Professional Documents
Culture Documents
إلى القرآن سورة غافر
إلى القرآن سورة غافر
إلى القرآن سورة غافر
سورة غافر
الربع الثالث:
اآليات من 46إلى نهاية اآلية 65من سورة غافر:
ه�ذا ه�و الرب�ع الثالث من س�ورة غاف�ر ،وقد بدأه�ا الله
بجمل�ة من صفاته ،ذات الجالل والجم�ال ،وكان في مقدمة
تلك الصفات صفة المغفرة التي يفتح بها للضالين المكذبين
سميت باب الرجوع إليه( :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ )؛ ولهذا البدء ُ
أيضا بس�ورة المؤمن؛ ألنها انفردت فضيلة الشيخ محمود شلتوت(*)
بس�ورة غافر ،وتس�مى ً
وهي تُذ ِّكر بموقف المبطلين من قوم موسى -عليه السالم -
بذكر نصيحة مؤمن من آل فرعون ،قيَّضه الله للحق الذي يدعو إليه موس�ى من بيئة
الكفر والعناد ،وأخذ يلقي عليهم مواعظه التي من شأنها أن تستل من قلوبهم محاربة
الحق ،واالس�تكبار عن قبوله حذرهم تنفيذ ما عزموا عليه من قتل موس�ى ،وأنذرهم
عاقبة استمرارهم في الطغيان ،وضرب لهم في ذلك األمثال بمصائر المكذبين قبلهم.
وكان آخ�ر نداء وجهه إليه�م إنكاره عليهم كما خوفهم عذاب اآلخرة الذي سينالهم يوم
-بع�د أن تبين له الحق ودعاه�م إلى النجاة- الجزاء الذي ال عاصم فيه من أمر الله ،ودعاهم
أن يدع�وه إلى ترك ذلك الح�ق ،وأن يدخل في إلى اتِّباع الحق ،وتلبية الهدى والرش�اد ،وأنكر
باطلهم: عليه�م تعلقهم بالدني�ا الزائلة ،وبيَّ�ن لهم أن
ﱹﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ العاقل يجب أن يربط نفس�ه بالباقي الدائم ،ال
ﭘﭙﭚﱸ بالمتاع الفاني:
(غافر)41 : ﱹﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ويشرح لهم ذلك بقوله: (غافر)39 : ﯡﯢﯣﯤﱸ
(*) �شيخ الأزهر الأ�سبق.
ﱹﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱹﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﮙﮚﮛﮜﱸ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﱸ
(غافر)42 :
ﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ وأخي ًرا ،وبعد أن يب�ذل في نصحهم أقصى
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ الجه�د البش�ري ،أعلنه�م بكلم�ة الواث�ق من
ﭵﭶﭷﭸﱸ. عقيدته ،الحري�ص على خير أمت�ه ،المضحي
(األعراف)165 : بنفسه في سبيل الحق الذي يدعو إليه:
ثم تنتقل اآليات بعد ذلك ،وتصور للمبطلين ﱹﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
موقف أتباعهم من متبوعيهم وتبرؤ المتبوعين ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﱸ
م�ن التابعين ،كم�ا تصور التج�اء الجميع إلى (غافر)44 :
جن�ود العذاب« :خزنة جهنم» يلتمس�ون منهم وكان�ت عاقبت�ه أن حفظ�ه الل�ه ورع�اه،
دعوة الله إلى تخفيفه ،فال يكون الجواب سوى وعاقبتهم أن نزل بهم الكيد والبالء:
تسجيل الخزي والعذاب عليهم ،وتبكيتهم على ﱹﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
إنكار الحق بعد أن قامت عليهم حججه ودالئله: ﮙﮚﮛﮜﱸ
ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ (غافر)45 :
ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ العبرة من القصة:
ﭠﭡﭢﭣﱸ وعبرتنا من هذه القص�ة أمران :أحدهما أن
(غافر)50 : الحق مهم�ا تكتل على إخفائ�ه ورفضه أعوان
ثم تضمن اآليات لدعاة الحق النصر والتأييد الباطل ،ال بد أن يقيض الله له من بيئة المبطلين
وتأمره�م بالت�زام الصبر والتمس�ك بحبل الله أنفس�هم م�ن يؤمن به ،ويغ�ار عليه ،ويضحي
في س�بيل الدعوة إليه ،وتؤكد لهم أ َّن معارضة بنفسه وراحته في سبيله حتى يظهره الله.
وهكذا كان حق محمد ،وباطل المش�ركين،
المبطلين لم تكن ناش�ئة عن برهان ،وإنما هي
وهكذا ش�أن كل دعوة إلى الحق أمام المبطلين
أثر لكبر مأل قلوبهم ،وستضمحل قوتهم ببركة
في كل عصر ،وفي كل زمان.
االعتصام بالله:
ثانيهم�ا :أن على من تبين له الحق وآمن به
ﱹﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ أن يبذل غاية وس�عه في دعوة قومه إليه ،حتى
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ إذا أي�س منهم وأيق�ن أن ال فائ�دة من دعوته
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ إياهم اعتزلهم وم�ا يعبدون من باطل ،وعندئذ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ يتولى الله أمرهم ،ويوقع بهم شديد العقاب:
ثم تأخذ في التذكير بنعم الله فيما خلق لهم الذي�ن ينكرون حق�ه الذي يغار علي�ه ،والذي
من أنعام ينتفعون بألبانها ونس�لها وفيما هيأ أرسل به رسله ،وأنزل به كتبه؟
لهم من سنن تحملهم وتحمل أمتعتهم إلى آفاق إن حج�ج الح�ق ق�د طوقته�م ،وأخ�ذت
غير آفاقهم ،ثم توقظ فيهم ضمير الحق: عليهم جميع المس�الك ،ولم تجعل لهم س�وى
ﱹﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﱸ مس�لك واحد س�يعلمونه حينما توضع األغالل
(غافر)81 : والسالس�ل في أعناقهم ويسحبون في الحميم،
ثم تذكر اآليات بسنة الله مع أسالفهم الذين ثم في النار يس�جرون ،ث�م يقال لهم :إن ذلكم
أنكروا الحق ،وكانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثا ًرا الذي أنتم فيه
ف�ي األرض ،فما أغنى عنهم م�ا كانوا عليه من ﱹﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ق�وة ،وما كانوا فيه من كث�رة ،بل حاق بهم ما ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
كانوا به يستهزئون: ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﱸ
ﱹﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ (غافر)76 ،75 :
ﯻﯼﯽﱸ وبع�د أن تص�ور اآليات مصي�ر المجادلين
(غافر)85 : بالباطل هذا التصوي�ر الذي ينزع من الصدور
وإذا كانت عوامل الفس�اد ،وعناصر الش�ر، قلوبها ،تعود فتأمر أهل الحق بالصبر والثبات:
ومظاه�ر الطغيان ،وس�نة الله الت�ي يأخذ بها ﱹﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﱸ
الطغ�اة؛ واحدة في كل العصور ،فليحذر هؤالء (غافر)77 :
الطغاة؛ الذين يس�خرون ما أنعم الله به عليهم وتؤكد لهم أن مرد المعاندين إلى الله س�واء
م�ن علم وق�وة ومخترعات في اس�تعباد خلق عجل لهم العذاب أم أخره:
الله واس�تعمار أوطانهم ،فليحذروا غضبة الله ﱹﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
للحق ،وغيرته على عباده ،فتلك سنته ،ولن تجد ﰄﰅﱸ
لسنته تبديلاً . (غافر)77 :
*** ث�م تلفت األنظ�ار إلى أن ش�أن دعاة الحق
سورة فصلت مع المعارضين هو ش�أن المرسلين السابقين:
الربع األول: أوذوا في سبيل الله وصبروا:
اآلي�ات من 1إلى نهاية اآلية 24من س�ورة ﱹﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ
فصلت: ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
سورة فصلت ،وتُعرف بسورة السجدة ،هي (غافر)78 : ﭲﱸ
389 ربيع األول 1443هـ -أكتوبر /نوفمبر 2021م
ونفوس أصحابه المجاهدين.
ِ لنفسه الس�ورة الثانية من س�ور س�بع بدأت بحرفي
عناد: «ح�م» ،وعرفت لذلك في القرآن الكريم باس�م
وض ْ
حت كثي ًرا وها هي ذي سورة فصلت ،قد َّ الحواميم ،وقد نزلت مرتب�ة متتالية ،ووضعت
م�ن مواقفهم أمام الح�ق الذي يدعوه�م إليه، في المصح�ف كما نزلت ،وه�ي كلها تؤكد أن
فصلته تصوي�ر إعراضهم وكان م�ن أبرز م�ا َّ الق�رآن تنزيل من الل�ه الجامع لصفات الجالل
عنه ،وشدة نفورهم منه بقولهم: والجمال ،من العزة والحكمة والعلم والرحمة:
ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱹﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱸ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ (غافر)2 :
ﭸﱸ ﱹﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱸ
(فصلت)5 : (فصلت)2 :
يصفون أنفس�هم ب�أن قلوبهم ف�ي أغطية ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ
محكمة فال ينفذ إليها ش�عاع من الدعوة ،وبأن (الزمر)1 :
آذانه�م فيه�ا وق�ر وثق�ل ،فهي ال تحم�ل إلى القرآن وحي الله إلى رسوله:
قلوبه�م صوتً�ا من الح�ق ،وبأن بينه�م وبين ومعن�ى ه�ذا أن الق�رآن ليس ـ كم�ا يزعم
الداعي ـ محمد عليه السالم ـ حجابًا مانعًا من المبطلون ـ من س�حر الكهان ،وال من أساطير
التفاهم وتبادل الرأي. األولين ،وال م�ن مفتريات محمد ،وال من تعليم
طمَسُ �واوالمعن�ى ف�ي ذل�ك كل�ه أنه�م َ بشر ،وإنما هو وحي من الله أنزله على رسوله،
استعدادهم ،و َ
طمَسُ وا على أنفسهم سُ بُ َل الحق، يق�رر به أصول دين�ه من اإليم�ان بوحدانيته،
وتصوير إعراضه�م بهذا النح�و يُطابق تمامًا واإليمان بالوحي والرس�الة ،واإليم�ان بالبعث
تصويره بقوله تعالى: لفتت جميعها في س�بيل ذلك إلى ْ والجزاء ،وقد
ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ آثار الله ونعمه ف�ي األنفس واآلفاق الدالة على
ﭥﭦﱸ قدرته النافذة ،وعلمه المحيط ،وحكمته البالغة،
(البقرة)7 : كما أن�ذرت ورغبت أنذرت بالع�ذاب الذي حل
وإن اختل�ف القصد واله�دف ،فالقصد في باألم�م التي كذبت رس�لها ،وبالعذاب الذي أعد
آي�ة الختم بأنهم بأهوائه�م أعرضوا عن الحق، لهم يوم البعث والجزاء ،ورغبت بالحياة الطيبة
وزي�ن لهم الش�يطان ذلك اإلع�راض حتى ران ف�ي الدنيا ،وبالنعيم الدائم ف�ي اآلخرة ،وكثي ًرا
عل�ى قلوبهم م�ا كانوا يكس�بون ،والقصد في ما تضمنت تحليل نفس�ية المكذبين ،وصورت
آية األ ِكنَّة ،أنهم يحقرون شأن الدعوة ويعلنون إعراضهم ،وجنايتهم على اس�تعدادهم لسماع
أنها ليست مما يس�تحق أن تفتح له القلوب أو الح�ق والحكم�ة؛ تس�لية للنب�ي ﷺ ،وتهدئ ًة
ربيع األول 1443هـ -أكتوبر /نوفمبر 2021م
390
إلى القرآن ..سورة غافر
وتأخذ اآليات في بيان ما كان لهؤالء من قوة تس�مع له اآلذان ،لو ترفع بينهم وبين صاحبها
واس�تكبار في األرض ،وم�ع ذلك لم تغن عنهم الحوائل.
قوتهم وال استكبارهم ،بل أخذهم الله بالعذاب أوامر الله لنبيه:
الهون: أم�ام ه�ذا التصوي�ر ،ال�ذي يص�ورون به
ﱹﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱸ إعراضه�م عن الدعوة ،يأمر الل�ه نبيه أن يقرر
(فصلت)18 : لهم أولاً مهمته ،وأنه ليس إال بش� ًرا يُوحَى إليه،
وتأمره ثالثًا: فيُبشرهم إن آمنوا ،وينذرهم إن أعرضوا ،وليس
عليه شيء من تبعة إعراضهم وتكذيبهم:
بعد ه�ذه ال َمثُلاث الخالي�ة أن يُنذرهم بما
يصيرون إلي�ه يوم القيامة ،يوم يش�هد عليهم ﱹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
يوم ينكرون على جوارحهم ـ التي استخدموها ﮊﱸ
في الشر والفساد ـ أن تشهد عليهم بما أفسدوا (فصلت)6 :
فتُقِ ُّر لهم الجوارحُ أن الله الذي أنطق كل شيء وتأمره ثانيًا :أن يقرر لهم أن إعراضهم عن
بوحدانيته ،ق�د أنطقها بجرائمهم ،وأنهم كانوا دعوة الحق ليس إال كف ًرا بما شهدت بوحدانيته
وقدرته ظواه�ر التكوين وأط�واره في األرض
بحالة من يظن أن الله تخفى عليه شئونه:
وما أودع فيها من جبال وأقوات ،وفي الس�ماء
ﱹﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
وما نظمت عليه من كواكب ومصابيح:
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮀﮁﮂﱸ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﱸ
(فصلت)23 ،22 : (فصلت)9 :
وهكذا تكون نهايتهم ،أج َِزعُوا واستغاثوا ،أ ْم ف�إن اس�تعملوا عقولهم ،وآمن�وا بما تنطق
صبروا في ظل من رجاء العفو والمغفرة؟ به هذه الظواهر فقد أفلحوا وس�عدوا ،وإن هم
ﱹﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ أعرضوا:
ﮋﮌﮍﮎﮏﱸ ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ
(فصلت)24 : (فصلت)13 :
❊❊❊