Professional Documents
Culture Documents
8النظرية العامة للقانون الدستوري ا
8النظرية العامة للقانون الدستوري ا
2015/2016
ا أل س ت ا ذ ا ل ح ض ر ا ن ي
مقدمة عامة
تعريف القانون الدستوري :
المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري :
يقتصر القانون الدستوري وفقا لهدا المعيار على دراسة مضامين الوثيقة
الدستورية,وليس أي شيء خارجها,وهدا المعيار يمتاز بالوضوح والبساطة
والتحديد,وهو أساس فكرة جمود الدستور وسموه,وهدا شيء منطقي الرتباط ظهور
المعيار الشكلي بانتشار حركة تدوين الدساتير في الواليات المتحدة األمريكية سنة
,1787وفرنسا سنة 1791قبل أن تنتقل إلى جل دول العالم خالل القرنين التاسع
عشر والعشرين.
ويسجل على هدا المعيار بعض المؤاخذات منها ما يرتبط بمضامين الوثيقة
الدستورية ذاتها (البنية الداخلية للنص) حيث أن الوثيقة الدستورية قد تتضمن بعض
الفصول واألحكام ذات طبيعة غير دستورية,كتنصيص دستور و.م.أ لسنة 1920
على تجريم بيع الخمور ,أو تنصيص الدستور المغربي على االنفتاح على اللغات
األجنبية فطبيعة هده األحكام يؤطرها القانون العادي,وليست القواعد الدستورية
السامية.ومنها التي تطال المواضيع التي لم تدون ضمن الوثيقة الدستورية (البنية
الخارجية للنص) حيث أن الوثيقة الدستورية ال تشمل كل المواضيع والمجاالت
الدستورية بسبب تجاهلها وعدم استيعابها للتقاليد والعادات ذات الطبيعة الدستورية.
المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري :
يعتمد المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري على جوهر وموضوع
القاعدة ذات الطبيعة الدستورية بصرف النظر عن شكلها أو مصدرها (دستور
مكتوب ,عرف دستوري ,قانون عادي) ,فغاية القانون الدستوري هو دراسة النظام
السياسي الداخلي للدولة ,وهدا ما دهب إليه جل الفقهاء الدستوريين ,إذ بتقديرهم أن
القانون الدستوري يهتم شكل الدولة ونظام الحكم,وطبيعة العالقة بين السلطات
واختصاصاتها والمبادئ العامة للحقوق والحريات العامة,بل هناك من أضاف حتى
القواعد االقتصادية واالجتماعية ,وهكذا يظهر أنا هدا المعيار يظل معيارا شامال
ومتطابقا مع الواقع السياسي.
نشأة القانون الدستوري وتطوره :
المرحلة األولى :مرحلة المنظور القانوني :
تنطلق مع بداية تدريس هده المادة في سنة ,1834واقتصرت الدراسة خالل هده
المرحلة على وصف المؤسسات التي يضعها الدستور(أي الحكام) دون دراسة
الطريقة المعتمدة لوصولهم إلى السلطة أو توضيح موقف المحكومين منهم ,وظلت
هده المقاربة القانونية مهيمنة على تدريس القانون الدستوري إلى غاية نهاية الحرب
العالمية الثانية.
المرحلة الثانية :مرحلة المنظور السوسيولوجي :
تميزت هده المرحلة متغيرات عدة جعلت المنظور القانوني مقتربا عاجزا عن
اإلحاطة بالظاهرة السياسية,من بينها ظهور أنظمة دستورية اشتراكية وأنظمة سياسية
دكتاتورية,وكذلك أنظمة سياسية في العالم الثالث اتخذت فيها السلطة أشكاال مختلفة.
وأمام هده التطورات تم استبعاد الدراسة النصية للدساتير ألنها التعكس الواقع وبدء
التركيزعلى دراسة الروح التي تنطوي عليها الممارسة المرتبطة بتطبيق المقتضيات
واألحكام الدستورية.وقد تجسد هدا المنهج أو المقاربة الجديدة للظواهر السياسية في
اعتماد علم السياسة إلى جانب القانون الدستوري.
المرحلة الثالثة :مرحلة القانون الدستوري الجديد :
هده المرحلة تتميز بمحاولة الجمع بين المنظورين القانوني والسوسيولوجي(السياسي)
أي اإلحتكام للقانون الدستوري واإلستئناس بمقتربات علم السياسة لإلحاطة بالواقع
السياسي.وفي هدا الصدد أصبحت كثير من النصوص الدستورية تعمل على تنظيم
أمور كانت في السابق خارج دائرة التنظيم القانوني,مثل تمويل األحزاب لتنظيم
الحمالت اإلنتخابية وأصبحت تهتم بتنظيم وضمان حقوق اإلنسان والحريات
العامة,وأصبحت تنص على ضرورة خضوع الحاكمين للقضاء الدستوري.
عالقة القانون الدستوري بمواد القانون العام :
عالقة القانون الدستوري بالقانون اإلداري :
يرتبط القانون الدستوري بروابط وثيقة بالقانون اإلداري,يمثل األول قمة النظام
القانوني الداخلي للدولة :فالقانون الدستوري هو المقدمة الضرورية للقانون اإلداري,
ويجد فيه هدا األخير عناوينه وموضوعاته.والقانون اإلداري هو نهاية القانون
الدستوري.وهدا ما يستشف من قول بارتملي ":إن القانون الدستوري يبين لنا كيف
شيدت اآللة الحكومية,أما القانون اإلداري فيبين لنا كيف تسير هده اآللة وكيف تقوم
كل قطعة منها بوظيفتها" ,بمعنى أن مجال القانون الدستوري هو التنظيم السياسي في
الدولة(األعمال الحكومية),في حين أن مجال القانون اإلداري فينحصر في التنظيم
اإلداري (األعمال التنفيدية).
عالقة القانون الدستوري بالمالية العامة :
هناك عالقة متبادلة بين القانون الدستوري والقانون المالي ,فالقاعدة الدستورية تنظم
المالية العامة ,وهدا ما يمكن استشفافه من الفصل 75من الدستور المغري لسنة
,2011الذي نص على صالحية البرلمان في التصويت على قانون المالية طبقا
شروط يحددها قانون تنظيمي باإلضافة لعديد من النصوص التي تبين العالقة القوية
والمتينة بين القانونين الدستوري والمالي.
عالقة القانون الدستوري بعلم السياسة :
فعالقة القانون الدستوري بعلم السياسة هي عالقة وطيدة حيث أن القانون الدستوري
لم يعد يهتم بالنصوص الدستورية فقط ,بل أضحى يهتم بمحاور أخرى كاألحزاب
السياسية والجماعات الضاغطة والرأي العام واألسس االقتصادية للنظام السياسي.
مقدمة :
يرجع األصل اإلشتقاقي لكلمة"دولة" في اللغة العربية إلى فعل دال يدول ,وقد وردت في القران
الكريم"كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم" س الحشر ,وفسرت كلمة دولة بالتداول وتعاقب
الحكم.وحسب البعض فإن ميكيافيلي هو أول من استعملها في معناها العصري في كتابه
األمير"كل هيأة كان لها سلطة على الشعوب هي دول أو جمهوريات أو إمارات" ,عموما الدولة
هي شكل من أشكال التنظيم الجماعي المرتكز على وجود مجموعة بشرية مستقرة في إطار
جغرافي محدد ,تؤطره سلطة سياسية منظمة.وعرف جورج بيردو الدولة بأنها" صاحبة السلطة
الدائمة التي يتعاقب الحكام بصورة عرضية على ممارستها .فيما عرفها إيزمان بأنها"التشخيص
القانوني لألمة" ,والتعريف الماركسي اعتبر الدولة"أداة قمع وإكراه,وضعت تحت تصرف
الطبقة المسيطرة لحماية مصالحها" وال زال هذا التشخيص سائدا في عالم اليوم فرجل الشارع
يجسد الدولة في مأمور الضرائب ,وفي شرطي المرور ,بل حتى في تلك الرسالة التي تبعثها
إليه إدارة البريد وتطلب منه اإللتحاق بمصالحه إلبالغه أمرا مهما أي الدولة المجهولة.
teosوتعني هللا ,و يعود اشتقاق كلمة الثيوقراطية في األصل إلى كلمتين إغريقيتين :
kratosوتعني السلطة ,وهذا يعني أن هللا هو مصدر السلطات ,والدولة مؤسسة إلهية ونظام
غير بشري ,والبشر في حاجة لحاكم قوي وتفرعت النظرية الثيوقراطية أو الدينية إلى ثالث
أطروحات أو اتجاهات :
أطروحة تأليه الحاكم :تدمج هذه النظرية بين الحاكم واإلله فالحاكم هو اإلله نفسه يستمد
سلطته من ذاته بإعتبار إلها ,والحاكم منزه ومعصوم من الخطأ وهو غير مراقب يجمع بين
السلطتين الدينية والزمنية ,يمركز حوله السلطات الثالث التنفيذية والتشريعية والقضائية,
وسادت هذه النظرية في مصر الفرعونية وفي الصين القديمة وكذا الهند وفي العهد
اإلقطاعي ألروبا.
أطروحة التفويض اإللهي :
تنقسم إلى قسمين :
-1أطروحة الحق اإللهي المباشر :نظرية اإلصطفاء :
تقوم هذه النظرية ،على أساس أن الحاكم ليس له طبيعة إلهية بل من البشر ،و لكن هللا اصطفاه من
بين البشر و منحه السلطة .فالحاكم يستمد سلطانه مباشرة من هللا دون أي تدخل من البشر ،و لذلك
يتوجب إطاعته و عدم معصيته ،ألن معصيته هي معصية هلل .و يترتب على القول إن الحاكم
يستمد سلطته من هللا مباشرة عدم مسؤولية الحاكم عن تصرفاته ،فمسؤوليته تكون أمام هللا وحده
الذي منحه السلطة .و قد استخدمت هذه النظرية لتبرير السلطة المطلقة للكثير من الملوك في
القرن السابع عشر ،و خاصة في فرنسا ،و أضحت النظرية المعتنقة من قبل الكنيسة المسيحية
في ذلك الوقت.
-2أطروحة الحق اإللهي الغير المباشر :
تعتبر هذه األطروحة أن هللا هو مصدر السلطة الزمنية,فاهلل هو الذي يسخر األقدار ويهيئ
الظروف,ومن أبرز دعاة هذه األطروحة والمتشيعين لها,القديس توماس وجوزيف دب
مستر ويونالد فهي بابوية األصل إذن ,وهتلر تأثر بهذا اإلتجاه ففي خطابه قال" ال يمكنني أن
أعبر عن عميق عواطفي إال بشكل تضرع إلى العناية اإللهية التي دعتني وساعدتني على أن
أكون زعيما"فوهر" لشعبي".
هل نشأة الدولة في اإلسالم ذات أصل ديني :
تنقسم إلى قسمين :
-1أطروحة نفي ثيوقراطية الدولة في اإلسالم :
يرى أصحاب هذا الطرح أن نشأة الدولة في اإلسالم ,تختلف عن النظريات الثيوقراطية,
فالحاكم في اإلسالم ليس له أي حق إلهي في السلطة وإنما هو فرد من أفراد المسلمين
اختارته األمة لكفائته وليس في اإلسالم سلطة دينية ,وعلى أي فالسلطة بعد وفاة الرسول
صلى هللا عليه وسلم سلطة سياسية-مدنية ,وليست سلطة دينية بالمفهوم الغربي للكلمة ,وبذلك
فالدولة في اإلسالم ليست بالدولة الثيوقراطية بالمعنى المسيحي ,بل كانت دولة دينية عقدية.
-2أطروحة المنشأة الدينية للدولة في اإلسالم :
يذهب أصحاب هذه الطرح إلى القول بأن الدولة في اإلسالم نشأت بدافع ديني,وإلى اإلرادة
اإللهية التي أدت بالمسلمين إلى أن تكون لهم دولة ومع ذلك فالدولة اإلسالمية ليست دولة
ثيوقراطية.
حسب طوماس في كتابه المعروف "التنين" ال يمكن أن يتكون مجتمع سياسي(دولة) إال إذا
وجدت سلطة عليا غير قابلة لإلنقسام تقوم على التزام تعاقدي بمقتضاه يتنازل األفراد عن حقهم
الطبيعي في استخدام القوة(حالة الطبيعة) لفائدة صاحب السيادة الذي يصبح ممتلكا للسلطة
المطلقة التي يرمز إليها هوبز بالتنين أي الحيوان الخرافي الذي يلتهم كل شيء ,فنشأة الدولة تأتي
نتيجة السأم الذي استبد بالناس من حالة اإلقتتال الدائم ,والوعي الذي تكون لديهم تبعا لذلك من أن
الحروب تمثل أسوأ الشرور ,فكان لجوؤهم إلى تقنية اإلتفاق(العقد اإلجتماعي) فيما بينهم لتجاوز
مساوئ هذه الوضعية(حالة الطبيعة واإلقتتال الدائم) ,واإلنتقال إلى حالة المجتمع المنظم فاإلنسان
يكون مخيرا إما أن يخضع لسلطة مطلقة وإما أن يعيش في فوضى كاملة.
الكتابات المتعددة لهذا الفيلسوف تعكس تصوراته لنظام الحكم ,إذ ينظر إلى حالة الطبيعة من
زاوية متفائلة بشكل مخالف"لهوبس" فلم تكن حالة فوضى وإضطراب يسودها قانون الغاب ,بل
كانت حياة فطرة وبراءة ,حياة فاضلة تعبر عن المساواة والحرية التامتين دون الخضوع ألي
سلطة .فاألفراد يزدادون متمتعين بكل خصائص الطبيعة وهذا من شأنه أن يحقق المساواة فيما
بينهم ,ودون أن يخضع أحدهم لألخر",فالعقل الطبيعي يعلم الناس أنه ال ينبغي ألي فرد أن يلحق
ضررا بغيره ,ال في حياته أو حريته,رأيه أو في ملكيته طالما أنهم جميعا متساوون ومستقلون"
وبذلك فقد خالف لوك رأي هوبس في تصوره لحالة الطبيعة ,معتبرا الروح اإلنسانية كلوح خال
من أي نقش ,أو صفحة بيضاء ,تسجل عليها األفكار إال من خالل التجربة.
وظهور الدولة ,حسب تقدير "جون لوك" ارتبط بالحفاظ على الملكية الخاصة ,والتي حضيت
لديه بمكانة خاصة ,فخيرات األرض وكنوزها هي ملك مشترك للبشرية ,واستثمارها بشكل منتج
وعقالني يقتضي تملكها بشكل فرداني خصوصا مع التبادل النقدي الذي حل محل المقايضة
والذي سيفضي إلى نوع من التراكم الالمحدود للثروة والملكية.
األفراد في ظل حالة الطبيعة االولى كانوا متمتعين باإلكتفاء الذاتي نتيجة بساطة الحياة ,ومع
ظهور الملكية وازدياد الحاجيات تحولت الحرية الطبيعية إلى نةع من العبودية ,أصبح اإلنسان
بموجبها مكبال باألغالل في كل مكان ,يخضع لسلطان يذله ويقهره .وحسب روسو فإن حالة
الطبيعة لم تبق ثابتة ومستقرة بل خضعت لمرحلة السلطان السياسي والمدني ويعتبر العقد
اإلجتماعي هو السبيل السليم لإلنتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة اإلجتماعية.
ترجع هذه النظرية أصل الدولة,وكما يستفاد من عنوانها ,إلى القانون .وحسب الفقيه
النمساوي"كلسن" فإن الدولة كالتشكيالت اإلجتماعية األخرى هي نظام قانوني ,أو هي تسلسل
للقواعد القانونية تستمد صحتها من قاعدة أساسية مفترضة ...فالدولة هي نظام قانوني مركزي
هرمي ,فكل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة التي تعلوها إلى أن تصل" في إطار ما يسمى بتدرج
القوانين" إلى الدستور ,والذي يستمد هو األخر صحته من دستور سابق له.
ويذهب في نفس السياق الفقيه الفرنسي"جورج بيردو" معتبرا أن الدولة ال تصبح واقعا إال بعد
تنظيم سلطتها السياسية من واقعة فعلية إلى واقعة قانونية.
ومن جهته فإن "كاردي مالبيرغ" قد بحث في النظرية العامة للدولة ,وقد خلص إلى القول ":إن
نشأة الدولة تتطابق مع وضع أول دستور(مكتوب أم غير مكتوب) ,أي مع ظهور النظام الذي
يعطي ألول مرة للمجموعة أجهزة تؤمن لها وحدة إرادتها,وتجعل منها شخصيا دوليا.
تصدى لهذه النظرية فقهاء وباحثون دستوريون اخرون منهم"روني كابتان" ,و"ديكي",
واأللماني"ماكس فيبر ,فبالنسبة للفقيه األول فقد انتقد في رسالته"الحتمية القانونية" لسنة 1928
طرح "كلسن",مؤاخذا عليه عدم إتمام هرمه القانوني ,إذ ظل ينقصه طابق كامل ,فالدستور األول
ليست له قوة افتراضية ,وإنما واقعية,والدليل هو الثورة الفرنسية,حيث استمدت الجمعية الوطنية
صالحياتها من إرادة الشعب ,وليس من إرادة مفترضة ,ومن جهتها فإن المدرسة الماركسية تنتقد
طرح كل من يفصل انظرية والقانون عن العوامل اإلجتماعية واإلقتصادية ,وترى أن طرح
"كلسن" يقوم على أساس قانوني شكلي,وافتراض ال سند له,وبالتالي فنظريته دوغمائية
مرفوضة ,وبتقدير "ديكي" فإن الحكام كانوا وسيظلون هم األقوياء بفضل وسائل القهر التي
لديهم ,أي القهر المحتكر من طرف مجموعة ما ",إنها قوة األقوياء التي تسيطر على ضعف
الضعفاء" ,وبهذا فالقانون ال يمكن إال أن يسجل هذا الواقع ,في حين انبرى الفقيه الثالث"فيبر"
إلى القول بأن " الجماعة السياسية هي المتمتعة باحتكار اإلكراه المادي المشروع" وعليه فالدولة
تقوم على عناصر سوسيولوجية(الواقع,القوة والعنف) وليس على عناصر قانونية.
يعتمد أصحاب هذه النظرية على أن الدولة هي نظام اجتماعي فرضه الغالب على المغلوب فهي
تنشأ عندما يفرض القوي سلطته على باقي األفراد ألن الحياة اإلنسانية األولى كان يحكمها نظام
الجماعات األسرية بما تحتويه من سيطرة قانون الحرب واإلغارة بين مختلف األسر ,فإذا
انتصرت إحدى األسر على غيرها تضمها إليها وبفرض رئيسها سلطانه على اإلقليم الذي تعيش
فيه.
ترجع هذه النظرية أصل الدولة أو السلطة السياسية إلى األسرة وإلى السلطة األبوية بالتحديد,
فاألسرة هي الخلية األولى للمجتمع ,شكلت نواة التطور نحو العشيرة ثم القبيلة,ثم القرية فالمدينة,
ثم الدولة التي ما هي إلى مدينة سياسية كبيرة ,وأنصار هذه النظرية هم "أرسطو" و "أفالطون"
و "بودان".
ترجع هذه النظرية أصل الدولة إلى تطور عدة عوامل تتمثل في القوة المادية واإلقتصادية
والعوامل الدينية والمعنوية أو العقائدية ومن أنصار هذا التصور"برتلمي" و"كارنر" و"سبنسر".
اإلقليم الترابي :يقصد به البر أو اليابسة أو األرض ,واألرض تشكل القاعدة األساسية
التي تتحد عليها الجماعات البشرية المتمدنة ,و ال يمكن تصور وجود الدولة دون
األرض.
اإلقليم البحري :هو ذلك اإلمتداد البحري المالصق للدولة الشاطئية فيما وراء المياه
الداخلية(مثل مياه الموانئ والمرافئ والخلجان , )...واعتبرت اتفاقية جونيف سنة 1958
حول قانون البحار أن الدولة تمتلك السيادة على البحر اإلقليمي ,وعرض البحر اإلقليمي
كان محددا عرفيا في ثالثة أميال وحددت إتفاقية جمايكا لعام 1982عرض البحر
اإلقليمي في 12ميال بحريا.
اإلقليم الجوي :هو ذلك الفضاء الذي يعلو األرض والمياه اإلقليمية من هواء ,ويتكون من
طبقة الغالف الهوائي المحيط باألرض ,والفضاء المحيط بالغالف الهوائي إلى ما ال
نهاية له .ونتيجة لذلك ,فإن الطبقة الجوية تعتبر امتدادا لسيادة الدولة وهذا ما أقرته اتفاقية
شيكاغو في 7دجنبر ,1994في حين أن الطبقة الفضائية ال تخضع لسيادة أية دولة طبقا
لقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة سنة .1967
أهمية المجال اإلقليمي :يمكن النظر إلى األهمية التي يكتسيها اإلقليم من زاويتين,
من زاوية اثاره على الدولة ومن جانب انعكساته على األفراد ,ففيما يخص الزاوية
األولى فإن اإلقليم يشكل أحد العناصر األساسية المكونة للدولة وجزء من وجودها,
بل يعتبر اإلقليم عنصرا مالزما لتكوين شخصية الدولة ,وقد شخص رائد الجغرافية
السياسية األلماني "راتزل" أهمية الدولة المختزلة في قطعة من األرض ومجموعة
بشرية ,وهو ما عبر عنه "فالو" بتجسيده للدولة في شكل جغرافي للحياة اإلجتماعية,
بينما اختزل البعض اإلقليم في المجال السياسي ,فحسب كاري دي مالبرغ ,فاإلقليم
هو" اإلطار الذي تمارس في داخله السلطة السياسية" ,هو نفس اإلتجاه الذي سلكه
ديكي" .أما فيما يتعلق بالزاوية الثانية والخاصة باثار اإلقليم على األفراد ,فاإلقليم
يظل عامال وعنصرا موحدا للسكان ,ومؤثر في بعث روح التضامن فيما بينهم ,بل
ويساهم في تشكل الشعوب واألمم ,بسبب تولد الرغبة في العيش المشترك وحب
الوطن والدفاع عن األرض وحدودها.
الدولة ومسألة الحدود :تشكل الحدود المجال الذي تنتهي عنده صالحيات الدولة,وقد
ظهر مشكل الحدود في العصر الحديث ,إذ لم يكن معروفا في العصر القديم حيث لم
يظهر المفهوم الحديث للحدود إال في القرن السادس عشر كخط وهمي يفصل بين
المناطق .والحدود تختزل الصراع والتوتر بين العديد من الدول ,فالحدود بمثابة
ظاهرة أمنية ,ونسيج سيادي يقع عليه العبء األول في الدفاع عن الدولة وحمايتها
والحدود هي إما طبيعية(أنهار ,جبال ,بحار )...أو اصطناعية وقد تعتمد على معايير
أخرى.
السكان :يقصد بالسكان أولئك األشخاص الذين يعيشون فوق إقليم الدولة سواء كانوا
مواطنين أو أجانب(أحياء) ,ال تربطهم بالدولة رابطة الجنسية.
الشعب :يعد الشعب كجماعة من الناس تقطن بصفة مستقرة في إقليم معين ,وتخضع
لنظام سياسي محدد ,وللشعب كذلك مدلوالن :
-مدلول واسع :يتمثل في المفهوم اإلجتماعي للشعب كمجموعة من األفراد يقيمون على
إقليم الدولة ,يتمتعون بجنسيتها(أي الرعايا المواطنين).
-مدلول ضيق :يتمثل في المفهوم السياسي للشعب ,المتمتع بالحقوق السياسية(جمهور
الناخبين البالغين سن التصويت).
األمة :اهتم البحث الدستوري بمفهوم األمة » ,« nationوهكذا فقد عرفها "مانسيني"
سنة 1851بقوله ":هي مجتمع طبيعي من الناس ذو وحدة أرضية وأصلية,ووحدة
عادات ,ولغة خاضعة لإلتحاد في الحياة والوجدان اإلجتماعي" ,أما " أرنست رينان" فقد
عرف األمة بكونها"تتوالد من زواج جماعة من الناس ,وبقعة أرضية" وعليه فاألمة
تختلف عن السكان(المفهوم الشامل,مواطنون وأجانب) والشعب (المفهوم غير
الشامل :مواطنون فقط).
الدولة البسيطة هي التي تمثل الشكل البسيط في تركيبها الدستوري ,التي تنفرد بإدارة شؤونها
الداخلية والخارجية ولها دستور وسلطة قضائية وسلطة تنفيذية وسلطة تشريعية.مثال :فرنسا
وإيطاليا وكل الدول العربية ماعدا اإلمارات العربية المتحدة.
الدولة البسيطة وأسلوب المركزية اإلدارية :يتخد النظام المركزي صورتين :التركيز
اإلداري :ويقصد به التجميع والتوحيد والقبض بزمام األمور وتعني من الناحية اإلدارية
ذلك األسلوب اإلداري الذي تتمركز عليه جميع السلطات في أيدي الحكومة وجعلها تنبثق
من مصدر واحد مقره هو العاصمة ,ويتميز بتقوية نفوذ الحكومة المركزية وهيمنتها مما
يساعد على تحقيق الوحدة القانونية والسياسية للدولة.ثم عدم التركيز اإلداري :الذي يعني
توزيع اإلختصاصات بين السلطات المركزية وفروعها في األقاليم إلتخاد بعض
القرارات البسيطة أو المتوسطة ,مما يخفف العبء على الوزير المختص والسرعة في
إنجاز المشاريع ,ويمتاز أيضا بمنح السلطة المحلية الصالحية في اتخاد بعض القرارات
المستعجلة والضرورية.
الدولة البسيطة وأسلوب الالمركزية اإلدارية :
الالمركزية اإلدارية أسلوب من أساليب اإلدارة العامة والتسيير تعتمده جميع الدول
الحديثة,وتتخد الالمركزية اإلدارية صورتين",الالمركزية اإلقليمية أو المرفقية" وتستند
على عدة عناصر وأركان وهي وجود هيئات محلية يعهد إليها بتدبير بعض المرافق
وتسيير الشؤون المحلية ,خضوع الوحدات اإلقليمية والمرفقية المحلية -أشخاصا
وأعماال -لسلطات الوصاية والهدف من الالمركزية اإلدارية هو تقصير المسافة بين
المواطن ومصدر القرار.
يعرف الدستور,وفقا للمعيار الشكلي بمجموعة من القواعد القانونية التي تحتوي عليها الوثيقة
الدستورية الخاضعة لمسطرة خاصة(غير عادية) أثناء الوضع,أو التعديل أو اإللغاء ,وتبعا لهذا
يقتضي في الدستور توفر الجوانب التالية :
-إعداد الدستور وتعديله وفقا لمجموعة من اإلجراءات الخاصة ,والتي تختلف عن تلك المتبعة
في وضع أو إلغاء القانون العادي.
-وضع الدستور من طرف هيأة أو سلطة خاصة ,تسمى عادة السلطة التأسيسية.
ارتبط التعريف الشكلي للدستور بانتشار حركة تدوين الدساتير ,واقترن ضهور الحركة
الدستورية أو الدستورانية بدورها بتبلور أفكار هذه الحركة خالل القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر ميالدي وخاصة مع الدستور الفدرالي ل و.م.أ سنة ,1789أما في أوروبا فكان أول
دستور مدون هو دستور بولونيا(ماي )1791والدستور الفرنسي(شتنبر .)1791ومونتيسكيو
نادى بالحركة الدستورية حيث قال ":ال وجود لدستور بدون حرية و ال وجود لحرية بدون
دستور" ,نالحظ إذن أن اقتران الحركة الدستورية بتدوين الدساتير كان مبررا لألخد بالمعيار
الشكلي في تعريف الدستور انذاك ,ولكنه يظل تعريفا غير شامل مقارنة مع المعيار الموضوعي
الذي يأخد بعين اإلعتبار مضامين الكتلة الدستورية ككل.
يقصد بالدستور تبعا للمعيار الموضوعي مجموع القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم
وطبيعة العالقة بين السلطات واختصاصاتها والقواعد التي تضمن حقوق األفراد وحرياتهم,
وينظر هذا المعيار الموضوعي لجوهر ومحتوى القاعدة الدستورية بصرف النظر عن شكلها أو
مصدرها ,وتبعا لذلك فإن غياب الوثيقة الدستورية ال يعني نفيا أو غيابا للدستور.
-المدلول والقيمة الرمزية :فالدستور هو رمز قبل أن يكون قانونا فهو وثيقة منشئة للدولة بشكل
عام ,تضع حدا للفوضى واإلضطراب.
-المدلول الوضيفي :يعني أن الدستور هو مجموعة القواعد التي تقيم المساواة بين أعضاء
الدولة.
-المدلول الفلسفي :أو اإليديولوجي ويتمثل في اإلعتماد الدستوري الذي يعني أن الحكم ليسا
مطلقا,وأن السلطة ليست نهائية.
تهتم الدساتير ,وفي حيزها األكبر ,بتنظيم مؤسسات الحكم ,وعالقات السلط مع بعضها البعض,
وفي عالقاتها بالمواطنين.فهي تبين شكل الدولة ,وأنظمة الحكم...
حيث تشير أحكام الدساتير إلى تنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها.
تجدر اإلشارة في البداية إلى أن أول إعالن للحقوق كان قد صدر ب و.م.أ بموجب دوستور
ماساشوست ,1780لكن اإلعالن العالمي الذي كان له الوقع األكبر هو إعالن حقوق اإلنسان
والمواطن لسنة .1789فقد تضمن دستور 4شتنبر 1992جديدا فيما يخص تعهد المغرب
بحقوق اإلنسان.
لقد ظهرت الدساتير وإعالنات الحقوق تاريخيا في ذات الوقت ,وكان لها نفس اإلندفاع ,لذا
وجب اإلعتراف لها بنفس القيمة القانونية.ولهذا الغرض فالدول تنص على حقوق األفراد
وحرياتهم في صلب الوثيقة الدستورية .والدستور المغربي 2011ارتقى ببعض الحقوق إلى
القواعد الدستورية السامية ,من قبيل حماية الحق في الحياة(الفصل )20وضمان السلطات
العمومية لسالمة السكان(الفصل ...)21
يعد التنصيص على هذه المبادئ بمثابة ظاهرة حديثة في الدساتير تأخد مكانها في التصدير
ضمن تصريحات الحقوق أو في فصل خاص من الدستور.مشكلة دستورا اجتماعيا إلى جانب
الدستور السياسي.وتخللت دستور 2011بعض المقتضيات التي تندرج في إطار هذه المبادئ
من قبيل أحكام الفصل الواحد والثالثين.
أثار تضمين الدستور لهذه المبادئ تأييد البعض وتحفظ البعض األخر.فاإلتجاه المؤيد يقر
بضرورة التفرقة بين الدستور السياسي والدستور اإلجتماعي.وخالفا إلتجاه التأييد,انبرى البعض
االخر للتشكيك في القيمة القانونية لهذه المبادئ المعتمدة من الدستور.
وكختام لهذا المحور فإن الدستور يحتوي كذلك على بعض األحكام المختلفة كاسم الدولة
وشعارها ونشيدها ولغتها ودينها وعلمها.
يعرف الدستور بكونه مجموعة من القواعد واألحكام المنظمة لممارسة السلطة داخل الدولة,
والمدونة في شكل وثيقة أو نص أساسي أو عدة وثائق ,وتعد الوثيقة الدستورية أهم مصدر لنشأة
القواعد التشريعية في الدول ذات الدساتير المكتوبة ,وقد تكون الوثيقة المذكورة مطولة أو
قصيرة من حيث حجم وعدد البنود(المواد أو الفصول).
وعلى العموم ,الدستور المكتوب يتصف ببعض المزايا منها امتيازه بالتفوق والسمو عن القوانين
العادية وبالجمود الذي من شأنه أن يكفل تنظيما ثابثا للدولة ,ويسمح الدستور المكتوب بسهولة
اإلطالع عليه والتعرف على أحكامه.
يوجد إلى جانب وثيقة الدستور بعض القوانين التي تكملها وتفعل أحكامها.وتأتي في منزلة بين
منزلتي الدستور والقوانين العادية .وهي القوانين التنظيمية.
يلعب البرلمان دورا أساسيا في تطبيق النصوص الدستورية ,فهذه األخيرة تتعرض للمبادئ
العامة بشكل مختصر ,تاركة للبرلمان صالحية تجديد قواعد سير عمله ,ووضع تنظيم مجلسه
أو مجلسيه بشكل مفصل بواسطة قوانينه الداخلية التي تعتبر كامتداد مادي للدستور ,ويمكن
القول أن التنظيمات الداخلية للبرلمانات وحتى القوانين التنظيمية ال يمكن أن تخالف أحكام
الدستور من حيث المبدأ.
الدستور العرفي هو مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية غير المكتوبة نشأت وتكونت عن
طريق العادات والتقاليد والسلوكات و السوابق التارخية و يعد العرف من أهم مصادر القاعدة
القانونية وحاليا ال توجد دساتير عرفية إال بشكل نادر ,أهمها وأشهرها الدستور اإلنجليزي.
يعتبر مجموعة من القواعد غير المدونة توجد بجانب الدستور المكتوب .ويشترط توفر ركنين
في القاعدة العرفية الدستورية :الركن المادي والركن المعنوي ,يتمثل األول في األعمال
والتصرفات الصادرة عن السلطة السياسية .والثاني يضفي على العادة قيمة ملزمة .وبناء على
ما سبق يبدو لنا أن العرف الدستوري يكمل قواعد الدستور المكتوب.
الممارسة الدستورية قد تحترم الدستور القائم وقد ال تحترمه ,وتظهر الممارسة المذكورة في
كل صور نشاط السلطات العامة.ويمكن أن تهم عالقاتها مع المواطنين.
-1مفهومه :يعرف الدستور الصلب بذلك النص الذي ال يمكن أن يعدل إال وفقا لمسطرة خاصة
ينص عليها الدستور ذاته.
-2أمثلة للدساتير الصلبة :يعتبر دستور و.م.أ من الدساتير الصلبة والجامدة الذي وضعت سنة
1787وكذلك الدستور المغربي لسنة .1962
-1مفهومه :يقصد به ذلك النوع أو الصنف الدستوري الذي يمكن وضعه وتعديله بنفس األصول
واألشكال المعتمدة في وضع وتعديل التشريعات العادية.
الدساتير المرنة تعدل بقانون عادي كما هو الشأن في دستور إيطاليا لسنة 1848والدساتير
الصلبة التي تعدل بواسطة القانون العادي من توفر وقائع خاصة إلمتصاص التوترات.
تتمثل في تلك السلطة التي تعد الدستور ألول مرة عند إحداث دولة جديدة ,وتتميز هذه السلطة
بعدة خصائص منها ,أنها سلطة أصلية :فالسلطة التأسيسية األصلية هي التي تنشئ الدستور
وتخلقه ألول مرة ,وتبقى هذه السلطة سلطة عليا تتوفر على النفوذ السياسي الالزم,لإلطالع بهذه
المهمة الخطيرة ويجمع الفقه على أن السلطة التأسيسية األصلية تتجسد في الشعب صاحب
السيادة أو الجماعة.
األسلوب الغير الديمقراطي يتأرجح بين الشرعية الممنوحة ,حيث تعود السيادة للحاكم بشكل
كلي ,أو الشرعية التفاوضية ,إذ ترجع السيادة للحاكم بشكل جزئي.
يكون الدستور ممنوحا إذا انفرد الحاكم بصياغته ,ووضعه بإرادته كسلطة تأسيسية أصلية
وحسب رغبته دون أية مشاركة شعبية ,يتنازل بمقتضاه الحاكم صاحب السيادة ,وكأمثلة
للدساتير الممنوحة يمكن ذكر :الدستور اإليطالي لسنة 1848والدستور الفرنسي لعام 1861
والدستور الياباني لسنة 1889والدستور الروسي لسنتي 1906و 1911والدستور المصري
لسنة 1923والدستور اإلثيوبي لسنة 1931ودستور اإلمارات العربية المتحدة سنة 1971
ودستور دولة قطر .1972
ينشأ الدستور بموجب عقد أو ميثاق ناجم عن اتفاق أو تفاوض بين الحاكم والشعب عبر ممثليه,
لذلك سمي بالعقد ولهذا فالسلطة التأسيسية األصلية تتجسد في الملك من جهة والشعب من جهة
ثانية ,وإرادتهما تنشئ الدستور ,وهناك أمثلة أخرى للدساتير التعاقدية كدستور اليونان لستة
,1844دستور رومانيا عام ,1861دستور العراق ,1925دستور األردن .1952
تعتبر الجمعية التأسيسية أوالمؤتمر ,من أكثر األساليب ديمقراطية في وضع الدستور,وتنتخب
الجمعية لهذه الغاية بواسطة الشعب,ويقتصر دورها على وضع الدستور وينتهي بانتهاء هذا
الوضع .ويميز الفقهاء بين صنفين من الجمعيات التأسيسية فاألولى يقتصر دورها على مشروع
تحضير الدستور والمصادقة عليه بينما تجمع الثانية بين يديها كل سلطات الدولة فتتدخل في
عمل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
-خلق تقليد سياسي –شعبي -من شأنه أن يساهم في إشراك السكان جميعهم في تسطير وتقعيد
المجال السياسي.
وكيفما كان أسلوب وضع الدستور-ديمقراطي -أو-غير ديمقراطي -فإن الدستور ليس بالكتاب
المنزل ,فهو في حاجة لمجاراة سنة الحياة,مما يجعله قابال للتعديل بل حتى لإللغاء.
-1مفهومها :
السلطة التأسيسية الفرعية(المشتقة) هي سلطة مؤسسة بموجب الدستور أناط بها صالحية
المراجعة إيمانا من واضعي الدستور بقيمة العمل المنجز,وتباشر حسب الفقه من طرف الجهة
التي يحددها الدستور ذاته ,وهي إما السلطة النيابية-البرلمان -أو السلطة الشعبية بواسطة
اإلستفتاء.
ذهب فريق إلى ترجيح أسبقية السلطة التأسيسية األصلية في عملية المراجعة,فالذي يضع
الدستور له الصالحية المطلقة في مراجعته وتعديله,وانبرى فريق اخر من الفقه إلى القول
بأحقية السلطتين التأسيسية األصلية والفلرعية في مراجعة الدستور.
تتمثل هذه الطريقة في إلغاء العمل بالدستور بطريقة عادية وهادئة واستبداله بدستور جديد,فإذا
كان الدستور عرفيا فينتهي العمل به بواسطة دستور عرفي جديد أو إصدار دستور مكتوب يحل
محل الدستور العرفي.
تتمثل في األسلوبين الثوري واإلنقالبي ,فاألول له دور كبير في إلغاء الدستور القائم,حيث
تستهدف تحقيق الصالح العام حيث تكون نابعة من الشعب ..والثاني ال يستهدف تغيير المجتمع
بقدر ما يتغيأ اإليستيالء على السلطة ,وعلى الحكم بأسلوب غير شرعي.
ومن أمثلة الدساتير التي ألغيت بالثورات ,يمكن ذكر دستور روسيا الذي ألغي بدستور الثورة
سنة ,1917ودستور مصر لسنة 1923الذي سقط بثورة 23يوليوز .1952
أما بخصوص الدساتير التي ألغيت نتيجة انقالب فيمكن ذكر دستور الجزائر لسنة 1963الذي
ألغي بانقالب 19أكتوبر ,1956ودستور موريطانيا لسنة 1964الذي سقط بانقالب عام
.1978
تعتبر فرنسا مهد الرقابة السياسية ,وتتصدر بذلك قائمة الدول األكثر تقدما في مجال هذا النوع
من المراقبة ,ويعود ذلك إلى عهد الثورة الفرنسية سنة , 1789وقد نص دستور 1791على
المراقبة السياسية من خالل تركه المبادرة للمواطنين,وقد تصدى المفكرون والباحثون
والسياسيون لذلك بالنظر للصعوبات التي يطرحها هذا الشكل الرقابي ,إذ ال يتصور تنصيب
المواطن نفس كقاضي .وقد اقترح سييس( )sieyesإنشاء هيئة سياسية يعهد إليها بمهمة إبطال
القوانين المخالفة للدستور سماها بهيئة المحلفين الدستوريين وقد تم رفض هذا اإلقتراح.
وعهد في ظل دستور السنة الثامنة الجمهورية مراقبة دستورية القوانين إلى مجلس الشيوخ
المحافظ ,وتمت مؤاخدة هذا المجلس بتبعيته لرئيس الدولة.
ولم يتناول دستور 1875مراقبة دستورية القوانين ,والتي تجاهلتها كذلك حكومة فيشي ,في
حين أسس دستور 1946لجنة دستورية للمراقبة ,وهي عبارة عن جهاز سياسي ,يختار
أعضاؤها من طرف كل غرفة برلمانية ,وبواسطة رئيس الجمهورية الذي هو رئيس اللجنة.
نص الدستور الفرنسي ل 4أوكتوبر 1958على تكوين المجلس الدستوري ,والذي يتألف من
تسع أعضاء ,يختارون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد.من طرف رئيس الجمهورية ,ورئيس
الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ .وقد نص على كذلك على صالحيات رئيس الدولة
والوزير األول ورئيسي البرلمان(بغرفتيه) في إحالة مشاريع القوانين على المجلس الدستوري,
قصد فحص مدى مطابقتها للدستور ,وأصبح بموجب تعديل 29أوكتوبر 1974م حق ستين
نائبا في الجمعية الوطنية ,أو في مجلس الشيوخ اللجوء إلى المجلس الدستوري ,لتحريك مسطرة
المراقبة.
ويعاب على مراقبة دستورية القوانين بفرنسا عدم تحقق الحياد الالزم واإلستقالل التام عن
التوجهات السياسية ,خاصة وأن أعضاء المجلس الدستوري يعينون من طرف السلطات
العامة,ويظلون تابعين لها.
وقد سلكت عدة دول نفس المسلك الفرنسي في اعتماد المراقبة السياسية كجمهورية إفريقيا
الوسطى( ,)1964وموريتانيا ( ,)1961وكذلك تشاد( ,)1960باإلضافة إلى المغرب.
أناط المشرع الدستوري مراقبة دستورية القوانين إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى ,والتي
اعتبرت كمرحلة أولى ثم إلى المجلس الدستوري في مرحلة ثانية ,وبدءا من دستور 4شتنبر
1992واستمرارا مع دستور 13شتنبر ,1996تم إلى محكمة دستورية مع دستور فاتح يوليوز
.2011
نظم الدستورالمغربي لسنة 2011المحكمة الدستورية ,مفردا إياها من الناحية الشكلية بست
فصول(من 129إلى )134ضمن الباب الثامن ,همت تكوينها وسير عملها ,إلى جانب
اختصاصاتها.
وتتألف المحكمة الدستورية من إثني عشر عضوا ,منهم ستة أعضاء يعينهم الملك ,من بينهم
عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى ,كما يعين رئيس المحكمة من بين األعضاء
الذين تتألف منهم.وأما األعضاء االخرون ,وعددهم ستة ,ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب,
وينتخب النصف االخر من طرف مجلس المستشارين ,من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب
كل مجلس ,وذلك بعد التصويت عليهم باإلقتراع السري ,وبأغلبية ثلثي أعضاء كل مجلس.
وطبقا للفصل 130من الدستور فهؤالء األعضاء يتم اختيارهم من بين الشخصيات المتوفرة
على تكوين عال في مجال القانون والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة,
والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة .ومدة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالمغرب هي تسع
سنوات غير قابلة للتجديد ,ولكن يجدد ثلث كل فئة كل ثالثة سنوات .وبخصوص قواعد سير
المحكمة وشكليات عملها ,فهي تتحد بموجب قانون تنظيمي تبعا ألحكام الفصل 131من
الدستور.
تصنف الرقابة السياسية على أنها سابقة على صدور القانون ,ذات طابع احترازي ,ووقائي
تحول دون صدور القانون المخالف للدستور عند المنبع بدال من صدوره ثم انتظار إلغائه في
تاريخ الحق ,مساهمة بذلك في إجهلض القانون-الجنين -قبل المصادقة عليه ,كما تتميز هذه
الرقابة بالمرونة.
فمراقبة دستورية القوانين تستدعي مؤهالت فنية ,وكفاءات قانونية ينبغي توفرها في الساهرين
على تطبيق المادة القانونية السليمة والمطابقة للدستور ,وإسناد المراقبة لهيأة سياسية يؤدي إلى
ممارسة الرقابة بروح غير قانونية,نتيجة اإلفتقاد إلى القدرة والكفاءة في أعضاء الهيأة السياسية.
تستند مراقبة دستورية القوانين عن طريق الدعوى إلى نص صريح في الدستور الذي يحدد
تنظيمها وشكليات تسييرها ,ونطاق اختصاصاتها ,ويعهد بها إما إلى القضاء العادي أو جهاز
قضائي مختص ,يقوم بإلغاء القانون ,وكأنه لم يوجد قط ,بمعنى أن للحكم أثر رجعي يعود إلى
الماضي ,ويسري على الحاضر و يمتد إلى المستقبل.فالرقابة هنا هي رقابة بعدية وهي رقابة
إلغاء ,ويتميز هذا النوع من الرقابة بالخصائص التالية :
-تعد تدبيرا مباشرا يسمح للفرد برفع الدعوى من أجل الطعن في عدم دستورية القانون الصادر
في حقه قبل وقوعه.
-يعد هذا الشكل من المراقبة أسلوبا هجوميا ,يقصد من ورائه القضاء على القانون المخالف
للدستور بصورة نهائية.
-يكتسب الحكم حجية مطلقة إزاء الجميع ,ويصفي النزاع مرة واحدة.
يقصد بهذا النوع من الرقابة اإلمتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور دون إلغائه ,بناء على
دفع من الخصوم في قضية من القضايا المدنية أو اإلجتماعية ,ودعوى الدفع أو اإلمتناع لها
خصائص تميزها عن األسلوب القضائي عن طريق الدعوى أو اإللغاء :
-الرقابة القضائية عن طريق الدفع تتميز باألسلوب الدفاعي ,بينما أن الرقابة عن طريق الدعوى
تتميز بأسلوب هجومي.
-يمتنع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري في النزاع المعروض عليه,وبالتالي يظل هذا
القانون صالحا للتطبيق في المنازعات األخرى,أما بطريق الدعوى فالقانون يعدم من أصله وال
يجوز تطبيقه.
-تعتبر الرقابة عن طريق الدفع أسهل من الرقابة عن طريق الدعوى ال تحتاج إلى نص صريح
في الدستور ,وال إلى محكمة أو مسطرة خاصة أو أصل لممارستها كما هو الشأن بالنسبة
للرقابة عن طريق الدعوى.
-الحكم الصادر عن طريق الدفع يقتصر أثره على النزاع المعروض على المحكمة ,في حين أن
الحكم الصادر عن طريق الدعوى يسري أثره على الجميع.
-2رقابة القضاء بالواليات المتحدة األمريكية :نموذج للمراقبة عن طريق الدفع :
نص دستور و.م.أ على إنشاء المحكمة العليا التي تتربع في قمة الهرم القضاء الفدرالي ,وتشكلت
هذه المحكمة منذ منتصف القرن التاسع عشر(,تعقد جلساتها في واشنطن العاصمة وتبدأ دوراتها
السنوية في يوم اإلثنين األول من شهر أكتوبر وتختتمها في شهر يونيو).
وتتكون المحكمة العليا اإلتحادية من أعضاء يعينهم رئيس الدولة بعد موافقة مجلس الشيوخ,
وعددهم تسعة ,وتتخد قراراتها باألغلبية.وتعينهم من طرف الرئيس يضمن والء القضاة له.
وتباشر محاكم الواليات اختصاص الرقابة فيما يخص القوانين التي تسنها السلطات على مستوى
الواليات فقط.ولكن هذا ال يحول واختصاص المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين
الصادرة عن محاكم الواليات.
وتعتمد المحاكم األمريكية ثالث أساليب في مراقبة دستورية القوانين ,فهناك طريقة اإلمتناع,
وبمقتضاها تمتنع المحكمة عن تطبيق قانون في قضية ما بطلب من المتقاضي إذا تبين له صحة
دعوى هذا األخير ,والمتعلقة بالطعن في القانون المخالف للدستور.
ويضاف إلى هذا األسلوب (اإلمتناع) بالواليات المتحدة األمريكية طريقتي األمر القضائي أو
الحكم التقريري.
فاألمر القضائي) (l’injonctionتدبير يسمح للفرد بمهاجمة القانون قبل تطبيقه عليه ,تحت
ذريعة مخالفته للدستور.
أما الرقابة عن طريق التحكيم التقريري) (le jugement déclaratoireفيفترض فيها لجوء
الفرد إلى المحكمة يطلب منها إصدار حكم يقرر مدى دستورية القانون المراد تطبيقه عليه.
تعني الرقابة القضائية السماح لقضاة معينين بمراقبة نواب منتخبين ,مما يجعل سلطة
القضاء أسمى من سلطة ممثلي اإلرادة الشعبية المنتخبة.
أن القضاء ال يلتزم بالحياد,إذ غالبا ما خالف رؤى وتصورات سياسية.
تشتق كلمة ديمقراطية من األصل اإلغريقي ,حيث تتركب من "ديمو" وتعني الشعب,
و"قراطي" وتعني حكم.وتبعا لذلك فالديمقراطية هي حكم الشعب,أو كما صاغ ذلك الرئيس
لنكولن بقوله "حكم الشعب بواسطة الشعب ألجل الشعب".
والديمقراطية كذلك هي المناخ األكثر مالءمة للنضال السياسي ,وشرط أساسي للحفاظ على
تقوية المجتمع وديناميته السياسية ,وعلى صحة وسالمة العالقة بين الحاكمين والمحكومين ,بين
السلطة والمعارضة ,بين األكثرية واألقلية.
تعد الديمقراطية من أهون أساليب الحكم شرا ,وهي أفضل بكثير من الإلستبداد,والذي ساد خالل
العصور الغابرة في بالد حوض المتوسط وخاصة اليونان وروما.وتنعت الحكومة بكونها
مستبدة عند اغتصاب الحاكم للسلطة بالعنف والقوة خارج إطار الشرعية ,وممارسة السلطة تتم
بشكل تعسفي,إذ ال حدود للسلطات الطاغية,وما يثير اإلندهاش لدى البعض هو شخص المستبد,
الحاكم الذي يتحكم في األمور والظروف في غياب القانون ,وقد عرف عبد الرحمان الكواكبي
في كتابه الشهير "طبائع اإلستبداد ومصارع اإلستعباد" المستبد كما يلي ":إن المستبد يتحكم في
شؤون الناس بإرادته,ال بإرادتهم ويحاكمهم بهواه ال بشريعتهم ,ويعلم من نفسه أنه الغاصب
المتعدي ,فيضع كعب رجله على أفواه الماليين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي
لمطالبته ...والمستبد عدو االحق ,عدو الحرية وقاتلها ,والحق أبو البشر والحرية أمهم والعوام
(الشعب) صبية أيتام نيام ال يعلمون شيئا."...
فاإلستبداد هو نفي للدمقراطية التي تؤمن بحقوق الفرد والجماعة ,وأساس المشاركة السياسية.
قبلت الديمقراطية الليبرالية بالتقسيم النخبوي الديمقراطي ,فقد عرف الفكر العربي في القرن
التاسع عشر مفهوم النخبة كما عبر عنه موسكا وباريتو وميشلز.وانتقل هذا الطرح إلى علم
السياسة األمريكي الذي رأى أن الجماهير ال تستطيع إبداء الرأي في المشاكل المعقدة التي
يعيشها المجتمع الحديث ,والذي يفرض دورا أكبر للنخبة .وعليه فالمجتمع ينقسم إلى
فئتين :النخبة الحاكمة صاحبة القدرة التنظيمية والكفاءة العالية التي تؤهلها للحكم ,وجمهور
المواطنين الذين ال يمارسون دورا مباشرا في العملية السياسية ,وعلى هذا األساس فالديمقراطية
هي التسليم والقبول بتعدد النخب في المجتمع وحرية تكوينها والمنافسة المنظمة بينها للوصول
إلى السلطة ,أو هي حكم النخبة بواسطة انتخابات دورية.
وقد تعرضت هذه الديمقراطية الليبرالية –النخبوية -للتأييد والمؤازرة من طرف البعض من
بينهم "سيمور ليست" .كما تحفظ عليها اخرون بدعوى أنها أهدرت المفهوم التقليدي
للديمقراطية.
يقول إنجلز في لود فيج فيورباخ ":من الثابت في التاريخ الحديث على األقل ,أن كافة
الصراعات هي عبارة عن صراع طبقات ,وأن كل الصراعات التحررية للطبقات,برغم شكلها
السياسي تدور في المقام األخير حول التحرير اإلقتصادي ,ومن تم تشكل الدولة والنظام
السياسي العنصر الثانوي ,بينما يكون العنصر الحاسم في المجتمع المدني هو مجاالت العالقات
اإلقتصادية ".
فالديمقراطية من المنظور الماركسي تسعى إلى توسيع دائرة الحقوق اإلقتصادية واإلجتماعية
للطبقات العاملة ,وتتحول إلى ديمقراطية اشتراكية للشعب كله ,معبرة في االن ذاته عن تحول
الدولة من دكتاتورية البروليتاريا إلى دولة الشعب ,ويتحول الحزب الشيوعي من حزب الطبقة
العاملة إلى حزب الشعب كله.
ويتضح أنا األفضلية في الحكم ال تجاري الحكم الفردي ,فالعدة بعدد الذين يحكمون ,فعندما يحكم
شخص واحد نكون بصدد نظام سيء ديكتاتوري ,وعندما يحكم ألف شخص يكون الوضع قد
تحسن وأصبح فيه انفراج وهذا دواليك.
يعد مصطلح الديموقراطية حديث اإلستعمال في اللغة السياسية العربية ,ولم يتم تداوله على
نطاق واسع في الوطن العربي إال غداة الحرب العالمية األولى وتكاد كتابات القرن التاسع عشر
تخلو منه ,وكان العرب يستخدمون مفاهيم أخرى عند حديثهم عن االديمقراطية كالشورى,وأهل
الحل والعقد ,والعدل واإلنصاف.
وحاول البعض التوفيق بين الشورى والديمقراطية على أساس اختيار الشورى كفلسفة حكم,
واختيار الديمقراطية كأدوات وأجهزة ومؤسسات ,وأن الخير في كل حضارة هو "أحسن قولها".
والديمقراطية هي أحسن القول الغربي ,من الناحية التنظيمية للمجتمع ,ومن جانب إرادة عملية
تداول السلطة وانتقالها ,بل اعتبر الدين اإلسالمي كمزيج من الشوروقراطية ,إذ أن الجمع بين
اإلثنين هو من قبيل "المعلوم بالضرورة" ,أو حسب تعبير البعض فإن الشورى والديمقراطية
يمكن جعلهما وجهين لعملة واحدة ,ألن المؤتلف بينهما كثير والمختلف يسير.
يندرج تحت هذا العنوان جملة أفكار سلفيي األصولية اإلسالمية التي تتأرجح بين الرفض الكامل
للديمقراطية ,أوبين قبولها قبوال اضطراريا.
بالنسبة لإلتجاه الرافض يمكن اإلستشهاد بتقي الدين النبهاني –مؤسس حزب التحرير اإلسالمي-
في كتابه" نظام الحكم في اإلسالم" ( )1989الذي جاء فيه ":فال يجوز أن يكون لدى الدولة أي
مفهوم عن الحياة أو الحكم إال إذا كان منبثقا عن العقيدة اإلسالمية ,وال تسمح بمفهوم غير منبثق
عنها,فال يسمح بمفهوم الديمقراطية أن يتبنى في الدولة ألنه غير منبثق عن العقيدة اإلسالمية,
فضال عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها" ,كما سار في نفس اإلتجاه كاضم المائري,يوسف
القرضاوي..
أما بالنسبة لإلتجاه القابل فقد اعتبر أن الديمقراطية نشأت مع ظهور اإلسالم ,وأكبر دليل على
ذلك موقف الرسول صلى هللا عليه وسلم في موقعة "بدر" في الديمقراطية والمشورة وأخد
الرأي ,والقران الكريم حافل بإشارات الدعوى للشورى ,وما الديمقراطية في مفهومها العلمي
الحديث سوى العودة إلى الشورى ,والرجوع إلى الشعب كمصدر أول للسلطة.
إرتبطت نظرية السيادة الوطنية كما سبق الذكر ,بالواقع األوربي الغربي غداة تشكل الطبقة
الوسطى التي تسلمت السلطة أواخر القرن الثامن عشر ,وكانت في حاجة لتنظيم سلطتها
بواسطة دساتير مكتوبة تحظى بالتراضي أو اإلتفاق كمصادر إنسانية للسلطة .ويقوم هذا المبدأ
على أساس تجسيد واستقرار السيادة في األمة.
وقد اعتنقت ثورة 1789مذهب السيادة الوطنية بحماسة ,واعتمدته المادة الثالثة من إعالن
الحقوق التالية ":إن مبدأ كل سيادة يكمن بصورة أساسية في األمة" ,ونصت المادتان األولى
والثانية من دستور 3يوليوز 1791على ما يلي ":السيادة واحدة,ال تتجزأ ,وال يتصرف بها وال
تزول ,وهي ملك األمة ,وليس ألي فريق من الشعب وال ألي فرد أن يدعيها لنفسه ,إن األمة
هي وحدة منبع السلطات الخ".
يعتبر اإلقرار بمبدأ السيادة الوطنية تبنيا لتصور محدد لكيفية ممارسة السلطة السياسية ,واعتمادا
لنمط معين من أنماط الديمقراطية,يعتبر في ظلها الشعب جزءا من األمة ,واألمة هي كل شيئ,
ونتيجة لذلك فالسيادة الوطنية غير قابلة للتصرف والتجزئة وغير قابلة للبيع والشراء.
ونظرية السيادة الوطنية تقوم على التفويض وعلى الوكالة التمثيلية ,ويقتضي التفويض أن تعود
الوكالة لألمة كوحدة مجردة عت األفراد المكونين لها.
وال يعتبر النائب في ظل السيادة الوطنية ممثال للدائرة التي تنتخبه ,بل يمثل األمة كلها ,فوكالته
إذن تمثيلية.
يجدر التذكير بمفهوم الشعب في البداية ,فالشعب عنصر وركن من أركان الدولة ,يعبر ويرمز
للعالقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي .والشعب لدى اليونان هو صاحب السلطة األولى
والنهائية في تنظيم شؤون المدينة.
وتطور مفهوم الشعب عبر المسار التاريخي إلى أن استقر كمفهوم واسع في العالم المعاصر.إذ
أصبحت الديمقراطية تقاس بمدى توسيع قلعدتها الشعبية.
فالسيادة تبعا لها المبدأ تعود إلى كل أفراد الشعب .وقد تبنت العديد من الدساتير على مر القرون
السيادة الشعبية سنكتفي بذكر مثال أو مثالين منهم.
دستور 1792الفرنسي الذي نصت المادة 25منه على ما يلي ":إن السيادة تكمن في الشعب...
وليس ألي جزء من الشعب أن يمارس سلطة الشعب بكامله".كما جاء في الفصل الثالث من
الدستور التونسي لسنة 1959ما يلي ":الشعب التونسي هو صاحب السيادة ,يباشرها على
الوجه الذي يضبطه هذا الدستور".
تسمح السيادة الشعبية للسكان بإمكانية قانونية تتغيأ تعميق األداء السياسي وتوسيع قاعدة
المشاركة السياسية ,والمدعمة بالية الوكالة اإللزامية ,وتستمد هذه األخيرة أسسها من القانون
الخاص بموجب قيام عالقة تعاقدية بين الموكل والوكيل ,يسمح فيها لهذا األخير بالتصرف في
أمور األول ولحسابه.وتعني الوكالة اإللزامية أن يكون الناخبون في وضعية مصدر القرار
والتعليمات والتي ياحتم على النائب اتخادها ,وتبعا لذلك فالناخبون يعدون بمثابة موكلين والنواب
هم وكالءهم.
وقد كان نواب المقاطعات والمدن يحصلون من ناخبيهم على تفويض مكتوب ,يعملون على
أساسه طوال مدة نيابتهم وكانو ملزمين عند اختتام الدورة النيابية بتقديم حساب إلى ناخبيهم ,ولم
يبق ساريا بهذه الوكالة اإللزامية منذ القرن الثامن عشر .حيث قضت عليها الثورة الفرنسية
انذاك.
فقد كان يقصد من وراء التنظير للسيادة الشعبية التشيع للديمقراطية المباشرة ,وتخويل الشعب
أحقية التشريع دون وصاية ,إال أن هناك من تحفظ على هذا الطرح ,واعتبره غير مقبول في
يومنا هذا ,الشيء الذي أدى إلى إفساح المجال لنظرية السيادة الوطنية التي هاجمت الحكم
الشعبي.