You are on page 1of 34

‫الفصل الثاني ‪...................................................

:‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫اوال ‪ :‬المقاطع االولى من الياذة الجزائر‬

‫جزائر يا مطـلع المعجزات * * * و يا حجـة اهلل في الكـائنات‬

‫و يا بسمة الّر ب في أرضـه * * * و يا وجهه الضاحك القسـمات‬

‫و يا لوحـة في سجّل الخـلو* * * د تموج بها الصور الحالمات‬

‫و يا قـصة بّث فيها الوجود * * * معـاني السـمّو بروع الحياة‬

‫و يا صفحة خّط فـيها البـقا * * * بنار و نور جـهـاد األبـاة‬

‫و يا للـبطوالت تغزو الـدنا * * * و تمنحـها القيـم الخـالدات‬

‫و أسطورة رّد دتـها الـقرون * * * فهـاجت بأعـماقنا الذكريات‬

‫و يا تربـة تاه فـيها الجالل * * * فتـاهت بهـا القمم الشامخات‬

‫و ألقى النهايـة فـيها الجمال * * * فهـمنا بأسـرارها الفاتـنات‬

‫و أهوى على قدميها الزمـان * * * فأهـوى على قدميـها الطغاة‬

‫شغلنا الورى ‪ ،‬و مألنا الدنا‬

‫بشـعر نرتـله كالـصالة‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫جزائـر يا بدعـة الـفاطـر * * * و يـا روعة الصانع القادر‬

‫‪25‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫و يا بـابل السحر من وحيها * * * تـلّقب هـاروت بالساحر‬

‫و يا جـنة غار منـها الجنان * * * و أشغـله الغـيب بالحاضر‬

‫و يا لـجة يستـحّم الجمــا * * * ل و يسبح في موجها الكافر‬

‫ويا ومضة الحب في خاطري * * * و إشراقـة الوحي للشـاعر‬

‫و يا ثورة حـار فيها الزمان * * * و في شعبـها الهادىء الثائر‬

‫و يا وحدة صهـرتها الخطو * * * ب فقامت على دمـها الفائر‬

‫و يا همـة ساد فيـها الحجى * * * فلـم تـك تقنـع بالـظاهر‬

‫و يا مثـال لصفـاء الضمير * * * يجـل عن المـثل السائـر‬

‫سـالم على مهرجان الخلود * * * سـالم على عيـدك العاشر‬

‫شغلنا الورى و مألنا الدنا‬

‫بشعر نرتله كالصالة‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫جزائـر يـا لحـكايـة حـبي * * * و يا من حمـلت السـالم لـقلبي‬

‫و يا من سكبـت الجمال بروحي * * * و يا من أشعـت الضياء بـدربي‬

‫فلـوال جمـالك ما صّح ديـني * * * و ما أن عـرفت الـطريق لربي‬

‫و لـوال الـعقيدة تغـمر قـلبي * * * لمـا كـنت أومـن إّال بـشعـبي‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫و إذا ذكـرتـك شـّع كـيـاني * * * و أمـا سـمعـت نـداك ألـبي‬

‫و مهـما بعـدت و مـهما قربت * * * غرامـك فـوق ظـنوني و لـبّي‬

‫فـفي كـل درب لـنا لـحمـة * * * مـقدسـة من وشـاج و صـلب‬

‫و في كـّل حي لـنا صـبـوة * * * مرنـحة مـن غـوايـات صـب‬

‫و في كـل شـبر لـنا قـصة * * * مجـنـحة مـن سـالم و حـرب‬

‫تـنبـأت فيـها بـإلـيـاذتي * * * فـآمن بـي وبـها الـمـتـنـبي‬

‫شغلنا الورى و مألنا الدنا‬

‫بشـعر نرتـله كالـصالة‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫جـزائر أنـت عروس الـدنا * * * و مـنك استـمّد الصباح السنا‬

‫و أنت الـجنان الـذي وعدوا * * * و إن شـغـلونا بـطيب المنى‬

‫و أنت الـحنان و أنت الـسما * * * ح ‪ ،‬و أنت الطماح و أنت الهنا‬

‫و أنت الـسمو و أنت الضميــــر الصريح الـذي لـم يخن عهدنا‬

‫و مـنك اسـتمد الـبناة الـبقـــــــاء فكـان الخلود أساس البنا‬

‫و ألهـمت إنـسان هـذا الـزمـــان‪ ،‬فـكان بـأخالقـنا مـومـنا‬

‫و عّلـمـت آدم حـبّ أخيـــــه‪ ،‬عـساه يـسير عـلى هـدينا‬

‫صنـعت الـبطوالت من صلب شـعب‪ ،‬سـخي الدمـاء فرعِت الـّد نا‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫و عّب ـدت درب النجاح لشعب * * * ذبـيح فلـم ينـصهر مـثلـنا‬

‫و مـن لم يوحـد شتـات الصفــوف ‪ ،‬يـعجـل بـه حـمقه للـفنا‬

‫شغلنا الورى و مألنا الدنا‬

‫بشـعر نرتـله كالصالة‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫أفي رؤيـة اهلل فـكرك حـائر * * * و تـذهل عن وجهه في الجزائر؟‬

‫سـل البـحر و الزورق المستها * * * م ‪ ،‬كـأن مـجاديفه قـلب شاعر‬

‫و سـل قبـة الحـور نـم بها * * * مـنار عـلى حـورها يـتآمـر‬

‫سـل الـورد يـحمل أنـفاسها * * * لحيدر مـثل الحـظوظ الـبواكر‬

‫و أبـيار تـزهو بـقديـسـها * * * رفائـيل يخـفى انـسالل الجآذر‬

‫تـبـاركـه أّم إفـريـقـيـا * * * على صلوات الـعذارى السواحر‬

‫و يحـتار بـلكور في أمـرها * * * فتـضحك منـه الـعيون الفواتر‬

‫و في القصبة امتد ليل السهارى * * * و نهـر المجـرة نـشوان ساهر‬

‫و في سـاحة الشـهداء تـعالى * * * مـآذن تجلـو عـيون الـبصائر‬

‫و في كـلّ حّي غـوالي المنى * * * و في كّل بيت ‪ :‬نشـيد الـجزائر‬

‫شغلنا الورى و مألنا الدنا‬

‫بشـعر نـرتله كالصالة‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫سل األطلس الفرد عن جرجرا * * * تعـالى يشـّد السـمـا بالثرى‬

‫فيـختـال كـبرا تـنافـسه * * * تكجـدا فال يـرجع القـهقرى‬

‫تلـّو ن وجـه الـسمـاء بـه * * * فأصـبـح أزرقـها أخـضرا‬

‫و تجثو الثلوج على قدميــه ‪ ،‬خـشـوعـا فـتسـخـر منه الذرى‬

‫هـو األطـلس األزلـي الذي * * * قضى العمر يصنع أسد الشرى‬

‫و تسمـو بـأوراس أمـجاده * * * فتصدع في الكون هذا الـورى‬

‫فيـا مـن تـرّد د فـي وحـدة * * * بمغربـنا و اّد عـى ‪ ،‬و امترى‬

‫‪..‬أما وّح ـد أطلـسنا الـمغـربي * * * مـعاقـلنـا بـوثيق العرى ؟‬

‫أمـا طـّو قـتـنا سـالسـلـه * * * فطّو ق تاريـخنا األعـصرا ؟؟‬

‫و كم فـوقـه انتـظمت قـمـم * * * فهـل كـان يـعقد مؤتمرا ؟؟‬

‫شغلنا الورى و مألنا الدنا‬

‫بشـعر نرتـله كالصالة‬

‫تسابيحه من حنايا الجزائر‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫موضوع اإللياذة‪:‬‬
‫موضوع إلياذة الجزائر موضوع ملحمي‪ ،1‬فهي من بدايتها إلى نهايتها تحكي قصة شعب‬
‫في نضاله ضد االحتالالت األجنبية وفي صراعه مـع الزمـن الذي يحمل إليه في كل‬
‫مرحلة من مراحله عدوا جديدا يناصبه العـداء بأسلـوب جديد‪ ،‬وهي إلى جانب دورها في‬
‫التاريخ‪ ،‬فإنها أروع وأجمل ديوان يحتل مكانة مرموقة في األدب الجزائري خصوصا‬
‫والعالمي عموما‪.‬‬
‫ومن هنا أقبل المتلقون على قراءتها وحفظها بل حولوها إلى منظومة يتغنون بها في‬
‫المواسم واألعياد ألنها "أحسن سجل لتاريخ الجزائـر حتى اليوم أي أحسن كتاب فيه وعنه‬
‫ولـه وحتى إذا ما كتب هذا التاريـخ يوما ما بصفـة كاملة شاملة فستبقى اإللياذة أروع تاريـخ‬
‫للجزائـر وأكثـره وقعا في‬
‫النفوس وأسهله على الحفظ والتذكر واالستشهاد في معرض االستشهاد واالحتجاج‪"2‬‬
‫والواضح أن صوت مفدي زكريا إلى جانب التركيب والداللة هو الذي أعطى اإللياذة هذا‬
‫الطعم اللذيذ وهذا اإلحساس الجميل وهذه الموسيقى الموحية المؤثرة لذلك يمكن القول‪:‬إن‬
‫إقبال القراء والباحثين على اإللياذة يعود إلى نسيجها المحكم الذي تمثل في شبكة العالقات‬
‫الصوتية والصرفية واللغوية‪.‬‬
‫وقد جاء موضوع اإللياذة موسوما بـ ‪ :‬القيم الجمالية‪،‬وتتجلى هذه القيم في التكرار الذي‬
‫وظفه مفدي زكرياء فني في رائعتها الدوافع نفسية وأخر فنية‪ ،‬فأما األولى فإنها ذات‬
‫وظيفة مزدوجة تجمع الشاعر والملتقى وأما الثانية فتمثلت في تلك التلوينات اإليقاعية التي‬
‫جاءت عفوية تلقائية ال يقصدها الشاعر إال التالعب باأللفاظ وتكلف التزويق بالمحسنات ‪،‬‬
‫وهي بذلك تؤكد أن الصياغة عنده ال تطغى على العواطف فيوقت تساعد على التعبير عن‬
‫التجربة وعلى إثارة اإلحساس بالغيرة والنضال والشعور بالجودة والكرامة على‬

‫‪1‬الملحمية ‪ ،‬قصة بطولية تحكي شعر ثوري ‪ ،‬على افعال عجيبة‬

‫‪2‬االلياذة ‪ :‬مقدمة الطبعة الثانيةً ‪13-12‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫التأثير بذلك في الجماهير‪ ،‬وحثها على التجاوب‪ ،‬كما أن صخب اإليقاع في هذه الصياغة‬
‫الناضجة تداخل مع ضخامة الموضوع ليؤدي في النهاية وظيفته التعبيرية انطالقا من‬
‫معايشة واقع نابض بالحركة والحياة ومعاناة صادقة تتسم باالنسجام الحي مع مطامح األمة‬
‫‪ ،‬وظروف نهوضها المتوثب بما يحفز على تفجير طاقات الخلق في تشكيل معبر جميل ‪،‬‬
‫ويتحول المتقبل فيها من متقبل مجرد إلى طرف مشارك‪.‬وعلى هذا النمط‪ ،‬نجد أنه ليس‬
‫من السهل أن تأتي صور ألف بيت شعري نسخة واحدة خاصة إذا كانت المشاهد متداخلة‬
‫والبطوالت متعددة ‪،‬واالنسجام بين األحداث قائما بذاته فالشاعر ال يستطيع مسايرة هذا‬
‫التدرج الذي يعيده مرغما إلى رسم بعض الصور التي يكون قد رسمها سابقا فالصور قد‬
‫تكون جافة إال أن مفدي زكريا يبدع داخلها‪ ،‬يلغم المشهد فينفجر داخل الصور‪ ،‬أو عمقها‬
‫لتتطاير شظايا اللوحة اإلبداعية بالكلمات‪ ،‬ألن تشكيل المشاهد عنده ينطلق في أغلب‬
‫األحيان من صور حالمة تعكس وجها بعيدا لمرئي متشابك يتموضع في انسجام ورشاقة‪،‬‬
‫ومن العملية اإلبداعية ينتقل الشاعر إلى اختيار اللفظ الدال على الهدف السميائي المتدفق‬
‫وراء المعاني المختارة‪ ،‬فصوت مفدي زكريا يجلجل بصحب عنيف ‪،‬وقوة تدفـق مشاعره‬
‫تصاحبها نبرة حادة متأججة فائضة بعدها ينسجم الشاعر مع الصور التي يوزعها في ثنايا‬
‫النص فهو ينفعل مع الحدث ويتمازج مع القضية حتى يصير جزءا منها أو تصبح هي‬
‫جزءا منه‪.‬‬
‫ولئن كان موضوع اإللياذة ما يحد حرية الشاعر في التعبير عن مشاعره التي تصاحبها‬
‫قوة‬
‫التخيل باعتباره يتناول موضوع تاريخ مجيد فإن اإللياذة على الرغم من ذلك ظلت تتصنع‬
‫األحداث في قالب شعري محض ‪ ،‬والسر في نجاح مفدي زكريا في تقديم هذا العمل‬
‫القدير يعود إلى حسن اختياره لهذا التقسيم المنهجي الذي يتنافى وطبيعة الشعر فتنوع‬
‫القوافي وأحرف الروي ‪ ،‬واستبدال المشاهد واختالف العواطف وتبدل االنسجام اللغوي‬

‫‪31‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫من الرقة إلى العنف ومن الليونة إلى الغلظة ‪ ،‬كل ذلك ساهم في بلوغ الشاعر هذه المرتبة‬
‫وربما يكون كل ذلك من باب الصنعة‪.‬‬

‫بناء اإللياذة ‪:‬‬


‫والقصيدة الشعرية تبنى عادة من عنصرين أساسين هما‪ :‬التكرار والتنوع منبثقين من‬
‫موسيقى أخاذة مشحونة بالنفس الحماسي الصاخب الذي يتالءم والمعاني ليثيرا داللة‬
‫صوتية خالصة‪.‬‬
‫ويعد التكرار خصية أساسية في بنية النص اإللياذة لجأ إليه زكريا في وذلك في محاولة‬
‫منه لتحديد نسق البنية الصوتية داخل الكلمة نفسها وهو متمثل في ما سيأتي‪:‬‬
‫‪1/‬الدواخل ‪ :‬ومن الدواخل حروف الجر التي نجدها تعم في اإلليـاذة السيما في ‪ -‬ب ‪-‬‬
‫على‬
‫فهي تؤدي دورا دالليا بارزا في تعاملها مع اللفظة داخل النص ‪ ،‬كما أنها تقوم على‬
‫إيجاد عالقة نسبية بين ارور وبين معنى الحدث الذي في عالقـة اإلسناد " ووجهها أنها‬
‫تجر األسماء التي تدخـل عليها "‪، 1‬ويكفينا التمثـل بالمقطوعة األولى ‪2‬لمعرفة داللة هذه‬
‫الحروف ‪ ،‬فقد أتت ثالثـة عشر مـرة دليال للتقصي بالجزائر بغية الوصـول إلى الحقيقـة‬
‫التي منى الشاعـر نفسه بالبحث عنها ويظل يبحث عن وجهها الحلو الجميل في عشرات‬
‫الصور واألشياء في الكائنات‪ ،‬فيها الجمال‪ ،‬في سجل الخلود‪ ،‬فيها الوجود‪ ،‬فيها البقآ‪،‬‬
‫فيها الجالل‪ ،‬بنار‪ ،‬بأعماقنا ‪ ،‬بأسرارها ‪ ،‬على قدميها الزمان‪ ،‬على قدميها الطغاة ‪.‬‬
‫وتعد هذه الحروف الثالثة داللة تضمن اليقين في الشك ‪ ،‬فهي تدخل على كلمات رمزية‬
‫لتجربة الشاعر في الحياة كونها تخفض االسم الذي يدخل عليها ‪ ،‬ويسمى هذا االسم‬
‫مجرورا به‪ ،‬ولكن سيبويه سماه مضاف إليه مصرحا بذلك في قوله‪ " :‬والجر إنما يكون‬

‫‪1‬ابن االنباري ‪ ،‬االسرار العربيةً ‪143‬‬

‫‪2‬مفدي زكريا الياذة الجزائر ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫في كل اسم مضاف إليه " ‪5 ،‬كما أنها تسير في اتجاه واحد مختلفة في الداللة فالباء‬
‫معناها " اإللصاق كقولك ‪ :‬كتبت بالقلم ‪،‬أي ‪ :‬ألصقـت كتاباتي بالقلم " ‪ ،‬ومن هنا يتبين‬
‫لنا أن هذا الحرف ألصق بالنـار واألعمـاق واألسرار ليكشف لنا أسرار هذه األسماء‬
‫المرتبطة بحدث الوصف‪:‬‬
‫ومن الدواخل أيضا حرف النداء "يا " وهو" لكل منادي قريبا كان أو بعيدا أو‬
‫متوسطا‪ 1‬لتنبيهه و دعاءه ليجيب ألن النـداء في حـد ذاته تنبيه المدعو‪ ،‬ودعاؤه بحروف‬
‫مخصوصة‪ ،‬وهي "يا" وأخواتها ليجب ويسمع ما تريد وخير المقطوعات التي حملت هذا‬
‫األسلوب المقطوعة األولى ‪،‬فقد استعمل تسع مرات ‪ ،‬وهذا دليل على قوة الشاعر وفطنته‬
‫في وصف بلده واستخدام هذه األداة هذا الشكل إعالن لحادثة عاشها الشاعر أو يريدنا أن‬
‫نعيشها معه فيقول‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫جزائر يا مطلع المعجزات ويا حجة ااهلل في الكائنات‬
‫ويا بسمة الرب في أرضه ويا وجهه الضاحك القسمات‬
‫يكثر الشاعر استعمال أداة النداء‪ ،‬فيذكرها في كال الشطرين‪ ،‬والقارئ أو المستمـع يشعـر‬
‫‪-‬كأن المنادي في صرخة تامـة يطلب االستغاثة كما أنه ليس هذه األدوات وحدها عملت‬
‫على صدور الصوت وانفجاره بل أن هناك حروف أخرى مساعدة في هذه العملية‪ ،‬ومنها‬
‫حروف اللين خاصة األلف ‪ ،‬وذلك في الكلمات اآلتية‪ :‬جزائر‪ ،‬المعجـزات‪ ،‬الكائنات‪،‬‬
‫الضاحك ‪،‬القسمات‪ ،‬هذا وقد ابتدأ الشاعر إلياذته بكلمة الجزائر‪ ،‬وهي منادى علما أو‬
‫نكـرة مقصودة مبنية على الضم محلها النصـب ألداة محذوفـة والتقدير يـا جزائر‪ ،‬والنداء‬
‫ههنا مقصود لإلقناع والتباهي بعظمة البالد‪ ،‬ومفدي زكريا هذا التأويل ينادي بإيقاعه‬
‫الندائي هذا ليبلغ الناس ما فيقلبه من تأوهـات ‪ ،‬وهـو حين يعمد إلى اصطناع مثل هذه‬

‫‪1‬كتاب سيبويه ‪ ،‬تحقيق و شرح عبد السالم هارون ‪ ،‬ج‪ ، 2‬دار الجيل بيروت ‪ ،‬ص ‪182‬‬

‫‪2‬مفدي زكريا الياذة الجزائر ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪3‬المصدر نفسهً ‪19‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫االمتدادات اإليقاعيـة المتتاليـة في كـل أبيات اإللياذة تقريبا‪ ،‬إنما يجب أن يبتغي من وراء‬
‫اصطناعها أن يعبـر عن بركـان متأجج من اآلهات المنبعثة من صدر مهموم ‪ ،‬ليمتد هذا‬
‫الصوت إلى أقصى مدى ممكن من االندفاع و االنتشار حتى يصل إلى الحيز القابل‬
‫لالستقبال‪.‬وتواصل نداءات الشاعر مسيرتها في عالم اإللياذة إلى أن تصبح جزءا من‬
‫القافية لتفرض نفسها على بنية الخطاب الشعري ‪ ،‬ودليل ذلك قوله‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫جزائر أنت عروس الدنا ومنك استمد الصباح السنــا‬
‫‪2‬‬
‫عرجنا تنافح باينام ضحا كأن اغتصبنا لها مان صرحـ ــا‬
‫إن هذه اإليقاعات المفتوحة التي كانت وقع في نهاية صدر وعجز هذه األبيات أفضت إلي‬
‫إفـراز معظم األصـوات على تماثل عجيب الدنا‪ -‬السنا ‪ ،‬ضحا‪ -‬صرحا فهذا اإليقاع لم‬
‫يكن وظيفة مجرد تجنيس الوحدة األولى‪ ،‬وإ نما تعدى ذلك إلى ظهور وظيفة أخرى تتمثلت‬
‫في التأثير‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول‪:‬‬

‫إن السمة الغالبة على الجملة الندائية في اإللياذة هي الطول‪ ،‬وربما كان هذا منسجما مع‬
‫طبيعـة المنادى والموضـوع‪ ،‬ألن الجزائـر‪ -‬الوطن الغالي‪ -‬والتاريخ بقدمه وحديثـه محاور‬
‫أساسية للنداء‪ ،‬هذا وال ننسى ميل الناظم إلي تفضيل أداة يا ‪ ،‬التي شكلت نموذجا‬
‫أسلوبيا‪ ،‬فوردت مع جميع الصور الندائية‪ .‬فبها نادى القريب ‪،‬وهذا يفسر بأن الذي ينادي‬
‫عالي المرتبة وعظيم الشأن‪ ،‬ولنا في نداء الجزائر دليل قاطـع‪ ،‬فالعدول إذن‪ ،‬بأداة النداء‬
‫يا من مناداة البعيد إلى مناداة القريب مبالغة في المدح والتعظيم وزيادة في إظهار عاطفة‬
‫جامحة‪.‬فكل هذه النداءات الواردة في اإللياذة سواء أكانت حروف للنداء أو امتدادات‬
‫صوتية متعالية في الهواء تعداد لألوجه مختلفة لقيمة واحـدة جسدها الشاعـر زكريا في‬

‫‪1‬مفدي زكريا الياذة الجزائر ‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫الجزائر‪ ،‬وهذه القيمة تعني الجمال الخارق‪ ،‬والتي تعني بالنسبة للشاعر نزوح داخلي كان‬
‫قد عجز عن تحقيقه في الماضي ولكنه حقق بعد فترة االستقالل ومن ههنا تتجلى لنا‬
‫موقعية التنغيم المبنية على المـدى اإليجابي المرهون بالعاطفة المثيرة وفي هذا الصدد‬
‫يقول تمام حسان "ويستعمل المدى اإليجابي في الكالم الذي تصحبه عاطفة مثيرة ولتحديـد‬
‫هذا تحديـدا أكثـر ضبطا نقول‪ :‬إن الكالم هذا المدى تصحبه إثارة أقوى لألوتار الصوتية‬
‫بإخراج كمية أكبر من الهواء الرؤى باستعمال نشاط أشد في حركة الحجاب الحاجز‪.1‬‬
‫ومن الدواخل أيضا الفاء‪ ،‬فلقد صور الشاعر طبيعة الجزائر ‪ ،‬ونقل لنا تاريخها القديم‬
‫والحديث‪،‬وكان هذا كافيا ألن ينقل لنا صورة حية عن الجزائر من القرن الثالث قبل‬
‫الميالد إلى العقد السابع من القرن العشرين‪ .‬كل ذلك في ألف بيت وبيت‪ ،‬وكان من نتائج‬
‫هذا االختصار ورود الفاء‪،‬حيث وصف وذكر األشياء واألحداث والتاريخ بجمل مركبة ‪،‬‬
‫تحمل شطرين متمثلين في سبب و نتيجة‪.‬وتعددت الفاء كما الحظنا ذلك من خالل سرد‬
‫األبيات‪ ،‬فدلت على الترتيب والتعقيب‪،‬وارتبطت بجواب الطلب‪ ،‬ومن أمثلتها في اإللياذة‪،‬‬
‫المقطوعة الحادي عشر ‪ ،‬فدلت على معنيين‪،‬دلت على السببية في قوله‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وغاضت به ثورات الهوى ففجرت العزم في الثائرين‬
‫و دلت على التعقيب في قوله‪:‬‬
‫وقد عاش دربا الحلو األماني فأصبح دربا يالقي المنونا‬
‫كما ارتبطت بجواب الشرط في قوله‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫لئن حارب الدين خبث النفوس فلم يغمط الدين هذى النفوسا‬
‫ودلت على االستئناف في قوله‪:‬‬

‫‪1‬بما في ذلك حروف النداء و حروف اللين‬

‫‪2‬تمام حسان مناهج البحث في اللغة ‪ ،‬ص ‪166‬‬

‫‪3‬مفدي زكريا الياذة الجزائر ‪ ،‬ص ‪29‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪1‬‬
‫ونظمت جيشا وسست بالد فكنت األمير الخبير الخطيرا‬
‫وجاءت زائدة للتوكيد في قوله‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وال بالهتافات عاش … ويحي فما حرر القول يوما عبيدا‬
‫ودلت على الترتيب في قوله‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫و عسلـة يندبه طالب فيلحقه بعد مر السقام‬
‫لقد سكب الشاعر أفكاره في درر رصينة كل كلمة حملت طاقة مفعمة بالعمق‬
‫والتعبير‪،‬فاحتاج لربط كل ذلك إلى أدوات ربط بينت داللة االختصـار ‪،‬فال يمكن الجزم في‬
‫معاني الفاء وإ نما الذي يجب القطع فيه أن هذه الفاء جاءت للربط ‪ ،‬مهما تفرعت معانيها‬
‫الجزئية و الفرعية وورودها شيء طبيعي لموضوع شاسع وواسع‪.‬‬
‫‪2/‬السوابق‪ :‬إن السوابق في اإللياذة شأن الدواخل‪ ،‬تحمل في طياتـها معاني تعبـر عنها من‬
‫خالل السياق‪ ،‬ومن هذه السوابق الواو‪ ،‬فقد أتت في اإلليــاذة على شكل تجانس استهاللي‪،‬‬
‫يجدد تنفسه مع كـل بيت تقريبا‪ ،‬وهذا ما نسميـه نحن باالستهالل األمامي لألبيات المتتابعة‪،‬‬
‫فهي في المقطوعة األولى تتماشى مع حرف النداء‪ ،‬ما عدا البيتين األخيرين‪ ،‬فجاءت‬
‫مصاحبة لفعلين‪ .،‬وهي باإلضافة إلي دورها في الربط بين هذه الصور المتفرقة‬
‫والمتباعدة والمتباينة‪ ،‬تستدعي الصــور التي تعيش في الذاكرة ‪ ،‬وال تستجلب إال بتداعي‬
‫المواقف والمشاعر‪ ،‬وألن جمال الجزائر ماثل في كهذه الصور‪ ،‬جاء تكــرار الواو لهدف‬
‫تكرار أوجه هذا الجمال‪ ،‬و تعدد صوره‪ ،‬و هي هذه الطريقة تتمدد في اإللياذة لتصبح‬
‫كالحلقة تعاد كل مرة مـع بيت أو مشهد جديد ‪ ،‬فالـواو إذن حر فهوائي‪ ،‬و كونها كذلك‪،‬‬
‫فأنها تحلق بالقارئ أو السامع في فضـاء النص لتكشف له عن أسراره‪.‬ومن السوابق أيضا‬
‫حرف المضارعة‪ ،‬يقول زكريا‪:‬‬

‫‪1‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪42‬‬

‫‪2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪55‬‬

‫‪3‬مفدي زكريا ‪،‬الياذة الجزائر ‪ ،‬ص‪65‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪1‬‬
‫ويا لجـة يستحم فيها الجمـال ويسبح في موجها الكافـر‬
‫ولوال العقيدة تغمـر قلبي لما كنت أومن إال بشعبي‬
‫‪2‬‬
‫دعو ماسينيسا يردد صدنا دروه يخلـد زكي دمانا‬
‫نلمح من خالل هذه األبيات أن حرف المضارعة يلعب دورا دالليا بارزا وذلك بدخوله‬
‫على الصيغة الفعلية‪ ،‬فالهمـزة في أومن تحمـل في طياتها المعنى الذي تحمله األفعال‬
‫المرتبطة بها وبسياقها وهي مجموعة تشير إلى العفو وطلب التوبة عن الذنب‪ ،‬والعقيـدة‬
‫الخالصـة التي يغمرها إيمان صادق متدفق من قلب شاعر عاش لألحـداث والمواقـف في‬
‫حين ترتبط الياء باألفعال يستحم‪ -‬يسبح‪ -‬يردد‪ -‬يخلد‪ -‬تغمر وهـي في مجموعها‬
‫وصف لحالة الجزائر من خالل طبيعتها الصامتة و المتحركة‪ ،‬والياء بدخولها على هذه‬
‫األفعال قد اكتسبت جزءا من الداللة بوجودها في السيــاق ‪ ،‬فهي باإلضافة إلى بيانها جهة‬
‫الزمن توحي بالتغير المفاجئ فمرة تفيد االستحمام و السياحة ‪ ،‬ومرة تتعلق بالعقيدة ‪،‬‬
‫ومرة بالتاريخ ‪ ،‬ومرة باالزدهار والرقي‪.‬ومن السوابق أيضا حروف االستفهام ‪ ،‬يقول‬
‫‪3‬‬
‫زكريا ‪:‬‬
‫فكم بات يبكي به موجع ويسفح دمعا فيغمر سفحا‬
‫وكم من جريح الفؤاد اشتكى فأثخن باينام في الصب جرحا‬
‫وكم من صريع الغواني تداوى بأنسام باينام فازداد لفحا‬
‫القارئ أو المستمع الذي من المفروض أن يتوقع تكرار القوافي في أواخـر األعجاز صار‬
‫يتوقع تكرار غيرها في أوائل الصدور‪ ،‬بفضل تكرار كلمة " وكـم " تكرارا متواليا في‬
‫جملة من األبيات ‪ ،‬وهو تكرار كما نرى ذو وظيفة إيقاعيـة مصفقة ‪ ،‬ذلك أن الكلمة‬
‫المتكررة هي عينها تأتي في مطلع كل بيت فتحدث نغما صوتيا لمرحلة معينة ثم تنقضي ‪،‬‬

‫‪1‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪27‬‬

‫‪2‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫‪3‬مفدي زكريا الياذة الجزائر ‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫وكأن الشاعر قد قصد بذلك إلى تنبيه الحـس وتحفيزه لمعرفـة عدد الباكيين وعدد الجرحى‬
‫والصرعى المبهم ‪ ،‬كـون هـذه األداة االستفهامية يستفهمها عن عدد مبهم يراد تعينه‪.‬ومن‬
‫‪1‬‬
‫صيغ االستفهام أيضا نجد هل يقول مفدي زكريا ‪:‬‬
‫وهل فت فيليب في عزمنـا ؟ وحط القساوس من شأننا‬
‫وهل نابليون ومن وسمتـه يداه ‪ ،‬استهان بإصرارنا ؟‬
‫استطاع المروق بأطفالنا ؟ وهل ال فيجري وطول السنيين‬
‫من الواضح أن الذي قصد مفدي زكريا إلى تكراره قصدا هو حرف االستفهام هل فلم‬
‫يكتسب من جهة مفهومه كسوة الداللة على السـؤال فحسب ‪ ،‬بل لبس كسوة الداللة على‬
‫وحدة الشعور بالتمني والتشويق‪ ،‬فالهاء حرف عميق صادر من الحلق ‪ ،‬يحمل في داخله‬
‫داللة التعبير عن آهات النفس ‪ ،‬وذوبانه مع الالم عبر عن تساؤالت تنتظر أجوبة بفارغ‬
‫الصبـر‪ .‬فناسـب هذا االستفهام إيقـاع المقطوعة محدثا في ذلك تنغيما إيجابيا صاعـدا يقول‬
‫تمام حسان ‪ :‬أما إذا كان االستفهام هل أو الهمزة ‪ ،‬فإن النموذج المستعمل هو اإليجابي‬
‫‪2‬‬
‫الصاعد‬
‫ومن صيغ االستفهام نجد كيف ‪ ،‬يقول زكريا ‪:‬‬
‫وكيف يسـوس البـالد غبي بليد أضاع الضمير فضـاع ؟؟‬
‫وكيــف يقــوم بنيانــه وتقويم أخالقه ‪ ،‬ما استطاعا؟؟‬
‫وكيف يصون األصالـة نشئ وقـد ساوموه عليها فباعـا ؟‬
‫وكيف ينير الطريــق شباب وقد طمس الرجس فيه الشعاعا ؟‬
‫وكيف يصارع مـوج الحياة وما استطاع في أصغريه الصراعا ؟‬
‫قصد زكريا‪ ،‬كما هو واضح إلي تكرار أداة االستفهام كيـف الجارية في المقطوعة‬
‫مجرى الدم في العروق ليخلق بذلك النغمة الموسيقية األساسية التي تسيطر على جو‬

‫‪1‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪91‬‬

‫‪2‬مناهج البحث في اللغة ‪ ،‬ص ‪129‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫األبيات النغمي العام ‪،‬وهي هاهنا ترتبط بأفعال مضارعة تحـث على فعل السوس والقيام‬
‫والصيانة واإلنارة ‪ ،‬والدواء و الصراع لتسير في مسار واحد هو الوعد الذي قطعه‬
‫الشاعر على نفسه في تنشئة جيل عظيم ‪،‬وقد جـاء التنغيم في هذه ا لمقطوعة لتأكيد‬
‫االستفهام ‪ ،‬ويتناسب والمدى اإليجابي الهابـط يقول ت مام حسان ‪ " :‬و يستعمل أيضا في‬
‫تأكيد االستفهام بكيف وأين و متي وبقية األدوات فيما عدا هل والهمزة " ‪،‬ولكن ما الذي‬
‫حمل الشاعــر مفدي زكريا إلي اصطناع هـذه التساؤالت المتتالية و االستفهامات المتتابعة‬
‫في نصه هذا ؟ وهـل جاء ذلك ـرد حيـن التساؤل أم جاءه حقا يتساءل بشغف ولهفة عن‬
‫شيء ضائع وأمر مفقود ؟‪.‬‬
‫ويعني هذا التوزيع االستفهامي في اإللياذة أن هناك حقوال مختلفـة كانت تساور خيال‬
‫النص ‪،‬فإذا هو طورا يسأل عن عظمة بالده ‪ ،‬وجمالها ‪ ،‬وطورا يسأل عن تاريخها القديم‬
‫و حديثه ‪ ،‬وطورا آخر يسأل سؤال يتمثل في كيفية بناء مجتمع صالح؟‪.‬‬
‫‪3/‬اللواحق ‪ :‬يأتي تكرار اللواحق داال على معنى يؤكده الشاعر‪ ،‬يقول زكريا‪:‬‬
‫تبارك واديك صومـام إنا حفظنا عهودك أيان ثرنا‬
‫‪1‬‬
‫أصومام باسمك صمم شعب سياسة ثورته ‪ ،‬فانطلقنا‬
‫إن ضمير المتكلمين انا تكـرر طوال المقطوعـة‪،2‬وبالتحديـد في القافية وتكرار الضمير‬
‫تأكيد لمؤتمـر الصومام‪ ،‬مضيفا إليه المحافظــة على العهود واإلثارة واالنطالقة والتوحيد‬
‫واألهداف والسير واالنتصار ‪ ،‬وتمتد رقعـة هذه اإلضافة لتشتمل أشياء أخرى مما يعد‬
‫عناصر أساسية في طبيعة الحياة التي يصدر عنها الشاعـر كالشعب واألطفال والشريعـة‬
‫والحـرب والجهاد و النضال والسالح والوطن والسياسة‪..‬وألن الشاعر كان بصدد إثبات‬
‫الذات العربيـة في مواجهة أعدائها عن طريـق المؤتمر الذي ا نعقد بالصومام يـوم‬
‫‪1955‬فقـد جاء توظيفـه لهذا لضمير المتكلمين رمزا لهذه الحالة ‪ ،‬قادرا على‬ ‫‪20‬أوت‬

‫‪1‬مفدي زكريا االلياذة ‪ ،‬ص ‪27‬‬

‫‪2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪73‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫إعطاء الداللة المزدوجـة بين المباشرة التي تعني الحفاظ على األرض والعرض والمال ‪،‬‬
‫وغير المباشرة التي توميء إلى الحياة في مقابل الموت ‪،‬وإ لى القوة في المواجهة العجز‬
‫وإ لى النصر في المواجهة الهزيمة‪.‬ومن بين اللواحق أيضا الضمير المتصل ‪ ،‬يقول مفدي‬
‫‪1‬‬
‫زكريا‪:‬‬
‫وقالمة تزهو بأحالمها يهدهد معسول أحالمها‬
‫يشيع البخار تباريحها ويشكو مواجع آالمها‬
‫إن هذه األصوات التي انتهتها القافية ليست مجرد أصوات طبلية فضفاضة تطير في‬
‫الهواء وتدوي في الفضاء بدون غاية تذكر ‪ ،‬بل أن الهاء حرف حلقي عميق ‪،‬يكاد يخرج‬
‫من أعماق ا لجهاز الصوتي وهو نتيجة لذلك يحمل في طياته داللة أخـرى هي التعبير عما‬
‫يكن في النفس من الحزن وألم وشقاء ومما زاد في عمق هذا الحرف هو تعلقه بألف المـد‬
‫التي كان لها الشأن كبيـر في أن تعكس لنا نفسية الشاعر الكئيبة‪،‬فلو كان األمر يتعلق مثاال‬
‫بحـرف آخر ممدود كالياء أو التاء أو الكاف لما كان لوروده داللة عميقة تذكر‪،‬ولكن لما‬
‫كان هاء فقد استطاع أن يعكس لنا صورة ا لحزن والقلق والفزع واأللم جميعا‪.‬فهذه الهاء‬
‫التي جاءت ضميرا غائبا يعود على قالمة خرجت من العمق وأصبحت تعترف بوجودها‪،‬‬
‫ونفت غيابا دالليا مما جعل هذا الضمير قائم في الذهن وثابت مجسد في مكان النفس‪.‬‬
‫‪4/‬تكرار الصوامت‪ :‬ومنها الشديدة والرخوة والمائعة‬
‫أ‪/‬الصوامت الشديدة ‪ :‬وهي" التي يمنع الصوت أن يجري فيها وهي الهمزة والقاف‬
‫والكاف والجيم و الطاء والتاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والباء‪."2‬‬
‫وقد بدت في اإللياذة من حيث الشيوع والتكرار من األصوات التي تحقق في جلها عنصر‬
‫االنطباق الداللي‪ ،‬ومن أحسن الصوامت المعبرة عن هذه الظاهرة اللغوية األبيات اآلتية‪:‬‬

‫‪1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪73‬‬

‫‪2‬مفدي زكريا االلياذة ‪ ،‬ص ‪25‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪1‬‬
‫بها ذاب قلبي ‪ ،‬كذوب الرصاص فأوقد قلبي ‪ ،‬و شعبــي‬
‫‪2‬‬
‫وبلكور للمجد شق طريقــه وخط معالمها في السويقه‬
‫تردد في البيت األول الباء ست مرات ‪ ،‬والقاف ثالث مرات‪ ،‬وكال من الهمزة والجيم مرة‬
‫واحدة ‪ ،‬وهي صوامت شديدة صورت حالة الذوبان ‪ ،‬وقد ساعدهم في ذلك صيغة أوقد‬
‫وجمرا ‪ ،‬وفي البيت الثاني تكرر القاف ثالث مرات في شق‪ -‬طريقة‪-‬‬
‫السويقة ‪،‬وترددت الطاء مرتين في طريقة ‪ -‬خط ‪ ،‬ووجود الصوامت الشديدة ‪:‬‬
‫الجيم‪ ،‬والكاف والباء‪ ،‬كل هذا قد صور تصويرا حسيا صوت الشق‪ ،‬فانسجمت األصوات‬
‫مع المعاني مثيرة الداللة المطلوبة‪.‬‬
‫ب‪/‬الصوامت الرخوة‪ :‬وهي الهاء و الحاء و الغين و الخاء و الشين و الصاد والضاد‬
‫والزاي و السين‪ ،‬والضاء والثاء والفا‪ ، ،‬وذلك إذا قلت رطس و انقض‪ ،‬وأشباه ذلك‬
‫أجريت فيه الصوت إن شئت وتستخدم هذه الصوامت في اإللياذة استخداما رائعا فهي‬
‫بصفا‪U‬ا الصوتية الخاصة تصور المعاني تصويرا حسيا‪ ، ،‬وتضفي عليه جرسا موسيقيا‬
‫موحيا مؤثرا ‪ ،‬ومن األبيات الدالة على ذلك‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وأنت الحنان وأنت السماح وأنت الطماح وأنت الهنا‬
‫تردد في هذا البيت الحاء ثالث مرات ‪ ،‬وكل من السين و الهاء ‪ ،‬مرة واحدة اجتمع ههنا‬
‫لتصورا تصويرا حسبا صفات الجزائر محدثة في ذلك نوعا من االرتخاء ‪ ،‬فإذا علمنا أن‬
‫الرخاوة صفة من صفات هذه الحروف قلت في هذا المثل تكسر مبدأ االعتباط وتحقق بدله‬
‫مبأ االنسجام بين الدوال والمدلوالت‪.‬‬
‫ج‪/‬األصوات المائعة ‪:‬‬

‫‪1‬المصدر مفسه ‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫‪2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪3‬كتاب سيبويه ‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون ‪ ،‬جزء ‪ ، 2‬ص ‪443‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫يقصد باألصوات المائعة الالم والميم والنون والراء ‪ ،‬وهي التي يسميها علماء العربية‬
‫‪1‬‬
‫باألصوات المتوسطة" ‪.‬‬
‫‪1/‬األصوات المكررة‪ :‬ويمثلها في العربية صوت الراء ‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫جزائر يا بدعة الفاطــر و يا روعة الصانع القــادر‬
‫‪3‬‬
‫أفي رؤية ااهلل فكرك حائر و تذهل عن وجهه في الجزائر‬
‫فتكرار الراء في البيت األول أربع مرات في الجزائر الجزائر‪ -‬الفاطر‪ -‬روعة ‪-‬‬
‫القادر مرتبط بمعجزة ااهلل في صنعه ‪ ،‬وتكرارها في البيت الثاني كذلك أربع مرات في‬
‫رؤية ‪ -‬فكرك ‪ -‬حائر ‪ -‬الجزائر متصل اتصاال و ثيقا بمعنى الحيرة في التفكير‬
‫والرؤية‪.‬‬
‫وقد يدل الراء بصفته الجوهرية ‪ -‬وهي التكرار على معنى التتابع والتوالي أنظر قوله‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫وعرق األصالة طهر طبيعي ونور الهداية أذهب رجسي‬
‫فترديد الراء في مثل هذا المثال أربع مرات وذلك عرق‪ -‬طهر‪ -‬نور ‪ -‬رجس‬
‫متصل بالحركة والتتابع واالنتقال المفاجئ من الحالـة االرتباك والقلق االستقرار واألمن‪.‬‬
‫‪2/‬الصوامت الجانبية‪ :‬ويمثلها في العربية صوت الالم ‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ويا لوحة في سجل الخلود تموج بها الصور الحالمات‬
‫اتصل الصامت المنحرف بمعنى االنحراف في البيت األول والذي يبـدو سخيا‪ ،‬غيـر أنه‬
‫معنوي ألن األلـواح المسجلة في التاريـخ الخالد ال نستطيع تصورها دون تقليب صفحات‬
‫عبر الذاكرة ومما أدى إلى تقوية هذا الزعم وجود أصوات العين فهي بأقصى ما وصلت‬

‫‪1‬مفدي زكريا االلياذة ‪ ،‬ص ‪63‬‬

‫‪2‬د‪ .‬كمال محمد بشير ‪ ،‬علم اللغة العام ‪ ،‬القسم الثاني ‪ ،‬االصوات ‪ ،‬ص ‪168‬‬

‫‪3‬مفدي زكريا ‪ ،‬االلياذة ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪4‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪5‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫إليه من تأثر بما جاورها حتى الغناء وإ لى عدها أصوات دالة على اإلنشادية فقد جسـدت‬
‫تجسيدا رائعا ظاهـرة تسجيـل العظماء على لوحات راقيـة بطريقة خفيـة عجيبة فانسجم‬
‫الصامت المنحرف مع المعاني‪ ،‬وغـدا هذا التكـرار ضـربا من التفنن العجيب‪ ،‬ألنه في هذا‬
‫لبيت " كمثل الموسيقى حين تتردد فيها أنغام بعينها في مواضيـع خاصة من اللحـن فيزيدها‬
‫‪1‬‬
‫هذا التردد جماال و حسنا " ‪.‬‬
‫‪3/‬األصوات األنفية‪ :‬وتمثلها في اللغة العربية الميم والنون وبيانها‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وإ ن خسفوا نجم هذا الشمال فالشعب حزب مضى مستمرا‬
‫جاء تكرار الميم خمس مرات والنـون ثالث مرات مرتبط بفعل الخسف واالستمرار‪.‬‬
‫األصوات السابقة وهي الراء والالم والميم والنون تشبه الحركات في أهم خاصة من‬
‫خواصها وهي"قوة الوضوح السمعي" ‪43 3،‬وقد أوضح البحث الصوتي بأن هذا النوع‬
‫كثير الشيوع ‪ ،‬وذلك من خالل استقرائنا بعض معاجم اللغة العربية والقرآن‪ ،‬أما فيما‬
‫يتعلق بالمعاجم وهي‪ :‬الصحاح‪ ،‬واللسان‪ ،‬التاج‪ ،‬فقد تبين أن الراء وردت بأعلى نسبة في‬
‫المعاجم الثالث ‪ ،‬ثم النون في اللسان والتاج ‪ ،‬ثم الميم في اللسان والتاج‪ ،‬أما النون فقد‬
‫وردت بأعلى نسبة في الصحاح وكان الالم آخرها وأما فيها يتعلق بالقرآن الكريم‪ ،‬فقد‬
‫تبين أن الالم وردت " ‪022 33‬مرة " والنون " ‪26525‬مرة ‪ "،‬والميم " ‪26135‬مرة ‪ "،‬و‬
‫الراء " ‪11793‬مرة" ‪44 .‬‬
‫أما استقراؤنا ‪ -‬اإللياذة ‪ -‬فقد أسفر عن النتائج اآلتية‪ :‬الالم ‪2994‬مرة ومع الالزمة "‬
‫‪3594 "،‬ثم النون " " ‪2006‬و مع الالزمة " ‪2606‬مرة " ‪ ،‬ثم الميم " ‪1884‬مرة " و مع‬
‫الالزمة " ‪2084‬مرة ‪ "،‬ثم الراء " ‪1613‬مرة " ومع الزاى " ‪2013‬مرة ‪".‬‬
‫ومن هنا يتضح لنا أن الدوافع الفنية للتكرار تكمن فيما يأتي‪:‬‬

‫‪1‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪27‬‬

‫‪2‬مفدي زكريا االلياذة ‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫‪3‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪1‬تحقيق النغمية والرمز األسلوب اإللياذة ‪ ،‬ففي النغمية هندسة الموسيقى التي تؤهل‬
‫العبارة وتغني المعنى‪.‬‬
‫‪2-‬بحث الشاعر عن صيانة المعادل اللغوي وذلك إلحساسه بتأزم نتيجة حياة المنفى‪.‬‬
‫‪3-‬توفير المرتكزات البنيانية لحصول القيمة اإلنشادية للقصيدة اإللياذية‪.‬‬
‫‪4-‬اجتماع دالالت التكرار على تمثيل الموقف الشعري الذي حاول الشاعر توضيحه من‬
‫خالل إلياذته‪.‬‬
‫‪5-‬ارتباط البنية التكرارية بالسمة الغنائية التي تنبني صدورها عن قناعات داخلية تتلون‬
‫في أنماط خاصة فهذا التكرار قد أقام البنية المعنوية والبصرية داخليا وخارجيا ‪ ،‬وهو في‬
‫ذلك يقترب من البنية العمودية في كونه يعطي رصانة شكلية لينة اإللياذة ‪ ،‬حيث أنه ورد‬
‫فيها موصوال بحال اإلنشاد والهجاء و الحماسة الخطابية والرثاء‪.‬‬
‫‪6-‬اختيار مفدي زكريا وانتقائه أللفاظ تحقق تكرارا في األصوات و المقاطع وفي‬
‫الوحدات‬
‫الصرفية ‪ ،‬والتراكيب النحوية‪.‬‬
‫‪7-‬خروج التجربة الفنية من لسان زكريا لتنطلق بقوى كامنة أقوى من انتباهه للتغير‬
‫واالنتخاب لكل هذه األنواع‪ ،‬وال أحسب مفدي زكريا إال مدفوعا بهذه القوة حين سجل‬
‫إلياذته التي أدخلت أنماط التكرار‪ ،‬وهو ذا يكون قد جمع في شعره هذا‪ ،‬بين الموسيقى‬
‫الخارجية والداخلية‪.‬‬
‫‪ -4-‬قراءة داللية إللياذة الجزائر‬

‫‪ -4-1‬فضاء اإللياذة‪:‬‬

‫ملحمة مفدي زكرياء "الياذة الجزائر" هي محاولة إلعادة كتابة تاريخ الجزائر‪ ،‬والتركيز‬

‫على أهم المحطات التاريخية قصد إجالء أهم داللتها ومن هنا فإن أهم بطل فيها ليس إالها‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫وثنيا أو بطال خرافيا أو أسطوريا جاء ليلخصها من كل محنة وجدت فيها ولكنها عبقرية‬

‫الشعب الجزائري ودأبه على وضع تاريخه بنفسه‪ .‬وهذا ال ينفي طبعا الرجال التاريخيين‬
‫‪1‬‬
‫الذين صنعوا هذا التاريخ‬

‫أما زمن إلياذة الجزائر فإنه يمتد من فجر التاريخ البشري إلى نهاية سبعينات هذا القرن‬

‫وفضائها أيضا الرقعة الجغرافية " الجزائر " التي شهدت هذه األحداث‪ .‬والفضاء بهذا‬

‫المفهوم ليس زمنا مطلقا أي معلقا في الفراغ‪ .‬ولكنه سلسلة التحوالت الناجمة عن مجموع‬

‫األعمال التي قام بها أبطال هذا الشعب ومساهمتهم في العطاء الحضاري‪ .‬وقد حدد مولود‬

‫قاسم " اإللياذة " بقوله‪ ":‬فهي أي " إلياذة الجزائر " أجمل و أكمل صياغة لتاريخها بآالمها‬
‫"‪2‬‬
‫و آمالها‪ ،‬بانتكاساتها و انتصاراتها كما هي وظيفة التاريخ ألي امة من األمم‬

‫‪ -4-2‬بنية االلياذة‪:‬‬

‫االلياذة تتكون من مائة مقطع يتكون كل مقطع من عشرة ابيات ‪ ،‬عدا المقطع الثالث و‬

‫التسعون الذي يتكون من احد عشر بيتا‪ ،‬و البيت الحادي عشر يعتبر بمثابة سجدة السهو‬

‫ليعبر عن قداسة ملتقى الفكر االسالمي الذي انعقد بالجزائر العاصمة و الذي يعتبر‬

‫المحرك لكتابة االلياذة و بذلك تبلغ االلياذة الف بيت و بيت‪ ،‬و هذا الرقم في حد ذاته له‬

‫داللة تراثية تعبر عن انتهاء حضاري و ثقافي معين‪.‬‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية‪ ،‬طبع على نفقة وزارة المجاهدين‪ ،‬مؤسسة مفدي‬
‫زكرياء بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪2‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪79‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪-4-3‬الحقول الداللية لإللياذة‪:‬‬

‫إن ما يشد االنتباه الى الياذة الجزائر هو المادة التاريخية الطاغية على بنيتها فهي ظاهريا‬

‫بنية تاريخية ‪،‬و نص االلياذة بناء ملحمي محكم يبين لنا وعي مفدي زكريا يالعمل الذي‬

‫أنجزه و صلته بالملحمة أكثر من أي جني شعري أخر وإ لياذة ترصد مجموعة من‬

‫االحداث تمتد على مساحة زمنية اوسع تبدأ من فجر التاريخ إلى يومنا هذا و تضيء‬

‫اللحظات الحاسمة في حياة األمة الجزائرية ‪.‬‬

‫وهي بهذا المفهوم تعتبر ملحمة‪ ،‬والرؤيا الداخلية لإللياذة تفصح عن عالقة االلياذة‬

‫بالملحمة من الناحية الشكلية و البنيوية في أكثر من موضع و محافظة الشاعر على‬

‫خصوصية بناء الملحمة و ذلك بوعي كبير‪.‬‬

‫فالملحمة غالبا ما تبذأ بمقدمة و هو عبارة على أبيات و سرد المجموعة من األوصاف‬

‫المتعلقة باألبطال لذين سيقومون برحلة الكشف و المغامرة‪ -‬وقد حافظت اإللياذة على هذا‬

‫المقباس و ذلك في المقاطع األربة األولى‪ ، -‬حيث يقدم مفدي زكريا بطله الذي هو‬

‫الجزائر بكل ما يليق بهذا البطل من سمات التقدير و شارات االجالل‪ -‬حيث يقول‬

‫الشاعر‪:‬‬

‫و يا حجـة اهلل فـي الكائنات‬ ‫جزائـريا مطلـع المعـجزات‬

‫و ياوجهه الضاحـك القسمـات‬ ‫يابسمة الـرب فـي أرضــه‬

‫و تلـهمها القيـم الخالـدات‬ ‫و ياللبـطوالت تغـزو الدنـا‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪1‬‬
‫فا هوى عـلى قدميها الطغاة‬ ‫و اهوى عـلى قدمـيها الزمان‬

‫و يقول في مقطع أخر‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫وفي شعبهـا الهـادئ الثائـر‬ ‫و ياثورة حـار فيـها الزمـان‬

‫ويقول‪:‬‬

‫و يا من أشعت الضياء بدربي‬ ‫ويا من سكبت الجمال بروحـي‬

‫و منك استمك الصباح المنى‬ ‫جزائر انـت عـروس الـدنا‬

‫األسطورة المعجزة‪:‬‬

‫ال شك أن "إلياذة الجزائر" بصفتها عمال شعريا يتكئ على التاريخ‪ ،‬فإنها ال يمكن لها أن‬

‫تتخذ من األسطورة بمفهومها الفج عنصرا من عناصر بنائها‪،‬و ما دام األمر كذلك فإن‬

‫األسطورة بمفهومها القديم فإنها تصير عند مفدي زكريا مقاربة لمفهوم المعجزة الذي‬

‫هو مفهوم ديني و نلمس ذلك في سياقات عديدة من نص اإللياذة‪ ،‬و المعجزة واإلعجاز‬

‫بمفهوميهما الديني هي تجاوز كل ما هو سائد و يتجاوز القدرة البشرية‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد عيسى و موسى ‪ ،‬كلمات مفدي زكريا في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪80‬‬

‫‪ 2‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪81‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫إن الشاعر استعمل ألفاظ و تراكيب التي تدل على حدوث المعجزة بلغة دينية و ألفاظ‬

‫مأخوذة من القاموس الديني‪ ،‬و أول سياق وردت فيه "المعجزة" بمفهومها االنقالبي أي‬

‫حدوث شيء مخالف للمألوف هو البيت األول من المقطع األول إذ يقول‪:‬‬

‫و يا حجة اهلل في الكائن ــات‬ ‫جزائر يا مطلع المعجـزات‬

‫‪1‬‬
‫و يا وجهة الضاحك القسمات‬ ‫و يا بسمة الرب في أرضه‬

‫و السياق الذي وردت فيه كلمة معجزة هو مطلع اإللياذة و ذلك للتبشير بهذا العمل‬

‫االنقالبي‪ ،‬و دعم هذه المكانة بتأكيده على هذا الفعل في بداية اإللياذة‪ ،‬و هي بذلك تعتبر‬

‫مطلعا على مستوى الفعل و مطلعا على مستوى البناء‪ ،‬و في تقديمه في هذه الصفة و‬

‫تأكيده على أهمية هذه الكلمة حسب المقاييس البالغية " وقيامنا بتبديل مواقع "الجزائر" و‬

‫"معجزات" تصبح الجزائر هي المنجزات و المعجزات و يصير المعنى الرياضي معادلة‬

‫متساوية الطرفين"‬

‫و المعجزة هنا فعل انقالبي "فعل عظيم" كان في مستوى ما قدمه الشعب الجزائري‬

‫فالمعجزة التي حققتها الجزائر متمثلة في كسر شوكة أعنف استعمار‪.‬‬

‫الّتناّص وهوية اإللياذة‪:‬‬

‫إن أية قراءة لإللياذة‪ -‬مهما كان المستوى الذي تتحرك فيه‪ -‬فإنها ستمر حتمًا عن طريق‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫كثافة الرموز وتنوعها‪ ،‬وخاصة المتعلق منها بتاريخ الجزائر وحضارتها في الدرجة‬

‫األولى ثم التراث العربي اإلسالمي فالتراث اإلنساني‪ .‬وتوظيف التراث بهذه الصيغة تأكيد‬
‫‪1‬‬
‫على الهوية وإ صرار على االنتماء‪.‬‬

‫وتتشكل بنية اإللياذة وفق سلسلة من التحوالت التي تحدثها هذه الرموز وُتبنى حسب ثقافة‬

‫هذا الرمز وطرائق استعماله‪ ،‬ونجد الّتناّص الذي هو عبارة عن حوار بين النصوص‬

‫وتداخل فيما بينها‪ ،‬قصد إعطاء بنية نصية جديدة في شكل إحاالت إلى رموز ثقافية أو‬

‫تاريخية يفترض في قارئ "اإللياذة" معرفة الفضاء الثقافي الذي تشغله داخل الحيز‬

‫الحضاري الذي أوجدها‪ :‬كإعطاء بعض عناوين الكتب أو األسماء التي لها حضور في‬

‫ثقافتنا‪ ،‬وهذه اإلحاالت ال تشكل حوارًا حقيقيًا بين النصوص بقدر ما ترمز إلى ثقافة‬
‫‪2‬‬
‫الشاعر وتساعد على حصر مصادر ثقافته وتحديدها‪.‬‬

‫أما النوع الثاني من أنواع الّتناّص فهو توظيف نصوص أو أجزاء من نصوص داخل‬

‫فضاء اإللياذة‪ ،‬وتحديد وظيفتها يتوقف على السياق الذي وردت فيه وغالبًا ما يكون لتشابه‬

‫الموقفين أو تماثلهما أو إعادة إنتاج نفس الموقف‪.‬‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪91‬‬

‫‪ 2‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪91‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫نجد النوع األول من الرموز الثقافية متوزعًا على كافة أجزاء اإللياذة وهذه الرموز في‬

‫مجموعها تشكل البنية الثقافية وتساعد على تحديد العالقات الثقافية‪ ،‬بين األشخاص في‬
‫‪1‬‬
‫سياق حضاري معين‪.‬‬

‫من هذه الرموز‪" :‬المثل السائر" ص‪ 20‬فهو ظاهريًا عنوان كتاب البن األثير ولكن‬

‫المتأمل للبيت الذي ورد فيه يالحظ أنه يشبه النكتة البالغية ألن "المثل السائر" يعني‬

‫االنضواء تحت راية المألوف والمتعارف عليه‪ ،‬ولكن الفعل الذي سبق هذا الرمز وهو‬

‫"يجل" أي يسمو ويرتفع ينقل المعنى إلى الطرف المناقض حيث تصير بدعة وروعة إلى‬

‫غير ذلك من أوصاف اإلعجاب‪ ،‬وتطغى على المقطع صيغة النداء يا التي تكررت في‬

‫هذا المقطع عشر مرات وهذا للداللة على تأجج العاطفة والتلذذ بهذا النداء ويعني اإلصغاء‬

‫لصوت الجزائر‪ ،‬وهذه الظاهرة نجد لها مقابًال في ص‪ 22‬إذ يتوجه الشاعر مباشرة‬
‫‪2‬‬
‫للجزائر ويخاطبها بضمير أنت التي يكررها ست مرات‪.‬‬

‫المتنبي الشاعر العربي ورد ذكره في سياق الحديث عن اإللياذة التي نظمها الشاعر ص‬

‫‪ 21‬وقد ورد في سياق شعري محض‪ ،‬وقد اتخذ منه الشاعر حجة ودليًال على عروبته‬

‫وفحولته‪ ،‬والمقطع الشعري الذي يقول‪" :‬فآمن بي وبها المتنبي" دليل على أن المتنبي حجة‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪91‬‬

‫‪ 2‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪91‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫في الشعر وإ يمانه بمفدي زكرياء‪ .‬هو دليل فحولة هذا األخير وشهادة اعتراف ألن شعره‬

‫"صريح الرجولة‪ ،‬فحل" ص‪. 116‬‬

‫وقد ذكر الشاعر عدة عناوين لكتب في مواضيع مختلفة من اإللياذة مثل قدس اللهيب ص‬

‫‪ 115‬الذي هو عنوان ديوان الشاعر "اللهب المقدس"‪ ،‬ويمكن هنا استشفاف لغة المقدس‬

‫التي تنّم عن إيمانه بوطنه وقضاياه‪ ،‬وهناك إشارة إلى مدّو نة ابن ترمرت "أعز ما يطلب"‪،‬‬

‫وقد عبر عنها بأعز المطالب ص‪. 50‬‬

‫وقد آخى القديسين أوغسطيس وأبولوس بمساحة شعرية هامة تقديرًا للجهود التي قاما بها‬

‫في المجال الثقافي وتخليدهما لمآثر الجزائر‪:‬‬

‫وهذا أعستنس باالعترافات‪ :‬حَّير ‪-‬عبر الزمان‪ -‬الفهوما‬

‫وأسقف "بونه" أصبح قد‪ :‬يس قرطاج مذ بث فيها العلوما‬

‫وكان أعستنس فخر البالد‪ :‬وكان بها الفيلسوف العظيما‬

‫و"االعترافات" التي يشير إليها هي عنوان أهم كتب القديس أوغسطيس والتي ترجمت من‬

‫الالتينية إلى اللغات األوروبية‪.‬‬

‫كما خص مساحة ألبولوس الذي كان طبيبًا يدين له العلم بالعبقرية كما أدى واجب‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫االعتراف لكل من ابن خلدون وابن باديس وكل الرموز الثقافية التي بتراكمها وإ ضافاتها‬

‫صنعت هوية الجزائر الثقافية والتاريخية المتميزة‪- ،‬وتوظيف هذه الرموز الثقافية بكل‬

‫ثقلها وما تحمله من شحنة حضارية هو داللة على االعتزاز باالنتماء لهذه الرموز‪.‬‬

‫من جهة ثانية حاول الشاعر أن يجعل من نفسه رمزًا ثقافيًا يشكل مع مجموعة الرموز‬

‫األخرى الفضاء الحضاري الذي تكونت فيه الهوية الحضارية الجزائرية‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫فخلد قدس اللهيب بياني‬

‫وأذكى لهيب الجزائر فكري‬

‫هنا يتمفصل الرمز الثقافي على مستويين‪:‬‬

‫المستوى األول‪ :‬هو اإلحالة إلى ديوان الشاعر الموسوم "اللهب المقدس" أي أن الديوان‬

‫يعتبر إنتاجًا ثقافيًا ورمزًا من رموز الهوية الجزائرية ألنه يؤرخ لفترة محددة من تاريخ‬

‫هذا الشعب‪ ،‬والمستوى الثاني هو شكل هذا الرمز‪ ،‬فهو ليس رمزًا تشكيليًا‪ ،‬أي بالستيكيًا‪،‬‬

‫أو أي شكل آخر من أشكال التعبير‪ 1‬ولكنه تعبير أدبي بياني لغوي‪ ،‬وقد أسبق الشاعر‬

‫هذين العنصرين‪ /‬الرمز اللهب المقدس وطبيعة بياني بفعل الخلود وهذا ليصير إيمان‬

‫الشاعر بقدرته اإلبداعية ومعانقته والتصاقه باألفق الثقافي‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يعطي اإللياذة هويتها العربية اإلسالمية ويجعلها مغايرة للمالحم اإلغريقية‪،‬‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪92‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫والفارسية والالتينية هو اإلكثار من التضمين وخاصة من القرآن الكريم والشعر العربي‬


‫‪1‬‬
‫وهكذا ليؤكد بإصرار على انتمائه‪ ،‬ونصادف ذلك في عدة مواضع من اإللياذة‪:‬‬

‫وسبح هلل ما في السما‪ :‬وات واألرض‪ ،‬ملء شغائف شفا‬

‫كأنك تصغي بها للخليل‪:‬وموسى الكليم‪ ،‬يرتل صحفا‬

‫هذا االقتباس القرآني تجعل من شفا وهو جبل من جبال وسط الجزائر محط إعجاب‬

‫وإ ثارة للخشوع إذ لم يجد الشاعر طريقة يصف بها هذا الموقع غير التسبيح بحمد اهلل‬

‫وذكر عجائب مخلوقاته‪ ،‬هذا االقتباس األول نصي‪ ،‬أي أخذ النص القرآني كما هو دون‬

‫تحريف‪ ،‬أما االقتباس الثاني فهو مضمر ويفيد المضمون دون الحفاظ على ترتيب‬

‫عناصره اللغوية أو إيرادها كما هي وهو ما نصادفه في البيت الثاني حيث يترجم قوله‬

‫تعالى‪:‬‬

‫"إن هذا لفي الصحف األولى‪ ،‬صحف إبراهيم وموسى"‪ 2‬ووظيفته هنا تشبيه جبال الشفا‬

‫بالصحف التي يمكن أن يقرأ فيها كل متمعن آيات الجمال والجالل‪:‬‬

‫وأخرجت األرض أثقالها‪ :‬فطار بها العلم ‪--‬فوق الخيال‬

‫توفر للشعب أقداره‪:‬وتكفي الجزائر ‪ --‬ذل السؤال‬

‫أول هذين البيتين هو "وأخرجت األرض أثقالها" وقد جاء في البيت الشعري مخالفًا لداللته‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪92‬‬

‫‪ 2‬سورة االعلى االية ‪18‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫في السياق القرآني التي تشير إلى هول الساعة حين تزلزل األرض زلزالها وتخرج‬

‫األرض ما بباطنها‪ ،‬فإنها في السياق الشعري تدل على البعث االقتصادي حيث أخرجت‬

‫األرض الجزائرية كنوزها من محروقات ومعادن‪ ،‬والتقابل هنا بين الموقفين جلي‪ ،‬ألن‬

‫الزلزلة التي أحدثتها إرادة الشعب الجزائري تمثلت في إزاحة أكبر قوة استعمارية وبعث‬

‫أمجاد عريقة‪.‬‬

‫والقرينة النصية التي تدل على هذا البعث االقتصادي والرفاهية هي ما يصرح به الشطر‬

‫األخير للبيت الثاني حيث يقول ذلك مباشرة دون استعمال أية حيلة لغوية أو بالغية عندما‬

‫يقول‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫"ويكفي الجزائر‪ ...‬ذل السؤال"‪.‬‬

‫ولتصوير عنف هذه الزلزلة استعمل الشاعر تعبيرًا قرآنيًا "كأعجاز نخل" لداللة على خور‬

‫عزيمة غالة المستدمرين الذين تهاوت إرادتهم كأعجاز نخل نخر جذورها الزمن وتوالي‬

‫األيام‪ ،‬يقول مفدي‪:‬‬

‫ورجت حواجزهم بالفال‪:‬ة‪ ،‬غريق يشد بذيل غريقه‬

‫ومن خائرين كأعجاز نخل‪:‬ضمائرهم في المزاد رقيقه‬

‫ولتصوير إرادة الشعب الجزائري في زلزلة الكيان االستدماري فإن الشاعر وظف إحدى‬

‫المواقف البطولية ألحد رموز المقاومة الشعبية وهو الشيخ الحداد الذي أعلن في السوق‬

‫عقب صالة الجمعة حين قال‪" :‬سنرمي الفرنسيين إلى البحر كما رميت هذه العصا إلى‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪93‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫األرض" ص‪ ،59‬هامش اإللياذة ‪ ،‬يترجم مفدي زكرياء هذه الفكرة شعريًا ويقول‪:‬‬

‫وحداد في السوق ألقى عصا‪ :‬وأعلنها في الذرى والبطاح‬

‫كمثل عصاي‪ ..‬ألقي الفرنسيين في البحر‪ ،‬أركلهم بالرماح‬

‫التناص في هذين البيتين يأخذ كل أبعاده النظرية والعملية ويأتي البيتان كمفصل شعري‬

‫يربط بين سياقين‪ :‬السياق القرآني والسياق التاريخي ووظيفته هنا هي فتح الحوار بين‬

‫السياقين ‪1‬وإ عادة إنتاج نفس الحالة هي حالة التحدي‪.‬‬

‫ففي السياق الديني نرى أن موسى عليه السالم قد تحدى سحرة قومه بأن ألقى عصاه فإذا‬

‫هي حية تسعى‪ ،‬أي التحدي بوسيلة بسيطة وفي السياق التاريخي نجد نفس الموقف‬

‫التحدي والتمثيل بنفس األداة‪ ،‬وهو تحد لآلليات العسكرية المتطورة‪ ،‬ما يجمع أطراف‬

‫النصين القرآني والتاريخي هو التحدي‪ ،‬أي الوضع أو الموقف‪ ،‬بأسلحة غير متكافئة‬

‫ولكن اإلرادة واإليمان بالرسالة التاريخية هو الذي فرض هذا التحدي‪ ،‬والشيء الثاني‬

‫الذي يجمع هذه األطراف هو األداة‪ ،‬أي العصا في الموقفين الديني والتاريخي‪ ،‬إن وظيفة‬

‫هذين البيتين هي محاورة السياقين وإ نتاج سياق شعري جديد يجمع بين السياق الديني‬

‫والسياق التاريخي ولهذا ضمن الحضارة العربية اإلسالمية ويعبران عن الهوية الحضارية‬

‫للشاعر وإللياذته‪.‬‬

‫إلى جانب استعمال مفدي للرموز الثقافية كمولدات للمعنى واالقتباس من القرآن الكريم‬

‫لربط الجزائر بأصولها العقيدية‪ ،‬فإن الشاعر يستعمل شكًال آخر من أشكال التناص وهو‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪93‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫استعمال بعض الصور أو المواقف الشعرية التي أخذها من شعراء آخرين وهذا لربط‬

‫نص اإللياذة بمجموع الموروث الشعري العربي وأهم روائعه‪ ،‬ويظهر من خالل قراءة‬

‫النص ارتباط الشاعر بالنصوص الشعرية القديمة وهي أكثر من أن تحصى‪.‬‬

‫وبعد أن تعرض الشاعر إلى اآلباء واألجداد واألبطال التاريخيين للجزائر مستعمًال أسلوب‬

‫النشر‪ ،‬فإنه يجمل‪ -‬باستعمال أسلوب الطي‪ -‬عندما يطلق صرخة االعتزاز واالفتخار‬

‫باالنتماء لهؤالء األبطال والمؤسسين الحضاريين حيث يقول‪:‬‬

‫أولئك آباؤنا منذ عيسى‪ :‬وكان محمد صهرًا لعيسى‬

‫ولم نك ننكر آباءنا‪ :‬أكانوا نصارى أم كانوا مجوسا‬

‫المميزات الفنية لملحمة مفدي زكرياء‪:‬‬

‫االبتعاد عن االساطير و الخرافات‬ ‫‪-1‬‬

‫توظيف التاريخ توظيفا بعيدا عن التزييف معتمدا على ما شهده و عاشه في سجون‬ ‫‪-2‬‬

‫فرنسا و معتقالتها و بهذا يكون مفدي زكريا قد اعطى بعدا فنيا لواقعبة الملحمة‪.‬‬

‫فهو يبتعد كل االبتعاذد عن أجواء الكهنوت و طقوس المعابد الوثنية و قضايا‬


‫‪1‬‬
‫السحر و كل ما يمت بصلة الى الغيبيات‪.‬‬

‫‪ 1‬عيسى و موسى‪ ،‬كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية ‪ ،‬ص ‪109‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫النفس الشعري الطويل و هنا يذكر المؤلف" ان الشعر ديوان أمة ال ديوان لها‬ ‫‪-3‬‬

‫غيره‪ .‬أما النفس الشعري‪ ،‬فسجية امتنعت عن الكثير من الشعراء‪ ،‬بل وحتى بعض‬
‫‪2‬‬
‫الفحول‪".‬‬

‫حسن اختيار الصورة الفنية و حسن اختيار اللفظ الدال على الهدف السيمياني‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫حسن اختيار الشاعر للتقسيم المنهجي و تنوع القوافي‪،‬أحرف الروي و استبدال‬ ‫‪-5‬‬

‫المشاهد و اختالف المواقف و تبدل االنسجام اللغوي من الرقة الى العنف‪.‬‬

‫تصنيع مفدي زكريا الصورة اإلضافية ليمأل الفراغ و يذكر أن هذا التصنع لم يكن‬ ‫‪-6‬‬

‫ممقوتا و ال جافا وال ناقصا‪.‬‬

‫يتوارد مع بعض المالحم نتيجة اطالعه على ملحمتي هوهيرست و على الياذة‬ ‫‪-7‬‬

‫فرجيل‪.‬‬

‫ظاهرة التكرار و التقليد و هذا نتيجة اتصاله بالشعر العربي و لكن تقليده لم يكن‬ ‫‪-8‬‬

‫تقليدا بليدا‪.‬‬

‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪109‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني ‪................................................... :‬دراسة فنية في إلياذة الجزائر‬

‫‪58‬‬

You might also like