You are on page 1of 34

‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .

‬حداد خديجة‬

‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة‬

‫‪Grimas' semiotic theory and its linguistic and cognitive‬‬


‫‪references‬‬

‫د‪ .‬ح ّداد خديجة‬


‫‪khadidjafadal03@gmail.com‬‬

‫جامعة عبد الحميد بن باديس‪-‬مستغانم‪-‬‬


‫تاريخ القبول للنشر‪2019/05/25 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2019/05/24 :‬‬

‫المل ّخص باللغة العربيّة‪:‬‬

‫مت ّكن جوليان أجلريداس غرمياس رفقة جمموعة من الباحثني من تالميذته أن‬
‫يؤسس لدرس سيميائي يتّكئ على مجلة من املفاهيم اجلديدة والقدمية يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫توصل‬
‫ومتفردة يف التّحليل السردي انطالقا من مجلة النتّائج الّيت ّ‬
‫حبيث بين نظريّة جديدة ّ‬
‫اجلواين للنّصوص‪ ،‬لذلك‬‫إليها سابقوه يف هذا اجملال‪ ،‬فنادى أنصار هذه املدرسة بالتحليل ّ‬
‫السردية‪.‬‬
‫أهم املرتكزات اللسانية واملعرفيّة الّيت بلورت السيميائيّات ّ‬
‫ليرتصد ّ‬
‫يأيت هذا املقال ّ‬
‫الروافد اللسانيّة واملعرفيّة‪.‬‬ ‫الكلمات المفتاحيّة‪ :‬السيميائيّات ّ‬
‫السردية‪ّ ،‬‬

‫‪634‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬
‫‪Absact: Keywords: Semantic Seminaries, Linguistic and‬‬
‫‪Cognitive Lexicons.‬‬
‫‪Julian Algredas Grimas, together with a group of his students,‬‬
‫‪established a semantic study based on a number of new and old concepts.‬‬
‫‪He built a new and unique theory of narrative analysis based on the‬‬
‫‪findings of his predecessors. So this article comes to watch the most‬‬
‫‪important linguistic and cognitive bases that crystallized the semantic‬‬
‫‪descriptive‬‬

‫تمهيـد‪:‬‬

‫للشكك هكو أ ّن جوليكان أجلريكداس غرميكاس‪"J.A.Greimas‬‬ ‫ممّا ال يدعو جماال ّ‬


‫يؤسس لدرس سكيميائي يتّككئ علكى مجلكة‬ ‫مت ّكن رفقة جمموعة من الباحثني من تالميذته أن ّ‬
‫السككردي‬
‫مككن املفككاهيم اجلديككدة والقدميككة يف ا ن نفسككه‪ ،‬حبيككث يبككين نظريكّكة جديككدة للتّحليككل ّ‬
‫توصككل إليهككا ك ّكل مككن سككبقوه‬
‫والكشككع عككن ال ّداللككة واملعك انطالقككا مككن تلككع النتككائج الّككيت ّ‬
‫‪1‬‬
‫يف هذا اجملال‪".‬‬

‫وعطفا على ما سبق ذ ره لقد اتّكأ غرمياس يف تشييد معمار "نظريّة العامل‬
‫السرديّة"على مصادر انت مبثابة اللّبنات األولية للبناء‪ ،‬إذ " انت سببا يف بلورة‬
‫السردية إ ّّنا اإلرهاصات األوىل الّيت يستوجب اإلشارة إليها‪ ،‬لِ َما هلا من فضل‬
‫السيميائية ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫األديب املعاصر على العموم‪".‬‬
‫وأمهّية يف ترسيخ البعد املعريف يف النّقد ّ‬
‫وعليه"ال ميكننا احلديث عن نظريّة ما‪ ،‬واختبار فاعليّتها اإلجرائيّة بكيفيّة‬
‫يتم حتديد أصوهلا العلميّة وسرب خفايا خلفيّاهتا‬ ‫واضحة خاليّة من ّل لبس‪ ،‬ما مل ّ‬
‫النّظريّة‪ ،‬وضبط امتداداهتا املعرفيّة يف تقاطعها مع حقول معرفيّة أخرى"‪ ،3‬خاصة وأن‬
‫النظريات النقدية احلديثة صارت منفتحة على شىت املعارف تستقي منها وتتحاور معها‬
‫بل وتضيع إليها‪.4‬‬
‫‪635‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫نقدي لنظريّة ما‪ ،‬دون‬


‫ّ‬ ‫وهكذا فك‪":‬ليس يف اإلمكان‪-‬يف نظرنا‪ -‬ترسيخ وعي‬
‫متبصر لسيّاقها التّارخيي‪ ،‬وأسسها املعرفيّة وأصوهلا‬
‫ّ‬ ‫وهم‬
‫معريف مكني‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫سند‬
‫‪5‬‬
‫السيميائيّة هو تارخيها وهذا يف احلقيقة حال‬
‫العلميّة‪ ، ".‬وعليه ميكننا أن نقول بأن ّ‬
‫املناهج والنظريات ذات الب والروافد املتشابكة واملتعالقة فهي مفاهيم تقارب‪ ،‬نلج إليها‬
‫من خالل مداخل شىت ونلمحها من نوافذ متعددة ونلملم من ذلك مفهوما مر با هلا ال‬
‫يعدو يف األخري أن يكون مقاربة‪.‬‬

‫أن الوقوف على روافد "نظرية العامل ال َّسردية" أ ُثر من‬ ‫ويُ ْستَ َشع ممّا تقدَّم َّ‬
‫ضرورة ُملِ َّحة‪ ،‬وحتمية منهجية؛ ألنه أمر يكفل تطبيق إجراءاهتا بعيدا عن ل خطأ‬
‫حمتمل‪ ،‬فالتّعاطي مع النّظريات واملناهج وهي مقطوعة الصلة عن سيّاقاهتا اليت أفرزهتا‬
‫مظان الغلط وعدم التّمثل واالستيعاب‪.‬‬‫يعترب من أ ثر ِّ‬

‫أهم اخللفيات اليت اتَّكأ عليها غرمياس لتنضيد‬


‫وهكذا تأيت هاته املقالة لتب ّني ّ‬
‫املرجعي للنظرية املذ ورة‪ ،‬وتشابك احلقول‬
‫َّ‬ ‫نظريَّتِه العامليَّة‪ ،‬وهدفنا أن َّ‬
‫نرتصد التَّعدَّد‬
‫ِ‬
‫تشكالهتا اليت استقرت عليها يف حقل‬ ‫ت من خالهلا تلك النظريةُ‬ ‫املعرفيَّة اليت َر ََسَ ْ‬
‫السيميائيات السردية‪.‬‬

‫‪-1‬روافد السيميائية السر ّدية اللسانية والمعرفيّة‪:‬‬

‫أ‪-‬الروافد اللّسانيّة‪:‬‬

‫الرافد اللّساين الّذي ش ّكل األرضية‬


‫من خالل هذا العنصر ستكون لنا وقفة مع ّ‬
‫اليت قامت عليها النّظرية الغرمياسية‪ ،‬فاللّسانيات احلديثة انطالقا من اللحظة السوسريية‬
‫انت مسامهة يف أغلب املناهج واملفاهيم والنظريات النقدية بوجه أو بآخر‪ ،‬فال خيلو أثر‬

‫‪636‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫نقدي من أثر لساين امن فيه‪ ،‬ألن اللسانيات انت مبثابة املساءلة االبيستيمولوجية‬
‫العامة للغة يف ل متظهراهتا‪.‬‬

‫وعليه فال غرو أن يكون اإلرث اللّساين مسامها يف بزوغ النموذج العاملي‬
‫الغرمياسي إىل الوجود‪ ،‬حيث يتّفق الكثري من الباحثني أ ّن اللّسانيّات أثّثت اخلطاب‬
‫السيميائي وأغنته‪ ،‬وأسهمت بشكل بري يف بلورة مقوالته وإضافة إىل توحيد‬ ‫النّقدي ّ‬
‫مفاهيمه؛ وذلك ألنّه امتداد هلا وتطوير لياهتا اإلجرائيّة‪ ،‬بل األ ثر من ذلك هناك من‬
‫يذهب بالقول إىل أ ّن السيميائيّات ما هي ّإال نقل حريف للسانيّات ممّا ي ّدل على أنّه مثّة‬
‫وشائج قرىب بني السيميائية السردية واللسانيات‪.‬‬

‫وهكذا "لقد ارتبطت السيميائيات السرديّة باإلرث اللّساين من خالل جمموعة‬


‫الصادر سنة ‪[ 1956‬راهنيّة النزعة السوسرييّة يرى غرمياس‬‫من املفاهيم‪ ،‬ففي مقاله ّ‬
‫ضرورة استفادة العلوم اإلنسانيّة من ثنائيّة سوسري حبيث يشري إىل ون أصالة مسامهة‬
‫ختص فهم العامل باعتباره شبكة من العالقات أو‬ ‫اخلاصة اليت ّ‬
‫ّ‬ ‫حتول نظريّته‬
‫سوسري يف ّ‬
‫باعتباره بناء ألشكال ذات مع إىل نظريّة للمعرفة ومنهاجيّة لسانيّة"‪ ،6‬أي أ ّن غرمياس‬
‫ينتقل بالثنائية السوسريية من بعدها األلسين إىل بعد أرحب وهو البعد املعريف املنهجي‪،‬‬
‫لتصري طريقة يف البحث‪ ،‬وهذا هو جوهر التفكري السيميائي رغم أن اللّسانيات باتت‬
‫تش ّدد على املطالبة ب‪":‬وضع قانوين يسمح هلا باستقالل شخصيّتها بني العلوم‬
‫األخرى‪ ...‬وحتليل النّص من زواياه اللسانيّة والتّداوليّة والتّواصليّة األدبيّة"‪ ،7‬ومن هنا‬
‫انت احلظوة للسيميائيات اليت أخذت من اللسانيات أهم ما فيها ووسعت نظرهتا‬
‫للخطاب حنو حتديدات متنوعة املداخل مبا تتيحه العالمة من أشكال وأنساق دالة‪.‬‬

‫ل ككذلك البك ك ّد لن ككا م ككن الوق ككوف عن ككد بع ككف املف ككاهيم اللّس ككانية ال ككيت تع ككد ج ككذورا‬
‫للس ككيميائية الغرمياس ككية‪ ،‬وذل ككك أ ّن "بع ككف املص ككطلحات اللس ككانية األساس ككيّة ال ككيت ككان هل ككا‬

‫‪637‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬
‫‪8‬‬
‫السككردي للنظريككة السككيميائية" ال ميكككن اسككتيعاب األخككرية إال‬
‫الصككعيد ّ‬
‫عميككق األثككر يف بنككاء ّ‬
‫عرب متثلها جيدا‪ ،‬ومن بني هاته التصورات اللسانية الّيت أثرت السيميائيات السرديّة نذ ر‪:‬‬

‫‪-1‬تصور دي سوسير‪]FerdinanddeSaussre[:‬‬

‫يع ّد تصور دي سوسري مر زي يف شجرة السيمياء احلديثة‪ ،‬حيث إن "املتتبّع‬


‫السيميائي املعاصر‪ ،‬يلحظ دون مش ّقة أ ّن املنحدرات العلميّة‪ ،‬تظهر من بعف‬
‫للتطور ّ‬
‫جوانبها وبشكل ملموس يف ال ّدراسات األلسنيّة وعلى وجه التّحديد يف مؤلّع "دروس يف‬
‫العامة" لفارديناند دي سوسري‪ ،9"FerdinanddeSaussre‬وهذا يدل على‬ ‫األلسنيّة ّ‬
‫أ ّن مثّة وشائج تربط بني السيميائيات واللسانيات‪ ،‬فال ميكن الفصل بينهما‪.‬‬

‫ننوه إىل أ ّن سوسري أبو اللسانيات احلديثة‪ ،‬حيث " ان‬ ‫ما ال يفوتنا أن ّ‬
‫السيميائيّة‪،‬‬
‫سن املفاهيم العلميّة األوىل اليت استخدمتها ّ‬
‫لدي سوسري ال ّدور األساسي يف ّ‬
‫مثل‪ :‬اللغة‪/‬الكالم‪ ،‬ال ّدال‪ /‬املدلول‪ ،‬الوحدة‪/‬االختالف"‪ ،10‬وهكذا ان لثنائيّات سوسري‬
‫فعال يف بلورة نظرية غرمياس السيميائية‪ ،‬بل ان هلا عميق األثر يف هذه األخرية‬ ‫دور ّ‬
‫فكانت مبثابة الر يزة الكربى اليت استند إليها املشروع الغرمياسي ومن بني هاته الثنائيات‬
‫نذ ر‪:‬‬

‫أ‪-‬اللغة والكالم‪langue/parole:‬‬

‫أن اللغة تتحدد بكوّنا"منظَّم ًة عرفيَّة ترمز إىل نشاط اجملتمع وهذه‬ ‫الشك َّ‬
‫َّ‬
‫املنظّمة تشتمل على عدد من األنظمة يتألّع ّل واحد منها من جمموعة من املعاين‪،‬‬
‫"املباين"املعربة عن هذه املعاين"‪ ،11‬يف‬
‫ّ‬ ‫تقع بإزائها جمموعة من الوحدات التَّنظيميّة أو‬
‫حني يكَتَ َحدَّد الكالم بأنه "فعل فردي نابع من اإلرادة وال ّذ اء إنّه تأليفات من خالهلا‬
‫الشخصي"‪12‬ويتب ّدى لنا ممّا تق ّدم‬
‫يستخدم املتكلّم سنن اللّسان بغرض التّعبري عن فكره ّ‬

‫‪638‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫أن مثّة فرقا واضحا وجليّا بني اللغة والكالم‪ ،‬إذ تتعلّق األوىل باجلماعة ّأما الثّاين بالفرد‪،‬‬
‫من جهة‪ ،‬وتعرب اللغة عن نظام أو نسق تواصلي فيما يعرب الكالم عن التجسيد الفردي‪،‬‬
‫أي‪ :‬أن هذه القسمة السوسريية هي أساس التفكري الداليل البنيوي‪ ،‬فهناك ب امنة أو‬
‫جتسدات هلا متنوعة‪ ،‬ما أن القصص أو الروايات تلفة لكنها ترجع‬ ‫افرتاضية‪ ،‬وهناك ّ‬
‫إىل منوذج أعلى يشكل مفاصل اشتغاهلا‪ ،‬ذلك النموذج الذي شع عنه الشكالنيون‬
‫أول األمر على يد فالدميري بروب مث اشتغل عليه غرمياس فيما بعد‪.‬‬

‫ب‪-‬مبدأ االختالف‪La déffirence[ :‬‬

‫مبدأ االختالف عبارة عن مقولة مر زية يف الفكر اللساين احلديث‪ ،‬فقد" أرسى‬
‫قواعده "سوسري" واستعمله لل ّداللة على أ ّن املفاهيم املتباينة تكون معرفة ليس بشكل‬
‫إجيايب من مضموّنا‪ ،‬وإّمنا بشكل سليب من عالقتها مع العناصر األخرى للنظام"‪.13‬‬

‫ومن الواضح أن مبدأ االختالف مبدأ للمخالفة والتباين والتميّز يتداخل مع‬
‫معناه مفهوم مكاين‪ ،‬مبا أن املفاهيم بالضرورة ال بد أن تنطبع داخل األنظمة والب‬
‫حيث تتم عملية اإلحالة واملرجعية إىل املفاهيم األخرى‪ :‬تنطبع ما يقول سوسري بشكل‬
‫سليب‪ ،‬أي‪ :‬بشكل غري متحيز‪ ،‬ألن اللغة تتكون من االختالفات فقط‪!14‬‬

‫يتم إالّ من خالل حضور‬‫ويتب ّدى لنا ممّا تقدم بأ ّن استنباط مع اللّفظ ال ّ‬
‫تنظم األحكام‬
‫اليت ّ‬
‫املتضادة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وهي الثنائيات‬ ‫هامة أال ّ‬‫ض ّده‪ ،‬ومن هنا ترتاءى لنا مسألة ّ‬
‫عن طريق التقابل نفيا وإثباتا‪ ،‬ما يظهر جبالء النَّك َفس البنيوي ملسألة االختالف اليت هي‬
‫إفراز من إفرازات النظر والتفكري من خالل الب واألنظمة‪ ،‬فالعناصر ليست معزولة بل‬
‫تعقد عالقات وظيفية مع غريها يف إطار البنية‪ ،‬تلك العالقات هي يف احلقيقة مبثابة‬
‫احملددات للعنصر‪.‬‬

‫‪639‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫وهكذا فإ ّن "االنطالقة انت مع سوسري‪ ،‬حني وجد أ ّن املع ال يكون إالّ مع‬
‫تطور ال ّدراسات‬
‫ويف االختالف‪ ،‬وهو املبدأ الذي ّتوجته ال ّدالليّة مسار حبث هلا يف ّ‬
‫‪15‬‬
‫حىت أضحى االختالف البوتقة الّيت من خالهلا يتشكل املع ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫البنيويّة" ‪ّ ،‬‬
‫حاول غرمياس أن يتبناه يف نظريته العامليّة‪.‬‬

‫فقد استثمر غرمياس مبدأ االختالف صائغا بذلك تصوره الذي يبتغي من‬
‫"تصور جديد يقتضي فيه‬
‫ّ‬ ‫خالله حتليال علميا للنّص السردي‪ ،‬ومن مثّة اهتدى إىل‬
‫االقرتاب من املسألة ال ّداللية‪ ،‬الستيعاب االختالفات املنتجة للمع دون اال رتاث‬
‫لطبيعته يف إطار بنية تدرك حبضور عنصرين (على األقل) تربطهما عالقة بطريقة أو‬
‫‪16‬‬
‫التع حول هذا املبدأ‪ ،‬مستثمرا إيّاه مهتديا إىل‬
‫بأخرى" ‪ ،‬من هذا نلفي أن غرمياس َّ‬
‫تصور مغاير بغية الوصول إىل ال ّداللة من خالل االختالفات الّيت تفضي بدورها إىل املع‬
‫ّ‬
‫وذلك بوجود عنصرين تؤطرمها عالقة ما‪ ،‬وهكذا "فإ ّن متفصل العامل ال ّداليل إىل وحدات‬
‫السيم‬
‫معنويّة صغرى(السيمات) يناظر الفنيمات املميّزة لصعيد التّعبري‪ ،‬ومن الواضح أ ّن ّ‬
‫بوصفه وحدة دالليّة قاعديّة ال حي ّقق وجوده ّإال يف عالقته بعنصر آخر‪ ،‬ولئن انت‬
‫وظيفته خالفيّة بال ّدرجة األوىل‪ ،‬فإنّه يستحيل أن يدرك خارج إطار البنية"‪ ،17‬فإنتاج‬
‫الداللة عملية اختالفية يف ظل التّفكري البنيوي‪.‬‬

‫ونستنتج يف األخري أ ّن االختالف معطى لساين منطقي‪ ،‬منح ملشروع غرمياس‪-‬‬


‫بصورته السوسريية‪-‬أبعادا سيميولوجية يف إنتاج الداللة وتبليغها‪.‬‬

‫‪ -2‬تصور رومان جاكبسون‪[] R.Jakobson[:‬مدرسة براغ]‬

‫الشكالنيّة فهي "حلقة ألسنية عرفت فيما بعد‬


‫انبثقت مدرسة براغ من املدرسة ّ‬
‫الشبان"‪ ،18‬وإذا‬
‫ب‪ :‬حلقة براغ‪ ،‬وقد استقطبت هذه املدرسة العديد من علماء األلسنيّة ّ‬
‫انتبهنا إىل أّنا ذات عالقة وطيدة بالشكالنية وعرفنا دور الشكالنيني الرائد يف الدراسات‬
‫‪640‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫ذات النَّك َفس البنيوي للغة ولألدب على يد فالدميري بروب ورومان جا بسون وأضراهبم‪،‬‬
‫إذا عرفنا واستذ رنا ذلك له مل يعسر علينا أن نربط الصالت بني حلقة براغ الوظيفية‬
‫وبني سيميائية غرمياس السردية‪.‬‬

‫فه ككذه املدرس ككة"من تأس ككيس روم ككان جا بس ككون(‪)R.Jakobson‬وتروبتز ككوي‬
‫(‪)Troubetwkoy‬وأنك ك ككدري مك ك ككارتيين(‪،)A.Martinet‬ومفاهيمه ك ك ككا مسك ك ككتقاة م ك ك ككن‬
‫وجهككت اهتمامهككا إىل ربككط األص كوات‬ ‫أعمككال سوسككري حككول علككم اللغككة احلككديث‪ ،‬إالّ أ ّّنككا ّ‬
‫بال ّداللككة واملع ك ‪ ،19"...‬أي أّنككا مدرسككة اشككتغلت أ ثككر علككى املسككتوى الصككويت يف الظككاهرة‬
‫خاصكة‬
‫اللغوية وظيفيكا ودالليكا‪ ،‬وهككذا عرفكت "مدرسكة بكراغ مبشكار تها يف تطكوير األلسكنيّة‪ّ ،‬‬
‫فيمككا يتعلّككق بعلككم األصكوات‪ -‬الفونولوجيككا (‪ -)La phonologie‬الّككذي يعككين دراسككة‬
‫أصوات اللغة من حيث وظائفها وخضوعها لقواعد معيّنة‪.20".‬‬

‫الصويت يف سبيل مسعاه حنو تطوير نظريّته‬ ‫توسل بالنّموذج ّ‬ ‫ونلحظ أ ّن غرمياس ّ‬
‫الصوايت(‪ )Modèlephonologique‬مصدر إهلام‬ ‫وهكذا " ان النّموذج ّ‬
‫لغرمياس‪ ،‬حني إعداده للبنية األساسيّة لل ّداللة احمل ّققة للمربع السيميائي‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫طوره انطالقا من عالقة الفاعل باملرسل واملرسل إليه يف عمليّة مترير‬
‫النموذج العاملي الّذي ّ‬
‫الرسالة"‪ ،21‬فكانت "هذه االعتبارات شديدة الفعاليّة‪ ،‬تستجيب ملساعي غرمياس‬ ‫وتبليغ ّ‬
‫الصلبة لدراسة‬
‫السيميائيّة مرورا بالقوانني البنيويّة ّ‬
‫االفرتاضيّة‪ ،‬من انتقال ال ّدالليّة إىل ّ‬
‫‪22‬‬
‫خاصة يف جمال الفلكلور"‬
‫الظواهر – يفما انت‪ّ -‬‬
‫الشك فيه أن غرمياس استعان باملخطّط التّواصلي جلا بسون الذي‬ ‫ّ‬ ‫ومما‬
‫ّ‬
‫الشفرة‪ ،‬والسياق الذي يصل بينهما‬
‫الرسالة‪ ،‬و ّ‬
‫يشمل‪" :‬املرسل‪ ،‬املتل ّقي‪ ،‬وقناة االتّصال‪ ،‬و ّ‬
‫هذا ويلخص بعف الباحثني أثر حلقة براغ اللسانية يف مشروع غرمياس من‬
‫خالل اإلشارة إىل اعتماد األخري مفهوم الثانية اليت تساهم يف تشييد البنية األولية‬
‫‪641‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫للداللة‪ ،‬وقد حدد هذه الثنائية باعتبارها عالقة بني ح ّدين‪ ،‬ما ميّز بني مفهوم الثّنائية‬
‫العلميّة اإلجرائيّة واملنهاجيّة الثّنائية‪ ،‬وقد استلهم غرمياس هذه الثّنائية من اللّساين‬
‫تقر بوجود تقابل بني عالقتني‪ :‬عالقة التّناقف وعالقة‬ ‫جا بسون‪ ،‬تلك الثّنائية اليت ّ‬
‫التّضاد‪ ،‬عالقة احلضور والغياب‪.23‬‬

‫لتصور جا بسون يف النظرية‬


‫الرحلة العجلى اتّضح لنا التأثري الكبري ّ‬
‫ويف هاته ّ‬
‫السيميائيّة لغرمياس‪.‬‬

‫تصور نعوم تشومسكي‪(Noam chomsky):‬‬


‫‪ّ -3‬‬
‫تصور تشومسكي لبناء نظريّته‬ ‫الشك أ ّن غرمياس اتّكأ أيضا على أرضية ّ‬
‫ّ‬
‫السردية‪ ،‬فقد استندت هذه األخرية على "قواعد "تشومسكي" التّوليديّة لرتسم نوعني من‬
‫ّ‬
‫السطحيّة‪ ،‬وهي‬
‫السرد‪ ،‬والبنية احمل ّققة ّ‬
‫الب ‪ :‬البنية العميقة وهي منوذج خيتزن ّل إمكانات ّ‬
‫نص سردي"‪24‬؛أي أن هناك بنية عميقة تشكل افرتاضا‬‫صورة من هذه اإلمكانات يف ّ‬
‫إمكانيا ال وجود له إال يف صورة فاءة أو ملكة أو قدرة امنة‪ ،‬تقابلها بنية سطحية‬
‫وجمسد‪ ،‬فهي يف‬
‫تش ّكل متظهرا ألحد إمكاناهتا واحتماالهتا‪ ،‬وهو متظهر واقعي متح ّقق ّ‬
‫السوسرييّة‬
‫احلقيقة ثنائية تنخرط يف ذات السياق االبيستيمولوجي لثنائية‪ :‬لسان‪ /‬الم ّ‬
‫الشهرية‪.‬‬

‫‪-1-3‬الكفاءة واألداء‪Compétence/Performance:‬‬

‫إن أول م ككن ض ككبط مفه ككوم ه ككذه الثنائي ككة اللس ككانية سوس ككري وتشومس كككي مثّ ق ككام‬
‫غرميككاس ب‪ ":‬اسككتيعاب اإلرث اللسككاين (السوسككريي) ومتثّلككه يف مشككروع يرتكككز أساسككا علككى‬
‫التشومس كككية ال ككيت يتبنّاه ككا غرمي ككاس ويص ككهرها يف مفهم ككة جدي ككدة ت ككويل أمهي ككة‬
‫املص ككطلحيّة ّ‬
‫للعناصر اليت تدخل يف تشكيل الكفاءة وللبعدين املعريف والتّداويل لكألداء"‪،25‬أي أن هنكاك‬

‫‪642‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫ناسكال هلكذا املفهكوم الثنككائي مكن لكدن سوسكري إىل تشومسكككي إىل أن تلقفكه غرميكاس‪ ،‬مضككيفا‬
‫إليكه بعكدين مهككا البعكد األديب عمومككا والسكردي خصوصكا‪ ،‬بعككد أن كان ذلككك املفهكوم لسككانيا‬
‫خالصا‪.‬‬

‫هذا ويطلق"تشومسكي القدرة على إنتاج اجلمل وتفهمها‪ ،‬يف عمليّة تكلّم‬
‫السامع‪ ،‬وهي‬‫اللغة‪ ،‬والكفاءة اللّغوية‪ ،‬على املعرفة الضمنيّة للّغة اليت ميتلكها املتكلّم و ّ‬
‫نظام داخلي من القواعد الّيت مت ّكن اجلهاز احملدود من إنتاج وفهم عدد ال حمدود من‬
‫‪26‬‬
‫امللفوظات‪".‬‬

‫و مككا أش كرنا آنفككا فهككذا املفهككوم التشومسكككي لثنككائييت الكفككاءة‪/‬األداء انبثككق مككن‬
‫دراس ككة سوس ككري حينم ككا وض ككع ح ككدودا فاص ككلة ب ككني اللغ ككة والك ككالم؛ إذ يتك ككئ"إدراك مفه ككوم‬
‫"تشومسكي" على فهم التّمييز األلسين الّذي أشاعه "فردينانكد دو سوسكري" حكني ميّكز بكني‬
‫اللّغككة نظككام لككه قواعككده وأعرافككه(‪ ،)Lange‬وبككني (الكككالم) أو عمليّككة القككول الفعليّككة الّككيت‬
‫يقوم هبا شخص ما (‪ )Parole‬ضمن هكذا النّظكام اللّغكوي‪ ،‬أي الفكرق بكني النّظكام اللّغكوي‬
‫السككلوك الفككردي حينمككا ميككارس الفككرد لغتككه‪ ،‬جاء"تشومسكككي"ليطلق مصككطلح‬ ‫املقعككد وبككني ّ‬
‫(الق ك ك ك ككدرة‪/‬الكفاءة) عل ك ك ك ككى م ك ك ك ككا أَساه"سوس ك ك ك ككري"باللغة (‪)Langue‬ومص ك ك ك ككطلح األدائيّ ك ك ك ككة‬
‫السك ككلوك الفك ككردي حينمك ككا ميك ككارس شك ككخص مك ككا عمليّك ككة القك ككول‬
‫(‪ )Performance‬علك ككى ّ‬
‫والكالم"‪.27‬‬

‫إال أنه جيب التنبه إىل أن هناك فرقا بني الطرح التشومسكي والطرح‬
‫السوسريي‪ ،‬فاألخري يرى أن السلوك اللغوي الفردي هو جمرد انعكاس للنظام اللغوي‪،‬‬
‫وبذلك ميكننا استقصاء املمارسات الفردية لنشتق بالتايل ل قوانني اللغة‪ ،‬أما تشومسكي‬
‫فريى أن النظام اللغوي ال ميكن استقصاؤه من خالل جمموع سلوك أفراد اللغة الواحدة‪،‬‬
‫ولذلك هو يذهب إىل أن النظام اللغوي ينطوي على إمكانات وجود تعابري مل يسبق هلا‬

‫‪643‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫أن خرجت إىل حيز الوجود‪ ،‬مل ينطقها أحد أبدا وستبقى هذه اإلمكانية قائمة مهما‬
‫‪28‬‬
‫حاول الباحثون أن يستقرؤوها‪...‬‬

‫ما يعين أن تشومسكي يفتح احتماالت ال ّنائية لتجسدات النظام فرديا يف‬
‫ضوء تقنيات التحويل والتوليد يف مستويات الظاهرة اللغوية‪.‬‬

‫تتفرع‬
‫هذا وميكن أن نشري إىل أ ّن مفهوم تشومسكي فاءة‪/‬أداء أنسب لئن ّ‬
‫السرد‪ ،‬وال أدل على ذلك من استثماره على يد غرمياس‪ ،‬وعلى‬‫عليه نظريّات يف األدب و ّ‬
‫يد ناقد أديب آخر وهو جوناثان ولر يف سبيل بناء نظرية شعرية بنيوية‪.29‬‬

‫أما يع استثمر غرمياس هذا املفهوم التشومسكي وهو ما يهمنا هنا‪،‬‬


‫فالكفاءة تتجسد"‪ -‬من منظور غرمياس ويف بعف جوانبها‪ -‬يف معرفة الفعل‪ ،‬هذا الشيء‬
‫الذي جيعل حدوث الفعل ممكنا‪ ،‬ولئن انت معرفة الفعل حدثا بالقوة‪ ،‬فإ ّّنا مستقلّة عن‬
‫الفعل الذي تقوم عليه‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬إ ّن الكفاءة اللسانيّة ليست شيئا لذاته‪ ،‬بل هي‬
‫حالة خاصة لظاهرة أمشل تدخل يف إطار إشكالية الفعل اإلنساين وتؤسس الفاعل بوصفه‬
‫عامال(‪ ،30")actant‬وهنا نلحظ توظيع غرمياس للثنائية املنطقية‪ :‬القوة‪/‬الفعل وهي‬
‫صورة عقلية لثنائيته اللغوية‪ ،‬ومن مثّة "ينظر غرمياس إىل األداء اللّساين على أنّه حالة‬
‫متنوعة‬
‫تسخر لفهم النّشاطات اإلنسانية الّيت تأخذ أشكاال ّ‬
‫عامة ّ‬ ‫خاصة ضمن إشكاليّة ّ‬ ‫ّ‬
‫‪31‬‬
‫يف اخلطابات" ‪ ،‬فاللغة ترمجة للفعل اإلنساين أو ميكن القول بأن الفعل اإلنساين امن‬
‫بالقوة يف اللّغة اإلنسانية‪.‬‬

‫وهكذا "مييّز غرمياس على هذا األساس بني نوعني من األداءات‪ :‬نوع‬
‫يستهدف امتالك قيّم اجلهة (‪ ،)valeursmodales‬ونوع آخر يتميّز بامتالك وإنتاج‬
‫القيّم الوصفيّة (‪ ،32")valeursdescriptives‬فاألداء السردي العاملي عبارة عن‬
‫امتالك وإنتاج للقيم ما سيظهر أ ثر عند شرح مشروعه‪.‬‬
‫‪644‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫يف املآل ومما ال شك فيه أ ّن غرمياس نبش يف املشروع التّشومسكي وراح يأخذ‬
‫مصطلحي "الكفاءة واألداء" ليدجمهما يف احلقل السيميائي‪.‬‬

‫‪-2-3‬مبدأ المحايثة‪:‬‬

‫مما ارتفدت به السيمائية السردية أيضا مبدأ احملايثة‪ ،‬فهي هتدف "إىل دراسة‬
‫التّجليّات ال ّدالليّة من ال ّداخل مرتكزة يف ذلك على مبدأ احملايثة‬
‫‪33‬‬
‫باجلوانية يف أيّة دراسة مستبعدة ل ما هو‬
‫(‪ "…)immanence‬منادية بذلك ّ‬
‫واقع يف اخلارج‪ ،‬ما يعين أن هناك نفسا بنيويا متأصال يف السيميائية السردية يؤ ده مبدأ‬
‫"احملايثة" فما املقصود به إذن؟‬

‫أي‬
‫و"املقصود بالتّحليل احملايث أ ّن النّص ال ينظر إليه ّإال يف ذاته مفصوال عن ّ‬
‫السياقات‬
‫شيء يوجد خارجه‪ ،‬واحملايثة هبذا املع هي عزل النّص والتّخلّص من ّل ّ‬
‫أي شيء‬‫مستقل بذاته وميتلك داللته يف انفصال عن ّ‬
‫ّ‬ ‫نص‬
‫احمليطة به‪ ،‬فاملع ينتجه ّ‬
‫آخر"‪ ،34‬فال ّداللة تتولّد من خالل األنساق والوظائع ال ّداخلية للنّص‪ ،‬دون أي تفاعل‬
‫مع سياقه اخلارجي‪ ،‬أي أن هناك ثقة مطلقة يف إفصاح النص عن وامنه من خالل ذاته‪.‬‬

‫وقد " ّرس فرديناندي سوسري‪ de SaussureFerdinand‬هذا املبدأ‬


‫اللساين يف تابه دروس يف اللسانيات العامة يف أثناء حديثه عن استقاللية اللّسانيات يف‬
‫موضوعها ومنهجها"‪ ،35‬و ان ذلك يف زمن طغت فيه الدراسات التارخيية واملقارنة‬
‫للظاهرة اللغوية‪ ،‬ما جعل اللغة تفتقد ذاتيتها لصاحل سياقاهتا املنتجة‪ ،‬فجاء سوسري‬
‫ليخلّصها من هذا االستالب ومينحها استقالال ذاتيّا ومنهجيّا‪ ،‬سرعان ما انتقل إىل‬
‫الظّاهرة األدبيّة ومنها السرد باعتبارها فرعا عن الظاهرة اللغوية‪ ،‬فدخل مبدأ احملايثة إىل‬
‫النقد األديب ضمن التيار البنيوي‪ ،‬الذي ال ميكن إنكار حضوره املر زي يف مشروع‬
‫غرمياس السردي‪.‬‬
‫‪645‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫وعليه فإذا ان"دوسوسري وأتباعه قد أ ّ دوا على دراسة اللغة دراسة حمايثة‪،‬‬
‫وأقصوا املرجع واإلحاالت اخلارجيّة من ضمن اهتماماهتم‪ ،‬فإ ّن السيميائيّة السردية‬
‫الغرمياسيّة انت سبّاقة إىل االستفادة من املردوديّة التّحليليّة هلذا املبدأ يف حتديد‬
‫مستويات ال ّداللة وأمناط تش ّكلها"‪ ،36‬وهذا ما شكل صورة بارزة للمنزع البنيوي يف‬
‫املشروع الغرمياسي رغم أنه مشروع سيميائي باألصالة‪.‬‬

‫ويف الطّككرح نفس ككه س ككار هيلمس ككليع"ليؤ د عل ككى ض ككرورة اس ككتبعاد الوق ككائع غ ككري‬
‫اللسككانية مككن عمليككة الوصككع‪ ...‬انطالقككا مككن هككذا التحديككد الككذي يش ك ّكل قفككزة نوعيككة يف‬
‫الدراسككات اللسككانية‪ ،‬سككيعمد غرميككاس إىل صككياغة مبككدأ احملايثككة يف البحككوث السككيميائية وفككق‬
‫منظورين‪ :‬يب املنظور األول على مقولكة التصكديق(‪)véridiction‬املتمفصكلة إىل حمكوري‬
‫احملايثكة (الكينونككة) والتّجلككي (الظكاهر)‪ ،‬تتفككرع حمصككلة هككذه الثنائيكة األساسككية يف مرتبككة أعلككى‬
‫إىل أربع مقوالت تظهر يف املربع التصديقي‪.37".‬‬

‫وعلى أيّة حال فمبدأ احملايثة عبارة عن مبدأ منطقي بنيوي‪ ،‬استعان به غرمياس‬
‫يف إنتاج ال ّداللة باإلصغاء إىل النص وفقط‪.‬‬

‫تصور لويس هيلمسليف‪:‬‬


‫‪ّ -4‬‬
‫انصب‬
‫ّ‬ ‫إ ّن حضور هيلمسليع يف مشروع غرمياس ان حموريا أيضا‪ ،‬حيث‬
‫تر يز "هيلمسليع على حتديد البنيان األساس للّغة‪ ،‬ليصل منه إىل أ ّن علم األلسنيّة‪،‬‬
‫الب ّد له من أن يعمل على دراسة اللغة ال على ّأّنا جمموعة من الظواهر غرياللّغوية‪-‬‬
‫الفيزيائيّة‪ ،‬الفيزيولوجيّة‪ ،‬النّفسيّة‪ ،‬املنطقيّة‪ ،‬واالجتماعيّة‪ ،38".‬ما أن منظوره اللّغوي‬
‫خيتلع عن منظور سوسري‪ ،‬فبحسبه "ليست الوحدة اللّسانية األساسيّة هي ال ّدليل ( ‪Le‬‬
‫‪ )signe‬ما يزعم سوسري‪ ،‬إّمنا هي عند هيلمسلع وحدات أصغر تكتشع عن طريق‬
‫املادية‬
‫الصفات ّ‬
‫االستبدال (‪ )Le paradigme‬فهو يرفف الوظيفة والوصع بواسطة ّ‬
‫‪646‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫السمات املميّزة ويف املقابل يعتمد العالقات النّسقيّة –النّظمية‪Lesrelations (-‬‬


‫و ّ‬
‫‪39‬‬
‫‪ )syntagmatiques‬الّيت تربط األصوات ببعضها واملعاين ببعضها ا خر"‬

‫خاصا‪ ،‬حيث مل‬


‫سقية‪...‬اجته هبا ّاجتاها ّ‬
‫ّ‬ ‫وهكذا "أنشأ هيلمسليع النظرية النّ‬
‫األول لدى سوسري‪،‬‬
‫يعتمد يف دراسة الوحدات اللّسانيّة على مبدأ التقابل وهو املفهوم ّ‬
‫ؤدي بنا إىل منح صفة اإلجيابية لتلك الوحدات‪ ،‬بينما يعترب هيلمسليع‬
‫أل ّن هذا املبدأ ي ّ‬
‫الشكليّة‬
‫السلبيّة مادامت ال حت ّدد نفسها بنفسها‪ ،‬بل مبجموع العالقات ّ‬
‫الوحدة يف غاية ّ‬
‫اليت تقيمها مع بقيّة وحدات اللّسان‪ ،40".‬وال ريب أن هذا االفرتاق النظري عن‬
‫السوسريية ولد افرتاقا على مستوى املصطلح‪ ،‬فبدل ثنائية‪ :‬دال‪/‬مدلول السوسريية يأيت‬
‫هيلمسليع بثنائية‪ :‬التعبري‪/‬احملتوى‪ ..‬وهكذا ف ك ك "إ ّن اعتماد سيميوطيقا السرد على‬
‫هيلمسليع‪ ،‬جعلها تع ّد أ ّن ّل موضوع سيميوطيقي يتمفصل إىل عبارة وحمتوى‪ ،‬فإذا‬
‫السيميوطيقا جماال لتحليلها‬
‫انت العبارة متثّل التّمظهر اللّغوي‪ ،‬فإ ّن احملتوى الّذي حت ّدده ّ‬
‫السردية احملايثة‪ ،‬وتشمل‬
‫السيميائيّة ّ‬
‫يتكون من البنيات ّ‬‫مادة دالليّة وشكل ّ‬ ‫يتمفصل إىل ّ‬
‫املكونة "للحكاية"‬
‫املقومات والعمليّات والفعل الرت ييب‪ .‬وهذه العناصر هي ّ‬ ‫العالقات بني ّ‬
‫اليت تتمظهر عرب البنيات اخلطابيّة"‪ ،41‬أي‪ :‬أننا بصدد ثنائيتني متقابلتني‪ :‬التعبري‪/‬احملتوى‪،‬‬
‫والشكل‪/‬املادة‪ ،‬تنتج عنها أربع عالقات من ضرب اثنني يف اثنني ما سيأيت‪ ،‬ما يعين أن‬
‫العالمة عند هيلمسليع أ ثر تعقيدا وتفريعا منها عند سوسري‪.‬‬

‫ومنه "فاعتمادا على مفاهيم هيلمسليع‪ :‬عبارة‪/‬حمتوى‪ ،‬بصفتها مفاهيم‬


‫إجرائيّة ‪ ،‬ذهبت سيميوطيقا السرد إىل أ ّن ل موضوع سيميوطيقي(خطاب سردي)‬
‫يتمفصل إىل عبارة وحمتوى‪ ،‬وأ ّن احملتوى هو املوضوع العلمي الّذي حت ّدده السيميوطيقا‬
‫جماال لل ّدراسة‪-‬غري أ ّن هذا احملتوى يدرس أساسا من خالل الشكل‪ ،‬وهو الّذي سيشمل‬
‫الرت ييب)"‪.42‬‬
‫البنيات السيميائيّة السردية احملايثة (املظهر املورفولوجي و ّ‬

‫‪647‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫على أن هذا الكالم ما زال يكتنفه الغموض بسبب تعقيد مفاهيم هيلمسليع‬
‫ما يفرض علينا أن نضع عنوانا خاصا لشرح ثنائيته باعتبارها حمددا مرجعيا ال غ عنه ملن‬
‫أراد أن يتمثل الطرح الغرمياسي‪.‬‬

‫‪1-4‬التّعبير والمحتوى‪contenu / Expression:‬‬

‫ال جرم أ ّن" ّأول من تنبّه إىل هذه الثّنائيّة يف ال ّدراسات اللّسانيّة احلديثة هو‬
‫"هياملسليع" وذلك سنة ‪ ،1940‬فقد هاجم هذا ال ّدامنار ي نظريّات "براغ"‪ ،‬وع ّدها‬
‫الشكلي من اللّغة فقط‪ ،‬لذلك وضع لسانيّات جديدة َسّاها‬ ‫هتتم باجلانب ّ‬
‫نظريّات ّ‬
‫السيميائية املستقبليّة‬
‫" لوسيماتيكيّة" ‪ ،Glossématique‬ومحل معها إىل النّظريات ّ‬
‫سيتم االهتمام به بعد عشرين‬
‫مضمونا مزدوجا هو التّعيني والتّضمني‪ ،‬هذا املضمون الذي ّ‬
‫‪43‬‬
‫خاصة‪".‬‬
‫سنة من طرف "روالن بارث" ّ‬
‫وهكذا فربأي هيامسليع عند حتليل النصوص اللغوية الب ّد من الوقوف على‬
‫مهمتني ومها ‪ :‬التعبري‪/‬احملتوى وقد استعاض هبما "هيامسليع"عن‬ ‫ختوم ثنائيتني ّ‬
‫مصطلحي ال ّدال واملدلول لدى "دي سوسري"‪ ،‬واعترب"هياملسليع" أن"التعبري‬
‫واحملتوى"مفهومان متساوقان ال ميكن االستغناء عن أحدمها فبينهما عالقة تالزمية‬
‫يستدعي أحدمها ا خر‪.‬‬

‫الغين عن البيان أن"قيمة هذه الثنائية ال تكمن يف نعت طريف ال ّداللة ب‬‫و ّ‬
‫"العبارة" و"احملتوى"بدال عن "ال ّدال"و"املدلول"بقدر ما تتجلّى يف التفريعات املنبثقة من‬
‫يتضمن ثنائيّة الش ّكل واجلوهر"‪ ،44‬وهنا مربط الفرس‬
‫رحم هذه الطّرفني؛ إذ ّل طرف ّ‬
‫يف نظرية هيلمسليع الذي حيث ينتج من ربط الشكل باحملتوى أو باملادة أربعة‬
‫مستويات‪:‬‬

‫‪648‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪)1‬جوهر احملتوى‬

‫)شكل احملتوى‬

‫‪)3‬شكل التعبري‬
‫‪45‬‬
‫‪)4‬جوهر التعبري‬

‫فاجلوهر هو اجلانب املادي‪ ،‬والشكل هو اجلانب الصوري؛ أي‪ :‬أننا أمام‬


‫تشقيق لثنائية الدال واملدلول باَسيها اجلديدين‪ :‬تعبري‪/‬حمتوى يف ضوء الثنائية املنطقية‬
‫األرسطية التقليدية وهي املادة‪/‬الصورة‪ ،‬ما يعين يف املآل أن لسانيات هيلمسليع منطقية‬
‫صارمة يف حتليالهتا‪ ،‬وال خيفى أّنا قد أمدت غرمياس هبذا املنزع املنطقي‪.‬‬

‫وإذا ككان مككن رهانككات لككويس هيملسككع الّككيت حققهككا إدراج هككذين املفهككومني يف‬
‫دوالي ككب البح ككث اللس ككاين احل ككديث م ككن خ ككالل الفص ككل ب ككني التعب ككري(‪،)Expression‬‬
‫الشك كككل(‪ ،)Forme‬واجلك ككوهر(‪)Substance‬‬ ‫واحملتك ككوى(‪ ،)contenu‬والتّمييك ككز بك ككني ّ‬
‫السككيميائيّة قككد أولككت اهتمامهككا بدراسككة احملتككوى‪ ،‬فإ ّّنككا سككلكت‬
‫كك فيككه هككو"أ ّن ّ‬
‫فإمنمككا الشك ّ‬
‫ّ‬
‫ذات املسككلك يف تقسككيم هككذا احملتككوى إىل شكككل وجككوهر‪ :‬جككوهر‪ :‬ويتمثّككل يف ال ّداللككة الّككيت‬
‫يتضمنها اخلطاب‪ .‬شكل‪ :‬ويتمثّل يف التنظيم الشكلي للحكاية وفكق مبكدأ النّحكو السكردي‬ ‫ّ‬
‫تتأس ككس عليه ككا‬
‫الّككذي‪ ،‬وعل ككى غ كرار األحن ككاء اللّغويّككة‪ ،‬جيم ككع ب ككني العالق ككات التّص ككنيفيّة الّككيت ّ‬
‫ال ّدالال ككة والعمليّككات الرت يبيّ ككة الّككيت تن ككتظم م ككن خالهلاال ّدالل ككة‪،46".‬م ككا يع ككين أن بني ككة الس ككرد‬
‫بدورها تنقسم إىل حمتوى وتعبري عنه‪ ،‬وهذان بدورمها ينقسمان إىل شكل وجوهر‪.‬‬

‫أي أن مما ينبغي التّشديد عليه هو أ ّن غرمياس بناءً على ثنائييت التعبري واحملتوى‬
‫فلقد"ظل غرمياس لصا للنظرة احملايثة قصد بناء مشروع علمي‬ ‫ّ‬ ‫ضبط النّص السردي‬
‫للمع ‪ ،‬فهو مل حيد عنها قيد أمنلة‪ ،‬ومنه إ ّن غرمياس أظهراإلمكانات الثّرة ملفاهيم‬
‫‪649‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫وخباصة أنّه ّبني املستويات‬


‫ّ‬ ‫السيميائيّة‪،‬‬
‫يامسليع اللّسانية ومرونتها داخل جهاز املفاهيم ّ‬
‫الثّالثة للّسان‪:‬‬

‫‪-1‬اخلطاطة(‪ )Shéma‬وهي عبارة عن شكل صرف للّسان‪.‬‬

‫مادي حم ّدد سلفا‪.‬‬


‫‪ -2‬املعيار (‪ )norme‬وهو عبارة عن شكل ّ‬

‫اخلاصة مبجتمع‬
‫‪ -3‬االستعمال‪ )usage( :‬وهو عبارة عن مجلة من العادات ّ‬
‫‪47‬‬
‫ما‪".‬‬

‫فبصفة عامة ميكن اخللوص إىل "أ ّن "غرمياس" استفاد من املصطلحات‬


‫السرديّة‪ ،‬ورصد حر ة العوامل‪ ،‬ومن مثّ الكشع‬‫الرت يبة ّ‬
‫تصوره لدراسة ّ‬‫اللّسانية يف بلورة ّ‬
‫الروافد اللّسانية‪ ،‬فقد استفاد أيضا من روافد‬
‫عن املع العميق للنّص‪ ،‬و ما استثمر ّ‬
‫معرفيّة أخرى‪ ،‬هي أساس بلورة النّموذج العاملي إجراءً للتّحليل لديه‪.48".‬‬

‫وهكذا نكون قد قمنا باإلشارة إىل الرافد اللساين وأهم مفاهيمه ومصطلحاته‬
‫اليت انت هلا عميق األثر يف بلورة النظرية الغرمياسية‪ ،‬إشارة من شأّنا إزاحة سدول‬
‫السرديّة‪.‬‬
‫الغموض والتسهيل على القارئ يف التعرف عى املرجعية اللسانية لنظرية العامل ّ‬
‫ب‪-‬الروافد المعرفية‪:‬‬

‫ونقصد هبا تلك اخللفيات واملعارف اليت استند إليها غرمياس وعلى رأسها من‬
‫حقل الدراسات األدبية والنقدية اليت انت ممتزجة بالعلوم اإلنسانية وخاصة‬
‫األنثروبولوجيا‪ ،‬مل يلتزم غرمياس مببدأ احملايثة يف بناء مشروعه السردي بل راح ينفتح‬
‫ويتوسل بدراسات سابقيه فصاغ من خالهلا منوذجه العاملي‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪650‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫ما أنّه " ال نسطيع أن نرصد األصول العلميّة للبحث السيميائي بقطع النظر‬
‫عن املظهر التّنظريي العام لبحوث الشكالنيني الروس الّيت ظهرت خالل احلقبة للمناهج‬
‫خاصة مع الرت يز على‬
‫التقليدية ودراسة األدب بوصفه جمموعة شكليّة حتكمها قوانني ّ‬
‫‪49‬‬
‫تؤديها يف جممل النّص‪".‬‬
‫العناصر النّصيّة والعالقات املتبادلة بينها وعلى الوظيفة الّيت ّ‬
‫ويف مق ّدمة الشكالنيني الروس الباحث بروب الذي "حظيت مسألة األشكال األدبيّة‬
‫االجتاه‬
‫خاص‪ .‬ويع ّد فالدمري بروب ‪Vladimir Propp‬الباحث الوحيد يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪...‬باهتمام‬
‫تعمقا م ّكنه من استخراج بنيتها‪.‬ويعترب تابه‬
‫تعمق يف دراسة احلكاية ّ‬ ‫الشكالين الذي ّ‬
‫‪50‬‬
‫الشكالنيني‪".‬‬
‫املوسوم مورفولوجية احلكاية‪...‬النّموذج األ ثر نضجا يف حبوث ّ‬

‫وهذه الروافد تعد ر يزة مهمة اتكأ عليها غرمياس لبناء تصوره‪ ،‬ولعلنا نرتب‬
‫تلك املرجعيات املعرفية انطالقا من اإلرث األنثروبولوجي‪ ،‬مرورا بنموذج فالدميري بروب‬
‫الذي يعد حجر الزاوية لدى غرمياس‪ ،‬وصوال إىل لود ليفي سرتاوس وغريه ممّن عنوا‬
‫السردية‪:‬‬
‫بال ّدراسات ّ‬
‫ب‪-1-‬اإلر األنثروبولوجي‪:‬‬

‫*أعمال جورج دوميزال‪:1986-1898 Georges Dumézil‬‬

‫متثّل أعمال جورج دوميزال مصدر إهلام لغرمياس يف صيّاغته لنموذجه العاملي‬
‫تأمالته حول النماذج العامليّة من حتديد مستويني للوصع –‬ ‫حيث"ينطلق غرمياس يف ّ‬
‫خاصة حبثه املتعلّق بوصع العامل‬
‫الشكل‪ -‬وهو يناقش أعمال األسطوري دوميزال‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اإلهلي‪ ،‬حملّال إيّاه برويّة‪ ،‬وذلك باتّباع الطريقة املزدوجة التّاليّة‪:‬‬

‫معني‪ ،‬باستظهار أفعاله ووظائفه‪ ،‬يش ّكل عامال يف ح ّد ذاته‪.‬‬


‫‪-1‬اختيّار إله ّ‬

‫‪651‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪-2‬التّطرق إىل صفاته الّيت متيّزه عن ا هلة ا خرين‪ ،‬من خالل أَسائه أو نعوته‬
‫‪51‬‬
‫السمة األخالقيّة الّيت يتّصع هبا"‬
‫وتبيان ّ‬
‫مؤداهاأ ّن مثّة "تعريفان لإلله‪ :‬التّعريع‬
‫مما أفضى بغرمياس إىل اخلروج بنتيجة ّ‬
‫مؤديا لوظيفة الفعل ملا له من فعاليّة أسطوريّة‪ ،‬يف حني جند التّعريع‬
‫األول‪ ،‬يعترب اإلله ّ‬
‫ّ‬
‫‪52‬‬
‫تصور اجلماعة ألخالقه" ‪.‬‬ ‫ا خر ميوقعه باعتباره عامال منظورا إليه من حيث ّ‬
‫أي أننا أمام ما ميكن تصنيفه ضمن اخللفيات الالهوتية واألسطورية‪ ،‬فأصل‬
‫الفعل واحلر ة صادر عن اإلله‪ ،‬فهو منوذج الفاعل احلق‪ ،‬الذي له الفاعلية من جهة‪،‬‬
‫وصفات الكمال من جهة أخرى‪ ،‬يؤدي وظائع ويتصع بصفات‪ ،‬وهذا ما جنده يف‬
‫عوامل غرمياس اليت تؤدي وظائع وحتتوي على مؤهالت تتيح هلا امتالك القيم اليت تتجه‬
‫وظيفتها العاملية حنوها‪.‬‬

‫ب‪-2-‬تصور فالدمير بروب‪Vladmir propp:‬‬

‫جل الباحثني‬
‫ممّا ال خيتلع فيه اثنان هو أ ّن "أعمال بروب مصدر انبثاق إلهلام ّ‬
‫من بعده‪ ،‬وإشعاع فكري تشهد له أحباثهم‪ ،‬ألّنا امتداد حاصل عن فرز وحصر ومراجعة‬
‫الروسيّة"‪ ،53"...‬ويتب ّدى لنا مما تق ّدم بأ ّن‬
‫لتصوره "مورفولوجية احلكاية العجيبة ّ‬
‫وإضافة ّ‬
‫مثال بروب الوظائفي اسرتعى اهتمام الباحثني وعلى رأسهم غرمياس‪ ،‬الذي قطع الوشائج‬
‫بينه وبني الدراسة النقدية اليت تتسم بالطابع التقليدي‪ ،‬يف مبادرة منه لفسح اجملال‬
‫للتفكري العلمي أثناء التعامل مع النصوص‪.‬‬

‫وهكذا ترتكز أحباث غرمياس السردية على"االستعادة النّقديّة ألعمال بروب‪،‬‬


‫ووضعها حصرا‪ ،‬ضمن منظور سيميائي وبنيوي‪ ،‬فالنّص معطى جترييب ويدرس الباحث‬
‫السرديني‪ ،‬ولقد‬
‫السيميائي باعتباره حملّال للتنظيم الرت ييب للمعاين‪ ،‬أي التّقطيع والتّنظيم ّ‬
‫ّ‬
‫‪652‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬
‫‪54‬‬
‫السرديّة‪ ،‬علم داللة أساسي‪ ،‬وعلم حنو أساسي" ‪،‬‬ ‫أنشأ غرمياس‪ ،‬لدراسة اخلطابات ّ‬
‫ومستلهما‪،‬‬
‫َ‬ ‫ولئن ان بروب شكالنيا فقد وجد البنيويون والسيميائيون يف عمله متكأ هلم‬
‫فصار أغلب من حت ّدث عن السرد بعده مستندا إليه بطريقة أو بأخرى‪ ،‬و انت النظريات‬
‫السردية نوعا من االشتغال النقدي على مشروع بروب تعديال وإزاحة‪.‬‬

‫فلقد درس فالدمري بروب احلكاية الشعبيّة واليت تتح ّدد حبسبه"بصفتها تواليا‬
‫جملموعة من الوظائع الّيت تع ّد ثابتة وحت ّدد يف إحدى وثالثني وظيفة"‪ ،55‬وهذه هي‬
‫اخلطوة األساسية يف رصده العلمي‪،‬وعقب هذا "أثار بروب مسألة التنظيم العاملي يف‬
‫الشخصيّات"بدائرة‬
‫"بالشخصيّات"‪ ،‬وتتح ّدد هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫يسميه‬
‫احلكاية وتتمثّل يف ما ّ‬
‫األفعال"الّيت تنجزها‪ ،‬و ّل دائرة أفعال هي مؤلّفة من جمموعة من الوظائع‪ ،‬أل ّن الوظائع‬
‫الّيت ح ّددها تنتظم داخل دوائر األفعال"‪ ،56‬فهنا تظهر ثنائية الفعل أو الوظيفة يف مقابل‬
‫الشخص أو العامل‪.‬‬
‫ّ‬

‫الشخصيّات انطالقا من‬


‫شك أ ّن "هذا التّصور لربوب الّذي حي ّدد ّ‬
‫ومن دون ّ‬
‫تصورا وظيفيّا‪ ،‬ويستثمر رمياس هذه‬
‫تصوره ّ‬ ‫"دوائر األفعال" الّيت تشارك فيها‪ ،‬جيعل ّ‬
‫املعطيات اعتمادا على إجراء االختزال لصيّاغة النّموذج العاملي الّذي ميثّل العنصر‬
‫السردي"‪ ،57‬فاشتغال غرمياس النقدي على مشروع بروب ان‬
‫الرت يب ّ‬
‫املر زي يف ّ‬
‫يستبطن آليتني‪:‬‬

‫آلية‪ :‬االختزال‪ ،‬ومتثلت يف تقليص عدد الوظائع‪ ،‬وإزاحة ثري منها خاصة‬
‫املكرر‪ ،‬والذي ميكن أن ينضوي حتت غريه‪.‬‬

‫آلية االستبدال‪ :‬حيث استعاض غرمياس عن الوظيفة اليت هي مر ز مشروع‬


‫بروب حىت تسمى هبا‪ ،‬استعاضها بالعامل الذي غدا مر زيّا يف مشروع غرمياس حىت‬
‫تسمى به‪ :‬النموذج العاملي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪653‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫وهكذا حتمل الشخصيات حسب دراسة فالدمري بروب بعدا وظيفيا وال ّذي‬
‫جعل غرمياس يتجاوزها باستبدال الوظيفة بالعامل مع إجراء التّعديالت الالّزمة على عمل‬
‫بروب‪ ،‬فصاغ غرمياس على إثر ذلك منوذجه العاملي ال ّذي يصلح جلميع اخلطابات‪ ،‬بل‬
‫وينطبق عليها‪ ،‬خبالف وظائع بروب اليت قد يوجد بعضها يف خطاب سردي وال يوجد‬
‫يف آخر‪ ،‬ومع ذلك فلم يكن لغرمياس بد من اتباع خطى بروب ألن عمله يتأطر "عموما‬
‫الشكليّة الّيت تع ّد حمايثة‬
‫ضمن تص ّور منهجي رصني هو البحث يف شبكة العالقات ّ‬
‫للحكايات الشعبيّة الّيت ح ّددها يف منت عام"‪ ،58‬لكن ذلك ال مينع من انتقاده لربوب‬
‫حيث "يصوغ غرمياس انطالقا من هذا النموذج نتيجة مغايرة للمسلّمة الربوبية الّيت حتملنا‬
‫للمهمات‪ ،‬ذلك أ ّن التّمفصل‬ ‫ّ‬ ‫على االعتقاد بأ ّن احلكاية مبنيّة على التّتابع الكرونولوجي‬
‫املهمات الثّالث‬
‫حىت ولو تعاقبت ّ‬ ‫السردي جيري جمرى التّتابع املعكوس‪ّ .‬‬ ‫املنطقي للبناء ّ‬
‫الزمين‪ ،‬فإنّه ال توجد أيّة ضرورة منطقيّة تعلّل‬
‫ط ّ‬ ‫الواحدة تلو األخرى على طول اخل ّ‬
‫املمجدة"‪ ،59‬فهذه إحدى‬ ‫ّ‬ ‫باملهمة‬
‫ّ‬ ‫باملهمة احلاَسة وهذا‬
‫ّ‬ ‫املهمة التّأهيليّة‬
‫التحاق ّ‬
‫التعديالت الغرمياسية للنموذج الربويب فيما خيص البنية الزمنية للخطاب السردي‪.‬‬

‫لكن وإن ع ّد النموذج الربويب خطوة ج ّد هامة حنو فهم واستيعاب آليات‬
‫جمرد؛ أل ّن فالدمري بروب‬
‫اشتغال النّص احلكائي‪،‬فإنّه بقي رغم ذلك‪ ،‬رهني مستوى ّ‬
‫خاصية هذا النموذج وعن مقدرته على إنتاج جمموعة من‬
‫أقصى يف دراسته التكلّم عن ّ‬
‫اخلاصة‪ ،‬ما أمهل شيء مهما جدا وهو‬
‫ّ‬ ‫نص سرديلمسته‬
‫لكل ّ‬
‫البنيات اخلطابيّة الباثّة ّ‬
‫املكونة للنموذج‪ ،‬فهذه بعف جوانب اهلفوات‬
‫الرابطة بني جل الثنائيّات ّ‬
‫تفسري العالقات ّ‬
‫يهتم‬
‫الّيت سقط فيها يف منوذج بروب واليت عمل غرمياس على تدار ها األمر الّذي جعله ّ‬
‫صوب "مثال بروب الوظائفي اهتماما‪ ،‬دفعه إىل درجة العمل على تعميق مفاهيمه‬
‫السردية‪ ،‬يفما انت طبيعتها ال ّداللية‪ ،‬وهذا‬
‫تصور منطقي شامل لألجناس ّ‬ ‫وبلورهتا يف ّ‬
‫هو الفارق اجلوهري بينه وبني بروب الذي مل يعر انتباها لتلك األجناس‪ ،‬األمر الذي‬

‫‪654‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬
‫‪60‬‬
‫جعل حبثه يدور يف نطاق ضيق‪ ،‬ال يتجاوز حدود االشتغال باحلكاية اخلرافية‪، ".‬‬
‫الشعبية‪ ،‬فتشكل يف ضوئها‬‫فالنّموذج الربويب بقي أسريا للمادة املرصودة وهي احلكاية ّ‬
‫السردية بأجناسها املختلفة‪ ،‬فجاء‬
‫منوذجا ضيقا األفق‪ ،‬ال يغطي إشكاالت اخلطابات ّ‬
‫ليوسع من هذا النموذج حنو إمداده بالكفاءة املنهجية العالية الّيت تنمحه االقتدار‬
‫غرمياس ّ‬
‫السردية بأجناسها وتالوينها‪.‬‬
‫على احتواء وتغطية افّة اخلطابات ّ‬
‫فغرمياس بذلك حاول دحر سدول اللّبس اليت انت تكتنع منوذج بروب‬
‫الوظائفي وخصوصا التطبيق الضيق له والذي اقتصر على احلكاية الشعبية دون غريها من‬
‫لكل اخلطابات األدبية وغري‬
‫األنواع األدبية األخرى‪ ،‬ليستنبط ‪-‬غرمياس‪ -‬منوذجا يصلح ّ‬
‫يتوصل إليه بروب‪ ،‬وهو الفارق‬
‫األدبية‪ ،‬ما يعين أن غرمياس أعطى"‪...‬البديل الذي مل ّ‬
‫اجلوهري بينهما واملتمثّل يف عدم ا رتاث هذا األخري باألجناس األخرى وحتديده جملال‬
‫ضيق يف الدراسة‪ ،‬وهو احلكاية اخلرافية‪ ،‬بينما راح األخر يوسع النطاق يف العمل من‬
‫‪61‬‬
‫أجل الوصول إىل معرفة لية شاملة للتصرف البشري‪".‬‬

‫ما أن غرمياس أعاد النظر يف تصور بروب مستنبطا منوذجا توفيقيا "يؤلع فيه‬
‫بني األداة واملانح للحصول على عامل "املساعد"‪ ، Adjuvant‬وبني املعتدي والغادر‬
‫الذي‬ ‫"الفاعل"‪Sujet‬‬
‫احملققان لعامل " املعارض"‪،Opposant‬فيما يشخص البطل يف دور‬
‫يسعى للبحث عن الشخص املطلوب‪-‬األمرية‪-‬وهي عامل "موضوع القيمة" ‪Objet de‬‬

‫‪ valeur‬املرغوب فيه‪ ،‬ويف األخري‪ ،‬يأخذ الوالد‪-‬نقصد والد األمرية‪ -‬صفة العامل‬
‫"املرسل"‪ Destinateur‬ويقابله املفوض يف صفة "املرسل إليه" ‪ ،62".Destinataire‬أي أنه‬
‫اختزل الشخوص حتت مسميات عاملية مشرت ة‪ ،‬ما منح منوذجه دقة وصرامة وجتريدا‬
‫أ رب مما ان عليه منوذج سلفه بروب‪.‬‬

‫‪655‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫وال يقع أمر التأثر عند هذا احلد‪ ،‬ف"استنادا إىل النّموذج الربويب والتّعديالت‬
‫املنهجيّة الّيت أجراها عليه أ‪.‬ج‪ .‬غرمياس وج‪ .‬ورتيس‪ ،‬حنصل يف ّناية التّحليل على‬
‫يتأسس عليه اإليعاز والتّقومي‪ ،‬وبعد‬
‫السيميائيّة‪ :‬بعد معريف‪ّ :‬‬
‫بعدين أساسيني يف النّظرية ّ‬
‫تداويل‪ :‬ندر ه من خالل عمل الفاعل"‪ ،63‬وهي قضايا جزئية تتضح بشكل أ رب عند‬
‫التعرض إىل شرح نظرية غرمياس السيميائية السردية‪.‬‬

‫فضال عن ذلك لهّ فقد "استفاد "غرمياس" من التّتابع الزمين لألحداث‬


‫حول بوضع أطراف املربّع السيميائي‪ ،‬ويف مسألة االختبارات الّيت وضعها "بروب" يف‬
‫والتّ ّ‬
‫بلورة اخلطاطة السردية‪ ،‬حيث صنّع "غرمياس" ثالث أنواع من االختبارات‪ :‬االختبار‬
‫الرتشيحي (‪ )épreuve qualifiante‬الّذي يكتسب البطل من خالله الكفاءة وطاقة‬
‫اإلجناز‪ ،‬يليه االختبار احلاسم(‪ ،)épreuve principle ou décisive‬وهو مصطلح لالفتقار‪،‬‬
‫املمجد (‪ )épreuve glorifient‬الّذي تقع فيه سرفة البطل احلقيقي‬ ‫ّ‬ ‫وأخريا االختبار‬
‫‪64‬‬
‫السردية واليت‬
‫ومكافأته" وهذه االختبارات الثالث استبدهلا غرمياس مبا يسمى باخلطاطة ّ‬
‫تنبين على أربعة مراحل وهي‪[ :‬التحريك‪-‬اإلجناز‪/‬األداء‪ ،‬الكفاءة واجلزاء ‪.‬‬

‫وبذلك ان ألفكار بروب تأثري على الدارسني البنيويني الذين أرادوا املضي‬
‫قدما بأفكاره لتصب يف نظرية الرواية بتعميق أ رب‪ ،‬فحاولوا إقامة تصنيع للوظائع أ ثر‬
‫إيغاال يف التجريد والتعميم مما فعل هو‪ ،‬ولذا عد بروب دائما إرهاصا قويا للبنيوية األدبية‪.‬‬

‫ما ميكن أن نسجل أن غرمياس راجع عمل بروب متقفيا بذلك الفجوات‬
‫اليت سقط فيها هذا األخري‪ ،‬حماوال بذلك‪-‬غرمياس‪ -‬س ّدها عرب التصويبات اليت سنّها‪،‬‬
‫بيد أن هذا ال يع إنكارا جلهود بروب باملرة‪ ،‬وإمنا ان ذلك يف إطار تقليد معريف‬
‫أصيل‪ ،‬صار يعرف فيما بعد مبمارسة نقد النقد‪ ،‬وهي ممارسة تستند إىل آليات‬

‫‪656‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫ومقوالت‪ ،‬منها العام‪ ،‬ومنها اخلاص‪ ،‬وقد متت اإلشارة سابقا إىل أن غرمياس اعتمد يف‬
‫حواره مع مشروع بروب على آلية االختزال‪ ،‬وآلية االستبدال‪.‬‬

‫ب‪-3-‬أعمال كلود ليفي ستروس‪]Claude Levie. Strauss[:‬‬

‫يعد لود ليفي سرتاوس أحد أعمدة األنثربولوجية يف القرن العشرين‪ ،‬حيث‬
‫استطاع املتح من منجزات البنيوية وخاصة للباحثني سوسري ويا بسون‪ ،‬وع ّد ليفي‬
‫سرتاوس مهزة وصل وذلك عندما راح يسقط منوذج اللسانيات على تلع األنظمة‬
‫الثقافية من خرافة وأسطورة‪..‬اخل‬

‫"أول من اسرتعى اهتمامه بروب‬ ‫وممّا ينبغي اإلشارة إليه هو أ ّن سرتاوس ّ‬


‫‪ ،Propp‬يف دراسته اليت أع ّدها يف مؤلّفه الشهري "مورفولوجية احلكاية العجيبة الروسيّة"‬
‫والذي يعود له الفضل يف ترمجته بعد م ّدة زمنيّة‪ ،‬ق ّدرت بثالثني سنة بعد نشره‪-‬أي يف‬
‫سنة ‪ ،65"-1958‬إذ "تنبّه ليفي سرتوس إىل املبادئ األوىل اليت أرسى دعائمها بروب‬
‫يف "دوائر الفعل" للحكاية‪ ،‬ممّا قاده إىل التّسليم بوجود إسقاطات استبداليّة تغطّي‬
‫السريورة النظميّة يف احلكاية الربوبويّة‪ ،‬فهو يرى ضرورة إجراء "ازدواجيّة" للوظائع اليت‬
‫ّ‬
‫أسهب بروب يف حتديد عددها"‪ ،66‬فقد انطلق شرتاوس من تصورات بروب السابقة‪،‬‬
‫لكنه أعاد صياغتها حسب تصوراته اجلديدة‪ ،‬فشرتاوس يرى بأن بروب قد أضاع‬
‫املضمون (مضمون احلكاية) يف رحلته من امللموس إىل اجملرد‪ ،‬وسيذهب إىل أن ما اعتربه‬
‫بروب عنصرا ثانويا وغري وظيفي سيصبح أساس احلكاية وأساس تلوينها الثقايف‪ ،‬مبع أن‬
‫(املضمون هو الذي يؤسس خصوصيتها باعتبارها عنصرا يعود إىل ما مييز هذه اجملموعة‬
‫البشرية عن تلك)‪ ،‬مما جعل شرتاوس يالحظ أن جمموعة من احلكايات يف اهلند ويف‬
‫أمريكا تعتمد أفعاال متشاهبة و تلفة‪.67‬‬

‫‪657‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫فالفارق بينهما هو املنزع‪ ،‬فربوب ذو نزعة شكالنيّة حجبت عنه املضمون‪،‬‬


‫فيما ينزع شرتاوس إىل األنثروبولوجيّا الّيت دفعت إىل االهتمام باملضامني‪ ،‬وهذا الفارق‬
‫ألقى بظالله على رؤية ل منها إىل العناصر وأثر حتوالهتا‪.‬‬

‫خيص‬
‫ما قام ليفي سرتوس بتوجيه ع ّدة انتقادات لربوب ولنموذجه فيما ّ‬
‫"الشكلنة اليت أحدثها و انت سببا يف التمييز الذي أواله بالبعد النظمي ملساعدته على‬
‫التطبيق امليكانيكي‪ ،‬وتوقّع التحليل على مستوى البنيات السطحيّة‪ ،‬خاصة إذا ما تعلّق‬
‫األمر باألحباث امليثولوجية املقارنة اليت ميكن البتّة إخضاعها هلكذا دراسة أل ّّنا ال تستقيم‬
‫حتليال وتطبيقا"‪ ،68‬األمر الّذي جعل سرتاوس "يضيّع احملتوى سعيا منه للمرور إىل‬
‫اجملرد إىل امللموس يع ّد أمرا‬
‫اجملرد‪ ،‬ممّا ّأدى إىل جعل العودة من ّ‬
‫احملسوس وصوال إىل ّ‬
‫مستبعدا"‪ 69‬وال ريب أن غرمياس يف نقده لفالدميري بروب ان قد استعان بالنقد الذي‬
‫وجهه لود ليفي شرتاوس إليه‪ ،‬لذا ميكن القول بأن غرمياس قد قرأ مشروع بروب يف ضوء‬
‫قراءة شرتاوس له‪ ،‬لذلك تب ّدت آثار ذلك يف مشروعه هو‪ ،‬حيث سعى إىل جتاوز مالمح‬
‫العامية والبساطة عند بروب‪ ،‬فرّ ز على املضامني والب العميقة‪ ،‬ما أن آلية االختزال‬
‫املشار إليها آنفا ان قد اشتغل عليها شرتاوس قبل غرمياس‪ ،‬ما يعين يف املآل أن سريورة‬
‫املشروع السردي الغرمياسي مرت بدون شك على مرحلة النقد الذي تق ّدم به شرتاوس‪.70‬‬

‫ب‪-4-‬نموذج سوريو [‪:] E.Souriau‬‬

‫فضال عن منوذج بروب الذي استفاد منه غرمياس‪ ،‬راح هذا األخري ذلك ميتح‬
‫‪71‬‬
‫من عمل سوريو والذي"استنبط أيضا مفهوم الوظيفة الدرامية من [‪" E.Souriau‬‬
‫التطورات والتّحوالت‪،‬‬
‫يضم جمموع ّ‬ ‫"انطلق من النصوص املسرحيّة مبلورا منوذجا عامليّا‪ّ ،‬‬
‫اليت يزخر هبا النص املسرحي "‪ ،72‬ولع ل هذا ما يؤيد عمق ومشولية منوذج غرمياس الذي‬
‫استفاد من ل التجارب حىت تلك اليت ان املسرح موضوعا هلا‪.‬‬

‫‪658‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫فبعد بروب بعشرين سنة و"انطالقا من املسرح ميّز سوريو شخصيّات األدوار‬
‫ويلمح إلمكانية توزيع غري منظّم للقسمني وهذه‬ ‫يسميها "الوظائع ال ّدراميّة" ّ‬
‫(الّيت ّ‬
‫املوجهة‪ ،‬ممثّل اخلري مرغوب فيه‪ ،‬القابف املفرتض‬
‫األدوار هي التّايل‪" :‬القوة املوضوعاتية ّ‬
‫املوجهة)‪ :‬املعارض العشوائي‪ ،‬فاعل‬
‫هلذا األخري (الذي تعمل لصاحله القوة املوضوعية ّ‬
‫اخلري‪ ،‬املساعدة‪ ،‬مضاعفة إحدى اجلهود السابقة )"‪ ،73‬وبنظرة خاطفة إىل هذه‬
‫التمييزات نلمح اخليوط اخلفية لعوامل غرمياس بادية للعيان‪ ،‬بل جند ذات املصطلحات‬
‫تتكرر‪ ،‬مثل‪ :‬مرغوب‪ ،‬املعارض‪ ،‬املساعد‪...‬‬

‫ويتجلى أمهّية عمل سوريو يف أنّه "برهن على أ ّن التأويل العاملي ميكن تطبيقه‬
‫ّ‬
‫على نصوص تلفة من احلكايات الشعبيّة [النصوص املسرحيّة ‪...‬هو تصنيع جتد‬
‫القصة الّيت ال تش ّكل عنده سوى سلسلة من ال ّذوات ال ّدراميّة‪ ،‬وبني‬
‫التمييزات نفسها بني ّ‬
‫مستوى الوصع ال ّداليل الّذي ينجز انطالقا من الوضعيّات القابلة للتّفكري يف إجراء‬
‫‪74‬‬
‫عوامل‪".‬‬

‫هاما من روافد نظريّة العامل الغرمياسيّة‪ ،‬فقد‬


‫وهكذا ع ّد عمل سوريو رافدا ّ‬
‫ح ّدد سوريو الوظائع وفقا لدراسته ملائيت ألع وضعيّة دراميّة‪ ،‬فضبط جمموعةمن العوامل‬
‫الرت يب التّقليدي والعوامل هي التّايل‪:75‬‬
‫اليت أطلق عليها اسم "الوظيفة "طبقا ملفاهيم ّ‬

‫املوجهة‪.‬‬
‫‪-‬األسد ‪.........‬القوة التّيماتيكيّة ّ‬
‫املوجهة‪.‬‬
‫الشمس‪.......‬ممثّل اخلري املرغوب فيه والقيمة ّ‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪-‬األرض‪........‬احلاصل احملتمل على هذا اخلري (هو الذي يشتغل من أجله‬


‫األسد)‬

‫‪-‬مارس‪........‬املعا س‪.‬‬
‫‪659‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪-‬امليزان‪.......‬احلكم‪ ،‬املانح‪.‬‬

‫‪-‬القمر‪.......‬النّجدة‪ ،‬مضاعفة ّقوة من القوى الساّبقة‪.‬‬

‫الشيء الّذي يرتاءى لنا هو أ ّن "سوريو حصر الوظائع يف ستّة‪،‬‬ ‫بيد أ ّن ّ‬


‫وتغلب على بنائها املفاهيمي َسة اللّغة الفلكيّة‪ ،‬على أ ّن هذا الالّحتديد ال يبخس هذا‬
‫اجملهود النّظري لسوريو فضيلته املنهجيّة الّيت تتح ّدد حسب رمياس يف ونه برهن جبالء‬
‫على أ ّن التّأويل العاملي ميكن أن يكون أداة إجرائيّة تصلح لتحليل هذا النوع من احملكي‬
‫الذي خيالع احلكاية وهو العمل املسرحي‪ ،‬وأ ّن نتائج هذا التحليل ميكنأن تقارن مبا‬
‫‪76‬‬
‫يدل على وجود"نوع من‬ ‫دل على شيء إّمنا ّ‬ ‫وصل إليه بروب حول احلكاية" وهذا إن ّ‬
‫الفعالية اإلجرائيّة للتّأويل العاملي الّذي ميكن أن حي ّدد باعتباره نوعا من ال ّكليّات الّيت‬
‫تفسر يف ضوئها الفضاءات املصغّرة ال ّدالة املتع ّددة و ّل األشكال اخلطابيّة‪ ،77".‬فاملسرح‬‫ّ‬
‫وإن اختلع يف خطابه عن اخلطاب احلكائي أو الروائي مثال‪ ،‬فهو يشرتك يف العوامل‪،‬‬
‫تكون وتصنيع هذا النّموذج هو االستثمار ال ّداليل‬
‫ما أ ّن "ما ميثّل مشكلة وعائقا يف ّ‬
‫أي‬
‫الذي خيضع له يف مرحلة مب ّكرة من صياغته‪ ،‬أي يف مستواه التّجريدي‪ ...‬واحلال أ ّن ّ‬
‫يتم إالّ من خالل التحقق العيين للنصوص‪ ،‬أي من خالل البنيات‬ ‫استثمار داليل ال ّ‬
‫ختصص التّحقق‪ ،78".‬وهكذا استفاد غرمياس من املسرح من خالل النّموذج‬ ‫اخلطابية اليت ّ‬
‫ويلخص جمموع التّطورات‬ ‫الذي وضعه سوريو والّذي "استخرج منوذجا عامليا‪ ،‬يكثّع ّ‬
‫الرت يبية التّالية‪:‬‬
‫والتّحوالت الّيت يزخر هبا النّص املسرحي‪ ،‬حم ّددة يف املواقع ّ‬
‫‪-‬القوة املوضوعاتية املوجهة‪.‬‬

‫‪-‬ممثل اخلري و القيم املوجهة‪.‬‬

‫‪-‬احلكم واهب اخلري‪.‬‬

‫‪660‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪-‬املتحصل املفرتض على القيمة‪.‬‬

‫‪-‬املساعد‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪-‬الضديد‪.‬‬

‫ب‪-5-‬نموذج تنيير‪Tesniere:‬‬

‫مل تستطع نظرية غرمياس أن تنفلت من قبضة النحو البنيوي‪ ،‬إذ راهن غرمياس‬
‫على دراسة تنيري وذلك باالستناد عليها ساعيا إىل بناء منوذجه العاملي‪ ،‬فدراسة تنيري‬
‫تعد"اخللفية األساسية اليت ب عليها جرمياس نظريته العاملية‪ .‬فتسنيري يعترب‬
‫يقسم األفعال إىل نوعني‪:‬‬
‫الفعل‪ ،Verbe/‬مر زا منظّما للعالقات العامليّة ممّا جعله ّ‬
‫أفعال احلدث وأفعال احلالة‪ ،80".‬هذا يف إطار بنية اجلملة اللغوية‪.‬‬

‫الزاوية‬
‫ومنه نلفي أ ّن غرمياس أحدث تعديال على تصور تنيري من زاويتني "فمن ّ‬
‫الزاويّة الثّانية‪ :‬جيب‬
‫وردها إىل وضعها ال ّداليل‪ ،‬ومن ّ‬
‫األوىل‪ :‬جيب تقليص العوامل الرت يبيّة ّ‬
‫جتميع ّل الوظائع املنطويّة داخل منت ما‪ ،‬وإسنادها إىل عامل واحد (‪ ،)...‬وهبذا‬
‫تصبح اجلملة باعتبارها مسرحا للفرجة منطلقا لتوليد بنية تر يبيّة برية هي‪ :‬بنية اخلطاب‬
‫السردي‪ ،81".‬وهذا يدل على عبقرية غرمياس يف حتوير حنو اجلملة إىل حنو للخطاب‬
‫لتصور سردي مصغر‪.‬‬
‫السردي‪ ،‬من جهة أ ّن اجلملة نواة أساسيّة ّ‬
‫ومن هذه الزاوية يذهب غرمياس بالقول إىل أ ّن " ل العوامل مهما انت نوعية‬
‫‪82‬‬
‫يعربون عن التّجلي يف لّيته"‬
‫العالقة الّيت تشجهم ّ‬
‫تنمي من عدد‬ ‫فغرمياس يرى بأنّه "إذا انت اللّغة الطبيعيّة ال ميكن أن ّ‬
‫العوامل‪ ،‬فإ ّن هذه الفضاءات ال ميكن أن حت ّدد بصفتها ال داالّ ّإال إذا نظرنا إليها‬

‫‪661‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬
‫‪83‬‬
‫باعتبارها فرجة أو مشهدا‪ ،‬أي النّظر إليها بصفتها بنية عامليّة‪، ".‬فنحن بصدد نوع من‬
‫تغيري النظرة التقليدية إىل اجلملة إىل نظرة جديدة تعتربها مشهدا متحر ا‪.‬‬

‫وعلى أية حال فال ميكن رصد ل تأثريات تنيري يف غرمياس‪ ،‬فيكفي أن نشري‬
‫إىل حمورية تصوره لرت يب اللغة الطبيعية‪ ،‬و يع نقله غرمياس إىل اخلطاب السردي‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫وهكذا يظهر لنا مما تق ّدم أ ّن مثة عدة روافد سامهت يف تشكل دواليب النظرية‬
‫السيميائية‪ ،‬من خالل وقفة غرمياس على ختوم دراسات سابقيه حبيث جنح يف بلورة‬
‫الرافد اللّساين واملعريف‪ ،‬وهكذا "استطاعت السيميائية الغرمياسيّة أن‬
‫مشروعه داخل بوتقة ّ‬
‫خاصا ونطقا تلفا‪ ،‬ال يشبه تلك املناهج فيما تلزم به‬ ‫تكتسب هيئة جديدة وقواما ّ‬
‫نفسها‪ ،‬فيما يأخذ هو منها‪ ،84".‬ففيه من ل ما يف تلك‪ ،‬لكنه ليس واحدا منها‪ ،‬وهنا‬
‫مكمن الفرادة‪.‬‬

‫ويف األخري ما يسعنا إال أن نكرر ما ذهب إليه الد تور عقاق قادة عندما‬
‫السردي‪ ،‬هو مشوليتها يف‬
‫وخباصة يف اجملال ّ‬
‫ّ‬ ‫لعل أهم ما تتميّز به هذه النظرية‪،‬‬
‫قال‪" :‬و ّ‬
‫التّصور وعمقها يف التّحليل‪ ،‬وقدرهتا على النّفاذ إىل باطن النّص‪ ،‬من خالل الكشع عن‬
‫آليات انتظامه‪ ،‬وحتديد القواعد املتح ّكمة يف تنظيم مستوياته‪.85".‬‬

‫فهنا ثالث ميزات‪:‬‬

‫الشمولية‪ :‬حيث تعم ل أنواع اخلطابات السردية‪ ،‬خبالف مناذج سابقيه‪.‬‬

‫العمق‪ :‬فال تقتصر على الب السطحية‪.‬‬

‫الكفاءة‪ :‬حيث تنفذ إىل أعماق النصوص فتكتنه دالالهتا املتنوعة‪.‬‬


‫‪662‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫ما ال ميكن إغفال ا ليات اليت حاور من خالل غرمياس مشاريع سابقيه‪،‬‬
‫مثل‪ :‬آلية االختزال‪ ،‬فقد اختزل الوظائع الربوبية‪ ،‬وآلية االستبدال‪ ،‬فقد استبدل ثريا من‬
‫املصطلحات‪ ،‬مثل الوظيفة اليت وضع بدهلا العامل‪ ،‬وآلية التعديل باحلذف أو باإلضافة‪،‬‬
‫وآلية التأهيل فقد أهل منوذج تسنيري الرت ييب إىل أن يكون حتديدا للخطاب السردي‪ ،‬ل‬
‫هذا يعكس االشتغال االبيستيمولوجي على مستوى آليات إنتاج اخلطاب املضمرة‬

‫وإذا ما أردنا أن نصوغ خالصة لكل ما سبق فإنه ميكن القول بأ ّن غرمياس‬
‫حاور ر اما من املعارف السابقة يف حقول حبثية شىت‪ ،‬اختزلناه حنن هنا يف رافدين مها‪:‬‬

‫‪-1‬الرافد اللساين ويدور اعتماد غرمياس فيه على منجزات فرديناند دي سوسري‬
‫ومدرسة براغ ولويس هيلمسليع‪.‬‬

‫‪-2‬الرافد املعريف ويشكل ل من بروب وسرتاوس باإلضافة إىل سوريو وتسنيري‬


‫أضالعه األساسية‪ ،‬لكن يبقى بروب هو مر ز التأثري واإلهلام‪.‬‬

‫ويبقى هذا جمرد تقريب للصورة واملشهد‪ ،‬وإال فاألمور أعقد بكثري مما يفسح‬
‫جماالت أخرى ملطارحتها برؤى ومداخل تلفة‪ ،‬أن يدرس عمل غرمياس هنا يف ضوء‬
‫نقد النقد وآلياته اليت نا أشرنا مرارا إىل جانب مهم منها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫القصة حتليال وتطبيقا‪ ،‬ال ّدار التونسيّة للنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪،1985 ،1‬‬
‫َسري املرزوقي ومجيل شا ر‪ :‬مدخل إىل نظريّة ّ‬
‫ص‪111:‬‬
‫‪2‬نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائية السردية‪ ،‬دار األمل للطباعة والنّشر‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬د ط‪ ،2008 ،‬ص‪09:‬‬
‫‪3‬‬
‫عقاق قادة‪ :‬اخلطاب السيميائي يف النقد املغاريب‪-‬دراسة‪ ،-‬دار األملعيّة للنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪،2014 ،1‬ص‪18:‬‬
‫‪ 4‬ومن أصدق األمثلة على ذلك البنيوية اليت جتاوزت حدود اللغويات بل وحدود اإلنسانيات إىل حقول معرفية أبعد‬
‫الفيزياء والرياضيات‪ ،‬ينظر مثال‪ :‬الرويلي والبازعي‪ ،‬دليل الناقد‪ ،‬ص‪.68 ،67:‬‬
‫‪5‬‬
‫السيميائي يف النقد املغاريب‪-‬دراسة‪ ،-‬ص‪18‬‬
‫عقاق قادة‪ :‬اخلطاب ّ‬

‫‪663‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪6‬سعيد بوعيطة‪ :‬املرجعيّة املعرفية للسيميائيات السردية‪-‬جرمياس منوذجا‪ ،-‬ص‪.49‬‬


‫‪7‬‬
‫الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬ص ‪.124-122‬‬
‫حممد أديوان‪ :‬النّص واملنهج‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات دار األمان‪ّ ،‬‬
‫‪8‬‬
‫السردية‪ ،‬دار القصبة للنّشر والتوزيع‪،2002 ،‬ص‪.05‬‬
‫السيميائية ّ‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة يف ّ‬
‫‪9‬‬
‫نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائيّة السردية‪ ،‬دار األمل للطباعة والنّشر والتّوزيع‪ ،‬تيزي وزو‪ 2008 ،‬ص‪.09:‬‬
‫‪10‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫‪11‬متّام حسان‪ ،‬اللغة ونظام األنظمة‪ ،‬ينظر عبد السالم املسدي‪ ،‬اللّسانيات من خالل النّصوص‪ ،‬ال ّدار التونسيّة‬
‫للنّشر‪ ،‬ط‪ ،1‬جوان‪ ،1984،‬ص‪.55-54:‬‬
‫‪12‬دليلة مرسلي وآخرون‪ :‬مدخل إىل السيميولوجيا "نص‪ ،‬صورة"‪ ،‬تر‪ :‬عبد احلميد بورايو‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعيّة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬دط‪ ،1995 ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪13‬‬
‫السرديّة‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائيّة ّ‬
‫‪ 14‬سعد البازعي وميجان الرويلي‪ ،‬دليل الناقد‪ ،‬إضاءة أل ثر من سبعني تيّارا ومصطلحا معاصرا‪ ،‬املر ز الثّقايف العريب‪،‬‬
‫ال ّدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪2002 ،3‬ص‪.119 ،118:‬‬
‫‪15‬‬
‫السرديّة‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائيّة ّ‬
‫‪16‬‬
‫السرديّة‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائيّة ّ‬
‫‪17‬رشيد بن مالك‪ :‬السيميائية السردية‪،‬دار جمدالوي للنشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪،2006 ،‬ص‪.30:‬‬
‫‪18‬فاطمة الطّبال بر ة‪ :‬النظرية األلسنيّة عند رومان جا بسون(دراسة ونصوص) ‪ ،‬املؤسسة اجلامعية لل ّدراسات والنّشر‬
‫والتّوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1993 ،2‬ص‪259‬‬
‫‪19‬نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪20‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪21‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14:‬‬
‫‪22‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪23‬سعيد بوعيطة‪ :‬املرجعيّة املعرفية للسيميائيات السردية‪-‬جرمياس منوذجا‪ ،-‬ص‪.50 ،49:‬‬
‫الرواية‪-،‬عريب‪ ،‬إجنليزي‪ ،‬فرنسي ‪ ،-‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬دار النّهار للنّشر‪،‬‬
‫لطيع زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد ّ‬
‫‪24‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪38 ،37‬‬
‫‪ 25‬رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪.19:‬‬

‫‪664‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪26‬رشيد بن مالك‪ :‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪-‬عريب‪-‬إجنليزي‪-‬فرنسي‪،-‬دار احلكمة‪ ،‬النّاشر‪:‬‬


‫السيد أمحد ماضي‪ ،‬فيفري ‪،2000،‬ص ‪ ،‬ص‪.39:‬‬
‫ّ‬
‫‪27‬ميجان الرويلي‪ ،‬سعد البازعي‪ :‬دليل النّاقد األديب‪-‬إضاءة أل ثر من سبعني تيّارا ومصطلحا معاصرا‪ ،-‬ص‪.206:‬‬
‫‪28‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪29‬للوقوف على جتربته ينظر‪ :‬الرويلي والبازعي‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.208:‬‬
‫‪ 30‬رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪.19:‬‬
‫‪31‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪32‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫السردية‪ ،‬ص‪9‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائيّة ّ‬
‫‪34‬سعيد بنكراد‪ :‬مفاهيم يف السيميائيات‪ ،‬جملّة عالمات‪ ،‬مكناس‪ ،‬املغرب‪ ،‬ع‪ ،6‬أ توبر ‪ ،2000‬ص‪79 :‬‬
‫‪ 35‬رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائية السرديّة‪ ،‬ص‪09‬‬
‫‪36‬سعيد بنكراد‪ :‬مفاهيم يف السيميائيات‪ ،‬جملّة عالمات‪ ، ،‬ص‪86 :‬‬
‫‪ 37‬رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪09‬‬
‫‪38‬‬
‫السردية‪ ،‬ص‪11‬‬
‫نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائيّة ّ‬
‫‪39‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪40‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪41‬عبد اجمليد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي "البنيات اخلطابية‪-‬الرت يب‪-‬الداللة"‪ ،‬ص‪31‬‬
‫‪42‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.36-35:‬‬
‫‪43‬فيصل األمحر‪ :‬معجم السيميائيات‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.199:‬‬
‫‪44‬نصر ال ّدين بن غنيسة‪ :‬فصول يف السيميائيات‪ ،‬ص‪.16:‬‬
‫‪45‬نعمان بوقرة‪ ،‬املدارس اللسانية املعاصرة‪ ،‬مكتبة ا داب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪46‬نصر ال ّدين بن غنيسة‪ :‬فصول يف السيميائيات‪ ،‬ص‪18-17‬‬
‫‪47‬‬
‫السيميائي وجرب العالمات‪ ، ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬املر ز الثقايف العريب‪،‬‬
‫السيميائيات الواصفة املنطق ّ‬
‫أمحد يوسع‪ّ :‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ .2005 ،1‬ص‪81‬‬
‫‪48‬‬
‫السردية يف رواية سيّدة املقام للكاتب‪ :‬واسيين األعرج‬
‫آسيا جريوي‪ :‬النموذج العاملي واستنطاق البنية العاملية ّ‬
‫السرديّة واخلطابيّة"‪ ،‬دار بن زيد للطّباعة والنّشر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2017 ،‬ص‪30‬‬
‫الرت يبة ّ‬
‫"دراسة يف ّ‬
‫‪665‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪49‬رشيد بن مالك‪ :‬مقدمة يف السيميائيّة السردية‪ ،‬ص‪29-28‬‬


‫‪50‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪51‬‬
‫السردية‪ ،‬ص‪16-15‬‬
‫نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائيّة ّ‬
‫‪52‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪16‬‬
‫‪53‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪20‬‬
‫‪54‬‬
‫الشنويف‪ ،‬سلسلة‬
‫جيزيلفاالنسي "النّقد النّصي"‪ ،‬ضمن تاب مدخل إىل مناهج النّقد األديب‪ ،‬تر‪ :‬رضوان ظاظا‪ّ ،‬‬
‫عامل املعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،221‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون وا داب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مايو‪1997 ،‬‬
‫‪55‬عبد اجمليد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪" ،‬البنيات اخلطابية‪-‬الرت يب‪-‬ال ّداللة"‪ ،‬ص‪.210:‬‬
‫‪56‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪57‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪58‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫السرديّة‪ ،‬ص‪34‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائيّة ّ‬
‫‪ 60‬نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪47‬‬
‫‪ 61‬نادية بوشفرة‪ :‬معامل سيميائية يف مضمون اخلطاب السردي‪ ،‬دار األمل للطباعة والنّشر والتّوزيع‪،‬د ط‪،2011،‬‬
‫ص‪84‬‬
‫‪ 62‬نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪48‬‬
‫‪63‬‬
‫السردية‪ ،‬ص‪34‬‬
‫رشيد بن مالك‪ :‬مق ّدمة يف السيميائيّة ّ‬
‫‪64‬‬
‫القصة حتليال وتطبيقا‪ ،‬ص‪68-67‬‬
‫َسري املرزوقي ومجيل شا ر‪ :‬مدخل إىل نظريّة ّ‬
‫‪65‬نادية بوشفرة‪ :‬مباحث يف السيميائيّة السردية‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪66‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪67‬سعيد بوعيطة‪ ،‬املرجعية املعرفية للسيميائيات السردية‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪68‬‬
‫نادية بوشفرة ‪ :‬مباحث يف السيميائية السردية‪ ،‬ص‪19‬‬
‫‪69‬‬
‫‪Claude Levis Strauss.Anthropologie structurale deux Edition,plon.1973p158-159‬‬
‫‪70‬ينظر مثال‪ :‬حشاليف خلضر‪/‬بديرينة فاطمة‪ ،‬السيميائيات السردية من فالدميري بروب إىل غرمياس‪ ،‬جملة مقاليد‪،‬‬
‫العدد‪ ،09‬ديسمرب‪ ،2015 ،‬ص‪.77 ،76‬‬
‫‪71‬‬
‫‪175: A. A.J.Greimas,Sémantique structural de Méthode, imprière,larousse,Paris,1996,p‬‬
‫‪72‬‬
‫السيميائية السرديّة‪ ،‬ص‪45‬‬
‫سعيد بنكراد‪ :‬مدخل إىل ّ‬
‫‪666‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬
‫نظرية غريماس السيميائيّة ومرجعياتها اللسانية والمعرفيّة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬حداد خديجة‬

‫‪73‬تزفيطان تودوروف‪ :‬مفاهيم سردية‪ :‬تر‪ :‬عبد الرمحان مزيان‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬الطّبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪77‬‬
‫‪74‬سعيد بنكراد‪ :‬مدخل إىل السيميائيات السردية‪ ،‬ص‪45‬‬
‫‪75‬‬
‫‪A. A.J.Greimas; Sémantique structural; P176‬‬
‫‪ 76‬عبد اجمليد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي(البنيات اخلطابية‪-‬الرت يب‪-‬الداللة)‪ ،‬ص‪212‬‬
‫‪77‬‬
‫الصفحة نفسها‪.‬‬
‫املرجع نفسه‪ّ ،‬‬
‫‪ 78‬سعيد بنكراد‪ :‬السيميائيات السردية‪-‬مدخل نظري‪ ،-‬ص‪74‬‬
‫عبد القادر شرشار‪ :‬حتليل اخلطاب األديب وقضايا النص‪ ،‬منشورات ترب اخلطاب األدبيفي اجلزائر‪ ،‬دار األديب‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫وهران‪ ،‬اجلزائر‪ ، 2006،‬ص‪60:‬‬
‫‪80‬‬
‫السردية‪-‬جرمياس منوذجا‪ ،-‬ص‪52‬‬
‫للسيميائيات ّ‬
‫سعيد بوعيطة‪ :‬املرجعيّة املعرفيّة ّ‬
‫‪81‬‬
‫السرديّة‪ ،‬ص‪47-46‬‬
‫السيميائيّة ّ‬
‫سعيد بنكراد‪ :‬مدخل إىل ّ‬
‫‪82‬‬
‫‪A.J Greimas, Du sens ll. Ed, Seuil, Paris, 1983, p67‬‬
‫‪83‬‬
‫الرت يب‪ -‬ال ّداللة"‪ ،‬ص‪208‬‬
‫الروائي" البنيات اخلطابيّة‪ّ -‬‬
‫عبد اجمليد نوسي ‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب ّ‬
‫‪84‬عقاق قادة‪ :‬اخلطاب السيميائي يف النّقد املغاريب‪-‬دراسة‪ ،-‬ص‪25‬‬
‫‪85‬عقاق قادة‪ :‬اخلطاب السيميائي يف النّقد املغاريب‪-‬دراسة‪ ،-‬ص‪.21:‬‬

‫‪667‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،03‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 667 - 634‬جوان ‪2019‬‬

You might also like