You are on page 1of 28

‫جامعة المولى اسماعيل كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية مكناس‬

‫محاضرات في النظرية العامة‬


‫للقانون الدستوري‬
‫من إنجاز ‪:‬‬
‫الطالب علي وطلحة‬

‫‪2015/2016‬‬

‫ا أل س ت ا ذ ا ل ح ض ر ا ن ي‬
‫مقدمة عامة‬
‫‪‬تعريف القانون الدستوري ‪:‬‬
‫‪ ‬المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري ‪:‬‬
‫يقتصر القانون الدستوري وفقا لهدا المعيار على دراسة مضامين الوثيقة‬
‫الدستورية‪,‬وليس أي شيء خارجها‪,‬وهدا المعيار يمتاز بالوضوح والبساطة‬
‫والتحديد‪,‬وهو أساس فكرة جمود الدستور وسموه‪,‬وهدا شيء منطقي الرتباط ظهور‬
‫المعيار الشكلي بانتشار حركة تدوين الدساتير في الواليات المتحدة األمريكية سنة‬
‫‪ ,1787‬وفرنسا سنة ‪ 1791‬قبل أن تنتقل إلى جل دول العالم خالل القرنين التاسع‬
‫عشر والعشرين‪.‬‬
‫ويسجل على هدا المعيار بعض المؤاخذات منها ما يرتبط بمضامين الوثيقة‬
‫الدستورية ذاتها (البنية الداخلية للنص) حيث أن الوثيقة الدستورية قد تتضمن بعض‬
‫الفصول واألحكام ذات طبيعة غير دستورية‪,‬كتنصيص دستور و‪.‬م‪.‬أ لسنة ‪1920‬‬
‫على تجريم بيع الخمور‪ ,‬أو تنصيص الدستور المغربي على االنفتاح على اللغات‬
‫األجنبية فطبيعة هده األحكام يؤطرها القانون العادي‪,‬وليست القواعد الدستورية‬
‫السامية‪.‬ومنها التي تطال المواضيع التي لم تدون ضمن الوثيقة الدستورية (البنية‬
‫الخارجية للنص) حيث أن الوثيقة الدستورية ال تشمل كل المواضيع والمجاالت‬
‫الدستورية بسبب تجاهلها وعدم استيعابها للتقاليد والعادات ذات الطبيعة الدستورية‪.‬‬
‫‪ ‬المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري ‪:‬‬
‫يعتمد المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري على جوهر وموضوع‬
‫القاعدة ذات الطبيعة الدستورية بصرف النظر عن شكلها أو مصدرها (دستور‬
‫مكتوب‪ ,‬عرف دستوري‪ ,‬قانون عادي)‪ ,‬فغاية القانون الدستوري هو دراسة النظام‬
‫السياسي الداخلي للدولة‪ ,‬وهدا ما دهب إليه جل الفقهاء الدستوريين‪ ,‬إذ بتقديرهم أن‬
‫القانون الدستوري يهتم شكل الدولة ونظام الحكم‪,‬وطبيعة العالقة بين السلطات‬
‫واختصاصاتها والمبادئ العامة للحقوق والحريات العامة‪,‬بل هناك من أضاف حتى‬
‫القواعد االقتصادية واالجتماعية‪ ,‬وهكذا يظهر أنا هدا المعيار يظل معيارا شامال‬
‫ومتطابقا مع الواقع السياسي‪.‬‬
‫‪‬نشأة القانون الدستوري وتطوره ‪:‬‬
‫‪ ‬المرحلة األولى ‪:‬مرحلة المنظور القانوني ‪:‬‬
‫تنطلق مع بداية تدريس هده المادة في سنة ‪ ,1834‬واقتصرت الدراسة خالل هده‬
‫المرحلة على وصف المؤسسات التي يضعها الدستور(أي الحكام) دون دراسة‬
‫الطريقة المعتمدة لوصولهم إلى السلطة أو توضيح موقف المحكومين منهم‪ ,‬وظلت‬
‫هده المقاربة القانونية مهيمنة على تدريس القانون الدستوري إلى غاية نهاية الحرب‬
‫العالمية الثانية‪.‬‬
‫‪ ‬المرحلة الثانية ‪:‬مرحلة المنظور السوسيولوجي ‪:‬‬
‫تميزت هده المرحلة متغيرات عدة جعلت المنظور القانوني مقتربا عاجزا عن‬
‫اإلحاطة بالظاهرة السياسية‪,‬من بينها ظهور أنظمة دستورية اشتراكية وأنظمة سياسية‬
‫دكتاتورية‪,‬وكذلك أنظمة سياسية في العالم الثالث اتخذت فيها السلطة أشكاال مختلفة‪.‬‬
‫وأمام هده التطورات تم استبعاد الدراسة النصية للدساتير ألنها التعكس الواقع وبدء‬
‫التركيزعلى دراسة الروح التي تنطوي عليها الممارسة المرتبطة بتطبيق المقتضيات‬
‫واألحكام الدستورية‪.‬وقد تجسد هدا المنهج أو المقاربة الجديدة للظواهر السياسية في‬
‫اعتماد علم السياسة إلى جانب القانون الدستوري‪.‬‬
‫‪ ‬المرحلة الثالثة ‪:‬مرحلة القانون الدستوري الجديد ‪:‬‬
‫هده المرحلة تتميز بمحاولة الجمع بين المنظورين القانوني والسوسيولوجي(السياسي)‬
‫أي اإلحتكام للقانون الدستوري واإلستئناس بمقتربات علم السياسة لإلحاطة بالواقع‬
‫السياسي‪.‬وفي هدا الصدد أصبحت كثير من النصوص الدستورية تعمل على تنظيم‬
‫أمور كانت في السابق خارج دائرة التنظيم القانوني‪,‬مثل تمويل األحزاب لتنظيم‬
‫الحمالت اإلنتخابية وأصبحت تهتم بتنظيم وضمان حقوق اإلنسان والحريات‬
‫العامة‪,‬وأصبحت تنص على ضرورة خضوع الحاكمين للقضاء الدستوري‪.‬‬
‫‪‬عالقة القانون الدستوري بمواد القانون العام ‪:‬‬
‫‪ ‬عالقة القانون الدستوري بالقانون اإلداري ‪:‬‬
‫يرتبط القانون الدستوري بروابط وثيقة بالقانون اإلداري‪,‬يمثل األول قمة النظام‬
‫القانوني الداخلي للدولة ‪:‬فالقانون الدستوري هو المقدمة الضرورية للقانون اإلداري‪,‬‬
‫ويجد فيه هدا األخير عناوينه وموضوعاته‪.‬والقانون اإلداري هو نهاية القانون‬
‫الدستوري‪.‬وهدا ما يستشف من قول بارتملي ‪":‬إن القانون الدستوري يبين لنا كيف‬
‫شيدت اآللة الحكومية‪,‬أما القانون اإلداري فيبين لنا كيف تسير هده اآللة وكيف تقوم‬
‫كل قطعة منها بوظيفتها"‪ ,‬بمعنى أن مجال القانون الدستوري هو التنظيم السياسي في‬
‫الدولة(األعمال الحكومية)‪,‬في حين أن مجال القانون اإلداري فينحصر في التنظيم‬
‫اإلداري (األعمال التنفيدية)‪.‬‬
‫‪ ‬عالقة القانون الدستوري بالمالية العامة ‪:‬‬
‫هناك عالقة متبادلة بين القانون الدستوري والقانون المالي‪ ,‬فالقاعدة الدستورية تنظم‬
‫المالية العامة ‪ ,‬وهدا ما يمكن استشفافه من الفصل ‪ 75‬من الدستور المغري لسنة‬
‫‪,2011‬الذي نص على صالحية البرلمان في التصويت على قانون المالية طبقا‬
‫شروط يحددها قانون تنظيمي باإلضافة لعديد من النصوص التي تبين العالقة القوية‬
‫والمتينة بين القانونين الدستوري والمالي‪.‬‬
‫‪ ‬عالقة القانون الدستوري بعلم السياسة ‪:‬‬
‫فعالقة القانون الدستوري بعلم السياسة هي عالقة وطيدة حيث أن القانون الدستوري‬
‫لم يعد يهتم بالنصوص الدستورية فقط‪ ,‬بل أضحى يهتم بمحاور أخرى كاألحزاب‬
‫السياسية والجماعات الضاغطة والرأي العام واألسس االقتصادية للنظام السياسي‪.‬‬

‫وتبعا لدلك فمحاور المادة تتـأرجح ما بين ‪:‬‬


‫‪ -‬المفاهيم األساسية والجوانب النظرية المتعلقة سواء بالدولة كتأصيل نظري‬
‫متعدد‪,‬إلى جانب العناصر السوسيولوجية للدولة وأشكالها (موضوع الفصل‬
‫األول)‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف الدستور ومحتواه وأنواعه‪,‬إضافة إلى تأسيسه‪,‬وأجرأة تعديله وضمانة‬
‫سمو قواعده السامية(موضوع الفصل الثاني)‪.‬‬
‫‪ -‬إشكالية الديمقراطية والمشاركة السياسية والياتها‪,‬ومؤسسات هده‬
‫المشاركة(موضوع الفصل الثالثة)‪.‬‬

‫الفصل األول ‪:‬المفاهيم األساسية والجوانب النظرية المتعلقة‬


‫سواء بالدولة كتأصيل نظري متعدد إلى جانب العناصر‬
‫السوسيولوجية للدولة وأشكالها‪.‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫يرجع األصل اإلشتقاقي لكلمة"دولة" في اللغة العربية إلى فعل دال يدول‪ ,‬وقد وردت في القران‬
‫الكريم"كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم" س الحشر‪ ,‬وفسرت كلمة دولة بالتداول وتعاقب‬
‫الحكم‪.‬وحسب البعض فإن ميكيافيلي هو أول من استعملها في معناها العصري في كتابه‬
‫األمير"كل هيأة كان لها سلطة على الشعوب هي دول أو جمهوريات أو إمارات"‪ ,‬عموما الدولة‬
‫هي شكل من أشكال التنظيم الجماعي المرتكز على وجود مجموعة بشرية مستقرة في إطار‬
‫جغرافي محدد‪ ,‬تؤطره سلطة سياسية منظمة‪.‬وعرف جورج بيردو الدولة بأنها" صاحبة السلطة‬
‫الدائمة التي يتعاقب الحكام بصورة عرضية على ممارستها ‪.‬فيما عرفها إيزمان بأنها"التشخيص‬
‫القانوني لألمة"‪ ,‬والتعريف الماركسي اعتبر الدولة"أداة قمع وإكراه‪,‬وضعت تحت تصرف‬
‫الطبقة المسيطرة لحماية مصالحها" وال زال هذا التشخيص سائدا في عالم اليوم فرجل الشارع‬
‫يجسد الدولة في مأمور الضرائب‪ ,‬وفي شرطي المرور‪ ,‬بل حتى في تلك الرسالة التي تبعثها‬
‫إليه إدارة البريد وتطلب منه اإللتحاق بمصالحه إلبالغه أمرا مهما أي الدولة المجهولة‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬األسس النظرية للدولة ‪:‬محاولة التأصيل ‪:‬‬


‫المطلب األول ‪:‬النظرية الدينية والعقدية ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬النظرية الثيوقراطية ألصل الدولة ‪:‬‬

‫‪ teos‬وتعني هللا‪ ,‬و‬ ‫يعود اشتقاق كلمة الثيوقراطية في األصل إلى كلمتين إغريقيتين ‪:‬‬
‫‪ kratos‬وتعني السلطة‪ ,‬وهذا يعني أن هللا هو مصدر السلطات‪ ,‬والدولة مؤسسة إلهية ونظام‬
‫غير بشري‪ ,‬والبشر في حاجة لحاكم قوي وتفرعت النظرية الثيوقراطية أو الدينية إلى ثالث‬
‫أطروحات أو اتجاهات ‪:‬‬

‫‪ ‬أطروحة تأليه الحاكم ‪:‬تدمج هذه النظرية بين الحاكم واإلله فالحاكم هو اإلله نفسه يستمد‬
‫سلطته من ذاته بإعتبار إلها‪ ,‬والحاكم منزه ومعصوم من الخطأ وهو غير مراقب يجمع بين‬
‫السلطتين الدينية والزمنية‪ ,‬يمركز حوله السلطات الثالث التنفيذية والتشريعية والقضائية‪,‬‬
‫وسادت هذه النظرية في مصر الفرعونية وفي الصين القديمة وكذا الهند وفي العهد‬
‫اإلقطاعي ألروبا‪.‬‬
‫‪ ‬أطروحة التفويض اإللهي ‪:‬‬
‫تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪-1‬أطروحة الحق اإللهي المباشر ‪:‬نظرية اإلصطفاء ‪:‬‬
‫تقوم هذه النظرية‪ ،‬على أساس أن الحاكم ليس له طبيعة إلهية بل من البشر‪ ،‬و لكن هللا اصطفاه من‬
‫بين البشر و منحه السلطة‪ .‬فالحاكم يستمد سلطانه مباشرة من هللا دون أي تدخل من البشر‪ ،‬و لذلك‬
‫يتوجب إطاعته و عدم معصيته‪ ،‬ألن معصيته هي معصية هلل‪ .‬و يترتب على القول إن الحاكم‬
‫يستمد سلطته من هللا مباشرة عدم مسؤولية الحاكم عن تصرفاته‪ ،‬فمسؤوليته تكون أمام هللا وحده‬
‫الذي منحه السلطة‪ .‬و قد استخدمت هذه النظرية لتبرير السلطة المطلقة للكثير من الملوك في‬
‫القرن السابع عشر‪ ،‬و خاصة في فرنسا‪ ،‬و أضحت النظرية المعتنقة من قبل الكنيسة المسيحية‬
‫في ذلك الوقت‪.‬‬
‫‪-2‬أطروحة الحق اإللهي الغير المباشر ‪:‬‬
‫تعتبر هذه األطروحة أن هللا هو مصدر السلطة الزمنية‪,‬فاهلل هو الذي يسخر األقدار ويهيئ‬
‫الظروف‪,‬ومن أبرز دعاة هذه األطروحة والمتشيعين لها‪,‬القديس توماس وجوزيف دب‬
‫مستر ويونالد فهي بابوية األصل إذن‪ ,‬وهتلر تأثر بهذا اإلتجاه ففي خطابه قال" ال يمكنني أن‬
‫أعبر عن عميق عواطفي إال بشكل تضرع إلى العناية اإللهية التي دعتني وساعدتني على أن‬
‫أكون زعيما"فوهر" لشعبي"‪.‬‬
‫‪ ‬هل نشأة الدولة في اإلسالم ذات أصل ديني ‪:‬‬
‫تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪-1‬أطروحة نفي ثيوقراطية الدولة في اإلسالم ‪:‬‬
‫يرى أصحاب هذا الطرح أن نشأة الدولة في اإلسالم‪ ,‬تختلف عن النظريات الثيوقراطية‪,‬‬
‫فالحاكم في اإلسالم ليس له أي حق إلهي في السلطة وإنما هو فرد من أفراد المسلمين‬
‫اختارته األمة لكفائته وليس في اإلسالم سلطة دينية‪ ,‬وعلى أي فالسلطة بعد وفاة الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم سلطة سياسية‪-‬مدنية‪ ,‬وليست سلطة دينية بالمفهوم الغربي للكلمة‪ ,‬وبذلك‬
‫فالدولة في اإلسالم ليست بالدولة الثيوقراطية بالمعنى المسيحي‪ ,‬بل كانت دولة دينية عقدية‪.‬‬
‫‪-2‬أطروحة المنشأة الدينية للدولة في اإلسالم ‪:‬‬
‫يذهب أصحاب هذه الطرح إلى القول بأن الدولة في اإلسالم نشأت بدافع ديني‪,‬وإلى اإلرادة‬
‫اإللهية التي أدت بالمسلمين إلى أن تكون لهم دولة ومع ذلك فالدولة اإلسالمية ليست دولة‬
‫ثيوقراطية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬النظرية العقدية ‪:‬حالة الطبيعة والعقد اإلجتماعي ‪:‬‬

‫‪-1‬طوماس هوبز ‪: 1588-1679‬‬

‫حسب طوماس في كتابه المعروف "التنين" ال يمكن أن يتكون مجتمع سياسي(دولة) إال إذا‬
‫وجدت سلطة عليا غير قابلة لإلنقسام تقوم على التزام تعاقدي بمقتضاه يتنازل األفراد عن حقهم‬
‫الطبيعي في استخدام القوة(حالة الطبيعة) لفائدة صاحب السيادة الذي يصبح ممتلكا للسلطة‬
‫المطلقة التي يرمز إليها هوبز بالتنين أي الحيوان الخرافي الذي يلتهم كل شيء‪ ,‬فنشأة الدولة تأتي‬
‫نتيجة السأم الذي استبد بالناس من حالة اإلقتتال الدائم‪ ,‬والوعي الذي تكون لديهم تبعا لذلك من أن‬
‫الحروب تمثل أسوأ الشرور‪ ,‬فكان لجوؤهم إلى تقنية اإلتفاق(العقد اإلجتماعي) فيما بينهم لتجاوز‬
‫مساوئ هذه الوضعية(حالة الطبيعة واإلقتتال الدائم)‪ ,‬واإلنتقال إلى حالة المجتمع المنظم فاإلنسان‬
‫يكون مخيرا إما أن يخضع لسلطة مطلقة وإما أن يعيش في فوضى كاملة‪.‬‬

‫‪-2‬جون لوك ‪: 1632-1704‬‬

‫الكتابات المتعددة لهذا الفيلسوف تعكس تصوراته لنظام الحكم‪ ,‬إذ ينظر إلى حالة الطبيعة من‬
‫زاوية متفائلة بشكل مخالف"لهوبس" فلم تكن حالة فوضى وإضطراب يسودها قانون الغاب‪ ,‬بل‬
‫كانت حياة فطرة وبراءة‪ ,‬حياة فاضلة تعبر عن المساواة والحرية التامتين دون الخضوع ألي‬
‫سلطة‪ .‬فاألفراد يزدادون متمتعين بكل خصائص الطبيعة وهذا من شأنه أن يحقق المساواة فيما‬
‫بينهم‪ ,‬ودون أن يخضع أحدهم لألخر‪",‬فالعقل الطبيعي يعلم الناس أنه ال ينبغي ألي فرد أن يلحق‬
‫ضررا بغيره‪ ,‬ال في حياته أو حريته‪,‬رأيه أو في ملكيته طالما أنهم جميعا متساوون ومستقلون"‬
‫وبذلك فقد خالف لوك رأي هوبس في تصوره لحالة الطبيعة‪ ,‬معتبرا الروح اإلنسانية كلوح خال‬
‫من أي نقش‪ ,‬أو صفحة بيضاء‪ ,‬تسجل عليها األفكار إال من خالل التجربة‪.‬‬

‫وظهور الدولة‪ ,‬حسب تقدير "جون لوك" ارتبط بالحفاظ على الملكية الخاصة‪ ,‬والتي حضيت‬
‫لديه بمكانة خاصة‪ ,‬فخيرات األرض وكنوزها هي ملك مشترك للبشرية‪ ,‬واستثمارها بشكل منتج‬
‫وعقالني يقتضي تملكها بشكل فرداني خصوصا مع التبادل النقدي الذي حل محل المقايضة‬
‫والذي سيفضي إلى نوع من التراكم الالمحدود للثروة والملكية‪.‬‬

‫‪-3‬جون جاك روسو ‪: 1778-1712:‬‬

‫األفراد في ظل حالة الطبيعة االولى كانوا متمتعين باإلكتفاء الذاتي نتيجة بساطة الحياة‪ ,‬ومع‬
‫ظهور الملكية وازدياد الحاجيات تحولت الحرية الطبيعية إلى نةع من العبودية‪ ,‬أصبح اإلنسان‬
‫بموجبها مكبال باألغالل في كل مكان‪ ,‬يخضع لسلطان يذله ويقهره‪ .‬وحسب روسو فإن حالة‬
‫الطبيعة لم تبق ثابتة ومستقرة بل خضعت لمرحلة السلطان السياسي والمدني ويعتبر العقد‬
‫اإلجتماعي هو السبيل السليم لإلنتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة اإلجتماعية‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬النظريات الغير العقدية ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬النظرية القانونية والماركسية في أصل الدولة ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬النظرية القانونية للدولة ‪:‬‬

‫‪ -1‬األصل القانوني لنشأة الدولة ‪:‬‬

‫ترجع هذه النظرية أصل الدولة‪,‬وكما يستفاد من عنوانها‪ ,‬إلى القانون‪ .‬وحسب الفقيه‬
‫النمساوي"كلسن" فإن الدولة كالتشكيالت اإلجتماعية األخرى هي نظام قانوني‪ ,‬أو هي تسلسل‬
‫للقواعد القانونية تستمد صحتها من قاعدة أساسية مفترضة‪ ...‬فالدولة هي نظام قانوني مركزي‬
‫هرمي‪ ,‬فكل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة التي تعلوها إلى أن تصل" في إطار ما يسمى بتدرج‬
‫القوانين" إلى الدستور‪ ,‬والذي يستمد هو األخر صحته من دستور سابق له‪.‬‬

‫ويذهب في نفس السياق الفقيه الفرنسي"جورج بيردو" معتبرا أن الدولة ال تصبح واقعا إال بعد‬
‫تنظيم سلطتها السياسية من واقعة فعلية إلى واقعة قانونية‪.‬‬

‫ومن جهته فإن "كاردي مالبيرغ" قد بحث في النظرية العامة للدولة‪ ,‬وقد خلص إلى القول ‪":‬إن‬
‫نشأة الدولة تتطابق مع وضع أول دستور(مكتوب أم غير مكتوب)‪ ,‬أي مع ظهور النظام الذي‬
‫يعطي ألول مرة للمجموعة أجهزة تؤمن لها وحدة إرادتها‪,‬وتجعل منها شخصيا دوليا‪.‬‬

‫‪ -2‬تقييم النظرية القانونية ‪:‬‬

‫تصدى لهذه النظرية فقهاء وباحثون دستوريون اخرون منهم"روني كابتان"‪ ,‬و"ديكي"‪,‬‬
‫واأللماني"ماكس فيبر‪ ,‬فبالنسبة للفقيه األول فقد انتقد في رسالته"الحتمية القانونية" لسنة ‪1928‬‬
‫طرح "كلسن"‪,‬مؤاخذا عليه عدم إتمام هرمه القانوني‪ ,‬إذ ظل ينقصه طابق كامل‪ ,‬فالدستور األول‬
‫ليست له قوة افتراضية‪ ,‬وإنما واقعية‪,‬والدليل هو الثورة الفرنسية‪,‬حيث استمدت الجمعية الوطنية‬
‫صالحياتها من إرادة الشعب‪ ,‬وليس من إرادة مفترضة‪ ,‬ومن جهتها فإن المدرسة الماركسية تنتقد‬
‫طرح كل من يفصل انظرية والقانون عن العوامل اإلجتماعية واإلقتصادية‪ ,‬وترى أن طرح‬
‫"كلسن" يقوم على أساس قانوني شكلي‪,‬وافتراض ال سند له‪,‬وبالتالي فنظريته دوغمائية‬
‫مرفوضة‪ ,‬وبتقدير "ديكي" فإن الحكام كانوا وسيظلون هم األقوياء بفضل وسائل القهر التي‬
‫لديهم‪ ,‬أي القهر المحتكر من طرف مجموعة ما‪ ",‬إنها قوة األقوياء التي تسيطر على ضعف‬
‫الضعفاء"‪ ,‬وبهذا فالقانون ال يمكن إال أن يسجل هذا الواقع‪ ,‬في حين انبرى الفقيه الثالث"فيبر"‬
‫إلى القول بأن " الجماعة السياسية هي المتمتعة باحتكار اإلكراه المادي المشروع" وعليه فالدولة‬
‫تقوم على عناصر سوسيولوجية(الواقع‪,‬القوة والعنف) وليس على عناصر قانونية‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬النظرية الماركسية ألصل الدولة ‪:‬‬

‫‪ -1‬أسس النظرية الماركسية ‪:‬‬


‫‪ -2‬الماركسية الكالسيكية والدولة ‪:‬‬

‫ثالثا ‪:‬تقييم تصور النظرية الماركسية ألصل الدولة ‪:‬‬

‫‪ -1‬انتقاد النظرية الماركسية األصلية ‪:‬مالحظات بيار كالستر ‪:‬‬


‫‪ -2‬الماركسية الجديدة وأصل الدولة ‪:‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬نظريات أخرى في أصل الدولة ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬نظرية القوة ‪:‬‬

‫يعتمد أصحاب هذه النظرية على أن الدولة هي نظام اجتماعي فرضه الغالب على المغلوب فهي‬
‫تنشأ عندما يفرض القوي سلطته على باقي األفراد ألن الحياة اإلنسانية األولى كان يحكمها نظام‬
‫الجماعات األسرية بما تحتويه من سيطرة قانون الحرب واإلغارة بين مختلف األسر‪ ,‬فإذا‬
‫انتصرت إحدى األسر على غيرها تضمها إليها وبفرض رئيسها سلطانه على اإلقليم الذي تعيش‬
‫فيه‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬نظرية التطور العائلي ‪:‬‬

‫ترجع هذه النظرية أصل الدولة أو السلطة السياسية إلى األسرة وإلى السلطة األبوية بالتحديد‪,‬‬
‫فاألسرة هي الخلية األولى للمجتمع‪ ,‬شكلت نواة التطور نحو العشيرة ثم القبيلة‪,‬ثم القرية فالمدينة‪,‬‬
‫ثم الدولة التي ما هي إلى مدينة سياسية كبيرة‪ ,‬وأنصار هذه النظرية هم "أرسطو" و "أفالطون"‬
‫و "بودان"‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬نظرية التطور التاريخي أو الطبيعي ‪:‬‬

‫ترجع هذه النظرية أصل الدولة إلى تطور عدة عوامل تتمثل في القوة المادية واإلقتصادية‬
‫والعوامل الدينية والمعنوية أو العقائدية ومن أنصار هذا التصور"برتلمي" و"كارنر" و"سبنسر"‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬عناصر الدولة وأشكالها ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪:‬عناصر الدولة ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬اإلقليم ‪:‬‬

‫‪-1‬مكونات اإلقليم ‪:‬‬

‫‪ ‬اإلقليم الترابي ‪:‬يقصد به البر أو اليابسة أو األرض‪ ,‬واألرض تشكل القاعدة األساسية‬
‫التي تتحد عليها الجماعات البشرية المتمدنة‪ ,‬و ال يمكن تصور وجود الدولة دون‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪ ‬اإلقليم البحري ‪:‬هو ذلك اإلمتداد البحري المالصق للدولة الشاطئية فيما وراء المياه‬
‫الداخلية(مثل مياه الموانئ والمرافئ والخلجان‪ , )...‬واعتبرت اتفاقية جونيف سنة ‪1958‬‬
‫حول قانون البحار أن الدولة تمتلك السيادة على البحر اإلقليمي‪ ,‬وعرض البحر اإلقليمي‬
‫كان محددا عرفيا في ثالثة أميال وحددت إتفاقية جمايكا لعام ‪ 1982‬عرض البحر‬
‫اإلقليمي في ‪ 12‬ميال بحريا‪.‬‬
‫‪ ‬اإلقليم الجوي ‪:‬هو ذلك الفضاء الذي يعلو األرض والمياه اإلقليمية من هواء‪ ,‬ويتكون من‬
‫طبقة الغالف الهوائي المحيط باألرض‪ ,‬والفضاء المحيط بالغالف الهوائي إلى ما ال‬
‫نهاية له‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ,‬فإن الطبقة الجوية تعتبر امتدادا لسيادة الدولة وهذا ما أقرته اتفاقية‬
‫شيكاغو في ‪ 7‬دجنبر ‪ ,1994‬في حين أن الطبقة الفضائية ال تخضع لسيادة أية دولة طبقا‬
‫لقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة سنة ‪.1967‬‬

‫‪-2‬دور اإلقليم في تكوين الدولة ‪:‬‬

‫‪ ‬أهمية المجال اإلقليمي ‪ :‬يمكن النظر إلى األهمية التي يكتسيها اإلقليم من زاويتين‪,‬‬
‫من زاوية اثاره على الدولة ومن جانب انعكساته على األفراد‪ ,‬ففيما يخص الزاوية‬
‫األولى فإن اإلقليم يشكل أحد العناصر األساسية المكونة للدولة وجزء من وجودها‪,‬‬
‫بل يعتبر اإلقليم عنصرا مالزما لتكوين شخصية الدولة‪ ,‬وقد شخص رائد الجغرافية‬
‫السياسية األلماني "راتزل" أهمية الدولة المختزلة في قطعة من األرض ومجموعة‬
‫بشرية‪ ,‬وهو ما عبر عنه "فالو" بتجسيده للدولة في شكل جغرافي للحياة اإلجتماعية‪,‬‬
‫بينما اختزل البعض اإلقليم في المجال السياسي‪ ,‬فحسب كاري دي مالبرغ‪ ,‬فاإلقليم‬
‫هو" اإلطار الذي تمارس في داخله السلطة السياسية"‪ ,‬هو نفس اإلتجاه الذي سلكه‬
‫ديكي"‪ .‬أما فيما يتعلق بالزاوية الثانية والخاصة باثار اإلقليم على األفراد‪ ,‬فاإلقليم‬
‫يظل عامال وعنصرا موحدا للسكان‪ ,‬ومؤثر في بعث روح التضامن فيما بينهم‪ ,‬بل‬
‫ويساهم في تشكل الشعوب واألمم‪ ,‬بسبب تولد الرغبة في العيش المشترك وحب‬
‫الوطن والدفاع عن األرض وحدودها‪.‬‬
‫‪ ‬الدولة ومسألة الحدود ‪:‬تشكل الحدود المجال الذي تنتهي عنده صالحيات الدولة‪,‬وقد‬
‫ظهر مشكل الحدود في العصر الحديث‪ ,‬إذ لم يكن معروفا في العصر القديم حيث لم‬
‫يظهر المفهوم الحديث للحدود إال في القرن السادس عشر كخط وهمي يفصل بين‬
‫المناطق‪ .‬والحدود تختزل الصراع والتوتر بين العديد من الدول‪ ,‬فالحدود بمثابة‬
‫ظاهرة أمنية‪ ,‬ونسيج سيادي يقع عليه العبء األول في الدفاع عن الدولة وحمايتها‬
‫والحدود هي إما طبيعية(أنهار‪ ,‬جبال‪ ,‬بحار‪ )...‬أو اصطناعية وقد تعتمد على معايير‬
‫أخرى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬المجموعة البشرية ‪:‬العنصر السوسيولوجي ‪:‬‬

‫‪-1‬مكونات المجموعة البشرية ‪:‬‬

‫‪ ‬السكان ‪:‬يقصد بالسكان أولئك األشخاص الذين يعيشون فوق إقليم الدولة سواء كانوا‬
‫مواطنين أو أجانب(أحياء)‪ ,‬ال تربطهم بالدولة رابطة الجنسية‪.‬‬
‫‪ ‬الشعب ‪:‬يعد الشعب كجماعة من الناس تقطن بصفة مستقرة في إقليم معين‪ ,‬وتخضع‬
‫لنظام سياسي محدد‪ ,‬وللشعب كذلك مدلوالن ‪:‬‬
‫‪-‬مدلول واسع ‪:‬يتمثل في المفهوم اإلجتماعي للشعب كمجموعة من األفراد يقيمون على‬
‫إقليم الدولة‪ ,‬يتمتعون بجنسيتها(أي الرعايا المواطنين)‪.‬‬
‫‪-‬مدلول ضيق ‪:‬يتمثل في المفهوم السياسي للشعب‪ ,‬المتمتع بالحقوق السياسية(جمهور‬
‫الناخبين البالغين سن التصويت)‪.‬‬
‫‪ ‬األمة ‪:‬اهتم البحث الدستوري بمفهوم األمة » ‪ ,« nation‬وهكذا فقد عرفها "مانسيني"‬
‫سنة ‪ 1851‬بقوله ‪":‬هي مجتمع طبيعي من الناس ذو وحدة أرضية وأصلية‪,‬ووحدة‬
‫عادات‪ ,‬ولغة خاضعة لإلتحاد في الحياة والوجدان اإلجتماعي"‪ ,‬أما " أرنست رينان" فقد‬
‫عرف األمة بكونها"تتوالد من زواج جماعة من الناس‪ ,‬وبقعة أرضية" وعليه فاألمة‬
‫تختلف عن السكان(المفهوم الشامل‪,‬مواطنون وأجانب) والشعب (المفهوم غير‬
‫الشامل ‪:‬مواطنون فقط)‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬السلطة الفعلية‪-‬المنظمة‪-‬ووضائف الدولة ‪:‬‬

‫‪ -1‬السلطة السياسية ‪:‬‬


‫‪ ‬مفهوم السلطة السياسية ‪:‬‬
‫السلطة السياسية عبارة عن مجموعة من المؤسسات واألجهزة التي تمكن من إخضاع‬
‫المواطنين داخل دولة محددة‪,‬وتتميز السلطة السياسية بمجموعة من الخصائص‪ ,‬وهي ‪:‬‬
‫‪-‬سلطة عامة ذات اختصاص عام يشمل كل نواحي النشاط البشري في الدولة‪.‬‬
‫‪-‬سلطة سامية تتفوق وتعلو كل السلطات والقوى األخرى في المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬سلطة أصلية تنبع منها جميع السلطات األخرى الفرعية في الدولة‪.‬‬
‫‪-‬سلطة الدولة وليست سلطة وكالء الدولة من حكام وموظفين‪.‬‬
‫‪-‬يجب أن تكون السلطة السياسية ذات مشروعية وذات سيادة‪.‬‬
‫‪ ‬السلطة السياسية والمشروعية ‪:‬‬
‫ال يمكن أن تكون السلطة السياسية مشروعة‪,‬إال إذا قامت على رضى وقبول المجتمعات‪,‬‬
‫بمعنى أن السلطة السياسية ال يمكن أن تتحكم في المحكومين إذا لم تقم على‬
‫القانون(الشرع)‪ .‬وهناك ثالث أصناف من المشروعية حسب العالم األلماني ماكس فيبر ‪:‬‬
‫‪ ‬المشروعية التقليدية ‪:la legitimité traditionnelle‬تقوم على طاعة‬
‫المحكوم للحاكم بناء على التقاليد والعادات والماضي والوراثة والعرق والدين‪.‬‬
‫‪ ‬المشروعية الكاريزماتية أو اإللهامية ‪:‬تعبر عن شخصية الحاكم الخارجة عن‬
‫المعتاد‪ ,‬ومن مواهبه الجذابة للمحكومين‪ ,‬تجد مثالها في األنبياء‪.‬‬
‫‪ ‬المشروعية العقالنية ‪:‬بموجبها يطيع المحكوم الحاكم استنادا للعقالنية القانونية‬
‫وللطرق اإلنتخابية‪ ,‬أو القائمة على المساطر‪.‬‬

‫‪-2‬وظائف الدولة ‪:‬‬

‫‪ ‬الوظائف التقليدية للدولة ‪:‬‬


‫تنحصر الوظائف التقليدية أو األساسية للدولة في األعمال التي تهم الحفاظ على سالمتها‬
‫من الداخل والخارج‪ ,‬بصد اإلعتداءات الخارجية وحماية المواطنين في الداخل وتحقيق‬
‫العدل بين األفراد‪.‬‬
‫وتهم هذه الوظائف مجاالت التشريع والتنفيذ والقضاء‪ ,‬وتوزع الوظائف الثالث استنادا‬
‫إلى مبدأ فصل السلط‪ .‬ويعتبر مونتيسكيو األب الحقيقي لمبدأ فصل السلط‪ ,‬صاغه في‬
‫كتابه"روح القوانين" ‪ 1748‬في الفصل الرابع من الكتاب الحادي عشر أثناء تعرضه‬
‫للدستور اإلنجليزي‪ ,‬والذي جاء فيه أنه"يوجد في كل دولة ثالث أنواع ‪ :‬السلطة‬
‫التشريعية والسلطة المنفذة لألمور المتعلقة بحقوق اإلنسان‪ ,‬ثم السلطة المنفذة لألمور‬
‫المتعلقة بالقانون المدني"‪.‬‬
‫‪ ‬الوظائف الحديثة للدولة ‪:‬‬
‫يعتبر البعض أن الوظائف الحديثة للدولة بمثابة أعمال ثانوية لتحقيق خير الجماعة و‬
‫إسعادها‪ ,‬والتي تأرجحت بين وظائف الدولة –الحارسة‪ -‬المقتصرة على الوظيفة التقليدية‬
‫(أمن داخلي وخارجي‪ ,‬قضاء‪ ,)...‬والوظائف المدنية للدولة حيث األمن اإلقتصادي‬
‫واإلجتماعي والروحي‪ ...‬خاصة في عالم اليوم المعلب بالعولمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬أشكال الدولة ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الدولة البسيطة أو الموحدة ‪:‬‬

‫الدولة البسيطة هي التي تمثل الشكل البسيط في تركيبها الدستوري‪ ,‬التي تنفرد بإدارة شؤونها‬
‫الداخلية والخارجية ولها دستور وسلطة قضائية وسلطة تنفيذية وسلطة تشريعية‪.‬مثال ‪:‬فرنسا‬
‫وإيطاليا وكل الدول العربية ماعدا اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫‪ ‬الدولة البسيطة وأسلوب المركزية اإلدارية ‪:‬يتخد النظام المركزي صورتين ‪:‬التركيز‬
‫اإلداري ‪:‬ويقصد به التجميع والتوحيد والقبض بزمام األمور وتعني من الناحية اإلدارية‬
‫ذلك األسلوب اإلداري الذي تتمركز عليه جميع السلطات في أيدي الحكومة وجعلها تنبثق‬
‫من مصدر واحد مقره هو العاصمة‪ ,‬ويتميز بتقوية نفوذ الحكومة المركزية وهيمنتها مما‬
‫يساعد على تحقيق الوحدة القانونية والسياسية للدولة‪.‬ثم عدم التركيز اإلداري ‪:‬الذي يعني‬
‫توزيع اإلختصاصات بين السلطات المركزية وفروعها في األقاليم إلتخاد بعض‬
‫القرارات البسيطة أو المتوسطة‪ ,‬مما يخفف العبء على الوزير المختص والسرعة في‬
‫إنجاز المشاريع‪ ,‬ويمتاز أيضا بمنح السلطة المحلية الصالحية في اتخاد بعض القرارات‬
‫المستعجلة والضرورية‪.‬‬
‫‪ ‬الدولة البسيطة وأسلوب الالمركزية اإلدارية ‪:‬‬
‫الالمركزية اإلدارية أسلوب من أساليب اإلدارة العامة والتسيير تعتمده جميع الدول‬
‫الحديثة‪,‬وتتخد الالمركزية اإلدارية صورتين‪",‬الالمركزية اإلقليمية أو المرفقية" وتستند‬
‫على عدة عناصر وأركان وهي وجود هيئات محلية يعهد إليها بتدبير بعض المرافق‬
‫وتسيير الشؤون المحلية‪ ,‬خضوع الوحدات اإلقليمية والمرفقية المحلية‪ -‬أشخاصا‬
‫وأعماال‪ -‬لسلطات الوصاية والهدف من الالمركزية اإلدارية هو تقصير المسافة بين‬
‫المواطن ومصدر القرار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الدولة المركبة أواإلتحادية ‪:‬‬

‫‪ ‬إتحاد أو ارتباط الدول ‪:‬الصنف القديم للدول المركبة ‪:‬‬


‫فاإلتحادات الشخصية تقوم على الترابط بين دولتين أو أكثر‪ ,‬تحتفظ بسيادتها واستقاللها‬
‫على المستوى الداخلي والخارجي‪.‬وهو اتحاد عرضي ومؤقت يزول بزوال الشخص‬
‫الملتف حوله وكمثال (إتحاد بولونيا وليتوانيا ما بين ‪ 1385‬و ‪ 1785‬نتيجة زواج دوق‬
‫ليتوانيا مع ملكة بولونيا) فيما اإلتحاد الحقيقي أو الواقعي يعتبر أكثر تماسكا من اإلتحاد‬
‫الشخصي الذي يضع األعضاء فيه تحت إمرة ملك‪ ,‬فاإلتحاد الحقيقي يربط الدول بروابط‬
‫أساسها‪ ,‬عقد قانوني صريح تلزم بموجبه الدول األعضاء في ممارسة بعض القضايا‬
‫واألمور‪.‬‬
‫‪ ‬اإلتحاد الكونفدرالي ‪:‬الصنف الجديد للدولة المركبة ‪:‬‬
‫تنشأ الكونفدرالية كإتحاد بين دولتين أو أكثر كاملة السيادة بمقتضى معاهدة دولية تتويجا‬
‫لمفاوضات دبلوماسية‪ ,‬تتنازل بموجبها عن جزء من سيادتها لمصالح هيئة اتحادية قصد‬
‫تحقيق أهداف مشتركة‪ ,‬وعموما هو نظام تعاقدي وانتقالي والدول األعضاء حرة في‬
‫اإلنسحاب ومثاله(كونفدرالية سينغامبية بين السينغال وجمهورية غامبيا)‪.‬‬
‫‪ ‬اإلتحاد الفدرالي ‪:‬الصنف الجديد والواسع للدول المركبة ‪:‬‬
‫تنشأ الدولة الفدرالية إما بطريقة اإلنضمام‪ ,‬حيث تندمج عدة دول أو واليات تربطها‬
‫صالت الدين‪ ,‬اللغة‪,‬التاريخ المشترك‪ ,‬والمصالح اإلقتصادية‪ ...‬لتكوين دولة إتحادية‬
‫مشكلة دولة جديدة تحمل اسم وعلم اإلتحاد‪ ,‬كما هو الشأن بالنسبة للواليات المتحدة‬
‫األمريكية التي تأسست سنة ‪.1787‬‬
‫‪ ‬الفرق بين الكونفدرالية والفدرالية ‪:‬‬
‫‪ ‬تنشأ الكونفدرالية بإرادة حكومات الدول بينما الفدرالية بإرادة ممثلي الدول‪.‬‬
‫‪ ‬اإلتحاد الكونفدرالي يقوم على أساس تعاقدي‪ ,‬بينما الفدرالية تقوم على أساس‬
‫دستوري‪.‬‬
‫‪ ‬اإلتحاد الكونفدرالي يتخد قراراته باإلجماع بينما الفدرالي يتخد قراراته‬
‫باألغلبية‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪:‬التعريف بالدستور ومحتواه‬


‫وأنواعه‪,‬إضافة إلى تأسيسه‪ ,‬وأجرأة تعديله‬
‫وضمانة سمو قواعده السامية‬

‫المبحث األول ‪:‬مفهوم الدستور ونوعه ‪:‬‬


‫المطلب األول ‪:‬الدستور ‪:‬المدلول والمحتوى ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬تعريف الدستور ‪:‬‬


‫كلمة"دستور" فارسية األصل‪ ,‬وهي مركبة من "دست"‪ ,‬وتعني القاعدة‪ ,‬ومن "ور" وتاعني‬
‫صاحب‪(,‬أي صاحب القاعدة)‪ ,‬تقابلها في اللغة الفرنسية ‪ constitution‬وتعني التأسيس أو‬
‫البناء أو اإلذن والترخيص‪.‬‬
‫أوال ‪:‬المعيار الشكلي في تعريف الدستور ‪:‬‬

‫‪-1‬التعريف واألهمية ‪:‬‬

‫يعرف الدستور‪,‬وفقا للمعيار الشكلي بمجموعة من القواعد القانونية التي تحتوي عليها الوثيقة‬
‫الدستورية الخاضعة لمسطرة خاصة(غير عادية) أثناء الوضع‪,‬أو التعديل أو اإللغاء‪ ,‬وتبعا لهذا‬
‫يقتضي في الدستور توفر الجوانب التالية ‪:‬‬

‫‪-‬احتواء الدستور على قواعد قانونية تعلو القواعد األخرى‪.‬‬

‫‪-‬تدوين وكتابة النصوص في وثيقة رسمية‪.‬‬

‫‪-‬إعداد الدستور وتعديله وفقا لمجموعة من اإلجراءات الخاصة‪ ,‬والتي تختلف عن تلك المتبعة‬
‫في وضع أو إلغاء القانون العادي‪.‬‬

‫‪-‬وضع الدستور من طرف هيأة أو سلطة خاصة‪ ,‬تسمى عادة السلطة التأسيسية‪.‬‬

‫‪-2‬الحركة الدستورية والدساتير المكتوبة ‪:‬‬

‫ارتبط التعريف الشكلي للدستور بانتشار حركة تدوين الدساتير‪ ,‬واقترن ضهور الحركة‬
‫الدستورية أو الدستورانية بدورها بتبلور أفكار هذه الحركة خالل القرنين الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر ميالدي وخاصة مع الدستور الفدرالي ل و‪.‬م‪.‬أ سنة ‪ ,1789‬أما في أوروبا فكان أول‬
‫دستور مدون هو دستور بولونيا(ماي ‪ )1791‬والدستور الفرنسي(شتنبر ‪ .)1791‬ومونتيسكيو‬
‫نادى بالحركة الدستورية حيث قال ‪":‬ال وجود لدستور بدون حرية و ال وجود لحرية بدون‬
‫دستور"‪ ,‬نالحظ إذن أن اقتران الحركة الدستورية بتدوين الدساتير كان مبررا لألخد بالمعيار‬
‫الشكلي في تعريف الدستور انذاك‪ ,‬ولكنه يظل تعريفا غير شامل مقارنة مع المعيار الموضوعي‬
‫الذي يأخد بعين اإلعتبار مضامين الكتلة الدستورية ككل‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬المعيارالموضوعي في تعريف الدستور ‪:‬‬

‫‪-1‬التعريف واألهمية ‪:‬‬

‫يقصد بالدستور تبعا للمعيار الموضوعي مجموع القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم‬
‫وطبيعة العالقة بين السلطات واختصاصاتها والقواعد التي تضمن حقوق األفراد وحرياتهم‪,‬‬
‫وينظر هذا المعيار الموضوعي لجوهر ومحتوى القاعدة الدستورية بصرف النظر عن شكلها أو‬
‫مصدرها‪ ,‬وتبعا لذلك فإن غياب الوثيقة الدستورية ال يعني نفيا أو غيابا للدستور‪.‬‬

‫‪-2‬تعدد مدلوالت ومغازي الدستور ‪:‬‬

‫‪-‬المدلول والقيمة الرمزية ‪:‬فالدستور هو رمز قبل أن يكون قانونا فهو وثيقة منشئة للدولة بشكل‬
‫عام‪ ,‬تضع حدا للفوضى واإلضطراب‪.‬‬
‫‪-‬المدلول الوضيفي ‪:‬يعني أن الدستور هو مجموعة القواعد التي تقيم المساواة بين أعضاء‬
‫الدولة‪.‬‬

‫‪-‬المدلول الفلسفي ‪:‬أو اإليديولوجي ويتمثل في اإلعتماد الدستوري الذي يعني أن الحكم ليسا‬
‫مطلقا‪,‬وأن السلطة ليست نهائية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬محتوى الدستور ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬قواعد مؤسسات الحكم ‪:‬‬

‫‪-1‬بيان المبادئ العامة للنظام السياسي وقواعد الجهاز التنفيذي ‪:‬‬

‫تهتم الدساتير‪ ,‬وفي حيزها األكبر‪ ,‬بتنظيم مؤسسات الحكم‪ ,‬وعالقات السلط مع بعضها البعض‪,‬‬
‫وفي عالقاتها بالمواطنين‪.‬فهي تبين شكل الدولة‪ ,‬وأنظمة الحكم‪...‬‬

‫‪-2‬قواعد تنظيم السلط األخرى ‪:‬‬

‫حيث تشير أحكام الدساتير إلى تنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬إعالنات الحقوق ‪:‬‬

‫‪-1‬تطور وأهمية إعالنات الحقوق ‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة في البداية إلى أن أول إعالن للحقوق كان قد صدر ب و‪.‬م‪.‬أ بموجب دوستور‬
‫ماساشوست ‪ ,1780‬لكن اإلعالن العالمي الذي كان له الوقع األكبر هو إعالن حقوق اإلنسان‬
‫والمواطن لسنة ‪ .1789‬فقد تضمن دستور ‪ 4‬شتنبر ‪ 1992‬جديدا فيما يخص تعهد المغرب‬
‫بحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪-2‬مدى ضمانات إعالنات الحقوق ‪:‬‬

‫لقد ظهرت الدساتير وإعالنات الحقوق تاريخيا في ذات الوقت‪ ,‬وكان لها نفس اإلندفاع‪ ,‬لذا‬
‫وجب اإلعتراف لها بنفس القيمة القانونية‪.‬ولهذا الغرض فالدول تنص على حقوق األفراد‬
‫وحرياتهم في صلب الوثيقة الدستورية‪ .‬والدستور المغربي ‪ 2011‬ارتقى ببعض الحقوق إلى‬
‫القواعد الدستورية السامية‪ ,‬من قبيل حماية الحق في الحياة(الفصل‪ )20‬وضمان السلطات‬
‫العمومية لسالمة السكان(الفصل ‪...)21‬‬

‫ثالثا ‪:‬مبادئ التنظيم اإلقتصادي واإلجتماعي ‪:‬‬

‫‪-1‬بيان مبادئ التنظيم اإلقتصادي واإلجتماعي والدساتير الغير الكالسيكية ‪:‬‬

‫يعد التنصيص على هذه المبادئ بمثابة ظاهرة حديثة في الدساتير تأخد مكانها في التصدير‬
‫ضمن تصريحات الحقوق أو في فصل خاص من الدستور‪.‬مشكلة دستورا اجتماعيا إلى جانب‬
‫الدستور السياسي‪.‬وتخللت دستور ‪ 2011‬بعض المقتضيات التي تندرج في إطار هذه المبادئ‬
‫من قبيل أحكام الفصل الواحد والثالثين‪.‬‬

‫‪-2‬تقدير التوجه اإلقتصادي واإلجتماعي للدستور ‪:‬‬

‫أثار تضمين الدستور لهذه المبادئ تأييد البعض وتحفظ البعض األخر‪.‬فاإلتجاه المؤيد يقر‬
‫بضرورة التفرقة بين الدستور السياسي والدستور اإلجتماعي‪.‬وخالفا إلتجاه التأييد‪,‬انبرى البعض‬
‫االخر للتشكيك في القيمة القانونية لهذه المبادئ المعتمدة من الدستور‪.‬‬

‫وكختام لهذا المحور فإن الدستور يحتوي كذلك على بعض األحكام المختلفة كاسم الدولة‬
‫وشعارها ونشيدها ولغتها ودينها وعلمها‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬أنواع الدساتير ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الدساتير المكتوبة والدساتير العرفية ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬الدساتير المكتوبة ‪:‬‬

‫‪-1‬الدستور المكتوب ‪:‬الوثيقة األساسية ‪:‬‬

‫يعرف الدستور بكونه مجموعة من القواعد واألحكام المنظمة لممارسة السلطة داخل الدولة‪,‬‬
‫والمدونة في شكل وثيقة أو نص أساسي أو عدة وثائق‪ ,‬وتعد الوثيقة الدستورية أهم مصدر لنشأة‬
‫القواعد التشريعية في الدول ذات الدساتير المكتوبة‪ ,‬وقد تكون الوثيقة المذكورة مطولة أو‬
‫قصيرة من حيث حجم وعدد البنود(المواد أو الفصول)‪.‬‬

‫وعلى العموم ‪,‬الدستور المكتوب يتصف ببعض المزايا منها امتيازه بالتفوق والسمو عن القوانين‬
‫العادية وبالجمود الذي من شأنه أن يكفل تنظيما ثابثا للدولة‪ ,‬ويسمح الدستور المكتوب بسهولة‬
‫اإلطالع عليه والتعرف على أحكامه‪.‬‬

‫‪-2‬القوانين التنظيمية ‪:‬‬

‫يوجد إلى جانب وثيقة الدستور بعض القوانين التي تكملها وتفعل أحكامها‪.‬وتأتي في منزلة بين‬
‫منزلتي الدستور والقوانين العادية‪ .‬وهي القوانين التنظيمية‪.‬‬

‫‪-3‬القوانين الداخلية للبرلمانات ‪:‬‬

‫يلعب البرلمان دورا أساسيا في تطبيق النصوص الدستورية‪ ,‬فهذه األخيرة تتعرض للمبادئ‬
‫العامة بشكل مختصر‪ ,‬تاركة للبرلمان صالحية تجديد قواعد سير عمله‪ ,‬ووضع تنظيم مجلسه‬
‫أو مجلسيه بشكل مفصل بواسطة قوانينه الداخلية التي تعتبر كامتداد مادي للدستور‪ ,‬ويمكن‬
‫القول أن التنظيمات الداخلية للبرلمانات وحتى القوانين التنظيمية ال يمكن أن تخالف أحكام‬
‫الدستور من حيث المبدأ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬الدساتير الغير المكتوبة(العرفية) ‪:‬‬


‫‪-1‬الدستور العرفي ‪:‬‬

‫الدستور العرفي هو مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية غير المكتوبة نشأت وتكونت عن‬
‫طريق العادات والتقاليد والسلوكات و السوابق التارخية و يعد العرف من أهم مصادر القاعدة‬
‫القانونية وحاليا ال توجد دساتير عرفية إال بشكل نادر‪ ,‬أهمها وأشهرها الدستور اإلنجليزي‪.‬‬

‫‪-2‬العرف الدستوري ‪:‬‬

‫يعتبر مجموعة من القواعد غير المدونة توجد بجانب الدستور المكتوب‪ .‬ويشترط توفر ركنين‬
‫في القاعدة العرفية الدستورية ‪:‬الركن المادي والركن المعنوي‪ ,‬يتمثل األول في األعمال‬
‫والتصرفات الصادرة عن السلطة السياسية‪ .‬والثاني يضفي على العادة قيمة ملزمة ‪.‬وبناء على‬
‫ما سبق يبدو لنا أن العرف الدستوري يكمل قواعد الدستور المكتوب‪.‬‬

‫‪-3‬الممارسة الدستورية ‪:‬‬

‫الممارسة الدستورية قد تحترم الدستور القائم وقد ال تحترمه‪ ,‬وتظهر الممارسة المذكورة في‬
‫كل صور نشاط السلطات العامة‪.‬ويمكن أن تهم عالقاتها مع المواطنين‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الدساتير الصلبة والدساتير المرنة ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬الدستور الصلب ‪:‬‬

‫‪-1‬مفهومه ‪:‬يعرف الدستور الصلب بذلك النص الذي ال يمكن أن يعدل إال وفقا لمسطرة خاصة‬
‫ينص عليها الدستور ذاته‪.‬‬

‫‪-2‬أمثلة للدساتير الصلبة ‪:‬يعتبر دستور و‪.‬م‪.‬أ من الدساتير الصلبة والجامدة الذي وضعت سنة‬
‫‪ 1787‬وكذلك الدستور المغربي لسنة ‪.1962‬‬

‫ثانيا ‪:‬الدستور المرن ‪:‬‬

‫‪-1‬مفهومه ‪ :‬يقصد به ذلك النوع أو الصنف الدستوري الذي يمكن وضعه وتعديله بنفس األصول‬
‫واألشكال المعتمدة في وضع وتعديل التشريعات العادية‪.‬‬

‫‪-2‬العالقة بين الدستور المرن والدستور الصلب ‪:‬‬

‫الدساتير المرنة تعدل بقانون عادي كما هو الشأن في دستور إيطاليا لسنة ‪ 1848‬والدساتير‬
‫الصلبة التي تعدل بواسطة القانون العادي من توفر وقائع خاصة إلمتصاص التوترات‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬نشأة الدستور واليات مراجعته ومراقبته ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪:‬نشأة الدستور وأساليب وضعه ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬السلطة التأسيسية األصلية وطرق وضع الدستور ‪:‬‬


‫أوال ‪:‬السلطة التأسيسية األصلية ‪:‬‬

‫تتمثل في تلك السلطة التي تعد الدستور ألول مرة عند إحداث دولة جديدة‪ ,‬وتتميز هذه السلطة‬
‫بعدة خصائص منها‪ ,‬أنها سلطة أصلية ‪:‬فالسلطة التأسيسية األصلية هي التي تنشئ الدستور‬
‫وتخلقه ألول مرة‪ ,‬وتبقى هذه السلطة سلطة عليا تتوفر على النفوذ السياسي الالزم‪,‬لإلطالع بهذه‬
‫المهمة الخطيرة ويجمع الفقه على أن السلطة التأسيسية األصلية تتجسد في الشعب صاحب‬
‫السيادة أو الجماعة‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬األسلوب الغير الديمقراطي في وضع الدستور ‪:‬‬

‫األسلوب الغير الديمقراطي يتأرجح بين الشرعية الممنوحة‪ ,‬حيث تعود السيادة للحاكم بشكل‬
‫كلي‪ ,‬أو الشرعية التفاوضية‪ ,‬إذ ترجع السيادة للحاكم بشكل جزئي‪.‬‬

‫‪-1‬األسلوب الممنوح في وضع الدستور ‪:‬‬

‫يكون الدستور ممنوحا إذا انفرد الحاكم بصياغته‪ ,‬ووضعه بإرادته كسلطة تأسيسية أصلية‬
‫وحسب رغبته دون أية مشاركة شعبية‪ ,‬يتنازل بمقتضاه الحاكم صاحب السيادة‪ ,‬وكأمثلة‬
‫للدساتير الممنوحة يمكن ذكر ‪:‬الدستور اإليطالي لسنة ‪ 1848‬والدستور الفرنسي لعام ‪1861‬‬
‫والدستور الياباني لسنة ‪ 1889‬والدستور الروسي لسنتي ‪1906‬و‪ 1911‬والدستور المصري‬
‫لسنة ‪ 1923‬والدستور اإلثيوبي لسنة ‪ 1931‬ودستور اإلمارات العربية المتحدة سنة ‪1971‬‬
‫ودستور دولة قطر ‪.1972‬‬

‫‪-2‬األسلوب التعاقدي في وضع الدستور ‪:‬‬

‫ينشأ الدستور بموجب عقد أو ميثاق ناجم عن اتفاق أو تفاوض بين الحاكم والشعب عبر ممثليه‪,‬‬
‫لذلك سمي بالعقد ولهذا فالسلطة التأسيسية األصلية تتجسد في الملك من جهة والشعب من جهة‬
‫ثانية‪ ,‬وإرادتهما تنشئ الدستور‪ ,‬وهناك أمثلة أخرى للدساتير التعاقدية كدستور اليونان لستة‬
‫‪ ,1844‬دستور رومانيا عام ‪ ,1861‬دستور العراق ‪ ,1925‬دستور األردن ‪.1952‬‬

‫ثالثا ‪:‬األسلوب الديمقراطي في وضع الدستور ‪:‬‬

‫‪-1‬وضع الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية ‪:‬أسلوب النخبة ‪:‬‬

‫تعتبر الجمعية التأسيسية أوالمؤتمر‪ ,‬من أكثر األساليب ديمقراطية في وضع الدستور‪,‬وتنتخب‬
‫الجمعية لهذه الغاية بواسطة الشعب‪,‬ويقتصر دورها على وضع الدستور وينتهي بانتهاء هذا‬
‫الوضع‪ .‬ويميز الفقهاء بين صنفين من الجمعيات التأسيسية فاألولى يقتصر دورها على مشروع‬
‫تحضير الدستور والمصادقة عليه بينما تجمع الثانية بين يديها كل سلطات الدولة فتتدخل في‬
‫عمل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية‪.‬‬

‫‪-2‬وضع الدستور بواسطة اإلستفتاء الدستوري ‪:‬األسلوب الشعبي ‪:‬‬


‫يقصد باإلستفتاء‪-‬إصطالحيا‪ -‬إبداء رأي الشعب والدلو بدلوه بخصوص قضية أو موضوع‬
‫معين‪ ,‬قد يكون ذا طابع سياسي‪ ,‬دستوري إجتماعي‪ ,‬أو ذا طابع دبلوماسي بشأن معاهدات‬
‫دولية‪ ,‬ويعد اإلستفتاء الدستوري أكثر ديمقراطية فهو يمنح الدستور سلطة أكثر شرعنة‪,‬‬
‫وعموما فإن لإلستفتاء الدستوري عدة مزايا منها ‪:‬‬

‫‪-‬خلق تقليد سياسي –شعبي‪ -‬من شأنه أن يساهم في إشراك السكان جميعهم في تسطير وتقعيد‬
‫المجال السياسي‪.‬‬

‫‪-‬تربية الجماهير وتعبئتها وتهذيب ذوقها السياسي‪.‬‬

‫وكيفما كان أسلوب وضع الدستور‪-‬ديمقراطي‪ -‬أو‪-‬غير ديمقراطي‪ -‬فإن الدستور ليس بالكتاب‬
‫المنزل‪ ,‬فهو في حاجة لمجاراة سنة الحياة‪,‬مما يجعله قابال للتعديل بل حتى لإللغاء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬السلطة التأسيسية الفرعية ومراجعة الدستور ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬بخصوص السلطة التأسيسية الفرعية ‪:‬‬

‫‪-1‬مفهومها ‪:‬‬

‫السلطة التأسيسية الفرعية(المشتقة) هي سلطة مؤسسة بموجب الدستور أناط بها صالحية‬
‫المراجعة إيمانا من واضعي الدستور بقيمة العمل المنجز‪,‬وتباشر حسب الفقه من طرف الجهة‬
‫التي يحددها الدستور ذاته‪ ,‬وهي إما السلطة النيابية‪-‬البرلمان‪ -‬أو السلطة الشعبية بواسطة‬
‫اإلستفتاء‪.‬‬

‫‪-2‬مدى صالحية السلطة التأسيسية الفرعية في مراجعة الدستور ‪:‬‬

‫ذهب فريق إلى ترجيح أسبقية السلطة التأسيسية األصلية في عملية المراجعة‪,‬فالذي يضع‬
‫الدستور له الصالحية المطلقة في مراجعته وتعديله‪,‬وانبرى فريق اخر من الفقه إلى القول‬
‫بأحقية السلطتين التأسيسية األصلية والفلرعية في مراجعة الدستور‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬مسطرة المراجعة الدستورية والجهاز المكلف بها ‪:‬‬

‫‪-1‬مراحل المراجعة الدستورية ‪:‬‬

‫تمر المراجعة الدستورية بقناة أساسية ممهدة‪,‬تتمثل في حق المبادرة أو اقتراح المراجعة‪.‬ومنح‬


‫هذا الحق بموجب الدستور لعدة سلط‪ ,‬يقصد من ورائها تحقيق توازن بينها‪ .‬وضمان استقرار‬
‫وصالبة الدستور ذاته وحق اإلقتراح في البداية يخول إلى السلطة التنفيذية‪.‬و قد تخول مبادرة‬
‫اإلقتراح للسلطة التشريعية أيضا في بعض الدول‪.‬فالتعديل الدستوري يمر بمراحل تتمثل في‬
‫اإلقتراح واتخاد مبادرة المراجعة ثم اعتماد هذه األخيرة أو رفضها إال أن هناك بعض الدول‬
‫التي تطال عملية المراجعة ذاتها‪.‬‬

‫‪-2‬حدود المراجعة الدستورية ‪:‬‬


‫من خالل استقراء الدساتير يتبين أن بعضها ينص على عدم تعرض بعض أحكامها للتعديل‬
‫ألسباب ظرفية ومؤقتة‪".‬الحظرالزمني"‪ ,‬أو إلعتبارات موضوعية" الحظر اإليديولوجي"‪,‬‬
‫فبخصوص الحظر الظرفي والمؤقت فهو ينشطر إلى شقين‪ ,‬يهم الشق األول منع تعديل الدستور‬
‫عند إجتياز الدولة لظروف معينة‪ .‬والشق الثاني يهم بعض الدساتير التي بموجبه ال تراجع إال‬
‫بعد مرور فترة زمنية على وضعها‪.‬أما الحظر الموضوعي فيقضي بعدم تعرض فلسفة النظام‬
‫السياسي ومذهبه اإليديولوجي للتعديل‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬نهاية الدستور ‪:‬‬

‫‪-1‬الطريقة العادية لنهاية الدستور ‪:‬‬

‫تتمثل هذه الطريقة في إلغاء العمل بالدستور بطريقة عادية وهادئة واستبداله بدستور جديد‪,‬فإذا‬
‫كان الدستور عرفيا فينتهي العمل به بواسطة دستور عرفي جديد أو إصدار دستور مكتوب يحل‬
‫محل الدستور العرفي‪.‬‬

‫‪-2‬الطريقة غير العادية لنهاية الدستور ‪:‬‬

‫تتمثل في األسلوبين الثوري واإلنقالبي‪ ,‬فاألول له دور كبير في إلغاء الدستور القائم‪,‬حيث‬
‫تستهدف تحقيق الصالح العام حيث تكون نابعة من الشعب‪ ..‬والثاني ال يستهدف تغيير المجتمع‬
‫بقدر ما يتغيأ اإليستيالء على السلطة‪ ,‬وعلى الحكم بأسلوب غير شرعي‪.‬‬

‫ومن أمثلة الدساتير التي ألغيت بالثورات‪ ,‬يمكن ذكر دستور روسيا الذي ألغي بدستور الثورة‬
‫سنة ‪ ,1917‬ودستور مصر لسنة ‪ 1923‬الذي سقط بثورة ‪ 23‬يوليوز ‪.1952‬‬

‫أما بخصوص الدساتير التي ألغيت نتيجة انقالب فيمكن ذكر دستور الجزائر لسنة ‪ 1963‬الذي‬
‫ألغي بانقالب ‪ 19‬أكتوبر ‪ ,1956‬ودستور موريطانيا لسنة ‪ 1964‬الذي سقط بانقالب عام‬
‫‪.1978‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬مراقبة دستورية القوانين ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الرقابة بواسطة الهيأة السياسية ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬مراقبة دستورية القوانين بفرنسا ‪:‬‬

‫‪-1‬النشأة والتطور ‪:‬‬

‫تعتبر فرنسا مهد الرقابة السياسية‪ ,‬وتتصدر بذلك قائمة الدول األكثر تقدما في مجال هذا النوع‬
‫من المراقبة‪ ,‬ويعود ذلك إلى عهد الثورة الفرنسية سنة ‪ , 1789‬وقد نص دستور ‪ 1791‬على‬
‫المراقبة السياسية من خالل تركه المبادرة للمواطنين‪,‬وقد تصدى المفكرون والباحثون‬
‫والسياسيون لذلك بالنظر للصعوبات التي يطرحها هذا الشكل الرقابي‪ ,‬إذ ال يتصور تنصيب‬
‫المواطن نفس كقاضي‪ .‬وقد اقترح سييس(‪ )sieyes‬إنشاء هيئة سياسية يعهد إليها بمهمة إبطال‬
‫القوانين المخالفة للدستور سماها بهيئة المحلفين الدستوريين وقد تم رفض هذا اإلقتراح‪.‬‬
‫وعهد في ظل دستور السنة الثامنة الجمهورية مراقبة دستورية القوانين إلى مجلس الشيوخ‬
‫المحافظ‪ ,‬وتمت مؤاخدة هذا المجلس بتبعيته لرئيس الدولة‪.‬‬

‫ولم يتناول دستور ‪ 1875‬مراقبة دستورية القوانين‪ ,‬والتي تجاهلتها كذلك حكومة فيشي‪ ,‬في‬
‫حين أسس دستور ‪ 1946‬لجنة دستورية للمراقبة‪ ,‬وهي عبارة عن جهاز سياسي‪ ,‬يختار‬
‫أعضاؤها من طرف كل غرفة برلمانية‪ ,‬وبواسطة رئيس الجمهورية الذي هو رئيس اللجنة‪.‬‬

‫‪-2‬المجلس الدستوري والمراقبة في ظل دستور ‪: 1958‬‬

‫نص الدستور الفرنسي ل ‪ 4‬أوكتوبر ‪ 1958‬على تكوين المجلس الدستوري‪ ,‬والذي يتألف من‬
‫تسع أعضاء‪ ,‬يختارون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد‪.‬من طرف رئيس الجمهورية‪ ,‬ورئيس‬
‫الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ‪ .‬وقد نص على كذلك على صالحيات رئيس الدولة‬
‫والوزير األول ورئيسي البرلمان(بغرفتيه) في إحالة مشاريع القوانين على المجلس الدستوري‪,‬‬
‫قصد فحص مدى مطابقتها للدستور‪ ,‬وأصبح بموجب تعديل ‪ 29‬أوكتوبر ‪ 1974‬م حق ستين‬
‫نائبا في الجمعية الوطنية‪ ,‬أو في مجلس الشيوخ اللجوء إلى المجلس الدستوري‪ ,‬لتحريك مسطرة‬
‫المراقبة‪.‬‬

‫ويعاب على مراقبة دستورية القوانين بفرنسا عدم تحقق الحياد الالزم واإلستقالل التام عن‬
‫التوجهات السياسية‪ ,‬خاصة وأن أعضاء المجلس الدستوري يعينون من طرف السلطات‬
‫العامة‪,‬ويظلون تابعين لها‪.‬‬

‫وقد سلكت عدة دول نفس المسلك الفرنسي في اعتماد المراقبة السياسية كجمهورية إفريقيا‬
‫الوسطى(‪ ,)1964‬وموريتانيا (‪ ,)1961‬وكذلك تشاد(‪ ,)1960‬باإلضافة إلى المغرب‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬مراقبة دستورية القوانين بالمغرب ‪:‬‬

‫أناط المشرع الدستوري مراقبة دستورية القوانين إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى‪ ,‬والتي‬
‫اعتبرت كمرحلة أولى ثم إلى المجلس الدستوري في مرحلة ثانية‪ ,‬وبدءا من دستور ‪ 4‬شتنبر‬
‫‪ 1992‬واستمرارا مع دستور ‪ 13‬شتنبر ‪ ,1996‬تم إلى محكمة دستورية مع دستور فاتح يوليوز‬
‫‪.2011‬‬

‫‪-1‬تنظيم المحكمة الدستورية ‪:‬‬

‫نظم الدستورالمغربي لسنة ‪ 2011‬المحكمة الدستورية‪ ,‬مفردا إياها من الناحية الشكلية بست‬
‫فصول(من ‪ 129‬إلى ‪ )134‬ضمن الباب الثامن‪ ,‬همت تكوينها وسير عملها‪ ,‬إلى جانب‬
‫اختصاصاتها‪.‬‬

‫وتتألف المحكمة الدستورية من إثني عشر عضوا‪ ,‬منهم ستة أعضاء يعينهم الملك‪ ,‬من بينهم‬
‫عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى‪ ,‬كما يعين رئيس المحكمة من بين األعضاء‬
‫الذين تتألف منهم‪.‬وأما األعضاء االخرون‪ ,‬وعددهم ستة‪ ,‬ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب‪,‬‬
‫وينتخب النصف االخر من طرف مجلس المستشارين‪ ,‬من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب‬
‫كل مجلس‪ ,‬وذلك بعد التصويت عليهم باإلقتراع السري‪ ,‬وبأغلبية ثلثي أعضاء كل مجلس‪.‬‬
‫وطبقا للفصل ‪ 130‬من الدستور فهؤالء األعضاء يتم اختيارهم من بين الشخصيات المتوفرة‬
‫على تكوين عال في مجال القانون والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة‪,‬‬
‫والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة‪ .‬ومدة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالمغرب هي تسع‬
‫سنوات غير قابلة للتجديد‪ ,‬ولكن يجدد ثلث كل فئة كل ثالثة سنوات‪ .‬وبخصوص قواعد سير‬
‫المحكمة وشكليات عملها‪ ,‬فهي تتحد بموجب قانون تنظيمي تبعا ألحكام الفصل ‪ 131‬من‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪-2‬اختصاصات المحكمة الدستورية ‪:‬‬

‫‪ ‬اإلختصاصات الوجوبية واإلرادية واإلستشارية للمحكمة ‪:‬تحدد أحكام الفصل ‪ 132‬من‬


‫دستور ‪ 2011‬صالحيات المحكمة الدستورية‪ ,‬فباإلضافة إلى النظر في مدى دستورية‬
‫القوانين‪-‬كاختصاص أصيل‪ ,-‬فهي تفحص مدى صحة العمليات اإلنتخابية‪ ,‬سواء تعلق‬
‫األمر بتلك اإلستحقاقات التي تهم أعضاء البرلمان بشقيه‪ -‬مجلس النواب ومجلس‬
‫المستشارين‪ -‬وكما هو سائد في التجارب الدستورية المقارنة‪ ,‬أو تعلق األمر بعملية‬
‫االستفتاء‪ ,‬حيث تراقب المحكمة الدستورية صحة اجراءات هذه المراجعة‪ ,‬وتعلن‬
‫نتيجتها‪ ,‬ثم البت وبصورة أوتوماتيكية في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور قبل‬
‫إصدار أمر تنفيذها‪ ,‬وكذا األنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقها (‬
‫الفصل ‪ .)132‬وتناط بالمحكمة الدستورية اختصاصات أخرى‪ ,‬وهي ‪:‬‬
‫‪ ‬تأسيسية كرئاسة رئيسها لمجلس الوصاية( الفصل ‪.)44‬‬
‫‪ ‬استشارية كاستشارة الملك لرئيس المحكمة الدستورية عند عزمه اللجوء إلى‬
‫حالة اإلستثناء(الفصل ‪ ,)59‬أو حل مجلسي البرلمان أو أحدهما( الفصالن ‪96‬‬
‫و ‪.)104‬‬
‫‪ ‬اختصاصات تقريرية كالنظر في مسألة دفع الحكومة برفض كل اقتراح‬
‫أوتعديل ال يدخل في اختصاص القانون‪(.‬الفصل ‪.)79‬‬
‫‪ ‬البت في دستورية القوانين تتم داخل أجل شهر واحد‪ ,‬قابل ألن يخفض إلى‬
‫ثمانية أيام بطلب من الحكومة في حالة اإلستعجال‪.‬‬
‫‪ ‬قرارات المحكمة الدستورية نهائية‪,‬ال تقبل الطعن‪ ,‬وتلزم الجميع(ف‪.)134‬‬
‫‪ ‬مثال تطبيقي لمراقبة دستورية القوانين ‪:‬رسم البارابول ‪:‬‬
‫إصدار المجلس الدستوري قرار رقم ‪ 37.94‬بتاريخ ‪ 16‬غشت ‪ ,1994‬موضوع الطعن‬
‫الذي تقدم به حوالي ‪ 95‬نائبا من أعضاء مجلس النواب والمتعلق بالقانون رقم ‪33.93‬‬
‫الخاص بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم ‪ 2.91.388‬المؤرخ في ‪ 13‬أكتوبر‬
‫‪ 1992‬بإحداث رسم على إقامة المحطات األرضية الخاصة بالتقاط اإلشارات اإلذاعية‬
‫التلفزية الصادرة عن أقمار صناعية‪ ,‬ملتمسين من القضاء فحص مطابقته للدستور‪,‬‬
‫استنادا ألحكام الفصل الرابع والخمسين من دستور ‪ 1992‬والتي جاء فيها " يمكن‬
‫للحكومة أن تصدر خالل الفترة الفاصلة بين الدورات‪ ,‬وباتفاق مع اللجان التي يعنيها‬
‫األمر مراسيم قوانين يجب عرضها‪ ,‬بقصد المصادقة أثناء الدورة العادية التالية لمجلس‬
‫النواب"‪ .‬وتبعا لذلك وكما استنتج مقرر المجلس الدستوري‪ ,‬فالمراسيم القوانين التي‬
‫تحصل الحكومة على اتفاق من اللجنة النيابية المختصة إلصدارها ال يمكن أن تصدر‬
‫إال داخل الفترة المتراوحة بين دورتين نيابيتين عاديتين‪ ,‬والتي تنتهي في نهاية يوم‬
‫الخميس السابق للجمعة الثانية من أكتوبر أو أبريل‪.‬‬
‫ولهذه األسباب قضى المجلس الدستوري بأن القانون رقم ‪ 33.93‬بخصوص المصادقة‬
‫على مرسوم قانون‪ ,‬متعلق بإحداث رسم على إقامة المحطات األرضية الخاصة والمعدة‬
‫إللتقاط اإلشارات اإلذاعية التلفزية الصادر عن أقمار صناعية(رسم بارابول) لم يراع‬
‫مقتضيات الفصل الرابع والخمسين من الدستور‪ ,‬وبذلك فهو غير مطابق للدستور ‪,‬‬
‫ويكون المجلس الدستوري قد حسم المسألة من الناحية الشكلية دون أن ينفذ إلى مناقشة‬
‫الجوهر‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬تقدير الرقابة السياسية ‪:‬‬

‫‪-1‬مزايا الرقابة السياسية ‪:‬‬

‫تصنف الرقابة السياسية على أنها سابقة على صدور القانون‪ ,‬ذات طابع احترازي‪ ,‬ووقائي‬
‫تحول دون صدور القانون المخالف للدستور عند المنبع بدال من صدوره ثم انتظار إلغائه في‬
‫تاريخ الحق‪ ,‬مساهمة بذلك في إجهلض القانون‪-‬الجنين‪ -‬قبل المصادقة عليه ‪ ,‬كما تتميز هذه‬
‫الرقابة بالمرونة‪.‬‬

‫‪-2‬مؤاخدات عن الرقابة السياسية ‪:‬‬

‫فمراقبة دستورية القوانين تستدعي مؤهالت فنية‪ ,‬وكفاءات قانونية ينبغي توفرها في الساهرين‬
‫على تطبيق المادة القانونية السليمة والمطابقة للدستور‪ ,‬وإسناد المراقبة لهيأة سياسية يؤدي إلى‬
‫ممارسة الرقابة بروح غير قانونية‪,‬نتيجة اإلفتقاد إلى القدرة والكفاءة في أعضاء الهيأة السياسية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الرقابة بواسطة هيأة قضائية ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬الرقابة القضائية عن طريق الدعوى(رقابة اإللغاء) ‪:‬‬

‫‪-1‬تأصيل ومدلول رقابة اإللغاء ‪:‬‬

‫تستند مراقبة دستورية القوانين عن طريق الدعوى إلى نص صريح في الدستور الذي يحدد‬
‫تنظيمها وشكليات تسييرها‪ ,‬ونطاق اختصاصاتها‪ ,‬ويعهد بها إما إلى القضاء العادي أو جهاز‬
‫قضائي مختص‪ ,‬يقوم بإلغاء القانون‪ ,‬وكأنه لم يوجد قط‪ ,‬بمعنى أن للحكم أثر رجعي يعود إلى‬
‫الماضي‪ ,‬ويسري على الحاضر و يمتد إلى المستقبل‪.‬فالرقابة هنا هي رقابة بعدية وهي رقابة‬
‫إلغاء‪ ,‬ويتميز هذا النوع من الرقابة بالخصائص التالية ‪:‬‬

‫‪-‬تعد تدبيرا مباشرا يسمح للفرد برفع الدعوى من أجل الطعن في عدم دستورية القانون الصادر‬
‫في حقه قبل وقوعه‪.‬‬
‫‪-‬يعد هذا الشكل من المراقبة أسلوبا هجوميا‪ ,‬يقصد من ورائه القضاء على القانون المخالف‬
‫للدستور بصورة نهائية‪.‬‬

‫‪-‬يكتسب الحكم حجية مطلقة إزاء الجميع‪ ,‬ويصفي النزاع مرة واحدة‪.‬‬

‫‪-2‬نماذج لمراقبة دستورية القوانين عن طريق الدعوى ‪:‬‬

‫ثانيا ‪:‬الرقابة القضائية عن طريق الدفع أو اإلمتناع ‪:‬‬

‫‪-1‬مدلول ومقومات الرقابة القضائية عن طريق الدفع ‪:‬‬

‫يقصد بهذا النوع من الرقابة اإلمتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور دون إلغائه‪ ,‬بناء على‬
‫دفع من الخصوم في قضية من القضايا المدنية أو اإلجتماعية‪ ,‬ودعوى الدفع أو اإلمتناع لها‬
‫خصائص تميزها عن األسلوب القضائي عن طريق الدعوى أو اإللغاء ‪:‬‬

‫‪-‬الرقابة القضائية عن طريق الدفع تتميز باألسلوب الدفاعي‪ ,‬بينما أن الرقابة عن طريق الدعوى‬
‫تتميز بأسلوب هجومي‪.‬‬

‫‪-‬يمتنع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري في النزاع المعروض عليه‪,‬وبالتالي يظل هذا‬
‫القانون صالحا للتطبيق في المنازعات األخرى‪,‬أما بطريق الدعوى فالقانون يعدم من أصله وال‬
‫يجوز تطبيقه‪.‬‬

‫‪-‬تعتبر الرقابة عن طريق الدفع أسهل من الرقابة عن طريق الدعوى ال تحتاج إلى نص صريح‬
‫في الدستور‪ ,‬وال إلى محكمة أو مسطرة خاصة أو أصل لممارستها كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للرقابة عن طريق الدعوى‪.‬‬

‫‪-‬الحكم الصادر عن طريق الدفع يقتصر أثره على النزاع المعروض على المحكمة‪ ,‬في حين أن‬
‫الحكم الصادر عن طريق الدعوى يسري أثره على الجميع‪.‬‬

‫‪-2‬رقابة القضاء بالواليات المتحدة األمريكية ‪:‬نموذج للمراقبة عن طريق الدفع ‪:‬‬

‫نص دستور و‪.‬م‪.‬أ على إنشاء المحكمة العليا التي تتربع في قمة الهرم القضاء الفدرالي‪ ,‬وتشكلت‬
‫هذه المحكمة منذ منتصف القرن التاسع عشر‪(,‬تعقد جلساتها في واشنطن العاصمة وتبدأ دوراتها‬
‫السنوية في يوم اإلثنين األول من شهر أكتوبر وتختتمها في شهر يونيو)‪.‬‬

‫وتتكون المحكمة العليا اإلتحادية من أعضاء يعينهم رئيس الدولة بعد موافقة مجلس الشيوخ‪,‬‬
‫وعددهم تسعة‪ ,‬وتتخد قراراتها باألغلبية‪.‬وتعينهم من طرف الرئيس يضمن والء القضاة له‪.‬‬

‫وتباشر محاكم الواليات اختصاص الرقابة فيما يخص القوانين التي تسنها السلطات على مستوى‬
‫الواليات فقط‪.‬ولكن هذا ال يحول واختصاص المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين‬
‫الصادرة عن محاكم الواليات‪.‬‬
‫وتعتمد المحاكم األمريكية ثالث أساليب في مراقبة دستورية القوانين‪ ,‬فهناك طريقة اإلمتناع‪,‬‬
‫وبمقتضاها تمتنع المحكمة عن تطبيق قانون في قضية ما بطلب من المتقاضي إذا تبين له صحة‬
‫دعوى هذا األخير‪ ,‬والمتعلقة بالطعن في القانون المخالف للدستور‪.‬‬

‫ويضاف إلى هذا األسلوب (اإلمتناع) بالواليات المتحدة األمريكية طريقتي األمر القضائي أو‬
‫الحكم التقريري‪.‬‬

‫فاألمر القضائي)‪ (l’injonction‬تدبير يسمح للفرد بمهاجمة القانون قبل تطبيقه عليه‪ ,‬تحت‬
‫ذريعة مخالفته للدستور‪.‬‬

‫أما الرقابة عن طريق التحكيم التقريري)‪ (le jugement déclaratoire‬فيفترض فيها لجوء‬
‫الفرد إلى المحكمة يطلب منها إصدار حكم يقرر مدى دستورية القانون المراد تطبيقه عليه‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬تقدير الرقابة القضائية لدستورية القوانين ‪:‬‬

‫‪-1‬مزايا الرقابة القضائية ‪:‬‬

‫‪ ‬تضمن معالجة موضوع دستورية القوانين بروح قانونية خالصة‪.‬‬


‫‪ ‬تخضع لإلجراءات والمساطر القانونية التي تمتاز بالحياد وضمانات النزاهة‪,‬‬
‫واإلستقالل إزاء السلطتين التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫‪ ‬تعتبر رقابة دستورية القوانين من المواضيع ذات الطابع القانوني شكال ومضمونا(حسن‬
‫سير القضاء‪ ,‬علنية الجلسات‪ ,‬حرية التقاضي‪ ,‬شروط الدفاع‪ ,‬تعليل األحكام الخ)‪.‬‬

‫‪-2‬عيوب الرقابة القضائية ‪:‬‬

‫‪ ‬تعني الرقابة القضائية السماح لقضاة معينين بمراقبة نواب منتخبين‪ ,‬مما يجعل سلطة‬
‫القضاء أسمى من سلطة ممثلي اإلرادة الشعبية المنتخبة‪.‬‬
‫‪ ‬أن القضاء ال يلتزم بالحياد‪,‬إذ غالبا ما خالف رؤى وتصورات سياسية‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪:‬الديمقراطية وإشكالية‬


‫الحكم‬

‫المبحث األول ‪:‬الديمقراطية ‪:‬اإلطار النظري والتكييف العملي ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪:‬المرتكزات النظرية للديمقراطية ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬مدلوالت الديمقراطية ‪:‬‬


‫أوال ‪:‬مفاهيم عامة للدمقراطية المناقضة لإلستبداد ‪:‬‬

‫‪-1‬مفاهيم الديمقراطية ‪:‬‬

‫تشتق كلمة ديمقراطية من األصل اإلغريقي‪ ,‬حيث تتركب من "ديمو" وتعني الشعب‪,‬‬
‫و"قراطي" وتعني حكم‪.‬وتبعا لذلك فالديمقراطية هي حكم الشعب‪,‬أو كما صاغ ذلك الرئيس‬
‫لنكولن بقوله "حكم الشعب بواسطة الشعب ألجل الشعب"‪.‬‬

‫والديمقراطية كذلك هي المناخ األكثر مالءمة للنضال السياسي‪ ,‬وشرط أساسي للحفاظ على‬
‫تقوية المجتمع وديناميته السياسية‪ ,‬وعلى صحة وسالمة العالقة بين الحاكمين والمحكومين‪ ,‬بين‬
‫السلطة والمعارضة‪ ,‬بين األكثرية واألقلية‪.‬‬

‫‪-2‬الديمقراطية نقيض اإلستبداد ‪:‬‬

‫تعد الديمقراطية من أهون أساليب الحكم شرا‪ ,‬وهي أفضل بكثير من الإلستبداد‪,‬والذي ساد خالل‬
‫العصور الغابرة في بالد حوض المتوسط وخاصة اليونان وروما‪.‬وتنعت الحكومة بكونها‬
‫مستبدة عند اغتصاب الحاكم للسلطة بالعنف والقوة خارج إطار الشرعية‪ ,‬وممارسة السلطة تتم‬
‫بشكل تعسفي‪,‬إذ ال حدود للسلطات الطاغية‪,‬وما يثير اإلندهاش لدى البعض هو شخص المستبد‪,‬‬
‫الحاكم الذي يتحكم في األمور والظروف في غياب القانون‪ ,‬وقد عرف عبد الرحمان الكواكبي‬
‫في كتابه الشهير "طبائع اإلستبداد ومصارع اإلستعباد" المستبد كما يلي ‪":‬إن المستبد يتحكم في‬
‫شؤون الناس بإرادته‪,‬ال بإرادتهم ويحاكمهم بهواه ال بشريعتهم‪ ,‬ويعلم من نفسه أنه الغاصب‬
‫المتعدي‪ ,‬فيضع كعب رجله على أفواه الماليين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي‬
‫لمطالبته‪ ...‬والمستبد عدو االحق‪ ,‬عدو الحرية وقاتلها‪ ,‬والحق أبو البشر والحرية أمهم والعوام‬
‫(الشعب) صبية أيتام نيام ال يعلمون شيئا‪."...‬‬

‫فاإلستبداد هو نفي للدمقراطية التي تؤمن بحقوق الفرد والجماعة‪ ,‬وأساس المشاركة السياسية‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬المفهوم الليبرالي والماركسي للديمقراطية ‪:‬‬

‫‪-1‬المفهوم الليبرالي للديمقراطية ‪:‬ديمقراطية النخبة ‪:‬‬

‫قبلت الديمقراطية الليبرالية بالتقسيم النخبوي الديمقراطي‪ ,‬فقد عرف الفكر العربي في القرن‬
‫التاسع عشر مفهوم النخبة كما عبر عنه موسكا وباريتو وميشلز‪.‬وانتقل هذا الطرح إلى علم‬
‫السياسة األمريكي الذي رأى أن الجماهير ال تستطيع إبداء الرأي في المشاكل المعقدة التي‬
‫يعيشها المجتمع الحديث‪ ,‬والذي يفرض دورا أكبر للنخبة‪ .‬وعليه فالمجتمع ينقسم إلى‬
‫فئتين ‪:‬النخبة الحاكمة صاحبة القدرة التنظيمية والكفاءة العالية التي تؤهلها للحكم‪ ,‬وجمهور‬
‫المواطنين الذين ال يمارسون دورا مباشرا في العملية السياسية‪ ,‬وعلى هذا األساس فالديمقراطية‬
‫هي التسليم والقبول بتعدد النخب في المجتمع وحرية تكوينها والمنافسة المنظمة بينها للوصول‬
‫إلى السلطة‪ ,‬أو هي حكم النخبة بواسطة انتخابات دورية‪.‬‬
‫وقد تعرضت هذه الديمقراطية الليبرالية –النخبوية‪ -‬للتأييد والمؤازرة من طرف البعض من‬
‫بينهم "سيمور ليست"‪ .‬كما تحفظ عليها اخرون بدعوى أنها أهدرت المفهوم التقليدي‬
‫للديمقراطية‪.‬‬

‫‪-2‬المفهوم الماركسي للديمقراطية ‪:‬ديمقراطية الطبقة ‪:‬‬

‫يقول إنجلز في لود فيج فيورباخ ‪":‬من الثابت في التاريخ الحديث على األقل‪ ,‬أن كافة‬
‫الصراعات هي عبارة عن صراع طبقات‪ ,‬وأن كل الصراعات التحررية للطبقات‪,‬برغم شكلها‬
‫السياسي تدور في المقام األخير حول التحرير اإلقتصادي‪ ,‬ومن تم تشكل الدولة والنظام‬
‫السياسي العنصر الثانوي‪ ,‬بينما يكون العنصر الحاسم في المجتمع المدني هو مجاالت العالقات‬
‫اإلقتصادية "‪.‬‬

‫فالديمقراطية من المنظور الماركسي تسعى إلى توسيع دائرة الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية‬
‫للطبقات العاملة‪ ,‬وتتحول إلى ديمقراطية اشتراكية للشعب كله‪ ,‬معبرة في االن ذاته عن تحول‬
‫الدولة من دكتاتورية البروليتاريا إلى دولة الشعب‪ ,‬ويتحول الحزب الشيوعي من حزب الطبقة‬
‫العاملة إلى حزب الشعب كله‪.‬‬

‫ويتضح أنا األفضلية في الحكم ال تجاري الحكم الفردي‪ ,‬فالعدة بعدد الذين يحكمون‪ ,‬فعندما يحكم‬
‫شخص واحد نكون بصدد نظام سيء ديكتاتوري‪ ,‬وعندما يحكم ألف شخص يكون الوضع قد‬
‫تحسن وأصبح فيه انفراج وهذا دواليك‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬المفهوم اإلسالمي للديمقراطية ‪:‬‬

‫‪-1‬التكييف اإلسالمي للديمقراطية ‪:‬اإلتجاه اإلسالمي المعتدل ‪:‬‬

‫يعد مصطلح الديموقراطية حديث اإلستعمال في اللغة السياسية العربية‪ ,‬ولم يتم تداوله على‬
‫نطاق واسع في الوطن العربي إال غداة الحرب العالمية األولى وتكاد كتابات القرن التاسع عشر‬
‫تخلو منه‪ ,‬وكان العرب يستخدمون مفاهيم أخرى عند حديثهم عن االديمقراطية كالشورى‪,‬وأهل‬
‫الحل والعقد‪ ,‬والعدل واإلنصاف‪.‬‬

‫وحاول البعض التوفيق بين الشورى والديمقراطية على أساس اختيار الشورى كفلسفة حكم‪,‬‬
‫واختيار الديمقراطية كأدوات وأجهزة ومؤسسات‪ ,‬وأن الخير في كل حضارة هو "أحسن قولها"‪.‬‬
‫والديمقراطية هي أحسن القول الغربي‪ ,‬من الناحية التنظيمية للمجتمع‪ ,‬ومن جانب إرادة عملية‬
‫تداول السلطة وانتقالها‪ ,‬بل اعتبر الدين اإلسالمي كمزيج من الشوروقراطية‪ ,‬إذ أن الجمع بين‬
‫اإلثنين هو من قبيل "المعلوم بالضرورة"‪ ,‬أو حسب تعبير البعض فإن الشورى والديمقراطية‬
‫يمكن جعلهما وجهين لعملة واحدة‪ ,‬ألن المؤتلف بينهما كثير والمختلف يسير‪.‬‬

‫‪-2‬اإلتجاه اإلسالمي المتحفظ من الديمقراطية ‪:‬‬

‫يندرج تحت هذا العنوان جملة أفكار سلفيي األصولية اإلسالمية التي تتأرجح بين الرفض الكامل‬
‫للديمقراطية‪ ,‬أوبين قبولها قبوال اضطراريا‪.‬‬
‫بالنسبة لإلتجاه الرافض يمكن اإلستشهاد بتقي الدين النبهاني –مؤسس حزب التحرير اإلسالمي‪-‬‬
‫في كتابه" نظام الحكم في اإلسالم" (‪ )1989‬الذي جاء فيه ‪":‬فال يجوز أن يكون لدى الدولة أي‬
‫مفهوم عن الحياة أو الحكم إال إذا كان منبثقا عن العقيدة اإلسالمية‪ ,‬وال تسمح بمفهوم غير منبثق‬
‫عنها‪,‬فال يسمح بمفهوم الديمقراطية أن يتبنى في الدولة ألنه غير منبثق عن العقيدة اإلسالمية‪,‬‬
‫فضال عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها"‪ ,‬كما سار في نفس اإلتجاه كاضم المائري‪,‬يوسف‬
‫القرضاوي‪..‬‬

‫أما بالنسبة لإلتجاه القابل فقد اعتبر أن الديمقراطية نشأت مع ظهور اإلسالم‪ ,‬وأكبر دليل على‬
‫ذلك موقف الرسول صلى هللا عليه وسلم في موقعة "بدر" في الديمقراطية والمشورة وأخد‬
‫الرأي‪ ,‬والقران الكريم حافل بإشارات الدعوى للشورى‪ ,‬وما الديمقراطية في مفهومها العلمي‬
‫الحديث سوى العودة إلى الشورى‪ ,‬والرجوع إلى الشعب كمصدر أول للسلطة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬مبدأ السيادة الديمقراطية ‪:‬شرعية الديمقراطية ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬السيادة الوطنية ‪:‬‬

‫‪-1‬أسباب نشأة السيادة الوطنية ومضمونها ‪:‬‬

‫إرتبطت نظرية السيادة الوطنية كما سبق الذكر‪ ,‬بالواقع األوربي الغربي غداة تشكل الطبقة‬
‫الوسطى التي تسلمت السلطة أواخر القرن الثامن عشر‪ ,‬وكانت في حاجة لتنظيم سلطتها‬
‫بواسطة دساتير مكتوبة تحظى بالتراضي أو اإلتفاق كمصادر إنسانية للسلطة‪ .‬ويقوم هذا المبدأ‬
‫على أساس تجسيد واستقرار السيادة في األمة‪.‬‬

‫وقد اعتنقت ثورة ‪ 1789‬مذهب السيادة الوطنية بحماسة‪ ,‬واعتمدته المادة الثالثة من إعالن‬
‫الحقوق التالية ‪":‬إن مبدأ كل سيادة يكمن بصورة أساسية في األمة"‪ ,‬ونصت المادتان األولى‬
‫والثانية من دستور ‪ 3‬يوليوز ‪ 1791‬على ما يلي ‪":‬السيادة واحدة‪,‬ال تتجزأ‪ ,‬وال يتصرف بها وال‬
‫تزول‪ ,‬وهي ملك األمة‪ ,‬وليس ألي فريق من الشعب وال ألي فرد أن يدعيها لنفسه‪ ,‬إن األمة‬
‫هي وحدة منبع السلطات الخ"‪.‬‬

‫‪-2‬نتائج األخد بمبدأ السيادة الوطنية ‪:‬‬

‫يعتبر اإلقرار بمبدأ السيادة الوطنية تبنيا لتصور محدد لكيفية ممارسة السلطة السياسية‪ ,‬واعتمادا‬
‫لنمط معين من أنماط الديمقراطية‪,‬يعتبر في ظلها الشعب جزءا من األمة‪ ,‬واألمة هي كل شيئ‪,‬‬
‫ونتيجة لذلك فالسيادة الوطنية غير قابلة للتصرف والتجزئة وغير قابلة للبيع والشراء‪.‬‬

‫ونظرية السيادة الوطنية تقوم على التفويض وعلى الوكالة التمثيلية‪ ,‬ويقتضي التفويض أن تعود‬
‫الوكالة لألمة كوحدة مجردة عت األفراد المكونين لها‪.‬‬

‫وال يعتبر النائب في ظل السيادة الوطنية ممثال للدائرة التي تنتخبه‪ ,‬بل يمثل األمة كلها‪ ,‬فوكالته‬
‫إذن تمثيلية‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬السيادة الشعبية ‪:‬‬


‫‪-1‬جوهر وأساس السيادة الشعبية ‪:‬‬

‫يجدر التذكير بمفهوم الشعب في البداية‪ ,‬فالشعب عنصر وركن من أركان الدولة‪ ,‬يعبر ويرمز‬
‫للعالقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي‪ .‬والشعب لدى اليونان هو صاحب السلطة األولى‬
‫والنهائية في تنظيم شؤون المدينة‪.‬‬

‫وتطور مفهوم الشعب عبر المسار التاريخي إلى أن استقر كمفهوم واسع في العالم المعاصر‪.‬إذ‬
‫أصبحت الديمقراطية تقاس بمدى توسيع قلعدتها الشعبية‪.‬‬

‫فالسيادة تبعا لها المبدأ تعود إلى كل أفراد الشعب‪ .‬وقد تبنت العديد من الدساتير على مر القرون‬
‫السيادة الشعبية سنكتفي بذكر مثال أو مثالين منهم‪.‬‬

‫دستور ‪ 1792‬الفرنسي الذي نصت المادة ‪ 25‬منه على ما يلي ‪":‬إن السيادة تكمن في الشعب‪...‬‬
‫وليس ألي جزء من الشعب أن يمارس سلطة الشعب بكامله"‪.‬كما جاء في الفصل الثالث من‬
‫الدستور التونسي لسنة ‪ 1959‬ما يلي ‪":‬الشعب التونسي هو صاحب السيادة‪ ,‬يباشرها على‬
‫الوجه الذي يضبطه هذا الدستور"‪.‬‬

‫‪-2‬نتائج األخد بمبدأ السيادة الشعبية ‪:‬‬

‫تسمح السيادة الشعبية للسكان بإمكانية قانونية تتغيأ تعميق األداء السياسي وتوسيع قاعدة‬
‫المشاركة السياسية‪ ,‬والمدعمة بالية الوكالة اإللزامية‪ ,‬وتستمد هذه األخيرة أسسها من القانون‬
‫الخاص بموجب قيام عالقة تعاقدية بين الموكل والوكيل‪ ,‬يسمح فيها لهذا األخير بالتصرف في‬
‫أمور األول ولحسابه‪.‬وتعني الوكالة اإللزامية أن يكون الناخبون في وضعية مصدر القرار‬
‫والتعليمات والتي ياحتم على النائب اتخادها‪ ,‬وتبعا لذلك فالناخبون يعدون بمثابة موكلين والنواب‬
‫هم وكالءهم‪.‬‬

‫وقد كان نواب المقاطعات والمدن يحصلون من ناخبيهم على تفويض مكتوب‪ ,‬يعملون على‬
‫أساسه طوال مدة نيابتهم وكانو ملزمين عند اختتام الدورة النيابية بتقديم حساب إلى ناخبيهم‪ ,‬ولم‬
‫يبق ساريا بهذه الوكالة اإللزامية منذ القرن الثامن عشر‪ .‬حيث قضت عليها الثورة الفرنسية‬
‫انذاك‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬تقدير نظرتي السيادة الوطنية والشعبية ‪:‬‬

‫فقد كان يقصد من وراء التنظير للسيادة الشعبية التشيع للديمقراطية المباشرة‪ ,‬وتخويل الشعب‬
‫أحقية التشريع دون وصاية‪ ,‬إال أن هناك من تحفظ على هذا الطرح‪ ,‬واعتبره غير مقبول في‬
‫يومنا هذا‪ ,‬الشيء الذي أدى إلى إفساح المجال لنظرية السيادة الوطنية التي هاجمت الحكم‬
‫الشعبي‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬تطبيقات الديمقراطية ومقوماتها ‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬‬

You might also like