إلى القرآن سورة غافر

You might also like

You are on page 1of 6

‫إلى القرآن‬

‫سورة غافر‬
‫الربع الثالث‪:‬‬
‫اآليات من ‪ 46‬إلى نهاية اآلية ‪ 65‬من سورة غافر‪:‬‬
‫ه�ذا ه�و الرب�ع الثالث من س�ورة غاف�ر‪ ،‬وقد بدأه�ا الله‬
‫بجمل�ة من صفاته‪ ،‬ذات الجالل والجم�ال‪ ،‬وكان في مقدمة‬
‫تلك الصفات صفة المغفرة التي يفتح بها للضالين المكذبين‬
‫سميت‬ ‫باب الرجوع إليه‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ )؛ ولهذا البدء ُ‬
‫أيضا بس�ورة المؤمن؛ ألنها انفردت فضيلة الشيخ محمود شلتوت(*)‬
‫بس�ورة غافر‪ ،‬وتس�مى ً‬
‫وهي تُذ ِّكر بموقف المبطلين من قوم موسى ‪-‬عليه السالم ‪-‬‬
‫بذكر نصيحة مؤمن من آل فرعون‪ ،‬قيَّضه الله للحق الذي يدعو إليه موس�ى من بيئة‬
‫الكفر والعناد‪ ،‬وأخذ يلقي عليهم مواعظه التي من شأنها أن تستل من قلوبهم محاربة‬
‫الحق‪ ،‬واالس�تكبار عن قبوله حذرهم تنفيذ ما عزموا عليه من قتل موس�ى‪ ،‬وأنذرهم‬
‫عاقبة استمرارهم في الطغيان‪ ،‬وضرب لهم في ذلك األمثال بمصائر المكذبين قبلهم‪.‬‬

‫وكان آخ�ر نداء وجهه إليه�م إنكاره عليهم‬ ‫كما خوفهم عذاب اآلخرة الذي سينالهم يوم‬
‫‪ -‬بع�د أن تبين له الحق ودعاه�م إلى النجاة‪-‬‬ ‫الجزاء الذي ال عاصم فيه من أمر الله‪ ،‬ودعاهم‬
‫أن يدع�وه إلى ترك ذلك الح�ق‪ ،‬وأن يدخل في‬ ‫إلى اتِّباع الحق‪ ،‬وتلبية الهدى والرش�اد‪ ،‬وأنكر‬
‫باطلهم‪:‬‬ ‫عليه�م تعلقهم بالدني�ا الزائلة‪ ،‬وبيَّ�ن لهم أن‬
‫ﱹﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫العاقل يجب أن يربط نفس�ه بالباقي الدائم‪ ،‬ال‬
‫ﭘﭙﭚﱸ‬ ‫بالمتاع الفاني‪:‬‬
‫(غافر‪)41 :‬‬ ‫ﱹﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ويشرح لهم ذلك بقوله‪:‬‬ ‫(غافر‪)39 :‬‬ ‫ﯡﯢﯣﯤﱸ‬
‫(*) �شيخ الأزهر الأ�سبق‪.‬‬

‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬


‫‪386‬‬
‫إلى القرآن‪ ..‬سورة غافر‬

‫ﱹﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﱹﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﱸ‬ ‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﱸ‬
‫(غافر‪)42 :‬‬
‫ﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫وأخي ًرا‪ ،‬وبعد أن يب�ذل في نصحهم أقصى‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬ ‫الجه�د البش�ري‪ ،‬أعلنه�م بكلم�ة الواث�ق من‬
‫ﭵﭶﭷﭸﱸ‪.‬‬ ‫عقيدته‪ ،‬الحري�ص على خير أمت�ه‪ ،‬المضحي‬
‫(األعراف‪)165 :‬‬ ‫بنفسه في سبيل الحق الذي يدعو إليه‪:‬‬
‫ثم تنتقل اآليات بعد ذلك‪ ،‬وتصور للمبطلين‬ ‫ﱹﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫موقف أتباعهم من متبوعيهم وتبرؤ المتبوعين‬ ‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﱸ‬
‫م�ن التابعين‪ ،‬كم�ا تصور التج�اء الجميع إلى‬ ‫(غافر‪)44 :‬‬
‫جن�ود العذاب‪« :‬خزنة جهنم» يلتمس�ون منهم‬ ‫وكان�ت عاقبت�ه أن حفظ�ه الل�ه ورع�اه‪،‬‬
‫دعوة الله إلى تخفيفه‪ ،‬فال يكون الجواب سوى‬ ‫وعاقبتهم أن نزل بهم الكيد والبالء‪:‬‬
‫تسجيل الخزي والعذاب عليهم‪ ،‬وتبكيتهم على‬ ‫ﱹﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫إنكار الحق بعد أن قامت عليهم حججه ودالئله‪:‬‬ ‫ﮙﮚﮛﮜﱸ‬
‫ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫(غافر‪)45 :‬‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬ ‫العبرة من القصة‪:‬‬
‫ﭠﭡﭢﭣﱸ‬ ‫وعبرتنا من هذه القص�ة أمران‪ :‬أحدهما أن‬
‫(غافر‪)50 :‬‬ ‫الحق مهم�ا تكتل على إخفائ�ه ورفضه أعوان‬
‫ثم تضمن اآليات لدعاة الحق النصر والتأييد‬ ‫الباطل‪ ،‬ال بد أن يقيض الله له من بيئة المبطلين‬
‫وتأمره�م بالت�زام الصبر والتمس�ك بحبل الله‬ ‫أنفس�هم م�ن يؤمن به‪ ،‬ويغ�ار عليه‪ ،‬ويضحي‬
‫في س�بيل الدعوة إليه‪ ،‬وتؤكد لهم أ َّن معارضة‬ ‫بنفسه وراحته في سبيله حتى يظهره الله‪.‬‬
‫وهكذا كان حق محمد‪ ،‬وباطل المش�ركين‪،‬‬
‫المبطلين لم تكن ناش�ئة عن برهان‪ ،‬وإنما هي‬
‫وهكذا ش�أن كل دعوة إلى الحق أمام المبطلين‬
‫أثر لكبر مأل قلوبهم‪ ،‬وستضمحل قوتهم ببركة‬
‫في كل عصر‪ ،‬وفي كل زمان‪.‬‬
‫االعتصام بالله‪:‬‬
‫ثانيهم�ا‪ :‬أن على من تبين له الحق وآمن به‬
‫ﱹﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫أن يبذل غاية وس�عه في دعوة قومه إليه‪ ،‬حتى‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬ ‫إذا أي�س منهم وأيق�ن أن ال فائ�دة من دعوته‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬ ‫إياهم اعتزلهم وم�ا يعبدون من باطل‪ ،‬وعندئذ‬
‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬ ‫يتولى الله أمرهم‪ ،‬ويوقع بهم شديد العقاب‪:‬‬

‫‪387‬‬ ‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬


‫ﯵﱸ‬ ‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫(غافر‪)66 :‬‬ ‫ﮱﱸ‬
‫الله الخالق‪:‬‬ ‫(غافر‪)56 ،55 :‬‬
‫ثم تعود اآليات إلى تركيز العقيدة عن طريق‬ ‫ث�م تلف�ت اآليات إل�ى آث�ار ق�درة الله في‬
‫لفت األنظار إلى جملة من األدلة النفس�ية التي‬ ‫الك�ون‪ ،‬فتذكر نعمته على العب�اد بالليل الذي‬
‫يدركها اإلنس�ان في كيفي�ة خلقه وفي األطوار‬ ‫في�ه يس�كنون‪ ،‬وبالنهار الذي فيه ينتش�رون‪،‬‬
‫التي مرت به‪:‬‬ ‫وب�األرض التي عليها يق� ُّرون‪ ،‬ومنها يُرزقون‪،‬‬
‫ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫وبالس�ماء التي بمائه�ا ينتفع�ون‪ ،‬وبنجومها‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬ ‫يهتدون‪ ،‬ث�م تبرز لهم نتيجة كل ذلك التي هي‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬ ‫دعوة الحق‪:‬‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬ ‫ﱹﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﭰﱸ‬ ‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫(غافر‪)67 :‬‬ ‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫شأنه كن فيكون‪:‬‬ ‫ﯟﱸ‬
‫هذه األطوار ترشد بأوضح بيان إلى أن الذي‬ ‫(غافر‪)65 ،64 :‬‬
‫توالها‪ ،‬ودرج باإلنسان فيها‪:‬‬ ‫الربع الرابع‪:‬‬
‫ﱹﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﱸ‬ ‫اآليات من ‪ 66‬إلى آخر سورة غافر‪:‬‬
‫(غافر‪)68 :‬‬ ‫ه�ذا هو الرب�ع الراب�ع واألخير من س�ورة‬
‫وإلى أنه صاحب األمر النافذ الذي ال يعجزه‬ ‫ختم الربع السابق بجملة من صفات‬ ‫غافر‪ ،‬وقد ُ‬
‫شيء في األرض وال في السماء‬ ‫الجالل والعظمة‪ ،‬تدعو إلى إفراد الله س�بحانه‬
‫ﱹﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱸ‬ ‫بالعبادة والتقديس‪ ،‬واالتجاه إليه وحده بالحمد‬
‫(غافر‪)68 :‬‬ ‫والثن�اء على ربوبيت�ه العامة للعال�م‪ ،‬وتحُول‬
‫وهذا شأنه ال يتغير‪ :‬نراه في كتلة العالم‪ ،‬ثم‬ ‫بين اإلنس�ان المدرك آلثار هذه الربوبية‪ ،‬وبين‬
‫ن�راه في النبات‪ ،‬وفي الحيوان‪ ،‬وفي اإلنس�ان‪،‬‬ ‫الخض�وع لغيره س�بحانه‪ ،‬وتحمله على تقرير‬
‫يوجد‬
‫وهو شأنه في الحال‪ ،‬وش�أنه في المآل‪ِ ،‬‬ ‫الح�ق في الربوبي�ة والعبادة في نفس�ه‪ ،‬وفي‬
‫بـ ﱹﭽﱸ ويميت ب�ـ ﱹﭽﱸ و ﱹ ﭽ ﭾﱸ‬ ‫عمله‪ ،‬وفي دعوته‪:‬‬
‫ش�أنه الذات�ي ال يتخل�ف وال ي�زول‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ﱹﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫شأنه ﱹ ﭽ ﭾﱸ فإلى أي جانب يذهب هؤالء‬ ‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬
‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬
‫‪388‬‬
‫إلى القرآن‪ ..‬سورة غافر‬

‫ثم تأخذ في التذكير بنعم الله فيما خلق لهم‬ ‫الذي�ن ينكرون حق�ه الذي يغار علي�ه‪ ،‬والذي‬
‫من أنعام ينتفعون بألبانها ونس�لها وفيما هيأ‬ ‫أرسل به رسله‪ ،‬وأنزل به كتبه؟‬
‫لهم من سنن تحملهم وتحمل أمتعتهم إلى آفاق‬ ‫إن حج�ج الح�ق ق�د طوقته�م‪ ،‬وأخ�ذت‬
‫غير آفاقهم‪ ،‬ثم توقظ فيهم ضمير الحق‪:‬‬ ‫عليهم جميع المس�الك‪ ،‬ولم تجعل لهم س�وى‬
‫ﱹﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﱸ‬ ‫مس�لك واحد س�يعلمونه حينما توضع األغالل‬
‫(غافر‪)81 :‬‬ ‫والسالس�ل في أعناقهم ويسحبون في الحميم‪،‬‬
‫ثم تذكر اآليات بسنة الله مع أسالفهم الذين‬ ‫ثم في النار يس�جرون‪ ،‬ث�م يقال لهم‪ :‬إن ذلكم‬
‫أنكروا الحق‪ ،‬وكانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثا ًرا‬ ‫الذي أنتم فيه‬
‫ف�ي األرض‪ ،‬فما أغنى عنهم م�ا كانوا عليه من‬ ‫ﱹﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ق�وة‪ ،‬وما كانوا فيه من كث�رة‪ ،‬بل حاق بهم ما‬ ‫ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫كانوا به يستهزئون‪:‬‬ ‫ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﱸ‬
‫ﱹﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬ ‫(غافر‪)76 ،75 :‬‬
‫ﯻﯼﯽﱸ‬ ‫وبع�د أن تص�ور اآليات مصي�ر المجادلين‬
‫(غافر‪)85 :‬‬ ‫بالباطل هذا التصوي�ر الذي ينزع من الصدور‬
‫وإذا كانت عوامل الفس�اد‪ ،‬وعناصر الش�ر‪،‬‬ ‫قلوبها‪ ،‬تعود فتأمر أهل الحق بالصبر والثبات‪:‬‬
‫ومظاه�ر الطغيان‪ ،‬وس�نة الله الت�ي يأخذ بها‬ ‫ﱹﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﱸ‬
‫الطغ�اة؛ واحدة في كل العصور‪ ،‬فليحذر هؤالء‬ ‫(غافر‪)77 :‬‬
‫الطغاة؛ الذين يس�خرون ما أنعم الله به عليهم‬ ‫وتؤكد لهم أن مرد المعاندين إلى الله س�واء‬
‫م�ن علم وق�وة ومخترعات في اس�تعباد خلق‬ ‫عجل لهم العذاب أم أخره‪:‬‬
‫الله واس�تعمار أوطانهم‪ ،‬فليحذروا غضبة الله‬ ‫ﱹﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫للحق‪ ،‬وغيرته على عباده‪ ،‬فتلك سنته‪ ،‬ولن تجد‬ ‫ﰄﰅﱸ‬
‫لسنته تبديلاً ‪.‬‬ ‫(غافر‪)77 :‬‬
‫***‬ ‫ث�م تلفت األنظ�ار إلى أن ش�أن دعاة الحق‬
‫سورة فصلت‬ ‫مع المعارضين هو ش�أن المرسلين السابقين‪:‬‬
‫الربع األول‪:‬‬ ‫أوذوا في سبيل الله وصبروا‪:‬‬
‫اآلي�ات من ‪ 1‬إلى نهاية اآلية ‪ 24‬من س�ورة‬ ‫ﱹﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ‬
‫فصلت‪:‬‬ ‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫سورة فصلت‪ ،‬وتُعرف بسورة السجدة‪ ،‬هي‬ ‫(غافر‪)78 :‬‬ ‫ﭲﱸ‬
‫‪389‬‬ ‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬
‫ونفوس أصحابه المجاهدين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لنفسه‬ ‫الس�ورة الثانية من س�ور س�بع بدأت بحرفي‬
‫عناد‪:‬‬ ‫«ح�م»‪ ،‬وعرفت لذلك في القرآن الكريم باس�م‬
‫وض ْ‬
‫حت كثي ًرا‬ ‫وها هي ذي سورة فصلت‪ ،‬قد َّ‬ ‫الحواميم‪ ،‬وقد نزلت مرتب�ة متتالية‪ ،‬ووضعت‬
‫م�ن مواقفهم أمام الح�ق الذي يدعوه�م إليه‪،‬‬ ‫في المصح�ف كما نزلت‪ ،‬وه�ي كلها تؤكد أن‬
‫فصلته تصوي�ر إعراضهم‬ ‫وكان م�ن أبرز م�ا َّ‬ ‫الق�رآن تنزيل من الل�ه الجامع لصفات الجالل‬
‫عنه‪ ،‬وشدة نفورهم منه بقولهم‪:‬‬ ‫والجمال‪ ،‬من العزة والحكمة والعلم والرحمة‪:‬‬
‫ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﱹﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱸ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬ ‫(غافر‪)2 :‬‬
‫ﭸﱸ‬ ‫ﱹﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﱸ‬
‫(فصلت‪)5 :‬‬ ‫(فصلت‪)2 :‬‬
‫يصفون أنفس�هم ب�أن قلوبهم ف�ي أغطية‬ ‫ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱸ‬
‫محكمة فال ينفذ إليها ش�عاع من الدعوة‪ ،‬وبأن‬ ‫(الزمر‪)1 :‬‬
‫آذانه�م فيه�ا وق�ر وثق�ل‪ ،‬فهي ال تحم�ل إلى‬ ‫القرآن وحي الله إلى رسوله‪:‬‬
‫قلوبه�م صوتً�ا من الح�ق‪ ،‬وبأن بينه�م وبين‬ ‫ومعن�ى ه�ذا أن الق�رآن ليس ـ كم�ا يزعم‬
‫الداعي ـ محمد عليه السالم ـ حجابًا مانعًا من‬ ‫المبطلون ـ من س�حر الكهان‪ ،‬وال من أساطير‬
‫التفاهم وتبادل الرأي‪.‬‬ ‫األولين‪ ،‬وال م�ن مفتريات محمد‪ ،‬وال من تعليم‬
‫طمَسُ �وا‬‫والمعن�ى ف�ي ذل�ك كل�ه أنه�م َ‬ ‫بشر‪ ،‬وإنما هو وحي من الله أنزله على رسوله‪،‬‬
‫استعدادهم‪ ،‬و َ‬
‫طمَسُ وا على أنفسهم سُ بُ َل الحق‪،‬‬ ‫يق�رر به أصول دين�ه من اإليم�ان بوحدانيته‪،‬‬
‫وتصوير إعراضه�م بهذا النح�و يُطابق تمامًا‬ ‫واإليمان بالوحي والرس�الة‪ ،‬واإليم�ان بالبعث‬
‫تصويره بقوله تعالى‪:‬‬ ‫لفتت جميعها في س�بيل ذلك إلى‬ ‫ْ‬ ‫والجزاء‪ ،‬وقد‬
‫ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫آثار الله ونعمه ف�ي األنفس واآلفاق الدالة على‬
‫ﭥﭦﱸ‬ ‫قدرته النافذة‪ ،‬وعلمه المحيط‪ ،‬وحكمته البالغة‪،‬‬
‫(البقرة‪)7 :‬‬ ‫كما أن�ذرت ورغبت أنذرت بالع�ذاب الذي حل‬
‫وإن اختل�ف القصد واله�دف‪ ،‬فالقصد في‬ ‫باألم�م التي كذبت رس�لها‪ ،‬وبالعذاب الذي أعد‬
‫آي�ة الختم بأنهم بأهوائه�م أعرضوا عن الحق‪،‬‬ ‫لهم يوم البعث والجزاء‪ ،‬ورغبت بالحياة الطيبة‬
‫وزي�ن لهم الش�يطان ذلك اإلع�راض حتى ران‬ ‫ف�ي الدنيا‪ ،‬وبالنعيم الدائم ف�ي اآلخرة‪ ،‬وكثي ًرا‬
‫عل�ى قلوبهم م�ا كانوا يكس�بون‪ ،‬والقصد في‬ ‫ما تضمنت تحليل نفس�ية المكذبين‪ ،‬وصورت‬
‫آية األ ِكنَّة‪ ،‬أنهم يحقرون شأن الدعوة ويعلنون‬ ‫إعراضهم‪ ،‬وجنايتهم على اس�تعدادهم لسماع‬
‫أنها ليست مما يس�تحق أن تفتح له القلوب أو‬ ‫الح�ق والحكم�ة؛ تس�لية للنب�ي ﷺ‪ ،‬وتهدئ ًة‬
‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬
‫‪390‬‬
‫إلى القرآن‪ ..‬سورة غافر‬

‫وتأخذ اآليات في بيان ما كان لهؤالء من قوة‬ ‫تس�مع له اآلذان‪ ،‬لو ترفع بينهم وبين صاحبها‬
‫واس�تكبار في األرض‪ ،‬وم�ع ذلك لم تغن عنهم‬ ‫الحوائل‪.‬‬
‫قوتهم وال استكبارهم‪ ،‬بل أخذهم الله بالعذاب‬ ‫أوامر الله لنبيه‪:‬‬
‫الهون‪:‬‬ ‫أم�ام ه�ذا التصوي�ر‪ ،‬ال�ذي يص�ورون به‬
‫ﱹﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱸ‬ ‫إعراضه�م عن الدعوة‪ ،‬يأمر الل�ه نبيه أن يقرر‬
‫(فصلت‪)18 :‬‬ ‫لهم أولاً مهمته‪ ،‬وأنه ليس إال بش� ًرا يُوحَى إليه‪،‬‬
‫وتأمره ثالثًا‪:‬‬ ‫فيُبشرهم إن آمنوا‪ ،‬وينذرهم إن أعرضوا‪ ،‬وليس‬
‫عليه شيء من تبعة إعراضهم وتكذيبهم‪:‬‬
‫بعد ه�ذه ال َمثُلاث الخالي�ة أن يُنذرهم بما‬
‫يصيرون إلي�ه يوم القيامة‪ ،‬يوم يش�هد عليهم‬ ‫ﱹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون‪،‬‬ ‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫يوم ينكرون على جوارحهم ـ التي استخدموها‬ ‫ﮊﱸ‬
‫في الشر والفساد ـ أن تشهد عليهم بما أفسدوا‬ ‫(فصلت‪)6 :‬‬
‫فتُقِ ُّر لهم الجوارحُ أن الله الذي أنطق كل شيء‬ ‫وتأمره ثانيًا‪ :‬أن يقرر لهم أن إعراضهم عن‬
‫بوحدانيته‪ ،‬ق�د أنطقها بجرائمهم‪ ،‬وأنهم كانوا‬ ‫دعوة الحق ليس إال كف ًرا بما شهدت بوحدانيته‬
‫وقدرته ظواه�ر التكوين وأط�واره في األرض‬
‫بحالة من يظن أن الله تخفى عليه شئونه‪:‬‬
‫وما أودع فيها من جبال وأقوات‪ ،‬وفي الس�ماء‬
‫ﱹﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫وما نظمت عليه من كواكب ومصابيح‪:‬‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮀﮁﮂﱸ‬ ‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﱸ‬
‫(فصلت‪)23 ،22 :‬‬ ‫(فصلت‪)9 :‬‬
‫وهكذا تكون نهايتهم‪ ،‬أج َِزعُوا واستغاثوا‪ ،‬أ ْم‬ ‫ف�إن اس�تعملوا عقولهم‪ ،‬وآمن�وا بما تنطق‬
‫صبروا في ظل من رجاء العفو والمغفرة؟‬ ‫به هذه الظواهر فقد أفلحوا وس�عدوا‪ ،‬وإن هم‬
‫ﱹﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫أعرضوا‪:‬‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﱸ‬ ‫ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱸ‬
‫(فصلت‪)24 :‬‬ ‫(فصلت‪)13 :‬‬

‫❊❊❊‬

‫‪391‬‬ ‫ربيع األول ‪ 1443‬هـ ‪ -‬أكتوبر‪ /‬نوفمبر ‪ 2021‬م‬

You might also like