ل
هذا يعكس االشتغال االبيستيمولوجي على مستوى آليات إنتاج اخلطاب املضمرة
وإذا ما أردنا أن نصوغ خالصة لكل ما سبق فإنه ميكن القول بأ ّن غرمياس
حاور ر اما من املعارف السابقة يف حقول حبثية شىت ،اختزلناه حنن هنا يف رافدين مها:
-1الرافد اللساين ويدور اعتماد غرمياس فيه على منجزات فرديناند دي سوسري
ومدرسة براغ ولويس هيلمسليع.
ويبقى هذا جمرد تقريب للصورة واملشهد ،وإال فاألمور أعقد بكثري مما يفسح
جماالت أخرى ملطارحتها برؤى ومداخل تلفة ،أن يدرس عمل غرمياس هنا يف ضوء
نقد النقد وآلياته اليت نا أشرنا مرارا إىل جانب مهم منها.
1
القصة حتليال وتطبيقا ،ال ّدار التونسيّة للنّشر والتّوزيع ،ط،1985 ،1
َسري املرزوقي ومجيل شا ر :مدخل إىل نظريّة ّ
ص111:
2نادية بوشفرة :مباحث يف السيميائية السردية ،دار األمل للطباعة والنّشر ،تيزي وزو ،د ط ،2008 ،ص09:
3
عقاق قادة :اخلطاب السيميائي يف النقد املغاريب-دراسة ،-دار األملعيّة للنّشر والتّوزيع ،ط،2014 ،1ص18:
4ومن أصدق األمثلة على ذلك البنيوية اليت جتاوزت حدود اللغويات بل وحدود اإلنسانيات إىل حقول معرفية أبعد
الفيزياء والرياضيات ،ينظر مثال :الرويلي والبازعي ،دليل الناقد ،ص.68 ،67:
5
السيميائي يف النقد املغاريب-دراسة ،-ص18
عقاق قادة :اخلطاب ّ
663 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
664 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019
نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د .حداد خديجة
73تزفيطان تودوروف :مفاهيم سردية :تر :عبد الرمحان مزيان ،منشورات االختالف ،وزارة الثقافة ،الطّبعة األوىل،
،2005ص77
74سعيد بنكراد :مدخل إىل السيميائيات السردية ،ص45
75
A. A.J.Greimas; Sémantique structural; P176
76عبد اجمليد نوسي :التحليل السيميائي للخطاب الروائي(البنيات اخلطابية-الرت يب-الداللة) ،ص212
77
الصفحة نفسها.
املرجع نفسهّ ،
78سعيد بنكراد :السيميائيات السردية-مدخل نظري ،-ص74
عبد القادر شرشار :حتليل اخلطاب األديب وقضايا النص ،منشورات ترب اخلطاب األدبيفي اجلزائر ،دار األديب،
79
وهران ،اجلزائر ، 2006،ص60:
80
السردية-جرمياس منوذجا ،-ص52
للسيميائيات ّ
سعيد بوعيطة :املرجعيّة املعرفيّة ّ
81
السرديّة ،ص47-46
السيميائيّة ّ
سعيد بنكراد :مدخل إىل ّ
82
A.J Greimas, Du sens ll. Ed, Seuil, Paris, 1983, p67
83
الرت يب -ال ّداللة" ،ص208
الروائي" البنيات اخلطابيّةّ -
عبد اجمليد نوسي :التحليل السيميائي للخطاب ّ
84عقاق قادة :اخلطاب السيميائي يف النّقد املغاريب-دراسة ،-ص25
85عقاق قادة :اخلطاب السيميائي يف النّقد املغاريب-دراسة ،-ص.21:
667 محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ،المجلد ،03العدد ، 01ص ص ، 667 - 634جوان 2019