You are on page 1of 24

‫اململكة املغربية‬

‫ⴱⵉⵔⵖⵎⵍ ⵏ ⵜⵉⴷⵍⴳⴰⵜ‬ ‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬


‫ⵏⵉⵎⵉⵍⵙⵓⵜ ⵏⵉⵡⵉⵙⵡⴰⵖⵜ ⴷ ⵙⵓⴱⵓⵃⵍ ⵏ ⵜⵙⴰⵡⴰⵎⴰⵜ‬ ‫‪---‬‬
‫الكتابة العامة‬
‫م‪.‬ش‪.‬إ‪/‬ق‪.‬ح‬

‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬


‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-1‬‬
‫اللقاء األول‪ :‬التأهيل الروحي والخلقي (املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫املحاور‪:‬‬
‫▪ تعريف الحج وحكمه؛‬
‫▪ التذكير بنعمة االختيار لهذه الرحلة التي هي رحلة العمر؛‬
‫▪ رحلة الحج هي رحلة صبر وتعاون وتعلم؛‬
‫▪ رحلة الحج رحلة إيثار ونكران للذات وتضحية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف الحج‪ ،‬وحكمه‪:‬‬
‫الحج في اللغة‪ :‬القصد‪ ،‬وفي الشرع‪" :‬قصد مخصوص‪ ،‬إلى موضع مخصوص‪ ،‬في وقت‬
‫مخصوص‪ ،‬بشرائط مخصوصة"(‪ ،)1‬وعرفه الدردير بقوله‪ ":‬وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة‪،‬‬
‫وطواف بالبيت سبعا‪ ،‬وسعي بين الصفا واملروة كذلك على وجه مخصوص بإحرام"‪.‬‬
‫الحج ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بني اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصوم رمضان"‪.‬‬
‫وقد فرض هللا الحج على املستطيع مرة في العمر‪ ،‬لقوله تعالى‪( :‬وهلل على الناس حج البيت من‬
‫استطاع إليه سبيال)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التذكير بنعمة االختيار لهذه الرحلة التي هي رحلة العمر‪:‬‬
‫أيها الحجاج الكرام‪ ،‬حجاج بيت هللا الحرام‪ ،‬الذين أنابوا إلى ربهم‪ ،‬واستجابوا لنداء الخليل‬
‫إبراهيم حين أذن بأمر ربه في الناس بالحج‪ ،‬وتخلصوا من معوقات الدنيا‪ ،‬وهرعوا إلى هللا وحده‪،‬‬
‫بعد أن تلقوا الدعوة منه؛ الدعوة التي آثرهم هللا بها‪ ،‬وألقاها إلى قلوبهم وأفئدتهم‪ ،‬فتحركوا شوقا‬
‫ومحبة واستجابة ألمر هللا‪ ،‬فانبعثوا ملبين دعوة خالقهم وسيدهم‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك‬
‫لك لبيك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أيها الحجاج الكرام‪ ،‬لقد اصطفاكم هللا تعالى واختاركم‪ ،‬وامتن عليكم فوفقكم لهذه الرحلة‬
‫التي هي تهذيب للنفس‪ ،‬وتطهير للقلب‪ ،‬وغسل ألدران الشر‪ ،‬فهي رحلة تالق اجتماعي‪ ،‬وتعارف‬
‫إسالمي‪ ،‬واجتماع للنفوس املؤمنة على مودة ورحمة وروحانية في تلك األماكن املطهرة‪.‬‬
‫رحلة هي من أفضل األعمال والقربات عند هللا تعالى‪ ،‬عن أبي هريرة رض ي هللا عنه قال‪ :‬سئل‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أي العمل أفضل؟ قال‪" :‬إيمان باهلل ورسوله‪ .‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪:‬‬
‫"الجهاد في سبيل هللا‪ .‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪ :‬حج مبرور (‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬رحلة الحج رحلة صبر وتعاون وتعلم‬
‫فالحاج يتدرب في ميدان الحج على أنواع الصبر الثالثة‪ :‬الصبر على طاعة هللا والصبر عن‬
‫محارم هللا والصبر على أقدار هللا‪ ،‬والنظر إلى ألطافه الخفية‪.‬‬
‫والحاج يصبر على بذل املال والجهد البدني‪ ،‬ويصبر على ما يالقيه من فراق األوطان واألهل‬
‫واألوالد‪ ،‬ويصبر على ما يالقيه من إرهاق وتعب ونصب وزحام ومشقة‪ ،‬ويصبر على قلة الراحة والنوم‬
‫وشدة التنقل‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا عظم االرتباط بين الحج والصبر ويتضح لنا أن الحج سبيل الكتساب ذلك‬
‫الخلق العظيم الذي أمر هللا به وأعال مناره وأكثر من ذكره في كتابه وأثنى على أصحابه القائمين به‪،‬‬
‫ووعدهم باألجر عنده‪ ،‬فقال سبحانه‪( :‬واصبر وما صبرك إال باهلل وال تحزن عليهم وال تك في ضيق‬
‫مما يمكرون) [سورة النحل آية‪ ]127‬وقال جل في عاله‪( :‬وملن صبر وغفر إن ذلك ملن عزم األمور )‬
‫[سورة الشورى آية ‪ ]43‬وقال‪( :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا هللا لعلكم‬
‫تفلحون) [سورة آل عمران آية‪ ،]200‬وقال‪( :‬وبشر الصابرين) ] سورة البقرة آية ‪ ،]155‬ويكفي‬
‫الصابرين فرحا وفخرا محبة هللا لهم (وهللا يحب الصابرين) ]سورة آل عمران آية ‪.]146‬‬
‫أخي الحاج الكريم‪ :‬الحاج الصابر املحتسب إذا أوذي أو شتم ال يغضب وال يقابل اإلساءة‬
‫بمثلها وال تضطرب نفسه وال يثور ألتفه األسباب‪ ،‬بل هو هادئ النفس راض ي القلب عفيف اللسان‬
‫صابر على املتاعب منضبط في سلوكه صابر على االلتزام باألنظمة واإلرشادات‪.‬‬
‫فهذا هو الحج ‪ :‬يعلمنا الصبر ويربينا على خلق الصبر فيا أيها الحاج الصابر فلربما مرضت أو‬
‫تعبت أثناء تنقلك بين املشاعر‪ ،‬أو ربما فقدت شيئا عزيزا عليك‪ ،‬أو سمعت خبرا مزعجا‪ ،‬أو ربما‬
‫أحسنت فأس يء إليك‪ ،‬أو أصابك الهم والحزن‪ ،‬أو ربما ضاع مالك أو سرق ‪ -‬بإهمال منك أو من غير‬
‫إهمال ‪ -‬لذا عليك أن تعلم بأن هذا كله ابتالء من هللا تعالى ليمتحن صبرك وثباتك وصدقك أو‬
‫لحكمة أخرى أرادها هللا سبحانه فعليك بالصبر‪ ،‬وأكثر من قول" قدر هللا وما شاء فعل "واحذر من‬
‫أن تقول‪ :‬لو أني فعلت لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن أكثر من االسترجاع بقولك "إنا هلل وإنا إليه راجعون"‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ 1519‬ومسلم ‪83‬‬

‫‪2‬‬
‫وتذكر قول هللا عز وجل‪( :‬ولنبلونكم بش يء من الخوف والجوع ونقص من األموال واألنفس والثمرات‬
‫وبشر الصابرين‪ ،‬الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعو ‪ ،‬أولئك عليهم صلوات من‬
‫ربهم ورحمة وأولئك هم املهتدون) ]سورة البقرة‪.]156-155-154 ،‬‬
‫رابعا‪ :‬الحج رحلة إيثار ونكران للذات وتضحية‪:‬‬
‫فال فرق بين غني وفقير‪ ،‬وال قريب وبعيد‪ ،‬ومقيم ومسافر‪ ،‬وال أبيض وال أسود‪ ،‬الكل بزي واحد‬
‫والكل يشعر بشعور واحد‪ ،‬ويسلك مسلكا واحدا‪ ،‬إلى هدف واحد‪ ،‬وهو إرضاء الكريم الواحد‪ ،‬فال‬
‫عنصرية وال عصبية وال طبقية‪ .‬فالناس كل الناس من آدم‪ ،‬كما قال هللا تعالى من قبل‪( :‬إن هذه‬
‫أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [سورة األنبياء اآلية‪ ]92‬فمبدأ املساواة يتجلى واضحا في الحج‬
‫حيث يجتمع املسلمون من كل جنس ولغة ولون ووطن في صعيد واحد لباسهم واحد وعملهم واحد‬
‫ومكانهم واحد ووقتهم واحد‪ ،‬وحدة في املشاعر ووحدة في الشعائر‪ ،‬وحدة في الهدف‪ ،‬ووحدة في‬
‫العمل‪ ،‬ووحدة في القول‪ .‬عن أبي نضرة قال حدثني من سمع خطبة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫في وسط أيام التشريق فقال "إن أباكم واحد أال ال فضل لعربي على أعجمي وال لعجمي على عربي وال‬
‫ألحمر على أسود وال أسود على أحمر إال بالتقوى"‪.2‬‬
‫وال شك أن مساعدة اآلخرين فيها خير كثير‪ ،‬وفضل عظيم‪ ،‬وخاصة إذا كانوا من ضيوف‬
‫الرحمن‪ ،‬وحجاج بيت هللا الحرام‪ ،‬ومن كبار السن‪ ،‬والضعفاء‪ ،‬واملحتاجين؛ فهذا من اإلحسان‬
‫الذي يجلب محبة هللا تعالى‪ ،‬ورضاه عن العبد؛ وبذلك يستحق البشارة بالخير في الدنيا واآلخرة‪ .‬قال‬
‫هللا تعالى‪( :‬وبشر املحسنين) [سورة الحج آية ‪ ]37‬ونصوص الوحي‪ -‬من الكتاب‪ ،‬والسنة ‪-‬مليئة‬
‫بفضل مساعدة اآلخرين‪ ،‬وخدمتهم‪ ،‬وإيصال النفع لهم؛ فمن ذلك قول هللا تعالى (للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة وال يرهق وجوههم قتر وال ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) [سورة يونس‬
‫آية ‪ ]26‬ومما جاء في الحديث قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أحب الناس إلى هللا أنفعهم للناس‪ ،‬وأحب‬
‫األعمال إلى هللا عز وجل سرور تدخله على مسلم‪ ،‬تكشف عنه كربة‪ ،‬أو تقض ي عنه دينا‪ ،‬أو تطرد‬
‫عنه جوعا‪ ،‬وألن أمش ي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا املسجد ثالثة أشهر" ‪ -‬يعني‬
‫مسجد املدينة ‪. -‬‬

‫‪ 2‬شعب اإليمان ‪5137‬‬

‫‪3‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-2‬‬
‫اللقاء الثاني‪ :‬املدينة املنورة (املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫املحاور‪:‬‬
‫▪ آداب وفضائل املدينة؛‬
‫▪ محبة النبي صلى هللا عليه وسلم؛‬
‫▪ فضل املسجد النبوي وكيفية السالم على الرسول صلى هللا عليه وسلم وعلى سيدنا‬
‫أبي بكر وسيدنا عمر‬
‫▪ بيان األماكن التي تزارتعبدا‪( :‬مسجد قباء‪ ،‬شهداء أحد‪ ،‬مقبرة البقيع)‬
‫أوال‪ :‬آداب وفضائل املدينة‬
‫لقد كانت املدينة قبل اإلسالم أرضا كبقية األراض ي‪ ،‬ثم بعد مجيء اإلسالم وهجرة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم إليها صار لها شأن آخر‪ ،‬فعن أم املومنين عائشة رض ي هللا عنها قالت‪" :‬قدمنا املدينة وهي أوبأ أرض هللا‪ ،‬فقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬اللهم حبب إلينا املدينة كحبنا مكة أو أشد‪ ،‬وصححها‪ ،‬وبارك لنا في صاعها ومدها‪،‬‬
‫وانقل حماها فاجعلها بالجحفة"‪.3‬‬
‫ومن فضائلها‪:‬‬
‫ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع‪ ،‬من ذلك قوله تعالى‪( :‬ما كان ألهل املدينة ومن حولهم من‬ ‫•‬
‫األعراب أن يتخلفو عن رسول هللا وال يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) [سورة التوبة آية ‪.]121‬‬
‫فيها عاش النبي صلى هللا عليه وسلم العشر األواخر من عمره وفيها قبض وبها دفن‪.‬‬ ‫•‬
‫أن اإليمان يأوي إليها نقيا ناصعا‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة رض ي هللا عنه قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫•‬
‫وسلم‪" :‬إن اإليمان ليأرز إلى املدينة كما تأرز الحية إلى جحرها"‪ ،4‬ومن حديث جابر بن عبد هللا قال أيضا‪" :‬املدينة‬
‫كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها"‪ ،5‬ومن حديث سعد بن أبي وقاص رض ي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫قوله‪" :‬املدينة خير لهم لوكانوا يعلمون‪ ،‬ال يدعها أحد إال أبدل هللا فيها من هو خير منه‪ ،‬وال يصبر على ألوائها‬
‫وجهدها أحد إال كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة‪.6‬‬

‫‪ 3‬صحيح البخاري (‪ ،)5677‬و صحيح مسلم (‪)1376‬‬


‫‪ 4‬صحيح البخاري رقم‪1876 :‬‬
‫‪ 5‬صحيح البخاري رقم‪7322 :‬‬
‫‪ 6‬صحيح البخاري رقم‪2448:‬‬

‫‪4‬‬
‫جعلها هللا حرما وبسط األمن فيها‪ ،‬ففي الصحيح قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬املدينة حرم‬ ‫•‬
‫ما بين عير إلى ثور‪ ،‬فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة هللا واملالئكة والناس أجمعين ال يقبل هللا منه‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫الب َتي‬ ‫يوم القيامة صرفا وال عدال"‪ .7‬وقال أيضا‪ :‬إنها حرم آمن إنها حرم آمن‪ ،‬وقال كذلك‪ " :‬إ َّني ُأ َحر ُم ما َ‬
‫بين َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضاه َها‪ْ ،‬أو ُي ْق َت َل ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫قط َع ع ُ‬
‫صيدها "‪.8‬‬ ‫ِ‬ ‫أن ي‬
‫لذلك ينبغي للمسلم أن يزورها ويراعي حرمتها‪ ،‬ويبدأ زيارته بالدعاء املأثور‪ :‬اللهم رب السماوات وما‬ ‫•‬
‫أظللن ورب األرضين وما أقللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه البلدة وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من‬
‫شرها وشر ما فيها وشر أهلها‪ ،9‬اللهم هذا حرم رسولك فاجعل دخولي فيه وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء‬
‫الحساب‪ ،‬ثم يدخلها متواضعا متأدبا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬محبة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫✓ وجوب محبة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫إن محبة النبي صلى هللا عليه وسلم هي روح الوجود‪ ،‬وقوت القلوب‪ ،‬وغذاء األرواح‪ ،‬وقرة العيون‪ ،‬ولذة‬
‫اللذائذ‪ ،‬من حرمها حلت بقلبه جميع األسقام‪ ،‬محبته صلى هللا عليه وسلم عبادة عظيمة نعبد هللا عز وجل بها‬
‫وقربة نتقرب بها إليه‪ ،‬وأصل عظيم من أصول الدين ودعامة أساسية من دعائم اإليمان‪ ،‬ففي الصحيح قال صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪" :‬والذي نفس ي بيده ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين‪.10‬‬
‫وفي الصحيح أيضا أن عمر رض ي هللا عنه قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬و هللا ألنت أحب إلي من كل ش يء إال من نفس ي‪ ،‬فقال‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال ‪:‬يا رسول هللا و هللا ألنت أحب إلي من كل‬
‫ش يء حتى من نفس ي‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اآلن يا عمر"‪ .11‬وجاء رجل إلى النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬فقال‪:‬‬
‫متى الساعة يا رسول هللا؟ قال‪ :‬ما أعددت لها؟ قال‪ :‬ما أعددت لها من كثير صالة وال صوم وال صدقة‪ ،‬ولكني أحب‬
‫هللا ورسوله قال‪ :‬أنت مع من أحببت‪.12‬‬
‫✓ من دالئل محبته صلى هللا عليه وسلم ومظاهر تعظيمه‬
‫‪1-‬تقديم النبي صلى هللا عليه وسلم على كل ش يء بما في ذلك النفس والولد واملال‪ ،‬قال تعالى (يا أيها الذين‬
‫آمنوا ال تقدموا بين يدي هللا ورسوله واتقوا هللا إن هللا سميع عليم) [سورة الحجرات آية ‪ ]1‬فعالمة حب النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم أن ال يقدم عليه أي ش يء مهما كان شأنه‪.‬‬
‫‪. 2-‬سلوك األدب معه صلى هللا عليه وسلم ويتحقق بأمور منها‪:‬‬
‫*الثناء عليه والصالة والسالم عليه لقوله تعالى (إن هللا ومالئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا‬
‫صلوا عليه وسلموا تسليما) [سورة األحزاب آية ‪.]56‬‬

‫‪ 7‬صحيح البخاري (‪ ،)7300‬و صحيح مسلم (‪)1370‬‬


‫‪ 8‬صحيح البخاري رقم‪2448:‬‬
‫‪ 9‬سنن النسائي رقم ‪8776‬‬
‫‪ 10‬صحيح مسلم ‪ 44‬والبخاري ‪15‬‬
‫‪ 11‬صحيح البخاري ‪6632‬‬
‫‪ 12‬صحيح البخاري ‪6171‬‬

‫‪5‬‬
‫*التأدب عند ذكره بأن ال نذكره بمجرد االسم بل مقرونا بالنبوة أو الرسالة كما قال تعالى (ال تجعلوا‬
‫دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [سورة النور آية ‪ ،]61‬قال سعيد بن جبير ومجاهد‪ :‬املعنى قولوا يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬في رفق ولين‪ ،‬وال تقولوا يا محمد بتجهم ‪.‬وقال قتادة ‪:‬أمرهم أن يشرفوه ويفخموه‪.‬‬
‫*األدب في مسجده وكذا عند قبره وترك اللغط ورفع الصوت كما سيأتي إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫* توقير حديثه والتأدب عند سماعه وعند دراسته كما كان يفعل سلف األمة وعلماؤها في إجالل‬
‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كان اإلمام مالك رحمه هللا إذا أراد أن يجلس للتحديث توضأ وضوءه‬
‫للصالة‪ ،‬ولبس أحسن ثيابه‪ ،‬وتطيب‪ ،‬ومشط لحيته‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أوقر به حديث رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقد كان الصحابة الكرام أعظم من أحب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعظمه ووقره‪ ،‬سئل سيدنا‬
‫علي رض ي هللا عنه كيف كان حبكم لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ فقال‪ :‬كان وهللا أحب إلينا من أموالنا وأوالدنا‬
‫وآبائنا وأمهاتنا ومن املاء البارد على الظمأ‪ .‬ومن نماذج صدق محبته صلى هللا عليه وسلم قصة سيدنا ثوبان رض ي‬
‫هللا عنه الذي كان إذا اشتاق للنبي صلى هللا عليه وسلم خرج يبحث عنه في أزقة املدينة حتى يلقاه‪ ،‬وجاءه يوما وقد‬
‫تغير لونه يعرف الحزن في وجهه فقال له صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يا ثوبان‪ ،‬ما غير لونك؟ قال يا رسول هللا وهللا ما بي‬
‫من ضر وال وجع‪ ،‬غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك‪ ،‬ثم ذكرت اآلخرة‬
‫وأخاف أال أراك هناك‪ ،‬ألني أعرف أنك ترفع مع النبيئين‪ ،‬وانا إذا دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك‪ ،‬وإذا‬
‫لم أدخل فذاك أحرى أال أراك أبدا فأنزل هللا تعالى‪( :‬ومن يطع هللا والرسول فأولئك مع الذين أنعم هللا عليهم من‬
‫النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء آية ‪ ]68‬ففرح املسلمون بها فرحا‬
‫عظيما‪.13‬‬
‫اللهم امأل قلوبنا بمحبتك ومحبة نبيك‪ ،‬اللهم اجعلنا بهديه مهتدين وبسنته مقتدين‪ ،‬وعلى طريقه سائرين‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬فضل املسجد النبوي وكيفية السالم على الرسول صلى هللا عليه وسلم وعلى سيدنا‬
‫أبي بكر وسيدنا عمر‪:‬‬
‫املسجد النبوي هو ثاني الحرمين الشريفين‪ ،‬وفيه روضة الهادي األمين‪ ،‬وقد ورد في فضله جملة من‬
‫األحاديث‪ ،‬منها حديث أبي هريرة رض ي هلل عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬صالة في مسجدي هذا أفضل‬
‫من ألف صالة فيما سواه إال املسجد الحرام"‪ .14‬ومنها قوله صلى هللا عليه وسلم فيما روى عبد هللا بن عمر رض ي‬
‫هللا عنهما‪" :‬ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد‪ :‬مسجدي هذا واملسجد الحرام واملسجد األقص ى"‪.15‬‬
‫ومن جلمة تلك الفضائل أيضا وجود منبره صلى هللا عليه وسلم والروضة الشريفة فيه‪ ،‬ففي الحديث‪" :‬ما‬
‫بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوض ي"‪ ،16‬لذلك ينبغي للمسلم أن يدخله بخشوع مقدما‬
‫رجله اليمنى قائال‪" :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ ،‬اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك وأقرب من تقرب إليك‬

‫‪ 13‬المعجم األوسط للطبراني ‪156/1‬‬


‫‪ 14‬أخرجه البخاري (‪ ،)1190‬ومسلم (‪)1394‬‬
‫‪ 15‬الجامع الصغير ‪9783‬‬
‫‪ 16‬صحيح البخاري رقم ‪ 1196‬ومسلم رقم ‪1391‬‬

‫‪6‬‬
‫وابتغى مرضاتك"‪ ،‬ثم يصلي ركعتين تحية للمسجد ثم يتوجه إلى قبر النبي الكريم عليه الصالة والسالم فيستقبله‬
‫متواضعا خاشعا ويستدبر القبلة‪ ،‬ويقول‪" :‬السالم عليك أيها النبي ورحمة هللا وبركاته صلى هللا عليك وعلى أزواجك‬
‫وذريتك وعلى أهلك أجمعين‪ ،‬كما صلى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك عليك وعلى آلك وأزواجك وذريتك‬
‫وأهلك كما بارك على إبراهيم وآل إبراهيم في العاملين إنك حميد مجيد‪ ،‬فقد بلغت الرسالة وأديت األمانة وعبدت‬
‫ربك وجاهدت في سبيله ونصحت لعبيده صابرا محتسبا حتى أتاك اليقين‪ ،‬صلى هللا عليك أفضل صالة وأتمها‬
‫وأطيبها وأزكاها‪ ،‬اللهم ال تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السالم‪ ،‬وارزقنا العود إليه يا ذا الجالل واإلكرام"‪.‬‬
‫ثم يستقبل قبر أبي بكر رض ي هللا عنه فيقول‪" :‬السالم عليك يا خليفة رسول هللا‪ ،‬السالم عليك يا أبا بكر الصديق‬
‫ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬صفي رسول هللا وثانيه في الغار أشهد خيرا أنك جاهدت في هللا حق جهاده‪ ،‬جزاك هللا عن أمة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خيرا"‪ .‬ثم يستقبل قبر أمير املومنين عمر فيسلم عليه ويدعو له قائال‪" :‬السالم‬
‫عليك يا أمير املومنين‪ ،‬السالم عليك يا أبا حفص الفاروق ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬أشهد أنك جاهدت في هللا حق‬
‫جهاده‪ ،‬جزاك هللا عن أمة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خيرا"‪ .‬فإن لم يحفظ هذا فليسلم عليه بما تيسر له‬
‫والحرج إن شاء هللا‪.‬‬
‫و األصل في ذلك ما روي عن عبد هللا بن دينار قال‪ :‬رأيت عبد هللا بن عمر يقف على قبر النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم فيصلي على النبي وعلى أبي بكر وعمر‪ .‬وعن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬ما من‬
‫أحد يسلم علي إال رد هللا علي روحي حتى أرد عليه السالم"‪ .17‬وأخرج البيهقي في شعبه من رواية أنس بن مالك رض ي‬
‫هللا عنه قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من زارني باملدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة "‪.18‬‬
‫قال اإلمام النووي رحمه هللا‪ :‬واعلم أن زيارة قبر النبي صلى هللا عليه وسلم من أهم القربات وأنجح املساعي‪ ،‬وينوي‬
‫الزائر من الزيارة التقرب وشد الرحال‪.19‬‬
‫ومن آداب الزيارة عدم رفع الصوت‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت‬
‫النبيء وال تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون) [سورة الحجرات آية ‪.]2‬‬
‫وعن السائب بن يزيد قال‪ :‬كنت قائما في املسجد‪ ،‬فإذا عمر بن الخطاب قال لي‪ :‬اذهب فاتني بهذين الرجلين فجئته‬
‫بهما فقال‪ :‬من أنتما أو ممن أنتما؟ قاال‪ :‬من أهل الطائف‪ ،‬قال‪ :‬لو كنتما من أهل املدينة ألوجعتكما ضربا‪ ،‬ترفعان‬
‫أصواتكما في مسجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.20‬‬
‫وينبغي أن تحرص أيها الحاج الكريم على عمارة املسجد النبوي وحضور الصلوات فيه فإنما سافرت من‬
‫بالدك لنيل األجر والثواب فاغتنم الفرصة وال تكسل‪ ،‬فما أبعد الخير عن أهل الكسل‪ ،‬وقد سبق قوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪" :‬صالة في مسجدي هذا أفضل من ألف صالة فيما سواه إال املسجد الحرام"‪.21‬‬

‫‪ 17‬سنن أبي داود ‪2041‬‬


‫‪ 18‬شعب اإليمان ‪4157‬‬
‫‪ 19‬المجموع شرح المهذب ‪252/8‬‬
‫‪ 20‬صحيح البخاري رقم ‪470‬‬
‫‪ 21‬سبق تخريجه‬

‫‪7‬‬
‫رابعا‪ :‬األماكن التي تزارتعبدا‪( :‬مسجد قباء‪ ،‬مقبرة البقيع‪ ،‬شهداء أحد)‪:‬‬
‫املدينة مليئة باآلثار‪ ،‬فهي دار اإليمان التي تأسست فيها دولة اإلسالم‪ ،‬غير أن هناك مواقع وأماكن تعد‬
‫زيارتها عبادة يتقرب بها املسلم إلى هللا تعالى‪ ،‬وأولها زيارة النبي الكريم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والسالم عليه‪ ،‬وقد‬
‫سبق بيانها‪ ،‬وهذه بقية األماكن التي تسن زيارتها‪:‬‬
‫زيارة مسجد قباء‪ :‬فقد ذكره هللا عز وجل في القرآن الكريم فقال‪( :‬ملسجد اسس على التقوى من‬ ‫‪-‬‬
‫اول يوم احق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا وهللا يحب املطهرين) [سورة التوبة آية ‪ .]109‬وهو أول‬
‫مسجد أسسه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وشارك في بنائه بنفسه‪ .‬وكان صلى هللا عليه وسلم يزوره‪ ،‬فقد روى‬
‫البخاري عن ابن عمر رض ي هللا عنهما قال‪" :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم ياتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا‪،‬‬
‫وكان عبد هللا يفعله"‪ .22‬وعن سهل بن حنيف قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من تطهر في بيته ثم أتى‬
‫مسجد قباء فصلى فيه صالة كان له كأجر عمرة"‪.23‬‬
‫زيارة مقبرة البقيع والدعاء ألهله‪ :‬وهي مدفن أهل املدينة‪ ،‬تقع بجوار املسجد النبوي الشريف‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وتضم عددا كبيرا من جلة الصحابة الكرام والتابعين واألئمة األعالم وكذا أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫ضمت من الصحابة رضوان هللا عليهم عثمان بن عفان وسعد بن معاذ وأبا سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص‬
‫وعبد هللا بن مسعود وغيرهم‪ ،‬ومن التابعين واألعالم سعيد بن املسيب وعبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة وعروة بن‬
‫الزبيرومالك بن أنس ونافع بن عبد الرحمن املدني (املقرئ) وغير هؤالء الكثير‪ .‬فتسلم عليهم‪ ،‬وتدعو لهم‪ .‬وقد ثبت‬
‫في الصحيح أن النبي صلى هللا عليه وسلم زارالبقيع وعلمنا ما نقول إذا ما نحن زرناه‪ ،‬أخرج اإلمام مسلم في صحيحه‬
‫من حديث عائشة رض ي هللا عنها أن النبي صلى هللا عليه وسلم ذات يوم إذ هو في نوبتها أتاه جبريل فقال‪ :‬إن ربك‬
‫يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم‪ ،‬قلت‪ :‬كيف أقول لهم يا رسول هللا؟ قال‪ :‬قولي السالم على أهل الديار‬
‫من املؤمنين واملسلمين‪ ،‬ويرحم هللا املستقدمين منا واملستأخرين‪ ،‬وإنا إن شاء هللا بكم لالحقون"‪.24‬‬
‫زيارة شهداء أحد‪ :‬وهي قبور الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد ودفنوا هنالك‪ ،‬ويفعل الزائر‬ ‫‪-‬‬
‫مثل ما فعل بالبقيع فيسلم عليهم ويسمي من عرف منهم ويدعو لهم‪ ،‬وممن دفن هناك حمزة بن عبد املطلب عم‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومصعب بن عمير وأنس بن النضر وسعد بن الربيع وغيرهم رض ي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وقد ثبت أن النبي صلى هللا عليه وسلم زارهم وأمر بذلك وحث عليه‪ ،‬روى الحاكم بسنده أن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال‪" :‬اللهم إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤالء شهداء‪ ،‬وأن من زارهم وسلم عليهم‬
‫إلى يوم القيامة ردوا عليه"‪ ،25‬وهذه الزيارات تعبدية مأمور بها في الشرع‪.‬‬

‫‪ 22‬صحيح البخاري رقم ‪ 1193‬ومسلم ‪1399‬‬


‫‪ 23‬سنن النسائي ‪ 699‬وسنن ابن ماجه ‪1412‬‬
‫‪ 24‬صحيح مسلم رقم ‪974‬‬
‫‪ 25‬المستدرك ‪29/3‬‬

‫‪8‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-3‬‬
‫اللقاء الثالث‪ :‬التكوين الفقهي في أحكام الحج والعمرة (املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫‪-‬املحاور‪:‬‬
‫فضل الحج‪ ،‬أنواعه‪ ،‬مع التركيز على الحج بالتمتع‪.‬‬ ‫▪‬
‫اإلحرام‪ :‬حقيقته‪ ،‬أنواعه‪ ،‬وما يتعلق به من الواجبات والسنن واملمنوعات‬ ‫▪‬
‫فضل العمرة‪ :‬الطواف والسعي وما يتعلق بهما من األحكام‬ ‫▪‬
‫أوال‪ :‬فضل الحج‪ ،‬أنواعه‪ ،‬مع التركيز على الحج بالتمتع‬

‫‪ -‬فضل الحج‪:‬‬
‫الحج أحد أركان اإلسالم‪ ،‬ومبانيه العظام وهو عبادة عظيمة عند هللا تعالى‪ ،‬وقد جاءت‬
‫األحاديث النبوية الشريفة املشهورة تبين فضله الكبير وأثره العظيم‪ ،‬فمن ذلك أنه‪:‬‬
‫‪ .1‬تغفر به الذنوب‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة‪ ،‬رض ي هللا عنه أنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم يقول‪" :‬من حج هلل فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"‪.26‬‬
‫‪ .2‬تنال به الدرجات‪ ،‬فهو من أفضل األعمال‪ ،‬كما في حديث أبي هريرة رض ي هللا عنه قال‪:‬‬
‫"سئل النبي صلى هللا عليه وسلم أي األعمال أفضل؟ قال إيمان باهلل ورسوله‪ ،‬قيل ثم ماذا؟ قال‪ :‬جهاد‬
‫في سبيل هللا‪ ،‬قيل ثم ماذا؟ قال‪ :‬حج مبرور"‪.27‬‬
‫‪ .3‬تستجاب به الدعوات‪ ،‬عن أبي هريرة قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الحجاج‬
‫والعمار وفد هللا‪ ،‬إن دعوه أجابهم‪ ،‬وإن استغفروه غفر لهم"‪.28‬‬
‫‪ .4‬تدفع به الفاقات‪ ،‬عن عبد هللا بن مسعود رض ي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪" :‬تابعوا بين الحج والعمرة‪ ،‬فإنهما ينفيان الفقر والذنوب‪ ،‬كما ينفي الكير خبث‬
‫الحديد"‪.29‬‬
‫‪ .5‬تفتح به الجنات‪ ،‬فمن حديث ابن مسعود عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ليس للحج‬
‫املبرور ثواب دون الجنة"‪.30‬‬

‫‪ 26‬صحيح البخاري ‪ 1521‬ومسلم ‪1350‬‬


‫‪ 27‬صحيح البخاري ‪1519‬‬
‫‪ 28‬سنن ابن ماجه ‪2892‬‬
‫‪ 29‬سنن الترمذي ‪ 810‬وسنن النسائي ‪2631‬‬
‫‪ 30‬سنن الترمذي ‪ 810‬وسنن النسائي ‪2631‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ .6‬يعدل الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬ففي حديث أم املومنين عائشة‪ ،‬رض ي هللا عنها‪ ،‬أنها قالت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا نرى الجهاد أفضل العمل أفال نجاهد قال‪" :‬ال‪ ،‬لكن أفضل الجهاد حج مبرور"‪ .31‬والحج‬
‫املبرور هو الذي ال يخالطه إثم‪ ،‬وليس فيه رياء وال رفث وال فسوق‪.‬‬
‫‪ -‬أنواع الحج‪:‬‬
‫أنواع الحج ثالثة‪ :‬إفراد وقران وتمتع وأفضلها عندنا في املذهب املالكي‪ :‬اإلفراد‪ .‬وعند الحنفية القران‪.‬‬
‫وعند الشافعية والحنابلة التمتع‪ .‬واألخف واأليسر واألرفق اليوم هو التمتع‪ ،‬خصوصا ملن سيمكث أياما بمكة قبل‬
‫الصعود إلى منى ثم إلى عرفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلحرام‬
‫اإلحرام هو أول أركان الحج‪ :‬وحقيقته‪ :‬نية الدخول في النسك إما الحج أو العمرة أوهما معا‪ ،‬فاإلحرام‬
‫هو النية وليس اللباس كما يتبادر إلى أذهان كثير من الناس‪.‬‬
‫أنواعه ثالثة‪ :‬اإلفراد‪ -‬القران‪ -‬التمتع‪ ،‬كما سبق‪ ،‬ومعظم الحجاج اليوم يدخلون بنية التمتع وهو أن يحرم‬
‫املسلم بنية العمرة وحدها في أشهر الحج ثم يحج من عامه الذي اعتمر فيه‪ .‬وال يشترط التلفظ بما نواه الحاج ملا‬
‫ورد أن ابن عمر رض ي هللا عنهما سئل‪ :‬أيسمي أحدنا حجا أو عمرة؟ فقال‪ :‬أتنبئون هللا بما في قلوبكم؟! إنما هي نية‬
‫أحدكم"‪ ،‬وإن تلفظ بما نواه فال حرج عليه‪ ،‬لحديث أنس رض ي هللا عنه قال سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول‪" :‬لبيك عمرة وحجا"‪.32‬‬
‫‪ -‬واجبات اإلحرام‪:‬‬
‫الواجب هو الذي ينجبر بالهدي فهو دون الركن‪ ،‬ومن واجبات اإلحرم ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬التجرد من املخيط واملحيط بالنسبة للذكور ولو كانوا غير مكلفين (باستثناء بطاقة‬
‫الحاجة املعلقة بالعنق وسوار اليد وهما من الترتيبات املتخذة التي تحمي الحاج من التيه)‪ ،‬لحديث‬
‫زيد بن ثابت رض ي هللا عنه أنه رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تجرد إلهالله [أي إحرامه]‬
‫واغتسل‪ .33‬وهذا التجرد يرمز إلى االستسالم واالنقياد لشرع هللا تعالى‪ ،‬والتذكير بيوم الخروج من هذه‬
‫الدنيا في مثل ثوب اإلحرام‪ ،‬وإزالة الفوارق بين الغني والفقير والقوي والضعيف فلباسهم املوحد يشبه‬
‫أكفان املوتى‪ ،‬ويحقق وحدة الصف وتوحيد أمة اإلسالم مما يقوي فيهم التمسك بأواصر األخوة‬
‫واملحبة‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلحرام من امليقات املكاني‪ .‬والحجاج املتاوجهون إلى مكة مباشرة يحرمون في الطائرة‬
‫بمحاذاة امليقات‪ ،‬والقادمون من املدينة يحرمون في آبار علي‪.‬‬
‫‪ .3‬التلبية‪ :‬وصيغتها (لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك‬
‫وامللك‪ ،‬ال شريك لك) فعن عبد هللا بن عمر رض ي هللا عنهما أن تلبية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪ 31‬صحيح البخاري ‪1861‬‬


‫‪ 32‬صحيح البخاري ‪ 4353‬ومسلم‪1232‬‬
‫‪ 33‬سنن الترمذي ‪830‬‬

‫‪10‬‬
‫لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك وامللك‪ ،‬ال شريك لك"‪ ،34‬ويجب‬
‫وصلها باإلحرام‪ ،‬والفصل اليسير ال يضر ملا روى ابن عمر رض ي هللا عنهما قال‪ :‬أهل النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة‪.35‬‬
‫كشف الرأس للذكر والوجه والكفين لألنثى‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫االستعداد لإلحرام‪:‬‬ ‫•‬

‫قبل اإلحرام ينبغي للحاج أن يفعل ما يلي‪:‬‬


‫‪ .1‬التنظف بإزالة شعر اإلبطين وحلق شعر العانة وتقليم األظافر وهذه مستحبات‪.‬‬
‫‪ .2‬االغتسال كاغتسال الجنابة‪ ،‬وهذا االغتسال سنة‪ ،‬فاملتوجه إلى مكة يغتسل من بيته‪،‬‬
‫ومن كان في املدينة اغتسل بها‪ ،‬ملا ثبت في الصحيح عن ابن عباس رض ي هللا عنهما قال‪" :‬انطلق النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم من املدينة بعد ما ترجل‪ ،‬وادهن‪ ،‬ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه‪36"..‬‬
‫‪ .3‬لبس اإلزار والرداء والنعلين للرجال‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم "ليحرم أحدكم في إزار‬
‫ورداء ونعلين"‪.37‬‬
‫‪ .4‬صالة ركعتين بعد االغتسال وقبل اإلحرام وهذه سنة كذلك‪ ،‬فقد كان رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل‪.38‬‬
‫واملرأة مثل الرجل إال في اإلحرام فإنها تحرم في لباسها العادي‪ .‬ويستمر الحاج في التلبية‬
‫ويتوسط في ذكرها فال يداوم عليها حتى يمل ويضجر منها‪ ،‬وال يتركها حتى تفوته الشعيرة‪ ،‬ويستمر على‬
‫هذه الحال حتى يصل مكة فيقطع التلبية‪ ،‬ملا في الصحيح‪ :‬كان ابن عمر رض ي هللا عنهما إذا دخل أدنى‬
‫الحرم أمسك عن التلبية ويحدث أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان يفعل ذلك‪.39‬‬
‫ممنوعات اإلحرام‪ ،‬وأهمها ما يلي‪:‬‬ ‫•‬
‫لبس املحيط واملخيط‪( .‬يستثنى من ذلك البادج وإسورة اليد)؛‬ ‫‪.1‬‬
‫ستر املرأة وجهها كله أو بعضه وكفيها؛‬ ‫‪.2‬‬
‫الجماع ومقدماته ولو علمت السالمة؛‬ ‫‪.3‬‬
‫مس الطيب للرجل واملرأة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مغتفرات اإلحرام‪:‬‬ ‫•‬
‫يجوز للمحرم ما يلي‪:‬‬

‫‪ 34‬صحيح البخاري ‪ 1549‬ومسلم ‪1184‬‬


‫‪ 35‬صحيح البخاري ‪1552‬‬
‫‪ 36‬صحيح البخاري ‪1545‬‬
‫‪ 37‬صحيح مسلم ‪1177‬‬
‫‪ 38‬صحيح البخاري ‪ 1514‬باختالف يسير‬
‫‪ 39‬صحيح البخاري ‪1573‬‬

‫‪11‬‬
‫‪-1‬االستظالل باملرتفع كالحائط واملظلة والخيمة والشجرة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬اتقاء الشمس والريح عن وجهه أو رأسه بيده وبما يقيه‪.‬‬
‫‪ -3‬اتقاء املطر والبرد عن رأسه بمرتفع عنه كثوب أو غيره‪.‬‬
‫‪ -4‬شد حزام بوسطه (املنطقة أو السمطة) توضع فيه نفقته أو نفقة عياله‪.‬‬
‫‪ -5‬إبدال املحرم ثوبه الذي أحرم به بثوب آخر‪.‬‬
‫‪ -6‬حك ما خفي من بدنه كرأسه وظهره برفق‪.‬‬
‫‪ -7‬سوار اليد وبطاقة الحاج املسمى بـ(البادج) وما في معناه مما دعت الضرورة الستعماله‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العمرة والطواف والسعي وما يتعلق بذلك‬
‫العمرة سنة مؤكدة مرة في العمر‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬وأتموا الحج والعمرة هلل) [سورة البقرة آية‬
‫‪ ] 195‬وقد جاء في فضلها جملة مهمة من األحاديث‪ ،‬منها ما أخرجه اإلمام مسلم في صحيحه عن أبي‬
‫هريرة ‪ -‬رض ي هللا عنه ‪ -‬أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬العمرة إلى العمرة كفارة ملا بينهما‪.40‬‬
‫وأركانها ثالثة‪ :‬اإلحرام (وقد تقدم) والطواف والسعي‪.‬‬
‫ففي الطواف‪ ،‬قال هللا جل وعال (وليطوفوا بالبيت العتيق) [سورة الحج آية ‪ ،]27‬وأهم أحكامه‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫• شروط الصحة‪:‬‬
‫‪ -1‬الطهارتان أي‪ :‬طهارة الحدث والخبث؛‬
‫‪ -2‬ستر العورة فهو كالصالة؛‬
‫‪ -3‬املواالة بين األشواط بال فاصل كبير‪ ،‬فإن طال الفصل ولو لحاجة فعليه اإلعادة من أول‬
‫شوط وبطل ما فعله‪ ،‬ويقطعه إذا أقيمت الصالة‪ ،‬ويبني على ما فعل؛‬
‫‪ -4‬كون األشواط سبعة ويبطل الطواف بترك شوط أو بعضه‪ ،‬ومن شك في ركن بنى على األقل‬
‫مثل الصالة‪ ،‬إال املوسوس فيبني على األكثر‪.‬‬
‫• واجبات الطواف‪:‬‬
‫‪ - 1‬صالة ركعتين بعد االنتهاء من الطواف‪ ،‬في أي مكان تيسر له وال يبحث عن أن يكون خلف‬
‫مقام إبراهيم‪ ،‬فذلك متعذر وليس شرطا‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابتداء الطواف من الحجر األسود‪ ،‬يستقبل الحجر‪ ،‬ويكبر ثم يمض ي وال يبحث عن تقبيل‬
‫الحجر أو استالمه ملا في ذلك من املشقة بسبب االزدحام الشديد‪.‬‬
‫‪ - 3‬الطواف ماشيا إن قدر عليه‪ ،‬فإن لم يقدر طاف راكبا بالعربة وصح طوافه‪.‬‬

‫‪ 40‬صحيح مسلم ‪ 1349‬والبخاري‪1773‬‬

‫‪12‬‬
‫• سنن ومستحبات الطواف‪:‬‬
‫للطواف سنن ومستحبات يتعذر فعل أكثرها في هذا الزمان نظرا لشدة الزحام‪ ،‬ولذلك أقتصر‬
‫على ذكر ما يمكن فعله وهو‪:‬‬
‫‪ .1‬التكبير في ابتداء الطواف‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلكثار من الدعاء بال حد كما قال اإلمام ابن عاشر رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫وادع بما شئت بسعي وطواف***وبالصفا ومروة مع اعتراف‪.41‬‬
‫‪ .3‬اإلكثار من شرب ماء زمزم بنية حسنة فزمزم ملا شرب له‪.‬‬
‫وأما السعي فقد قال تعالى‪{ :‬إن الصفا واملروة من شعائر هللا‪ ،‬فمن حج البيت أو اعتمر فال‬
‫جناح عليه أن يطوف بهما} [سورة البقرة آية‪.]157‬‬
‫• وشروط صحته ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون بعد طواف صحيح‪.‬‬
‫‪-2‬أن يبدأ السعي من الصفا وينتهي باملروة‪ ،‬لحديث جابر رض ي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪{ :‬نبدأ بما بدأ هللا به} فإن بدأ باملروة ألغى ذلك الشوط‪.‬‬
‫‪-3‬كونه سبعة أشواط‪ ،‬فإن سعى أقل من سبعة أشواط فال يجزئه‪ ،‬وعليه أن يكمله إال إذا‬
‫طال الفصل عرفا فيستأنفه‪.‬‬
‫‪-4‬املواالة بين أشواط السعي‪ ،‬فإن فرق بفاصل طويل فعليه أن يستأنفه ويغتفر الفصل‬
‫اليسير‪.‬‬
‫• واجبات السعي‪:‬‬
‫‪-1‬املواالة بين السعي والطواف‪ ،‬فإن فصل بينهما كثيرا وجب عليه إعادة الطواف‪.‬‬
‫‪ -2‬املش ي للقادر عليه‪.‬‬
‫• سنن السعي‪:‬‬
‫من سننه املمكنة اليوم‪:‬‬
‫‪-1‬إسراع الرجال بين العمودين األخضرين حال الذهاب إلى املروة‪ ،‬وحال الرجوع‬
‫‪ -2‬الدعاء على الصفا واملروة وبينهما بال حد‪ ،‬قال اإلمام ابن عاشر رحمه هللا‪:‬‬
‫(وادع بما شئت بسعي وطواف***وبالصفا ومروة مع اعتراف)‪.42‬‬

‫‪ 41‬منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين‬


‫‪ 42‬منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين‬

‫‪13‬‬
‫• مندوبات السعي‪:‬‬
‫‪-1‬يندب في السعي ما يشترط للصالة من طهارة حدث وخبث وستر عورة فإن انتقض وضوء‬
‫الساعي أثناءه أو تذكر الحدث أتم سعيه وال ش يء عليه‪ ،‬لحديث عائشة رض ي هللا عنها أن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال لها حين حاضت‪" :‬افعلي كما يفعل الحاج‪ ،‬غير أن ال تطوفي بالبيت حتى‬
‫تطهري"‪.43‬‬
‫فإذا أتم املعتمر السعي بقي عليه أن يحلق رأسه أو يقصره وللمرأة التقصير فقط‪ ،‬وبذلك‬
‫يتحلل من العمرة‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬لتدخلن املسجد الحرام إن شاء هللا آمنين محلقين رؤوسكم‬
‫ومقصرين ال تخافون) [سورة الفتح آية ‪]27‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن املرأة الحائض إذا أدركها وقت السفر (مغادرة مكة) فإنها تضع لفافة ثم‬
‫تطوف‪.‬‬

‫‪ 43‬صحيح البخاري ‪ 305‬ومسلم ‪1211‬‬

‫‪14‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-4‬‬
‫اللقاء الرابع‪ :‬التكوين الفقهي في أحكام املشاعر املقدسة (منى‪ ،‬عرفات‪ ،‬مزدلفة)‬
‫(املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫املحاور‪:‬‬
‫▪ الخروج إلى منى‪ :‬حكمه وحكمته؛‬
‫▪ الوقوف بعرفة‪ :‬أحكامه الفقهية وتجلياته اإليمانية؛‬
‫▪ النزول بمزدلفة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الخروج إلى منى‪ :‬حكمه وحكمته‪:‬‬
‫بعد أن ينهي الحجاج عمرتهم يتحللون ويمكثون في مكة املكرمة محافظين على حرمتها وأداء صلواتهم في‬
‫املسجد الحرام ما أمكن‪ ،‬مكثرين من ذكر هللا واستغفاره إلى أن يحين وقت الخروج إلى منى‪ ،‬فيتهيأوا كما فعلوا‬
‫ابتداء‪ ،‬واألصل في الخروج ملنى هو يوم الثامن من ذي الحجة‪ ،‬وقد كان الناس قديما يخرجون فرادى وفي جماعات‬
‫صغيرة راجلين أو راكبين على الدواب‪ ،‬وبما أن الوضع اآلن مختلف‪ ،‬سواء من حيث عدد الحجاج أو وسائل النقل‬
‫أو الطرق التي يسلكها الناس حيث يشتد الزحام وتمتلئ الطرقات‪ ،‬فإنه يتعين التقيد بما تبرمجه الجهات املسؤولة‬
‫عن تنظيم الحج‪ ،‬سواء السلطات السعودية أو البعثة املغربية‪ ،‬وذلك ابتداء من وقت الخروج الذي يكون عادة‬
‫بعد صالة عشاء يوم السابع من ذي الحجة‪ ،‬فعلى الحجاج أن يستعدوا لإلحرام قبل الخروج بوقت كاف‪،‬‬
‫واالستعداد يكون باألمور التالية‪:‬‬
‫• أعمال ما قبل الخروج إلى منى‪:‬‬
‫‪ .1‬يتنظف الحاج ويغتسل ويصلي ركعتين كما فعل في البداية حين أراد العمرة‪ ،‬لحديث زيد بن ثابت‬
‫أنه رأى النبي صلى هللا عليه وسلم تجرد إلهالله واغتسل‪ .44‬واملرأة والرجل سواء في هذا‪.‬‬
‫‪ .2‬يحرم بالحج‪ ،‬واإلحرام هو نية الدخول في الحج مع قول أو فعل تعلق به‪ .‬وهو ركن ال يصح الحج‬
‫بدونه‪.‬‬
‫‪ .3‬يتجرد من الثياب املحيطة واملخيطة وهذا واجب على الرجل (باستثناء اسورة اليد والبادج)‪ ،‬ويلبس‬
‫ثياب اإلحرام‪ ،‬عن عبد هللا بن عمر قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين"‪.45‬‬
‫وهذا كله يفعله في مكة‪.‬‬
‫• أعمال منى في اليوم الثامن‪:‬‬
‫يقض ي الحجاج اليوم الثامن في منى‪ ،‬وأعمالها هي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ 44‬سنن الترمذي ‪830‬‬


‫‪ 45‬صحيح البخاري رقم ‪1838‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .1‬االستمرار في التلبية‪ ،‬وال يقطعها إال بعد زوال يوم عرفة ليشتغل بالدعاء والتضرع إلى هللا‪ ،‬وهذا‬
‫فعل كبار الصحابة مثل سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة رض ي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬وقيل يستمر بالتلبية‬
‫إلى رمي الجمرة الكبرى‪ ،‬واألمر واسع‪.‬‬
‫‪ .2‬صالة الظهر والعصر واملغرب والعشاء بها‪ ،‬وكل صالة تؤدى في وقتها مع قصر الصلوات الرباعية‪،‬‬
‫والقصر سنة‪.‬‬
‫وحكم الخروج إلى منى أنه سنة‪ ،‬وحكمته تهيئة الحجاج وإعدادهم للموقف العظيم في صعيد عرفات‪،‬‬
‫ومن لم يتمكن من اإلحرام من مكة أحرم من منى في اليوم الثامن‪ ،‬بل يصح اإلحرام حتى في اليوم التاسع الذي هو‬
‫يوم عرفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عرفة‬
‫يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات ابتداء من مساء اليوم الثامن فيقضون اليوم التاسع هناك إلى أن تغرب‬
‫الشمس‪.‬‬
‫أحكام يوم عرفة الفقهية‬ ‫•‬
‫وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬الحضور بعد الزوال وهو من واجبات الحج‪.‬‬
‫‪ .2‬الحضور قليال من الوقت بعد الغروب‪ ،‬وهو ركن ال يصح الحج إال به‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"الحج عرفة"‪.‬‬
‫‪ .3‬يصلي الحجاج الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم بأذان وإقامتين‪ ،‬وهو سنة‪ ،‬وال بد من بيان أن‬
‫عرفة كلها موقف وأن الخيام هي داخل حدود عرفة‪ ،‬فمن بقي داخل خيمته فهو في عرفة‪ ،‬روى أبو داود في سننه‬
‫عن جابر بن عبد هللا عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬وقفت هاهنا بعرفة‪ ،‬وعرفة كلها موقف"‪.46‬‬
‫ثم إن بعض الحجاج خاصة من النساء وكبار السن يصرون على الذهاب إلى جبل الرحمة أو مسجد نمرة‪،‬‬
‫وفي ذلك ما فيه من املخاطر الصحية كالتيه واإلغماء والتعرض لضربات الشمس وغير ذلك‪ .‬ثم إن الشرع الحنيف‬
‫لم يكلفنا بذلك‪ ،‬وليس لصعود جبل الرحمة عالقة بالعبادة‪ ،‬وعليه فننصح الحجاج بالصالة في خيامهم‪،‬‬
‫واالشتغال بالذكر واالستغفار‪.‬‬
‫تجليات يوم عرفة اإليمانية‪:‬‬ ‫•‬
‫يوم عرفة يوم مشهود عند هللا‪ ،‬تجاب فيه الدعوات‪ ،‬وتتنزل فيه الرحمات‪ ،‬وتغفر فيه الخطايا والزالت‪،‬‬
‫وعليه فيجب اغتنام نفحات الرحمن في ذلك املقام‪ ،‬ففي الصحيح قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ما من يوم‬
‫أكثر من أن يعتق هللا فيه عبدا من النار من يوم عرفة‪ ،‬وإنه ليدنو ثم يباهي بهم املالئكة‪ ،‬يقول‪ :‬ما أراد هؤالء‪،‬‬
‫اشهدوا مالئكتي أني قد غفرت لهم"‪.47‬‬

‫وفي املوطإ أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬ما رئي الشيطان يوما هو أصغر وال أدحر‬
‫وال أحقر وال أغيظ منه في يوم عرفة‪ ،‬وما ذاك إال ملا رأى من تنزل الرحمة وتجاوز هللا عن الذنوب‬
‫‪ 46‬سنن أبي داود ‪1936‬‬
‫‪ 47‬صحيح مسلم باختالف يسير ‪1348‬‬

‫‪16‬‬
‫العظام"‪ ،48‬وفي مسند اإلمام أحمد أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دعا عشية عرفة ألمته بالرحمة‬
‫واملغفرة فأكثر الدعاء فأجابه هللا عز وجل أن قد فعلت وغفرت ألمتك إال من ظلم بعضهم بعضا‪،‬‬
‫فقال يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب املظلوم خيرا من مظلمته‪ ،‬فلم يجبه تلك العشية فلما‬
‫كان من الغد دعا غداة املزدلفة‪ ،‬فعاد يدعو ألمته فلم يلبث النبي صلى هللا عليه وسلم أن تبسم فقال‬
‫بعض أصحابه يا رسول هللا بأبي أنت وأمي ضحكت في ساعة لم تكن تضحك فيها فما أضحكك أضحك‬
‫هللا سنك‪ ،‬قال‪ :‬تبسمت من عدو هللا إبليس حين علم أن هللا قد استجاب لي في أمتي وغفر للظالم‬
‫أهوى يدعو بالثبور والويل ويحثو التراب على رأسه فتبسمت مما يصنع جزعه‪ .49‬وأفضل الدعاء‬
‫دعاء يوم عرفة ففي سنن الترمذي من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رض ي هللا عنهما أن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬خير الدعاء دعاء يوم عرفة‪ ،‬وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي ‪:‬ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك‪ ،‬وله الحمد‪ ،‬وهو على كل ش يء قدير"‪.50‬‬
‫ثالثا‪ :‬النزول بمزدلفة‪:‬‬
‫بعد التحقق من غروب الشمس والبقاء قليال من الوقت بعد الغروب بعرفة تنطلق قوافل‬
‫الحجاج عائدة إلى منى فتمر بمزدلفة وتقف هناك‪ ،‬قال هللا تعالى‪( :‬فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا‬
‫هللا عند املشعر الحرام) [سورة البقرة آية ‪ ،]197‬والنزول بمزدلفة هو من الواجبات‪ ،‬حيث يبقى‬
‫الحاج فترة يسيرة يصلي املغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء‪ ،‬وإذا تيسر له التقاط حصيات‬
‫الجمرات فذاك‪ ،‬وإال فمن حيث تيسر‪.‬‬
‫وهنا ينبغي اتباع إرشادات أعضاء البعثة الساهرين على تنظيم عملية تصعيد الحجاج‬
‫بالحافالت تيسيرا عليهم‪.‬‬
‫ومن وصل مزدلفة قبل العشاء أخر الصالة إلى وقت العشاء‪ ،‬فإن صالها صحت إن شاء هللا‪.‬‬
‫ومن تأخر عن الوصول حتى فات وقت العشاء صلى حيث هو أي في مكانه الذي هو فيه‪ .‬أما من لم‬
‫يتمكن من الوصول إلى مزدلفة إال بعد طلوع الفجر لعذر قاهر كالزحام أو التيه أو املرض‪ ،‬أو من لم‬
‫تسمح شرطة املرور للحافلة التي تقلهم بالتوقف ونحو ذلك‪ ،‬فال ش يء عليهم وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ 48‬الموطأ رقم ‪929‬‬


‫‪ 49‬مسند احمد ‪15774‬‬
‫‪ 50‬سنن الترمذي ‪3585‬‬

‫‪17‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-5‬‬
‫اللقاء الخامس‪ :‬أعمال يوم النحر وأيام التشريق (املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫املحاور‪:‬‬
‫▪ رمي الجمار ابتداء من الجمرة الكبرى‪ :‬الكيفية والرمزية والغاية؛‬
‫▪ املبيت بمنى‪ :‬الحكم والحكمة؛‬
‫▪ حكم التعجيل وما يترتب عليه؛‬
‫▪ مساعدة اآلخرين وإعانتهم‪ -‬الحرص على االلتزام باألماكن املخصصة لكل حاج مع الصبر‬
‫على ضيق املساحة‪.‬‬
‫يوم النحر من أيام هللا املشهودة‪ ،‬وهو يوم الحج األكبر الذي يلي وقفة عرفة والنزول بمزدلفة‪،‬‬
‫قال هللا تعالى‪( :‬وأذان من هللا ورسوله إلى الناس يوم الحج االكبر أن هللا بريء من املشركين ورسوله)‬
‫[سورة التوبة آية ‪ ]3‬وفي الحديث أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال "أفضل األيام عند هللا يوم‬
‫النحر‪ ،‬ثم يوم القر"‪ 51‬ويوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر‪ .‬ويسمى يوم النحر بيوم الحج األكبر‬
‫ملا اجتمع في ليلته ونهاره من شعائر الحج العظام‪ ،‬ففي ليلته الوقوف بعرفة‪ ،‬واملبيت باملشعر الحرام‪،‬‬
‫وفي نهاره يؤدي الحاج ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬رمي الجمارابتداء من الجمرة الكبرى‪ :‬الكيفية والرمزية والغاية‪.‬‬
‫رمي جمرة العقبـة‪ ،‬وهي الجمرة الكبرى التي تلي مكـة في منتهى منى‪ ،‬وهـذا الرمي واجب ‪ .-‬ووقتـه‬
‫من طلوع فجر يوم العيد ويستمر إلى الغروب‪.‬‬
‫شروط الرمي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون بحصيات متوسطة الحجم‪ ،‬وال يجوز الرمي بحصاة كبيرة وال بالخفاف والنعال‪.‬‬
‫‪ -‬أن يرمي كل حصاة منفردة‪ ،‬فإن رمى الحصيات السبع دفعة واحدة اعتد بواحدة‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون س ــبعا لكل جمرة‪ ،‬ومن ترك حص ــاة ولو س ــهوا لم يجزئه‪ ،‬ومن ش ــك بنى على اليقين‪،‬‬
‫ومن زاد ناس ـ ــيا أو جاهال فال ش ـ ـ يء عليه‪ ،‬ومن فقد حص ـ ــاة فأخذها من أرض الجمرات فرمى بها ص ـ ــح‬
‫رميه وال ش يء عليه‪.‬‬
‫‪ -‬أن يرمي الحص ــاة رميا تص ــل به إلى موض ــع الرمي‪ ،‬ومن وض ــع الحص ــاة أو طرحها من غير رمي‬
‫لم يجزئه‪.‬‬

‫‪ 51‬سنن أبي داود ‪1765‬‬

‫‪18‬‬
‫مستحبات الرمي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يلتقط الحصيات بنفسه لالستكثار من األجر‪ ،‬ولو التقطها غيره فال حرج‪.‬‬
‫‪ -‬التكبير عند رمي كل حصاة‪ ،‬ومن ترك التكبير عند رمي الجمار؛ فليس عليه ش يء‪.‬‬
‫كيفية رمي الجمار‪:‬‬
‫وص ــفته‪ :‬أن يخرج الحاج مع رفقته متوجها إلى الجمرات‪ ،‬خاش ــعا‪ ،‬ذاكرا‪ ،‬فإذا وص ــل الجمرات‬
‫يقصد األخي ـرة منها وهي الكب ـرى‪ ،‬فيرميها بسبع حصيات التي جمعها من مزدلفة إن تيسر‪ ،‬وإال جمعها‬
‫من أي مكان‪ ،‬يقف بجانب الحوض أو قريب منه‪ ،‬ويأخذ حصـاة واحدة بين أصـبعيه السـبابة واإلبهام‬
‫ويرمي بهـا في داخـل الحوض‪ ،‬قـائال‪ :‬هللا أكبر اس ـ ـ ـ ــتحبـابـا‪ ،‬ثم يتـابع بين الحص ـ ـ ـ ـيـات الس ـ ـ ـ ــبع‪ ،‬فـإذا أتمهـا‬
‫انصرف من غير وقوف للدعاء‪..‬‬
‫ويسـ ـ ـ ــتحب أن يكون على طهارة‪ ،‬فقد سـ ـ ـ ــئل مالك هل يقف الرجل بعرفة أو باملزدلفة أو يرمي‬
‫الجمـار ‪ ...‬وهو غير طـاهر؟ فقـال‪ :‬كـل أمر تص ـ ـ ـ ــنعـه الحـائض من أمر الحج فـالرجـل يص ـ ـ ـ ــنعـه وهو غير‬
‫طاهر‪ ،‬ثم ال يكون عليه شـ ـ يء في ذلك‪ ،‬ولكن األفضـ ــل أن يكون الرجل في ذلك كله طاهرا‪،‬وال ينبغي له‬
‫أن يتعمد ذلك ‪.‬‬
‫بالنسـ ـ ـ ــبة لتوقيت رمي الجمرات‪ ،‬فينبغي اتباع إرشـ ـ ـ ــادات أعضـ ـ ـ ــاء البعثة والذين سـ ـ ـ ــيخبرون‬
‫بوق ــت الخروج خالل العملي ــة وفق الج ــداول التي تح ــدده ــا الس ـ ـ ـ ــلط ــات الس ـ ـ ـ ــعودي ــة تجنب ــا لالزدح ــام‬
‫والتدافع بجسر الجمرات وحفاظا على سالمة جميع الحجاج من مختلف األقطار‪.‬‬
‫الغاية والرمزية من رمي الجمار‪:‬‬
‫الغــايــة من الرمي في الجملــة هي طــاعــة هللا فيمــا أمر بــه‪ ،‬وإقــامــة ذكره عز وجــل بــامتثــال أمره‪،‬‬
‫قــال هللا تعــالى ‪( :‬واذكروا هللا في أيــام معــدودات) [س ـ ـ ـ ــورة البقرة آيــة] ويــدخــل في الــذكر املــأمور بــه‪ :‬رمي‬
‫الجمار‪ ،‬وعليه فينبغي للحاج أن يرمي الجمار خاش ـ ــعا خاض ـ ــعا مكبرا هللا عز وجل‪ ،‬ويجتنب ما يفعله‬
‫كثير من الجهال من الص ـ ــياح واللغط والس ـ ــب والش ـ ــتم‪ ،‬فإن رمي الجمار من ش ـ ــعائر هللا {ومن يعظم‬
‫ش ــعائر هللا فإنها من تقوى القلوب} [س ــورة الحج آية ‪ ]30‬وفي الحديث عن النبي ص ــلي هللا عليه وس ــلم‬
‫أنه قال‪":‬إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا واملروة ورمي الجمار إلقامة ذكر هللا" ‪.52‬‬
‫والرمزيـة هي االقتـداء بس ـ ـ ـ ـيـدنـا إبراهيم في عـداوة الش ـ ـ ـ ــيطـان ورميـه وعـدم االنقيـاد لـه‪:‬عن ابن‬
‫عب ــاس رض ـ ـ ـ ـ ي هللا عنهم ــا مرفوع ــا‪ ،‬ق ــال‪ ":‬مل ــا أتى إبراهيم خلي ــل هللا علي ــه الس ـ ـ ـ ــالم املن ــاس ـ ـ ـ ـ ــك‪ ،‬عرض‬
‫له الشـيطان عند جمرة العقبة‪ ،‬فرماه بسـبع حصـيات‪ ،‬حتى سـاخ في األرض‪ ،‬ثم عرض له عند الجمرة‬
‫الثانية‪ ،‬فرماه بسـ ـ ـ ــبع حصـ ـ ـ ــيات‪ ،‬حتى سـ ـ ـ ــاخ في األرض‪ ،‬ثم عرض له في الجمرة الثالثة‪ ،‬فرماه بسـ ـ ـ ــبع‬
‫حصـ ــيات حتى سـ ــاخ في األرض‪ .‬قال ابن عباس رضـ ـ ي هللا تعالى عنهما ‪:‬الشـ ــيطان ترجمون‪ ،‬وملة أبيكم‬

‫‪ 52‬سنن أبي داود ‪ 1888‬والترمذي ‪904‬‬

‫‪19‬‬
‫تتبعون"‪ 53‬فيس ـ ـ ـ ــتحض ـ ـ ـ ــر الحــاج أنــه يرجم الش ـ ـ ـ ــيطــان معنويــا معلنــا االمتثــال ألمر هللا بــالبراءة من‬
‫الش ـ ـ ـ ــيط ــان وإظه ــار ع ــداوت ــه‪ .‬ق ــال اإلم ــام الغزالي رحم ــه هللا‪ :‬واعلم أن ــك في الظ ــاهر ترمي الحص ـ ـ ـ ـ ى إلى‬
‫العقبة‪ ،‬وفي الحقيقة ترمي به وجه الشـيطان‪ ،‬وتقصـم به ظهره؛ إذ ال يحصـل إرغام أنفه إال بامتثالك‬
‫أمر هللا سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد األمر من غير حظ للنفس والعقل فيه‪".‬‬
‫وقد ورد في فضــل رمي الجمار قوله‪ ":‬وأما رميك الجمار فلك بكل حصــاة رميتها تكفير كبيرة من‬
‫املوبقات‪54"..‬‬
‫ثانيا‪ :‬املبيت بمنى ورمي الجماربها‪:‬‬
‫من الواجبات‪ :‬املبيت بمنى ليالي أيام التشـ ـ ـ ــريق‪ ،‬ثالث ليال‪ ،‬أو ليلتين إن تعجل‪ ،‬وهي ليالي ‪-11‬‬
‫‪ 12-13‬من ذي الحجـ ــة‪ ،‬ومن ترك املبيـ ــت بهـ ــا أو ليلـ ــة من ليـ ــاليهـ ــا فعليـ ــه دم‪ ،‬إال أن يكون ممن لهم‬
‫مس ــؤولية ترتبط بخدمة الحجاج تقتض ـ ي عدم املبيت فال ش ـ يء عليه‪ .‬ويحص ــل املبيت الواجب في منى‬
‫بأن يمكث فيها أكثر الليل‪.‬‬
‫الحكمة من املبيت بمنى وقضاء أيام بها‪:‬‬
‫من الحكم في ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬التفرغ للـ ــذكر لقولـ ــه تعـ ــالى "واذكروا هللا في أيـ ــام معـ ــدودات" ولقولـ ــه ص ـ ـ ـ ــلى هللا عليـ ــه‬
‫وس ــلم‪":‬أيام التش ــريق أيام أكل وش ــرب وذكر هلل عز وجل"‪ 55‬وكان عمر رض ـ ي هللا عنه يكبر أول النهار‬
‫ويكبر الناس بتكبيره‪ ،‬ثم يكبر إذا ارتفع النهار كذلك‪ ،‬ثم يكبر إذا زالت الشمس كذلك‪ ،‬ويكبر الحجاج‬
‫حتى ترتج منى بالتكبير حتى يبلغ ذلك مكة‪ ..‬ثم يكبر بالعشاء كذلك أيام منى كلها‪.‬‬
‫‪ -‬االنقطــاع عن الــدنيــا والخلوة مع النفس واالش ـ ـ ـ ــتغــال بعبــادة الــذكر هلل ممــا يبين أهميــة‬
‫هذه العبادة التي أمرنا باإلكثار منها‪.‬‬
‫وأما رمي الجمرات الثالث‪ :‬الص ـ ـ ــغرى والوس ـ ـ ــطى والكبرى‪ ،‬فهو من الواجبات أيض ـ ـ ــا ويرمي كل‬
‫واحدة منهن بسبع حصيات‪ ،‬أيام منى (‪13-12-11‬ذي الحجة)‪.‬‬
‫وصـ ـ ــفته كما سـ ـ ــبق في رمي الجمرة الكبرى يوم العيد‪ ،‬يبدأ باألولى فيرميها بسـ ـ ــبع حصـ ـ ــيات‪ ،‬ثم‬
‫يتقـدم قليال بعيـدا عن الزحـام ويقف مس ـ ـ ـ ــتقبال القبلـة ويـدعو طويال‪ ،‬ثم يتقـدم إلى الوس ـ ـ ـ ــطى فيرمي‬
‫عندها بسـ ـ ــبع حصـ ـ ــيات‪ ،‬ثم ينصـ ـ ــرف عنها فيقف مسـ ـ ــتقبال القبلة للدعاء طويال كما فعل في األولى‪،‬‬
‫وهذا الوقوف والدعاء مسـ ـ ـ ــتحب‪ ،‬من تركه ال شـ ـ ـ ـ يء عليه‪ .‬ثم يتقدم ويرمي الكبرى بسـ ـ ـ ــبع حصـ ـ ـ ــيات‬
‫وينص ــرف وال يقف للدعاء بعدها‪ .‬عن عائش ــة رض ـ ي هللا عنها قالت ‪ :‬أفاض رس ــول هللا ص ــلى هللا عليه‬
‫وســلم من آخر يومه حين صــلى الظهر‪ ،‬ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشــريق‪ ،‬يرمي الجمرة إذا‬

‫‪ 53‬أخرجه الحاكم في مستدركه ‪1713‬‬


‫‪ 54‬الترغيب والترهيب ‪110/2‬‬
‫‪ 55‬سنن أبي داود ‪ 2419‬والترمذي ‪773‬‬

‫‪20‬‬
‫زالت الش ــمس‪ ،‬كل جمرة بس ــبع حص ــيات‪ ،‬يكبر مع كل حص ــاة"‪ ،56‬ويقف عند األولى والثانية فيطيل‬
‫القيام ويتضرع‪ ،‬ويرمي الثالثة وال يقف عندها‪.‬‬
‫ويش ـ ـ ـ ــترط أن يرمي الجمــار الثالث على الترتيــب املــذكور‪ ،‬فــإن عكس أعــاد مــا بعــده ليحص ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫الترتيب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حكم التعجيل وما يترت عليه‪:‬‬
‫التعجـل هو الخروج من منى بعـد االنتهـاء من الرمي يوم ‪ 12‬من ذي الحجـة‪ ،‬وحكمـه أنـه جـائز‪،‬‬
‫ومن تعجل فليس عليه س ــوى املبيت ليلتين فقط‪ ،‬ويس ــقط عنه املبيت‪ ،‬ورمي الجمار في اليوم الثالث‬
‫عش ـ ـ ـ ــر‪ .‬لقولـه تعـالى‪ ":‬واذكروا هللا في أيـام معـدودات فمن تعجـل في يومين فال إثم عليـه ومن تـأخر فال‬
‫إثم عليه ملن اتقى"‬
‫ويشــترط لصــحة تعجيله أن يخرج من منى قبل غروب الشــمس‪ ،‬فإذا غربت الشــمس وهو بمنى‬
‫وجب عليه املبيت ورمي الجمار في اليوم املوالي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مساعدة اآلخرين وإعانتهم والحرص على االلتب ب بزام باألماكن املخصصة لكل حاج مع‬
‫الصبرعلى ضيق املساحة‪:‬‬
‫ونستحضر في هذا الباب جملة أمور منها‪:‬‬
‫‪ -‬خدمة الحجاج فرصة ملضاعفة الحسنات ورفع الدرجات‪ ،‬فقد جمع هللا في الحج فضل‬
‫الزمان وفضل املكان وفضل املخدوم‪ ،‬فإن األدلة الشرعية تدل على أن الحسنات تضاعف في الزمان‬
‫الفاضل واملكان الفاضل‪ ،‬عن ابن عباس رض ي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ما‬
‫العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا‪ :‬وال الجهاد في سبيل هللا؟ قال‪ " :‬وال الجهاد في سبيل هللا‪ .‬إال‬
‫رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله‪ ،‬فلم يرجع بش يء"‪ 57‬ومما جاء في الحديث قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫أحب الناس إلى هللا أنفعهم للناس‪ ،‬وأحب األعمال إلى هللا عز وجل سرور تدخله على مسلم‪ ،‬تكشف‬
‫عنه كربة‪ ،‬أو تقض ي عنه دينا‪ ،‬أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬وألن أمش ي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف‬
‫في هذا املسجد ‪ -‬يعني مسجد املدينة ‪ -‬شهرا‪.58‬‬
‫‪ -‬كما يعظم أجر الحسنة كذلك يعظم إثم املعصية والظلم‪ ،‬فقد توعد هللا عز وجل من يردد‬
‫الفساد واإللحاد في الحرم بعذاب أليم فقال تعالى ‪( :‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)‬
‫[سورة الحج آية ‪ .]23‬وعن ابن عباس رض ي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال" ‪:‬أبغض‬
‫الناس إلى هللا ثالثة ‪-‬منهم‪ -‬ملحد في أرض الحرم‪ "59‬ومن الظلم إذاية الحجاج‪ ،‬وفي الحديث "املسلم‬
‫من سلم املسلمون من لسانه ويده‪ ،60"..‬كما نذكر الحجاج الكرام بالتزام أماكنهم في منى والصبر على‬
‫ضيق املساحة والتعاون على الطاعة في تلك األيام املباركة‪.‬‬

‫‪ 56‬أبو داود (‪ ،)1973‬وأحمد (‪)24636‬‬


‫‪ 57‬صحيح البخاري ‪969‬‬
‫‪ 58‬المعجم األوسط للطبراني ‪6026‬‬
‫‪ 59‬صحيح البخاري ‪6882‬‬

‫‪ 60‬صحيح البخاري ‪10‬‬

‫‪21‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-6‬‬
‫اللقاء السادس‪ :‬حصص تطبيقية للحج والعمرة‪ ،‬مع محاكاة واقع الخيام باملشاعر‬
‫املقدسة (املدة ‪ 30‬دقيقة)‪:‬‬
‫‪ -‬حصة تطبيقية لتدريب الحجاج من خالل مجسم الكعبة املشرفة تحاكي املناسك‬
‫بالديار املقدسة‪( .‬فيديوهات‪-‬املحاكاة)؛‬
‫‪-‬بيان كيفية لباس اإلحرام وصيغة التلبية‪.‬‬
‫هذه حصة عملية يطبق فيها املؤطر املعلومات التي ذكرها في الحصص النظرية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-7‬‬
‫اللقاء السابع‪ :‬لقاء مفتوح (املدة ‪ 30‬دقيقة)‬
‫‪ -‬استقبال أسئلة املرشحين للحج املتعلقة بكيفية أداء املناسك‪ ،‬ومن خاللها معرفة‬
‫مدى استيعابهم ملختلف محاور التأطير السابقة والعمل على تدارك النقائص في اللقاء األخير‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن عزل النساء وتوضيح بعض األحكام الخاصة بهن في أدائهن مناسك الحج‪،‬‬
‫واستقبال أسئلتهن في هذا الباب واإلجابة عنها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫التأطيرالفقهي للمقبلين على الحج‬
‫‪-‬الوثيقة رقم ‪-8‬‬
‫اللقاء الثامن‪ :‬مراجعة عامة ملناسك الحج والعمرة وأيام املشاعر املقدسة (املدة ‪30‬‬
‫دقيقة)‪:‬‬
‫‪ -‬مناسك الحج رحلة الذنب املغفور من طواف القدوم الى طواف الوداع؛‬
‫‪ -‬نصائح توجيهية بين يدي الحاج تسبق رحلته العظيمة إلى بيت هللا الحرام؛‬
‫ينبغي التركيز في هذه الحصة على تجلية أهمية األخالق ودورها في قبول الحج ومغفرة‬
‫الذنوب‪ ،‬وأن لب العبادات هو التحلي بمكارم األخالق‪ ،‬وإال كانت طقوسا تؤدى بدون آثار‬
‫تستفاد منها‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعالى املوفق‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like