Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثانية النظرية الإنسانية
المحاضرة الثانية النظرية الإنسانية
تمهيد
خالصة
1
المحاضرة الخامسة :النظرية اإلنسانية أو الشخصانية مذاهب ونظريات تربوية معاصرة
تمهيد
فرضت التطورات الحاصلة في المنظومة المعرفية اإلنسانية على التربية أن تواكب هذا التطور في المفاهيم
والتصورات ،والعمل على ترجمتها من خالل ممارسات تربوية وتعليمية محددة وفق استراتيجيات تتحدد هي أيضا
في ضوء النظرية التربوية السائدة ،ومن بين النظريات التي كان لها حضورا ملحوظا في التراث النظري واألدبيات
الرسمية ،النظرية اإلنسانية أو كما يحلو لبعض المنظرين النظرية الشخصانية ،ونظرا لتعدد مصادر هذه
النظرية وكثرة تفرعاتها أشار إليها البعض باالتجاه اإلنساني أو الشخصاني ،وبغض النظر عن التسمية سنحاول
من خالل هذه املحاضرة إجراء مقاربة مفاهيمية وابستيمية تتضح من خاللها أهم أبعاد هذه النظرية ،وأهم
مصادرها ومرجعياتها ،باإلضافة إلى أهم مبادئها ومنطلقاتها ،والوقوف على تطبيقاتها وأهم االستراتيجيات التربوية
التي تميزت بها.
إذا تناولنا الموضوع بمقاربة فلسفية فإن الشخصانية أو اإلنسانية عبارة عن فلسفة متكاملة تنظر إلى الفرد
بالكثير من اإليجابية المبالغ فيها إلى درجة تتنافى مع الطبيعة البشرية ،وقد جاءت هذه الفلسفة التربوية كرد فعل
على االتجاه التقليدي للتربية والتعليم القائم على تلقين المعرفة بالطرق التقليدية التي تأخذ في الغالب شكل
املحاضرة ،وقد ركزت هذه الفلسفة التربوية على مفهوم الحرية والذاتية في التعلم ،وهو ما كانت تهمله الفسفات
التربوية الكالسيكية.
من هذا المنطلق يمكن أن نعرف النظرية التربوية اإلنسانية أو الشخصانية بأنها مجموعة من األفكار
والمبادئ والمسلمات والمفاهيم المنظمة ،والتي حاول من خاللها أصحابه تقديم رؤية تربوية قائمة على مفهوم
الحرية الفردية وأهمية الذاتية في العملية التربوية ،وتستهدف هذه النظرية تغيير محور الممارسة التربوية من
منطق المعرفة العلمية إلى منطق الفرد المتعلم الفعال ،من خالل األخذ بهين االعتبار الدينامية الذاتية للمتعلم.
-ظهور المدرسة المسماة :summer hillوهي مدارس حرة أرس ى معالمها Neillسنة 0691بالمملكة
المتحدة والتي نظر لها من خالل كتابه الذي يحمل اسمها ،والذي شكل حافزا لفتح المدارس الحرة التي
تمنح للمتعلم هامشا أكبر لممارسة التعلم ،غير أن المبالغة في تحرر المتعلم أظهر عيوب هذا النموذج
مما حدا بالمهتمين بشؤون التربية والتعليم يطلبون من Neillتأليف كتاب آخر يحدد فيه حدود الحرية
التي يمكن منحها للمتعلم ،وهو ما قام به بالفعل سنة 0699حين نشر كتابه .freedom not license
2
المحاضرة الخامسة :النظرية اإلنسانية أو الشخصانية مذاهب ونظريات تربوية معاصرة
-ظهور مدرسة علم النفس اإلنساني :سمى بالقوة الثالثة ،وجاء كرد فعل على علم النفس الحتمي الذي
جعل من البيئة والالشعور محددين أساسيين لسلوك الفرد ،ويعتبر كل من Adler, Maslow , Vroom,
May, Rogerrsمن رواد هذه المدرسة التي حاول من خاللها علماء النفس إيجاد تصور ثالث يفسر سلوك
الفرد بعيدا عن ثنائية الالشعور والبيئة ،والتي تأخذ بعين االعتبار دور الفرد في التحكم في سلوكه من
خالل االهتمام بمفهوم الذات وموضوع الدوافع والحاجات.
-نظريات العمل الجماعي :من أهم هذه النظريات نظرية ديناميات الشخصية التي تبناها K. Lewin 1935
والتي كان لها حضور مميز في الواليات المتحدة وأوروبا ،ومن أهم مبادئها أن النمو يقوم على أساس حاجة
داخلية تتجسد في هدف ومسعى وفكرة ،ويتحدد هذا النمو كامتداد للفضاء الحيوي للطفل المرتبط
ببعض األهداف.
.3أهم النظريات التربوية اإلنسانية
أدت التاثيرات السابقة المتنوعة الى ظهور تيارات مختلفة تجسدت في عدة نظريات تربوية أهمها:
1.3التربية الالتوجيهية الروجرزية :تنتمي هذه النظرية إلى نموذج البيداغوجيات المتمحورة حول الجوانب
الوجدانية ،من بين المنظرين الرئيسيين لهذا التوجه التربوي عالم النفس األمريكي ،Rogersالذي حاول خالل
سنوات أن يشرح المظاهر املختلفة لمبدأ أساس ي في التعلم مفاده أن لجميع األفراد توجها إيجابيا نحو التعلم،
وكان من مخرجات هذا التوجه ما سماه روجرز بالتعلم الخبراتي ،ومن بين مميزاته ما يلي:
-التعلم الخبراتي التزام شخص ي بالدرجة األولى تنغمس فسه الشخصية بكاملها.
-يسلك التعلم اتجاها داخليا ليغير في شخصية المتعلم وسلوكه واتجاهاته.
-يتميز الفرد بقدرات طبيعية على التعلم ،وبالرغبة في تطوير ذاته.
-كل تعلم يؤدي إلى تغيير في منظومة الذات وفي مفهومها يحدث شعورا بالتهديد.
-النشاط يسهل التعلم الذي له داللة ومعنى ،ففهم الموضوعات واالحتفاظ بها متوقف على مدى
ممارستها.
ُ
وقد ترجمت هذه المبادئ إلى استراتيجيتين تعليميتين:
-تغيير الدور التقليدي للمعلم من مبلغ للمعرفة إلى ميسر على اكتسابها ،من خالل مساعدة المتعلمين
فرديا وحتى جماعي لفهم أنفسهم وتحديد أهدافهم.
-توظيف استراتيجيات تفاعلية بين األشخاص ،من خالل األنشطة التعليمية التي تسمح بتحقيق االتصال
بين الفرد وذاته ،كالكتابة والرسم وغيرها من األنشطة التي تساعد على اكتشاف الذات وفهمها.
3
المحاضرة الخامسة :النظرية اإلنسانية أو الشخصانية مذاهب ونظريات تربوية معاصرة
2.3النظرية اإلنسانية املحدثة :تنتمي هذه النظرية أيضا إلى نموذج البيداغوجيات المتمحورة حول
الجوانب الوجدانية ،حدد معالم هذه النظرية Fotinasوالتي حاول من خاللها التوفيق بين مقاربة نسقية
وبين فلسفة إنسانية تستلهم أفكارها من علماء النفس األمريكيين أمثال Adler, Maslow,frommأو ما ُعرف
بمدرسة شيكاغو ،والذين كان لهم أثر عميق في الفكر التربوي خاصة خالل الخمسنيات والستينيات ،وهو
الفكر الموجه نحو بيداغوجيات تهتم بتطور الشخصية ،حيث يستهدف الدرس فس ظل هذا لتوجه تكوين
أفراد قادرين على التدخل بفعالية في الموقف التعليمي ،من خالل إنتاج وضعيات تعلم تتمركز حول المتعلم
بدل التمركز حول المنهاج ،وتظل أهداف هذه الوضعيات مفتوحة على اعتبار أن المنهجية الديداكتيكية
تترك للتالميذ حرية تحديد أهدافهم ومعايير تقويم أدائهم.
أولوية التعلم ومحورية المتعلم :تترابط حلقات هذه المنهجية في بنية بيداغوجية محددة ومنظمة مسبقا ،إال
أن المتعلم هو من يحدد مسارها انطالقا من حاجاته ،وتتضمن هذه المنهجية ستة مراحل ،هي:
-مرحلة الممارسة الطبيعية أو ما يسمى بالفعل التفكيري االستكشافي ،وتتضمن توضيح القيم والدوافع
والحاجات الشخصية ،وبناء الموقف التعليمي انطالقا من طرح مشكالت.
-مرحلة التوعية بالممارسة الطبيعية أو ما يسمى بمرحلة الدراسة والتحليل ،وتتضمن إيضاح الموقف
المشكالتي.
-مرحلة التبادل الشامل (عرض المرحلتين األولى والثانية).
-مرحلة الممارسة الواعية (ممارسة الفكر العملي المنظم) ،وتتضمن خطوة البحث عن المعلومات
بواسطة القيام بالمطالعة وطرح تصورات خاصة وتوضيح أهداف التعلم باستعمال عبارات تشير إلى
المهارات التي ينبغي اكتسابها ،ثم مشاهدة أفالم بحثية أو التعرف على البحوث النظرية.
-مرحلة تقويم الممارسة الواعية ،وهي المرحلة المرتبطة بتقويم التعلم ،من خالل تقويم المهارات التي
تم اكتسابها.
-مرحلة التبادل ،وفيها يتم تبادل الخبرات بين المتعلمين.
أهمية دورالمعلم كميسرللتعلم :من خالل توجيه المتعلم ليعيش تجارب حقيقية تساعده في الولوج إلى تجربته
الشخصية أو ما يطلق عليه Fotinasبالفحص الباطني أو استقصاء األعناق الالمحدودة للفرد ،من خالل جملة
من التقنيات البيداغوجية مثل االسترخاء ،التركيز ،التأمل الذاتي ،أحالم اليقظة ،التعابير الجسدية الحرة.
4
المحاضرة الخامسة :النظرية اإلنسانية أو الشخصانية مذاهب ونظريات تربوية معاصرة
لقد أدت الممارسات في البيداغوجيات الالتوجيهية إلى ظهور بيداغوجيات أكثر تفاعلية ،ألن اإلمعان
والالتوجيهية يؤدي إلى صعوبات ميدانية ،مما أدى إلى التفكير في آليات تربوية لـتأطير المتعلمين مع احترام
خصوصياتهم الفردية ،من خالل اعتماد استراتيجيات العمل الجماعي ضمن سيرورات العملية التعليمية،
لتحقيق هدف أساس ي هو تطوير المتعلم.
ومن أهم النظريات ضمن هذا التوجه ،النظرية العضوانية التي انطلقت من مبدأ دينامية الشخص
والجماعة ،وهي النظرية التي نشرها خالل السبعينيات من القرن الماض ي ،من طرف املجلس األعلى للتربية في
الكيبك في الكتاب المعنون ) ،L’activité éducative (1971وقدم هذا الكتاب أو التقرير التربية كنشاط يصدر
عن الحياة الباطنة للشخص ،حيث تعد التربية كثمرة لمسار فردي يوجد مركزها وديناميتها في الفرد نفسه ،وترى
هذه النظرية أن التربية يجب أن تؤسس على الموارد العميقة للكائن بدل أن تقوم على تحصيل معرفة ثقافية
وتقنية ،انطالقا من أن الشخصية تعد أهم بكثير من تحصيل أي محتوى.
خالصة
في نظر العديد من المنظرين والباحثين في شؤون التربية والتعليم ،وحتى من المهتمين والممارسين ،أن
النظرية اإلنسانية أو الشخصانية قد أماطت اللثام عن بعض الجوانب المهمة في العملية التربوية والتعليمية،
من خالل الدعوة إلى ضرورة التركيز على البعد اإلنساني أو الشخصاني في كل عملية تستهدف بناء اإلنسان ،على
غرار الجوانب المتعلقة بمفهوم الذات وسمات الشخصية ،ولم ذلك ليتحقق لوال ظهور مدرسة علم النفس
اإلنساني ،التي قدمت تصورا سيكولوجيا مختلفا عن مفهوم السلوك والشخصية بعيدا عن مبدأ الحتمية الذي
ميز الفكر السيكولوجي لعقود من الزمن ،ورغم أهمية هذه النظرية ،سيما عندما يتعلق األمر بالتأسيس لبعض
االتجاهات الحديثة في التربية والتعليم على غرار تفريد التعليم الذي يمكن اعتباره أحد أهم مخرجات هذه
النظرية ،رغم ذلك فإن اإلمعان في تقدير الذات والشخصية اإلنسانية إلى درجة التقديس ،والذي تتبناه بعض
النماذج التربوية ،يمكن أن يؤدي إلى ظهور العديد من االختالالت على مستوى الممارسة إذا لم يتم تأطيرها ببعض
الضوابط الديداكتيكية ،من قبيل التنويع في االستراتيجبات التي تسجع العمل الجماعي ،لتحقيق أعلى درجات
التفاعل بين الذات والموضوع من جهة ،وبين الذات والخرين من جهة أخرى ،في سياق اجتماعي تفرضه طبيعة
العملية التربوية التي يعد التفاعل االجتماعي من أهم شروط نجاحها.
5
المحاضرة الخامسة :النظرية اإلنسانية أو الشخصانية مذاهب ونظريات تربوية معاصرة
مالحظة :تم االستناد في إعداد هذه املحاضرة على المطبوعة البيداغوجية للدكتورة بن عمارة
سعيدة من جامعة محمد لمين دباغين الستاذة بجامعة سطيف ،2وبعض المراجع
المتخصصة.
6