You are on page 1of 6

‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫املحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية ‪HUAMITY THEORY‬‬

‫تمهيد‬

‫‪ .1‬مفهوم النظرية اإلنسانية‬


‫‪ .2‬مصادرالنظرية اإلنسانية‬
‫‪ .3‬أهم النظريات التربوية اإلنسانية‬
‫‪ 1.3‬النظرية التربوية الروجرزية‬
‫‪ 2.3‬النظرية اإلنسانية املحدثة‬
‫‪ 3.3‬النظريات التفاعلية لتطورالشخص‬

‫خالصة‬

‫‪1‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫تمهيد‬

‫فرضت التطورات الحاصلة في المنظومة المعرفية اإلنسانية على التربية أن تواكب هذا التطور في المفاهيم‬
‫والتصورات‪ ،‬والعمل على ترجمتها من خالل ممارسات تربوية وتعليمية محددة وفق استراتيجيات تتحدد هي أيضا‬
‫في ضوء النظرية التربوية السائدة‪ ،‬ومن بين النظريات التي كان لها حضورا ملحوظا في التراث النظري واألدبيات‬
‫الرسمية‪ ،‬النظرية اإلنسانية أو كما يحلو لبعض المنظرين النظرية الشخصانية‪ ،‬ونظرا لتعدد مصادر هذه‬
‫النظرية وكثرة تفرعاتها أشار إليها البعض باالتجاه اإلنساني أو الشخصاني‪ ،‬وبغض النظر عن التسمية سنحاول‬
‫من خالل هذه املحاضرة إجراء مقاربة مفاهيمية وابستيمية تتضح من خاللها أهم أبعاد هذه النظرية‪ ،‬وأهم‬
‫مصادرها ومرجعياتها‪ ،‬باإلضافة إلى أهم مبادئها ومنطلقاتها‪ ،‬والوقوف على تطبيقاتها وأهم االستراتيجيات التربوية‬
‫التي تميزت بها‪.‬‬

‫‪ .1‬مفهوم النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬

‫إذا تناولنا الموضوع بمقاربة فلسفية فإن الشخصانية أو اإلنسانية عبارة عن فلسفة متكاملة تنظر إلى الفرد‬
‫بالكثير من اإليجابية المبالغ فيها إلى درجة تتنافى مع الطبيعة البشرية‪ ،‬وقد جاءت هذه الفلسفة التربوية كرد فعل‬
‫على االتجاه التقليدي للتربية والتعليم القائم على تلقين المعرفة بالطرق التقليدية التي تأخذ في الغالب شكل‬
‫املحاضرة‪ ،‬وقد ركزت هذه الفلسفة التربوية على مفهوم الحرية والذاتية في التعلم‪ ،‬وهو ما كانت تهمله الفسفات‬
‫التربوية الكالسيكية‪.‬‬

‫من هذا المنطلق يمكن أن نعرف النظرية التربوية اإلنسانية أو الشخصانية بأنها مجموعة من األفكار‬
‫والمبادئ والمسلمات والمفاهيم المنظمة‪ ،‬والتي حاول من خاللها أصحابه تقديم رؤية تربوية قائمة على مفهوم‬
‫الحرية الفردية وأهمية الذاتية في العملية التربوية‪ ،‬وتستهدف هذه النظرية تغيير محور الممارسة التربوية من‬
‫منطق المعرفة العلمية إلى منطق الفرد المتعلم الفعال‪ ،‬من خالل األخذ بهين االعتبار الدينامية الذاتية للمتعلم‪.‬‬

‫‪ .2‬مصادرالنظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬

‫يمكن أن نميز بين ثالث مصادر للنظرية اإلنسانية‪:‬‬

‫‪ -‬ظهور المدرسة المسماة ‪ :summer hill‬وهي مدارس حرة أرس ى معالمها ‪ Neill‬سنة ‪ 0691‬بالمملكة‬
‫المتحدة والتي نظر لها من خالل كتابه الذي يحمل اسمها‪ ،‬والذي شكل حافزا لفتح المدارس الحرة التي‬
‫تمنح للمتعلم هامشا أكبر لممارسة التعلم‪ ،‬غير أن المبالغة في تحرر المتعلم أظهر عيوب هذا النموذج‬
‫مما حدا بالمهتمين بشؤون التربية والتعليم يطلبون من ‪ Neill‬تأليف كتاب آخر يحدد فيه حدود الحرية‬
‫التي يمكن منحها للمتعلم‪ ،‬وهو ما قام به بالفعل سنة ‪ 0699‬حين نشر كتابه ‪.freedom not license‬‬

‫‪2‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫‪ -‬ظهور مدرسة علم النفس اإلنساني‪ :‬سمى بالقوة الثالثة ‪ ،‬وجاء كرد فعل على علم النفس الحتمي الذي‬
‫جعل من البيئة والالشعور محددين أساسيين لسلوك الفرد‪ ،‬ويعتبر كل من ‪Adler, Maslow , Vroom,‬‬
‫‪ May, Rogerrs‬من رواد هذه المدرسة التي حاول من خاللها علماء النفس إيجاد تصور ثالث يفسر سلوك‬
‫الفرد بعيدا عن ثنائية الالشعور والبيئة‪ ،‬والتي تأخذ بعين االعتبار دور الفرد في التحكم في سلوكه من‬
‫خالل االهتمام بمفهوم الذات وموضوع الدوافع والحاجات‪.‬‬
‫‪ -‬نظريات العمل الجماعي‪ :‬من أهم هذه النظريات نظرية ديناميات الشخصية التي تبناها ‪K. Lewin 1935‬‬
‫والتي كان لها حضور مميز في الواليات المتحدة وأوروبا‪ ،‬ومن أهم مبادئها أن النمو يقوم على أساس حاجة‬
‫داخلية تتجسد في هدف ومسعى وفكرة‪ ،‬ويتحدد هذا النمو كامتداد للفضاء الحيوي للطفل المرتبط‬
‫ببعض األهداف‪.‬‬
‫‪ .3‬أهم النظريات التربوية اإلنسانية‬
‫أدت التاثيرات السابقة المتنوعة الى ظهور تيارات مختلفة تجسدت في عدة نظريات تربوية أهمها‪:‬‬

‫‪ 1.3‬التربية الالتوجيهية الروجرزية‪ :‬تنتمي هذه النظرية إلى نموذج البيداغوجيات المتمحورة حول الجوانب‬
‫الوجدانية‪ ،‬من بين المنظرين الرئيسيين لهذا التوجه التربوي عالم النفس األمريكي ‪ ،Rogers‬الذي حاول خالل‬
‫سنوات أن يشرح المظاهر املختلفة لمبدأ أساس ي في التعلم مفاده أن لجميع األفراد توجها إيجابيا نحو التعلم‪،‬‬
‫وكان من مخرجات هذا التوجه ما سماه روجرز بالتعلم الخبراتي‪ ،‬ومن بين مميزاته ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬التعلم الخبراتي التزام شخص ي بالدرجة األولى تنغمس فسه الشخصية بكاملها‪.‬‬
‫‪ -‬يسلك التعلم اتجاها داخليا ليغير في شخصية المتعلم وسلوكه واتجاهاته‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز الفرد بقدرات طبيعية على التعلم‪ ،‬وبالرغبة في تطوير ذاته‪.‬‬
‫‪ -‬كل تعلم يؤدي إلى تغيير في منظومة الذات وفي مفهومها يحدث شعورا بالتهديد‪.‬‬
‫‪ -‬النشاط يسهل التعلم الذي له داللة ومعنى‪ ،‬ففهم الموضوعات واالحتفاظ بها متوقف على مدى‬
‫ممارستها‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد ترجمت هذه المبادئ إلى استراتيجيتين تعليميتين‪:‬‬

‫‪ -‬تغيير الدور التقليدي للمعلم من مبلغ للمعرفة إلى ميسر على اكتسابها‪ ،‬من خالل مساعدة المتعلمين‬
‫فرديا وحتى جماعي لفهم أنفسهم وتحديد أهدافهم‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف استراتيجيات تفاعلية بين األشخاص‪ ،‬من خالل األنشطة التعليمية التي تسمح بتحقيق االتصال‬
‫بين الفرد وذاته‪ ،‬كالكتابة والرسم وغيرها من األنشطة التي تساعد على اكتشاف الذات وفهمها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫‪ 2.3‬النظرية اإلنسانية املحدثة‪ :‬تنتمي هذه النظرية أيضا إلى نموذج البيداغوجيات المتمحورة حول‬
‫الجوانب الوجدانية‪ ،‬حدد معالم هذه النظرية ‪ Fotinas‬والتي حاول من خاللها التوفيق بين مقاربة نسقية‬
‫وبين فلسفة إنسانية تستلهم أفكارها من علماء النفس األمريكيين أمثال ‪ Adler, Maslow,fromm‬أو ما ُعرف‬
‫بمدرسة شيكاغو‪ ،‬والذين كان لهم أثر عميق في الفكر التربوي خاصة خالل الخمسنيات والستينيات‪ ،‬وهو‬
‫الفكر الموجه نحو بيداغوجيات تهتم بتطور الشخصية‪ ،‬حيث يستهدف الدرس فس ظل هذا لتوجه تكوين‬
‫أفراد قادرين على التدخل بفعالية في الموقف التعليمي‪ ،‬من خالل إنتاج وضعيات تعلم تتمركز حول المتعلم‬
‫بدل التمركز حول المنهاج‪ ،‬وتظل أهداف هذه الوضعيات مفتوحة على اعتبار أن المنهجية الديداكتيكية‬
‫تترك للتالميذ حرية تحديد أهدافهم ومعايير تقويم أدائهم‪.‬‬

‫وتتبنى هذه النظرية جملة من االستراتيجيات‪ ،‬من أهمها‪:‬‬

‫أولوية التعلم ومحورية المتعلم‪ :‬تترابط حلقات هذه المنهجية في بنية بيداغوجية محددة ومنظمة مسبقا‪ ،‬إال‬
‫أن المتعلم هو من يحدد مسارها انطالقا من حاجاته‪ ،‬وتتضمن هذه المنهجية ستة مراحل‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪ -‬مرحلة الممارسة الطبيعية أو ما يسمى بالفعل التفكيري االستكشافي‪ ،‬وتتضمن توضيح القيم والدوافع‬
‫والحاجات الشخصية‪ ،‬وبناء الموقف التعليمي انطالقا من طرح مشكالت‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التوعية بالممارسة الطبيعية أو ما يسمى بمرحلة الدراسة والتحليل‪ ،‬وتتضمن إيضاح الموقف‬
‫المشكالتي‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التبادل الشامل (عرض المرحلتين األولى والثانية)‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة الممارسة الواعية (ممارسة الفكر العملي المنظم)‪ ،‬وتتضمن خطوة البحث عن المعلومات‬
‫بواسطة القيام بالمطالعة وطرح تصورات خاصة وتوضيح أهداف التعلم باستعمال عبارات تشير إلى‬
‫المهارات التي ينبغي اكتسابها‪ ،‬ثم مشاهدة أفالم بحثية أو التعرف على البحوث النظرية‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة تقويم الممارسة الواعية‪ ،‬وهي المرحلة المرتبطة بتقويم التعلم‪ ،‬من خالل تقويم المهارات التي‬
‫تم اكتسابها‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة التبادل‪ ،‬وفيها يتم تبادل الخبرات بين المتعلمين‪.‬‬

‫أهمية دورالمعلم كميسرللتعلم‪ :‬من خالل توجيه المتعلم ليعيش تجارب حقيقية تساعده في الولوج إلى تجربته‬
‫الشخصية أو ما يطلق عليه ‪ Fotinas‬بالفحص الباطني أو استقصاء األعناق الالمحدودة للفرد‪ ،‬من خالل جملة‬
‫من التقنيات البيداغوجية مثل االسترخاء‪ ،‬التركيز‪ ،‬التأمل الذاتي‪ ،‬أحالم اليقظة‪ ،‬التعابير الجسدية الحرة‪.‬‬

‫‪ 3.3‬النظريات التفاعلية لتطورالشخص‬

‫‪4‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫لقد أدت الممارسات في البيداغوجيات الالتوجيهية إلى ظهور بيداغوجيات أكثر تفاعلية‪ ،‬ألن اإلمعان‬
‫والالتوجيهية يؤدي إلى صعوبات ميدانية‪ ،‬مما أدى إلى التفكير في آليات تربوية لـتأطير المتعلمين مع احترام‬
‫خصوصياتهم الفردية‪ ،‬من خالل اعتماد استراتيجيات العمل الجماعي ضمن سيرورات العملية التعليمية‪،‬‬
‫لتحقيق هدف أساس ي هو تطوير المتعلم‪.‬‬

‫ومن أهم النظريات ضمن هذا التوجه‪ ،‬النظرية العضوانية التي انطلقت من مبدأ دينامية الشخص‬
‫والجماعة‪ ،‬وهي النظرية التي نشرها خالل السبعينيات من القرن الماض ي‪ ،‬من طرف املجلس األعلى للتربية في‬
‫الكيبك في الكتاب المعنون )‪ ،L’activité éducative (1971‬وقدم هذا الكتاب أو التقرير التربية كنشاط يصدر‬
‫عن الحياة الباطنة للشخص‪ ،‬حيث تعد التربية كثمرة لمسار فردي يوجد مركزها وديناميتها في الفرد نفسه‪ ،‬وترى‬
‫هذه النظرية أن التربية يجب أن تؤسس على الموارد العميقة للكائن بدل أن تقوم على تحصيل معرفة ثقافية‬
‫وتقنية‪ ،‬انطالقا من أن الشخصية تعد أهم بكثير من تحصيل أي محتوى‪.‬‬

‫خالصة‬

‫في نظر العديد من المنظرين والباحثين في شؤون التربية والتعليم‪ ،‬وحتى من المهتمين والممارسين‪ ،‬أن‬
‫النظرية اإلنسانية أو الشخصانية قد أماطت اللثام عن بعض الجوانب المهمة في العملية التربوية والتعليمية‪،‬‬
‫من خالل الدعوة إلى ضرورة التركيز على البعد اإلنساني أو الشخصاني في كل عملية تستهدف بناء اإلنسان‪ ،‬على‬
‫غرار الجوانب المتعلقة بمفهوم الذات وسمات الشخصية‪ ،‬ولم ذلك ليتحقق لوال ظهور مدرسة علم النفس‬
‫اإلنساني‪ ،‬التي قدمت تصورا سيكولوجيا مختلفا عن مفهوم السلوك والشخصية بعيدا عن مبدأ الحتمية الذي‬
‫ميز الفكر السيكولوجي لعقود من الزمن‪ ،‬ورغم أهمية هذه النظرية‪ ،‬سيما عندما يتعلق األمر بالتأسيس لبعض‬
‫االتجاهات الحديثة في التربية والتعليم على غرار تفريد التعليم الذي يمكن اعتباره أحد أهم مخرجات هذه‬
‫النظرية‪ ،‬رغم ذلك فإن اإلمعان في تقدير الذات والشخصية اإلنسانية إلى درجة التقديس‪ ،‬والذي تتبناه بعض‬
‫النماذج التربوية‪ ،‬يمكن أن يؤدي إلى ظهور العديد من االختالالت على مستوى الممارسة إذا لم يتم تأطيرها ببعض‬
‫الضوابط الديداكتيكية‪ ،‬من قبيل التنويع في االستراتيجبات التي تسجع العمل الجماعي‪ ،‬لتحقيق أعلى درجات‬
‫التفاعل بين الذات والموضوع من جهة‪ ،‬وبين الذات والخرين من جهة أخرى‪ ،‬في سياق اجتماعي تفرضه طبيعة‬
‫العملية التربوية التي يعد التفاعل االجتماعي من أهم شروط نجاحها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المحاضرة الخامسة‪ :‬النظرية اإلنسانية أو الشخصانية‬ ‫مذاهب ونظريات تربوية معاصرة‬

‫مالحظة‪ :‬تم االستناد في إعداد هذه املحاضرة على المطبوعة البيداغوجية للدكتورة بن عمارة‬
‫سعيدة من جامعة محمد لمين دباغين الستاذة بجامعة سطيف ‪ ،2‬وبعض المراجع‬
‫المتخصصة‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like