Professional Documents
Culture Documents
الجزء األول
جمع وتأليف
أ .محمود محمود الغراب
ص1:
.
ص2:
الجزء األول
ّللا الرحمن الرحيم
بسم ه
وبه نستعين
المقدمة
الحمد هّلل الذي علهم القرآن من حضرة اسمه الرحمن ،وخلق اإلنسان علمه البيان ،وأبان ما في
وشرف العلماء بمكنون تأويله ،فأعربوا عنه بأفصح لسان ،لكل قاص ودان ، ه محكم تنزيله ،
والصالة والسالم على من كان خلقه القرآن ،سيدنا محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،ذو الخلق
العظيم ،والنور المبين ،الركن المكين ،بحر المعاني ،وصاحب السبع المثاني ،الذي أوتي
علم األولين واآلخرين ،وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى لمن اقتدى ،وعلى تابعيهم بإحسان
من الورثة الكرام ،والعلماء األعالم .
أما بعد فقد ترجم عن هذا القرآن العظيم ،جماعة من أئمة الدين ،كل قد اجتهد الغوص في
ّللا تعالى عن اإلسالم والمسلمين ما هو أهله . معانيه ،واإلعراب عن إعجاز مبانيه ،فجزاهم ه
ومن هؤالء العلماء ورثة األنبياء الشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي ،فإن له على القطع
تفسيرين على األقل ،هما:
كتاب الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل.
والثاني هو إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن .
فيقول عن األول في الفتوحات المكية ،الجزء األول ص 59عند الكالم على حروف المعجم
في أوائل سور القرآن « :ذكرناه في كتاب الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل » .
اخلَ ْع
ويقول في ص « : 63وقد أشبعنا القول في هذا الفصل عندما تكلمنا على قوله تعالى":فَ ْ
نَ ْعلَ ْي َك " في كتاب "الجمع والتفصيل " .
ويقول في نفس الصفحة عند كالمه على مراتب الحروف " :هذه كلها أسرار تتبعناها في
كتاب المبادي والغايات وفي كتاب الجمع والتفصيل " .
ويقول في ص 77عند كالمه على حروف المعجم « :من أراد التشفي منها فليطالع تفسير
ّللا في كتاب القرآن الذي سميناه الجمع والتفصيل ،وسنوفي الغرض من هذه الحروف إن شاء ه
المبادي والغايات لنا ،وهو بين أيدينا ".
أما عن التفسير الثاني « إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن » فيقول في الجزء الثالث
ص3
ص3:
من الفتوحات المكية ص 64عن علم اإلصرار وبما يتعلق « :قد بيناه في كتاب إيجاز البيان
على ما فَعَلُوا " فانظره في الترجمة عن القرآن في قوله تعالى في آل عمران" َولَ ْم يُ ِ
ص ُّروا َ
هناك ".
ّللا عنه ،وال نعلم هل اإلشارة بقوله " التفسير " أو هذا يؤكد وجود التفسيرين للشيخ رضي ه
" التفسير الكبير " أيشير بذلك إلى أحد هذين التفسيرين أو إلى كليهما .
أم أن هناك تفسيرين آخرين له ،حيث يقول عند كالمه عن الذكر في الفتوحات المكية الجزء
الرابع ص « 194اعلم أن كل ذكر ينتج خالف المفهوم األول منه فإنه يدل ما ينتجه على
حال الذاكر ،كما شرطناه في التفسير الكبير لنا » .
ويقول في الفتوحات المكية الجزء األول ص 86عندما يتكلم عن الذات والحدث والرابطة
وأنه يدخل تحت كل منها أنواع كثيرة ،يقول « وقد اتسع القول في هذه األنواع في تفسير
القرآن لنا ».
ويقول في نفس الجزء ص 114عند شرحه لقوله تعالى َ «:ربه ِ ْالعالَ ِمينَ » يقول « :وقد
ذكرناه أيضا في تفسير القرآن لنا » .
ويقول في الجزء الثالث من الفتوحات المكية ص 64عند كالمه على علم الجزاء الدنياوي
واألخراوي « :وقد بيناه في التفسير لنا في فاتحة الكتاب في قوله تعالى( ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
ِين )»
فأشار الشيخ إلى بعض كتبه بكلمة « التفسير » تارة ،وبكلمة « التفسير الكبير » تارة أخرى
.
ولقد فقدت المكتبة اإلسالمية لألسف الشديد هذا التراث العظيم ضمن ما فقدته ،فإنه ال يوجد
أثر لهذه التفاسير المشار إليها إال تفسير فاتحة الكتاب وجزءين من سورة البقرة من تفسير
[ إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ] .
أما التفسير األكبر وهو [ الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل ] فإنه لم يبق منه أثر ،
ومما يدل على احتمال إكمال تفسير « إيجاز البيان » أن الشيخ يشير فيه إلى أنه سيأتي على
تفسير آيات في مواضعها من سورة النساء والمائدة واألعراف ،وسورة محمد وطه وفصلت
وص ،كما نص في الفتوحات المكية وأحال إلى الرجوع إلى سورة آل عمران من هذا التفسير
،كما سبق أن أوضحنا .
أما تفسير القرآن المطبوع باسمه والذي يتداول بين أيدي الناس في مجلدين ،فقد سبق أن
أشرنا إلى أن هذا التفسير ليس للشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي ،وال صلة له به .
وإنما هو لعبد الرزاق الكاشاني المتوفى عام 730هـ أي بعد وفاة الشيخ األكبر بحوالي مائة
عام ،والنسخة الخطية لهذا التفسير موجودة بالمكتبة السليمانية بتركيا تحت رقم 18 - 17
وتحمل خاتم المؤلف عبد الرزاق الكاشاني .
ص4
ص4:
ّللا عنه في تفسيرهوسيرى القارئ والباحث عن الحقيقة الفرق الكبير بين أسلوب الشيخ رضي ه
« إيجاز البيان » وفي التفسير الذي قمت بجمعه من كالمه وبين هذا التفسير المزور
والمنسوب إليه ،كما يقف القارئ على الفرق بين المعاني الجميلة واإلشارات اللطيفة في كالم
الشيخ وبين الكالم في تفسير الكاشاني الذي ال يكاد يفهم منه شيء ،ألنه ينحو إلى الفكر
واالتجاه الباطني الذي يرمي القارئ في متاهات الحيرة فال يعرف الخروج منها .
ّللا عنه للقرآن الكريم ،قمتومن أجل ذلك ولمحاولة الوقوف على فهم الشيخ األكبر رضي ه
بالعمل أكثر من خمس وعشرين سنة في جمع وتصنيف وترتيب ما كتبه الشيخ األكبر في كتبه
التي بين أيدينا ،مما يصلح أن يكون تفسيرا لبعض آيات القرآن سواء من الناحية الظاهرة على
نسق التفاسير األخرى من األحكام الشرعية والمعاني العربية ،أو ما يصلح أن يكون تفسيرا
صوفيا لبعض آيات القرآن وهو ما يسمى باالعتبار واإلشارة ،في التوحيد والسلوك.
وسميته « رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن » تمشيا مع عقيدة الشيخ األكبر
في شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب و.
قد أثبت بعض المعاني الجميلة مع قلتها من بعض الكتب التي ال نقطع بصحة نسبتها إلى الشيخ
مثل كتاب « رد اآليات المتشابهات إلى اآليات المحكمات »
وكتاب « تلقيح األذهان »
وكتاب " فصوص الحكم " فإنها معان ال تتعارض مع ما جمع من كتب ثابتة للشيخ .
وقد قمت بإثبات الموجود من تفسير « إيجاز البيان » على هامش هذا التفسير تأكيدا التفاق
المعاني وتوضيحا ألسلوب الشيخ ومنهاجه العلمي .
ّللا عنه في تفسير القرآن وهي كما سيجد القارئ كثيرا من المعاني التي انفرد بها الشيخ رضي ه
من السهل الممتنع التي تطرب لها األرواح ويرتاح إليها كل ذي رحمة تدعو إلى رفع الجناح ،
وقد أفردت في نهاية كل مجلد فهرسا لمراجع جمع تفسير اآليات ،مشيرا إلى مصادر جمعها
وّللا أسأل أن ينفعني والمسلمين بهذا العلم الشريف
المتعددة ليسهل على المحقق الرجوع إليها ه
.
وّللا يقول الحق وهو يهدي السبيل
ه
دمشق 6صفر 1409هـ 17أيلول 1988م .
محمود محمود الغراب ص .ب 333
ص5
ص5:
ص6:
ّللا الرحمن الرحيم
بسم ه
االفتتاح
الحمد هّلل الذي ليس ألوليته افتتاح كما لسائر األوليات ،الذي له األسماء الحسنى والصفات
العلى األزليات ،الكائن وال عقل وال نفس وال بسائط وال مركبات ،وال أرض وال سماوات ،
العالم في العماء بجميع المعلومات ،القادر الذي ال يعجز عن الجائزات ،المريد الذي ال
يقصر فتعجزه المعجزات ،المتكلم وال حرف وال أصوات ،السميع الذي يسمع كالمه وال
كالم مسموع إال بالحروف واألصوات واآلالت والنغمات ،البصير الذي رأى ذاته وال
مرئيات مطبوعة الذوات ،الحي الذي وجبت له صفات الدوام األحدي ،والمقام الصمدي ،
فتعالى بهذه السمات ،الذي جعل اإلنسان الكامل أشرف الموجودات ،وأتم الكلمات المحدثات
،والصالة والسالم على سيدنا محمد خير البريات ،وسيد الجسمانيات والروحانيات ،صاحب
الوسيلة في الجنات الفردوسيات ،والمقام المحمود في اليوم العظيم البليات ،األليم الرزيات .
ّللا أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر ليلة النصف من شعبان ،وأنزله قرآنا في شهر اعلم أن ه
رمضان ،كل ذلك إلى السماء الدنيا ،ومن هناك نزل في ثالث وعشرين سنة فرقانا ،نجوما
ذا آيات وسور ،لتعلم المنازل وتتبين المراتب ،فمن نزوله إلى األرض في شهر شعبان يتلى
فرقانا ،ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآنا .
ّللا أنزل هذا القرآن حروفا
واعلم أن ه
ص7:
منظومة من اثنتين إلى خمسة أحرف متصلة ومفردة ،وجعله كلمات وآيات وسورا ونورا
وهدى وضياء وشفاء ورحمة وذكرا وعربيا ومبينا وحقا وكتابا ومحكما ومتشابها ومفصال ،
ّللا ،ولما كان جامعا لهذه ولكل اسم ونعت من هذه األسماء معنى ليس لآلخر ،وكله كالم ه
الحقائق وأمثالها استحق اسم القرآن ،فإنه ما سمي قرآنا إال لحقيقة الجمعية التي فيه ،فإنه
يجمع ما أخبر الحق به عن نفسه ،وما أخبر به عن مخلوقاته وعباده مما حكاه عنهم ،فالقرآن
هو الذي له صفة الجمع ،من قريت الماء في الحوض إذا جمعته ،وفي الجمع عين الفرقان ،
إذ الجمع دليل الكثرة ،والكثرة آحاد ،فهو عين االفتراق من عين الجمع ،فهو الفرقان القرآن
،فلنذكر مراتب بعض نعوته لتعلم منزلته .
فمن ذلك كونه حروفا ،والمفهوم من هذا االسم أمران :الواحد المسمى قوال وكالما ولفظا ،
واألمر اآلخر يسمى كتابا ورقما وخطا ،والقرآن يخط فله حروف الرقم ،وينطق به فله
ّللا الذي هو صفته أو هل حروف اللفظ ،فلما ذا يرجع كونه حروفا منطوقا بها ؟ هل لكالم ه
ّللا عليه وسلم أنه سبحانه يتجلى في القيامة ّللا قد أخبرنا نبيه صلهى ه
للمترجم عنه ؟ فاعلم أن ه
في صور مختلفة فيعرف وينكر ،ومن كان حقيقته تقبل التجلي في الصور ،فال يبعد أن يكون
ّللا لبعض تلك الصور كما يليق بجالله ،فكما نقول الكالم بالحروف المتلفظ بها المسماة كالم ه
تجلى في صورة كما يليق بجالله ،كذلك نقول تكلم بصوت وحرف كما يليق بجالله ،ونحملها
محمل الفرح والضحك والعين والقدم واليد واليمين وغير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة ،
مما يجب اإليمان به على المعنى المعقول من غير كيفية وال تشبيه ،فإنه يقول « ليس كمثله
شيء » فنفى أن يماثل مع عقل المعنى وجهل النسبة ،فإذا انتظمت الحروف سميت كلمة ،
وإذا انتظمت الكلمات سميت آية ،وإذا انتظمت اآليات سميت سورة ،فلما وصف نفسه بأن له
نفسا كما يليق بجالله ،ووصف نفسه بالصوت والقول ،وقال «فَأ َ ِج ْرهُ َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
الم َّ ِ
ّللا
»كان النفس المسمى صوتا ،وكان انقطاعه من الصوت حيث انقطع يسمى حرفا ،وكل ذلك
معقول مما وقع اإلخبار اإللهي به لنا ،مع نفي المماثلة والتشبيه كسائر
أو ينقص منه بطريق التغيير لكونه معجزة« ِإنَّا ن َْح ُن ن ََّز ْلنَا ال ِذه ْك َر َو ِإنَّا لَهُ لَحافِ ُ
ظونَ »من التغيير
والتبديل والتحريف ،ولم يكن ذلك لغيره من الكتب ألن سائر الكتب لم تنزل على طريق
حرف فيها من حرف وبدهل من بدل ،ومع هذا فإذا حدثنا أهل الكتاب بحديث اإلعجاز ،فلذلك ه
عن كتابهم فال
ص8
ص8:
الصفات ،ولما وصف نفسه بالصورة عرفنا معنى قوله إنه الظاهر والباطن ،فالباطن للظاهر
غيب ،والظاهر للباطن شهادة ،ووصف نفسه بأن له نفسا ،فهو خروجه من الغيب وظهور
الحروف شهادة ،والحروف ظروف للمعاني التي هي أرواحها ،والتي وضعت للداللة عليها
س ْلنا ِم ْن َر ُ
سو ٍل ِإ َّال ِب ِل ِ
سان قَ ْو ِم ِه ِليُبَ ِيهنَ لَ ُه ْم »وأبلغ من هذا بحكم التواطؤ ،وقال تعالى« َوما أ َ ْر َ
ّللا لعباده ما يكون ،فال بد أن يفهم من هذه العبارات ما تدل عليه في ذلك اللسان اإلفصاح من ه
بما وقع اإلخبار به عن الكون ،فيعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكالم وتعرف النسبة ،وما
ّللا يعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكالم وتجهل النسبة ،لما أعطى وقع اإلخبار به عن ه
ّللا هو
الدليل العقلي والدليل الشرعي من نفي المماثلة ،فإذا تحققت ما قررناه ،تبينت أن كالم ه
هذا المتلو المسموع ،المتلفظ به المسمى قرآنا ،فحروفه تعيهن مراتب كلمه من حيث مفرداتها
،ثم للكلمة من حيث جمعيتها معنى ليس آلحاد حروف الكلمة ،فللكلمة أثر في نفس السامع
لهذا سميت كلمة في اللسان العربي ،مشتقة من الكلم وهو الجرح ،وهو أثر في جسم المكلوم
،كذلك للكلمة أثر في نفس السامع ،أعطاه ذلك األثر استعداد السمع لقبول الكالم بوساطة
الفهم ،ال بد من ذلك ،فإذا انتظمت كلمتان فصاعدا سمى المجموع آية ،أي عالمة على أمر
لم يعط ذلك األمر كل كلمة على انفرادها ،مثل الحروف مع الكلمة ،إذ قد تقرر أن للمجموع
حكما ال يكون لمفردات ذلك المجموع ،فإذا انتظمت اآليات بالغا ما أراد المتكلم أن يبلغ بها ،
سمى المجموع سورة ،معناها منزلة ظهرت عن مجموع هذه اآليات ،لم تكن اآليات تعطى
تلك المنزلة على انفراد كل آية منها ،وليس القرآن سوى ما ذكرناه من سور وآيات وكلمات
وحروف ،هذا من كونه كالما ،فإن أنزلناه كتابا ،فهو نظم حروف رقمية النتظام كلمات ،
النتظام آيات ،النتظام سور ،كل ذلك عن يمين كاتبة ،كما كان القول عن نفس رحماني ،
فصار األمر على مقدار واحد وإن اختلفت األحوال ،ألن حال التلفظ ليس حال الكتابة ،وصفة
اليد ليست صفة النفس ،فكونه كتابا كصورة الظاهر والشهادة ،وكونه كالما كصورة الباطن
والغيب ،
ص9
ص9:
ّللا هو فالقرآن في الصدور قرآن ،وفي اللسان كالم ،وفي المصاحف كتاب ،والمترجم عن ه
ّللا في اإللقاء والوحي ،فيكون المترجم خالقا لصور الحروف اللفظية أو كل من كلهمه ه
ّللا ال غير . المرقومة التي يوجدها ،ويكون روح تلك الصور كالم ه
ّللا قد جعل للقرآن سورة من سوره قلبا ،وجعل هذه السورة تعدل القرآن عشرة أوزان ، ثم إن ه
وجعل آليات القرآن آية أعطاها السيادة على آي القرآن ،وجعل من سور هذا القرآن سورة
تزن ثلثه ونصفه وربعه ،وذلك ما أعطته منزلة تلك السورة ،والكل كالمه ،فمن حيث هو
كالمه ال تفاضل ،ومن حيث ما هو متكلم به وقع التفاضل الختالف النظم ،والقرآن من
الكتب والصحف المنزلة بمنزلة اإلنسان من العالم ،فإنه مجموع الكتب واإلنسان مجموع
العالم ،وأعني بذلك اإلنسان الكامل ،وليس ذلك إال من أنزل عليه القرآن من جميع جهاته
ونسبه [.كون القرآن نورا وضياء وشفاء ورحمه وهدى ]
وأما كون القرآن نورا :فبما فيه من اآليات التي تطرد الشبه المضلة ،مثل قوله تعالى« لَ ْو
س َدتا »وقوله «ال أ ُ ِحبُّ ْاآلفِ ِلينَ »وقوله« فَ ْسئَلُو ُه ْم إِ ْن كانُوا يَ ْن ِطقُونَ ّللاُ لَفَ َكانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ إِ َّال َّ
ب »وكل ما جاء في معرض الداللة فهو من كونه نورا ،ألن ت بِها ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ »وقوله« فَأ ْ ِ
النور هو المنفر الظلم ،وبه سمى نورا ،إذ كان النور النفور .
وأما كونه ضياء :فلما فيه من اآليات الكاشفة لألمور والحقائق ،مثل قوله « ُك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي
ّللا »وما أشبه ذلك مما ع َّ َ سو َل فَقَ ْد أَطا َ الن »وقوله« َم ْن يُ ِط ِع َّ
الر ُ غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثَّقَ ِ
سنَ ْف ُر ُشَأ ْ ٍن »و« َ
يدل على مجرى الحقائق .
وأما كونه شفاء :فكفاتحة الكتاب وآيات األدعية كلها .
وأما كونه رحمة :فلما فيه مما أوجبه على نفسه من الوعد لعباده بالخير والبشرى ،مثل
الر ْح َمةَ »وكل آية رجاء . على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ طوا ِم ْن َر ْح َم ِة َّ ِ
ّللا »وقوله« َكت َ َ قوله« ال ت َ ْقنَ ُ
وأما كونه هدى :فكل آية محكمة ،وكل نص ورد في القرآن مما ال يدخله االحتمال
والعلوم سماه قرانا بغير همز ،ولهذا قال النبي عليه السالم « أوتيت جوامع الكلم » جمع كلمة
،ولما ضم حروفه بآية وسورة ومعانيه بهذا النظم المعجز سماه كتابا ،ولما أزال به شبه
الضالالت وظلمة الشكوك وأوضح به المشكالت سماه نورا ،ولما أبان به عن الحق المطلوب
وحسن نظمه
ص 10
ص 10 :
ُون »وقوله« س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ وال يفهم منه إال الظاهر بأول وهلة ،مثل قوله« َوما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ
ّللا »وأمثال هذه اآليات مما ال علَى َّ ِ صلَ َح فَأ َ ْج ُرهُ َعفا َوأ َ ْ صاص َحياة ٌ »وقوله« فَ َم ْن َ ِ َولَ ُك ْم فِي ْال ِق
يحصى كثرة .
وأما كونه ذكرا :فلما فيه من آيات االعتبارات وقصص األمم من إهالكهم بكفرهم ،كقصة
نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب األيكة وأصحاب الرس .
وأما كونه عربيا :فلما فيه من حسن النظم ،وبيان المحكم من المتشابه ،وتكرار القصص
بتغيير ألفاظ من زيادة ونقصان ،مع توفية المعنى المطلوب في التعريف واإلعالم مع إيجاز
ض َربُوهُ لَ َك ِإ َّال َج َد اال »وقوله« علَ ْي ِه ْم »وقوله« ما َ سبُونَ ُك َّل َ
ص ْي َح ٍة َ اللفظ ،مثل قوله« يَ ْح َ
علَ ْي ِه فَأ َ ْل ِقي ِه فِي ْاليَ ِ هم َوال تَخافِي َوال ت َ ْحزَ نِي ِإنَّا
ت َ ض ِعي ِه فَإِذا ِخ ْف ِ َوأ َ ْو َحيْنا ِإلى أ ُ ِ هم ُموسى أ َ ْن أ َ ْر ِ
س ِلينَ »كل ذلك في آية واحدة ،تحتوي على بشارتين وأمرين َرادُّوهُ ِإلَي ِْك َوجا ِعلُوهُ ِمنَ ْال ُم ْر َ
ّللا .
بعلم نافع ،وتبيين ببشرى من ه
وأما كونه مبينا :فبما أبان فيه من صفات أهل السعادة وأهل الشقاء ونعوت أهل الفالح من
غيرهم ،كقوله« قَ ْد أ َ ْفلَ َح ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ »إلى آخر اآليات ،وكل آية أبان بها عن أمر ليعرف .
فلهذا سماه بهذه األسماء كلها ،وجعله قرآنا أي طاهرا جامعا لهذه المعاني كلها ،التي ال توجد
إال فيه .تفسير القرآن
ّللا بأي وجه كان ،من قرآن أو كتاب منزل أو صحيفة أو اعلم أن اآلية المتلفظ بها من كالم ه
خبر إلهي ،فهي آية على ما تحتمله تلك اللفظة من جميع الوجوه ،أي عالمة مقصودة لمن
أنزلها بتلك اللفظة الحاوية في ذلك اللسان على تلك الوجوه ،فإن منزلها عالم بتلك الوجوه كلها
،وعالم بأن عباده متفاوتون في النظر فيها ،وأنه ما كلفهم في خطابه
وبالغته وجعله مغايرا لسائر الكتب بما حفظه به من التحريف جعله عربيا ،ولما ذكر فيه
قصص األولين واآلخرين وشرائع المتقدمين ومنازلهم ومراتبهم وسابقتهم ومآلهم جعله ذكرا
وسماه به ،ولم يجمع لغيره من الكتب هذه األسماء كلها .وسائر أسماء الكتب مندرجة في هذه
األسماء التي
ص 11
ص 11 :
سوى ما فهموا عنه فيه ،فكل من فهم من اآلية وجها فذلك الوجه هو مقصود بهذه اآلية في
ّللا وإن احتمله اللفظ ،فإنه قد ال يكون
حق هذا الواجد له ،وليس يوجد هذا في غير كالم ه
مقصودا للمتكلم به ،لعلمنا بقصور علمه عن اإلحاطة بما في تلك اللفظة من الوجوه ،ولهذا
كان كل مفسر فسر القرآن ولم يخرج عما يحتمله اللفظ فهو مفسر ،ومن فسره برأيه فقد كفر ،
كذا ورد في حديث الترمذي ،وال يكون برأيه إال حتى يكون ذلك الوجه ال يعلمه أهل ذلك
اللسان في تلك اللفظة وال اصطلحوا على وضعها بإزائه ،فالقرآن هو البحر الذي ال ساحل له
،إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكالم من المعاني ،بخالف كالم المخلوقين ،
ّللا ما أراده بتلك الكلمة أو
ّللا إذا نزل بلسان قوم فاختلف أهل ذلك اللسان في الفهم عن ه
فكالم ه
ّللا ما أراده ،فإنه
الكلمات مع اختالف مدلوالتها ،فكل واحد منهم وإن اختلفوا فقد فهم عن ه
عالم بجميع الوجوه تعالى ،وما من وجه إال وهو مقصود هّلل تعالى بالنسبة إلى هذا الشخص
المعين ،ما لم يخرج من اللسان ،فإن خرج من اللسان ،فال فهم وال علم ،وكل وجه تحتمله
ّللا من فرقان وتوراة وزبور وإنجيل وصحيفة عند كل عارف بذلك اللسان ، كل آية من كالم ه
فإنه مقصود هّلل تعالى في حق ذلك المتأول ،لعلمه اإلحاطي سبحانه بجميع الوجوه ،فال سبيل
إلى تخطئة عالم في تأويل يحتمله اللفظ ،فإن مخطئه في غاية القصور في العلم ،ولكن ال
يلزمه القول به وال العمل بذلك التأويل ،إال في حق ذلك المتأول خاصة ومن قلده .
وإذا وردت اآلية أو الخبر بلفظ ما من اللسان ،فاألصل أن يؤخذ بما هو عليه في لغة العرب
فإن أطلقه الشارع على غير المفهوم من اللسان ،كاسم الصالة واسم الوضوء واسم الحج واسم
الزكاة ،صار األصل ما فسره به الشارع ،ولم يحمل عليه ما هو عليه في اللسان حتى يرد
من الرسول في ذلك اللفظ أنه لما هو عليه من اللسان ،فيعدل عند ذلك إليه في ذلك الخبر على
التعيين ،فإن الشارع إذا عيهن ما أراده باللفظ ،صار ذلك الوصف بذلك اللفظ أصال ،فمتى
ورد اللفظ به من الشارع فإنه يحمل على المفهوم منه في الشرع حتى
اختص بها كتابنا ،فالحمد هّلل الذي جعلنا من حامليه ومن أهله ومن خوطب به ،وشرفنا باتباع
من أنزل عليه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وسميت هذا الكتاب « إيجاز البيان في الترجمة عن
القرآن » هللف الشكر حق الشكر الذي ينبغي له برؤية ذلك منه ،وله الحمد في اآلخرة واألولى
،وبه أتأيد وأستعين.
ص 12
ص 12 :
يدل دليل آخر من الشارع أو من قرائن األحوال أنه يريد بذلك اللفظ المفهوم منه في اللغة أو
أمرا آخر بعينه أيضا ،هذا مطرد في جميع ما تلفظ به الشارع .
ّللا صلهى ه
ّللا أما المفسرون الذين يأخذون حكايات اليهود في تفسير القرآن فقد أمرنا رسول ه
عليه وسلم أن ال نصدق أهل الكتاب وال نكذبهم ،فمن فسر القرآن برواية اليهود فقد ر هد أمر
ّللا ،
ّللا عليه وسلم فقد رد أمر ه ّللا صلهى ه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،ومن ر هد أمر رسول ه رسول ه
فإنه أمر أن نطيع الرسول وأن نأخذ ما أتانا به ،وأن ننتهي عما نهانا عنه ،إذ ال يوصلنا إلى
أخبار األنبياء اإلسرائليين إال نبي فنصدقه ،أو أهل كتاب فنقف عند أخبارهم ،إذ لم يكن في
ّللا عليه وسلم وال في أدلة العقول ما يرده وال يثبته ،وال نقضي كتابنا وال قول رسولنا صلهى ه
فيه بشيء ،وينبغي للمفسر أن يتحرى الصدق وال يتعرض لما ذكره المؤرخون عن اليهود من
ّللا ،وما ينبغي أن يقدم على ّللا عليهم واجتباهم ،ويجعل ذلك تفسيرا لكتاب هزالت من أثنى ه
ّللا بمثل هذه الطوام ،كقصة يوسف وداود وأمثالهم عليهم السالم ومحمد صلهى ه
ّللا تفسير كالم ه
ّللا عنهم ،فيجد ّللا ما قد ذكر ه
عليه وسلم ،بتأويالت فاسدة ،وأسانيد واهية ،عن قوم قالوا في ه
الذي في دينه نقص رخصة يلجأ إليها في معصيته ،ويقول :إذا كانت األنبياء قد وقعت في
ّللا ،فهؤالء
وّللا األنبياء مما نسبت إليهم اليهود لعنهم ه
مثل هذا ،فمن أكون أنا ؟ وحاشا ه
ّللا ،لما غلب عليهمالمفسرون الذين يرددون افتراءات اليهود ،نقلة عن اليهود ال عن كالم ه
ّللا أن ال يقلد اليهود فيما
من الجهل ،فواجب إقامة حرمة األنبياء عليهم السالم ،والحياء من ه
قالوا في حق األنبياء عليهم الصالة والسالم من المثالب .
ص 13 :
اآلية إذا لزمتها أمور من قبل أو بعد ،يظهر من قوة الكالم أن اآلية تطلب تلك اللوازم ،فال
ّللا على هذا النمط ،
تكمل اآلية إال بها ،وهو نظر الكامل من الرجال ،فمن ينظر في كالم ه
فإنه يفوز بعلم كبير وخير كثير ،فإن الحق سبحانه ال يعيهن لفظا وال يقيد أمرا إال وقد أراد من
عباده أن ينظروا فيه من حيث ما خصصه وأفرده لتلك الحالة ،أو عيهنه بتلك العبارة ،ومتى
لم ينظر الناظر في هذه األمور بهذه العين ،فقد غاب عن الصواب المطلوب .
المجاز في القرآن
الذي ينبغي من الكالم أن ال يقدهر فيه المحذوف إال عند الحاجة إليه وال بد ،الختالل المعنى ،
وأن ال ينتقل في الكلمة من الحقيقة إلى المجاز إال بعد استحالة حملها على الحقيقة ،وكالم
العرب مبني على الحقيقة والمجاز عند الناس ،وإن كنا خالفناهم في هذه المسألة بالنظر إلى
القرآن ،فإنا ننفي أن يكون في القرآن مجاز بل في كالم العرب عند المحققين أهل الكشف
والوجود ؛ وأما من حيث النظر واالعتبار فيجري مجرى العرب في كالمها من استعارات
ومجاز بأدنى شبهة وأيسر صفة ،ففي القرآن من هذا القبيل كثير ،إذ القرآن جاء على لغة
ّللا عليه وسلم « وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين ّللا صلهى ه
العرب كما قال رسول ه
» وعلى هذا يفرق بين التفسير على الحقيقة ألهل الكشف والوجود ،فال مجاز عندهم ،وبين
التفسير ألهل النظر واالعتبار باإلنكار ،فهو على مجرى لسان العرب فيكون فيه المجاز
نصيحة وتنبيه
التأيه على نوعين :تأيه بالصفة مثل قوله« يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا* » و« يا أَيُّ َها الَّذِينَ أُوتُوا
اس » *فمتى سمعت التأيه فلتنظر ما أيهه به ،ال من تاب »وتأيه بالذات مثل قوله« يا أَيُّ َها النَّ ُ ْال ِك َ
أيه به ،فاعمل بحسب ما أيه به من اجتناب أو غير اجتناب ،فإنه قد يؤيه بأمر ،وقد يؤيه
بنهي ،كما يقول في األمر« يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ْوفُوا ِب ْالعُقُو ِد »وكما يقول في النهي« يا أَيُّ َها
ّللا »وكذلك« يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِل َم تَقُولُونَ ما ال ت َ ْفعَلُونَ »فهذا تأيه الَّذِينَ آ َمنُوا ال ت ُ ِحلُّوا شَعائِ َر َّ ِ
إنكار ،فإذا أتى هذا كان له وجه لألمر ووجه للنهي ،فيأخذه السامع بحسب ما يقع له في
الوقت ،وأي وجه أخذ به من أمر أو نهي أصاب ،وإن جمع بينهما جمع ثمرة ذلك فيكون له
ّللا بأحد في كتابه فكن أنت ذلك المؤيه به ،فإن أخبر أجران ،فإذا أيه ه
ص 14
ص 14 :
فافهم واعتبر ،فإنه ما أيه بك إال ل هما سمعت ،وإن أمرك أو نهاك فامتثل ،وما ثم قسم رابع ،
إنما هو خبر أو أمر أو نهي .
واعلم يا أخي أن القرآن العزيز خاطبنا الحق به على طريقين :منه آيات خاطبنا بها يعرفنا
فيها بأحوال غيرنا وما كان منهم ،وإلى أين كان مبدؤنا ،وإلى أين كانت غايتنا ،وهو
الطريق الواحد ،ومنه آيات خاطبنا بها لنخاطبه بها ،وهي على قسمين :خاطبنا بآيات
الزكاة َ * -وأَتِ ُّموا ْال َح َّج صالة َ * -وآتُوا َّ لنخاطبه بها مخاطبة فعلية ،مثل قوله تعالى« أَقِي ُموا ال َّ
ط ْال ُم ْست َ ِق َ
يم »« َربَّنا آ َمنَّا صرا َّلل »وغير ذلك ،ومخاطبة لفظية مثل قوله« ا ْه ِدنَا ال ِ ه َو ْالعُ ْم َرة َ ِ َّ ِ
طأْنا »وأشباه ذلك كثير ،وليس القرآن يحوي على ؤاخ ْذنا ِإ ْن نَ ِسينا أ َ ْو أ َ ْخ َ
فَا ْغ ِف ْر لَنا »« َربَّنا ال ت ُ ِ
ّللا تعالى إذا قرأته مثل قوله« َو ِإذا لَقُوا الَّذِينَ غير هذا ،وينبغي لك أن تتنبه للتفرقة في كالم ه
َياطي ِن ِه ْم قالُوا »وقف آ َمنُوا قالُوا »وقف هنا وبين قوله« آ َمنَّا »وقف ،ثم قل« َو ِإذا َخلَ ْوا ِإلى ش ِ
ئ بِ ِه ْم »فإنك إذا قرأته على ثم قل« إِنَّا َمعَ ُك ْم إِنَّما ن َْح ُن ُم ْست َ ْه ِزؤُنَ »وقف ،ثم قل « َّ
ّللاُ يَ ْست َ ْه ِز ُ
هذا الحد عرفت أسراره ،وميزت مواقع الخطاب ،وحكايات األحوال واألقوال واألعمال
وتناسب األشياء .
اإلشارة
ّللا
ّللا أشق وال أشد من علماء الرسوم على أهل ه ّللا وإياك بروح منه ،أنه ما خلق ه
اعلم أيدنا ه
المختصين بخدمته ،العارفين به من طريق الوهب اإللهي ،الذي منحهم أسراره في خلقه ،
وفهمهم معاني كتابه وإشارات خطابه ،ولما كان األمر في الوجود الواقع على ما سبق به العلم
القديم ،عدل أصحابنا إلى اإلشارات ،كما عدلت مريم عليها السالم من أجل أهل اإلفك
ّللا عنهم في شرح كتابه العزيز الذي ال يأتيه الباطل
واإللحاد إلى اإلشارة ،فكالمهم رضي ه
من بين يديه وال من خلفه إشارات ،وإن كان ذلك حقيقة وتفسيرا لمعانيه النافعة ،ورد ذلك
كله إلى نفوسهم ،مع تقريرهم إياه في العموم وفيما نزل فيه ،كما يعلمه أهل اللسان الذين نزل
الكتاب بلسانهم ،فعم به سبحانه عندهم الوجهين ،فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ،ليأنس
الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك ،وال يقولون في ذلك إنه تفسير ،وقاية لشرهم وتشنيعهم في
ّللا
ذلك بالكفر عليه ،وذلك لجهلهم بمواقع خطاب الحق ،واقتدوا في ذلك بسنن الهدى ،فإن ه
ّللا
كان قادرا على تنصيص ما تأوله أهل ه
15
ص 15 :
في كتابه ،ومع ذلك ما فعل ،بل أدرج في تلك الكلمات اإللهية التي نزلت بلسان العامة علوم
معاني االختصاص التي فهمها عباده ،حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذي رزقهم ،ولو كان
علماء الرسوم ينصفون العتبروا في نفوسهم إذا نظروا في اآلية بالعين الظاهرة التي يسلمونها
فيما بينهم ،فيرون أنهم يتفاضلون في ذلك ،ويعلو بعضهم على بعض في الكالم في معنى تلك
اآلية ،ويقر القاصر بفضل غير القاصر فيها ،وكلهم في مجرى واحد ،ومع هذا الفضل
ّللا إذا جاءوا بشيء مما يغمض عن إدراكهم المشهود لهم فيما بينهم في ذلك ينكرون على أهل ه
ّللف عباد تولىّللا تعالى« يُؤْ تِي ْال ِح ْك َمةَ َم ْن يَشا ُء »وهو العلم ،وجاء بمن وهي نكرة ،ه
،قال ه
تعليمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه وعلى ألسنة رسله ،وهو العلم الصحيح عن العالم
ّللا بعنايته لبعض عباده
المعلم الذي ال يشك مؤمن في كمال علمه وال غير مؤمن ،فتولى ه
ّللا عنه في هذا
تعليمهم بنفسه بإلهامه وإفهامه إياهم ،وكذا قال علي بن أبي طالب رضي ه
ّللا ،
ّللا من شاء من عباده في هذا القرآن » فجعل ذلك عطاء من ه الباب « ما هو إال فهم يؤتيه ه
ّللا لعلماء الرسوم أحوالهم ،ألنهم علموا من
ّللا ،فسلم أهل ه
يعبر عن ذلك العطاء بالفهم عن ه
أين تكلموا ،وصانوا عنهم أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات ،فإن علماء الرسوم ال ينكرون
اإلشارات .
ّللا باإلشارة دون غيرها من األلفاظ إال
فأصحابنا ما اصطلحوا على ما جاء به في شرح كتاب ه
بتعليم إلهي ،جهله علماء الرسوم ،وذلك أن اإلشارة ال تكون إال بقصد المشير بذلك أنه يشير
ّللا أنه قد اعتبر اإلشارة استعملوها ،فإدراك
،ال من جهة المشار إليه ،فلما رأى أهل ه
ّللا خاصة فهم فيه ،ألنه مقصود هّلل تعالى في حق هذاأصحاب األخذ باإلشارات في كالم ه
ّللا من كلالمشار إليه بذلك الكالم ،وكالم المخلوق ما له هذه المنزلة ،فمن أوتي الفهم عن ه
وجه فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب .
فاغطس في بحر القرآن العزيز إن كنت واسع النفس ،وإال فاقتصر على مطالعة كتب
المفسرين لظاهره ،وال تغطس فتهلك ،فإن بحر القرآن عميق ،ولوال الغاطس ما يقصد منه
المواضع القريبة من الساحل ما خرج لكم أبدا ،فاألنبياء والورثة الحفظة هم الذين يقصدون
هذه المواضع رحمة بالعالم ،وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ،ولم يردوا وال انتفع بهم
أحد ،وال انتفعوا بأحد ،فقصدوا بل قصد بهم ثبج البحر ،فغطسوا إلى األبد ال يخرجون.
ص 16
ص 16 :
- 1سورة الفاتحة
هي فاتحة الكتاب ،والسبع المثاني ،والقرآن العظيم ،وأم القرآن ،وأم الكتاب ،والكافية ،
ّللا أعطاها نبيه محمدا صلهى وتسمى سورة الحمد ،والبسملة آية منها ،وقد قيل في الفاتحة إن ه
ّللا عليه وسلم خاصة دون غيره من الرسل ،من كنز من كنوز العرش ،لم توجد في كتاب ه
ّللا وال صحيفة إال في القرآن خاصة ،وبهذا سمي قرآنا ألنه جمع بين ما نزل منزل من عند ه
في الكتب والصحف وما لم ينزل ،ففيه كل ما في الكتب كلها المنزلة ،وفيه ما لم ينزل في
كتاب وال صحيفة ،وهي فاتحة الكتاب ،ألن الكتاب يتضمن الفاتحة وغيرها ،وألنها منه ،
ّللا مفتاحا له
وإنما صح لها اسم الفاتحة من حيث أنها أول ما افتتح به كتاب الوجود ،وجعلها ه
،وهي أم القرآن ألن األم محل اإليجاد ،والموجود فيها هو القرآن ،وهي أم الكتاب الذي عنده
ب »ألن األم هي الجامعة ،ومنها أم القرى ،والرأس أم الجسد ، ،في قوله« َو ِع ْن َدهُ أ ُ ُّم ْال ِكتا ِ
يقال أم رأسه ألنه مجموع القوى الحسية والمعنوية كلها التي لإلنسان ،وكانت الفاتحة أما
لجميع الكتب المنزلة ،وهي القرآن العظيم ،أي المجموع العظيم الحاوي لكل شيء ،ولما
ّللا عليه وسلم مبعوثا إلى الناس كافة ،والناس من آدم إلى آخر إنسان ، ّللا صلهى ه كان رسول ه
فجميع الرسل نوابه بال شك ،فلما ظهر بنفسه لم يبق حكم إال له ،وال حاكم إال راجع إليه ،
واقتضت مرتبته أن تختص بأمر عند ظهور عينه في الدنيا ،لم يعطه أحد من نوابه ،وال بد
أن يكون ذلك األمر من العظم بحيث أنه يتضمن جميع ما تفرق في نوابه وزيادة ،فأعطاه أم
الكتاب ،فتضمنت جميع الصحف والكتب ،وظهر بها فينا مختصرة ،سبع آيات تحتوي على
ّللا بها جميع الكتب والصحف المنزلة على األنبياء نواب جميع اآليات ،فأم الكتاب ألحق ه
ّللا عليه وسلم ،فادخرها له ولهذه األمة ،ليتميز على األنبياء بالتقدم ،وإنه اإلمام محمد صلهى ه
األكبر ،وأمته التي ظهر فيها خير أمة أخرجت للناس ،لظهوره بصورته فيهم ،وهي السبع
المثاني والقرآن
ص 17
ص 17 :
العظيم الصفات ،فظهرت في الوجود في واحد وواحد ،فحضرة تفرد ،وحضرة تجمع ،فمن
البسملة إلى « الدين » إفراد إلهي ،ومن « اهدنا » إلى « الضالين » إفراد العبد المألوه ،
ين »تشمل وما هي العطاء ،وإنما العطاء ما بعدها ،و « إياك َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َّاك نَ ْعبُ ُد َو ِإي َ
وقوله« ِإي َ
ّللا « ،
» في الموضعين ملحق باإلفراد اإللهي ،فصحت السبع المثاني ،يقول العبد ،فيقول ه
َّاك نَ ْست َ ِع ُ
ين » َّاك نَ ْعبُ ُد َوإِي َ
يم »الجمع ،وليس سوى« إِي َ َو ْالقُ ْرآنَ ْالعَ ِظ َ
ص 18
ص 18 :
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
ّللا » الوجه األول :البسملة آية مستقلة ،ونقول فيها في سورة النمل إنها جزء من آية « بسم ه
ّللا من حيث هويته وذاته « الرحمن » بعموم رحمته التي وسعت كل شيء « الرحيم » هو ه
من
الر ْح ِ بما أوجب على نفسه للتائبين من عباده ،فقدم سبحانه في كتابه العزيز« ِبس ِْم َّ ِ
ّللا َّ
الر ِح ِيم » *في كل سورة ،إذا كانت السورة تحتوي على أمور مخوفة ،تطلب أسماء العظمة َّ
ش ْيءٍ ت ُك َّل َ واالقتدار ،فقدم أسماء الرحمة تأنيسا وبشرى ،فإنه تعالى القائل « َو َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
ّللا الرحمن الرحيم وإن كان »لهذا ليس في البسملة شيء من أسماء القهر ظاهرا ،بل هو ه
ّللا » القهر ،فكذلك يتضمن الرحمة ،فما فيه من أسماء الغلبة والقهر والشدة يتضمن االسم « ه
ّللا » من ،يقابله بما فيه من الرحمة والمغفرة والعفو والصفح ،وزنا بوزن في االسم « ه
من
الر ْح ِ ّللا » وهو قوله« َّ البسملة ،ويبقى لنا فضل زائد على ما قابلنا به األسماء في االسم « ه
ّللا
الر ِح ِيم »فأظهر عين « الرحمن » وعين « الرحيم » خارجا زائدا على ما في االسم ه َّ
ّللا عرفنا بما يحكمه في خلقه ،وأن الرحمة بما هي في الجامع من البسملة ،فرجح ،فكأن ه
الر ِح ِيم من َّ الر ْح ِ ّللا الجامع من البسملة ،هي رحمته بالبواطن ،وبما هي ظاهرة في « َّ االسم ه
»هي رحمته بالظواهر ،فعمت ،فعظم الرجاء للجميع ،وما من سورة من سور القرآن إال
ّللا بالمآل إلى الرحمة ،فإنه جعلها ثالثة :الرحمة والبسملة في أولها ،فأولناها أنها إعالم من ه
ّللا » و « الرحمن » و « الرحيم » ولم يجعل للقهر سوى المبطون في المبطونة في االسم « ه
ّللا » فال عين له موجودة في الظاهر .واعلم أن اختصاص البسملة في أول كل االسم « ه
سورة ،تتويج الرحمة اإللهية في منشور تلك السورة ،أنها تنال كل مذكور فيها ،فإنها
للسورة كالنية
ص 19 :
للعمل ،فكل وعيد ،وكل صفة توجب الشقاء مذكورة في تلك السورة ،
[ البسملة فاتحة الفاتحة ]
فإن البسملة بما فيها من « الرحمن » في العموم و « الرحيم » في الخصوص ،تحكم على ما
ّللا ذلك العبد ،إما بالرحمة في تلك السورة من األمور التي تعطي من قامت به الشقاء ،فيرحم ه
الخاصة ،وهي الواجبة ،وإما بالرحمة العامة ،وهي رحمة االمتنان ،فالمآل إلى الرحمة
ألجل البسملة ،فهي بشرى .
والبسملة فاتحة الفاتحة ،وهي آية أولى منها ،أو مالزمة لها ،كالعالوة ،على الخالف
الر ِح ِيم »عندنا ،خبر ابتداء مضمر ،وهو ابتداء
من َّ
الر ْح ِ المعلوم بين العلماء ،و« ِبس ِْم َّ ِ
ّللا َّ
العالم وظهوره ،ألن األسماء اإللهية سبب وجود العالم ،وهي المسلطة عليه والمؤثرة ،فكأنه
ّللا الرحمن الرحيم ظهر العالم ،
ّللا الرحمن الرحيم ،أي باسم ه يقول :ظهور العالم بسم ه
والبسملة التي تنفصل عنها الكائنات على اإلطالق هي بسملة الفاتحة ،ال بسملة سائر السور ،
فاّلل
فإن بسملة سائر السور ألمور خاصة ،واختص الثالثة األسماء ألن الحقائق تعطي ذلك ،ه
هو االسم الجامع لألسماء كلها ،والرحمن صفة عامة ،فهو رحمن الدنيا واآلخرة ،بها رحم
كل شيء من العالم في الدنيا ،ولما كانت الرحمة في اآلخرة ال تختص إال بقبضة السعادة ،
فإنها تنفرد عن أختها ،وكانت في الدنيا ممتزجة ،يولد كافرا ،ويموت مؤمنا ،أي ينشأ كافرا
في عالم الشهادة ،وبالعكس ،وتارة وتارة ،وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بإخبار
صادق ،فجاء االسم « الرحيم » مختصا بالدار اآلخرة لكل من آمن ،وتم العالم بهذه الثالثة
ّللا » وتفصيال في االسمين « الرحمن األسماء ،جملة في االسم « ه
ي » *قرأ المدنيان وابن عامر بغير ( هو ) وكذلك هو في مصاحف ّللا ُه َو ْالغَنِ ُّ
«) ( 1فَإِ َّن َّ َ
المدينة والشام ،وقرأ الباقون بزيادة ( هو ) وكذلك في مصاحفهم -سورة الحديد .
الزبُ ِر َو ْال ِكتا ِ
ب »قرأ ابن عامر « وبالزبر » بزيادة باء بعد الواو والباقي ت َو ُّ«) ( 2بِ ْالبَ ِيهنا ِ
بحذفها -آل عمران.
20
ص 20 :
ّللا ،
ّللا » أي بي قام كل شيء وظهر « الرحمن » من أعربه بدال من ه الرحيم « »فبسم ه
جعله ذاتا ،ومن أعربه نعتا ،جعله صفة ،وفيها بسط الرحمة على العالم « الرحيم » وبه
تمت البسملة ،وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا .
أما سورة التوبة ،فهي واألنفال سورة واحدة ،قسمها الحق على فصلين ،فإن فصلها القارئ
وحكم بالفصل ،فقد سماها سورة التوبة ،أو سورة الرجعة اإللهية بالرحمة على من غضب
وّللا هو التواب ،فما قرن بالتواب إال
عليه من العباد ،فما هو غضب أبد ،لكنه غضب أمد ،ه
الرحيم ،ليئول المغضوب عليه إلى الرحمة ،أو الحكيم ،لضرب المدة في الغضب ،وحكمها
فيه إلى أجل ،فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ،فانظر إلى االسم الذي نعت به «
التواب » تجد حكمه كما ذكرنا ،والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ،وتتويج
ّللا.
الر ِح ِيم »والحكم للتتويج ،فإنه به يقع القبول ،وبه يعلم أنه من عند ه
من َّالر ْح ِ
منازله ب« َّ
ص 21 :
والقراء في وصل البسملة على أربعة مذاهب :
المذهب الواحد ال يرونه أصل ،وهو أن يصل آخر السورة بالبسملة ويقف ويبتدئ بالسورة ،
هذا ال يرتضيه أحد من القراء العلماء منهم ،وقد رأيت األعاجم من الفرس يفعلون مثل هذا ،
مما ال يرتضيه علماء األداء من القراء .
والمذهب الحسن الذي ارتضاه الجميع ،وال أعرف لهم مخالفا من القراء ،الوقوف على آخر
السورة ،ووصل البسملة بأول السورة التي يستقبلها .
والمذهبان اآلخران ،وهما دون هذا من االستحسان :أن يقطع في الجميع ،أو يصل في
الجميع ،وأجمع الكل أن يبتدئ بالتعوذ والبسملة عند االبتداء بالقراءة في أول السورة ،وأجمع
على قراءة البسملة في الفاتحة جماعة القراء بال خالف ،واختلفوا في سائر سور القرآن ،ما
لم يبتدئ أحد منهم بالسورة ،فخيهر من خيهر في ذلك « كورش » ومنهم من ترك « كحمزة »
ومنهم من بسمل ولم يخيهر كسائر القراء .
الجمد هلل رب العالمين 2
قرئ « الحمد » بخفض الدال ،و « الحمد هلل » برفع الالم اتباعا لحركة الدال ،والحمد :
ثناء عام ،ما لم يقيده الناطق به بأمر ،وله ثلث مراتب :
حمد الحمد ،
وحمد المحمود نفسه ،
وحمد غيره له ،
وما ثم مرتبة رابعة في الحمد ،ثم في الحمد بما يحمد الشيء
) * (بياض في األصل.
ص 22
ص 22 :
نفسه ،أو يحمده غيره ،تقسيمان :إما أن يحمده بصفة فعل ،وإما أن يحمده بصفة تنزيه ،
وما ثم حمد ثالث هنا .وأما حمد الحمد له ،فهو في الحمدين بذاته ،إذ لو لم يكن لما صح أن
يكون لها حمد ،ثم إن الحمد على المحمود قسمان :القسم الواحد أن يحمد بما هو عليه ،وهو
الحمد األعم ،والقسم الثاني :أن يحمد على ما يكون منه ،وهو الشكر ،وهو األخص ،فإن
ّللا عليه وسلم يقول في المقام المحمود :فأحمده بمحامد ال أعلمها اآلن ،وقال : النبي صلهى ه
ال أحصي ثناء عليك ،ألن ما ال يتناهى ال يدخل في الوجود ،ولما كان كل عين حامدة
ّللا ،وال محمود إال
ومحمودة في العالم كلمات الحق ،رجعت إليه عواقب الثناء ،فال حامد إال ه
ّللا ،وحمد الحمد صفته ،ألن الحمد صفته ،وصفته عينه ،إذ ال يتكثر ،فما في المحامد ه
أصدق من حمد الحمد ،فإنه عين قيام الصفة به ،فال محمود إال من حمده الحمد ،ال من حمد
نفسه ،وال من حمده غيره ،فإذا كان عين الصفة عين الموصوف عين الواصف ،كان الحمد
ّللا ،فهو عين حمده ،سواء أضيف ذلك الحمد إليه أو إلى عين الحامد والمحمود ،وليس إال ه
غيره ،فإن قيام الصفة بالموصوف ما فيها دعوى ،وال يتطرق إليها احتمال ،والواصف
ّللا بما
نفسه أو غيره بصفة ما ،يفتقر إلى دليل على صدق دعواه ،فالحمد :هو الثناء على ه
ّللا إال
ّللا بما يكون منه من النعم ،وال يكون الثناء أبدا على ه هو أهله ،والشكر :الثناء على ه
مقيدا إما بالنطق ،وإما بالمعنى الباعث على الحمد ،وقد يرد في النطق مطلقا ومقيدا مثل قوله
تعالى في المطلق اللفظي« قُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل » *وأما المقيد فتارة يقيده بصفة تنزيه كقوله تعالى«
ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ا »وتارة يقيده بصفة فعل ،كقوله « الحمد هّلل
ص 23 :
ض »وما خرج ت َو ْاأل َ ْر َسماوا ِ الذي أنزل الكتاب على عبده » وقوله« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي َخلَقَ ال َّ
حمد من محاميد الكتب المنزلة من عنده عن هذا التقسيم .الحمد هّلل تمأل الميزان ،ألنه كل ما
ّللا وحمد هّلل ،فما مأل الميزان إال الحمد ،فالتسبيح حمد ،وكذلك في الميزان ،فهو ثناء على ه
التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم والتوقير والتعزيز ،وأمثال ذلك كله حمد ،فالحمد هّلل هو
العام الذي ال أعم منه ،وكل ذكر فهو جزء منه ،كاألعضاء لإلنسان ،والحمد كاإلنسان
ّللا آدم وسواه ،نفخ فيه الروح ،فاستوى قاعدا ،فعطس ، بجملته « ،الحمد هلل » بعد ما خلق ه
ّللا يا آدم ،لهذا خلقتك » ولهذا قال عقيب قوله « فقال « الحمد هلل »فقال له الحق « يرحمك ه
علَ ْي ِه ْم
ب َ غي ِْر ْال َم ْغ ُ
ضو ِ الر ِح ِيم »فقدم الرحمة ،ثم قال« َ من َّ ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »« َّ
الر ْح ِ ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
»فأخر غضبه ،فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود ،فسبقت الرحمة إلى آدم قبل
العقوبة على أكل الشجرة ،ثم رحم بعد ذلك ،فجاءت رحمتان بينهما غضب ،فتطلب
الرحمتان أن تمتزجا ،ألنهما مثالن ،فانضمت هذه إلى هذه ،فانعدم الغضب بينهما ،فإذا قال
ّلل » *أي ال حامد إال هو ،فأحرى أن ال يكون محمودا سواه ،وتقول العامة« العالم« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا ،وهي الحامدة ،فاشتركا في صورة اللفظ َ «.ربه ِ ْالعالَ ِمينَ ّلل » *أي ال محمود إال ه ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا ،وليس إال الممكنات ،سواء وجدت أو لم توجد ، [»اعلم أن العالم عبارة عن كل ما سوى ه
فإنها بذاتها عالمة على علمنا ،أو على العلم بواجب الوجود
ص 24 :
ّللا ،فإن اإلمكان حكم لها الزم في حال عدمها ووجودها ،بل هو ذاتي لها ،ألن لذاته ،وهو ه
الترجيح لها الزم ،فالمرجح لها الزم ،فالمرجح معلوم ،ولهذا سمى عالما من العالمة ،ألنه
الدليل على المرجح ،فاعلم ذلك .وليس العالم في حال وجوده بشيء سوى الصور التي قبلها
العماء وظهرت فيه ،فالعالم إن نظرت حقيقته إنما هو عرض زائل ،أي في حكم الزوال ،
ّللا عليه وسلم :أصدقّللا صلهى ه ش ْيءٍ ها ِل ٌك إِ َّال َو ْج َههُ »وقال رسول ه
وهو قوله تعالى « ُك ُّل َ
ّللا باطل » يقول ما له حقيقة يثبت عليها من بيت قالته العرب قول لبيد « أال كل شيء ما خال ه
ّللا عليه وسلم أصدق بيت قالته العرب « نفسه ،فما هو موجود إال بغيره ،ولذلك قال صلهى ه
ّللا باطل » فالجوهر الثابت هو العماء ،وليس إال نفس الرحمن ،والعالم أال كل شيء ما خال ه
جميع ما ظهر فيه من الصور ،فهي أعراض فيه ،يمكن إزالتها ،وتلك الصور هي الممكنات
،ونسبتها من العماء نسبة الصور من المرآة ،تظهر فيها لعين الرائي ،والحق تعالى هو
بصر العالم ،فهو الرائي ،وهو العالم بالممكنات ،فما أدرك إال ما علمه من صور الممكنات
،فظهر العالم بين العماء وبين رؤية الحق ،فكان ما ظهر دليال على الرائي ،وهو الحق ،
فتفطن[ دحض ما جاء في فتاوى اإلمام ابن تيمية وما نسب إلى الشيخ األكبر ابن العربي أنه
يقول :إن وجود المحدث هو عين وجود القديم وأنه ينكر التمييز بين القديم والمحدث ]
واعلم من أنت ] « * » .والرب ال يعقل إال مضافا ،ولذلك ما جاء في القرآن قط مطلقا من
غير إضافة وإن اختلفت إضافاته ،فتارة يضاف إلى أسماء مضمرة ،وتارة يضاف إلى
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »لم يقل رب نفسه
األعيان ،وتارة يضاف إلى األحوال ،فقال تعالى« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
،ألن الشيء ال يضاف إلى نفسه ،وأثبت بقوله هذا حضرة الربوبية ،أي مربيهم ومغذيهم ،
( * ) هذه الفقرة تدحض وترد ما جاء في فتاوى اإلمام ابن تيمية في الصفحة رقم 239من
المجلد الحادي عشر من مجموعة فتاويه المطبوعة بالرياض عام 1382ه ،حيث ينسب إلى
ّللا عنه ينكر
الشيخ األكبر ،أن وجود المحدث هو عين وجود القديم ،وأن الشيخ رضي ه
التمييز بين القديم والمحدث .
ص 25
ص 25 :
ّللا ،وهذه وصية إلهية لعباده ،لما خلقهم على صورته ،
والعالمين عبارة عن كل ما سوى ه
وأعطى من أعطى منهم اإلمامة الكبرى والدنيا وما بينهما ،وذلك قوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم :
من
الر ْح ِ
كلكم راع ومسؤول عن رعيته ،وجعل هذا التحميد بين الرحمة المركبة ،فإنه تقدمه« َّ
الر ِح ِيم »فصار العالم بين رحمتين ،فأوله مرحوم ومآله إلى
من َّ
الر ْح ِ
الر ِح ِيم »وتأخر بعده « َّ
َّ
الرحمة .
[ إشارة إلى معنى اسم الرب بالثابت ]
إشارة -الرب الثابت فال يزول ،فال تزيله « . » 1
ص 26 :
رحمتين ،هو قوله
[ نصيحة :الرحمن الرحيم ]
الرحمن الرحيم ،وضمن اآلية الثالثة منها أيضا رحمتين ،وهما قوله الرحمن الرحيم ،فهو
رحمن بالرحمتين ،العامة ،وهي رحمة االمتنان ،وهو رحيم بالرحمة الخاصة وهي الواجبة
الر ْح َمةَ »وأما
على نَ ْف ِس ِه َّ سأ َ ْكتُبُها ِللَّذِينَ يَتَّقُونَ »اآليات ،وقوله« َكت َ َ
ب َربُّ ُك ْم َ ،في قوله« فَ َ
ّللا من وفقه
رحمة االمتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ،وبرحمة االمتنان رحم ه
للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ،فبها ينال العاصي وأهل النار إزالة العذاب ،
وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم ،وهذه رحمة االمتنان ،فالرحمن في الدنيا واآلخرة ،والرحيم
اختصاص الرحمة باآلخرة -نصيحة -الزم االسم المركب من اسمين فإن له حقا عظيما ،
وهو قولك الرحمن الرحيم خاصة ،ما له اسم مركب غيره فله األحدية ،ومن ذكره بهذا االسم
ال يشقى أبدا
مالك يوم الدين 4
يريد يوم الجزاء فهو يوم الدنيا واآلخرة ،فإن الحدود ما شرعت في الشرائع إال جزاء ،
ص 27 :
وما أصابت المصائب من أصابته إال جزاء بما كسبت يده ،مع كونه يعفو عن كثير ،وكذلك
ما ظهر من الفتن والخراب والحروب والطاعون ،فهو كله جزاء أعمال عملها الناس ،
استحقوا بذلك ما ظهر من الفساد في البر والبحر فهو جزاء في الدنيا ،فيوم الدنيا يوم الجزاء
ويوم اآلخرة هو يوم الجزاء ،غير أنه في اآلخرة أشد وأعظم ،ألنه ال ينتج أجرا لمن أصيب
وقد ينتج في الدنيا أجرا لمن أصيب وقد ال ينتج ،ومن الجزاء في الدنيا مجازاة أهل الشقاء بما
ّللا به عليهم من النعم حتى انقلبوا إلى اآلخرة عملوا من مكارم األخالق في الدنيا ،بما أنعم ه
وقد جنوا ثمرة خيرهم في الدنيا ،فلو لم تكن الدنيا دار جزاء ما كان هذا ،فال اختصاص ليوم
ظ َه َر ْالفَسا ُد فِي ْالبَ ِ هر
باّلل ،أقام لهم الحق في ذلك دليال لما جهلوا« َ الدين بيوم عند العلماء ه
ع ِملُوا »فأخبر أنه جزاء ما هو ابتداء ،فما ض الَّذِي َ ت أ َ ْيدِي النَّ ِ
اس ِليُذِيقَ ُه ْم بَ ْع َ َو ْالبَ ْح ِر ِبما َك َ
سبَ ْ
ابتليت البرية وهي برية ،وهذه مسألة صعبة المرتقى ال تنال إال باإللقاء ،اختلفت فيها
طائفتان كبيرتان ( األشاعرة والمعتزلة ) ،فمنعت واحدة ما أجازته أخرى والرسل بما اختلفت
فيه تترى ،وال تحقق واحد ما جاء به الرسول ،وال يسلك فيه سواء السبيل ،بل ينصر ما قام
في غرضه وهو عين مرضه ،إال الطبقة العليا فإنهم علموا األمور في الدنيا فلم يتعدوا باألمر
مرتبته ،وأنزلوه منزلته ،فما رأوا في الدنيا أمرا إال كان جزاء ما كان ابتداء ،
ص 28 :
والملك على الحقيقة هو الحق تعالى المالك للكل ومصرفه ،وهو الشفيع لنفسه عامة وخاصة ،
خاصة في الدنيا وعامة في اآلخرة من وجه ما ،ولذلك قدم على قوله «ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
ِين
»الرحمن الرحيم ،لتأنس أفئدة المحجوبين عن رؤية رب العالمين ،أال تراه يقول يوم الدين (
شفعت المالئكة والنبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين ) ولم يقل الجبار وال القهار
ليقع التأنيس قبل وجود الفعل في قلوبهم .
ص 29 :
- 6اهدنا الصراط المستقيم
قرئ الزراط بالزاي وهي لغة وقرأ ابن كثير السراط بالسين وحمزة وباقي القراء بالصاد ،
والصراط الذي سألته النفس هنا هو صراط النجاة بالتوحيد والتنزيه الذي سار عليه الذين
صرا َ
ط أنعمت عليهم وهو الشرع هنا ،وال يزال العبد في كل ركعة من الصالة يقول« ا ْه ِدنَا ال ِ ه
يم »ألنه أدق من الشعر وأحد من السيف ،وكذا هو علم الشريعة في الدنيا ،ال يعلم ْال ُم ْست َ ِق َ
ّللا وال من هو المصيب من المخطئ بعينه ،ولذلك تعبدنا بغلبة الظنون الحق في المسألة عند ه
بعد بذل المجهود في طلب الدليل ،فالنص الصريح أحد من السيف وأدق من الشعر في الدنيا ،
والصراط ظهوره في اآلخرة محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا ،إال لمن دعا إلى
ّللا على بصيرة كالرسول وأتباعه. ه
ص 30 :
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وال الضالين 7
صراط الذين أنعمت عليهم من نبي ورسول ،أي الطريق وليس إال الشرع الذي أنعمت به
عليهم وهو الرحمة التي أعطتهم التوفيق والهداية في دار التكليف ،وهي رحمة عناية فكانوا
ب
ضو ِ غي ِْر ْال َم ْغ ُ
ّللا الهداية فلم يحاروا« َ
بذلك غير مغضوب عليهم وال ضالين ،لما أعطاهم ه
ّللا عليه ،ه
من علَ ْي ِه ْم َو َال الض َِّالهينَ »نعت للذين أنعمت عليهم وهو نعت تنزيه يقول من غضب ه َ
علينا بالرحمة التي مننت بها على أولئك ابتداء من غير استحقاق حتى وصفتهم بأنهم غير
مغضوب عليهم ،إذ قد مننت عليهم بالهداية فأزالت الضاللة التي هي الحيرة عنهم ،ه
فمن
ّللا برحمة االمتنان وهي الرحمة الثالثة ّللا ،فيرحمهم ه
بالذي يزيل ما استحققناه من غضب ه
باالسم الرحمن ،فيزيل عنهم العذاب ويعطيهم النعيم فيما هم فيه باالسم الرحيم ،فليس في أم
الكتاب آية غضب بل كلها رحمة ،وهي الحاكمة على كل آية في الكتاب ألنها األم ،فسبقت
ّللا إنما هو من االسم رحمته غضبه ،وكيف ال يكون ذلك والنسب الذي بين العالم وبين ه
الرحمن ،فجعل الرحم قطعة منه فال تنسب الرحم إال إليه .
ّللا ومن قطعها قطعه ّللا عليه وسلم :الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله ه قال صلهى ه
ّللا ،وما في العالم إال من عنده رحمة بأمر ما ال بد من ذلك ،فال بد أن ينال الخلق كلهم ه
ّللا سبقت غضبه فهي أمام الغضب ،فال يزال ّللا ،فمنهم العاجل واآلجل ،فإن رحمة ه
رحمة ه
ّللا يجري في شأوه باالنتقام من العباد حتى ينتهي إلى آخر مداه ،فيجد الرحمة قد غضب ه
سبقته ،فتتناول منه العبيد المغضوب
ص 31 :
عليهم ،فتنبسط عليهم ويرجع الحكم لها فيهم ،والمدى الذي يعطيه الغضب هو ما بين الرحمن
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »فالحمد الرحيم الذي في البسملة وبين الرحمن الرحيم الذي بعد قوله « ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
هّلل رب العالمين هو المدى ،فأوله الرحمن الرحيم وانتهاؤه الرحمن الرحيم ،وإنما كان الحمد
هّلل رب العالمين عين المدى ،فإن في هذا المدى تظهر السراء والضراء ولهذا كان الحمد فيه
وهو الثناء ،ولم يقيد بضراء وال سراء في هذا المدى ألنه يعم السراء والضراء ،فكان رسول
ّللا عليه وسلم يقول في السراء " :الحمد هّلل المنعم المفضل " ّللا صلهى ه
ه
وفي الضراء « الحمد هّلل على كل حال »
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ
ّللا عقيب« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ ويرجو رحمته ويخاف عذابه واستمراره عليه ،فجعل ه
الر ِح ِيم »فالعالم بين هذه الرحمة ورحمة البسملة بما هو عليه من محمود من َّ
الر ْح ِ
»قوله« َّ
ّللا فإنه ّللا لعباده ليقوى عندهم الرجاء والطمع في رحمة ه ومذموم ،وهذا تنبيه عجيب من ه
أرحم الراحمين ،فإنه إن لم يزد على عبيده في الرحمة بحكم ليس لهم فما يكون أرحم
ّللا من جميع ّللا ال خاب من أحاطت به رحمة ه الراحمين ،وهو أرحم الراحمين بال شك ،فو ه
جهاته ،وإذا صحت الحقائق فليقل األخرق ما شاء ،فإن جماعة نازعوا في ذلك ولوال أن
ّللا أبدا .
ّللا بهذه المثابة من الشمول لكان القائلون بمثل هذا ال تنالهم رحمة ه رحمة ه
ّللا والعبد في قراءة فاتحة الكتاب ،ومن الوجه الثاني الفاتحة في الصلة :الصالة جامعة بين ه
هنا يؤخذ الدليل بفرضيتها على المصلي في الصالة ،فمن لم يقرأها في الصالة فما صلى
ّللا بينه وبين عبده ،فإنه ما قال قسمت الفاتحة وإنما قال قسمت الصالة الصالة التي قسمها ه
باأللف والالم اللتين للعهد والتعريف ،فلما فسر الصالة المعهودة بالتقسيم جعل محل القسمة
قراءة الفاتحة ،وهذا أقوى دليل يوجد في فرض قراءة الحمد في الصالة ،والذي أذهب إليه
وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصالة وإن تركها لم تجزه صالته ،فقراءة أم القرآن في
الصالة واجبة إن حفظها ،وما عداها ما
ص 32 :
الر ِح ِيم »( أذكر ) فتتعلق الباء بهذا من َّ الر ْح ِ فيه توقيت ،وينبغي أن يكون العامل في« بِس ِْم َّ ِ
ّللا َّ
ّللا « ذكرني عبدي » وإن الر ِح ِيم »يقول ه من َّ الر ْح ِ الفعل إن صح الخبر ،يقول العبد« ِبس ِْم َّ ِ
ّللا َّ
ّللا ،فإنه ظاهر في« ا ْق َرأْ ِباس ِْم َر ِبه َك »هذا يتكلفه لقولهم إن لم يصح فيكون الفعل أقرأ بسم ه
المصادر ال تعمل عمل األفعال إال إذا تقدمت ،وأما إذا تأخرت فتضعف عن العمل ،وهذا
عندنا غير مرضي في التعليل ألنه تحكم من النحوي ،فإن العرب ال تعقل وال تعلل ،فيكون
ّللا ال يحمد إال بأسمائه غير ذلك ال يكون ، ّلل »بأسمائه فإن ه تعلق البسملة عندي بقوله « ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
وال ينبغي أن نتكلف في القرآن محذوفا إال لضرورة وما هنا ضرورة .
ّللا تبارك وتعالى إن العبد إذا قال« ِبس ِْم َّ ِ
ّللا ّللا عليه وسلم عن ه ّللا صلهى ه فإن صح قول رسول ه
ّللا يذكرني عبدي فال نزاع ،هكذا روي هذا الر ِح ِيم »في مناجاته في الصالة يقول ه من َّ
الر ْح ِ
َّ
الخبر عن
[ الفاتحة في الصلة ]
ّللا عليه وسلم قال « من صلى صالة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي أبي هريرة عن النبي صلهى ه
خداج ثالث غير تمام » .
ّللا صلهىفقيل ألبي هريرة إنا نكون وراء اإلمام فقال :اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول ه
ّللا تعالى قسمت الصالة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ّللا عليه وسلم يقول « قال ه ه
ّللا من يسمع ذلك القول بسمعه ، » ،وذكر مسلم هذا الحديث ولم يذكر البسملة فيه ،فمن عبيد ه
فإن لم تسمعه بسمعك فاسمعه إيمانا به فإنه أخبر بذلك ،فمن األدب اإلصغاء ،وهي السكتات
الر ِح ِيم »علق الباء بما في الحمد من من َّ ّللا ال َّر ْح ِ بين اآليات في الصالة ،فإذا قال العبد «بِس ِْم َّ ِ
ّللا إال بأسمائه الحسنى ،فذكر من ذلك ثالثة أسماء : معنى الفعل كما قلنا يقول ال يثنى على ه
ّللا لكونه جامعا غير مشتق ،فينعت وال ينعت به فإنه لألسماء كالذات للصفات فذكره االسم ه
أوال من حيث أنه دليل على الذات ،كاألسماء األعالم كلها في اللسان وإن لم يقو قوة األعالم
ألنه وصف للمرتبة كاسم السلطان ،فلما لم يدل إال على
ص 33 :
الذات المجردة على اإلطالق من حيث ما هي لنفسها من غير نسب لم يتوهم في هذا االسم
ّللا خاصة ،ثم قال بعد« ّللا أي قولك بسم ه اشتقاق ،ولهذا سميت بالبسملة وهو قولك االسم مع ه
الر ِح ِيم »من األسماء المركبة
من َّ
الر ْح ِ
الر ِح ِيم »من حيث ما هو أعني« َّ من َّ
الر ْح ِ
ّللا »« َّ ِبس ِْم َّ ِ
كمثل بعلبك ورام هرمز ،فسماه به من حيث ما هو اسم له ال من حيث المرحومين وال من
ّللا ذكر في
حيث تعلق الرحمة بهم ،بل من حيث ما هي صفة له جل جالله فإنه ليس لغير ه
الر ِح ِيم »
من َّالر ْح ِ البسملة أصال ،فإذا قال العبد« بِس ِْم َّ ِ
ّللا َّ
ّللا تعالى « ذكرني عبدي » وما قيد هذا الذكر بشيء الختالف أحوال الذاكرين أعني قال ه
البواعث لذكرهم ،فذكر تبعثه الرغبة وذكر تبعثه الرهبة وذكر يبعثه التعظيم واإلجالل ،
فأجاب الحق على أدنى مراتب العالم وهو الذي يتلو بلسانه وال يفهم بقلبه ،ألنه لم يتدبر ما
قاله إذا كان التالي عالما باللسان وال ما ذكره ،فإن تدبر تالوته أو ذكره كانت إجابة الحق له
ّللا يقول عند قراءة العبد القرآن كذا جوابا بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تاله ،فإن ه
على حكم اآلية ،فينبغي لإلنسان إذا قرأ اآلية أن يستحضر في نفسه ما تعطيه تلك اآلية على
قدر فهمه ،فإن الجواب يكون مطابقا لما استحضرته من معاني تلك اآلية ،ولهذا ورد الجواب
على أدنى مراتب العامة مجمال ،إذا العامي والعجمي الذي ال علم له بمعنى ما يقرأ يكون قول
ّللا لك الجواب ،فعلى هذا القدر صلت في االستحضار فصل ه ّللا له ما ورد في الخبر ،فإن ف ه ه
ّللا تعالى فإذا قال
باّلل والناس في صالتهم ،ثم قال :قال ه في القراءة تتميز مراتب العلماء ه
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »في الصالة
العبد« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا
ّللا « حمدني عبدي » والحمد هّلل رب العالمين يعني العبد أن عواقب الثناء ترجع إلى ه يقول ه
ّللا فعاقبته ترجع إلى
،ومعنى عواقب الثناء أي كل ثناء يثنى به على كون من األكوان دون ه
ّللا ومن وجه آخر إذا نظر إلى موضع الالم من ّللا ال لذلك الكون ،فرجعت عواقب الثناء إلى ه ه
ّلل »يرى أن الحامد عين المحمود ال غيره فهو الحامد المحمود ،وينفي الحمد عن قوله« ِ َّ ِ
الكون من كونه حامدا ونفى كون الكون محمودا ،فالكون من وجه محمود ال حامد ،ومن
وجه ال حامد وال محمود ،وأما كونه غير حامد فإن الحمد فعل واألفعال هّلل ،وأما كونه غير
محمود فإنما يحمد المحمود بما هو له ال لغيره والكون ال شيء
ص 34 :
له فما هو محمود أصال ،وجاء قوله تعالى« َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »باالسم الرب على ما يعطيه من
الثبات واإلصالح والتربية والملك والسيادة ،فهذه الخمسة يطلبها االسم الرب ،ويحضر
ّللا في قوله « حمدني عبدي القارئ ما يعطيه العالم من الداللة عليه تعالى ،فال يكون جواب ه
ّللا له حظا في » إال لمن حمده بأدنى المراتب ،ألنه لكرمه يعتبر األضعف الذي لم يجعل ه
العلم به تعالى رحمة به ،لعلمه أن العالم يعلم من سؤاله أو قراءته ما حضر معه في تلك
ّللا على ما وقع له ويدخل في إجمال ما خاطب به عبده العامي القراءة من المعاني ،فيجيبه ه
القليل العلم ،أو األعجمي الذي ال علم له بمدلول ما يقرؤه.
ّللا « أثنى علي عبدي » فإن قلت لم اختصت الر ِح ِيم »يقول ه
من َّالر ْح ِ
ثم قال يقول العبد« َّ
الرحمة بالثناء قلنا ألنه ال يثنى عليه إال بما هو عليه وال يثنى عليك إال بما تعطيك حقيقتك ،
فإذا رحمك ردك إلى عبوديتك واعتقدت أن الربوبية له وحده سبحانه ،فكل من أثني عليه
بوصف مشترك فما أثني عليه ،إنما ينبغي أن يثنى على الموجود بما ال يقع فيه المشاركة ،
من عليك بثناء تنفرد به ،ومتى أشركت معه غيره في الثناء فما خصصته بل فإذا رحمك ه
شركته بغيره .
ّللا « أثنى علي عبدي » يعنى بصفة الرحمة الشتقاق هذين االسمين منها ،ولم يقل في فيقول ه
ّللا به إال إذا أعطاه ما يالئمه في
ما ذا لعموم رحمته ،وألن العامي ما يعرف من رحمة ه
الر ِح ِيم
من َّ الر ْح ِ
غرضه وإن ضره ،أو ما يالئم طبعه ولو كان فيه شقاؤه .أما العالم إذا قال« َّ
»فإنه يحضر في نفسه مدلول هذا القول من حيث ما هو الحق موصوف به ،ومن حيث ما
يطلبه المرحوم لعلمه بذلك كله ،ويحضر في قلبه أيضا عموم رحمته الواحدة المقسمة على
خلقه في الدار الدنيا ،إنسهم وجنهم ومطيعهم وعاصيهم وكافرهم ومؤمنهم وقد شملت الجميع
ّللا أن يرزق بها عباده من جماد ونبات ،ورأى أن هذه الرحمة الواحدة لو لم تعط حقيقتها من ه
وحيوان وإنس وجان ولم يحجبها عن كافر ومؤمن ومطيع وعاص عرف أن ذاتها من كونها
رحمة تقتضي ذلك ،ثم جاء الوحي من أثر هذه الرحمة الواحدة بأن هذه الرحمة الواحدة
السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل األم تعطف على ولدها من جميع الحيوان ،
وهي واحدة من مائة رحمة ،وقد ادخر سبحانه لعباده في الدار اآلخرة تسعا وتسعين رحمة ،
فإذا كان يوم القيامة ونفذ في العالم حكمه وقضاؤه وقدره بهذه الرحمة الواحدة ،وفرغ الحساب
ونزل الناس منازلهم من الدارين ،أضاف سبحانه هذه الرحمة إلى التسع والتسعين رحمة
فكانت
ص 35 :
مائة ،فأرسلها على عباده مطلقة في الدارين فسرت الرحمة فوسعت كل شيء ،فمنهم من
وسعته بحكم الوجوب ،ومنهم من وسعته بحكم االمتنان ،فوسعت كل شيء في موطنه وفي
عين شيئيته ،وقد كان الحكم في الدنيا بالرحمة الدنيا ما قد علمتم ،وهي اآلن أعني باآلخرة
ّللا « مجدني عبدي » من جملة المائة فما ظنك ،ثم قال يقول العبد« ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
ِين »يقول ه
واختص الملك بالتمجيد لتصحيح التوحيد ،فأراد بالتمجيد التشريف بالوحدانية في األلوهية ،
فال إله إال هو ،وفي رواية « فوض إلي عبدي » .
فالعالم يجب أن ال يقصر يوم الدين على اآلخرة ،ويرى أن الرحمن الرحيم ال يفارقان ملك
يوم الدين فإنه صفة لهما ،فيكون الجزاء دنيا وآخرة ،وكذلك ظهر بما شرع من إقامة الحدود
وظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون
وّللا ملك يوم الدين ،فالكفارات سارية ،وهذا هو عين الجزاء ،فيوم الدنيا أيضا يوم الجزاء ه
في الدنيا ،واإلنسان في الدار الدنيا ال يسلم من أمر يضيق به صدره يؤلمه حسا وعقال حتى
ّللا غير موقتة ،فإنها وسعت كل قرصة البرغوث والعثرة ،فاآلالم محدودة موقتة ورحمة ه
شيء ،فمنها تنال وتحكم من طريق االمتنان وهو أصل األخذ لها ،ومنها ما يؤخذ من طريق
الر ْح َمةَ » على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ
الوجوب اإللهي في قوله« َكت َ َ
سأ َ ْكتُبُها » ،فأناس يأخذونها جزاء ،وبعض المخلوقات من المكلفين تنالهم امتنانا وقوله« فَ َ
حيث كانوا ،فكل ألم في الدنيا واآلخرة فإنه مكفر ألمور قد وقعت محدودة موقتة ،وهو جزاء
لمن يتألم به من صغير وكبير بشرط تعقل التألم ال بطريق اإلحساس بالتألم دون تعقله ،
فالرضيع ال يتعقل التألم مع اإلحساس به ،إال أن أباه وأمه وأمثالهما من محبيه وغير محبيه
يتألم ويتعقل التألم لما يرى في الرضيع من األمراض النازلة به ،فيكون ذلك كفارة لمن تعقل
األلم ،فإذا زاد ذلك العاقل الترحم به كان مع التكفير عنه مأجورا ،إذ في كل كبد رطبة أجر ،
وأما الصغير إذا تعقل التألم وطلب النفور عن األسباب الموجبة لأللم واجتنبها ،فإن له كفارة
فيها لما صدر منه مما آلم به غيره من حيوان أو شخص آخر من جنسه ،فإذا تألم الصغير
كان ذلك األلم القائم به جزاء مكفرا ،حتى اإلنسان يتألم بوجود الغيم ويضيق صدره به ،فإنه
كفارة ألمور آتاها قد نسيها أو يعلمها .
ّللا « فوض إلي عبدي » أو " ِين »فيقول ه فهذا كله من بعض ما يدل عليه« ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
مجدني عبدي " أي جعل لي الشرف عليه كما هو األمر في نفسه ،فهو الحق الذي له المجد
باألصالة ،فله تعالى المجد
ص 36 :
والشرف على العالم في الدنيا واآلخرة ،ألنه جازاهم على أعمالهم في الدنيا واآلخرة ،فيوم
ّللا كالهما ،إال أن التمجيد راجع إلى جناب الحق من حيث ما الدين هو يوم الجزاء ،أو يقول ه
تقتضيه ذاته ومن حيث ما تقتضي نسبة العالم إليه ،والتفويض من حيث ما تقتضي نسبة العالم
ي
إليه ال غير ،فإنه وكيل لهم بالوكالة المفوضة ،ففي حق قوم يقول « مجدني عبدي وف ه
المقصد » وفي حق قوم يقول « فوض إلي عبدي وفي المقصد أيضا » وفي حق قوم يقول «
ّللا له في الرد
مجدني عبدي وفوض إلي عبدي » ،فإن العبد قد يجمع بين المقصدين فيجمع ه
ّللا ليس للعبد فيه اشتراكبين التمجيد والتفويض -وإلى هنا -فهذا النصف كله مخلص لجناب ه
ّللا هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما َّاك نَ ْست َ ِع ُ
ين »يقول ه َّاك نَ ْعبُ ُد َو ِإي َ
ّللا يقول العبد« ِإي َ
-ثم قال ه
سأل ،فهذه اآلية تتضمن سائال ومسؤوال مخاطبا وهو الكاف من إياك فيهما ،ونعبد ونستعين
هما للعبد فإنه العابد والمستعين .
َّاك »وحد بحرف الخطاب بجعله مواجها ال على جهة التحديد ،ولكن امتثاال فإذا قال العبد« إِي َ
لقول الشارع لمثل ذلك السائل في معرض التعليم حين سأله عن اإلحسان فقال له صلهى ه
ّللا
ّللا كأنك تراه » ،فال بد أن تواجهه بحرف الخطاب وهو الكاف ،فهذه عليه وسلم « أن تعبد ه
اآلية وقع فيها االشتراك بين الحق وبين عبده ،وما مضى من الفاتحة مخلص هّلل وما بقي منها
مخلص للعبد ،وهذه التي نحن فيها مشتركة ووقع االشتراك من العبادة والعون لتتميز القدرة
من عجز الكون ،فهو سبحانه المقصود بالعبادة ،والعبد العابد ،وهو المقصود باالستعانة ،
والعبد المستعين ،فاالشتراك في اآلية كلمة للرب وكلمة للعبد ،وإنما و هحده ولم يجمعه ألن
المعبود واحد ،وجمع نفسه بنون الجمع في العبادة والعون المطلوب ألن العابدين من العبد
كثيرون ،وكل واحد من العابدين يطلب العون والمقصود بالعبادات واحد ،فعلى العين عبادة
وعلى السمع عبادة وعلى البصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب فلهذا قال نعبد
ونستعين بالنون ،فإذا نظر العالم إلى تفاصيل عالمه وأن الصالة قد عم حكمها جميع حاالته
ظاهرا وباطنا لم ينفرد بذلك جزء عن آخر ،فجميع عالمه قد اجتمع على عبادة ربه وطلب
العون منه على عبادته ،فجاء بنون الجماعة في نعبد ونستعين فترجم اللسان عن الجماعة ،
كما يتكلم الواحد من الوفد بحضورهم بين يدي الملك ،فعلم العبد من الحق لما أنزل عليه هذه
اآلية بإفراده نفسه أن
ص 37 :
ال يعبد إال إياه ،ولما قيد العبد بالنون أنه يريد منه أن يعبده بكله ظاهرا وباطنا من قوى
وجوارح ويستعين على ذلك الحد ،ومتى لم يكن المصلي بهذه المثابة من جمع عالمه على
ين » َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َّاك نَ ْعبُ ُد َو ِإي َ
عبادة ربه لم يصدق في قوله« ِإي َ
وهو مشغول في االلتفات ببصره واإلصغاء إلى حديث اآلخرين ،مشغول بخاطره في دكانه
علَ ْي ِه ْم َ
غي ِْر ط الَّذِينَ أ َ ْنعَ ْم َ
ت َ صرا َ
يم ِط ْال ُم ْست َ ِق َ صرا َّللا يقول العبد «ا ْه ِدنَا ال ِ ه أو تجارته ،ثم قال ه
علَ ْي ِه ْم َو َال الض َِّالهينَ »
ب َ
ضو ِْال َم ْغ ُ
ّللا أن يهديه الصراط المستقيم ،وأن ّللا ( هؤالء لعبدي ولعبدي ما سأل ) فيسأل العبد ه فيقول ه
يبينه له وأن يوفقه إلى المشي عليه ،وهو صراط التوحيد توحيد الذات وتوحيد المرتبة التي
ّللا عليه هي األلوهية بلوازمها من األحكام المشروعة التي هي من اإلسالم في قوله صلهى ه
ّللا » فهو الصراط المستقيم الذي هو عليه الرب ،من وسلم « إال بحق اإلسالم وحسابهم على ه
حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته .
ّللا وهم العالمون كلهم أجمعهم ، علَ ْي ِه ْم »يريد الذين وفقهم ه ت َ ط الَّ ِذينَ أ َ ْنعَ ْم َ
صرا َ ولهذا قال« ِ
والصالحون من اإلنس مثل الرسل واألنبياء واألولياء وصالحي المؤمنين من الجان ،كذلك لم
ّللا عليهم من نبي وصديق وشهيد وصالح ،وكل دابة هو يجعل الصراط المستقيم إال لمن أنعم ه
ّللا عليهم لما دعاهم بقوله « حي علَ ْي ِه ْم »أي ال من غضب ه ب َ ضو ِ غي ِْر ْال َم ْغ ُ آخذ بناصيتها« َ
على الصالة » فلم يجيبوا« َو َال الض َِّالهينَ »فاستثنى بالعطف من حار ،وهم أحسن حاال من
المغضوب عليهم ،فمن لم يعرف ربه وأشرك معه في ألوهيته من ال يستحق أن يكون إلها كان
من المغضوب عليهم ،فإذا أحضر العبد مثل هذا وأشباهه في نفسه عند تالوته قالت المالئكة
« آمين »ويقول العبد « آمين » .
فمن وافق تأمينه تأمين المالئكة في الصفة ،موافقة طهارة وتقديس ذوات ،كرام بررة ،أجابه
الحق عقيب قوله « آمين » ،أي أمنا بالخير ،فمن وافق تأمينه تأمين المالئكة غفر له « ،
وآمين » كلمة شرعت بعد الفراغ من الفاتحة لما فيها من السؤال ،وهو قوله« ا ْه ِدنَا »وهي
أي آمين تقصر وتمد ،وورد في الشرع الجهر بها واإلخفاء ،ألن األمر ظاهر وباطن ،
فالباطن يطلب اإلخفاء والظاهر يطلب الجهر ،غير أن الظاهر أعم ،فإذا جهر بها حصل حظ
الباطن ،وإذا أسر بها لم يعلم الظاهر ما جرى ،فالجهر بها عام لعام وخاص وأعم منفعة ،
والسر بها أتم مقاما من الجهر بها ،وآمين معناها أجب دعاءنا ،ال بل معناه قصدنا إجابتك
فيما دعوناك فيه ،يقال أ هم فالن جانب فالن إذا قصده ،وخفف آمين للسرعة المطلوبة في
اإلجابة ،والخفة
ص 38 :
تقتضي اإلسراع في األشياء ،فمن وافق تأمينه تأمين المالئكة فقد غفر له ،ولم يقل فقد أجيب
لما غفر له ،ألن المهدي ما له ما يغفر ،أي فمن أمن مثل تأمين المالئكة ،هذا معنى الموافقة
ال الموافقة الزمانية ،وقد تكون الموافقة الزمانية فيحويهم زمان واحد عند قولهم آمين ،
والمالئكة ال يخلو قولها في آمين هل يقولونها متجسدين أو يقولونها غير متجسدين ،فإن قالتها
متجسدين فربما يريد الموافقة الزمانية خاصة ،ألن التجسد يحكم عليها باإلتيان بلفظة آمين أي
بترتيب هذه الحروف ،وإن قالتها غير متجسدة فلم تبق الموافقة إال أن يقولها العبد بالحال التي
ّللا له ،وال بد أن يستره عن كل أمر يضاد الهداية بما تنتج ،ال يقولها الملك ،فإذا قالها غفر ه
بد من ذلك ،ألن نتيجة الهداية سعادة ،وقد يكون في حياته الدنيا غير مهدي والعناية قد سبقت
فيجني ثمرة الهداية ،فلهذا لم يقل أجيب وقال غفر فهذا معنى قول آمين فحصلت اإلجابة
باألمن مع تأمين المالئكة ،فيجب قراءة الفاتحة على كل مصل من إمام وغير إمام .
وليس للمأموم أن يسبق إمامه بشيء من أفعال الصالة ،وال من أقوالها حتى في قراءة الفاتحة
،ليس له أن يشرع فيها إذا جهر بها حتى يفرغ منها أو يتبع سكتات االمام فيها ،فيقرأ ما فرغ
اإلمام منها في سكتة اإلمام ،وفي صالة السر يقرؤها بحسب ما يغلب على ظنه ،إال في
ّللا
الصالة بعد الجلسة الوسطى فإنه يقرؤها ابتداء ،فقراءة الفاتحة ال بد منها لكل مصل ،فإن ه
قسم الصالة بينه وبين عبده وما ذكر إال الفاتحة ال غير ،فمن لم يقرأها فما صلى الصالة
ّللا بينه وبين عبده ،وينبغي للعبد أن يقرأ سورة الفاتحة من غير أن المشروعة التي قسمها ه
تتقدمه روية فيما يقرأ من السور أو اآليات من سورة واحدة أو من سور ،فإذا فرغ المصلي
ّللا على لسانه منه من غير أن يختار من قراءة الفاتحة قرأ ما تيسر له من القرآن وما يجري ه
آية معينة أو يتردد ،والسنة إتمام السورة .
في الخبر الصحيح يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ -
همة عالية شريفة -روى الشيخ محي الدين ابن العربي عن شيخه المقرئ أبي بكر محمد بن
خلف بن صاف اللخمي ،من مشايخ القراءات بجامع قوس الحنية بإشبيلية ،عن بعض
المعلمين من الصالحين ،أن شخصا صبيا صغيرا كان يقرأ عليه القرآن ،فرآه مصفر اللون
فسأل عن حاله فقيل له إنه يقوم الليل بالقرآن كله .
فقال له يا ولدي أخبرت أنك تقوم الليل بالقرآن كله ،فقال هو ما قيل لك ،فقال يا ولدي إذا
ي القرآن في صالتك وال تغفل عني ،فقال كان في هذه الليلة فأحضرني في قبلتك ،واقرأ عل ه
ص 39 :
الشاب نعم فلما أصبح قال له هل فعلت ما أمرتك به ؟
قال نعم يا أستاذ ،قال وهل ختمت القرآن البارحة ؟
قال ال ما قدرت على أكثر من نصف القرآن ،
ّللا صلهى ه
ّللا قال يا ولدي هذا حسن إذا كان في هذه الليلة فاجعل من شئت من أصحاب رسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،واقرأ عليه عليه وسلم أمامك ،الذين سمعوا القرآن من رسول ه
ّللا
ّللا عليه وسلم فال تزل في تالوتك ،فقال إن شاء ه ّللا صلهى هواحذر فإنهم سمعوه من رسول ه
يا أستاذ كذلك أفعل ،فلما أصبح سأله األستاذ عن ليلته فقال :
يا أستاذ ما قدرت على أكثر من ربع القرآن ،
ّللا عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن ، ّللا صلهى ه فقال :يا ولدي أتل هذه الليلة على رسول ه
واعرف بين يدي من تتلوه ،فقال نعم ،فلما أصبح قال :
يا أستاذ ما قدرت طول ليلتي على أكثر من جزء من القرآن أو ما يقاربه ،
فقال يا ولدي إذا كان هذه الليلة فلتكن تقرأ القرآن بين يدي جبريل ،الذي نزل به على قلب
ّللا عليه وسلم ،فاحذر واعرف قدر من تقرأ عليه ،فلما أصبح قال ،يا أستاذ ما محمد صلهى ه
قدرت على أكثر من كذا وذكر آيات قليلة من القرآن ،
ّللا وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه ،وأنك واقف قال يا ولدي إذا كان هذه الليلة فتب إلى ه
بين يديه تتلو عليه كالمه.
فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأ ،فليس المراد جمع الحروف وال تأليفها ،وال
حكاية األقوال ،وإنما المراد بالقراءة التدبر لمعاني ما تتلوه ،فال تكن جاهال ،فلما أصبح
انتظر األستاذ الشاب فلم يجئ إليه فبعث من يسأل عن شأنه فقيل له إنه أصبح مريضا يعاد ،
ّللا عني خيرا ،ما عرفت أني فجاء إليه األستاذ فلما أبصره الشاب بكى وقال :يا أستاذ جزاك ه
كاذب إال البارحة ،لما قمت في مصالي وأحضرت الحق تعالى وأنا بين يديه أتلو عليه كتابه
َّاك نَ ْعبُ ُد »ونظرت إلى نفسي فلم أرها تصدق في ،فلما استفتحت الفاتحة ووصلت إلى قوله« ِإي َ
َّاك نَ ْعبُ ُد »وهو يعلم أني أكذب في مقالتي.
قولها ،فاستحييت أن أقول بين يديه« إِي َ
فإني رأيت نفسي الهية بخواطرها عن عبادته ،فبقيت أردد القراءة من أول الفاتحة إلى قوله«
َّاك نَ ْعبُ ُد »إنه ما خلصت لي ،فبقيت أستحي أن أكذب ِين »وال أقدر أن أقول« ِإي َما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
بين يديه تعالى فيمقتني ،فما ركعت حتى طلع الفجر وقد رضت كبدي ،وما أنا إال راحل إليه
على حالة ال أرضاها من نفسي ،فما انقضت ثالثة حتى مات الشاب ،فلما دفن أتى األستاذ
إلى قبره فسأله عن حاله ،فسمع صوت الشاب من قبره وهو يقول له « :يا أستاذ
ص 40
ص 40 :
أنا حي عند حي لم يحاسبني بشيء »
قال فرجع األستاذ إلى بيته ولزم فراشه مريضا مما أثر فيه حال الفتى فلحق به.
ّللا المعين فال تبال فإنه َّاك نَ ْعبُ ُد »على قراءة الشاب فقد قرأ -نصيحة -إذا كان ه فمن قرأ« ِإي َ
ال يقاومه شيء .
ّللا يقول بل هو القادر على كل شيء ،فما ثم مع اإلعانة اإللهية قوة تقاوى قوة الحق ،فإن ه
َّاك نَ ْعبُ ُد َوإِي َ
َّاك فيمن سأله اإلعانة « ولعبدي ما سأل » في الخبر الصحيح ،فإذا قال العبد« إِي َ
ّللا :هذه اآلية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. ين »يقول ه نَ ْست َ ِع ُ
ّللا :هؤالء يم »إلى آخر السورة -وهدايته من معونته -يقول ه ط ْال ُم ْست َ ِق َ
صرا َوإذا قال« ا ْه ِدنَا ال ِ ه
لعبدي ولعبدي ما سأل ،وخبره صدق وقد قال :ولعبدي ما سأل ،فال بد من إعانته .
ولكن هنا شرط ال يغفل عنه العالم إذا تال مثل هذا ال يتلوه حكاية ،فإن ذلك ال ينفعه فيما ذهبنا
ّللا تعالى ما شرع له أن يقرأ القرآن ويذكره بهذا الذكر إال ليعلمه إليه ،وفيما أريد له وإنما ه
كيف يذكره ،فيذكره ذكر طلب واضطرار وافتقار وحضور في طلبه من ربه ما شرع له أن
يطلبه ،فذلك هو الذي يجيبه الحق إذا سأله ،فإن تال حكاية فما هو سائل ،وإذا لم يسأل وحكى
السؤال فإن الحق ال يجيب من هذه صفته ،وال جرم أن التالين الغالب عليهم الحكاية ال ثمرة
عندهم ،فهم يقرءون القرآن بألسنتهم ال يجاوز تراقيهم ،وقلوبهم الهية في حال التالوة وفي
حال سماعه ،فالمؤمن المخلوق يستعين بالمؤمن الخالق ،فيشد منه ويقوي ما ضعف عنه من
كونه مخلوقا .
إشارة :
ّللا ما ختم القرآن العظيم الذي هو الفاتحة إال بأهل الحيرة وهو ما أحسن اإلشارة في كون ه
قوله« َو َال الض َِّالهينَ »والضاللة الحيرة ،ثم شرع عقيبها آمين أي أمنا بما سألناك فيه ،فإن
غير المغضوب عليهم وال الضالين نعت للذين أنعمت عليهم ،وهو نعت تنزيه ،ومن علم أن
الغاية هي الحيرة فما حار ،بل هو على نور من ربه ،إذ الحيرة هي االنتهاء وما بيد العالم
باّلل سواها .
باّلل من العلم ه ه
( راجع معنى الحيرة في كتابنا الرد على ابن تيمية ص - 50ومعنى الضالين في كتابنا شرح
كلمات الصوفية ص ) 402
إشارة :
في قسمة الفاتحة ،العبودية الواضحة ،واختصت الرحمة بالثنا ،ليتبين من أنت ( الحق )
ومن أنا ،والملك بالتمجيد ،لتصحيح التوحيد ،ووقع الشرك في العبادة والعون ،لتتميز القدرة
من عجز الكون ،واختص العبد بنصفها الثاني ،ليصح عليها اسم المثاني ،فإن قلت قد ساوى
موسى لمحمد في الفرقان فكيف
ص 41 :
صحت له السيادة ،قلنا الختصاصه بالقرآن والعبادة ،فإن قلت قد شاركه في العبودية ،نوح
وزكريا الوجيه ،قلنا :الواحد عبد نعمة ،واآلخر عبد ربوبية ،ومحمد عبد تنزيه ،فإن قلنا قد
شاركه يحيى في السيادة الفاخرة ،قلنا تلك السيادة الظاهرة ،ولهذا صرح بها في الكتاب
المبين ،وأخفى فيه سيادة محمد سيد العالمين ،ثم صرح بها على لسانه في الشاهدين ،فهذا
سيد عموم ،وهذا سيد رسوم .
[ الحروف ]
ّللا وإياكم ،أن الحروف أمة من األمم مخاطبون ومكلفون ،وفيهم رسل من
اعلم وفقنا ه
ص 42 :
جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ،وهم عوالم ولكل عالم رسول من جنسهم ،ولهم شريعة
تعبدوا بها ،ولهم لطائف وكثائف ،وعليهم من الخطاب األمر ليس عندهم نهي ،وفيهم عامة
وخاصة وخاصة الخاصة وصفاء خالصة خاصة الخاصة ،وحروف أوائل السور من الخاصة
التي فوق العامة ،وال يعرف حقيقة مبادئ السور المجهولة .
ّللا آدم على صورته ،وهم الذين وصلوا اال أهل الصور المعقولة [ هم الذين لهم حظ من خلق ه
مرتبة الكمال والخالفة ] وجعل تبارك وتعالى أوائل السور تسعا وعشرين سورة ،وهو كمال
الصورة ،كما قدر منازل القمر ،وجعل الحروف على تكرارها ثمانية وسبعين حرفا ،فال
يكمل عبد أسرار اإليمان حتى يعلم حقائق هذه الحروف في سورها .
قال عليه السالم « :واإليمان بضع وسبعون شعبة »كما أنه إذا علمها من غير تكرار علم
ّللا فيها على حقيقة اإليجاد وتفرد القديم سبحانه بصفاته األزلية ،ثم إنه سبحانه جعل تنبيه ه
أولها األلف في الخط ،والهمزة في اللفظ ،وآخرها النون.
فاأللف لوجود الذات على كمالها ألنها غير مفتقرة إلى حركة ،والنون لوجود الشطر من العالم
وهو عالم التركيب ،وذلك نصف الدائرة الظاهرة لنا من الفلك ،والنصف اآلخر النون
المعقولة عليها ،التي لو ظهرت للحس وانتقلت من عالم الروح لكانت دائرة محيطة ،ولكن
أخفى هذه النون الروحانية -التي بها كمال الوجود -وجعلت نقطة النون المحسوسة دالة عليها
.
فاأللف كاملة من جميع وجوهها والنون ناقصة ،وجعلت هذه الحروف على أفراد في بعض
السور مثل « ص ،ق ،ن » وثنيت في « طس ،طه » وأخواتها .
وجمعت في ثالثة فصاعدا حتى بلغت خمسة حروف متصلة ومنفصلة ولم تبلغ أكثر ،وال
ّللا تعالى كشفا ،وسماه الحكيم الترمذي علم األولياء.
يعرف هذا العلم اال أولياء ه
ص 43 :
واعلم أن هّلل ثمانية وعشرين اسما على عدد منازل الفلك وهي :
الرفيع الدرجات ،الجامع ،اللطيف ،القوي ،المذل ،رزاق ،عزيز ،مميت ،محيي ،حي
،قابض ،مبين ،محص ،مصور ،نور ،قاهر ،عليم ،رب ،مقدهر ،غني ،شكور ،محيط
،حكيم ،ظاهر ،باطن ،باعث ،بديع .ولكل اسم من هذه األسماء روحانية ملك تحفظه
وتقوم به وتحفظها ،لها صور في النفس اإلنساني تسمى حروفا في المخارج عند النطق وفي
الخط عند الرقم ،فتختلف صورهما في الكتابة والرقم وال تختلف في النطق ،وتسمى هذه
المالئكة الروحانيات في عالم األرواح بأسماء هذه الحروف ،فلنذكرها على ترتيب المخارج
حتى تعرف رتبتها فأولهم :ملك الهاء ثم الهمزة ،وملك العين المهملة ،وملك الحاء المهملة ،
وملك العين المعجمة ،وملك الخاء المعجمة ،وملك القاف ،وملك الكاف ،وملك الجيم ،
وملك الشين المعجمة ،وملك الياء ،وملك الضاد المعجمة ،وملك الالم ،وملك النون ،وملك
الراء ،وملك الطاء المهملة ،وملك الدال المهملة ،وملك التاء المعجمة باثنتين من فوقها ،
وملك الزاي ،وملك السين المهملة ،وملك الصاد المهملة ،وملك الظاء المعجمة ،وملك الثاء
المعجمة بالثالث ،وملك الذال المعجمة ،وملك الفاء ،وملك الباء ،وملك الميم ،وملك الواو
،وهذه المالئكة أرواح هذه الحروف ،وهذه الحروف أجساد تلك المالئكة لفظا وخطا بأي قلم
كانت ،فبهذه األرواح تعمل الحروف ال بذواتها ،أعني صورها المحسوسة للسمع والبصر
المتصورة في الخيال ،فال يتخيل أن الحروف تعمل بصورها وإنما تعمل بأرواحها ،ولكل
حرف تسبيح وتمجيد وتهليل وتكبير وتحميد يعظم بذلك كله خالقه ومظهره ،وروحانيته ال
تفارقه وبهذه األسماء يسمون هذه المالئكة في السماوات ،وكذلك الكواكب التي ترونها إنما
هي صور لها أرواح ملكية تدبرها مثل ما لصورة اإلنسان ،فبروحه يفعل اإلنسان وكذلك
ّللا سبحانه ما يسوي صورة محسوسة الكوكب ،والحرف لوال الروح ما ظهر منه فعل ،فإن ه
في الوجود على يد من كان ،من إنسان أو ريح إذا هبت فتحدث أشكاال في كل ما تؤثر فيه ،
ّللا بمشي
حتى الحية والدودة تمشي في الرمل فيظهر طريق ،فذلك الطريق صورة أحدثها ه
ّللا فيها روحا من أمره ال يزال يسبحه
هذه الدودة أو غيرها ،فينفخ ه
ص 44 :
ذلك الشكل بصورته وروحه إلى أن يزول فتنتقل روحه إلى البرزخ ،وذلك قوله « ُك ُّل َم ْن
فان » ،وكذلك األشكال الهوائية والمائية لوال أرواحها ما ظهر منها في انفرادها وال في علَيْها ٍ
َ
تركيبها أثر ،وكل من أحدث صورة وانعدمت وزالت وانتقل روحها إلى البرزخ فإن روحها
ّللا ويحمده ،ويعود ذلك الفضل على من أوجد تلك الصورة الذي الذي هو ذلك الملك يسبح ه
ّللا ،ولهذا كان هذا الملك روحها ،فما يعرف حقائق األمور إال أهل الكشف والوجود من أهل ه
ّللا قلوب الغافلين ليتنبهوا على الحروف المقطعة في أوائل السور ،فإنها صور مالئكة نبه ه
وأسماؤهم ،فإذا نطق بها القارئ كان مثل النداء بهم فأجابوه ،فيقول القارئ « ألف ،الم ،
ميم » فيقول هؤالء الثالثة من المالئكة مجيبين « ما تقول » فيقول القارئ ما بعد هذه
الحروف تاليا فيقولون « صدقت » إن كان خبرا ،ويقولون « هذا مؤمن حقا نطق حقا وأخبر
بحق » فيستغفرون له ،وهم أربعة عشر ملكا « ،ألف ،الم ،ميم ،صاد ،راء ،كاف ،هاء
،ياء ،عين ،طاء ،سين ،حاء ،قاف ،نون » ظهروا في منازل من القرآن مختلفة ،
فمنازل ظهر فيها واحد مثل « ق ،ن ،ص » ومنازل ظهر فيها اثنان مثل « طس ،يس ،
حم »وهي سبعة أعني الحواميم ،طه ،ومنازل فيها ثالثة وهم « ،ألم البقرة ،وألم آل
عمران ،وألم يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر ،وطسم الشعراء والقصص والعنكبوت
ولقمان والروم والسجدة » ومنها منازل ظهر فيها أربعة وهم « المص األعراف ،والمر
الرعد » ومنازل ظهر فيها خمسة وهي « مريم والشورى » وجميعها ثمان وعشرون سورة
على عدد منازل السماء سواء ،فمنها ما يتكرر في المنازل ومنها ما ال يتكرر ،فصورها مع
التكرار تسعة وسبعون ملكا بيد كل ملك شعبة من اإليمان ،وإن اإليمان بضع وسبعون شعبة
ّللا ،وأدناها إماطة األذى عن الطريق -والبضع من واحد إلى تسعة -فقد أرفعها ال إله إال ه
استوفى غاية البضع ،فمن نظر في هذه الحروف يرى عجائب ،وتكون هذه األرواح الملكية
التي هذه الحروف أجسامها تحت تسخيره ،وبما بيدها من شعب اإليمان تمده وتحفظ عليه
إيمانه .
واعلم أن هذه الحروف األربعة عشر التي في أوائل السور ،كل حرف منها له ظاهر
ص 45 :
وهو صورته وله باطن وهو روحه ،ولكل حرف ليلة من الشهر أعني الشهر الذي يعرف
بالقمر ،فإذا مشى القمر وقطع في سيره أربع عشرة منزلة أعطى في كل حرف من هذه
الحروف من حيث صورها قوتين من حيث ذاته ،ومن حيث نوره ،وأعطاه قوتين أخريين
من حيث المنزلة التي نزل بها ،ومن حيث البرج الذي لتلك المنزلة ،ولكن بقدر ما لتلك
المنزلة من البرج ،فيصير في ذلك الحرف أربع قوى ،فيكون عمله أقوى ،فإذا أخذ القمر في
النقص فقد أخذ في روحانية هذه الحروف إلى أن يكملها بكمال المنازل ،فتلك ثمان وعشرون
والقوى مثل القوى إال أنه يكون العمل غير العمل ،فالعمل الظاهر في المنافع ،والعمل الثاني
في دفع المضار .وفي قوة النور الذي للقمر لهذه الحروف مراتب بحسب المنزلة والبرج الذي
تكون فيه الشمس ،واتصاالت القمر بالمنزلة في تسديسها وتربيعها وتثليثها ومقابلتها
ومقارنتها ،فتختلف األحكام باختالف هذا للحرف من قوة النور القمري ،وأما الم ألف فهو
من الحروف المركبة ،أنزلوه منزلة الحرف الواحد لكمال نشأة الحروف ،ولهذا الحرف ليلة
السرار الذي يكون للقمر ،فالعمل بالحروف يحتاج إلى علم دقيق ،فهذه القوى تحصل
ّللا ما قدر هذا القمر منازل حتى عاد كالعرجون القديم واختصه للحروف من سير القمر ،فإن ه
بالذكر سدى ،بل ذلك لحكمة إلهية يعلمها من أوتي الحكمة التي هي الخير الكثير اإللهي ،فإن
الستة الجواري الباقية قدهرها أيضا منازل في نفس األمر وما خصها بالذكر ،فلما دخل القمر
في الذكر كان له من القوة اإللهية والشرف في الوالية والحكم اإللهي ما ليس لغيره ،فإنه ما
ذكر إال بالحروف وبها نزل إلينا الذكر ،فكان نسبته إلى الحروف أتم من نسبة غيره ،فصار
إمداده للحروف إمدادين ،إمداد جزاء وشكر ألن بها حصل له الذكر ،وإمدادا طبيعيا كإمداد
سائر الستة لهذه الحروف -راجع والقمر قدرناه منازل .
«تفسير من باب اإلشارة » « :األلف » من( ألم )إشارة إلى التوحيد فمهما نظرت إلى
الوجود جمعا وتفصيال ،وجدت التوحيد يصحبه ،ال يفارقه البتة ،صحبة الواحد األعداد ،
فالواحد ليس العدد ،وهو عين العدد ،أي به ظهر العدد ،فاأللف ليس من الحروف عند من
شم رائحة من الحقائق ،ولكن قد سمته العامة حرفا ،فإذا قال المحقق إنه
ص 46 :
حرف فإنما يقول ذلك على سبيل التجوز في العبارة ،ومقام األلف مقام الجمع ،له من األسماء
ّللا ،وله من الصفات القيومية ،وله المراتب كلها ،وله مجموع عالم الحروف ومراتبها ، اسم ه
ليس فيها وال خارجا عنها ،نقطة الدائرة ومحيطها ،ومركب العوالم وبسيطها « .والميم »
للملك الذي ال يهلك « والالم »بينهما واسطة لتكون رابطة بينهما ،فاأللف إشارة إلى الذات
المنزهة عن قيام الحركات بها ،والالم إشارة إلى الصفات التي ال تعقل إال باألفعال ،لذلك
اتصلت الالم بالميم الذي هو أثرها وفعلها .
ص 47 :
وساق الكتاب بحر في التعريف والعهد ،فذلك الكتاب هو الكتاب المرقوم ،ألن أمهات الكتب
ثالثة :الكتاب المسطور والكتاب المرقوم والكتاب المجهول .والكتاب ضم معنى إلى معنى ،
والمعاني ال تقبل الضم إلى المعاني حتى تودع في الحروف والكلمات ،فإذا حوتها الكلمات
والحروف قبلت ضم بعضها إلى بعض فانضمت بحكم التبع النضمام الحروف ،وانضمام
ْب فِي ِه
الحروف تسمى كتابة ،فذلك الكتاب المرقوم المنزل عليك هو علمي ال علمك« ال َري َ
ى ِل ْل ُمت َّ ِقينَ »فهو في معرض الهداية لمن
»عند أهل الحقائق أنزله في معرض الهداية« ُهد ا
اتقاني وأنت المنزل فأنت محله ،وال بد لكل كتاب من أم ،وأمه ذلك الكتاب المجهول ال
تعرفه أبدا ،وقال تعالى« ذ ِل َك »ولم يقل تلك آيات الكتاب ،فالكتاب للجمع واآليات للتفرقة ،
وذلك مذكر مفرد ،وتلك مفرد مؤنث ،فأشار تعالى بذلك الكتاب أوال لوجود الجمع أصال قبل
الفرق ،كما أشار باآليات إلى محل األحكام والقضايا .
-إشارة -الكتاب المرقوم هو هذا القرآن ،والكتاب المسطور هو الوجود كله ،والكتاب
ّللا تعالى .
المجهول هو علم ه
[ بحث في اإليمان ]
بحث في اإليمان :إن اإليمان عبارة عن نور حاصل من قبل الحق تعالى ،قابل لكل ما
ص 48 :
يرد منه من دين وشرع ونحوهما ،فيستحق حامله بوصف قبوله المذكور األمن من سخط
الرحمن ،فيسمى بهذا الوصف والحكم الخاص إيمانا وتصديقا ،وعلى التحقيق إنما هو أول
اعتبار من العلم متعلق بالدين والشرع وحداني النعت ،من غير اعتبار تأيد بدليل وبرهان
عقلي أو سمعي أو كشفي ،فإذا تأيد بشيء من ذلك صار علما وإيقانا ،وخرج من كونه إيمانا
،ثم إن محل هذا النور يختلف بحسب رقة حجب العادة والطبع الحائل بين النفس والقلب ،
وبين قبولهما الدين والشرع وبحسب كثافتهما ،فمهما رقهت الحجب وشفت يرد هذا النور من
ضمن إخبار مخبر صادق عن الحق تعالى ،رغما منه بطريق السمع غالبا ،ويخلص إلى
القلب فيتلقاه القلب بالقبول ،وذلك يكون نفس التصديق الذي محله القلب ،والدليل على كونه
نورا قول النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور ] وذلك في
آخر حديث تمثيل اليهود والنصارى والمسلمين وتمثيل إجارتهم وأجورهم ،وأما الدليل على
عز من قائل [ أولئك كتب في قلوبهم اإليمان وأيدهم بروح منه ] وروده على القلب قوله ه
فيظهر القلب وآثاره ،ويتميز بعد أن كان مغمورا ومستورا ومقهورا تحت سلطنة النفس
وآثارها ،ثم بعد هذا الورود يسري أثره من الباطن والقلب إلى ظاهر النفس ،حتى إلى
صورتها البدنية وسائر قواها وأعضائها ،فتنقاد وتستسلم وتلين بعد انشراح الصدر له
ّللا ] ويسمىوألحكامه الظاهرة والباطنة ،كما قال تعالى [ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر ه
هذا النور بحكم سرايته في الظاهر وتليينه إياه وانقياد الظاهر له وألحكامه إسالما ،ومهما
تراكمت الحجب لم يرد هذا النور من ضمن األخبار المذكورة إال على ظاهر النفس من قبل أن
ينشرح الصدر ،فتتلقاه النفس بقبول مختلس ،فتنقاد له وألحكامه الظاهرة الحسية ،رغبة أو
رهبة متعلقة بالظاهر ،كحقن الدم وصون المال والعرض ،ويسمى هذا النور بهذا القدر
اليسير من االنقياد الظاهري إسالما ،لكن لما لم يخلص ذلك إلى القلب ،لكثافة الحجب وعدم
سرايته إلى الباطن أصال ،لم ينشرح له الصدر ،ولم ينبسط لقبوله كما قال تعالى [ قالت
ص 49 :
األعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل اإليمان في قلوبكم ] فأما إذا سرى أثر
قبول الظاهر إلى الباطن وحكم قبول القلب إلى النفس ،بتلطيف الحجب وغلبة حكم العبادة
ّللا تعالى [ أفمن
على أحكام العادة ،فيحصل إما تمام شرح الصدر أو بعضه ،وذلك قول ه
ّللا صدره لإلسالم فهو على نور من ربه ] . شرح ه
ّللا
ويعم حكم القبول للقلب من النفس ،ويتحد وصفهما الذي هو اإلسالم واإليمان ،كما أخبر ه
عز وجل من قائل [ :فأخرجنا من كان فيها من تعالى عن حال مؤمني قوم لوط في ذلك بقوله ه
المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ] فعلى هذا يكون لهذا النور بحسب محليه -
أعني النفس والقلب -ظاهر وباطن فظاهره االنقياد القائم بالنفس وآالتها التي هي القوى
واألعضاء البدنية ،وله ثالث مراتب فمبدؤها وصف المنافقين وذلك قبل شرح الصدر ،وهو
انقياد النفس األمارة بالسوء رغبة أو رهبة دنيوية فحسب ،ووسطها نعت األبرار من المسلمين
،وهو انقياد النفس اللوامة لألوامر والنواهي ظاهرا وباطنا ،ولكن عن رغبة ورهبة متعلقة
باآلخرة ،واستيفاء حظوظ النفس من الجنة بنعمها المحسوسة ودرجاتها ،وذلك في أثناء شرح
الصدر ،وغايتها صفة المؤمنين الموقنين المقربين المخلصين ،وهو انقياد النفس المطمئنة ،
ظاهرا وباطنا خالصا مخلصا من غير شائبة حظ النفس أصال دنيا وآخرة ،وهو المراد بقول
الخليل عليه السالم( ِإ ْذ قا َل لَهُ َربُّهُ « أ َ ْس ِل ْم » قا َل أ َ ْسلَ ْمتُ ِل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ ) .
وبما وصى بنيه يعقوب عليه السالم بقوله( فَال ت َ ُموت ُ َّن ِإ َّال َوأ َ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمونَ )وذلك بعد تمام شرح
الصدر وفتح القلب ،وهو ظهوره من مشيمة النفس والروح ،وهذا النور اإليماني من هذه
الحيثية الظاهرة ومن حيثية عموم الحكم واتحاد الوصف المذكورين قبيل هذا أيضا قابل للزيادة
والنقصان ،لكون األعمال البدنية منها ،فيزيد بزيادتها وينتقص بانتقاصها ،وأما باطنه
وحقيقته المكتوب في القلب ،فهو مجرد التصديق ،وحداني النعت ،غير قابل من هذه الحيثية
زيادة ونقصانا ،نعم قد يقوى ويضعف ظهوره برقة الحجب وكثافتها ،وربما يتأيد ويتقوى
ويتفرع منه أشعة في الظاهر والباطن ،ولكن القوة والضعف والتأييد والظهور واألشعة ،كلها
من نعوته وصفاته ،ال من أجزاء حقيقته ومقوماته ،ثم إن هذه الحيثية الباطنية التصديقية
أيضا لها ثالث
ص 50 :
درجات :أولها إيمان العوام ،وهو االعتقاد الصحيح السليم الذي هو أصل الصراط المستقيم ،
ووسطاها سرايتها في النفس وجميع قواها وآالتها البدنية واستصحابها مع كل حركة وسكنة
قوال وفعال ،وثمرة ذلك االئتمار لجميع األوامر واالنتهاء عن جميع النواهي ظاهرا وباطنا .
ّللا عليه وسلم ال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن « الحديث » وقوله صلهى ه
من هذه المرتبة الوسطى اإليمانية ،فإنه نفى اإليمان عمن لم يستصحبه في جميع حركاته
وسكناته ،ولو صحبه حال فعل الزنا والسرقة باستحضار الحق تعالى ولزوم أوامره ونواهيه
لما أقدم على ذلك ،فكان اإليمان المنفي من هذه المرتبة الوسطى ال األعلى واألدنى .
وأعلى مراتب اإليمان ظهور عروقه الكلية الضاربة إلى الروح الروحانية ،وثمرة ذلك تعديل
األخالق وتبديلها ،أو صرفها فيما ظهر حسنا جميال بالنسبة إلى تلك المصارف ،ويؤول
األمر من هذه المرتبة إلى أن تزول الحجب كلها أو أكثرها ،ويظهر القلب فتصحو سماؤه عن
غمام الشك والريب ،وتنجلي فيه آيات الرب تعالى وتقدس ،ويصير اإليمان إحسانا ،ويعود
الكشف عيانا ،وهنالك الوالية هّلل الحق ،فدخل في مرتبة اإلحسان .
ّللا أن اإليمان بمعناه اللغوي ،الذي هو إعطاء األمان ،إنما يتعدى بنفسه فيقال : واعلم أيدك ه
« آمنته » وأما ما يتضمن معنى التصديق واالعتراف الباطن فيعدى بالباء ،كقوله تعالى ( :
ب )وذلك باطنه المتعلق بالقلب وهو األصل ،وأما ما يتضمن معنى االنقياد يُؤْ ِمنُونَ ِب ْالغَ ْي ِ
ط َمعُونَ أ َ ْن يُؤْ ِمنُوا لَ ُك ْم »فالذي عز وجل« أ َ فَت َ ْ
واالستسالم المتعلق بالنفس فيعدى بالالم كقوله ه
يقبل التشعب واالنقسام والزيادة والنقصان من هذا النور إنما هو الظاهري المعدهى بالالم ،
الذي هو حقيقة اإلسالم ال الباطن المعدى بالباء الذي هو األصل الذي تفرعت منه األغصان ،
ّللا وأدناها والتشعب المذكور في الحديث ( اإليمان بضع وسبعون شعبة أعالها ال إله إال ه
إماطة األذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب اإليمان ) وقد ذكر اإلمام أبو القاسم الراغب
في ذريعته في معنى انقسام اإليمان المذكور في هذا الحديث كالما بليغا ،وحصر شعبه في
اثنين وسبعين شعبة .
وحاصل كلمه :أن اإليمان شيئان ،تصديق وأعمال .
سو ِل ِه ث ُ َّم لَ ْم يَ ْرتابُوا فالتصديق على ثلث مراتب :أعلى وهو المراد بقوله« الَّذِينَ آ َمنُوا بِ َّ ِ
اّلل َو َر ُ
»وأوسط وهو الظن المقارب لليقين بسبب
ص 51 :
ظنُّونَ أَنَّ ُه ْم ُمالقُوا َر ِبه ِه ْم ».أمارة قوته ،كما قال تعالى« يَ ُ
وأدنى وهو التقليد المحض ،واألعمال أيضا ثالثة :خالفة معينة بقوله « َويَ ْست َ ْخ ِلفَ ُك ْم فِي
ُون »وعمارة أرض كقوله تعالى« َوا ْست َ ْع َم َر ُك ْم فِيها ض »وعبادة مرادة بقوله« ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ ْاأل َ ْر ِ
»فهذه ستة ،وكل واحد منها صدوره إما أن يكون عن رغبة ورهبة أو عن إخالص فهذه اثنتا
عشرة ،وكل واحد منها إما يكون المؤمن في مبدئه أو في وسطه أو في منتهاه ،فإن كل
فضيلة ورذيلة ال تنفك عنها .
فاثنتا عشرة في ثالث صارت ستا وثالثين ،وكل واحد منها إما أن يكون باجتباء وهبي ،وإما
باهتداء كسبي ،فصارت اثنتين وسبعين شعبة من غير زيادة ونقصان ،هذا حاصل كالم
ّللا تعالى ،وقد أجاد في هذا الحصر والتقسيم ،إال أنه حمل البضع الذي هو الراغب رحمة ه
العدد المجهول على االثنين ،وقد اختلف في االثنين هل هو من العدد أم ال ،على أن األكثر
مالوا إلى أن البضع ال يقع إال على العدد المجهول من الثالثة إلى التسعة ،فقد عين واختار
أمرا مختلفا فيه ،وأيضا يصير الفرع على ما قرره أفضل وأعلى من األصل ،ويلوح لي في
هذا الحصر والتقسيم وجه آخر مناسب ألفضلية هذا القول وحمل البضع الوضع إجماعا ،
وذلك أنا قد قررنا آنفا أن حقيقة اإليمان باطنا أمر وحداني غير قابل للتجزئة والقسمة والتشعب
،وإنما ينقسم من حيث ظاهره وصفاته ونعوته الظاهرة وذلك هو اإلسالم وهو المعدى بالالم ،
وحسبت حروف البضع بحساب الجمل ،فرأيت أن داللة لفظ البضع على عدد الثمانية أشد
وأقوى من داللتها على غير ذلك من األعداد فحملناه هاهنا على ذلك ،فانحصرت شعب
اإليمان وانقسمت على ثمان وسبعين شعبة ،ووجه ذلك أن كل ما يصدر من ظاهر نفس
اإلنسان من حيث قواها وآالتها ،التي تصلح إضافة العمل إليها مبنيا على نية منتشئة من أصل
اإليمان وماهيته ،التي بسراية تلك النية يقع ذلك التصادر في معرض المجازاة شرعا .
ينقسم ثالثة أقسام :
ّللاُ » *مثال . أحدها قولي محض ،مثل قول« ال ِإلهَ ِإ َّال َّ
ثانيها عملي محض كالجهاد والزكاة .
وثالثها متركب منهما كالصالة ،ثم إن العملي إما أن يكون باجتماع القوى واآلالت ،أو بتفرد
كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ،فالقولي وحده والمتركب منه ومن العملي والمتركب من
العمليات ثالثة أقسام ،وبقي ما تفرد
ص 52 :
كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ،وذلك نوعان :نوع غايته والمقصود منه العلم واإلدراك ال
غير ،وذلك منحصر في خمسة أصناف :هي الحواس الخمس ،السمع والبصر والشم والذوق
واللمس .والنوع الثاني ما ال يكون غايته العلم واإلدراك بل غايته منحصرة في أمرين :
أحدهما جلب المنفعة أو اللذة ،وذلك يكون بالقوة الشهوية ،واألمر الثاني دفع المضرة واأللم
وذلك بالقوة الغضبية ،وآالت هاتين القوتين ومظاهرها خمسة أيضا إحداها اليد التي ينتهي
إليها إعالء كلمة الحق بضرب أعناق مخالفيه ،وثانيها الرجل التي بها يسارع إلى االئتمار
ّللا تعالى بأمر( َوا ْس ُج ْد بأمر( فَا ْسعَ ْوا ِإلى ِذ ْك ِر َّ ِ
ّللا ) ،وثالثها الرأس الذي به يتقرب إلى ه
َوا ْقت َ ِربْ ) ،ورابعها البطن الذي به يقوم بقاء الشخص بالمبادرة إلى أمر ( كلوا ) ،وخامسها
الفرج الذي تعلق به بقاء النوع بواسطة االنتداب بأمر ( تناكحوا ) وليس غير ما أحصيناه قوة
ّللا تعالى أصال ،فهذه العشرة مع الثالثة المذكورة آنفا وآلة في الظاهر يعمل ويتقرب بها إلى ه
صارت ثالثة عشر ،وكل واحد منها ينقسم قسمين :أحدهما فعلي كما وصفنا ،والثاني تركي
كالصوم وجميع مقتضيات الحياة ،فتصير ستا وعشرين ،وكل واحد منها إما أن يكون
ّللا تعالى وخالصا لوجهه غير مشوب بعلة نفسانية أصال أو يكون صدوره ابتغاء مرضاة ه
مشوبا بعلة .
والعلة النفسية نوعان :
رغبة ورهبة باقتضاء قوتي الشهوة والغضب وبحسبها ،فهذه الثالثة تضرب في ست
وعشرين تصير ثمانيا وسبعين .
ّللا بسراية أصلها الذي هو القصد فانحصرت شعب ظاهر اإليمان التي أفضلها قول ال إله إال ه
والنية المنتشئة من باطن اإليمان وأصله ومنبعثة في ثمان وسبعين شعبة ،ويحتمل أن يعد
باطن اإليمان الوحداني من جملة شعبه الظاهرة ،تسمية لألصل والذات باسم الفرع والصفة ،
فتصير الشعب تسعا وسبعين ويحمل البضع على أكثر ما يحتمله في العدد ،كما أن الراغب
وّللا تعالى أعلم .وإذا علمت أن اإليمان نور وارد على القلب حمله على أقل العدد من وجه ،ه
ّللا تعالى ،المزيلة والنفس ،قابل لكل ما يرد من الحق من أنوار األمر والنهي المقربة إلى ه
لظلمة الطبيعة العنصرية ،والمظهرة سبيل القرب إليه تعالى وتقدس ،علمت أن التقوى هي
عز وجل بإتيان األوامر وأداء الواجبات والمندوبات السلوك في ذلك السبيل ،والتقرب إليه ه
التي هي مقتضاها ،وباالنتهاء عن النواهي وترك المحرمات والشبهات واالنحرافات التي هي
من
ص 53 :
ّللا تعالى وهدايته ونفعه
مقتضياتها ،والدخول بواسطة ذلك اإلتيان واالنتهاء في وقاية رضى ه
[ شعب اإليمان ]
ولطفه -شعب اإليمان -اعلم أن اإليمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة األذى عن الطريق
ّللا :عمل وترك ،أي مأمور به ومنهي ّللا ،وما بينهما على قسمين من ه
،وأعالها ال إله إال ه
عنه ،فالمنهي عنه هو الذي يتعلق به الترك وهو قوله ال تفعل ،والمأمور به هو الذي يتعلق
به العمل وهو قوله افعل ،وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .
وقال صلهى ه
ّللا عليه وسلم [:ما نهيتكم عنه فانتهوا ] وأطلق ولم يقيد وقال في األمر « وما
أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم » فهذا من رحمته بأمته ،وهو ال ينطق عن الهوى فهذا من
ّللا تعالى بعباده :وأمره بما وجب به اإليمان على نوعين :فرض ومندوب ،والنهي رحمة ه
على قسمين نهي حظر ونهي كراهة ،والفرض على نوعين :فرض كفاية وفرض عين .
وكذلك الواجب أقول فيه :واجب موسع وواجب مضيق ،فالواجب الموسع موسع بالزمان
وموسع بالتخيير وهو الواجب المخير فيه مثل كفارة المتمتع ،وإتيان ما يؤتى من هذا كله
وترك ما يترك من هذا كله هو اإليمان الذي فيه سعادة العباد ،فالبضع والسبعون من اإليمان
هو الفرض منه من عمل وترك وأما غير الفرض كالمندوبات والمكروهات فيكاد ال ينحصر
عند أحد ،فابحث عليها في الكتاب والسنة .ومن شعب اإليمان :الشهادة بالتوحيد وبالرسالة ،
والصالة ،والزكاة ،والصوم ،والحج ،والجهاد ،والوضوء والغسل من الجنابة والغسل يوم
الجمعة ،والصبر ،والشكر ،والورع والحياء ،واألمان ،والنصيحة ،وطاعة أولي األمر ،
والذكر ،وكف األذى ،وأداء األمانة ،ونصرة المظلوم وترك الظلم ،وترك االحتقار ،وترك
الغيبة ،وترك النميمة ،وترك التحسس ،واالستئذان ،وغض البصر ،واالعتبار ،وسماع
األحسن من القول واتباعه ،والدفع بالتي هي أحسن ،وترك الجهر بالسوء من القول ،والكلمة
الطيبة ،وحفظ الفرج ،وحفظ اللسان ،والتوبة ،والتوكل ،والخشوع ،وترك اللغو ،
واالشتغال بما يعني وترك ما ال يعني ،وحفظ العهد والوفاء بالعقود ،والتعاون على البر
والتقوى وترك التعاون على اإلثم والعدوان ،والتقوى ،والبر ،والقنوت ،والصدق ،واألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وإصالح ذات البين وترك إفساد ذات البين ،وخفض الجناح ،
واللين ،وبر الوالدين ،وترك العقوق ،والدعاء ،والرحمة بالخلق ،وتوقير الكبير
ص 54 :
ّللا ،وترك دعوى الجاهلية فإن النبي صلهى ه
ّللا ومعرفة شرفه ورحمة الصغير ،والقيام بحدود ه
ّللا ،والتؤدة ، ّللا والبغض في ه عليه وسلم يقول :دعوها فإنها منتنة ،والتودد ،والحب في ه
والحلم ،والعفاف ،والبذاذة ،وترك التدابر ،وترك التحاسد ،وترك التباغض ،وترك
التناجش ،وترك شهادة الزور وترك قول الزور ،وترك الهمز واللمز والغمز ،وشهود
الجماعات ،وإفشاء السالم ،والتهادي ،وحسن الخلق ،وحسن العهد ،والسمت الصالح ،
وحفظ السر ،والنكاح واإلنكاح ،وحب الفأل ،وحب أهل البيت ،وترك الطيرة ،وحب
ّللا ،وترك الغش النساء ،وحب الطيب ،وحب األنصار ،وتعظيم الشعائر ،وتعظيم حرمات ه
،وترك حمل السالح على المؤمن ،وتجهيز الميت والصالة على الجنائز ،وعيادة المريض ،
ّللا ورسوله أحب إليك مما وإماطة األذى ،وأن تحب لكل مؤمن ما تحب لنفسك ،وأن يكون ه
ّللا ،وكتبه ،ورسله ،وبكل ما سواهما ،وأن تكره أن تعود في الكفر ،وأن تؤمن بمالئكة ه
ّللا ،من ذلك نعلم أن اإليمان نور شعشعاني ،ظهر عن صفة مطلقة جاءت به الرسل من عند ه
ال تقبل التقييد ،فإذا خالط هذا النور بشاشة القلوب ال يتصور في صاحبه شك ،ألن الشك ال
يجد محال يعمره ،فإن محله الدليل وال دليل ،فما ثم على ما يرد عليه الدخل وال الشك بل هو
ّللا في قلب من شاء من عباده في مزيد ،فاإليمان ال تعطيه إقامة الدليل بل هو نور إلهي يلقيه ه
،وقد يكون عقيب الدليل وقد ال يكون هناك دليل أصال ،كما قال تعالى( َول ِك ْن َجعَ ْلناهُ نُورا ا
نَ ْهدِي ِب ِه َم ْن نَشا ُء ِم ْن ِعبادِنا )فنور اإليمان وهب إلهي ليس فيه من الكسب شيء ،وال أثر
للداللة فيه البتة ،فإن اإليمان كشف نوري ال يقبل الشبهة ،وهو ال يقبل الزوال ألنه نور إلهي
،وصاحب الدليل ال يقدر على عصمة نفسه من الدخل عليه في دليله القادح ،فيرده هذا
الداخل إلى محل النظر ،فصاحب اإليمان يصف الحق بما ال تقبله األدلة ،ويتأوله المؤمن به
من حيث الدليل ،فينقصه من اإليمان بقدر ما نفاه عنه دليله ،وموطن الدنيا اقتضى أن
ّللا ،إذ لو أشهدهم نفسه في الدنيا لبطل حكم القضاء والقدر ،الذي هو علم ينحجب الخلق عن ه
ّللا في خلقه بما يكون عنهم وفيهم ،فكان حجابه رحمة بهم وإبقاء عليهم ،فإن تجليه سبحانه ه
يعطي بذاته القهر فال يتمكن معه دعوى ،واإليمان ال يكون إال بالخبر ال بالعيان« الَّذِينَ
ّللا ،فإنب »فليس المؤمن إال من يؤمن بالغيب ،وهو الخبر الذي جاء من عند ه يُؤْ ِمنُونَ بِ ْالغَ ْي ِ
الخبر بما هو خبر يقبل الصدق والكذب ،
ص 55 :
فالصدق متعلقه الخبر ،ومحله الصادق ،وليس بصفة ألصحاب األدلة العلماء الذين آمنوا بما
أعطتهم اآليات والمعجزات من الداللة على صدق دعواه فذلك علم ،والصدق نور يظهر على
قلب العبد ،يصدق به هذا المخبر ،ويكشف بذلك النور أنه صدق ،ويرجع عنه برجوع
المخبر ،ألن النور يتبع المخبر حيث مشى ،والمصدق بالدليل ليس هذا حكمه ،إن رجع
المخبر لم يرجع لرجوعه ،فالمؤمنون على قسمين :مؤمن عن نظر واستدالل وبرهان ،فهذا
ال يوثق بإيمانه وال يخالط نوره بشاشة القلوب ،فإن صاحبه ال ينظر إليه إال من خلف حجاب
دليله ،وما من دليل ألصحاب النظر إال وهو معرض للدخل فيه والقدح ولو بعد حين ،فال
يمكن لصاحب البرهان أن يخالط اإليمان بشاشة قلبه وهذا الحجاب بينه وبينه ،والمؤمن اآلخر
الذي كان برهانه عين حصول اإليمان في قلبه ال أمر آخر .ثم إن المؤمن على نوعين :
مؤمن له عين فيه نور ،بذلك العين إذا اجتمع بنور اإليمان أدرك المغيبات التي متعلقها
اإليمان ،ومؤمن ما لعينه سوى نور اإليمان ،فنظر إليه به ونظر إلى غيره به ،فاألول يمكن
أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور اإليمان أدرك األمور التي ألزمه
اإليمان القول بها ،وهو المؤمن الذي ال دليل له وينظر األشياء بذاته ،فيدخله الشك ممن
يشككه فإن فطرته تعطي النظر في األدلة ،إال أنه لم ينظر فإذا نبهه تنبه ،فمثل هذا إن لم
يسرع إليه الذوق وإال خيف عليه ،والمؤمن اآلخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته ،
واستوت آالت قواه ،وتركبت طبقات عينه ،غير أنه ما نفخ فيه الروح فال نور لعينه ،فإذا
كان اإلنسان بهذه المثابة من الطمس ،فنفخ فيه روح اإليمان ،فأبصرت عينه بنور اإليمان
األشياء ،فال يتمكن له إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا ،فإنه ما لعينه نور سوى نور اإليمان
،والضد ال يقبل الضد ،فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه ،ومتى لم يكن
اإليمان بهذه المثابة وإال فقليل أن يجيء منه ما جاء من األنبياء واألولياء من الصدق باإللهيات
،فالفطر الذكية التي تقبل النظر في المعقوالت من أكبر الموانع لحصول ما ينبغي
ص 56 :
أن يحصل من العلم اإللهي ،والفطر المطموسة هي القابلة التي ال نور لعينها من ذاتها إال من
نور اإليمان ،فال تعطي فطرته النظر في األمور على اختالفها ،ومنزلة األنبياء فيما يأخذونه
من الغيب بطريق اإليمان من المالئكة منزلة المؤمنين مع ما يأخذونه من األنبياء ،فاألنبياء
مؤمنون بما يلقي إليهم الروح ،والروح مؤمن بما يلقي إليه من يلقي إليه ،فالمؤمن هو الذي
ال نور لعين بصيرته إال نور اإليمان ،وليس اإليمان المعتبر عندنا إال أن يقال الشيء لقول
المخبر على ما أخبر به ،أو يفعل ما يفعل لقول المخبر ال لعين الدليل العقلي َ «.ويُ ِقي ُمونَ
صالة َ »وقعت الصالة في الرتبة الثانية من قواعد اإليمان التي بني اإلسالم عليها ،في الخبر ال َّ
ّللا عليه وسلم أنه قال ( :بني اإلسالم على خمس شهادة أن ال ّللا صلهى ه الصحيح عن رسول ه
ّللا ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،والحج ) فعلم الصحابة أنه صلهى إله إال ه
ّللا عليه وسلم راعى الترتيب لما يدخل الواو من االحتمال ،ولهذا لما قال بعض رواة هذا ه
الحديث من الصحابة لما سرده فقال :والحج وصوم رمضان ،أنكر عليه وقال له ( وصوم
رمضان والحج ) فقدهمه ،وعلمنا أنه أراد الترتيب ،ونبه على أن ال ننقل عنه صلهى ه
ّللا عليه
وسلم إال عين ما تلفظ به ،فإنه من العلماء من يرى نقل الحديث المتلفظ به من النبي صلهى ه
ّللا
عليه وسلم على المعنى ،فالصالة ثانية في القواعد ،مشتقة من المصلي في الخيل ،وهو الذي
يلي السابق في الحلبة ،والسابق من القواعد الشهادة ،والمصلي هي الصالة ،وجعل الزكاة
ّللا بغير طهور ، تلي الصالة ألن الزكاة التطهير فناسبت الصالة ،فإن الصالة ال يقبلها ه
والزكاة تطهير األموال ،ومن شروط الصالة طهارة الثياب واألبدان والبقعة التي توقع الصالة
ّللا في صوم رمضان عند عليها وفيها كانت ما كانت ،وجعل الصوم يلي الزكاة ،لما شرع ه
انقضائه من زكاة الفطر فلم يبق الحج إال أن يكون آخرا .
واعلم أن الصالة تضاف إلى ثالثة وإلى رابع ثالثة بمعنيين بمعنى شامل وبمعنى غير شامل ،
ّللا وصف نفسه بالرحيم - فتضاف الصالة إلى الحق بالمعنى الشامل وهو الرحمة -فإن ه
علَ ْي ُك ْم )فوصف نفسه ص ِلهي َ
اح ِمينَ ) *وقال تعالى( ُه َو الَّذِي يُ َ ووصف عباده بها فقال( أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ
بأنه يصلي أي يرحمكم .وتضاف الصالة إلى المالئكة بمعنى الرحمة ،
ص 57 :
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ )فصالة ص ِلهي َ واالستغفار ،والدعاء للمؤمنين ،قال تعالى ُ ( :ه َو الَّذِي يُ َ
عز وجل في حق المالئكة َ ( :ويَ ْست َ ْغ ِف ُرونَ ِللَّذِينَ آ َمنُوا )وتضاف ّللا ه المالئكة ما ذكرناه ،قال ه
الصالة إلى البشر بمعنى الرحمة ،والدعاء واألفعال المخصوصة المعلومة شرعا ،فجمع
صالة َ * »وتضاف البشر هذه الثالث المراتب المسماة صالة ،قال تعالى آمرا لنا« َوأ َ ِقي ُموا ال َّ
ّللا ،من جميع المخلوقات :ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن الصالة إلى كل ما سوى ه
ت سماوا ِ س ِبه ُح لَهُ َم ْن فِي ال َّ بحسب ما فرضت عليه وعينت له ،قال تعالى ( :أ َ لَ ْم ت َ َر أ َ َّن َّ َ
ّللا يُ َ
صالتَهُ َوت َ ْسبِي َحهُ )فأضاف الصالة إلى الكل ،والتسبيح ت ُك ٌّل قَ ْد َ
ع ِل َم َ صافَّا ٍ ض َو َّ
الطي ُْر َ َو ْاأل َ ْر ِ
في لسان العرب الصالة .وإقامة الصالة ظهور نشأتها على أتم خلقها ،وخلقها يختلف
باختالف من تنسب إليه ،وكل صالة مما ذكرنا تامة الخلقة ،حتى الصالة المنسوبة إلى
الجماد والنبات والحيوان ،ما عدا اإلنس والجان ،فإن صالتهما إذا أنشئاها قد تكون مخلقة أو
صالة َ » *وإقامة البشر للصالة غير تامة الخلقة ،لذلك أمرهما تعالى بقوله« َوأَقِي ُموا ال َّ
المنسوبة إلى اإلنسان والجن هو أن تنسب إليهم بمعنى الرحمة ،كما نسبت إلى الحق ،
وبمعنى الدعاء والرحمة ،كما نسبت إلى المالئكة .وبمعنى الدعاء والرحمة وإتمام التكبير
والقيام والركوع والسجود والجلوس كما ورد في الخبر ،فمن أتم ركوعها وسجودها وما شرع
فيها ،وإن كان في جماعة مما تستحقه صالة الجماعة واالئتمام فقد أكمل خلقها ،وإن كان
وّللا ال يقبلها ناقصة ،فيضم بعض انتقص منها شيء كانت له بحسب ما انتقص منها ،ه
الصلوات إلى بعض فإن كانت له مائة صالة وفيها نقص كملت بعضها من بعض ،وأدخلت
على الحق كاملة ،فتصير المائة صالة مثال ثمانين صالة أو خمسين أو عشرة أو زائدا على
ذلك أو ناقصا عنه ،هكذا هي صالة الثقلين ،وربط إقامة الصالة بأزمان هي األوقات
علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِكتابا ا
َت َصالة َ كان ْ المفروض فيها إقامة الصلوات المفروضات ،قال تعالى ( ِإ َّن ال َّ
َم ْوقُوتا ا )أي مفروضة في وقت معين سواء كان موسعا أو مضيقا ،وربطها بأماكن وهي
المساجد ،والمبادرة إلى أول األوقات في العبادات هو األحوط والمطلوب من العباد في حال
التكليف ،
ص 58 :
ت َو ُه ْم لَها سابِقُونَ )ولهذا االحتراز واالحتياط يحمل قال تعالى ( :أُولئِ َك يُ ِ
سارعُونَ فِي ْال َخيْرا ِ
األمر اإللهي -إذا ورد معرى عن قرائن األحوال التي يفهم منه الندب أو اإلباحة -على
الوجوب ،ويحمل النهي كذلك على الحظر إذا تعرى عن قرينة حال تعطيك الكراهة ،وال
تتوقف عن حمل األمر والنهي على ما قلناه ،إال بقرينة حال تخرجهما عن حكم الوجوب في
األمر ،وحكم الحظر في النهي َ «.و ِم َّما َرزَ ْقنا ُه ْم يُ ْن ِفقُونَ »فرضا كان أو تطوعا ،فالفرض
ّللا أصنافه ،ورتهبه على نصاب وزمان معين ،والتطوع من ذلك ال يقف من ذلك قد عين ه
عنده شيء ،وجعله تعالى إنفاقا ألنه له وجه ونسبة إلى الحق ،ووجه ونسبة إلى الخلق ،ألنه
من النفق وهو جحر اليربوع ويسمى النافقاء ،له بابان إذا طلب من باب ليصاد خرج من
الباب اآلخر ،كالكالم المحتمل إذا قيدت صاحبه بوجه ،أمكن أن يقول لك إنما أردت الوجه
اآلخر من محتمالت اللفظ .ورد أن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل فيربيها له
كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ،فهذه نسبة إلهية مع الغنى المطلق الذي يستحقه ،والنسب
ّللا قَ ْرضا ا ) *واليد ّللا يقول َ ( :وأ َ ْق َر ُ
ضوا َّ َ اإللهية ال ينكرها إال من ليس بمؤمن خالص ،فإن ه
العليا هي المنفقة ،فهي خير بكل وجه من اليد السفلى التي هي اآلخذة ،فلما كان العطاء له
ّللا إنفاقا ،فالعلماء ينفقون بالوجهين نسبة إلى الحق والغنى ،ونسبة إلى الخلق والحاجة سماه ه
فيرون الحق فيما يعطونه معطيا وآخذا ،ويشاهدون أيديهم هي التي يظهر فيها العطاء واألخذ
،وال يحجبهم هذا عن هذا ،والمعطي بحق واآلخذ بحق ليسا على السواء في المرتبة وال في
االسم وال في الحال.
ص 59 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 4
ون ) ( 4ون ِبما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ َوما أ ُ ْن ِز َل ِم ْن قَ ْب ِلكَ َو ِب ْاآل ِخ َر ِة ُه ْم يُوقِنُ َ َوالهذ َ
ِين يُ ْؤ ِمنُ َ
حكم اليقين سكون النفس بالمتيقن أو حركتها إلى المتيقن ،وهو ما يكون اإلنسان فيه على
بصيرة أي شيء كان ،فإذا كان حكم المتيقن من النفس حكم الحاصل فذلك اليقين ،سواء
حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت.
ص 60 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 5
دى ِم ْن َر ِبه ِه ْم َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُح َ
ون " ) ( 5 "أُولئِكَ عَلى ُه ً
ى ِم ْن َر ِبه ِه ْم »أي على بيان وتوفيق حيث صدقوا ربهم فيما أخبرهم به مما هو غيب على ُهد ا َ
ّللا ،فإن الفالح ْ
في حقهم« َوأول ِئ َك ُه ُم ال ُم ْف ِل ُحونَ »أي الناجون من عذاب ه
ّللا الباقون في رحمة ه ُ
هو البقاء ،واآلخرة هي دار البقاء .
ص 61 :
ّللا حكى لنبيه صلهى ه
ّللا عليه ألنهم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين فكأن ه
وسلم وعرفه بأن حالهم ما ذكروه عن نفوسهم ،فهذه ظلمة قد تكون ظلمة جهل ،وقد تكون
ظلمة جحد لهوى قام بهم ،وهو أشد الظلم .
ص 62 :
السحر [ طب ]
طب إذا استرخت الطبقة الصلبة التي في البصر حصل الضرر ،فالرخاوة غشاوة َ « ،ولَ ُه ْم
ّللا
ّللا بهذا االسم إيثارا للمؤمن ،فإنه يستعذب ما يقوم بأعداء ه ع ِظي ٌم »العذاب إنما سماه ه
ذاب َ
ع ٌَ
من اآلالم ،فهو عذاب بالنظر إلى هؤالء ،ومن وجه آخر سمي عذابا ما يقع به اآلالم بشرى
ّللا لعباده ،أن الذي تتألمون به ال بد إذا شملتكم الرحمة أن تستعذبوه وأنتم في النار ،كما من ه
يستعذب المقرور حرارة النار والمحرور برودة الزمهرير ،ولهذا جمعت جهنم النار
والزمهرير الختالف المزاج ،فما يقع به األلم لمزاج مخصوص يقع به النعيم في مزاج آخر
ّللا على أهل جهنم الزمهرير على المحرورين والنار على يضاده ،فال تتعطل الحكمة ،ويبقي ه
المقرورين فينعمون في جهنم ،فهم على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا بها العتدالها ،فسمى
العذاب عذابا ألن المآل إلى استعذابه لمن قام به بعد شمول الرحمة ،كما يستحلي الجرب من
يحكه ،فإذا حكه من غير جرب أو حاجة من يبوسة تطرأ على بعض بدنه تألم لحكه .عناية
ربي أدركت كل كائن * من الناس في ختم القلوب وفي الطبعومن أجل ذا لم يدخل الكبر قلبهم
* على موجد الصنع الذي جل من صنعولوال وجود السمع في الناس ما اهتدوا * وليس سوى
علم الشريعة والوضعفكم بين أهل النقل والعقل يا فتى * وهل تبلغ األلباب منزلة السمع
ص 63 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 8
اَّلل َو ِبا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َوما ُه ْم ِب ُم ْؤ ِمنِ َ
ين ( ) 8 اس َم ْن يَقُو ُل آ َمنها ِب ه ِ
َو ِم َن النه ِ
[ حول الناس ]
ّللا تعالى البشر الناس ؟
لم سمى ه
معرف باأللف والالم ألنه نسي أن الحق -من باب اإلشارة -الناس اسم فاعل من النسيان ه
سمعه وبصره وجميع قواه في حال كونه كله نورا ،فلما لم يتذكر الناسي هذه الحال وهو في
نفسه عليها غافل عنها ،خاطبه الحق مذكرا له بهذا القرآن الذي تعبده بتالوته ليدبروا آياته
وليتذكر أولو األلباب ما كانوا قد نسوه.
ص 64 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 9
ون ( ) 9 شعُ ُر َ ُون ِإاله أ َ ْنفُ َ
س ُه ْم َوما يَ ْ ِين آ َمنُوا َوما يَ ْخ َدع َ
ّللا َوالهذ َ يُخا ِدع َ
ُون ه َ
ّللا ال يعلم« َوالَّذِينَ آ َمنُوا َوما يَ ْخ َدعُونَ ِإ َّال أ َ ْنفُ َ
س ُه ْم َوما ّللا »بجهلهم القائم بهم بأن ه « يُخا ِدعُونَ َّ َ
يَ ْشعُ ُرونَ »في خداعهم الذين آمنوا ،فإن من خادع المؤمن فما خدع إال نفسه ،وأما من يخادع
ّللا ال يعلم كثيرا مما يعملون ،فهو من باّلل حيث تخيل أنه يلبهس على الحق وأن ه ّللا فهو جاهل ه ه
ّللا بهم لكونهم اعتقدوا أنهم يخادعون ّللا هو خادعهم بخداعهم ،أي هو خداع ه الخاسرين فإن ه
ّللا يرد عليهم أعمالهم. ّللا ،فما يشعرون اليوم بأن ه ه
ص 65 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 10
ون ( ) 10 َذاب أ َ ِلي ٌم ِبما كانُوا يَ ْك ِذبُ َ ض فَزا َد ُه ُم ه
ّللاُ َم َرضا ً َولَ ُه ْم ع ٌ فِي قُلُو ِب ِه ْم َم َر ٌ
ض »شك مما جاءهم به رسولي ،وهذا المرض هو الشبه المضلة القادحة في « فِي قُلُو ِب ِه ْم َم َر ٌ
ّللاُ َم َرضا ا »شكا
األدلة وفي اإليمان ،تحول بين العقل من العاقل وبين صحة اإليمان« فَزا َد ُه ُم َّ
ذاب أ َ ِلي ٌم »يوم القيامة ،وسمي ما يتألم به أهل الشقاء عذابا ألن السعداء ع ٌ وحجابا« َولَ ُه ْم َ
يستعذبون آالم أهل الشقاء ،إيثارا لجناب الحق حيث أشركوا ،فلهم في أسباب اآلالم نعيم ،
فسمى الحق ذلك عذابا إيثارا لهم حين آثروه ،وقوله تعالى« أ َ ِلي ٌم »اعلم أن قيام األلم ووجوده
في نفس المتألم ،ما هو السبب المربوط به عادة ،كوجود الضرب بالسوط ،والحرق بالنار ،
والجرح بالحديد ،وما أشبه ذلك من اآلثار الحسية مما يكون عنها اآلالم الحسية ،وكذلك
ضياع المال ،والمصيبة في األهل والولد ،والتوعد بالوعيد ،وجميع األسباب الخارجة عنه
الموجبة لآلالم النفسية عادة ،إذا حصلت بهذا الشخص فتسمى هذه األسباب عذابا ،وليس في
الحقيقة عذابا ،وإنما العذاب هو وجود األلم عند هذه األسباب ،ال عين األسباب.
ص 66 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 11إلى 12
سد َ
ُون ون ( ) 11أَال ِإنه ُه ْم ُه ُم ا ْل ُم ْف ِ سدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ
ض قالُوا ِإنهما نَحْ ُن ُم ْ
ص ِل ُح َ َو ِإذا قِي َل لَ ُه ْم ال ت ُ ْف ِ
ون ) ( 12 شعُ ُر َ َول ِك ْن ال يَ ْ
الشعور علم إجمالي قطعي أن ثم مشعورا به لكن ال يعلم ما هو ذلك المشعور به .
ص 67 :
ّللا« أَال ِإنَّ ُه ْم ُه ُم ال ُّ
سفَها ُء »أي الذين ضعفت آراؤهم ،فحال ذلك الضعف بينهم ذلك عليهم لقول ه
وبين اإليمان« َول ِك ْن ال يَ ْعلَ ُمونَ » .
ص 68 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 15
ون ) ( 15 ئ ِب ِه ْم َويَ ُم ُّد ُه ْم فِي ُ
ط ْغيانِ ِه ْم يَ ْع َم ُه َ ستَه ِْز ُ
ّللاُ يَ ْ
ه
ّللا تعالى أنه يستهزئ بهم بذلك الفعل الذي يفعلونه مع المؤمنين ،وهم ال يشعرون ، فأخبر ه
ّللا بهم ،فما أخذهم بقولهم« ِإنَّا َمعَ ُك ْم »وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق فهذا من مكر ه
ّللا بالجزاء الذي جازى به المنافق إال لتعلم وهو قولهم «:إِنَّما ن َْح ُن ُم ْست َ ْه ِزؤُنَ »وما عرفك ه
من أين أخذ من أخذ ،حتى تكون أنت تجتنب موارد الهالك« َويَ ُم ُّد ُه ْم فِي ُ
ط ْغيانِ ِه ْم يَ ْع َم ُهونَ
»حيث تمادوا على غيهم بعد ما عرفوا من بيده االقتدار ،وعدلوا عنه ،وعملوا
] ( * ) [ . . .جاءت في األصل وفي الفتوحات المكية في الباب األخير ،باب الوصايا ،
الوصية رقم ( 58انفقهت ) والصواب ( انفهقت ).
ص 69
ص 69 :
لغيره مما نصبوه بأيديهم وأيدي من هو من جنسهم إلها ،وظهر لهم عجزه مما يزيد في
شقاوتهم.
[ تنبيه في الذكر ]
-نبيه :إذا ذكرت فاعلم بلسان من تذكر ،وإذا تلوت فاعلم بلسان من تتلو ،وما تتلو ،وعمن
تترجم .
ّللا« آ َمنَّا »حكاية عن مثال ذلك قوله تعالى َ «:وإِذا لَقُوا الَّذِينَ آ َمنُوا قالُوا »إلى هنا قول ه
َياطينِ ِه ْم قالُوا »إلى هنا قول ه
ّللا« ِإنَّا َمعَ ُك ْم ِإنَّما ن َْح ُن ُم ْست َ ْه ِزؤُنَ المنافقين« َو ِإذا َخلَ ْوا ِإلى ش ِ
ّللا من قول ما يحكيه لفظا أو معنى »حكاية فهكذا فلتعرف األمور إذا وردت ،حتى يعلم قول ه
ّللا قد ترجم لنا قول أقوام مثل فرعون وغيره باللسان العربي كل إنسان بما هو عليه ،فإن ه
والمعنى واحد ،فهذه الحكاية على المعنى.
ص 70 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 16
ِين ( «) 16أُولئِ َك ضللَةَ ِبا ْل ُهدى فَما َر ِب َحتْ تِ َ
جارت ُ ُه ْم َوما كانُوا ُم ْهتَد َ شت َ َر ُوا ال ه أُولئِكَ الهذ َ
ِين ا ْ
الَّذِينَ ا ْشت َ َر ُوا الضَّاللَةَ ِب ْال ُهدى » :أي باعوا الهدى بالضاللة ،واشتروا الحيرة بالبيان فخسروا
جارت ُ ُه ْم َوما كانُوا ُم ْهتَدِينَ »المؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة والبيع فيما يملك ت ِت َ «.فَما َر ِب َح ْ
على ّللا )وقال تعالى ( :ه َْل أَدُلُّ ُك ْم َ ع ْن ِذ ْك ِر َّ ِ بيعه ،قال تعالى ( :ال ت ُ ْل ِهي ِه ْم تِ َ
جارة ٌ َوال بَ ْي ٌع َ
ّللا ا ْشتَرى ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ْنفُ َ
س ُه ْم اّلل )وقال تعالى ( :إِ َّن َّ َ ب أ َ ِل ٍيم تُؤْ ِمنُونَ بِ َّ ِ جارةٍ ت ُ ْن ِجي ُك ْم ِم ْن َ
عذا ٍ تِ َ
ّللا في المؤمن بأنه يشتري خاصة ،وما وصف الشراء في َوأ َ ْموالَ ُه ْم بِأ َ َّن لَ ُه ُم ْال َجنَّةَ )وما صرح ه
ّللا عن جناية فقال «:أُولئِ َك الَّذِينَ ا ْشت َ َر ُوا الضَّاللَةَ ِب ْال ُهدى »والسبب في القرآن إال من أشهدهم ه
ّللا في أرضه الذي هو ّللا ،وملكه جميع ما خلق ه ّللا بالشراء فإنه خلقه ه أن المؤمن ما وصفه ه
ض َج ِميعا ا )فجميع ما في األرض ملكه فما بقي له ما مسكنه ومحله( َخلَقَ لَ ُك ْم ما ِفي ْاأل َ ْر ِ
ّللا
يشتريه ،وحجر عليه الضاللة وهي صفة عدمية ،فإنها عين الباطل وهو عدم ،ولم يأمرنا ه
باتباعه فإذا اشترينا الضاللة فقد اخترنا العدم على الوجود ،والباطل على الحق الذي خلقنا له
ّللا ما هو مباح ،فلم يوصف المؤمن بالشراء ،وشرع له البيع فيما أبيح له بيعه ،ومما ملكه ه
له ،وما هو واجب عليه أن ال يخرجه وال يبيعه ،فكأن المؤمن ملك حلة اإلباحة ،وحلة
الوجوب ،فخلع عن نفسه حلة اإلباحة ،ولبس حلة الوجوب ،وكالهما له ،فسمى خلعه لها
بيعا ،وما سمى لباسه للوجوب شراء ،فإنها ملكه ورحله ومتاعه واإلنسان ال يشتري ما يملكه
ّللا الضاللة على خلقه ورجح من ،ولما حجر ه
ص 71 :
رجح منهم الضاللة على الهدى اشتروا« الضَّاللَةَ »فإنهم لم يكونوا يملكونها «بِ ْال ُهدى »الذي
ّللا ما شرع لعباده جارت ُ ُه ْم َوما كانُوا ُم ْهتَدِينَ »في ذلك الشراء ألن ه ّللا إياه« فَما َر ِب َح ْ
ت تِ َ ملكهم ه
الشراء فاعتبر الحق جانب البيع ولم يعتبر في حق المؤمن جانب االبتياع .
ص 72 :
في ظلمات ال يبصرون .فأصحاب الشهوات في هذه الظلمات تائهون ،كما أن أصحاب
الحضور التام في األنوار ينعمون .
ص 73 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 19
ق ون أَصا ِبعَ ُه ْم فِي آذانِ ِه ْم ِم َن ال ه
صوا ِع ِ ق يَجْ عَلُ َ
ظلُماتٌ َو َر ْع ٌد َوبَ ْر ٌ ماء فِي ِه ُ
س ِ ب ِم َن ال ه أ َ ْو َك َ
ص ِيه ٍ
ين ) ( 19 ّللاُ ُم ِحي ٌ
ط ِبا ْلكافِ ِر َ ت َو ه َحذَ َر ا ْل َم ْو ِ
الصواعق هواء محترق ،والبروق هواء مشتعل تحدثه الحركة الشديدة ،والرعود هو هبوب
يط بِ ْالكافِ ِرينَ »وهي إحاطة عامة ،فهي األخذ ّللاُ ُم ِح ٌ
الهواء تصدع أسفل السحاب إذا تراكم« َو َّ
الكلي من غير تقييد بجهة خاصة ،لكن هو أخذ بتقييد صفة وهو الكفر.
ص 74 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 20
صار ُه ْم ُكلهما أَضا َء لَ ُه ْم َمش َْوا فِي ِه َو ِإذا أ َ ْظلَ َم َ
علَ ْي ِه ْم قا ُموا َولَ ْو شا َء ه
ّللاُ ف أ َ ْب َ
ق يَ ْخ َط ُ يَكا ُد ا ْلبَ ْر ُ
ِير ( ) 20 ش ْي ٍء قَد ٌ س ْم ِع ِه ْم َوأ َ ْب ِ
صار ِه ْم ِإ هن ه َ
ّللا عَلى ُك ِ هل َ ب ِب َ لَذَ َه َ
ّللا ال يجب عليه فعلها وال تركها ،ولهذا جعل المشيئة ّللاُ »من نسبة األفعال إلى ه « َولَ ْو شا َء َّ
في ذلك وعلقها بلو فامتنع عن نفوذ االقتدار ،وهذا موضع إبهام ال يفتح أبدا ،فوصف الحق
نفسه بما يقوم الدليل العقلي على تنزيهه عن ذلك ،فما يقبله إال بطريق اإليمان والتسليم ،فإنه
باّلل ،فإذا علمت سبحانه قيد مشيئته وإرادته بلو ،وهو حرف امتناع فيه سر خفي ألهل العلم ه
ِير على ُك ِهل َ
ش ْيءٍ قَد ٌ ّللا ،فالكل بيده وإليه يرجع األمر كله « ِإ َّن َّ َ
ّللا َ هذا أقمت عذر العالم عند ه
»باإليجاد .
صا ِعقَةا ِمثْ َل صا ِعقَ ِة عا ٍد َوث َ ُمو َد )ضرط وتخبط في عقله ،وقال :إن هذا كالم جبار ،ثم
يط ِب ْالكافِ ِرينَ »باألخذ ،من أحاط بهم العدو ،فال يجدون مفلتا وال منقذا ،قال ّللاُ ُم ِح ٌ قال « َو َّ
ط ِبث َ َم ِر ِه )فالمثل األول في المنافقين ،وهذا المثل اآلخر ط ِب ِه ْم ) ( َوأ ُ ِحي َظنُّوا أَنَّ ُه ْم أ ُ ِحي َ تعالى( َو َ
ف أَب َ
ْصار ُه ْم ط ُ في الجميع ،وفي نزول القرآن وما يحويه ،ثم قال ( «) 21يَكا ُد ْالبَ ْر ُق يَ ْخ َ
ُكلَّما أَضا َء لَ ُه ْم َمش َْوا فِي ِه »يقول :يكاد ما يسمعونه من آيات الوعد والتحضيض على مكارم
ْصار ُه ْم »عن العمى ،ويردهم إلى الحق مما يفرحون بسماعه ،ثم قال « ف أَب َ ط ُ األخالق« يَ ْخ َ
علَ ْي ِه ْم قا ُموا »يقول : ظلَ َم َ َو ِإذا أ َ ْ
وإذا سمعوا اآليات التي حكاها الحق عنهم رجعوا إليها وقاموا على دينهم وكفرهم ،أي ثبتوا«
ْصار ِه ْم »عن الباطل ،وعن رؤية الظلمات إلى الحق وإلى س ْم ِع ِه ْم َوأَب ِ َب ِب َ ّللاُ لَذَه َ َولَ ْو شا َء َّ
ِير »أي على كل مقدور ، ش ْيءٍ قَد ٌ على ُك ِهل َ ّللا لهداهم «،إِ َّن َّ َ
ّللا َ النور ،كأنه يقول :ولو شاء ه
أن يوجده إن كان معدوما ،أو يعدمه إن كان موجودا ،قال تعالى( ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم ) *إعدام
يز ) *بممتنع ،قوله ( 22 علَى َّ ِ
ّللا ِبعَ ِز ٍ ق َجدِي ٍد ) *إيجاد المعدوم( َوما ذ ِل َك َ ت ِبخ َْل ٍ الموجود( َويَأ ْ ِ
اس ا ْعبُدُوا )« يا أَيُّ َها النَّ ُ
ص 75
ص 75 :
ّللا بأحد في كتابه فكن أنت ذلك المؤيه به ،فإن أخبر فافهم واعتبر ،فإنه ما " يا أَيُّ َها" إذا أيه ه
أيه بك إال لما سمعت ،وإن أمرك أو نهاك فامتثل ،وما ثم قسم رابع ،إنما هو خبر أو أمر أو
نهي ،وأنزله تعالى في خطابه إياك منزلة األم في الشفقة ،فتلقهى منه بالقبول ما يورده عليك ،
فإنه ما خاطبك إال لينفعك ،وكن أنت المخاطب في خطاب الحق بسمعك ال بسمع الحق ،فإنه
اس ا ْعبُدُوا َربَّ ُك ُم الَّذِي َخلَقَ ُك ْم َوالَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم »أي األسباب
ال يأمر نفسه وال ينهاها« يا أَيُّ َها النَّ ُ
التي وجدتم عندها« لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ »ثم قال لمن يرى أنا وجدنا باألسباب ال عندها.
ص 76 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 22
ت ماء ما ًء فَأ َ ْخ َر َ
ج ِب ِه ِم َن الث ه َمرا ِ س ِ سما َء ِبنا ًء َوأ َ ْن َز َل ِم َن ال ه ض فِراشا ً َوال ه الهذِي َجعَ َل لَ ُك ُم ْاأل َ ْر َ
ون ( ) 22 َّلل أ َ ْندادا ً َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُم َ
ِر ْزقا ً لَ ُك ْم فَل تَجْ عَلُوا ِ ه ِ
ّللا وضع األسباب وجعلها « َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ »أنه أوجد األسباب ،وأوجدكم عندها ال بها ،فإن ه
له كالح هجاب ،فهي توصل إليه تعالى كل من علمها ح هجابا ،وهي تصد عنه كل
ص 77 :
ّللا من ورائها ،وأنها غير متصلة بخالقهامن اتخذها أربابا ،فذكرت األسباب في إنبائها ،أن ه
،فإن الصنعة ال تعلم صانعها ،وال منفصلة عن رازقها ،فإنهها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ،
فالعالقة بين األسباب والمسببات ال تنقطع ،فإنها الحافظة لكون هذا سببا ،وهذا مسببا عنه ،
فسببية السماء فيما يظهر على األرض من النبات من توجهها عليها بما تلقيه من الغيث فيها ،
وتلقيها ،كذلك كل حركة فلكية ونظر كوكب في العالم العلوي وإمداد الطبيعة ،كل ذلك أسباب
لوجود زهرة تظهر على وجه األرض ،والسبب الحادث قد يعلم أن أثره وحكمه في المسبهب
عن أمر إلهي فله فيه إرادة ،فهو سبب عرضي ،وقد ال يعلم أن أثره وحكمه في المسبب عن
ّللا ،وال عن
باّلل ال يصح عن ه
أمر إلهي فهو سبب ذاتي ،ومن جهة أخرى نقول :إن الغنى ه
المخلوقين من حيث العموم ،لكنه يصح من حيث تعيين مخلوق ما ،يمكن أن يستغنى عنه
ّللا ما وضع األسباب سدى ،فمنها أسباب ذاتية ال يمكن رفعها هنا ،ومنها أسباب بغيره ،فإن ه
عرضية يمكن رفعها ،فمن المحال رفع التأليف والتركيب عن الجسم ،مع بقاء حكم الجسمية
فيه ،فهذا سبب ال يمكن زواله إال بعدم عين الجسم من الوجود ،وإذا كانت األسباب األصلية
ّللا ،فإنه ما وضعها إال وهو يعلم الحكمة في وضعها ال ترتفع فلنقر األسباب العرضية أدبا مع ه
باّلل ،فال يرفع األسباب إال جاهل بالوضع اإللهي ، ،وال نركن إليها ،ونبقي الخاطر معلقا ه
وال يثبت األسباب إال عالم كبير أديب في العلم اإللهي ،ومع ذلك يجب أن نعلم أن هّلل في كل
موجود وجها خاصا وفي كل ما وجد فيه ،وعن ذلك الوجه الخاص وجد ،وال يعرف السبب
ّللا خاصة وهو رقيقة الجود ، قط ذلك الوجه الخاص الذي لمسبهبه المنفعل عنه ،فال يعلمه إال ه
وكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ،ليعلم العالم من الجاهل ،وفضل الخلق
بعضهم على بعض.
ص 78 :
يذكر الفراش ،فإن ذلك حرف جاء لمعنى وهو ما قلنا وال يقتصر ،فجعل سبحانه بين السماء
واألرض التحاما معنويا ،وتوجها لما يريد سبحانه أن يوجده في هذه األرض من المولدات ،
من معدن ونبات وحيوان ،فجعل األرض كاألهل ،والسماء كالبعل ،والسماء تلقي إلى
ّللا فيها ،كما يلقي الرجل الماء بالجماع في المرأة ،وتبرز
األرض من األمر الذي أوحى ه
األرض عند اإللقاء ما خبأه الحق فيها من التكوينات على طبقاتها .
[ إعجاز القرآن ]
انظر في إعجاز القرآن تجده حسن النظم ،مع توفير المعنى وحسن مساقه وجمع المعاني
بعضها إلى بعض من اللفظ الحسن النظم الوجيز ،مع وجود تكرار القصة الموجب للملل ،
وال تجد هذا في القرآن ،فتجد مع تكرار القصة الواحدة ،مثل قصص األمم كآدم وموسى
ونوح وغيرهم ،مما تكرر بزيادة لفظ أو نقصه ،ما تجد إخالال في المعنى جملة واحدة ،
وسبب ذلك أنه قول حق ،ما فيه تزوير.
ص 79 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 24
ين ) ( 24 جارةُ أ ُ ِعدهتْ ِل ْلكافِ ِر َ فَ ِإ ْن لَ ْم ت َ ْفعَلُوا َولَ ْن ت َ ْفعَلُوا فَاتهقُوا النه َ
ار الهتِي َوقُو ُد َها النه ُ
اس َوا ْل ِح َ
ّللا ليس بينه وبينه ترجمان ،فينظر أيمن منه فال يرى إال ما ثبت أنه ما من أحد إال سيكلمه ه
قدهم ،وينظر أشأم منه فال يرى إال ما قدهم ،وينظر بين يديه فال يرى إال النار ،فاتقوا النار
ار »أيولو بشق تمرة ،والنار تتقى لما يكون من األلم عند تعلقها بنا ،فقوله تعالى« فَاتَّقُوا النَّ َ
اجعلوا بينكم وبينها وقاية حتى ال يصل إليكم أذاها يوم القيامة« الَّتِي َوقُو ُدهَا النَّ ُ
اس
»المشركون ومنهم من ادعى األلوهية ،فدعاكم إلى عبادة نفسه ،أو عبدتموه وكان في وسعه
جارة ُ »المعبودة التي أن ينهاكم عن ذلك فما نهاكم ،فمثل هؤالء يكون من حصب جهنم« َو ْال ِح َ
كانوا يصورونها في الكنائس وغيرها ،فالمشركون والحجارة المعبودة جمر جهنم .
ص 80 :
ت »األعمال الصالحة رأسها اإليمان فهي تابعة له ، ع ِملُوا ال َّ
صا ِلحا ِ ش ِر الَّذِينَ آ َمنُوا َو َ " َوبَ ِ ه
فالشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض اإليمان .
فإن اإليمان واإلسالم واجب على كل إنسان ،واألحكام كلها الواجبة واجبة على كل إنسان ،
ولكن يتوقف قبول فعلها أو فعلها من اإلنسان على وجود اإلسالم منه ،فال يقبل تلبسه بشيء
منها إال بشرط وجود اإلسالم عنده ،فإن لم يؤمن أخذ بالوجهين جميعا يوم القيامة« أ َ َّن لَ ُه ْم
هار »الجنة وهي دار السعادة ثماني جنات ،وهي :جنة عدن ، ت ت َ ْج ِري ِم ْن ت َ ْحتِ َها ْاأل َ ْن ُ
َجنَّا ٍ
وجنة الفردوس ،وجنة النعيم ،وجنة المأوى ،وجنة الخلد ،وجنة السالم ،وجنة المقامة ،
والوسيلة ،وهي أعلى جنة في الجنات ،فإنها في كل جنة من جنة عدن إلى آخر جنة ،فلها
في كل جنة صورة .
ّللا
ّللا عليه وسلم وحده ،نالها بدعاء أمته ،حكمة من ه ّللا صلهى ه وهي مخصوصة برسول ه
ّللا إلى الناس من ّللا ،وتبيينه ما نزل ه
حيث نال الناس السعادة ببركة بعثته ودعائه إياهم إلى ه
أحكامه ،جزاء وفاقا ،وأرض هذه الجنات سطح الفلك المكوكب ،الذي هو سقف النار ،
ّللا في كل جنة مائة درجة ،بعدد األسماء الحسنى واالسم األعظم المسكوت عنه لوترية وجعل ه
األسماء ،وهو االسم الذي يتميز به الحق عن العالم ،هو الناظر إلى درجة الوسيلة خاصة .
ومنازل الجنة على عدد آي القرآن ما بلغ إلينا منه نلنا تلك المنزلة بالقراءة ،وما لم يبلغ إلينا
نلناه باالختصاص في جنات االختصاص ،كما نلنا بالميراث جنات أهل النار الذين هم أهلها ،
وأبواب الجنة ثمانية على عدد أعضاء التكليف فلكل عضو باب ،واألعضاء الثمانية :العين
واألذن واللسان واليد
ص 81 :
والبطن والفرج والرجل والقلب ،فقد يقوم اإلنسان في زمن واحد بأعمال هذه األعضاء كلها ،
فيدخل من أبواب الجنة الثمانية في حال دخوله من كل باب منها ،فإن نشأة اآلخرة تشبه
البرزخ وباطن اإلنسان ،وأما خوخات الجنات فهي تسعة وسبعون خوخة وهي شعب اإليمان
،فلكل شعبة من اإليمان طريق إلى الجنة ،وألهل الجنات الرؤية متى شاءوا ،والذي تولى
ّللا خلقها بيده ، بناء الجنات كلها هم االثنا عشر ملكا ،مالئكة البروج ،إال جنة عدن فإن ه
وجعل بأيديهم غراس الجنات ،إال شجرة طوبى فإن الحق تعالى غرسها بيده في جنة عدن ،
وأطالها حتى علت فروعها سور الجنة جنة عدن ،وتدلت مطلة على سائر الجنات كلها ،
وليس في أكمامها ثمر إال الحلي والحلل ،لباس أهل الجنة وزينتهم ،زائدا في الحسن والبهاء
على ما تحمل أكمام شجر الجنات من ذلك .
ّللا خلقها بيده ،فإن لباس أهل الجنة ما هو نسج ألن لشجرة طوبى اختصاص فضل بكون ه
ينسج ،وإنما تشقق عن لباسهم ثمر الجنهة كما تشقق األكمام هنا عن الورد ،وعن شقائق
ّللا صلهى النعمان وما شاكلهما من األزهار كلها ،هكذا ورد في الحديث الحسن نقال عن رسول ه
ّللا عليه وسلم .وأدار بجنة عدن سائر الجنات ،وبين كل جنة وجنة سور يميزها عن ه
صاحبتها ،وسمى كل جنة باسم معناه سار في كل جنة ،وإن اختصت هي بذلك االسم ،فإن
ذلك االسم الذي اختصت أمكن ما هي عليه من معناه وأفضله« ُكلَّما ُر ِزقُوا ِم ْنها ِم ْن ث َ َم َرةٍ ِر ْزقا ا
قالُوا هذَا الَّذِي ُر ِز ْقنا ِم ْن قَ ْب ُل َوأُتُوا ِب ِه ُمتَشا ِبها ا »أي يشبه بعضه بعضا ،فيتخيل أن الثاني عين
األول وليس كذلك بل هو مثله ،والفارق بين المثلين في أشياء يعسر إدراكه بالمشاهدة.
ص 82 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 26
ون أَنههُ ا ْل َح ُّ
ق ضةً فَما فَ ْوقَها فَأ َ هما الهذ َ
ِين آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُم َ ب َمثَلً ما بَعُو َ ض ِر َ ستَحْ ِيي أ َ ْن يَ ْ ّللا ال يَ ِْإ هن ه َ
ّللاُ ِبهذا َمثَلً يُ ِض ُّل ِب ِه َكثِيرا ً َويَ ْهدِي ِب ِه َكثِيرا ً ون ما ذا أَرا َد ه ِين َكفَ ُروا فَيَقُولُ َ ِم ْن َر ِبه ِه ْم َوأ َ هما الهذ َ
ين ) ( 26 س ِق َ َوما يُ ِض ُّل ِب ِه ِإاله ا ْلفا ِ
ّللا قدّللا حيي ،لكن للحياء موطن خاص ،فإن ه الحياء :معناه الترك ،ورد في الخبر :أن ه
ّللا ال يترك« أ َ ْن ّللا ال يَ ْست َ ْحيِي »أي إن ه قال في الموطن الذي ال حكم للحياء فيه «:إِ َّن َّ َ
ضةا »فالوجود كله عظيم فال يترك منه شيء ،ألن الحياء ترك ،فما ث هم ب َمث َ اال ما بَعُو َ يَض ِْر َ
ّللا ،وذلك لقول من ض هل بهذا المثل من المشركين الذين تافه وال حقير ،فإن الكل شعائر ه
تكلموا فيه ،فلو وجد الحق عند السامع ما هو أخفى من البعوضة لجاء بها ،كما جاء بذلك
مجمال في قوله« فَما فَ ْوقَها »يعني في الصغر ،يعني أنه ال يترك ضرب المثل باألدنى
ّللا ،وكيف يكون حقيرا من هو عين الداللة على واألحقر عند الجاهل ،فإنه ما هو حقير عند ه
ّللا ،فيعظم الدليل بعظمة المدلول. ه
لذلك قال تعالى «:فَأ َ َّما الَّذِينَ آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُمونَ أَنَّهُ ْال َح ُّق ِم ْن َر ِبه ِه ْم َوأ َ َّما الَّذِينَ َكفَ ُروا فَيَقُولُونَ ما
ّللاُ ِبهذا َمث َ اال »فالقرآن له وجه نفع في المؤمن فإنه يزيده إيمانا ،وفيه وجه ضرر ذا أَرا َد َّ
ض ُّل ِب ِه َكثِيرا ا »أي بهذا المثل للكافر ألنه يزيده ،رجسا إلى رجسه ،ولذلك قال تعالى «:يُ ِ
المضروب به في القرآن أي بسببه وهو من القرآن ،
ص 83 :
ومعلوم أن القرآن مهداة كله ،ولكن بالتأويل في المثل المضروب ضل من ضل ،وبه اهتدى
من اهتدى ،فهو من كونه مثال لم تتغير حقيقته ،وإنما العيب وقع في عين الفهم ،فاحذر من
ض ُّل ِب ِه َكثِيرا ا »أي يحيرهم« َويَ ْهدِي ِب ِه َكثِيرا ا »أي
ّللا« يُ ِ
القرآن إال أن تقرأه فرقانا فإن ه
يرزقهم الفهم فيه بما هو عليه من البيان ،فعلهمك في هذه اآلية أن ال تترك شيئا إال وتنسبه إلى
ّللا وال يمنعك حقارة ذلك الشيء وال ما تعلق به من الذم عرفا وشرعا في عقدك ،ثم تقف عند ه
اإلطالق ،فال تطلق ما في العقد على كل شيء وال في كل حال وقف عندما قاله لك الشارع ،
قف عنده فإن ذلك هو األدب اإللهي الذي جاء به الشرع .
ض ُّل ِب ِه ِإ َّال ْالفا ِس ِقينَ »فإنهم حاروا فيه ،والضاللة الحيرة ،ورأوا عزة ه
ّللا وجالله « َوما يُ ِ
ّللا أن ينزل في ضرب المثل وكبرياءه وحقارة البعوضة في المخلوقات ،فاستعظموا جالل ه
لعباده هذا النزول ،وذلك لجهلهم باألمور فإنه ال فرق بين أعظم المخلوقات وهو العرش
المحيط ،وبين
ص 84 :
الذرة في الخلق ،والبعوضة وإخراجها من العدم إلى الوجود ،فما هي حقيرة إال في صغر
جسمها إذا أضفته إلى ذي الجسم الكبير ،بل الحكمة في البعوضة أتم ،والقدرة أنفذ ،فإن
ّللا على صورة الفيل على عظمه ،فخلق البعوضة أعظم في البعوضة على صغرها خلقها ه
الداللة على قدرة خالقها من الفيل ألهل النظر واالعتبار ،ولهذا لم يصف نفسه بالحياء في ذلك
ض ُّل بِ ِه إِ َّال
لما فيها من الداللة على تعظيم الحق ،ثم إن من رحمته تعالى بخلقه أن قال« َوما يُ ِ
ْالفا ِس ِقينَ »الخارجين عن حكم إما العقل السليم أو الشرع المعصوم ،وهم الذين خرجوا عن
حدوده ورسومه ،فأعطانا العالمة ،فمن وجد في نفسه تلك العالمة علم أنه من أهل الضالل .
ص 85 :
له في نفسه «،فَأ َ ْحيا ُك ْم »فأخرجكم إلى الوجود« ث ُ َّم يُ ِميت ُ ُك ْم »وهو الموت العارض ،الذي
يطرأ على الحي فيزيل حياته ،فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس
الذي في األرض من الشمس ،فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت األرض مظلمة ،كذلك
الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي
،وبقي الجسم في صورة الجماد في رأي العين ،فيقال مات فالن وتقول الحقيقة رجع إلى
تارة ا أ ُ ْخرى )
أصله ( ِم ْنها َخلَ ْقنا ُك ْم َوفِيها نُ ِعي ُد ُك ْم َو ِم ْنها نُ ْخ ِر ُج ُك ْم َ
كما رجع أيضا الروح إلى أصله ،حتى البعث والنشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق
العشق ،فتلتئم أجزاؤه ويتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا تحرك األعضاء للتأليف ،فإذا
استوت البنية وقامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة اإلسرافيلية في الصور المحيط ،
فتسري الحياة في أعضائه ،فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة ،وهو قوله تعالى «:ث ُ َّم
يُ ْحيِي ُك ْم »« ث ُ َّم إِلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »فإما شقي وإما سعيد -الوجه الثاني -لما كان الموت سببا لتفريق
المجموع ،وفصل االتصاالت وشتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا ،فقال
اّلل َو ُك ْنت ُ ْم أ َ ْمواتا ا فَأ َ ْحيا ُك ْم ث ُ َّم يُ ِميت ُ ُك ْم ث ُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم »أي كنتم متفرقين في كل
ْف ت َ ْكفُ ُرونَ بِ َّ ِ
تعالى َ «:كي َ
جزء من عالم الطبيعة ،فجمعكم وأحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين ،أرواحكم مفارقة
لصور أجسامكم التي أخذ عليها الميثاق «ث ُ َّم يُ ْح ِيي ُك ْم »الحياة الدنيا« ث ُ َّم ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »بعد
مفارقة الدنيا –
ص 86 :
كان قبل نفخ الروح فيه ،فإنه ينطلق بالشرع على تلك الصورة أنها ميتة ،فإذا خرج الجنين
بالطرح ،وشاهدناه صورة وإن لم ينفخ فيه روح للصورة الظاهرة ،وتحقق اسم الموت ،فال
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم إنه ال يصلى مانع للصالة عليه بوجه من الوجوه ،ولم يقل رسول ه
على ميت إال بعد أن تتقدمه حياة ،ما تعرض لذلك ،وإن كان لم يقع األمر إال فيمن تقدمت له
حياة ،وما يدل عدم النقل على رفع الحكم ،بل المفهوم من الشرع الصالة على الميت من غير
تخصيص ،إال ما خصصه الشارع من النهي عن الصالة على الكافر وغير ذلك ،ممن نص
ّللا عن
ترك الصالة عليه ،وليس للطفل فيه مدخل .بل قد ذكر الترمذي عن جابر بن عبد ه
ّللا عليه وسلم أن الطفل يصلى عليه ،وال يرث وال يورث حتى يستهل ّللا صلهى ه
رسول ه
صارخا ،فقد حكم بالصالة عليه وما حكم بالميراث مثل ما حكم على من مات عن حياة ،فهذا
الخبر يقوي ما ذهبنا إليه ،من وجود صورة اإلنسان وإن لم يعلم أن موته عن حياة وال عن
غير حياة ،وحديث المغيرة عن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن الطفل يصلى عليه .
ص 87 :
ض َج ِميعا ا »وقد ورد في الخبر أن ما سكت عن من قوله « ُه َو الَّذِي َخلَقَ لَ ُك ْم ما فِي ْاأل َ ْر ِ
ّللا قد بيهن للناس ما الحكم فيه بمنطوق فهو عافية ،أي دارس ال أثر له وال مؤاخذة فيه ،فإن ه
ّللا عليه وسلم ،والساكت ال ينسب نزل إليهم من األحكام في كتابه ،وعلى لسان رسوله صلهى ه ه
إليه أمر حتى يتكلم وال مذهب ،ولهذا ال يدخل في اإلجماع بسكوته .وهذه مسألة خالف ،
والصحيح ما قلناه ،كما أن ترك النكير ليس بحجة إال في بقاء ذلك األمر على األصل
ض َج ِميعا ا »وكالم بني آدم مما خلق في المنطوق به في قوله تعالى« َخلَقَ لَ ُك ْم ما فِي ْاأل َ ْر ِ
ّللا عليهّللا صلهى ه األرض وجميع أفعالهم ،فإذا رأينا أمرا قد قيل ،أو فعل بمحضر رسول ه
وسلم ولم ينكره ،فال نقول إن حكمه اإلباحة ،فإنه لم يحكم فيه بشيء ،إذ يحتمل أنه لم ينزل
ّللا فيه إليه ،فيبقى ذلك على األصل وهو فيه شيء عليه ،وهو ال يحكم إال بما أوحى ه
التصرف الطبيعي الذي تطلبه هذه النشأة من غير تعيين حكم عليه بأحد األحكام الخمسة وهو
ض َج ِميعا ا األصل األول ،أو نرده إلى األصل الثاني وهو قوله تعالى« َخلَقَ لَ ُك ْم ما فِي ْاأل َ ْر ِ
»وليس بنص في اإلباحة ،وإنما هو ظاهر ألن حكم المحظور خلق أي حكم به من أجلنا ،أي
ّللا هل نمتنع منه أم ال ،كما نزل الوجوب والندب والكراهة نزل حكمه من أجلنا ابتالء من ه
واإلباحة ،فاألصل أن ال حكم ،وهو األصل األول الذي يقتضيه النظر الصحيح« ث ُ َّم ا ْستَوى
سماوات من العناصر ،فهي أجسام عنصريات وإن ت »فال ه سماوا ٍ س ْب َع َ ماء فَ َ
س َّوا ُه َّن َ س ِِإلَى ال َّ
كانت فوق األركان بالمكان ،فاألركان فوقهن بالمكانة - .بحث في االستواء -من اآليات
المتشابهة آيات االستواء ،واألحاديث الواردة فيه ،ومرجعها فيه عند المحققين إلى اآليات
المحكمات ،
[في االستواء ]
وأول ما ينبغي تقديمه معنى االستواء لغة ،وأصله افتعال من السواء والسواء في اللغة العدل
والوسط ،وله وجوه في االستعمال ترجع إلى ذلك ،منها استوى يعني أقبل ،نقله الهروي عن
الفراء ،فإن العرب يقولون استوى إلي يخاصمني أي أقبل إلي -الثاني :
بمعنى قصد ،قاله الهروي -الثالث :بمعنى استولى -الرابع :بمعنى استقام -الخامس:
ص 88 :
بمعنى اعتدل -السادس :بمعنى عال -قال الشاعر :ولما علونا واستوينا عليهم * تركناهم
صرعى لنسر وكاسرقال الحسن بن سهل :إذا علم أصل الوضع وتصاريف االستعمال فنزل
على ذلك االستواء المنسوب إلى ربه سبحانه وتعالى ،وقد فسره الهروي بالقصد ،وفسره ابن
عرفة باإلقبال كما نقل عن الفراء ،وفسره بعضهم باالستيالء ،وأنكره ابن األعرابي وقال :
العرب ال تقول استولى إال لمن له تضادد ،وفيما قاله نظر ألن االستيالء من الولي وهو
القرب أو من الوالية وكالهما ال يفتقر إطالقه بالمضادد ،ونقل الحسن بن سهل عن ابن عباس
ماء »قال :عال أمره ،وهذه التفاسير
س ِ ّللا عنهما أنه فسر قوله تعالى« ث ُ َّم ا ْستَوى ِإلَى ال َّ رضي ه
علَى ْال ُجو ِد ه
يِ ) ت َكلها ومنه قوله تعالى( َوا ْست َ َو ْ
ور ِه )اآلية فال يليق نسبة مثله إلى استواء ربنا تعالى على على ُ
ظ ُه ِ وقوله تعالى( ِلت َ ْست َ ُووا َ
العرش ،مع أنا نقول قد علمت أصل اشتقاق االستواء وال مدخل فيه لمعنى االستقرار ،وإنما
الحق أن معنى استوى على الدابة جاء على األصل ،ويكون معناه اعتدل ،أو عال عليها ،
واالستقرار الزم ذلك بحسب خصوصية المحل ،ال أن لالستقرار مدخال في معنى اللفظ مطلقا
،وحينئذ فال يصح نسبة مثله إليه تعالى الستحالته في حقه ،وعدم وضع اللفظ له ،وقد ثبت
ّللا عنه أنه سئل كيف استوى ؟ عن اإلمام مالك رضي ه
فقال :كيف غير معقول ،واالستواء غير مجهول ،واإليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة ،
فقوله كيف غير معقول ،أي :كيف من صفات الحوادث وكلما كان من صفات الحوادث
ّللا تعالى ،وقوله :
ّللا تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ،فيجزم على نفيه عن ه فإثباته في صفات ه
واالستواء غير مجهول ،أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة : ،واإليمان به على الوجه
باّلل تعالى وبكتبه : ،والسؤال عنه بدعة :أي حادث األليق به تعالى واجب ،ألنه من اإليمان ه
ّللا عنهم كانوا عالمين بمعناه األليق بحسب اللغة ،فلم يحتاجوا للسؤال ألن الصحابة رضي ه
عنه ،فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ،وال له نور كنورهم ،يهديه لصفات ربهم ،شرع
يسأل عن ذلك ،فكان سؤاله سببا الشتباهه
ص 89 :
ّللا تعالى : على الناس وزيغهم عن المراد ،وتعين على العلماء حينئذ أن ال يهملوا البيان ،قال ه
اس َوال ت َ ْكت ُ ُمونَهُ )وال بد في إيضاح البيان ّللاُ ِميثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا ْال ِك َ
تاب لَتُبَ ِيهنُنَّهُ ِللنَّ ِ ( َو ِإ ْذ أ َ َخذَ َّ
الزيادة فنقول :قد قررنا أن االستواء مشتق من السواء وأصله العدل ،وحينئذ االستواء
المنسوب إلى ربنا تعالى في كتابه بمعنى اعتدل أي قام بالعدل ،وأصله من قوله تعالى ( :
ْط )فقيامه بالقسط والعدل هو استواؤه ،ويرجع ّللاُ أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال ُه َو )إلى قوله( قائِما ا بِ ْال ِقس ِ ش ِه َد َّ َ
معناه إلى أنه أعطى بعدله كل شيء خلقه ،موزونا بحكمته البالغة في التعرف لخلقه بوحدانيته
يز ْال َح ِكي ُم ) ،ولذلك قرنه بقوله ( :ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو ْالعَ ِز ُ
واالستواء المذكور في كتابه استواءان :
استواء سماوي
واستواء عرشي
ماء
س ِ ض َج ِميعا ا ث ُ َّم ا ْستَوى إِلَى ال َّ فاألول تعدى بإلى قال تعالى ُ «:ه َو الَّذِي َخلَقَ لَ ُك ْم ما فِي ْاأل َ ْر ِ
وّللا أعلم -اعتدل ُخان »ومعناه -ه يد ٌ ماء َو ِه َ
س ِ ت »وقال« ث ُ َّم ا ْستَوى إِلَى ال َّ سماوا ٍ س َّوا ُه َّن َ
س ْب َع َ فَ َ
أي :قام بقسطه وتسويته إلى السماء فسواهن سبع سماوات ،ونبهه على أن استواءه هذا هو
سوا اء قيامه بميزان الحكمة ،وتسويته بقوله أوال عن األرض( َوقَد ََّر فِيها أ َ ْقواتَها فِي أ َ ْربَعَ ِة أَي ٍَّام َ
يز ْالعَ ِل ِيم ) . ِير ْالعَ ِز ِ
سائِ ِلينَ )وبقوله آخرا( ذ ِل َك ت َ ْقد ُ ِلل َّ
وأما االستواء العرشي :فهو أنه تعالى قام بالقسط ،متعرفا بوحدانيته في عالمين :
عالم الخلق ،وعالم األمر وهو عالم التدبير (،أَال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر )فكان استواؤه على العرش
للتدبير بعد انتهاء عالم الخلق لقوله تعالى ( :الذي خلق السماوات واألرض وما بينهما في ستة
أيام ثم استوى على العرش يدبر األمر ما من شفيع إال من بعد إذنه ) وبهذا يفهم سر تعدية
ش ْيءٍ االستواء العرشي بعلى ،ألن التدبير لألمر ال بد فيه من استعالء واستيالء « َو ُه َو ِب ُك ِهل َ
ع ِلي ٌم »وعلمه تعالى ذاته ،فإنه يستحيل عليه أن يقوم بذاته أمر زائد ،أو عين زائدة ما هي َ
ذاته ،تعطيها حكما ال يصح لها ذلك الحكم دونها مما يكون كماال لها في ألوهيتها ،بل ال
تصح األلوهة إال بها وهو كونه عالما بكل شيء ،ذكر ذلك عن نفسه بطريق المدحة لذاته ،
ودل عليه دليل العقل – .
ص 90 :
حتى ال يقوم لهم حجة باالشتغال بما به قوامهم ،فخلق األشياء التي بها قوامهم خاصة من
ّللا إذا لم يقوموا بما خلقوا له ،جاء في األثر
أجلهم ليتفرغوا لما قصد بهم ،فقامت عليهم حجة ه
أن الحق يقول البن آدم :خلقت األشياء من أجلك ،وخلقتك من أجلي ،فال تهتك ما خلقت من
أجلي ،فيما خلقت من أجلك.
ص 91 :
عن أحد من هؤالء هأوال ،ويصرفهم في المواطن التي عين له الحق ،وجعل هذه القوى كلها
ّللا تعالى جعال متوجهة على هذه النفس الناطقة بطلب حقوقها ،وجعلها كلها ناطقة بتسبيح ه
ذاتيا ال تنفك عنه ،وجعل هذه الحقوق التي توجهت لها على النفس الناطقة الحاكمة على
ّللا بحمده دنيا وآخرة ،فالعارف المك همل الجماعة ثابتة الحق جزاء لما هي عليه من تسبيح ه
المعرفة يعلم أن فيه من يطلب مشاهدة ربه ومعرفته الفكرية والشهودية ،فتعين عليه أن يؤدي
إليهم حقهم من ذلك ،وعلم أن فيه من يطلب المأكل الشهي الذي يالئم مزاجه ،والمشرب
والمنكح والمركب والملبس والسماع والنعيم الحسي المحسوس ،فتعين عليه أيضا أن يؤدي
إليهم حقوقهم من ذلك الذي عين لهم الحق ،ومن كان هذا حاله كيف يصح له أن يزهد في
ّللا إال له .إال أنه مفتقر إلى علم ما هو له وما هو لغيره لئال شيء من الموجودات ؟ وما خلقها ه
يقول كل شيء هو له ،فال ينظر من الوجوه الحسان إال ما يعلم أنه له ،وما يعلم أنه لغيره
يكف بصره ويغضه عنه ،فإنه محجور عليه ما هو لغيره ،فهذا حظه من الورع واالجتناب ،
والزهد إنما متعلقة األولوية بخالف الورع وكل ترك ،فأما األولوية فينظر في الموطن يعمل
بمقتضاه ،ومقتضاه قد عينه له الحق بما أعلمه به بلسان الشرع ،فسموا من طريق األخذ
ّللا
باألولوية زهادا ،حيث أخذوا بها ،فإن لهم تناول ذلك في الحياة الدنيا فما فعلوا ،ألن ه
خيرهم فما أوجبه عليهم وال ندبهم إليه وال حجر عليهم وال كرهه فاعلم ذلك ،ثم إنه ينظر في
هذا المخير فيه فال يخلو حاله في تناوله أن يحول بينه هذا التناول وبين المقام األعلى الذي
رجحه له أو ال يحول ،فإن حال بينه وبينه تعين عليه بحكم العقل الصحيح السليم تركه والزهد
فيه ،وإن كان على بينة من ربه أن ذلك ال يقدح ،وال يحول بينه وبين الرتبة العليا من ذلك
امنُ ْن أ َ ْو أ َ ْم ِس ْك بِغَي ِْر ِحسا ٍ
ب عطاؤُنا فَ ْ
فال فائدة لتركه ،كما قال لنبيه سليمان عليه السالم «:هذا َ
»وال تكون ممن تلتبس عليه األمور فيتخيل أنه بزهده فيما هو حق لشخص ما من رعيته ،
ينال حظ ما يطلبه به منه شخص آخر من رعيته ،فإن
ص 92 :
ّللا تدبير نفسه وواله أن يعلم ،فإذا علم استعمله
ذلك عين الجهل ،فاألولى بالعبد الذي كلفه ه
علمه فوفهى الحقوق أربابها ،ومثل هذا اإلمام في العالم قليل .
ص 93 :
وبعمل أهل الجنة يعملون ،وهؤالء إلى النار ،وبعمل أهل النار يعملون ،وأنشأ الحق هذه
النشأة اإلنسانية في أحسن تقويم ،ثم نفخ فيها من روحه المضاف إليه ،فحدث عند هذا النفخ
ّللا في اإلنسان الكامل
فيه بسريانه في أجزائه الحياة وما يتبعها من كونه حيوانا ،وبذلك جمع ه
بين الصورتين الطبيعيتين في نشأته ،فخلقه بجسم مظلم كثيف ،وبجسم لطيف محمول في هذا
الجسم الكثيف سماه روحا له ،به كان حيوانا وهو البخار الخارج من تجويف القلب المنتشر
في أجزاء البدن المعطي فيه النمو واإلحساس ،ثم خصه بما يتميز به عن الحيوان بالقوة
دراكا بهذه القوى ،حيا عالما
المصورة والعاقلة ،ثم أنشأه خلقا آخر وهو اإلنسانية فجعله ه
قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا على حد معلوم معتاد في اكتسابه ،وخصه دون العالم كله
بالقوة المفكرة التي بها يدبر األمور ويفصلها ،وليس لغيره من العالم ذلك فإنه على الصورة
ّللا أحسن الخالقين
اإللهية ،ومن صورتها يدبر األمر يفصل اآليات فتبارك ه
[ ما هو اإلنسان ؟ ]
ما هو اإلنسان ؟
اعلم أن الناس اختلفوا في مسمى اإلنسان ما هو ؟
فقالت طائفة :هو اللطيفة
وطائفة قالت :هو الجسم ،وطائفة قالت :هو المجموع وهو األولى .
وقد وردت لفظة اإلنسان على ما ذهبت إليه كل طائفة ،ثم اختلفنا في شرفه هل هو ذاتي ؟
أو هو بمرتبته نالها بعد ظهوره في عينه وتسويته كامال في إنسانيته إما بالعلم وإما بالخالفة
واإلمامة ؟
ّللا إياه بيديه ،ولم يجمع ذلك لغيره من المخلوقين
فمن قال :إنه شريف لذاته ،نظر إلى خلق ه
،وقال :إنه خلقه على صورته ،فهذه حجة من قال شرفه شرف ذاتي ،ومن خالف هذا القول
قال :لو أنه شريف لذاته لكنا إذا رأينا ذاته علمنا شرفه ،
ص 95 :
ابتاله قط في صورة من صوره في جميع العالم إال في هذه الصورة اآلدمية ،وال عصى
اإلنسان قط خالقه إال فيها ،وال ادعى رتبة خالقه إال فيها وال مات إال فيها ،ولهذا يقبل الموت
أهل الكبائر في النار ،ثم يخرجون فيغمسون في نهر الحياة فيتركبون تركيبا ال يقبل اآلالم وال
األسقام ،فيدخلون بتلك الصورة الجنة
ص 96 :
وتفصيله ،فإذا لم يحز اإلنسان رتبة الكمال فهو حيوان تشبه صورته صورة اإلنسان .
فاإلنسان الكامل من تممت له الصورة اإللهية ،وال يكمل إال بالمرتبة ،ومن نزل عنها فعنده
من الصورة بقدر ما عنده ،أال ترى الحيوان يسمع ويبصر ويدرك الروائح والطعوم والحار
والبارد وال يقال فيه إنسان ! بل هو حمار وفرس وطائر وغير ذلك ،فلو كملت فيه الصورة
قيل فيه إنسان ،كذلك اإلنسان ال يكمل فيزول عنه االسم العام إلى االسم الخاص فال يسمى
خليفة إال بكمال الصورة اإللهية فيه ،إذ العالم ال ينظرون إال إليها ،وهو اآلخر بخلقه الطبيعي
ّللا ما خلق أوال من هذا النوع إال الكامل ،وهو آدم عليه السالم ،وهوفإنه آخر المولدات فإن ه
لم يكن مبعوثا ألنه لم يكن مرسال إلى أحد ،وإنما كان في األرض لوجود عالم التركيب ،فهو
مفتتح وجودنا ،فاإلنسان الكامل ظاهره خلق ،وباطنه حق ،وما عدا هذا فهو اإلنسان
الحيواني ،ورتبة اإلنسان الحيواني من اإلنسان الكامل رتبة خلق النسناس من اإلنسان
الحيواني ،ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع ،فمن حازها منه فهو اإلنسان الذي
أريده ،ومن نزل عن تلك الرتبة فعنده من اإلنسانية بحسب ما تبقى له ،وليس في الموجودات
من وسع الحق سواه ،وما وسعه إال بقبول الصورة ،فهو مجلى الحق فيرى الحق صورته في
اإلنسان الكامل ،ومعنى رؤية الحق صورته فيه هو :إطالق جميع األسماء اإللهية عليه .كما
وّللا الرازق « وبهم
وّللا الناصر « وبهم ترزقون » ه جاء في الخبر « فبهم تنصرون » ه
وّللا الراحم ،فإنه سبحانه ما سمى نفسه باسم من األسماء إال وجعل لإلنسان فيترحمون » ه
التخلق بذلك االسم حظا منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به ،وأنزله خليفة عنه في
أرضه ،والخليفة معلوم أنه ال يظهر إال بصفة من استخلفه ،فال مخلوق أعظم رحمة من
اإلنسان الكامل الذي هو مجلى حقائق العالم ،فهو آخر نوع ظهر ،فأوليته حق وآخريته خلق
،فهو
ص 97 :
األول من حيث الصورة اإللهية ،واآلخر من حيث الصورة الكونية ،والظاهر بالصورتين
والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة اإللهية ،وقد ظهر حكم هذا في عدم علم
ّللا قد قال لهم :إنه خليفة ،فكيف بهم لو لم يقل لهم ذلك ؟ فلم يكن المالئكة بمنزلته مع كون ه
ذلك إال لبطونه عن المالئكة ،وهم من العالم األعلى العالم بما في اآلخرة وبعض األولى ،
فإنهم لو علموا ما يكون في األولى ما جهلوا رتبة آدم عليه السالم مع التعريف اإللهي لهم
ض َخ ِليفَةا »وما عرفه من العالم إال اللوح والقلم وهم العالون ،والبقوله «:إِ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
يتمكن لهم إنكاره والقلم قد سطره واللوح قد حواه ،فإن القلم لما سطره سطر رتبته وما يكون
منه ،واللوح قد علم علم ذوق ما خطه القلم فيه .أما المالئكة فلم تر من آدم إال صورته
الطبيعية الجسمية المظلمة العنصرية الكثيفة ،لذلك قالت ما قالت ،وكان آدم عند العالم من
المالئكة فمن دونهم مجهول الباطن ،فحكموا عليه بالفساد ،أي باإلفساد من ظاهر نشأته ل هما
رأوها قامت من طبائع مختلفة متضادة متنافرة ،فعلموا أنه ال بد أن يظهر أثر هذه األصول
ّللا عليه من الصورة حيث على من هو على هذه النشأة ،فلو علموا باطنه وهو حقيقة ما خلقه ه
ّللا خلق آدم على صورته » لعلمت المالئكة ما جهلته من آدم ّللا عليه وسلم « :إن ه قال صلهى ه
ّللا بكمال الصورة فيه وأمرهم بالسجود له سارعوا بالسجود ،وال سيما وقد ،فلما أعلمهم ه
ّللا إني أعطيته الصورة ظهر لهم بالفعل في تعليمه األسماء إياهم ،ولو لم يعلمهم وقال لهم ه
ّللا تعالى جمع آلدم في
ّللا ،فلوال أن ه
والسورة ألخذوها إيمانا وعاملوه بما عاملوه به ألمر ه
خلقه بين يديه فحاز الصورتين وإال كان من جملة الحيوان الذي يمشي على رجليه ،وإنا وإن
حزنا بخلقنا الصورة الربانية فنحن بحكم األصل عبيد عبودية ال حرية فيها ،فما نحن سادة وال
ّللا عليه وسلم :كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إال آسية أرباب ،قال صلهى ه
ص 98 :
امرأة فرعون ،ومريم ابنة عمران .فلكون اإلنسان الكامل على الصورة الكاملة صحت له
ّللا تعالى في العالم ،فباإلنسانية والخالفة صحت له الصورة على الكمال الخالفة والنيابة عن ه
،وما كل إنسان خليفة ،فإن اإلنسان الحيوان ليس بخليفة عندنا ،وليس المخصوص بها أيضا
الذكورية فقط ،فكالمنا في صورة الكامل من الرجال والنساء ،فإن اإلنسانية تجمع الذكر
واألنثى ،والذكورية واألنوثة إنما هما عارضان ليستا من حقائق اإلنسانية لمشاركة الحيوانات
ّللا عليه وسلم بالكمال للنساء كما شهد به للرجال ّللا صلهى ه
كلها في ذلك ،وقد شهد رسول ه
فقال في الصحيح :كمل من الرجال كثيرون ،وكملت من النساء مريم بنت عمران وآسية
ّللا قد اعتنى باإلنسان دون العالم غاية العناية ما لم
امرأة فرعون .فالكمل هم الخالئف ،فإن ه
يعتن بمخلوق بكونه جعله خليفة ،وأعطاه الكمال بعلم األسماء ،وخلقه على الصورة اإللهية ،
وأكمل من الصورة اإللهية ما يمكن أن يكون في الوجود .فاإلنسان الكامل مثل ،ضد ،خالف
،فهو مثل من حيث الصورة اإللهية ،ضد من حيث أنه ال يصح أن يكون في حال كونه عبدا
ربا لمن هو له عبد ،خالف من حيث أن الحق سمعه وبصره وقواه فأثبته وأثبت نفسه ،
ّللا هذا الكمال إال ليكون بدال من الحق ،
واإلنسان الكامل الظاهر بالصورة اإللهية لم يعطه ه
ولهذا سماه خليفة ،وما بعده من أمثاله خلفاء له ،فاألول وحده هو خليفة الحق ،وما ظهر عنه
من أمثاله في عالم األجسام فهم خلفاء هذا الخليفة وبدل منه في كل أمر يصح أن يكون له .
واعلم أن المراتب كلها إلهية باألصالة ،وظهرت أحكامها في الكون ،وأعلى رتبة إلهية
ظهرت في اإلنسان الكامل ،فأعلى الرتب رتبة الغنى عن كل شيء ،وتلك الرتبة ال تنبغي إال
هّلل من حيث ذاته ،وأعلى الرتب في العالم الغنى بكل شيء وإن
ص 99 :
شئت قلت :الفقر إلى كل شيء ،وتلك رتبة اإلنسان الكامل ،فإن كل شيء خلق له ومن أجله
ّللا له العالم كله ، ّللا من حاجته إليه ،فليس له غنى عنه ،ولذلك استخدم ه وسخر له ،لما علم ه
فما من حقيقة صورية في العالم األعلى واألسفل إال وهي ناظرة إليه نظر كمال ،أمينة على
ّللا إياه لتوصله إليه [- .حكم الصورة اإللهية ] سر أودعها ه
حكم الصورة اإللهية التي خلق عليها اإلنسان :إن العالم وإن كان على صورة الحق فما كان
العالم على الكمال في صورة الحق حتى وجد اإلنسان فيه ،فبه كمل العالم ،فاإلنسان األول
بالمرتبة اآلخر بالوجود ،واإلنسان من حيث رتبته أقدم من حيث جسميته ،فالعالم باإلنسان
على صورة الحق ،واإلنسان دون العالم على صورة الحق ،والعالم دون اإلنسان ليس على
ّللا اإلنسان الكامل وخلفاءه من األناسي على أكمل الكمال في صورة الحق ،ولذلك لما خلق ه
صورة ،وما ثم كمال إال صورته تعالى ،أخبر أن آدم خلقه على صورته ليشهد فيعرف من
طريق الشهود ،فأبطن في صورته الظاهرة أسماءه سبحانه التي خلع عليه حقائقها ،ووصفه
ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء )من بجميع ما وصف به نفسه ،ونفى عنه المثلية فال يماثل وهو قوله ( :لَي َ
العالم ،أي ليس مثل مثله شيء من العالم ،ولم يكن مثال إال بالصورة ،لهذا كان الخليفة على
صورة من استخلفه ،فالنسبة الجامعة بين الحق والخلق ،هي الصورة التي خلق عليها اإلنسان
،ولما كان للصورة حكم ،ومن ظهر في صورة كان له حكمها ،من هنا تعرف مرتبة
اإلنسان الكامل الذي خلقه على صورته ،ولتلك الصور حكم فتتبع الحكم الصورة ،فلم يدهع
ّللا إال اإلنسان الذي ظهر بأحكام األسماء والنيابة ،ومن سواه األلوهية لنفسه أحد من خلق ه
ادعيت فيه وما ادعاها ،قال فرعون ( :أَنَا َربُّ ُك ُم ْاألَعْلى )وما في الخلق من يملك سوى
ّللا تعالى في إثبات الملك اإلنسان ،وما سوى اإلنسان من ملك وغيره ال يملك شيئا ،يقول ه
يقر له بالعبودية إال اإلنسان فيقال هذا عبد ت أَيْمانُ ُك ْم )وما ثم موجود ما ه لإلنسان (أ َ ْو ما َملَ َك ْ
غبه فيه وجعل له والء المعتق إذا مات من غير وارث ، ّللا له العتق ور ه
فالن ،ولهذا شرع ه
علَيْها )وما ثم موجود ث ْاأل َ ْر َ
ض َو َم ْن َ كما أن الورث هّلل من عباده قال تعالى ِ ( :إنَّا ن َْح ُن ن َِر ُ
ص 100 :
يقبل التسمية بجميع األسماء اإللهية إال اإلنسان ،وقد ندب إلى التخلق بها ولهذا أعطي الخالفة
ّللا
والنيابة وعلم األسماء كلها ،وكان آخر نشأة في العالم جامعة لحقائق العالم ،مما اختص ه
بها ملكه كله وصورته ،ولما كان لإلنسان الكامل هذا المنصب العالي ،كان العين المقصودة
علَّ َم آ َد َم ْاألَسْما َء
من العالم وحده ،وظهر هذا الكمال في آدم عليه السالم في قوله تعالى َ ( :و َ
ُكلَّها )
[ الخليفة واحد ]
عز وجل ( : ّللا ه
الخليفة واحد :جمع األنام على إمام واحد * عين الدليل على اإلله الواحدقال ه
س َدتا )وقال سبحانه ِ ( :إ ِنهي جا ِع ٌل واح ٌد )وقال تعالى ( :لَ ْو كانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللاُ لَفَ َ َو ِإل ُه ُك ْم ِإلهٌ ِ
ّللا عليه وسلم :إذا بويع لخليفتين فاقتلوا اآلخر منهما ّللا صلهى ه ض َخ ِليفَةا )وقال رسول ه ِفي ْاأل َ ْر ِ
وقال صلهى ه
ّللا عليه وسلم :
[ الخلفاء من قريش ]
والتقريش التقبض واالجتماع ،كذلك اإلمام إن لم يكن متصفا بأخالق من استخلفه جامعا لها
مما يحتاج من استخلف عليهم وإال فال تصح خالفته ،فهو الواحد المجموع
ص 101 :
ص 102 :
بيده تعالى وهو التوراة ،ومنها ما نزل به الروح األمين عليهم من الكتاب المكنون الذي نزل
ّللا من عرشه المنقول من الدفتر األعظم ،وهو اإلمام المبين فهو معه على عرشه ،ونقل من ه
منه في اللوح المحفوظ قدر ما يقع به التصريف في الدنيا إلى يوم القيامة ،ويتضمن ما في
العالم من حركة وسكون ،واجتماع وافتراق ،ورزق وأجل وعمل ،ثم أنزل ذلك كله في
كتاب مكنون إلى السماء الدنيا ،وجعله بأيدي سفرة ،كرام بررة ،مطهرين أرواح قدس ،
باّلل ومالئكته وكتبه ّللا المؤمنين ه صحفا مكرمة ،مرفوعة مطهرة فيها توقيعات إلهية بما وعد ه
ّللا
ورسله وما جاءت به رسله من اليوم اآلخر والبعث اآلخر وما يكون في ذلك اليوم من حكم ه
ّللا ذلك كله بنفسه على صورة الحق الذي بعث به رسله ،ليصدقهم عند في خلقه ،وتولى ه
عبيده ،فعال بحكمه ذلك فيهم ،كما صدقهم في حال احتجابه بما أيدهم به من اآليات ،فآمن
ّللا
من آمن ،وكفر من كفر ،ثم إنه أنزل في الكتب والصحف على ألسنة الخلفاء صلوات ه
باّلل ونافق أو آمن ببعض وكفر ببعض مما عليهم وسالمة من الوعيد والتهديد ،وأخذ من كفر ه
ّللا ،وجحد وأشرك ،وكذب وظلم ،واعتدى وأساء ،وخالف وعصى ،وأعرض وفسق أنزله ه
،وتولى وأدبر ،وأخبر في التوقيع أنه من كان بهذه المثابة وقامت به هذه الصفات في الحياة
ّللا منها ،ومات على توبة من ذلك كله ،فإنه يلقى ربه وهو الدنيا أو بعضها ثم تاب إلى ه
ّللا سيئاته
ّللا في أجله بعد توبته فعمل عمال صالحا بدهل ه راض عنه ،فإن فسح له وأنسأ ه
حسنات ،وغفر له جميع ما كان وقع منه قبل ذلك ،ولم يؤاخذه بشيء منه ،وما زالت
باّلل ورسله من الخير ، ّللا به من آمن هّللا على خلفائه بما يعدهم ه التوقيعات اإللهية تنزل من ه
وما توعد به لمن كفر به من الشر ،مدة إقامة ذلك الخليفة المنزل عليه وهو الرسول إلى حين
موته ،فمن زمان خالفته إلى انتهاء مدة عمره ال تزال التوقيعات اإللهية تنزل عليه ،فإذا مات
ّللا له في ذلك ،أو ترك األمر شورى بين أصحابه ،فيولون من واستخلف من شاء بوحي من ه
ّللا من عنده رسوال ،فيقيم فيهم خليفة آخر ،إال إذا كان خاتم يجمعون عليه ،إلى أن يبعث ه
ّللا ،ال أنهم
ّللا يقيم نوابا عنه ،فيكونون خلفاء الخليفة من عند ه
الخلفاء فإن ه
ص 103 :
ّللا ،وهم األقطاب وأمراء المؤمنين إلى يوم القيامة ،فمن في منزلة الرسل خلفاء من عند ه
ّللا على ّللا عنه الغطاء فيكون من أهل العين والشهود ،فيدعو إلى ه هؤالء النواب من يكشف ه
ّللا عليه وسلم ،ولوال أن الزمان اقتضى أن ال يكون ّللا صلهى ه بصيرة ،كما دعا رسول ه
ّللا عليه وسلم لكان هؤالء مشرعين ،وإن لم يأتوا إال بشرع ّللا صلهى ه
مشرع بعد رسول ه
ّللا عليه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فإنهم كانوا يكونون فيه كما كان رسول ه ّللا صلهى ه
رسول ه
وسلم في شرع من قبله إذا حكم به في أمته ،فهو بمنزلة األول الذي كان قبله ،ال خليفة عنه
ّللا صلهى ه
ّللا ّللا ذلك في هذه األمة ،علمنا أنهم خلفاء رسول ه في ذلك وإن قرره ،فلما منع ه
ّللا عليه وسلم ،كما ورد ّللا صلهى ه ّللا على بصيرة ،كما دعا رسول ه عليه وسلم وإن دعوا إلى ه
يرةٍ أَنَا َو َم ِن اتَّبَعَنِي »فالعبد إذا أقيم
ص َعلى بَ ِ
ّللا َ في القرآن العزيز عنه في قوله «:أ َ ْد ُ
عوا ِإلَى َّ ِ
في خروجه من حضرة الحق إلى الخلق بطريق التحكم فيهم من حيث ال يشعرون ،وقد
ّللا
يشعرون في حق بعض األشخاص من هذا النوع كالرسل عليهم السالم ،الذين جعلهم ه
ّللا فيهم ،وأخفى ذلك في الورثة فهم خلفاء من حيث خالئف في األرض ،يبلغون إليهم حكم ه
ال يشعر بهم ،وال يتمكن لهذا الخليفة المشعور به وغير المشعور به أن يقوم في الخالفة إال
بعد أن يحصل معاني حروف أوائل السور سور القرآن المعجمة .
ّللا على
مثل « ألف الم ميم » وغيرها الواردة في أوائل بعض سور القرآن ،فإذا أوقفه ه
حقائقها ومعانيها تعينت له الخالفة ،وكان أهال للنيابة ،هذا في علمه بظاهر هذه الحروف ،
وأما علمه بباطنها فعلى تلك المدرجة يرجع إلى الحق فيها ،فيقف على أسرارها ومعانيها من
االسم الباطن إلى أن يصل إلى غايتها ،فيحجب الحق ظهوره بطريق الخدمة في نفس األمر ،
فيرى مع هذا القرب اإللهي خلقا بالحق ،كما يرى العامة بعضهم بعضا ،وال يكون في
الزمان إال واحدا يسمى الغوث والقطب ،وهو الذي ينفرد الحق ويخلو به دون خلقه ،فإذا
ّللا
فارق هيكله المنور انفرد بشخص آخر ال ينفرد بشخصين في زمان واحد ،وذلك العبد عين ه
في كل زمان ،ال ينظر الحق في زمانه إال إليه.
ص 104 :
فليست بدار خالفة بل هي دار والية ،ونشأة الدنيا على مزاج يقبل الغضب ولهذا قال «ِ :إ ِنهي
ض َخ ِليفَةا »ولم يقل في العالم -الوجه الثاني في قوله تعالى« ِإ ِنهي جا ِع ٌل فِي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
ّللا عليه وسلم قال [ :أنا سيد ولد آدم وال فخر ض َخ ِليفَةا »ورد في الخبر أن النبي صلهى ه ْاأل َ ْر ِ
] وفي صحيح مسلم [ أنا سيد الناس يوم القيامة ] فثبتت له السيادة والشرف على أبناء جنسه
من البشر ،وقال عليه السالم « :كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » يريد على علم بذلك ،
ّللا تعالى بمرتبته وهو روح قبل إيجاده األجسام اإلنسانية ،كما أخذ الميثاق على بني فأخبره ه
ّللا عليه وسلم ،من آدم إلى آخر آدم قبل إيجاد أجسامهم ،فكانت األنبياء في العالم نوابه صلهى ه
ّللا عليه وسلم عن هذا المقام بأمور :منها قوله صلهى ه
ّللا الرسل عليهم السالم ،وقد أبان صلهى ه
وّللا لو كان موسى حيا ما وسعه إال أن يتبعني » . عليه وسلم « ه
وقوله في نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان إنه يؤمنا بسنة نبينا عليه السالم ،ولو كان
ّللا عليه وسلم قد بعث في زمان آدم لكانت األنبياء وجميع الناس تحت شريعته إلى محمد صلهى ه
يوم القيامة حسا ،ولهذا لم يبعث عامة إال هو خاصة ،فهو الملك والسيد وكل رسول سواه
ّللا عليه بعث إلى قوم مخصوصين ،فمن زمان آدم عليه السالم إلى زمان بعث محمد صلهى ه
وسلم إلى يوم القيامة ملكه ،وتقدمه في اآلخرة على جميع الرسل وسيادته فمنصوص على
ّللا عليه وسلم موجودة وروحانية كل نبي ورسول ، ذلك في الصحيح عنه ،فروحانيته صلهى ه
فكان اإلمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان
ّللا عليه وجودهم رسال ،فنسب كل شرع إلى من بعث به ،وهو في الحقيقة شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم الحاكم غيبا وسلم وإن كان مفقود العين من حيث ال يعلم ذلك ،فهو صلهى ه
ّللا عليه وسلم وهو المقصود فهو ملك وشهادة ،فبنو آدم سوقة وملك لهذا السيد محمد صلهى ه
نواب عنه . وسيد على جميع بني آدم ،وجميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا ،والحاكمون فيه ه
ّللا عليه وسلم من الترتيبات في هذه ّللا من آدم إلى زمان محمد صلهى ه والملك عبارة عما مهد ه
النشأة اإلنسانية بما ظهر من األحكام اإللهية فيها ،فكانوا خلفاء الخليفة السيد ،وأول موجود
ظهر من األجسام اإلنسانية كان آدم عليه السالم ،فكان آدم عليه السالم أول خليفة ونائب عن
ّللا عليه وسلم ،فقد ورد في الحديث ّللا صلهى ه رسول ه
ص 105 :
ّللا يقول ( :لوالك يا محمد ما خلقت سماء وال أرضا ،وال جنة وال نارا ) فكان المروي أن ه
آدم أول خليفة عنه ثم ولد واتصل النسل ،وعين في كل زمان خلفاء ،إلى أن وصل زمان
ّللا عليه وسلم ،فظهر مثل الشمس الباهرة ،فاندرج كل نور نشأة الجسم الطاهر محمد صلهى ه
في نوره الساطع ،وغاب كل حكم في حكمه ،وانقادت جميع الشرائع إليه ،وظهرت سيادته
التي كانت باطنة ،فإن اإلنسان آخر موجود من أجناس العالم .
فإنه ما ثم إال ستة أجناس وكل جنس تحته أنواع وتحت األنواع أنواع :
فالجنس األول الملك
والثاني الجان
والثالث المعدن
والرابع النبات
والخامس الحيوان ،وانتهى الملك واستوى
وكان الجنس السادس جنس اإلنسان وهو الخليفة .
وإنما وجد آخرا ليكون إماما بالفعل حقيقة ،ال بالصالحية والقوة ،فعند ما وجد عينه لم يوجد
ّللا عليه وسلم نوابا ،حين تأخرت نشأة إال واليا سلطانا ملحوظا ،فجعل الحق للرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم . جسده ،فكان آدم عليه السالم أول نائب عنه صلهى ه
ض َخ ِليفَةا »يحتمل أن يكون المراد فقال تعالى َ «:و ِإ ْذ قا َل َرب َُّك ِل ْل َمال ِئ َك ِة ِإ ِنهي جا ِع ٌل ِفي ْاأل َ ْر ِ
ّللا لما نفخ في آدم من روحه ،وأمر بالخالفة أن يخلف من كان قبله فيها لما فقد ،فإن ه
المالئكة بالسجود له ،فوقعت ساجدة عن األمر اإللهي بذلك ،فجعله قبلة للمالئكة .
وحي ،فَقَعُوا لَهُ س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ وذلك قوله تعالى ِ ( :إ ِنهي خا ِل ٌق بَشَرا ا ِم ْن ِط ٍ
ين ،فَإِذا َ
ساجدِينَ )ثم عرفهم بخالفته في األرض فلم يعرفوا عمن هو خليفة ،فربما ظنوا أنه خليفة في ِ
عمارتها عمن سلف ،ويحتمل أن تكون الخالفة أي النيابة عن الحق في أرضه ،وعليه الكالم
وكان المقصود بقوله خليفة أي نائب الحق الظاهر بصورته .
لقول المالئكة «:أ َ ت َ ْجعَ ُل فِيها َم ْن يُ ْف ِس ُد فِيها َويَ ْس ِفكُ ال هدِما َء »وهذا ال يقع إال ممن له حكم ،وال
ّللا عليه وسلم :إن حكم إال لمن له مرتبة التقدم وإنفاذ األمر ،فخلقه على صورته قال صلهى ه
ّللا خلق آدم على صورته ،ولما كان عالم الخلق والتركيب يقتضي الشر لذاته ،لهذا قال عالم ه
األمر -الذي هو الخير الذي ال شر فيه -حين رأى خلق اإلنسان وتركيبه من الطبائع المتنافرة
،والتنافر هو عين التنازع ،والنزاع أمر مؤد إلى الفساد قالوا «:أ َ ت َ ْجعَ ُل ِفيها َم ْن يُ ْف ِس ُد ِفيها
َويَ ْس ِفكُ ال هدِما َء»
ص 106 :
فاعترضت المالئكة لنشأة آدم من الطبيعة ،لما تحمله الصورة من األضداد ،وال سيما وقد
جعل آدم من العناصر ،فلم تشاهد المالئكة األسماء اإللهية التي هي أحكام هذه الصورة ،وهي
كون الحق سمعه وبصره وجميع قواه ،فلو شهدت ذلك ما اعترضت ،ولكنها اعترضت لما
رأوا من تقابل طبائعه في نشأته ،فعلموا أن العجلة تسرع إليه ،وأن تقابل ما تركب منه جسده
ينتج عنه نزاعا فيؤثر فسادا في األرض وسفك دماء ،فقالت ما قالت ،من غير تعرض لمواقع
ّللاُ ال يُ ِحبُّ
األحكام المشروعة ،وكذلك وقع مثل ما قالوه فإنهم رأوا الحق سبحانه يقول ( َ :و َّ
ّللا ،وجرى ّللاُ ال يُ ِحبُّ ْالفَسا َد »فكرهوا ما كره ه
ّللا ،وأحبوا ما أحب ه ْال ُم ْف ِسدِينَ )وقال َ «:و َّ
ّللا في الخلق بما قدره العزيز العليم ،فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته حكم ه
التي ذكرتها المالئكة ،فإن الغالب على عالم األرض سلطان الهوى ،وهو يورث الفساد ،
فعلمت المالئكة ما يقع لعلمهم بالحقائق ،ألن المولد من األضداد المتنافرة ال بد فيه من
المنازعة ،وال سيما المولد من األركان ،وكذا وقع األمر ،وإنما وقع الغلط عندهم في
ّللا في هذا الفعل ما هي ،وحملهم على ذلك استعجالهم بهذا القول ،من قبل أن يعلموا حكمة ه
ّللا .فما ذكرت المالئكة إال مساوينا وما تعرضت للحسن الغيرة التي فطروا عليها في جناب ه
ّللا أن يهتضم ،وعلمت من هذه من ذلك ،إال ألن المأل األعلى تغلب عليه الغيرة على جناب ه
النشأة العنصرية أنها ال بد أن تخالف ربها لما هي عليه من حقيقتها ،وذلك عندها بالذوق من
ذاتها فإنها مخلوقة من عالم الطبيعة ،وإنما هي في نشأتنا أظهر ،فإن اعتراض المالئكة من
حيث طبيعتهم وغيرتهم على الجناب اإللهي ،فبالذي وقع من اإلنسان من الفساد وغيره مما
يقتضيه عالم الطبع ،به بعينه وقع اعتراض المالئكة ،فرأوه في غيرهم ولم يروه في نفوسهم
،فإن المالئكة غلب عليها الطبع ،ولم ترد الخير إال لنفسها ،وما وافقت الحق فيما أراد أن
يظهره في الكون ،من جعل آدم خليفة في األرض ،فعرفهم بذلك ،فلم يوافقوه ،لحكم الطبع
في الطمع في أعلى المراتب ،وقامت لهم صورة الغيرة على جناب الحق ،واإليثار لعظمته ،
وذهلوا عن تعظيمه ،إذ لو وقفوا مع ما ينبغي له من العظمة لوافقوه ؛ وما وافقوه ،وإن كانوا
ِك قصدوا الخير ،فقالوا َ «:ون َْح ُن نُ َ
س ِبه ُح بِ َح ْمد َ
ص 107 :
ِس لَ َك »تعني ذواتها وقولها «:لَ َك »أي من أجلك ،وكونهم ذوات مقدسة لذاتها أنها لم َونُقَ هد ُ
تلتفت قط إلى غير االسم اإللهي الذي عنه تكونت ،فلم يطرأ عليها حجاب يحجبها عن إلهها ،
س ِبه ُحونَ اللَّ ْي َل
فتتصف لذلك الحجاب بأنها غير مقدسة ،ولذلك قال تعالى في المالئكة ( :يُ َ
هار ال يَ ْفت ُ ُرونَ )وال يكون ذلك إال من ذاته مقدسة بالشهود الدائم ،فقولها يعني نحن أولى َوالنَّ َ
ّللا في خلقه ،لذلك قال لهم «:إِ ِنهي أ َ ْعلَ ُم ما ال ت َ ْعلَ ُمونَ
من هذا ،فرجحوا نظرهم على علم ه
»فوصفهم بنفي العلم ،الذي علم الحق من هذا الخليفة مما لم يعلموا ،وأثنوا على أنفسهم ،
فمسألتهم جمعت ذلك حيث أثنوا على أنفسهم ،وعدلوها ،وجرحوا غيرهم ،وما ردوا العلم
ّللا ،وهذا يؤيد أن المالئكة تحت حكم الطبيعة ،وأن لها أثرا فيهم وفي ذلك نقول: في ذلك إلى ه
ص 108 :
فطروا على الخير األعم جبلة ...ال يعرفون مواقع الشحناء
ومتى رأيت أبي وهم في مجلس ...كان اإلمام وهم من الخدماء
وأعاد قولهم عليهم ربنا ....عدال فأنزلهم إلى األعداء
فحرابة المأل الكريم عقوبة ....لمقالهم في أول اآلباء
أو ما ترى في يوم بدر حربهم ....ونبينا في نعمة ورخاء
بعريشه متملقا متضرعا .....إللهه في نصرة الضعفاء
فاإلنسان المخلوق في أحسن تقويم ،لما ظهرت للمإل األعلى طينته ،جهلت قيمته ،ونظر إلى
األضداد فقال بالفساد ،وغاب عن القبضة البيضاء ،وحميد الثناء ،بما أعطي من علم األسماء
،ولم يكن المأل األعلى سمع بالصورة ،التي أعطته السورة ،فحمل الخالفة على من تقدم من
القطان ،في تلك األوطان ،فلو علم أنه خليفة الحق ألذعن وسلم ،وما اعترض وال نطق ،ثم ه
ظهر في بنيه ما قاله من المقالة .
وآدم للعالم كالروح من الجسد ،فاإلنسان روح العالم ،والعالم جسد ،فبالمجموع يكون العالم
كله هو اإلنسان الكبير واإلنسان فيه ،وإذا نظرت العالم وحده دون اإلنسان وجدته كالجسم
المسوى بغير روح ،وكمال العالم باإلنسان مثل كمال الجسد بالروح واإلنسان منفوخ في جسم
العالم ،فهو المقصود من العالم ،والعالم كله تفصيل آدم ،وآدم هو الكتاب الجامع ،فأرى
الحق المالئكة شرف آدم عليهم ،بما خصه من علم األسماء اإللهية ،التي خلق المشار إليهم
بها وجهلتها المالئكة ،فكأنه يقول سبحانه « :أجعل علمي حيث شئت من خلقي أكرمه بذلك
»
إشارة واعتبار :
ض َخ ِليفَةا » :اعتباره في العالم الصغير ،استخالف الروح في قوله تعالى« ِإ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
في أرض البدن ،لما أوجد الحق هذا الخليفة على حسب ما أوجده قال له :أنت المرآة وبك
ي ،وجهتك خليفة في ننظر إلى الموجودات ،وفيك ظهرت األسماء والصفات ،أنت الدليل عل ه
عالمك ،تظهر فيهم بما أعطيتك ،تمدهم بأنواري ،وتغذيهم بأسراري ،وأنت المطالب بجميع
ما يطرأ في الملك ،ومركز هذا الخليفة من البدن أو الجسم الذي هو مملكته إنما هو القلب
ّللا عليه وسلم مخبرا عن ربه :ما وسعني أرضي وال سمائي ووسعني قلب شرعا لقوله صلهى ه
عبدي
ص 109 :
ّللا تعالى ال ينظر إلى صوركم وال إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم . المؤمن ،وقال :إن ه
وّللا سبحانه قد استخلف
وذلك أن المستخلف إنما نظره أبدا إلى خليفته ما يفعله فيما قلده ،ه
األرواح على األجسام .
ص 110 :
وال يقدس وال يسبح إال بأسمائه ،فأعلمهم بأن هّلل أسماء في العالم ما سبحته المالئكة وال قدسته
بها وقد علمها آدم ،فلما أحضر ما أحضره من خلقه مما ال علم للمالئكة به فقال «:أ َ ْن ِبئُونِي
ُالء »التي يسبحوني بها ويقدسوني« قالُوا ال ِع ْل َم لَنا »فقال آلدم «:أ َ ْن ِبئْ ُه ْم ِبأَسْمائِ ِه ْم ِبأَس ِ
ْماء هؤ ِ
»فلما أنبأهم بأسمائهم ،علموا أن هّلل أسماء لم يكن لهم بها علم يسبحه بها هؤالء الذين خلقهم ،
ّللا بها ،كما قال للمالئكة لما طافت به البيت « :ما كنتم تقولون » ؟ قالت وعلمها آدم فسبح ه
وّللا أكبر » فقال ّللا ه ّللا والحمد هّلل وال إله إال ه المالئكة « :كنا نقول في طوافنا به قبلك سبحان ه
ّللا إياه من كنز من تحت العرش ، باّلل » أعطاه ه لهم آدم « :وأنا أزيدكم ال حول وال قوة إال ه
لم تكن المالئكة تعلم ذلك ،فلو أراد المفسر بالقصعة والقصيعة االسم اإللهي المتوجه على
الصغير والكبير ،فسبحه الصغير في تصغيره ،بما ال يسبحه به الكبير في تكبيره ،أصاب ،
وإنما قصد لفظة القصعة والقصيعة وال شرف في مثل هذا ،فإنه راجع إلى ما يصطلح عليه ،
إذ لها في كل لسان اسم مركب من حروف ال يشبه االسم اآلخر ،فليس المراد إال ما تقع به
ّللا
الفائدة ،التي يماثل بها قول المالئكة في فخرها على اإلنسان أنها مسبحة ومقدسة ،فأراها ه
تعالى شرف آدم من حيث دعواها ،وهو ما ذكرناه ليس غيره ،وما ثم في المخلوقات أشرف
من الملك ،ومع هذا فقد فضل عليه اإلنسان الكامل بعلم األسماء -الوجه الثاني -اعلم أن
االسم لما كان يدل على المسمى بحكم المطابقة فال يفهم منه غير مسماه ،كان عينه في صورة
ّللا أن يعرف بالمعرفة الحادثة لتكمل أخرى تسمى اسما ،فاالسم اسم له ولمسماه ،وأراد ه
مراتب المعرفة ،ويكمل الوجود بوجود المحدث وال يمكن أن يعرف الشيء إال نفسه أو مثله ،
ّللا للعلم به على صورة موجده حتى يكون كالمثل فال بد أن يكون الموجود الحادث الذي يوجده ه
له ،فإن اإلنسان الكامل حقيقة واحدة ،ولو كان بالشخص ما كان ،مما زاد على الواحد ،فهو
عين واحدة ،فلما نصبه في الوجود مثال ،تجارت إليه األسماء اإللهية بحكم المطابقة من حيث
ما هي األسماء ذات صور وحروف لفظية ورقمية ،كما أن اإلنسان ذو صورة جسمية .
فكانت هذه األسماء
بدعوى علم عام ،حتى يقال لهم هذا إال على الوجه الذي ذكرناه ،وأما من جعل قوله« ِإ ْن
ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِينَ »في قولهم( أ َ ت َ ْجعَ ُل فِيها َم ْن يُ ْف ِس ُد فِيها َويَ ْس ِفكُ ال هدِما َء )فال خفاء على ذي بصيرة
ما فيه من الخلل ،لوجود الفساد وسفك الدماء الذي وقع من بني آدم ،وإنما يمكن أن يكون
جوابهم
ص 110
ص 111 :
ّللا ،ولما كان المثل عن مثله اإللهية على هذا اإلنسان الكامل أشد مطابقة منها على المسمى ه
متميزا بأمر ال يتمكن أن يكون ذلك األمر إال له ،وال يكون لمثله كان األمر في األسماء التي
ّللا ،فعيهن ما اختص به المثل يتميز المثل عن مثله به وال يشاركه فيه من جانب الحق االسم ه
عن مثله ،وكان للمثل اآلخر االسم اإلنسان الكامل الخليفة مما اختص به هذا المثل الكوني ،
وأسماء الحق الباقية مركبة من روح وصورة ،فمن حيث صورتها تدل بحكم المطابقة على
ّللا ،ولنا حالة وله حالة ،اإلنسان ،ومن حيث روحها ومعناها تدل بحكم المطابقة على ه
واألسماء تتبع األحوال ،فاألمر بيننا وبينه على السواء ،مع الفرقان الموجود المحقق ،بأنه
ّللا آدم كل األسماء المتوجهة ّللا وأنا اإلنسان الخليفة ،فأعطى ه الخالق ونحن المخلوقون ،وهو ه
على إيجاد العالم ،وهي األسماء اإللهية التي يطلبها العالم بذاته ،وإن كان وجوده عنها فقال
ّللا خلق آدم على صورته » إذ كانت األسماء له وعنها وجد العالم صلهى ه
ّللا عليه وسلم « :إن ه
ّللا العالم إنسانا كبيرا ،وجعل آدم وبنيه مختصر هذا العالم ،فبعنايته األزلية بنا ،فأوجد ه
أعطانا الوجود على الصورة ،ولم يعطنا السورة التي هي منزلته ،فإن منزلته الربوبية ،
علَّ َم آ َد َم ْاألَسْما َء ُكلَّها »كما سبق أن أوضحنا أن العالم
ومنزلتنا المربوبية -الوجه الثالث َ «-و َ
كله تفصيل آدم ،وآدم هو الكتاب الجامع ،وما علمت المالئكة من آدم إال ظاهر نشأته ،
ّللا عليه من الصورة ،فلو علموا باطنه لرأوا المالئكة وجهلوا باطنه ،وهو حقيقة ما خلقه ه
جزءا من خلقه ،فجهلوا أسماءه اإللهية التي نالها بهذه الجمعية لما كشف له عنه فأبصر ذاته ،
فعلم مستنده في كل شيء ،ومن كل شيء ،وكل تقتضي اإلحاطة وهي األسماء التي لها تعلق
وتوجه على إيجاد العالم العنصري وغيره ،الذي هو آدم جامع لفطرته فهي األسماء اإللهية
التي وجدت عنها األكوان كلها ،ولها التأثير والخاصية ولم تعطها المالئكة ،فأعطاه علمها من
حيث ما هي عليه من الخواص التي يكون عنها االنفعاالت ،فيتصرف بها في العالم تصرفها ،
فإن لكل اسم خاصة في الفعل في الكون ،يعلمها من يعلم علم الحروف وترتيبها ،
على الفساد وسفك الدماء أن لو لم يقع من بني آدم شيء من ذلك ،ال مشروع وال غير مشروع
علَّ َم آ َد َم ْاألَسْما َء ُكلَّها )يعني أسماء
،فكان ما أردناه أظهر في الترجمة ،فأما قوله تعالى« َو َ
ض ُه ْم »يعني أعيان المسميات بتلك األسماء ،في حضرة من الحضرات األشياء «،ث ُ َّم َ
ع َر َ
الوجودية ،ولكن
ص 114
ص 112 :
من حيث ما هي مرقومة ،ومن حيث ما هي متلفظ بها ،ومن حيث ما هي متوهمة في الخيال
علَى ْال َمالئِ َك ِة »يعني :األسماء اإللهية التي توجهت على إيجاد حقائق األكوان ض ُه ْم َ «.ث ُ َّم َ
ع َر َ
،ومن جملتها األسماء اإللهية التي توجهت على المالئكة ،والمالئكة ال تعرفها ،ثم أقام
المسمين بهذه األسماء وهي التجليات اإللهية التي هي لألسماء كالمواد الصورية لألرواح«
ُالء »يعني الصور التي تجلى فيها الحق ، ْماء هؤ ِ فَقا َل »تعالى للمالئكة «:أ َ ْنبِئُونِي بِأَس ِ
ُالء »
واألسماء هنا :هي األسماء اإللهية التي توجهت على األشياء المشار إليها بقوله« هؤ ِ
فالهاء لإلشارة والتنبيه ،وال تقع اإلشارة إال على حاضر ،فنقول إنه عاين المسميات لكن على
صورة ما فأراد الحق باألسماء هنا األسماء اإللهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤالء في
ُالء
إيجادهم وأحكامهم ،والمسميات هي التي عرضها على المالئكة والمشار إليها بقوله« هؤ ِ
»أي هل سبحتموني بها ؟ وقدستموا لي ؟ فإنكم زعمتم أنكم تسبحون بحمدي وتقدسون لي ! إذ
كان اإلنباء باألسماء عين الثناء على المسمى ،والناس يأخذون هذه اآلية على أن األسماء هي
أسماء المشار إليهم من حيث داللتها عليهم ،كداللة زيد في علميته على شخص زيد ،وعمرو
على شخص عمرو ،وأي فخر في ذلك على الموصوفين بالعلم وهم المالئكة ،وما تفطن
ّللا تعالى ما توجهت على هؤالء المشار ِك »وقد فاتهم من أسماء ه الناس لقولهم «:نُ َ
س ِبه ُح ِب َح ْمد َ
ِك »هل إليهم ،ولذلك قال تعالى للمالئكة ِ «:إ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِينَ »في قولكم« نُ َ
س ِبه ُح ِب َح ْمد َ
سبحتموني بهذه األسماء التي تقتضيها هذه التجليات التي أتجالها لعبادي ؟ و« ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم
ِس لَ َك »ذواتنا عن الجهل بك ، ِس لَ َك »أي قدستموني بها أو« نُقَ هد ُ صا ِدقِينَ »في قولكم «َ :ونُقَ هد ُ
فهل قدستم ذواتكم لنا من جهلكم بهذه التجليات ،وما لها من األسماء التي ينبغي أن تسبحوني
ّللا
بها ؟ فكان ذلك توبيخا من الحق للمالئكة ،وتقريرا ،فإنهم زكوا نفوسهم ،وجرحوا خليفة ه
ّللا.
في أرضه ،ولم يكن ينبغي لهم ذلك .فقالت المالئكة ما ذكر ه
لم يتبين لنا أية حضرة كانت ،لكنه أخبر أنه وقعت اإلشارة عليهم للمالئكة ،فدل على وجود
أعيانهم للمالئكة ،وهل كانوا موجودين لهم من حيث أعيانهم ؟ لم يتعرض لتعريف ذلك في
هذه اآلية ،ولو قال عرضها لجاز يعني األسماء ،فيسألهم عن مدلوالتها من هم ؟ ولكن ما
ذكر إال
ص 112
ص 113 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 32
عله ْمتَنا ِإنهكَ أ َ ْنتَ ا ْلعَ ِلي ُم ا ْل َح ِكي ُم ( ) 32 س ْبحانَكَ ال ِع ْل َم لَنا ِإاله ما َ قالُوا ُ
علَّ ْمتَنا »فمن علمهم ه
باّلل أنهم ما سبْحان ََك ال ِع ْل َم لَنا ِإ َّال ما َ « قالُوا »أي قالت المالئكة ُ «:
ت ْالعَ ِلي ُم »بما ال يعلم « ْال َح ِكي ُم »بترتيب األشياء مراتبها ، أضافوا التعليم إال إليه تعالى« ِإنَّ َك أ َ ْن َ
فأعطيت هذا الخليفة ما لم تعطنا مما غاب عنا .واألسماء اإللهية منها ما كانت المالئكة تعلمه
،وما اختص آدم إال بالكل ،وما عرض من المسميات إال ما كانت المالئكة تجهله ،وما
صحت الخالفة للعبد اإلنسان الكامل إال بقبوله لجميع األسماء اإللهية التي بأيدينا ،وبها صحت
الخالفة ،وفضل على المالئكة ،فالخليفة إن لم يظهر فيمن هو خليفة عليه بأحكام من استخلفه
وصورته في التصرف فيه وإال فما هو خليفة له ،واستخالف الرب عبده خالفة مقيدة بحسب
ما تعطيه ذاته ونشأته ،بعكس استخالف العبد ربه لما اتخذه وكيال ،فهي خالفة مطلقة ووكالة
مفوضة .سورة البقرة ( : ) 2آية 33
ت
سماوا ِب ال ه سمائِ ِه ْم قا َل أ َ لَ ْم أَقُ ْل لَ ُك ْم إِ ِنهي أ َ ْعلَ ُم َ
غ ْي َ سمائِ ِه ْم فَلَ هما أ َ ْنبَأ َ ُه ْم بِأ َ ْ
قا َل يا آ َد ُم أ َ ْنبِئْ ُه ْم بِأ َ ْ
ون ) ( 33 ُون َوما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكت ُ ُم َ ض َوأ َ ْعلَ ُم ما ت ُ ْبد َ َو ْاأل َ ْر ِ
اعلم أن لألسماء أنوارا تظهر مسمياتها حقا وخلقا ،وهذه األنوار كانت آلدم عليه السالم
ُالء" ) " ( 33قالُوا " قالت أن المعروض هو المسميات ،بقوله تعالى« أ َ ْن ِبئُو ِني ِبأَس ِ
ْماء هؤ ِ
سبْحان ََك »أي أنت المنزه أن تتصف بجهل شيء من المعلومات بمثل ما اتصفنا« ال المالئكة« ُ
ت ْالعَ ِلي ُم »بكل شيء« ْال َح ِكي ُم »أي المرتب لألشياء على ما ينبغي ِع ْل َم لَنا ِإ َّال ما َ
علَّ ْمتَنا ِإنَّ َك أ َ ْن َ
لها أن تكون ،ومنها جعلك هذا اإلنسان خليفة في األرض ،ولوال قرائن األحوال لكان قولهم(
أ َ ت َ ْجعَ ُل فِيها َم ْن يُ ْف ِس ُد فِيها )استعالما من الحق عن ذلك ال على جهة اإلنكار واالعتراض ،
ّللا
ّللا ،وقد أرى ه
ولهذا عدلنا به إلى غلبة الغيرة عليهم ،بما علموه من مخالفتهم ألوامر ه
ّللا ،وأنزلهم يوم بدر مقاتلين فقاتلوا ،
ّللا ،والفساد في مرضاة ه المالئكة سفك الدماء في ذات ه
فوقع منهم ما ذكروه مما يقع من اإلنسان من سفك الدماء ،وفساد األعيان عن ترتيب ما كانت
ّللا في الواقع ألنهم أهل علم وكشف ،وغيهب ّللا تعالى ،فصدهقهم ه عليه بطريق مقرب إلى ه
ّللا ( «) 34قا َل عنهم كون ذلك يقع قربة إلى ه
ص 113
ص 114 :
حين علم جميع األسماء بالوضع اإللهي ال باالصطالح ،وفي ذلك تكون الفضيلة واالختصاص
وّلل أسماء أوجد بها جامع حقائق الحضرة ،فإن هّلل أسماء أوجد بها المالئكة وجميع العالم ،ه
اإللهية وهو اإلنسان الكامل ،ظهر ذلك بالنص في آدم ،وخفي في غيره فقال تعالى للمالئكة
في فضل آدم وفي فضل هذا المقام وقد أحضر المالئكة المسميات أعني أعيانهم «:أ َ ْن ِبئُو ِني
ُالء إِ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِينَ »أي باألسماء اإللهية التي صدروا عنها . ْماء هؤ ِ بِأَس ِ
ّللا «:يا آ َد ُم أ َ ْنبِئْ ُه ْم بِأَسْمائِ ِه ْم »أي بأسماء هؤالء الذين عرضناهم عليهم ، فلم يعلموا ذلك فقال ه
وهي األسماء اإللهية التي أوجدتهم واستندوا إليها في إيجاد أعيانهم ،ال أسماء االصطالح
الوضعي الكوني فإنه ال فائدة فيه ،فأنبأ آدم المالئكة بأسماء تلك التجليات فكان هؤالء
ّللا
المسمون المعروضة على المالئكة تجليات إلهية في صورة ما في آدم من الحقائق ،وجعل ه
تعالى آدم أستاذا للمالئكة فعلمهم األسماء كلها ،فلما علمهم آدم عليه السالم وهو قوله تعالى «:
ت »وهو ما سماوا ِ
ْب ال َّ ّللا« أ َ لَ ْم أَقُ ْل لَ ُك ْم إِ ِنهي أ َ ْعلَ ُم َ
غي َ فَلَ َّما أ َ ْنبَأ َ ُه ْم بِأَسْمائِ ِه ْم «» قا َل »أي قال لهم ه
ض »وهو ما في الطبيعة من األسرار« َوأ َ ْعلَ ُم ما ت ُ ْبدُونَ »أي ما عال من علم الغيوب« َو ْاأل َ ْر ِ
هو من األمور ظاهر« َوما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكت ُ ُمونَ »أي ما تخفونه على أنه باطن مستور .واعلم أنه مع
أنه ليس فوق مرتبة اإلنسان مرتبة إال مرتبة الملك في المخلوقات ،وقد تلمذت المالئكة له
حين علمهم األسماء ،فال يدل هذا على أنه خير من الملك ،ولكنه يدل على أنه أكمل نشأة من
الملك.
»ّللا للمالئكة« أ َ
يا آ َد ُم أ َ ْن ِبئْ ُه ْم » يقول أعلمهم « ِبأَسْما ِئ ِه ْم فَلَ َّما أ َ ْنبَأ َ ُه ْم »أعلمهم بأسمائهم« قا َل ه
ض »لكالم قد تقدم له سبحانه مع مالئكته لم يذكره ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ْب ال َّ لَ ْم أَقُ ْل لَ ُك ْم إِ ِنهي أ َ ْعلَ ُم َ
غي َ
لنا ،ثم قال« َوأ َ ْعلَ ُم ما ت ُ ْبدُونَ »يقول ما تظهرون « َوما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكت ُ ُمونَ »يقول ما هو
ص 114
ص 115 :
ما علمهم ،فآلدم هنا الم العلة والسبب أي من أجل آدم ،فالسجود هّلل من أجل آدم سجود شكر
ّللا من العلم به ،وبما خلقه في آدم عليه السالم ،فعلموا ما لم يكونوا يعلمون فأمر لما علمهم ه
ّللا سبحانه للمالئكة بالسجود لمعلمهم سجود أمر -كسجود الناس إلى الكعبة -وتشريف ،ال ه
باّلل فيكون في هذا العالم اإلنساني ثمرة السجود ،ال نفس السجود ،وإنما سجود عبادة ،نعوذ ه
هو التواضع والخضوع واإلقرار بالسبق والفخر والشرف والتقدم له ،كتواضع التلميذ لمعلمه
.فنال آدم عليه السالم التقدمة عليهم بكونه علمهم ،فهو أستاذهم في هذه المسألة ،وبعده فما
ّللا عليه وسلم ،فقال عن نفسه :إنه ظهرت هذه الحقيقة في أحد من البشر إال في محمد صلهى ه
أوتي جوامع الكلم ،وهو قوله تعالى في حق آدم عليه السالم« ْاألَسْما َء ُكلَّها »وكلها بمنزلة
ّللا عليها ،عند ذلك
الجوامع ،والكلم بمنزلة األسماء ،فنال التقدمة بها وبالصورة التي خلقه ه
ّللا في أرضه ،ال خليفة عن سلف ،ثم ما زال يتلقاها علمت المالئكة أن آدم عليه السالم خليفة ه
كامل عن كامل حتى انتهت إلى السيد األكبر المشهود له بالكمال محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم
ّللا عليه وسلم جوامع الكلم ،كما الذي عرف بنبوته وآدم بين الماء والطين ،وأوتي صلهى ه
ّللا األسماء التي علمها آدم ،فعلم علم األولين واآلخرين ، أوتي آدم جميع األسماء ،ثم علمه ه
س َجدُوا »ولم يزل حكم السجود فكان محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم أعظم خليفة وأكبر إمام «.فَ َ
فيهم آلدم وللكامل من أبنائه أبدا دائما ،فإن المأل األعلى عنده ازدحام لرؤية اإلنسان
مكتوم فيكم مما ال تعلمونه أنتم ،وما هو مكتوم عندكم بعضكم من بعض ،وهو قوله (يَ ْعلَ ُم
س َّر َوأ َ ْخفى )فالسر ما بين العبد والحق ،واألخفى ما يعلمه سبحانه من العبد وال يعلمه العبد ال ِ ه
من نفسه أنه يكون فيه ،ثم أعلم سبحانه نبيه فقال أيضا ( َ «) 35و ِإ ْذ قُ ْلنا ِل ْل َمالئِ َك ِة ا ْس ُجدُوا
ِآل َد َم »اآلية ،تقدم قبل هذا أن ضمير الجماعة في جانب الحق يعود على األسماء من جهة ما
تطلبه الحقائق في تلك القصة ،فقد أنعم على آدم بأشياء متعددة ،بإيجاد عينه ،وبما علهمه من
العلم ،مع أنه ال يقوى في تصفية نشأته تصفية المالئكة ،فإنهم مخلوقون من نور ،وآدم
مخلوق من حمأ مسنون ومن صلصال ،ثم نفخ فيه روحا ملكيا في مثل هذه النشأة الترابية ،
وخلقها بيديه ،وهذه كلها أسباب أسماء مختلفة النسب ،فكل اسم له نسبة أثر في آدم ،له أن
يقول أنا ،فإذا اجتمعت األسماء صدق القائل أن يقول« قُ ْلنا »فقال« َو ِإ ْذ قُ ْلنا ِل ْل َمالئِ َك ِة ا ْس ُجدُوا
ِآل َد َم »فأحدث لهم حرمة بالسجود هّلل سبحانه من أجل خلق آدم ،وما أنعم به عليه ،حيث أبدى
لهم في وجوده من العلم
ص 115
ص 116 :
ّللا ،ناظرين إلى مكان هذا الخليفة حتى يكون
الخليفة ،وأمروا بالسجود فطأطئوا عن أمر ه
ّللا عليه وسلم :أطت السماء بعمارها ّللا أمرهم بالسجود له ،فقال صلهى ه
السجود له ،ألن ه
وحق لها أن تئط ،ما فيها موضع شبر إال وفيه ملك ساجد هّلل ،واستصحاب سجود المالئكة
ّللا له العالمينكيف
لإلمام دنيا وآخرة ونقول في المالئكة :قدهسهمو أن يجهلوا حق من * قد سخر ه
لهم وعلمهم أنني * ابن الذي قد خروا له ساجدينواعترفوا بعد اعتراض علي * والدنا بكونهم
جاهلينوأبلس الشخص الذي قد أبى * وكان للفضل من الجاحدينقدهسهمو قدهسهمو أنهم * قد
عصموا من خطأ المخطئين.
باألسماء ما لم يكونوا يعلمون ،والسجود هّلل ،وجرت العادة في الملوك إذا أنعموا على شخص
بحضور خاصته ،أن يخدموه بما جرت العادة أن يخدموه به ،وال سيما إذا عاد عليهم من ذلك
الشخص منفعة من جانب الملك لهم بسببه ،فتكون تلك الخدمة من أجل ذلك الشخص للملك«
يس أَبى َوا ْست َ ْكبَ َر »وأبى إبليس واستكبر حسدا وظلما وعلوا للجنسية ،فإنه رأى
س َجدُوا ِإ َّال ِإ ْب ِل َ
فَ َ
نفسه مخلوقا مثله من الطبائع األربع ،ورأى أن العنصر الذي غلب عليه أشرف من العنصر
الذي غلب على نشأة اإلنسان ،فهذا استكباره ،وأما إبايته فقد نبهنا أن النارية تقتضي له ذلك ،
ويكون االستثناء متصال بوجه ،ومنقطعا بوجه ،فمن راعى نشأته وجنسه ،قال :إنه استثناء
منقطع ،ومن رأى أنه في المالئكة كالمستهلك فيهم لكثرتهم ،واتصاله بهم في جماعتهم في
عباداتهم
ص 116
ص 117 :
ّللا من المأمورين بالسجود« أَبى يس »إال من أبعده ه الرسالة ،فكأنه تعالى يقول ِ «:إ َّال ِإ ْب ِل َ
ين » *ثم قال تعالى َ «:وكانَ ِمنَ َوا ْست َ ْكبَ َر »وقال «:أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ َخلَ ْقتَنِي ِم ْن ٍ
نار َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ
ْالكافِ ِرينَ »فطمع إبليس في الرحمة التي وسعت كل شيء ،وطمعه فيها من عين المنة
ّللا كافرا فقال «َ :وكانَ ِمنَ ْالكا ِف ِرينَ »ولم يقل إلطالقها ،ألنه علم في نفسه أنه موحد ،وسماه ه
ّللا واحد ،وقد علم مآل الموحدين إلى أين ّللا رب العالمين ويعلم أن ه من المشركين ألنه يخاف ه
يصير ،سواء كان توحيدا عن إيمان أو عن نظر من غير إيمان ،وعلم أن جهنم ال تقبل خلود
ّللا كافرا ألنه يستر عن العباد طرق سعادتهم التي جاء بها الشرع في أهل التوحيد وإنما سماه ه
حق كل إنسان .
ومشاركته لهم فيها ،جعله استثناء متصال ،ودل على أنه كان مأمورا بالسجود قوله تعالى«
أَبى »وال يقع االمتناع إال بعد توجه تكليف ،وقد يجوز أن يكون السجود سجود تحية ،كسجود
أبوي يوسف وإخوته له ،واألول أوجه ،يعضد ما قلناه الحديث الصحيح ،قال عليه السالم :
لو أذن ألحد أن يسجد ألحد ،ألذنت للمرأة أن تسجد لزوجها ،وأما سجود التحية فغير منكور
فيمن تقدم ،وهو من فعل األعاجم ،وهو هذا االنحناء الذي يكون منهم عند التقاء بعضهم
ّللا أو محرما هو أمر مشروع ليس لذاته بخالف العبودية بعضا ،وكون السجود مكروها لغير ه
ّللا حقيقة« َوكانَ ِمنَ ْالكافِ ِرينَ »هنا أي من الفاسقين فإنه ممتنع بذاته أن يكون عبدا لغير ه
ع ْن أ َ ْم ِر َر ِبه ِه )فسماه كافرا ،ثم قال (سقَ َ ّللا بدليل قوله( كانَ ِمنَ ْال ِج ِهن فَفَ َ
الخارجين عن أمر ه
ت َوزَ ْو ُج َك »يعني حواء ْ «،ال َجنَّةَ َ «) 36وقُ ْلنا يا آ َد ُم ا ْس ُك ْن »اآلية ،قال يا آدم اسكن« أ َ ْن َ
»أي اتخذها مسكنا
ص 117
ص 118 :
بحرف اإلشارة تعيين لشجرة معينة ،فتقدم األمر آلدم عليه السالم بسكنى الجنة واألكل منها
حيث شاء ،ثم نهاه عن قرب شجرة مشار إليها أن يقربها ،فوقع التحجير والنهي في قوله
حيث شئتما ال في األكل ،فما حجر عليه األكل وإنما حجر عليه القرب منها الذي كان أطلقه
في حيث شئتما ،فما أكال منها حتى قربا ،فتناوال منها ،فأخذا بالقرب ،ال باألكل ،فالتكليف
مقسم بين :أمر ونهي ،وهما محموالن على الوجوب حتى تخرجهما عن مقام الوجوب قرينة
حال -وإن كان مذهبنا فيهما التوقيف -فتعين امتثال األمر والنهي فإن قلت :كيف اقتحم النهي
على المعصية ؟ قلنا :لظهور هذه الحكمة ،وهي الخالفة في األرض وتمييز القبضتين ،لذلك
لم يكن النجم ،وكان الشجر ،لوجود الخالف الذي ظهر ،فالشجر من التشاجر والخالف.
ومنزال ،وعطف زوجك على أنت ،وإنما تعريف الجنة باأللف والالم فيمكن أن يريد جميع
الجنات ،ويمكن أن يكون جنة معينة ،وعلى أي وجه كانت فهو يتبوأ منها حيث يشاء ،أي
ْث ِشئْتُما »وحيث شئتما معمول السكن ،يقول : يسكن منها حيث شاء َ «،و ُكال ِم ْنها َرغَدا ا َحي ُ
اسكن أنت وزوجك الجنة حيث شئتما منها ،وكال رغدا أي اتسعا في عيشكما ،ألن الرغد هو
االتساع في العيش ،وهذا أوجه من أن يكون العامل في الظرف« ُكال »ومنها قد يكون متعلقا
بكال ،وقد يكون بقوله اسكن ،وأما في األعراف فقد بيهن هنالك أن قوله فكال هو العامل في
ْث ِشئْتُما )والجمع بين اآليتين إن كانت القصة واحدة ،أن المعنى اسكن من الجنة قوله( ِم ْن َحي ُ
حيث شئت ،وكال من حيث شئتما من ثمرها ،وهو معنى قوله في الزمر( نَتَبَ َّوأ ُ ِمنَ ْال َجنَّ ِة
ش َج َرة َ »عيهنتها اإلشارة ،واألظهر تعيين ْث نَشا ُء )فرفع التحجير ،ثم قال« َوال ت َ ْق َربا ه ِذ ِه ال َّ َحي ُ
ّللا تعالى أية شجرة هي ،وال ص هح عن واحدة من الجنس ،ودون هذا تعيين الجنس ،وما ذكر ه
ّللا عليه وسلم ،ومثل هذا ال يدرك باالجتهاد ،لكني أشير إلى اللفظ بهذا االسم ، النبي صلهى ه
وذلك أن الشجرة مشتقة من التشاجر ،لتداخل أغصانها بعضها على بعض ،كالمتشاجرين
يدخل كالم بعضهم في كالم بعضهم بالمخالفة والمنازعة ،وربما أنه ما في الجنة شجرة على
هذه الصفة إال هذه ،وسائر شجر الجنة ال تدخل أغصانها بعضها على بعض ،ولذلك ما ذكر
ّللا تعالى في القرآن إال ثمرات الجنة ،فإنه جعلها منزل موافقة ،فقد يكون أغصانها تخرج ه
ص ِل ا ْل َج ِح ِيم
ش َج َرة ٌ ت َ ْخ ُر ُج فِي أ َ ْ
على االعتدال واالستقامة ،وذكر ذلك في النار فقال ( ِإنَّها َ
ص ُم أ َ ْه ِل ش َج َرة َ ْال َم ْلعُونَةَ )فإن جهنم دار نزاع وتشاجر ،قال تعالى( ِإ َّن ذ ِل َك لَ َح ٌّق تَخا ُ )وقال( َوال َّ
ار )فوصفهم بالمخاصمة وهي المشاجرة ،ومنها ( قالت أوالهم النَّ ِ
ص 118
ص 119 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 36
عد ٌُّو َولَ ُك ْم فِي
ض َ ع ْنها فَأ َ ْخ َر َج ُهما ِم هما كانا فِي ِه َوقُ ْلنَا ا ْه ِب ُ
طوا بَ ْع ُ
ض ُك ْم ِلبَ ْع ٍ ش ْي ُ
طان َ فَأ َ َزله ُه َما ال ه
ين ) ( 36 ع ِإلى ِح ٍ ستَقَ ٌّر َو َمتا ٌض ُم ْ ْاأل َ ْر ِ
ّللا جعله في الشاهد أضيف الزلل إلى الشيطان ،وقد علم أنه ليس له على ذلك سلطان ،ألن ه
صفة نقص ،ودليل خسران ،تنزه الجناب العالي أن يضاف إليه ،أو إلى من شهد له بالكمال
ّللا بين إبليس وآدم وحواء من ضمير واحد ،وهو كان أشد ّللا عليهم .شرك ه كاألنبياء صلوات ه
طوا »بضمير الجماعة فكانت العقوبة في حق آدم في جمعه العقوبة على آدم ،فقيل لهم «:ا ْهبِ ُ
مع إبليس من الضمير ،حيث خاطبهم الحق بالهبوط ،بالكالم الذي يليق بجالله ،ولكن ال بد
أن يكون في الكالم الصفة التي يقتضيها لفظ الضمير ،فإن صورة اللفظ يطلب المعنى الخاص
،ولم يكن الهبوط عقوبة آلدم وحواء ،وإنما كان عقوبة إلبليس ،فإن آدم أهبط لصدق الوعد ،
بأن يجعل في األرض خليفة ،بعد ما تاب عليه واجتباه ،وتلقي الكلمات من ربه تصديقا لما
ض َخ ِليفَةا » ،وأهبطت حواء للنسل ،وأهبط إبليس قاله تعالى للمالئكة «:إِ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
لإلغواء ،ليحور عليه جميع ما يغوي به بني آدم.
ص 120 :
ّللا تعالى إلبراهيم الخليل عليه السالم ،
وصية -قال ه
ع ْنها »يعود
الشرور ،وكانت الشجرة المنهي قربها كان ذلك سببا لوسوسة إبليس ،فضمير« َ
ّللا ،كما سيأتي ( أن حب الخير ) على الشجرة ،أي عنها صدرت الوسوسة من إبليس لعنه ه
لسليمان عن ذكر ربه ،أي صدر ذلك الحب من سليمان عن ذكر ربه ،ولذلك مسح بسوقها
وأعناقها فرحا بها ،وسيأتي ذلك في سورة ص ،فقوله تعالى« فَأَزَ لَّ ُه َما »أي ذهب بهما ،
وأزالهما انتزعهما ،والمعنى متقارب «فَأ َ ْخ َر َج ُهما »يعني حواء وآدم« ِم َّما كانا فِي ِه »من النعيم
عد ٌُّو »الضمير يعود على آدم ض َ ض ُك ْم ِلبَ ْع ٍ
طوا بَ ْع ُ والكرامة لسعادتهما وشقاوته« َوقُ ْلنَا ا ْه ِب ُ
وحواء وإبليس ،وجمع بينهم في ضمير واحد الشتراكهم في المخالفة ،فإن إبليس خالف األمر
،وآدم وحواء خالفا النهي ،وقد انحصر التكليف الذي يوجب الوعد والوعيد فعله أو تركه
بينهما ،واشتركوا في الهبوط ،غير أن آدم هبط إلى األرض للخالفة كما تقدم ال عقوبة ،فإن
المؤاخذة وقعت بظهور السوآت لهما ،وهبطت حواء ألنها محل الوالدة للتناسل ،وأهبط
إبليس عقوبة ،ألنه ال يعود إليها وأن مصيره إلى دار الشقاء ،وإن اشتركوا في الهبوط ولكن
المقاصد مختلفة ،وقوله( َج ِميعا ا )تأكيد ،لم يتأخر بعضهم عن بعض ،ولم نستوف تمام القصة
ّللا تعالى ما استوفاها هنا ،ويقع االستيفاء لها بالوقوف على تكرار ذكرها في كل هنا ألن ه
عد ٌُّو »أي يعدو بعضكم على بعض ،فيعدو ض َ ض ُك ْم ِلبَ ْع ٍ
ّللا تعالى ،وقوله« بَ ْع ُ سورة إن شاء ه
ّللا ونواهيه ،ويعدو بنو آدم على الشيطان بأن الشيطان على بني آدم بتزيين مخالفة أوامر ه
ّللا ( ويجتنبون ) نواهيه ،فيغيظه يردوا وسوسته في نحره وكالمه في وجهه ويمتثلون أمر ه
ذلك ،فهذه عداوة بني آدم إلبليس ،وأما الذين يسمعون منه فهم أولياؤه وأحباؤه ورفقاؤه في
النار ،فالمؤمنون كلهم أعداؤه ،وما عدا المؤمنين كلهم أولياؤه ،فالمخالفات الصادرة من
ّللا قال( ال
ّللا بها ،فإن ه المؤمنين غير مؤثرة في إيمانهم ،ألنهم ليسوا على يقين من مؤاخذة ه
وب َج ِميعا ا )ولو دخل المؤمن النار في اآلخرة فكما ّللا يَ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ ت َ ْقنَ ُ
طوا ِم ْن َر ْح َم ِة َّ ِ
ّللا إِ َّن َّ َ
يمرض في الدنيا ويتألم حسا ومعنى ،ومقره ومآله السعادة األبدية في النعيم الدائم ،وليس
باّلل ،وكل ما
مقصود إبليس هذه المخالفات الواقعة من المؤمنين ،وإنما مقصوده اإلشراك ه
يؤديهم
ص120
ص 121 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 37
الر ِحي ُم ) ( 37 اب ه علَ ْي ِه ِإنههُ ُه َو الت ه هو ُ تاب َت فَ َ فَتَلَقهى آ َد ُم ِم ْن َر ِبه ِه َك ِلما ٍ
سنا َو ِإ ْن لَ ْم ت َ ْغ ِف ْر لَنا َوت َ ْر َح ْمنا لَنَ ُكون ََّن ِمنَ ْالخا ِس ِرينَ »«ظلَ ْمنا أ َ ْنفُ َ
وهذه الكلمات هي قوله« َربَّنا َ
ّللا الكل ،فله النعيم في أي دار كان منهم ما كان ،بعد علَ ْي ِه »بكله وذريته فيه فأسعد ه فَ َ
تاب َ
الر ِحي ُم »إذا اتفق أن يؤاخذ التائب فما اب َّ عقوبة وآالم ،تقوم بهم دنيا وآخرة« إِنَّهُ ُه َو الت َّ َّو ُ
ّللا
يأخذه إال الحكيم ال غير من األسماء ،فإذا لم يؤاخذ فإنما يكون الحكم فيه للرحيم ،فإن ه
تواب رحيم بطائفة وتواب حكيم بطائفة ،فوصف الحق نفسه بأنه التواب الرحيم ،أي الذي
ّللا عليه
يرجع على عباده في كل مخالفة بالرحمة له ،فيرزقه الندم عليها ،فيتوب العبد بتوبة ه
علَ ْي ِه ْم ِليَتُوبُوا» . لقوله« ث ُ َّم َ
تاب َ
إشارة -تاب الحق على آدم بتلقيه الكلمات العلية ،ألنه تلقاها من حضرة الربوبية ،حضرة
اإلصالح.
إلى الخلود معه في الشقاء في دار البوار ،فأهل النار الذين هم أهلها هم أولياء الشيطان ،
س فِي ْواس ْال َخنَّ ِ
اس الَّذِي يُ َو ْس ِو ُ ّللا شياطين اإلنس والجن ،وقال( ِم ْن ش ِ هَر ْال َوس ِ ولهذا سماهم ه
ض ُم ْستَقَ ٌّر »يقول إقامة اس )وقوله تعالى« َولَ ُك ْم فِي ْاأل َ ْر ِ اس ِمنَ ْال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ ُور النَّ ِ
صد ِ ُ
ع »يقول : وقرار« َو َمتا ٌ
ين »يقول :إلى حلول استمتاع ،وهو كل ما يستمتع به من أكل وشرب ولباس ونعيم« إِلى ِح ٍ
آجالكم ،يقول :مدة أعماركم ،فإن القبر أول منزل من منازل اآلخرة ،ثم قال ( «) 38
ت »اآلية ،قرئ برفع آدم ونصب كلمات وبالعكس ،أي من تلقاك فقد فَتَلَقَّى آ َد ُم ِم ْن َر ِبه ِه َك ِلما ٍ
تلقيته ،فإن المالقاة فعل فاعلين ،واألولى بمنصب آدم أن تكون الكلمات تستقبله لوجهين ،
ّللا به حيث أعطاه ما أداه استعماله إلى إعادة السعادة إليه ، الوجه الواحد التعريف بعناية ه
والوجه الثاني التعليم ،ألنه ليس له أن يدعوه بنية التقريب والقربة إال بوحي منزل عليه ،فإذا
ّللا ،ويحتمل عدم ذكر واسطة رفعت آدم فمن حيث أنه استقبل الكلمات حين استقبلته من عند ه
ّللا بها منه إليه بال واسطة ،تشريفا له وتعريفا بالحال ،أن الوصلة الملك أنه سبحانه أوحى ه
بيني وبينك ما انقطعت بمخالفتك نهيي ،واألظهر في ماهية الكلمات أنها المذكورة في سورة
سنا َو ِإ ْن لَ ْم ت َ ْغ ِف ْر لَنا َوت َ ْر َح ْمنا ،لَنَ ُكون ََّن ِمنَ ْالخا ِس ِرينَ )فلما قال آدم ظلَ ْمنا أ َ ْنفُ َ
األعراف( َربَّنا َ
علَ ْي ِه »أي رجع عليه بالسعادة الكلمات التي تلقاها من ربه أخبره تعالى أنه تاب عليه« فَ َ
تاب َ
الر ِحي ُم »الر هجاع بالرحمة على اب َّ بأن مآله بعد موته إلى الجنة في جوار الرحمن« إِنَّهُ ُه َو الت َّ َّو ُ
عباده ،وهو الذي يكثر منه الرجوع في
ص 121
ص 122 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 38
علَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم داي فَل َخ ْو ٌ
ف َ دى فَ َم ْن ت َ ِب َع ُه َ طوا ِم ْنها َج ِميعا ً فَ ِإ هما يَأْتِيَنه ُك ْم ِم ِنهي ُه ً قُ ْلنَا ا ْه ِب ُ
ون ) ( 38 يَحْ َزنُ َ
طوا »فجمع ولم يثن وال أفرد ،فأهبط آدم وحواء وإبليس ،فنزل آدم من قال تعالى «:ا ْه ِب ُ
ّللا للخالفة ،لقوله تعالى «: الجنة إلى أصله الذي خلق منه ،فإنه مخلوق من التراب ،فأهبطه ه
ض َخ ِليفَةا »فما أهبط عقوبة لما وقع منه ،وإنما جاء الهبوط عقيب ما وقع إِ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
منه ،ألنه لما كانت نشأة اإلنسان ظهرت في الجنان أوال اتفق هبوطها إلى األرض من أجل
الخالفة ال عقوبة المعصية ،فإن العقوبة حصلت بظهور السوآت ،واالجتباء والتوبة قد حصال
بتلقي الكلمات اإللهية ،فلم يبق النزول إال للخالفة ،فكان هبوط تشريف وتكريم ،ليرجع إلى
اآلخرة بالجم الغفير من أوالده السعداء ،من الرسل واألنبياء ،واألولياء والمؤمنين ،فكان
هبوط آدم هبوط والية واستخالف ،ال هبوط طرد ،فهو هبوط مكان ،ال هبوط رتبة ،وأهبط
الحق تعالى حواء للتناسل ،وأهبط إبليس عقوبة ال رجوعا إلى أصله ،فإنها ليست داره وال
ّللا بما يكرهه من إنزاله إلى ّللا اإلغواء أن يدوم له في ذرية آدم ،لما عاقبه ه خلق منها ،فسأل ه
األرض ،وكان سبب ذلك في األصل وجود آدم ،ألنه بوجوده وقع األمر بالسجود ،وظهر ما
فداي فَال خ َْو ٌ ظهر من إبليس ،وكان من األمر ما كان «.فَإِ َّما يَأْتِيَنَّ ُك ْم ِم ِنهي ُهد ا
ى فَ َم ْن ت َ ِب َع ُه َ
علَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحزَ نُونَ »من قامت قيامته في حياته الدنيا ،واستعجل حسابه ،يأتي يوم القيامة َ
آمنا ال خوف عليه وال يحزن ،ال في الحال
مقابلة كل مخالفة تقع من العبد ،ألن كل مخالفة خروج ،فإذا عاد باالستغفار وطلب الرحمة
ّللا عند كل ذنب ،عاد الحق إليه بالرحمة والمغفرة ،فلذلك جاء ببنية المبالغة في التواب ، من ه
ى »اآلية ،كرر ذكر الهبوط ،ألنه طوا ِم ْنها َج ِميعا ا فَإِ َّما يَأ ْ ِتيَنَّ ُك ْم ِم ِنهي ُهد ا
( ) 39قوله« قُ ْلنَا ا ْه ِب ُ
فصل بين الهبوط المذكور أوال وبين ما أهبط له من إتيان الهدى بالكالم الذي قد تقدم من
العداوة واالستقرار والتمتع ،فطالت القصة وبعد الذي أهبط له منه ،فكرر الهبوط ،وليدل
أيضا على الفصاحة واإلعجاز حيث زاد الكالم تكراره جماال وبالغا ،تعرف ذلك فصحاء
ى »هذا شرط ،وجوابه الشرط الثاني األعراب ال نحن ،فقال تعالى «فَإِ َّما يَأْتِيَنَّ ُك ْم ِم ِنهي ُهد ا
وجوابه وهو قوله
ص 122
ص 123 :
وال في المستقبل ،ولهذا أتى سبحانه بفعل الحال في قوله َ «:وال ُه ْم يَ ْحزَ نُونَ »فإن هذا الفعل
يرفع الحزن في الحال واالستقبال ،بخالف الفعل الماضي والمخلص لالستقبال بالسين أو
سوف
ص 124 :
" َوأ َ ْوفُوا بِعَ ْهدِي »أوفوا بما عاهدتكم عليه في الدنيا في موطن التكليف «أ ُ ِ
وف بِعَ ْه ِد ُك ْم »في
ّللا أوجبه
الدارين معا ،دنيا وآخرة وأدخلكم الجنة ،وهو حق عرضي ال ذاتي ،ألنه حق على ه
ّللا عهد ،إن شاء عذبه وإن شاء أدخله على نفسه لمن وفي بعهده ،ومن لم يف فليس له عند ه
الجنة ،وأدخلنا تحت العهد إعالما بأنا جحدنا عبوديتنا له ،إذ لو كنا عبيدا
ص 125 :
لم يكتب علينا عهده ،فإنا بحكم السيد ،فلما أبقنا بخروجنا عن حقيقتنا وادعينا الملك
والتصرف ،واألخذ والعطاء ،كتب بيننا وبينه عقودا ،وأخذ علينا العهد والميثاق ،وأدخل
نفسه معنا في ذلك ،والعبد ال يكتب عليه شيء وال يجب له حق ،فإنه ما يتصرف إال عن إذن
سيده ،فإذا وفي العبد حقيقة عبوديته ،لم يؤخذ عليه عهد وال ميثاق ،فمن أصعب آية تمر
على العارفين كل آية فيها« أ َ ْوفُوا بِ ْالعُقُو ِد »أو العهود فإنها آيات أخرجت العبيد من عبوديتهم
هّلل .فإن قلت :كيف كلف الحق نفسه وقيدها ،مع أنه مطلق ،والمطلق ،ال يقبل التقييد بوجه
من الوجوه ؟ قلنا :إن للمطلق أن يقيد نفسه إن شاء ،وأن ال يقيدها إن شاء ،فإن ذلك من
صفة كونه مطلقا إطالق مشيئة ،ومن هنا أوجب الحق على نفسه ،ودخل تحت العهد لعبده
الر ْح َمةَ »أي أوجب فهو الموجب على نفسه ،ما على نَ ْف ِس ِه َّ
ب َربُّ ُك ْم َفقال في الوجوب «َ :كت َ َ
أوجب غيره عليه ذلك فيكون مقيدا بغيره ،فقيد نفسه لعبيده رحمة بهم ولطفا خفيا ،وقال في
وف بِعَ ْه ِد ُك ْم »فكلفهم ،وكلف نفسه ،لما قام الدليل عندهم بصدقه في العهد «:أ َ ْوفُوا بِعَ ْهدِي أ ُ ِ
قيله ،ذكر لهم ذلك تأنيسا لهم سبحانه وتعالى ،ولكن هذا كله أعني دخوله في التقييد لعباده من
كونه إلها ،ال من كونه ذاتا ،فإن الذات غنية عن العالمين ،والملك ما هو غني عن الملك ،إذ
لوال الملك ما صح اسم الملك ،فالمرتبة أعطت التقييد ،ال ذات الحق جل وتعالى -تنبيه -
احذر أن تفي ليفي إليك ،أوف أنت بعهدك واتركه يفعل ما يريد ،فإنه من وفي بعهده ليفي له
ّللا عهدا أن
الحق بعهده ،لم يزده على ميزانه شيئا ،حيث ورد في الحديث « كان له عند ه
يدخله الجنة » لم يقل غير ذلك ،وقد قال تعالى َ «:و َم ْن أ َ ْوفى بِما عا َه َد َ
علَ ْيهُ َّ َ
ّللا »ولم يطلب
ع ِظيما ا »وما عظمه سيُؤْ تِي ِه أ َ ْجرا ا َ
الموازنة وال ذكرها هنا أنه ليفي له بعهده ،وإنما قال «:فَ َ
الحق فال أعظم منه ،فاعمل
ص 126 :
على وفائك بعهدك من غير مزيد ،فإن من طلب من الحق الوفاء ،فقد ناط به الجفا ،وليس
برب جاف بال خالف
ص 127 :
التزمه فالتزم ،لما علهم آدم األسماء علم وتبرز في صدر الخالفة وتقدم ،العلم باألسماء كان
العالمة ،على حصول اإلمامة :العلم يحكم واألقدار جارية * وكل شيء له حد ومقدارإال
العلوم التي ال حد يحصرها * لكن لها في قلوب الخلق آثارفحدها ما لها في القلب من أثر *
وعينها فيه أنجاد وأغوار.
ص 128 :
الربو والزيادة ،ولذلك تعطي قليال وتجدها كثيرا ،والزكاة طهارة لألموال من حيث إضافة
المال إلى العبيد ،وطهارة ألربابها من صفة البخل .
] ( * ) [ . . .ساقطة من األصل.
ص 128
ص 129 :
ّللا أن يأمر أحدا ببر وينسى نفسه منه ،بل يبتدئ بنفسه ،فقد قال له ربه على لسان الحياء من ه
ّللا ألحد أن ّللا عليه وسلم :ابدأ بنفسك ،وشرع له ذلك حتى في الدعاء إذا دعا ه رسوله صلهى ه
يبدأ بنفسه ،فإن جميع الخيرات صدقة على النفوس ،أي خير كان حسا ومعنى ،فينبغي
للمؤمن أن يتصرف في ذلك بشرع ربه ال بهواه ،فإنه عبد مأمور تحت أمر سيده ،فإن تعدى
شرع ربه في ذلك لم يبق له تصرف إال هوى نفسه ،فسقط عن تلك الدرجة العلية إلى ما هو
دونها عند العامة من المؤمنين ،وأما عند األكابر العارفين فهو عاص ،فإذا خرج اإلنسان
بصدقته فأول محتاج يلقاه نفسه ،قبل كل نفس محتاجة ،وهو إنما أخرج الصدقة للمحتاجين ،
ّللا قال :ابدأ بنفسك وهو أول من يلقاه من أهل فإن تعدى أول محتاج فذلك لهواه ال هّلل ،فإن ه
الحاجة ،وقد شرع له في اإلحسان أي يبدأ بالجار األقرب فاألقرب ،فإن رجح األبعد في
الجيران على األقرب مع التساوي في الحاجة فقد اتبع هواه ،وما وقف عند حد ربه ،وهذا
ّللا تعالى ،فأمر العبد بالصفة التي تحضره سار في جميع أفعال البر ،وسبب ذلك الغفلة عن ه
ّللا لمن أمر غيره ّللا وهي الصالة ،فهي مناجاة العبد لربه ،وتشير هذه اآلية إلى توبيخ ه مع ه
بإقامة الصالة ،وإتمام نشأتها ونسي نفسه ،وجعله إياه بمنزلة من ال عقل له .والبر من جملة
ّللا عليه وسلم يقول :أقرت الصالة بالبر والسكينة« َوأ َ ْنت ُ ْم ّللا صلهى ه
أحوال الصالة فإن رسول ه
ّللا أ َ ْن تَقُولُوا ما ال ت َ ْفعَلُونَ »وهذه حالة تَتْلُونَ ْال ِك َ
تاب »فإنكم تجدون فيه قوله« َكبُ َر َم ْقتا ا ِع ْن َد َّ ِ
ّللا يأمر غيره بالطاعات وهو على من أمر بالبر غيره ونسي نفسه ،فالغافل القليل الحياء من ه
الفجور ،وينسى نفسه فال يأمرها بذلك« أ َ فَال ت َ ْع ِقلُونَ »يقول :
أما لكم عقول تنظرون بها قبيح ما أنتم عليه ؟ فإذا قلت خيرا ،أو دللت على خير ،فكن أنت
أول عامل به ،والمخاطب بذلك الخير ،وانصح نفسك فإنها آكد عليك ،فإن نظر الخلق إلى
ّللا
فعل الشخص أكثر من نظرهم إلى قوله ،واالهتداء بفعله أعظم من االهتداء بقوله ،فإن ه
س ْونَ أ َ ْنفُ َ
س ُك ْم تعالى يقول في نقصان عقل من هذه صفته «:أ َ تَأ ْ ُم ُرونَ النَّ َ
اس ِب ْال ِب ِ هر َوت َ ْن َ
ص 130 :
َوأ َ ْنت ُ ْم تَتْلُونَ ْال ِك َ
تاب أ َ فَال ت َ ْع ِقلُونَ »فإذا تال اإلنسان القرآن وال يرعوي إلى شيء منه ،فإنه من
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فإن الرجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ، شرار الناس بشهادة رسول ه
ّللا علَى َّ
الظا ِل ِمينَ »وهو يظلم فيلعن نفسه ،ويقرأ « لعنة ه ويلعن نفسه فيه ،يقرأ «أَال لَ ْعنَةُ َّ ِ
ّللا َ
على الكاذبين » وهو يكذب فيلعنه القرآن ،ويلعن نفسه في تالوته ،ويمر باآلية فيها ذم الصفة
وهو موصوف بها فال ينتهي عنها ،ويمر باآلية فيها حمد الصفة فال يعمل بها وال يتصف بها
ّللا عليه وسلم في الثابت عنه « :القرآن حجة لك ،فيكون القرآن حجة عليه ال له ،قال صلهى ه
أو عليك ،كل الناس يغدو فبائع نفسه ،فمعتقها أو موبقها » .
ص 131 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 46
ون أَنه ُه ْم ُملقُوا َر ِبه ِه ْم َوأَنه ُه ْم ِإلَ ْي ِه ِ
راجعُ َ
ون ) ( 46 ِين يَ ُ
ظنُّ َ الهذ َ
ّللا ما يوجد إال عند ظن العبد به فليظن به خيرا . فظن خيرا تلقه ،فإن ه
ص 132 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 49إلى 52
ون نِسا َء ُك ْم َوفِي ستَحْ يُ َ ون أ َ ْبنا َء ُك ْم َويَ ْ
ب يُذَ ِبه ُح َ سو َء ا ْلعَذا ِ سو ُمونَ ُك ْم ُ َو ِإ ْذ نَ هج ْينا ُك ْم ِم ْن آ ِل فِ ْرع َْو َن يَ ُ
ذ ِل ُك ْم بَل ٌء ِم ْن َر ِبه ُك ْم ع َِظي ٌم ( َ ) 49و ِإ ْذ فَ َر ْقنا ِب ُك ُم ا ْلبَحْ َر فَأ َ ْن َج ْينا ُك ْم َوأ َ ْغ َر ْقنا آ َل فِ ْرع َْو َن َوأ َ ْنت ُ ْم
ون ( ين لَ ْيلَةً ث ُ هم ات ه َخ ْذت ُ ُم ا ْلعِجْ َل ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأ َ ْنت ُ ْم ظا ِل ُم َ
عدْنا ُموسى أ َ ْربَ ِع َ ون ( َ ) 50و ِإ ْذ وا َ ظ ُر َ ت َ ْن ُ
ون ) ( 52 شك ُُر َ ع ْن ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِلكَ لَعَله ُك ْم ت َ ْ ) 51ث ُ هم َ
عفَ ْونا َ
ّللا بما يكون منه خاصة ،لصفة هو عليها من حيث ما هو مشكور الشكر هنا :هو الثناء على ه
،فإن شكر المنعم يجب عقال وشرعا ،وال يصح الشكر إال على النعم.
ص 133 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 53إلى 55
ُون ) َ ( 53و ِإ ْذ قا َل ُموسى ِلقَ ْو ِم ِه يا قَ ْو ِم ِإنه ُك ْم تاب َوا ْلفُ ْر َ
قان لَعَله ُك ْم ت َ ْهتَد َ سى ا ْل ِك َ َو ِإ ْذ آت َ ْينا ُمو َ
س ُك ْم ذ ِل ُك ْم َخ ْي ٌر لَ ُك ْم ِع ْن َد ِ
بارئِ ُك ْم بارئِ ُك ْم فَ ْ
اقتُلُوا أ َ ْنفُ َ س ُك ْم ِبا ِت هخا ِذ ُك ُم ا ْلعِجْ َل فَتُوبُوا ِإلى ِ َظلَ ْمت ُ ْم أ َ ْنفُ َ
الر ِحي ُم ( َ ) 54و ِإ ْذ قُ ْلت ُ ْم يا ُموسى لَ ْن نُ ْؤ ِم َن لَكَ َحتهى نَ َرى ه َ
ّللا اب ه علَ ْي ُك ْم ِإنههُ ُه َو الت ه هو ُ
تاب َفَ َ
ون ) ( 55 ظ ُر َ صا ِعقَةُ َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْن َُجه َْرةً فَأ َ َخذَتْ ُك ُم ال ه
الصواعق أهوية محترقة ال شعلة فيها فما تمر بشيء إال أثرت فيه.
ص 134 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 56إلى 57
علَ ْي ُك ُم ا ْلغَما َم َوأ َ ْن َز ْلنا َ
علَ ْي ُك ُم ا ْل َم هن ون ) َ ( 56و َظله ْلنا َ
شك ُُر َ ث ُ هم بَعَثْنا ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد َم ْوتِ ُك ْم لَعَله ُك ْم ت َ ْ
ون ) ( 57 س ُه ْم يَ ْظ ِل ُم َ ت ما َر َز ْقنا ُك ْم َوما َظلَ ُمونا َول ِك ْن كانُوا أ َ ْنفُ َ س ْلوى ُكلُوا ِم ْن َط ِيهبا ِ َوال ه
يعني يظلمون أنفسهم بما كانوا عليه في سابق العلم.
ص 135 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 58إلى 60
طة ٌ
س هجدا ً َوقُولُوا ِح ه باب ُ غدا ً َوا ْد ُخلُوا ا ْل َ شئْت ُ ْم َر َ
ث ِ َو ِإ ْذ قُ ْلنَا ا ْد ُخلُوا ه ِذ ِه ا ْلقَ ْريَةَ فَ ُكلُوا ِم ْنها َح ْي ُ
غ ْي َر الهذِي قِي َل لَ ُه ْم ِين َظلَ ُموا قَ ْوالً َ ين ( ) 58فَبَ هد َل الهذ َ سنِ َ سنَ ِزي ُد ا ْل ُمحْ ِ
نَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم َخطايا ُك ْم َو َ
سقى ُموسى ست َ ْ
ون ) َ ( 59و ِإ ِذ ا ْ سقُ َ ماء ِبما كانُوا يَ ْف ُ س ِ ِين َظلَ ُموا ِرجْ زا ً ِم َن ال ه علَى الهذ َ فَأ َ ْن َز ْلنا َ
ناس َمش َْربَ ُه ْم ع ِل َم ُك ُّل أ ُ ٍ ع ْينا ً قَ ْد َ
عش َْرةَ َ ض ِر ْب بِعَصاكَ ا ْل َح َج َر فَا ْنفَ َج َرتْ ِم ْنهُ اثْنَتا َ ِلقَ ْو ِم ِه فَقُ ْلنَا ا ْ
ِين ( ) 60 سد َ ض ُم ْف ِ ّللا َوال ت َ ْعث َ ْوا فِي ْاأل َ ْر ِ
ق هِ ُكلُوا َواش َْربُوا ِم ْن ِر ْز ِ
ص 136 :
الحياة التي يحيا بها كل شيء ،وهو العلم المتولد بين النبات والجماد من المولدات بصفة القهر
،فإن العيون االثنتي عشرة إنما ظهرت بضرب العصا الحجر ،فانفجرت منه بذلك الضرب
ص 137 :
اثنتا عشرة عينا ،يريد علوم المشاهدة عن مجاهدة ،بسبب الضرب ،وعلوم ذوق ،ألن الماء
من األشياء التي تذاق ،ويختلف طعمها في الذوق ،فيعلم بذلك نسبة الحياة كيف
ص 138 :
ّللا ،ألن الحق أضاف ذلك
اتصف بها المسمى جمادا ،حتى أخبر عنه الصادق أنه يسبح بحمد ه
إلى الحجر بقوله « منه » ،ومن ال كشف له وال إيمان ال يثبت للجماد حياة ،فكيف
ص 138
ص 139 :
وبضربه بها ظهر ما ظهر ،ومن ال كشف له ال يعلم أن النبات حي ،إال من يصرف الحياة
إلى النمو ،فعلم االثنتي عشرة عينا على الكشف والمشاهدة هو علم ما يتعلق بمصالح العالم«
ع ِل َم ُك ُّل أ ُ ٍ
ناس َم ْش َربَ ُه ْم »من تلك العيون ،فمن علمها علم حكم االثني عشر برجا ،وعلم قَ ْد َ
منتهى أسماء األعداد وهي اثنا عشر ،وعلم اإلنسان بما هو ولي هّلل تعالى.
ص 140 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 61
ض ِم ْن ع لَنا َربهكَ يُ ْخ ِرجْ لَنا ِم هما ت ُ ْن ِبتُ ْاأل َ ْر ُ واح ٍد فَا ْد ُعام ِ ص ِب َر عَلى َط ٍ َو ِإ ْذ قُ ْلت ُ ْم يا ُموسى لَ ْن نَ ْ
طواون الهذِي ُه َو أَدْنى ِبالهذِي ُه َو َخ ْي ٌر ا ْه ِب ُ ص ِلها قا َل أ َ ت َ ْ
ست َ ْب ِدلُ َ سها َوبَ َ ع َد ِ
ومها َو َ بَ ْق ِلها َوقِثهائِها َوفُ ِ
ّللا ذ ِلكَ ِبأَنه ُه ْم كانُوا
ب ِم َن ه ِ ض ٍس َكنَةُ َوبا ُؤ ِبغَ َ
علَ ْي ِه ُم ال ِذهلهةُ َوا ْل َم ْ سأ َ ْلت ُ ْم َوض ُِربَتْ َ
ِمصْرا ً فَ ِإ هن لَ ُك ْم ما َ
ُون ( ) 61 ص ْوا َوكانُوا يَ ْعتَد َ ع َق ذ ِلكَ بِما َ ين بِغَ ْي ِر ا ْل َح ه ِ ّللا َويَ ْقتُلُ َ
ون النهبِ ِيه َ ت هِ ون بِآيا ِ يَ ْكفُ ُر َ
ّللا عليهم من « أ َ ت َ ْست َ ْب ِدلُونَ الَّذِي ُه َو أ َ ْدنى »وهو ما ذكروه« بِالَّذِي ُه َو َخي ٌْر »وهو ما أنزل ه
المن والسلوى ،فأشار إلى دناءة همتهم
ص 141 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 62
اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َوع َِم َل صا ِلحا ً
ين َم ْن آ َم َن ِب ه ِ
صا ِبئِ َِين هادُوا َوالنهصارى َوال ه ِين آ َمنُوا َوالهذ َ ِإ هن الهذ َ
ون ) ( 62 علَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم يَحْ َزنُ َ فَلَ ُه ْم أَجْ ُر ُه ْم ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم َوال َخ ْو ٌ
ف َ
يقال :صبا فالن إلى كذا إذا مال إليه.
ص 142 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 63إلى 65
اذك ُُروا ما فِي ِه لَعَله ُك ْم تَتهقُ َ
ون ( ور ُخذُوا ما آت َ ْينا ُك ْم ِبقُ هو ٍة َو ْ ط َ َو ِإ ْذ أ َ َخ ْذنا ِميثاقَ ُك ْم َو َرفَ ْعنا فَ ْوقَ ُك ُم ال ُّ
ين ( َ ) 64ولَقَ ْد س ِر َ علَ ْي ُك ْم َو َرحْ َمتُهُ لَ ُك ْنت ُ ْم ِم َن ا ْلخا ِ
ّللا َ ) 63ث ُ هم ت َ َوله ْيت ُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِلكَ فَلَ ْو ال فَ ْ
ض ُل ه ِ
ين ) ( 65 س ِئ َ ت فَقُ ْلنا لَ ُه ْم كُونُوا ِق َر َدةً خا ِ ِين ا ْعتَد َْوا ِم ْن ُك ْم ِفي ال ه
س ْب ِ ع ِل ْمت ُ ُم الهذ َ َ
ّللا قردة وخنازير. ظهر المسخ في بني إسرائيل بالصورة فمسخهم ه
ص 143 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 66إلى 67
ين ( َ ) 66و ِإ ْذ قا َل ُموسى ِلقَ ْو ِم ِه ِإ هن فَ َجعَ ْلناها نَكاالً ِلما بَ ْي َن يَ َد ْيها َوما َخ ْلفَها َو َم ْو ِع َظةً ِل ْل ُمت ه ِق َ
ين ) ( 67 ُون ِم َن ا ْلجا ِه ِل َ ّللا يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت َ ْذبَ ُحوا بَقَ َرةً قالُوا أ َ تَت ه ِخذُنا ُه ُزوا ً قا َل أَعُوذُ ِب ه ِ
اَّلل أ َ ْن أَك َ هَ
المناسبة بين البقر واإلنسان قوية عظيمة السلطان ،وكما أن البقر برزخ بين اإلبل والغنم
ص 143
ص 144 :
في الحيوان المذكى ،فاإلنسان برزخ بين الملك والحيوان ،ثم إن البقرة التي ظهر اإلحياء
بموتها والضرب بها برزخية أيضا في سنها ولونها ،فهي ال فارض وال بكر عوان بين ذلك ،
فهذا مقام برزخي ،وهي ال بيضاء وال سوداء بل صفراء ،والصفرة لون برزخي بين البياض
اّلل أ َ ْن والسواد ،فقويت المناسبة بين البقر والنفوس اإلنسانية« قالُوا أ َ تَت َّ ِخذُنا ُه ُزوا ا قا َل أ َ ُ
عوذُ ِب َّ ِ
أ َ ُكونَ ِمنَ ْالجا ِه ِلينَ »ألن الجهل صفة مذمومة منهي عنها بقوله تعالى « :فال تك من الجاهلين
باّلل منها.
» مستعاذ ه
ص 145 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 68إلى 72
َوان بَ ْي َن ذ ِلكَ
ض َوال ِب ْك ٌر ع ٌ ي قا َل ِإنههُ يَقُو ُل ِإنهها بَقَ َرةٌ ال ِ
فار ٌ ع لَنا َربهكَ يُبَ ِيه ْن لَنا ما ِه َ قالُوا ا ْد ُ
ع لَنا َربهكَ يُبَ ِيه ْن لَنا ما لَ ْونُها قا َل ِإنههُ يَقُو ُل ِإنهها بَقَ َرةٌ ون ( ) 68قالُوا ا ْد ُ افعَلُوا ما ت ُ ْؤ َم ُر َ فَ ْ
ي ِإ هن ا ْلبَقَ َر تَشابَهَ ع لَنا َربهكَ يُبَ ِيه ْن لَنا ما ِه َ ين ( ) 69قالُوا ا ْد ُ اظ ِر َس ُّر النه ِص ْفرا ُء فا ِق ٌع لَ ْونُها ت َ ُ َ
ض َوال ير ْاأل َ ْر َ
ُون ( ) 70قا َل إِنههُ يَقُو ُل إِنهها بَقَ َرةٌ ال ذَلُو ٌل تُثِ ُ ّللاُ لَ ُم ْهتَد َ
علَ ْينا َوإِنها إِ ْن شا َء ه َ
ون ( ) 71 ق فَذَبَ ُحوها َوما كادُوا يَ ْفعَلُ َ شيَةَ فِيها قالُوا ْاآل َن ِجئْتَ بِا ْل َح ه ِ سله َمةٌ ال ِ ث ُم َ س ِقي ا ْل َح ْر َ تَ ْ
ون ( ) 72 ج ما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكت ُ ُم َ هارأْت ُ ْم فِيها َو ه
ّللاُ ُم ْخ ِر ٌ َوإِ ْذ قَت َ ْلت ُ ْم نَ ْفسا ً فَاد َ
َّارأْت ُ ْم فِيها »أي تدافعتم فيها « َو َّ
ّللاُ ُم ْخ ِر ٌج ما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْكت ُ ُمونَ » . « فَاد َ
ص 145
ص 146 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 73
ون ) ( 73 ّللاُ ا ْل َم ْوتى َويُ ِري ُك ْم آياتِ ِه لَعَله ُك ْم ت َ ْع ِقلُ َ فَقُ ْلنا ا ْ
ض ِربُوهُ ِببَ ْع ِضها كَذ ِلكَ يُحْ ي ِ ه
ولذلك فإن بين البقر والنفس نسبة ،إذ الغنم تناسب األرواح ،والبدن أي اإلبل تناسب األجسام
ّللاُ ْال َم ْوتى »فتحيا
ضها َكذ ِل َك يُ ْحي ِ َّ ،والبقر تناسب األنفس ،لذلك قال تعالى «:اض ِْربُوهُ ِببَ ْع ِ
ّللا تلك النفس المقتولة للمناسبة ،فإنه لما كانت المناسبة بين البقر واإلنسان قوية عظيمة بإذن ه
السلطان ،لذلك حي بها الميت لما ضرب ببعض البقر ،فجاء بالضرب إشارة إلى الصفة
القهرية لما شمخت النفس اإلنسانية أن تكون سبب حياته بقرة ،وال سيما وقد ذبحت وزالت
حياتها ،فحيي بحياتها هذا اإلنسان المضروب ببعضها ،وكان قد أبى لما عرضت عليه
ّللا ذلك
ّللا اإلنسان عليها ،وفعل ه فضرب ببعضها فحيي بصفة قهرية ،لألنفة التي جبل ه
ليعرفه أن االشتراك بينه وبين الحيوان في الحيوانية محقق بالحد والحقيقة ،ولهذا هو كل
حيوان جسم متغذ حساس ،فاإلنسان وغيره ،من الحيوان .وانفصل كل نوع من الحيوان عن
غيره بفصله المقوم لذاته الذي به سمي هذا إنسانا ،وهذا بقرا ،وهذا غنما ،وغير ذلك من
األنواع ،وما أبى اإلنسان إال من حيث فصله المقوم ،وتخيل أن حيوانيته مثل فصله
ص 146
ص 147 :
ّللا بما وقع أن الحيوانية في الحيوان كله حقيقة واحدة ،فأفاده ما لم يكن عنده
المقوم ،فأعلمه ه
،وكذلك ذلك الميت ما حيي إال بحياة حيوانية ال بحياة إنسانية من حيث إنه ناطق ،وكان كالم
ذلك الميت مثل كالم البقرة في بني إسرائيل .قال الصحابة تعجبا :بقرة تكلم ؟
ّللا قد قال ما هو أعجب من ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :آمنت بهذا ،وما رأوا أن ه فقال رسول ه
ّللا الذي أنطق كل شيء ،فهذه الحياة التي تظهر ألعين الخلق هذا أن الجلود قالت :أنطقنا ه
عند خرق العوائد في إحياء الموتى هي الحياة الذاتية لألشياء -إشارة -ال يقوم تركيب إال بحل
تركيب ،انظر سره لما ذبحت البقرة قام الميت بحياتها من قبره ،والبقرة من عالم الوسط
سرحت في كالبرزخ بين الدنيا واآلخرة ،فهي فوق الكبش ودون البدنة في األجر ،فبذبحها ه
الحضرة البرزخية ،فكان سببا في نقل حياتها إلى حياة البرزخ ،وهو إحياء هذا الميت ،فإن
الميت في عالم البرزخ ،فوقعت المناسبة .
[الحياة بالضرب ]
إشارة -من الحياة بالضرب قول النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم « :فضرب بيده بين كتفي فوجدت
بردها بين ثديي ،فعلمت علم األولين واآلخرين » فأضاف العلم إلى الضرب باليد اإللهية ،
وهي الحياة المعنوية.
ص 147
ص 148 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 74
جار ِة لَما يَتَفَ هج ُر ِم ْنهُ
س َوةً َو ِإ هن ِم َن ا ْل ِح َ جار ِة أ َ ْو أ َ َ
ش ُّد قَ ْ ي كَا ْل ِح َ ستْ قُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِلكَ فَ ِه َ ث ُ هم قَ َ
ّللاُ ِبغافِ ٍل
ّللا َو َما هشيَ ِة ه ِ ج ِم ْنهُ ا ْلما ُء َو ِإ هن ِم ْنها لَما يَ ْه ِب ُ
ط ِم ْن َخ ْ ق فَيَ ْخ ُر ُ شقه ُهار َو ِإ هن ِم ْنها لَما يَ ه ْاأل َ ْن ُ
ون ( ) 74 ع هما ت َ ْع َملُ َ
َ
ش ُّد قَس َْوة ا »وإنما كانت أشد قسوة من ي َك ْال ِح َ
جارةِ أ َ ْو أ َ َ ت قُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِل َك فَ ِه َس ْ« ث ُ َّم قَ َ
الحجارة
ألن من الحجارة ما يتفجر منه األنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط
ّللا ،وأنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شيء ،يذمهم بذلك -تحقيق -اعلم أن من خشية ه
الحجارة عبيد محققون ،ما خرجوا عن أصولهم في نشأتهم ،فالحجر يهرب من مزاحمة
ّللا جعل هذه ّللا ،ومن خشي فقد علم من يخشى .ثم إن ه الربوبية في العلو ،فيهبط من خشية ه
األحجار محال إلظهار المياه التي هي أصل حياة كل حي في العالم الطبيعي ،وهي معادن
الحياة وبالعلم يحيا اإلنسان الميت بالجهل ،فجمعت األحجار بالخشية وتفجر األنهار ،بين
العلم والحياة ،قال تعالى « :وإن منها لما يتفجر منه األنهار » مع اتصافها بالقساوة ،وذلك
لقوتها في مقام العبودية ،فال تتزلزل عن ذاتها ،ألنها ال تحب مفارقة موطنها ،لما لها فيه من
( )1ضاع
ص 148
ص 149 :
العلم والحياة اللتين هما أشرف الصفات .
[ في ( قست قلوبكم ) ]
ش ُّد قَس َْوة ا »فإن الحجر ال يقدر أن أما وصفه تعالى لقلوب من كفر من بني إسرائيل بقوله «:أ َ َ
يمتنع عن تأثيرك فيه ،والقلب يمتنع عن أثرك فيه بال شك ،فإنه ال سلطان لك عليه ،فلهذا
كان القلب أشد قسوة أي أعظم امتناعا وأحمى ،وإن أحسنت في ظاهره ،فال يلزم أن يلين قلبه
إليك فذلك إليه ،فالصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة ،فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار
ط »الهبوط سقوط وال تلينها .وأما قوله تعالى َ «:و ِإ َّن ِم ْنها »يعني من الحجارة« لَما يَ ْهبِ ُ
ّللا أخذ ّللا »فوصفها بالخشية وهذه اآلية تدل على أن ه بسرعة عن غير اختيار« ِم ْن َخ ْشيَ ِة َّ ِ
بأكثر أبصار جنس اإلنس والجان عن إدراك النفوس المدبرة الناطقة التي تسمى جمادا ونباتا
وحيوانا ،وكشف لبعض الناس عن ذلك ،فإن الخشية المنعوت بها األحجار هي التي أدتها إلى
ّللا ،فإنه لما وصفها بالهبوط علمنا أن الهبوط ،وهو التواضع من الرفعة التي أعطاها ه
ّللا بها ميد األرض ،فلما جعلها األحجار التي في الجبال يريد ،والجبال واألوتاد التي سكن ه
ّللا
ّللا لما سمعت ه أوتادا أورثها ذلك فخرا لعلو منصبها ،فنزلت هذه األحجار هابطة من خشية ه
ض َوال فَسادا ا َو ْالعاقِبَةُ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ يقول «:تِ ْل َك الد ُ
َّار ْاآل ِخ َرة ُ ن َْجعَلُها ِللَّذِينَ ال يُ ِريدُونَ ُ
علُ ًّوا فِي ْاأل َ ْر ِ
ّللا حذرا »واإلرادة من صفات القلوب ،فنزلت من علوها ،وإن كان بربها ،هابطة من خشية ه
أن ال يكون لها حظ في الدار اآلخرة التي تنتقل إليها ،وأعني بالدار اآلخرة هنا دار سعادتها ،
ّللا ليس بغافل ع َّما ت َ ْع َملُونَ »فإن ه ّللاُ بِغافِ ٍل َ
فإن في اآلخرة منزل شقاوة ومنزل سعادة« َو َما َّ
ت قُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِل َك فَ ِه َ
ي س ْ فإنه معنا في جميع المحافل -تفسير من باب اإلشارة «:ث ُ َّم قَ َ
ش ُّد قَس َْوة ا »والقسوة هو ما ينبغي أن تتطهر منها القلوب من النجاسات كانت ما َك ْال ِح َ
جارةِ أ َ ْو أ َ َ
هار »وهي جارةِ لَما يَتَفَ َّج ُر ِم ْنهُ ْاأل َ ْن ُكانت ،فإن منها المأخوذ بها والمعفو عنها« َو ِإ َّن ِمنَ ْال ِح َ
من القلوب العلوم الغزيرة الواسعة ،وتفجرها خروجها على ألسنة العلماء للتعليم في الفنون
المختلفة « وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء » ،وهي القلوب التي تغلب عليها
األحوال فتخرج في الظاهر على ألسنة أصحابها بقدر ما يشقق منها وبقدر العلم الذي فيها ،
فينتفع بها الناس ،
ص 149
ص 150 :
َو ِإ َّن ِم ْنها لَما يَ ْهبِ ُ
ط ِم ْن َخ ْشيَ ِة َّ ِ
ّللا »وهبوط القلوب المشبهة بالحجارة في هبوطها هو نزولها من
عزتها إلى عبوديتها ،ونظرها في عجزها وقصورها باألصالة ،فالخشية من خصائص
باّلل .
العلماء ه
ص 151 :
األصل على ما هو عليه ليبقى لهم العلم ولعلمائهم ،فما هو عند علمائهم محرف ،وهم
ّللا كتبها بيده لم يحفظها
ّللا على علم ،فالتوراة مع اختصاصها بأن ه
يحرفونه ألتباعهم فأضلهم ه
ّللا ،وعصمته إنما يعصم ألنه حكم ،
من التبديل والتحريف الذي حرفه اليهود .وحفظ كالم ه
ّللا فينا حفظ ذكره واستحفظ كتابه غير هذه األمة
والحكم معصوم ومحله العلماء به ،وتولى ه
فحرفوه وهم يعلمون بمخالفتهم ( راجع المائدة .) 14 -
ص 152 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 76إلى 79
ض قالُوا أ َ ت ُ َح ِ هدثُونَ ُه ْم ِبما فَت َ َح ه
ّللاُ ض ُه ْم ِإلى بَ ْع ٍ ِين آ َمنُوا قالُوا آ َمنها َو ِإذا َخل بَ ْع ُ َو ِإذا لَقُوا الهذ َ
ون َوما ّللا يَ ْعلَ ُم ما يُ ِ
س ُّر َ ون أ َ هن ه َ ون ( ) 76أ َ َوال يَ ْعلَ ُم َ علَ ْي ُك ْم ِليُ َحا ُّجو ُك ْم ِب ِه ِع ْن َد َر ِبه ُك ْم أ َ فَل ت َ ْع ِقلُ َ َ
ون ( ) 78فَ َو ْي ٌل ظنُّ َ ي َو ِإ ْن ُه ْم ِإاله يَ ُ تاب ِإاله أَما ِن ه
ون ا ْل ِك َ
ون ال يَ ْعلَ ُم َ ون ) َ ( 77و ِم ْن ُه ْم أ ُ ِ هميُّ َ يُ ْع ِلنُ َ
شت َ ُروا بِ ِه ث َ َمنا ً قَ ِليلً فَ َو ْي ٌل لَ ُه ْم ِم هما ون هذا ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ
ّللا ِليَ ْ ِيه ْم ث ُ هم يَقُولُ َ تاب بِأ َ ْيد ِ
ون ا ْل ِك َ ِين يَ ْكتُبُ َِللهذ َ
ون ( ) 79 سبُ َِيه ْم َو َو ْي ٌل لَ ُه ْم ِم هما يَ ْك ِ َكتَبَتْ أ َ ْيد ِ
ّللا »وهو ما توسوس به نفوسهم ،وما تسول لهم شياطينهم « ، « ث ُ َّم يَقُولُونَ هذا ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
يال »من الجاه والرئاسة عليهم ،وما يحصلوه من المال. ِليَ ْشت َ ُروا ِب ِه ث َ َمنا ا قَ ِل ا
ص 152
ص 153 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 80إلى 81
ع ْه َدهُ أ َ ْم
ّللاُ َ
ف ه عهْدا ً فَلَ ْن يُ ْخ ِل َ ار ِإاله أَيهاما ً َم ْعدُو َدةً قُ ْل أَت ه َخ ْذت ُ ْم ِع ْن َد ه ِ
ّللا َ سنَا النه ُ
َوقالُوا لَ ْن ت َ َم ه
س ِيهئَةً َوأَحا َطتْ ِب ِه َخ ِطيئَتُهُ فَأُولئِكَ ب َ س َون ( ) 80بَلى َم ْن َك َ ّللا ما ال ت َ ْعلَ ُم َ
علَى ه ِ ون َ تَقُولُ َ
ُون ) ( 81 ْحاب النه ِار ُه ْم ِفيها خا ِلد َ أَص ُ
فهم الذين تمسهم النار فإنه ما كل من دخل النار تمسه ،فإن مالئكة العذاب في النار وهي
دارهم وما تمسهم النار.
ص 154 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 82
ُون ) ( 82 ت أُولئِكَ أَص ُ
ْحاب ا ْل َجنه ِة ُه ْم فِيها خا ِلد َ َوالهذ َ
ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
صا ِلحا ِ
الجنة دار بقاء السعادة والنظر ،وهي الساترة ألهلها عن كل مكروه يكون في الدار التي تقابلها
،وما يعطيه سلطان أسماء االنتقام.
ص 155 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 83
ّللا َو ِبا ْلوا ِل َد ْي ِن ِإحْ سانا ً َوذِي ا ْلقُ ْربى َوا ْليَتامى ُون ِإاله ه َ
سرائِي َل ال ت َ ْعبُد َ َو ِإ ْذ أ َ َخ ْذنا ِم َ
يثاق بَنِي ِإ ْ
الزكاةَ ث ُ هم ت َ َوله ْيت ُ ْم ِإاله قَ ِليلً ِم ْن ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم
صلةَ َوآتُوا ه سنا ً َوأَقِي ُموا ال ه
اس ُح ْ ين َوقُولُوا ِللنه ِ
َوا ْل َمسا ِك ِ
ُون ( ) 83 ُم ْع ِرض َ
الزكاة :ربو من زكا يزكو إذا ربا ،والزكاة طهارة بعض األموال.
ص 155
ص 156 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 84إلى 85
ِيار ُك ْم ث ُ هم أ َ ْق َر ْرت ُ ْم َوأ َ ْنت ُ ْم
س ُك ْم ِم ْن د ِ ون أ َ ْنفُ َ
ُون دِما َء ُك ْم َوال ت ُ ْخ ِر ُج َس ِفك َ َو ِإ ْذ أ َ َخ ْذنا ِميثاقَ ُك ْم ال ت َ ْ
ِيار ِه ْم تَظا َه ُر َ
ون ون فَ ِريقا ً ِم ْن ُك ْم ِم ْن د ِ س ُك ْم َوت ُ ْخ ِر ُج َون أ َ ْنفُ َ ُون ) ( 84ث ُ هم أ َ ْنت ُ ْم هؤ ِ
ُالء ت َ ْقتُلُ َ ش َهد َ تَ ْ
علَ ْي ُك ْم ِإ ْخرا ُج ُه ْم أ َ فَت ُ ْؤ ِمنُ َ
ون ْوان َو ِإ ْن يَأْتُو ُك ْم أُسارى تُفادُو ُه ْم َو ُه َو ُم َح هر ٌم َ اإلثْ ِم َوا ْلعُد ِ
علَ ْي ِه ْم ِب ْ ِ
َ
ي فِي ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َويَ ْو َم ض فَما َجزا ُء َم ْن يَ ْفعَ ُل ذ ِلكَ ِم ْن ُك ْم إِاله ِخ ْز ٌ ب َوت َ ْكفُ ُر َ
ون بِبَ ْع ٍ ض ا ْل ِكتا ِ بِبَ ْع ِ
ون ) ( 85 ع هما ت َ ْع َملُ َ
ّللاُ بِغافِ ٍل َب َو َما ه ُّون إِلى أ َ َ
ش ِ هد ا ْلعَذا ِ ا ْل ِقيا َم ِة يُ َرد َ
يوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين لفصل القضاء.
ص 156
ص 157 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 86
ون ) ( 86 ذاب َوال ُه ْم يُ ْن َ
ص ُر َ ع ْن ُه ُم ا ْلعَ ُ شت َ َر ُوا ا ْل َحياةَ ال ُّد ْنيا ِب ْاآل ِخ َر ِة فَل يُ َخفه ُ
ف َ أُولئِكَ الهذ َ
ِين ا ْ
لوال نحن ما قيل :دنيا وال آخرة ،وإنما كان يقال ممكنات وجدت وتوجد كما هو األمر ،فلما
عمرنا نحن من الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حين ظهرت أعياننا ،
ونحن صور من صور العالم ،سمينا ذلك الموطن الدار الدنيا ،أي الدار القريبة التي عمرناها
ّللا تعالى جعل لنا في عمارة في أول وجودنا ألعياننا ،وقد كان العالم ولم نكن نحن ،مع أن ه
ص 157
ص 158 :
الدنيا آجاال ننتهي إليها ،ثم ننتقل إلى موطن آخر يسمى آخرة ،فيها ما في هذه الدار الدنيا ،
ولكن متميز بالدار كما هو هنا متميز بالحال ،ولم يجعل إلقامتنا في تلك الدار اآلخرة أجال
تنتهي إليه مدة إقامتنا ،وجعل تلك الدار محال للتكوين دائما أبدا إلى غير نهاية ،وبدل الصفة
ذاب »لما قال ع ْن ُه ُم ْالعَ ُ
ف َ على الدار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة والعين باقية« فَال يُ َخفَّ ُ
تعالى في حق أهل الشقاء «:إِ َّن َرب ََّك فَعَّا ٌل ِلما يُ ِري ُد »ما قال إن الحال التي هم فيها ال تنقطع
ش ْيءٍ »وقوله « :إن ت ُك َّل َ كما قال في السعداء والذي منع من ذلك قوله َ «:و َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
رحمتي سبقت غضبي » في هذه النشأة فإن الوجود رحمة في حق كل موجود ،وإن تعذب
بعضهم ببعض ،فتخليدهم في حال النعيم غير منقطع ،وتخليدهم في حال االنتقام موقوف على
اإلرادة ،فقد يعود االنتقام منهم عذابا عليهم ال غير ويزول االنتقام ،ولهذا فسره في مواضع
يم » *وفي مواضع لم يقيد العذاب باألليم ذاب أ َ ِلي ٌم »و« ْالعَ َ
ذاب ْاأل َ ِل َ ع ٌ باأللم المؤلم وقال َ «:
ب َج َهنَّ َم »ولم
عذا ِ
ذاب »يعني وإن زال األلم وقال «:فِي َ ع ْن ُه ُم ْالعَ ُ
ف َوأطلقه فقال «:فَال يُ َخفَّ ُ
ينعته بأنه أليم .
ص 158
ص 159 :
وال حجاب ،فالزمها الخوف مالزمة الظل للشخص ،فال يتقوى صاحب الطبيعة إال إذا كان
مؤيدا بالروح ،فال يؤثر فيه خور الطبيعة ،فإن األكثر فيه أجزاء الطبيعة ،وروحانيته التي
هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها ،وإن كان أبوها روحا ،فلألم أثر
ّللا
تكون ،وبما عندها تغذى ،فال تتقوى النفس بأبيها إال إذا أيدها ه
في االبن فإنه في رحمها ه
بروح قدسي ينظر إليها ،فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فال تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي
ّللا أنشأه
فيه أثر ،فإنه ال يمكن زواله بالكلية ،ولما كان عيسى عليه السالم روحا كما سماه ه
روحا في صورة إنسان ثابتة ،فكان يحيي الموتى بمجرد النفخ ،ثم إنه أيده بروح القدس فهو
روح مؤيد بروح طاهرة من دنس األكوان .
ص 159
ص 160 :
غ ْل ٌ
ف »أي في غالف ،وهو الكن الذي ستره عن إدراك األمر على ما هو عليه " َوقالُوا قُلُوبُنا ُ
.
ص 160
ص 161 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 90إلى 91
ض ِل ِه عَلى َم ْن يَشا ُء ّللاُ ِم ْن فَ ْ ّللاُ بَ ْغيا ً أ َ ْن يُنَ ِ هز َل ه
س ُه ْم أ َ ْن يَ ْكفُ ُروا ِبما أ َ ْن َز َل ه شت َ َر ْوا ِب ِه أ َ ْنفُ َ ِبئْ َ
س َما ا ْ
آمنُوا ِبما ين ) َ ( 90و ِإذا قِي َل لَ ُه ْم ِ َذاب ُم ِه ٌ ين ع ٌ ب َو ِل ْلكافِ ِر َ
ض ٍ غ َ ب عَلى َ ض ٍِم ْن ِعبا ِد ِه فَبا ُؤ ِبغَ َ
ص هدِقا ً ِلما َمعَ ُه ْم قُ ْل فَ ِل َم
ق ُم َ ون ِبما َورا َء ُه َو ُه َو ا ْل َح ُّ علَ ْينا َويَ ْكفُ ُر َ ّللاُ قالُوا نُ ْؤ ِم ُن ِبما أ ُ ْن ِز َل َ أ َ ْن َز َل ه
ين ) ( 91 ّللا ِم ْن قَ ْب ُل إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُم ْؤ ِمنِ َ ون أ َ ْنبِيا َء ه ِ
ت َ ْقتُلُ َ
اليهود لم يؤمنوا بكل ما أتى به موسى ،ولو آمنوا بكل ما أتى به موسى آلمنوا بمحمد صلهى
ّللا مع ّللا ِم ْن قَ ْب ُل ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ »اعلم أن ه ّللا عليه وسلم وبكتابه« قُ ْل فَ ِل َم ت َ ْقتُلُونَ أ َ ْنبِيا َء َّ ِ ه
ّللا قد األنبياء بتأييد الدعوى ،ال بالحفظ والعصمة إال إن أخبر بذلك في حق نبي معين ،فإن ه
عرفنا أن األنبياء قتلتهم أممهم وما عصموا وال حفظوا.
ص 161
ص 162 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 92
ت ث ُ هم ات ه َخ ْذت ُ ُم ا ْلعِجْ َل ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأ َ ْنت ُ ْم ظا ِل ُم َ
ون) ( 92 َولَقَ ْد جا َء ُك ْم ُموسى ِبا ْلبَ ِيهنا ِ
ص 162
ص 163 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 93إلى 96
ص ْيناع َس ِم ْعنا َو َ س َمعُوا قالُوا َ ور ُخذُوا ما آت َ ْينا ُك ْم ِبقُ هو ٍة َوا ْ ط َ َو ِإ ْذ أ َ َخ ْذنا ِميثاقَ ُك ْم َو َرفَ ْعنا فَ ْوقَ ُك ُم ال ُّ
ين ( ) 93قُ ْل سما يَأ ْ ُم ُر ُك ْم ِب ِه ِإيمانُ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُم ْؤ ِمنِ َ َوأُش ِْربُوا فِي قُلُو ِب ِه ُم ا ْلعِجْ َل ِب ُك ْف ِر ِه ْم قُ ْل ِبئْ َ
ين ( اس فَت َ َمنه ُوا ا ْل َم ْوتَ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِد ِق َ ُون النه ِ صةً ِم ْن د ِ ّللا خا ِل َ هار ْاآل ِخ َرةُ ِع ْن َد ه ِ
ِإ ْن كانَتْ لَ ُك ُم الد ُ
ص النه ِ
اس ين ( َ ) 95ولَت َ ِج َدنه ُه ْم أَحْ َر َ ع ِلي ٌم بِال ه
ظا ِل ِم َ ّللاُ َ
ِيه ْم َو ه َ ) 94ولَ ْن يَت َ َمنه ْوهُ أَبَدا ً بِما قَ هد َمتْ أ َ ْيد ِ
ب أ َ ْنسنَ ٍة َوما ُه َو بِ ُم َزحْ ِز ِح ِه ِم َن ا ْلعَذا ِ ف َ ِين أَش َْركُوا يَ َو ُّد أ َ َح ُد ُه ْم لَ ْو يُعَ هم ُر أ َ ْل َعَلى َحيا ٍة َو ِم َن الهذ َ
ون ) ( 96 ير بِما يَ ْع َملُ َ ّللاُ بَ ِص ٌ
يُعَ هم َر َو ه
الحرص يتعلق به الذم من جهة متعلقه إذا كان مذموما شرعا وعقال ،وقوله تعالى «:
َولَت َ ِج َدنَّ ُه ْم »الضمير يعود على قوم مذمومين ،وقرينة الحال تدل على أن مساقه الحرص فيها
على الذم تكذيبا لهم فيما ادعوه من أن الدار اآلخرة خالصة لهم من دون الناس.
ص 163
ص 164 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 97
ص هدِقا ً ِلما بَ ْي َن يَ َد ْي ِه َو ُه ً
دى َوبُشْرى عد ًُّوا ِل ِج ْب ِري َل فَ ِإنههُ نَ هزلَهُ عَلى قَ ْل ِبكَ ِب ِإ ْذ ِن ه ِ
ّللا ُم َ قُ ْل َم ْن َ
كان َ
ين ) ( 97 ِل ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
راجع نزول القرآن على القلب آية .121
ص 164
ص 165 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 98إلى 102
ين ( َ ) 98ولَقَ ْد أ َ ْن َز ْلنا عد ٌُّو ِل ْلكافِ ِر َ س ِل ِه َو ِج ْب ِري َل َو ِميكا َل فَ ِإ هن ه َ
ّللا َ َّلل َو َملئِ َكتِ ِه َو ُر ُ عد ًُّوا ِ ه ِ
كان َ َم ْن َ
ق ِم ْن ُه ْم بَ ْل عهْدا ً نَبَذَهُ فَ ِري ٌ ون ( ) 99أ َ َو ُكلهما عا َهدُوا َ سقُ َ ت َوما يَ ْكفُ ُر ِبها ِإاله ا ْلفا ِ ِإلَ ْيكَ آيا ٍ
ت بَ ِيهنا ٍ
ق ِم َن ق ِلما َمعَ ُه ْم نَبَذَ فَ ِري ٌ ص ِ هد ٌ
ّللا ُم َسو ٌل ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ ون ( َ ) 100ولَ هما جا َء ُه ْم َر ُ أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ال يُ ْؤ ِمنُ َ
ون ( َ ) 101واتهبَعُوا ما تَتْلُوا ور ِه ْم كَأَنه ُه ْم ال يَ ْعلَ ُم َ
ظ ُه ِ ّللا َورا َء ُ تاب ه ِ تاب ِك َ ِين أُوتُوا ا ْل ِك َ الهذ َ
سِحْ َر اس ال ه ون النه َ ين َكفَ ُروا يُعَ ِله ُم َ هياط َمان َول ِك هن الش ِ سلَ ْي ُ مان َوما َكفَ َر ُ سلَ ْي َ ين عَلى ُم ْل ِك ُ هياط ُ
الش ِ
مان ِم ْن أ َ َح ٍد َحتهى يَقُوال إِنهما نَحْ ُن فِتْنَةٌ ماروتَ َوما يُعَ ِله ِ هاروتَ َو ُ علَى ا ْل َملَ َك ْي ِن بِبابِ َل ُ َوما أ ُ ْن ِز َل َ
ين ِب ِه ِم ْن أ َ َح ٍد ِإاله ضار َ ون ِب ِه بَ ْي َن ا ْل َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه َوما ُه ْم ِب ِ ه ون ِم ْن ُهما ما يُفَ ِ هرقُ َ فَل ت َ ْكفُ ْر فَيَتَعَله ُم َ
شتَراهُ ما لَهُ فِي ْاآل ِخ َر ِة ِم ْن َخ ٍ
لق ع ِل ُموا لَ َم ِن ا ْون ما يَض ُُّر ُه ْم َوال يَ ْنفَعُ ُه ْم َولَقَ ْد َ ّللا َويَتَعَله ُم َ ِب ِإ ْذ ِن ه ِ
ون ( ) 102 س ُه ْم لَ ْو كانُوا يَ ْعلَ ُم َ س ما ش ََر ْوا ِب ِه أ َ ْنفُ َ َولَ ِبئْ َ
ص 165
ص 166 :
ّللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،فقد كذب ّللا للمالئكة بأنهم ال يعصون ه اآلية ،وقد شهد ه
ياط ُ
ين ش ِ هؤالء المفسرون ربهم في قوله في حق المالئكة ،قال تعالى «َ :واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا ال َّ
سلَيْمانَ »من علم السحر الذي مزجوه بما أنزل على الملكين هاروت وماروت من على ُم ْل ِك ُ
َ
ٌ َ
مان ِم ْن أ َح ٍد َحتَّى يَقُوال »له« ِإنَّما ن َْح ُن ِفتْنَة فَال ت َ ْكفُ ْر »فإن مقلوب الحمد ه
علم الحق« َوما يُعَ ِل ِ
كفر وهو الذم« فَيَتَعَلَّ ُمونَ ِم ْن ُهما »أي من العلمين« ما يُفَ ِ هرقُونَ بِ ِه بَيْنَ ْال َم ْر ِء َوزَ ْو ِج ِه »وهو
وّللا قد كره ذلك وقد ذمه ،وندب إلى األلفة القدر من السحر الذي يعطي التفرقة ،ه
ص 166
ص 167 :
وانتظام الشمل .ولما علم سبحانه أن االفتراق ال بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن
أكثر الناس شرع الطالق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم غير مذمومين إرغاما
ّللا حالال
ّللا عليه وسلم قال :ما خلق ه للشياطين ،ومع هذا فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلهى ه
ضارينَ ِب ِه ِم ْن أ َ َح ٍد ِإ َّال ِبإِ ْذ ِن َّ ِ
ّللا »فإنه ال أبغض إليه من الطالق َ «،وما ُه ْم »أي السحرة« ِب ِ ه
تتحرك ذرة إال بإذنه سبحانه.
ص 167
ص 168 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 103إلى 104
ون ( ) 103يا أَيُّ َها الهذ َ
ِين آ َمنُوا َولَ ْو أَنه ُه ْم آ َمنُوا َواتهقَ ْوا لَ َمثُوبَةٌ ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ
ّللا َخ ْي ٌر لَ ْو كانُوا يَ ْعلَ ُم َ
َذاب أ َ ِلي ٌم ) ( 104
ين ع ٌ س َمعُوا َو ِل ْلكافِ ِر َ ال تَقُولُوا را ِعنا َوقُولُوا ا ْن ُ
ظ ْرنا َوا ْ
تختلف األحكام باختالف األلفاظ التي وقع عليها التواطؤ بين المخاطبين ،وإن كان المعنى
واحدا فالمصرف ليس بواحد.
ص 168
ص 169 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 105
ين أ َ ْن يُنَ هز َل َ
علَ ْي ُك ْم ِم ْن َخ ْي ٍر ِم ْن َر ِبه ُك ْم َو ه
ّللاُ ب َوال ا ْل ُمش ِْر ِك َ ِين َكفَ ُروا ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتا ِ
ما يَ َو ُّد الهذ َ
يم «) ( 105 ض ِل ا ْلعَ ِظ ِّللاُ ذُو ا ْلفَ ْص ِب َرحْ َمتِ ِه َم ْن يَشا ُء َو ه يَ ْخت َ ُّ
ص ِب َر ْح َم ِت ِه َم ْن يَشا ُء »جاء تعالى بلفظة من وهي نكرة فدخل تحتها كل شيء ،ألن ّللاُ يَ ْخت َ ُّ
َو َّ
كل شيء حي ناطق فيدخل تحت قوله من ،ألن بعض النحاة يعتقدون أن لفظة من ال تقع إال
ّللا وال يسبح إال من يعقل من يسبحه ،ويثني عليه بما على من يعقل ،وكل شيء يسبح بحمد ه
وّللا تعالى ما عرفنا أنه ّللا سبحانه ،ه يستحقه ،فمن تقع على كل شيء إذ كل شيء يعقل عن ه
اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه يختص برحمته من يشاء وبفضله ،فإن أهل النار
معذبون بأعمالهم ال غير ،وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات االختصاص
،فألهل السعادة ثالث جنات :جنة أعمال وجنة اختصاص وجنة ميراث ،فينزل أهل الجنة
في الجنة على قدر أعمالهم ،ولهم جنات الميراث وهي التي كانت ألهل النار لو دخلوا الجنة ،
ولهم جنات االختصاص فالحكم هّلل العلي الكبير ،فإن االختصاص اإللهي ال يقبل التحجير وال
وّللا ذو الفضل العظيم ّللا ،يختص برحمته من يشاء ه الموازنة وال العمل ،وإن ذلك من فضل ه
.
ص 169
ص 170 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 106
ّللا عَلى ُك ِ هل َ
ش ْي ٍء سها نَأ ْ ِ
ت ِب َخ ْي ٍر ِم ْنها أ َ ْو ِمثْ ِلها أ َ لَ ْم ت َ ْعلَ ْم أ َ هن ه َ س ْخ ِم ْن آيَ ٍة أ َ ْو نُ ْن ِ ما نَ ْن َ
ِير(.)106 قَد ٌ
س ْخ ِم ْن آيَ ٍة " "ما نَ ْن َ
[ في النسخ واالنساء ]
أي عالمة على صدق ما ادعاه ،فاآليات منسوخة في األولياء ألنهم مأمورون بسترها ،
محكمة في األنبياء والرسل« أ َ ْو نُ ْن ِسها »أي نتركها آية لألولياء كما كانت آية لألنبياء« نَأ ْ ِ
ت
ِب َخي ٍْر ِم ْنها »من باب المفاضلة أي بأزيد منها في الداللة ،وهي آيات اإلعجاز فال تكون إال
ألصحابها ،أو لمن قام فيها بالنيابة على صدق أصحابها ،فال يكون لولي قط هذه العالمة من
حيث صحة مرتبته ،وأما قوله« أ َ ْو ِمثْ ِلها »الضمير يرجع إلى اآلية المنسوخة ،فلم يكن لها
صفة اإلعجاز ،بل هي مثل األولى ،وال يصح حمل هذه اآلية على أنها آي القرآن التي نزلت
ّللا ما قال في آخر هذه اآلية « ا في األحكام ،فنسخ بآية ما كان ثبت حكمه في آية قبلها ،فإن ه
ير » *وال حكيم ،ومثل هذه األسماء هي التي تليق بنظم القرآن الوارد ع ِلي ٌم َخبِ ٌ لم تعلمإِ َّن َّ َ
ّللا َ
ِير» ش ْيءٍ قَد ٌ على ُك ِهل َ ّللا تعالى «:أ َ لَ ْم ت َ ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ
ّللا َ بآيات األحكام ،وإنما قال ه
) * (تفسير هذه اآلية بهذا المعنى الوارد هنا ،نسب إلى الشيخ محمد عبده كما جاء في تفسير
المنار ،والثابت كما هو واضح أن الشيخ األكبر محي الدين ابن العربي هو السابق لهذا
المعنى الذي لم يرد في تفسير آخر من كتب المفسرين.
ص 170
ص 171 :
ّللا ،
فأراد اآليات التي ظهرت على أيدي األنبياء عليهم السالم لصدق دعواهم في أنهم رسل ه
فمنها ما تركها آية إلى يوم القيامة كالقرآن ،ومنها ما رفعها ولم تظهر إلى يوم القيامة ،واعلم
أن آيات األنبياء تختلف باختالف األعصار الختالف الزمان واختالف األحوال ،فيعطي هذا
الحال والزمان ما ال يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله ،والذي يكون بعده ،فآية كل خليفة
ورسول من نسب الغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ،أي شيء كان ،من طب أو سحر
ّللا عليهم إظهار اآليات لكونهم مأمورين بالدعاء
أو فصاحة وما شاكل هذا ،والرسل أوجب ه
ّللا ابتداء ،وهو ينشئ التشريع وينسخ بعض شرع مقرر على يد غيره من الرسل ،فال بد إلى ه
ّللا حكما على
ّللا إزالة ما قرره ه
من إظهار آية وعالمة تكون دليال على صدقه أنه يخبر عن ه
لسان رسول آخر ،إعالما بانتهاء مدة الحكم في تلك المسألة .
ص 171
ص 172 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 108إلى 109
يمان فَقَ ْد َ
ض هل اإل ِ سئِ َل ُموسى ِم ْن قَ ْب ُل َو َم ْن يَتَبَ هد ِل ا ْل ُك ْف َر ِب ْ ِ سولَ ُك ْم كَما ُ سئَلُوا َر ُ ُون أ َ ْن ت َ ْ
أ َ ْم ت ُ ِريد َ
س ِبي ِل ( ) 108 سوا َء ال ه َ
سدا ا ِم ْن ِع ْن ِد أ َ ْنفُ ِس ِه ْم ِم ْن بَ ْع ِد ما ير ِم ْن أ َ ْه ِل ْال ِكتا ِ
ب لَ ْو يَ ُردُّونَ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ِإيما ِن ُك ْم ُكفَّارا ا َح َ َو َّد َك ِث ٌ
ْ تَبَيَّنَ لَ ُه ُم ْال َح ُّق فَا ْعفُوا َوا ْ
ِير ( «) 109 ش ْيءٍ قَد ٌ على ُك ِهل َ ّللاُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن َّ َ
ّللا َ ي َّصفَ ُحوا َحتَّى يَأتِ َ
ّللا تعالى لم يزل ربا ،ولم نزل سدا ا ِم ْن ِع ْن ِد أ َ ْنفُ ِس ِه ْم »للواسطة فإن الحسد في الجنس ،فإن ه َح َ
عبيدا في حال عدمنا ووجودنا ،فكل ما أمر سمعنا وأطعنا ،في حال عدمنا ووجودنا ،إذا لم
يخاطبنا بفهوانية األمثال واألشكال ،فإذا خاطبنا بفهوانية األمثال واألشكال وألسنة اإلرسال ،
فمن كان مشهوده ما وراء الحجاب وهو المثل والرسول سمع فأطاع من حينه ،ومن كان
مشهوده المثل سمع ضرورة ولم يطع للحسد الذي خلق عليه من تقدم أمثاله عليه ،فظهر
ّللا ،
ي على ه ي على مثله لكونه ما نفذ فيه أمره بالطاعة ،ما عص ه المطيع والعاصي ،أي عص ه
فإنه ال يتمكن أن يخالف أمره على الكشف ،فانحجب باإلرسال انحجابه باألسباب.
ص 172
ص 173 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 110
ّللا ِبما ت َ ْع َملُ َ
ون الزكاةَ َوما تُقَ ِ هد ُموا ِأل َ ْنفُ ِ
س ُك ْم ِم ْن َخ ْي ٍر ت َ ِجدُوهُ ِع ْن َد ه ِ
ّللا ِإ هن ه َ َوأَقِي ُموا ال ه
صلةَ َوآتُوا ه
ير ) ( 110بَ ِص ٌ
تضاف الصالة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء واألفعال المعلومة شرعا ،فجمع البشر هذه
المراتب الثالث المسماة صالة.
ص 173
ص 174 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 111
َوقالُوا لَ ْن يَ ْد ُخ َل ا ْل َجنهةَ ِإاله َم ْن َ
كان ُهودا ً أ َ ْو نَصارى تِ ْلكَ أَمانِيُّ ُه ْم قُ ْل هاتُوا بُ ْرهانَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم
ين ) ( 111 صا ِدقِ َ
ى ِم ْن على ُهد ا ّللا تعالى في أول سورة البقرة في قوله « :أُول ِئ َك َ فأكذبهم في التحجير بما ذكره ه
َر ِبه ِه ْم َوأُولئِ َك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحونَ «» قُ ْل هاتُوا بُ ْرهانَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِينَ »البراهين ال تخطئ في
نفس األمر ،وإن أخطأ المبرهن عليه ،فذلك راجع إليه ،وأما البرهان ،فقوي السلطان.
ص 178
ص 175 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 112
علَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم
ف َ س ٌن فَلَهُ أَجْ ُرهُ ِع ْن َد َر ِبه ِه َوال َخ ْو ٌ بَلى َم ْن أ َ ْ
سلَ َم َوجْ َههُ ِ ه ِ
َّلل َو ُه َو ُمحْ ِ
ون(.)112 يَحْ َزنُ َ
اعلم أن اإلحسان أعلى درجة في اإليمان ،وأعلى اإلحسان المشاهدة ،وأدناه المراقبة ،
ين »والصدق في هذه َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َّاك نَ ْعبُ ُد َوإِي َ
والمحسن قد تحقق الصدق في دعوى قوله« إِي َ
ين »خطاب َّاك نَ ْست َ ِع ُ
َّاك نَ ْعبُ ُد َوإِي َالدعوى إنما يكون باإلخالص هّلل سبحانه وحده ،فقوله «:إِي َ
ّللا تعالى فينا
لموجود يشاهد مع العبادة ،ويراقب مع االستعانة ،ألننا مع المشاهدة نرى أفعال ه
وفي غيرنا ،ومع المراقبة نعلم أنه الذي أسمعنا ما نسمعه في أنفسنا ومن غيرنا ،وهو الذي
أوجد حركاتنا وحركات غيرنا وسكناتهم ،فالمشاهدة على هذا رؤية تقع موقع العيان ،
والمراقبة رؤية قلب ،وال تتحقق العبادة واالستعانة إال ممن يعرف المشاهدة والمراقبة ،فمن
ّللا عليه وسلم ،أسلم وآمن وأحسن فقد عرف معالم الدين الذي نزل به جبريل على النبي صلهى ه
ليعلم األمة معالم دينهم ،وال يظفر بهذه الصفة إال من أسلم وجهه هّلل وهو محسن.
ص 175
ص 176 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 113إلى 114
ت ا ْليَ ُهو ُد عَلى َ
ش ْي ٍء َو ُه ْم س ِ ت النهصارى لَ ْي َ ش ْي ٍء َوقالَ ِ ت النهصارى عَلى َ س ِ ت ا ْليَ ُهو ُد لَ ْي َ َوقالَ ِ
ون ِمثْ َل قَ ْو ِل ِه ْم فَ ه
اَّللُ يَحْ ُك ُم بَ ْينَ ُه ْم يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة فِيما كانُوا ِين ال يَ ْعلَ ُم َ
تاب كَذ ِلكَ قا َل الهذ َ ون ا ْل ِك َ يَتْلُ َ
سعى ِفي َخرا ِبها س ُمهُ َو َ ّللا أ َ ْن يُ ْذك ََر ِفي َها ا ْ ون ( َ ) 113و َم ْن أ َ ْظلَ ُم ِم هم ْن َمنَ َع َم ِ
ساج َد ه ِ ِفي ِه يَ ْخت َ ِلفُ َ
ي َولَ ُه ْم فِي ْاآل ِخ َر ِة ع ٌ
َذاب ع َِظي ٌم ين لَ ُه ْم فِي ال ُّد ْنيا ِخ ْز ٌ كان لَ ُه ْم أ َ ْن يَ ْد ُخلُوها إِاله خائِ ِف َ
أُولئِكَ ما َ
) ( 114
الدنيا هي الدار القريبة إلينا ،نشأنا فيها وما رأينا سواها ،فهي المشهودة وهي الحفيظة علينا
ّللا ،وهي الدار ّللا ،وفيها ظهرت شرائع ه والرحيمة بنا ،فيها عملنا األعمال المقربة إلى ه
الجامعة لجميع األسماء اإللهية فظهرت فيها آالء الجنان وآالم النار ،ففيها العافية والمرض ،
ص 176
ص 177 :
وفيها السرور والحزن ،وفيها السر والعلن ،وما في اآلخرة أمر إال وفيها منه مثل ،وهي
ّللا أمانات لعباده لتؤديها إليهم وهي ترقب أحوال أبنائها ما يفعلون
األمينة الطائعة هّلل ،أودعها ه
بتلك األمانات التي أدتها إليهم ،هل يعاملونها بما تستحق كل أمانة لما وضعت له ،فمنها أمانة
ّللا على ما أوالهم من ذلك على يديها ، توافق غرض نفوس األبناء ،فترقبهم هل يشكرون ه
ومنها أمانات ال توافق أغراضهم ،فترقب أحوالهم هل يقبلونها بالرضى والتسليم لكونها هدية
ّللا ،فيقولون في األولى :الحمد هّلل المنعم المفضل ،ويقولون فيما ال يوافق الغرض : من ه
الحمد هّلل على كل حال ،فيكونون من الحامدين في السراء والضراء ،فتعطيهم الدنيا هذه
األمانات نقية طاهرة من الشوب ،فبعض أمزجة األبناء الذين هم كالبقعة للماء واألوعية لما
يجعل فيها ،فيؤثر مزاج تلك البقعة في الماء والماء كله طيب عذب في أصله ،قال قتادة :ما
أنصف الدنيا أحد ،ذمت بإساءة المسئ فيها ،ولم تحمد بإحسان المحسن فيها ،فلو كانت بذاتها
وّللا قد وصفها
تعطي القبح والسوء ما تمكن أن يكون فيها نبي مرسل وال عبد صالح ،كيف ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :إذا بالطاعة فقال :إن علوها وسفلها قاال :أتينا طائعين ،قال رسول ه
ّللا أعصانا لربه ،فهذا ابن
ّللا الدنيا قالت الدنيا :لعن ه
قال أحدكم :لعن ه
ص 178 :
عاق لها ،كيف لعنها وصرح باسمها ،والدنيا من حنوها على أبنائها لم تقدر أن تلعن ولدها ،
ّللا أعصانا لربه ،وما قدرت أن تسميه باسمه ،فهذا من حنو األم وشفقتها على فقالت :لعن ه
ّللا به من طاعته ،وال وفقنا وال وفينا ما رأيناه من
ولدها ،فيا عجبا فينا لم نقف عندما أمرنا ه
ّللا عليه وسلم :نعمت الدنيا مطية ،أخالق هذه األم وحنوها علينا ومحبتها ،وقال النبي صلهى ه
عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ،فوصفها بأن حذرها على أبنائها تذكرهم بالشرور
وتهرب بهم منها ،وتزين لهم الخير وتشوقهم إليه ،فهي تسافر بهم وتحملهم من موطن الشر
ّللا فيها من األوامر اإللهية المسماة شرائع ،
إلى موطن الخير وذلك لشدة مراقبتها إلى ما أنزل ه
ّللا عليه وسلم قد وصفها بأحسن الصفات فتحب أن يقوم بها أبناؤها ليسعدوا .فهذا صلهى ه
وجعلها محال للخيرات ،والناس نسبوا ما كانوا عليه من أحوال الشرور التي عيهنها الشارع
إلى الدنيا ،وهي أحوالهم ما هي أحوال الدنيا ،ألن الشر هو فعل المكلف ما هو الدنيا ،
ّللا التي عينها الشارع لآلخرة ،وهيونسبوا ما كانوا عليه من أحوال الخير ومرضات ه
أحوالهم ما هي أحوال اآلخرة ،ألن الخير هو فعل المكلف ما هو اآلخرة ،فللدنيا أجر
المصيبة في أوالدها من أوالدها ،فمن عرف الدنيا بهذه المثابة فقد عرفها ،ومن لم يعرفها
بهذه المثابة وجهلها مع كونه فيها مشاهدا ألحوالها شرعا وعقال فهو باآلخرة أجهل ،فراقبوا
ّللا ،مراقبة الدنيا أبناءها ،فهي األم الرقوب ،وكونوا على أخالق أمكم تسعدوا. ّللا هنا عباد ه
ه
ص 178
ص 179 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 115
ع ِلي ٌم ( ) 115س ٌع َّللا وا ِ ب فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ هم َوجْ هُ ه ِ
ّللا ِإ هن ه َ ق َوا ْل َم ْغ ِر ُ
َّلل ا ْل َمش ِْر َُو ِ ه ِ
ّللا جل جالله عن التقييد ،فهو ّللا »هذه حقيقة منزهة بال خالف ،فإن ه « فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ
ّللا موجود في كل جهة يتولى أحد إليها ،وال بد لكل مخلوق من التولي قبلة القلوب ،فوجه ه
إلى أمر ما ،ووجه الشيء ذاته وحقيقته ،فكما نسب الحق الفوقية لنفسه من سماء وعرش ،
ّللا
ّللا »لحكم المراتب ،فإن ه نسب لنفسه اإلحاطة بالجهات كلها بقوله «:فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ
تعالى جعل وجهه في كل جهة ليعصم من شاء ويحفظ من شاء ،فإن الحق مع بعض عباده
بالوالية والعناية وبالكالءة والرعاية ،فله تعالى عين في كل أين ،ومع هذا لو تولى اإلنسان
في صالته إلى غير الكعبة مع علمه بجهة الكعبة لم تقبل صالته ،ألنه ما شرع له إال استقبال
هذا البيت الخاص ،بهذه العبادة الخاصة ،فإذا تولى في غير هذه العبادة التي ال تصح إال
ّللا يقبل ذلك التولي مثل الصالة على الراحلة ،فالمستقبل ال بتعيين هذه الجهة الخاصة ،فإن ه
يتقيد فهو بحسب ما تمشي به الراحلة ،كما أنه لو اعتقد أن كل جهة يتولى إليها ما فيها وجه
ّللا لكان كافرا وجاهال ،ولوال أن اإلجماع سبق في أن التوجه إلى القبلة أعني الكعبة شرط من ه
شروط صحة الصالة ،لما كان ذلك شرطا في صحتها ،فإن قوله تعالى «:فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم
ّللا »نزلت بعد األمر بالتوجه إلى الكعبة ،وهي َو ْجهُ َّ ِ
قوله «:أُولئِ َك ما كانَ لَ ُه ْم »يعني الكفار المذكورين« أ َ ْن يَ ْد ُخلُوها إِ َّال خائِ ِفينَ »أي هذا كان
األولى ،وفيه إباحة الدخول للكفار في المساجد على هذه الحالة من ظهور اإلسالم عليهم ،ثم
ي »ومن فعل هذا فله في الدنيا خزي أي ثناء سوء ،فإنه مؤلم لهم ما قال «:لَ ُه ْم فِي ال ُّد ْنيا ِخ ْز ٌ
يذكرون به من القبيح ،فإنهم يقرءون في كتبهم أنه مذموم من فعل ذلك ،فيتألمون به وإن
فعلوه ،وأما غير أهل الكتاب فخزيهم ما يرون من تعظيم المسلمين لمساجدهم وطردهم عنها ،
ع ِظي ٌم »مضاعفذاب َع ٌ فيجدون لذلك حزنا وال سيما إذا دخلوا دار اإلسالم« َولَ ُه ْم ِفي ْاآل ِخ َر ِة َ
ّللا وتخرب أجسادهم في النار بإنضاج الجلود وغير للمنع والتخريب ،فيمنعوا أن تنالهم رحمة ه
ذلك ،وأما سبب النزول فإنها نزلت في أنطاخوس بن برسيس الرومي ومن معه من نصارى
الروم ،حين منعوا بيت المقدس أن يصلى فيه ،وظهروا على اليهود فقتلوهم وخربوا بيت
المقدس ،وقوله :
ع ِلي ٌم »هذه اآلية
ّللا وا ِس ٌع َ ّلل ْال َم ْش ِر ُق َو ْال َم ْغ ِر ُ
ب فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ
ّللا ِإ َّن َّ َ ) َ "( 116و ِ َّ ِ
محكمة
ص 179
ص 180 :
آية محكمة غير منسوخة ،ولكن انعقد اإلجماع على هذا وعلى قوله تعالى «فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم
ّللا »محكما في الحائر الذي جهل القبلة ،فيصلي حيث يغلب على ظنه باجتهاد بال خالف َو ْجهُ َّ ِ
،وال خالف أن اإلنسان إذا عاين البيت أن الفرض عليه هو استقبال عينه ،وأما إذا لم ير
البيت فعندنا أن استقبال الجهة هو الفرض ال العين ،فإن في ذلك حرجا ،ومعلوم أن الصف
الطويل قد صحت صالتهم مع القطع بأن الكل منهم ما استقبلوا العين ،وإصابة الجهة في غير
الغيم المتراكم ليال أو نهارا في البراري ال يقع إال بحكم االتفاق ،فأحرى إصابة العين ،فال
إعادة على من صلى ولم يصب الجهة إذا تبين له ذلك بعد ما صلى ،واعلم أنه قد جاء ذكر
وجه الحق في آيات كثيرة ،فإذا أردت أن تعلم حقيقته ومظهره من الصورة التي يتجلى فيها
الحق ،فاعلم أن حقيقته من غمام الشريعة ،بإرث نور التوحيد ،ومظهره من العمل وجه
ِين » *اآلية ويدل على أن وجهه تعالى اإلخالص مظهر قوله تعالى اإلخالص« فَأ َ ِق ْم َو ْج َه َك ِلل هد ِ
ّللا »وقوله تعالى «:إِ َّال ا ْبتِغا َء َو ْج ِه «:يُ ِريدُونَ َو ْج َههُ » *وقوله تعالى «:إِنَّما نُ ْ
ط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه َّ ِ
َر ِبه ِه ْاألَعْلى »والمراد في ذلك كله الثناء باإلخالص على أهله تعبيرا بإرادة الوجه عن إخالص
النية ،وتنبيها على أن مظهر وجهه سبحانه يدل على أن حقيقة الوجه هو بارق نور التوحيد
ش ْيءٍ ها ِل ٌك ِإ َّال َو ْج َههُ »أي إال نور ّللا ِإلها ا آخ ََر ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو ُك ُّل َ
ع َم َع َّ ِ لقوله تعالى َ «:وال ت َ ْد ُ
ّللا عليه وسلم « :أعوذ بنور وجهك توحيده ،وهو نور السماوات واألرض بدليل قوله صلهى ه
الذي أشرقت به الظلمات ،وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة » وبهذا يفهم سر قوله تعالى «:
ّللا »ولوجه ربنا سبحانه رداء ،وله حجب وله سبحات ،فأما رداؤه فَأ َ ْينَما ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ
ّللا عليه وسلم « :جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ،وجنتان سبحانه فقد نبه عليه قوله صلهى ه
من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إال رداء الكبرياء على
وّللا أعلم هو ما يحجب القلب عن رؤية الرب وجهه في جنة عدن » فالرداء هنا ه
ص 180
ص 181 :
سبحانه ،وهو أن يكون في قلبك كبرياء لغيره ،فأهل الجنة ليس لهم مانع من نعيم الرؤية ،
ّللا تعالى من غرف أو تحف أو وشهود نور التوحيد إال رداء الكبرياء ،فمن كبر في قلبه غير ه
ّللا صغر عنده ّللا تعالى .ومن عرف ه حور أو مأكول أو مشروب أو شيء سواه حجب عن ه
ّللا في كل شيء ،وبهذا يظهر لك كل شيء فارتفع عن بصره رداء الكبرياء لكل شيء فشهد ه
سر افتتاح الصالة بالتكبير ،ألن الصالة حضرة التجلي والمناجاة والمراقبة ألنوار سبحات
وجهه سبحانه ،وأما حجبه فقد ثبت في الصحيح « حجابه النور » وفي رواية « حجابه النار
» وليس بين الروايتين تناف ،ولك في تأويله سبيالن :أحدهما أن وجهه سبحانه هو الباقي ذو
ّللا عليه الجالل واإلكرام ،فله تجل بجالله في حجاب النار ،كما تجلى سبحانه لموسى صلهى ه
وسلم حين آنس من جانب الطور نارا ،وله تجل بإكرامه في حجاب النور ،كما تجلى تعالى
ّللا عليه وسلم « :رأيت نورا » ّللا عليه وسلم ليلة اإلسراء في قوله صلهى ه لمحمد صلهى ه
وهذان الحجابان ألهل الخصوص ،والتأويل الثاني ،وهو ألرباب العموم ،يؤخذ مما قررناه
أنه ال فاعل في الكون غيره ،وال هادي وال مضل سواه ،يهدي من يشاء ويضل من يشاء ،ال
يسأل عما يفعل وهم يسألون ،فوجه توحيده هو الذي ينعم ويهدي بإقباله ،ويعذب ويضل
بإعراضه ،وله في هدايته النور وهويته المتجلية للقلوب بواسطة شرائع رسله قال تعالى «:
الم »وحجابه في س ِ ّللاُ َم ِن اتَّبَ َع ِرضْوانَهُ ُ
سبُ َل ال َّ ين يَ ْهدِي ِب ِه َّ تاب ُم ِب ٌ
ور َو ِك ٌ قَ ْد جا َء ُك ْم ِمنَ َّ ِ
ّللا نُ ٌ
إضالله النار وهو االكتساب المغشي للقلوب من وساوس الشيطان المخلوق من النار« َك َّال بَ ْل
ع ْن َر ِبه ِه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ لَ َم ْح ُجوبُونَ »قد بيهن بذلك أن وجه على قُلُوبِ ِه ْم ما كانُوا يَ ْك ِسبُونَ َك َّال إِنَّ ُه ْم َرانَ َ
ض ُّل َوال توحيده ،هو الهادي بإقباله ،في حجاب نور االتباع للرسل« فَ َم ِن اتَّبَ َع ُه َ
داي فَال يَ ِ
يَ ْشقى »وأنه هو المضل بإعراضه في حجاب االتباع لوسواس الشيطان ،فإنه ال تنافي بين
ّللا عليه وسلم « :اللهم قوله حجابه النور وبين قوله حجابه النار ،وبذلك يفهم سر قوله صلهى ه
اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا إلى قوله واجعلني نورا » أي اجعلني
من جميع الوجوه نورا داال ،وحجابا يتنعم برؤيتي من أراد التنعم بحسن النظر إليك ،وقد جاء
في
النسب إليه ،عليم بكم أينما توليتم أن قصدكم التوجه إليه سبحانه على طريق القربة ،وفي
ب »وأين ما تولوا ،تنبيه أن كل من سجد إلى جهة معينة ليس مقصدهقوله ْ «:ال َم ْش ِر ُق َو ْال َم ْغ ِر ُ
الجهة
ص 181
ص 182 :
الصحيح «إن هّلل سبعين حجابا من نور » وذلك ال تنافي بينه وبين قوله « :حجابه النور »
ألنه جنس يصلح لشمول األفراد وإن تعددت ،والحق أن حجب أنواره تعالى ال حصر لها ،
ألنه ما من شيء إال وهو حجاب من وجه ربنا ،وآية من آيات وحدانيته « وفي كل شيء له
آية ،تدل على أنه واحد » وبذلك يعرف أن عدد السبعين ليس للحصر ،قال األزهري وغيره
من علماء اللغة :العرب تضع السبع موضع التضعيف وإن جاوز السبع ،وأصل اعتبار هذا
العدد في تضعيف حجبه أن هّلل تعالى صفات ذاتية وهي العلم والحياة والقدرة واإلرادة والسمع
والبصر والكالم ،فهذه سبع صفات ذاتية يتجلى سبحانه في حجب أنوارها بوجه توحيده فكانت
هي مبدأ التضعيف في حجب أنواره تعالى ،ثم إن آيات صفاته تعالى في تجلياتها تتضاعف
برتبة العشرة ،ورتبة المائة ،ورتبة األلف ،وأما سبحات وجهه سبحانه فقد ثبت في الصحيح
« لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » وقد أولها العلماء رضي
ّللا عنهم بجالله تعالى وهو تأويل صحيح ،لكن وجه ربنا ذي الجالل واإلكرام له بجالله ه
سبحات ،وله بإكرامه سبحات ،وإذا أردت أن تجري في التأويل على وفق االستعمال اللغوي
والقواعد التي مهدناها ،فاعلم أن السبحات جمع سبحة ،والسبحة في اللغة :ما يتطوع به من
ذكر وصالة وتسبيح ونحوها مما ال يحصر أفراده ،وقد ثبت أن أنوار الطاعات حجب وجهه
سبحانه ،ونور الذكر شامل لجميعها ومهيمن على سائر سبحات اإلكرام والجالل ،وقد قال
ّللا تعالى لنفسه ولعبده سبحة وجهه شاملة ألنواع سبحاته ،تعالى «:فَا ْذ ُك ُرو ِني أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم »فذكر ه
وذكر العبد له نور حجابه ،فما دام العبد يشهد ذكره لربه ،فوجه ربه متجل عليه في حجابه
بسبحة ذكره ،كما ثبت في الصحيح « أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني » وال
ّللا ،وذكره له يبعده عن شهود نفسه ونسبتها ،ويقربه من شهود توحيد ربه ، يزال العبد يذكر ه
ّللا له ،هناك تحرق سبحته نسبة األفعال حتى ينكشف حجاب ذكره هّلل ،وتتجلى له سبحة ذكر ه
ي
واألذكار للعبد ،وتظهر نسبتها للرب ،كما ثبت في الصحيح « :وال يزال عبدي يتقرب إل ه
بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي
يبطش بها ،ورجله التي
ص 182
ص 183 :
يمشي بها » ،وأما قوله " :ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ".
فاعلم أن بصره سبحانه ال يتناهى مبصوراته ،وال يحجبه عن خلقه حجاب ،وإنما ينكشف
لك معنى الحديث لمراجعة ما قررته لك .،
ّللا كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فنبه ّللا عليه وسلم " :أن تعبد ه وبقوله صلهى ه
ّللا له حتى يغيب عن صفته ورؤيته ومراقبته لربه ،فكل بالشرط على أن العبد ال يشهد رؤية ه
ّللا
عبادة تصحبها المراقبة فهي نور من حجب وجهه ينظر العبد منه إلى ربه تعالى ،وينظر ه
ّللا سبحانه له ،فانتهاء بصره منه إلى عبده ،فإذا كشف للعبد فيها حجاب المراقبة شهد رؤية ه
عبارة عن انتهائه بحسب كشف العبد وشهوده ،ال بحسب نفسه ،فإنه ال انتهاء له ،أو خلقه
هو صفة العبد ،ورؤيته وإحراقه هو محوه بثبوت صفة الرب للعبد ،وصفة الرب ورؤيته هي
رام ". فان َويَبْقى َو ْجهُ َر ِبه َك ذُو ْال َجال ِل َو ْ ِ
اإل ْك ِ علَيْها ٍ
سبحة " ُك ُّل َم ْن َ
ّللا عليه وسلم على الراحلة حيث توجهت ] ّللا صلهى ه [ أوتر رسول ه
ّللا عليه وسلم على الراحلة حيث توجهت ،فإن النبي صلهى ه
ّللا ّللا صلهى ه رقيقة -أوتر رسول ه
ّللا عليه وسلم إني أراكم من خلف ظهري ،فأثبت عليه وسلم كله وجه بال قفا ،فإنه قال صلهى ه
الرؤية لحاله ومقامه فثبتت الوجهية له ،وذكر الخلف والظهر لبشريته ،فإنهم ما يرون رؤيته
،ويرون خلفه وظهره ،ومن كانت هذه حاله فحيث كانت القبلة فهو مواجهها ،فما أوتر
ّللا عليه وسلم قط على راحلته حيث توجهت إال والقبلة في وجهه «فَأ َ ْينَما ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا للمصلي إنما هو في قبلته ّللا »فمن كان وجها كله يستقبل ربه بذاته ،ووجه ه ت ُ َولُّوا فَث َ َّم َو ْجهُ َّ ِ
ودل على أن من حاله هذا الوصف ويرى القبلة بعين منه تكون في الجهة التي تليها فهو مصل
ع ِلي ٌم » . وّللا جل جالله عن التقييد فهو قبلة القلوب« ِإ َّن َّ َ
ّللا وا ِس ٌع َ للقبلة ،ه
ش ْيءٍ »وهو الواسع لكل شيء ولهذا االتساع هو ال يكرر ت ُك َّل َ
قال تعالى َ «:ر ْح َم ِتي َو ِسعَ ْ
شيئا في الوجود ،فإن الممكنات ال نهاية لها ،فأمثال توجد دنيا وآخرة على الدوام وأحوال
تظهر ،وقد وسع كرسيه وهو علمه السماوات واألرض ،ووسعت رحمته علمه والسماوات
واألرض وما ثم إال سماء وأرض فإنه ما ثم إال أعلى وأسفل ،فال تكرار في الوجود ،وإن
خفي في الشهود ،فذلك لوجود األمثال ،وال يعرفه إال الرجال ،لو تكرر لضاق النطاق ولم
يصح االسم الواسع باالتفاق ،وبطل كون الممكنات ال تتناهى ،ولم يثبت ما كان به يتباهى ،
ع ِلي ٌم »بما أوجد عليه خلقه.ّللا واسع على اإلطالق« َ فإن ه
الجهات ،ونبه أيضا بالمشرق على العالنية ألنه محل الظهور ،وبالمغرب على السر ألنه
محل الغيب ،
ص 183
ص 184 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 116إلى 117
ض ُك ٌّل لَهُ قانِت ُ َ
ون ( ) 116بَدِي ُع ت َو ْاأل َ ْر ِ س ْبحانَهُ بَ ْل لَهُ ما فِي ال ه
سماوا ِ َوقالُوا ات ه َخذَ ه
ّللاُ َولَدا ً ُ
ُون) . ( 117 ض َو ِإذا قَضى أ َ ْمرا ً فَ ِإنهما يَقُو ُل لَهُ ك ُْن فَيَك ُت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ال ه
" بَدِي ُع " ألنه ما خلقهما على مثال متقدم ،وكل خلق على غير مثال فهو مبدع بفتح الدال ،
وخالقه مبدعة بكسر الدال « والسماوات واألرض » يعني بذلك ما عال وما سفل ،فهو بديع
كل شيء .وليس اإلبداع سوى الوجه الخاص الذي له في كل شيء ،وبه يمتاز عن سائر
األشياء ،فهو على غير مثال وجودي ،إال أنه على مثال نفسه وعينه من حيث إنه ما ظهر
عينه في الوجود إال بحكم عينه في الثبوت من غير زيادة وال نقصان ،واالبتداع على الحقيقة
إنشاء ما ال مثل له بالمجموع ،وال بديع من المخلوقات إال من له تخيل ،فقد يبتدع المعاني
وال بد أن تنزل في صور مادية وهي األلفاظ التي بها يعبر عنها ،فيقال :قد اخترع فالن
معنى لم يسبق إليه ،وكذلك أرباب الهندسة لهم في اإلبداع اليد الطولى ،وال يشترط في
المبتدع أنه ال مثل له على اإلطالق ،إنما يشترط فيه أنه ال مثل له عند من ابتدعه ولو جاء
بمثله خلق كثير كل واحد قد اخترع ذلك األمر في نفسه ثم أظهره ،فهو مبتدع بال
ص 184
ص 185 :
شك وإن كان له مثل ،ولكن عند هذا الذي ابتدعه ال سبيل إال ابتداع الحق تعالى فإنه تعالى
قال عن نفسه إنه بديع أي خلق ما ال مثل له في مرتبة من مراتب الوجود ،ألنه عالم بطريق
اإلحاطة بكل ما دخل في كل مرتبة من مراتب الوجود ،فكل ما في الوجود مبتدع هّلل فهو
البديع ،وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ،إذ لو
المكون المخلوق ، ه كان عين الحق ما صح أن يكون بديعا ،ولما كان حال كن اإللهية حال
وكان أسرع ما يكون من الحروف في ذلك فاء التعقيب ،لهذا جاء بها في جواب األمر لسرعة
نفوذ األمر اإللهي في نشء العالم وظهوره ،فقال تعالى َ «:و ِإذا قَضى أ َ ْمرا ا فَإِنَّما يَقُو ُل لَهُ ُك ْن
ون »القضاء الذي له المضي في األمور هو الحكم على األشياء بكذا ،والقدر ما يقع فَيَ ُك ُ
بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود ،فالقضاء يحكم على
القدر ،والقدر ال حكم له في القضاء ،بل حكمه في المقدر ال غير بحكم القضاء.
وهم المالئكة وعزير وعيسى ،وأتى بما ولم يقل من ،ألن ما عند سيبويه تقع على كل شيء
فلها العموم ،فاإلتيان بالعام أولى حتى يدخل فيها كل شيء« ُك ٌّل لَهُ قانِتُونَ »أي قائمون
بالعبودية وشروطها ،وقد دخل الكفار في هذا القنوت ،فإنهم مما في السماوات واألرض ،
وهم طائفتان :جاهلة وعالمة ،فمن علم منهم الحق بباطنه مثل أهل الكتاب ومن جرى
مجراهم في العلم ،فهو قانت هّلل في باطنه لعلمه به ،ومن جهل منهم ذلك ،فالجاهل ما عبد
ّللا وال قنت له لعينه ،ولكن تخيل أنه اإلله المقصود بالقنوت له ،فما قنت إال هّلل وإن غير ه
ّللا في إخباره أنه كل له قانتون بهذا الوجه ،وهل ينفعهم أخطأ في نسبة ذلك ،فصدق قول ه
ض »إبداع ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ
ذلك أو ال ينفعهم مسألة أخرى ليس هذا موضعها ( )« 118بَدِي ُع ال َّ
الشيء إحكامه وإتقانه ،فإذا كان هذا ،فيكون عاما في كل موجود ،وإن كان المراد هنا
باإلبداع إيجاد الشيء على غير مثال ،فيكون خاصا بالموجود األول من كل نوع ،وال يدخل
ما تحته تحت هذه الصفة من كونه إبداعا وإنما يدخل تحت اسم الخالق والبارئ ،وقد يريد
بالسماوات واألرض ما عال وما سفل حصرا لجميع الموجودات ،ومن جملتهم ما نسبتموه إلينا
من ولد من إنس وملك ،ولكن ال ينتفي الولد من هذا الوجه ،فإن الولد ال بد أن يكون مخلوقا
مبدعا ،وليس في اللفظ ما يدل على قدم الولد ،وإنما الحجة في قوله َ «:و ِإذا قَضى أ َ ْمرا ا فَإِنَّما
ون »وما أخبركم أنه قضى أن يتبنى أحدا من خلقه ،فافتريتم عليه ،بل نسبة يَقُو ُل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
ما نسبتم إليه من الولد نسبة كل أمر ،إذا قضاه أي شاءه وأراده ،أن يقول له كن أي يأمره بأن
يتكون ،فيكون ،وكان هنا تامة ،وهنا بحر واسع يعز
ص 185
ص 186 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 118إلى 121
ِين ِم ْن قَ ْب ِل ِه ْم ِمثْ َل قَ ْو ِل ِه ْمّللاُ أ َ ْو تَأْتِينا آيَةٌ كَذ ِلكَ قا َل الهذ َ
ون لَ ْو ال يُ َك ِله ُمنَا ه
ِين ال يَ ْعلَ ُم ََوقا َل الهذ َ
شيرا ً َونَذِيرا ً َوال ق بَ ِ س ْلناكَ ِبا ْل َح ه ِون ) ِ ( 118إنها أ َ ْر َ ت ِلقَ ْو ٍم يُوقِنُ َ تَشابَ َهتْ قُلُوبُ ُه ْم قَ ْد بَيهنها ْاآليا ِ
ع ْنكَ ا ْليَ ُهو ُد َوال النهصارى َحتهى تَت ه ِب َع ِملهت َ ُه ْم يم ( َ ) 119ولَ ْن ت َ ْرضى َ سئ َ ُل ع َْن أَصْحا ِ
ب ا ْل َج ِح ِ تُ ْ
ّللا ِم ْن ّللا ُه َو ا ْل ُهدى َولَئِ ِن اتهبَ ْعتَ أ َ ْهوا َء ُه ْم بَ ْع َد الهذِي جا َءكَ ِم َن ا ْل ِع ْل ِم ما لَكَ ِم َن ه ِ قُ ْل إِ هن ُهدَى ه ِ
ون بِ ِه َو َم ْن يَ ْكفُ ْر لوتِ ِه أُولئِكَ يُ ْؤ ِمنُ َ ق تِ َ ِين آت َ ْينا ُه ُم ا ْل ِك َ
تاب يَتْلُونَهُ َح ه ير ) ( 120الهذ َ ي ٍ َوال نَ ِص ٍَو ِل ه
ون ( .)121 س ُر َ بِ ِه فَأُولئِكَ ُه ُم ا ْلخا ِ
ص 186
ص 187 :
قلب عبد وظهر فيه حكمه ،واستوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقا ،وكان خلقا لهذا القلب ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم فقالت :كان خلقه كان القلب عرشا له ،سئلت عائشة عن خلق رسول ه
القرآن ،فما من آية في القرآن إال ولها حكم في قلب هذا العبد ،ألن القرآن لهذا نزل ليحكم ال
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم في تالوته القرآن إذا مر بآية نعيم حكمت ليحكم عليه .كان رسول ه
ّللا من فضله ،وإذا مر بآية عذاب ووعيد حكمت ّللا من فضله ،فكان يسأل هعليه بأن يسأل ه
ّللا ويسبحه
عليه باالستعاذة ،فكان يستعيذ ،وإذا مر بآية تعظيم هّلل حكمت عليه بأن يعظم ه
ّللا ،وإذا مر بآية قصص وما مضى من الحكم بالنوع الذي أعطته تلك اآلية من الثناء على ه
اإللهي في القرون قبله ،حكمت عليه باالعتبار فكان يعتبر .وإذا مر بآية حكم حكمت عليه أن
يقيم في نفسه من يوجه عليه ذلك الحكم فيحكم عليه به ،فكان يفعل ذلك ،وهو عين التدبر
آليات القرآن والفهم فيه ،ومتى لم يكن التالي حاله في تالوته كما ذكرنا فما نزل على قلبه
القرآن ،وال كان عرشا الستوائه ألنه ما استوى عليه بهذه األحكام ،وكان نزول هذا القرآن
أحرفا ممثلة من خياله كانت حصلت له من ألفاظ معلمه إن كان أخذه عن تلقين ،أو من
حروف كتابته إن كان أخذه عن كتابة ،فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ونظر إليها بعين
خياله ترجم اللسان عنها فتالها من غير تدبر وال استبصار ،بل لبقاء تلك الحروف في حضرة
خياله ،وله أجر الترجمة ال أجر القرآن ،ولم ينزل على قلبه منه شيء ،كما قال صلهى ه
ّللا
عليه وسلم في حق قوم من حفاظ حروف القرآن يقرءون القرآن ال يجاوز حناجرهم ،أي ينزل
من الخيال الذي في مقدم الدماغ إلى اللسان فيترجم به وال يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في
صدره ،فلم يصل إلى قلبه منه شيء ،وقال فيهم :إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم
ص 187
ص 188 :
من الرمية ،ال ترى فيه أثرا من دم الرمية ،فإنه ما كل تال يحس بنزول القرآن لشغل روحه
بطبيعته ،فينزل عليه من خلف حجاب الطبع فال يؤثر فيه التذاذا ،فهذا قرآن منزل على
األلسنة ال على األفئدة ،وقال في الذوق « :نزل به الروح األمين على قلبك » فذلك هو الذي
يجد لنزوله عليه حالوة ال يقدر قدرها تفوق كل لذة ،فإذا وجدها فذلك الذي نزل عليه القرآن
الجديد الذي ال يبلى ،والفارق بين النزولين أن الذي ينزل القرآن على قلبه ينزل بالفهم فيعرف
ما يقرأ ،وإن كانت تلك األلفاظ ال يعرف معانيها في غير القرآن ألنها ليست بلغته ،ويعرفها
تالوة إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند التالوة ،فمن قرأ القرآن منزال عليه يجد لذة
اإلنزال ذوقا على قلبه عند قراءته ،فإن للقرآن عند قراءة كل قارئ أي قارئ كان إنزاال ،
غير أن الوارث المحمدي بالحال يحس باإلنزال ،ويلتذ به التذاذا خاصا ال يجده إال أمثاله ،
فذلك صاحب ميراث الحال وما عدا هؤالء فإنما يقرءون القرآن من خيالهم ،فهم يتخيلون
صور حروفه المرقومة إن كان حفظ القرآن من المصاحف واأللواح ،أو يتخيلون صور
حروف ما تلقنوه من معلمهم ،هذا إذا كانوا عاملين به ،وإما إذا قرءوه من غير إخالص فيه
ّللا منه شيئا ،فيبقى في محل تالوته وهو مخرج الصوت ، فال يتجاوز حناجرهم ،أي ال يقبل ه
فال يقرأ القرآن من قلبه إال صاحب التنزل ،وهو الذوق الميراثي ،فمن وجد ذلك فهو صاحبه
يعرف ذلك عند وجوده إياه فال يحتاج فيه إلى معرف ،فإنه يفرق عند ذلك بين قراءته من
خياله وبين قراءته عن تنزيل ربه مشاهدة ،فليس التالي إال من تاله عن قلبه الذي له في كل
تالوة فهم في اآلية ،لم يكن له ذلك الفهم في التالوة التي قبلها ،وال يكون في التالوة التي
ّللا في دعائه في قوله َ «:ربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ا »فمن استوى فهمه في
بعدها ،وهو الذي أجاب ه
التالوتين فهو مغبون ،ومن كان له في كل تالوة فهم
ص 188
ص 189 :
فهو رابح مرحوم ،ومن تال من غير فهم فهو محروم ،فمن تكرر له المعنى في تالوته فما
تاله حق تالوته وكان دليال على جهالته ،ومن زادته تالوته علما وأفادته في كل مرة حكما
فهو التالي ،لمن هو في وجوده له تالي .فينبغي لكل تال إذا تال القرآن أن يتدبره ويأخذ كل
ّللا عليه وسلم أن يبلغه أو يقوله أو يعلهمه فليقله في تالوته وال يكون ّللا به نبيه صلهى ه
أمر أمر ه
حاكيا ،بل يكون صاحب نية وقصد وابتهال في ذلك ،وأنه مأمور به من الحق إن أراد أن
ّللا أخفى النبوة في خلقه وأظهرها في بعض خلقه ،فالنبوة يكون من الحزب النبوي ،فإن ه
الظاهرة هي التي انقطع ظهورها ،وأما الباطنة فال تزال في الدنيا واآلخرة ،ألن الوحي
اإللهي ،واإلنزال الرباني ،ال ينقطع إذ كان به حفظ العالم ،فجميع العالم لهم نصيب من هذا
اإلنزال والوحي .ومن تال المحامد ولم يكن عين ما يتلوه منها فليس بتال ،وكذلك من تال
المذام وكان عين ما يتلوه منها فليس بتال ،فما نزل القرآن إال للبيان« الَّذِينَ آتَيْنا ُه ُم ْال ِك َ
تاب
الوتِ ِه »اعلم أنك ال تعرف منازل التالوة ما لم تعرف الكتب المتلوة بأعيانها ،فإذا يَتْلُونَهُ َح َّق تِ َ
عرفتها عرفت حينئذ كيف تتلوها ،وكيف تسمعها ممن يتلوها عليك ،فأسماء الكتب المنزلة -
وأعني القرآن -الكتاب المنير والمبين والمحصي والعزيز والمرقوم والمسطور الظاهر
والمسطور الباطن والجامع ،وتعيين أربابها القائمين بها ،فالمنير ألهل الحجج ،والمبين ألهل
الحقائق ،والمحصي ألهل المراقبة ،والعزيز ألهل العصمة ،والمرقوم الحكيم للمرسلين
والورثة ،والمسطور الظاهر تأويال واعتبارا ألهل اإليمان ،والمسطور الباطن اعتبارا أيضا
ألهل اإلباحة ،والجامع للروحانيين الملكيين ،وعالمات التالين لهذه الكتب على الحضور
ص 189
ص 190 :
من ادعى أنه تال المنير ،عالمته المكاشفة ،ومن ادعى أنه تال المبين ،عالمته التمييز
والترتيب ،ومن ادعى أنه تال المحصي ،عالمته الوقوف عند الحدود ،ومن ادعى أنه تال
العزيز ،عالمته أنه يجهل مقامه ،ومن ادعى أنه تال المرقوم الحكيم ،عالمته األمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والتسليم هّلل في كل حال ،ومن ادعى أنه تال المسطور الظاهر ،
عالمته المجاهدة ،ومن ادعى أنه تال المسطور الباطن ،عالمته الزندقة ،ومن ادعى أنه تال
الكتاب الجامع ،عالمته الخروج عن البشرية ولحوقه بهيوالنية ملكية -كأبي عقال المغربي
وغيره -وعالمات من تال الحق عليه هذه الكتب أن من تال الكتاب المنير عليه قمع هواه ،
ومن تال عليه المبين شاهد معناه ،ومن تال عليه كتاب المحصي سلك طريق هداه ،ومن تال
عليه كتاب العزيز اجتنب رداه ،ومن تال عليه المرقوم الحكيم بلغ مناه ،ومن تال عليه ظاهر
المسطور فاز برحماه ،ومن تال عليه باطن المسطور كان الشيطان مواله ،ومن تال عليه
الجامع لم ينظر إلى سواه ،ولعلك تشتهي أن ترسم في التالين لهذه الكتب على الحق تعالى بأن
حاال مترحال وأنت ال تعقل معناه ،وال تقف عند حدوده ،أو تمر على حروفه وتكون فيه ه
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »حمدني عبدي ،ال
تتخيل أن يقول لك الحق تبارك وتعالى عند قولك« ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
وّللا ما يراجع الحق سبحانه وتعالى بقوله حمدني عبدي وأثنى علي عبدي إال أهل الحضور ه
معه عند التالوة ،بأنه مناج
ص 190
ص 191 :
نفسه بفعله والمناجى بإحاطته وذاته ،وأهل التدبر والتذكر لما أودع في كتابه العزيز من
األسرار والعلوم ،يفهم كل عبد على قدر مقامه وذوقه وكشفه ،قال تعالى :ليدبروا آياته
وليتذكر أولو األلباب وقال تعالى :قد علم كل أناس مشربهم ،بل أقول :إن كل من قعد على
منهج االستقامة ،وكانت حيلته الطاعة ،وكان اللسان صامتا عن تالوة القرآن ،فإنه حامد هّلل
ّللا فيه حمدني عبدي .فإذا كان اللسان يقول الحمد هّلل ،والقلب في
شاكر له بأفعاله ،ويقول ه
ّللا ؟الدكان ،أو في الدار ،أو في عرض من األعراض ،متى عرف من هذه صفته أن يحمد ه
ّللا وتريد أن يسمع! وكيف ذلك والقلب غافل بما هو عليه عما جرى به لسانه ،فإذا وفقك ه
الحق جل اسمه منك تالوتك ،ويرسمك في ديوان التالين ،ويقول لك على الكلمات حمدني ،
فاعلم منازل التالوة ،ومواطنها ،وكم من التالين منك ،وذلك أن تعلم أن على اللسان تالوة ،
وعلى الجسم بجميع أعضائه تالوة ،وعلى النفس تالوة ،وعلى القلب تالوة ،وعلى الروح
السر تالوة ،فتالوة اللسان ترتيل الكتاب على الحد الذي ه سر
تالوة ،وعلى السر تالوة ،وعلى ه
رتب المكلف له ،وتالوة الجسم المعامالت على تفاصيلها في األعضاء التي على سطحه ،
وتالوة النفس التخلق باألسماء والصفات ،وتالوة القلب اإلخالص والفكر والتدبر ،وتالوة
ّللا عليه وسلم في الحديث القدسي صفة ال الروح التوحيد ،وتالوة السر االتحاد من قوله صلهى ه
ذاتا كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ،
ص 191
ص 192 :
وتالوة سر السر األدب وهو التنزيه الوارد عليه من اإللقاء منه جل وعال ،فمن قام بين يدي
سيده بهذه األوصاف كلها فلم ير جزء منه إال مستغرقا فيه على ما يرضاه منه ،كان عبدا كليا
،وقال له الحق تعالى إذ ذاك :حمدني عبدي أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قوال أو
حاال ،فإن كان فيه بعض هذه األوصاف وتعلقت غفلة ببعض التالين فليس بعبد كلي ،وال
يكون فيه للحق تعالى من عبودية االختصاص إال على قدر ما اتصفت به ذاته ،فثم عبد يكون
وّلل فيه الخمس ولهواه ما بقي ،والربع والثلث والنصف علىهّلل فيه السدس ولهواه ما بقي ،ه
قدر ما يحضر منه مع الحق تعالى من حيث هو نوري ،فانظر أين تجعل همتك ،وكيف تكون
مع الحق الذي إليه مردك ،فإنك ال تجد عنده إال ما قدمت ،وقد علمت المنازل فإما عبدا كليا
باّلل
،وإما جزء عبد فتدبر هذه التالوة ،وألزمها نفسك في حركاتك وسكناتك ،فال تتحرك إال ه
فباّلل من حيث توليه لك
ّللا وال تسكن إال على هذا الحد ،ه
ّللا وعن ه
ّللا وإلى ه
ّللا وفي ه
وّلل ومع ه
ه
ّللا من حيث ّللا من حيث المشاهدة والمراقبة ،وفي ه
وّلل من أجله ال من أجلك ،ومع ه
في ذلك ،ه
ّللا من حيث التكليف .وهكذا فلتكن ّللا من حيث التوجه والقصد ،وعن ه التدبر والتفكر ،وإلى ه
في تالوتك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى ،فال يطلع عليك في سرك وعالنيتك على ما ال
يرضاه منك ،وإن كان هو الفاعل سبحانه الموجد الفعل .فالزم ما كلفت من األدب ،وما
تقتضيه الحضرة اإللهية من اإلجالل والتعظيم.
ص 192
ص 193 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 122إلى 124
ين ( َ ) 122واتهقُوا علَى ا ْلعالَ ِم َ علَ ْي ُك ْم َوأ َ ِنهي فَ ه
ض ْلت ُ ُك ْم َ ي الهتِي أ َ ْنعَ ْمتُ َ
اذك ُُروا نِ ْع َمتِ َسرائِي َل ْ يا بَنِي ِإ ْ
ون (ص ُر َ ع ْد ٌل َوال ت َ ْنفَعُها شَفاعَةٌ َوال ُه ْم يُ ْن َ ش ْيئا ً َوال يُ ْقبَ ُل ِم ْنها َ س ع َْن نَ ْف ٍس َ يَ ْوما ً ال تَجْ ِزي نَ ْف ٌ
اس ِإماما ً قا َل َو ِم ْن ذُ ِ هريه ِتي ت فَأَت َ هم ُه هن قا َل ِإ ِنهي جا ِعلُكَ ِللنه ِ َ ) 123و ِإ ِذ ا ْبتَلى ِإ ْبرا ِهي َم َربُّهُ ِب َك ِلما ٍ
ين ( ) 124 ظا ِل ِم َع ْهدِي ال ه قا َل ال يَنا ُل َ
ت »ألن االبتالء من أفضل الكرامات ،وقد تلقاها للتوب صاحب يم َربُّهُ بِ َك ِلما ٍ
« َوإِ ِذ ا ْبتَلى إِبْرا ِه َ
ّللا تعالى لخليله إبراهيم عليه السالم «ِ :إ ِنهي السمات ،واالبتالء إشارة إلى ذبح ولده قال ه
اس ِإماما ا »ابتداء منه من غير طلب من إبراهيم عليه السالم ليكون معانا مسددا ، جا ِعلُ َك ِللنَّ ِ
اس ِإماما ا ّللا وقال تعالى ِ «:إ ِنهي جا ِعلُ َك ِللنَّ ِ وعلمنا أنه ليس بظالم قطعا ألن اإلمامة عهد من ه
»ولم يقل خليفة بل ذكره باإلمامة ألن الخليفة يطلب بحكم هذا االسم عليه من استخلفه فيعلم أنه
مقهور محكوم عليه ،فالخليفة له فيه تذكرة ألنه مفطور على النسيان والسهو والغفلة ،فيذكره
اسم الخليفة بمن استخلفه ،واإلمام ربما اشتغل بإمامته عمن جعله إماما ،ألن اإلمامة ليست
لها قوة التذكير في الخالفة فقال تعالى في الجماعة الكمل َ «:جعَلَ ُك ْم*
ّللا ،ويحتمل أن يريد به أهل التوراة به »أي يصدقون بكل ما يتضمنه ،وبه أنه من عند ه
ّللا عليه الذين تلوها حق تالوتها وأهل اإلنجيل وآمنوا بما وجدوا فيها من بعث محمد صلهى ه
وسلم ورسالته ،وأنه هو هذا ،فيكون خاصا بالمؤمنين من اليهود والنصارى ،ثم قال َ «:و َم ْن
يَ ْكفُ ْر بِ ِه » *كما فصلناه في معنى الكفر والكافر« فَأُولئِ َك ُه ُم ْالخا ِس ُرونَ » *تقدم الكالم على
جارت ُ ُه ْم )في أول السورة «) ( 123يا بَنِي ِإسْرائِي َل ا ْذ ُك ُروا ت تِ َ هذا المعنى في( فَما َربِ َح ْ
علَى ْالعالَ ِمينَ »قد تقدم الكالم عليها وكذلك ( «) 124 علَ ْي ُك ْم َوأ َ ِنهي فَض َّْلت ُ ُك ْم َ
ي الَّتِي أ َ ْنعَ ْمتُ َ
نِ ْع َمتِ َ
ع ْد ٌل »فذكر في األولى( َوال يُؤْ َخذُ ِم ْنها شيْئا ا َوال يُ ْقبَ ُل ِم ْنها َ
ع ْن نَ ْف ٍس َ س َ َواتَّقُوا يَ ْوما ا ال ت َ ْج ِزي نَ ْف ٌ
ع ْد ٌل »أي فداء ،فإن القبول ال يكون إال مع الرضاء به ، ع ْد ٌل )وزاد في هذا« َوال يُ ْقبَ ُل ِم ْنها َ َ
واألخذ قد يكون عن رضاء وقد ال يكون ،فزاد في هذه اآلية ولو أخذنا الفداء لم نأخذه على
جهة القبول والرضاء وإنما هو بضاعتنا ردت إلينا ،فأبان هنا بالقبول أمرا لم يذكره هناك ،
عةٌ» وقال في هذه اآلية« َوال ت َ ْنفَعُها شَفا َ
ص 193
ص 194 :
ض » *فوقع هذا في مسموعهم فتصرفوا في العالم بحكم الخالفة ،وقال ف فِي ْاأل َ ْر ِ خَالئِ َ
اس ِإماما اّللا من عباده « ِإ ِنهي جا ِعلُ َك ِللنَّ ِ
إلبراهيم عليه السالم بعد أن أسمعه خالفة آدم ومن شاء ه
»لما علم أن الخالفة قد أشربها فال يبالي بعد ذلك أن يسميه بأي اسم شاء ،فقال إبراهيم لربه
الظا ِل ِمينَ »فإن اإلنسان المخلوق على الصورة - ع ْهدِي َّ
تعالى َ «:و ِم ْن ذُ ِ هريَّ ِتي »« قا َل ال يَنا ُل َ
ّللا ال ينال عهده ال اإلنسان الحيوان -هو الذي له اإلمامة في الكون ،صاحب العهد فإن ه
الظالمون وليس عهده سوى صورته ،فما أهمل من أهمل من األناسي إال لجهله بمنزلته
وتصرفه في غير مرتبته ،فلو أعطى نفسه حقها ،كما أعطاها ربها خلقها ،لكان إمام العالمين
،فالسيد اإلمام ،العارف العالم ،يقول :األمام األمام ،وفي يده سراجه وفي رأسه تاجه ،
يشهد له الحق بالخالفة ،واألمن من كل عاهة وآفة ،وأما إذا كانت الطرق مظلمة ،ال يعرف
الماشي فيها في أي مهواة يهوي ،ومع هذا يسير وال يلوي ،فإذا سقط ،عند ذلك يعلم أنه
فرط.
ص 194
ص 195 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 125
صلًّى َوع َِهدْنا ِإلى ِإ ْبرا ِهي َم اس َوأ َ ْمنا ً َوات ه ِخذُوا ِم ْن َم ِ
قام ِإ ْبرا ِهي َم ُم َ َو ِإ ْذ َجعَ ْلنَا ا ْلبَ ْيتَ َمثابَةً ِللنه ِ
س ُجو ِد ( ) 125 الرك ِهع ال ُّ ين َوا ْلعا ِك ِف َ
ين َو ُّ طائِ ِف َ ي ِلل هسما ِعي َل أ َ ْن َط ِ ههرا بَ ْيتِ ََو ِإ ْ
صلًّى »وهما الركعتان بعد الطواف لننال ما ناله إبراهيم عليه يم ُم َ قام ِإبْرا ِه َ« َوات َّ ِخذُوا ِم ْن َم ِ
السالم من الخلة على قدر ما يعطيه حالنا ،فإن من مقامه عليه السالم قوله تعالى فيه «:
يم الَّذِي َوفَّى »ومن مقامه عليه السالم أنه كان أواها حليما ،فيكون هذا أيضا من قصدنا َوإِبْرا ِه َ
مقام إبراهيم لنتخذه مصلى ،أي موضع دعاء في صالة ،أو إثر صالة لنيل هذا المقام والصفة
ّللا وحاله ومقامه ،ومن مقام إبراهيم عليه السالم ،التي هي نعت إبراهيم خليل ه
التبليغ ،وشروط اإلمامة كثيرة ،فهي من االبتالء الشديد ويحتمل أن يكون ذلك على جهة
التشريف والتكريم ،لما قام بالكلمات حق القيام على التمام والكمال كان أهال لإلمامة ،فشرفه
ّللا بأن قدهمه على خلقه ليأتموا به ويهتدوا بهديه ،إذ قد آنس منه الرشد فيما ابتلي به ،فدفع ه
اإلمامة إليه ،كما أمرنا في األيتام في دفع أموالهم لهم واستحقاقهم لها بإيناس الرشد منهم ،
فقال ( َ :وا ْبتَلُوا ْاليَتامى َحتَّى ِإذا بَلَغُوا ال ِنهكا َح )وهو أحد الشرطين (فَإِ ْن آنَ ْست ُ ْم ِم ْن ُه ْم ُر ْشدا ا
الظا ِل ِمينَ »طلب ع ْهدِي َّ فَا ْدفَعُوا ِإلَ ْي ِه ْم أ َ ْموالَ ُه ْم «) قا َل »إبراهيم« َو ِم ْن ذُ ِ هريَّتِي »« قا َل ال يَنا ُل َ
أن جعله إماما كان تشريفا إبراهيم من ربه أن يجعل من ذريته أئمة ،وهذا الطلب دليل على ه
وكرامة به ال ابتالء ،فترجح أحد الوجهين ،ولو فهم بقرائن األحوال أن اإلمامة كانت على
طريق االبتالء ما طلب مثلها لذريته ،وإن كانت ابتالء من حيث ما يتعلق بها ،ولكن إذا
ّللا أنه معان معصوم كانت إمامته تشريفا بال شك ،ويبقى ما فيها من عرف اإلمام بتعريف ه
االبتالء في حق من وليها من المؤمنين الذين جهلوا أحوالهم فيها ،وأما قوله «:ال يَنا ُل َ
ع ْهدِي
الظا ِل ِمينَ »يقول ال أعطي اإلمامة للظالم بوحي منزل فيه أسميه بعينه ،مثل ما سميت الرسل َّ
داو ُد ِإنَّا
بأسمائهم وخصصتهم من سائر الخلق بالخطاب بالعهد واإلمامة ،مثل قولنا ( :يا ُ
اس إِماما ا )وهكذا جميع الرسل ،فهذا هو ض )وإلبراهيم( إِ ِنهي جا ِعلُ َك ِللنَّ ِناك َخ ِليفَةا فِي ْاأل َ ْر ِ َجعَ ْل َ
العهد الذي ال يناله الظالم من عبادي ،وأما من نصبه الناس إماما فأئمتهم رجالن :ظالم
وعادل ،فالعادل هو الذي يقوم فيهم بسنة نبيهم وهديه ،ويسلك بهم أوامر الحق المشروع لهم
من عندنا ،وهم أئمة الهدى الذين يأمرون بالقسط من الناس ،فنحن أيضا شرعنا لهم بالوحي
المنزل على الرسل تولية مثل هؤالء اإلمامة ،فهم ممن ينال عهدي ،وطائفة
ص 195
ص 196 :
أيضا :أنه كان أمة قانتا هّلل حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا ألنعمه اجتباه وهداه إلى صراط
ّللا ،ومن مقامه عليه مستقيم ،ومن مقامه عليه السالم :أنه أوتي الحجة على قومه بتوحيد ه
السالم أيضا :أنه كان مسلما ،ومن مقامه عليه السالم أيضا :الصالح .
ّللا آتاه أجره في الدنيا ،وأنه في اآلخرة لمن الصالحين . ومن مقام إبراهيم عليه السالم :أن ه
صلًّى
يم ُم َ فهذا كله من مقام إبراهيم الذي أمرنا أن نتخذه مصلى فقال َ «:وات َّ ِخذُوا ِم ْن َم ِ
قام إِبْرا ِه َ
»أي موضع دعاء إذا صليتم فيه أن ندعو في نيل هذه المقامات التي حصلت إلبراهيم الخليل
عليه السالم .
واعلم أن مكة خير وسيلة عبادية ،وأشرف منزلة جمادية ترابية ،وأنه قد طاف بهذا البيت
ص 196
ص 197 :
مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى األولياء ،وما من نبي وال ولي إال وله همة
ّللا على سائر البيوت وله سر متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام ،ألنه البيت الذي اصطفاه ه
ى اس لَلَّذِي ِببَ َّكةَ ُم َ
باركا ا َو ُهد ا ض َع ِللنَّ ِ األولية في المعابد ،كما قال تعالى ِ «:إ َّن أ َ َّو َل بَ ْي ٍ
ت ُو ِ
يم َو َم ْن َد َخلَهُ كانَ ِآمنا ا »من كل مخوف إلى غير ذلك من آيات بَ ِيه ٌ
نات َمقا ُم ِإبْرا ِه َ ٌ ِل ْلعالَ ِمينَ ِفي ِه
ص 197
ص 198 :
يم َو ِإسْما ِعي َل »أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين عناية ع ِه ْدنا ِإلى ِإبْرا ِه َ
اآليات « َو َ
ّللا عليه وسلم ،سيد المرسلين ،فأكرمهما ببناء البيت وتطهيره إنما كان لكونهما بمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في ظهورهما ،واختص إسماعيل دون بنيه بذلك وباالبتالء حمال النبي صلهى ه
لكونه كان من آباء النبي عليه السالم ،قال « أنا ابن الذبيحين » وإنما كانت الفضيلة لهما في
ي ِل َّ
لطائِ ِفينَ »في بيت البيت لكونهما طهراه وبنياه عن أمر إلهي فقال تعالى «:أ َ ْن َ
ط ِ ههرا بَ ْيتِ َ
ّللا بال واسطة منذ خلق الدنيا ما جرت عليه يد مخلوق ،والطائفون خاص نسبة إذ كان بيت ه
كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ،والبيت في األرض كالعرش المنسوب إلى
استواء الرحمن« َو ْالعا ِك ِفينَ »االعتكاف :اإلقامة بمكان مخصوص ،وفي الشرع على عمل
ّللا جل جالله وهو مندوب إليه شرعا واجب مخصوص ،بحال مخصوص على نية القربة إلى ه
بالنذر .وللمعتكف أن يفعل جميع أفعال البر التي ال تخرجه عن الموضع الذي أقام فيه ،فإن
خرج فليس بمعتكف ،وال يثبت عندي فيه االشتراط.
ص 198
ص 199 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 126
اَّلل َوا ْليَ ْو ِم
ت َم ْن آ َم َن ِم ْن ُه ْم ِب ه ِار ُزقْ أ َ ْهلَهُ ِم َن الث ه َمرا ِ ب اجْ عَ ْل هذا بَلَدا ً ِ
آمنا ً َو ْ َو ِإ ْذ قا َل ِإ ْبرا ِهي ُم َر ه ِ
ير ) ( 126 س ا ْل َم ِص ُ ض َط ُّرهُ ِإلى عَذا ِ
ب النه ِار َو ِبئْ َ ْاآل ِخ ِر قا َل َو َم ْن َكفَ َر فَأ ُ َم ِت هعُهُ قَ ِليلً ث ُ هم أ َ ْ
دعا إبراهيم عليه السالم لمكة بالبركات ،فإنه إذا بورك في األم بورك في البنات.
ص 199
ص 200 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 127
سما ِعي ُل َربهنا تَقَبه ْل ِمنها ِإنهكَ أ َ ْنتَ ال ه
س ِمي ُع ا ْلعَ ِلي ُم ( 127 َو ِإ ْذ يَ ْرفَ ُع ِإ ْبرا ِهي ُم ا ْلقَوا ِع َد ِم َن ا ْلبَ ْي ِ
ت َو ِإ ْ
)
دعا إسماعيل بالقبول ،فأظهر النقص ليصح كمال الخليل ،إذ الواجب على كل بنيه ،أن يضع
من قدره عند قدر أبيه ،فأظهر إسماعيل صفة االفتقار ،وظهر بها احتراما ألبيه وأدبا معه.
ص 200
ص 201 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 128
علَ ْينا ِإنهكَ أ َ ْنتَ الت ه هو ُ
اب س ِل َمةً لَكَ َوأ َ ِرنا َمنا ِ
سكَنا َوت ُ ْب َ س ِل َم ْي ِن لَكَ َو ِم ْن ذُ ِ هريهتِنا أ ُ همةً ُم ْ
َربهنا َواجْ عَ ْلنا ُم ْ
الر ِحي ُم ) ( 128 ه
ّللا مقطوع لها بالقبول ،وتوبة العبد في محل اإلمكان ،لما فيها من العلل وعدم اعلم أن توبة ه
ّللا فيها ،فالعارف يسأل ربه أن يتوب عليه ،فإن العلم باستيفاء حدودها وشروطها وعلم ه
ّللا فيه خطر عظيم ،فإنه إن كان قد بقي ّللا بطريق العهد وهو ال يعلم ما في علم ه الرجوع إلى ه
عليه شيء من مخالفة فال بد من نقض ذلك العهد.
ص 201
ص 202 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 129
يه ْم ِإنهكَ أ َ ْنتَتاب َوا ْل ِح ْك َمةَ َويُ َز ِ هك ِ
علَ ْي ِه ْم آياتِكَ َويُعَ ِله ُم ُه ُم ا ْل ِك َسوالً ِم ْن ُه ْم يَتْلُوا َ َربهنا َوا ْبعَ ْث فِ ِ
يه ْم َر ُ
يز ا ْل َح ِكي ُم ) ( 129 ا ْلعَ ِز ُ
الحكمة ليست مطلوبة إال من أجل ما تدل عليه ،واعلم أن الحكيم من العباد الذي ينزل كل
شيء منزلته ،وال يتعدى به مرتبته ،ويعطي كل ذي حق حقه ،ال يحكم في شيء بغرضه
ّللا
وال بهواه ،وال تؤثر فيه األعراض الطارئة ،فينظر الحكيم إلى هذه الدار التي قد أسكنه ه
ّللا له من التصرف فيها من غير زيادة وال نقصان ، فيها إلى أجل ،وينظر إلى ما شرع ه
فيجري على األسلوب الذي قد أبين له ،وال يضع من يده الميزان الذي قد وضع له ،في هذا
ّللا الحالتين ، الموطن ،فإنه إن وضعه جهل المقادير فإما يخسر في وزنه أو يطفف ،وقد ذم ه
وجعل تعالى للتطفيف حالة خاصة يحمد فيها التطفيف ،فيطفف هناك على علم فإنه رجحان
ّللا في تطفيفه ،فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط الميزان ويكون مشكورا عند ه
ّللا في خلقه ويكون بذلك إمام وقته ،ومن الحكمة عدم إظهار الحق لعباده ، شيئا من حكمة ه
ّللا ورسوله ،ومن الحكمة أن ال وتعريف الخلق به ،في الموطن الذي يؤدي ذكره إلى أذى ه
ّللا ،في ّللا ،وال بذكر رسوله ،وال أحد ممن له قدر في الدين عند ه يعرض الحكيم بذكر ه
ّللا به ، ّللا فيها أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى ه األماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر ه
كالصحابة عند الشيعة ،فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور ،وشتمه ،وإدخال األذى في حقه ،
ففي مثل هذا الموطن ال يذكره.
ص 202
ص 203 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 130
ص َطفَ ْيناهُ فِي ال ُّد ْنيا َو ِإنههُ فِي ْاآل ِخ َر ِة لَ ِم َن
سهُ َولَقَ ِد ا ْس ِفهَ نَ ْف َ
ب ع َْن ِمله ِة ِإ ْبرا ِهي َم ِإاله َم ْن َ
غ َُو َم ْن يَ ْر َ
ين ) ( 130 صا ِل ِح َ ال ه
موه .العقل عن السفاهة منزه ،وما هو بعاقل إلى الهوى يرجع السفه ،ودع عنك كالم من ه
صا ِل ِحينَ »الصالح أشرف مقام يصل إليه العبد ،ويتصف حتى يتنبه« َوإِنَّهُ فِي ْاآل ِخ َرةِ لَ ِمنَ ال َّ
ّللا بها على من وصفه بها من خاصته ،وهي به في الدنيا واآلخرة ،فإن الصالح صفة امتن ه
ّللا صلهى ه
ّللا صفة يسأل نيلها كل نبي ورسول ،والصالح صفة ملكية روحانية ،فإن رسول ه
ّللا الصالحين » عليه وسلم يقول فيها :إذا قال العبد في التشهد « السالم علينا وعلى عباد ه
أصابت كل عبد صالح هّلل في السماء واألرض.
ص 203
ص 204 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 131
ب ا ْلعالَ ِم َ
ين ) ( 131 سلَ ْمتُ ِل َر ه ِ ِإ ْذ قا َل لَهُ َربُّهُ أ َ ْ
س ِل ْم قا َل أ َ ْ
ّللا عند كل دعاء يدعوه إليه من غير توقف ِ «.ل َربه ِ اإلسلم :أن يكون العبد منقادا إلى ه
ْالعالَ ِمينَ »اعلم أن الربوبية نعت إضافي ال ينفرد به أحد المتضايفين عن اآلخر فهي موقوفة
على اثنين ،فمالك بال ملك ال يكون وجودا وتقديرا ،ومليك بال ملك ال يكون ،كذلك الرب بال
مربوب ،ال يصح وجودا وتقديرا .
ص 204
ص 205 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 133إلى 136
ُون ِم ْن بَ ْعدِي قالُوا نَ ْعبُ ُد ِإل َهكَ َو ِإلهَ وب ا ْل َم ْوتُ ِإ ْذ قا َل ِلبَنِي ِه ما ت َ ْعبُد َ ض َر يَ ْعقُ َ ش َهدا َء ِإ ْذ َح َ أ َ ْم ُك ْنت ُ ْم ُ
ون ( ) 133تِ ْلكَ أ ُ همةٌ قَ ْد َخلَتْ س ِل ُم َ واحدا ً َونَحْ ُن لَهُ ُم ْحاق ِإلها ً ِ س َ سما ِعي َل َو ِإ ْ آبائِكَ ِإ ْبرا ِهي َم َو ِإ ْ
ون ) َ ( 134وقالُوا كُونُوا ُهودا ً أ َ ْو ع هما كانُوا يَ ْع َملُ َ ون َ سئَلُ َس ْبت ُ ْم َوال ت ُ ْ سبَتْ َولَ ُك ْم ما َك َ لَها ما َك َ
اَّلل َوماين ( ) 135قُولُوا آ َمنها بِ ه ِ نَصارى ت َ ْهتَدُوا قُ ْل بَ ْل ِملهةَ إِ ْبرا ِهي َم َحنِيفا ً َوما َ
كان ِم َن ا ْل ُمش ِْر ِك َ
ي ُموسى باط َوما أُوتِ َ س ِ وب َو ْاأل َ ْ حاق َويَ ْعقُ َ س َ سما ِعي َل َوإِ ْ أ ُ ْن ِز َل إِلَ ْينا َوما أ ُ ْن ِز َل إِلى إِ ْبرا ِهي َم َوإِ ْ
ون ) ( 136 ق بَ ْي َن أ َ َح ٍد ِم ْن ُه ْم َونَحْ ُن لَهُ ُم ْ
س ِل ُم َ ون ِم ْن َر ِبه ِه ْم ال نُفَ ِ هر ُ ي النهبِيُّ َ َو ِعيسى َوما أُوتِ َ
ّللا عليه وسلم المؤمنون به أتباع كل نبي ،وكل كتاب ،وكل صحيفة ،جاء أمة محمد صلهى ه
أو أنزل
ص 205
ص 206 :
ّللا ،في اإليمان به -ال بالعمل بالحكم ، -فالشرائع كلها أنوار ،وشرع محمد صلهى
من عند ه
ّللا عليه وسلم بين هذه األنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب ،فإذا ظهرت الشمس خفيت ه
أنوار
ص 206
ص 207 :
الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس ،فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه
صلهى ه
ّللا عليه وسلم مع وجود أعيانها ،كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ،ولهذا ألزمنا في
شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل ،وجميع شرائعهم أنها حق ،فلم ترجع بالنسخ باطال ،
ذلك
ص 207
ص 208 :
ظن الذين جهلوا ،واألنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ،ولم يبعث عاما سوى محمد
صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وما سواه فبعثه خاص ،فنعلم من ذلك أن المحمدي مطلق الدعاء بكل
لسان ،ألنه مأمور باإليمان بالرسل وبما أنزل إليهم ،فما وقف الولي المحمدي مع وحي
خاص إال في الحكم بالحالل والحرام ،وأما في الدعاء ،وما سكت عنه ،ولم ينزل فيه شيء
في شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم يؤذن بتركه ،فال يتركه إذا نزل به وحي على نبي من
األنبياء عليهم السالم ،رسوال كان أو غير رسول .
ص 208
ص 209 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 139
ص َ
ون ( 139 ّللا َو ُه َو َربُّنا َو َربُّ ُك ْم َولَنا أَعْمالُنا َولَ ُك ْم أَعْمالُ ُك ْم َونَحْ ُن لَهُ ُم ْخ ِل ُ
قُ ْل أ َ ت ُ َحا ُّجونَنا فِي ه ِ
)
ّللا عليه وسلم أنه قال ( :إنما األعمال ّللا صلهى ه اإلخالص النية ،روينا من حديث رسول ه
بالنيات ،
ص 209
ص 210 :
ّللا ورسوله ،ومن ّللا ورسوله ،فهجرته إلى ه
وإنما المرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى ه
كانت هجرته لدنيا يصيبها ،أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) والنية لجميع
الحركات والسكنات من المكلفين لألعمال ،كالمطر لما تنبته األرض ،فالنية من حيث ذاتها
واحدة ،وتختلف بالمتعلق ،وهو المنوي فتكون النتيجة بحسب المتعلق به ال بحسبها ،فإن حظ
النية إنما هو القصد للفعل أو تركه ،وكون ذلك الفعل حسنا أو قبيحا ،وخيرا أو شرا ما هو
من أثر النية ،وإنما هو أمر عارض عرض ،ميهزه الشارع وعينه للمكلف ،فليس للنية أثر
البتة من هذا الوجه خاصة ،وإنما النية سبب في ظهور األعمال الصالحة وغير الصالحة ،
وليس لها إال اإلمداد ،وحقيقتها تعطي تعلقها بالمنوي ،وكون ذلك المنوي حسنا أو قبيحا ليس
لها ،وإنما ذلك لصاحب الحكم فيه بالحسن والقبح ،فالمخاطب المكلف إن نوى الخير أثمر
خيرا ،وإن نوى الشر أثمر شرا ،وما أتي عليه إال من المحل من طيبه وخبثه ،فاإلخالص
ّللا ،وبين فاعل
هو النية وإن فاتتك النية فاتك الخير كله ،فكثير ما بين فاعل بنية القربة إلى ه
بغير هذه النية ،والعبادة عمل وترك ،فاإلخالص مأمور به شرعا.
ص 210
ص 211 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 140إلى 143
سبا َط كانُوا ُهودا ً أ َ ْو نَصارى قُ ْل أ َ أ َ ْنت ُ ْم وب َو ْاأل َ ْحاق َويَ ْعقُ َ
س َ سما ِعي َل َو ِإ ْ ون ِإ هن ِإ ْبرا ِهي َم َو ِإ ْ أ َ ْم تَقُولُ َ
ون ( ) 140تِ ْلكَ ع هما ت َ ْع َملُ َّللاُ ِبغافِ ٍل َ ّللا َو َما ه ّللاُ َو َم ْن أ َ ْظلَ ُم ِم هم ْن َكت َ َم شَها َدةً ِع ْن َدهُ ِم َن ه ِ أ َ ْعلَ ُم أ َ ِم ه
سيَقُو ُل ون ( َ ) 141 ع هما كانُوا يَ ْع َملُ َ ون َ سئَلُ َ سبَتْ َولَ ُك ْم ما َك َ
س ْبت ُ ْم َوال ت ُ ْ أ ُ همةٌ قَ ْد َخلَتْ لَها ما َك َ
ب يَ ْه ِدي َم ْن ق َوا ْل َم ْغ ِر ُ علَ ْيها قُ ْل ِ ه ِ
َّلل ا ْل َمش ِْر ُ اس ما َواله ُه ْم ع َْن قِ ْبلَتِ ِه ُم الهتِي كانُوا َ سفَها ُء ِم َن النه ِ ال ُّ
علَى النه ِ
اس ش َهدا َء َ سطا ً ِلتَكُونُوا ُ يم ) َ ( 142وكَذ ِلكَ َجعَ ْلنا ُك ْم أ ُ همةً َو َ ست َ ِق ٍ
راط ُم ْ يَشا ُء إِلى ِص ٍ
سو َل ِم هم ْن علَ ْيها إِاله ِلنَ ْعلَ َم َم ْن يَتهبِ ُع ه
الر ُ علَ ْي ُك ْم ش َِهيدا ً َوما َجعَ ْلنَا ا ْل ِق ْبلَةَ الهتِي ُك ْنتَ َ سو ُل َ الر ُ
ُون ه َويَك َ
ّللاُ ِليُ ِضي َع ِإيمانَ ُك ْم ِإ هن ه َ
ّللا كان ه ّللاُ َوما َ ِين َهدَى ه علَى الهذ َ يرةً ِإاله َ ع ِقبَ ْي ِه َو ِإ ْن كانَتْ لَ َك ِب َ ب عَلى َ يَ ْنقَ ِل ُ
ُف َر ِحي ٌم ( .) 143 اس لَ َرؤ ٌ ِبالنه ِ
اس »فقد نص على علَى النَّ ِ ش َهدا َء َ سطا ا »أي خيارا عدال« ِلت َ ُكونُوا ُ « َو َكذ ِل َك َجعَ ْلنا ُك ْم أ ُ َّمةا َو َ
عدالتنا بمجرد اإليمان ،وإن كان قد علم أنه يقع منا الجور والظلم والتعدي للحدود
ص 212 :
ّللا تعالى
ّللا ،وهذا ما أنزله ه
ّللا وتحريم ما حرم هالمشروعة ،مع حفظ اإليمان بتحليل ما أحل ه
ّللا تعالى به إلينا من قصص أنبيائه معفي حق هذه األمة ،فنحن نشهد على األمم بما أوحى ه
أممهم ،فالشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ،فنأتي يوم القيامة يقدمنا القرآن ،ونحن
ص 212
ص 213 :
نقدم سائر أهل الموقف ،ويقدم القراء منها من ليس له من القرآن مثله ،فأكثرنا قرآنا أسبقنا في
التقدم والرقي في المعراج المظهر للفضل بين الناس يوم القيامة ،فإن للقراء منابر ،لكل منبر
درج على عدد آي القرآن ،يصعد الناس فيه بقدر ما حفظوا منه في صدورهم ،ولهم منابر
أخر لها درج على عدد آي القرآن ،يرقى فيها العاملون بما حققوه من القرآن ،فمن
ص 213
ص 214 :
عمل بمقتضى كل آية بقدر ما تعطيه في أي شيء نزلت رقي إليها عمال ،وما من آية إال ولها
عمل في كل شخص لمن تدبر القرآن ،وفي القيامة منابر على عدد كلمات القرآن ،ومنابر
ّللا من العلم بذلك ،
باّلل ،العاملون بما أعطاهم ه
على عدد حروفه ،يرقى فيها العلماء ه
فيظهرون
ص 214
ص 215 :
ص 216 :
على معارج حروف القرآن وكلماته بسور تلك الحروف والكلمات واآليات والسور والحروف
الصغار منه ،وبه يتميزون عن أهل الموقف في هذه األمة ،ألن أناجيلهم في صدورهم«
سو َل ِم َّم ْن علَيْها ِإ َّال ِلنَ ْعلَ َم َم ْن يَت َّ ِب ُع َّ
الر ُ ش ِهيدا ا َوما َجعَ ْلنَا ْال ِق ْبلَةَ الَّتِي ُك ْن َ
ت َ علَ ْي ُك ْم َ
سو ُل َ َويَ ُكونَ َّ
الر ُ
ع ِقبَ ْي ِه »فإن الدار الدنيا دار بالء وفيها يظهر الصادق من الكاذب على َ يَ ْنقَ ِل ُ
ب َ
ص 115
ص 217 :
اس لَ َرؤ ٌ
ُف ضي َع ِإيمانَ ُك ْم ِإ َّن َّ َ
ّللا ِبالنَّ ِ ّللاُ ِليُ ِ علَى الَّذِينَ َه َدى َّ
ّللاُ َوما كانَ َّ يرة ا ِإ َّال َ
َت لَ َك ِب َ
" َو ِإ ْن كان ْ
ّللا ينزل
ّللا يحكم بها حيث يكون وزنها ،فإن ه َر ِحي ٌم » ،اعلم أن للرأفة موطنا ال تتعداه ،وإن ه
فاّلل هو الرؤوف تعالى مع أنه شرع الحدود ،وأمر كل شيء منزلته ،وال يتعدى به حقيقته ،ه
بإقامتها ،وعذب قوما بأنواع العذاب األدنى واألكبر .
ص 216
ص 218 :
هو التطأطؤ ،وهو نزول من أعلى إلى أسفل ،وبه سمي الساجد ساجدا ،لنزوله من قيامه .
ص 217
ص 219 :
هذا النعت لجواز أن يقوم ذلك النعت بأشخاص كثيرين ،فدخلهم االحتمال في الشخص ال في
النعت َ «.و ِإ َّن فَ ِريقا ا ِم ْن ُه ْم لَيَ ْكت ُ ُمونَ ْال َح َّق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ »أنه الحق فيكتمونه عن مقلديهم ،وعن
ّللا عليه وسلم أنهم عرفوه أنه صاحب هذا النعت ،فقوله َ «:و ِإ َّن فَ ِريقا ا ِم ْن ُه ْم »هم النبي صلهى ه
الذين يلبسون الحق بالباطل« لَيَ ْكت ُ ُمونَ ْال َح َّق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ »يقول :إن الحق أبلج ال لبس فيه ،
لقوة الداللة عليه.
ص 218
ص 220 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 147إلى 148
ين ) َ ( 147و ِل ُك ٍ هل ِوجْ َهةٌ ُه َو ُم َو ِلهيها فَا ْ
ست َ ِبقُوا ا ْل َخ ْيرا ِ
ت ق ِم ْن َر ِبهكَ فَل تَكُونَ هن ِم َن ا ْل ُم ْمت َ ِر َا ْل َح ُّ
ِير ( َ «) 148و ِل ُك ٍهل ِو ْج َهةٌ ُه َو ش ْي ٍء قَد ٌ ّللاُ َج ِميعا ً ِإ هن ه َ
ّللا عَلى ُك ِ هل َ أ َ ْي َن ما تَكُونُوا يَأ ْ ِ
ت ِب ُك ُم ه
ُم َو ِلهيها »والعارف متصرف في كل وجهة لكونه يشاهد وجهه.
ص 219
ص 221 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 149
ع هما رام َو ِإنههُ لَ ْل َح ُّ
ق ِم ْن َر ِبهكَ َو َما ه
ّللاُ ِبغافِ ٍل َ س ِج ِد ا ْل َح ِ ث َخ َرجْ تَ فَ َو ِ هل َوجْ َهكَ َ
ش ْط َر ا ْل َم ْ َو ِم ْن َح ْي ُ
ون ) ( 149 ت َ ْع َملُ َ
أي من كل جهة خرجت مصليا فاستقبل المسجد الحرام ،ويجوز صالة الفرض داخل الكعبة ،
إذ لم يرد نهي في ذلك وال منع ،وقد ورد وثبت حيثما أدركتك الصالة فصل ،
ص 220
ص 222 :
إال األماكن التي خصصها الدليل الشرعي في ذلك ال ألعيانها ،وإنما ذلك لوصف قام بها ،
فيخرج بنصه ذلك القدر لذلك الوصف ،
ص 221
ص 223 :
فإنه ال أين لك غيره ،فانظر فيه تجده محيطا بك مع كونه مستقبلك« َو َحي ُ
ْث ما ُك ْنت ُ ْم »من
َط َرهُ »أي ال تعرضوا عنه ،ووجه الشيء حقيقته وذاته ،فإن األحوال« فَ َولُّوا ُو ُجو َه ُك ْم ش ْ
اإلعراض عن الحق وقوع في العدم ،وهو الشر الخالص ،كما أن الوجود هو الخير المحض
ّللا باطل
الخالص ،والحق هو الوجود ،والخلق هو العدم ،قال لبيد :أال كل شيء ما خال ه
ص 222
ص 224 :
ّللا عليه وسلم في هذا القول :إنه أصدق بيت قالته العرب .وال شك أنّللا صلهى ه
فقال رسول ه
الباطل عبارة عن العدم ؛ فال تحجب بالجهة الكعبية ،عن الجهة اإللهية القلبية .
ص 223
ص 225 :
هو الذي يصلي عليكم أي :يؤخر ذكره عن ذكركم ،فال يذكركم حتى تذكروه ،كان صلهى ه
ّللا
عليه وسلم في حال الضراء يقول :الحمد هّلل على كل حال ،وفي حال السراء :الحمد هّلل
ّللا دائما المنعم المفضل ،وأي ضراء على العبد أضر من الذنب ،فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر ه
وّللا يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه في كل حال ال بد أن يستنير قلبك بنور الذكر ،ه
الحديث وفيه « :وأنا معه » يعني مع العبد « حين يذكرني ،إن ذكرني في نفسه ذكرته في
نفسي ،وإن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منهم » .وقال تعالى َ «:والذَّا ِك ِرينَ َّ َ
ّللا َكثِيرا ا
ّللا على كل حال ،والشكر من المقامات المشروطة بالنعماء ت »وأكبر الذكر ذكر ه َوالذَّا ِكرا ِ
والمحبة ،ليس للبالء في الشكر دخول ،وال للصبر في النعم دخول ،ولما كانت الصالة
ّللا وبين عبده فإذا ناجى العبد ربه فأولى ما يناجيه به من الكالم كالمه ،الذي شرع مناجاة بين ه
له أن يناجيه به ،وهو قراءة القرآن في أحوال الصالة ،من قيام وهو قراءة الفاتحة ،وما
س ِبه ْح بِاس ِْم َر ِبه َك ْالعَ ِظ ِيم » *فهو ذاكر
تيسر معها من كالمه ،ومن ركوع وهو قوله تعالى «:فَ َ
ّللا
ربه في صالته بكالمه المنزل ،وكذلك في سجوده يقول « :سبحان ربي األعلى » فأمرنا ه
بذكره وشكره ،والفاتحة تجمع الذكر والشكر ،وهي التي يقرؤها المصلي في قيامه ،فالشكر
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ » *وهو عين الذكر بالشكر إلى كل ذكر فيها وفي سائر فيها قوله « ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا في حال الصالة وشكره ،أعظم وأفضل من ذكره سبحانه وشكره في غير الصالة ،فذكر ه
الصالة ،فإن الصالة خير موضوع العبادات ،وقد أثرت هذه الصالة في الذكر هذا الفضل
وهو يعود على الذاكر ،وينبغي لكل من أراد أن يذكر
ص 224
ص 226 :
ّللا تعالى ويشكره باللسان والعمل أن يكون مصليا ،وذاكرا بكل ذكر نزل في القرآن ال في ه
غيره ،وينوي بذلك الذكر والدعاء الذي في القرآن ليخرج من العهدة ،فإنه من ذكره بكالمه
ّللا ،وليكون في حال ذكره تاليا لكالمه ، فقد خرج عن العهدة فيما ينسب في ذلك الذكر إلى ه
فيقول في التسبيحات ما في القرآن ،ومن التحميدات ما في القرآن ،ومن األدعية ما في القرآن
ّللا إياه في قوله «:أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم
ّللا ،وبين ذكر ه
،فتقع المطابقة بين ذكر العبد بالقرآن ألنه كالم ه
ّللا الذاكر له وذكره كالمه فتكون المناسبة بين الذكرين ،فإذا ذكره بذكر يخترعه لم »فيذكر ه
ّللا في ذكره للعبد وبين ذكر العبد ،فإن العبد هنا ما ذكره بما جاء تكن تلك المناسبة بين كالم ه
في القرآن وال نواه ،وإن صادفه باللفظ ولكن هو غير مقصود« َوا ْش ُك ُروا ِلي »يقال شكرته
وشكرت له ،فشكرته نص في أنه المشكور عينه ،وقوله شكرت له فيه وجهان ،الوجه
الواحد يكون مثل شكرته ،والوجه الثاني يكون أن يكون الشكر من أجله ،فإذا كان الشكر من
أجله يقول له سبحانه :اشكر من أوالك نعمة من عبادي من أجلي ،ليكون شكره للسبب عين
شكره هّلل ،فإنه شكره عن أمره وجعل المنعم هنا نائبا عن ربه ،فلهذا قال سبحانه َ «:وا ْش ُك ُروا
ِلي »ولم يقل واشكروني ليعم الحالتين ،فإنكم ال تذكرونه حتى يوفقكم ويلهمكم ولذلك قال «:
َوال ت َ ْكفُ ُر ِ
ون ».
فحدث )ومن حدث بها فما سترها ،وقال عليه السالم [ :التحدث بالنعم شكر ] ،وكفران النعم
على وجهين ،كفر بمعنى الجحد والستر لها لجهله بالمنعم الحق سبحانه ،وهم الذين يعتقدون
ّللا ال يعلم الجزئيات ،والوجه اآلخر من كفرها وقوف العبد مع األسباب التي حصلت النعم أن ه
ون »كما عليه عندها لغفلته ،وهذه حالة أكثر المؤمنين ،وكأنه يقول في هذه اآلية َ «:وال ت َ ْكفُ ُر ِ
كفر أهل الكتاب بما أنعمت عليهم فيما قد أخبرتكم في قولي ( :يا بَنِي ِإسْرائِي َل ا ْذ ُك ُروا ) *( يا
بَنِي ِإسْرائِي َل ا ْذ ُك ُروا ) *في غير ما موضع من كتابي وأبنت لكم عن كفرهم بنعمي ،فال
تكفرون أنتم كما كفروا ،ثم أيهه سبحانه بالمؤمنين من عباده فقال «) 154 ( :يا أَيُّ َها الَّذِينَ
آ َمنُوا ا ْست َ ِعينُوا ِبال َّ
صب ِْر
ص 225
ص 227 :
ّللا مما كلف عباده بها ،ألن ّللا مع الصابرين عليها وعلى كل مشقة ترضي ه وأخبرهم بأن ه
الصبر من المقامات المشروطة بالمشقات والمكاره والشدائد المعنوية والحسية ،فجعل الصبر
ون )فالصالة هنا والصبر عليها وهو الدوام هنا للتطابق في قوله َ ( :وا ْش ُك ُروا ِلي َوال ت َ ْكفُ ُر ِ
والثبات وحبس النفس عليها مؤثرة في الذكر والشكر ،فالصبر هنا هو قوله َ ( :وأْ ُم ْر أ َ ْهلَ َك
علَيْها )فلذلك ذكر الصبر مع الصالة ،فكما يؤثر الصبر على الذكر والشكر طبِ ْر َص َ
صالةِ َوا ْ
بِال َّ
في الذكر والشكر ،كذلك يؤثر في الصالة سواء ،وتؤثر الصالة من حيث الصبر عليها في
ّللا أمرنا بذكره وشكره ،والفاتحة تجمع الذكر الذكر والشكر ،ومن حيث هي صالة ،فإن ه
ّللا تعالى والشكر ،وهي التي يقرؤها المصلي في قيامه والتسبيح في ركوعه وسجوده ،وقال ه
صالةِ » *فلوال ما علم الحق بأن الصالة «:ا ْست َ ِعينُوا » *على ذكري وشكري« ِبال َّ
صب ِْر َوال َّ
َّاك نَ ْست َ ِع ُ
ين ّللا قال للعبد :قل َ ( :و ِإي َ
معينة للعبد لما أمره بها ،فإنه أنزلها منزلة نفسه ،فإن ه
)يعني في عبادتك ،فجعل للعبد أن يستعين بربه ،وأمره أن يستعين في ذكره وشكره بالصالة
ّللا
،فناهيك يا ولي من حالة وصفة وحركات وفعل أنزله الحق في أعظم األشياء وهو ذكر ه
منزلة نفسه ،فكأنه من دخل في الصالة قد التبس بالحق ،والحق هو النور ولهذا قال [ :
ّللا عليه وسلم [:وجعلت قرة عيني في الصالة الصالة نور ] فأنزلها منزلة نفسه ،قال صلهى ه
] وقرة عيني ما تسر به عند الرؤية والمشاهدة ،وقد أقام الحق الصبر والصالة مقام نفسه في
المعونة ،والمصلي يناجي ربه ويشاهده في قلبه ،ففي حال المناجاة والشهود ال يجرأ أحد من
ّللا ،وهذا المصلي قليل ،ولكن نرجو أن المخلوقات يقرب من عبد تكون حالته هذه خوفا من ه
يشفع ظاهر العبد في باطنه ،والقدر من الحضور المرعي شرعا هو من الباطن يتأيد مع الفعل
الظاهر ،فيقوي على ما يقع للمصلي من الوسوسة في الصالة ،فال يكون لها تأثير في نقص
ّللا.
نشأة الصالة عناية من ه
ّللا ورسوله
صا ِب ِرينَ »لما تقدم مقاالت أهل الكتاب وغيرهم مما آذوا به ه صال ِة ِإ َّن َّ َ
ّللا َم َع ال َّ َوال َّ
ّللا للمؤمنين «:ا ْست َ ِعينُوا* » على ما تجدونه في أنفسكم من اآلالم لذلك
والمؤمنين ،قال ه
ّللا
صب ِْر » *أي بحبس نفوسكم عن االشتغال بهم إن ه وطلب االنتقام منهم ومؤاخذتهم «بِال َّ
صبور مع الصابرين ،فتخلقوا بأخالقه مع كونه قادرا على أخذهم ،ويسمع أذاهم ويعلم في
ذلك سرهم ونجواهم ،وأنتم إنما تسمعون ذلك منهم في أوقات متفرقة ،واستعينوا أيضا
بالصالة ،أي اشتغلوا
ص 226
ص 228 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 154
ون ) ( 154 ّللا أ َ ْمواتٌ بَ ْل أَحْ يا ٌء َول ِك ْن ال ت َ ْ
شعُ ُر َ َوال تَقُولُوا ِل َم ْن يُ ْقت َ ُل فِي َ
س ِبي ِل ه ِ
ّللا كانت لهم الحياة الدائمة والرزق الدائم ّللا في قتال أعداء ه لما تقرب الشهداء بأنفسهم إلى ه
ّللا أخذ بأبصار ّللا عن ذلك ،ألن ه ّللا ،فال يقال في الشهداء أموات لنهي ه والفرح بما أعطاهم ه
الخلق عن إدراك حياتهم ،كما أخذ بأبصارهم عن إدراك المالئكة والجن مع معرفتنا أنهم معنا
سبَ َّن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
حضور ،وال نعتقد أيضا في الشهداء أنهم أموات بقوله تعالى َ ( :وال ت َ ْح َ
ّللا
ّللا صدق ،فثبتت لهم الحياة لما قصدوا القربة إلى ه ّللا أ َ ْمواتا ا بَ ْل أ َ ْحيا ٌء )وخبر ه
سبِي ِل َّ ِ
َ
ّللا لهم بين الحياتين ،فالمقتول في ّللا ،فجمع ه ّللا في سبيل ه بنفوسهم ،فما مات من قتله أعداء ه
ّللا في معترك حرب الكفار حي يرزق ،ولذلك ال يغسل ،وإنما أمرنا بغسل الميت ، سبيل ه
وهذا الشهيد الخاص
ص 227
ص 229 :
ال يقال فيه إنه ميت وال يحسب أنه ميت ،بل هو حي بالخبر اإللهي الصدق الذي ال يأتيه
ّللا أخذ بأبصارنا عن إدراك الحياة القائمة به كما أخذ الباطل من بين يديه وال من خلفه ،ولكن ه
بأبصارنا عن إدراك أشياء كثيرة ،كما أخذ أيضا بأسماعنا عن إدراك تسبيح النبات والحيوان
والجماد وكل شيء ،ولذلك قال تعالى َ «:ول ِك ْن ال ت َ ْشعُ ُرونَ »بحياتهم ،كما يحيي الميت عند
السؤال ونحن نراه من حيث ال نشعر ،ونعلم قطعا أنه يسأل ،وال يسأل إال من يعقل ،وال
يعقل إال من هو موصوف بالحياة ،فنهينا أن نقول فيهم أموات ،وأخبرنا أنهم أحياء ولكن ال
نشعر .
ص 228
ص 230 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 156
ون ) ( 156 راجعُ َ ِين ِإذا أَصابَتْ ُه ْم ُم ِصيبَةٌ قالُوا ِإنها ِ ه ِ
َّلل َو ِإنها ِإلَ ْي ِه ِ الهذ َ
ثم من فضله ورحمته نعت لنا الصابرين لنسلك طريقهم ،ونتصف بصفاتهم عند حلول الرزايا
صيبَةٌّللا بها عباده ،فقال في نعت الصابرين « :الَّذِينَ ِإذا أَصابَتْ ُه ْم ُم ِ والمصائب التي ابتلى ه
ّلل »فهم هّلل في حالهم« راجعُونَ »يريد في رفعها عنهم ،وقولهم «:إِنَّا ِ َّ ِ قالُوا إِنَّا ِ َّ ِ
ّلل َوإِنَّا إِلَ ْي ِه ِ
ّللا علىّللا ليزول عنه ألمها ،فأثنى ه راجعُونَ »عند مفارقة الحال ،فالرجوع فيها إلى ه َوإِنَّا إِلَ ْي ِه ِ
راجعُونَ »وأخبر بما يكون منه لمن هذه صفته ّلل َو ِإنَّا ِإلَ ْي ِه ِمن يقول إذا أصابته مصيبة« ِإنَّا ِ َّ ِ
وبما لهم منه تعالى في ذلك فقال:
ص 229
ص 231 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 157
ُون ( ) 157 صلَواتٌ ِم ْن َر ِبه ِه ْم َو َرحْ َمةٌ َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْل ُم ْهتَد َ علَ ْي ِه ْم َ أُولئِكَ َ
ّللا يشكرهم على ذلك« َو َر ْح َمةٌ »والرحمة ال وات ِم ْن َر ِبه ِه ْم »يقول إن ه صلَ ٌ علَ ْي ِه ْم َ « أُولئِ َك َ
يكون معها ألم ،فرحمته بإزالة المصيبة عنهم« َوأُول ِئ َك ُه ُم ْال ُم ْهتَدُونَ »الذين بانت لهم األمور
على ما هو األمر عليه في نفسه ،فإن كل ما حصل عنده أمانة إلى وقتها ،فسميت مصيبة في
حقه لنزولها به ،وكانت تنبيها من الحق له ليرجع إليه ،وال يرجع إال من خرج [.سورة
البقرة ( : ) 2آية ] 158
ف ِب ِهما َو َم ْن علَ ْي ِه أ َ ْن يَ َّ
ط َّو َ ّللا فَ َم ْن َح َّج ْالبَي َ
ْت أ َ ِو ا ْعت َ َم َر فَال ُجنا َح َ صفا َو ْال َم ْر َوة َ ِم ْن شَعائِ ِر َّ ِِإ َّن ال َّ
ع ِلي ٌم ) ( 158 ع َخيْرا ا فَإِ َّن َّ َ
ّللا شا ِك ٌر َ تَ َ
ط َّو َ
الحج هو تكرار القصد ،فيتكرر القصد من الناس والجن والمالئكة للكعبة في كل سنة للحج
الواجب والنفل ،وفي غير زمان الحج وحاله يسمى زيارة ال حجا وهو العمرة ،والعمرة
الزيارة ،وتسمى حجا أصغر لما فيها من اإلحرام والطواف والسعي وأخذ الشعر أو منه
واإلحالل ،ولم تعم جميع المناسك فسميت حجا أصغر بالنظر إلى الحج األكبر الذي يعم
استيفاء جميع المناسك ،ولهذا يجزئ القارن بينهما طواف واحد وسعي واحد لمسمى
ص 230
ص 232 :
ّللا عليه وسلم في قرانه في حجة وداعه التي قال فيها : ّللا صلهى ه الحج لها ،وهكذا فعل رسول ه
[ خذوا عني مناسككم ]
فالحج األكبر له زمان خاص ،والعمرة ال تختص بزمان دون زمان ،فحكمها أنفذ في الزمان
من الحج األكبر ،وحكم الحج األكبر أنفذ في استيفاء المناسك من الحج األصغر ،ليكون كل
ّللا فَ َم ْن َح َّج ْالبَي َ
ْت أ َ ِو ا ْعت َ َم َر فَال صفا َو ْال َم ْر َوة َ ِم ْن شَعائِ ِر َّ ِ واحد منهما فاضال مفضوال« إِ َّن ال َّ
ف بِ ِهما »طافت هاجر أم إسماعيل عليه السالم بين الصفا والمروة ، علَ ْي ِه أ َ ْن يَ َّ
ط َّو َ ُجنا َح َ
وهرولت في بطن الوادي سبع مرات تنظر إلى من يقبل من أجل الماء لعطش قام بابنها
ّللا فعل هاجر من السعي بين إسماعيل ،فخافت عليه من الهالك ،والحديث مشهور ،فجعل ه
ّللا تهمم بها في الذكر فبدأ بها ،وقال الصفا والمروة وقرره شرعا ،وإنما يبدأ بالصفا ألن ه
ّللا عليه وسلم لما جاء في حجة وداعه إلى السعي بين الصفا والمروة : ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا به ] [ أبدأ بما بدأ ه
ّللا في خلقه فليقف عند ترتيب حكمته في فبدأ بالصفا واقترأ اآلية ،فمن أراد أن يحصل علم ه
ّللا ،فإن من أسمائه المقدم والمؤخر ،فإن أخرت ّللا ويؤخر ما أخره ه األشياء ،فيقدم ما قدمه ه
ّللا التي بيهنها لكم ما قدمه أو قدمت ما أخره فهو نزاع خفي يورث حرمانا ،فقفوا على مشاعر ه
ّللا عليه وسلم ذلك إال تعليما لنا ولزوم ّللا صلهى ه وال تتعدوا ما رسم لكم ،وما قال رسول ه
ّللا بهّللا ،ولوال أنه جائز له أن يبدأ بالمروة في سعيه لما قال هذا ،ورجح ما بدأ ه األدب مع ه
ّللا به إال لسر يعلمه ،فمن لم يبدأ على ما في المسألة من التخيير من أجل الواو ،فإنه ما بدأ ه
ّللا عليه وسلم [ :خذوا عني مناسككم ] ،وتقديم الصفا في به حرم فائدته ،وقد قال صلهى ه
ّللا ( :لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم فِي ّللا عليه وسلم ،وقال ه ّللا صلهى ه السعي من المناسك ،وهكذا فعل رسول ه
ّللاُ ) ،وقال [ :من رغب سنَةٌ )وقال ِ ( :إ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
ّللا فَات َّ ِبعُونِي يُ ْح ِب ْب ُك ُم َّ ّللا أُس َْوة ٌ َح َ
سو ِل َّ ِ َر ُ
عن سنتي فليس مني ] .
ّللا منها في هذه العبادة ،فاألولى أال نتصرف ّللا عليه وسلم عن مراد ه ّللا صلهى ه فأبان رسول ه
ّللا عليه وسلم ،فلم يقدم باالختيار لما تقدم من بيان الشارع الذي هو العبد المحقق محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم على السعي على الطواف وال المروة على الصفا في السعي ،ولما رقي صلهى ه
ّللا وحده أنجز وعده ، ّللا وكبره ،وقال :ال إله إال ه الصفا حتى رأى البيت استقبل القبلة فوحد ه
ص 231
ص 233 :
ونصر عبده ،وهزم األحزاب وحده ،ثم دعا بين ذلك ،قال مثل هذا ثالث مرات ثم نزل إلى
المروة ،حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي أسرع حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ،
ففعل على المروة كما فعل على الصفا ثم فعل مثل ذلك حتى بلغ سبع أشواط وختم بالمروة ،
واتفق العلماء أن من شرط السعي الطهارة من الحيض وليس من شرطه الطهارة من الحدث ،
والطهارة أولى ،والسعي سنة فإن خرج عن مكة ولم يسع فليس عليه أن يعود وعليه دم ،
واتفق العلماء أن السعي ما يكون إال بعد الطواف بالبيت ،وأنه من سعى قبل الطواف يرجع
ع ِلي ٌم »ما سمى الحق نفسه باالسم الشاكر والشكور ع َخيْرا ا فَإِ َّن َّ َ
ّللا شا ِك ٌر َ فيطوف« َو َم ْن ت َ َ
ط َّو َ
إال لنزيد في العمل الذي شرع لنا أن نعمل به ،كما يزيد الحق النعم بالشكر منا ،فإن الشكر
يقتضي الزيادة لذاته من المشكور مما شكر من أجله ،فإذا علم ذلك علم أن الحق تعالى يطلب
الزيادة من عباده في دار التكليف مما كلفهم فيها من األعمال ،فهو يشكر عباده طلبا للزيادة
ش َك ْرت ُ ْم َأل َ ِزي َدنَّ ُك ْم )فطلب سبحانه من عباده بشكره
منهم مما شكرهم عليه مثل ما قال لعباده( لَئِ ْن َ
ّللا عليه وسلم [ :أفال أكون عبدا شكورا ] فزاد أن يزيدوه فزادوه من العمل ،وهو قوله صلهى ه
ّللا له شكرا ،فزاد الحق في الهداية والتوفيق في موطن األعمال حتى إلى في العبادة لشكر ه
اآلخرة حيث ال عمل وال ألم على السعداء ،وأردف سبحانه وصف نفسه بالشكر وصفه بالعلم
ّللا تعالى ،هو ،ألن مرتبة العلم تعطي أن وقوع خالف المعلوم محال ،والشكور من أسماء ه
ببنية المبالغة ،وهذا االسم مختص في حق من أعطاه من العمل ما تعين على جميع أعضائه
وقواه الظاهرة والباطنة في كل حال بما يليق به ،وفي كل زمان بما يليق به ،فيشكره الحق
على ذلك باالسم الشكور ،وأما العامة فدون هذه الرتبة في أعمال الحال والزمان ،فإذا أتوا
بالعمل على هذا الحد من النقص تلقاهم االسم الشاكر
ص 234 :
ال الشكور ،فهم على كل حال مشكورون
[ إشارة في العمرة ]
إشارة في العمرة -زيارة أهل السعادات هّلل في الدنيا بالقلوب واألعمال ،وفي اآلخرة بالذوات
واألعيان ،والعمرة من حيث هي عمرة ال تصح إال بمكة ،ولما فيها من الشهود الذي يكون به
عمارة القلوب تسمى عمرة .
[ اشاره في السعي ]
إشارة -كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة ،فال يغفل الساعي بين الصفا والمروة ذلك
،فعند ما يرقى في الصفا يعتبر اسمه من األسف ،وهو حزنه على ما فاته من تضييع حقوق
ّللا تعالى عليه ،ولهذا يستقبل البيت بالدعاء والذكر ،ليذكره ذلك فيظهر عليه الحزن ،فإذا
ه
صل نائلة األسف أي وصل إلى المروة وهو موضع نائلة ،يأخذه من النيل وهو العطية ،فيح ه
ّللا امتن عليه بسبع صفات ليتصرف بها أجره ،ويفعل ذلك في السبعة األشواط ،ألن ه
ّللا له أجره في
ّللا ،ال يضيع منها شيئا ،فيأسف على ذلك ،فيجعل هويصرفها في أداء حقوق ه
ه
اعتبار نائلة بالمروة ،إلى أن يفرغ ،أما الرمل بين الميلين ،فألنه بطن الوادي ،وبطون
األودية مساكن الشياطين ،فيرمل في بطن الوادي ليخلص معجال من الصفة الشيطانية ،
والتخلص من صحبته فيها إذ كانت مقره ،ثم إن السعي في هذا الموضع جمع الثالثة األحوال
،وهو االنحدار والترقي واالستواء ،وما ثم رابع ،فحاز درجة الكمال في هذه العبادة ،
أعطى
ص 235 :
علَ ْي ِه أ َ ْن
الحج ،وقال أنس وابن عباس وغيرهما هو تطوع ،واحتجوا باآلية« فَال ُجنا َح َ
ف ِب ِهما» يَ َّ
ط َّو َ
ّللا ،واستواؤه مع ّللا ،وصعوده إلى ه ذلك الموضع ،وهو في كل حال سالك ،فانحداره إلى ه
ّللا هّلل ،فمن سعى ووجد في ّللا ،فهو في كل حال مع ه باّلل عن أمر ه ّللا ،وهو في كل ذلك ه ه
باّلل
حال سعيه ما تعطيه حقيقة الحجارة -ومنها الصفا والمروة -من الخشية والحياة والعلم ه
باّلل ،ذا والثبات في مقامهم فقد سعى ،وحصل نتيجة سعيه ،فانصرف من مسعاه حي القلب ه
وّلل ،وإن لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة ، ّللا ،عالما بقدره وبما له ه خشية من ه
واعلم أنه لما كان الكمال غير محجور على النساء ،وإن كانت المرأة أنقص درجة من الرجل
ّللا فعل هاجر من فتلك درجة اإليجاد ألنها وجدت عنه ،وذلك ال يقدح في الكمال ،لذلك جعل ه
السعي بين الصفا والمروة ،وقرره شرعا في مناسك الحج ،فالخواطر النفسية إذا أثرت
الشفقة والسعي في حق الغير أثر القبول في الجناب اإللهي [.سورة البقرة ( : ) 2اآليات
159إلى ] 163
ب أُولئِ َك يَ ْلعَنُ ُه ُم اس فِي ْال ِكتا ِ ت َو ْال ُهدى ِم ْن بَ ْع ِد ما بَيَّنَّاهُ ِللنَّ ِ ِإ َّن الَّذِينَ يَ ْكت ُ ُمونَ ما أ َ ْنزَ ْلنا ِمنَ ْالبَ ِيهنا ِ
علَ ْي ِه ْم َوأَنَا الت َّ َّو ُ
اب وب َصلَ ُحوا َوبَيَّنُوا فَأُول ِئ َك أَت ُ ُ ّللاُ َويَ ْلعَنُ ُه ُم الالَّ ِعنُونَ ( ِ ) 159إالَّ الَّذِينَ تابُوا َوأ َ ْ َّ
اسّللا َو ْال َمالئِ َك ِة َوالنَّ ِ
علَ ْي ِه ْم لَ ْعنَةُ َّ ِ ُ
ار أولئِ َك َ الر ِحي ُم ( ) 160إِ َّن الَّذِينَ َكفَ ُروا َوماتُوا َو ُه ْم ُكفَّ ٌ َّ
ظ ُرونَ ( َ ) 162و ِإل ُه ُك ْم ِإلهٌ ذاب َوال ُه ْم يُ ْن َ ع ْن ُه ُم ْالعَ ُ ف َ أ َ ْج َم ِعينَ ( ) 161خا ِلدِينَ فِيها ال يُ َخفَّ ُ
الر ِحي ُم ( [) 163في التوحيد األول ] من َّالر ْح ُ واح ٌد ال ِإلهَ ِإالَّ ُه َو َّ ِ
ّللا ،فلما ّللا ،فما عبدوا إال ه ّللا قربة إلى ه ّللا في هذه اآلية المسلمين والذين عبدوا غير ه خاطب ه
ّللا لنا :ّللا ُز ْلفى )فأكدوا وذكروا العلة فقال ه قالوا( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
إن إلهكم واإلله الذي يطلب المشرك القربة إليه بعبادة هذا الذي أشرك به « واحد » ،كأنكم
ص 234
ص 236 :
واح ٌد » ،فما أشركوا إال بسببه فيما ما اختلفتم في أحديته فقال َ «:و ِإل ُه ُك ْم »فجمعنا وإياهم« ِإلهٌ ِ
أعطاهم نظرهم ،ومن قصد من أجل أمر ما فذلك األمر على الحقيقة هو المقصود ال من ظهر
ّللا أنهم يتبرءون منهم يوم القيامة ،وما أخذوا إال من كونهم فعلوا ذلك أنه قصد ،ولهذا ذكر ه
ّللا في ذلك ،أال ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال « َوإِل ُه ُك ْم من نفوسهم ال أنهم جهلوا قدر ه
ّللا ،واألسماء اإللهية س ُّمو ُه ْم )فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء ه واح ٌد » ،ونبههم فقال( َ إِلهٌ ِ
كلها للمرتبة أي لمرتبة األلوهية إال االسم الواحد خاصة ،فهو اسم خصيص بالذات المقدسة
التي لها نعوت الكمال والتنزيه ،ال يشاركها في حقيقته من كل وجه أحد ال من األسماء وال
من المراتب وال من الممكنات ،واعلم أن العبد الحق ال ينبغي أن يضاف إليه شيء ،فهو
المضاف وال يضاف إليه ،فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف ،
من واح ٌد » -.راجع سورة األنبياء آية «- 108ال إِلهَ إِ َّال ُه َو َّ
الر ْح ُ مثل قوله« َوإِل ُه ُك ْم إِلهٌ ِ
الر ِحي ُم »هذا هو أول توحيد يذكر في القرآن من الستة َّ
ص 235
ص 237 :
والثالثين توحيدا المذكورة في القرآن ،وهو توحيد الواحد باالسم الرحمن الذي له النفس ،فبدأ
به فنفى األلوهية عن كل أحد و هحده الحق تعالى إال أحديته ،فأثبت األلوهية لها بالهوية التي
أعادها على اسمه الواحد ،وأول نعت نعته به الرحمن ألنه صاحب النفس ،وسمي هذا الذكر
ّللا ارتفع الصوت الذي هو النفس تهليال من اإلهالل وهو رفع الصوت ،أي إذا ذكر بال إله إال ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ،ولهذا قال رسول ه
:
ّللا ] وما قالها إال نبي ،ألنه ما يخبر عن الحق [ أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي ال إله إال ه
ّللا ،وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا ،فقد إال نبي ،فهو كالم الحق ،فأرفع الكلمات ال إله إال ه
استوعبت في هذا العدد بسائط أسماء األعداد وهي اثنا عشر ،ثالث عقود ( العشرات والمئين
واآلالف ) ،ومن الواحد إلى التسعة ،ثم بعد هذا يقع التركيب بما ال يخرج عن هذه اآلحاد إلى
ّللا وإن
ما يتناهى ،وهو هذه االثنا عشر ما ال يتناهى ،وهو ما يتركب منها ،فال إله إال ه
انحصرت في هذا العدد في الوجود فحزاؤها ال يتناهى ،فبها وقع الحكم بما ال يتناهى ،فبقاء
ّللا ،فهذا من عمل نفس الرحمن فيها الوجود الذي ال يلحقه عدم بكلمة التوحيد وهي ال إله إال ه
،ولهذا ابتدأ به في القرآن وجعله توحيد األحد ،ألن عن الواحد الحق ظهر العالم.
ص 236
ص 238 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 164
هار َوا ْلفُ ْل ِك الهتِي تَجْ ِري فِي ا ْلبَحْ ِر ِبما يَ ْنفَ ُع لف الله ْي ِل َوالنه ِ اختِ ِ ض َو ْ ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ ق ال ه ِإ هن فِي َخ ْل ِ
ث ِفيها ِم ْن ُك ِ هل دَابه ٍة ض بَ ْع َد َم ْو ِتها َوبَ هماء فَأَحْ يا ِب ِه ْاأل َ ْر َ
ماء ِم ْن ٍ س ِ ّللاُ ِم َن ال ه اس َوما أ َ ْن َز َل ه النه َ
ون ) ( 164 ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُ َ
ض َآليا ٍ ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ ب ا ْل ُم َ
س هخ ِر بَ ْي َن ال ه سحا ِ الرياحِ َوال ه يف ِ ه َوتَص ِْر ِ
اآليات المعتادة هي التي ال خبر لنفوس العامة بكونها حتى يفقدوها ،فإذا فقدوها عرفوا في
ذلك الوقت موضع داللتها وقدرها ،وأنهم كانوا في آية وهم ال يشعرون ،لذلك قال تعالى «:
هار »حدث الليل والنهار الف اللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
اختِ ِ ض »إلى آخر اآلية« َو ْ ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ ق ال َّ ِإ َّن فِي خ َْل ِ
بخلق الشمس في اليوم وقد كان اليوم موجودا ،فجعل النصف من هذا اليوم ألهل األرض
نهارا ،وهو من طلوع الشمس إلى غروبها ،وجعل النصف اآلخر منه ليال ،وهو من غروب
الشمس إلى طلوعها ،واليوم عبارة عن المجموع ،فتكرار الملوان باالسم ال بالعيان ،ودار
ماء
س ِ ّللاُ ِمنَ ال َّاس َوما أ َ ْنزَ َل َّالفلك فحدث الجديدان َ «،و ْالفُ ْل ِك الَّتِي ت َ ْج ِري فِي ْالبَ ْح ِر بِما يَ ْنفَ ُع النَّ َ
ّللا األسباب سدى إال لنقول بها ونعتمد عليها ض بَ ْع َد َم ْوتِها »ما وضع ه ِم ْن ماءٍ فَأ َ ْحيا بِ ِه ْاأل َ ْر َ
اعتمادا إلهيا ،أعطت الحكمة اإللهية ذلك ،فالحكيم اإللهي األديب
ّللا تعالى (
وأكثروا اإلنكار في ذلك وطالبوا النبي عليه السالم بالدليل على أحديته ،فأنزل ه
هار َو ْالفُ ْل ِك الَّتِي ت َ ْج ِري فِي ْالبَ ْح ِر
الف اللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
اختِ ِ ض َو ْ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ق ال َّ «) 165إِ َّن فِي خ َْل ِ
ض بَ ْع َد َم ْوتِها َوبَ َّ
ث فِيها ِم ْن ُك ِهل ماء ِم ْن ماءٍ فَأ َ ْحيا بِ ِه ْاأل َ ْر َ س ِ اس َوما أ َ ْنزَ َل َّ
ّللاُ ِمنَ ال َّ بِما يَ ْنفَ ُع النَّ َ
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُونَ »فجعل ض َآليا ٍ ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ ب ْال ُم َ
س َّخ ِر بَيْنَ ال َّ سحا ِ ياح َوال َّالر ِ يف ِ ه ص ِر ِ َدابَّ ٍة َوت َ ْ
وجود كل ما ذكره في هذه اآلية دليال على أحديته لمن يعقل موضع الدليل من الذي ذكره ،كما
قال تعالى في التنبيه لهم على موضع الداللة مما ذكره( لَ ْو كانَ ِفي ِهما )يعني في السماء
س َدتا )فإنه قد أجمعنا مع المشركين على ثبوته سبحانه ،وخالفونا في واألرض( آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللاُ لَفَ َ
ّللا على أحديته أنه لو كان له شريك في فعله يسمى األحدية فكان الدليل المنصوب لهم من عند ه
إلها ،لكان ال يخلو إما أن يختلفا في كون الشيء أو يتفقا ،فإن اختلفا فالذي ينفذ اقتداره هو
اإلله ،والذي يعجز ليس بإله ،وإن
ص 237
ص 239 :
ّللا يفعلّللا ،فمن يشاهد الوجه الخاص في كل منفعل يقول إن ه من ينزل األسباب حيث أنزلها ه
ّللا يفعل األشياء بها ،فيجعل األسباب عندها ال بها ،ومن ال يشاهد الوجه الخاص يقول :إن ه
كاآللة يثبتها وال يضيف إليها ،كالنجار الذي ال يصل إلى عمل صورة تابوت أو كرسي إال
بآلة القدوم والمنشار وغيرهما من اآلالت ،مما ال يتم فعله إال بها ال عندها ،فيثبتها وال
يضيف صنعة التابوت إليها ،وإنما يثبت ذلك للنجار صاحب التدبير والعلم بما يظهر عنه « ،
ياح »اعلم أن العرب لما أرادت تعريف الرياح حتى تجعل الر ِ
يف ِ ه
ص ِر ِ َوبَ َّ
ث فِيها ِم ْن ُك ِهل َدابَّ ٍة َوت َ ْ
لها أسماء تذكرها بها لتعرف ،استقبلت مطلع الشمس ،فسمت كل ريح هبت عليها من جهة
مطلع الشمس إذا استقبلته إذ كان وجهها إلى تلك الجهة فسمتها قبوال ،وهي ريح الصبا ،وما
أتى إليها من الريح عن دبر في حال استقبالها ذلك سمته دبورا ،وهي الريح الغربية ،وما
أتاها منها في هبوبها عن الجانب األيمن سمتها جنوبا ،وعن جانب الشمال سمته شماال ،وكل
ريح بين جهتين من هذه الجهات سمتها نكباء ،من النكوب وهو العدول ،أي عدلت عن هذه
األربع الجهات ،والنسيم أول هبوب الريح الذي هو من راح يروح ،فالرياح تمر وال تثبت ،
والرائح ما هو مقيم ،ومن تصريف الرياح هبوبها ،فيحرك الهواء األشجار إلزالة األبخرة
الفاسدة عنها ،لئال تودع فيها ما يوجب العلل واألمراض في العالم إذا تغذت به تلك األشجار ،
فيأكلها الحيوان أو تفسد في نفسها بتغذيتها بذلك ،فكان هبوب الرياح لمصالح العالم ،حيث
ض ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ ب ْال ُم َ
س َّخ ِر بَيْنَ ال َّ سحا ِ
يطرد الوخم عنه ويصفي الجو فتكون الحياة طيبة «َ .وال َّ
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُونَ »وهذه اآليات أسباب مقصودة غير »فإذا فقدوه حينئذ خرجوا لالستسقاء« َآليا ٍ
مؤثرة في مسببها ،وإنما األثر في ذلك لناصب األسباب وجاعلها حجابا عنه ،ليتبين الفضل
باّلل ،ويتميز
بين الخالئق في المعرفة ه
ص 238
ص 240 :
من أشرك ممن وحد ،فالمشرك جاهل على اإلطالق .والعقل من عالم التقييد ولهذا سمي عقال
من العقال ،فإنه مأخوذ من عقال الدابة ،وعلى الحقيقة عقال الدابة مأخوذ من العقل ،فإن
العقل متقدم على عقال الدابة ،فإنه لوال ما عقل أن هذا الحبل إذا شدت به الدابة قيدها عن
ّللا منه في خطابه إياه في نفسه
ّللا ما يريد ه
السراح ما سماه عقاال ،فالعاقل هو من يعقل عن ه
ّللا
ّللا أمره ونهيه وما يلقيه ه
ّللا عليه وسلم ،فيعقل عن هبما يلهمه ،أو على لسان رسوله صلهى ه
ّللا أو من نفسه أو من لمة الملك أو من لمةفي سره ،ويفرق بين خواطر قلبه فيما هو من ه
الشيطان ويعقل نفسه ،فبالعقل يسمع المكلف خطاب الحق ،ألنه إذا زال العقل سقط التكليف
ولم يبق للشرع عليه سلطان وال حجة ،والعامة ليست اآليات عندهم إال التي هي عندهم غير
وّللا قد جعل اآليات المعتادة ألصناف مختلفين من عباده ّللا ،ه
معتادة ،فتلك تنبههم إلى تعظيم ه
،فمنها تلك اآليات المذكورة في هذه اآلية للعقالء ،فثم آيات للعقالء كلها معتادة ،وآيات
للموقنين ،وآيات ألولي األلباب ،وآيات ألولي النهى ،وآيات للسامعين ،وهم أهل الفهم عن
ّللا ،وآيات للعالمين ،وآيات للعالمين ،وآيات للمؤمنين ،وآيات للمتفكرين ،وآيات ألهل ه
ّللا بنعوت مختلفة وآيات مختلفة ،كلها ذكرها لنا في الذكر ،فهؤالء كلهم أصناف نعتهم ه
القرآن ،إذا بحثت عليها وتدبرتها علمت أنها آيات ودالالت على أمور مختلفة ترجع إلى عين
واحدة ،غفل عن ذلك أكثر الناس ،ولهذا عدد األصناف ،فإن من اآليات المذكورة المعتادة ما
يدرك الناس داللتها من كونهم ناسا وجنا ومالئكة ،وهي التي وصف بإدراكها العالم بفتح الالم
،ومن اآليات ما تغمض بحيث ال يدركها إال من له التفكر السليم ،ومن اآليات ما هي داللتها
مشروطة بأولي األلباب ،وهم العقالء الناظرون في لب األمور ال في قشورها ،فهم الباحثون
عن المعاني ،وإن كانت األلباب والنهى
ص 239
ص 241 :
العقول ،فلم يكتف الحق سبحانه بلفظة العقل حتى ذكر اآليات ألولي األلباب ،فما كل عاقل
ينظر في لب األمور وبواطنها ،فإن أهل الظاهر لهم عقول بال شك وليسوا بأولي ألباب ،وال
شك أن العصاة لهم عقول ولكن ليسوا بأولي نهى ،فاختلفت صفاتهم إذ كانت كل صفة تعطي
ّللا ذكر اآليات
ّللا سدى ،وكثر ه صنفا من العلم ال يحصل إال لمن حاله تلك الصفة ،فما ذكرها ه
في القرآن العزيز ،ففي مواضع أردفها وتال بعضها بعضا وأردف صفة العارفين بها ،وفي
مواضع أفردها ،فمثل إرداف بعضها على بعض مساقها في سورة الروم ،فال يزال يقول
تعالى َ ( :و ِم ْن آياتِ ِه ) *( َو ِم ْن آياتِ ِه ) *فيتلوها جميع الناس وال يتنبه لها إال األصناف الذين
ذكرهم في كل آية خاصة ،فكأن تلك اآليات في حق أولئك أنزلت ،وفي حق غيرهم لمجرد
التالوة ليؤجروا عليها ،فخرق العوائد تهول عند العامة ،وهي عند الخاصة عوائد ،فالعاقل
ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُونَ » .ومن نظر في كل
يهوله المعتاد وغير المعتاد ،ولذلك قال في المعتاد َ «:آليا ٍ
ما في الكون أنه آية عليه ،فنظر إلى األمور كلها معتادها وغير معتادها بعين الحق ،ما هاله
ّللا فإنها من تقوى
ّللا ،ومن يعظم شعائر ه ما يرى وال ما بدا مع تعظيمه عنده ،فإنه من شعائر ه
القلوب -شعر :الشخص مستدرج والصدر مشروح * والكنز مستخرج والباب مفتوحأين
األوائل ال كانوا وال سلفوا * العقل يقبل ما تأتي به الروحلكنهم حجبوا بالفكر فاعتمدوا * عليه
والعلم موهوب وممنوحما فيه مكتسب إن كنت ذا نصف * فليس للعقل تعديل وتجريحالعدل
ّللا فاعتبروا * فإنه خلف
ّللا جاء به * ميزانه فبدا نقص وترجيحالعقل أفقر خلق ه والجرح شرع ه
باب الفكر مطروح
ص 240
ص 242 :
لوال اإلله ولوال ما حباه به * من القوى لم يقم بالعقل تسريحإن العقول قيود إن وثقت بها *
خسرت فافهم فقولي فيه تلويحميزان شرعك ال تبرح تزين به * فإن رتبته عدل وتصحيحإن
التنافس في علم يقوم به * صدر بنور شهود الحق مشروحهذا التنافس ال أبغي به بدال * له من
الذكر قدوس وسبوحلمثل ذا يعمل العمال ليس لهم * في غير ذلك تحسين وتقبيح
ّلل »أي أصدق حبا هّلل من حب المشركين لمن جعلوهم شركاء ،وسبب َوالَّذِينَ آ َمنُوا أ َ َ
ش ُّد ُحبًّا ِ َّ ِ
ذلك أنه إذا كشف الغطاء وتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ،وقال الذين اتبعوا ( :لَ ْو أ َ َّن لَنا
َك َّرة ا فَنَتَبَ َّرأ َ ِم ْن ُه ْم َكما تَبَ َّرؤُا ِمنَّا )فزال حبهم إياهم في ذلك الموطن وبقي المؤمنون على حبهم هّلل
،فكانوا أشد حبا هّلل بما زادوا على أولئك في وقت رجوعهم عن حبهم آلهتهم حين لم تغن عنهم
ّلل َج ِميعا ا »فال قوة لمخلوق ، ذاب أ َ َّن ْالقُ َّوة َ ِ َّ ِ
ظلَ ُموا ِإ ْذ يَ َر ْونَ ْالعَ َ ّللا شيئا «َ .ولَ ْو يَ َرى الَّذِينَ َ من ه
ب» . شدِي ُد ْالعَذا ِ فإن موطنه الضعف والعبودية« َوأ َ َّن َّ َ
ّللا َ
ص 241
ص 243 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 166
باب ) ( 166س ُ طعَتْ ِب ِه ُم ْاأل َ ْ ِين اتهبَعُوا َو َرأ َ ُوا ا ْلعَ َ
ذاب َوتَقَ ه ِين ات ُّ ِبعُوا ِم َن الهذ َ ِإ ْذ تَبَ هرأ َ الهذ َ
اعلم أنه ما من معبود إال ويتبرأ من الذي يعبده هنا ،من حيث ال يسمع العابد إال بخرق العوائد
،وفي الدار اآلخرة على الكشف ،ففي موقف القيامة يقر كل أحد بالشهادة وال ينكر وال يدعي
لنفسه ربوبية ،والتبرؤ يوم القيامة يقع من الطائفة التي ادعيت فيها األلوهية ولم تدعها لنفسها
ّللا ،ما لم يتوبوا قبل الموت ممن يقبل ِ «،منَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا »وهم الذين اتخذوهم آلهة من دون ه
ّللا غدا المشركين الذين ذكرهم صفة التوبة وليس إال الجن وهذا النوع اإلنساني ،فإذا عذب ه
ّللا أنه ال يغفر لهم ،فإنما يعذبهم من حيث أنهم ظلموا أنفسهم ووقعوا في خلق بكالم ودعوى ه
ساءتهم ،وتوجهت منهم عليهم حقوق في أعراضهم يطلبونهم بها -الوجه الثاني -الذين قالوا
ّللا ُز ْلفى »يوم القيامة تهلكهم عاداتهم وال تنفعهم عباداتهم ،وال «:ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
ّللا آلهتهم شيئا ،وتبرأ منهم عند اضطرارهم أئمتهم ،فلم تنفع البراءة تلك تغني عنهم من ه
األئمة ،وضوعف لهم العذاب خلف حجاب الظلمة ،فكانوا وأتباعهم عن سعاداتهم بمعزل ،
وأنزلوا النار دار البوار.
ص 242
ص 244 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 167
ت
سرا ٍ ّللاُ أ َعْمالَ ُه ْم َح َ ِين اتهبَعُوا لَ ْو أ َ هن لَنا ك هَرةً فَنَتَبَ هرأ َ ِم ْن ُه ْم كَما تَبَ هرؤُا ِمنها كَذ ِلكَ يُ ِر ِ
يه ُم ه َوقا َل الهذ َ
ين ِم َن النه ِار ) ( 167 خار ِج َ علَ ْي ِه ْم َوما ُه ْم ِب ِ
َ
خار ِجينَ ِمنَ النَّ ِ
ار فقد تبرءوا في موطن ما فيه تكليف بالبراءة أنها نافعة صاحبها َ «.وما ُه ْم ِب ِ
»ما ورد من الشارع أن العالم الذي هو في جهنم الذين هم أهلها وال يخرجون منها أن بقاءهم
فيها لوجود العذاب ،فإنه يجوز أن يرتفع عن أهل النار وجود العذاب مع كونهم في النار ،
ّللا تعالى يقول ( رحمتي سبقت غضبي ) وليس بأيدينا من طريق العقل دليل على وجود فإن ه
العذاب دائما وال غيره ،فليس إال النصوص المتواترة وليس للعقل رده إذا ورد من الصادق
النص الصريح .
ص 243
ص 245 :
لهم استعماله ،فالحالل عزيز المنال على جهد الورع قليل جدا ،وال يحتمل اإلسراف والتبذير
،بل إذا تورعت عما لزمه أهل الورع فبالحري أن يسلم لك قوتك على التقصير ،والنفس
تورط صاحبها في الشبهات وهي تريد الحرام ،فإن الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،
وإياك واإلسراف في النفقة وإن كانت حالال صافيا ،فإنه مذموم وصاحبه مبذر ملوم ولذلك
قال :
ص 244
ص 246 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 171
ي فَ ُه ْم ال يَ ْع ِقلُ َ
ون س َم ُع ِإاله دُعا ًء َونِدا ًء ُ
ص ٌّم بُ ْك ٌم ع ُْم ٌ ِين َكفَ ُروا َك َمث َ ِل الهذِي يَ ْن ِع ُ
ق ِبما ال يَ ْ َو َمث َ ُل الهذ َ
) ( 171
ّللا وأعمى أبصارهم وختم على ألسنتهم ،فما تلفظوا بما دعاهم إليه أن يتلفظوا به ، فأصمهم ه
فإنه ال فرق بين الصمم الذي ال يسمع كالم المخاطب ،وبين من يسمع وال يفهم
ص 245
ص 247 :
ّللا ،فإن من عقلأو ال يجيب إذا اقتضى اإلجابة فال يعقل إال من سمع« فَ ُه ْم ال يَ ْع ِقلُونَ »عن ه
ّللا إن عيونهم لفي وجوههم ّللا ،وو ه المطلوب منه فيما أسمعه أن يرجع ،فهم ال يرجعون إلى ه
،وإن سمعهم لفي آذانهم ،وإن ألسنتهم لفي أفواههم فهم ال يعقلون ،والعقل من العقال ،أي ال
يتقيدون بما أريد له المسموع وال المبصر وال المتكلم به ،فهم ال يعقلون أن ذلك المصوت به
حق فيما يدعوه إليه ،فمن أعجب األشياء وصف السامع بالصمم والبصير بالعمى والمتكلم
بالبكم ،فما عقل وال رجع وإن فهم.
________________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
َكفَ ُروا َك َمث َ ِل الَّذِي يَ ْن ِع ُق ِبما ال يَ ْس َم ُع ِإ َّال دُعا اء َونِدا اء »يحتمل هذا المثل وجهين :الوجه الواحد
أنه ضربه مثال للرسول الذي يدعوهم إلى الحق ولهم ،والوجه اآلخر أنه ضربه مثال للكافرين
ّللا ،وهل الضمير في كفروا يعود على الناس الكافرين كلهم من ولمن اتخذوه إلها من دون ه
أهل الملل ،أو يعود على كفار اليهود خاصة ،فنقول :إن كان المثل للرسول ولهم فيكون
معناه :ومثل الذين كفروا ومثل دعاء الرسول لهم كمثل الذي ينعق بما ال يسمع إال دعاء ونداء
،فعند غير أهل طريقنا خرج عباد األصنام واألوثان من هذا المثل ،وعندنا لم يخرج منهم
أحد عن هذا المثل ،فإن األصنام عندنا تسمع وتشهد على متبعيها ،كما ورد في أنه يشهد
للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس ،وتسبيح الحصى في كف النبي عليه السالم ،فخرق
العادة عندنا لم يكن في تسبيح الحصى ،وإنما كان في إدراكنا ما لم نكن قبل ندركه ،قال
ّللا ممن هو بهذهس ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه )فجرى المثل على كل من عبد غير ه ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َ
تعالى َ ( :و ِإ ْن ِم ْن َ
الصفة ،وليس التشبيه هنا براعي الغنم واإلبل ،فإنها تفهم عن الراعي إذا نعق بها ما يريد
بذلك ،من مشي وورود ماء ونهي عن أكل ،وإنما األوجه نداء الشخص بالوحوش الشاردة ،
فإذا سمعت نداء تخيلت أنه الصائد فندت وشردت عن ندائه ،كذلك الرسول يريد أن يوقعهم
في حبالة اإليمان ويقيدهم عن مسارحهم التي كانوا فيها ،فيشردون عند دعائه خوفا من ذلك ،
ويكون التشبيه مطابقا ،والوجه اآلخر أن شبههم في دعائهم آلهتهم إذا لجئوا إليها في أوقات
ضروراتهم ،فال يجيبونهم ،كمثل الذي ينعق بما ال يسمع إال دعاء ونداء ،وهم كما قلنا
الوحوش الشاردة ،فإذا سمعت آلهتهم أصواتهم بنسبة األلوهية لهم فرقوا من ذلك ،وتبرءوا
ّللا عليهم ،فال
ّللا من مقالتهم ،وهم ال يشعرون ،فإنهم ال يحسون بذلك منهم ،وقد ختم ه إلى ه
ّللا ،وقوله ِ «:إ َّال دُعا اء َو ِندا اء »كالم صحيح ،فإن السمع إنما متعلقه يجيبونهم إال بأمر ه
الصوت ،والفهم من قوة أخرى وهو العقل ،فذكر إدراك النداء والدعاء ،وما ذكر إدراك
ي »تقدم الكالم في تفسيره ،وقوله «: ع ْم ٌ ص ٌّم بُ ْك ٌم ُ
المعنى المقصود من ذلك الدعاء ،وقوله ُ «:
فَ ُه ْم ال يَ ْع ِقلُونَ »
ص 246
ص 248 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 172إلى 173
ُون ( ) 172 َّلل إِ ْن ُك ْنت ُ ْم إِيهاهُ ت َ ْعبُد َ
شك ُُروا ِ ه ِ ت ما َر َز ْقنا ُك ْم َوا ْ ِين آ َمنُوا ُكلُوا ِم ْن َط ِيهبا ِ يا أَيُّ َها الهذ َ
غ ْي َر باغٍ َوال عا ٍد ط هر َ ض ُ ّللا فَ َم ِن ا ْ
ير َوما أ ُ ِه هل بِ ِه ِلغَ ْي ِر ه ِ علَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَةَ َوال هد َم َولَحْ َم ا ْل ِخ ْن ِز ِإِنهما َح هر َم َ
ور َر ِحي ٌم) ( 173 غف ُ ٌ ّللا َ
علَ ْي ِه ِإ هن ه َفَل ِإثْ َم َ
ما به حياتك ذلك رزقك وال بد ،وال يصح فيه تحجير ،سواء كان في ملك الغير أو لم يكن ،
فإن المضطر ال حجر عليه ،وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه وإنما تناوله
غي َْر باغٍ َوالط َّر َض ُ للنعيم به ،وليس الرزق إال ما تبقى به حياته عليه ،قال تعالى «:فَ َم ِن ا ْ
ط ِر ْرت ُ ْم إِلَ ْي ِه )وذلك هو الرزق. ض ُ عا ٍد »بعد التحجير وقال( إِ َّال َما ا ْ
_______________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
وقال فيمن تقدم ( :فَ ُه ْم ال يَ ْر ِجعُونَ )فأولئك عرفوا الحق وما رجعوا ،وهؤالء سمعوا وما
فهموا ،ألنه جاءهم بما يخالف ما كان عليه آباؤهم ،فلم يعلموا ذلك وال استعملوا عقولهم في
ت ما َرزَ ْقنا ُك ْم »اآلية ، ط ِيهبا ِالنظر فيه ( ) 173قوله تعالى «:يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكلُوا ِم ْن َ
ت ما َرزَ ْقنا ُك ْم »فإن كانت من للتبيين فهم منه أن مسمى خطاب للمؤمنين باألكل« ِم ْن َ
ط ِيهبا ِ
الرزق يكون حراما وحالال ،فأمرنا أن نأكل من حالله ،ونعمل في الحرام ما أمرنا بالعمل
فيه في مواضع كثيرة ،فما أمرنا قط في مثل هذا وال نهينا إال عن األكل ،ومن جعل من
للتبعيض حمل الرزق على الحالل ،ولكن التبعيض يضعف فإنه معلوم ضرورة ،فإنه ال يخلو
الطيب من الرزق الذي يملكه إما أن يكون أكثر من حاجته في الوقت ،والتبعيض ال بد منه ،
وإما أن يكون مقدار الحاجة أو دون الحاجة ،فيبطل معنى التبعيض ،فالتبيين أولى منه ،ثم
ون )ثم قال ِ «:إ ْن ّلل »تقدم القول عليه في قوله َ ( :وا ْش ُك ُروا ِلي َوال ت َ ْكفُ ُر ِ قال َ «:وا ْش ُك ُروا ِ َّ ِ
ُك ْنت ُ ْم ِإيَّاهُ ت َ ْعبُدُونَ »فامتثلوا أمره فيما أمركم به من أكل الطيب الذي هو الحالل المستلذ ومن
الشكر عليه ،قوله:
غي َْر ض ُ
ط َّر َ ير َوما أ ُ ِه َّل ِب ِه ِلغَي ِْر َّ ِ
ّللا فَ َم ِن ا ْ علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ َوالد ََّم َولَ ْح َم ْال ِخ ْن ِز ِ
) ِ ( 174إنَّما َح َّر َم َ
ّللا ما ال يعلمون تحريم ور َر ِحي ٌم »لما كان من قولهم على ه غف ُ ٌ علَ ْي ِه ِإ َّن َّ َ
ّللا َ باغٍ َوال عا ٍد فَال ِإثْ َم َ
ّللا سبحانه في هذه عرفنا ه ّللا به من سلطان ،ه ّللا واتخذوها شرعا ما أنزل ه أمور لم يحرمها ه
ّللا عليه وسلم عامة لجميع الناس ، حرمه على كافة عباده ،إذ كانت رسالته صلهى ه اآلية بما ه
علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ َوالد ََّم »فاأللف والالم للتعريف ،أي الذي يسميها العرب فقال تعالى ِ «:إنَّما َح َّر َم َ
ميتة في عرفها ،والحيوان قسمان:
بري وبحري ،واتفق العلماء على تحريم ميتة البر ،واختلفوا في ميتة البحر على ثالثة
مذاهب ،فطائفة
ص 247
ص 249 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 174
طونِ ِه ْم ون فِي بُ ُ ون ِب ِه ث َ َمنا ً قَ ِليلً أُولئِكَ ما يَأ ْ ُكلُ َ شت َ ُر َ ب َويَ ْ ّللاُ ِم َن ا ْل ِكتا ِ ون ما أ َ ْن َز َل ه ِإ هن الهذ َ
ِين يَ ْكت ُ ُم َ
َذاب أ َ ِلي ٌم ( ) 174 يه ْم َولَ ُه ْم ع ٌ ّللاُ يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة َوال يُ َز ِ هك ِار َوال يُ َك ِله ُم ُه ُم ه ِإاله النه َ
يال »أي بكتمانه ،لما حصلوه من المال والرئاسة بذلك« أُول ِئ َك ما « َويَ ْشت َ ُرونَ ِب ِه ث َ َمنا ا قَ ِل ا
ذاب أ َ ِلي ٌم »يفيد أنه
ع ٌ ّللاُ يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة َوال يُزَ ِ هكي ِه ْم َولَ ُه ْم َ
ار َوال يُ َك ِله ُم ُه ُم َّ طونِ ِه ْم إِ َّال النَّ َ يَأ ْ ُكلُونَ فِي بُ ُ
ّللا
ّللا ألجمه ه من سئل عن علم تعين عليه الجواب عنه وهو يعلمه ،فإن كتمه وهو مما أنزله ه
بلجام من نار.
__________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
قالوا :هي حالل مطلقا ،وهو مذهب مالك وغيره ،وذهب آخرون إلى تحريمها مطلقا ،
وفرق آخرون فقالوا :ما جزر عنه البحر فهو حالل وما طفا من السمك فهو حرام ،ولكل
فريق حجة موضعها كتب األحكام ،واختلفوا في ميتة الجراد ألنهم اختلفوا فيه ،هل هو بري
أو بحري ؟
فمن قال إنه بري وغلب عليه حكم البر ألحقه بميتة البر ،ومن غلب عليه حكم البحر لحديث
الترمذي أنه نثرة حوت ألحقه بميتة البحر ،وأما الدم فمن جعل األلف والالم للجنس ع هم ،ومن
جعله للتعريف حمله على الدم المسفوح في قوله تعالى ( :أ َ ْو َدما ا َم ْسفُوحا ا )فقيده ،فاتفق
العلماء على تحريم الدم المسفوح من الحيوان المذكى ،واختلفوا في غير المسفوح منه ،
والسفح الذي يشترط إنما هو الدم السائل من التذكية في الحيوان الحالل األكل ،إذ الدم السائل
من الحي فهو حرام بال خالف ،قليله وكثيره ،وكذلك ما سال من دم الحيوان المحرم األكل ،
وإن ذكي فقليله وكثيره حرام بغير خالف ،وأما اختالفهم في دم الحوت فمن حرمه فبعموم
اللفظ ،ومن أحله فليس له دليل ،إال أنه رأى أن الدم تابع في الحرمة والحل لميتة الحيوان ،
فمن كان ميتته حراما فدمه حرام ،ومن كان ميتته حالال فدمه حالل ،وأما لحم الخنزير
فاتفقوا على تحريم لحمه وشحمه وجلده ما لم يدبغ جلده ،وأما الشحم وإن فارق اللحم باالسم ،
فإن اللحم يوصف به ،فيقال لحم شحيم ،أي سمين ،فكأن جنسا من اللحم يسمى شحما ،
ّللا ،أي ّللا »اإلهالل رفع الصوت ،والمراد هنا ما ذبح لغير ه وقوله َ «:وما أ ُ ِه َّل ِب ِه ِلغَي ِْر َّ ِ
ب
ص ِ علَى النُّ ُ ّللا على جهة القربة والعبادة لمن ذبح له ،وهو قوله َ ( :وما ذُ ِب َح َ سمي عليه غير ه
ط َّر » ض ُ )ويتفرع هنا مسائل ليس هذا موضعها ،وقوله «:فَ َم ِن ا ْ
ص 248
ص 250 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 175
علَى النه ِار) ( 175 صبَ َر ُه ْم َ ضللَةَ ِبا ْل ُهدى َوا ْلعَ َ
ذاب ِبا ْل َم ْغ ِف َر ِة فَما أ َ ْ شت َ َر ُوا ال ه ِين ا ْأُولئِكَ الهذ َ
يدل ذلك على أنهم عرفوا الحق وجحدوا مع اليقين ،وأي آية كانت للعرب معجزة مثل القرآن
ّللا من صبرهم على النار. ،فتعجب ه
____________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
غي َْر باغٍ »أي طالب من غير فيه وجهان :المكره ومن مسته مجاعة يتوقع منهما تلف الروح« َ
إكراه وال مجاعة« َوال عا ٍد »أي وال يتعدى عند األخذ قدر الحاجة لذي المجاعة ،وقدر ما
علَ ْي ِه »أي ال حرج عليه في ذلك من ذلك ،وقوله يكره عليه من ذلك للمكره ،يقول «:فَال ِإثْ َم َ
ور َر ِحي ٌم »والمغفرة تستدعي ذنبا أو شبهة ذنب ،والذنب الحاصل هنا إنما هو غف ُ ٌ ِ «:إ َّن َّ َ
ّللا َ
ّللا ،وهو يرجع إلى اآلكل في جهله قدر الحاجة ،ألنه شبهة الذنب ،فتتعلق بذلك المغفرة من ه
عسير جدا ،فقد يزيد من حيث ما يرى أنه محتاج على الحاجة التي تكون بها حياته ،وقد
ترجع المغفرة للعلماء المجتهدين الذين ذكرناهم في إطالق التحريم وإطالق التحليل ،والقول
بالتفرقة في ذلك ،وال بد أن يكون في أحد هذه األقوال إصابة وخطأ كما نص عليه الشارع ،
ّللا تعالى أنه غفور لذلك ،وقد فالخطأ متحقق في بعض هذه األقوال من غير تعيين ،فأخبر ه
يمكن أن يكون راجعا لمن لم يوف حق االجتهاد المطلوب منه ،لما غاب عنه في ذلك من
معرفة ماهية االجتهاد ،وقوله َ «:ر ِحي ٌم »بما رخصه من ذلك ( «) 175إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكت ُ ُمونَ ما
ار »اآلية ،دخل يال أُولئِ َك ما يَأ ْ ُكلُونَ فِي بُ ُ
طونِ ِه ْم ِإ َّال النَّ َ ب َويَ ْشت َ ُرونَ بِ ِه ث َ َمنا ا قَ ِل اّللاُ ِمنَ ْال ِكتا ِ أ َ ْنزَ َل َّ
في هذا التعريف أهل الكتاب وغيرهم ،وقد بيهنا ما كتم أهل التوراة واإلنجيل ،ويدخل في هذا
التعريف الحاكم يحكم بخالف علمه المشروع له الحكم به لرغبة في اقتناء مال أو جاه سلطان
،وهو الثمن القليل ،فإنه منقطع ويبقى الوبال عليه ،فقد يعتقد الحاكم أن الحكم الصحيح عنده
ّللا به هو أمر ما عنده ،فإذا عرف من السلطان أنه يسره الحكم بخالف ذلك الذي يدين ه
لغرض له فيه ،فيقضي الحاكم بما يوافق هواه مما ال يعتقده حقا ،وال ينجيه من هذه الخطية
ّللا
أن يكون ذلك الحكم الذي رجع إليه مذهب بعض األئمة ،فإن ذلك القول عنده خطأ ال يدين ه
ّللا العافية والعصمة به ،ولوال السلطان ورغبته في أخذ المنزلة عنده بذلك ما حكم به ،فنسأل ه
من ذلك ،وهو أحد القاضيين اللذين في النار ،وقوله «:أُولئِ َك »إشارة إلى الذين يكتمون« ما
ار »هذا موجود في كالم العرب معروف ،يقال أكل فالن سرجه طو ِن ِه ْم ِإ َّال النَّ َ يَأ ْ ُكلُونَ ِفي بُ ُ
وثوبه ،أي باعه وأكل بثمنه ما يؤكل ،فكنهى عما يحصل له من الجاه والمتاع باألكل« َوال
ّللا عباده ّللاُ يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة »لما كان تكليم ه يُ َك ِله ُم ُه ُم َّ
ص 249
ص 251 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 176إلى 177
س قاق بَ ِعي ٍد ( ) 176لَ ْي َ ش ٍ ب لَ ِفي ِ اختَلَفُوا فِي ا ْل ِكتا ِ ِين ْ ق َو ِإ هن الهذ َ تاب ِبا ْل َح ه ِ
ّللا نَ هز َل ا ْل ِك َ ذ ِلكَ ِبأ َ هن ه َ
اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َوا ْل َملئِ َك ِة
ب َول ِك هن ا ْل ِب هر َم ْن آ َم َن ِب ه ِق َوا ْل َم ْغ ِر ِ ا ْل ِب هر أ َ ْن ت ُ َولُّوا ُو ُجو َه ُك ْم قِبَ َل ا ْل َمش ِْر ِ
س ِبي ِلين َوا ْب َن ال هين َوآتَى ا ْلما َل عَلى ُح ِبه ِه ذَ ِوي ا ْلقُ ْربى َوا ْليَتامى َوا ْل َمسا ِك َ ب َوالنه ِب ِيه َ َوا ْل ِكتا ِ
صابِ ِر َ
ين ون بِعَ ْه ِد ِه ْم إِذا عا َهدُوا َوال ه الزكاةَ َوا ْل ُموفُ َ صلةَ َوآتَى ه ب َوأَقا َم ال ه الرقا ِين َوفِي ِ ه سائِ ِل ََوال ه
ون ( ) 177 ص َدقُوا َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْل ُمتهقُ َ ِين َ ين ا ْلبَأ ْ ِس أُولئِكَ الهذ َ اء َو ِح َ ض هر ِ ساء َوال ه فِي ا ْلبَأ ْ ِ
على ُح ِبه ِه »سمي المال ماال ألنه يميل بصاحبه وال بد ،إما إلى خير وإما إلى « َوآتَى ْالما َل َ
شر ال يتركه في حال االعتدال َ «. . .و ْال ُموفُونَ ِبعَ ْه ِد ِه ْم ِإذا عا َهدُوا »عهدا مشروعا ،فهم قوم
ّللا ،فمن أتى في ّللا بالوفاء ،ال يغدرون إذا عاهدوا ،والوفاء من شيم خاصة ه توالهم ه
_____________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
ّللا قال تعالى ( : سؤُا فِيها )على هذا يكون كالم الملك عن ه شرفا لذلك نفاه عنهم ،وقوله ْ ( :
اخ َ
ّللا ) ،وقوله َ «:وال يُزَ ِ هكي ِه ْم »أي ال يطهرهم وال ينمي خيرهم« َولَ ُه ْم الم َّ ِ فَأ َ ِج ْرهُ َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
ذاب أ َ ِلي ٌم » *موجع ،وقوله «) 176 ( :أُولئِ َك الَّذِينَ ا ْشت َ َر ُوا الضَّاللَةَ ِب ْال ُهدى »فأما في حق ع ٌ َ
الكفار فقد بيناه في أول السورة ،وأما ما يختص بالحاكم من هذا ،فهو أن الحق الذي كتمه ولم
يحكم به هو الذي اشترى بكتمانه إياه الثمن القليل ،أو الضاللة التي حكم بها ،ولو أراد
الشراء بالذي حكم به لم يقل بالهدى ،ألنه ليس عنده هدى ،وإنما هو ضاللة ،وما ذكر أنه
ذاب بِ ْال َم ْغ ِف َرةِ »لما كان الهدى مكتوما في هذه القضية جعل المغفرة اشترى بالضاللة« َو ْالعَ َ
ار »تعجبا علَى النَّ ِصبَ َر ُه ْم َالتي هي الستر [ ،للهدى ] وجعل العذاب للضاللة ،وقوله «:فَما أ َ ْ
ّللا ،فقام لهم هذا العلم مقام من هو يدل على أنهم عارفون بالحق ،وأنهم مؤاخذون من عند ه
في النار ،وقوله:
ق »يقول :وما عملوا ،ومن ذلك أنه تعبده بما يغلب تاب ِب ْال َح ه ِّللا ن ََّز َل ْال ِك َ
( «) 177ذ ِل َك ِبأ َ َّن َّ َ
ب »ليسوا المؤمنين وال علماء اختَلَفُوا فِي ْال ِكتا ِ على ظنه أنه الحق فلم يحكم به َ «،وإِ َّن الَّذِينَ ْ
أهل الكتاب فإنهم عالمون به ،وإنما هذا في الطائفة التي قالت في الكتاب إنه شعر وسحر
وغير
ص 250
ص 252 :
ي وقد وفهى ،قال ّللا أن يأتي بها على التمام وكثر ذلك في حاالته كلها فهو وف ه أموره التي كلفه ه
يم الَّذِي َوفَّى )يقال وفي الشيء وفيا على فعول بضم فاء الفعل إذا تم وكثر« تعالى َ ( :و ِإبْرا ِه َ
َوأُولئِ َك ُه ُم ْال ُمتَّقُونَ »من كان حاله التقوى واالتقاء كيف يفرح ويلتذ ،من يتقي ،فإن تقواه
وحذره وخوفه أن ال يوفي مقام التكليف حقه ،وعلمه بأنه مسؤول عنه ال يتركه يفرح وال يسر
ّللا عليه وسلم [ :أنا أتقاكم هّلل وأنا أعلمكم بما أتقي ] . ّللا صلهى ه ،قال رسول ه
إشارة «-أُو ِلي ْالقُ ْربى »أقرب أهل الشخص إليه نفسه فهي أولى بما يتصدق به من غيرها ،
ولكل متصدهق عليه صدقة تليق به من المخلوقين ،ثم جوارحه ،ثم األقرب إليه بعد ذلك ،
وهو األهل ثم الولد ثم الخادم ثم الرحم ثم الجار ،كما يتصدق على تلميذه وطالب الفائدة منه ،
وإذا تحقق العارف بربه حتى كان كله نورا ،وكان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ،كان حقا
ّللا فهم أهل هذا العارف الذي ذكرناه ،فإنه حق كله ،فإذا تصدق على كله ،فمن كان من أهل ه
ّللا فهو المتصدق على أهله ،إذا كان المتصدق بهذه المثابة ،ومن تصدق على نفسه بما أهل ه
ّللا عليه وسلم: باّلل ،الذي الرحمن من نعوته ،قال صلهى ه فيه حياتها كانت له صدقة وصلة ه
ّللا -والمال في االعتبار العلم وزكاة العلم تعليمه. الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله ه
____________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
ق »يوم القيامة في عذاب يشق عليهم حمله« بَ ِعي ٍد »زواله عنهم ،وقد ذلك ،وقوله «:لَ ِفي ِشقا ٍ
يكون عبارة عن منازعتهم فيه ومشاققتهم بعضهم مع بعض ،ويكون قوله «:بَ ِعي ٍد »يعني عن
ْس ْالبِ َّر أ َ ْن ت ُ َولُّوا ُو ُجو َه ُك ْم »اآلية ،يخاطب اليهود إصابتهم الحق في ذلك ( «) 178لَي َ
والنصارى لما كثرت قالتهم في تحويل القبلة ،وكل طائفة منهم تحب أن تستقبل قبلتها ،فأنزل
ب َول ِك َّن ق َو ْال َم ْغ ِر ِْس ْال ِب َّر »ما أنتم عليه من تولية وجوهكم في صالتكم« قِبَ َل ْال َم ْش ِر ِ تعالى« لَي َ
باّلل ،والوجه عندي في اّلل »أي بر من آمن ه ْال ِب َّر »أي اإلحسان المقرب إلى ه
ّللا« َم ْن آ َمنَ ِب َّ ِ
ذلك لما كانت اآلية تقتضي المدح والثناء بقيام هذه األوصاف التي عددها ذكر من قامت به
تهمما به ،إذ كانت الصفة إذا تحقق بها الموصوف هي والموصوف كالشئ الواحد ،فأقام من
الذي هو الموصوف مقام اإليمان الذي هو الصفة ،وهو مبالغة في الثناء ،فالمعنى :ولكن
ّللا وتوحيده ،وفي هذا رد على المعطل والمشرك« َو ْاليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر باّلل أي وجود ه البر اإليمان ه
ب »يريد الكتب »خالفا لمنكري البعث الجسماني« َو ْال َمالئِ َك ِة »خالفا لمن يجعلها قوى« َو ْال ِكتا ِ
ّللا من أهل النظر« ّللا ،واأللف والالم للجنس ،خالفا لمنكريها أنها من عند ه المنزلة من عند ه
َوالنَّبِ ِيهينَ »خالفا للبراهمة
ص 251
ص 253 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 178
صاص فِي ا ْلقَتْلى ا ْل ُح ُّر ِبا ْل ُح ِ هر َوا ْلعَ ْب ُد ِبا ْلعَ ْب ِد َو ْاأل ُ ْنثى ِب ْاأل ُ ْنثى ُ علَ ْي ُك ُم ا ْل ِق
ب َ يا أَيُّ َها الهذ َ
ِين آ َمنُوا ُكتِ َ
يف ِم ْن َر ِبه ُك ْمسان ذ ِلكَ ت َ ْخ ِف ٌ وف َوأَدا ٌء ِإلَ ْي ِه ِب ِإحْ ٍ ش ْي ٌء فَا ِت هبا ٌ
ع ِبا ْل َم ْع ُر ِ ي لَهُ ِم ْن أ َ ِخي ِه َ فَ َم ْن ُ
ع ِف َ
َذاب أ َ ِلي ٌم) ( 178 َو َرحْ َمةٌ فَ َم ِن ا ْعتَدى بَ ْع َد ذ ِلكَ فَلَهُ ع ٌ
سان »من القاتل إلى ولي الدم «. . .فَ َم ِن وف » من ولي الدم « َوأَدا ٌء إِلَ ْي ِه بِإِ ْح ٍ ع بِ ْال َم ْع ُر ِ
" فَا ِت هبا ٌ
ذاب
ع ٌ ا ْعتَدى بَ ْع َد ذ ِل َك »أي إن قتله بعد ذلك غدرا وقد رضي بالدية وبما عفا عنه منها« فَلَهُ َ
ّللاأ َ ِلي ٌم »فهذه وصية لولي الدم أن يعفو ويخلي بين القاتل والمقتول يوم القيامة ،وأخبر صلهى ه
س ِيهئَةٌ ِمثْلُها ) ،فقال س ِيهئ َ ٍة َ
عليه وسلم أن حكم القاتل قودا حكم القاتل اعتداء ،وهو قوله َ ( :جزا ُء َ
في صاحب التسعة [ :أما إن قتله كان مثله ] فتركه ولم يقتله.
______________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
على ُح ِبه ِه »يقول :وأعطى المال حبا هّلل ،وقد يعود الضمير ومنكري الرسل« َوآتَى ْالما َل َ
على المال ،أي يعطيه على حبه فيه ،أي على أنه يحبه ،قال تعالى ( :لَ ْن تَنالُوا ْالبِ َّر َحتَّى
ت ُ ْن ِفقُوا ِم َّما ت ُ ِحبُّونَ )فكان ابن عمر يشتري السكر ويتصدق به ،ويقول :إني أحبه ،ويتلو هذه
اآلية ،وهو األوجه في التأويل ،ويعني بهذا اإلعطاء صدقة التطوع والتضييف والهدية والهبة
،وقوله «:ذَ ِوي ْالقُ ْربى »يريد صلة الرحم« َو ْاليَتامى »من ال مال له منهم« َو ْال َمسا ِكينَ
سبِي ِل »ضيافة المسافر« »الذين يسكنون إلى الناس ليعطوهم وإن لم يسألوا بلسانهم« َوابْنَ ال َّ
ب »معونة المكاتبين في الرقا ِ سائِ ِلينَ »الملتمسين العطاء من المحتاجين وغيرهم« َوفِي ِ ه َوال َّ
الزكاة َ »المفروضة« َو ْال ُموفُونَ بِعَ ْه ِد ِه ْم صالة َ » *بحدودها ولوازمها« َوآتَى َّ قام ال َّكتابتهم« َوأ َ َ
ّللا على الوجه المشروع الذي أباح لهم الشرع أن يعاهدوا عليه ّللا ومع غير ه ِإذا عا َهدُوا »مع ه
اء »فيما يتضررون ساء »في حال الشدائد« َوالض ََّّر ِ صا ِب ِرينَ ِفي ْالبَأ ْ ِ ،ومنه الوفاء بالنذر« َوال َّ
ّللا« أُول ِئ َك »إشارة إلى القائمين ّللا« َو ِحينَ ْالبَأ ْ ِس »المجاهدين في سبيل ه به مما فيه قربة إلى ه
ص َدقُوا »أي أخذوها بقوة وصالبة في الدين ،ألن الصدق الصالبة في بهذه العبادات« الَّذِينَ َ
ّللا في ذلك« َوأُولئِ َك ُه ُم »الذين سميناهم الدين ،يقال رمح صدق أي صلب ،يقول صدقوا مع ه
بأنهم« ْال ُمتَّقُونَ »من عبادي الذين كتبت لهم رحمتي ،وقد تقدم المتقي من هو ،وأن ما ذكره
صاص فِي ْالقَتْلى ْال ُح ُّر ُ علَ ْي ُك ُم ْال ِق
ب َ في هذه اآلية صفة المتقي ( «) 179يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ
ِب ْال ُح ِ هر َو ْالعَ ْب ُد ِب ْالعَ ْب ِد َو ْاأل ُ ْنثى ِب ْاأل ُ ْنثى »يقول :فرض
ص 252
ص 254 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 179
صاص َحياةٌ يا أُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ
ب لَعَله ُك ْم تَتهقُ َ
ون ( ) 179 ِ َولَ ُك ْم فِي ا ْل ِق
ب »وهمصاص َحياة ٌ »لما في ذلك من مصالح الحياة الدنيا« يا أُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ ِ « َولَ ُك ْم ِفي ْال ِق
ّللا )فعلموا أن القصاص إنما علَى َّ ِصلَ َح فَأ َ ْج ُرهُ َ عفا َوأ َ ْ
الناظرون في اللب مع قوله ( :فَ َم ْن َ
شرع ألن الجاهل ال يردعه مثل العفو ،فيؤديه احتمال الكامل مع جهله إلى إهالك أولي
األلباب ،فإذا علم أن النفس بالنفس وال بد ارتدع ،فقتل الجاهل كقطع عضو لسعته الحية من
الجسد إبقاء على باقي الجسد ،فهو ينقصه إال أن فيه مصلحته «.لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ »وهذا إثبات
لألسباب اإللهية المقررة في العالم فعلل ،والم العلة في القرآن كثير.
__________________________________________
عليكم القصاص في القتلى إن قتل حر حرا قتل به ،وإن قتل عبد عبدا قتل به ،وإن قتلت أنثى
أنثى قتلت بها ،ال يقتل حر بعبد لم يقتله ،وال رجل بامرأة لم يقتلها ،وما تعرض في اآلية
إلى حكم الحر بالعبد ،وال الذكر باألنثى ،حتى يدهعى في هذه اآلية النسخ ،فإذا ورد حكم آخر
في الكتاب أو السنة عمل به وكان زيادة حكم ،وإنما تكون هذه اآلية منسوخة لو لم يقتل حر
بحر وال عبد بعبد وال أنثى بأنثى ،وما قال في اآلية وال يجوز غير هذا ،ولو قال ذلك لكان
النسخ يرد على قوله حكما ،وال يجوز غير هذا لثبوت الحكم فيما ذكره ،وال خالف في أن
هذا الحكم في قتل العمد ،وأما شبه العمد أو الخطأ فله حكم آخر إذا ورد يرد الكالم عليه ،
والشرط الذي يجب به القصاص في المقتول هو أن يكون دم المقتول مكافئا لدم القاتل ،والذي
به تختلف النفوس هو اإلسالم والكفر ،والحرية والعبودية ،والذكورية واألنوثية ،والواحد
والكثير ،وال خالف بين العلماء أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتل في هذه األربعة أنه يجب
القصاص ،فثبت بهذا االتفاق أن هذه اآلية ليس بمنسوخة ،وأن النبي عليه السالم إنما كان
حكمه بين الحيين في السبب الموجب لنزول هذه اآلية أن ال يقتل بالمقتول غير قاتله كما
ع بِ ْال َم ْع ُر ِ
وف َوأَدا ٌء إِلَ ْي ِه بِإِ ْحسا ٍن »فيه ي لَهُ ِم ْن أ َ ِخي ِه َ
ش ْي ٌء فَا ِت هبا ٌ ذكرناه ،ثم قال «:فَ َم ْن ُ
ع ِف َ
وجوه ،منها إذا عفا ولي المقتول عن القود وقبل الدية فيطلبها من القاتل بمعروف ،أي برفق
على وجه مشروع ،وال يشطط في الدية بأن يطلب الغاية القصوى في سمنها وحسنها ،
وليطلب بحكم التوسط في ذلك ،وليؤدي القاتل إليه ذلك بإحسان ،أي بحيث يطيب قلبه ،
ي لَهُ »أي من بقيت له من دية أخيه بقية فليطلبها كما ذكرناه ،سواء ووجه آخر وهو« فَ َم ْن ُ
ع ِف َ
كثرت أو قلت ،وقد يكون للدم أولياء فيعفو بعضهم فيسقط القود وتتعين
ص 253
ص 255 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 180
ض َر أ َ َح َد ُك ُم ا ْل َم ْوتُ ِإ ْن ت َ َركَ َخ ْيرا ً ا ْل َو ِصيهةُ ِل ْلوا ِل َد ْي ِن َو ْاأل َ ْق َر ِب َ
ين ِبا ْل َم ْع ُر ِ
وف َحقًّا علَ ْي ُك ْم ِإذا َح َ
ب َ ُكتِ َ
ين ) ( 180 علَى ا ْل ُمت ه ِق َ
َ
األقربون هم الذين الحظ لهم في الميراث ،والوصية في الثلث مما له التصرف فيه من ماله ،
فال يتجاوز ثلث ماله.
ص 254
ص 256 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 181إلى 182
خاف
َ ع ِلي ٌم ( ) 181فَ َم ْن
س ِمي ٌع َ ِين يُبَ ِ هدلُونَهُ ِإ هن ه َ
ّللا َ علَى الهذ َ س ِمعَهُ فَ ِإنهما ِإثْ ُمهُ َ فَ َم ْن بَ هدلَهُ بَ ْع َد ما َ
ور َر ِحي ٌم ) ( 182 غف ُ ٌّللا َ
علَ ْي ِه ِإ هن ه َ وص َجنَفا ً أ َ ْو ِإثْما ً فَأ َ ْ
صلَ َح بَ ْينَ ُه ْم فَل ِإثْ َم َ ِم ْن ُم ٍ
الجنف حيف في الكم والكيف.
ص 255
ص 257 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 183
علَى الَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ) ( 183 ب َ علَ ْي ُك ُم ال ِ ه
صيا ُم َكما ُكتِ َ ب َيا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ
الصوم هو اإلمساك والرفعة يقال صام النهار إذا ارتفع ،ولما ارتفع الصوم عن سائر العبادات
كلها في الدرجة سمي صوما ،ورفعه سبحانه بنفي المثلية عنه في العبادات وسلبه عن عباده
ّللا صلهى
مع تعبدهم به وأضافه إليه سبحانه ،أخرجه النسائي عن أبي أمامة قال :أتيت رسول ه
ّللا عليه وسلم فقلت :مرني بأمر آخذه عنك ،قال :عليك بالصوم فإنه ال مثل له ،وورد في ه
ّللا تعالى يقول :الصوم لي وأنا أجزي به ،وخرج مسلم في الصحيح عن أبي الخبر أن ه
ّللا عليه وسلم [ :كل عمل ابن آدم له إال الصيام ،فإنه لي ّللا صلهى ه هريرة قال :قال رسول ه
وأنا أجزي به ،والصيام جنة ،فإذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث يومئذ وال يسخب ،فإن
سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني صائم ،والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم
ّللا يوم القيامة من ريح المسك ،وللصائم فرحتان يفرحهما ،إذا أفطر فرح بفطره ، أطيب عند ه
عز وجل فرح بصومه ] واعلم أن الصوم المشروع منه واجب ومنه مندوب إليه وإذا لقي ربه ه
ّللا تعالى ابتداء وهو صوم شهر رمضان ،والواجب على ثالثة أنواع :منه ما يجب بإيجاب ه
الذي أنزل فيه القرآن ،أي في صيامه أو عدة من أيام أخر ،في حق المسافر أفطر أو لم يفطر
عندنا ،وفي حق المريض ،ومنه ما يجب لسبب موجب ،وهو صيام الكفارات ،ومنه ما
ّللا بما أوجبه اإلنسان على نفسه وهو غير مكروه ،وهو صوم النذر ،فإنه يستخرج يجب من ه
ّللا ،ال
به من البخيل ،وما ثم واجب غير ما ذكرنا ،والصوم عمل مستور عن كل ما سوى ه
ّللا تعالى ،ألنه ترك وليس بعمل وجودي فيظهر للبصر أو يعمل يعلمه من اإلنسان إال ه
ّللا تعالى ،
ّللا ،ال يعلمه من الصائم إال ه بالجوارح ،فهو عمل مستور عن كل ما سوى ه
والصائم هو الذي سماه الشرع صائما ال الجائع -إشارة واعتبار -لو علم اإلنسان من أي مقام
ناداه الحق تعالى بالصيام في قوله «:يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا »وأنه المخاطب
____________________________________________
من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
صيا ُم »اآلية ،يقول :فرض عليكم الصيام ، علَ ْي ُك ُم ال ِ ه بالكل «) ( 184يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ
ب َ
وهو اإلمساك عن كل ما أمر الشرع أن يمسك عنه الصائم ،من طلوع الفجر المستطير إلى
غروب
ص 256
ص 258 :
في نفسه وحده بهذه الجمعية ،فإنه قال [ :يصبح على كل سالمي منكم صدقة ] فجعل التكليف
عاما في اإلنسان الواحد ،وإذا كان هذا في عروقه فأين أنت من جوارحه ،من سمعه وبصره
ّللا ناداك من ولسانه ويده وبطنه ورجله وفرجه وقلبه ،الذين هم رؤساء ظاهره ،واعلم أن ه
كونك مؤمنا من مقام الحكمة الجامعة ،لتقف بتفاصيل ما يخاطبك به على العلم بما أراده منك
صيا ُم »أي اإلمساك عن كل ما حرم عليكم فعله أو علَ ْي ُك ُم ال ِ ه في هذه العبادة ،فقال «ُ :كتِ َ
ب َ
علَى الَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم »يعني الصوم من حيث ما هو صوم ،فإن كان أيضا ب َتركه« َكما ُكتِ َ
يعني به صوم رمضان بعينه كما ذهب إليه بعضهم ،غير أن الذين قبلنا من أهل الكتاب زادوا
علَى الَّذِينَ
ب »أي فرض« َ فيه إلى أن بلغوا خمسين يوما وهو مما غيروه ،وقوله َ «:كما ُكتِ َ
ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم »وهم الذين هم لكم سلف في هذا الحكم وأنتم لهم خلف« لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ »أي تتخذوا
ّللا عليه وسلم أخبرنا أن الصوم جنة ،والجنة الوقاية ،وال الصوم وقاية ،فإن النبي صلهى ه
يتخذونه وقاية إال إذا جعلوه عبادة ،فيكون الصوم للحق من وجه ما فيه من التنزيه ،ويكون
من وجه ما هو عبادة في حق العبد جنة ووقاية من دعوى فيما هو هّلل ال له ،فإن الصوم ال
مثل له ،فهو لمن ال مثل له ،فالصوم هّلل ليس لك ،قال تعالى :في الخبر المروي [ الصوم
لي ] ثم قال :
ص 257
ص 259 :
على من قبلنا ،هل كتب عليهم يوم واحد وهو عاشوراء ،أو كتب عليهم أيام ،والذي كتب
علينا إنما هو شهر ،والشهر إما تسعة وعشرون يوما وإما ثالثون يوما ،بحسب ما نرى
ّللا صلهى
الهالل ،واأليام من ثالثة إلى عشرة ال غير ،فطابق لفظ القرآن ما أعلمنا به رسول ه
ّللا عليه وسلم في عدد أيام الشهر ،فقال [ :الشهر هكذا وأشار بيده عشرة أيام ،ثم قال :هكذا ه
يعني عشرة أيام ،وهكذا ،وعقد إبهامه في الثالثة ،يعني تسعة أيام ،وفي المرة األخرى لم
ت »عدد الشارع يعقد اإلبهام ،فأراد أيضا عشرة أيام ] وذلك لما قال تعالى «:أَيَّاما ا َم ْعدُودا ٍ
ّللا ،فإنه لو قال ثالثون يوما لكان أيام الشهر بالعشرات حتى يصح ذكر األيام موافقا لكالم ه
كما قال في اإليالء لعائشة ،قد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما ،ولم يقل هكذا وهكذا كما
قال في عدد شهر رمضان ،فعلمنا أنه أراد موافقة الحق تعالى فيما ذكر في كتابه ،ثم قال «:
سفَ ٍر فَ ِع َّدة ٌ ِم ْن أَي ٍَّام أُخ ََر »فأتى بذكر األيام أيضا وأشار إلى فَ َم ْن كانَ ِم ْن ُك ْم َم ِريضا ا أ َ ْو َ
على َ
المخاطبين بقوله ِ «:م ْن ُك ْم »وهم الذين آمنوا ،والذي أذهب إليه أن المريض والمسافر إن
صاما شهر رمضان فإن ذلك ال يجزيهما ،وأن الواجب عليهما عدة من أيام أخر ،غير أني
أفرق بين المريض والمسافر إذا أوقعا الصوم في هذه الحالة في شهر رمضان ،فأما المريض
فيكون الصوم له نفال ،وهو عمل بر وليس بواجب عليه ،ولو أوجبه على نفسه فإنه ال يجب
عليه ،وأما المسافر ال يكون صومه في السفر في شهر رمضان وال في غيره من عمل بر ،
وإذا لم يكن من عمل بر كان كمن لم يعمل شيئا ،وهو أدنى درجاته ،أو يكون على ضد البر
ونقيضه وهو الفجور ،وال أقول بذلك ،إال أني أنفي عنه أن يكون في عمل بر في ذلك الفعل
في تلك الحال ،وعلى المسافر أن يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم السفر ،وكذلك المريض
عليه أن يفطر في أقل ما ينطلق عليه اسم مرض ،والواجب عدة من أيام أخر في غير
رمضان ،فهو واجب موسع الوقت من ثاني يوم شوال إلى آخر عمره ،وإذا كنا مسافرين
ّللا تعالى ن هكر فأفطرنا فنقضي أيام رمضان أو نؤديه في أيام غير معينة ،فإن ه
ص 258
ص 260 :
األيام في قوله« فَ ِع َّدة ٌ ِم ْن أَي ٍَّام أُخ ََر »فالذي يجب على المكلف في سفره عدة من أيام أخر ،له
االختيار في تعيينها ،وإذا قضيت أيام رمضان من مرض أو سفر فاقضه متتابعا كما أفطرته
ين »اآلية عندي علَى الَّذِينَ يُ ِطيقُونَهُ فِ ْديَةٌ َ
طعا ُم ِم ْس ِك ٍ متتابعا ،تخرج بذلك من الخالف« َو َ
مخصصة غير منسوخة في حق الحامل والمرضع والشيخ والعجوز ،فالحامل والمرضع
يطعمان وال قضاء عليهما ،والشيخ والعجوز إذا لم يقدرا على الصوم يفطران وال يطعمان ،
فإن اإلطعام شرع مع الطاقة على الصوم ،وأما من ال يطيقه فقد سقط عنه التكليف في ذلك ،
ّللا ما كلف نفسا إال وسعها وليس في الشرع إطعام من هذه صفته من عدم القدرة عليه ،فإن ه
وما كلفها اإلطعام ،فلو كلفها مع عدم القدرة لم نعدل عنه وقلنا به ،واإلطعام مد عن كل يوم«
صو ُموا َخي ٌْر لَ ُك ْم »فقد قال فيه إن الصوم ال مثل له ،فهو عبادة ال مثل لها في الخيرية« َوأ َ ْن ت َ ُ
ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ »قد تكون إن هنا بمعنى ما يقول .ما كنتم تعلمون أن الصوم خير من اإلطعام
لوال ما أعلمتكم ،ويكون معناها أيضا «إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ »األفضل فيما خيرتكم فيه ،فقد
أعلمتكم مرتبة الصوم ومرتبة اإلطعام –
[ التخيير اختبار وابتالء ]
تحقيق -اعلم أن الحق إذا خير العبد فقد حيره ،فإن حقيقته العبودية فال يتصرف إال بحكم
االضطرار والجبر ،والتخيير نعت السيد ما هو نعت العبد ،وقد أقام السيد عبده في التخيير
اختبارا وابتالء ،ليرى هل يقف مع عبوديته أو يختار فيجري في األشياء مجرى سيده ،وهو
في المعنى مجبور في اختياره مع كون ذلك عن أمر سيده ،فكان ال يزول عن عبوديته وال
ّللا عليه التخيير ،ولما نبه تعالى عباده على أن الصوم خير لهم إذا يتشبه بربه فيما أوجب ه
اختاروه أبان لهم بذلك عن طريق األفضلية ،ليرجحوا الصوم على الفطر ،فكان هذا من رفقه
سبحانه بهم
ص 259
ص 261 :
حيث أزال عنهم الحيرة في التخيير بهذا القدر من الترجيح ،ومع هذا فاالبتالء له مصاحب ،
ألنه تعالى لم يوجب عليه فعل ما رجحه له ،بل أبقى له االختيار على بابه ،أما في الكفارة
وّللا حكيم والحكمة في بعض فإن الترتيب أولى من التخيير ،فإن الحكمة تقتضي الترتيب ،ه
األشياء أولى من الترتيب لما اقتضته الحكمة ،والعبد في الترتيب عبد اضطرار كعبودة
الفرائض ،والعبد في التخيير عبد اختيار كعبودة النوافل ،وفيها رائحة من عبودية االضطرار
ّللا
،وبين عبادة النوافل وعبادة الفرائض في التقريب اإللهي بون بعيد في علو الرتبة ،فإن ه
جعل القرب في الفرائض أعظم من القرب في النوافل ،وأن ذلك أحب إليه .
ص 260
ص 262 :
السنة ،فإنه أفضل الشهور ،وجعله من الشهور القمرية حتى تعم بركته جميع شهور السنة ،
فيظهر في كل شهر من شهور السنة الشمسية ،فيحصل لكل يوم من أيام السنة حظ منه ،
ّللا الشهر إليه تعالى من اسمه رمضان ،وهو اسم غريب نادر ،ورد الخبر بذلك ، فأضاف ه
ّللا عليه وسلم : ّللا صلهى هروى أبو أحمد بن عدي الجرجاني عن أبي هريرة قال :قال رسول ه
ش ْه ُر َر َمضانَ ّللا تعالى ] لذلك قال تعالى َ «: [ ال تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء ه
آن »أي في صومه أي في إيجاب صومه القرآن »ولم يقل رمضان « ،الَّذِي أ ُ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُ ْر ُ
صيا ُم )خرج مسلم من حديث أبي هريرة أن علَ ْي ُك ُم ال ِ ه
ب َ بقوله تعالى ( :يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ
ّللا عليه وسلم قال [ :إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار ّللا صلهى ه رسول ه
وصفهدت الشياطين ] زاد النسائي في كتابه [ ونادى مناد في كل ليلة يا طالب الخير هلم ،ويا
طالب الشر أمسك ] فنزل القرآن بصوم شهر رمضان على التعيين دون غيره من الشهور ،
ّللا الصوم الذي ال مثل له في العبادات ابتداء إال في شهر سماه سبحانه باسم من فما فرض ه
ّللا إالأسمائه ،فال مثل له في الشهور ،ألنه ليس في أسماء شهور السنة من اسم تسمى به ه
رمضان ،والصوم صفة صمدانية يتنزه اإلنسان فيها عن الطعام والشراب والنكاح والغيبة ،
وهذه كلها نعوت إلهية يتصف بها العبد في حال صومه ،والقرآن الجمع ،فلهذا جمع بينك
وبينه في الصفة الصمدانية وهي الصوم ،فما كان فيه من تنزيه فهو هّلل ،فإنه قال الصوم لي ،
ّللا تعالى أنزل القرآن في هذا الشهر في أفضل ليلة تسمى ليلة ومن كونه عبادة فهو لك ،ثم إن ه
ّللا أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر ليلة النصف من شعبان ،وأنزله قرآنا في القدر ،فإن ه
شهر رمضان ،كل ذلك إلى السماء الدنيا ،ومن هناك نزل في ثالث وعشرين سنة فرقانا
نجوما ذا آيات وسور لتعلم المنازل وتتبين المراتب ،فمن نزوله إلى األرض في شهر شعبان
اس َوبَ ِيهنا ٍ
ت ى ِللنَّ ِيتلى فرقانا ،ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآنا ،فأنزل القرآن فيه « ُهد ا
قان »من كونه رمضان ،وأما من كونه في ليلة القدر فأنزله كتابا مبينا أي بينا ِمنَ ْال ُهدى َو ْالفُ ْر ِ
باّلل ،
أنه كتاب ،وبين كون الشيء كتابا وقرآنا وفرقانا مراتب متميزة يعلمها العالمون ه
ص 261
ص 263 :
ت »فكل اس »على قدر طبقاتهم وما رزقوا من الفهم عنه َ « ،وبَ ِيهنا ٍ ى »أي بيانا« ِللنَّ ِ « ُهد ا
ّللا في ذلك ِ « ،منَ ْال ُهدى »وهو التبيان شخص على بينة تخصه بقدر ما فهم من خطاب ه
قان »فإنه جمعك أوال معه في الصوم بالقرآن ،ثم فرقك لتتميز عنه بالفرقان ، اإللهي« َو ْالفُ ْر ِ
فأنت أنت وهو هو ،فبما هو الصوم له فهو من باب التنزيه ،وهو لك عبادة ال مثل لها« فَ َم ْن
ّللا عليه وسلم :صوموا ّللا صلهى ه
ص ْمهُ »يقول فليمسك نفسه قال رسول ه ش ْه َر فَ ْليَ ُ
ش ِه َد ِم ْن ُك ُم ال َّ
َ
ّللا عليه وسلم ذكر رمضان فضرب ّللا صلهى ه
لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،خرج مسلم أن رسول ه
بيده فقال :
الشهر هكذا وهكذا ،ثم عقد إبهامه في الثالثة ،صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غم
ّللا عليه وسلم أنه قال :إنا أمة أمية ال نكتب وال عليكم فاقدروا ثالثين ،وقد ورد عنه صلهى ه
نحسب ،الشهر هكذا وهكذا وهكذا ،وعقد اإلبهام ،والشهر هكذا وهكذا وهكذا ،يعني تمام
الثالثين ،وحديث أقدروا من حمله على التضييق ابتدأ بصوم رمضان من يوم الشك ،ومن
حمله على التقدير حكم بالتسيير ،وذلك يرجع إلى الحساب بتسيير القمر والشمس ،وهو
مذهب ابن الشخير ،وبه أقول ،وإذا رؤي الهالل قبل الزوال فهو لليلة الماضية ،وإن رؤي
بعد الزوال فهو لليلة اآلتية ،ومن أبصر هالل الصوم وحده عليه أن يصوم ،وكذلك يفطر
ّللا عليه وسلم أن يقال رمضان كما سبق ّللا صلهى ه
برؤية هالل الفطر وحده ،وقد نهى رسول ه
ّللا صومه وندب إلى قيامه ،وهو يتضمن صوما وفطرا ألنه يتضمن ليال أن ذكرنا ،وفرض ه
ونهارا ،واسم رمضان ينطلق عليه في حال الصوم واإلفطار ،حتى يتميز من رمضان الذي
ّللا تعالى له الصوم الذي ال يقبل اإلفطار ،ولنا الصوم الذي يقبل ّللا تعالى ،فإن ه هو اسم ه
الفطر ،فصوم شهر رمضان واجب على كل إنسان مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم غير مسافر ،
وهو عين هذا الزمان المعلوم المشهور المعيهن من الشهور االثني عشر شهرا ،الذي بين
شعبان وشوال ،والمعين في هذا الزمان صوم األيام دون الليالي ،وحد يوم الصوم من طلوع
الفجر إلى غروب الشمس ،فهذا هو حد اليوم المشروع للصوم ال حد اليوم المعروف بالنهار
ص 262
ص 264 :
سفَ ٍر » -راجع آية - 183 على َ" َو َم ْن كانَ َم ِريضا ا أ َ ْو َ
« فَ ِع َّدة ٌ ِم ْن أَي ٍَّام أُخ ََر »معدودات ال يزاد فيها وال ينقص منها« يُ ِري ُد َّ
ّللاُ ِب ُك ُم ْاليُس َْر »فيما
خاطبكم به من الرفق في التكليف« َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ْالعُس َْر ».
ج »وقوله «:فَإِ َّن ِين ِم ْن َح َر ٍ علَ ْي ُك ْم فِي ال هد ِ
وهو ما يشق عليكم ،تأكد بهذا القول َ «:وما َجعَ َل َ
َم َع ْالعُس ِْر يُسْرا ا ِإ َّن َم َع ْالعُس ِْر يُسْرا ا »أي فإن مع عسر المرض يسر اإلفطار ،ومع عسر
ّللا »تشهدوا السفر يسر اإلفطار« َو ِلت ُ ْك ِملُوا ْال ِع َّدة َ »برؤية الهالل أو بتمام الثالثين« َو ِلت ُ َك ِبه ُروا َّ َ
له بالكبرياء ،تفردوه به وال تنازعوه فيه ،فإنه ال ينبغي إال له سبحانه ،فتكبروه عن صفة
على ما هَدا ُك ْم »أي وفقكم لمثل هذا وبيهن لكم ما تستحقونه مما يستحقه تعالى العسر واليسر« َ
َ «،ولَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ »فجعل ذلك نعمة يجب الشكر منا عليها لكوننا نقبل الزيادة ،فنبهنا بما هو
مضمون الشكر لنزيده في العمل [ .الصوم ]
ّللا أن الصوم هو ص ْمهُ »اعلم أيدك ه ش ْه َر فَ ْليَ ُش ِه َد ِم ْن ُك ُم ال َّ
ش ْه ُر َر َمضانَ . . .فَ َم ْن َ
-إشارة َ «-
اإلمساك والرفعة ،يقال :صام النهار ،إذا ارتفع ،ولما ارتفع الصوم عن سائر العبادات كلها
في الدرجة سمي صوما ،ورفعه سبحانه بنفي المثلية عنه في العبادات ،وسلبه عن عباده مع
تعبدهم به ،وأضافه إليه سبحانه ،وجعل جزاء من اتصف به بيده من إثابته ،وألحقه بنفسه
من نفي المثلية فقوله تعالى [ كل عمل ابن آدم له إال الصيام فإنه لي ] أي صفة الصمدانية
وهي التنزيه عن الغذاء ليس إال لي ،وإن وصفتك به فإنما وصفتك باعتبار تقييد ما من تقييد
التنزيه ،ال بإطالق التنزيه الذي ينبغي لجاللي ،فقلت [ وأنا أجزي به ] فكان الحق جزاء
الصوم للصائم إذا انقلب إلى ربه ولقيه بوصف ال مثل له ،وهو الصوم ،إذ كان ال يرى من
ليس كمثله شيء إال من ليس كمثله شيء ،فإنه سبحانه ال مثل له باألدلة العقلية والشرعية ،
ّللا به ،وهو الصوم الظاهر فأول مراتب الصوم عندنا هو الصوم العام المعروف الذي تعبدنا ه
في الشاهد ،على تمام شروطه ،ثم صوم النفس عند الخواص ،بما هي آمرة للجوارح ،وهو
إمساكها عما حجر عليها في مسئلة مسئلة وارتفاعها عن ذلك ،وآخرها صوم القلب
الموصوف بالسعة للنزول اإللهي ،حيث قال تعالى [ وسعني قلب عبدي ] وله صوم وهو
إمساكه هذه السعة أن يعمرها أحد غير خالقه ،فإن عمرها أحد
ص 263
ص 265 :
غير خالقه فقد أفطر في الزمان الذي يجب أن يكون فيه صائما إيثارا لربه .
ّللا من لدنه علما ،وجعل لك في كل أمر حكمة وحكما ،أن رمضان اسم من واعلم علمك ه
ّللا تعالى ،وهو الصمد ،ولما كان مجيء رمضان سببا في الشروع في الصوم ،فتح أسماء ه
ّللا تعالى ،
ّللا أبواب الجنة ،والجنة الستر ،فدخل الصوم في عمل مستور ال يعلمه منه إال ه ه
ألنه ترك وليس بعمل وجودي فيظهر للبصر ،أو يعمل بالجوارح ،فهو مستور عن كل ما
ّللا تعالى ،والصائم الذي سماه الشرع صائما ال الجائع ،ّللا ،ال يعلمه من الصائم إال ه سوى ه
ّللا أبواب النار ،فإذا أغلقت أبواب النار عاد نفسها عليها ،فتضاعف حرها عليها وأكل وغلهق ه
بعضها بعضا ،كذلك الصائم في حكم طبيعته إذا صام غلق أبواب نار طبيعته ،فوجد الصائم
حرارة زائدة لعدم استعمال المرطبات ،ووجد ألم ذلك في باطنه ،وتضاعفت شهوته للطعام
الذي يتوهم الراحة بتحصيله ،فتقوى نار شهوته بغلق باب تناول األطعمة واألشربة ،
ّللا بالصفة الصمدانية ،فإنه فيوصفهدت الشياطين ،وهي صفة البعد ،فكان الصائم قريبا من ه
عبادة ال مثل لها ،فقرب بها من صفة ليس كمثله شيء ،ومن كانت هذه صفته فقد صفدت
الشياطين في حقه ،ومتى طلع هالل المعرفة في أفق قلوب العارفين من االسم اإللهي «
رمضان » وجب الصوم ،ومتى طلع هالل المعرفة في أفق قلوب العارفين من االسم اإللهي«
ض » *وجب الفطر على األرواح من قوله « السماوات » وعلى ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ
فاط ِر ال َّ
ِ
األجسام من قوله « واألرض » واعتبار السفر فإن السالك هو المسافر في المقامات ،
ّللا يسافر ليشهده ،فما هو في حال شهود ،والمريض مائل عن الحق ،ألن والمسافر إلى ه
المرض النفسي ميل النفس إلى الكون.
ص 264
ص 266 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 186
َعان فَ ْليَ ْ
ست َ ِجيبُوا ِلي َو ْليُ ْؤ ِمنُوا ِبي يب أ ُ ِج ُ
يب َدع َْوةَ الدهاعِ ِإذا د ِ سأَلَكَ ِعبادِي َ
ع ِنهي فَ ِإ ِنهي قَ ِر ٌ َو ِإذا َ
ُون ) ( 186 شد َ لَعَله ُه ْم يَ ْر ُ
سأَلَ َك »لكونك حاجب الباب« ِعبادِي َ
ع ِنهي ّللا عليه وسلم َ «:و ِإذا َ يقول تعالى للرسول صلهى ه
يب »يعني »وهم عبيد العموم ،فما خص عبيدا من عبيد ،وأضافهم إليه ،أن يقول «:فَإِ ِنهي قَ ِر ٌ
يب َدع َْوة َ الدَّاعِ »وهو الموجب لإلجابة ،فإنه سبحانه مجيب عن سؤال ودعاء« إِذا منكم« أ ُ ِج ُ
عان »ما لم يقل لم يستجب لي ،وسواء دعاه في حق نفسه أو في حق غيره ،فوصف الحق َد ِ
نفسه بأنه متكلم إذ المجيب من كان ذا إجابة وهي التلبية ،ووصف نفسه بأنه سميع دعاء عباده
إذا دعوه ،فأجابهم من اسمه السميع وهو الموجب اإلجابة ،وقدم تعالى إجابته لنا إذا دعوناه
على إجابتنا له إذا دعانا ،وجعل االستجابة من العبيد مؤكدة بالسين لما علم من إبايتنا وبعدنا
عن إجابته ،فقال «:فَ ْليَ ْست َ ِجيبُوا »ألنه أبلغ من اإلجابة ،فإنه ال مانع له من اإلجابة سبحانه ،
ّللا إليه ،وهي الهوى والنفس والشيطان فال فائدة للتأكيد ولإلنسان موانع من اإلجابة لما دعاه ه
والدنيا ،فلذلك أمر باالستجابة ،فإن االستفعال أشد في المبالغة من اإلفعال ،فقال تعالى «:
فَ ْليَ ْست َ ِجيبُوا ِلي »يعني إذا دعوتهم إلى القيام بما شرعته لهم ،فإنك ال تعامل إال بما عاملت ،
فإنه إذا دعاك فأجبته يجيبك إذا دعوته ،لذلك قال «:فَ ْليَ ْست َ ِجيبُوا ِلي »فإني دعوتهم على ألسنة
أنبيائي بلسان الشرع ،وفي كتبي المنزلة التي أرسلت رسلي بها إليهم ،واعلم أن اإلجابة على
نوعين :إجابة امتثال وهي إجابة الخلق لما دعاه إليه الحق ،وإجابة امتنان وهي إجابة الحق
لما دعاه إليه الخلق ،فإجابة الخلق معقولة
ص 265
ص 267 :
وإجابة الحق منقولة لكونه تعالى أخبر بها عن نفسه ،وأما اتهصافه بالقرب في اإلجابة فهو
اتصافه بأنه أقرب إلى اإلنسان من حبل الوريد ،فشبه قربه من عبده قرب اإلنسان من نفسه
إذا دعا نفسه ألمر ما تفعله فتفعله ،فما بين الدعاء واإلجابة الذي هو السماع زمان ،بل زمان
الدعاء زمان اإلجابة ،فقرب الحق من إجابة عبده قرب العبد من إجابة نفسه إذا دعاها ،ثم ما
يدعوها إليه يشبه في الحال ما يدعو العبد ربه إليه في حاجة مخصوصة ،فقد يفعل له ذلك وقد
ال يفعل ،كذلك دعاء العبد نفسه إلى أمر ما ،قد تفعل ذلك األمر الذي دعاها إليه وقد ال تفعل
ألمر عارض يعرض له ،والدعاء على نوعين :دعاء بلسان نطق وقول ،ودعاء بلسان حال
،فدعاء القول يكون من الحق ومن الخلق ،ودعاء الحال يكون من الخلق وال يكون من الحق
ّللا أحد إال أجابه ،إال أن األمور مرهونة بأوقاتها لمن يعلم ذلك ،فال إال بوجه بعيد ،وما دعا ه
تستبطئ اإلجابة فإنها في الطريق ،وفي بعض الطريق بعد وهو التأجيل - ،وجه آخر في
قوله تعالى « :لي » أي من أجلي ،ال تعملون ذلك رجاء تحصيل ما عندي فتكونوا عبيد
نعمة ال عبيدي« َو ْليُؤْ ِمنُوا بِي »يصدقوا بإجابتي إياهم إذا دعوني -تفسير[ اإلشارة « -
َو ْليُؤْ ِمنُوا بِي » ]
من باب اإلشارة َ «-و ْليُؤْ ِمنُوا ِبي »أي ليكن إيمانهم بي ال بأنفسهم ،ألنه من آمن بنفسه ال ه
باّلل
لم يستوعب إيمانه ما استحقه ،فإذا آمن بي وفهى األمر حقه ،وهذا هو الذي يصدق باألخبار
كلها ،ومن آمن بنفسه فإنه مؤمن بما أعطاه دليله ،والذي أمرته باإليمان به متناقض األدلة
شدُونَ »أي يسلكون متردد بين تشبيه وتنزيه ،فالذي يؤمن بنفسه إيمانه بعقله ال بي« لَعَلَّ ُه ْم يَ ْر ُ
طريق الرشد كما يفعل الذين إذا رأوا سبيل الرشد اتخذوه سبيال ،فيمشي بهم إلى السعادة
األبدية .
[ تحقيق :فَإِ ِنهي قَ ِر ٌ
يب ]
ّللا عليه وسلم بقربه من السائلين من عباده إال ليعرف ّللا تعالى ما أخبر نبيه صلهى هتحقيق -إن ه
بثالث أمور :هي القرب والسمع واإلجابة ،فلم يترك لعبده حجة عليه بل هّلل الحجة البالغة ،
ّللا ،فال يتوسل إليه بغيره ،وهو فإذا تحقق العبد بهذه اآلية فأول ما ينتج له الزهد فيما سوى ه
ّللا ،فإن التوسل إنما
لمن تحقق بالقرب إلى ه
ص 266
ص 268 :
ّللا تعالى أنه قريب ،فال فائدة لهذا الطلب وخبره صدق ، هو طلب القرب منه ،وقد أخبرنا ه
ّللا
ومن تحقق بالقرب اإللهي ال بد أن يسمع اإلجابة اإللهية ذوقا ،فال بد من عالمة يعطيها ه
لهذا المتحقق يعلم بها أنه قد أجاب دعاءه ،ومعلوم أنه أجاب دعاءه ،وإنما أريد أن يعلمه أن
الذي سأل فيه قد قضي وإن تأخر وأعطي بدله على طريق العوض لما له في البدل من الخير ،
وقد يكشف له عن خواص األحوال واألزمنة واألمكنة التي توجب قضاء حاجة الداعي فيما
سأل فيه ،ثم أخبر أنه يجيب سؤال السائلين ،فهو إخبار بأن بيده ملكوت كل شيء ،وأخبر
باإلجابة ليتحفظ السائل ويراقب ما يسأل فيه ،ألنه ال بد من اإلجابة ،فقد يسأل العبد فيما ال
خير له فيه لجهله بالمصالح ،فهو تنبيه وتحذير أن ال يسأل إال فيما يعلم أن له فيه الخير الوافر
ّللا تعالى في حاجة من حوائج الدنيا على ّللا في الدنيا واآلخرة ،فمن تنبه لهذا لم يسأل ه
عند ه
ّللا مبهما ال يعيهن ،فإذا عيهن وال بد فليسأل فيه
التعيين ،ولكن يسأل فيما له في خير يعلمه ه
ّللا أدركه الندم بعد
الخيرة وسالمة الدين ،فكم من سائل عيهن فلما قضيت حاجته لحكمة يعلمها ه
ذلك على ما عيهن ،وتمنى أنه لم يعيهن ،وأما تعيينه في السؤال فيما يرجع إلى أمر الدين
فليعين ما شاء وال مكر فيه وال غائلة ،وكذلك ما يسأل فيه مما يتعلق باآلخرة ،فإذا قيل ما
ّللا أخبر أنه يجيب دعوة الداع سبب عدم اإلجابة ألكثر الناس فيما يسألون فيه ربهم ؟ فاعلم أن ه
ّللا أو يا رب أو رب أو ،وما دعاؤه إياه إال عين قوله حين يناديه باسم من أسمائه فيقول :يا ه
باّلل ،فإجابة هذا القدر الذي هويا ذا المجد والكرم ،وما أشبه ذلك ،فالدعاء نداء وهو تأيه ه
ّللا في حق كل سائل ، الدعوة وبها سمي داعيا أن يلبيه الحق فيقول :لبيك ،فهذا ال بد منه من ه
ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ،وقد وقعت اإلجابة كما قال ،فيوصل العبد
بعد النداء من الحوائج ما قام في خاطره مما شاءه ،فلم يضمن في هذه اآلية إجابته فيما سأل
فيه ودعاه من أجله ،فهو إن شاء قضى حاجته وإن شاء لم يفعل ،ولهذا ما كل مسؤول فيه
ّللا لعبده ،وذلك رحمة به ،فإنه قد يسأل فيما ال خير له فيه ،فلو ضمن اإلجابة في يقضيه ه
ذلك لوقع ويكون فيه هالكه في دينه
ص 267
ص 269 :
وآخرته ،وربما في دنياه من حيث ال يشعر ،فمن كرمه أنه ما ضمن اإلجابة فيما يسأل فيه ،
وإنما ضمن اإلجابة في الدعاء خاصة كما بيناه ،وهذا غاية الكرم من السيد في حق عبده ،
ّللا فاسألوه التوفيق والعافية والعناية في تحصيل السعادة ،وقل رب زدني علما ، فإذا سألتم ه
ّللا ما أمر نبيه بطلب الزيادة منه إال وقد علم أن عين حصول فإن العلم يأبى إال السعادة ،فإن ه
باّلل خاصة العلم المطلوب هو عين السعادة ،ما فيه مكر وال استدراج أصال ،وما هو إال العلم ه
باّلل ،وأما وصفه ال العلم بالحساب والهندسة والنجوم ،ولو علم ذلك لكان علم داللة على علم ه
يب »وقوله تعالى َ «:ون َْح ُن ع ِنهي فَإِ ِنهي قَ ِر ٌ سأَلَ َك ِعبادِي َ تعالى بالقرب في قوله تعالى َ «:و ِإذا َ
ب ِإلَ ْي ِه ِم ْن َح ْب ِل ْال َو ِري ِد »ونحوه ،يفهمك أن قوله تعالى في الحديث القدسي ( :وإن تقرب أ َ ْق َر ُ
إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ) ليس على ظاهره ،ألن قربه سبحانه من العبد بنوره وال تتفاوت
ّللا منه على حسب ّللا هو حجابه عن شهود قرب ه درجاته ،وإنما البعد صفة العبد ،وبعده عن ه
نور اإليمان في االستجابة ،وبهذا يكون تقرب العبد إلى ربه ،وأما تقرب الرب إلى العبد
ّللا ذلك كله في قوله «:فَ ْليَ ْست َ ِجيبُوا ِلي َو ْليُؤْ ِمنُوا بِي لَعَلَّ ُه ْم فإشارة بنوره لنوره ،وقد جمع ه
شدُونَ »وقد قرن الحق تعالى إجابته لكم بإجابتكم له ،وقد تقدم دعاؤه لكم في قوله تعالى «: يَ ْر ُ
ب أ َ ِل ٍيم »فإن استجبتم عذا ٍ ّللا َو ِآمنُوا ِب ِه يَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ِم ْن ذُنُو ِب ُك ْم َويُ ِج ْر ُك ْم ِم ْن َ يا قَ ْو َمنا أ َ ِجيبُوا دا ِع َ
ي َّ ِ
استجاب لكم ،وإن تصاممتم فما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ،وإنما هي أعمالكم ترد
عليكم ،فكرامتهم عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه الرتباط الحكمة في المناسبة ،فال
يجاب إال من يجيب ،فإذا ع هم الدعاء ذاتنا كلها بحيث ال يبقى فينا جزء له التفاتة إلى الغير ،
حصلت اإلجابة بال شك على الفور ،ألنها قد علمنا صدقه فيما أخبر به عن نفسه َ (،و َم ْن ال
ين )فقد ضال ٍل ُمبِ ٍ ْس لَهُ ِم ْن دُونِ ِه أ َ ْو ِليا ُء أُولئِ َك فِي َ ض َولَي َ ْس بِ ُم ْع ِج ٍز فِي ْاأل َ ْر ِّللا فَلَي َ
ي َّ ِيُ ِجبْ دا ِع َ
غفر لكم وأجابكم إن أنتم أجبتم داعيه ،وكالمه حق ووعده صدق ،فلب إذا دعاك الحق إليه ال
رغبة فيما في يديه ،فإنك إن أجبته لذلك فأنت هالك وكنت لمن أجبت ،وأخطأت وما أصبت ،
واستعبدك الطمع
ص 268
ص 270 :
ّللا فما عبد إال هواه ،
ّللا ال بد أن يوفيك حقك ،فمن كان عبدا لغير هواسترقك ،وأنت تعلم أن ه
وأخذ به العدو عن طريق هداه ،التلبية تولية ،فال تلب إال الداعي ،فإنك لما عنده واعي ،ما
اختزن األشياء إال لك ،فقصر أملك وأخلص هّلل عملك ،وهذا سر إجابة الدعاء ،ال رغبة في
ّللا جامعا للنقيضين فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود العطاء -نصيحة -لما كان االسم ه
ّللا
إال اسما خاصا منه ،تطلبه قرينة الحال ،فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه « :يا ه
وّللا هو المانع أيضا ،فما يطلب بحاله إال االسم الرزاق ،فما قال بالمعنى إال « يا
ارزقني » ه
ّللا فال يسأله إال باالسم الخاص بذلك األمر ،وال
رزاق ارزقني » ،فمن أراد اإلجابة من ه ه
يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره ،وال يسأل باالسم من حيث داللته على ذات المسمى ،
ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه الذي ألجله ،جاء وتميز به عن غيره من األسماء ،
تميز معنى ال تميز لفظ .
ص 269
ص 271 :
فيها صائمين ،فهي صفة تصحبكم إلى ليلة عيد الفطر ،ولو كانت إضافة ليلة الصيام إلى
المستقبل لم تكن ليلة عيد الفطر فيها .
فإنك ال تصبح يوم العيد صائما ،ولو صمت فيه لكنت عاصيا ،وال يلزم هذا في أول ليلة من
رمضان ،فإن األكل والشرب وأمثاله كان حالال قبل ذلك ،فما زال مستصحب الحكم ،فلهذا
ث »يعني الجماع« إِلى نِسائِ ُك ْم »فجاء بالنساء ولم يقل األزواج الرفَ ُ جعلناه للصوم الماضي« َّ
كن أخرن عن هذا وال غير ذلك ،فإن في هذا االسم معنى ما في النسإ وهو التأخير ،فقد ه
الحكم الذي هو الجماع زمان الصوم إلى الليل ،فلما جاء الليل زال حكم التأخير باإلحالل ،
فكأنه يقول إلى ما أخرتم عنه وأخرنا عنه من أزواجكم وما ملكت أيمانكم ممن هو محل
باس لَ ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم ِل ٌ
باس لَ ُه َّن »المقصود باس لَ ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم ِل ٌ
باس لَ ُه َّن » ]« ُه َّن ِل ٌ للوطء « [ ُه َّن ِل ٌ
بالضمير « هن » الزوجات ومن يحل جماعه ،فالمناسبة بينكم صحيحة ،ما هي مثل ما
تلبستم بنا في صومكم حيث اتصفتم بصفة هي لي وهي الصوم ،فلستم لباسا لي ولست لباسا
لكم ،فإن اللباس يحيط بالملبوس ويستره ،فهي تستره بنفسها وغطاها هو بذاته -إشارة ال
باس لَ ُه َّن »اإلشارة بهن إلى األسماء اإللهية ،فهو تلبس الحق باس لَ ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم ِل ٌ
تفسير «ُ -ه َّن ِل ٌ
بالخلق في الصورة التي ظهر عنها األثر في الشاهد ،كما ظهر عقال عن الحق ،هن لباس لكم
،وأنتم لباس لهن ،تلبس الخلق في الفعل بالحق في اإليجاد بنسبة الفعل إلى الخلق.
) ( 1ألن ليلة عيد الفطر يجوز الوصال فيها لصيام اليوم الذي قبله.
ص 270
ص 272 :
فإن قلت هذا الحق أظهرت غائبا * وإن قلت هذا الخلق أخفيته فيهفلوال وجود الحق ما بان
ّللاُ أَنَّ ُك ْم ُك ْنت ُ ْم ت َ ْختانُونَ أ َ ْنفُ َ
س ُك ْم »من الخيانة ع ِل َم َّ
كائن * ولوال وجود الخلق ما كنت تخفيه« َ
لشهادتي عليكم حين قبلتم األمانة لما عرضتها عليكم ،فكنتم تختانون أنفسكم لما حجر عليكم
فيما حجره عليكم ،فما أراد هنا تعلق علمه تعالى بأنهم يختانون أنفسهم ،وإنما المستقبل هنا
بمعنى الماضي ،فإن اللسان العربي يجيء فيه المستقبل ببنية الماضي إذا كان متحققا ،كقوله
ّللا فَال ت َ ْست َ ْع ِجلُوهُ )وشبهه ،وقد كان الحق كلفهم قبل هذا التعريف أن ال تعالى ( :أَتى أ َ ْم ُر َّ ِ
ّللا ذلك عفا ع همنّللا في ذلك ،فلما علم ه يباشر الصائم امرأته ليلة صومه ،فمنهم من تعدى حد ه
وقع منه ذلك وأح هل له الجماع ليلة صومه ،إال أن يكون معتكفا في المسجد ،فما خفف عنهم
حتى وقع منهم ذلك ،ومن من شأنه مثل هذا الواقع فإنه ال يزال يتوقع منه مثله ،فأبيح له
رحمة به ،حتى إذا وقع منه ذلك كان حالال له ومباحا وتزول عنه صفة الخيانة ،فإن الدين
ع ْن ُك ْم »أي بالقليل الذي أباحه لكم في عفا َ علَ ْي ُك ْم »أي رجع عليكم« َو َ تاب َأمانة عند المكلف «فَ َ
زمان اإلحالل الذي هو الليل ،وإنما جعله قليال لبقاء التحجير فيه في المباشرة للمعتكف في
المسجد بال خالف ،وفي غير المسجد بخالف ،والمواصل« فَ ْاآلنَ بَا ِش ُرو ُه َّن »وهو زمان
ّللا من أجلكم حتى تعلموه ّللاُ لَ ُك ْم »واطلبوا ما فرض ه الفطر في رمضان« َوا ْبتَغُوا ما َكت َ َ
ب َّ
فتعملوا
ص 271
ص 273 :
به في كل ما ذكره في هذه اآلية َ «،و ُكلُوا َوا ْش َربُوا »أمر بإعطاء ما عليك لنفسك من حق
ض »إقبال النهار« ِمنَ ْال َخي ِْط ْاألَس َْو ِد »إدبار الليل ط ْاأل َ ْبيَ ُ األكل والشرب« َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم ْال َخ ْي ُ
،يريد بياض الصبح وسواد الليل ،وعلى ذلك يكون التبيين للناظر إليه حينئذ يحرم األكل«
ِمنَ ْالفَ ْج ِر »النفجار الضوء في األفق ،وذلك الحد هو الفجر األبيض المستطير ،وهو األولى
من الفجر األحمر ،واألخذ بالتواتر في ذلك أولى من األخذ بالخبر الواحد الصحيح ،والقرآن
ض ِمنَ ْال َخي ِْط ْاألَس َْو ِد ِمنَ ْالفَ ْج ِر »والذي أذهب متواتر وهو القائل« َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم ْال َخ ْي ُ
ط ْاأل َ ْبيَ ُ
إليه في الحكم أنه ال يحرم األكل من حصول الطلوع في نفس األمر ،لكن ما حصل البيان عند
الناظر ،ويحرم األكل عند تبيهن الفجر وإذا سمع النداء بالفجر الصادق ،إذا كان في البلد من
يعلم أنه ال ينادي إال عند الطلوع الذي تصح به الصالة ،فإذا سمع المتسحر ذلك وجب عليه
الترك ،وقد أجمعوا على أنه يجب على الصائم اإلمساك عن المطعوم والمشروب والجماع ،
فال يمنع األكل طلوع الفجر األول شرعا ،وفي الفجر الثاني خالف ،وموضع اإلجماع
األحمر ،وسمي الفجر األول الكذاب ألنه ربما يتوهم صاحب السحور أن األكل محرم عنده
وليس كذلك ،فإن علته ضرب الشمس أو طرح شعاعها على البحر فيأخذ الضوء في
االستطالة ،فإذا ارتفعت ذهب ذلك الضوء المنعكس من البحر إلى األفق ،فجاءت الظلمة
وبرزت الشمس إلينا ،فظهر ضوؤها في األفق كالطائر الذي فتح جناحيه ،ولهذا سماه
مستطيرا ،فال يزال في زيادة إلى طلوع الشمس ،وسمت العرب الفجر الكاذب ذنب السرحان
ألنه ليس في السباع أخبث منه وال أكثر محاال ،فإنه يظهر
ص 272
ص 274 :
الضعف ليحقر فيغفل عنه ،فينال مقصوده من االفتراس ،فإن ذنبه يشبه ذنب الكلب ،فيتخيل
من ال يعرفه أنه كلب فيأمن منه ،فال يمنع الفجر األول من يريد الصوم من األكل ،فأمر
ّللا إياها ،فأكد أمره بها بنهيه أن ّللا عليه وسلم بأكلة السحور وقال :إنها بركة أعطاكم ه صلهى ه
ال ندعها ،فكما صرح باألمر بها صرح بالنهي عن تركها ،وأكد في وجوبها فهي سنة مؤكدة
،وعند بعض علماء الشريعة واجبة ،وأكلة السحور أشد في التأكيد من صالة الوتر في جنس
يام إِلَى اللَّ ْي ِل »كلمة
ص َ الصالة ،لما ورد في ذلك من التصريح بالنهي عن تركها« ث ُ َّم أَتِ ُّموا ال ِ ه
ّللا عليه وسلم أنه قال :إذا غابت إلى هنا تقتضي دخول الحد في المحدود ،وعنه صلهى ه
الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم ،فسواء أكل أم لم يأكل فإن الشرع قد
ّللا عليه وسلم :للصائم فرحتان فرحة عند فطره -ألنه غذاء أخبر أنه قد أفطر ،وقال صلهى ه
ّللا
طبيعته -وفرحة عند لقاء ربه ،وهو غذاؤه الحقيقي الذي به بقاؤه ،فإن المغذي هو ه
ساج ِد »فأبقى تحجير الجماع على من هذه حالته ، تعالى« َوال تُبَا ِش ُرو ُه َّن َوأ َ ْنت ُ ْم عا ِكفُونَ فِي ْال َم ِ
ّللا عليه وسلم :من وكذلك في األكل والشرب للذي ينوي الوصال في صومه ،يقول صلهى ه
كان مواصال
ص 273
ص 275 :
فليواصل حتى السحر ،وهو اختالط الضوء والظلمة ،يريد في وقت ظهور ذنب السرحان ما
بين الفجرين المستطيل والمستطير ،ويكون االعتكاف حيث شاء العبد ،إال أنه إن اعتكف في
غير مسجد له مباشرة النساء ،وإن اعتكف في مسجد فليس له مباشرة النساء وإن نوى
االعتكاف في أيام تقام فيها الجمعة فال يعتكف إال في مكان يمكن له مع اإلقامة فيه أن يقيم
الجمعة ،سواء كان في المسجد أو في مكان قريب من المسجد يجوز له إقامة الجمعة فيه ،
وللمعتكف أن يفعل جميع أفعال البر التي ال تخرجه عن اإلقامة بالموضع الذي أقام فيه ،فإن
ّللا »التي أمركم أن تقفوا عندها ،فإنه لوال الحدود ما تميزت خرج فليس بمعتكف« تِ ْل َك ُحدُو ُد َّ ِ
المعلومات« فَال ت َ ْق َربُوها »لئال تشرفوا على ما وراءها فتزل قدم ،فربما تزل قدم بعد ثبوتها
اس » -إشارة -فيتذكر بها« لَعَلَّ ُه ْم يَتَّقُونَ
ّللاُ آياتِ ِه »أي دالئله« ِللنَّ ِ
وتذوقوا السوء« َكذ ِل َك يُبَ ِيه ُن َّ
»يتخذون تلك الدالئل وقاية وجعلها بمعنى الترجي ألنه ما كل من حصل له العلم وفق
الستعمال ما علمه -إشارة -إذا جاء الليل وأفطر العبد علم أنه عبد فقير متغذ ليس له التنزه
ّللا من التنزيه عن حكم الطبيعة ، حقيقة ،وإنما هو أمر عرض له ينبهه على التخلق بأوصاف ه
ولهذا أخبرنا تعالى في الحديث المروي :أن الصوم له ،وكل عمل ابن آدم البن آدم ،يقول :
إن التنزه عن الطعام والشراب والنكاح لي ال لك يا عبدي ،ألني
ص 274
ص 276 :
ي ،وأنت تفتقر في وجودك لحافظ القائم بنفسي ال أفتقر في وجودي إلى حافظ يحفظه عل ه
يحفظه عليك وهو أنا ،فجعلت لك الغذاء وأفقرتك إليه ،ألنبهك أني أنا الحافظ عليك وجودك ،
ليصح عندك افتقارك ،ومع هذا االفتقار طغيت وتجبرت وتكبرت ،وتعاظمت في نفسك وما
استحييت في ذلك من فضيحتك بجوعك وعطشك ،لذلك قال تعالى ِ «:ت ْل َك ُحدُو ُد َّ ِ
ّللا فَال
ّللا ،وهي الحدود ت َ ْعتَدُوها »فإذا دخل العبد في نعت الربوبية وهو ه
ّللا ،فقد تعدى حدود ه
الرسمية ال الحدود الذاتية ،فإنه ليس بأيدينا من الحدود الذاتية شيء ،ولهذا اجترأ العباد عليها
وتعدوها ومنها عوقبوا ،كما إذا أدخل الحق صاحب الحد فيما هو له لم يتصف الداخل بالظلم
فما استوجب عقوبة ،فلما كان حدا رسميا قبل العبد الدخول فيه ،فإن دخل فيه بنفسه من غير
إدخال صاحبه فقد عرض نفسه للعقوبة ،فصاحب الحد بخير النظرين إن شاء عاقب ،وإن
شاء عفا ،وإن شاء أثنى ،كالمتصف بالكرم والعفو والصفح ،وهذه كلها حدود رسمية للحق ،
اس لَعَلَّ ُه ْم يَتَّقُونَ »فوصفهم بالتقوى إذا لم يتعدوها وجعلوها ّللاُ آياتِ ِه ِللنَّ ِ
لذلك قال «َ :كذ ِل َك يُبَ ِيه ُن َّ
وقاية لهم - ،إشارة -قوله تعالى «ُ :كلُوا َوا ْش َربُوا َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم »كما يحرم على المكلف
ّللا
األكل عند تبين الفجر ،كذلك يحرم على صاحب الشهود أن يعتقد أن ثم في الوجود غير ه
فاعال بل وال مشهودا ،وما يمسك عنه الصائم هو علم الذوق ،والذوق أول مبادي التجلي
اإللهي.
ص 277 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 188إلى 189
اإلثْ ِم
اس ِب ْ ِ باط ِل َوت ُ ْدلُوا ِبها ِإلَى ا ْل ُحك ِهام ِلتَأ ْ ُكلُوا فَ ِريقا ً ِم ْن أ َ ْموا ِل النه ِ َوال تَأ ْ ُكلُوا أ َ ْموالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم ِبا ْل ِ
س ا ْل ِب ُّر ِبأ َ ْن اس َوا ْل َح هجِ َولَ ْي َ ي َمواقِيتُ ِللنه ِ سئَلُونَكَ ع َِن ْاأل َ ِهله ِة قُ ْل ِه َ ون ( ) 188يَ ْ َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُم َ
ورها َول ِك هن ا ْل ِب هر َم ِن اتهقى َوأْتُوا ا ْلبُيُوتَ ِم ْن أ َ ْبوا ِبها َواتهقُوا ه َ
ّللا لَعَله ُك ْم ظ ُه ِ تَأْتُوا ا ْلبُيُوتَ ِم ْن ُ
ون ( ) 189 ت ُ ْف ِل ُح َ
ع ِن ْاأل َ ِهلَّ ِة »سمي الهالل هالال الرتفاع األصوات عند رؤيته ،فال ترفع األصوات « يَ ْسئَلُون ََك َ
ج »الوقت الذي نرى فيه الهالل يحكم علينا ،فإن كان اس َو ْال َح ه ِ
ي َمواقِيتُ ِللنَّ ِ إال بالرؤية« قُ ْل ِه َ
رمضان أثر فينا نية الصوم ،وإن كان هالل فطر أثر فينا نية الفطر ،وإن لم يكن إال هالل
شهر من الشهور أثر فينا العلم بزوال حكم الشهر الذي انقضى وحكم الشهر الذي هو هالله ،
وتختلف أحوال الناس ،فتمتاز األوقات به النقضاء اآلجال في كل شيء ،من المبايعات
ي
والمداينات واألكرية وأفعال الحج ،وقال تعالى في هذه اآلية ِ «:ه َ
ص 276
ص 278 :
ج »ولم يقل للحاج ،فأنزل الحج في اآلية منزلة الناس ،ما أنزله منزلة اس َو ْال َح ه ِ
َمواقِيتُ ِللنَّ ِ
ّللا ليس حكم األشياء التي الديون والبيوع ،وإن كان المعنى يطلبه ،فعلمنا أن حكم الحج عند ه
تعتبر فيها األهلة ،أعني مواقيت األهلة ،والحج فعل مضاف مخصوص معيهن يفعله اإلنسان
كسائر أفعاله في بيوعه ومدايناته ،فاعتنى بذكر هذه األفعال المخصوصة ألنها أفعال
عز وجل بالقصد ،ليس للعبد فيها منفعة دنيوية إال القليل من الرياضة البدنية ، مخصوصة هّلل ه
ولهذا تميز حكم الحج عن سائر العبادات في أغلب أحواله وأفعاله في التعليل ،فأكثره تعبد
محض ال يعقل له معنى عند الفقهاء ،فكان بذاته عين الحكمة ما وضع لحكمة موجبة ،وفيه
أجر ال يكون في غيره من العبادات ،وتجل إلهي ال يكون في غيره من األعمال ،فالحاج في
الحج يجني ثمرة الزمان وما يحوي عليه من المعارف اإللهية المختصة بشهر ذي الحجة ،
ويجني ثمرة العدد في المعارف اإللهية ،ألن العدد له حكم فيها ،فالحج هو المعطي ما يحوي
عليه من المعارف اإللهية للحاج ،لهذا أضيف الميقات للحج في الهالل وما أضيف للحاج كما
ورها َول ِك َّن ْالبِ َّر َم ِن اتَّقى »البر هو ْس ْالبِ ُّر بِأ َ ْن تَأْتُوا ْالبُيُ َ
وت ِم ْن ُ
ظ ُه ِ أضيف للناس َ «،ولَي َ
ص 277
ص 279 :
ّللا عليه وسلم في تفسير اإلحسان اإلحسان ،واإلحسان مشاهدة أو كالمشاهدة ،فإنه قال صلهى ه
ّللا »أي اتخذوه وقاية من كل ّللا لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ »قوله «:اتَّقُوا َّ َ
ّللا كأنك تراه« َواتَّقُوا َّ َ
:أن تعبد ه
ّللا يتضمن كل اسم إلهي ،فينبغي أن يتقى منه ويتخذ وقاية ،فإنه ما من ما تحذرون ،ومسمى ه
اسم من األسماء اإللهية للكون به تعلق إال ويمكن أن يتقى منه وبه ،إما خوفا من فراقه إن
كان من أسماء اللطف ،أو خوفا من نزوله إن كان من أسماء القهر ،فما يتقى إال حكم أسمائه
ّللا ،أي نتخذه وقاية
ّللا فأمرنا بتقوى ه ،وما تتقى أسماؤه إال بأسمائه ،واالسم الذي يجمعها هو ه
ّللا عليه وسلم في االستعاذة منه به فقال : ونتقيه لما فيه من التقابل ،وهو مثل قوله صلهى ه
ّللا مكتسب للعبد ،ولهذا أمر به ،وهكذا كل مأمور [ وأعوذ بك منك ] ومقام التقوى ،تقوى ه
به فهو مقام مكتسب ،ولما كان المعنى في التقوى أن تتخذ وقاية مما ينسب إلى المتقى ،فإذا
جاءت النسبة حالت الوقاية بينها وبين المتقي أن تصل إليه فتؤذيه ،فتلقتها الوقاية ،لذلك
يحتاج إلى ميزان قوي ألمور عوارض عرضت للنسبة ،تسمى مذمومة ،فيقبلها العبد وال
ّللا في نفس األمر ،ولكن األدب مشروع للعبد في ّللا وقاية أدبا ،وإن كان ال يتلقاها إال ه يجعل ه
ّللا ذلك منك جازاك جزاء من ذلك ،وال تضره هذه الدعوى ألنها صورة ال حقيقة ،وإذا علم ه
وعول في كل حال عليه ،وسكن تحت مجاري األقدار ،وتفرج فيما يحدث ه رد األمور إليه ،
ّللا في أوالد الليل والنهار.
ه
ص 278
ص 280 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 190إلى 194
اقتُلُو ُه ْم ِين ( َ ) 190و ْ ب ا ْل ُم ْعتَد َ
ّللا ال يُ ِح ُِّين يُقاتِلُونَ ُك ْم َوال ت َ ْعتَدُوا ِإ هن ه َ ّللا الهذ َس ِبي ِل ه ِ َوقاتِلُوا فِي َ
ش ُّد ِم َن ا ْلقَتْ ِل َوال تُقاتِلُو ُه ْم ِع ْن َد ث أ َ ْخ َر ُجو ُك ْم َوا ْل ِفتْنَةُ أ َ َ
ث ث َ ِق ْفت ُ ُمو ُه ْم َوأ َ ْخ ِر ُجو ُه ْم ِم ْن َح ْي َُح ْي ُ
ين ( ) 191فَ ِإ ِن اقتُلُو ُه ْم كَذ ِلكَ َجزا ُء ا ْلكا ِف ِر َ رام َحتهى يُقا ِتلُو ُك ْم ِفي ِه فَ ِإ ْن قاتَلُو ُك ْم فَ ْ س ِج ِد ا ْل َح ِ ا ْل َم ْ
َّلل فَ ِإ ِن ا ْنت َ َه ْوا ُون فِتْنَةٌ َويَك َ
ُون ال هد ُ
ِين ِ ه ِ ور َر ِحي ٌم ( َ ) 192وقاتِلُو ُه ْم َحتهى ال تَك َ غف ُ ٌ ا ْنت َ َه ْوا فَ ِإ هن ه َ
ّللا َ
صاص فَ َم ِن ٌ رام َوا ْل ُح ُرماتُ قِ شه ِْر ا ْل َح ِ شه ُْر ا ْل َحرا ُم بِال ه ين ( ) 193ال ه علَى ال ه
ظا ِل ِم َ ْوان إِاله َ
عد َ فَل ُ
ين ( ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
ّللا َم َع ا ْل ُمت ه ِق َ علَ ْي ُك ْم َواتهقُوا ه َ علَ ْي ِه بِ ِمثْ ِل َما ا ْعتَدى َ علَ ْي ُك ْم فَا ْعتَدُوا َ
ا ْعتَدى َ
) 194
ّللا عليه وسلم بتبليغ رساالت ربه إلى عباده ،لم يشرع له أن يبدأ بالقتال ، لما أمر النبي صلهى ه
والمشروع له وللمؤمنين أن يبدءوا بدعائهم إلى اإلسالم ،فإن أجابوا كففنا عنهم ،وإن لم
يجيبوا فال
ص 279
ص 281 :
يخلو إما أن يكونوا أهل كتاب أو ال يكونوا ،وإن كانوا أهل كتاب وجنحوا للسلم الذي هو
الصلح عرضنا عليهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ،فإن أبوا أو لم يكونوا أهل
ّللا الَّذِينَ يُقاتِلُونَ ُك ْم »أي ال تبدءوهم بقتال قبل كتاب قاتلناهم ،فلهذا قال َ «:وقاتِلُوا فِي َ
س ِبي ِل َّ ِ
الدعوة وقبل عرض الجزية إن كانوا أهل كتاب ،ويدخل أيضا في هذا الخطاب من قاتلنا
ص 280
ص 282 :
ّللا ال يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَدِينَ »أي ال تتجاوزوا ما
في الحرم الذي يحرم القتال فيه« َوال ت َ ْعتَدُوا ِإ َّن َّ َ
حددنا لكم من النهي عن قتل الرهبان والنساء والصبيان وكل من انحجز عن قتالكم من الرجال
،لكن هذا في الحرم خاصة ،وأما في غير الحرم فنحن مأمورون بقتال المشركين كافة فال
يغنيهم كونهم انحجزوا عنهم ،فال نقاتل في الحرم إال من باشر القتال ،ووقع النهي
ص 281
ص 283 :
عن القتال في الحرم ،وهذا الخطاب عام إلى يوم القيامة ،وقوله تعالى « :فَإِ ْن قاتَلُو ُك ْم
فَا ْقتُلُو ُه ْم »أي فإن قاتلوكم فيه يعني في الحرم فهنا ال يسوغ إال قتال من قاتل منهم ،ال من
انحجز عنهم ولم يقاتل لحرمة الحرم ،وكذلك في غير الحرم ،لو انحجز من المحاربين طائفة
ص 282
ص 284 :
ص 285 :
ولم تقاتل وطلبوا السلم منها وأخرجوا أيديهم من طاعة من قاتلنا منهم لغير خداع فلنا أن نسالم
تلك الطائفة .
ص 283
ص 286 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 196
س ُك ْم َحتهى يَ ْبلُ َغ س َر ِم َن ا ْل َه ْدي ِ َوال تَحْ ِلقُوا ُر ُؤ َ ست َ ْي َ َّلل فَ ِإ ْن أُحْ ِص ْرت ُ ْم فَ َما ا َْوأَتِ ُّموا ا ْل َح هج َوا ْلعُ ْم َرةَ ِ ه ِ
س ٍك ص َدقَ ٍة أ َ ْو نُ ُ يام أ َ ْو َ س ِه فَ ِف ْديَةٌ ِم ْن ِص ٍ ذى ِم ْن َرأْ ِ كان ِم ْن ُك ْم َم ِريضا ً أ َ ْو بِ ِه أ َ ً ْي َم ِحلههُ فَ َم ْن َ ا ْل َهد ُ
س َر ِم َن ا ْل َه ْدي ِ فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِصيا ُم ثَلث َ ِة أَيه ٍام ست َ ْي َفَ ِإذا أ َ ِم ْنت ُ ْم فَ َم ْن ت َ َمت ه َع ِبا ْلعُ ْم َر ِة ِإلَى ا ْل َح هجِ فَ َما ا ْ
س ِج ِد ا ْل َحر ِام حاض ِري ا ْل َم ْ ِ كاملَةٌ ذ ِلكَ ِل َم ْن لَ ْم يَك ُْن أ َ ْهلُهُ عش ََرةٌ ِ س ْبعَ ٍة ِإذا َر َج ْعت ُ ْم تِ ْلكَ َ فِي ا ْل َح هجِ َو َ
ب ( ) 196 شدِي ُد ا ْل ِعقا ِّللا َ ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ َواتهقُوا ه َ
ّلل »وهو إتيانهما على الكمال ،وتمامهما إتيانهما كما شرعتا ، « َوأَتِ ُّموا ْال َح َّج َو ْالعُ ْم َرة َ ِ َّ ِ
ص ْرت ُ ْموالعمرة بال شك تنقص عن أفعال الحج ،وكمالها إتيانها كما شرعت «،فَإِ ْن أ ُ ْح ِ
»المحصر هو الممنوع عن الحج أو العمرة بأي نوع كان من المنع ،بمرض أو بعدو أو غير
ذلك ،
ص 284
ص 287 :
والمحصر يحل من عمرته وحجه حين أحصر ،فإن كان المحرم قال حين أحرم إن محلي
حيث تحبسني كما أمر ،فال هدي عليه ،ويحل حيث أحصر ،وإن لم يقل ذلك وما في معناه
فعليه الهدي ،وإن كان مع المحصر هدي تطوع نحره حيث أحل ،وال إعادة على المحصر
في حج التطوع وعمرته إن كان عليه في ذلك حرج ،فإن لم يكن عليه فيه حرج فليعد ،وأما
ّللا له عن فريضته ،وإن لم يحصل منه الفريضة فال تسقط عنه إال إن مات قبل اإلعادة فيقبلها ه
إال ركن اإلحرام ،بل ولو لم يحصل منه إال القصد والتعمل ،وما أوقع الخالف بين العلماء
في اإلحصار إال فهمهم في اللسان ،ألنه جاء في اآلية بالوزن الرباعي ،ونقل أنه يقال :
ص ْرت ُ ْم »هو من أحصر ال من حصر ، حصره المرض وأحصره العدو ،وقوله تعالى «:أ ُ ْح ِ
يقال :
فعل به كذا إذا أوقع به الفعل ،فإذا عرضه لوقوع الفعل يقال فيه أفعل ،وفي اللسان أحصره
المرض وحصره العدو بغير ألف ،فهو في المرض من الفعل الرباعي ،وفي العدو من الفعل
س ُك ْم َحتَّى يَ ْبلُ َغ ْال َه ْد ُ
ي َم ِحلَّهُ ،فَ َم ْن كانَ س َر ِمنَ ْال َه ْدي ِ َ ،وال ت َ ْح ِلقُوا ُر ُؤ َ
الثالثي« فَ َما ا ْست َ ْي َ
ص 285
ص 288 :
ص 289 :
سكٍ »الفدية واجبة على من ص َدقَ ٍة أ َ ْو نُ ُ
يام أ َ ْو َ ص ٍ ى ِم ْن َرأْ ِس ِه ،فَ ِف ْديَةٌ ِم ْن ِ
ِم ْن ُك ْم َم ِريضا ا أ َ ْو بِ ِه أَذ ا
أماط األذى من ضرورة ،ومن أماط األذى من غير ضرورة عليه دم ،فإنه غير متأذ في
نفسه ،أي أنه ليس بذي ألم لذلك ،ولذلك جعل محل األذى الرأس المحس به وما جعله الشعر
،فما ثم ضرورة توجب الحلق ،وال فدية على من أماط األذى ناسيا ،والناسي هنا هو الناسي
إلحرامه ،والفدية هنا على التخيير ،صيام ثالثة أيام ،أو صدقة إطعام ست مساكين نصف
س َر ِمنَ ْال َه ْدي ِ ج فَ َما ا ْست َ ْي َصاع لكل مسكين ،أو نسك شاة« فَإِذا أ َ ِم ْنت ُ ْم فَ َم ْن ت َ َمت َّ َع بِ ْالعُ ْم َرةِ إِلَى ْال َح ه ِ
ّللا على المتمتع بالعمرة وهي الحج األصغر أن يقدم الهدي إما نسيكة على ما تيسر ، »أوجب ه
وإما صوما لمن قصده بتلك الزيارة ،فهي الهدية له فإن الصوم له وهو الذي نزل عليه الحاج
،فلذلك كان الصوم هدية ألنه يستحقها ،بل هي أليق به من الهدي ،فإنه ال يناله من الهدي إال
التقوى خاصة من المهدي ،والصوم كله هو له فهو أعظم من الهدية ،والهدية من القادم للذي
ّللا الصوم لمن لم يجد هديا ألن الهدي ينال الحق منه التقوى ، قدم عليه معتادة ،وإنما جعل ه
وينال العبد منه ما يكون له به التغذي وقوام نشأته ،فراعى سبحانه منفعة العبد مع ما للحق
صيا ُم ثَالث َ ِة أَي ٍَّام فِي ْال َح ه ِ
ج فيه من نصيب التقوى مع الوجود ،فقال تعالى « :فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِ
س ْبعَ ٍة ِإذا َر َج ْعت ُ ْم »فإذا لم يجد رفق به سبحانه فأوجب عليه الصوم ،إذ كان الصوم له فأقامه َو َ
مقام الهدية ،بل هو أسنى ،وقنع الحق بثالثة أيام
ص 286
ص 290 :
في الحج رفقا به ،حتى يكون قد أتى إليه بشيء ،فيفرح القادم بتلك التقدمة التي قدمها لربه
في هذا القدوم ،وأ هخر السبعة إذا رجع إلى أهله ،فهناك يأخذها منه ،والقارن عندنا أن يه هل
بالعمرة والحج معا ،فإذا أه هل بالعمرة ثم بعد ذلك أه هل بالحج فهو مردف وهو قارن أيضا ،
ولكن بحكم االستدراك ،فمن جمع بين العمرة والحج في إحرام واحد فهو قران ،سواء قرن
باإلنشاء أو بعده بزمان ما لم يطف بالبيت ،وذلك كله إن ساق الهدي ،فإن لم يسق معه هديا
وجب عليه الفسخ وال بد ،والقارن للعمرة والحج يطوف لها طوافا واحدا وسعيا واحدا وحلقا
واحدا أو تقصيرا ،والهدي يجزئ ولو أهدى دجاجة ،وأجمعوا على أن الكفارة على الترتيب
،فال يكون الصيام إال بعد أن ال يجد هديا ،وإذا شرع في الصيام فقد انتقل واجبه إلى الصوم
وإن وجد الهدي في أثناء الصوم ،وصيام الثالثة أيام ما لم ينقض شهر ذي الحجة ،وأما
السبعة األيام فإذا صامها في الطريق أجزأته ،واتفق العلماء على أنه
ص 287
ص 291 :
كاملَةٌ »النصوص عزيزة وهو النص الصريح في إن صامها في أهله أجزأته« تِ ْل َك َ
عش ََرة ٌ ِ
الحكم واألمر الجلي ،فإن المتواتر وإن أفاد العلم فإن العلم المستفاد من التواتر إنما هو عين
ّللا عليه وسلم قاله أو عمله ،ومطلوبنا بالعلم ما يفهم ّللا صلهى ههذا اللفظ ،أو العلم أن رسول ه
من ذلك القول والعمل حتى يحكم في المسألة على القطع ،وهذا ال يوصل إليه إال بالنص
كاملَةٌ »في كونها
عش ََرة ٌ ِ الصريح المتواتر ،وهذا ال يوجد إال نادرا ،مثل قوله تعالى «:تِ ْل َك َ
عشرة خاصة ،فإن المنصوص والمحكم ال إشكال فيه وال تأويل ،واأللفاظ الظاهرة تحتمل
حاض ِري
ِ معاني متعددة ما يعرف الناظر قصد المتكلم بها منها «،ذ ِل َك ِل َم ْن لَ ْم يَ ُك ْن أ َ ْهلُهُ
رام »يريد بذلك إجازة الصوم في أيام التشريق من أجل رجوعه إلى بلده ،ال أن ْال َمس ِْج ِد ْال َح ِ
المكي ليس بمتمتع ،واتفق على أنه ليس على المكي دم ،واآلية محتملة ،وحاضري المسجد
الحرام هم ساكنوا
ص 288
ص 292 :
الحرم مما رد األعالم إلى البيت ،فإنه من لم يكن فيه فليس بحاضر بال شك ،فلو قال تعالى
في حاضر المسجد الحرام كنا نقول بما جاور الحرم ،ألن حاضر البلد ربضه إلى الخارج عن
سوره ،امتد في المساحة ما امتد ،وإنما علق سبحانه ما ذكره بحاضري المسجد الحرام وهم
الساكنون فيه ،ومعنى التمتع تحلل المحرم بين النسكين العمرة والحج ،وهذا عندي ما يكون
إال لمن لم يسق الهدي ،فإن ساق الهدي وأحرم قارنا فإنه متمتع من غير إحالل ،فإنه ليس له
ج »أي المتمتع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ،فقوله تعالى «:فَ َم ْن ت َ َمت َّ َع بِ ْالعُ ْم َرةِ إِلَى ْال َح ه ِ
يلزمه حكم الهدي ،فإن كان له هدي وهو بحالة اإلفراد بالعمرة أو القران ،فذلك الهدي كافيه
وال يلزمه هدي وال يفسخ جملة واحدة ،وإن أفرد بالحج ومعه هدي فال فسخ ،فقوله ِ «:إلَى
ج »أي مع الحج ، »هنا بمعنى مع ،ولهذا يدخل القارن في قوله «:فَ َم ْن ت َ َمت َّ َع ِب ْالعُ ْم َرةِ ِإلَى ْال َح ه ِ
يحول النيةفتعم المفرد والقارن ،وأما من نوى الحج وليس معه هدي فواجب عليه الفسخ وأن ه
ب» شدِي ُد ْال ِعقا ِ ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا َ إلى العمرة ،ويحل ثم ينشئ الحج ،ثم قال تعالى «َ :واتَّقُوا َّ َ
.
ص 289
ص 293 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 197
وق َوال ِجدا َل فِي ا ْل َح هجِ َوما ث َوال فُ ُ
س َ يه هن ا ْل َح هج فَل َرفَ َ
ض فِ ِ ش ُه ٌر َم ْعلُوماتٌ فَ َم ْن فَ َر َ ا ْل َح ُّج أ َ ْ
ب ) ( 197 ون يا أُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ ّللاُ َوت َ َز هودُوا فَ ِإ هن َخ ْي َر ه
الزا ِد الت ه ْقوى َواتهقُ ِ ت َ ْفعَلُوا ِم ْن َخ ْي ٍر يَ ْعلَ ْمهُ ه
األشهر المعلومات في الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة عندنا ،وأما العمرة ففي أي
ٌ
ومات وقت شاء من السنة ،وال كراهة في تكرارها في السنة الواحدة « ْال َح ُّج أ َ ْش ُه ٌر َم ْعلُ
ص 290
ص 294 :
ض فِي ِه َّن ْال َح َّج » -شعر .الحج فرض إلهي على الناس * من عهد والدنا المنعوت
فَ َم ْن فَ َر َ
ّللا أخبرنا أن
بالناسفرض علينا ولكن ال نقوم به * وواجب الفرض أن نلقى على الرأسفإن ه
الكعبة أول بيت وضعه للناس معبدا ،والحج في اللسان تكرار القصد إلى المقصود ،والعمرة
ث »وهو النكاح ،وقد أجمع المسلمون على أن الوطء يحرم على المحرم الزيارة« فَال َرفَ َ
مطلقا ،غير أنه إذا وقع فعندنا فيه نظر في زمان وقوعه ،فإن وقع منه بعد الوقوف بعرفة أي
بعد انقضاء زمان جواز الوقوف بعرفة من ليل أو نهار فالحج فاسد وليس بباطل ،ألنه مأمور
بإتمام المناسك مع الفساد ،ويحج بعد ذلك ،وإن جامع قبل الوقوف بعرفة وبعد اإلحرام فالحكم
فيه عند العلماء كحكمه بعد الوقوف يفسد وال بد ،من غير خالف أعرفه ،وال أعرف لهم
دليال على ذلك ،ونحن وإن قلنا بقولهم واتبعناهم في ذلك ،فإن النظر يقتضي إن وقع قبل
الوقوف أن يرفض ما مضى ويجدد اإلحرام ويهدي ،وإن كان بعد الوقوف فال ،ألنه لم يبق
زمان للوقوف ،وهنا بقي زمان لإلحرام ،لكن ما قال
ص 291
ص 295 :
به أحد ،فجرينا على ما أجمع عليه العلماء ،مع أني ال أقدر على صرف هذا الحكم عن
خاطري ،وال أعمل عليه ،وال أفتي به ،وال أجد دليال ،خرج أبو داود في المراسيل أن
ّللا عليه وسلم فقال ّللا صلهى ه رجال من جذام جامع امرأته وهما محرمان ،فسأل الرجل رسول ه
لهما :اقضيا نسككما وأهديا هديا ،ثم ارجعا ،حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما
أصبتما ،فتفرقا وال يرى منكما واحد صاحبه ،وعليكما حجة أخرى ،فتقبالن حتى إذا كنتما
بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا وال يرى منكما أحد صاحبه ،فأحرما وأتما نسككما
وأهديا ،وعلى ذلك فمن جامع أهله عليه أن يمضي في مقام نسكه إلى أن يفرغ مع فساده ،
سوقَ شرعها له الشارع« َوال فُ ُ وال يعتد به ،وعليه القضاء من قابل على صورة مخصوصة ه
»الفسوق الخروج وهو هنا الخروج على سيده -ومن باب اإلشارة -الخروج على سيده ،
فيدعي في نعته ويزاحمه في صفاته« َوال ِجدا َل ِفي ْال َح ه ِ
ج َ ،وما ت َ ْفعَلُوا ِم ْن َخي ٍْر يَ ْعلَ ْمهُ َّ
ّللاُ ،
الزا ِد الت َّ ْقوى »التقوى هنا ما يتخذه الحاج من الزاد ليقي به وجهه من السؤال َوت َزَ َّودُوا فَإِ َّن َخي َْر َّ
ويتفرغ لعبادة ربه ،وليس هذا هو التقوى المعروف ،ولهذا ألحقه بقوله عقيب ذلك َ «:واتَّقُ ِ
ون
ب »فأوصاه أيضا مع تقوى الزاد بالتقوى فيه ،وهو أن ال يكون إال من وجه يا أُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ
طيب ،فجاء األمر بالزاد ،فعلمنا أنها قوم سفر نقطع المناهل باألنفاس ،والتقوى في الزاد ما
ّللا ،وما زاد على وقايتك فما هو لك ،وما ليس لك ال يقي به الرجل وجهه عن سؤال غير ه
تحمل ثقله فتتعب به ،وأقل التعب فيه حسابك على ما ال تحتاج إليه ،فلما ذا تحاسب عليه ،
هذا ال يفعله عاقل ناصح لنفسه ،وما ث هم عاقل ،ألنه ما ث هم إال من يمسك الفضل ويمنع البذل ،
والمسافر وماله على قلة ،فإنه ما من منهلة يقطعها وال مسافة إال وقطاع الطريق على
ب» . ون يا أُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ ّللا ففي أمره« َواتَّقُ ِ مدرجته ،فخير الزاد ما يتقي به ،وأما تقوى ه
ص 292
ص 296 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 198
ّللا ِع ْن َد ا ْل َم ْ
شعَ ِر ت فَ ْ
اذك ُُروا ه َ ضلً ِم ْن َر ِبه ُك ْم فَ ِإذا أَفَ ْ
ضت ُ ْم ِم ْن ع ََرفا ٍ ح أ َ ْن ت َ ْبتَغُوا فَ ْ
علَ ْي ُك ْم ُجنا ٌ
س َ لَ ْي َ
ين ) ( 198 ضا ِله َ رام َو ْ
اذك ُُروهُ كَما َهدا ُك ْم َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ِم ْن قَ ْب ِل ِه لَ ِم َن ال ه ا ْل َح ِ
ت »ولم ع َرفا ٍ ّللا الحرج عمن يبتغي فضال من ربه ،وهي التجارة« فَإِذا أَفَ ْ
ضت ُ ْم ِم ْن َ رفع ه
يخص مكانا من مكان ،وعرفات كلها موقف ،وعرنة من عرفات ،فمن وقف بعرنة فحجه
تام إال أنه ناقص الفضيلة ،فإنه موقف إبليس ،فهو موضع مكروه الوقوف به من
ص 293
ص 297 :
ّللا عليه وسلم بارتفاعه عن بطن عرنة إال البعد من جل مشاركة الشيطان ،فما أراد صلهى ه
ّللا بالمشعر ّللا ِع ْن َد ْال َم ْشعَ ِر ْال َح ِ
رام »وهو المزدلفة ،وسماها ه مجاورة الشيطان« فَا ْذ ُك ُروا َّ َ
ّللا في هذه العبادة بالعناية والمغفرة وضمان التبعات ،ووصفه الحرام لنشعر بالقبول من ه
ّللا
بالحرمة ألنه في الحرم ،فيحرم فيه ما يحرم في الحرم كله ،فإنه من جملته ،فأمر بذكر ه
فيه ،يعني بما ذكرناه ،فإن الشيء ال يذكر بأن يسمى ،وإنما يذكر بما يكون عليه من صفات
المحمدة ،ومنها الصالة ،فقد أجمع العلماء على أنه من بات بالمزدلفة وصلى فيها المغرب
والعشاء وصلى الصبح يوم النحر ووقف بعد الصالة إلى أن أسفر ثم دفع إلى منى أن حجه
تام.
ص 294
ص 298 :
إشارة [-عرفات وجمع والمزدلفة ]
باّلل
باّلل ،فإنه لما وصل الحاج إلى البيت ،ونال من العلم ه عرفات هي موقف حصول المعرفة ه
ّللا في ذلك ،وحصل من ّللا تعالى ما يجده أهل ه
ما نال ،ونال من المبايعة والمصافحة ليمين ه
ّللا أن يميز له ما بين العلم
المعارف اإللهية في طوافه بالبيت وسعيه وصالته بمنى ،أراد ه
ّللا المحل في الحل
الذي حصل له في الموضع المحرم ،وبين المعرفة اإللهية التي يعطيه ه
وهو عرفة ،فإن معرفة الحل تعطي رفع التحجير عن العبد ،وهو في حال إحرامه محجور
باّلل من حيث ما هو محرم وبين معرفة عليه ألنه محرم بالحج ،فيجمع في عرفة بين معرفته ه
ّللا من حيث ما هو في الحل ،فتميز العبد بالحجر لبقائه على إحرامه أنه ليس فيه من الحق ه
المختار شيء ،وتميز الحق بالحل أنه غير محجور عليه فهو يفعل ما يريد ،ولما كان يوم
عرفة ثالثة أرباع اليوم ،من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ،وكان ينبغي أن ال
باّلل ،حتى نعلم ذاته وما يجب لها من كونها إلها ،فإذا عرفناه على هذا الحد نسمى عارفين ه
باّلل على التمام والكمال ال تكون ،فإن يوم عرفة فقد عرفناه ،وهذا ال يكون ،فإن المعرفة ه
ثالثة أرباع اليوم ،فإنا لما بحثنا باألدلة العقلية وأصغينا إلى األدلة الشرعية ،أثبتنا وجود
الذات وجهلنا حقيقتها ،وأثبتنا األلوهة لها ،فهو نصف المعرفة بكمالها ،والربع وجودها
أعني وجود الذات المنسوبة إليها األلوهة ،أما الربع الذي ال يعرف فهو معرفة حقيقتها ،
ص 295
ص 299 :
فلم نصل إلى معرفة حقيقتها وال يمكن الوصول إلى ذلك ،والزائد على الربع الذي جهلناه
أيضا هو جهلنا بنسبة ما نسبناه إليها من األحكام ،فإنا وإن كنا نعرف النسبة من كونها نسبة ،
فقد نجهل النسبة الخاصة لجهلنا بالمنسوب إليه ،فالذي بأيدينا من المعرفة علمنا بوجود الذات
وعلمنا نسبة األلوهة لها ،ال كيفية النسبة ،وهو نصف المعرفة ،وهو علم بصفات التنزيه
والسلوب ،والربع الثالث المعرفة بصفات األفعال والنسب ،أما الربع الرابع فال يعرف أبدا ،
وكذلك ما جهلنا من نسبة ما وصف الحق به نفسه من صفة التشبيه ،فال ندري كيف ننسب
ّللا من ذلك -أما قوله
إليه ،مع إيماننا به ،وإثباتنا له هذا الحكم مع جهلنا ،لكن على ما يعلمه ه
رام »فالمزدلفة من الزلفى وهو القرب ،فالوقوف في ّللا ِع ْن َد ْال َم ْشعَ ِر ْال َح ِ
تعالى« فَا ْذ ُك ُروا َّ َ
المزدلفة هو مقام القربة ،واالجتماع بالمعروف فيها ،وهو تجل خاص منه لقلوب عباده ،
ّللا ال يختص بالقول فقط ،بل ولهذا سميت جمعا َ «،وا ْذ ُك ُروهُ َكما هَدا ُك ْم »والذكر في طريق ه
ّللا تعالى ،من
تصرف العبد إذا رزق التوفيق في جميع حركاته ،ال يتحرك إال في طاعة ه
ّللا ،أي لذكره في ذلك الفعل أنه هّلل بطريق القربة
واجب أو مندوب إليه ،ويسمى ذلك ذكر ه
ّللا فذلك من ذكر
سمي ذكرا ،فجميع الطاعات كلها من فعل وترك إذا فعلت أو تركت ألجل ه
ّللا ذكر فيها ،ومن أجله فعلت أو تركت على حكم ما شرع فيها ،وهذا هو ذكر ّللا ،أن ه
ه
باّلل.
الموفقين من العلماء ه
ص 296
ص 300 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 199إلى 200
ور َر ِحي ٌم ( ) 199فَ ِإذا قَ َ
ض ْيت ُ ْم ّللا َ
غف ُ ٌ ست َ ْغ ِف ُروا ه َ
ّللا ِإ هن ه َ اس َوا ْ فاض النه ُ ث أَ َ ث ُ هم أَفِيضُوا ِم ْن َح ْي ُ
اس َم ْن يَقُو ُل َربهنا آتِنا فِي ال ُّد ْنيا َوما ش هد ِذ ْكرا ً فَ ِم َن النه ِّللا َك ِذ ْك ِر ُك ْم آبا َء ُك ْم أ َ ْو أ َ َ
اذك ُُروا ه َ س َك ُك ْم فَ ْ
َمنا ِ
لق ) ( 200 لَهُ ِفي ْاآل ِخ َر ِة ِم ْن َخ ٍ
ّللا في أيام التشريق ،فإن العرب كانت في هذه األيام في الموسم تذكر أنسابها ّللا بذكر ه أمر ه
وأحسابها الجتماع قبائل العرب في هذه األيام ،تريد بذلك الفخر والسمعة ،فهذا معنى قوله «:
ّللا بما هو عليه على طريق الفخر إذ كنتم عبيده ، َك ِذ ْك ِر ُك ْم آبا َء ُك ْم »أي اشتغلوا بالثناء على ه
ّللا عليه وسلم وفخر العبد بسيده ،فإنه مضاف إليه ،وأكبر من ذلك من كونه منه ،قال صلهى ه
( :مولى القوم منهم ) وال فخر للعبد بأبيه ،بل فخره بسيده ،وإن افتخر العبد بأبيه فإنما
يفتخر به من حيث أن أباه كان مقربا عند سيده ،ألنه عبد مثله ،ممتثال ألمره واقفا عند حدوده
ّللا ،فلهذا قال َ «:ك ِذ ْك ِر ُك ْم آبا َء ُك ْم »أي أديموا ورسومه ،فإنه أيضا عبد ه
ص 297
ص 301 :
ّللا تعالى يقول ( :أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي َو ِلوا ِل َدي َْك
ذكر آبائكم في هذا الموطن في قلوبكم وألسنتكم ،فإن ه
ّللا على ذكرهم آباءهم بقوله «:أ َ ْو أ َ َ
ش َّد ِذ ْكرا ا )فما نهاهم عن ذكر آبائهم ،ولكن رجح ذكر ه
»وهو الموصي عباده بقوله ( :أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي َو ِلوا ِل َدي َْك )أي كونوا -أنتم من إيثار ذكر ه
ّللا
والفخر به من كونه سيدكم وأنتم عبيد له -على ما كان عليه آباؤكم .
ص 298
ص 302 :
والصراط المحسوس ،والنار والجنة المحسوستين ،فإن كل ذلك حق ،وأعظم في القدرة ،
عرففإن ث هم نشأتين ،نشأة األجسام ونشأة األرواح وهي النشأة المعنوية ،ولوال أن الشرع ه
بانقضاء هذه الدار ،وأن كل نفس ذائقة الموت ،وعرف باإلعادة ،وعرف بالدار اآلخرة ،
ص 299
ص 303 :
وعرف أن اإلقامة فيها في النشأة اآلخرة إلى غير ما نهاية ما عرفنا ذلك ،وما خرجنا في كل
حال من موت وإقامة وبعث أخروي وجنان ونعيم ونار وعذاب بأكل محسوس وشرب
ّللا أوسع وأتم ،والجمع بين
محسوس ونكاح محسوس ولباس على المجرى الطبيعي ،فعلم ه
العقل والحس والمعقول والمحسوس أعظم في القدرة وأتم في الكمال اإللهي ،فاألولى بكل
ناصح نفسه الرجوع إلى ما قالته األنبياء والرسل على الوجهين المعقول والمحسوس ،إذ ال
ّللا.
دليل للعقل يحيل ما جاءت به الشرائع ،فألزم اإليمان نفسك تربح وتسعد إن شاء ه
ص 300
ص 304 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 204
ّللا عَلى ما فِي قَ ْل ِب ِه َو ُه َو أَلَ ُّد ا ْل ِخ ِ
صام ( اس َم ْن يُ ْع ِجبُكَ قَ ْولُهُ فِي ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َويُش ِْه ُد ه َ
َو ِم َن النه ِ
) 204
اإلنسان ألد الخصام حيث خاصم فيما هو ظاهر الظلم فيه ،وليس إال الربوبية .
ص 301
ص 305 :
ّللا ،فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة ،مثل الروضة
معد حتى يظهر ،إال األماكن التي عيهنها ه
ّللا عليه وسلم وبين قبره صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وكل مكان ّللا صلهى هالتي بين منبر رسول ه
عينه الشارع ،وكل نهر ،فإن ذلك كله يصير إلى الجنة ،وما بقي فيعود نارا كله وهو من
جهنم ،والجنة وجهنم عندنا مخلوقتان غير مخلوقتين ،فأما قولنا مخلوقة ،فكرجل أراد أن
يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة ،فيقال قد بنى دارا ،وغير مخلوقة هو ما
يوجد فيها نتيجة أعمال العباد.
ص 302
ص 306 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 207إلى 209
ُف ِبا ْل ِعبا ِد ( ) 207يا أَيُّ َها الهذ َ
ِين ّللاُ َرؤ ٌّللا َو ه ت هِ سهُ ا ْبتِغا َء َم ْرضا ِ اس َم ْن يَش ِْري نَ ْف َ َو ِم َن النه ِ
ين ( ) 208فَ ِإ ْن عد ٌُّو ُم ِب ٌ طان ِإنههُ لَ ُك ْم َ
ش ْي ِ ت ال ه طوا ِ س ْل ِم كَافهةً َوال تَت ه ِبعُوا ُخ ُ آ َمنُوا ا ْد ُخلُوا فِي ال ِ ه
يز َح ِكي ٌم ( . )209 ّللا ع َِز ٌ َزلَ ْلت ُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد ما جا َءتْ ُك ُم ا ْلبَ ِيهناتُ فَا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
يز »أي ال ع ِز ٌ " فَإِ ْن زَ لَ ْلت ُ ْم »من زل إذا زلق« ِم ْن بَ ْع ِد ما جا َءتْ ُك ُم ْالبَ ِيهناتُ فَا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا َ
يتوصل أحد إلى معرفة كنه األلوهية أبدا ،وال ينبغي لها أن تدرك ،عزت وتعالت علوا
كبيرا « َح ِكي ٌم »فإن الحق تعالى ما هو فعله مع األغراض التي أوجدها في عباده ،وإنما هو
مع ما تطلبه الحكمة ،والذي اقتضته الحكمة هو الواقع في العالم ،فعين ظهوره هو عين
ّللا ال يعلل بالحكمة بل هو عين الحكمة ،فإنه لو علل بالحكمة لكانت الحكمة ،فإن فعل ه
الحكمة هي الموجبة له ذلك ،فيكون الحق محكوما عليه ،والحق تعالى ال يكون محكوما عليه
.
ص 303
ص 307 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 210
ّللا ت ُ ْر َج ُع مام َوا ْل َملئِكَةُ َوقُ ِض َ
ي ْاأل َ ْم ُر َو ِإلَى ه ِ ظلَ ٍل ِم َن ا ْلغَ ِّللاُ فِي ُ ون ِإاله أ َ ْن يَأْتِيَ ُه ُم ه َه ْل يَ ْن ُ
ظ ُر َ
ور ) ( 210 ْاأل ُ ُم ُ
عرف ،وفيه نسبة المكان إلى الحق صوب ،وال أنكر وال ه ذكر تعالى اعتقادهم وما جرح وال ه
ت ،ومثل هذا في الشرع كثير ،والظلل أبواب السماء إذا فتحت وهو قوله تعالى َ ( :وفُتِ َح ِ
يال )وهو إتيان سما ُء بِ ْالغَما ِم َونُ ِ هز َل ْال َمالئِ َكةُ ت َ ْن ِز ا
شقَّ ُق ال ََّت أَبْوابا ا )وقوله ( :يَ ْو َم ت َ َ سما ُء فَكان ْ ال َّ
المالئكة في ظلل من الغمام .واعلم أنه من المتشابه اآليات التي يذكر فيها الصورة ،فمما
ّللا عنه وفيه صح في ذلك ما رواه البخاري وغيره ،من حديث الرؤية عن أبي هريرة رضي ه
باّلل منك ،
( فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ ه
هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ،فإذا أتى ربنا عرفناه ،فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقول :
أنا ربكم ،فيقولون نعم أنت ربنا ،فيتبعونه ) وقد ثبت ذكر
ص 304
ص 308 :
ّللا عنه زيادة أيضا ،وهو من األحاديث المتشابهة ، الصورة في حديث أبي سعيد رضي ه
ومرجعها إلى اآليات واألحاديث المحكمة ،فاعلم أن للصورة التي يأتي فيها ربنا تعالى يوم
ّللاُ فِيظ ُرونَ ِإ َّال أ َ ْن يَأْتِيَ ُه ُم َّ
القيامة مظهرا وحقيقة ،فالحقيقة هي الظلة في قوله تعالى :ه َْل يَ ْن ُ
َمام َو ْال َمال ِئ َكةُ »فعلم بذلك أن مظاهر تجليه لعباده هي ظلل غمامه ،وحقائق هذه ظلَ ٍل ِمنَ ْالغ ِ ُ
ّللا عليهم وسلم ،وقد ثبت في الظلل آياته التي تعرف لخلقه فيها بواسطة أنبيائه صلوات ه
ّللا عنه الصحيح تشخيص حقائق آياته كالظلل ،ففي مسلم وغيره من حديث أبي أمامة رضي ه
ّللا عنه ،أن القرآن يوم القيامة يأتي ،تقدمه البقرة وآل ،وحديث النواس بن سمعان رضي ه
عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان ،ومن المعلوم أن كالمه سبحانه صفته ،وصفته ال
تفارقه ،فإذا ثبت إتيانها في صور ظلل الغمام ،ثبت إتيانه تعالى ،وفي مسلم وغيره أن أسيد
ّللا عنه قرأ سورة الكهف ليلة ،فجالت فرسه ،فإذا مثل الظلة فوق رأسه بن حضير رضي ه
ّللا عليه وسلم ،فقال :إن السكينة تنزلت للقرآن ،وفي فيها أمثال السرج ،فسأل النبي صلهى ه
رواية الترمذي مع القرآن ،وفي رواية ،تلك المالئكة كانت تسمع لك ،وذلك كله موافق آلية
ّللا عليه وسلم البقرة ،ونفرة الفرس دليل على أنها ظلة محسوسة ،وقد ثبت رؤيا النبي صلهى ه
ّللا تعالى للظلة وتأويل أبي بكر لها باإلسالم ،وذلك كله يحقق أن حقائق الظلل هي آيات ه
وشرائعه ،وهي من الروح األصلي الذي هو منشأ عالم األمر ،وهو مصباح روح التوحيد ،
قال تعالى َ ( :و َكذ ِل َك أ َ ْو َحيْنا ِإلَي َْك ُروحا ا ِم ْن أ َ ْم ِرنا )اآلية ،وقال تعالى ( :يُن ِ هَز ُل ْال َمال ِئ َكةَ
على َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه أ َ ْن أ َ ْنذ ُِروا أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال أَنَا )وبهذا الروح يتجلى وح ِم ْن أ َ ْم ِر ِه َالر ِ
بِ ُّ
سبحانه لعباده بأسمائه وصفاته المحكمة والمتشابهة ،والظلة قسمان :ظلة عذاب ،وظلة
ذاب
ع ُ ّللا عليه وسلم في قوله تعالى ( :فَأ َ َخذَ ُه ْم َ رحمة ،فظلة العذاب كظلة قوم شعيب صلهى ه
ماء فِي ِهس ِ ب ِمنَ ال َّ ص ِيه ٍّللا تعالى المثل بذلك بالقرآن في قوله ( :أ َ ْو َك َ الظلَّ ِة )وقد ضرب ه يَ ْو ِم ُّ
مات َو َر ْع ٌد َوبَ ْر ٌق )اآلية ،وأما ظلة الرحمة ،فهي آياته المقتضية للرحمة النازل غيثها على ظلُ ٌُ
ّللا عليه وسلم ( :إن قلوب المؤمنين ،كما صح في صحيح مسلم والبخاري وغيره قوله صلهى ه
مثلي ومثل ما بعثت به من الهدى والعلم كمثل غيث
ص 305
ص 309 :
أصاب أرضا ) الحديث ،فهذا هو مظهر الحقيقة ،وأما مظهر الصورة فهو العمل ،وقد ثبت
تشخص األعمال بصور شتى ،وقد صح تمثيل الموت بصورة الكبش ،وتمثيل المال بالشجاع
ّللا عليهم وسلم باآلدميين ،والسنة مشحونة بنحو ذلك ، األقرع وغيره ،وتمثيل المالئكة صلى ه
ومن المعلوم أن األعمال أعراض ،فإذا ثبت ظهورها وتمثلها بصور الجواهر واألجسام مع
ّللا وسالمه عليهم ليسوا بآدميين ،القطع بأنها ليست جسما وال جوهرا ،فإن المالئكة صلوات ه
فعلى مثل ذلك قس إتيان ربنا سبحانه في صور األعمال ،وأنه ال يلزم من إتيانه في صور
األعمال أن يكون تعالى له صورة ،وال يلزم من نسبتها وإضافتها إليه أن تكون ذاتية له ،كما
ّللا عنه عند مسلمثبت نسبة اليدين والرجلين إلى جبريل عليه السالم في حديث عمر رضي ه
وغيره في قوله ( :طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ) إلى قوله ( :فأسند ركبتيه ) -
ّللا عليه وسالمه
الحديث ، -ومن المعلوم أن الركبتين واليدين التي جاء بها جبريل صلوات ه
جسمانيات ،وليست ذاتية له ،وبهذا تعلم أن رؤية العباد لربهم تعالى يوم القيامة مختلفة النعيم
،فكل يراه في صورة عمله على حسب مراقبته وإخالص توجهه إليه ،وصدقه في إقباله عليه
،وتلك الصور حقائق آيات من آيات أسمائه وصفاته تعالى وأخالقه ،فما من آية منها تخلهق
ّللا عليه وسلم في حديثّللا تعالى إليه بها ،أما قوله صلهى ه
بها العبد في الدنيا إال وقد تعرف ه
الرؤية ( :فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفون ) أي في ظلة آيات العذاب ومظهر
باّلل من تلك الصورة كما كانوا
باّلل منك ) أي فيستعيذون ه األعمال السيئة ،فيقولون ( :نعوذ ه
في الدنيا ينكرونها ويستعيذون منها ،وأما قوله :
( فيأتيهم في الصورة التي يعرفون ) أي في مظهر أعمال البر ،وظلة صفة الرحمة والنبوة
التي كانت تحيي قلوبهم بغيث الهدى والعلم ،فيقولون ( :أنت ربنا ) يعرفونه بواسطة تعرفه
ّللا عليه وسلم ( :أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف لهم في الدنيا ،تحقيقا لقوله صلهى ه
في اآلخرة ) ،أما صفة الرؤية فقد جاء في غير ما آية ،وفي أحاديث منها في هذا الحديث
ّللا عليه وسلم ( :هل تمارون في رؤية القمر وفي رؤية الشمس ) وإذا ثبت تجليه قوله صلهى ه
تعالى في صورة روح الشريعة لم يبق في رؤيته إشكال ،وإنما عبر بالوجه والقمر عن حقيقة
الوجه وهو نور التوحيد ،
ص 306
ص 310 :
واختالف الروايتين يجوز أن يكون تنبيها على اختالف درجة الرؤيتين في نعيم الرؤية ،
ويجوز أن يكون باعتبار الرؤية في البرزخ واآلخرة ،فإن البرزخ كالليل وآيته القمر ،
واآلخرة كالنهار وآيته الشمس ،وقوله ( :ليس دونها سحاب ) فيه تربية ألهل المراقبة ،وذلك
ألن غالب أهل المراقبة ال يشهدون بقلوبهم عند العبادة والمراقبة إال ظلل آيات الشريعة ،
ويحجبون بسحابها عن شهود وجه ربهم تعالى ،وهو نور توحيده ،فإذا كان يوم القيامة كشف
الغطاء واحتد البصر ،فيرون وجه ربهم سبحانه كشمس ال دونها سحاب األعمال وال ظلل
ّللا ت ُ ْر َج ُع ْاأل ُ ُم ُ
ور ي ْاأل َ ْم ُر َو ِإلَى َّ ِ غمام الشرائع ،بل هو أقرب إليهم من أعمالهم َ «.وقُ ِ
ض َ
ّللا تعالى أمرهم باألدب في كل ما يلقي إليهم على توقيت أنفاسهم ،عند أخذهم منه »خاصة ه
ّللا تعالى ،وكذلك إذا ردوا األمور إليه ،يردونها محالة باألدب اإللهي ، تعالى بالحضور مع ه
ّللا أن يبدل األرض غير األرض ،وتمد واعلم يا أخي أن الناس إذا قاموا من قبورهم وأراد ه
ّللا األرض ّللا ،ويكون الجسر دون الظلمة ،فيكون الخلق عليه عندما يبدل ه األرض بإذن ه
كيف يشاء ،فيمدها مد األديم ويزيد في سعتها ما يشاء أضعاف ما كانت ،ثم يقبض سبحانه
السماء فيطويها بيمينه كطي السجل للكتب ،ثم يرميها على األرض التي مدها ،فيقفون
ّللا بهم ،فإذا وهت السماء نزلت مالئكتها على أرجائها ،فيرى أهل منتظرين ما يصنع ه
ّللا نزل فيهم لما يرون من عظم األرض خلقا عظيما أضعاف ما هم عليه عددا ،فيتخيلون أن ه
المملكة مما لم يشاهدوه من قبل ،فيقولون :أفيكم ربنا ؟ فتقول المالئكة :سبحان ربنا ليس فينا
وهو آت ،فتصف المالئكة صفا مستديرا على نواحي األرض محيطين بالعالم ،اإلنس والجن
ّللا أيضا ويرمي ،وهؤالء هم عمار السماء الدنيا ،ثم ينزل أهل السماء الثانية بعد ما يقبضها ه
بكوكبها في النار ،وهم أكثر عددا من السماء األولى ،فتقول الخالئق :أفيكم ربنا ؟ فتفزع
المالئكة من قولهم ،فيقولون :سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت ،فيفعلون فعل األولين من
المالئكة ،يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ،ثم ينزل أهل السماء الثالثة ويرمي بكوكبها في
النار ،فتقول الخالئق :أفيكم ربنا ؟ فتقول المالئكة :سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت ،فال
يزال األمر هكذا سماء بعد سماء ،حتى ينزل أهل السماء السابعة ،فيرون
ص 307
ص 311 :
خلقا أكثر من جميع من نزل ،فتقول الخالئق :أفيكم ربنا ؟ فتقول المالئكة :سبحان ربنا قد
ّللا في ظلل من الغمام والمالئكة ،وعلى المجنبة جاء ربنا وإن كان وعد ربنا لمفعوال ،فيأتي ه
ِين )وهو ذلك اليوم فسمي اليسرى جهنم ،ويكون إتيانه إتيان الملك ،فإنه يقول ( :ما ِل ِك يَ ْو ِم ال هد ِ
بالملك ،ويصطف المالئكة عليهم السالم سبعة صفوف محيطة بالخالئق ،فإذا أبصر الناس
جهنم لها فوران وتغيظ على الجبابرة المتكبرين ،فيفرون ،الخلق بأجمعهم منها لعظيم ما
يرونه خوفا وفزعا ،وهو الفزع األكبر ،إال الطائفة التي ال يحزنهم الفزع األكبر ،فتتلقاهم
عدُونَ )فهم اآلمنون مع النبيين على أنفسهم ،غير أن النبيين المالئكة( هذا يَ ْو ُم ُك ُم الَّذِي ُك ْنت ُ ْم تُو َ
ّللا عليها للخلق ،فيقولون في ذلك اليوم : تفزع على أممها للشفقة التي جبلهم ه
ّللا قد أمر أن تنصب لآلمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم سلهم سلهم ،وكان ه
فر الناس في الموقف ،فيجلسون عليها آمنين مبشرين ،وذلك قبل مجيء الرب تعالى ،فإذا ه
خوفا من جهنم وفرقا لعظيم ما يرون من الهول في ذلك اليوم ،يجدون المالئكة صفوفا ال
يتجاوزونهم ،فتطردهم المالئكة وزعة الملك الحق سبحانه وتعالى إلى المحشر ،وتناديهم
ّللا
ّللا تعالى فيما يقول رسول ه أنبياؤهم :ارجعوا ارجعوا ،فينادي بعضهم بعضا ،فهو قول ه
ّللا منّللا عليه وسلم ( :إني أخاف عليكم يوم التناد ،يوم تولون مدبرين ما لكم من ه صلهى ه
عاصم ) والرسل تقول :اللهم سلهم سلهم ،ويخافون أشد الخوف على أممهم ،واألمم يخافون
على أنفسهم ،والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ،وال
ظواهرهم أيضا بالمخالفات الشرعية ،آمنون يغبطهم النبيون في الذي هم عليه من األمن ،لما
ّللا ،يسمعه أهل الموقف ،ال هم النبيون عليه من الخوف على أممهم ،فينادي مناد من قبل ه
يدرون أو ال أدري هل ذلك نداء الحق سبحانه بنفسه ،أو نداء عن أمره سبحانه ،يقول في
ذلك النداء ( :يا أهل الموقف ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ،أين الذين كانت تتجافى
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) فيؤتى بهم إلى الجنة ،
ّللا ،
ثم يسمعون من قبل الحق نداء ثانيا ( :أين الذين كانوا ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر ه
ّللا
وإقام الصالة وإيتاء الزكاة ،يخافون يوما تتقلب فيه القلوب واألبصار ،ليجزيهم ه
ص 308
ص 312 :
أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ) فيؤمر بهم إلى الجنة ،ثم يسمعون نداء ثالثا ( :يا أهل
ّللا عليه ،ليجزي
الموقف ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ،أين الذين صدقوا ما عاهدوا ه
الصادقين بصدقهم ) فيؤمر بهم إلى الجنة ،فبعد هذا النداء يخرج عنق من النار ،فإذا أشرف
على الخلق وله عينان ولسان فصيح يقول ( :يا أهل الموقف إني وكلت منكم بثالث ) كما كان
النداء األول ثالث مرات لثالث طوائف من أهل السعادة ،وهذا كله قبل الحساب ،والناس
وقوف قد ألجمهم العرق ،واشتد الخوف وتصدعت القلوب لهول المطلع ،فيقول ذلك العنق
المستشرف من النار عليهم ( إني و هكلت بكل جبار عنيد ) فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط
الطائر حب السمسم ،فإذا لم يترك أحدا منهم في الموقف نادى نداء ثانيا ( :يا أهل الموقف
ّللا ورسوله ) فيلقطهم كما يلقط الطائر حب السمسم من بين الخالئق ،فإذا إني وكلت بمن آذى ه
ّللا ) فيلقط
لم يترك منهم أحدا نادى ثالثة ( :يا أهل الموقف إن وكلت بمن ذهب يخلق كخلق ه
أهل التصاوير وهم الذين يصورون صورا في الكنائس لتعبد تلك الصور ،والذين يصورون
األصنام ،وهو قوله ( :أ َ ت َ ْعبُدُونَ ما ت َ ْن ِحتُونَ )فكانوا ينحتون لهم األخشاب واألحجار ليعبدوها
ّللا ،فهؤالء هم المصورون فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطير حب السمسم ، من دون ه
ّللا عن آخرهم ،بقي الناس وفيهم المصورون الذين ال يقصدون بتصويرهم ما فإذا أخذهم ه
قصده أولئك من عباداتها ،حتى يسألوا عنها لينفخوا فيها أرواحا تحيا بها وليسوا بنافخين ،
ّللا بهم ،والعرق قد
ّللا ينتظرون ما فعل ه
كما ورد في الخبر في المصورين ،فيقفون ما شاء ه
ألجمهم ،قال علي
ص 309
ص 313 :
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :إن في القيامة ّللا عنه « » 1قال رسول ه ابن أبي طالب رضي ه
لخمسين موقفا ،كل موقف منها ألف سنة ،فأول موقف إذا خرج الناس من قبورهم يقومون
على أبواب قبورهم ألف سنة عراة حفاة جياعا عطاشا ،فمن خرج من قبره مؤمنا بربه مؤمنا
بنبيه ،مؤمنا بجنته وناره ،مؤمنا بالبعث والقيامة ،مؤمنا بالقضاء والقدر خيره وشره ،
ّللا عليه وسلم من عند ربه ،نجا وفاز وغنم وسعد ،ومن شك مصدقا بما جاء به محمد صلهى ه
ّللا فيه بما شاء
في شيء من هذا بقي في جوعه وعطشه وغمه وكربه ألف سنة ،حتى يقضي ه
،ثم يساقون من ذلك المقام إلى المحشر ،فيقفون على أرجلهم ألف عام في سرادقات النيران
في حر الشمس ،والنار عن أيمانهم ،والنار عن شمائلهم ،والنار من بين أيديهم ،والنار من
ّللا تبارك وتعالى
خلفهم ،والشمس من فوق رؤوسهم ،وال ظل إال ظل العرش ،فمن لقي ه
ّللا عليه وسلم ،بريئا من الشرك ومن السحر ،وبريئا شاهدا له باإلخالص ،مقرا بنبيه صلهى ه
ّللا ورسوله ،مبغضا لمنمن إهراق دماء المسلمين ،ناصحا هّلل ولرسوله ،محبا لمن أطاع ه
ّللا ورسوله ،استظل تحت ظ هل عرش الرحمن ،ونجا من غمه ،ومن حاد عن ذلك عصى ه
ووقع في شيء من الذنوب بكلمة واحدة ،أو تغير قلبه أو شك في شيء من دينه ،بقي ألف
ّللا فيه بما يشاء ،ثم يساق الخلق إلى النور والظلمة
سنة في الحر والهم والعذاب حتى يقضي ه
ّللا تبارك وتعالى لم يشرك به شيئا ،ولم يدخل ،فيقيمون في تلك الظلمة ألف عام ،فمن لقي ه
في قلبه شيء من النفاق ،ولم يشك في شيء من أمر دينه ،وأعطى الحق من نفسه ،وقال
ّللا في السر
الحق ،وأنصف الناس من نفسه ،وأطاع ه
) ( 1هذا الحديث الوارد بطوله هنا ،وتتمته في تفسير قوله تعالى ( َ :وأ َ َّما الَّذِينَ ُ
س ِعدُوا فَ ِفي
ّللا عنه ،حدثنا شيخنا ْال َجنَّ ِة خا ِلدِينَ فِيها )يقول فيه الشيخ األكبر محي الدين بن العربي رضي ه
القصار بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة ،تجاه الركن اليماني من الكعبة المعظمة ،وهو
يونس بن يحيى بن الحسين بن أبي البركات الهاشمي العباسي ،من لفظه وأنا أسمع ،قال :
حدثنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف األرموي ،قال :حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن
محمد بن موسى بن جعفر المعروف بابن الخياط المغربي ،قال :قرئ على أبي سهل محمود
ّللا عنكم ،أبو بكر محمد بن بن عمر بن إسحاق العكبري وأنا أسمع ،قيل له حدثكم رضي ه
الحسن النقاش ؟ فقال :نعم حدثنا أبو بكر قال :حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين ابن علي
ّللا ،قال :حدثنا سلمة بن الطبري المروزي ،قال :حدثنا محمد بن حميد الرازي أبو عبد ه
صالح ،قال :أنا القاسم بن الحكم عن سالم الطويل ،عن غياث بن المسيب عن عبد الرحمن
ّللا بن مسعود ،قال :كنت جالسا عند علي بن أبي طالب بن غنم وزيد بن وهب ،عن عبد ه
ّللا
ّللا عنه ،وحوله عدة من أصحاب رسول ه ّللا بن عباس رضي ه ّللا عنه وعنده عبد ه
رضي ه
ّللا عنه -الحديث.
ّللا عليه وسلم ،فقال علي رضي ه صلهى ه
ص 314 :
ص 310
ّللا ،خرج من الظلمة إلى النور في مقدارّللا ،وقنع بما أعطاه ه
والعالنية ،ورضي بقضاء ه
طرفة العين ،مبيضا وجهه ،قد نجا من الغموم كلها ،ومن خالف في شيء منها بقي في الغم
ّللا يفعل به ما يشاء ،ثم يساق
والهم ألف سنة ،ثم خرج منها مسودا وجهه ،وهو في مشيئة ه
الخلق إلى سرادقات الحساب ،وهي عشر سرادقات ،يقفون في كل سرداق منها ألف سنة ،
فيسأل ابن آدم عند أول سرداق منها عن المحارم ،فإن لم يكن وقع في شيء منها جاز إلى
السرادق الثاني ،فيسأل عن األهواء فإن كان نجا منها جاز إلى السرادق الثالث ،فيسأل عن
ّللا
عقوق الوالدين ،فإن لم يكن عاقا جاز إلى السرادق الرابع ،فيسأل عن حقوق من فوض ه
إليه أمورهم ،وعن تعليمهم القرآن ،وعن أمر دينهم وتأديبهم ،فإن كان قد فعل جاز إلى
السرادق الخامس ،فيسأل عما ملكت يمينه ،فإن كان محسنا إليهم جاز إلى السرادق السادس ،
فيسأل عن حق قرابته ،فإن كان أدى حقوقهم جاز إلى السرادق السابع ،فيسأل عن صلة
الرحم ،فإن كان وصوال لرحمه جاز إلى السرادق الثامن ،فيسأل عن الحسد ،فإن لم يكن
حاسدا جاز إلى السرادق التاسع فيسأل عن المكر ،فإن لم يكن مكر بأحد جاز إلى السرادق
ّللا تعالى قارة
العاشر ،فيسأل عن الخديعة ،فإن لم يكن خدع أحدا نجا ونزل في ظل عرش ه
عينه فرحا قلبه ضاحكا فوه ،وإن كان قد وقع في شيء من هذه الخصال بقي في كل موقف
منها ألف عام جائعا عاطشا حزنا مغموما مهموما ال ينفعه شفاعة شافع ،ثم يحشرون إلى أخذ
كتبهم بأيمانهم وشمائلهم ،فيحبسون عند ذلك في خمسة عشر موقفا ،كل موقف منها ألف سنة
ّللا عليهم من أموالهم ،فمن أداها
،فيسألون في أول موقف منها عن الصدقات وما فرض ه
ّللا عنه
كاملة جاز إلى الموقف الثاني ،فيسأل عن قول الحق والعفو عن الناس ،فمن عفا عفا ه
وجاز إلى الموقف الثالث ،فيسأل عن األمر بالمعروف ،فإن كان آمرا بالمعروف جاز إلى
الموقف الرابع ،فيسأل عن النهي عن المنكر ،فإن كان ناهيا عن المنكر جاز إلى الموقف
الخامس ،فيسأل عن حسن الخلق ،فإن كان حسن الخلق جاز إلى الموقف السادس ،فيسأل
ّللا جاز إلى الموقف
ّللا مبغضا في ه ّللا ،فإن كان محبا في ه
ّللا والبغض في ه
عن الحب في ه
السابع ،فيسأل عن مال الحرام ،فإن لم يكن أخذ شيئا جاز إلى الموقف الثامن ،فيسأل عن
شرب الخمر ،فإن لم يكن شرب من الخمر
ص 311
ص 315 :
شيئا جاز إلى الموقف التاسع ،فيسأل عن الفروج الحرام ،فإن لم يكن أتاها جاز إلى الموقف
العاشر ،فيسأل عن قول الزور ،فإن لم يكن قاله ،جاز إلى الموقف الحادي عشر ،فيسأل
عن األيمان الكاذبة ،فإن لم يكن حلفها جاز إلى الموقف الثاني عشر ،فيسأل عن أكل الربا ،
فإن لم يكن أكله جاز إلى الموقف الثالث عشر ،فيسأل عن قذف المحصنات ،فإن لم يكن قذف
المحصنات أو افترى على أحد جاز إلى الموقف الرابع عشر ،فيسأل عن شهادة الزور ،فإن
لم يكن شهدها جاز إلى الموقف الخامس عشر ،فيسأل عن البهتان ،فإن لم يكن بهت مسلما
مر فنزل تحت لواء الحمد وأعطي كتابه بيمينه ونجا من غم الكتاب وهوله وحوسب حسابا
يسيرا ،وإن كان قد وقع في شيء من هذه الذنوب ثم خرج من الدنيا غير تائب من ذلك بقي
في كل موقف من هذه الخمسة عشر موقفا ألف سنة في الغم والهول والهم والحزن والجوع
ّللا ه
عز وجل فيه بما يشاء ،ثم يقام الناس في قراءة كتبهم ألف عام ، والعطش حتى يقضي ه
فمن كان سخيا قد قدم ماله ليوم فقره وحاجته وفاقته ،قرأ كتابه وهون عليه قراءته ،وكسي
من ثياب الجنة ،وتوج من تيجان الجنة ،وأقعد تحت ظل عرش الرحمن آمنا مطمئنا ،وإن
كان بخيال لم يقدم ماله ليوم فقره وفاقته ،أعطي كتابه بشماله ،ويقطع له من مقطعات النيران
،يقام على رؤوس الخالئق ألف عام في الجوع والعطش والعري والهم والغم والحزن
عز وجل فيه بما يشاء ،ثم يحشر الناس إلى الميزان ،فيقومون عند ّللا ه
والفضيحة حتى يقضي ه
الميزان ألف عام ،فمن رجح ميزانه بحسناته فاز ونجا في طرفة عين ،ومن خف ميزانه من
حسناته وثقلت سيئاته حبس عند الميزان ألف عام في الغم والهم والحزن والعذاب والجوع
ّللا في اثني
ّللا فيه بما يشاء ،ثم يدعى بالخلق إلى الموقف بين يدي هوالعطش حتى يقضي ه
عشر موقفا ،كل موقف منها مقدار ألف عام ،فيسأل في أول موقف عن عتق الرقاب ،فإن
ّللا رقبته من النار وجاز إلى الموقف الثاني ،فيسأل عن القرآن وحقه كان أعتق رقبة أعتق ه
وقراءته ،فإن جاء بذلك تاما جاز إلى الموقف الثالث ،فيسأل عن الجهاد ،فإن كان جاهد في
ّللا محتسبا جاز إلى الموقف الرابع ،فيسأل عن الغيبة ،فإن لم يكن اغتاب جاز إلى
سبيل ه
الموقف الخامس ،فيسأل عن النميمة ،فإن لم يكن نماما جاز إلى الموقف السادس ،فيسأل عن
الكذب ،فإن لم يكن كذابا جاز إلى الموقف السابع ،فيسأل عن طلب العلم ،فإن
ص 312
ص 316 :
كان طلب العلم وعمل به جاز إلى الموقف الثامن ،فيسأل عن العجب ،فإن لم يكن معجبا
بنفسه في دينه ودنياه أو في شيء من عمله جاز إلى الموقف التاسع ،فيسأل عن التكبر ،فإن
ّللا ،فإن لم يكن لم يكن تكبر على أحد جاز إلى الموقف العاشر ،فيسأل عن القنوط من رحمة ه
ّللا ،فإن لم يكنّللا جاز إلى الموقف الحادي عشر ،فيسأل عن األمن من مكر ه قنط من رحمة ه
ّللا جاز إلى الموقف الثاني عشر ،فيسأل عن حق جاره ،فإن كان أدى حق أمن من مكر ه
ّللا تعالى قريرا عينه ،فرحا قلبه ،مبيضا وجهه كاسيا ضاحكا مستبشرا ، جاره أقيم بين يدي ه
ّللا ،فإن لم يأت
فيرحب به ربه ويبشره برضاه عنه ،فيفرح عند ذلك فرحا ال يعلمه أحد إال ه
عز وجل ّللا ه
بواحدة منهن تامة ومات غير تائب حبس عند كل موقف ألف عام حتى يقضي ه
فيه بما يشاء ،ثم يؤمر بالخالئق إلى الصراط ،فينتهون إلى الصراط وقد ضربت عليه
الجسور على جهنم ،أدق من الشعر وأح هد من السيف ،وقد غابت الجسور في جهنم مقدار
أربعين ألف عام ،ولهيب جهنم بجانبها يلتهب ،وعليها حسك وكالليب وخطاطيف ،وهي
سبعة جسور ،يحشر العباد كلهم عليها ،وعلى كل جسر منها عقبة مسيرة ثالثة آالف عام ،
عز وجل ِ ( :إ َّنّللا تعالى ه ألف عام صعود ،وألف عام استواء ،وألف عام هبوط ،وذلك قول ه
َرب ََّك لَ ِب ْال ِم ْرصا ِد )يعني على تلك الجسور ،ومالئكته يرصدون الخلق عليها ،ليسأل العبد عن
باّلل فإن جاء به مؤمنا مخلصا ال شك فيه وال زيغ جاز إلى الجسر الثاني ،فيسأل عناإليمان ه
الصالة ،فإن جاء بها تامة جاز إلى الجسر الثالث ،فيسأل عن الزكاة ،فإن جاء بها تامة جاز
إلى الجسر الرابع ،فيسأل عن الصيام ،فإن جاء به تاما جاز إلى الجسر الخامس ،فيسأل عن
حجة اإلسالم ،فإن جاء بها تامة جاز إلى الجسر السادس ،فيسأل عن الطهر فإن جاء به تاما
جاز إلى الجسر السابع ،فيسأل عن المظالم ،فإن كان لم يظلم أحدا جاز إلى الجنة ،وإن كان
عز وجل فيه بما ّللا ه
صر في واحدة منهن حبس على كل جسر منها ألف سنة حتى يقضي ه ق ه
يشاء ،واعلم أن القيامة أمر محقق موجود حسي مثل ما هو اإلنسان في الدنيا ،والحشر
المحسوس في األجسام المحسوسة والميزان المحسوس والصراط المحسوس والنار والجنة
المحسوستين ،كل ذلك حق وأعظم في القدرة ،فإذا قام الناس ،ومدت األرض ،وانشقت
السماء ،وانكدرت النجوم ،وكورت
ص 313
ص 317 :
الشمس ،وخسف القمر ،وحشرت الوحوش ،وسجرت البحار ،وزوجت النفوس بأبدانها ،
ونزلت المالئكة على أرجائها ،أعني أرجاء السماوات ،وأتى ربنا في ظلل من الغمام ،
ونادى المنادي :يا أهل السعادة ،فأخذ منهم الثالث الطوائف الذين ذكرناهم ،وخرج العنق
من النار فقبض الثالث الطوائف التي ذكرناهم ،وماج الناس ،واشتد الحر ،وألجم الناس
العرق ،وعظم الخطب ،وجل األمر ،وكان البهت فال تسمع إال همسا ،وجيء بجهنم ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم : وطال الوقوف بالناس ولم يعلموا ما يريد الحق بهم ،فقال رسول ه
ّللا لنا أن يريحنا مما
فيقول الناس بعضهم لبعض ،تعالوا ننطلق إلى أبينا آدم فنسأله أن يسأل ه
ّللا قد غضب نحن فيه فقد طال وقوفنا ،فيأتون إلى آدم ،فيطلبون منه ذلك ،فيقول آدم :إن ه
اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثله ،وذكر خطيئته ،فيستحي من ربه أن
يسأله ،فيأتون إلى نوح بمثل ذلك ،فيقول لهم مثل ما قال آدم ،ويذكر دعوته على قومه وقوله
وال يلدوا إال فاجرا كفارا ،ثم يأتون إلى إبراهيم عليه السالم بمثل ذلك ،فيقولون له مثل
مقالتهم لمن تقدم ،فيقول كما قال من تقدم ،ويذكر كذباته الثالث ،ثم يأتون إلى موسى
وعيسى ويقولون لكل واحد من الرسل مثل ما قالوه آلدم ،فيجيبونهم مثل جواب آدم ،فيأتون
ّللا عليه وسلم وهو سيد الناس يوم القيامة ،فيقولون له مثل ما قالوا لألنبياء ،إلى محمد صلهى ه
ّللا به يوم القيامة ،
ّللا عليه وسلم :أنا لها ،وهو المقام المحمود الذي وعده هفيقول محمد صلهى ه
ّللا تعالى إياها في ذلك الوقت ،لم يكن يعلمها قبل ذلك ، ّللا بمحامد يلهمه ه
فيأتي ويسجد ويحمد ه
ّللا ذلك الباب ،فيأذن في الشفاعة
ثم يشفع إلى ربه أن يفتح باب الشفاعة للخلق ،فيفتح ه
ّللا
للمالئكة والرسل واألنبياء والمؤمنين ،فبهذا يكون سيد الناس يوم القيامة ،فإنه شفع عند ه
ّللا عليه وسلم وقال :أنا سيد الناس ،ولم يقلأن تشفع المالئكة والرسل ،ومع هذا تأدب صلهى ه
سيد الخلق فتدخل المالئكة في ذلك ،مع ظهور سلطانه في ذلك اليوم على الجميع ،وذلك أنه
ّللا عليه وسلم جمع له بين مقامات األنبياء عليهم السالم كلهم ،ولم يكن ظهر له على صلهى ه
المالئكة ما ظهر آلدم عليه السالم من اختصاصه بعلم األسماء كلها ،فإذا كان في ذلك اليوم ،
افتقر الجميع من المالئكة والناس من آدم فمن دونه في فتح باب الشفاعة وإظهار ما له من
ّللا ،إذ كان القهر اإللهي والجبروت األعظم قد أخرس الجميع ،وكان هذا المقام الجاه عند ه
مثل مقام آدم عليه السالم وأعظم ،
ص 314
ص 318 :
في يوم اشتدت الحاجة فيه ،مع ما ذكر من الغضب اإللهي الذي تجلى فيه الحق في ذلك اليوم
،ولم تظهر مثل هذه الصفة فيما جرى من قضية آدم ،فدل بالمجموع على عظيم قدره صلهى
ّللا عليه وسلم ،حيث أقدم مع هذه الصفة الغضبية اإللهية على مناجاة الحق فيما سأل فيه ، ه
فأجابه الحق سبحانه ،وعلقت الموازين ،ونشرت الصحف ،ونصب الصراط ،وبدئ
بالشفاعة ،فأول ما شفعت المالئكة ،ثم النبيون ،ثم المؤمنون ،وبقي أرحم الراحمين ،وهنا
تفصيل عظيم يطول الكالم فيه ،فإنه مقام عظيم ،غير أن الحق يتجلى في ذلك اليوم فيقول :
لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ،حتى تبقى هذه األمة وفيها منافقوها ،فيتجلى لهم الحق في أدنى
باّلل
صورة من الصور التي كان تجلى لهم فيها قبل ذلك ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ ه
منك ،ها نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا ،فيقول لهم جل وتعالى :هل بينكم وبينه عالمة
تعرفونه بها ؟ فيقولون :نعم ،فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها بتلك العالمة ،
فيقولون :
أنت ربنا ،فيأمرهم بالسجود ،فال يبقى من كان يسجد هّلل إال سجد ،ومن كان يسجد اتقاء
ّللا ظهره طبقة نحاس ،كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ،وذلك قوله ( :يَ ْو َم ورياء جعل ه
ْصار ُه ْم ت َ ْر َهقُ ُه ْم ذِلَّةٌ َوقَ ْد كانُوا
س ُجو ِد فَال يَ ْست َ ِطيعُونَ خا ِشعَةا أَب ُ
ع ْونَ ِإلَى ال ُّ ع ْن سا ٍ
ق َويُ ْد َ َف َ يُ ْكش ُ
س ُجو ِد َو ُه ْم سا ِل ُمونَ )يعني في الدنيا ،والساق التي كشفت لهم عبارة عن أمر ع ْونَ ِإلَى ال ُّ
يُ ْد َ
عظيم من أهوال يوم القيامة ،فإذا وقعت الشفاعة ولم يبق في النار مؤمن شرعي أصال ،وال
من عمل عمال مشروعا من حيث ما هو مشروع بلسان نبي ،ولو كان مثقال حبة من خردل
فما فوق ذلك في الصغر إال خرج بشفاعة النبيين والمؤمنين ،وبقي أهل التوحيد الذين علموا
باّلل شيئا ،وال آمنوا إيمانا شرعيا ،ولم يعملوا خيرا قط من التوحيد باألدلة العقلية ولم يشركوا ه
حيث ما اتبعوا فيه نبيا من األنبياء ،فلم يكن عندهم ذرة من إيمان فما دونها ،فيخرجهم أرحم
الراحمين وما عملوا خيرا قط ،يعني مشروعا من حيث ما هو مشروع ،وال خير أعظم من
اإليمان وما عملوه ،وهذا حديث عثمان بن عفان في صحيح مسلم بن الحجاج ،قال :قال
ّللا دخل ّللا عليه وسلم :من مات وهو يعلم -ولم يقل يؤمن -أنه ال إله إال ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا في النار ،فإن النار بذاتها الجنة ،وال قال يقول ،بل أفرد العلم ،ففي هؤالء تسبق عناية ه
ال تقبل تخليد موحد هّلل بأي وجه كان -إشارة -قرأ
ص 315
ص 319 :
ّللا
ّللا عليه وسلم ( :خلق ه ّللاُ فِي »إشارة إلى قوله صلهى ه ظ ُرونَ ِإ َّال أ َ ْن يَأْتِيَ ُه ُم َّ بعضهم «ه َْل يَ ْن ُ
ّللا ) [.سورة ّللا ( :إذا رأوا ذكر ه ّللا عليه وسلم عن أولياء ه آدم على صورته ) وقوله صلهى ه
البقرة ( ) : 2آية ] 211
شدِي ُد
ّللا َّللا ِم ْن بَ ْع ِد ما جا َءتْهُ فَإِ َّن َّ َ س ْل بَ ِني ِإسْرا ِئي َل َك ْم آتَيْنا ُه ْم ِم ْن آيَ ٍة بَ ِيهنَ ٍة َو َم ْن يُبَ هد ِْل ِن ْع َمةَ َّ ِ
َ
شرنا به من عموم مغفرته« ِم ْن بَ ْع ِد ما ّللا »وهي ما ب ه ب ( َ «) 211و َم ْن يُبَ هد ِْل نِ ْع َمةَ َّ ِ ْال ِعقا ِ
شدِي ُد جا َءتْهُ »فمن هنا وإن كانت شرطا ففيها رائحة االستفهام ،وقال في الجواب «:أ َ َّن َّ َ
ّللا َ
ّللا ،فهو كما قال شديد العقاب في حال العقوبة ، ّللا يعاقب من بدل نعمة ه ب »ولم يقل فإن ه ْال ِعقا ِ
ّللا بما هو خير منها بحسب ّللا من بعد ما جاءته ،فيبدل نعمة ه فما ثم من يقدر يبدل نعمة ه
ّللا )وهي أعيان العالم ،وإنما التبديل هّلل الوقت ،فإن الحكم له ،قال تعالى ( :ال ت َ ْبدِي َل ِل َك ِلما ِ
ت َّ ِ
ّللا من بعد ما جاءته إنه شديد العقاب ،أي يسرع تعالى إلى من ال لهم ،فقوله فيمن بدل نعمة ه
عز وجل ليس له ،فيعرفه أنه بيده هذه صفته بالعقاب ،وهو أن يعقبه فيما بدله أن التبديل هّلل ه
ّللا ما قرن بهذا العقاب ألما ،ومتى لم يقرن األلم بعذاب أو عقاب فله ملكوت كل شيء ،فإن ه
محمل في عين األمر المؤلم ،فإنه ال يخاف إال من األلم ،وال يرغب إال في االلتذاذ خاصة ،
هذا يقتضيه الطبع الذي وجد عليه من يقبل األلم واللذة [.سورة البقرة ( : ) 2آية ] 212
ُز ِيهنَ ِللَّذِينَ َكفَ ُروا ْال َحياة ُ ال ُّد ْنيا َويَ ْسخ َُرونَ ِمنَ الَّذِينَ آ َمنُوا َوالَّذِينَ اتَّقَ ْوا فَ ْوقَ ُه ْم يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة َو َّ
ّللاُ
ب ) ( 212 يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء ِبغَي ِْر ِحسا ٍ
عليه.
ص 316
ص 320 :
سورة البقرة ( : ) 2آية ] 213
ق ِليَحْ ُك َم ين َوأ َ ْن َز َل َمعَ ُه ُم ا ْل ِك َ
تاب ِبا ْل َح ه ِ ين َو ُم ْنذ ِِر َ ش ِر َ ّللاُ النه ِب ِيه َ
ين ُمبَ ِ ه ث ه اس أ ُ همةً ِ
واح َدةً فَبَعَ َ كان النه ُ َ
ِين أُوتُوهُ ِم ْن بَ ْع ِد ما جا َءتْ ُه ُم ا ْلبَ ِيهناتُ بَ ْغيا ً ف فِي ِه ِإاله الهذ َ اختَلَ َاختَلَفُوا فِي ِه َو َما ْ اس فِي َما ْ بَ ْي َن النه ِ
ّللاُ يَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء ِإلى ِص ٍ
راط ق ِب ِإ ْذ ِن ِه َو ه
اختَلَفُوا ِفي ِه ِم َن ا ْل َح ه ِ ِين آ َمنُوا ِل َما ّْللاُ الهذ َ بَ ْينَ ُه ْم فَ َهدَى ه
يم ) ( 213 ست َ ِق ٍ ُم ْ
ش ِرينَ َو ُم ْنذ ِِرينَ »بشارة األنبياء متعلقة بالعمل المشروع ،وهو أنه ّللاُ النَّبِ ِيهينَ ُمبَ ِ ه
ث َّ". . .فَبَعَ َ
ّللا من النار بعمل كذا ،هذا ال يكون إال من عمل كذا كان له كذا في الجنة ،أو نجاه ه
ص 317
ص 321 :
ّللاُ الَّذِينَ آ َمنُوا
ّللا تعالى وأوامره ،أما قوله تعالى « :فَ َه َدى َّ
للرسل ،وكذلك اإلنذار في مخالفة ه
ّللا اصطفى من كل جنس نوعا ،ومن كل نوع اختَلَفُوا فِي ِه ِمنَ ْال َح ه ِ
ق ِبإِ ْذنِ ِه »اعلم أن ه ِل َما ْ
ّللا من أيام شخصا ،واختاره عناية منه بذلك المختار ،أو عناية بالغير بسببه ،فاختص ه
األسبوع يوم العروبة ،وهو يوم الجمعة ،وعرف األمم أن هّلل يوما اختصه من هذه السبعة
ّللا في العلم به الجتهادهم ، ّللا شرف هذا اليوم لألمم ولم يعينه ،وكلهم ه األيام ،ولما ذكر ه
وّللا أعلم هو يوم األحد ،فاتخذوه عيدا ، فاختلفوا فيه ،فقالت النصارى :أفضل األيام ه
ص 318
ص 322 :
ّللا ،ولم يقل لهم نبيهم في ذلك شيئا ،وال علم لنا هل أعلم وقالت :هذا هو اليوم الذي أراده ه
ّللا
ّللا نبيهم بذلك أم ال ،فإنه ما ورد بذلك خبر ،وقالت اليهود :بل ذلك اليوم السبت ،فإن ه ه
فرغ من الخلق يوم العروبة واستراح يوم السبت ،واستلقى على ظهره ووضع إحدى رجليه
ّللا تعالى في مقابلة هذا الكالم وأمثاله َ ( :وما قَ َد ُروا َّ
ّللاَ َح َّق على األخرى وقال أنا الملك ،قال ه
ّللا بأنه أفضل أيام األسبوع ،فاختلفت قَ ْد ِر ِه ) *فقالت اليهود :يوم السبت هو اليوم الذي أراده ه
ّللا عليه وسلم بيوم اليهود والنصارى ،وجاءت هذه األمة ،فجاء جبريل إلى محمد صلهى ه
الجمعة في صورة مرآة مجلوة فيها نكتة ،فقال له :هذا يوم الجمعة ،وهذه النكتة ساعة فيه ال
اختَلَفُوا فِي ِه ِمنَ ْال َح ه ِ
ق ّللاُ الَّذِينَ آ َمنُوا ِل َما ْ
ّللا له« فَ َه َدى َّ
يوافقها عبد مسلم وهو يصلي إال غفر ه
ّللا لما اختلفت فيه أهل الكتاب ،وأضاف ّللا عليه وسلم :فهدانا هِبإِ ْذنِ ِه »فقال النبي صلهى ه
ّللا فيه هذه النشأة اإلنسانية التي خلق ّللا ،وسبب فضله أنه اليوم الذي خلق ه الهداية إلى ه
المخلوقات من يوم األحد إلى يوم الخميس من أجلها ،فال بد أن يكون أفضل األوقات ،وال
ّللا ،وهذه الساعة في يوم الجمعة كليلة القدر في السنة سواء تعرف الساعة التي فيه إال بإعالم ه
ّللا عليه وسلم ، ّللا ألحد إال لمحمد صلهى ه ،فيوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس ،فما بيهنه ه
لمناسبته الكمالية ،فإنه أكمل األنبياء ،ونحن أكمل األمم ،وسائر األمم وأنبيائها ما أبان الحق
لهم عنه .ألنهم لم يكونوا من المستعدين له ،لكونهم دون درجة الكمال ،أنبياؤهم دون محمد
ّللا عليه وسلم ،وأممهم دوننا في الكمال ،فيوم الجمعة هو آخر أيام الخلق وفيه خلق من صلهى ه
ّللا على صورته وهو آدم ،فبه ظهر كمال إتمام الخلق وغايته ،وبه ظهر أكمل خلقه ه
المخلوقات وهو اإلنسان وهو آخر المولدات ،
ص 319
ص 323 :
ّللا على هذا اليوم اسما على ألسنة العرب في الجاهلية وهو لفظ العروبة ،أي هو يوم وأطلق ه
الحسن والزينة ،فلم يكن في األيام أكمل من يوم الجمعة ،فإن فيه ظهرت حكمة االقتدار بخلق
اإلنسان فيه ،فلما كان أكمل األيام وخلق فيه أكمل الموجودات خصه بالساعة التي ليست لغيره
من األيام ،والزمان كله ليس سوى هذه األيام ،فلم تحصل هذه الساعة لشيء من الزمان إال
ليوم الجمعة ،وكان خلق اإلنسان في الساعة المذكورة المخصصة من يوم الجمعة ،فإنها
أشرف ساعاته ،فالحمد هّلل الذي اصطفانا وهدانا إلى يوم الجمعة وخصنا بساعته ،فإنه من
ّللا إليها هذه األمة خاصة ،فإنه اليوم الذي اختلفوا فيه ،فيوم الجمعة
أعظم الهداية التي هدى ه
أشرف أيام األسبوع ،وشرفه ذاتي لعينه ،وال يفاضل بيوم عرفة وال غيره ،فإن فضل يوم
عرفة وعاشوراء ألمور عرضت ،إذا وجدت في أي يوم كان من أيام األسبوع كان الفضل
لذلك اليوم لهذه األحوال العوارض ،ولهذا شرع الغسل ،وهو فرض عندنا ليوم الجمعة ال
لنفس الصالة ،فإن اتفق أن يغتسل في ذلك اليوم لصالة الجمعة فال خالف أنه أفضل بال شك.
ص 320
ص 324 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 214إلى 216
ستْ ُه ُم ا ْلبَأْسا ُء َوال ه
ض هرا ُء ِين َخلَ ْوا ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم َم ه س ْبت ُ ْم أ َ ْن ت َ ْد ُخلُوا ا ْل َجنهةَ َولَ هما يَأْتِ ُك ْم َمث َ ُل الهذ َ
أ َ ْم َح ِ
يب ( ) 214 ّللا قَ ِر ٌ ّللا أَال ِإ هن نَص َْر ه ِ ِين آ َمنُوا َمعَهُ َمتى نَص ُْر ه ِ سو ُل َوالهذ َ َو ُز ْل ِزلُوا َحتهى يَقُو َل ه
الر ُ
ين َوا ْب ِن ين َوا ْليَتامى َوا ْل َمسا ِك ِ ون قُ ْل ما أ َ ْنفَ ْقت ُ ْم ِم ْن َخ ْي ٍر فَ ِل ْلوا ِل َد ْي ِن َو ْاأل َ ْق َر ِب َ
سئَلُونَكَ ما ذا يُ ْن ِفقُ َ يَ ْ
علَ ْي ُك ُم ا ْل ِقتا ُل َو ُه َو ك ُْرهٌ لَ ُك ْم َوعَسى ب َ ع ِلي ٌم ( ُ ) 215كتِ َ سبِي ِل َوما ت َ ْفعَلُوا ِم ْن َخ ْي ٍر فَ ِإ هن ه َ
ّللا بِ ِه َ ال ه
ّللاُ يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُم َ
ون ش ْيئا ً َو ُه َو ش ٌَّر لَ ُك ْم َو ه ش ْيئا ً َو ُه َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْم َوعَسى أ َ ْن ت ُ ِحبُّوا َ أ َ ْن ت َ ْك َر ُهوا َ
( ) 216
شيْئا ا »وهو ما ال يوافق الغرض ،فإن أكثر الناس يسأل نيل ما عسى أ َ ْن ت َ ْك َر ُهوا َ " َو َ
ص 221
ص 325 :
ّللا
ّللا ،ويقول :لعل ه ّللا له يكره العبد ذلك الترك من ه
ّللا ،فإذا لم يفعله ه له فيه غرض من ه
عسى أ َ ْن ت َ ْك َر ُهوا َ
شيْئا ا َو ُه َو جعل لي في ذلك خيرا من حيث ال أشعر ،وهو قوله تعالى «َ :و َ
شيْئا ا َو ُه َو ش ٌَّر لَ ُك ْم »ومن هنا يعلم فضل الحاصل على الفائت في عسى أ َ ْن ت ُ ِحبُّوا ََخي ٌْر لَ ُك ْم َو َ
حقك إذا كان فيه سعادتك ،وال فضل للفائت على الحاصل إذا كان الفائت مطلوبك ولو حصل
لك أشقاك وأنت ال تعلم ،فكان الفضل فيه في حقك فوته ،فإن بفوته سعدت ،وهذا ال يكون
ّللا.
إال لمن أسعده ه
ص 222
ص 326 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 217
س ِج ِد ّللا َو ُك ْف ٌر ِب ِه َوا ْل َم ْ ص ٌّد ع َْن َ
س ِبي ِل ه ِ ير َو َ رام قِتا ٍل فِي ِه قُ ْل قِتا ٌل فِي ِه َك ِب ٌ شه ِْر ا ْل َح ِ سئَلُونَكَ ع َِن ال ه يَ ْ
ون يُقاتِلُونَ ُك ْم َحتهى ّللا َوا ْل ِفتْنَةُ أ َ ْكبَ ُر ِم َن ا ْلقَتْ ِل َوال يَزالُ َ
ج أ َ ْه ِل ِه ِم ْنهُ أ َ ْكبَ ُر ِع ْن َد ه ِ ا ْل َح ِ
رام َو ِإ ْخرا ُ
ستَطاعُوا َو َم ْن يَ ْرت َ ِد ْد ِم ْن ُك ْم ع َْن دِي ِن ِه فَيَ ُمتْ َو ُه َو كا ِف ٌر فَأُول ِئكَ َح ِب َطتْ يَ ُردُّو ُك ْم ع َْن دِي ِن ُك ْم ِإ ِن ا ْ
ُون ( ) 217 ْحاب النه ِار ُه ْم فِيها خا ِلد َ أَعْمالُ ُه ْم فِي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َر ِة َوأُولئِكَ أَص ُ
عوا »فأضاف الدين إليهم« َو َم ْن يَ ْرت َ ِد ْد ع ْن دِينِ ُك ْم إِ ِن ا ْستَطا ُ " َحتَّى يَ ُردُّو ُك ْم »يعني في الفتنة« َ
ّللا عليه وسلم :من بدل دينه فاقتلوه ،فاختلف ت َو ُه َو كافِ ٌر »قال صلهى ه ع ْن دِينِ ِه فَيَ ُم ِْم ْن ُك ْم َ
الناس
ص 223
ص 327 :
في اليهودي إن تنصر ،والنصراني إن تهود ،هل يقتل أم ال ؟ ولم يختلفوا فيه إن أسلم ،فإنه
ّللا عليه وسلم ما جاء يدعو الناس إال إلى اإلسالم ،وجعل بعض العلماء أن هذا تبديل صلهى ه
مأمور به ،وما هو عندنا كذلك ،فإن النصراني وأهل الكتاب كلهم إذا أسلموا ما بدلوا دينهم ،
ّللا عليه وسلم والدخول في شرعه إذا أرسل وأن رسالته فإنه من دينهم اإليمان بمحمد صلهى ه
عامة ،فما بدل أحد من أهل الدين دينه إذا أسلم ،وما بقي إال المشرك ،فإن ذلك ليس بدين
وّللا ما قال إال« َم ْن يَ ْرت َ ِد ْد ِم ْن ُك ْم َ
ع ْن دِينِ ِه ّللا ،ه
مشروع وإنما هو أمر موضوع من عند غير ه
ّللا عليه وسلم يقول :من بدل دينه ،وإنما لم يسم الشرك دينا ألن الدين ّللا صلهى ه
»ورسول ه
الجزاء ،وال جزاء في الخير للمشرك على الشرك أصال ،ال فيما سلف وال فيما بقي ،فما
أراد بالدين إال الذي له جزاء في الخير والشر ،ما هو الدين الذي هو العادة ،فهو الدين
ع ْن دِي ِن ِه »األوجه أن يكون الضمير في الهاء هنا المشروع الذي العادة جزء منه ،وقوله َ «:
يعود على ما هو عليه في ضمير المخاطب « ِم ْن ُك ْم »سواء ،وإن جاز أن يكون ضمير الهاء
ّللا ،لكن األصل في الضمائر كلها عودها على أقرب مذكور إذا عريت عن قرائن يعود على ه
األحوال.
224
ص 328 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 218إلى 219
غفُ ٌ
ور ّللاُ َ
ّللا َو هون َرحْ َمتَ ه ِ ّللا أُولئِكَ يَ ْر ُج َس ِبي ِل ه ِ ِين ها َج ُروا َوجا َهدُوا فِي َ ِين آ َمنُوا َوالهذ َِإ هن الهذ َ
اس َو ِإثْ ُم ُهما أ َ ْكبَ ُر يهما ِإثْ ٌم َك ِب ٌ
ير َو َمنا ِف ُع ِللنه ِ س ِر قُ ْل ِف ِ
سئَلُونَكَ ع َِن ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ
َر ِحي ٌم ) ( 218يَ ْ
ون (ت لَعَله ُك ْم تَتَفَك ُهر َ ون قُ ِل ا ْلعَ ْف َو كَذ ِلكَ يُبَيِه ُن ه
ّللاُ لَ ُك ُم ْاآليا ِ سئَلُونَكَ ما ذا يُ ْن ِفقُ َ ِم ْن نَ ْف ِع ِهما َويَ ْ
) 219
-راجع إيجاز البيان -كل مسكر حرام ،فالحكم التحريم ،والعلة اإلسكار ،فالحكم أعم من
العلة الموجبة التحريم ،فإن التحريم قد يكون له سبب آخر غير السكر في أمر آخر ،
والسكران هو الذي ال يعقل وهو مذهب أبي حنيفة ،وهو الصحيح في حد
تط ْعلى ردته إلى حين موته ،فإنه يموت كافرا« فَأُولئِ َك »إشارة لمن ارتد من المؤمنين« َحبِ َ
أَعْمالُ ُه ْم فِي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َرةِ »أي بطل ما كانوا يرجون من الثواب على أعمالهم في اآلخرة التي
عملوها في الدنيا في حال اإلسالم بالردة إلى الكفر ،فالعامل في الدنيا إنما هو أعمالهم ،
ار »أهل النار« ُه ْم حاب النَّ ِ ص ُ والعامل في اآلخرة حبطت ،يقول َ «:وأُولئِ َك »اإلشارة إليهم« أ َ ْ
ّللا أو فِيها خا ِلدُونَ »فيها معمول لخالدين ،وهنا تفصيل في ردتهم ،هل رجعوا عن توحيد ه
عن اإليمان بما جاء من عنده ؟ ولكل ردة مما ذكرناه حكم خاص وعذاب خاص ليس لآلخر ،
ير »فجعل ّللا يقول« قُ ْل قِتا ٌل فِي ِه َكبِ ٌ والقتال في األشهر الحرم مختلف فيه بين العلماء ،فإن ه
ذلك من الكبائر وبه قال عطاء ،واحتج المبيح لذلك بغزوة حنين والطائف وأوطاس وبيعة
الرضوان على القتال ،وذلك في شوال وبعض ذي العقدة ،وهو متأخر عن تحريم القتال فيه
ّللا »اآلية ،في هذه اآلية بال شك ( ِ «) 219إ َّن الَّذِينَ آ َمنُوا َوالَّذِينَ ها َج ُروا َوجا َهدُوا فِي َ
س ِبي ِل َّ ِ
ّللا للمؤمنين ،فقال « ِإ َّن تحريض لمن في مكة من المسلمين على الهجرة والجهاد في سبيل ه
الَّذِينَ آ َمنُوا َوالَّذِينَ ها َج ُروا »ولم يقل [ وهاجروا ] فيه تنبيه على من هاجر من دار الحرب
ت َّ ِ
ّللا »بأن ّللا مع المؤمنين« أ ُولئِ َك يَ ْر ُجونَ َر ْح َم َ وآثر جوار المسلمين وجاهد في سبيل ه
ور »ما كان منهم من غف ُ ٌ
ّللاُ َيرزقهم اإليمان فيؤمنوا بطول مجالسة المؤمنين ومعاشرتهم« َو َّ
من عليهم باإليمان والمغفرة كما فعل بالمؤمنين ،وهذا الخطايا في كفرهم« َر ِحي ٌم »حيث ه
الوجه سائغ في اآلية ،وفي استعانة المؤمنين في القتال بالكفار خالف ،وأنهم إن قاتلوا من
غير استعانة من المؤمنين بهم بل تطوعا من أنفسهم
ص 225
ص 329 :
السكر ،ولكن من شيء يتقدم هذا السكران قبل سكره من شربه طرب وابتهاج ،وهو الذي
اتخذه غير أبي حنيفة في حد السكر ،وهو ليس بصحيح ،فكل مسكر بهذه المثابة فهو الذي
يترتب عليه الحكم المشروع ،فإن سكر من شيء ال يتقدم سكره طرب لم يترتب
ص 226
ص 330 :
عليه حكم الشرعة ال بحد وال بحكم ،والحاكم إذا كان شافعيا وجيء إليه بحنفي قد شرب النبيذ
الذي يقول بأنه حالل ،فإن الحاكم من حيث ما هو حاكم وحكم بالتحريم في النبيذ يقيم عليه
الحد ،ومن حيث إن ذلك الشارب حنفي وقد شرب ما هو حالل له شربه في علمه ال تسقط
عدالته فلم يؤثر في عدالته ،وأما أنا لو كنت حاكما ما حددت حنفيا على
ص 227
ص 331 :
شرب النبيذ ما لم يسكر ،فإن سكر حددته لكونه سكرانا من النبيذ ،فالحنفي مأجور ما عليه
إثم في شربه النبيذ وفي ضرب الحاكم له ،وما هو في حقه إقامة حد عليه ،وإنما هو أمر
ّللا به على يد هذا الحاكم الذي هو الشافعي ،كالذي غصب ماله غير أن الحاكم هنا ابتاله ه
ّللا -راجع
أيضا غير مأثوم ألنه فعل ما أوجبه عليه دليله أن يفعله ،فكالهما غير مأثوم عند ه
المائدة آية( 90 ) - .
ص 228
ص 332 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 220
طو ُه ْم فَ ِإ ْخوانُ ُك ْم َو ه
ّللاُ ح لَ ُه ْم َخ ْي ٌر َو ِإ ْن تُخا ِل ُ سئَلُونَكَ ع َِن ا ْليَتامى قُ ْل ِإصْل ٌ ِفي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َر ِة َويَ ْ
يز َح ِكي ٌم ( .) 220 ّللاُ َأل َ ْعنَت َ ُك ْم إِ هن ه َ
ّللا ع َِز ٌ س َد ِم َن ا ْل ُم ْ
ص ِلحِ َولَ ْو شا َء ه يَ ْعلَ ُم ا ْل ُم ْف ِ
ّللا حادث ولم يكن ثم كان ،فينفي "فِي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َرةِ »الذي يقوم عليه الدليل أن كل ما سوى ه
ّللا في كينونة الحق الواجب الوجود لذاته ،فدوام اإليجاد هّلل تعالى ، الدليل كون ما سوى ه
ودوام االنفعال للممكنات ،والممكنات هي العالم ،فال يزال التكوين على الدوام ،واألعيان
تظهر على الدوام ،فال يزال امتداد الخال إلى غير نهاية ألن أعيان الممكنات توجد إلى غير
نهاية وال تعمر بأعيانها إال الخال ،ألنه ما يمكن أن يعمر المأل ،ألن المأل هو العامر فال يعمر
في مال ،وما ثم إال مال أو خال ،فالعالم في تجديد أبدا ،فاآلخرة ال نهاية لها ،ولوال نحن ما
قيل دنيا وال آخرة ،وإنما كان يقال ممكنات وجدت وتوجد كما هو األمر ،فلما عمرنا نحن من
الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حيث ظهرت أعياننا ونحن صور من
صور العالم ،سمينا ذلك الموطن دار الدنيا ،أي القريبة التي عمرناها في أول وجودنا ألعياننا
ّللا تعالى جعل لنا في عمارة الدنيا آجاال ننتهي إليها ثم ،وقد كان العالم ولم نكن نحن ،مع أن ه
ننتقل إلى موطن آخر يسمى آخرة ،فيها ما في هذه الدار الدنيا ولكن متميز بالدار كما هو هنا
متميز بالحال ،ولم يجعل إلقامتنا في تلك الدار اآلخرة أجال تنتهي إليه مدة إقامتنا ،وجعل تلك
الدار محال للتكوين دائما أبدا إلى غير نهاية ،وبدهل الصفة على الدار الدنيا فصارت بهذا
التبديل آخرة والعين واحدة.
ص 329
ص 333 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 221
ت َحتهى يُ ْؤ ِم هن َو َأل َ َمةٌ ُم ْؤ ِمنَةٌ َخ ْي ٌر ِم ْن ُمش ِْر َك ٍة َولَ ْو أ َ ْع َجبَتْ ُك ْم َوال ت ُ ْن ِك ُحوا َوال ت َ ْن ِك ُحوا ا ْل ُمش ِْركا ِ
ُون ِإلَى النها ِر َو ه
ّللاُ ين َحتهى يُ ْؤ ِمنُوا َولَعَ ْب ٌد ُم ْؤ ِم ٌن َخ ْي ٌر ِم ْن ُمش ِْر ٍك َولَ ْو أ َ ْع َجبَ ُك ْم أُولئِكَ يَ ْدع َ ا ْل ُمش ِْر ِك َ
ون ) ( 221 اس لَعَله ُه ْم يَتَذَك ُهر َيَ ْدعُوا ِإلَى ا ْل َجنه ِة َوا ْل َم ْغ ِف َر ِة ِب ِإ ْذ ِن ِه َويُبَ ِيه ُن آيا ِت ِه ِللنه ِ
مسمى النكاح قد يكون عقد الوطء ،وقد يكون عقدا ووطأ معا ،وقد يكون وطأ
ص 330
ص 334 :
ويكون نفس الوطء عين العقد ،ألن الوطء ال يصح إال بعقد الزوجين ،والعقد عبارة عما يقع
اس لَعَلَّ ُه ْم يَتَذَ َّك ُرونَ
ّللا الكفاءة في النكاح بالدين « َويُبَ ِيه ُن آياتِ ِه ِللنَّ ِ
عليه رضى الزوجين ،وجعل ه
ّللا فيه علم كل شيء ،ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما »اعلم أن اإلنسان قد أودع ه
ّللا فيه ،وما هو اإلنسان مخصوص بهذا وحده ،بل العالم كله على هذا ،وهو من أودع ه
األسرار اإللهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة ،وقربها من الذوات الجاهلة في حال
علمها قرب الحق من عبده ،ومع هذا القرب ال يدرك وال يعرف إال تقليدا ،ولوال إخباره ما
دل عليه عقل ،وهكذا جميع ما ال يتناهى من المعلومات التي يعلمها ،هي كلها في اإلنسان
وفي العالم بهذه المثابة من القرب ،وهو ال يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع اآلنات ،وال
يصح فيه الكشف دفعة واحدة ،ألنه يقتضي الحصر ،وقد قلنا إنه ال يتناهى ،فليس يعلم إال
شيئا بعد شيء إلى ما ال يتناهى ،فكل ما يعلمه اإلنسان دائما وكل موجود فإنما هو تذكر على
ّللا ذلك العلم كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الحقيقة وتجديد ما نسيه ،فإن الخلق أنساهم ه
الميثاق مع كونه قد وقع ،وقد عرفنا ذلك باإلخبار اإللهي ،فعلم اإلنسان دائما إنما هو تذكر ،
فمنا من إذا ذ هكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم ونسيه ،ومنا من ال يتذكر ذلك مع إيمانه به
إذ قد كان يشهد بذلك ،ويكون في حقه ابتداء علم ،ولوال أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه
ّللا بصيرته ،فإن اإلنسان عالم بجميع األمور نور ه ولكن ال شعور له بذلك ،وال يعلمه إال من ه
الحقية من حيث روحه المدبر ،وهو ال يعلم أنه يعلم ،فهو بمنزلة الساهي والناسي ،واألحوال
والمقامات والمنازل تذ هكره.
ص 331
ص 335 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 222
يض َوال ت َ ْق َربُو ُه هن َحتهى يَ ْط ُه ْر َن ذى فَا ْعت َ ِزلُوا ال ِنهسا َء فِي ا ْل َم ِح ِ يض قُ ْل ُه َو أ َ ً سئَلُونَكَ ع َِن ا ْل َم ِح ِ َويَ ْ
ين ( «) 222 ب ا ْل ُمت َ َط ِ هه ِر َ ين َويُ ِح ُّب الت ه هوا ِب َ ّللاُ ِإ هن ه َ
ّللا يُ ِح ُّ فَ ِإذا ت َ َط هه ْر َن فَأْتُو ُه هن ِم ْن َح ْي ُ
ث أ َ َم َر ُك ُم ه
ى »فيتأذى الرجل بالنكاح في دم الحيض ،وأما االستحاضة يض قُ ْل ُه َو أَذ ا ع ِن ْال َم ِح ِ َويَ ْسئَلُون ََك َ
فال تمنع من الصالة وال من الوطء فالرجل ال يتأذى بالنكاح في دم االستحاضة وإن كان عن
مرض ،ودم النفاس حكمه حكم دم الحيض ،وكالهما له زمان ومدة في الشرع ،ودم
االستحاضة ما له مدة يوقف عندها ،والحيض يمنع من الصالة والصيام والوطء والطواف«
يض »وال يجتنب من الحائض إال موضع الدم خاصة« َوال ت َ ْق َربُو ُه َّن فَا ْعت َ ِزلُوا ال ِنهسا َء فِي ْال َم ِح ِ
ط ُه ْرنَ »بسكون الطاء وضم الهاء مخففا ،وقرئ بفتح الطاء والهاء مشددا ،ولذلك قال َحتَّى يَ ْ
بجواز وطء الحائض قبل االغتسال وبعد الطهر المحقق على قراءة من خفف ،ومن قائل بعدم
جوازه على قراءة من شدد وهو محتمل ،وباألول أقول ،ومن أتى امرأته وهي حائض فهو
ّللا يُ ِحبُّ الت َّ َّوابِينَ َويُ ِحبُّ ّللاُ إِ َّن َّ َ ط َّه ْرنَ فَأْتُو ُه َّن ِم ْن َحي ُ
ْث أ َ َم َر ُك ُم َّ عاص وال كفارة عليه« فَإِذا ت َ َ
ّللا يحب التوابين ،التوبة المشروعة هي التوبة من المخالفات ،والتوبة ط ِ هه ِرينَ »إن ه ْال ُمت َ َ
ّللا وقوته ،فليست التوبة الحقيقية هي التبري من الحول والقوة بحول ه
ص 332
ص 336 :
فاّلل يحب التوابين الذين يكثرون المشروعة إال الرجوع من حال المخالفة إلى حال الموافقة ،ه
ّللا ،وأما من رجع إليهّللا إلى ه
الرجوع إليه في كل حال يرضيه ،فالتوابون هم الراجعون من ه
من غيره فهو تائب خاصة ،فإنه ال يرجع إليه من غيره من هذه صفته إال إلى عين واحدة ،
ومن يرجع منه إليه فإنه يرجع إلى أسماء متعددة في عين واحدة ،وذلك هو المحبوب ،ومن
وّللا سبحانه وصف نفسه بالتواب ال التائب ، ّللا كان سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه ،ه أحبه ه
ّللا إال اسمه وصفته ،وأحب العبد عز وجل ،فما أحب هفالتواب صفة الحق تعالى ومن أسمائه ه
ال تصافه بها على حد ما أضافها الحق إليه ،وذلك أن الحق يرجع على عبده في كل حال
ّللا ،وهو المسمى ذنبا ومعصية ومخالفة ،فإذا أقيم يكون العبد عليه مما يبعده من ه
ص 333
ص 337 :
العبد في حق من أساء إليه من أمثاله وأشكاله فرجع عليه باإلحسان إليه والتجاوز عن إساءته
فاّلل معنا على كل حال كما قال َ ( :و ُه َو َمعَ ُك ْم
ّللا ،ه فذلك هو التواب ،ما هو الذي رجع إلى ه
ّللا توابا عليك فيما أسأت من أَيْنَ ما ُك ْنت ُ ْم )فإذا كنت من التوابين على من أساء في حقك ،كان ه
ّللا عباده ،فهو حقه ،فرجع عليك باإلحسان ،فهكذا تعرف حقائق األمور وتفهم معاني خطاب ه
يحب التوابين وهو التواب ،فإنه رأى نفسه فأحبها ،ألنه الجميل فهو يحب الجمال ،فالتواب
ّللا بالموافقات ال يكون إال كذلك ،ال أنهّللا إلى ه من البشر ينتقل في اآلنات مع األنفاس من ه
الراجع من المخالفة إلى الطاعة ،فإن التائب راجع إليه من عين المخالفة ولو رجع ألف مرة
في كل يوم ،فما يرجع إال من المخالفة إلى عين واحدة ،والتواب ليس كذلك ،فالتواب هو
المجهول في الخلق ،ألنه محبوب ،والمحب غيور على محبوبه فستره عن عيون الخلق ،فهم
ّللا بنص كتابه الناطق بالحق الذي العرائس المخدرات خلف حجاب الغيرة ،والتوابون أحباب ه
ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد ،وجاء ذكره لهذه المحبة في
ّللا
التوابين عقب ذكر األذى الذي جعله في المحيض للمناسبة ،وكذلك قال عليه السالم :إن ه
ّللا ،فيرجع ّللا بمن يسيء إليه من عباد ه
يحب كل مفتن تواب ،أي مختبر ،يريد أن يختبره ه
ّللا يختبر عباده بالمعاصي ، عليهم باإلحسان إليهم في مقابلة إساءتهم ،وهو التواب ،ال أن ه
ط ِ هه ِرينَ »التطهير صفة تقديس وتنزيه ،وتطهير ّللا أن يضاف إليه مثل هذا« َويُ ِحبُّ ْال ُمت َ َ
حاشا ه
العبد هو أن يميط عن نفسه كل أذى ال يليق به أن يرى فيه ،وإن كان محمودا بالنسبة إلى
ّللا تعالى ،كالكبرياء غيره وهو مذموم شرعا بالنسبة إليه ،فإذا طهر نفسه من ذلك أحبه ه
والجبروت والفخر والخيالء والعجب ،فمن طهر ذاته عن أن
ص 334
ص 338 :
ّللا ،كما نفى محبته عن كل مختال ترى عليه هذه النعوت في غير مواطنها فهو متطهر ويحبه ه
فخور ،فالمتطهرون هم الذين توالهم الحق من اسمه القدوس بتطهيره ،فتطهيرهم ذاتي ال
فعلي ،وهي صفة تنزيه وهو تعمل في الطهارة ظاهرا وفي الحقيقة ليس كذلك ،ولهذا أحبهم
ّللا فإنها صفة ذاتية له يدل عليها اسمه القدوس ،فأحب نفسه ،والصورة فيهم مثل الصورة في ه
التوابين ،ولهذا قرن بينهما في آية واحدة ،فعيهن محبته لهم ليعلم أن صفة التوبة ما هي صفة
ّللا في حقهما من كونه ما أحب سوى نفسه ، التطهير ،وجاور بينهما ألحدية المعاملة من ه
والمتطهر هو الذي تطهر من كل صفة تحول بينه وبين دخوله على ربه ،ومنها الطهارة
للصالة ،وطهارة القلب بصفات العبودة ،وهي حالة مكتسبة يتعمل لها اإلنسان فإن التفعل
تعمل الفعل ،ثم الكالم في التعمل في ذلك على صورة ما ذكرناه في التواب سواء [- .المرأة
والدم ]
إشارة واعتبار -المرأة تقابل النفس في االعتبار ،وقد أجمعوا على أن الكذب حيض النفوس ،
ّللا تعالى والكذب
فليكن الصدق على هذا طهارة النفس من هذا الحيض ،وهو الكذب على ه
ّللا عليه وسلم ،وكل كذب متعمد يؤذي ،وكما أن الحيض يمنع من ّللا صلهى ه
على رسول ه
الصالة والصوم والطواف والجماع فاعتباره الكذب في المناجاة وهو أن تكون في الصالة
ّللا في باطنك ،والكذب في الصوم هو عدم إمساك النفس عن الكذب بظاهرك وتكون مع غير ه
،أما الكذب في الطواف فعبارة عن الكذب إلى غير نهاية ألنه دوران ،فهو اإلصرار على
الكذب ،أما اعتبار الكذب في الجماع هو إذا كانت المقدمات كاذبة خرجت النتيجة عن أصل
ّللا عليه وسلم :أيزني المؤمنّللا صلهى ه
فاسد ،وأما اعتبار مباشرة الحائض ،فقد قيل لرسول ه
؟
قال :نعم ،قيل :أيشرب المؤمن ؟ قال :نعم ،قيل :أيسرق المؤمن ؟ قال :نعم ،قيل له :
ّللا وعلى رسوله ، أيكذب المؤمن ؟ قال :ال ،فأكد أن تجتنب النفس في أفعالها الكذب على ه
والراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،ومن عود نفسه الكذب على الناس يستدرجه الطبع
ّللا ،فإن الطبع يسرقه ،وأما استحاضة النفس فهو الكذب لعلة إذا كان المراد
حتى يكذب على ه
به دفع مضرة ع همن ينبغي دفعها عنه بذلك الكذب ،أو استجالب
ص 335
ص 339 :
ص 340 :
ّللا ،حتى لو
منفعة مشروعة مما ينبغي أن يظهر مثل هذا بها وبسببها ،فيكون قربة إلى ه
ّللا ،فكان في عدم منع وطء المستحاضة إشارة إلى أنه الصدق في هذا الموطن كان بعدا عن ه
يمتنع تعليم من تعلم منه أن ال يكذب إال لسبب مشروع وعلة مشروعة ،فإن ذلك ال يقدح في
عدالته ،بل هو نص في عدالته .وأما االعتبار في االغتسال من الحيض ،فيجب تطهير القلب
من لمة الشيطان [ الحيض ركضة من الشيطان ] إذا نزلت به ومسه في باطنه ،وتطهيرها
بلمة الملك [.
ص 336
ص 341 :
وخشي عليك الحنث.
ص 337
ص 342 :
ص 343 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 225
ور َح ِلي ٌم سبَتْ قُلُوبُ ُك ْم َو ه
ّللاُ َ
غف ُ ٌ ّللاُ ِبالله ْغ ِو ِفي أ َ ْيما ِن ُك ْم َول ِك ْن يُ ِ
ؤاخذُ ُك ْم ِبما َك َ ؤاخذُ ُك ُم ه
ال يُ ِ
) ( 225
باّلل ،وما عدا ذلك من األقسام فهو ساقط ما ينعقد به يمين في المقسوم عليه ،ولهذا ال قسم إال ه
ّللاُ ِباللَّ ْغ ِو فِي أَيْمانِ ُك ْم »واللغو الساقط ،فمعناه ال يؤاخذكم ه
ّللا باأليمان ؤاخذُ ُك ُم َّ
قال تعالى «:ال يُ ِ
ت قُلُوبُ ُك ْم ؤاخذُ ُك ْم ِبما َك َ
سبَ ْ التي أسقط الكفارة فيها إذا حنثتم« َول ِك ْن يُ ِ
ص 338
ص 344 :
ور َح ِلي ٌم »الحليم هو القادر على األخذ فيؤخر األمر ،ويمهل العبد وال يهمله ،وإنما غف ُ ٌ
ّللاُ َ
َو َّ
يؤخره ألجل معدود وال يمحوه ،ألنه يبدله بالحسنى فيكسوه حلة الحسن وهو هو بعينه ،
ّللا وكرمه على عبيده ،ولهذا وصف الذنوب بالمغفرة وهي الستر ،وما وصفها ليظهر فضل ه
ور َح ِلي ٌم »وال حليم إال أنغف ُ ٌ
ّللاُ َ
بذهاب العين ،وإنما يسترها بثوب الحسن ،لهذا قال َ «:و َّ
يكون ذا اقتدار ،فإن صاحب العجز عن إنفاذ اقتداره ال يكون حليما.
ص 339
ص 345 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 226إلى 227
ور َر ِحي ٌم ( َ ) 226و ِإ ْن ّللا َ
غفُ ٌ ص أ َ ْربَعَ ِة أ َ ْ
ش ُه ٍر فَ ِإ ْن فا ُؤ فَ ِإ هن ه َ ون ِم ْن نِسائِ ِه ْم ت َ َربُّ ُ ِللهذ َ
ِين يُ ْؤلُ َ
ع ِلي ٌم ) ( 227 س ِمي ٌع َ ّللا َق فَ ِإ هن ه َ
طل َع ََز ُموا ال ه
لما علم سبحانه أن االفتراق ال بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس ،شرع
الطالق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم ،محمودين غير مذمومين إرغاما للشياطين
ّللا حالال أبغضّللا عليه وسلم قال :ما خلق ه ،ومع هذا فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلهى ه
إليه من الطالق.
ص 340
ص 346 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 228
حام ِه هن ِإ ْنّللاُ فِي أ َ ْر ِ وء َوال يَ ِح ُّل لَ ُه هن أ َ ْن يَ ْكت ُ ْم َن ما َخلَ َ
ق ه س ِه هن ثَلثَةَ قُ ُر ٍ ْن ِبأ َ ْنفُ ِ
َوا ْل ُم َطلهقاتُ يَت َ َربهص َ
ق ِب َر ِ هد ِه هن فِي ذ ِلكَ ِإ ْن أَرادُوا ِإصْلحا ً َولَ ُه هن ِمثْ ُل اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َوبُعُولَت ُ ُه هن أ َ َح ُّ
ك هُن يُ ْؤ ِم هن ِب ه ِ
يز َح ِكي ٌم ( ) 228 ّللاُ ع َِز ٌ علَ ْي ِه هن د ََر َجةٌ َو ه لرجا ِل َ وف َو ِل ِ ه علَ ْي ِه هن ِبا ْل َم ْع ُر ِ الهذِي َ
علَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ » ] لرجا ِل َ [ « َو ِل ِ ه
علَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ »اعلم أن لرجا ِل َ
القرء من ألفاظ األضداد ،ينطلق على الحيض والطهر َ «. . .و ِل ِ ه
اإلنسانية لما كانت حقيقة جامعة للرجل والمرأة ،لم يكن للرجال على النساء درجة
ص 341
ص 347 :
من حيث اإلنسانية ،ففضل الذكور على اإلناث مفاضلة عرضية ال ذاتية ،وإنما كانت الدرجة
هي أن حواء منفعلة عن آدم مستخرجة متكونة من الضلع القصير ،والمنفعل ال يقوى قوة
الفاعل ،فقصرت بذلك أن تلحق بدرجة من انفعلت عنه ،فال تعلم من مرتبة الرجل إال حد ما
خلقت منه وهو الضلع ،فقصر إدراكها عن حقيقة الرجل ،فبهذا القدر يمتاز الرجال عن
النساء ،ولهذا كانت النساء ناقصات العقل عن الرجال ،ألنهن ما يعقلن
ص 342
ص 348 :
إال قدر ما أخذت المرأة من خلق الرجل في أصل النشأة ،وأما النقصان في الدين فيها فإن
الجزاء على قدر العمل ،والعمل ال يكون إال عن علم ،والعلم على قدر قبول العالم ،وقبول
العالم على قدر استعداده في نشأته ،واستعدادها ينقص عن استعداد الرجل ألنها جزء منه ،
فال بد أن تتصف المرأة بنقصان الدين عن الرجل ،وقد تبلغ المرأة من الكمال درجة الرجل ،
ّللا قبل عقل المرأة ألنه
غير أن الغالب فضل عقل الرجل على عقل المرأة ،ألنه عقل عن ه
تقدمها في الوجود ،واألمر اإللهي ال يتكرر ،فالمشهد الذي حصل للمتقدم ال سبيل أن يحصل
ّللا لما
للمتأخر ،فالمرأة أنقص درجة من الرجل ،وتلك درجة اإليجاد ألنها وجدت عنه ،فإن ه
خلق آدم وكان قد سبق في علم الحق إيجاد التوالد والتناسل -والنكاح في هذه الدار إنما هو
لبقاء النوع -استخرج من ضلع آدم من القصيرى حواء ،فقصرت بذلك عن درجة الرجل كما
قال تعالى ،فما تلحق بالرجال أبدا ،فآدم أصل لحواء ،فصح لألب األول الدرجة عليها لكونه
أصال لها ،فالدرجة درجة االنفعال فإنها لما انفعلت عنه كان له عليها درجة السبق ،وكل أنثى
ّللا صلهى
من سبق ماء المرأة ماء الرجل وعلوه على ماء الرجل ،هذا هو الثابت عن رسول ه
ّللا عليه وسلم فاعلم ذلك ،فللرجال عليهن درجة فإن الحكم لكل أنثى بماء أمها ،وهنا سر
ه
عجيب دقيق روحاني من أجله كان النساء شقائق الرجال ،فخلقت المرأة من شق
ص 343
ص 349 :
الرجل ،فهو أصلها ،فله عليها درجة السببية ألنها عنه تولدت ،فلم تزل الدرجة تصحبه
عليها في الذكورة على األنوثة ،وإن كانت األم سببا في وجود االبن فابنها يزيد عليها بدرجة
الذكورة ألنه أشبه أباه من جميع الوجود ،فال تقل هذا مخصوص بحواء ،فكل أنثى كما
أخبرتك من مائها أي من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل ،وكل ذكر من سبق ماء الرجل
وعلوه على ماء األنثى ،فليست المرأة بكفء للرجل ،فإن المنفعل ما هو كفؤ لفاعله ،وحواء
منفعلة عن آدم فله عليها درجة الفاعلية ،فليست له بكفء من هذا الوجه ،ولقوله تعالى «:
علَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ »ولم يجعل عيسى عليه السالم منفعال عن مريم حتى ال يكون الرجل لرجا ِل َ
َو ِل ِ ه
منفعال عن المرأة كما كانت حواء عن آدم ،فتمثل لها جبريل أو الملك بشرا سويا ،وقال لها :
غالما ا زَ ِكيًّا )فوهبها عيسى عليه السالم ،فكان انفعال عيسى عن
َب لَ ِك ُ ( أَنَا َر ُ
سو ُل َر ِبه ِك ِألَه َ
الملك الممثل في صورة الرجل ،وإن كان لمريم درجة فعلى عيسى ال على الرجال ،فالدرجة
ّللا عليه وسلم :كمل من الرجال كثيرون ومن النساء مريم بنت لم تزل باقية ،وأما قوله صلهى ه
عمران وآسية امرأة فرعون ،فاجتمع الرجال والنساء في درجة الكمال ،فاعلم أن فضل
الرجال باألكملية ال الكمالية ،فإن كمال بالنبوة فقد فضل الرجال بالرسالة
ص 344
ص 350 :
والبعثة ،ولم يكن للمرأة درجة البعثة والرسالة ،فالمرأة ناقصة عن الرجل بالدرجة التي
بينهما ،وإن كملت المرأة فما كمالها كمال الرجل ألجل تلك الدرجة ،فمن جعل الدرجة كون
حواء وجدت من آدم فلم يكن لها ظهور إال به فله عليها درجة السببية فال تلحقه فيها أبدا ،
وهذه قضية في عين ،ونقابلها بمريم في وجود عيسى ،فإذا الدرجة ما هي سبب ظهورها عنه
وإنما المرأة محل االنفعال والرجل ليس كذلك ،ومحل االنفعال ال يكون له رتبة أن يفعل ،فلها
يز َح ِكي ٌم »يضع األمور مواضعها وينزلها منازلها -إشارة -ال تسبقك اإلناث ع ِز ٌ
ّللاُ َ
النقص « َو َّ
إلى الحق ،فينلن ذكوريتك وتنال أنوثتهن.
ص 345
ص 351 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 229
سان َوال يَ ِح ُّل لَ ُك ْم أ َ ْن تَأ ْ ُخذُوا ِم هما آت َ ْيت ُ ُمو ُه هن
س ِري ٌح ِب ِإحْ ٍ وف أ َ ْو ت َ ْ
تان فَ ِإ ْمساكٌ ِب َم ْع ُر ٍ
ق َم هر ِ طل ُ ال ه
علَ ْي ِهما فِي َما ْ
افتَدَتْ ح َّللا فَل ُجنا َ ّللا فَ ِإ ْن ِخ ْفت ُ ْم أَاله يُ ِقيما ُحدُو َد ه ِ
ش ْيئا ً ِإاله أ َ ْن يَخافا أَاله يُ ِقيما ُحدُو َد ه ِ
َ
ون ) ( 229 ظا ِل ُم َ ّللا فَأُول ِئكَ ُه ُم ال ه
ّللا فَل ت َ ْعتَدُوها َو َم ْن يَتَعَ هد ُحدُو َد ه ِ
ِب ِه ِت ْلكَ ُحدُو ُد ه ِ
من قال بالرجعة بعد ما طلق فما طلق ،وكان صاحب شبهة فيما نطق أنه به تحقق ،وإن لم
يكن كذلك فهو أخرق ،الطالق الرجعي رحمة بالجاهل الغبي ،ولو قلنا في الرجال
ص 346
ص 352 :
ّللا من االتفاق ،فإنه نكاح جديد ولذلك بالرجعة في الطالق ،خرقنا في ذلك ما جاء به أهل ه
يحتاج إلى شهود أو ما يقوم مقام الشهود ،من حركة ال تصح إال من مالك غير مطلق ،وكذا
ّللا فقد ّللا فَأُولئِ َك ُه ُم َّ
الظا ِل ُمونَ »[ من يتعدى حدود ه هو عند كل محقق َ «. . .و َم ْن يَتَعَ َّد ُحدُو َد َّ ِ
ظلم نفسه ]
ّللا فقد ظلم نفسه ،ألن لنفسه حدا تقف عنده ،وهي -إشارة -من يتعدى حدود ه
ص 347
ص 353 :
ّللا هو الذي يكون له ،فإذا دخل العبد عليه في نفسها ،وذلك الحد هو عين عبوديتها ،وح هد ه
ّللا فأولئك هم الظالمون ،ألن ّللا ،ومن يتع هد حدود ه ّللا فقد تعدى حدود ه في نعت الربوبية وهو ه
حد الشيء يمنع ما هو منه أن يخرج منه وما ليس منه أن يدخل فيه [.سورة البقرة ( : ) 2
اآليات 230إلى ] 231
علَ ْي ِهما أ َ ْن يَتَرا َجعا إِ ْن طلَّقَها فَال ُجنا َح َ غي َْرهُ فَإِ ْن َ طلَّقَها فَال ت َ ِح ُّل لَهُ ِم ْن بَ ْع ُد َحتَّى ت َ ْن ِك َح زَ ْوجا ا َ فَإِ ْن َ
طلَّ ْقت ُ ُم ال ِنهسا َء فَبَلَ ْغنَ
ّللا يُبَ ِيهنُها ِلقَ ْو ٍم يَ ْعلَ ُمونَ ( َ ) 230وإِذا َ ّللا َوتِ ْل َك ُحدُو ُد َّ ِظنَّا أ َ ْن يُ ِقيما ُحدُو َد َّ ِ َ
ضرارا ا ِلت َ ْعتَدُوا َو َم ْن يَ ْفعَ ْل س ِ هر ُحو ُه َّن بِ َم ْع ُروفٍ َوال ت ُ ْم ِس ُكو ُه َّن ِ أ َ َجلَ ُه َّن فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن بِ َم ْع ُروفٍ أ َ ْو َ
علَ ْي ُك ْم َوما أ َ ْنزَ َل َ
علَ ْي ُك ْم ِمنَ ت َّ ِ
ّللا َ ّللا ُه ُزوا ا َوا ْذ ُك ُروا نِ ْع َم َ
ت َّ ِ سهُ َوال تَت َّ ِخذُوا آيا ِ ظلَ َم نَ ْف َ
ذ ِل َك فَقَ ْد َ
ع ِلي ٌم ( َ «) 231و َم ْن يَ ْفعَ ْل ذ ِل َك ش ْيءٍ َ ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا ِب ُك ِهل َ ظ ُك ْم ِب ِه َواتَّقُوا َّ َب َو ْال ِح ْك َم ِة يَ ِع ُ ْال ِكتا ِ
سهُ »ومن ظلم نفسه كان لغيره أظلم َ «. . .وا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
ّللا ظلَ َم نَ ْف َ
فَقَ ْد َ
ص 348
ص 354 :
ع ِلي ٌم »فيعمل بعلمه ،فما علم أنه يكون كونه ،وما علم أنه ال يكون لم يكونه ،فكان بِ ُك ِهل َ
ش ْيءٍ َ
عمله بعلمه.
ص 249
ص 355 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 232إلى 233
ضلُو ُه هن أ َ ْن يَ ْنكِحْ َن أ َ ْزوا َج ُه هن ِإذا تَرا َ
ض ْوا بَ ْينَ ُه ْم َو ِإذا َطله ْقت ُ ُم ال ِنهسا َء فَبَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه هن فَل ت َ ْع ُ
اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر ذ ِل ُك ْم أ َ ْزكى لَ ُك ْم َوأ َ ْط َه ُر َو ه
ّللاُ كان ِم ْن ُك ْم يُ ْؤ ِم ُن ِب ه ِ ظ ِب ِه َم ْن َ ع ُ وف ذ ِلكَ يُو َ ِبا ْل َم ْع ُر ِ
كاملَ ْي ِن ِل َم ْن أَرا َد أ َ ْن يُ ِت هم
ون ( َ ) 232وا ْلوا ِلداتُ يُ ْر ِض ْع َن أ َ ْوال َد ُه هن َح ْولَ ْي ِن ِ يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُم َ
ار
ض ه سعَها ال ت ُ َ س إِاله ُو ْف نَ ْف ٌ علَى ا ْل َم ْولُو ِد لَهُ ِر ْزقُ ُه هن َو ِك ْ
س َوت ُ ُه هن بِا ْل َم ْع ُر ِ
وف ال ت ُ َكله ُ الرضاعَةَ َو َ ه
راض ِم ْن ُهما ث ِمثْ ُل ذ ِلكَ فَ ِإ ْن أَرادا فِصاالً ع َْن ت َ ٍ علَى ا ْل ِ
وار ِ وا ِل َدةٌ بِ َولَدِها َوال َم ْولُو ٌد لَهُ بِ َولَ ِد ِه َو َ
سله ْمت ُ ْم ما علَ ْي ُك ْم إِذا َ
ح َست َ ْر ِضعُوا أ َ ْوال َد ُك ْم فَل ُجنا َ علَ ْي ِهما َوإِ ْن أ َ َر ْدت ُ ْم أ َ ْن ت َ ْح َشاو ٍر فَل ُجنا َ َوت َ ُ
ير ( ) 233 ون بَ ِص ٌ ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
ّللا ِبما ت َ ْع َملُ َ وف َواتهقُوا ه َ آت َ ْيت ُ ْم ِبا ْل َم ْع ُر ِ
س ِإ َّال ُو ْسعَها »النفس هنا عبارة عن إكمال الحس ،ألن النفس المعنوية « ال ت ُ َكلَّ ُ
ف نَ ْف ٌ
ص 350
ص 356 :
ال كلفة عليها إال إذا كانت صاحبة غرض ،فكلفت بما ال غرض لها فيه ،ولهذا لم يعذر
ص 351
ص 357 :
اإلنسان من حيث نفسه ،ويعذر من حيث حسه ،لخروج ذلك عن طاقته في المعهود.
ص 352
ص 358 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 234إلى 235
عشْرا ً فَ ِإذا بَلَ ْغ َن أ َ َجلَ ُه هن ش ُه ٍر َو َ س ِه هن أ َ ْربَعَةَ أ َ ْ ْن ِبأ َ ْنفُ ِون أ َ ْزواجا ً يَت َ َربهص َ ِين يُت َ َوفه ْو َن ِم ْن ُك ْم َويَذَ ُر َ
َوالهذ َ
ح
ير ( َ ) 234وال ُجنا َ ون َخ ِب ٌّللاُ ِبما ت َ ْع َملُ َ وف َو ه س ِه هن ِبا ْل َم ْع ُر ِ علَ ْي ُك ْم فِيما فَعَ ْل َن فِي أ َ ْنفُ ِ
ح َ فَل ُجنا َ
ست َ ْذ ُك ُرونَ ُه هن َول ِك ْنّللاُ أَنه ُك ْم َ س ُك ْم َ
ع ِل َم ه ساء أ َ ْو أ َ ْكنَ ْنت ُ ْم ِفي أ َ ْنفُ ِ
ضت ُ ْم ِب ِه ِم ْن ِخ ْطبَ ِة ال ِنه ِ علَ ْي ُك ْم ِفيما ع هَر ْ
َ
تاب أ َ َجلَهُ
ع ْق َدةَ ال ِنهكاحِ َحتهى يَ ْبلُ َغ ا ْل ِك ُ س ًّرا إِاله أ َ ْن تَقُولُوا قَ ْوالً َم ْع ُروفا ً َوال ت َ ْع ِز ُموا ُ ال تُوا ِعدُو ُه هن ِ
ور َح ِلي ٌم ) ( 235 غفُ ٌ س ُك ْم فَاحْ ذَ ُروهُ َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
ّللا َ ّللا يَ ْعلَ ُم ما فِي أ َ ْنفُ ِ
َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
َ ". . .ول ِك ْن ال تُوا ِعدُو ُه َّن ِس ًّرا »عبر عن النكاح بالسر في اللسان لما فيه من األسرار
كاح »العقد عبارة عما يقع المكتومة المستورة« ِإ َّال أ َ ْن تَقُولُوا قَ ْو اال َم ْع ُروفا ا َوال ت َ ْع ِز ُموا ُ
ع ْق َدة َ ال ِنه ِ
ور َح ِلي ٌم »الحق له االقتدار التام ،لكن من غف ُ ٌ ّللا َعليه رضا الزوجين َ «. . . .وا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
نعوته اإلمهال والحلم والتراخي بالمؤاخذة ال اإلهمال ،فإذا أخذ لم يفلت ،وزمان عمر
ص 353
ص 359 :
ّللا
الحياة الدنيا زمان الصلح واستدراك الفائت والجبر بمن قام بمصالح األمور المرضية عند ه
تعالى المسماة خيرا الموافقة لما نزلت به الشرائع ،فهو حليم ال يعجل لعدم المؤاخذة مع
االقتدار ،فإمهاله العبد المستحق لألخذ إلى زمان األخذ ،حبس عن إرسال األخذ في زمان
االستحقاق ،فكل عبد استحق العقاب على مخالفته لما جاء الرسول إليه به فقد أمهله
ص 354
ص 360 :
ّللا وما أخذه ،وهو تحت حكم سلطان االسم الحليم ،فهو كالمهمل فال يدري هل تسبق له ه
العناية بالمغفرة والعفو قبل إقامة الحد اإللهي عليه بالحكم ،أو يؤخذ فيقام عليه حدود جناياته
ّللا السابق إما مغفور له وإما مؤاخذ بما جنى على نفسه ،فهوإلى أجل معلوم ،فإنه في علم ه
على خطر وعلى غير علم بما سبق له في الكتاب الماضي الحكم ،وكفى بالترقب للعارف
العاصي الممهل الذي هو في صورة المهمل عذابا في حقه ،ألنه ال يدري ما عاقبة األمر فيه .
ص 355
ص 361 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 238
ين ) ( 238 سطى َوقُو ُموا ِ ه ِ
َّلل قانِتِ َ صل ِة ا ْل ُو ْ صلَوا ِ
ت َوال ه علَى ال ه حافِ ُ
ظوا َ
ّللا هذه اآلية بين آيات نكاح وطالق وعدة وفاة تتقدمها وتتأخر عنها وغير ذلك مما ال جعل ه
مناسبة في الظاهر بينهما وبين الصالة ،وإن آية الصالة لو زالت من هذا الموضع
ص 356
ص 362 :
واتصلت اآلية التي بعدها باآليات التي قبلها لظهر التناسب لكل ذي عينين ،ففي ظاهر األمر
أن هذا ليس موضعها ،وما في الظاهر وجه مناسب للجمع بينها وبين ما ذكرناه ،وقد جعل
ّللا ذلك موضعها لعلمه بما ينبغي في األشياء ،فإن الحكيم من يعمل ما ينبغي لما ينبغي كما
ه
ينبغي ،وإن جهلنا نحن صورة ما ينبغي في ذلك فالمناسبة ث هم ولكن في غاية الخفاء ،فإن
أمعنت النظر وجدت أن هناك مناسبة بين الصالة والنكاح ،فإن الصالة تقع بين طرفي إحرام
وتحليل ،وكذلك النكاح يقع بين طرفي تحليل وتحريم ،فكانت المناسبة بين الصالة والنكاح
كونهما بين طرفي تحريم وتحليل ،متقدم أو متأخر ،فكانت المناسبة بين هذه اآليات
ص 357
ص 363 :
صالةِ ْال ُوسْطىت »وليس سوى هذه الخمس الموقتة المعينة المكتوبة« َوال َّ صلَوا ِ
علَى ال َّ ظوا َ حافِ ُ
راجع إيجاز البيان
« َوقُو ُموا ِ َّ ِ
ّلل قانِتِينَ »القيام تعظيم هّلل ولقيوميته التي ال تنبغي إال له امتثاال ألمره« قانِتِينَ
»خاضعين طائعين ،فالقنوت ال يكون إال هّلل ،أي من أجله ال من أجل أجر أو أمر آخر ،فإنه
أعظم من األجر ،لذلك لم يسم أجرا على
ص 358
ص 364 :
القنوت ،فالقيام هّلل ،نعت الحليم األواه ،لوال قيامه ما رمي في النار ،وال انخرقت العادة في
األبصار ،هي نار في أعين األنام ،وهي على الخليل برد وسالم ،فهو عندهم في عذاب مقيم
،وهو في نفسه في جنة ونعيم ،لما هبت عليه األنفاس ،كان كأنه في ديماس.
ص 369
ص 365 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 239إلى 242
ون ) ( 239 عله َم ُك ْم ما لَ ْم تَكُونُوا ت َ ْعلَ ُم َّللا كَما َ
اذك ُُروا ه َ فَ ِإ ْن ِخ ْفت ُ ْم فَ ِرجاالً أ َ ْو ُر ْكبانا ً فَ ِإذا أ َ ِم ْنت ُ ْم فَ ْ
غ ْي َر إِ ْخراجٍ فَ ِإ ْن ون أ َ ْزواجا ً َو ِصيهةً ِأل َ ْز ِ
واج ِه ْم َمتاعا ً إِلَى ا ْل َح ْو ِل َ ِين يُت َ َوفه ْو َن ِم ْن ُك ْم َويَذَ ُر َ َوالهذ َ
يز َح ِكي ٌم ( ) 240 ّللاُ ع َِز ٌ
وف َو ه س ِه هن ِم ْن َم ْع ُر ٍعلَ ْي ُك ْم فِي ما فَعَ ْل َن فِي أ َ ْنفُ ِ ح َ َخ َرجْ َن فَل ُجنا َ
ّللاُ لَ ُك ْم آياتِ ِه لَعَله ُك ْم ت َ ْع ِقلُ َ
ون ين ( ) 241كَذ ِلكَ يُبَ ِيه ُن ه علَى ا ْل ُمت ه ِق َ وف َحقًّا َ ع ِبا ْل َم ْع ُر ِ ت َمتا ٌ َو ِل ْل ُم َطلهقا ِ
) .( 242
فإن العاقل يستبرئ لنفسه ،فإن كان عالما حكم بما علم ،وإن لم يكن عالما بتلك الواقعة ما
حكمها حكم عليه عقله أن يسأل من يدري الحكم اإللهي المشروع في تلك النازلة ،فإذا عرفه
حكم فيها ،فهذا فائدة العقل ،فإن كثيرا ممن ينتمي إلى الدين والعلم الرسمي تحكم
ص 360
ص 366 :
شهوتهم عليهم ،والعاقل ليس كذلك ،فإن العقل يأبى إال الفضائل ،فإنه يقيد صاحبه عن
التصرف فيما ال ينبغي ،ولهذا سمي عقال من العقال ،وقوة العقل والدليل الواضح قاما للعقل
على تصديق الرسول الذي بعثه إلينا في إخباره الذي يخبر به عن ربه بما يكون منه سبحانه
ص 361
ص 367 :
في خلقه ،وبما يكون عليه سبحانه في نفسه ومما يصف به نفسه مما يحيله عليه العقل إذا
انفرد بدليله دون الشارع ،فالعاقل الحازم يقف ذليال مشدود الوسط في خدمة الشرع ،قابال
لكل ما يخبر به عن ربه سبحانه وتعالى مما يكون عليه ومنه [.سورة البقرة ( : ) 2آية 243
]
ّللاُ ُموتُوا ث ُ َّم أ َ ْحيا ُه ْم إِ َّن
ت فَقا َل لَ ُه ُم َّ ِيار ِه ْم َو ُه ْم أُلُ ٌ
وف َحذَ َر ْال َم ْو ِ أ َ لَ ْم ت َ َر إِلَى الَّذِينَ خ ََر ُجوا ِم ْن د ِ
اس ال يَ ْش ُك ُرونَ ) ( 243 اس َول ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ
علَى النَّ ِ ض ٍل َ ّللا لَذُو فَ ْ
َّ َ
المراد هنا الفضل العام والخاص لما كان الناس يفضل بعضهم بعضا والرسل تفضل بعضهم
اس ال يَ ْش ُك ُرونَ »فإن عين الشكر عين النعم ،ومن النعم دفع النقم ،كم بعضا« َول ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ
نعمة هّلل أخفاها شدة ظهورها ،واستصحاب كرورها على المنعم عليه ومرورها ،وهم في
غفلة معرضون ،ولكن أكثر الناس ال يعلمون ،بل ال يشعرون بل ال يشكرون.
ص 362
ص 368 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 244إلى 245
ّللا قَ ْرضا ً
ض هَ ع ِلي ٌم ) َ ( 244م ْن ذَا الهذِي يُ ْق ِر ُ س ِمي ٌع َ ّللا َوا ْعلَ ُموا أ َ هن ه َ
ّللا َ س ِبي ِل ه ِ َوقاتِلُوا فِي َ
ون ) ( 245 ص ُ
ط َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُ َ ض َويَ ْب ُ ّللاُ يَ ْق ِب ُ
يرةً َو ه ضعافا ً َكثِ َ سنا ً فَيُضا ِعفَهُ لَهُ أ َ ْ
َح َ
ّللا منك القرض وأنت فقالت طائفة من اليهود إن رب محمد يطلب منها القرض ،وما طلب ه
تعلم أنه ما طلبه منك إال ليعود به وبأضعافه عليك من جهة من تعطيه إياه من المخلوقين ،فمن
ّللا هي
ّللا ،وليس الحسن في القرض إال أن ترى يد ه ّللا فإنما أقرض ه أقرض أحدا من خلق ه
القابضة لذلك القرض ال غير ،فتعلم عند ذلك في يد من جعلت ذلك ،وهو الحفيظ الكريم ،
وما خرج عن الملك شيء حتى يحكم فيه القبض ،وإنما يقال ذلك بالفرض ،ما خرج شيء
عنه ،فالكل به وإليه ومنه ،الحق له الغنى ،ومن أقرضه بلغ المنى ،ودع اللجاج ،فما هو
محتاج ،أنت من جملة خزائنه ،فما خرج الشيء عن معادنه ،فما أعطى إال من خزانته ،لما
وّللا يقبض ويبسط » إن أعطته حقيقة مكانته ،وحصلت أنت على األجر ،إن فهمت األمر « ه
هّلل يدين مباركتين مبسوطتين فيهما الرحمة ،فلم يقرن بهما شيئا من العذاب ،فيعطي رحمة
يبسطها ويعطي رحمة يقبضها ،فإن القبض ضم إليه ،والبسط
ص 363
ص 369 :
ّللا « » : 1 وّللا يقبض بمنع غضبه ،ويبسط ببسط رحمته ،ويقول أبو عبد ه
انفساح فيه ،ه
وّللا يقبض القرض ،ويبسط األجر ،واعلم أن الفرق بين الحضرتين القبض والبسط ،أن
ه
القبض ال يكون أبدا إال عن بسط ،والبسط قد يكون عن قبض وقد يكون ابتداء ،فاالبتداء سبق
الرحمة اإللهية الغضب اإللهي ،والرحمة بسط ،والغضب قبض ،والبسط الذي يكون بعد
ّللا بها عباده بعد وقوع العذاب بهم ،فهذا بسط بعد قبض ،وهذا
قبض كالرحمة التي يرحم ه
ص 364
ص 370 :
ّللا على بصيرة
لبسط الثاني محال أن يكون بعده ما يوجب قبضا يؤلم العبد ،ومن يدعو إلى ه
يدعو من باب البسط من يعلم أن البسط يعين على اإلجابة من المدعو ،ويدعو من باب
ص 365
ص 371 :
ص 372 :
القبض من يعلم أن القبض يعين على إجابة المدعو ،فيدعو بالقبض والبسط ،فإنه يراعي
المصلحة ويدفع بالتي هي أحسن في حق المدفوع عنه وفي حق نفسه ،والبسط مطلب النفوس
فليحذر غوائلها« َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ » .
ص 366
ص 373 :
ّللاُ وا ِس ٌع
إحاطته ،قرن معه السعة ،واشتق له اسما منها كما اشتق من العلم ،فقال تعالى «َ :و َّ
ع ِلي ٌم »فإن الحق له االتساع الذي ال ينبغي إال له ،واالسم الواسع من أعظم األسماء إحاطة ،
َ
ص 367
ص 374 :
وهو االسم الذي يتضمن األسماء اإللهية التي تطلبها األكوان كلها التساعه ،وهي أكثر من أن
تحصى كثرة.
ص 368
ص 375 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 248
س ِكينَةٌ ِم ْن َر ِبه ُك ْم َوبَ ِقيهةٌ ِم هما ت َ َركَ آ ُل ُموسى َوقا َل لَ ُه ْم نَ ِبيُّ ُه ْم ِإ هن آيَةَ ُم ْل ِك ِه أ َ ْن يَأْتِيَ ُك ُم التهابُوتُ فِي ِه َ
ين ) ( 248 ون تَحْ ِملُهُ ا ْل َملئِكَةُ ِإ هن فِي ذ ِلكَ َآليَةً لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُم ْؤ ِمنِ َ هار َ َوآ ُل ُ
ّللا عالمة على حصولها في نفوس من شاء اعلم أن المعاني التي تتصف بها القلوب قد يجعل ه
من عباده أن يحصلها ،فيه عالمات من خارج ،تسمى تلك العالمة باسم ذلك المعنى الذي
ّللا ،وإنما يسميه به ليعلم أن تلك العالمة لحصول هذا المعنى يحصل في نفسه من ه
ص 369
ص 376 :
ّللا قد جعل فيه سكينة ،وهي صورة على نصبت ،مثل قوله تعالى في تابوت بني إسرائيل إن ه
شكل حيوان من الحيوانات ،اختلف الناس في أي صورة حيوان كانت ،وال فائدة لنا في ذكر
ما ذكروه من صورتها ،فكانت تلك الصورة إذا هفت أو ظهرت منها حركة خاصة بصروا ،
فسكن قلبهم عند رؤية تلك العالمة من تلك الصورة التي سماها سكينة ،وأن السكينة المعلومة
إنما محلها القلوب ،ولم يجعل لهذه األمة المحمدية عالمة خارجة عنهم على حصولها ،فليس
لهم عالمة في قلوبهم سوى حصولها ،فهي الدليل على نفسها ،ما تحتاج إلى دليل من خارج
كما كان في بني إسرائيل.
ص 370
ص 377 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 249
س ِم ِنهي َو َم ْن لَ ْم يَ ْطعَ ْمهُ ب ِم ْنهُ فَلَ ْي َّللا ُم ْبت َ ِلي ُك ْم ِبنَ َه ٍر فَ َم ْن ش َِر َ
ص َل طالُوتُ ِبا ْل ُجنُو ِد قا َل ِإ هن ه َ فَلَ هما فَ َ
ِين آ َمنُوا غ ْرفَةً ِبيَ ِد ِه فَش َِربُوا ِم ْنهُ ِإاله قَ ِليلً ِم ْن ُه ْم فَلَ هما َ
جاو َزهُ ُه َو َوالهذ َ ف ُ فَ ِإنههُ ِم ِنهي ِإاله َم ِن ا ْغت َ َر َ
ون أَنه ُه ْم ُملقُوا ه ِ
ّللا َك ْم ِم ْن ِفئ َ ٍة قَ ِليلَ ٍة ظنُّ َ َمعَهُ قالُوا ال طاقَةَ لَنَا ا ْليَ ْو َم ِبجالُوتَ َو ُجنُو ِد ِه قا َل الهذ َ
ِين يَ ُ
ين ) ( 249 صابِ ِر َ ّللاُ َم َع ال ه
ّللا َو ه غلَبَتْ فِئَةً َكثِ َ
يرةً بِ ِإ ْذ ِن ه ِ َ
ّللا ،ألن ّللا في األرض ،ما قام بأحد وال اتصف به إال نصره ه من ذلك يعلم أن الصدق سيف ه
ّللا المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على الصدق نعته والصادق اسمه ،فينصر ه
ص 371
ص 378 :
ّللا يخذله على قدر ما دخله من الخلل ،أي مؤمن كان من من دخله خلل في إيمانه ،فإن ه
المؤمنين ،فالمؤمن الكامل اإليمان منصور أبدا ،ولهذا ما انهزم نبي قط وال ولي ،أال ترى
ّللا ،ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم ّللا عنهم توحيد ه
يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي ه
ّللا عند ذلك ،فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ،مع كون الصحابة مؤمنين بال شك ،ولكن فنسوا ه
ّللا ت فِئَةا َكثِ َ
يرة ا بِإِ ْذ ِن َّ ِ غلَبَ ْ
ّللا« َك ْم ِم ْن فِئ َ ٍة قَ ِليلَ ٍة َ
دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ،ونسوا قول ه
ّللا [-اال من اغترف ّللا هنا إال للغلبة فأوجدها ،فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن ه »فما أذن ه
غرفة ]
إشارة -لما جرى نهر البلوى ،بين العدوتين الدنيا والقصوى ،وكان االضطرار ،وقع
االبتالء واالختبار ،لما كان الظما ،اختبر اإلنسان بالماء ،فلم يحصل له أمان الغرفة ،إال من
قنع في شربه بالغرفة ،فمن اغترف نال الدرجات ،ومن شرب ليرتوي عمر الدركات ،فما
ارتوى من شرب ،وروي من اغترف غرفة بيده وطرب ،فمن رضي بالقليل ،عاش في ظل
ظليل ،في خير مستقر وأحسن مقيل
ص 372
ص 379 :
ض
ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ
اس بَ ْع َ الشيء المعلوم ،وهم على الحقيقة الرسل واألولياء« َولَ ْو ال َد ْف ُع َّ ِ
ّللا النَّ َ
ض »ولبطلت السنة والفرض . ت ْاأل َ ْر ُ لَفَ َ
س َد ِ
ص 373
ص 380 :
مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا فيما لهم من األخالق الخاصة بهم ،
وهي مائة وسبعة عشر خلقا [،مكانه محمد ( ص ) ]
ّللا تعالى لما خلق وقد جمعها كلها محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،جمعت له عناية أزلية ،فإن ه
الخلق خلقهم أصنافا ،وجعل في كل صنف خيارا ،واختار من الخيار خواصا وهم المؤمنون
،واختار من المؤمنين خواصا وهم األولياء ،واختار من هؤالء الخواص خالصة وهم األنبياء
،واختار من الخالصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ،واختار من النقاوة شرذمة
قليلة هم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم ،واصطفى واحدا من خلقه هو منهم وليس
منهم ،هو المهيمن على جميع الخالئق ،جعله عمدا
ص 374
ص 381 :
أقام عليه قبة الوجود ،جعله أعلى المظاهر وأسناها ،صح له المقام تعيينا وتعريفا ،فعلمه قبل
وجود طينة البشر ،وهو محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،ال يكاثر وال يقاوم ،هو السيد ومن سواه
سوقة ،قال عن نفسه :أنا سيد الناس وال فخر ،بالراء والزاي ،روايتان ،أي أقولها غير
ص 382 :
ص 375
متبجح بباطل ،أي أقولها وال أقصد االفتخار على من بقي من العالم ،وإن كنت أعلى
ض »فمن على بَ ْع ٍ س ُل فَض َّْلنا بَ ْع َ
ض ُه ْم َ المظاهر اإلنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني« تِ ْل َك ُّ
الر ُ
حيث ما هي رسالة فال فضل إذ االسم يعم هذه الحالة ،ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما وقع
ص 383 :
ص 376
التفاضل ،ووقع التفاضل بين الرسل وهم الخلفاء الختالف األزمان واختالف األحوال ،ولهذا
سىت َوآت َيْنا ِعي َ
ض ُه ْم َد َرجا ٍ اختلفت آيات األنبياء باختالف األعصار« ِم ْن ُه ْم َم ْن َكلَّ َم َّ
ّللاُ َو َرفَ َع بَ ْع َ
وح ْالقُد ُِس »فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب ابْنَ َم ْريَ َم ْالبَ ِيهنا ِ
ت َوأَيَّ ْدناهُ بِ ُر ِ
على ذلك الزمان وأحوال علمائه ،أي شيء كان من طب أو سحر
ص 377
ص 384 :
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم جميع ما فضلت به أو فصاحة أو ما شاكل هذا ،وأعطي رسول ه
ّللا به على غيره في الدنيا بما اختص به ،
الرسل بعضهم على بعض ليتبين شرفه وما فضله ه
وفي البرزخ والقيامة والجنة والكثيب وأيد عيسى عليه السالم بالروح ،ألنه ما رقمه قلم في
لوح ،فقذف في الرحم من غير شهوة ،فلم يكن له عن طرح األكوان سلوة.
ص 378
ص 385 :
ص 386 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 254إلى 255
ي يَ ْو ٌم ال بَ ْي ٌع فِي ِه َوال ُخلهةٌ َوال شَفاعَةٌ ِين آ َمنُوا أ َ ْن ِفقُوا ِم هما َر َز ْقنا ُك ْم ِم ْن قَ ْب ِل أ َ ْن يَأْتِ َ
يا أَيُّ َها الهذ َ
سنَةٌ َوال نَ ْو ٌم لَهُ ما ي ا ْلقَيُّو ُم ال تَأ ْ ُخذُهُ ِ ّللاُ ال ِإلهَ ِإاله ُه َو ا ْل َح ُّ ون ( ) 254ه ظا ِل ُم َ ون ُه ُم ال ه َوا ْلكافِ ُر َ
ِيه ْم َوما َخ ْلفَ ُه ْم شفَ ُع ِع ْن َد ُه ِإاله ِب ِإ ْذ ِن ِه يَ ْعلَ ُم ما بَ ْي َن أ َ ْيد ِ ض َم ْن ذَا الهذِي يَ ْ ت َوما ِفي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ِفي ال ه
ظ ُهما ض َوال يَ ُؤ ُدهُ ِح ْف ُ ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا ِ سيُّهُ ال ه س َع ك ُْر ِ ش ْي ٍء ِم ْن ِع ْل ِم ِه إِاله بِما شا َء َو ِ ون بِ َ ط َ َوال يُ ِحي ُ
ي ا ْلعَ ِظي ُم ) ( 255 َو ُه َو ا ْلعَ ِل ُّ
ورد أن آية الكرسي سيدة آي القرآن ،فقد ثبت في األخبار تفاضل سور القرآن وآية بعضه
على بعض في حق القارئ بالنسبة لما لنا فيه من األجر ،فكانت آية الكرسي سيدة آي القرآن ،
ّللا فيها بين مضمر وظاهر في ستة عشر موضعا منها إال آية ألنه ليس في القرآن آية يذكر ه
الكرسي ،ولما كانت اآليات العالمات ،وال شيء أدل على الشيء من نفسه ،وآية الكرسي
كلها أسماؤه وصفاته ،ال يوجد ذلك في غيرها من اآليات ،فدل على نفسه بنفسه ،
[ توحيد ألوهية ]
ّللاُ ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو »فنفى وأثبت بضمير غائب على اسم حاضر له مسمى غيب ،وما فقال َّ «:
ي »صفة شرطية في وجود ما له من نفى الحق إال األلوهة أن تكون نعتا ألكثر من واحد « ْال َح ُّ
األسماء ،فإنه لما لم يتمكن أن يتقدم االسم الحي اإللهي اسم من األسماء اإللهية ،كانت له
رتبة السبق ،فهو المنعوت على الحقيقة باألول ،فكل حي من العالم -وما في العالم إال حي -
فهو فرع عن هذا األصل ،فالحي اسم ذاتي للحق سبحانه ،لم يتمكن أن يصدر عنه إال حي ،
فالعالم كله حي ،إذ عدم الحياة ووجود موجود من العالم غير حي لم يكن له مستند إلهي في
وجوده البتة ،وال بد لكل حادث من مستند « ْالقَيُّو ُم »على كل ما سواه بما كسب ،فإنه أعطى
كل شيء خلقه ،ولما كانت القيومية من لوازم الحي استصحبها في الذكر مع الحي ،قال ه
عز
ُّوم )فكانت القيومية من نعوت الحي ،واستصحبته فال تذكر ي ِ ْالقَي ِ
ت ْال ُو ُجوهُ ِل ْل َح هعنَ ِ
وجل ( َ :و َ
إال معه ،فاالسم القيوم أخو االسم الحي
ص 379
ص 387 :
المالزم له ،فما جاء االسم الحي إال والقيوم معه« ال تَأ ْ ُخذُهُ ِسنَةٌ َوال ن َْو ٌم »صفة تنزيه عما
يناقض حفظ العالم الذي لوال قيوميته ما بقي لحظة واحدة ،فنعت الحق نفسه بصفة التنزيه عن
حكم السنة والنوم ،لما يظهر به من الصور التي يأخذها السنة والنوم ،كما يرى اإلنسان ربه
في المنام على صورة اإلنسان التي من شأنها أن تنام ،فنزه نفسه ووحدها في هذه الصورة
وإن ظهر بها في الرؤيا حيث كانت ،فما هي ممن تأخذها سنة وال نوم ،فهذا هو النعت
األخص بها في هذه اآلية ،وقدم الحي القيوم ألن النوم والسنة ال يأخذ إال الحي القائم ،أي
المتيقظ ،إذ كان الموت ال يرد إال على حي ،فلهذا قيل في الحق إنه الحي الذي ال يموت ،
كذلك النوم والسنة ،والسنة أول النوم كالنسيم للريح ،فإن النوم بخار وهو هواء ،والنسيم
أوله ،والسنة أول النوم ،فال يرد إال على متصف باليقظة ،فهذا توحيد التنزيه عمن من شأنه
ّللا فيه مبتدأ
أن يقبل ما نزه عنه ،هذا الحي القيوم ،وهو توحيد الهوية توحيد االبتداء ،ألن ه
ونعته في هذه اآلية بصفة التنزيه ،فهو تعالى ال يغيبه شهود البرازخ عن شهود عالم الحس
عن شهود عالم المعاني الخارجة عن المواد في حال عدم حصولها في البرازخ وتحت حكمه«
ض »السماوات هنا ت َوما فِي ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ لَهُ »الضمير يعود عليه وهو ضمير غيب« ما فِي ال َّ
ما عال واألرض هو ما سفل ،فله ما في السماوات وما في األرض ملكا له وعبدا ،معين
الحفظ لبقاء الحكم باأللوهة« َم ْن ذَا الَّذِي يَ ْشفَ ُع »شفعية الوتر بالحكم « ِع ْن َدهُ »ضمير غيب« ِإ َّال
ِبإِ ْذ ِن ِه »عدم االستقالل بالحكم دونه ،فال بد من إذنه إذ كان ثم شفيع أو شفعاء ،والشفاعة ال
تقع إال فيمن أتى كبيرة تحول بينه وبين سعادته ،فيعلم ما في السماوات وما في األرض من
الشفعاء والمشفوع فيهم« يَ ْعلَ ُم ما بَيْنَ أ َ ْيدِي ِه ْم »وهو ما هم فيه« َوما خ َْلفَ ُه ْم »وهو ما يؤولون
ش ْيءٍ ِم ْن ِع ْل ِم ِه »باألشياء« ِإ َّال بِما شا َء »منها ال بكلها ،فبيهن الحق في إليه« َوال يُ ِحي ُ
طونَ بِ َ
هذه اآلية أن العقل وغيره ما أعطاه من العلم إال ما شاء ،وما ذكر عن أحد من نبي وال حكيم
أنه أحاط علما بما يحوي عليه حاله في كل نفس نفس إلى موته ،بل يعلم بعضا وال يعلم بعضا
ّللا أودع اللوح المحفوظ علمه عز وجل أوحى في كل سماء أمرها ،وأن ه ّللا ه ،مع علمنا بأن ه
في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة ،ولو سئل اللوح المحفوظ ما فيك أو ما خط القلم فيك
عز وجل ؟ ّللا همن علم ه
ّللا ،
ّللا أودع ذلك كله في نظره لمن هو دونه ،وال يعلم ما يكون عن األثر إال ه ما علم ،فإن ه
فإن األثر
ص 380
ص 388 :
ّللا وحده ،فإن ما يظهر عن النظر بل عن استعداد القابل ،فال يعلم األمور على التفصيل إال ه
ّللا ستر العلوم واألسرار الراجعة إليه تعالى وإلى أسمائه وإلى العالم عن الخلق كلهم ه
بالمجموع ،فال يعلم المجموع وال يعلم واحد من الخلق ،لكن له العلم باآلحاد ،فعند واحد ما
ليس عند اآلخر ،فهو بالمجموع حاصل ال حاصل ،فهو حاصل في المجموع غير حاصل
ش ْيءٍ ِم ْن ِع ْل ِم ِه إِ َّال بِما شا َء »فجاء بباء التبعيض ،فعند عند واحد ،وهو قوله «َ :وال يُ ِحي ُ
طونَ بِ َ
واحد من العلم ما ليس عند اآلخر« َو ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ »قال بعض أهل المعاني يريد العلم ،ونقلوه
ض »إال أنه في هذه ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ
لغة ،فإن الكرسي لغة عبارة عن العلم ،أي وسع علمه« ال َّ
اآلية ليس إال جسم محسوس ،هو في العرش كحلقة ملقاة في فالة ،فهو مخلوق فوق
السماوات ودون العرش ،وهو محصور موجود متناهي األجزاء ،وهو موضع القدمين
الواردتين في الخبر كالعرش الستواء الرحمن ،وله مالئكة قائمون به ،والمراد بالسماوات
ظ ُهما »يعني السماوات وهم العالم األعلى ، واألرض من العلو والسفل« َوال يَ ُؤ ُدهُ »يثقله« ِح ْف ُ
واألرض وهم العالم األسفل ،وما ث هم إال أعلى وأسفل ،فوصف الحق نفسه بأنه لكل شيء
حفيظ ،ألنه حفظ ذاتي معنوي وإمداد غيبي ،وخلق دائم في سفل وعلو« َو ُه َو »ضمير
ي »بغناه عن خلقه من ذاته ،فإن أعلى الموجودات وأعظمها من وجب له الوجود غيب« ْالعَ ِل ُّ
ي »أولى لنفسه استقالال ،وكان له الغنى صفة ذاتية لم يفتقر إلى غيره ،وكان باالسم« ْالعَ ِل ُّ
المعظم اسم فاعل ، ه وأحق« ْالعَ ِظي ُم »في قلوب العارفين بجالله فله الهيبة فيها ،والعظمة حال
المعظم اسم مفعول ،إال أن يكون الشيء يعظم عنده ذاته فعند ذلك تكون العظمة حال ه ال حال
المعظم ألن المعظم اسم فاعل ما عظمت عنده إال نفسه ،فهو من كونه معظما نفسه كانت
الحال صفته ،وما عظم سوى نفسه ،فالعظمة حال نفسه ،وعظمة الحق في القلوب ال توجبها
إال المعرفة في قلوب المؤمنين ،وهي من آثار األسماء اإللهية ،فإن األمر يعظم بقدر ما
ينسب إلى هذه الذات المعظمة من نفوذ االقتدار ،وكونها تفعل ما تريد ،وال راد لحكمها ،وال
يقف شيء ألمرها ،فبالضرورة تعظم في قلب العارف بهذه األمور ،وهي العظمة األولى
الحاصلة لمن حصلت عنده من اإليمان ،والمرتبة الثانية من العظمة هو ما يعطيه التجلي في
قلوب أهل الشهود ،بمجرد التجلي تحصل العظمة في نفس من يشاهده ،وهذه العظمة الذاتية
وال تحصل إال لمن شاهده به ال بنفسه ،وهو الذي يكون الحق بصره ،
ص 381
ص 389 :
وال أعظم من الحق عند نفسه ،فال أعظم من الحق عند من يشهده في تجليه ببصر الحق ال
ّللا ببنية فعيل فقال :
ببصره ،فما أحسن ما جاء هذا االسم ،حيث جاء في كالم ه
«عظيم » وهي ببنية لها وجه إلى الفاعل ،ووجه إلى المفعول ،ولما كان الحق عظيما عند
نفسه ،كان هو المعظم والمعظم ،فأتى بلفظ يجمع الوجهين .
عال الحق في اإلدراك عن كل حادث ....وهل يدرك التنزيه ما قيد الطبع
.....وليس لمخلوق على حمله وسع عاله بها عقال وليس بذاته
عبيد وفي التحقيق رب كصورة .....وليس له ضر وليس له نفع
عظيم على من أو جليل من أجل من ....تعالى فال فطر لديه وال صدع
ّللا فيها ما بين اسم ظاهر ومضمر في ستة عشر موضعا ،ال تجد ذلك وآية الكرسي آية ذكر ه
ّللا الحي القيوم العلي العظيم ،ومنها تسعةفي غيرها من اآليات ،منها خمسة أسماء ظاهرة ه
ضميرها ظاهر ،فهي مضمرة في الظاهر ،ومنها اثنان مضمران في الباطن ال عين لها في
الظاهر ،وهما ضمير العلم والمشيئة ،وكذلك علمه ومشيئته ال يعلمها إال هو ،فال يعلم أحد
ما في علمه وال ما في مشيئته إال بعد ظهور المعلوم بوقوع المراد ال غير ،فلذلك لم يظهر
الضمير فيها ،ومعلوم عند الخاص والعام أن ث هم اسما عاما يسمى االسم األعظم يعمل
بالخاصية ،وهو في آية الكرسي وأول سورة آل عمران ،ومع علم النبي عليه السالم به ما
ّللا ،فلعل الذي دعا به تأدبا باألدب اإللهي ،ألنه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ال يعلم ما في نفس ه
ّللا بغير
يدعو فيه ما له فيه خيرة ،فعدل األنبياء عليهم السالم إلى الدعاء فيما يريدون من ه
االسم الخاص بذلك ،فإن كان هّلل في علمه فيه رضى وللداعي فيه خيرة أجاب في عين ما سئل
عوض الداعي درجات أو تكفيرا في السيئات ،فلهذا ما دعا به صلهى ه
ّللا فيه ،وإن لم يكن ه
ّللا في األشياء ال يبطل ،فلهذا
ّللا في عين ما سأل فيه ،وعلم ه
عليه وسلم ،ولو دعا به أجابه ه
ّللا أهله -بحث في الكرسي -الكرسي على شكل العرش في التربيع ال في القوائم ،وهو أدب ه
في العرش كحلقة ملقاة ،ومقعره على الماء الجامد ،وفي جوف هذا الكرسي جميع المخلوقات
من سماء وأركان ،هي فيه كهو في العرش سواء ،وله مالئكة من المقسمات ،والجسم
المسمى الكرسي تدلت إليه القدمان فهو موضعهما ،وفيه انقسمت الكلمة الرحمانية الواحدة
التي هي في العرش أحدية الكلمة ،إلى رحمة وغضب مشوب برحمة ،فإنه لما تدلت القدمان
ص 382
ص 390 :
استقرت كل قدم في مكان ليس هو المكان الذي استقرت فيه األخرى ،وهو منتهى استقرارها
،فسمي المكان الواحد جهنما واآلخر جنة ،وليس بعدهما مكان تنتقل إليه هاتان القدمان ،
وهاتان القدمان ال يستمدان إال من األصل الذي منه ظهرت وهو الرحمن ،فال يعطيان إال
الرحمة ،فإن النهاية ترجع إلى األصل بالحكم ،غير أنه بين البدء والنهاية طريق ،ميز ذلك
الطريق بين البداية والغاية ،ولوال تلك الطريق ما كان بدء وال غاية ،أال ترى إلى صدق ما
قلناه أن النار ال تزال متألمة لما فيها من النقص وعدم االمتالء ،حتى يضع الجبار فيها قدمه ،
وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي .
ق ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم ش ِر الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ َّن لَ ُه ْم قَ َد َم ِ
ص ْد ٍ والقدم األخرى التي مستقرها الجنة قوله َ ( :وبَ ِ ه
)فاالسم الرب مع هؤالء والجبار مع اآلخرين ،ألنها دار جالل وجبروت وهيبة ،والجنة دار
جمال وأنس وتنزل إلهي لطيف ،فقدم الصدق إحدى قدمي الكرسي ،وهما قبضتان الواحدة
للنار وال يبالي واألخرى للجنة وال يبالي ،ألنهما في المآل إلى الرحمة ،فلذلك ال يبالي فيهما
،ولو كان األمر كما يتوهمه من ال علم له من عدم المباالة ،ما وقع األخذ بالجرائم وال وصف
ّللا نفسه بالغضب وال كان البطش الشديد ،فهذا كله من المباالة والتهمم بالمأخوذ ،إذ لو لم ه
يكن له قدر ما عذب وال استعد له ،وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ،وقيل في
عذابا ا أ َ ِليما ا ). أهل الشقاء (أ َ َ
ع َّد لَ ُه ْم َ
فلوال المباالة ما ظهر هذا الحكم ،والقدمان عبارة عن تقابل األسماء اإللهية ،فبالقدمين أغنى
وأفقر ،وبهما أمات وأحيا ،وبهما أهل وأقفر ،وبهما خلق الزوجين الذكر واألنثى ،وبهما
أذل وأعز ،وأعطى ومنع ،وأضر ونفع ،ولوالهما ما وقع شيء في العالم مما وقع ،
فالقدمان في األسماء اإللهية مثل األول واآلخر والظاهر والباطن ،ومثل ذلك ظهر عنها في
العالم الغيب والشهادة والجالل والجمال ،والقرب والبعد ،والهيبة واألنس ،والدنيا واآلخرة ،
والجنة والنار .من ال تنام له عين وليس له * قلب ينام فذاك الواحد األحدمقامه الحفظ واألعيان
تعبده * وال يقيده طبع وال جسدهو اإلمام وما تسري إمامته * في العالمين فلم يظفر به
أحدكرسيه تخزن األكوان فيه وال * يؤده حفظ شيء ضمه عدد
ص 383
ص 391 :
فالحمد هّلل الذي وسع كرسيه السماوات واألرض ،ووضع فيه ميزان الرفع والخفض ،ودلى
إليه قدمي النهي واألمر ،وصيره طريق روحانيات التدبير في السر والجهر ..
ص 384
ص 392 :
فكون الشخص مؤمنا سبب إخراجه من الظلمات إلى النور ،ولوال أنهم كانوا في ظلمة بالطبع
ّللا
ما امتن عليهم بإخراجهم منها إلى ما أدخل عليهم من نور اليقين ،وكذلك جاء الخبر أن ه
تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره .
فمن أصابه اهتدى ومن أخطأه ضل ،واعلم أن أشد الظلمات ظلمة اإلمكان ،فإنها عين الجهل
ّللا عبده أخرجه من ظلمة الجهل الذي هو اإلمكان ،وليس إال نظره لنفسه المحض ،فإذا تولى ه
معرى عن نظره للذي تواله ،فيخرجه بهذا التولي من ظلمة إمكانه إلى نور وجوب وجوده به
.
باّلل بالدليل النظري ،والمهواة إشارة -هل تعرف من هم أصحاب الظلم ،الناظرون في العلم ه
الشبهة ،فما يحركهم مع هذا إال نعمة اإليمان ،فانتقلوا إلى التقليد ،فتحركوا بنور الشرع
المطهر ،فأبصروا محجة بيضاء ،ال ترى فيها عوجا وال أمتا ،وال تخاف فيها دركا وال
تخشى.
ّللا الطاغوت في قوله «:يُ ْخ ِر ُجونَ ُه ْم »ألن
غوتُ »وما أفرد ه « َوالَّذِينَ َكفَ ُروا أ َ ْو ِليا ُؤ ُه ُم َّ
الطا ُ
األهواء مختلفة ،وأفرد نفسه ألنه واحد ،والطاغوت من طغى ،إذا ارتفع ،فهم يعتقدون في
الطاغوت األلوهية ،فلذلك رفعوه .
ص 385
ص 393 :
أخفى في نفس األمر وأبعد ،وهو أوضح عند الحاضرين.
ّللا
ب »وهو أمر إمكاني فابتلى ه ت ِبها ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ ق فَأ ْ ِ
ش ْم ِس ِمنَ ْال َم ْش ِر ِّللا يَأْتِي ِبال َّ
فقال «:فَإِ َّن َّ َ
ت الَّذِي َكفَ َر
نمروذ لما ادعى ما ليس له من األلوهية بهذا األمر اإلمكاني ،فاختبره« فَبُ ِه َ
»والباهت مقطوع الحجة دارس المحجة ،فقامت الحجة عليه وافتضح كذبه في المسألة األولى
،وهو قوله يحيي ويميت ،فإن البهت عجز ،ومن عجز فقد وقف على حقيقته ،وهو بالبهت
ليس بكافر ألنه علم الحق ،ولوال شروق الشمس ما كان الشرق مشرقا ،فلو أتى بها ،أي لو
شرقت من المغرب لكان مشرقا ،فما شرقت إال من المشرق ،فبهت الكافر وهو موضع
البهت ،ألنه علم أنه حيث كان الشروق لها اتبعه اسم المشرق ،فليس للمغرب سبيل في نفس
األمر ،فما بهت الكافر إال من عجزه كيف يوصل إلى أفهام الحاضرين -مع قصورهم -
موضع العلم فيما جاء به إبراهيم الخليل عليه السالم ،فأظلم عليه األمر وتخبط في نفسه ،
فبهت الذي كفر في أمر إبراهيم ،كيف عدل إلى ما هو أخفى في نفس األمر وأبعد إلقامة
الحجة ،وقامت له الحجة عليه عند قومه ،فكان بهته في هذا األمر المعجز الذي أعمى بصائر
الحاضرين عن معرفة عدوله من األوضح إلى األخفى ،فحصل من تعجبه وبهته في نفوس
الحاضرين عجزه ،وهو كان المراد ،فظهرت حجة إبراهيم الخليل عليه السالم على نمروذ
أمام الحاضرين ،ولم يقدر نمروذ على إزالة ذلك مع ما حصل في قلوب العارفين الحاضرين
من ذلك ،فعلم صدقه ،وإنما نسب الكفر إليه بالمسألة األولى .
ي الَّذِي يُ ْحيِي َويُ ِميتُ »فستره فسمي كافرا ،فلما ارتفع فإنه علم ما أراده الخليل بقوله َ «:ر ِبه َ
الستر كان تجلي األمر على ما هو عليه فأعطي العلم ،فبهت الذي ستر عنه األمر قبل تجليه ،
فآمن به في نفسه وال بد ،وإن لم يتلفظ به ،وكيف يتلفظ به وقد غاب عن اإلحساس بعين ما
ّللا ما هداه . هو به محس ،ولكن ه
ّللاُ ال يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم ْالكا ِف ِرينَ ».
أي ما وفقه لإليمان َ « :و َّ
أي ال يبين لهم في حال سترهم وحجابهم ،فإن اإلبانة بالعلم ترفع ستور الجهل بذلك المعلوم ،
ّللا كون النمروذ بهت فيما له فيه ،مقال وإن كان فاسدا ،ألنه لو قاله قيل له فقد واإلعجاز من ه
كانت الشمس طالعة من المشرق وأنت لم تكن ،وأكذبه من تقدمه بالسن على البديهة ،أما
المقال الفاسد فقد كان يقول ما نفعل األمر بحكمك وال نبطل الحكمة ألجلك ،فكان بهت
ّللا سبحانه حتى علم الحاضرون أن إبراهيم عليه السالم على الحق ،ولم النمروذ إعجازا من ه
يكن لنمروذ أن يدعي األلوهية.
ص 386
ص 394 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 259
ّللاُ بَ ْع َد َم ْوتِها فَأَماتَهُ
شها قا َل أَنهى يُحْ ِيي ه ِذ ِه ه ي خا ِويَةٌ عَلى ع ُُرو ِ أ َ ْو كَالهذِي َم هر عَلى قَ ْريَ ٍة َو ِه َ
ض يَ ْو ٍم قا َل بَ ْل لَ ِبثْتَ ِمائَةَ ٍ
عام فَا ْن ُ
ظ ْر ّللاُ ِمائَةَ ٍ
عام ث ُ هم بَعَثَهُ قا َل َك ْم لَ ِبثْتَ قا َل لَ ِبثْتُ يَ ْوما ً أ َ ْو بَ ْع َ ه
ظام َك ْي َ
ف اس َوا ْن ُ
ظ ْر ِإلَى ا ْل ِع ِ ً
ماركَ َو ِلنَجْ عَلَكَ آيَة ِللنه ِظ ْر ِإلى ِح ِ سنه ْه َوا ْن ُعامكَ َوشَرا ِبكَ لَ ْم يَت َ َ ِإلى َط ِ
ِير ) ( 259 ش ْي ٍء قَد ٌ سوها لَحْ ما ً فَلَ هما تَبَيه َن لَهُ قا َل أ َ ْعلَ ُم أ َ هن ه َ
ّللا عَلى ُك ِ هل َ ش ُزها ث ُ هم نَ ْك ُ
نُ ْن ِ
ّللا عروشها خاوية حين لم يغير الناس بها المنكر ، يقال إن هذه القرية وادي القرى ،صبهح ه
ّللا سكانها فأهلك المقبل والمدبر ،ويقال إن الذي سأل هذا السؤال هو العزير عليه وعم بالء ه
ّللا عليه السالم كثير السؤال عن القدر ،إلى أن قال له الحق السالم ،وكان العزير رسول ه
تعالى :يا عزير لئن سألت عنه ألمحون اسمك من ديوان النبوة ،ألن علم القدر له نسبة إلى
ذات الحق ونسبة إلى المقادير ،والنسب معقولة غير موجودة وال معلومة ،لذلك امتنع العلم به
ّللا
ّللا علم القدر ،ومن جهل ه ّللا بعلمه ،فمن علم ه أو تصوره ،فال ينال أبدا ،وكان مما انفرد ه
ّللا ،وما من وّللا سبحانه مجهول فالقدر مجهول ،فمن المحال أن يعرف المألوه ه جهل القدر ،ه
ّللا ،ألن القدر لو علم علمت أحكامه ،ولو وجه من المعلومات إال وللقدر فيه حكم ال يعلمه إال ه
علمت أحكامه الستقل العبد في العلم بكل شيء ،وما احتاج إلى الحق في شيء ،وكان الغنى
ّللا عن عباده فال يعلم . له على اإلطالق ،فل هما كان األمر بعلم القدر يؤدي إلى هذا ،طواه ه
ص 387
ص 395 :
تنزيه األنبياء
ّللا ،وهم يجب تنزيه األنبياء مما نسب إليهم المفسرون من الطامات مما لم يجئ في كتاب ه
ّللا العصمة في القول والعمل ،فلقد ّللا فيما أخبر به عنهم ،نسأل ه يزعمون أنهم قد فسروا كالم ه
جاءوا في ذلك بأكبر الكبائر ،وكل ذلك نقل عن اليهود واستحلوا أعراض األنبياء والمالئكة
ّللا وملئوا كتبهم في تفسير القرآن العزيز بذلك ،وما في ذلك بما ذكرته اليهود ،الذين جرحهم ه
فاّلل يعصمنا وإياكم من غلطات األفكار واألقوال واألفعال ،آمين نص في كتاب وال سنة ،ه
بعزته وقوته ،مثال ذلك في تفسير هذه اآلية ما نسبوا إلى إبراهيم الخليل عليه السالم من
الشك.
ّللا عليه وسلم :نحن أولى بالشك من إبراهيم ،فإن ّللا صلهى ه وما نظروا في قول رسول ه
إبراهيم عليه السالم ما شك في إحياء الموتى .
ّللا
ولكن لما علم أن إلحياء الموتى وجوها متعددة مختلفة ،لم يدر بأي وجه منها يكون يحيي ه
به الموتى ،وهو مجبول على طلب العلم .
ّللا له وجها من تلك فكان طلب رؤية اإلحياء مع ثبوت اإليمان ليجمع بين العلم والعيان فعيهن ه
ّللا الموتى . الوجوه حتى سكن إليه قلبه ،فعلم كيف يحيي ه
وكذلك قصة يوسف ولوط وموسى وداود ومحمد عليهم السالم ،وكذلك ما نسبوه في قصة
ْف ت ُ ْحي ِ ْال َم ْوتى »فطلب سليمان إلى الملكين يقول تعالى َ «:و ِإ ْذ قا َل ِإبْرا ِهي ُم َربه ِ أ َ ِر ِني َكي َ
إبراهيم عليه السالم كيفية إحياء الموتى الختالف الوجوه في ذلك ال إنكار إحياء الموتى« قا َل أ َ
َولَ ْم تُؤْ ِم ْن قا َل بَلى »يقول بلى آمنت ولكن وجوه اإلحياء كثيرة كما كان وجود الخلق ،فمن
الخلق ما أوجدته عن كن ،ومنهم من أوجدته بيدك ،ومنهم من أوجدته بيديك ،ومنهم من
أوجدته ابتداء ،ومنهم من أوجدته عن خلق آخر ،فتنوع وجود الخلق ،وإحياء الخلق بعد
الموت إنما هو وجود آخر في اآلخرة ،فقد يتنوع وقد يتوحد ،فطلب العلم بكيفية األمر هل هو
متنوع أو واحد ؟ فإن كان واحدا ،فأي واحد من هذه األنواع ،لذلك قال َ «:ول ِك ْن ِليَ ْ
ط َم ِئ َّن قَ ْل ِبي
»أي يسكن ،فإذا أعلمتني به اطمأن قلبي وسكن بحصول ذلك الوجه ،والزيادة من العلم مما
أمرت به ،والطمأنينة بدء السكينة التي هي مطالعة األمر بطريق اإلحاطة من كل وجه ،فإن
وجوه اإلحياء كانت تجاذبه من كل ناحية ،والسكون صفة مطلوبة لألكابر ،لذلك قال إبراهيم
ط َمئِ َّن قَ ْل ِبي »أي يسكن إلى الوجه الذي يحيي به الموتى ويتعين لي عليه السالم «:بَلى َول ِك ْن ِليَ ْ
إذ الوجوه لذلك كثيرة ومعلوم أن اليقين كان عنده ،والطمأنينة كانت المطلوبة ،التي تعطيها
العين ،فإن السكون أمر زائد على اليقين ،فجاز أن يطلب ،
ص 388
ص 396 :
ّللا على الكيفية بالطيور األربعة ،التي هي مثال الطبائع األربع فقال « :فَ ُخ ْذ أ َ ْربَعَةا ِمنَ فأحاله ه
الطي ِْر »إخبارا بأن وجود اآلخرة طبيعي ،يعني حشر األجساد الطبيعية ،إذ كان ث هم من يقول َّ
ال تحشر األجسام وإنما تحشر النفوس بالموت إلى النفس الكلية مجردة عن الهياكل الطبيعية ،
ّللا إبراهيم أن األمر ليس كما زعم هؤالء ،فأحال على أمر موجود عنده تصرف فيه ، فأخبر ه
ّللا لم تتميز ،فما أوجد العالم الطبيعي إعالما أن الطبائع لو لم تكن مشهودة معلومة مميزة عند ه
إال من شيء معلوم عنده مشهود له ،نافذ التصرف فيه ،فجمع بعضها إلى بعض ،فأظهر
الجسم على هذا الشكل الخاص ،فأبان إلبراهيم بإحالته على األطيار األربعة وجود األمر الذي
فعله الحق في إيجاد األجسام الطبيعية والعنصرية ،إذ ما ث هم جسم إال طبيعي أو عنصري ،
فأجسام النشأة اآلخرة في حق السعداء طبيعية ،وأجسام أهل النار عنصرية ،فاألربعة
الطبيعية الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ،واألربعة العنصرية هي النار والهواء والماء
والتراب ،وأما حشر األرواح التي يريد أن يعقلها إبراهيم من هذه الداللة التي أحالها الحق
عليها في الطيور األربعة ،فهي في اإللهيات كون العالم يفتقر في ظهوره إلى إله قادر على
إيجاده ،عالم بتفاصيل أمره ،مريد إظهار عينه ،حي لثبوت هذه النسب التي ال تكون إال لحي
،فهذه أربعة ال بد في اإللهيات منها ،فإن العالم ال يظهر إال ممن له هذه األربعة ،فهذه داللة
الطيور له عليه السالم في اإللهيات في العقول واألرواح وما ليس بجسم طبيعي ،كما هي
ص ْر ُه َّن ِإلَي َْك »أي ضمهن ، داللة على تربيع الطبيعة إليجاد األجسام الطبيعية والعنصرية« فَ ُ
على ُك ِهل َجبَ ٍل والضم جمع عن تفرقة ،وبضم بعضها إلى بعض ظهرت األجسام« ث ُ َّم ْ
اجعَ ْل َ
ِم ْن ُه َّن ُج ْزءا ا »وهو ما ذكرناه من الصفات األربع اإللهيات ،وهي أجبل لشموخها وثبوتها« ث ُ َّم
س ْعيا ا »وما كان أذهب منهن شيئا إال فساد عين التركيب ،وأما األجزاء فهي ع ُه َّن يَأ ْتِين ََك َ
ا ْد ُ
باقية بأعيانها ،وال يدعى إال من يسمع وله عين ثابتة ،فأقام له الدعاء بها مقام قوله كن من
ّللا خليله إبراهيم عليه ون )فلما أشهد هش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
قوله ِ ( :إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
السالم الكيفية سكن عما كان يجده من القلق لتلك الجذبات التي للوجوه المختلفة ،وسكن سكونا
ال يشوبه تحير وال تشويش في معرفة الكيفية ،وزاد يقينه طمأنينة بعلمه بالوجه الخاص من
الوجوه اإلمكانية ،وهنا دقيقة ،وهي أن تعلق القدرة األزلية باإليجاد حارت فيها المشاهد
والعقول ،وقد قال تعالى إلبراهيم عليه السالم حين قال:
ص 389
ص 397 :
ْف ت ُ ْحي ِ ْال َم ْوتى »لما أراه آثار القدرة ال تعلقها ،عرف كيفية األشياء والتحام
" َربه ِ أ َ ِرنِي َكي َ
األجزاء حتى قام شخصا سويا ،وال رأى تعلق قدرة وال تحققها ،قال له الخبير العليم «:
يز َح ِكي ٌم »لما تقدمه في صور األطيار وتفريقه األطوار . ع ِز ٌ َوا ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ
ّللا َ
ص 390
ص 398 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 264
اس َوال يُ ْؤ ِم ُنق مالَهُ ِرئا َء النه ِ صدَقاتِ ُك ْم ِبا ْل َم ِهن َو ْاألَذى كَالهذِي يُ ْن ِف ُ
ِين آ َمنُوا ال ت ُ ْب ِطلُوا َ يا أَيُّ َها الهذ َ
راب فَأَصابَهُ وا ِب ٌل فَت َ َر َكهُ َ
ص ْلدا ً ال يَ ْقد ُِرو َن عَلى علَ ْي ِه ت ُ ٌ وان َص ْف ٍ اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر فَ َمثَلُهُ َك َمث َ ِل َ
ِب ه ِ
ين ) ( 264 ّللاُ ال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ا ْلكا ِف ِر َسبُوا َو ه ش ْي ٍء ِم هما َك َ َ
احذر من المن في العطاء ،فإن المن في العطاء يؤذن بجهل المعطي من وجوه ،منها رؤيته
ّللا
نفسه بأنه رب النعمة التي أعطى ،والنعمة إنما هي هّلل خلقا وإيجادا ،والثاني نسيانه منة ه
عليه فيما أعطاه وملكه من نعمه وأحوج هذا اآلخر لما في يده ،والثالث نسيانه أن الصدقة
التي أعطاها إنما تقع بيد الرحمن ،واآلخر ما يعود عليه من الخير في ذلك ،فلنفسه أحسن
ولنفسه سعى ،فكيف له بالمنة على ذلك ،إنه ما أوصل إليه إال ما هو له ،إذ لو كان رزقه ما
أوصله إليه ،فهو مؤد أمانة من حيث ال يشعر ،فجهله بهذه األمور جعله يمتن بالعطاء على
من أوصل إليه راحة ،وأبطل عمله ،والمنعم إذا أبطل نعمته بالمن واألذى ال يكون مشكورا
ّللا على ذلك ،وإن شكره المنعم عليه لمعرفته بذلهه وفقره إليه ،فمن مكارم األخالق أن ال عند ه
يمن المنعم بما أنعم عليه وال سيما مع شكره على ذلك فمن أمراض األقوال ،االمتنان
والتحدث بما يفعله من الخير مع الشخص على طريق المن ،والمن األذى ،دواؤه لما كان
ّللا تعالى قد أبطل ذلك العمل بقوله «:ال تُب ِْطلُوا يسوءه ذلك ويحبط أجر رب النعمة ،فإن ه
ص َدقا ِت ُك ْم ِب ْال َم ِهن َو ْاألَذى »وأي أذى أعظم من المن ،فإنه أذى نفسي ،ودواؤه أنه ال يرى َ
ّللا ،وأن ذلك الخير كان أمانة بيده ،ما كان أوصل إليه مما كان في يديه إال ما هو له في علم ه
ّللا في نفس األمر ،حينئذ له ،لكنه لم يكن يعرف صاحبها ،فلما أخرجها بالعطاء لمن عين ه
ّللا على أدائها ،ومن أعطي هذا النظر فال تصح منه منة يعرف صاحب تلك األمانة ،فشكر ه
ّللاُ ال يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم ْالكافِ ِرينَ »أي ال يبين لهم في حال سترهم وحجابهم ،فإن اإلبانة أصال« َو َّ
بالعلم ترفع ستور الجهل بذلك المعلوم .
ص 391
ص 399 :
فهو ضعيف ،فما نزل بالنهار سمي شذا ،وما نزل من الطل بالليل سمي ندى .
ص 392
ص 400 :
ّللا ،وذلك من بركة ذلك الستر ،ثم ث هم مغفرة المعصية ،فيعتقد أنها معصية وال يبيح ما حرم ه
ّللا المشروع في تلك أخرى وهو ستر خلف سترين ،ستر عليه في الدنيا ،لم يمض فيه حد ه
المعصية ،وإن ستر عليه في اآلخرة لم يعاقبه عليها ،فالستر األول محقق في الوقت ،والثاني
ّللا عليهم ،واستغفار لطائفة ال تضرهم الذنوب التي وقعت منهم ،فال تمسهم النار بما تاب ه
ّللاُ يَ ِع ُد ُك ْم َم ْغ ِف َرة ا ِم ْنهُ »لما وقع منكم من الفحشاء التي
المأل األعلى لهم ،فقال تعالى َ «:و َّ
أمركم بها الشيطان« َوفَض اْال »فجعل فضله في مقابلة ما وعد به الشيطان من الفقر الذي هو به
ّللا المؤمن حيث ناب عنه الحق سبحانه في مدافعة مأمور في قوله تعالى ( :وعدهم ) فأراح ه
ّللا عن عبده المؤمن وعدا إلهيا دفع به وعدا ما أراد الشيطان إمضاءه في المؤمن ،فدفع ه
وّللا ال يقاوم وال يغالب ،فالمغفرة متحققة والفضل متحقق ،وباء الشيطان شيطانيا ،ه
ّللا أن نتخذه وكيال في أمورنا ،فيكون الحق هو الذي بالخسران المبين ،ولهذه الحقيقة أمرنا ه
يتولى بنفسه دفع مضار هذه األمور عن المؤمنين ،وما غرض الشيطان المعصية لعينها ،
وإنما غرضه أن يعتاد العبد طاعة الشيطان ،فيستدرجه حتى يأمره بالشرك الذي فيه شقاوة
األبد ،وهذه اآلية أعظم آية وأشدها مرت على سمع إبليس ،فإنه علم أنه ال ينفعه إغواؤه ،
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك
ولهذا ال يحرص إال على الشرك خاصة ،لكونه سمع الحق يقول ِ ( :إ َّن َّ َ
وّللا ما قال ذلك ،فال بد من عقوبة ِب ِه ) *وتخيل أن العقوبة على الشرك ال ينتهي أمدها ،ه
المشرك ومن سكناه جهنم ،فإنه ليس بخارج من النار ،فهو مؤبد السكن ،ولم يتعرض
النتهاء مدة العذاب فيها بالشقاء ،وليس الخوف إال من ذلك ال من كونها دار إقامة لمن يعمرها
ّللا بكون المشرك مأخوذا بشركه ،فهو بمنزلة إقامة الحد على من تعين عليه ،سواء ،فصدق ه
كان ذلك في الدنيا أو في اآلخرة ،فهي حدود إلهية يقيمها الحق على عبده إذا لم يغفر له
ّللاُ
أسبابها ،وجهل إبليس انتهاء مدة عقوبة المشرك من أجل شركه ،لذلك قال تعالى َ «:و َّ
ع ِلي ٌم »فإن األمر بالفحشاء من الفحشاء ،فدخل إبليس تحت وعد الحق بالمغفرة فزاده وا ِس ٌع َ
طمعا وإن كانت دار النار مسكنه ،وال يعظم الفضل اإللهي إال في المسرفين والمجرمين ،
وأما المحسنين فما على المحسنين من سبيل ،فإن الفضل اإللهي جاءهم ابتداء ،وبه كانوا
محسنين ،وما بقي الفضل اإللهي إال في غير المحسنين.
ص 393
ص 401 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 269
ب( يُ ْؤتِي ا ْل ِح ْك َمةَ َم ْن يَشا ُء َو َم ْن يُ ْؤتَ ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َ
ي َخ ْيرا ً َكثِيرا ً َوما يَذهك ُهر ِإاله أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
) 269
الحكمة علم بمعلوم خاص ،وهي صفة تحكم ويحكم بها وال يحكم عليها ،واسم الفاعل منها
حكيم ،فلها الحكم ،واسم الفاعل من الحكم الذي هو أثرها حاكم وحكم ،وبهذا سمي الرسن
الذي يحكم به الفرس حكمة ،فكل علم له هذا النعت فهو الحكمة ،وما يعلم الحكمة إال من
ّللا تعالى ،ولما كانت الحكمة إعطاء كل ذي حق حقه ،وال يفعل أوتيها ،فهي هبة من ه
صاحب الحكمة حتى يعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق ،وليس إال بتبيين الحق ،لذلك
ّللا سبحانه معلمه باإللهام واإللقاء وبإنزال أضافها الحق إليه ،فالعلم اإللهي هو الذي كان ه
ّللا ال
الروح ،فهو سبحانه معلم اإلنسان ،ولذلك جاء بمن وهي نكرة ،ردا على من اعتقد أن ه
يعلهم من ليس بنبي وال رسول ،فقال َ «:م ْن يَشا ُء »فنكر األمر ولم يعرفه ،فهو نكرة في
معرفة يعلمها هو ال غيره ،ألن األمور معينة عنده مفصلة ،ليس في حقه إجمال وال يصح ،
وال مبهم في علمه بالمجمل في حق من يكون في حقه األمر مجمال ومبهما ،والحكمة في
األشياء كلها واألمور أجمعها إنما هو للمراتب واألعيان ،وأعظم المراتب األلوهية ،وأنزل
المراتب العبودية ،فما ث هم إال مرتبتان ،فما ث هم إال عبد ورب ،فمن يؤت الحكمة يعلم ترتيب
فاّلل سبحانه حكيم ،فما وضع شيئا إال في األشياء وإعطاء كل شيء حقه وإنزاله منزلته ،ه
موضعه ،وال أنزله إال منزلته ،والحكيم من العباد هو الذي ينزل كل شيء منزلته وال يتعدى
به قدره ومرتبته ،ويعطي كل ذي حق حقه ،ال يحكم في شيء بغرضه وال هواه ،ال تؤثر
فصرفته ،ال من حكم الحكمة ،فإن من حكم الحكمة ه فيه األغراض ،وهو من حكمته الحكمة
له المشيئة فيها ،ومن حكمته الحكمة فهي المصرفة له ،وإذا قامت الصفة بالموصوف أعطته
حكمها عطاء واجبا ،فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها به ،كما كان الحكم له بها ،
فهو عينها وهي عينه ،فالحكمة عين الحاكم عين المحكوم به عين المحكوم عليه ،فينظر
ّللا له من التصرف ّللا فيها إلى أجل ،وينظر إلى ما شرع ه الحكيم إلى هذه الدار التي أسكنه ه
فيها من غير زيادة وال نقصان ،فيجري على األسلوب الذي قد أبين له ،وال يضع من يده
الميزان الذي قد وضع له في هذا الموطن ،فإنه إن وضعه
ص 394
ص 402 :
ّللا الحالتين ،وجعل تعالى للتطفيف جهل المقادير ،فإما يخسر في وزنه ،أو يطفف ،وقد ذم ه
حالة تخصه يحمد فيها التطفيف ،فيطفف هناك على علم ،فإنه رجحان الميزان ويكون
ّللا في خلقه ّللا ،فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة ه مشكورا عند ه
ّللا وال بذكر رسوله ،ويكون بذلك إمام وقته ،فمن الميزان مثال أن ال يعرض الحكيم بذكر ه
ّللا أو ّللا في األماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر ه وال أحد ممن له قدر في الدين عند ه
ّللا به كالصحابة عند الشيعة ،فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور رسوله أو أحدا ممن اعتنى ه
ُ
ت ْال ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أوتِ َ
ي وشتمه وإدخال األذى في حقه ،ففي مثل هذا الموطن ال يذكره « َو َم ْن يُؤْ َ
ّللا ما يدخله احتقار« َوما يَذَّ َّك ُر ِإ َّال َخيْرا ا َكثِيرا ا »وما كثره ه
ّللا ال تدخله قلة ،كما أن ما عظم ه
ب »فإن اإلنسان قد يغفل عن أشياء كان علمها من نفسه ثم يذكرها ،ولب الشيء أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
سره وقلبه ،واللب نور في العقل كالدهن في اللوز والزيتون ،والتذكر ال يكون إال عن علم
منسي .
ص 395
ص 403 :
ّللا بما أنفق ،ومن راعى اإلعالن يعلن بها
ّللا بذلك ،فيسر بها لعلم ه
غضب الرب ،واعتناء ه
ّللا هي العليا ،كما يعلن أصحاب
للتأسي وراثة نبوية ،وإعالنا بالطاعة هّلل حتى تكون كلمة ه
ّللا ،ومعلوم أن هناك
المعاصي بالمعاصي والمخالفات وإظهار المنكرات وال يستحيون من ه
خالفا في الصدقة المكتوبة وصدقة التطوع .
ص 396
ص 404 :
وهم مبرءون في العطاء واألخذ مع غاية االستقامة والمشي على سنن الهدى واألدب المشروع
،فيكونون عند الحق بمنزلة ما هو الحق في قلوبهم .
ص 397
ص 405 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 276
يم ( .) 276ب ُك هل َكفه ٍار أَثِ ٍّللاُ ال يُ ِح ُّ
ت َو ه
صدَقا ِ
الربا َويُ ْر ِبي ال ه
ّللاُ ِ ه
ق ه يَ ْم َح ُ
ت »فتزكو ،واختصت بهذا االسم لوجود معناه فيها ،ففي الزكاة البركة في ص َدقا ِ
« َويُ ْر ِبي ال َّ
ّللا ،فالزكاة من حيث اسمها صدقة شديدة على المال ،وطهارة النفس ،والصالبة في دين ه
النفس ،فإذا أخرج اإلنسان الصدقة تضاعف له األجر ،فإن له أجر المشقة وأجر اإلخراج ،
وإن أخرجها عن غير مشقة فهذا فوق تضاعف األجر بما ال يقاس وال يحد ،والزكاة بمعنى
ّللا عن معطيها اسم البخل والشح عليه ،فال حكم للبخل والشح التطهير والتقديس ،لما أزال ه
ّللا يربيها -تراجع اآلية - 245
فيه ،وبما في الزكاة من النمو والبركة سميت زكاة ألن ه
ومذهب الجماعة في األدب من المتصدق أن يضع الصدقة في كف نفسه وينزل بها حتى تعلو
يد السائل إذا أخذها على يد المعطي ،حتى تكون هي اليد العليا ،وهي خير من اليد السفلى ،
واليد العليا هي المنفقة ،فيأخذها الرحمن لينفقها له تجارة حتى تعظم ،فيجدها يوم القيامة قد
نمت وزادت ،وأما مذهبنا فليس كذلك ،إنما السائل إذا بسط يده لقبول الصدقة من المتصدق
جعل الحق يده على يد السائل ،فإذا أعطى المتصدق الصدقة وقعت بيد الرحمن قبل أن تقع بيد
السائل كرامة بالمتصدق ،ويخلق مثلها في يد السائل لينتفع بها السائل ،ويأخذ الحق عين تلك
الصدقة فيربيها فتربو حتى تصير مثل جبل أحد في العظم ،وهذا من باب الغيرة اإللهية حيث
كان العطاء من أجله ،لما يرى أن اإلنسان يعطي من أجل هواه ما يعظم شأنه من الهبات ،
ّللا لجنابه أن ال يرى في
ّللا أحقر ما عنده ،هذا هو الغالب في الناس ،فيغار ه ويعطي من أجل ه
مقام االستهضام ،فيربي تلك الصدقة حتى تعظم ،فإذا جالها في صورة تلك العظمة حصل
المقصود ،فيد المعطي تعلو على يد اآلخذ ،ولهذا قال :تقع ،والوقوع ال يكون إال من أعلى ،
ّللا في االستواء على العرش ،فهو في التحت أيضا ،كما هو بكل شيء فكما ينسب العلو إلى ه
محيط .
ص 398
ص 406 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 278إلى 280
ين ( ) 278فَ ِإ ْن لَ ْم ت َ ْفعَلُوا الربا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُم ْؤ ِمنِ َ ي ِم َن ِ ه ّللا َوذَ ُروا ما بَ ِق َ ِين آ َمنُوا اتهقُوا ه َ يا أَيُّ َها الهذ َ
ون ( ) 279 ون َوال ت ُ ْظلَ ُم َ ُس أ َ ْموا ِل ُك ْم ال ت َ ْظ ِل ُم َ سو ِل ِه َو ِإ ْن ت ُ ْبت ُ ْم فَلَ ُك ْم ُرؤ ُ ب ِم َن ه ِ
ّللا َو َر ُ فَأْذَنُوا ِب َح ْر ٍ
ون ) ( 280 س َر ٍة َوأ َ ْن ت َ َ
ص هدقُوا َخ ْي ٌر لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُم َ س َر ٍة فَنَ ِظ َرةٌ ِإلى َم ْي َ كان ذُو ُ
ع ْ َو ِإ ْن َ
هذه اآلية حث على إنظار المعسر إلى ميسرة ،وإن وضعت عنه فهو أعظم ألجرك ،قال
ّللا يوم القيامة ّللا في ظله ،وإن ه ّللا عليه وسلم :من انظر معسرا أو وضع عنه أظله ه صلهى ه
ّللا من كرب يوم القيامة فلينفس سره أن ينجيه ه يتجاوز عمن يتجاوز عن عباده ،وقال :من ه
س َرةٍ »أي يؤخر إلى عس َْرةٍ فَن َِظ َرة ٌ ِإلى َم ْي َ عن معسر أو يضع عنه ،فقال تعالى «َ :و ِإ ْن كانَ ذُو ُ
أن يجد ما يؤدي وأ َ ْن ت َ َ
ص َّدقُوا َخي ٌْر لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ".
ص 399
ص 407 :
سورة البقرة ( : ) 2آية 282
ب ِبا ْلعَ ْد ِل َوال يَأ ْ َ
ب س ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َو ْليَ ْكت ُ ْب بَ ْينَ ُك ْم كاتِ ٌ ِين آ َمنُوا ِإذا تَدايَ ْنت ُ ْم ِب َد ْي ٍن ِإلى أ َ َج ٍل ُم َ يا أَيُّ َها الهذ َ
س ِم ْنهُ ّللا َربههُ َوال يَ ْب َخ ْ ق هَ ق َو ْليَت ه ِ علَ ْي ِه ا ْل َح ُّ ّللاُ فَ ْليَ ْكت ُ ْب َو ْليُ ْم ِل ِل الهذِي َ عله َمهُ ه ب كَما َ ب أ َ ْن يَ ْكت ُ َ
كاتِ ٌ
ست َ ِطي ُع أ َ ْن يُ ِم هل ُه َو فَ ْليُ ْم ِل ْل َو ِليُّهُ ِبا ْلعَ ْد ِل ض ِعيفا ً أ َ ْو ال يَ ْ س ِفيها ً أ َ ْو َ ق َ علَ ْي ِه ا ْل َح ُّ كان الهذِي َ ش ْيئا ً فَ ِإ ْن َ َ
ض ْو َن ِم َن تان ِم هم ْن ت َ ْر َ ام َرأ َ ِ ستَش ِْهدُوا ش َِهي َد ْي ِن ِم ْن ِرجا ِل ُك ْم فَ ِإ ْن لَ ْم يَكُونا َر ُجلَ ْي ِن فَ َر ُج ٌل َو ْ َوا ْ
سئ َ ُموا ش َهدا ُء إِذا ما ُدعُوا َوال ت َ ْ ب ال ُّ داء أ َ ْن ت َ ِض هل إِحْ دا ُهما فَتُذَ ِ هك َر إِحْ دا ُه َما ْاأل ُ ْخرى َوال يَأ ْ َ ش َه ِ ال ُّ
ّللا َوأ َ ْق َو ُم ِللشهها َد ِة َوأَدْنى أَاله ت َ ْرتابُوا إِاله ط ِع ْن َد ه ِ س ُص ِغيرا ً أ َ ْو َكبِيرا ً إِلى أ َ َج ِل ِه ذ ِل ُك ْم أ َ ْق َ أ َ ْن ت َ ْكتُبُوهُ َ
ح أَاله ت َ ْكتُبُوها َوأَش ِْهدُوا ِإذا تَبايَ ْعت ُ ْم علَ ْي ُك ْم ُجنا ٌ س َ ِيرونَها بَ ْينَ ُك ْم فَلَ ْي َ حاض َرةً تُد ُ ِ جارةً
ُون تِ َ أ َ ْن ت َك َ
ش ْي ٍء ّللاُ ِب ُك ِ هل َ
ّللاُ َو ه ق ِب ُك ْم َواتهقُوا ه َ
ّللا َويُعَ ِله ُم ُك ُم ه سو ٌ ب َوال ش َِهي ٌد َو ِإ ْن ت َ ْفعَلُوا فَ ِإنههُ فُ ُ ار كاتِ ٌ ض ه َوال يُ َ
ع ِلي ٌم (.)282 َ
ب بِا ْلعَ ْد ِل »العدل س ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َو ْليَ ْكتُبْ بَ ْينَ ُك ْم كاتِ ٌ «يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا إِذا تَدايَ ْنت ُ ْم بِ َدي ٍْن إِلى أ َ َج ٍل ُم َ
هو الميل ،يقال عدل عن الطريق إذا مال عنه ،وعدل إليه إذا مال إليه ،وسمي الميل إلى
ّللاُ ،فَ ْليَ ْكتُبْ علَّ َمهُ َّب َكما َ ب أ َ ْن يَ ْكت ُ َ ب كاتِ ٌ الحق عدال ،كما سمي الميل عن الحق جورا« َوال يَأ ْ َ
س ِفيها ا أ َ ْو علَ ْي ِه ْال َح ُّق َشيْئا ا ،فَإِ ْن كانَ الَّذِي َ َس ِم ْنهُ َ ّللا َربَّهُ َوال يَ ْبخ ْ ق َّ َ علَ ْي ِه ْال َح ُّق َو ْليَت َّ ِ
َو ْليُ ْم ِل ِل الَّذِي َ
ش ِهي َدي ِْن ِم ْن ِرجا ِل ُك ْم ،فَإِ ْن لَ ْم ض ِعيفا ا أ َ ْو ال يَ ْست َ ِطي ُع أ َ ْن يُ ِم َّل ُه َو فَ ْليُ ْم ِل ْل َو ِليُّهُ ِب ْالعَ ْد ِل َ ،وا ْست َ ْش ِهدُوا َ َ
ض َّل ِإ ْحدا ُهما فَت ُذَ ِ هك َر ِإ ْحدا ُه َما داء ،أ َ ْن ت َ ِ ش َه ِ ض ْونَ ِمنَ ال ُّ تان ِم َّم ْن ت َ ْر َ يَ ُكونا َر ُجلَي ِْن فَ َر ُج ٌل َو ْام َرأ َ ِ
ْاأل ُ ْخرى »المرأة أنسى من الرجل ولهذا قامت المرأتان في الشهادة مقام الرجل الواحد ،وذلك
أن المرأة شق الرجل ،فالمرأتان شقان ،وشقان نشأة كاملة ،فامرأتان رجل واحد ،فهي
ّللا عليه وسلم : ناقصة الخلق معوجة في النشء ألنها ضلع ،قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم :نسي آدم فنسيت ذريته ، النساء شقائق الرجال -ومن وجه آخر ،قال صلهى ه
فنسيان
ص 400
ص 408 :
بني آدم ذرية عن نسيان آدم ،على أن الحق ما وصف إحدى المرأتين إال بالحيرة فيما شهدت
ض َّل ِإ ْحدا ُهما »ما وصفها بالنسيان ،والحيرة نصف النسيان ال كله ،ونسب النسيان فيه« أ َ ْن ت َ ِ
ع ْزما ا )فقد يمكن أن ينسى الرجل الشهادة رأسا ي َولَ ْم ن َِج ْد لَهُ َ على الكمال للرجال ،فقال ( :فَنَ ِس َ
وال يتذكرها ،وال يمكن أن تنسى إحدى المرأتين ،وهي المذكرة ال على التعيين ،فتذكر التي
ّللا صدق بال شك ،وهو قد أخبر في هذه اآلية أن إحداهما ضلت عما شهدت فيه ،فإن خبر ه
تذكر األخرى ،فال بد أن تكون الواحدة ال تضل عن الشهادة وال تنسى ،وهذا جبر لقلب
المرأة الذي يكسره من ال علم له من الرجال باألمر ،ومن لحوق النساء بالرجال ،بل تقوم
المرأة في بعض المواطن مقام رجلين ،إذ ال يقطع الحاكم بالحكم إال بشهادة رجلين ،فقامت
المرأة في بعض المواطن مقامهما ،وهو قبول الحاكم قولها في حيض العدة ،وقبول الزوج
قولها في أن هذا ولده مع االحتمال المتطرق إلى ذلك ،وقبول قولها إنها حائض ،فقد تنزلت
هنا منزلة شاهدين عدلين ،كما تنزل الرجل في شهادة الدين منزلة امرأتين ،فتداخال في
ص ِغيرا ا ،أ َ ْو َكبِيرا ا إِلى أ َ َج ِل ِه ،ذ ِل ُك ْم عوا َوال ت َ ْسئ َ ُموا أ َ ْن ت َ ْكتُبُوهُ َ ش َهدا ُء إِذا ما ُد ُ ب ال ُّ الحكم« َوال يَأ ْ َ
ِيرونَها بَ ْينَ ُك ْم
حاض َرة ا تُد ُ
ِ شها َدةِ َ ،وأ َ ْدنى أ َ َّال ت َ ْرتابُوا ِإ َّال أ َ ْن ت َ ُكونَ تِ َ
جارة ا ّللا َوأ َ ْق َو ُم ِلل َّ
ط ِع ْن َد َّ ِ س ُأ َ ْق َ
ش ِهي ٌد َ ،و ِإ ْن ت َ ْفعَلُوا
ب َوال َ ار كاتِ ٌ ض َّعلَ ْي ُك ْم ُجنا ٌح أ َ َّال ت َ ْكتُبُوها َ ،وأ َ ْش ِهدُوا ِإذا تَبايَ ْعت ُ ْم َ ،وال يُ َ ْس َ فَلَي َ
ّللا بما علمكم من أعلمته بطريق التقوى ، ّللاُ »واتقوا ه ّللا َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
وق ِب ُك ْم َ ،واتَّقُوا َّ َ س ٌ فَإِنَّهُ فُ ُ
ّللا فقال تعالى «َ :واتَّقُوا فلإلنسان أن يسأل أمثاله عن حد التقوى المشروع ،فيتعلم منه ليتقي ه
ّللاُ »فكان سبحانه هو المعلم ،فبالتقوى تزيد علما لم ّللا »باألعمال المنتجة للعلوم« َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ َّ َ
يكن عندك ،يعلمك إياه الحق تشريفا منحك إياه التقوى ،وقد كان هذا العلم مغيبا عنك ،
فأعطاك العلم به به زيادة اإليمان بالغيب الذي لو عرض على أغلب العقول لردته ببراهينها ،
باّلل ذوقا وتعليما إلهيا فيما ال يكون ذوقه إال من فتوح المكاشفة ال من طريق األدلة فالمعرفة ه
ّللاُ »وأكثر الناس يتخيلون أن العلوم الحاصلة ّللا َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
بالبراهين هو قوله تعالى َ «:واتَّقُوا َّ َ
عن التقوى علوم وهب ،وليست كذلك ،وإنما هي علوم مكتسبة بالتقوى ،فإن التقوى جعلها
ّللا طريقا إلى حصول هذا العلم ،والعلم الوهبي ال يحصل عن سبب بل من لدنه سبحانه ، ه
فالنبوات كلها علوم وهب ،ألن النبوة ليست مكتسبة ،والشرائع كلها من علوم الوهب
ص 401
ص 409 :
عند أهل اإلسالم الذين هم أهله ،وأريد باالكتساب في العلوم ما يكون للعبد فيه تعمل ،كما أن
ّللا
باّلل التقي الورع قد وسع الحق ،فتولى ه الوهب ما ليس للعبد فيه تعمل ،فإن القلب المؤمن ه
ّللا يَ ْجعَ ْل لَ ُك ْم فُ ْرقانا ا ) « َواتَّقُوا َّ َ
ّللا تعالى تعليم عباده المتقين الذين قال فيهم ِ ( :إ ْن تَتَّقُوا َّ َ
ّللا معاني القرآن ،فتعلموا مقاصد المتكلم به ،ألن فهم كالم َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
ّللاُ »ومعناه أن يفهمكم ه
المتكلم ما هو بأن يعلم وجوه ما تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ
عليه أهل اللسان ،وإنما الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكالم ،هل قصد جميع الوجوه
الذي يتضمنها ذلك الكالم أو بعضها ،فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكالم ،أو الفهم عن
المتكلم وهو المطلوب ،فالفهم عن المتكلم ما يعلمه إال من أنزل القرآن على قلبه ،وفهم الكالم
للعامة ،فكل من فهم عن المتكلم فقد فهم الكالم ،وما كل من فهم الكالم فهم عن المتكلم ما
ّللا ،ولهذاّللا ممن رزق الفهم عن ه أراد به على التعيين ،إما كل الوجوه أو بعضها ،جعلنا ه
ّللا يتولى بالفعل تعليم أوليائه بما يشهدهم إياه في تجلياته ّللا وليا جاهال قط ،فإن ه قيل :ما اتخذ ه
ّللا تعليم المتقي من عباده ،فيقرب سنده ، حظ الورثة من النبوة ،بأن يتولى ه ،فهذه اآلية ه
فيقول أخبرني ربي بشرع نبيه الذي تعبده به ممن أخذه وأوحى به إليه ،فهو عال في العلم ،
تابع في الحكم ،وهم الذين ليسوا بأنبياء وتغبطهم األنبياء عليهم السالم في هذه الحالة ،ألنهم
ّللا بعد التقوى بما عملوا عليه ّللا ،وكان أخذ هذه الطائفة عن ه اشتركوا معهم في األخذ عن ه
ّللا في مما جاءهم به هذا الرسول ،فهم وإن كانوا بهذه المثابة وأنتج لهم تقواهم األخذ عن ه
موازين الرسل وتحت حيطتهم وفي دائرتهم ،ووقع االغتباط من كونهم لم يكونوا رسال ،فبقوا
مع الحق دائما على أصل عبودية لم تشبها ربوبية أصال ،فمن هنا وقع الغبط لراحتهم ،وإن
ع ِلي ٌم »بنية فعيل ترد بمعنى الفاعل وبمعنى ش ْيءٍ َ ّللاُ بِ ُك ِهل َ
كانت الرسل أرفع مقاما منهم« َو َّ
المفعول ،فعليم بمعنى عالم وبمعنى معلوم ،وكال الوجهين سائغ في هذه اآلية ،إذا كانت الباء
من قوله «ِ :ب ُك ِهل »بمعنى الفاء فهو في كل شيء معلوم ،ولما صح باالستواء نزوله تعالى كل
ليلة إلى السماء ،ومع هذا فهو مع عباده أينما كانوا ،ولما علم أن بعض عباده يقولون في مثل
هذا بعلمه ،أعلم في هذه اآلية أنه بكل شيء عليم ،ليغلب على ظن السامع أنه ليس على ما
تأولوه ،فإنا ال نشك أنه يحيط بنا علما أينما كنا ،وكيف ال يعلم ذلك وهو خلقنا وخلق األينية
ّللا ذلك عن نفسه بطريق المدحة لذاته. التي نحن فيها ،فذكر ه
ص 402
ص 410 :
سورة البقرة ( : ) 2اآليات 283إلى 284
ض ُك ْم بَ ْعضا ً فَ ْليُ َؤ ِ هد الهذِي ْ
اؤت ُ ِم َن ضةٌ فَ ِإ ْن أ َ ِم َن بَ ْع ُ هان َم ْقبُو َسفَ ٍر َولَ ْم ت َ ِجدُوا كاتِبا ً فَ ِر ٌ
َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم عَلى َ
ع ِلي ٌم (ون َ ّللا َربههُ َوال ت َ ْكت ُ ُموا الشهها َدةَ َو َم ْن يَ ْكت ُ ْمها فَ ِإنههُ آثِ ٌم قَ ْلبُهُ َو ه
ّللاُ ِبما ت َ ْع َملُ َ ق هَ أَمانَتَهُ َو ْليَت ه ِ
س ُك ْم أ َ ْو ت ُ ْخفُو ُه يُحا ِ
س ْب ُك ْم ِب ِه ض َو ِإ ْن ت ُ ْبدُوا ما ِفي أ َ ْنفُ ِ ت َوما ِفي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ َّلل ما ِفي ال ه ِ ) 283ه ِ
ِير ) ( 284 ش ْي ٍء قَد ٌ ّللاُ عَلى ُك ِ هل َ ِب َم ْن يَشا ُء َو ه ّللاُ فَيَ ْغ ِف ُر ِل َم ْن يَشا ُء َويُعَذه ُ
ه
كم بين الرغبة عنه والرغبة فيه ،عبد مصطفى وعبد ال يصطفيه ،عناية أزلية ،بسعادة أبدية
،وخذالن سبق ،وكل ذلك حق ،أحق ما قال العبد ،وكلنا لك عبد ،فجمع بين المطرود
والمجتبى ،ومن أطاع ومن أبى في عبودية القصاص ،ال في عبودية االختصاص ،عبد
ّللا بينه وبين خصمه فيسعده ،وعبد يأمر به إلى النار بعدله ،فيبعده ،مع القول بعدم يصلح ه
االستحقاق ،ومفارقة الوفاق ،وكالهما عاصيان ،وما هما سيان ،يا ليت شعري لم كان ذلك
؟ عاص ناج وعاص هالك ،عبدان لملك واحد ،وما ث هم أمر زائد ،إن كان لعمارة الدار فلما
ذا يخرج بالشفاعة ،وال يبقى مع الجماعة ،ما ذاك إال لما قيل في بعض األشعار ( ماء ونار .
ّللا عن نفسه اختيار ِب َم ْن يَشا ُء »فذكر ه . .ما التقيا إال ألمر كبهار )« يَ ْغ ِف ُر ِل َم ْن يَشا ُء َويُعَذه ُ
مشيئته بين المغفرة والعذاب ،فهو غير قاطع بأحد األمرين ،وهذا هو ما جرأ النفوس األمارة
بالسوء على ما ارتكبوه من المخالفات وتعدوه من الحدود وانتهكوه من المحارم ،فلو قطعوا
على ّللاُ َبالمؤاخذة على ما صدر منهم إن ماتوا على غير توبة ما فعلوا ما ال يرضي سيدهم« َو َّ
ّللا ما جعل ِير »يخرج على أنه عين قوله لألشياء( ُك ْن )إذا أراد تكوينها ،فإن ه ش ْيءٍ قَد ٌ ُك ِهل َ
سبب إيجاد الكائنات الممكنات سبحانه وتعالى إال اإلرادة واألمر اإللهي ،وهو قوله تعالى ( :
ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن )فأتى في اإلرادة واألمر ،ولم يذكر معنى ثالثا ِإنَّما قَ ْولُنا ِل َ
يسمى القدرة ،والتحقيق أن القدرة ما لها أثر سوى إعطاء الوجود لكل عين يريد الحق
وجودها من الممكنات ،فيقول لها ُ ( :ك ْن )وأخفى االقتدار بقوله:
ص 403
ص 411 :
( ُك ْن) وجعله سترا على االقتدار ،فكان الممكن عن االقتدار اإللهي من حيث ال يعلم الممكن ،
وسارع الممكن إلى التكوين فكان ،فظهر منه عند نفسه السمع والطاعة لمن قال له كن ،
عز وجل اقتداره وجاء بالقول بصيغة األمر ليتصف الممكن بالسمع والطاعة ،فال وأخفى ه
تزال عين الحق تنظر إليه بالرحمة وتراعي منه هذا األصل ،مع أن القول ال حكم له في
المعدوم ،وال سيما فيمن ليس له اقتدار باألصالة ،فأشبه صورة التكليف والفعل هّلل .
ص 404
ص 412 :
باّلل وبما جاء من عنده وبالرسول وبالرسل ،فإن ّللا بشيء ،فيطلب منا اإليمان ه
ال يحكم على ه
س ِل ِه »فال يستخدم العقلّللا أوجب اإليمان علينا بنفسه ،ومن نفسه أسماؤه « َو َمالئِ َكتِ ِه َو ُكت ُ ِب ِه َو ُر ُ
ه
في اإللهيات إذا ورد النص المتواتر من الشرع الذي ال يدخله احتمال وال إشكال فيه ،فإن
ط ْعنا » :على السمع عولنا فكنا س ِم ْعنا َوأ َ َ اإليمان بالنص يعطي العلم الحق والكشف« َوقالُوا َ
أولي النهى * وال علم فيما ال يكون عن السمعإذا كان معصوما وقال فقوله * هو الحق ال يأتيه
مين على القطعفعقل وشرع صاحبان تألفا *فبورك من عقل وبورك من شرعفالعاقل يقول
ير » . غ ْفران ََك َربَّنا َو ِإلَي َْك ْال َم ِ
ص ُ ّللا وهذه حالة معجلة وراحة« ُ بالسمع والطاعة ألمر ه
ص 405
ص 413 :
ّللا أج هل أن يكلف نفسا إال وسعها ،ولذلك كان االجتهاد في الفروع واألصول« لَها ما فإن ه
ت »لما كانت النفوس والة الحق على الجوارح ،والجوارح مأمورة علَيْها َما ا ْكت َ َ
سبَ ْ ت َو َسبَ ْ
َك َ
مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ،مطيعة بكل وجه ،والنفوس ليست كذلك ،فإذا عملت
لغير عبادة ال يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ،لكن من حيث أن
العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ،فإنها تجزى به تلك الجارحة ،فيقبل
العمل لمن ظهر منه وال يعود منه على النفس اآلمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا
بالصورة كصالة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم
تقصد به النفس عبادة ،وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ،والجوارح
ال تجزى بها ألنها ليس في قوتها االمتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ،فإنها مجبورة
على السمع والطاعة لها ،فإن جارت النفوس فعليها ،وللجوارح رفع الحرج ،بل لهم الخير
ت علَيْها َما ا ْكت َ َ
سبَ ْ ت َو َ سبَ ْ األتم ،وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ،لذلك قال تعالى «:لَها ما َك َ
ّللا حيث جعل المخالفة ّللا بين الكسب واالكتساب بالالم وعلى ،وهذه اآلية بشرى من ه »فميز ه
ت »فأوجبه لها . سبَ ْاكتسابا والطاعة كسبا ،فقال «:لَها ما َك َ
ت »فما أوجب لها األخذ بما اكتسبته ، علَيْها َما ا ْكت َ َ
سبَ ْ وقال في المعصية والمخالفة َ «:و َ
فاالكتساب ما هو حق لها فتستحقه ،فتستحق الكسب وال تستحق االكتساب ،والحق ال يعامل
طأْنا
ؤاخ ْذنا ِإ ْن نَ ِسينا أ َ ْو أ َ ْخ َ
ّللا يحكم على األخذ بالجريمة« َربَّنا ال ت ُ ِ إال باالستحقاق ،والعفو من ه
ّللا في النسيان الموجود في العالم ،وأنه لو لم يكن لعظم األمر وشق »اعلم أن الرحمة أبطنها ه
ّللا في موطن التكليف ،وفيما يقع فيه التذكر كفاية ،وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين ه
ّللا فال بد من وقوعها من العبد ضرورة ،فلو ،إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم ه
ّللا حيث يشهده ويراه ،والقدر حاكم وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من ه
ّللا عليه وسلم : بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ،قال صلهى ه
ّللا إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ،حتى إذا أمضى فيهم قضاءه إن ه
ّللا عليه وسلم :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ،فال وقدره ردها عليهم ليعتبروا ،وقال صلهى ه
ّللا به في الدنيا وال في اآلخرة ،فأما في اآلخرة فمجمع عليه من الكل ،وأما في يؤاخذهم ه
الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ،واختلفوا في الحكم ،وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع
الشارع في
ص 406
ص 414 :
ّللا تعالى الذي أشخاص المسائل ،مثل اإلفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ،فإن ه
شرع المعصية والطاعة وبيهن حكمهما ،رفع حكم األخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ«
علَى الَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِلنا َ ،ربَّنا َوال ت ُ َح ِ هم ْلنا ما ال طاقَةَ لَنا ِب ِه
صرا ا َكما َح َم ْلتَهُ َ
علَيْنا ِإ ْ
َربَّنا َوال ت َ ْح ِم ْل َ
»وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن ال يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال «،
عنَّا »أي كثر خيرك لنا وقلل بالءك عنا ،أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن ْف ََواع ُ
يكثر ،فإن العفو من األضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ،وليس إال عفوك عن خطايانا التي
طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى ال تصيبنا ،وهو قولنا َ «:وا ْغ ِف ْر لَنا »أي استرنا من المخالفات
ار َح ْمنا »برحمة االمتنان ورحمة الوجوب ،أي برحمة حتى ال تعرف مكاننا فتقصدنا« َو ْ
االختصاص.
ص 407
ص 415 :
- 03سورة آل عمران مدنيهة
سورة آلعمران ( : ) 3آية 1
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
ألم ) ( 1
مبادي السور المجهولة
إشارة « -اعلم أن مبادي السور المجهولة ،ألهل الصور المعقولة » ،يعني معاني سور
القرآن تجتمع مع الصور المعقولة التي يأخذها العقل من طريق التعريف اإللهي ،ال من
طريق فكره ،فهي تجهلها األفكار مثل ما جهلت ما أراد الحق بمبادي هذه السور ،والصور
المجهولة كالنبوة والوالية ،وكرؤية الحق ،وكل ما ال يستقل العقل بإدراكه ،حتى يقع به[
توحيد حروف النفس ]
ّللا يُؤْ تِي ِه َم ْن يَشا ُء ) *جملتها تسعة وعشرون سورة » وهي ض ُل َّ ِ التعريف اإللهي ( «،ذ ِل َك فَ ْ
ثمانية وعشرون مرتبة كمرتبة الحروف ،والالم ألف هي عبارة عن الحق والعبد ،وهي
بمنزلة القمر الدائر في المنازل ،فاأللف للحق من حيث التجلي ،فمشيه في المنازل هي
ناز َل »ونصيب العبد منها قبول تجلياته ومظاهره ،وذلك كمال الصورة َ «،و ْالقَ َم َر قَد َّْرناهُ َم ِ
ذلك التجلي ،والالم للعبد « أكملت فيها » أي الحروف « العالم بأسره » « وفرقت بيني
وبينهم بما لوحت به من نهيه وأمره » أي إني وإن كنت الفاعل على اإلطالق ،والفعل لي ،
فأنت محل تعلق األمر والنهي ،والوعد والوعيد «فَ ِم ْنها »أي الحروف « مفرد » مثل ص ،
ق « ،ومثنى » ومنها ما جمع لمعنى ،ولئن شكرتم ألزيدنكم ،منها ما زيد فيه فاستغنى ،
صها ِم ْن أ َ ْ
طرافِها )منها متماثلة ض نَ ْنقُ ُومنها من نقص منه فتعنهى (أ َ َولَ ْم يَ َر ْوا أَنَّا نَأْتِي ْاأل َ ْر َ
ّللا لجعل الناس أمة واحدة ) غايتها الصور ومختلفة ،كما منها مفرقة ومؤتلفة ( ولو شاء ه
خمسة حروف ،وبقي اثنان للواصف والموصوف ،من مقام آدم وحوى ،في جنة اإلقامة ،
ومأوى اإلمامة ( وكال منها حيث شئتما ) مبلغها ثمانية وسبعون ،فمن كوشف بحقائقها ملك
األعلى والدون » قوله منها ومنها يعني أن هذه السور المجهولة جاءت مطابقة لصور اإلنسان
على المطابقة ،فهذه الحروف أربعة عشر حرفا غير مكررة ،وهي نصف الفلك الظاهر ،
واألربعة عشر األخرى الغائبة للنصف الباطن ،والحروف إذا نظرتها مكررة كانت ثمانية
ص 408
ص 416 :
وسبعين ،وهي في معنى مراتب اإليمان ،كما جاء في الخبر [ اإليمان بضع وسبعون شعبة ]
ّللا
قوله « فمن كوشف بحقائقها ملك العالي والدون » هذا باب الكشف والذوق ،إذا أراد ه
تعالى التعريف به أقامه في الكشف ،أو وهب العلم الضروري للمحل بطريق المعاني المجردة
فتعرض لنيل ذلك من الوهاب الفتاح سبحانه وتعالى واستعمل المجاهدة ،وتح هل بالموافقةه ،
والمساعدة ،عساك تلتذ بالمشاهدة .
واعلم أنه لما كان األلف يسري في مخارج الحروف كلها ،سريان الواحد في مراتب األعداد
كلها ،فهو قيوم الحروف ،وله التنزيه بالقبلية ،وله االتصال بالبعدية ،فكل شيء يتعلق به ،
وال يتعلق هو بشيء ،فأشبه الواحد ،ألن وجود أعيان األعداد يتعلق به ،وال يتعلق الواحد بها
،فيظهرها وال تظهره ،وتشبهه في هذا الحكم الدال والذال والراء والزاي والواو ،ويشبه في
حكم السريان الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها ،وكما أن الواحد ال يتقيد بمرتبة
دون غيرها ،ويخفى عينه ،أعني اسمه ،في جميع المراتب كلها ،كذلك األلف ال يتقيد
بمرتبة ويخفى اسمه في جميع المراتب ،االسم هناك للباء والجيم والحاء وجميع الحروف ،
والمعنى لأللف .
ص 409
ص 417 :
ّللا ،فكل اسم هو للحي إذا حققت األمر ، ّللا ه
األسمائية ،حتى نسبة األلوهة التي بها تسمى ه
فيسري سره في جميع العالم ،فخرج على صورته فيما نسب إليه من التسبيح بحمده ،فما في
العالم إال حي ،ولما لم يتمكن أن يتقدم االسم الحي اإللهي اسم من األسماء اإللهية ،كانت له
رتبة السبق ،فهو المنعوت على الحقيقة باألول ْ «.القَيُّو ُم »الحق قيوم بعباده فيما يحتاجون إليه
،وهو تعالى الحي لنفسه ،لتحقيق ما نسب إليه مما ال يتصف به إال من شرطه أن يكون حيا ،
القيوم لقيامه على كل نفس بما كسبت .
ص 410
ص 418 :
في األرواح التي بين الطبيعة والعماء[ كل إنسان أعلم بحاله ]
-نصيحة -كل إنسان أعلم بحاله ،وال ينفعك أن تنزل نفسك عند الناس منزلة ليست لك في
ّللا ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء نفس األمر ،فإن ه
ص 411
ص 419 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 7
ِين فِي ب َوأ ُ َخ ُر ُمتَشا ِبهاتٌ فَأ َ هما الهذ َ تاب ِم ْنهُ آياتٌ ُمحْ كَماتٌ ُه هن أ ُ ُّم ا ْل ِكتا ِ علَ ْيكَ ا ْل ِك َ ُه َو الهذِي أ َ ْن َز َل َ
ون ما تَشابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِغا َء ا ْل ِفتْنَ ِة َوا ْبتِغا َء تَأ ْ ِوي ِل ِه َوما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ ِويلَهُ ِإاله ه
ّللاُ قُلُو ِب ِه ْم َز ْي ٌغ فَيَت ه ِبعُ َ
ب)(7 ون آ َمنها ِب ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َر ِبهنا َوما يَذهك ُهر ِإاله أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ ون ِفي ا ْل ِع ْل ِم يَقُولُ َ س ُخ َ الرا ِ َو ه
أم الكتاب هي اآليات المحكمات ،واآليات المحكمات هي اآليات الدالة على وحدانيته تعالى ،
ت )اآلية ،ثم فسر إحكامها بالتوحيد صلَ ْ ت آياتُهُ ث ُ َّم فُ ِ ه تاب أ ُ ْح ِك َم ْ
بدليل قوله تعالى في أول هود( ِك ٌ
ّللا )وفسر تفصيلها باالستغفار والتوبة في قوله ( َوأ َ ِن ا ْست َ ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ث ُ َّم في قوله( أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال َّ َ
تُوبُوا ِإلَ ْي ِه )ونبه تعالى أن آياته المحكمة ترجع أعدادها إلى آية واحدة محكمة وهي( ال ِإلهَ ِإ َّال
ّللاُ )فما من علم من العلوم في الغيب وال في الشهادة إال وهو منتظم في سلك( ال ِإلهَ ِإ َّال َّ
ّللاُ َّ
ّللا عليه وسلم إجماال وتفصيال )مستثمر من ثمار أسرارها ،ولهذا اكتفى بعلمها النبي صلهى ه
ّللاُ َوا ْست َ ْغ ِف ْر ِلذَ ْنبِ َك )واآليات المتشابهات إنما أنزلت من ه
ّللا في قوله تعالى (فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال َّ
ابتالء لعباده ،وبالغ سبحانه في نصيحة عباده في ذلك ،ونهاهم أن يتبعوا المتشابه بالمحكم ،
ّللا ،والراسخون في العلم إن علموه بإعالم أي ال يحكموا عليه بشيء ،فإن تأويله ال يعلمه إال ه
ّللا ال بفكرهم واجتهادهم ،فإن األمر أعظم أن تستقل العقول بإدراكه من غير إخبار إلهي ، ه
فالمتشابه إن علمت أنه متشابه ولم تتع هد به حدهه ،وال أخرجته بميلك إليه ونظرك فيه عن
المتشابه فال حرج عليك ،وإنما الخوف والحذر أن تلحقه بأحد الطرفين ،وما ذلك حقيقته ،
وإنما حقيقته أن يكون له وجهان ؛ وجه إلى كل طرف ،وجه إلى الحل ووجه إلى الحرمة ،
ويتعذر الفصل بين الوجهين وتخليصه إلى أحد الطرفين ،فإذا اتبعته اتباع من ال يزيله عن
حقيقته فما ثم زيغ ،فالمحكم في المتشابه التشابه ،فمن تأوله فقد أزاله عن االشتراك ،وهو
مشترك ،فقد زاغ من تأوله عن طريق الحق ،ولذلك نهينا عن الخوض في اآليات المتشابهات
،ونسبنا إلى الزيغ في اتباعها ،فإن الزيغ ميل إلى أحد الشبهين ،وإذا أولت إلى أحد الشبهين
فقد صيرتها محكمة وهي متشابهات ،فعدلت بها عن حقيقتها ،وكل من عدل بشيء عن
حقيقته فما أعطاه حقه ،فالكيهس من يقف عندها وال يحكم فيها بشيء ،فإن لها شبها بالطرفين
،ومن ذلك الشبهات ،وهو كل
ص 412
ص 420 :
معلوم يظهر فيه وجه للحق ووجه لغير الحق ،فمثال يكون من األرزاق ما هو حالل بيهن
وحرام بيهن ،وبينهما مشتبهات ال يعلمها كثير من الناس ،فمن الحت له وقف عندها حتى
يتبين له أمرها ،فإما أن يلحقها بالحالل وإما أن يلحقها بالحرام ،فال يقدم عليها ما دامت في
حقه شبهة ،فإنها في نفس األمر مخلصة ألحد الجانبين ،وإنما اشتبه على المكلف لتعارض
األدلة الشرعية عنده في ذلك «.فَأ َ َّما الَّذِينَ فِي قُلُوبِ ِه ْم زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِغا َء ْال ِفتْنَ ِة
ّللاُ »مآل الشيء ال يصح أن يكون واقعا فيرى إال إن مثهل َوا ْبتِغا َء تَأ ْ ِوي ِل ِه َ ،وما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ ِويلَهُ إِ َّال َّ
للرائي ،فهو كأنه يراه ،فإن المآل يقابل الحال ،فالحال موجود والمآل ليس بموجود ،ولهذا
سمي مآال ،والتأويل هو ما يؤول إليه حكم هذا المتشابه ،فهو محكم غير متشابه عند من يعلم
ّللا ،فهو من العلوم المستورة ّللا ،فما تشابه من القرآن ال يعلم تأويله إال ه تأويله ،وليس إال ه
مضمن في صور كلمات ،وهو مستور أن يتعلق به معرفة عارف على القطع إال بإخبار إلهي
،لهذا ترك التأويل من تركه من العلماء ولم يقل به ،واعتمد على الظاهر ،وترك ذلك هّلل ،
ّللا ،أي ما ّللا ال بنظره ،فما يعلم تأويله إال ه ّللا بما أراده في قوله علمه بإعالم ه فمن أعلمه ه
الرا ِس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم »يعني في العلم يؤول إليه هذا اللفظ المنزل المرقوم ،وما أودع فيه« َو َّ
باّلل ،فهم الراسخون في العلم بشهادة توحيده ،يعلمهم الحق بذلك التأويل من غير فكر فيه ،إذ ه
كان الفكر في نفسه غير معصوم من الغلط في حق كل أحد ،وذلك التعليم من طريق الوهب ال
الكسب ،فالعالم هو الراسخ الثابت الذي ال تزيله الشبه وال تزلزله الشكوك ،لتحققه بما شاهد
من الحقائق بالعلم ،فالراسخ في العلم يقول« آ َمنَّا بِ ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َر ِبهنا »يعني متشابهه ومحكمه
ّللا مآله فهو عنده محكم ،وزال عنه في حق هذا العالم التشابه ،فهو عنده كما هو ،فإذا أشهده ه
ّللا من ذلك الوجه ،وهو عنده أيضا متشابه لصالحيته إلى الطرفين من غير تخليص ، عند ه
كما هو في نفس األمر بحكم الوضع المصطلح عليه ،فهو وإن عرف تأويله فلم يزل عن
ّللا بما يؤول إليه ،علمه بالوجه الواحد ال حكمه متشابها ،فغاية علم العالم الذي أعلمه ه
بالوجهين ،فهو على الحقيقة ما زال عن كونه متشابها ،ألن الوجه اآلخر يطلبه بما دل عليه
ّللا على الحقيقة به أن يعلم ّللا به هذا الشخص ،فعلم ه ويتضمنه ،كما طلبه الوجه الذي أعلم ه
تأويله ،أي ما يؤول إليه من الجانبين في حق كل واحد ،أو الجوانب إن كانوا كثيرين ،
فيعلمه متشابها ،ألنه كذا هو ؛ إذ كل جانب
ص 413
ص 421 :
يطلبه بنصيبه وداللته منه .فالمحكم محكم ال يزول ،والمتشابه متشابه ال يزول ،وإنما قلنا
ذلك لئال يتخيل أن علم العالم بما يؤول إليه ذلك اللفظ في حق كل من له فيه حكم ،أنه يخرجه
عن كونه متشابها ليس األمر كذلك ،بل هو متشابه على أصله مع العلم بما يؤول إليه في حق
كل من له نصيب فيه ،واعلم أن الورع هو اجتناب المحرمات ،وكل ما فيه شبهة من جانب
المحرم فيجتنب لذلك الشبه ،وهو المعبر عنه بالشبهات أي الشيء الذي له شبه بما جاء النص
الصريح بتحريمه من كتاب أو سنة أو إجماع ،بالحال الذي يوجب له هذا االسم َ «.وما يَذَّ َّك ُر
ب »وهم الغواصون الذين يستخرجون لب األمور إلى الشهادة العينية ،بعد ما ِإ َّال أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
كان يستر ذلك اللب القشر الظاهر الذي كان به صونه ،فإن الراسخ في العلم جمع بين اإليمان
الذي هو الدين الخالص ،وبين ما تستحقه مرتبته من التسليم هّلل في كل ما يخبر به عن نفسه ،
وأما العقول التي أدركها الفضول فتأولت المتشابه من األمور ،فنحن نسلم لهم حالهم وال
ّللا بما قاله فنعتمد عليه أوليس بمراده نشاركهم في ذلك التأويل ،فإنا ال ندري هل ذلك مراد ه
فنرده ،فلهذا التزمنا التسليم .فإذا سئلنا عن مثل هذا قلنا :إنها مؤمنون بما جاء من عند ه
ّللا
ّللا عليه وسلم ورسله عليهم ّللا صلهى ه
ّللا به ،وإنها مؤمنون بما جاء من عند رسول ه على مراد ه
ّللا عليه وسلم ومراد رسله عليهم السالم ،ونكل العلم في ّللا صلهى ه
السالم على مراد رسول ه
ّللا في هذا األمر مثلنا ،يرد عليها
كل ذلك إليه سبحانه وإليهم وقد تكون الرسل بالنسبة إلى ه
ّللا فتسلمه إليه سبحانه وتعالى كما سلمناه وال تعرف تأويله ،هذا ال يبعد ،وقد هذا اإلخبار من ه
ّللا بأي وجه كان ،هذا أيضا ال يبعد ،وهذه كانت طريقة السلف تكون تعرف تأويله بتعريف ه
ّللا قلبه وأخلص هّلل ّللا لهم خلفا بمنهه .فطوبى لمن راقب ربه وخاف ذنبه وعمر بذكر ه جعلنا ه
حبه .
وفي هذا الزمان أمر عظيم خطبه ،وع هم ضرره ،وهو ما تظاهر به بعض المبتدعة المنتسبين
إلى الحديث والفقه ،وأشاعه في العامة والخاصة ،من اعتقاد ظواهر اآليات المتشابهة في
أسمائه تعالى وصفاته ،من غير تعرض لصرفها عما يوهم التشبيه والتجسيم ،ويزعم أنه في
ذلك متمسك بالكتاب وماش في طريقة السلف الصالح ،ويشنع على من تعرض إلى شيء منها
بتأويل أو صرفه على ظاهره بدليل ،وينسبه في ذلك إلى مخالفة الصحابة والتابعين رضوان
ّللا عليهم أجمعين ،لكونهم ما نقل عنهم التعرض لشيء من ذلك ،وقد ض هل وأض هل كثيرا ، ه
وما يض هل
ص 414
ص 422 :
ّللا تعالى على عبده ،طهارة قلبه به إال من هو قاصر الفهم ضعيف النور ،ومن أج هل منح ه
وسالمة فطرته وقلة منطقه ،فإنه بذلك يلقن الحكمة ،ويسمع هواتف الحق في كل نفس من
أنفاسه ،ويضيء له في ليل المتشابه مصباح المحكم ،فيرسخ قدم صدقه في معرفة ربه
سبحانه ،ويحيى بلده الطيب بغيث الهدى والعلم ،فيخرج نباته بإذن ربه ،كشجرة طيبة أصلها
ثابت وفرعها في السماء ،تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ،ويسلك بنحل أفكاره سبل االستقامة
ّللا
،فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ،وقد كان للصحابة رضوان ه
عليهم من هذا المشرب أصفاه وأعذبه ،ومن العلم بالكتاب والسنة أزكاه وأطيبه ،وكيف ال
ّللا وفيهم رسوله ،ولهم باالعتصام با هّلل ما ضمنت لهم به يكونون كذلك وقد تليت عليهم آيات ه
باّلل فقد هدي إلى صراط مستقيم ،يعلمون الناسخ والمنسوخ الهداية واالستقامة ،ومن يعتصم ه
بالمعاصرة ،وأسباب النزول بالوقائع ،ويفهمون ما أودع في مواقع التركيب وأساليب البيان
ّللا والرسول ،فيعلمه الذين يستنبطونه منهم ،وهم
بالطباع ،يردهون ما اختلفوا فيه إلى ه
الراسخون في العلم وأولو األمر ،يتدبرون القرآن ويردهون المتشابه إلى معنى المحكم ،
ّللا لوجدوا فيه
ويقولون آمنا به كل من عند ربنا ،فال اختالف فيه ،ولو كان من عند غير ه
اختالفا كثيرا ،وألجل ذلك لم ينقل عنهم اعتناء بإيضاح آيات األسماء والصفات ،وال أكثروا
السؤال عنها لعدم إشكالها بحسب لغتهم ،والتساع مجال إفهامهم في معانيها الصحيحة ،وكان
ّللا عنهم أن ال يثق أحدهم بفهمه في استيعاب المراد منها ،فسكتوا عنهامن أدبهم رضي ه
ّللا تعالى من االتساع الموافق للهغة واآليات المحكمة ، مفوضين إلى كل فهم صحيح ،ما منحه ه
ّللا وجهه ،هل عندكم كما في صحيح البخاري وغيره عن أبي جحيفة ،قال :قلت لعلي كرم ه
ّللا ،أو فهما أعطيه رجل مسلم ،أو ما في هذه الصحيفة ،وفي كتاب ؟ قال :ال ،إال كتاب ه
ّللا عليه وسلمّللا عبده فهما في القرآن ،فلما انقطع بموته صلهى ه
بعض الروايات إال ما يعطيه ه
ّللا
عن ظواهر األسماع مدد روح الوحي ،وعفت عهود بانقراض علماء الصحابة رضي ه
عنهم ،وضعف استنباط المتشابه من المحكم -بمخالطة النبط والعجم -المعنى الواضح
بمالبسة العجم ،وحصل التمرج في القلوب ،فزاغت وحجبت عن هواتف الغيب ،وكثر
الكالم فيما ال يعني ،فق هل إيتاء الحكمة ،هنالك ظهرت أرباب البدع وأشكل معنى المتشابه ،
ّللا تعالى به هذه األمة
فاتبعه من في قلبه زيغ ،وكاد األمر يلتبس لوال ما أيد ه
ص 415
ص 423 :
من العلماء الوارثين ،والسلف الصالح ،فنهضوا لمناظرة أرباب البدع وتخطئتهم ،وحل
شبههم ،ونهوا الناس عن اتباعهم وعن اإلصغاء إليهم ،وعن التعرض باآلراء المتشابهة ،
وحسموا مادة الجدال فيه والسؤال عنه ،سدا للذريعة واستغناء عنه بالمحكم ،وأمروا باإليمان
وبإمراره كما جاء من غير تعطيل وال تشبيه ،وكان ذلك في عصرهم مغنيا ،لوال أن
ّللا سبحانه المبتدعة دونوا بدعهم ،ونصبوا عليها أشراك الشبه واألهواء المضلة ،فوفهق ه
الراسخين من علماء السنة ،فدونوا في الرد عليهم الكتب الكالمية ،وأيدوها بالحجج العقلية
ّللا الحق على ألسنتهم ،وقمع أهل الباطل والبراهين المقيدة من الكتاب والسنة ،إلى أن أظهر ه
ّللا تعالى عن نصيحة هذه األمة أفضل الجزاء ، والزيغ وأطفأ نار البدع واألهواء ،فجزاهم ه
ّللا تعالى وإياك لما اختلف فيه من الحق بإذنه ،أن ربنا سبحانه وتعالى ، ونقول ،اعلم هداني ه
متكلم عالم مريد قدير ،ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،أحدي فال أين وال تركيب لذاته
،أزلي فال كيف وال ترتيب لصفاته ،أبدي فال تناهي لجالله وإكرامه ،تنزه في سمعه وبصره
وعز في قدرته عن الشريك والمعين ،وجل في إرادته عن ه وإدراكه وبطشه عن الجوارح ،
وتفرد في كالمه عن الحروف واألصوات ،وتعالى في استوائه عن التشبيه ه األغراض ،
والكون ،وتقدس في علوه وفوقيته عن الجهات ،ينزل سبحانه بال نقلة ،ويجيء ويأتي بال
حركة ،وتراه أبصار المؤمنين بال إدراك وال إحاطة ،ال حد لقربه ،وال مثل لحبه ،وال ثورة
لغضبه ،وال كيف له في رضاه وضحكه ،وال شفعية إال بمعيته ،وال وترية إال بظهور قهره
وأحديته ،وال بقاء إال ألهل عنديته ،نفسه تعالى ذاته أو أم كتابه ،ووجه نور توحيده عند
إقباله ،وصورته تعالى مظاهر تعرفاته ،وظلل غمامه ويده ويداه وأيديه أسماء حقائق
يتصرف بها في مخلوقاته ،وأعينه وعينه آياته المبصرة القائمة بالحفظ والرعاية
للمخصوصين من عباده ،وقدمه قدم الصدق الذي بشر به المؤمنين ،وجنبه صحبته وكالءته
للذاكرين من أتباع النبيين ،وهو األول واآلخر ،فما من عرض وال جوهر إال وهو مبدوء
بأوليته ،مختوم بآخريته ،وهو الظاهر بحكمه في محكمه ،الباطن بعلمه في متشابه آياته ،
وحكمه ظهر بمعيته في باطن وتريته ،فنشأت أعداد مصنوعاته ،وبطن بقدم أحديته في أسماء
ض َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َج ُع ْاأل َ ْم ُر ُكلُّهُ
ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِْب ال َّ الحوادث ،فرجعت بحقائق هوياته إليه( َو ِ َّ ِ
ّلل َ
غي ُ
علَ ْي ِه )ال شريك له في ملكه ،وهو يؤتي الملك من يشاء ،وال مثل له في كنهه ، فَا ْعبُ ْدهُ َوت َ َو َّك ْل َ
ناض َرة ٌ
وله المثل األعلى ،تقدهس عن النظير في الدنيا واآلخرة ُ (.و ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ ِ
ص 416
ص 424 :
ناظ َرة ٌ )وتنزه عن الجهات وهو ه
ّللا في السماوات ،وتعالى عن التشبيه وله اآليات ِإلى َر ِبهها ِ
المتشابهات ،يجتني معانيها أهل قربه في ريان جنان ذكره ،كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا
قالوا :هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ،ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ،
فيقول الراسخون في العلم .
ص 417
ص 425 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 10إلى 13
ش ْيئا ً َوأُولئِكَ ُه ْم َوقُو ُد النه ِار ( 10 ّللا َ ع ْن ُه ْم أ َ ْموالُ ُه ْم َوال أ َ ْوال ُد ُه ْم ِم َن ه ِ
ي َ ِين َكفَ ُروا لَ ْن ت ُ ْغنِ َ
ِإ هن الهذ َ
ب( شدِي ُد ا ْل ِعقا ِ
ّللاُ َّللاُ ِبذُنُو ِب ِه ْم َو ه ِين ِم ْن قَ ْب ِل ِه ْم َكذهبُوا ِبآياتِنا فَأ َ َخذَ ُه ُم هب آ ِل فِ ْرع َْو َن َوالهذ َ ) َكدَأْ ِ
كان لَ ُك ْم آيَةٌ س ا ْل ِمها ُد ( ) 12قَ ْد َ ون ِإلى َج َهنه َم َو ِبئْ َ ون َوتُحْ ش َُر َ ِين َكفَ ُروا َ
ست ُ ْغلَبُ َ ) 11قُ ْل ِللهذ َ
ي ا ْلعَ ْي ِن َو ه
ّللاُ يُ َؤ ِيه ُد ّللا َوأ ُ ْخرى كافِ َرةٌ يَ َر ْونَ ُه ْم ِمثْلَ ْي ِه ْم َرأْ َ سبِي ِل ه ِ فِي فِئَت َ ْي ِن ا ْلتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِ ُل فِي َ
صار ) ( 13 بِنَص ِْر ِه َم ْن يَشا ُء إِ هن فِي ذ ِلكَ لَ ِع ْب َرةً ِألُو ِلي ْاأل َ ْب ِ
لعبرة أي تعجبا ،فإن في إسبال الستور الجهل باألمور ،واألبصار تخترق األستار ،لهذا
ْصار »والستر مسدل ،والباب مقفل ،والعطاء شرع االعتبار« ِإ َّن فِي ذ ِل َك لَ ِعب َْرة ا ِألُو ِلي ْاألَب ِ
مسبل ،فما نفع الحجاب ،وال منع باب ،بصر االعتبار ال يقف له شيء من االسكار ،وهو
ّللا العبرة لألبصار ،واالعتبار إنما هو للبصائر ، النظر في األشياء بحكم االعتبار ،وجعل ه
ّللا
فذكر األبصار ألنها األسباب المؤدية إلى الباطن ما يعتبر فيه عين البصيرة ،فاعلم أن ه
خص ظاهره من باطنه ،وال باطنه من ظاهره ،فتوفرت دواعي ه خاطب اإلنسان بجملته ،وما
الناس أكثرهم إلى معرفة أحكام الشرع في ظواهرهم ،وغفلوا عن األحكام المشروعة في
بواطنهم ،إال القليل ،فإنهم بحثوا في ذلك ظاهرا وباطنا ،فما من حكم قرروه شرعا في
ظواهرهم إال ورأوا أن ذلك الحكم له نسبة إلى بواطنهم ،أخذوا على ذلك جميع أحكام الشرع
ّللا بما شرع لهم ظاهرا وباطنا ،ففازوا حين خسر األكثرون ،ونبغت طائفة ضلهت ،فعبدوا ه
وأضلهت ،فأخذت األحكام الشرعية وصرفتها في بواطنهم ،وما تركت من حكم الشريعة في
الظواهر شيئا ،تسمى الباطنية ،وهم في ذلك على مذاهب مختلفة ،وقد ذكر اإلمام أبو حامد
في كتابه المستظهر له في الرد عليهم شيئا من مذاهبهم ،وبيهن خطأهم فيها ،والسعادة إنما هي
مع أهل الظاهر ،وهم في الطرف والنقيض من أهل الباطن ،والسعادة كل السعادة مع الطائفة
باّلل وبأحكامه .فما من حكم من أحكام فرائض التي جمعت بين الظاهر والباطن ،وهم العلماء ه
الشريعة وسننها واستحباباتها إال وله في الباطن
ص 418
ص 426 :
حكم أو أزيد ،على قدر ما يفتح للعبد في ذلك ،فرضا كان أو سنة أو مستحبا ،ال ب هد من ذلك
،وح هد ذلك في سائر العبادات المشروعة كلها ،وبهذا يتميز حكم الظاهر من الباطن ،فإن
الظاهر يسري في الباطن ،وليس في الباطن أمر مشروع ،يسري في الظاهر ،بل هو عليه
مقصور ،فإن الباطن معان كلها ،والظاهر أفعال محسوسة ،فينتقل من المحسوس إلى المعنى
الحس ،لهذا جاء االعتبار في الشرع ،فإن خطاب الشرع إذا تعلق ه وال ينتقل من المعنى إلى
بالظاهر كان اعتباره في الباطن ،وإذا تعلق خطاب الشرع بالباطن كان اعتباره في الظاهر ،
فالعالم ال يزال ناظرا إلى الشرع بمن علق الحكم فيما جاء به في هذه المسألة الخاصة ،هل
بالظاهر مثل الحركات ؟ أو بالباطن مثل النية والحسد والغل وتمني الخير للمؤمنين والظن
الحسن والظن القبيح ؟ فحيث ما علق الشارع خطاب اللسان الظاهر به كان االعتبار في مقابله
،أو في مقابلة الحكم ،كالظن الحسن يقابله الظن القبيح ،ويقابله الفعل الحسن في الظاهر ،
هذه مقابلة المواطن ،فنجمع بين الظاهر والباطن لكمال النشأة ،فإنه ما يظهر في العالم
ّللا بأي سبب ظهرت من أشكال وغيرها ،إال ولتلك العين الحادثة في صورة من أحد من خلق ه
ّللا هو الموجد على الحقيقة الحس روح ،تصحب تلك الصورة في الشكل الذي ظهر ،فإن ه
لتلك الصورة بنيابة كون من أكوانه ،من ملك أو جن أو إنس أو حيوان أو نبات أو جماد ،
ّللا قد ربط بكل صورة الحس .فلما علمنا أن ه
ه وهذه األسباب كلها لوجود تلك الصورة في
حسية روحا معنويا بتوجه إلهي عن حكم اسم رباني ،لهذا اعتبرنا خطاب الشرع في الباطن
على حكم ما هو في الظاهر ،قدما بقدم ،ألن الظاهر منه هو صورته الحسية ،والروح
اإللهي المعنوي في تلك الصورة هو الذي نسميه االعتبار في الباطن ،من عبرت الوادي إذا
ْصار »وقال( فَا ْعتَبِ ُروا يا أُو ِلي ْاألَب ِ
ْصار جزته ،وهو قوله تعالى« ِإ َّن فِي ذ ِل َك لَ ِعب َْرة ا ِألُو ِلي ْاألَب ِ
)أي جوزوا مما رأيتموه من الصور بأبصاركم ،إلى ما تعطيه تلك الصور من المعاني
واألرواح في بواطنكم ،فتدركونها ببصائركم ،وأمر وحث على االعتبار ،وهذا باب أغفله
العلماء وال سيما أهل الجمود على الظاهر ،فليس عندهم من االعتبار إال التعجب ،فال فرق
بين عقولهم وعقول الصبيان الصغار ،فهؤالء ما عبروا قط من تلك الصورة الظاهرة كما
ّللا.
أمرهم ه
ص 419
ص 427 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 14
ض ِة َوا ْل َخ ْي ِل ير ا ْل ُمقَ ْن َط َر ِة ِم َن الذه َه ِ
ب َوا ْل ِف ه ين َوا ْلقَ ِ
ناط ِ ساء َوا ْلبَنِ َ
ت ِم َن ال ِنه ِش َهوا ِ ب ال ه
اس ُح ُّ ُز ِيه َن ِللنه ِ
ب ) ( 14 س ُن ا ْل َمآ ِّللاُ ِع ْن َدهُ ُح ْ
ع ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َو ه س هو َم ِة َو ْاأل َ ْن ِ
عام َوا ْل َح ْر ِ
ث ذ ِلكَ َمتا ُ ا ْل ُم َ
»فصوره ت
ش َهوا ِ اس ُحبُّ ال َّ ّللا فيها« ُز ِيهنَ ِللنَّ ِ لما قبلت الحضرة الخيالية المعاني صورا قال ه
الحب صورة ،زينها لمن شاء من عباده ،فأحبها بنفسها ما أحبها بغيرها ،ألنه تعالى ما زيهن
له إال حب الشهوة فيما ذكره ،فالحب المطلق زين له ،ثم علقه بالشهوة فيما ذكره ،وعلقه
فإن الخيال لمن شاء في الشهوة أيضا في أمر آخر ،وإنما ذكر الشهوة ألنها صورة طبيعية ،ه
حضرته الطبيعة ،ثم يحكم عليها الخيال فيجسدها إذا شاء ،والشهوة هي آلة النفس تعلو بعلو
المشتهى وتسفل باستفال المشتهى ،والشهوة إرادة االلتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به ،وال يلتذ إال
بالمناسب ،والتذاذ اإلنسان بكماله أشد االلتذاذ ،برهان ذلك أن اإلنسان ال يسري في كله
االلتذاذ ،وال يفنى في مشاهدة شيء بكليته ،وال تسري المحبة والعشق في طبيعة روحانيته إال
إذا عشق جارية أو غالما ،وسبب ذلك أنه يقابله بكليته ألنه على صورته ،وكل شيء من
العالم جزء منه ،فال يقابله إال بذلك الجزء المناسب ،فلذلك ال يفنى في شيء يعشقه إال في
ساء »أي في النساء ،فحنين الرجل إليهن حنين الكل إلى مثله ،ولذلك بدأ بالنساء فقال« ِمنَ ال ِنه ِ
جزئه ،كاستيحاش المنازل لساكنيها التي بهم حياتها ،وألن المكان الذي في الرجل الذي
ّللا بالميل إليها ،فحنينه إلى المرأة حنين الكبير ،وحنوه على استخرجت منه المرأة عمره ه
الصغير ،وكذلك كما كان اإلنسان مح هل التكوين ،وكان اإلنسان بالصورة يقتضي أن يكون
فعاال ،وال ب هد له من محل يفعل فيه ،ويريد لكماله أن ال يصدر عنه إال الكمال ،وال أكمل من
ّللا محال ،والمرأة جزء من وجود اإلنسان ،وال يكون ذلك إال في النساء الالتي جعلهن ه
الرجل باالنفعال الذي انفعلت عنه ،حبب إلى الكامل النساء ،ولما كانت المرأة عين ضلع
الرجل ،فما كان محل تكوين ما كون فيها إال نفسه ،فما ظهر عنه مثله إال في عينه ونفسه ،
ثم ذكر فتنة الولد والمال ،وهذه الفتن تضم األمهات الثالث للبالء واالختبار :وهي فتنة النساء
والولد والمال ،وأما فتنة الولد فلكونه سر أبيه وقطعة من كبده ،وألصق األشياء به ،فحبه
ص 420
ص 428 :
ّللا بنفسه في صورة خارجة حب الشيء نفسه ،وال شيء أحب إلى الشيء من نفسه ،فاختبره ه
عنه سماه ولدا ،ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق في إقامة الحقوق عليه ،يقول
ّللا عليه وسلم في حق ابنته فاطمة ومكانتها من قلبه المكانة التي ال تجهل [ : ّللا صلهى ه رسول ه
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها ] وجلد عمر بن الخطاب ابنه في الزنا فمات ،
ونفسه بذاك طيبة .فما من فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد ،والمال ،الولد مجهلة مجبنة
مبخلة ،والمال مالك ،وصاحبه بكل وجه ،وإن فاز هالك ،إن أمسكه أهلكه ،وإن جاد به
ّللا به عباده حيث جعل تيسير بعض تركه ،وما سمي ماال إال لكونه يمال إليه طبعا ،فاختبر ه
األمور بوجوده ،وعلهق القلوب بمحبة صاحب المال وتعظيمه ،ولو كان بخيال ،فإن العيون
تنظر إليه بعين التعظيم ،لتوهم النفوس باستغنائه عنهم ،لما عنده من المال ،وربما يكون
صاحب المال أشد الناس فقرا إليهم في نفسه ،وال يجد في نفسه االكتفاء وال القناعة بما عنده ،
فهو يطلب الزيادة مما بيده ،ومن أراد أن يعتصم من التزيين ،فليقف عند ظاهر الكتاب
والسنة ،ال يزيد على الظاهر شيئا ،فإن التأويل قد يكون من التزيين ،فما أعطاه الظاهر
ّللا ،وآمن به ،فهذا متبع ليس للتزيين عليه سبيل جرى عليه ،وما تشابه منه ،وكل علمه إلى ه
ب »اإلنسان يتردد بين ثالثة أحكام : ّللاُ ِع ْن َدهُ ُحس ُْن ْال َمآ ِ
ّللا َ «.و َّ
،وال يقوم عليه حجة عند ه
حكم ذاتي له منه عليه وهو المباح ،وحكمان قرنا به مما قرن به من األرواح الطاهرة الملكية
وغير الطاهرة الشيطانية ،وله القبول والر هد بحسب ما سبق به الكتاب ،وقضى به الخطاب ،
ّللا تبيان فمنهم شقي وسعيد ،كما كان من القرناء مقرب وطريد ،فهو لمن أجاب ،وعلى ه
ّللا قط بالمآب إليه ّللا عنده حسن المآب » وما قرن ه الخطأ من الصواب ،وغاية األمر « أن ه
سيَ ْعلَ ُم الَّذِينَ
سوءا تصريحا ،وغاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم األول (َ .و َ
ظلَ ُموا أ َ َّ
ي ُم ْنقَلَ ٍ
ب يَ ْنقَ ِلبُونَ ) . َ
ص 421
ص 429 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 17
حار ( ) 17
س ِين ِب ْاأل َ ْ ين َوا ْل ُم ْ
ست َ ْغ ِف ِر َ ين َوا ْل ُم ْن ِف ِق َ
ين َوا ْلقانِتِ َ
صا ِدقِ َ
ين َوال ه صا ِب ِر َ ال ه
ْحار »عند تجليه من سمائه ،والسحر هو سدفة ،وهو اختالط الضوء « َو ْال ُم ْست َ ْغ ِف ِرينَ ِب ْاألَس ِ
والظلمة ،فال هو ظلمة محضة ،وال هو نور محض ،فله وجهان :وجه إلى الليل ،ووجه
إلى النهار ،وهو الوقت الذي بين الفجرين ،الفجر الكاذب ،والفجر الصادق ،وهو أشبه
ّللا عند تجليه من سمائه التستر عن
بالشبهة ،لذلك شرع االستغفار في األسحار ،أي طلب من ه
الميل إلى المتشابه .وقد ذكر تعالى أنه ما يتبعه إال من في قلبه زيغ .
ص 422
ص 430 :
العلماء له ،فأخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه ،وأخبر تعالى أن
العلماء هم الموحدون على الحقيقة ،والتوحيد أشرف مقام ينتهى إليه ،وليس وراءه مقام إال
التثنية ،فمن زلت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حاال وقع في الشرك ،فمن زلت قدمه في
الرسم فهو مؤبد الشقاء ال يخرج من النار أبدا ال بشفاعة وال بغيرها ،ومن زلت قدمه في
الحال فهو صاحب غفلة ،يمحوها الذكر وما شاكله ،فإن األصل باق يرجى أن يجبر فرعه
ّللا تعالى وعنايته ،والموحد هّلل في ألوهته إن كان عن شهود ال عن نظر وفكر ،فهو من ه
بمن ه
ّللا في هذه اآلية ،ألن الشهادة إن لم تكن عن شهود وإال فال ،فإن أولي العلم الذين ذكرهم ه
الشهود ال يدخله الريب وال الشكوك ،وإن و هحده بالدليل الذي أعطاه النظر ،فما هو من هذه
الطائفة المذكورة ،فإنه ما من صاحب فكر ،وإن أنتج له علما إال وقد يخطر له دخل في دليله
وشبهة في برهانه ،يؤديه ذلك إلى التحيهر والنظر في ر هد تلك الشبهة ،فلذلك ال يقوى صاحب
النظر في علم ما يعطيه النظر قوة صاحب الشهود ،لذلك كان أرباب الفيض اإللهي الذين قال
علَّ ْمناهُ ِم ْن لَ ُدنَّا ِع ْلما ا )والذين ورثوا العلم وأخذوه بالمجاهدة واألعمال ،قال
تعالى فيهم َ ( :و َ
ّللا علم ما ال يعلم ]
ّللا عليه وسلم [ من عمل بما علم أورثه ه ّللا صلهى هرسول ه
ّللا أعطاهم من الفيض اإللهي ما كان هؤالء أولى باسم العالم من صاحب النظر والفكر ،ألن ه
هو وراء طور العقل ،وهم على بصيرة فيما يعلمونه ال يدخلهم شبهة ؛ وصاحب النظر ما
يخلو عن شبهة تدخل عليه في دليله وقال تعالى« َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم »ولم يقل ( وأولو اإليمان ) ألن
أولي العلم شهدوا هّلل بتوحيده قبل إيمانهم ،ومنهم الرسل قد وحدوه قبل أن يكونوا أنبياء ورسال
،فإن الرسول ما أشرك قط ،فرتبة العلم فوق رتبة اإليمان بال شك ،وهي صفة المالئكة
والرسل ،وقد يكون حصول ذلك العلم عن نظر أو ضرورة كيفما كان ،فيسمى علما إذ ال
قائل وال مخبر يلزم التصديق بقوله ،فلما أضافهم إلى العلم ال إلى اإليمان علمنا أنه أراد من
حصل له التوحيد من طريق العلم النظري أو الضروري ال من طريق الخبر ،كأنه يقول :
وشهدت المالئكة بتوحيدي بالعلم الضروري من التجلي الذي أفادهم العلم ،وقام لهم مقام
النظر الصحيح في األدلة العقلية ،فشهدت لي بالتوحيد كما شهدت لنفسي« َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم
»بالنظر العقلي الذي جعلته في عبادي ،ثم جاء اإليمان بعد ذلك في الرتبة الثانية من العلماء ،
ّللا به أمر ،وسميناه
وهو الذي يعول عليه في السعادة ،فإن ه
ص 423
ص 431 :
ّللا عليه وسلم ّللا صلهى ه ّللا ،فقال( فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ ال ِإلهَ ِإ َّال َّ
ّللاُ )قال رسول ه علما لكون المخبر هو ه
ّللا دخل الجنة ] ولم يقل هنا يؤمن ،فإن في الصحيح [ من مات وهو يعلم أنه ال إله إال ه
اإليمان موقوف على الخبر ،وقد علمنا أن هّلل عبادا كانوا في فترات ،وهم موحدون علما ،
ّللا عليه وسلم عامة ،فيلزم أهل كل زمان اإليمان ّللا صلهى ه وما كانت دعوة الرسل قبل رسول ه
ّللا ،المؤمن منهم من حيث ما هو عالم به من جهة ،فع هم بهذا الكالم جميع العلماء بتوحيد ه
الخبر الصدق الذي يفيد العلم ال من جهة اإليمان ،وغير المؤمن ،فاإليمان ال يصح وجوده إال
باّلل وغير
ّللا عليه وسلم ،وبين يديه العلماء ه بعد مجيء الرسول ،فإذا جاء الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم ّللا ،علمنا على القطع ،أنه صلهى ه باّلل ،وقال للجميع :قولوا ال إله إال ه العلماء ه
ّللا من المشركين ،وعلمنا أنه في ذلك القول أيضا في ذلك القول معلم لمن ال علم له بتوحيد ه
باّلل ،وتوحيده أن التلفظ به واجب ،وأنه العاصم لهم من سفك دمائهم وأخذ معلم للعلماء ه
ّللا عليه وسلم [ :أمرت أن أقاتل الناس ّللا صلهى ه أموالهم وسبي ذراريهم ،ولهذا قال رسول ه
ّللا ،فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم وحسابهم حتى يقولوا ال إله إال ه
ّللا ].
على ه
باّلل
فالحكم هنا للقول ال للعلم ،والحكم يوم تبلى السرائر في هذا العلم ال للقول ،فأعلم العلماء ه
ْط »فوصف باّلل باألدلة ومن دونهم «.قائِما ا ِب ْال ِقس ِ ّللا وأولياؤه ،ث هم العلماء ه ّللا رسل ه بعد مالئكة ه
الحق نفسه في هذا التوحيد أنه قائم بالقسط ،أي بإقامة الوزن ،أي بالعدل فيما فصل به بين
الشهادتين ،فشهد لنفسه بتوحيده وشهد لمالئكته وأولي العلم أنهم شهدوا له بالتوحيد ،وهذا من
ّللا شهد لعباده باب قيامه بالقسط ،وهو من باب فضل من أتى بالشهادة قبل أن يسألها ،فإن ه
أنهم شهدوا بتوحيده قبل أن يسأل منه عباده ذلك ،وهذا هو التوحيد الخامس في القرآن ،وهو
ّللاُ أَنَّهُ ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو »وهو توحيد الهوية ،والشهادة على االسم المقسط ، ش ِه َد َّ
قوله تعالى« َ
وهو العدل في العالم بإعطاء كل شيء خلقه ،فوصف نفسه بإقامة الوزن في التوحيد ،أعني
ّللا الشاهد على ذلك من حيث أسماؤه توحيد الشهادة بالقيام بالقسط ،وجعل ذلك للهوية ،وكان ه
كلها ،فإنه عطف بالكثرة وهو قوله« َو ْال َمالئِ َكةُ َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم » ،فعلمنا حيث ذكر ه
ّللا ،ولم
يعين اسما خاصا أنه أراد جميع األسماء اإللهية التي يطلبها العالم بالقسط ،إذ ال يزن على
نفسه ،فلم يدخل تحت هذا إال ما يدخل في الوزن ،فهذا توحيد القسط في إعطاء الحق في هذه
ْط »« ال ِإلهَ ِإ َّال الشهادة ،فإنه قال بعد قوله« قائِما ا ِب ْال ِقس ِ
ص 424
ص 432 :
يز ْال َح ِكي ُم » ،وبيهن الحق في هذه اآلية أن الشهادة ال تكون إال عن علم ال عن غلبة ظن ُه َو ْالعَ ِز ُ
،وال تقليد إال تقليد معصوم فيما يدعيه ،فتشهد له بأنك على علم ،كما نشهد نحن على األمم
أن أنبياءها بلهغتها دعوة الحق ،ونحن ما كنا في زمان التبليغ ،ولكن ص هدقنا الحق فيما أخبر به
في كتابه ،وكشهادة خزيمة ،وذلك ال يكون إال لمن هو في إيمانه على علم بمن آمن به ،ال
على تقليد وحسن ظن .
ثم قوله تعالى بنفسه« ال إِلهَ إِ َّال ُه َو »نظير الشهادة األولى التي له ،فحصلت شهادة العالم له
بالتوحيد بين شهادتين إلهيتين أحاطتا بها ،حتى ال يكون للشقاء سبيل إلى القائل بها ،ثم ت همم
يز »ليعلم أن الشهادة الثانية له مثل األولى القتران العزة بها ،أي ال ينالها إال هو بقوله« ْالعَ ِز ُ
ّللا ،
،ألنها منيعة الحمى بالعزة ،ولو كانت هذه الشهادة من الخلق لم تكن منيعة الحمى عن ه
ّللا لنفسه ،فهو تعالى العزيز فال يصل أحد إلى العلم وال فد هل إضافة العزة لها على أنها شهادة ه
إلى الظفر بحقيقته .وقوله« ْال َح ِكي ُم »لوجود هذا الترتيب في إعطاء السعادة لصاحب هذه
ّللا ،من حيث االسم األول واآلخر وشهادة الشهادة ،حيث جعلها بين شهادتين منسوبتين إلى ه
حق قدرها ، الخلق بينهما ،فسبحان من قدهر األشياء مقاديرها ،وعجز العالم عن أن يقدهروها ه
فقرب البعيد في فكيف أن يقدروا من خلقها ،وهو تعالى الحكيم الذي نزل لعباده في كلماته ،ه
باّلل ،فشهد ّللا جعل في قلب العارف كنز العلم ه الخطاب لحكمة أرادها تعالى -فائدة -اعلم أن ه
هّلل بما شهد به الحق لنفسه من أنه ال إله إال هو ،ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ،فقال
ّللاُ أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال ُه َو َو ْال َمالئِ َكةُ َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم »فجعلها كنزا في قلوب العلماء ه
باّلل ش ِه َد َّتعالى َ «:
،ولما كانت كنزا لذلك ال تدخل الميزان يوم القيامة ،وما يظهر لها عين إال إن كان في الكثيب
األبيض يوم الزور ،ويظهر جسمها وهو النطق بها عناية لصاحب السجالت ال غير ،فذلك
الواحد يوضع له في ميزانه التلفظ بها ،إذ لم يكن له خير غيرها ،فما يزن ظاهرها شيء ،
فأين أنت من روحها ومعناها ؟ فهي كنز م هدخر أبدا دنيا وآخرة ،وكل ما ظهر في األكوان
واألعيان من الخير فهو من أحكامها وحقها .
3 / 19
سورة آلعمران ( : ) 3آية 19
ِين أُوتُوا ا ْل ِكت َ َ
اب ِإ هال ِم ْن بَ ْع ِد َما َجا َء ُه ُم ا ْل ِع ْل ُم بَ ْغيًا بَ ْينَ ُه ْم ف الهذ َ س َل ُم َو َما ْ
اختَلَ َ ِين ِع ْن َد ه ِ
ّللا ْ ِ
اإل ْ ِإ هن ال هد َ
ب ()19 س ِري ُع ا ْل ِح َ
سا ِ ّللا فَ ِإ هن ه َ
ّللا َ ت هِ َو َم ْن يَ ْكفُ ْر ِبآيَا ِ
ص 425
ص 433 :
اإلسالم االنقياد إلى ما دعاك الحق إليه ظاهرا وباطنا على الصفة التي دعاك أن تكون عليها
ّللا تعالى ،فمن عند اإلجابة - ،إشارة -الدين االنقياد ،والناموس هو الشرع الذي شرعه ه
ّللا له فذلك الذي قام بالدين ،وأقامه أي أنشأه كما يقيم الصالة ، اتصف باالنقياد لما شرعه ه
فالمكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف ،فالموافق المطيع ال كالم فيه لبيانه ،وأما المخالف ،
ّللا أحد أمرين ،إما التجاوز والعفو ،وإما األخذ على ذلك ، فإنه يطلب بخالفه الحاكم عليه من ه
وال بد من أحدهما ألن األمر حق في نفسه ،فإنه يقتضي االنقياد ،فعلى كل حال صح انقياد
الحق إلى عبده بأفعاله وما هو عليه من الحال .
-تحقيق -ما في الكون إال مسلم لغة ،ألنه ما ث هم إال منقاد لألمر اإللهي ،ألنه ما ث هم من قيل له
ّللا اإلسالم منه ومنك ، كن فأبى ،بل يكون من غير تثبهط ال يصح إال ذلك ،إن الدين عند ه
سواء كنت مخالفا للشرائع أو موافقا لها ،فالموافق لما أسلم إلى الحق ما يرضاه من انقياده ،
ّللا عنهم ورضوا عنه ،والمخالف أيضا على أسلم إليه ما يرضيه من نتائج استعداده ،رضي ه
وفق استعداده وقوة إنتاج فعله وإمداده ،فإن قوى إسالمه في الظلم والعدوان حكما في جميع
األديان ،أضرمت نتائجه عليه النيران وتسربل بالقطران ،ومن ضعفت مخالفاته وقويت
طاعاته في إسالمه ،أسلم إليه الحق الغفران ،فالكل دين وثواب ،ووفاق وعقاب ،ألن الدين
في اللسان العربي هو العادة ،والعقاب هو ما يعقب من أثر األحوال ،والحساب هو إحصاء
األنفاس واألعمال واألحوال واألقوال ،والثواب هو ر هد ما يقابلها من األجر والوزر ،فالكل
ّللا ثوابا وضده عقابا ،والموافقة من أجر ،ولكن العرف سمى المالئم من ذلك إذا كان من ه
العبد دينا وإسالما ،والمخالفة فسوقا وعصيانا .
3 / 20
سورة آلعمران ( : ) 3آية 20
ين أ َأ َ ْ
سلَ ْمت ُ ْم فَ ِإ ْن ِين أُوتُوا ا ْل ِكت َ َ
اب َو ْاأل ُ ِ هم ِيه َ َّلل َو َم ِن اتهبَعَ ِن َوقُ ْل ِللهذ َ
ي ِه ِ سلَ ْمتُ َوجْ ِه َ فَ ِإ ْن َحا ُّجوكَ فَقُ ْل أ َ ْ
ير ِبا ْل ِعبَا ِد ()20
ّللاُ بَ ِص ٌ
غ َو ه أَ ْ
سلَ ُموا فَقَ ِد ا ْهتَد َْوا َو ِإ ْن ت َ َوله ْوا فَ ِإنه َما َ
علَ ْيكَ ا ْلبَ َل ُ
ّللا تعالى ،وما التبليغ أفضل األعمال ،وهو أخص أوصاف الرسل ،أي التبليغ عن ه
ص 426
ص 434 :
ّلل »أي انقدت ألمره «- وك فَقُ ْل أ َ ْسلَ ْمتُ َو ْج ِه َ
ي ِ َّ ِ عدا هذا الوصف فإنه يشارك فيه «،فَإِ ْن َحا ُّج َ
ّللا ال يصح منه الندم على فعل ما يجب عليه غ »فإن المبلغ عن ه علَي َْك ْالبَال ُ َو ِإ ْن ت َ َولَّ ْوا فَإِنَّما َ
فعله ،لضرر قام به أو شفقة على من لم يسمع حيث زاد في شقائه لما أعلمه حين لم يصغ إلى
ذلك .
3 / 21
سورة آلعمران ( : ) 3آية 21
س ِط ِم َن ون بِا ْل ِق ِْين يَأ ْ ُم ُر َ ون الهذ َ ق َويَ ْقتُلُ َ ون النهبِ ِيه َ
ين بِغَ ْي ِر َح ه ٍ ّللا َويَ ْقتُلُ َ
ت هِ ون بِآيَا ِ ِين يَ ْكفُ ُر َ إِ هن الهذ َ
يم ()21 ب أ َ ِل ٍ اس فَبَ ِ ه
ش ْر ُه ْم ِبعَذَا ٍ النه ِ
ّللا ما عصم من بالء الدنيا ،فإن األنبياء مع طاعتهم هّلل وحضورهم معه ال يأمنون أن إن ه
ّللا عامة عباده بشيء فيعم الصالح والطالح ،ألن الدنيا دار بالء ؛ قال تعالى ِ «:إ َّن يصيب ه
اس ْط ِمنَ النَّ ِ ق َويَ ْقتُلُونَ الَّذِينَ يَأ ْ ُم ُرونَ بِ ْال ِقس ِ ّللا َويَ ْقتُلُونَ النَّبِ ِيهينَ بِغَي ِْر َح ه ٍ ت َّ ِالَّذِينَ يَ ْكفُ ُرونَ بِآيا ِ
ّللا كما دعا الرسل ،ألنهم المجاهدون الذين »وهم ورثة األنبياء الذين يدعون على بصيرة من ه
ّللا بينهم وبين اختاروا ألنفسهم أن يظهروا الحق والدين ،حتى يموتوا مجاهدين ،فشرك ه
ّللا ذلك في معرض الثناء على المقتولين ،وذم الذين األنبياء في المحنة وما ابتلوا به ،وذكر ه
باّلل
ّللا واجبة على كل مؤمن ه لم يصغوا إلى ما بلغ الرسول وال الوارث إليهم ،فالنصيحة لعباد ه
،وال يبالي ما يطرأ عليه من الذي ينصحه من الضرر ،فإن الدين النصيحة هّلل ولرسوله
وألئمة المسلمين وعامتهم ،فال يصرفنك عن ذلك صارف ،وال تظهر الندم على ذلك ،فإن
ش ْر ُه ْم ّللا ال يرى في باطنه إال النور الساطع ،سواء قبل قوله أو ر هد أو أذى «.فَبَ ِ ه المخبر عن ه
ب أ َ ِل ٍيم »من جملة الخطابات اإللهية البشارات ،وهي على قسمين :بشارة بما يسوء ،مثل بِعَذا ٍ
ش ْرهُ ِب َم ْغ ِف َرةٍ َوأ َ ْج ٍرب أ َ ِل ٍيم »وبشارة بما يسر ،مثل قوله تعالى( فَبَ ِ ه ش ْر ُه ْم ِبعَذا ٍ قوله تعالى« فَبَ ِ ه
َك ِر ٍيم )فكل خبر يؤثر وروده في بشرة اإلنسان الظاهرة فهو خبر بشرى ،فالبشرى ال تختص
بالسعداء في الظاهر ،وإن كانت مختصة بالخير ،والكالم على هذه البشرى لغة وعرفا ،فأما
البشرى من طريق العرف فالمفهوم منها الخير وال بد ،ولما كان هذا الشقي ينتظر البشرى في
زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق ،قيل بشره النتظاره البشرى ،ولكن كانت البشرى له
بعذاب أليم ،وأما من طريق اللغة فهو أن يقال له :ما يؤثر في بشرته ،
ص 427
ص 435 :
فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه وضحكا وفرحا واهتزازا وطربا ،وإذا قيل له
شر أثر في بشرته قبضا وبكاء وحزنا وكمدا واغبرارا وتعبيسا ،ولذلك قال تعالى ُ ( :و ُجوهٌ
غبَ َرة ٌ ت َ ْر َهقُها قَت َ َرة ٌ )ذكر ما أثر في علَيْها َ ضاح َكةٌ ُم ْست َ ْب ِش َرة ٌ َ ،و ُو ُجوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ َ
ِ يَ ْو َمئِ ٍذ ُم ْس ِف َرة ٌ
بشرتهم ،فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير والشر لغة ،وأما في العرف فال ،ولهذا
ّللا تعالى ،فقال في حق المؤمنين( لَ ُه ُم ْالبُ ْشرى فِي ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا َوفِي ْاآل ِخ َرةِ )ولم يقل أطلقها ه
بما ذا ،فإن العرف يعطي أن ذلك بالخير ،وقرينة الحال تد هل عليه ،وقيل هنا « بشرهم »
ش َر أ َ َح ُد ُه ْم بِ ْاأل ُ ْنثى َ
ظ َّل َو ْج ُههُ ُمس َْودًّا شر ،يقول تعالى( َو ِإذا بُ ِ ه ألثر ما بشر به في بشرة كل من ب ه
ش ُر ُه ْم َربُّ ُه ْم ِب َر ْح َم ٍة ِم ْنهُ »ألن كل واحد أثر في بشرته ب أ َ ِل ٍيم »وقيل« يُبَ ِ ه ش ْر ُه ْم ِبعَذا ٍ )فقيل« فَبَ ِ ه
شر به ،ومن عيهنته الرسل بالبشرى أنه شقي فقد تميز بالشقاء ،فالبشرى مختصة بالمؤمن ما ب ه
حظ له في البشرى اإللهية برفع الوسائط . وهو يبشر الكافر ،والكافر ال ه
3 / 22
سورة آلعمران ( : ) 3آية 22
ين ()22 اص ِر َ ِين َح ِب َطتْ أ َ ْع َمالُ ُه ْم فِي ال ُّد ْنيَا َو ْاآل ِخ َر ِة َو َما لَ ُه ْم ِم ْن نَ ِ أُولَئِكَ الهذ َ
ينجونهم من ذلك العذاب .
3 / 25 - 23
سورة آلعمران ( : ) 3آية 25 : 23
قّللا ِليَحْ ُك َم بَ ْينَ ُه ْم ث ُ هم يَت َ َولهى فَ ِري ٌ
ب هِ ب يُ ْدع َْو َن إِلَى ِكتَا ِ ِين أُوتُوا نَ ِصيبًا ِم َن ا ْل ِكتَا ِ أَلَ ْم ت َ َر إِلَى الهذ َ
ت َو َ
غ هر ُه ْم فِي ار ِإ هال أَيها ًما َم ْعدُودَا ٍ سنَا النه ُ ُون ( )23ذَ ِلكَ ِبأَنه ُه ْم قَالُوا لَ ْن ت َ َم ه ِم ْن ُه ْم َو ُه ْم ُم ْع ِرض َ
سبَتْب فِي ِه َو ُو ِفهيَتْ ُك ُّل نَ ْف ٍس َما َك َ ف ِإذَا َج َم ْعنَا ُه ْم ِليَ ْو ٍم َال َر ْي َ ون ( )24فَ َك ْي َ دِينِ ِه ْم َما كَانُوا يَ ْفت َ ُر َ
ون ()25 َو ُه ْم َال يُ ْظلَ ُم َ
الجمع ظهر في ثالثة مواطن :في أخذ الميثاق ،وفي البرزخ بين الدنيا واآلخرة ،والجمع في
البعث بعد الموت ،وما ثم بعد هذا الجمع جمع يع هم ،فإنه بعد القيامة كل دار تستقل بأهلها فال
يجتمع عالم اإلنس والجن بعد هذا الجمع أبدا.
ص 428
ص 436 :
3 / 26
سورة آلعمران ( : ) 3آية 26
قُ ِل الله ُه هم َما ِلكَ ا ْل ُم ْل ِك ت ُ ْؤتِي ا ْل ُم ْلكَ َم ْن تَشَا ُء َوت َ ْن ِز ُ
ع ا ْل ُم ْلكَ ِم هم ْن تَشَا ُء َوت ُ ِع ُّز َم ْن تَشَا ُء َوت ُ ِذ ُّل َم ْن
ِير ()26 ش ْي ٍء قَد ٌ علَى ُك ِ هل َتَشَا ُء ِبيَ ِدكَ ا ْل َخ ْي ُر ِإنهكَ َ
لما كانت عبوديتنا هّلل يستحيل رفعها وعتقها ،ألنها صفة ذاتية له ،واستحال العتق منها ،نبه
تعالى على ذلك بقوله« قُ ِل اللَّ ُه َّم ما ِل َك ْال ُم ْل ِك »فسماه ملكا ليصح له اسم المالك ،ولم يقل مالك
ع ْال ُم ْل َك ِم َّم ْن تَشا ُء َوت ُ ِع ُّز َم ْن تَشا ُء َوت ُ ِذ ُّل َم ْن تَشا ُء »فإنه العالم « .تُؤْ تِي ْال ُم ْل َك َم ْن تَشا ُء َوت َ ْن ِز ُ
الربه ،فله السيادة ،والعبد المربوب -وجه «-قُ ِل اللَّ ُه َّم ما ِل َك ْال ُم ْل ِك »وأي ملك أعظم من
العلم« تُؤْ تِي ْال ُم ْل َك َم ْن تَشا ُء »وهو ما أعطاه من العلم للمؤمن المقلد الجاهل ،السعيد في الدار
ع ْال ُم ْل َك ِم َّم ْن تَشا ُء »وأي ملك أفضل من العلم فينزعه من العالم غير المؤمن اآلخرة« َوت َ ْن ِز ُ
الذي هو من أهل النار« َوت ُ ِع ُّز َم ْن تَشا ُء »بذلك العلم« َوت ُ ِذ ُّل َم ْن تَشا ُء »بانتزاع ذلك العلم منه«
ِك ْال َخي ُْر »لما كان هو الخير المحض ،فإنه الوجود الخالص المحض الذي لم يكن عن عدم بِيَد َ
وال إمكان عدم وال شبهة عدم ،كان الخير كله بيديه ،فال يضاف إليه عدم الخير الذي هو
ِير »ولم يضف الشر إليه ،وهو الحكيم ش ْيءٍ قَد ٌ على ُك ِهل َ الشر ،فإنه ال ينبغي لجالله ِ «:إنَّ َك َ
الخبير -تحقيق -يتخيل أن المشيئة هنا ضميرها الرحمن ،وما ضميرها إال من ،وهو عين
األكوان ،ألنها قد قررنا أن الذي كانوا عليه في ثبوتهم هو عين القضاء ،من حيث أن العلم
تابع للمعلوم ،فالكون أعطاه العزل والوالية ،والعز والذل ،والرشد والغواية ،فحكم عليه بما
أعطاه ،فما قسط وال جار ،فإنه نعم الحاكم والجار .
3 / 28 - 27
سورة آلعمران ( : ) 3آية 28 - 27
ج ا ْل َم ِيهتَ ِم َن ا ْل َح ه
يِ ي ِم َن ا ْل َم ِيه ِ
ت َوت ُ ْخ ِر ُ ج ا ْل َح هار ِفي الله ْي ِل َوت ُ ْخ ِر ُ تُو ِل ُج الله ْي َل ِفي النه َه ِار َوتُو ِل ُج النه َه َ
ين ين أ َ ْو ِليَا َء ِم ْن د ِ
ُون ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ ون ا ْلكَافِ ِر َ
ب (َ )27ال يَت ه ِخ ِذ ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ سا ٍ ق َم ْن تَشَا ُء بِغَ ْي ِر ِح َ َوت َ ْر ُز ُ
سهُ َوإِلَى ه ِ
ّللا ش ْي ٍء إِ هال أ َ ْن تَتهقُوا ِم ْن ُه ْم تُقَاةً َويُ َحذه ُِر ُك ُم ه
ّللاُ نَ ْف َ ّللا فِي َ س ِم َن ه ِ َو َم ْن يَ ْفعَ ْل ذَ ِلكَ فَلَ ْي َ
ير ()28 ا ْل َم ِص ُ
ص 429
ص 437 :
سه ُ ّللا عندنا محجور بقوله تعالى« َويُ َحذه ُِر ُك ُم َّ
ّللاُ نَ ْف َ « َويُ َحذه ُِر ُك ُم َّ
ّللاُ نَ ْف َ
سهُ »الكالم في ذات ه
ّللا كما
»وذلك من وجه من وجوه معنى هذه اآلية ،ففي ذلك إشارة إلى منع التفكر في ذات ه
أمر به الشرع ،ألن مقام الفكر ال يتعدى النظر في اإلله من كونه إلها وفيما ينبغي أن يستحقه
من له صفة األلوهية من التعظيم والجالل واالفتقار إليه بالذات ،وهذا كله يوجد حكمه قبل
وجود الشرائع ،ثم جاء الشرع به مخبرا وآمرا ،فأمر به وإن أعطته فطرة البشر ،ليكون
عبادة يؤجر عليها ،فإذا كان عمال مشروعا للعبد أثمر له ما ال يثمر له إذا اتصف به ال من
حيث ما هو مشروع ،وليس للفكر حكم وال مجال في ذات الحق ال عقال وال شرعا .
3 / 29
سورة آلعمران ( : ) 3آية 29
ّللاُ ت َو َما فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َو ه اوا ِ
س َم َ ُور ُك ْم أ َ ْو ت ُ ْبدُوهُ يَ ْعلَ ْمهُ ه
ّللاُ َويَ ْعلَ ُم َما فِي ال ه صد ِقُ ْل إِ ْن ت ُ ْخفُوا َما فِي ُ
ش ْي ٍء قَد ٌ
ِير ()29 علَى ُك ِ هل َ َ
ّللا بكل شيء عليم ،وعلى كل شيء قدير ،لهذا يتجلى في كل صورة . تنبيه -لما كان ه
3 / 30
سورة آلعمران ( : ) 3آية 30
وء ت َ َو ُّد لَ ْو أ َ هن بَ ْينَ َها َوبَ ْينَهُ أ َ َمدًا
س ٍض ًرا َو َما ع َِملَتْ ِم ْن ُيَ ْو َم ت َ ِج ُد ُك ُّل نَ ْف ٍس َما ع َِملَتْ ِم ْن َخ ْي ٍر ُمحْ َ
وف بِا ْل ِعبَا ِد ()30
ّللاُ َر ُء ٌ سهُ َو ه بَ ِعيدًا َويُ َحذه ُِر ُك ُم ه
ّللاُ نَ ْف َ
عندما تشرق األرض بنور ربها تعلم كل نفس بذلك النور ما قدمت وأخرت ألنها تجده محضرا
يكشفه لها هذا النور ،وما من نفس إال ولها نور تكشف به ما عملت ،فما كان من خير سرت
ّللاُ
ّللا اآلية بقوله َ «:و َّ به ،وما كان من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ،ولهذا ختم ه
حظ في النور كيف يشقى شقاء ُف ِب ْال ِعبا ِد »حيث جعل لهم أنوارا يدركون بها ،ومن كان له ه َرؤ ٌ
األبد ،والنور ليس من عالم الشقاء فال بد أن يكون المآل إلى المالئم ،وهو المعبر عنه
خص نفسا من نفس وذكر الخير ه بالسعادة ألنه قال« ُك ُّل نَ ْف ٍس »فع هم وما
ص 430
ص 438 :
سهُ »أي ال تتعرضوا للتفكر فيها فتحكموا عليها والشر ،وأشار بقوله تعالى« َويُ َحذه ُِر ُك ُم َّ
ّللاُ نَ ْف َ
ّللا أي ال تستعملوا ّللا عليه وسلم :ال تتفكروا في ذات ه ّللا صلهى ه بأمر أنها كذا وكذا قال رسول ه
فيها الفكر ،ألن الفكر فيها ممنوع شرعا ،وسبب ذلك ارتفاع المناسبة بين ذات الحق وذات
ُف ِب ْال ِعبا ِد »يقول تعالى ما حذرناكم من النظر في ذات ه
ّللا إال رحمة بكم ّللاُ َرؤ ٌ
الخلق« َو َّ
وشفقة عليكم لما نعلم ما تعطيه القوة المفكرة للعقل من نفي ما نثبته على ألسنة رسلي من
ّللا صلهى ه
ّللا صفاتي فتردونها بأدلتكم فتحرمون اإليمان فتشقون شقاوة األبد ،ثم أمر رسول ه
ّللا ،فأخذوا يتكلمون في ذات ّللا كما فعل بعض عباد ه عليه وسلم أن ينهانا ،أن نفكر في ذات ه
ّللا ،وكل تكلم بما اقتضاه نظره ،فنفى واحد ّللا من أهل النظر ،واختلفت مقاالتهم في ذات ه ه
ّللا
ّللا من حيث النظر في ذاته وعصوا ه عين ما أثبته اآلخر ،فما اجتمعوا على أمر واحد في ه
ّللا ،وضل سعيهم في ّللا عنه رحمة بهم ،فرغبوا عن رحمة ه ورسوله بما تكلموا به مما نهاهم ه
الحياة الدنيا ،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ،فقالوا هو علة ،وقال آخرون ليس بعلة ،
وقال آخرون ذات الحق ال تصح أن تكون جوهرا وال عرضا وال جسما بل عين إنيتها عين
ماهيتها ،وأنها ال تدخل تحت شيء من المقوالت العشرة ،وأطنبوا في ذلك ،ثم جاء الشرع
بنقيض ما دلت عليه العقول مما هو من صفات المحدثات ،ثم جاء بليس كمثله شيء مع ثبوت
هذه الصفات ،فلو استحالت كما يدل عليه العقل ما أطلقها على نفسه ،ولكان الخبر الصدق
ّللا رسوال إال بلسان قومه ليبين لهم ما أنزل إليهم ليفهموا ،وقد بيهن صلهى ه
ّللا كذبا ،إذ ما بعث ه
ّللا على أمته أنه بلغ ،فجهلنا النسبة بليس كمثله شيء ،وفهمنا معقول هذه عليه وسلم وأشهد ه
األلفاظ الواردة ،وأن المعقول منها واحد بالنظر إلى الوضع فتختلف نسبتها باختالف المنسوب
إليه ،ما تختلف حقائقها ألن الحقائق ال تتبدل .فمن وقف مع هذه األلفاظ ومعانيها ،وقال بعدم
علم النسبة إلى الحق ،فهو عالم مؤمن بما جاء من المنقول مع نفي المماثلة في النسبة ،وهو
العلم الصحيح بحقيقة الصفة الواردة الموصوف بها ذاتا مجهولة ،فاثبت على ما جاءتك به
الشريعة تسلم ،فهو أعلم بنفسه وأصدق في قوله ،وما عرفنا إال بما هو األمر عليه [.العلم
باّلل ديني إذ أدين به * والجهل بالعين إيماني وتوحيديفي كل مجلى أراه حين أشهده باّلل ]العلم ه
ه
* ما بين صورة تنزيه وتحديدفالعلم بالسمعيات هو علمنا الذي نعول عليه في الحكم الظاهر ،
ونأخذ بالكشف عند
ص 431
ص 439 :
ّللا تعليمنا بالتجلي ،فنشهد ما ال تدركه العقول بأفكارها مما ورد به التعمل بالتقوى ،فيتولى ه
السمع ،وأحاله العقل ،وتأوله عقل المؤمن ،وسلمه المؤمن الصرف أما إذا أردنا أن نتأول
ّللا تعالى ،وهي من اآليات المتشابهة ،فنرد ذلك إلى آياته المحكمة ، نسبة النفس هنا إلى ه
سهُ »أي يحذركم أ هم كتابه ،بدليل قوله أول اآلية« يَ ْو َم ت َ ِج ُد فيكون قوله تعالى « َويُ َحذه ُِر ُك ُم َّ
ّللاُ نَ ْف َ
ض َعسوءٍ »اآلية ،مع قوله تعالى« َو ُو ِ ت ِم ْن ُ ضرا ا َوما َ
ع ِملَ ْ ت ِم ْن َخي ٍْر ُم ْح َ ُك ُّل نَ ْف ٍس ما َ
ع ِملَ ْ
تاب فَت َ َرى ْال ُم ْج ِر ِمينَ ُم ْش ِف ِقينَ »اآلية ،مع ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من قوله صلهى ْال ِك ُ
ّللا عليه وسلم [ فوالذي ال إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ه
إال ذراع واحد ،فيسبق عليه الكتاب ،فيعمل بعمل أهل النار ،فيدخلها -الحديث ] فهذا تحذير
من أم الكتاب الذي يكون خاتمة العبد على وفق ما سبق له فيه ،وبهذا يفهم السر في ذكر
النفس وأم الكتاب متقاربين في أول السورة -راجع تفسير النفس في سورة المائدة آية -116
ُف بِ ْال ِعبا ِد »فمن رأفته أن حذرنا نفسه ،فإنه من ليس كمثله شيء ال يعرف أبدا إال ّللاُ َرؤ ٌ
« َو َّ
بالعجز عن معرفته ،وذلك أن نقول ليس كذا وليس كذا ،مع كوننا نثبت له ما أثبته لنفسه
إيمانا ال من جهة عقولنا وال نظرنا .فليس لعقولنا إال القبول منه فيما يرجع إليه ،فهو الحي
الذي ال إله إال هو الملك القدوس السالم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ،عالم الغيب
والشهادة الرحمن الرحيم ،الخالق البارئ المصور الحكيم ،بهذا وأمثاله أخبرنا عن نفسه ،
س ِمي ُع ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء َو ُه َو ال َّ فنؤمن بذلك كله على علمه بذلك ،ال على تأويل منا لذلك ،فإنه( لَي َ
ير )فال ينضبط لعقل وال ناظر ،فما لنا من العلم به من طريق اإلثبات إال ما أوصله إلينا ص ُ ْالبَ ِ
في كتبه وعلى ألسنة رسله المترجمين عنه ،ليس غير ذلك .ونسبة هذه األسماء إليه غير
معلومة عندنا ،فإن المعرفة بالنسبة إلى أمر ما موقوفة على علم المنسوب إليه ،وعلمنا
بالمنسوب إليه ليس بحاصل ،فعلمنا بهذه النسبة الخاصة ليس بحاصل ،فالفكر والتفكر
ّللا وإياكم ممن عقل ،ووقف عندما وصل إليه منه والمتفكر يضرب في حديد بارد .جعلنا ه
سبحانه ،ونقل .
ص 432
ص 440 :
اإلنسان ال يخلو أن يكون واحدا من ثالثة بالنظر إلى الشرع :وهو إما أن يكون باطنيا محضا
،وهو القائل بتجريد التوحيد حاال وفعال ،وهذا يؤدي إلى تعطيل أحكام الشرع وقلب أعيانها ،
ّللا وإياكم من وكل ما يؤدي إلى هدم قاعدة من قواعد الدين ،فهو مذموم بإطالق ،عصمنا ه
ذلك ،وإما أن يكون ظاهريا محضا متغلغال بحيث أن يؤديه ذلك إلى التجسيم والتشبيه ،فهذا
مثل ذلك ملحوق بالذم شرعا ،وإما أن يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيثما مشى
ّللا له ،قال
الشارع مشى ،وحيثما وقف وقف قدما بقدم ،وهذا هو الوسط ،وبهذا تصح محبة ه
ّللاُ َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم »فباتباع تعالى لرسوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن يقول« فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِ ْب ُك ُم َّ
ّللا للعبد ،وغفرت الذنوب ،وصحت السعادة الدائمة ، الشارع واقتداء أثره ،صحت محبة ه
فإن االئتمام باإلمام يلزم ما دام يسمى إماما ،وإمامة الرسول ال ترتفع ،فاالتباع الزم ،ومحبة
ّللا عبده كان جميع قواه وجوارحه ،وهو ال يتصرف ّللا لمن اتبعه الزمة بال شك ،وإذا أحبه ه
ه
إال بقواه وجوارحه ،فال يتصرف إال با هّلل ،فيكون محفوظ التصرف في حركاته وسكناته ،
وكان سبب إقبال الحق على العبد إقبال العبد على الحق ،ومعنى االتباع أن نفعل ما يقول لنا ؛
فإن قال :اتبعوني في فعلي ،اتبعناه ،وإن لم يقل ،فالذي يلزمنا االتباع فيما يقول ،فاالتباع
إنما هو فيما حدهه لك في قوله ورسمه ،فتمشي حيث مشى بك ،وتقف حيث وقف بك ،وتنظر
فيما قال لك انظر ،وتسلم فيما قال لك سلهم ،وتعقل فيما قال لك اعقل ،وتؤمن فيما قال لك
آمن ،فإن اآليات اإللهية الواردة في الذكر الحكيم وردت متنوعة ،وتنوع لتنوعها وصف
المخاطب بها ،فمنها آيات لقوم يتفكرون ،وآيات لقوم يعقلون ،وآيات لقوم يسمعون ،وآيات
للمؤمنين ،وآيات للعالمين ،وآيات للمتقين ،وآيات ألولي النهى ،وآيات ألولي األلباب ،
صل وال تتعد إلى غير ما ذكر ،بل نزل كل آية وغيرها صل كما ف هوآيات ألولي األبصار ،فف ه
بموضعها ،وانظر فيمن خاطب بها وكن أنت المخاطب بها ،فإنك مجموع ما ذكر فإنك
المنعوت بالبصر والنهى واللب والعقل والفكر والعلم واإليمان والسمع والقلب ،فأظهر بنظرك
الصفة التي نعتك بها في تلك اآلية الخاصة ،تكن ممن جمع له القرآن فاجتمع عليه ،فينتج لنا
االتباع فيما أمرنا به ،ونهانا عنه والوقوف عند حدوده أن نتبعه في أفعاله في خلقه ،وهي
المسماة كرامة وآية ،أي عالمة على صدق االتباع ،فإن الرسل أيضا تابعون ،فإنه
ص 433
ص 441 :
ّللا
ي ) *فيكون ما يظهر عليه من االتباع في فعل ه يقول عليه السالم( ِإ ْن أَتَّبِ ُع ِإ َّال ما يُوحى ِإلَ َّ
ّللا آية ،ويكون لنا ذلك كرامة ،وهو الفعل بالهمة والتوجه من غير نتيجة اتباعه ألوامر ه
مباشرة ،فيظهر على يد هذا العبد من خرق العوائد مما ال ينبغي أن يكون إال على ذلك الوجه
ّللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربه من غير سبب إال مجرد اإلرادة إال هّلل تعالى ،قال صلهى ه
ي مما افترضته عليه ، ي عبدي بشيء أحب إل ه عز وجل أنه قال الحديث وفيه ،وما تقرب إل ه ه
وال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته ،كنت له سمعا وبصرا ويدا
ومؤيدا .
وإذا كان الحق سمع العبد وقواه في النوافل ،فكيف بالحب الذي يكون من الحق بأداء الفرائض
،وهو أن يكون الحق يريد بإرادة هذا العبد المجتبى ،ويجعل له التحكم في العالم بما شاء
عز وجل يعامل عباده بما يعاملونه ّللا هبمشيئته تعالى األولية التعلق ،التي بها وفقه ،واعلم أن ه
به ،وإن كان ابتداء األمر منه ،ولكن هكذا علهمنا وقرر لدينا ،فإنا ال ننسب إليه إال ما نسبه
ّللاُ »وقوله صلهى ه
ّللا ّللا فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِ ْب ُك ُم َّ
إلى نفسه ،ومن ذلك قوله تعالى« إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
ّللا ال يم هل حتى تملوا ] فكل مخالف أمر الحق ،فإنه يستدعي عليه وسلم في الصحيح [ إن ه
بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه ،ولذلك ال يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق
ّللا عليه ،فإن كان جزاء فهو جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد ،وإنما يكون ذلك امتنانا من ه
جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز ،وغفر لمن أساء إليه في دنياه ،فقام له الحق في تلك
ّللا
الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة ،مثال بمثل ،يدا بيد ،ها وها ،وما نهى ه
عباده عن شيء إال كان منه أبعد ،وال أمرهم بكريم خلق إال كان الحق به أحق ،ففي هذا النبأ
الحق أنه يحب أتباعه ،وما يتبعه إال من أطاعه ،واتباع الرسول اتباع اإلله ،ألنه قال ه
عز
ع ِظيما ا )فصلواسولَهُ فَقَ ْد فازَ فَ ْوزا ا َ ّللا )( َو َم ْن يُ ِط ِع َّ َ
ّللا َو َر ُ ع َّ َسو َل فَقَ ْد أ َطا َ وجل( َم ْن يُ ِط ِع َّ
الر ُ
عز وجل ،حب ليس عليه وسلهموا تسليما ،ومحبة اإلنسان المتبع محصورة بين حبين هّلل ه
بجزاء حب عناية ؛ وهو المحبة التي وفقك بها لالتباع ،فهو حبه منهة ،ثم يحبك حبه جزاء
ّللا عليه وسلم على اتباعك من شرعه لك ،وهو حب كرامة ،فنحن مأمورون باتباعه صلهى ه
ّللا فيما فرض جزاء فرضين :فرض االتباع ،وفرض الفعل سن وفرض ،فنجازى من ه فيما ه
سن ولم يفرضه جزاء فرض واحد وسنة ،فرض االتباع الذي وقع فيه االتباع ،ونجازى فيما ه
وسنة الفعل الذي لم يوجبه ،فإن حوى ذلك الفعل على فرائض ،جوزينا جزاء الفريضة بما
فيه من الفرائض ،
ص 434
ص 442 :
ّللا العامل به من الخير ،وال بد فنجازى في كل عمل بحسب ما يقتضيه ذلك العمل مما وعد ه
من فريضة االتباع لذلك قال تعالى« قُ ْل »يا محمد ألمتك« ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
ّللا فَات َّ ِبعُونِي
»فجعل االتباع دليال ،وما قال في شيء دون شيء ،فإنه من ترك شيئا من اتباع الرسول
ّللا إياه على قدر ما نقص من ّللا عليه وسلم مما لم ينفرض عليه ،فإنه ينقص من محبة ه صلهى ه
ّللا
اتباع الرسول ،وأكذب نفسه في محبته هّلل ،لعدم إتمام االتباع ،فإنه عند األكابر من أهل ه
لو اتبعه في جميع أموره ،وأخ هل باالتباع في أمر واحد مما لم ينفرض عليه ،بل خالف سنة
االتباع في ذلك مما أبيح له االتباع فيه ،أنه ما اتبعه قط ،وإنما اتبع هوى نفسه ،إال مع
ّللا عن االتباع ،فالحق ينوب عنه «.يُ ْح ِب ْب ُك ُم َّ
ّللاُ األعذار الموجبة لعدم االتباع ،فإنه في حبس ه
»فإن صدقتم في محبتي فإني أحبكم ،ودليل صدق محبتكم لي هو االتباع وحصول محبتي لكم
سو ِل ّللاُ »وقال في االقتداء( لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ ،فاالتباع جاء بقوله تعالى« فَات َّ ِبعُو ِني يُ ْح ِب ْب ُك ُم َّ
ّللا جميل يحب الجمال ،وقد أمرنا أن نتزين له ّللا عليه وسلم :إن ه سنَةٌ )قال صلهى ه ّللا أُس َْوة ٌ َح َ
َّ ِ
ّللا تعالى« قُ ْل إِ ْن ّللا عليه وسلم ،فاتباعه هو الزينة ،لذا قال ه ،فالتجمل للحق باتباعه صلهى ه
ّللا يحب الجمال ، ّللا ،فإن ه ّللاُ »أي تزينوا بزينتي يحببكم ه ّللا فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِ ْب ُك ُم َّ
ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
وعالمة المحبة اتباع المحبوب فيما أمر ونهى ،في المنشط والمكره ،والسراء والضراء ،
ّللا عليه وسلم ،فإنه لو لم يكن معصوما ما صح ّللا صلهى ه وبهذه اآلية ثبتت عصمة رسول ه
ّللا عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته وأفعاله ّللا صلهى ه التأسي به ،فنحن نتأسى برسول ه
وأحواله وأقواله ،ما لم ينه عن شيء من ذلك على التعيين في كتاب أو سنة ،مثل نكاح
ُون ْال ُمؤْ ِمنِينَ )قال بعضهم :إني ألعرف متى يحبني ربي ،فقيل له : صةا لَ َك ِم ْن د ِ الهبةخا ِل َ
ّللا عليه ّللا صلهى ه عرفني ،فقيل له :أوحي بعد رسول ه ومن أين لك معرفة ذلك ؟ فقال :هو ه
ّللاُ »وأنا في هذه الساعة في حال اتباع لما شرع ،وهو وسلم ؟ قال :قوله« فَات َّ ِبعُونِي يُ ْح ِب ْب ُك ُم َّ
ّللا محبه لي في هذه الساعة ،لكوني مجلى لما أحبه ،وهو صادق القول ،فأعطاني الحال أن ه
تعالى ناظر إلى محبوبه ،ومحبوبه ما أنا عليه ،فأضاف تعلق المحبة التي تصيرني محبوبا
ّللا عليه وسلم في كل فعل كان عليه ّللا صلهى ه
باالتباع ،فورثة األفعال هم الذين اتبعوا رسول ه
وهيئة مما أبيح لنا اتباعه ،حتى في عدد نكاحه وفي أكله وشربه وجميع ما ينسب إليه من
ّللا فيها ،من أوراد وتسبيح وصالة ،ال ينقص من ذلك ،فإن زاد عليها بعد األفعال التي أقامه ه
تحصيلها ،فما زاد عليها إال من حكم قوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم:
ص 435
ص 443 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 32
ب ا ْلكافِ ِر َ
ين ) ( 32 سو َل فَ ِإ ْن ت َ َوله ْوا فَ ِإ هن ه َ
ّللا ال يُ ِح ُّ الر ُ قُ ْل أ َ ِطيعُوا ه َ
ّللا َو ه
ّللا بأنه ال
ّللا في محبة الجزاء ،وهي محبة الكرامة ؛ غفر الذنوب وهو سترها ،ختم ه لما جعل ه
يحب الكافرين ،والكافر الساتر ،فعلمنا أنه ال يحب من عباده من يستر نعمه ،كانت النعم ما
ّللا فقد كفر بها . كانت ،ومن ستر نعمة ه
س َّم ْيتُها َم ْريَ َم »ومعنى هذا االسم معلوم في اللسان الذي فيه سميت ،وهي محررة هّلل ،
« َو ِإ ِنهي َ
ومريم اسمها حنة ،ومريم لقب لها وصفت به ،فإن المريم المنقطعة عن الرجال :
ص 436
ص 444 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 38
ُّعاء ) ( 38 ب َه ْب ِلي ِم ْن لَ ُد ْنكَ ذُ ِ هريهةً َط ِيهبَةً ِإنهكَ َ
س ِمي ُع الد ِ ُهنا ِلكَ دَعا َزك َِريها َربههُ قا َل َر ه ِ
لما دخل زكريا عليه السالم على مريم المحراب ،وهي بتول محررة -وقد علم زكريا ذلك -
ّللا عند ذلك أن يهبه ولدا حين تعشق ّللا ،أعجبه حالها ،فطلب من ه ورأى عندها رزقا آتاها ه
بحالها ،فقال« َربه ِ َهبْ ِلي ِم ْن لَ ُد ْن َك »يقول من عندك ،عندية رحمة ولين وعطف« ذُ ِ هريَّةا
ّللا من االختصاص ُّعاء »ومريم في خياله من حيث مرتبتها وما أعطاها ه س ِمي ُع الد ِ ط ِيهبَةا إِنَّ َك َ
َ
بالعناية اإللهية .
ب »ألنه دخل عليها المحراب عندما وجد عندها ص ِلهي فِي ْال ِم ْحرا ِ « فَنا َدتْهُ ْال َمالئِ َكةُ َو ُه َو قائِ ٌم يُ َ
س ِيهدا ا »وهو الكمال ،ألن مريم كملت ص هدِقا ا ِب َك ِل َم ٍة ِمنَ َّ ِ
ّللا َو َ ش ُر َك ِبيَ ْحيى ُم َ الرزق« أ َ َّن َّ َ
ّللا يُبَ ِ ه
فكمل يحيى بالنبوة .فسيادة يحيى عليه السالم سيادة ظاهرة ولهذا صرح بها في الكتاب المبين
،وأخفى فيه سيادة محمد سيد العالمين ،ثم صرح بها على لسانه في الشاهدين ،فالسيادة
الظاهرة سيادة الدنيا ،والسيادة الباطنة سيادة اآلخرة ،بقوله [ أنا سيد ولد آدم ] [ وأنا سيد
الناس يوم القيامة ]
فصرح بسيادة يحيى في القرآن لمناسبتها للظهور فظهر الوصف ،ولما كانت سيادة النبي
ّللا عليه وسلم باطنة ،أي محل ظهورها في الدار اآلخرة ،لذلك بطن ذكرها في الكتاب صلهى ه
ّللا عن مباشرة النساء ،وهو العنين عندنا ،كما اقتطع العزيز ،وحصورا ،وهو الذي اقتطعه ه
مريم عن مباشرة الرجال ،فكان يحيى زير نساء ،كما كانت حنة مريما من أثر همة والده ،
صا ِل ِحينَ »فما
فما هي صفة كمال ،وإنما كان أثر همة ،فإن اإلنتاج عين الكمال« َونَبِيًّا ِمنَ ال َّ
ّللا برحمته في عباده الصالحين ،وهم ّللا قط ،وهو طلب األنبياء كلهم أن يدخلهم ه عصى ه
الذين لم يقع منهم معصية قط ،كبيرة وال صغيرة ،فانظر ما أثر سلطان الخيال من زكريا في
ابنه يحيى عليهما السالم ،حين استفرغت قوة زكريا في حسن حال مريم عليها السالم لما
ّللا من المنزلة ،فالخيال وإن كان من الطبيعة فله سلطان عظيم أعطاها ه
ص 437
ص 445 :
ّللا به من القوة اإللهية ،فإذا أراد اإلنسان أن ينجب ولده ،فليقم في نفسه
على الطبيعة لما أيده ه
عند اجتماعه مع امرأته صورة من شاء من أكابر العلماء ،وإن أراد أن يحكم أمر ذلك
فليصورها في صورتها التي نقلت إليه ،أو رآه عليها المصور ،ويذكر المرأته حسن ما كانت
عليه تلك الصورة ،وإذا صورها المصور فليصورها على صورة حسن علمه وأخالقه ،وإن
كانت صورته المحسوسة قبيحة المنظر فال يصورها إال حسنة المنظر ،بقدر حسن علمه
وأخالقه ،كأنه يجسد تلك المعاني ،ويحضر تلك الصورة المرأته ولعينه عند الجماع ،
ويستفرغان في النظر إلى حسنها ،فإن وقع للمرأة حمل من ذلك الجماع ،أثهر في ذلك الحمل
ما تخيال من تلك الصورة في النفس ،فيخرج المولود بتلك المنزلة وال ب هد حتى إنه إن لم يخرج
كذلك فألمر طرأ في نفس الوالدين عند نزول النطفة في الرحم ،أخرجهما ذلك األمر عن
مشاهدة تلك الصورة في الخيال من حيث ال يشعرون ،وتعبر عنه العامة بتوحم المرأة .وقد
يقع باالتفاق عند الوقاع في نفس أحد الزوجين أو الزوجين صورة كلب أو أسد أو حيوان ما ،
فيخرج الولد من ذلك الوقاع على أخالقه على صورة ما وقع للوالدين من تخيل ذلك الحيوان ،
وإن اختلفا فيظهر في الولد صورة ما تخيله الوالد وصورة ما تخيلته األم ،حتى في الحسن
الظاهر في الصورة أو في القبح ،والناس مع معرفتهم بهذا ال يرفعون به رأسا .
أعجب من حال زكريا عليه السالم ما رأيت ،وما رأيت من ظهر فيه سلطان اإلنسانية مثله ،
ط ِيهبَةا )فما سأل حتى تصور الوقوع ،وال بقوله« َربه ِ هو الذي يقول( هَبْ ِلي ِم ْن لَ ُد ْن َك ذُ ِ هريَّةا َ
ي ْال ِكبَ ُر َو ْام َرأ َ ِتي عا ِق ٌر »فأين هذه الحالة من تلك الحالة ؟ .فإن لم غال ٌم َوقَ ْد بَلَغَ ِن َ أَنَّى يَ ُك ُ
ون ِلي ُ
ّللاُ يَ ْفعَ ُل ما يَشا ُء
يكن ثم قرينة حال جعلته أن يقول مثل هذا حتى يقال له في الوحي« َكذ ِل َك َّ
ّللا يفعل ما يشاء في المعتاد أن يخرقه كما ّللا بذلك ،حتى يعلم غيره أن ه »فيكون قصده إعالم ه
ّللا
وقع ،وإن كان ذلك القول من نفسه فقد أعطته اإلنسانية قوتها ،فإن اإلنسان بذاته كما ذكره ه
ّللا في موضع إال وذكر عند ذكره صفة نقص تدل على خالف ما خلق له في كتابه ،فما ذكره ه
ص 438
ص 446 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 41
اس ثَلثَةَ أَيه ٍام ِإاله َر ْمزا ً َو ْ
اذك ُْر َربهكَ َكثِيرا ً َو َ
س ِبهحْ ب اجْ عَ ْل ِلي آيَةً قا َل آيَت ُكَ أَاله ت ُ َك ِله َم النه َ قا َل َر ه ِ
كار ( ) 41 ي ِ َو ْ ِ
اإل ْب ِ ش هِبا ْلعَ ِ
ص 439
ص 447 :
المنزه ال ه
ينزه ] ه [
نزه فقد ه
نزه عن التنزيه ،فإنه ماله نعت إال هو فيشبه ، ينزه ،فإنه إن ه
المنزه ال ه
ه -إشارة -
فسبحه على الحكاية -فإنه سبح نفسه -وعلى ما أراد بذلك ،فهو تسبيح األدباء العارفين به
سبحانه :
فاك »ليظهر فيك الولد بالتوجه اإللهي في عين الرائي ،كجبريل تمثل لمريم بشرا ط ِ ص َ
«ا ْ
غالما ا زَ ِكيًّا ) . سويا ،فقال لها ( إنما أن رسول ربك ) جئتك( ِألَه َ
َب لَ ِك ُ
لما كان الولد ال يدعى إال ألبيه ،ال ينسب إلى أمه ،ألن األب له الدرجة من قوله تعالى(
علَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ )وله العلو فينسب إلى األشرف ،ولما لم يتمكن لعيسى عليه السالم أن
لرجا ِل َ
َو ِل ِ ه
ينسب إلى من وهبه لها بشرا سويا ،أعطيت أمه الكمال ،وهو المقام األشرف ،فنسب عيسى
إليها ،فقيل :عيسى ابن مريم ،فكان لها هذا الشرف مقام الدرجة التي شرف بها الرجال على
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم النساء ،فنسب االبن ألبيه ألجلها ،وكمال مريم شهد لها بذلك رسول ه
وآلسية امرأة فرعون َ «.و ِمنَ ْال ُمقَ َّربِينَ »القرب من الحق قربان :قرب حقيقي ،وهو ارتباط
الرب بالمربوب وارتباط العبادة بالسيادة ،والحادث بالسبب الذي أحدثه ،والقرب الثاني
القرب بالطاعة ألمر المكلهف والدخول تحت حكمه ،فاألول قرب ذاتي يع هم جمع الموجودات ،
ص 440
ص 448 :
والثاني قرب اعتناء وكرامة ،فالقرب األول قرب رحم ونسب ،لو أراد الدافع أن يدفعه لم
يستطع ،ألنه لذاته هو قرب ،وقرب االختصاص قرب المكانة من السلطان ،والمسيح كل من
مسح أرضه بالمشي فيها ،والسياحة في نواحيها ليرى آثار ربه .
ص 441
ص 449 :
ّللا »يتعلق بيكون طيرا ،وأما عند مثبتي األسباب فيتعلق بقوله« فَأ َ ْنفُ ُخ »فإنه نسب الخلق َّ ِ
إلى عيسى عليه السالم ،وهو إيجاد صورة الطائر في الطين ،ثم أمره أن ينفخ فيه ،فقامت
تلك الصورة التي صورها عيسى عليه السالم طائرا حيها ،وقوله« ِبإِ ْذ ِن َّ ِ
ّللا »يعني األمر الذي
ّللا به في خلقه صورة الطائر ،والنفخ وإبراء األكمه واألبرص وإحيائه الميت ،فأخبر أمره ه
ّللا ،ليكون ذلك وإحياء أن عيسى عليه السالم لم ينبعث إلى ذلك من نفسه ،وإنما كان عن أمر ه
الموتى من آياته على ما يدعيه ،ويخرج عليه السالم ممن يدهعى فيه الخلق ،إذ يقول تعالى(
ض ) *فلو قالوا عيسى دعي إلها ُون اللَّ ِهأ َ ُرونِي ما ذا َخلَقُوا ِمنَ ْاأل َ ْر ِ
قُ ْل أ َ فَ َرأ َ ْيت ُ ْم ما ت َ ْدعُونَ ِم ْن د ِ
ّللا وقد خلق من األرض ،لذلك قدم الحق ألجل هذا القول أن خلق عيسى للطير كان من دون ه
ّللا ،والمأمور عبد ،والعبد ال يكون إلها ،فكل ّللا ،فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى ه بإذن ه
خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ،ليعلم العالم من الجاهل ،وفضل الخلق بعضهم
على بعض .واعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية ،فإنه كان من باب التمثيل في
صورة البشر ،فكان غالبا على الطبيعة بخالف من نزل عن هذه الرتبة ،ولما كان الممثل به
روحا في األصل كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ،أال ترى السامري لمعرفته بأن جبريل
معدن الحياة حيث سلك ،أخذ من أثره قبضته فرماها في العجل فخار وقام حيا .
الحواريون هم العلماء أتباع عيسى عليه السالم ،والحواري هو من جمع في نصرة الدين بين
السيف والحجة ،فأعطي العلم والعبارة والحجة وأعطي السيف والشجاعة واإلقدام ،ومقاومة
التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع.
ص 442
ص 450 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 53
سو َل فَا ْكت ُ ْبنا َم َع الشها ِهد َ
ِين ) ( 53 َربهنا آ َمنها ِبما أ َ ْن َز ْلتَ َواتهبَ ْعنَا ه
الر ُ
ّللا لهم« ِآمنُوا ِب َّ ِ
اّلل »تقريرا لصحة ما نسبوه من األفعال فأضافوا اإليمان إليهم إيجادا .فقول ه
إليهم بهذه اإلضافة ،فهي إضافة شرعية :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 54
ين ) ( 54 ّللاُ َخ ْي ُر ا ْلما ِك ِر َ
ّللاُ َو ه
َو َمك َُروا َو َمك ََر ه
ّللا بهم ،ال أنه استأنف مكرا
ّللا عليهم ،فهو عين مكر ه ّللا وهو عين مكرهم ،فرده ه ومكر ه
آخر ،ومنه إرداف النعم مع المخالفة وإبقاء الحال مع سوء األدب .
ص 443
ص 451 :
ب »الضمير يعود على آدم ،ووقع الشبه في خلقه من غير أب ،أي صفة آ َد َم َخلَقَهُ ِم ْن تُرا ٍ
ون »فشبه الكامل وهو نشئه صفة نشء آدم ،إال أن آدم خلقه من تراب« ث ُ َّم قا َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
عيسى عليه السالم بالكامل وهو آدم عليه السالم من حيث خلقه بقوله كن ،فصفته صفة آدم في
صدوره عن األمر ،فأوقع التشبيه في عدم األبوة الذكرانية ،من أجل أنه نصبه دليال لعيسى
في براءة أمه ،ولم يوقع التشبيه بحواء وإن كان األمر عليه ،لكون المرأة محل التهمة لوجود
الحمل ،إذ كانت محال موضوعا للوالدة ،وليس الرجل بمحل لذلك ،والمقصود من الداللة
ارتفاع الشكوك ،وفي حواء من آدم ال يقع االلتباس لكون آدم ليس محال لما صدر عنه من
الوالدة ،وهذا ال يكون دليال إال عند من ثبت عنده وجود آدم وتكوينه والتكوين منه ،وكما ال
يعهد ابن من غير أب ،كذلك ال يعهد من غير أم ،فالمثل من طريق المعنى أن عيسى كحواء
،ولكن لما كان الدخل يتطرق في ذلك من المنكر لكون األنثى كما قلنا محال لما صدر عنها ،
ولذلك كانت التهمة ،كان التشبيه بآدم لحصول براءة مريم مما يمكن في العادة ،فظهور
عيسى من مريم من غير أب كظهور حواء من آدم من غير أم ،فكما وجد أنثى من ذكر وجد
ذكر من أنثى ،فختم بمثل ما به بدأ في إيجاد ابن من غير أب كما كانت حواء من غير أم ،ثم
أن عيسى على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد ،ألنه أسرع إليه التكوين لما
ّللا أن يجعله آية ير هد به على الطبيعيين ،حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة أراد ه
ّللا فيها من األسرار والتكوينات العجيبة -الوجه الثاني -قوله ،ال بما تقتضيه مما أودع ه
ّللا َك َمث َ ِل آ َد َم »هذا االشتراك في الفردية ،غير أن جسد عيسى تعالى« إِ َّن َمث َ َل ِعيسى ِع ْن َد َّ ِ
عليه السالم أخلص ،ولهذا سماه روحا ،وسمى ذلك آدم من األدمة ،فإنه مأخوذ من أديم
ب »ولم يقل « خلقهما األرض ،وأين األدمة من الصفاء النوراني ،ولهذا قال« َخلَقَهُ ِم ْن تُرا ٍ
»والضمير يعود على أقرب مذكور ،ومعنى االشتراك في الفردية هو أن فردانية اللطيفة
اإلنسانية ثبتت له بتقدم االثنين ،وهو تسوية البدن وتوجه الروح الكلي ،فظهرت النفس
الجزئية التي هي اللطيفة اإلنسانية فكانت فردا ،فظهرت الفردية في األجسام اإلنسانية في
وحي ) * ،وفي عيسى س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
موضعين .في آدم عليه الصالة والسالم (فَإِذا َ
ت فَ ْر َجها فَنَفَ ْخنا فِي ِه ِم ْن ُر ِ
وحنا )ولهذا َت ِع ْمرانَ الَّتِي أ َ ْح َ
صنَ ْ عليه الصالة والسالم( َو َم ْريَ َم ا ْبن َ
ّللا َك َمث َ ِل آ َد َم » -الوجه
قال تعالى« ِإ َّن َمث َ َل ِعيسى ِع ْن َد َّ ِ
ص 444
ص 452 :
ّللا تعالى الثالث -لما كان عيسى عليه السالم هو الذي ستختم به الوالية المطلقة بنزوله ،نبه ه
ّللا َك َمث َ ِل آ َد َم َخلَقَهُ ِم ْن
على ختمية الظهور به وتمام دورته بقوله سبحانه« ِإ َّن َمث َ َل ِعيسى ِع ْن َد َّ ِ
ون »فإن مماثلة عيسى آلدم عليهما السالم ليست من قبل المادة في ب ث ُ َّم قا َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
تُرا ٍ
ّللا تعالى خلق آدم بأنه من تراب ،ولكن المماثلة في ختميته الظهور خلقه ،ولذلك عرف ه
اآلدمي النبوي ،كما كان آدم خاتم انبساط الظهور للعالم من الغيب إلى الشهادة ،وابتداء المرآة
الكاملة اإلنسانية ،فهو المطلع األول الذي هو أول مظاهر الكمال في الخالفة الظاهرة ،ثم أخذ
يترقى بسطا في ذريته ،كما كان بروز الظهور في الوجود وأحكامه بالتدريج من الغيب إلى
الشهادة حتى انتهى إلى آدم عليه السالم ،فلذلك أيضا كان يرتقي بسطا من آدم في ذريته حتى
انتهى إلى عيسى ،فكان خاتما لظهور المرائي اإلنسانية التي تنسبط بها التجلي ،الذي هو في
ون »ولم يقل فكان ، مقابلة الغيب والشهادة ،وابتداء الرجوع إلى البطون ،فلذلك قال فيه« فَيَ ُك ُ
ألنه تمام زوجية العالم ،فهو ينبسط فيمن بعده إلى تمام النسخة اآلدمية .
ص 445
ص 453 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 63إلى 64
واء بَ ْينَنا
س ٍ ب تَعالَ ْوا ِإلى َك ِل َم ٍة َ ِين ( ) 63قُ ْل يا أ َ ْه َل ا ْل ِكتا ِ سد َ ع ِلي ٌم ِبا ْل ُم ْف ِ فَ ِإ ْن ت َ َوله ْوا فَ ِإ هن ه َ
ّللا َ
ّللا فَ ِإ ْن ت َ َوله ْوا ش ْيئا ً َوال يَت ه ِخذَ بَ ْعضُنا بَ ْعضا ً أ َ ْربابا ً ِم ْن د ِ
ُون ه ِ ّللا َوال نُش ِْركَ ِب ِه َ َوبَ ْينَ ُك ْم أَاله نَ ْعبُ َد ِإاله ه َ
ون ) ( 64 س ِل ُم َ ش َهدُوا ِبأَنها ُم ْ فَقُولُوا ا ْ
زعمت طائفة من أهل الكتاب ممن اتخذوا عيسى ربا ،قالوا :إن محمدا يطلب منا أن نعبده
سواءٍ بَ ْينَنا » . . .اآلية ّللا تعالى« قُ ْل يا أ َ ْه َل ْال ِكتا ِ
ب تَعالَ ْوا إِلى َك ِل َم ٍة َ كما عبدنا عيسى ،فأنزل ه
ّللا تعالى ما أرسل الرسل إال ليدعوا الخلق إليه ،ال ليدعوهم إليهم . فإن ه
ص 446
ص 454 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 71إلى 73
ون ) َ ( 71وقالَتْ طائِفَةٌ ق َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُم َون ا ْل َح ه ق ِبا ْل ِ
باط ِل َوت َ ْكت ُ ُم َ ون ا ْل َح ه
س َ ب ِل َم ت َ ْل ِب ُيا أ َ ْه َل ا ْل ِكتا ِ
آخ َرهُ لَعَله ُه ْم يَ ْر ِجعُ َ
ون ( هار َوا ْكفُ ُروا ِ ِين آ َمنُوا َوجْ هَ النه ِ علَى الهذ َ آمنُوا ِبالهذِي أ ُ ْن ِز َل َ ب ِ ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتا ِ
ّللا أ َ ْن يُ ْؤتى أ َ َح ٌد ِمثْ َل ما أُو ِتيت ُ ْم أ َ ْو َ ) 72وال ت ُ ْؤ ِمنُوا ِإاله ِل َم ْن ت َ ِب َع دِينَ ُك ْم قُ ْل ِإ هن ا ْل ُهدى ُهدَى ه ِ
ع ِلي ٌم ) ( 73 س ٌع َ ّللاُ وا ِ ّللا يُ ْؤتِي ِه َم ْن يَشا ُء َو ه يُحا ُّجو ُك ْم ِع ْن َد َر ِبه ُك ْم قُ ْل إِ هن ا ْلفَ ْ
ض َل بِيَ ِد ه ِ
ّللا كله فضل ،ألن التوفيق منه فضل ، الفضل ال يدخل في الجزاء وبهذا كان فضال .فعطاء ه
والعمل له وهو العامل ،فالحاصل عن العمل بالموازنة وإن كان جزاء فهو فضل باألصالة .
ص 447
ص 455 :
قال [ سبقت رحمتي غضبي ] إلى االختصاص .
ص 448
ص 456 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 79إلى 84
ّللا
ون ه ِ اس كُونُوا ِعبادا ً ِلي ِم ْن ُد ِ تاب َوا ْل ُح ْك َم َوالنُّبُ هوةَ ث ُ هم يَقُو َل ِللنه ِ ّللاُ ا ْل ِك َ كان ِلبَش ٍَر أ َ ْن يُ ْؤتِيَهُ ه ما َ
ون ( َ ) 79وال يَأ ْ ُم َر ُك ْم أ َ ْن س َ تاب َو ِبما ُك ْنت ُ ْم تَد ُْر ُ ون ا ْل ِك َ ين ِبما ُك ْنت ُ ْم تُعَ ِله ُم َ َول ِك ْن كُونُوا َربهانِ ِيه َ
ون ( َ ) 80و ِإ ْذ أ َ َخذَ ه
ّللاُ س ِل ُم َ تَت ه ِخذُوا ا ْل َمل ِئكَةَ َوالنه ِب ِيه َ
ين أ َ ْربابا ً أ َ يَأ ْ ُم ُر ُك ْم ِبا ْل ُك ْف ِر بَ ْع َد ِإ ْذ أ َ ْنت ُ ْم ُم ْ
ق ِلما َمعَ ُك ْم لَت ُ ْؤ ِمنُ هن بِ ِه ص ِ هد ٌ سو ٌل ُم َ ب َو ِح ْك َم ٍة ث ُ هم جا َء ُك ْم َر ُ ين لَما آت َ ْيت ُ ُك ْم ِم ْن ِكتا ٍ يثاق النهبِ ِيه َ
ِم َ
ش َهدُوا َوأَنَا َمعَ ُك ْم ِم َن ص ُرنههُ قا َل أ َ أ َ ْق َر ْرت ُ ْم َوأ َ َخ ْذت ُ ْم عَلى ذ ِل ُك ْم إِص ِْري قالُوا أ َ ْق َر ْرنا قا َل فَا ْ َولَت َ ْن ُ
ون َولَهُ ّللا يَ ْبغُ َ ِين ه ِ ون ( ) 82أ َ فَغَ ْي َر د ِ سقُ َ ِين ) ( 81فَ َم ْن ت َ َولهى بَ ْع َد ذ ِلكَ فَأُولئِكَ ُه ُم ا ْلفا ِ الشها ِهد َ
اَّلل َوما أ ُ ْن ِز َل ون ) ( 83قُ ْل آ َمنها ِب ه ِ ض َط ْوعا ً َوك َْرها ً َو ِإلَ ْي ِه يُ ْر َجعُ َ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ سلَ َم َم ْن فِي ال ه أَ ْ
ي ُموسى َو ِعيسى باط َوما أُوتِ َ س ِ وب َو ْاأل َ ْ ق َويَ ْعقُ َ سحا َ سما ِعي َل َو ِإ ْ علَ ْينا َوما أ ُ ْن ِز َل عَلى ِإ ْبرا ِهي َم َو ِإ ْ َ
ون ) ( 84 س ِل ُم َق بَ ْي َن أ َ َح ٍد ِم ْن ُه ْم َونَحْ ُن لَهُ ُم ْ ون ِم ْن َر ِبه ِه ْم ال نُفَ ِ هر ُ َوالنه ِبيُّ َ
ّللا عليه وسلم بين هذه األنوار كنور الشمس بين الشرائع كلها أنوار ،وشرع محمد صلهى ه
أنوار الكواكب ،فإذا ظهرت الشمس ،خفيت أنوار الكواكب ،واندرجت أنوارها في نور
ّللا عليه وسلم مع وجود الشمس ؛ فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلهى ه
أعيانها ،كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ،ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع
الرسل وجميع شرائعهم أنها حق ،فلم ترجع بالنسخ باطال ،ذلك ظن الذين جهلوا ،فرجعت
ّللا عليه وسلم .فلو كانت الرسل في زمانه لتبعوه الطرق كلها ناظرة إلى طريق النبي صلهى ه
كما تبعت شرائعهم شرعه ،لذلك فإن الولي المحمدي يجمع بمرتبته جميع ما تفرق في الرسل
من الدعاء به ،فهو مطلق الدعاء بكل لسان ،ألنه مأمور باإليمان بالرسل وبما أنزل إليهم ،
فما وقف الولي المحمدي مع وحي خاص إال في الحكم بالحالل والحرمة ،وأما في الدعاء وما
ّللا عليه وسلم يؤذن بتركه ،فال يتركه إذا سكت عنه ولم ينزل فيه شيء في شرع محمد صلهى ه
نزل به وحي على نبي من األنبياء عليهم السالم ،رسوال كان أو غير رسول.
ص 449
ص 457 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 85
لم دِينا ً فَلَ ْن يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َو ُه َو فِي ْاآل ِخ َر ِة ِم َن ا ْلخا ِ
س ِر َ
ين ) ( 85 س ِاإل ْ َو َم ْن يَ ْبت َ ِغ َ
غ ْي َر ْ ِ
ألنه حرم نفسه أجر اآلخرة .
ص 450
ص 458 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 93إلى 95
س ِه ِم ْن قَ ْب ِل أ َ ْن تُنَ هز َل الت ه ْوراةُ قُ ْل
سرائِي ُل عَلى نَ ْف ِ سرائِي َل ِإاله ما َح هر َم ِإ ْ كان ِحلًّ ِلبَنِي ِإ ْعام َ ط ِ ُك ُّل ال ه
ّللا ا ْل َكذ َ
ِب ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِلكَ علَى ه ِ افتَرى َ ين ( ) 93فَ َم ِن ْ فَأْتُوا ِبالت ه ْورا ِة فَاتْلُوها ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِ َ
كان ِم َن ا ْل ُمش ِْر ِك َ
ين ّللاُ فَات ه ِبعُوا ِملهةَ ِإ ْبرا ِهي َم َح ِنيفا ً َوما َ َق ه ون ( ) 94قُ ْل َ
صد َ فَأ ُول ِئكَ ُه ُم ال ه
ظا ِل ُم َ
) ( 95
أمرنا الحق أن نتبع ملة إبراهيم ،ألن العصمة مقرونة بها ،فكان الخليل حنيفا أي مائال إلى
الحق ،مسلما منقادا إليه .
ص 451
ص 459 :
ّللا ّللا من البركات والهدى ،ه
فإن داخل مكة قادم على ه المسجود عليه ،فإن هذا البيت خزانة ه
في حضرته ،ومن المحال أن ينزل أحد على كريم غني ويدخل بيته وال يضيفه ،فمن ال يجد
هذه الزيادة فما له سوى أجر األعمال الظاهرة في اآلخرة في الجنان ،وهو الحاصل لعامة
المؤمنين ،فإن جاور جاور األحجار ،وإن رجع إلى بلده رجع بخفي حنين دون زيادة علم
باّلل .
ه
ص 452
ص 460 :
يقبل تلبسه بشيء منها إال بشرط وجود اإلسالم عنده ،فإن لم يؤمن أخذ بالواجبين جميعا يوم
القيامة :وجوب الشرط المصحح لقبول هذه العبادات ،ووجوب المشروط التي هي هذه
العبادات ،فإنه ما قال « على المسلمين » وال ذكر صفة زائدة على أعيانهم ،فأوجبها على
ّللا له تلك
األعيان وجوبا إلهيا ،والطفل الرضيع يصح حجه ،ولو مات عندنا قبل البلوغ كتب ه
اس »إشارة إلى علَى النَّ ِ ت » ]« َو ِ َّ ِ
ّلل َ اس ِح ُّج ْالبَ ْي ِعلَى النَّ ِ
ّلل َالحجة عن فريضته -إشارة « [َ -و ِ َّ ِ
ت »وقرئ بكسر الحاء وهو االسم ،وبفتحها هو النسيان ولم يقل على بني آدم« ِح ُّج ْالبَ ْي ِ
المصدر ،يعني قصد هذا المكان من كونه بيتا ،ليتنبه باسمه على ما قصد به دون غيره ،لما
فيه من اشتقاق المبيت .فكأنه إنما سمي بيتا للمبيت فيه ،فإنه الركن األعظم في منافع البيت ،
فراعى حكم المبيت ،والمبيت ال يكون إال ليال ،والليل محل التجلي فيه ،فإن الحق ما جعل
تجليه لعباده في الحكم إال في الليل ،فإن فيه ينزل ربنا ،ومن فتح الحاء وجب أن يقصد البيت
ّللا له أن يفعلها .ومن ّللا به أن يفعله عند الوصول إليه ،في المناسك التي عيهن ه ليفعل ما أمره ه
قرأ بالكسر وأراد االسم ،فمعناه أن يراعي قصد البيت ،فيقصد ما يقصده البيت ،وبينهما بون
بعيد .فإن العبد بفتح الحاء يقصد البيت ،وبكسرها يقصد قصد البيت ،وقصد البيت قصد
حالي ،ألنه يطلب بصورته الساكن ،وما أمرك بالقصد إلى البيت ال إليه إال لكونه جعله قصدا
حسيا ،فيه قطع مسافة أقربها من بيتك الذي بمكة إلى البيت ،وهو معك أينما كنت .فال يصح
يال »أي من قدر على الوصول س ِب ا
ع ِإلَ ْي ِه َ
أن تقصد بالمشي الحسي من هو معك «َ .م ِن ا ْستَطا َ
إليه ،وحد االستطاعة يدخل فيها كل ما يؤدي الحاج إلى السكون من األسباب ،كالزاد
والراحلة في المباشرة وما قرره الشرع بالحكم .فينبغي لإلنسان أن يكون مثبتا لألسباب ،
فاعال بها غير معتمد عليها ،ألن التجرد عنها خالف الحكمة ،واالعتماد عليها خالف العلم ،
واالستطاعة بالنيابة مع العجز عن المباشرة ثبتت شرعا عندنا ،باألمر بالحج عمن ال يستطيع
لوليه ،أو باإلجارة عليه من ماله إن كان ذا مال .ومن شرط النائب في الحج إن كان وليها أن
يكون قد قضى فريضته .وأما إذا كان النائب باإلجارة فله حكم آخر .وأما العبد فواجب عليه
الحج ،وإن منعه سيده مع القدرة على تركه لذلك ،كان السيد عندنا من الذين يصدون عن
ّللا عليه وسلم أن العبد إذا حج عبدا ثم مات قبل ّللا صلهى ه ّللا .وقد ورد عن رسول ه
سبيل ه
ّللا له ذلك الحج عن فريضته ،والمرأة إن منعها زوجها العتق كتب ه
ص 453
ص 461 :
ّللا إن كان لها محرم تسافر معه ،إذا كانت آفاقية .وأما إن فهو من الذين يصدون عن سبيل ه
كانت من أهل مكة ،فال تحتاج إلى إذن زوجها ،فإنها في محل الحج ،كما ال تستأذنه في
الصالة وال في صوم رمضان وال في اإلسالم وال في أداء الزكاة ،وهذه العبادة عندنا على
ّللا ما هو غني عن ع ِن ْالعالَ ِمينَ »اعلم أن ه
ي َ
غ ِن ٌّ الفور عند االستطاعة َ «.و َم ْن َكفَ َر فَإِ َّن َّ َ
ّللا َ
العالم إال لظهوره بنفسه للعالم ،فاستغنى أن يعرف بالعالم ،فال يدل عليه الغير ،بل هو الدليل
على نفسه بظهوره لخلقه ،فال دليل عليه سواه .فإنه ال شيء أد هل من الشيء على نفسه ،فهو
غني عن العالمين ،أي سواء ظهوركم وعدمكم ،فهو غني عن الداللة ،كأنه يقول :ما
ي وال أظهرته عالمة على وجودي ،وإنما أظهرته ليظهر حكم حقائق أوجدت العالم ليدل عل ه
ي سوائي ،فإذا تجليت عرفت بنفس التجلي ،والعالم عالمة أسمائي ،وليست لي عالمة عل ه
ي ،وعالمة أيضا على أني مستنده ال غير ،فإن كل حكم في العالم على حقائق األسماء ال عل ه
ال بد أن يستند إلى نعت إلهي ،إال النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته ،وبه كان غنيا عن
العالمين ،والنعت الذاتي الذي للعالم باالستحقاق وبه كان فقيرا ،بل عبدا ،فإنه أحق من نعت
الفقر ،وإن كان الفقر والذلة على السواء ،فالحق تعالى هو المنزه عن أن تدل عليه عالمة ،
فهو المعروف بغير حد ،المجهول بالحد ،ولهذا فإن التجلي اإللهي ال يكون إال لإلله وللربه ،
ّللا هو الغني ،وكذا االسم اإللهي األحد ،فال يتجلى في هذا االسم ، وال يكون هّلل أبدا ،فإن ه
وال يصح التجلي فيه ،وما عدا هذين االسمين من األسماء المعلومات لنا ،فإن التجلي يقع فيها
ّللا ،فهو غني عن الدالالت عليه ،فرفع أن يكون بينه وبين ،والعالمون هنا هو الدالالت على ه
العالم نسبة ووجه يربطه بالعالم ،من حيث ذلك الوجه الذي هو منه غني عن العالمين ،وهو
ي فيكون له وجه يربطني به ، الذي يسميه أهل النظر وجه الدليل .يقول الحق :ما ث هم دليل عل ه
ي أدلة المحدثات ،فأكون مقيدا به ،وأنا الغني العزيز ،الذي ال تقيدني الوجوه ،وال تد هل عل ه
فالواجب الوجود غني على اإلطالق ،فال شيء واجب الوجود لنفسه إال هو ،فهو الغني بذاته
على اإلطالق عن العالمين بالدليل العقلي والشرعي ،إذ لو أوجد العالم للداللة عليه لما صح له
الغنى عنه ،فهو أظهر وأجلى من أن يستدل عليه بغير ،أو يتقيد تعالى بسوى ،إذ لو كان
األمر كذلك ،لكان للدليل بعض سلطنة وفخر على المدلول ،فكان يبطل الغنى ،فما نصب
األدلة عليه ،وإنما
ص 454
ص 462 :
نصبها على المرتبة ،ليعلم أنه ال إله إال هو « ، » 1ولهذا ال يصح أن يكون عليه ،وإليه
ّللا وال شيء معه ] ،فهو غني عن الداللة .واعلم الداللة بقوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :كان ه
ّللا ذاتا ،ما هي معقولية كونه إلها ،وهي مرتبة ،وليس في الوجود العينيأن معقولية كون ه
سوى العين ،فهو من حيث هو غني عن العالمين ،ومن حيث األسماء التي تطلب العالم
إلمكانه لظهور آثارها فيه ،يطلب وجود العالم ،فلو ال الممكن ما ظهر أثر لألسماء اإللهية ،
فلألسماء اإللهية أو المرتبة التي هي مرتبة المسمى إلها التصريف والحكم فيمن نعت بها ،فبها
يتصرف ،ولها يتصرف ،وهو غني عن العالمين في حال تصرفه ،ال بد منه ،فاأللوهية
ّللا ،فطلبت مستحقها ،ما هو طلبها ،والمألوه يطلبها وهي
مرتبة للذات ،ال يستحقها إال ه
فاّلل من حيث ذاته ووجوده غني عن العالمين ،ومن تطلبه ،والذات غنية عن كل شيء .ه
كونه ربها يطلب المربوب بال شك ،فهو من حيث العين ال يطلب ،ومن حيث الربوبية يطلب
المربوب وجودا وتقديرا ،فالوجود الحادث والقديم مربوط بعضه ببعضه ربط اإلضافة والحكم
ّللا
،ال ربط وجود العين ،وذلك تنزيه أن يقوم بالحق فقر ،أو يدل عليه دليل غير نفسه ،فإن ه
وإن كان في ذاته غنيا عن العالمين ،فمعلوم أنه منعوت بالكرم والجود والرحمة ،فال بد من
مرحوم ومتكرم عليه ،فأوجد العالم من جوده وكرمه ،وهذا ال يشك فيه عاقل وال مؤمن ،
وأن الجود له نعت نفسي ،فإنه جواد كريم لنفسه ،فال بد من وجود العالم ،وما حكم العلم
بكونه يستحيل عدم كونه ،فهو تعالى المطلوب للعالم ،والطلب يؤذن باالفتقار في حق
المحدثات ،وهو المطلوب ،فهو الغني .فمن كونه مطلوبا للموجودات صح افتقارها إليه ،
ّللا منه في حال وجوده ،ولهذا ال تصحب الممكن والممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى ه
دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده ،فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم
في الجود والكرم ،وبذلك صح غناه تعالى عن العالم .فقبوله عليه قبول جود وكرم ،ومتعلق
غناه تعالى هو فيما بقي من الممكنات مما لم يوجد ،فإنها غير متناهية باألشخاص ،فال بد من
بقاء ما لم يوجد ،فبه تتعلق صفة الغنى اإللهي عن العالم ،فإن بعض العالم يسمى عالما .فمن
فهم الغنى اإللهي هكذا فقد علمه ،وأما تنزيه الحق عما تنزهه عباده مما سوى العبودية ،فال
علم لهم بما
ص 455
ص 463 :
هو األمر عليه ،فإنه يكذب ربه في كل حال يجعل الحق فيه نفسه مع عباده ،وهذا أعظم ما
ّللا ،أن ينزهه عما نسبه سبحانه إلى نفسه بما نسبه إلى نفسه ،وهذه
يكون من سوء األدب مع ه
اآلية تشير من وجه أن الحق في نفسه على ما علم ،وله في نفسه ما ال يصح أن يعلم ،فهو
غني عن العالمين .
[ الخواطر األربعة ]
فللقلب خواطر أربعة :
خاطر إلهي وهو ركن الحجر .
وخاطر ملكي وهو الركن اليمني .
وخاطر نفسي وهو الركن الشامي .
وهذه الثالثة األركان هي األركان الحقيقية للبيت من حيث أنه مكعب الشكل ،وعلى هذا
الشكل قلوب األنبياء مثلثة الشكل ،ليس للخاطر الشيطاني فيها مح هل ،ولما أراد ه
ّللا ما أراد
من إظهار الركن الرابع ،جعله للخاطر الشيطاني ،وهو الركن العراقي ،وإنما جعلنا الخاطر
باّلل من الشقاق والنفاق وسوء
الشيطاني للركن العراقي ألن الشارع شرع أن يقال عنده ( أعوذ ه
األخالق ) وبالذكر
ص 456
ص 464 :
المشروع في كل ركن تعرف مراتب األركان ،وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين وما
ّللا رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي عدا الرسل واألنبياء المعصومين ،ليميز ه
ّللا تعالى أعطاهم وألبسهم إياها ،فليس لنبي إال ثالثة خواطر ،إلهي وملكي ونفسي ،وكما أن ه
باّلل ،فشهد هّلل بما شهد به ّللا في قلب العارف كنز العلم ه أودع في الكعبة كنزا ،كذلك جعل ه
ّللاُ أَنَّهُ ال
ش ِه َد َّ
ّللا ،ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ،فقال( َ الحق لنفسه ،من أنه ال إله إال ه
فاّلل بيته قلب عبده إِلهَ إِ َّال ُه َو َو ْال َمالئِ َكةُ َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم )فجعلها كنزا في قلوب العلماء ه
باّلل ،ه
المؤمن ،والبيت بيت اسمه تعالى ،والعرش مستوى الرحمن ،فبين القلب والعرش في
ّللا واالسم الرحمن ،فإن مشهد األلوهية أع هم ،إلقرار الجميع ،فما أنكر المنزلة ما بين االسم ه
ّللا الحرام تكرار من )ولما كان الحج لبيت هالر ْح ُ ّللا ،وأنكر الرحمن ،فإنهم قالوا َ ( :و َما َّ أحد ه
القصد في زمان مخصوص ،كذلك القلب تقصده األسماء اإللهية في حال مخصوص ،إذ كل
اسم له خاص يطلبه ،فمهما ظهر ذلك الحال من العبد طلب االسم الذي يخصه ،فيقصده ذلك
االسم ،فلهذا تحج األسماء اإللهية بيت القلب ،وقد تحج إليه من حيث أن القلب وسع الحق ،
واألسماء تطلب مسماها ،فال بد لها أن تقصد مسماها ،فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه
ت »لما كان قصد البيت قصدا حاليا ، اس ِح ُّج ْالبَ ْي ِعلَى النَّ ِ السعة التي يعلمها سبحانه َ «،و ِ َّ ِ
ّلل َ
ّللف على الناس أن يجعلوا قلوبهم كالبيت ،تطلب بحالها أن ألنه يطلب بصورته الساكن ،ه
ّللا أن
يكون الحق ساكنها ،وهذا معنى من قرأ بكسر الحاء ،وهو االستعداد بالصفة التي ذكر ه
القلب يصلح له تعالى بها ،ومن قرأ بفتح الحاء ،فوجب عليه أن يطلب قلبه ليرى فيه آثار ربه
،فيعمل بحسب ما يرى فيه من اآلثار اإللهية والعمرة التي هي الزيارة بمنزلة الزور الذي
يخص كل إنسان ،فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه ،فالزيارة من غير تسميتها بالعمرة
تكون لكل زائر حيث كان ،وكذلك الحج ،فهي زيارة مخصوصة كما هو قصد مخصوص ،
ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة ،وأما العمرة بلسان الشرع فال
تصح إال بمكة ،وكذا الحج .
ص 457
ص 465 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 99
ّللاُ ِبغافِ ٍل ّللا َم ْن آ َم َن ت َ ْبغُونَها ِع َوجا ً َوأ َ ْنت ُ ْم ُ
ش َهدا ُء َو َما ه ُّون ع َْن َ
س ِبي ِل ه ِ صد َ قُ ْل يا أ َ ْه َل ا ْل ِكتا ِ
ب ِل َم ت َ ُ
ون ) ( 99 ع هما ت َ ْع َملُ َ
َ
وهذه مراقبة الحق عباده مراقبة كبرياء ووعيد .
ص 458
ص 466 :
ّللا من التعظيم ويرى ما هّلل
باّلل العلي العظيم -الوجه الثاني -أن العبد يرى ما يستحقه جالل ه
ه
عليه من الحقوق ،فيجهد نفسه في أداء ذلك ،ألداء حق ما تعين عليه هّلل وما تعطيه مرتبة
العبد من سيهده .
ص 459
ص 467 :
ّللاُ لَ ُك ْم آياتِ ِه لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْهتَدُونَ » .
هذا َ «.كذ ِل َك يُبَ ِيه ُن َّ
َّت ُو ُجو ُه ُه ْم »أي ذواتهم ،فال نور لهم يكشفون به األشياء ،بل هم عمي فال « فَأ َ َّما الَّذِينَ اس َْود ْ
يبصرون« أ َ َكفَ ْرت ُ ْم بَ ْع َد ِإيما ِن ُك ْم »ولم يكن لهم إيمان تقدم إال إيمان الذر زمان األخذ من الظهر
،فنسي ذلك العقد لما قدم العهد ،ولوال البيان واإليمان ما أقر به اإلنسان ،فتظهر العناية
اإللهية بالمقرب الوجيه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ،والنميمة والغيبة وإفشاء السر وما
شاكل هذا كله حق مكروه ،وهو يؤدي إلى اسوداد الوجوه .
ص 460
ص 468 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 110
اَّلل َولَ ْو آ َم َن وف َوت َ ْن َه ْو َن ع َِن ا ْل ُم ْنك َِر َوت ُ ْؤ ِمنُ َ
ون ِب ه ِ ون ِبا ْل َم ْع ُر ِ اس تَأ ْ ُم ُر َ ُك ْنت ُ ْم َخ ْي َر أ ُ هم ٍة أ ُ ْخ ِر َجتْ ِللنه ِ
ون ) ( 110 سقُ َ ون َوأ َ ْكث َ ُر ُه ُم ا ْلفا ِ كان َخ ْيرا ً لَ ُه ْم ِم ْن ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ ب لَ َ أ َ ْه ُل ا ْل ِكتا ِ
إذا حملنا قوله تعالى« أ ُ َّم ٍة »على أمة الدعوة ال أمة اإلجابة ،كان المؤمن بإيمانه والكافر منهم
بكفره هما خير من كل مؤمن من غير هذه األمة وكافر ،أي مؤمن هذه األمة خير من مؤمن
غيرها من األمم ،وكافر هذه األمة خير من كافر غيرها من األمم -الوجه الثاني -إذا حملت
األمة على أمة اإلجابة كانت األمة المحمدية المتأخرة المنعوتة بالخيرية على جميع األمم
السالفة مؤمنيهم وكافريهم ،فكافرهم شر من كافري األمم ،ومؤمنهم خير من مؤمني األمم ،
فلهم التقدم ،كما ورد في الخبر في قريش [ إنهم المقدهمون على جميع القبائل في الخير والشر
ّللا
اس »لظهور رسول ه ت ِللنَّ ِ اس » ]« ُك ْنت ُ ْم َخي َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ ت ِللنَّ ِ ][ « ُك ْنت ُ ْم َخي َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ
ّللا عليه وسلم بصورته فيها ،وكذلك القرن الذي ظهر فيهم خير القرون لظهوره فيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم سيد ولد آدم من بنفسه ،وما كنا خير أمة أخرجت للناس ،إال وكان نبينا صلهى ه
غير شك وال التباس ،فهو بنا ونحن به ،وليس خيرا من كل أمة إال نبيها ونحن خير األمم ،
فنحن واألنبياء في هذه الخيرية في سلك واحد منخرطين ،ألنه ما ثم مرتبة بين النبي وأمته ،
ّللا عليه ّللا عليه وسلم خير من أمته كما كان كل نبي خيرا من أمته ،فهو صلهى ه ومحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ ليتمنين اثنا عشر نبيا أن يكونوا من أمتي ] وسلم خير األنبياء ،قال صلهى ه
باّلل » وإن كانت كل أمة تأمر بالمعروف تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون ه
صت هذه األمة المحمدية بأمور لم يخص بها أمة من باّلل ،فقد خ ه وتنهى عن المنكر ويؤمنون ه
األمم ،ولها أجور على ما خصصت به من األعمال مما لم يستعمل فيها غيرهم من األمم ،
فتميزوا بذلك يوم القيامة ،وظهر فضلهم ،والفضل الزيادة ،وبالزيادة كانت خير أمة أخرجت
ّللا عليه وسلم ّللا عليه وسلم ،عناية منه تعالى لحضوره صلهى ه للناس أمة محمد صلهى ه
وظهوره فيها ،وإن كان العالم اإلنساني والناري كله أمته ،فإنه المرسل إلى الناس كافة ،
ولكن لهذه األمة خصوص وصف ،فجعلهم تعالى خير أمة أخرجت للناس ؛ هذا الفضل أعطاه
ّللا عليه وسلم بنشأتيه ،فكان من فضل هذه األمة على األمم أن أنزلها صلهى ه
ّللا ظهوره صلهى ه
عليه وسلم منزلة خلفائه األنبياء في العالم قبل ظهوره ،إذ كان أعطاهم
ص 461
ص 469 :
التشريع ،فأعطى ،هذه األمة االجتهاد في نصب األحكام ،وأمرهم أن يحكموا بما أداهم إليه
اجتهادهم فأعطاهم التشريع ،فلحقوا بمقامات األنبياء في ذلك ،وجعلهم ورثة لهم لتقدمهم
عليهم ،فإن المتأخر يرث المتقدم بالضرورة ،وكل من دخل في زمان هذه األمة بعد ظهور
ّللا عليه وسلم من األنبياء والخلفاء األول فإنهم ال يحكمون في العالم إال بما شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في هذه األمة وتميز في المجتهدين وصار في حزبهم مع إبقاء محمد صلهى ه
منزلة الخالفة األولى عليه ،فله حكمان ،يظهر بذلك في القيامة ،ما له ظهور بذلك هنا ،
وكل وارث علم في زمان إنما يرث من تقدمه من األنبياء عليهم السالم ال من تأ هخر عنه ،
ّللا عليه وسلم وراثة جزئية ،وهذه األمة ّللا صلهى ه فوراثة عالم كل أمة كانت لنبي قبل رسول ه
ّللا عليه وسلم آخر األنبياء ،وكانت أمته خير األمم ،صح المحمدية لما كان نبيها محمد صلهى ه
للوارث منهم أن يرثه ،ويرث جميع األنبياء عليهم السالم وال يكون هذا أبدا في عالم أمة
متقدمة قبل هذه األمة فلهذا كانت أفضل أمة أخرجت للناس ،ألنها زادت على الوارثين بأمر
ّللا عليه وسلم [ :العلماء ورثة األنبياء ] وقال [ :نحن معاشر لم ينله إال هذه األمة .قال صلهى ه
األنبياء ال نرث وال نورث ،ما تركناه صدقة ] يعني الورث ،أي ما يورث من الميت من
ّللا في كشفهم ،فكنها المال ،فلم يبق الميراث إال في العلم والحال والعبارة وعما وجدوه من ه
سطا ا )أي خيارا( ِلت َ ُكونُوا ُ
ش َهدا َء للناس مثل النبي للناس ،قال تعالى َ ( :و َكذ ِل َك َجعَ ْلنا ُك ْم أ ُ َّمةا َو َ
ش ِهيدا ا )فجعل حكمنا ومنزلتنا في غيرنا من األمم منزلة علَ ْي ُك ْم َ
سو ُل َ علَى النَّ ِ
اس َويَ ُكونَ َّ
الر ُ َ
الرسول منا ،فنحن في حقهم رسل ،ولهذا قال عليه السالم :
[ علماء هذه األمة أنبياء سائر األمم ] في هذه المنزلة والمرتبة .
ص 462
ص 470 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية ] 114
ُون فِي ا ْل َخ ْيرا ِ
ت وف َويَ ْن َه ْو َن ع َِن ا ْل ُم ْنك َِر َويُ ِ
سارع َ اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َويَأ ْ ُم ُر َ
ون ِبا ْل َم ْع ُر ِ يُ ْؤ ِمنُ َ
ون ِب ه ِ
ين ) ( 114 صا ِل ِح َ َوأُولئِكَ ِم َن ال ه
سارعُونَ لما كانت المغفرة ال تصح إال بعد حصول فعل الخير الموجب لها ،قال تعالى « َويُ ِ
عوا
سار ُ
ت »فجعل المسابقة في الخيرات إلى المغفرة ،ولذلك قال في موطن آخر( َو ِ فِي ْال َخيْرا ِ
إِلى َم ْغ ِف َرةٍ ِم ْن َر ِبه ُك ْم )والمسارعون في الخيرات هم المسارعون إلى إجابة الحق ،فينبغي
للعاقل أن ال يستعجل في أمر له فيه أناة ،وال يتأنى في أمر يكون الحق في المبادرة إليه
واإلسراع في تحصيله ،هذا فائدة العقل في العاقل :
ص 463
ص 471 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 118إلى 122
ت ا ْلبَ ْغضا ُء ِين آ َمنُوا ال تَت ه ِخذُوا ِبطانَةً ِم ْن دُونِ ُك ْم ال يَأْلُونَ ُك ْم َخباالً َودُّوا ما َ
عنِت ُّ ْم قَ ْد بَ َد ِ يا أَيُّ َها الهذ َ
ون ( ) 118ها أ َ ْنت ُ ْم ُور ُه ْم أ َ ْكبَ ُر قَ ْد بَيهنها لَ ُك ُم ْاآليا ِ
ت ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع ِقلُ َ صد ُ ِم ْن أ َ ْفوا ِه ِه ْم َوما ت ُ ْخ ِفي ُ
ضوا ع ُّ ب ُك ِله ِه َو ِإذا لَقُو ُك ْم قالُوا آ َمنها َو ِإذا َخلَ ْوا َ ون ِبا ْل ِكتا ِ أُ ِ
والء ت ُ ِحبُّونَ ُه ْم َوال يُ ِحبُّونَ ُك ْم َوت ُ ْؤ ِمنُ َ
س ُك ْم س ْ ُور ( ) 119إِ ْن ت َ ْم َ صد ِ ت ال ُّ ع ِلي ٌم بِذا ِ نام َل ِم َن ا ْلغَ ْي ِظ قُ ْل ُموتُوا بِغَ ْي ِظ ُك ْم إِ هن ه َ
ّللا َ علَ ْي ُك ُم ْاأل َ ِ
َ
ش ْيئا ً إِ هن ه َ
ّللا صبِ ُروا َوتَتهقُوا ال يَض ُُّر ُك ْم َك ْي ُد ُه ْم َ س ِيهئَةٌ يَ ْف َر ُحوا بِها َوإِ ْن ت َ ْ سنَةٌ ت َ ُ
س ْؤ ُه ْم َوإِ ْن ت ُ ِص ْب ُك ْم َ َح َ
س ِمي ٌع ّللاُ َين َمقا ِع َد ِل ْل ِقتا ِل َو ه ئ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ غد َْوتَ ِم ْن أ َ ْه ِلكَ تُبَ ه ِو ُ ط ( َ ) 120وإِ ْذ َ ون ُم ِحي ٌ بِما يَ ْع َملُ َ
ون ( ّللا فَ ْليَت َ َو هك ِل ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
علَى ه ِ ّللاُ َو ِليُّ ُهما َو َتان ِم ْن ُك ْم أ َ ْن ت َ ْفشَل َو ه ع ِلي ٌم ) ِ ( 121إ ْذ َه همتْ طائِفَ ِ َ
) 122
ّللا تعالى فيما يجريه أو وعد به ،مع عدم االضطراب عند فقد التوكل اعتماد القلب على ه
األسباب الموضوعة في العالم ،التي من شأن النفوس أن تركن إليها ،فإن اضطرب فليس
بمتوكل ،وهو من صفات المؤمنين ،وإن كان التوكل ال يكون للعالم إال من كونه مؤمنا كما
ّللا به -وما قيده سدى -فلو كان من صفات العلماء ويقتضيه العلم النظري ما قيده قيده ه
ّللا
باإليمان ،فال يقع في التوكل بمشاركة من غير المؤمن بأي شريعة كان ،وسبب ذلك أن ه
تعالى ال يجب عليه شيء عقال إال ما أوجبه على نفسه ،فيقبله بصفة اإليمان ال بصفة العلم ،
فإنه فعال لما يريد ،فلما ضمن ما ضمن وأخبر بأنه يفعل أحد الممكنين ،اعتمدنا عليه في ذلك
على التعيين وصدقناه ،وعدم اضطرابنا عند فقد األسباب إنما هو من إيماننا بضمانه .
ص 464
ص 472 :
ّللا المالئكة مددا لنصر المؤمنين على
لما كان أهل بدر قليلين والمشركون كثيرين ،أنزل ه
األعداء في القتال يوم بدر ،فنزل المالئكة مقاتلين خاصة .وكونهم مسومين أي أصحاب
عالمات يعرفون بها أنهم من المالئكة ،فبوجود المدد الملكي واألثر الفلكي كانت النصرة ،
ورجعت على األعداء الكرة ،أقدم حيزوم ،لنصرة دين الحي القيوم ،ولما فيه من تقوية
القلوب ،عند أهل اإليمان بالغيوب ،وما كان عند أهل الغيب إيمانا ،كان ألهل الشرك عيانا ،
ّللا قتلهم ،قتلهم بالملك ،لألمر الذي أوحاه في السماء
وذلك الشهود خذلهم ،فلم تقتلوهم ولكن ه
وأودعه حركة الفلك ،فما انحجب عن المؤمن إلهانته ،كما أنه ما كشفه للمشرك لمكانته ،
ّللا بالكشف ،وهو من النصر اإللهي لكن ليثبت ارتياعه ،ويتحقق انصداعه واندفاعه ،فخذله ه
الصرف ،نصر به عباده المؤمنين على التعيين ،فإنه أوجب سبحانه على نفسه نصرتهم ،
فرد عليهم لهم كرتهم ،فانهزموا أجمعين وكان حقها علينا نصر المؤمنين ،والمؤمن اإلله الحق
،وقد نصره الخلق .
ّللاُ إِ َّال بُ ْشرى لَ ُك ْم »فيحتمل لكونهم من المالئكة عامة ،أوهم المالئكة الذين قالوا في َوما َجعَلَهُ َّ
حق آدم( أ َ ت َ ْجعَ ُل فِيها َم ْن يُ ْف ِس ُد فِيها َويَ ْس ِفكُ ال هدِما َء )فأنزلهم ه
ّللا في يوم بدر ،فسفكوا الدماء ،
ّللا ،فنصرونا على األعداء بما عابوه علينا
حيث عابوا آدم بسفك الدماء ،فلم يتخلفوا عن أمر ه
ط َمئِ َّن قُلُوبُ ُك ْم ِب ِه »أي من عادة البشرية أن تسكن إلى الكثرة ،إذ كان أهل بدر ثالثمائة َ «.و ِلت َ ْ
والمشركون ألفا ،فلما رأوا المالئكة خمسة آالف ،اطمأنت قلوب المؤمنين بكثرة العدد مع
وجود القتال منهم ،فما اطمأنوا به برؤيتهم وحصل لهم من األمان في قلوبهم حتى غشيهم
النعاس ،إذ كان الخائف ال ينام .
ص 456
ص 473 :
ْس لَ َك ِمنَ
يقول الحق تعالى ألكرم الناس عليه وأتمهم في الشهود وأعالهم في الوجود « [لَي َ
ش ْي ٌء »فإن األمر يكون عنه التكوين ،والتكوين للحق الْس لَ َك ِمنَ ْاأل َ ْم ِر َ ْاأل َ ْم ِر َ
ش ْي ٌء » ]« لَي َ
له ،فما أراده كان ،فأفلسه الحق حتى ال يخرج عن حقيقته .
عوا إِلى َم ْغ ِف َرةٍ ِم ْن َر ِبه ُك ْم »وهي العبادة ، عوا إِلى َم ْغ ِف َرةٍ ِم ْن َر ِبه ُك ْم » ] « َو ِ
سار ُ سار ُ
[ « َو ِ
فالمسارعة هي المبادرة إلى الصالة مثال بالتأهب المعتاد قبل دخول وقتها ،فيأتيها بسكينة
ووقار ،فيجمع بين المسارعة والسكينة ،فمن سارع إليها فقد سارع إلى المغفرة ،وإنما أمر
العبد بالمسارعة إلى الخيرات لتصرفه في المباحات ال غير ،فمن كانت حالته أن ال يتصرف
عوا ِإلى َم ْغ ِف َرةٍ ِم ْن
سار ُ
في مباح ،فهو في خير على كل حال -تفسير من باب اإلشارة َ «. -و ِ
َر ِبه ُك ْم »المسارعة في الخير وإليه ،والمغفرة ال ترد إال على ذنب ،وإن كانت في وقت تستر
العبد عن أن تصيبه الذنوب ،وهو المعصوم والمحفوظ ،فلها الحكمان في العبد ،محو الذنب
بالستر عن العقوبة أو العصمة والحفظ ،وال ترد على تائب ،فإن التائب ال ذنب له ،إذ التوبة
أزالته ،فما ترد المغفرة إال على المذنبين في حال كونهم مذنبين غير تائبين ،فهناك يظهر
ّللا في عباده الخفية ،من حكمها .وهذا ذوق لم يطرق قلبك مثله قبل هذا ،وهو من أسرار ه
حكم أسمائه الحسنى ،ومثل هذا يسمى التضمين ،فإنه أمر بالمسابقة إلى المغفرة ،وما أمر
بالمسابقة إلى الذنب ،ولما كان العفو والغفران يطلب الذنب ،وهو مأمور بالمسابقة إلى
المغفرة ،فهو مأمور بما له يكون ليظهر حكمها ،فما ال يتوصل إلى الواجب إال به فهو واجب
،ولكن من حيث
ص 466
ص 474 :
ّللا ال يَأ ْ ُم ُر
ما هو فعل ال من حيث ما هو حكم ،وإنما أخفى ذكره هنا وذكر المغفرة لقوله ( ِإ َّن َّ َ
شاء )واألمر من أقسام الكالم ،فما أمر بالذنوب وإنما أمر بالمسابقة واإلسراع إلى الخير ِب ْالفَ ْح ِ
ّللا بقوم يذنبون فيغفر لهم ] ولم يقل وفيه ،وإلى المغفرة ،جاء في الحديث [ لو لم تذنبوا لجاء ه
فيعاقبهم ،فغلب المغفرة وجعل لها الحكم .فأصل وجود الذنب بذاته لما يتضمنه من المغفرة
والمؤاخذة ،فيطلب تأثير األسماء ،وليس أحد االسمين المتقابلين في الحكم أولى من اآلخر ،
ض َها
ع ْر ُ لكن سبقت الرحمة الغضب في التجاري ،فلم تدع شيئا إال وسعته رحمته« َو َجنَّ ٍة َ
ض »العرض ينحصر في السماوات واألرض في سعة الجنة ،ولم يذكر سماواتُ َو ْاأل َ ْر ُ ال َّ
لطولها حد وال انتهاء ،فطولها روحاني معنوي ،وعرضها جسماني ،فطولها ال ينحصر ،
وأما من جهة التحقيق ،فإن ذكر عرض الجنة فإن شكلها مستدير ،والطول ال يظهر إال ببداية
وغاية ،فعرض الجنة قطرها إذا قدرته ،وليس لها طول لكونها كريهة .
ّللا عليه وسلم [ :من كظم غيظا وهو قادر ّللا ،قال صلهى ه
ظ »لتعدي حدود ه كاظ ِمينَ ْالغَ ْي َ
َو ْال ِ
اس »فإن للخلقع ِن النَّ ِ ّللا أمنا وإيمانا ] فمن اإليمان كظم الغيظ َ «.و ْالعافِينَ َ
على أن ينفذه مأله ه
ّللا ألعمال عملوها له ،وألعمال عملوها للخلق رعاية للحق ،كالعفو من العافين أجرا على ه
عن الناس ؛ فإن اإلنسان إذا رحم نفسه وزال الغضب بإطالق االنتقام أعقبته الرحمة ،وهي
ّللا كان العفو عنه أحسن ،ال بد أن الندم الذي يجده اإلنسان إذا عاقب أحدا ،ويقول :لو شاء ه
يقول ذلك ،إما دنيا وإما آخرة في انتقامه لنفسه ،لئال يتخيل أن إقامة الحدود من هذا القبيل ،
ّللاُ يُ ِحبُّ ْال ُم ْح ِس ِنينَ »راجع
ّللا ،ما لإلنسان فيها تع همل َ «.و َّ
فإن إقامة الحدود شرع من عند ه
اآلية ( . ) 148
ص 467
ص 475 :
اإلصرار من األعمال المنهي عن عملها ،وال يزيلها إال التوبة ،فإن مات خيف عليه ولم
يقطع ،وإذا ز هل العبد فقامت به الذلة والحياء واالنكسار ،كان ذلك عين الترقي ،فإذا فقد
اإلنسان هذه الحالة في زلته ،ولم يندم وال انكسر وال ذ هل وال خاف مقام ربه ،كان جليس
إبليس ،بل إبليس أحسن حاال منه ،ألنه يقول لمن يطيعه في الكفر( ِإ ِنهي بَ ِري ٌء ِم ْن َك ِإ ِنهي أ َ ُ
خاف
ّللا عليه وسلم [ :الندم توبة] ّللا َربَّ ْالعالَ ِمينَ )وقال رسول ه
ّللا صلهى ه َّ َ
ص 468
ص 476 :
ُم ْقتَد ٍِر )إلى أمثال هذه اآليات النيرات ،فقد شاء سبحانه وتعالى أن ال تنال المقامات على
تفاصيلها بتفاضل بعضها على بعض إال بعمل ،والصبر والرضى من جملة األعمال
صب ُْر َك ِإ َّال ِب َّ ِ
اّلل ص ِب ْر َوما َ
واألحوال المشروعة لنا ،المأمور بها شرعا ،كما قال تعالى ( َ :وا ْ
)وال يكون الصبر إال على بالء ومشقة .وأصل السعادة الجامعة لها موافقتنا للحق تعالى فيما
ّللا تعالى أمر به ونهى شرعا ،مع التوحيد في باطنه بنفي األغيار ،وتلك الموافقة عناية من ه
ببعض عباده ،ولكن ينبغي للعبد أن يعتقد أن أعماله لم توصله إلى نيل تلك المقامات ،وإنما
ّللا تعالى به الذي أعطاه التوفيق للعمل والقدرة عليه والثواب .فحصول أوصله إلى ذلك رحمة ه
ّللا عليه ّللا تعالى ،كما قال صلهى ه السعادة أعني دخول دار الكرامة ابتداء إنما هو برحمة ه
ّللا ؟ قال :وال أنا إال أن وسلم [ :ال يدخل أحد الجنة بعمل ،قيل له :وال أنت يا رسول ه
ّللا ،وقسمة الدرجات باألعمال ،والخلود بالنيات ، ّللا برحمته ] فالدخول برحمة هيتغمدني ه
ّللا ،وطبقات عذابهم باألعمال .وخلودهم وكذلك في دار الشقاوة ،دخول أهلها فيها بعدل ه
بالنيات .
وأصل ما استوجبوا به العذاب المؤبد المخالفة ،كما كانت السعادة في الموافقة .وكذلك من
ّللا شرعا .وأول ما يجب عليك ،إن رزقت دخل من العاصين النار ،لوال المخالفة ما عذبهم ه
الموافقة والتوفيق ،العلم باألمور التي مهدناها لك ،فإذا علمتها توجه عليك العمل بها ،وإن
كان طالب العلم في عمل من حيث طلبه ،ولكن يعطيك العلم العمل بأمور أخر ،توجه عليك
بها خطاب الشارع ،كما أن العلم لم يصح طلبه إال بالعلم .فمن حصل له العلم باألحكام التي
يحتاج إليها في مقامه ،فال يكثر مما ال يحتاج إليه ،فإن التكثير مما ال حاجة فيه سبب في
تضييع الوقت عما هو أهم ،فيأخذ منها ما توجه عليه في الوقت من علم تكليف ذلك الوقت ،
فإذا عرفت هذا ،والزمت العمل ،فأنت الموفق السعيد .واعلم أن عدد األعضاء المكلفة
ثمانية :وهي العين واألذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ،فعلى كل واحد من
هذه األعضاء تكليف ،يخصه من أنواع األحكام الشرعية ،ثم تصرفها على الوجه الشرعي
في محلين خاصة إما في ذاتك وإما في غير ذاتك .فالذي في ذاتك منه ما يلحقك عليه المذمة
ّللا تعالى ،فالمحمدة كالصوم والصالة وما أشبه ذلك ،والمذمة الشرعية والمحمدة عند ه
كضربك نفسك بالسكين لتقتلها .ومنها ما ال يلحقك فيه مذمة وال محمدة ،كصنف المباح ،وال
يجوز لك هذا الفعل إال في ذاتك .وأما في غير ذاتك فال إال بشرط
ص 469
ص 477 :
ما .والذين هم غيرك ثمانية أصناف خارجون عنك :الولد والوالدان والزوجة وملك اليمين
والبهيمة والجار واألجير واألخ اإليماني والطيني .وكل فعل حسن للجوارح أسه انتباه القلب ،
وهذه األعمال كلها ليس لها زوال عن شخص حتى يموت ،فإن عدمها في أحواله وطريقه فهو
مخدوع ،والواصل ال يتصور منه ترك لها أصال ،وإن ادعى الوصول ،وفارق المعامالت
استصحابا ،فدعواه كاذبة .ولو فتح له في علم الكونين وسر العالم فمكر واستدراج .فال سبيل
إلى الوصول إلى نهاية صحيحة عن الشوب اإلبليسي ،خالصة عن الغرض النفسي ،ما لم
يزل المريد هأوال عن رعونة النفس وكدورة البشرية .ومن لم يتخلق لم يتحقق .وعالمة من
صح وصوله الخروج عن الطبع واألدب مع الشرع واتباعه حيث سلك ،والشفاء الشافي
والدواء الكافي لهذا الداء العضال العلم بشرط التوفيق ،فإذا اجتمعا فال حائل بينك وبين
التحقيق .
ص 470
ص 478 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 141
ّللا لعباده الذين ق ا ْلكافِ ِر َ
ين ) ( 141وهذا كله ابتلء من ه ّللاُ الهذ َ
ِين آ َمنُوا َويَ ْم َح َ ص ه َو ِليُ َم ِ هح َ
ادعوا اإليمان به بألسنتهم .
ص 471
ص 479 :
ّللا عليه وسلم أن أبا بكرّللا عليه وسلم ،فعلم محمد صلهى هّللا صلهى ه
في حقه وفي حق رسول ه
ّللا تعالى ،ليس معه إال بحكم أنه يرى ما يخاطبه الحقالصديق مع من دعاه إليه ،وهو ه
ّللا عليه وسلم في كل خطاب يسمعه منه ،بل من جميع من سبحانه على لسان رسوله صلهى ه
يخاطبه ،وقد علهمه الحق في نفسه ميزان ما يقبل من خطابه وما يرد ،فكان أبو بكر رضي
ّللا ،
ّللا في مقام الرضا واالستسالم والتفويض والصبر واالعتماد على ه ّللا عنه أحكم أولياء ه
ه
ّللا عنه ما ظهر قط عليه مما كان عليه في باطنه من المعرفة شيء لقوته إال يوم فإنه رضي ه
ّللا عليه وسلم ،وذهلت الجماعة ،وقالوا ما حكي عنهم إال الصديق ، ّللا صلهى ه
مات رسول ه
ّللا أهله دون الجماعة لإلمامة والتقدم ،ّللا تعالى وفقه إلظهار القوة التي أعطاه ،لكون هفإن ه
ّللا قد
واإلمام ال بد أن يكون صاحيا ،ال يكون سكرانا ،فقامت له تلك القوة في الداللة على أن ه
ّللا عليه وسلم في أمته ،كالمعجزة للنبي ّللا صلهى ه
جعله مقدهم الجماعة في الخالفة عن رسول ه
ّللا عليه وسلم في الداللة على نبوته ،فلم يتقدم وال حصل األمر له إال عن طوع من صلهى ه
جماعة وكره من آخرين ،وذلك ليس نقصا في إمامته ،ومن كره إمامته من الصحابة رضي
ّللا عنهم ،ما كان عن هوى نفس ،نحاشيهم من ذلك على طريق حسن الظن بالجماعة ،ولكن ه
كان لشبهة قامت عندهم ،رأى من رأى أنه أحق بها منه في رأيه ،وما أعطته شبهته ال في
ّللا قد سبق علمه بأن يجعله خليفة في األرض ،وكذلك عمر وعثمان وعلي ّللا ،فإن ه
علم ه
ّللا أنوالحسن ،ولو تقدم غير أبي بكر لمات أبو بكر في خالفة من تقدمه ،وال بد في علم ه
يكون خليفة ،فتقدمهم بالزمان بأنه أولهم لحوقا باآلخرة ،فكان سبب هذا الترتيب في الخالفة
ترتيب أعمارهم ،فال بد أن يتأخر عنها من يتأخر مفارقته للدنيا ،ليلي الجميع ذلك المنصب ،
فكل لها أهل في وقت أهلية الذي قبله ،وال بد من والية كل واحد منهم ،وخلع المتأخر لو تقدم
ّللا الخالفة ترتيب ّللا في سابق علمه من الوالية ،فرتب ه ال بد منه ،حتى يلي من ال بد له عند ه
الزمان لألعمار ،حتى ال يقع خلع مع االستحقاق في كل واحد من متقدم ومتأخر ،وما علم
ّللا ،هو العالم بمنازلهم
الصحابة ذلك إال بالموت ،وفضل بعضهم على بعض مصروف إلى ه
عنده ،فإن المخلوق ما يعلم ما في نفس الخالق إال ما يعلمه به الخالق سبحانه ،وما أعلم
ّللا
بشيء من ذلك ،فال يعلم ما في نفسه ،إال إذا أوجد أمرا ،علمنا أنه لوال سبق في علم ه
فاّلل يعصمنا من الفضول ،إنه ذو الفضل العظيم ،ومع هذا البيان اإللهي ، كونه ما كان ،ه
فبقي أهل األهواء في خوضهم يلعبون مع
ص 472
ص 480 :
ّللا العصمة من األهواء وأمراض التعصب إبانة الصبح لذي عينين ،بلسان وشفتين ،نسأل ه
وحمية الجاهلية .من هذا نعلم أنه إذا عرف التلميذ من الشيخ أنه محل لظهور آثار الربوبية ،
ّللا على ذلك التلميذ بما
وهو في نفسه على خالف ما يظهر للعالم ،مشاهد عبودته ،فقد فتح ه
ّللا ال عليه
فيه سعادته ،فإنه يتجرد إلى جانب الحق تجرد الشيخ ،فإنه عرف منه واتكل على ه
ّللا عليه من الحال في حق ذلك التلميذ ،من نطق بأمر ،وبقي ناظرا في الشيخ ما يجري ه
ّللا على لسان هذا الشيخ ،ويعلم التلميذ يأمره به أو ينهاه ،أو بعلم يفيده ،فيأخذه التلميذ من ه
في نفسه من الشيخ ما يعلمه الشيخ من نفسه ،أنه محل جريان أحكام الربوبية ،حتى لو فقد
الشيخ لم يقم فقده عند ذلك التلميذ ذلك القيام ،لعلمه بحال شيخه ،كأبي بكر الصديق مع رسول
ّللاُ ال َّ
شا ِك ِرينَ »لما أسداه من آالئه . سيَ ْج ِزي َّ ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم حين مات َ «.و َ ه
ص 473
ص 481 :
فكان لك حيث تريد إذا اقتضت إرادتك مصلحتك ،وإن لم تقتض إرادتك مصلحتك فعل بحبه
إياك معك ما تقتضيه المصلحة في حقك ،وإن كنت تكره في الحال فعله معك ،فإنك تحمد بعد
ّللا غير متهم في مصالح عبده إذا أحبه ،فميزانك في حبه إياك أن
ذلك عاقبة أمرك ،فإن ه
تنظر إلى ما رزقك من الصبر على ما أخذه منك ورزأك فيه ،من مال أو أهل أو ما كان مما
ّللا .
يعز عليك فراقه ،فما من شيء يزول عنك من المألوفات إال ولك عوض منه عند ه
474
ص 482 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 151
س ْلطانا ً َو َمأْوا ُه ُم النه ُ
ار ْب ِبما أَش َْركُوا ِب ه ِ
اَّلل ما لَ ْم يُنَ ِ هز ْل ِب ِه ُ ِين َكفَ ُروا ُّ
الرع َ ب الهذ َ سنُ ْل ِقي فِي قُلُو ِ
َ
ين ( ) 151 س َمثْ َوى ال ه
ظا ِل ِم َ َو ِبئْ َ
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم بالرعب نصر رسول ه
ّللا عليه وسلم بالرعب بين يديه مسيرة شهر ،والشهر قدر قطع القمر ّللا صلهى ه
نصر رسول ه
درجات الفلك المحيط ،فهو أسرع قاطع ،والحساب به للعرب ،وهو عربي ،فإذا نصر بين
يديه بالرعب مسيرة شهر بسير القمر ،ألنه ما ذكر السائر وذكر الشهر ،وال يعين الشهر عند
ّللا عليه وسلم بالرعب ما قطعه منأصحاب هذا اللسان إال سير القمر ،فقد عم نصره صلهى ه
المسافة هذا القمر في شهر ،فع هم حكم كل درجة للفلك األقصى ،لها أثر في عالم الكون
والفساد ،بقطع القمر تلك المسافة ،فال يقبل الرعب إال عدو مقصود ،يعلم أنه مقصود ،فما
ّللا
ّللا عليه وسلم أحد في قتال إال وفي قلبه رعب منه ،ولكنه يتجلد عليه بما أشقاه هقابله صلهى ه
ّللا ،فما
،ليتميز السعيد من الشقي ،فيوهن ذلك الرعب من جالدة عدوه على قدر ما يريد ه
ّللا .
نقص من جالدة ذلك العدو بما وجده من الرعب ،كان ذلك القدر نصرا من ه
475
ص 483 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 154
ظنُّ َ
ون س ُه ْم يَ ُ علَ ْي ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ا ْلغَ ِ هم أ َ َمنَةً نُعاسا ً يَ ْغشى طائِفَةً ِم ْن ُك ْم َوطائِفَةٌ قَ ْد أ َ َه همتْ ُه ْم أ َ ْنفُ ُ ث ُ هم أ َ ْن َز َل َ
َّلل يُ ْخفُ َ
ون ش ْي ٍء قُ ْل ِإ هن ْاأل َ ْم َر ُكلههُ ِ ه ِ ون َه ْل لَنا ِم َن ْاأل َ ْم ِر ِم ْن َ ق َظ هن ا ْلجا ِه ِليه ِة يَقُولُ َ اَّلل َ
غ ْي َر ا ْل َح ه ِ ِب ه ِ
ش ْي ٌء ما قُ ِت ْلنا ها ُهنا قُ ْل لَ ْو ُك ْنت ُ ْم ِفي كان لَنا ِم َن ْاأل َ ْم ِر َ ُون لَكَ يَقُولُ َ
ون لَ ْو َ س ِه ْم ما ال يُ ْبد َ ِفي أ َ ْنفُ ِ
ص ما ُور ُك ْم َو ِليُ َم ِ هح َ صد ِ ّللاُ ما فِي ُ ي ه علَ ْي ِه ُم ا ْلقَتْ ُل إِلى َم ِ
ضاج ِع ِه ْم َو ِليَ ْبت َ ِل َ ب َ ِين ُكتِ َ بُيُوتِ ُك ْم لَبَ َر َز الهذ َ
ُور ( ) 154 صد ِ ت ال ُّ ع ِلي ٌم بِذا ِّللاُ َ فِي قُلُوبِ ُك ْم َو ه
ّلل »ال إيجاد لمخلوق في عقدنا ،بل األمر كله هّلل ،فإنه هو الفاعل والموجد قُ ْل ِإ َّن ْاأل َ ْم َر ُكلَّهُ ِ َّ ِ
للعمل ،الذي له خلق األعمال من األحوال والقدرة عليها .
476
ص 484 :
ما يأتي بالقهر والفظاظة ،وال يأتي بالقهر ما يأتي باللين ،فإن القهر ال يأتي بالرحمة والمودة
في قلب المقهور ،وباللين ينقضي المطلوب وتأتي بالمودة ،فتلقيها في قلب من استملته باللين
،وصاحب اللين ال يقاوم ،فإنه ال يقاوم لما يعطيه اللين من الحكم ،فالرخاوة في الدين من
ت لَ ُه ْم »وبهذاّللا ِل ْن َ
ّللا فجعل نبيه من أهل اللين فقال« فَ ِبما َر ْح َم ٍة ِمنَ َّ ِ الدين ،ولهذا امتن ه
ّللا عليه وسلم [ : ّللا صلهى ه فضلهم ،واللين خفض الجناح والمداراة والسياسة ،قال رسول ه
ّللا تحتاج إلى علم السياسة ،فإن صورتها من الداعي مداراة الناس صدقة ] والدعوة إلى ه
تختلف باختالف صورة المدعو ،فثم دعاء بصفة غلظة وقهر ،وث هم دعاء بصفة لين وعطف«
ب َال ْنفَضُّوا ِم ْن َح ْو ِل َك »فلو كان فظا غليظا في فعله وقوله النفضوا من ظ ْالقَ ْل ِغ ِلي َ ت فَ ًّ
ظا َ َولَ ْو ُك ْن َ
حوله ،فهم مع العفو واللين ال يقبلون ،فكيف مع الشدة والفظاظة ،لن يزالوا مدبرين« فَاع ُ
ْف
ع ْن ُه ْم َوا ْست َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َوشا ِو ْر ُه ْم ِفي ْاأل َ ْم ِر »ليس للرسول من حيث رسالته المشاورة ،فمشاورته َ
ّللا صلهى
ألصحابه في غير ما شرع له ،وذلك من مقام الخالفة ال الرسالة .فلما كان رسول ه
ّللا عليه وسلم ّللا عليه وسلم من الخلفاء قيل له« َوشا ِو ْر ُه ْم فِي ْاأل َ ْم ِر »فأمر الحق نبيه صلهى ه ه
يعن له إذا لم يوح إليه فيه شيء ،ألن للحق وجها خاصا في بمشاورة أصحابه في األمر الذي ه
كل موجود ،ال يكون لغير ذلك الموجود .فقد يلقي إليه الحق سبحانه في أمر ما ما ال يلقيه
ّللا أشرف منه ،ومع لمن هو أعلى منه طبقة ،كعلم األسماء آلدم مع كون المأل األعلى عند ه
ّللا
وّللا تعالى يعطي بسبب ،وهو الذي كتبه القلم من علم ه هذا كان عند آدم ما لم يكن عندهم .ه
في خلقه ،ويعطي بغير سبب ،وهو ما يعطيه من ذلك الوجه ،فال تعرف به األسباب وال
الخلق ،فوقعت المشورة ليظهر عنها أمر يمكن أن يكون من علم ذلك الوجه ،فيلقي إليه من
ّللا ،من حيث ذلك الوجه الذي لم يكتب علمه وال شاوره في تدبيره علما قد حصل له من ه
ّللا »يعني على إمضاء ما علَى َّ ِ ت فَت َ َو َّك ْل َ ّللا لرسوله« فَإِذا َ
عزَ ْم َ حصل في خلقه ،ولهذا قال ه
ّللا »في مثلعلَى َّ ِاتفقتم عليه في المشورة ،أو ما انفردت به دونهم .وقوله تعالى «:فَت َ َو َّك ْل َ
ّللا ،فإنه ما يدري ما لم يقع هذا ما لم يقع الفعل ،فإن العزم يتقدم الفعل ،فقيل له :توكل على ه
ّللا في نفسك من ذلك الوجه الخاص اإللهي ،فال يطلع على مراتب العقول إال الفعل ما يلقي ه
أصحاب المشاورة ،وال سيما في المسامرة ،فإنها أجمع لله هم والذكر ،وأقدح لزناد الفكر .
فعرض اإلنسان ما يريد فعله على اآلراء دليل على عقله التام ،ليقف على تخالف األهواء ،
فيعلم
477
ص 485 :
مع أحدية مطلوبه أنه وإن تفرد فله وجوه متعددة .واعلم أن هذا موطن ،يجب أن تكون
ار َو ْال ُمنافِ ِقينَ َوا ْغلُ ْ
ظ ي جا ِه ِد ْال ُكفَّ َ
المعاملة فيه كما ذكر وأنه قال في موطن آخر( يا أَيُّ َها النَّ ِب ُّ
علَ ْي ِه ْم ) *فإن للمواطن أحكاما ،فافعل بمقتضاها تكن حكيما[ الفرق بين النية واإلرادة والقصد َ
والهمة والعزم والهاجس ]
ّللا تعالى إذا -تحقيق -الفرق بين النية واإلرادة والقصد والهمة والعزم والهاجس ،اعلم أن ه
أراد إيجاد فعل ما ،بمقارنة حركة شخص ما ،بعث إليه رسوله المعصوم ،وهو الخاطر
اإللهي المعلوم ،ولقربه من حضرة االصطفاء ،هو في غاية الخفا ،فال يشعر بنزوله في
القلب إال أهل الحضور والمراقبة في مرآة الصدق والصفا ،فينقر في القلب نقرة خفية ،تنبه
لنزول نكتة غيبية ،فمن حكم به فقد أصاب في كل ما يفعله ،ونجح في كل ما يعمله ،وذلك
هو السبب األول عند الشخص الذي عليه يعول ،وهو نقر الخاطر عند أرباب الخواطر ،وهو
الهاجس عند من هو للقلب سائس ،فإن رجع عليه مرة أخرى فهو اإلرادة ،وقد قامت بصاحبه
السعادة ،فإن عاد ثالثة فهو اله هم ،وال يعود إال ألمر مهم ،فإن عاد رابعة فهو العزم ،وال
يعود إال لنفوذ األمر الجزم ،فإن عاد خامسة فهو النية ،وهو الذي يباشر الفعل الموجود عن
هذه البنية ،وبين التوجه إلى الفعل وبين الفعل يظهر القصد ،وهو صفة مقدسة يتصف بها
الرب والعبد.
478
ص 486 :
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 162إلى 163
ير ( ُ ) 162ه ْم ّللا َو َمأْواهُ َج َهنه ُم َو ِبئْ َ
س ا ْل َم ِص ُ س َخ ٍط ِم َن ه ِ
ّللا َك َم ْن با َء ِب َ
وان ه ِض َ أ َفَ َم ِن اتهبَ َع ِر ْ
ون ( ) 163 ير ِبما يَ ْع َملُ َ
ّللاُ بَ ِص ٌ
ّللا َو هد ََرجاتٌ ِع ْن َد ه ِ
ّللا ،فجعلهم أعيان الدرجات ،ألنهم ّللا »ولم يقل تعالى :لهم درجات عند ه جات ِع ْن َد َّ ِ« ُه ْم َد َر ٌ
عين الكمال الذاتي ،وبالكمال العرضي لهم الدرجات الجنانية ،فيقع التفاضل في الكمال
العرضي ،وال يقع في الكمال الذاتي .
479
ص 487 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 169
ّللا أ َ ْمواتا ً بَ ْل أَحْ يا ٌء ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم يُ ْر َزقُ َ
ون ( ) 169 ِين قُتِلُوا فِي َ
س ِبي ِل ه ِ سبَ هن الهذ َ
َوال تَحْ َ
[ الشهيد حي ]
النقلة من الدار الدنيا على ضربين ،فمن الناس من ينتقل بموت ،وهو مفارقة الحياة الدنيا ،
فيحيى بحياة اآلخرة ،ومن الناس من ينتقل بالحياة الدنيا من غير موت ،وهو الشهيد في سبيل
ّللا خاصة ،فهو في نفس األمر حي يرزق ويأكل ،يدركه المؤمن بإيمانه والمكاشف ببصره ، ه
ّللا أن نقول لمن يقتل في سبيل فهو منتقل عن هذه الدار ،وإن لم يتصف بالموت ،وقد نهانا ه
ّللا
ّللا ،إنه ميت ،وال نحسب أنه ميت ،بل هو حي عند ربه ،وفي إيماني يرزق ،فإن ه ه
ّللا بأنهم أحياء يرزقون ،ونهى أن يقال فيهم أموات ،ونفى العلم تعالى وصف القتلى في سبيل ه
عمن يلحقهم باألموات للمشاركة في صورة مفارقة اإلحساس وعدم وجود األنفاس ،وما يقال
فيه إنه أفضل من الميت ،إال أنه أفضل من بعض الموتى ،وهذه اآلية أد هل دليل على إبطال
ّللا إنما اعتقدوه قياسا على المقتول القياس ،ألن المعتقدين موت المجاهدين المقتولين في سبيل ه
ّللا ،بالعلة الجامعة في كونهم رأوا كل واحد من المقتولين على صورة واحدة ، في غير سبيل ه
من عدم األنفاس والحركات الحيوانية ،وعدم االمتناع مما يراد من الفعل بهم ،من قطع
األعضاء ،وتمزيق الجلود ،وأكل سباع الطير والسباع ،واستحالة أجسامهم إلى الدود والبلى
،فقاسوا فأخطئوا القياس ،وال قياس أوضح من هذا ،أوال أدل في وجود العلة منه ،ومع هذا
ّللا وقال لهم :ما هو األمر في المقتول في سبيلي كالمقتول في غير سبيلي ،ونفى عنهم أكذبهم ه
العلم الذي أعطاهم القياس في قوله في اآلية الثانية ( َول ِك ْن ال ت َ ْشعُ ُرونَ )فإنه لما كان التقرب
ّللا
ّللا في قتال أعداء ه ّللا أسنى القربات ،لذلك كان للشهداء لما تقربوا بأنفسهم إلى ه بالنفس إلى ه
ّللا عن
ّللا فال يقال في الشهداء أموات لنهي ه الحياة الدائمة ،والرزق الدائم والفرح بما أعطاهم ه
ّللا أخذ بأبصار الخلق عن إدراك حياتهم ،كما أخذ بأبصارهم عن إدراك المالئكة ذلك ،ألن ه
والجن ،مع معرفتنا أنهم معنا حضور ،وال نعتقد أيضا في الشهداء أنهم أموات بقوله َ «:وال
ّللا صدق ،فثبت لهم الحياة لما ّللا أ َ ْمواتا ا بَ ْل أ َ ْحيا ٌء » .وخبر ه سبَ َّن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي َ
سبِي ِل َّ ِ ت َ ْح َ
ّللا ،ولهذا قال ِ «:ع ْن َد َر ِبه ِه ْم
ّللا بنفوسهم ،والشهيد هو الحاضر عند ه قصدوا القربة إلى ه
ّللا ،فال يغسل وهو عند »فالشهيد حاضر عند ربه بمجرد الشهادة التي هي القتل في سبيل ه
ربه -مسئلة -الشهيد بالنص حي فكيف يورث ماله وتنكح عياله ؟ -الجواب -ما تفسد في
الوجود صورة إال وعين فسادها أيضا ظهور
480
ص 488 :
صورة ،فما نزال في الصور ،في حال النفع والضرر ،فالجهاد صالح وفساد ،ألن فيه ه
حز
الرؤوس ومفارقة الحس المحسوس ،فالشهيد يشبه الميت ،فيما اتصف به من الفوت ،ولذلك
يورث ماله وينكح عياله ،فطالق الشهيد يشبه تطليق الحاكم على الغائب ،وإن كان حيا إذا
أبعد في المذاهب ،وقد ثبت عن سيد البشر ال ضرر وال ضرار ،وقد علم أن الشهيد هو سعيد
بدار الخلود ،وإن حصل تحت الصعيد ،وال سبيل إلى رجعته وال إنزاله من رفعته ،مع كونه
حيا بفرح ويرزق ،وما هو عند أهله وال طلهق ،وهذه حالة األموات ،والشهداء أحياء عند
ربهم يرزقون فرحين وهم عندنا رفات ،وما لنا إال ما نراه ،ولكل امرئ ما نواه ،وال نحكم
إال بما شهدناه ،فاستمع تنتفع .
481
ص 489 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 174
يم ( ّللاُ ذُو فَ ْ
ض ٍل ع َِظ ٍ ّللا َو ه ض َ
وان ه ِ سو ٌء َواتهبَعُوا ِر ْس ُه ْم ُ
س ْ ّللا َوفَ ْ
ض ٍل لَ ْم يَ ْم َ فَا ْنقَلَبُوا ِبنِ ْع َم ٍة ِم َن ه ِ
) 174
ّللا«
ّللا وفضل لم يمسسه سوء ،وجاء في ذلك بما يرضي ه ّللا حسبه انقلب بنعمة من ه فمن كان ه
ع ِظ ٍيم »على من جعله حسبه ،والفضل الزيادة أي ما يعطيه على موازنة عمله ض ٍل َ ّللاُ ذُو فَ ْ َو َّ
بل أزيد من ذلك مما يعظم عنده إذا رآه ذوقا .
الخوف من مقام اإليمان ،ولكل موطن خوف يخصه إذا حققت ،فما متعلق كل خوف إال ما
وّللا يوجد في ذلك ،فتعلق خوفنا ّللا ،وهو محدث ،فما الخوف إال من المحدثات ،ه يكون من ه
ون ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ »فجعل الخوف نتيجة اإليمان ،فإنه بالموجد لذلك ،وهذا قوله َ «:وخافُ ِ
ّللا ،فإن العلم من غير إيمان ال موقوف على العلم اإللهي الذي يأتي به الصادق من عند ه
ّللا فيهم ،وال إلى أين ّللا ألنهم ال يعرفون مراد هيعطيه ،وحصل الخوف عند الرجال من ه
ينقلهم ،وال في أي صفة وطبقة يميزهم ،فلما أبهم األمر عليهم عظم خوفهم منه .
ّللا يا مسكين إن كنت مؤمنا ....إذا جاء سلطان المنازع في األمر خف ه
فإن جنحوا للسلم فاجنح لها تنل ....بها رتب العلياء في عالم األمر
ّللا معلما ....كما جاء في القرآن في محكم الذكر وما قلته بل قاله ه
ّللا هو الخوف األعظم ،فإنه هو المسلهط وبيده ملكوت كل شيء ،فأين األمان ؟ ومن فخوف ه
ّللا به في قوله تعالى ( :يَخافُونَ َربَّ ُه ْم ِم ْن فَ ْو ِق ِه ْم ) .
خافه التحق بالمإل األعلى فيما وصفهم ه
ص 482
ص 490 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 178
َذاب ِين َكفَ ُروا أَنهما نُ ْم ِلي لَ ُه ْم َخ ْي ٌر ِأل َ ْنفُ ِ
س ِه ْم ِإنهما نُ ْم ِلي لَ ُه ْم ِليَ ْزدادُوا ِإثْما ً َولَ ُه ْم ع ٌ سبَ هن الهذ َ
َوال يَحْ َ
ين ) ( 178 ُم ِه ٌ
ّللا الخفي بإرداف النعم على المخالف ،فيطيل لهم ليزدادوا إثما ،واإلمالء بسط وهذا من مكر ه
في العمر والدنيا ،فيتصرفون فيهما بما يكون فيه شقاؤهم ،قال تعالى َ ( :ويَ ُم ُّد ُه ْم فِي ُ
ط ْغيانِ ِه ْم
يَ ْع َم ُهونَ )يقول يملي لهم مما هم فيه .
ص 483
ص 491 :
ّللا أرواح األنبياء عليهم السالم ،ال من كونها ه
محال للمالئكة ،فإذا صعقوا بالنفخة ورث ه
السماء
484
ص 492 :
ق »عقوبة لقولهم وفعلهم ،فإن اليهود قالت «: ذاب ْال َح ِري ِ
ع َ قال في تمام اآلية « َونَقُو ُل ذُوقُوا َ
ير َون َْح ُن أ َ ْغنِيا ُء »أي من أجل فقره طلب القرض منا ،فإن في القرض سد الخلة . ّللا فَ ِق ٌ
ِإ َّن َّ َ
وغابوا عن الذي أراده الحق تعالى من ذلك من غاية الوصلة بخلقه ،كما جاء في الصحيح [
الر ْزقَ ِل ِعبا ِد ِه لَبَغ َْوا ِفي
ّللاُ ِ ه
ط َّس َ
جعت فلم تطعمني ] وهذه اآلية تصديق لقوله تعالى َ ( :ولَ ْو بَ َ
ض )[ الزم استحضار الفقر في كل نفس وعلى كل حال ] ْاأل َ ْر ِ
باّلل مطلقا من -نصيحة -الزم استحضار الفقر في كل نفس وعلى كل حال ،وعلق فقرك ه
باّلل تعالى
غير تعيين ،فهو أولى بك ،وإن لم تقدر على تحصيل عدم التعيين فال أقل أن تعلقه ه
ّللا تعالى إلى موسى :يا موسى ال تجعل غيري موضع حاجتك ،وسلني مع التعيين ،أوحى ه
حتى الملح تلقيه في عجينك .
485
ص 493 :
ّللا تصير األمور ...ما أنت يا دنياي إال غرور أال إلى ه
أهل التقى لم يأمنوا مكرها ...مع التلقي فكيف أهل الفجور
لها صفات الحق في مكرها ...وما لنا في مكره من شعور
لو أنها تنصف في حالها ...كانت لهم نعم البشير النذير
من صدقها في حالها أنها ...أرت رحى الموت علينا تدور
وكان لي فيها وما عندها ...موعظة مذكرة للخبير
بها ينال العبد في كونها ...كمال نعت الحق يوم النشور
وهي على النص إذا ما مضى ...عنها ومن يجحد هذا يجور
ميزانها قام بها والذي ...يعلمه هو العليم القدير
فالموت للمؤمن تحفة ،والنعش له محفة ،ينقله من العدوة الدنيا إلى العدوة القصوى ،حيث ال
فتنة وال بلوى .
486
ص 494 :
سورة آلعمران ( : ) 3آية 190
ب ) ( 190ت ِألُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ لف الله ْي ِل َوالنه ِ
هار َآليا ٍ اختِ ِ ت َو ْاأل َ ْر ِ
ض َو ْ سماوا ِ ِإ هن فِي َخ ْل ِ
ق ال ه
وهم الذين يعقلون معانيها بما ركب فيهم سبحانه من القوة العقلية ،فهذه آيات داللتها مشروطة
بأولي األلباب ،وهم العقالء الناظرون في لب األمور ال في قشورها ،فهم الباحثون عن
المعاني ،وإن كانت األلباب والنهى العقول ،فلم يكتف سبحانه بلفظة العقل حتى ذكر اآليات
ألولي األلباب ،فما كل عاقل ينظر في لبه األمور وبواطنها ،فإن أهل النظر لهم عقول بال
شك ،وليسوا بأولي األلباب ،وال شك أن العصاة لهم عقول ولكن ليسوا بأولي نهى .
487
ص 495 :
ار »وليست إال الطبيعة في هذه الدار ،كما هي النار ذاب النَّ ِ
ع َ وتمم بالتعريف بقوله «:فَ ِقنا َ
الحسية في الدار اآلخرة ،فما عدلوا إلى االستجارة به من عذاب النار ،إال وقد أعطاهم الفكر
ّللا أن يحول بينهم
في خلق السماوات واألرض علما ،أشهدهم النار ذلك العلم ،فطلبوا من ه
وبين عذاب النار .وهكذا فائدة كل مف هكر فيه إذا أعطى للمف هكر علما ما يسأل ه
ّللا منه بحسب ما
يعطيه
ض ]ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ [ نصيحة َ « -ويَتَفَ َّك ُرونَ فِي خ َْل ِ
ق ال َّ
488
ص 496 :
ّللا ال يضيعه ،ألنه كان العمل ما كان ،فإن كان خيرا فال يضيع أجره ،وإن لم يكن خيرا فإن ه
ّللا سيئات التائب حسنات ،فإن لم يكن العمل غير مضيع وإال ففي أي أمر يقع ال بد أن يبدل ه
ّللا ،فإنه العامل والعبد محل ظهور التبديل ،ألن األعمال صور أنشأها العامل ،ال بل أنشأها ه
ذلك العمل ،فكيف يضيع عنه أو يضيعه ،وهو خلق خلقه يسبح بحمده .
سورة آلعمران ( : ) 3اآليات 196إلى 199
س ا ْل ِمها ُد ( ع قَ ِلي ٌل ث ُ هم َمأْوا ُه ْم َج َهنه ُم َوبِئْ َ
ِين َكفَ ُروا فِي ا ْلبِل ِد ) َ ( 196متا ٌ ب الهذ َ ال يَغُ هرنهكَ تَقَلُّ ُ
ِين فِيها نُ ُزالً ِم ْن ِع ْن ِد هار خا ِلد َ ِين اتهقَ ْوا َربه ُه ْم لَ ُه ْم َجنهاتٌ تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِ َها ْاأل َ ْن ُ ) 197ل ِك ِن الهذ َ
اَّلل َوما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ُك ْم
ب لَ َم ْن يُ ْؤ ِم ُن ِب ه ِ رار ( َ ) 198و ِإ هن ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتا ِ ّللا َخ ْي ٌر ِل ِْل َ ْب ِ
ّللا َوما ِع ْن َد ه ِ هِ
ّللا ث َ َمنا ً قَ ِليلً أُولئِكَ لَ ُه ْم أَجْ ُر ُه ْم ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم ِإ هن ه َ
ّللا ت هِ ون ِبآيا ِشت َ ُر َ
َّلل ال يَ ْ ش ِع َ
ين ِ ه ِ َوما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ْم خا ِ
ب ) ( 199 س ِري ُع ا ْل ِحسا ِ َ
الخشوع ال يكون حيث كان إال عن تجل إلهي على القلوب ،ففي قلب المؤمن يكون عن تعظيم
وإجالل ،فإذا وقع التجلي حصل الخشوع ،وأورث التجلي العلم ،والعلم يورث الخشية ،
والخشية تعطي الخشوع ،والخشوع يعطي التصدع ،وهو انفعال الطبع للخشوع .
الرباط أن يلزم االنسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ،أو يجعله في نفسه ،فإذا ربط نفسه
بهذا األمر ،فهو مرابط ،والرباط مالزمة ،وهو من أفضل أحوال المؤمن ،فكل إنسان إذا
مات يختم على عمله إال المرابط ،فإنه ين همى له إلى يوم القيامة ،ويأمن فتان القبر ،ثبت هذا
ّللا عليه وسلم ،والرباط في الخير كله ،ما يختص به خير من خير ، ّللا صلهى ه
عن رسول ه
فالكل
489
ص 497 :
يختص بمالزمة الثغور فقط ه ّللا لعباده أن يعملوا به ،فما
ّللا ما شرعه ه ّللا ،فإن سبيل ه سبيل ه
ّللا عليه وسلم قال في انتظار الصالة بعد الصالة :إنه ّللا صلهى هوال بالجهاد ،فإن رسول ه
ّللا )يعني في ذلك كله ،أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ،وذلك معونته رباط َ «.واتَّقُوا َّ َ
باّلل ) فهذا معنى قوله« اتَّقُوا َّ َ
ّللا » *« صال ِة ) *( واستعينوا ه في قوله (ا ْست َ ِعينُوا ِبال َّ
صب ِْر َوال َّ
لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ »أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
490
ص 498 :
وحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه ،فحبه حواء حبه الموطن ،وحبه آدم حبه نفسه ،
وصور الحق في ذلك الضلع جميع ما صوره وخلقه في جسم آدم ،ولما أقام الحق صورتها ه
وسواها وعدلها نفخ فيها من روحه ،فقامت حية ناطقة ،أنثى ليجعلها محال للزراعة والحرث
لوجود اإلنبات الذي هو التناسل ،فالمرأة منفصلة عن الرجل ليحن إليها حنين من ظهرت
تحن إليه وتحبه حنين الجزء إلى سيادته بها ،فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة وهي ه
الكل ،وهو حنين الوطن ألنه وطنها ،مع ما يضاف إلى ذلك من كون كل واحد موضعا
لشهوته والتذاذه ،وسكن إليها وسكنت إليه ،وكانت لباسا له وكان لباسا لها ،وسرت الشهوة
منه في جميع أجزائه فطلبها ،فلما تغشاها وألقى الماء في الرحم ودار بتلك النطفة من ماء إلى
نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظم ،ثم كسا العظم لحما ،فلما أتم نشأته الحيوانية ،أنشأه
خلقا آخر فنفخ فيه الروح اإلنساني.
اعلم أن آدم عليه السالم خلق من الفردانية ،وأما حواء عليها الصالة والسالم فمن الوحدانية ،
ي نائم ،كما خلق آدم عليهألن الفرد لم يعلم حتى استيقظ ،وخلقت كاملة على صورتها من ح ه
الصالة والسالم على صورته من غير مزيد ،فعقل نفسه فيها ،وكانت الشهوة النكاحية في
الموضع الذي عمرته حواء حين خرجت ،فإنه ليس في الوجود خالء ،فأخلت الشهوة
الموضع لنزول حواء فيه ،ونزلت بالموضع الذي خرجت منه حواء من آدم فعمر الموضع ،
وخرجت الشهوة فيه أقوى مما جرت في حواء ،فإن حواء حكم عليها موضع الشهوة ،فالنساء
أغلب على شهواتهن من الرجال ،فإن الشهوة في الرجل بذاتها وفي المرأة بما بقي من آثار
رحمتها في موطنها الذي عمرته ،وكانت الشهوة كالثوب على حواء من أجل صورة الموضع
،وفشت الشهوة في آدم ،فع همتهما جميعا ،لكن بهذا الحكم ،ولهذا تعم شهوة الجماع عند
اإلنزال جميع البدن ،ولهذا أمر بتطهير جميع البدن ،فإنه فني بكليته في تلك اللحظة ،فأمر
بتطهير كليته من ذلك ألجل مناجاة الحق ،فآدم فرد وحواء واحد ،وواحد في الفرد مبطون فيه
،فقوة المرأة من أجل الوحدانية أقوى من قوة الفردانية ،ولهذا تكون المرأة أقوى في ستر
المحبة من الرجل ،ولهذا هي أقرب إلى اإلجابة وأصفى محال ،كل ذلك من أجل الوحدانية ،
ّللا أحسن
فما نكح آدم سوى نفسه ،فمنه الصاحبة والولد ،واألمر واحد في العدد ،فتبارك ه
جاال َكثِيرا ا َونِسا اء »على صورة
ث ِم ْن ُهما »من آدم وحواء« ِر ا
الخالقين الذي قال َ «:وبَ َّ
الزوجين ،وجعلنا مختلفين في عقولنا
ص 491
ص 499 :
متفاوتين في نظرنا ،واألصل واحد ،ومنا الطيب والخبيث ،واألبيض واألسود ،وما بينهما ،
والواسع الخلق والضيق الخلق الحرج ،فجميع الناس رحم ،فإنهم أبناء أب واحد وأم واحدة -
الوجه الثاني -لما كان الهباء أصل الوجود ،وتجلهى له اسمه تعالى النور ،من حضرة الجود
ّللا عليه وسلم من هذا الهباء فيض ذلك النور ،فظهرت كان الظهور ،فقبلت صورته صلهى ه
صورة مثلية ،مشاهدها عينية ،ومشاربها غيبية ،وجنتها عدنية ،ومعارفها قلمية ،وعلومها
ّللا عليه وسلم أب يمينية ،وأسرارها مدادية ،وأرواحها لوحية ،وطينتها آدمية ،فهو صلهى ه
ّللا عليه وسلمّللا عليه أبا لنا في الجسمية ،قال صلهى ه لنا في الروحانية ،كما كان آدم صلى ه
ّللا عليه وسلم ّللا نور نبيك يا جابر ] فكان صلهى ه ّللا عنه [ أول ما خلق ه في حديث جابر رضي ه
النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ،وبه وجد الوجود ،فآدم زوجها من وجه ،ألنه أكمل
مخلوق مقابل لها في الوجود ،فهو بهذه النسبة أ هم ،ثم هو أب بالنسبة إلى ذريته وحواء أ هم ،
ّللا عليه وسلم آدم أبوة النبوة ،كما أن آدم عليه السالم آدم ّللا صلهى ه فهي زوجة ،فإن رسول ه
ّللا عليه وسلم [ :كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] فكان صلهى ه
ّللا أبوة الطين ،قال صلهى ه
عليه وسلم النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ،فإنه ما من نبي -من آدم إلى عيسى -يأخذ
ناك ِإ َّال َر ْح َمةا ِل ْلعالَ ِمينَ )فهو نازل من حيث
س ْل َإال من مشكاته ،التي هي فلك الرحمة( َوما أ َ ْر َ
روحانيته إلى كل نبي لما أنزل إليه إن فهمت وإن تأخرت طينته ،وذلك معنى قوله [ :كنت
نبيا وآدم بين الماء والطين ] ولذلك تأخر وجود طينته إلى ختم النبوة ،فإن البداية هي النهاية ،
وغيره ما كان نبيا إال بعد استعداده لنزوله عليه ،فكان نبيا حين بعث بفيض الحياة من مشكاته
ّللا عليه وسلم ،وقد نبهه على ذلك بقوله [ :مثلي ومثل ،ولم يتحقق بها كما تحقق بها صلهى ه
األنبياء قبلي كمثل رجل بنى قصرا أحسن بنيانه ،وترك فيه موضع لبنة ،فطاف بها النظار
يتع هجبون من حسن بنائه إال موضع تلك اللبنة ،فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ،ختم بي
ّللا
البنيان وختم بي الرسل ] وفي رواية [ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ] ومما رواه جابر بن عبد ه
ّللا تعالى
ّللا عليه وسلم عن أول شيء خلقه ه ّللا صلهى ه ّللا عنهما قال :سألت رسول ه رضي ه
ّللا تعالى ،ثم خلق فيه كل خير ،وخلق بعده كل شيء - فقال :هو نور نبيك يا جابر ،خلقه ه
الحديث بطوله [ .العام وجد من واحد ]
وحي "اح َدةٍ » وقوله تعالى" َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ -إشارة -قوله تعالى« َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس و ِ
دليل على أن األجسام من جسم واحد واألرواح من روح واحدة ،تنبيه على أن العالم وجد من
واحد ،ال إله
ص 492
ص 500 :
حام »قال تعالى ( : ّللا الَّذِي تَسائَلُونَ بِ ِه َو ْاأل َ ْر َ واح ٌد )« َواتَّقُوا َّ َ إال هو العليم القدير( َو ِإل ُه ُك ْم ِإلهٌ ِ
ّللا عليه وسلم [ الرحم شجنة من الرحمن ] وقال [ :أنا من ِإنَّ َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ ِإ ْخ َوة ٌ )وقال صلهى ه
ّللا والمؤمنون مني ] فالرحم رحمان :رحم طينية ،ورحم دينية ،قال تعالى في الرحم ه
ْس لَ َك ِب ِه ِع ْل ٌم فَال ت ُ ِط ْع ُهما َو ِ
صاح ْب ُهما ِفي ال ُّد ْنيا على أ َ ْن ت ُ ْش ِر َك ِبي ما لَي َ َداك َ الطينية( َو ِإ ْن جاه َ
ي أ َ ْولى بِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َوأ َ ْزوا ُجهُ أ ُ َّمهات ُ ُه ْم )وقال (
َم ْع ُروفا ا ) .وقال في الرحم الديني( النَّبِ ُّ
إِنَّ َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ إِ ْخ َوة ٌ )فأعط الطين حقه ،وانفر إلى رحمك الديني الذي هو أولى بك من نفسك ،
فإن صلة الرحم بتقوى األرحام ،بتحكيم اللطيف على الكثيف -إشارة -هذه اآلية تشير إلى
ّللا ،فإن كان العبد كافرا فهو أخوه من حيث أنه ّللا والرحمة بعباد ه وجوب الشفقة على خلق ه
وأباه من نفس واحدة ،وإن كان مؤمنا فهو أخوه أخوة اختصاص ديني سعادي ،فعلى كل حال
ّللا له مع كل علَ ْي ُك ْم َر ِقيبا ا »رقيب على كل نفس بما كسبت ،فإن ه ّللا كانَ َ وجبت الشفقة ِ «.إ َّن َّ َ
واحد من المملكة أمر خاص في نفسه .
ص 493
ص 501 :
إنما لزمها من الطرف الواحد ال من الطرفين ،فمنع المرأة أن تنكح ما ليس لها بكفء ،ولم
يمنع الرجل أن ينكح ما ليس بكفء له ،ولهذا له أن ينكح أمته بملك اليمين ،وليس للمرأة أن
ينكحها عبدها -إشارة -ملك اليمين -عبدك ليس هو عبدك ،وإنما هو قيمته ،فعامله معاملة
مالك ،وأنزله مرتبته من حيث أنه إنسان .
ص 494
ص 502 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 7إلى 11
ون ِم هما دان َو ْاأل َ ْق َربُ َ
يب ِم هما ت َ َركَ ا ْلوا ِل ِ ساء نَ ِص ٌ ون َو ِلل ِنه ِ دان َو ْاأل َ ْق َربُ َ
يب ِم هما ت َ َركَ ا ْلوا ِل ِ لرجا ِل نَ ِص ٌ ِل ِ ه
س َمةَ أُولُوا ا ْلقُ ْربى َوا ْليَتامى َوا ْل َمسا ِك ُ
ين ض َر ا ْل ِق ْ قَ هل ِم ْنهُ أ َ ْو َكث ُ َر نَ ِصيبا ً َم ْف ُروضا ً ( َ ) 7و ِإذا َح َ
ِين لَ ْو ت َ َركُوا ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم ذُ ِ هريهةً ِضعافا ً ش الهذ َ ار ُزقُو ُه ْم ِم ْنهُ َوقُولُوا لَ ُه ْم قَ ْوالً َم ْع ُروفا ً ( َ ) 8و ْليَ ْخ َ فَ ْ
ظ ْلما ً إِنهما ون أ َ ْموا َل ا ْليَتامى ُ ِين يَأ ْ ُكلُ َ
سدِيدا ً ( ) 9إِ هن الهذ َ ّللا َو ْليَقُولُوا قَ ْوالً َعلَ ْي ِه ْم فَ ْليَتهقُوا ه َ خافُوا َ
ّللاُ فِي أ َ ْوال ِد ُك ْم ِللذهك َِر ِمثْ ُل َح ِ ه
ظ وصي ُك ُم هس ِعيرا ً ( ) 10يُ ِ صلَ ْو َن َ سيَ ْطونِ ِه ْم نارا ً َو َ ون فِي بُ ُ يَأ ْ ُكلُ َ
ْف َو ِألَبَ َو ْي ِه واح َدةً فَلَ َها ال ِنهص ُق اثْنَت َ ْي ِن فَلَ ُه هن ثُلُثا ما ت َ َركَ َوإِ ْن كانَتْ ِ ْاأل ُ ْنثَيَ ْي ِن فَ ِإ ْن ك هُن نِسا ًء فَ ْو َ
ثكان لَهُ َولَ ٌد فَ ِإ ْن لَ ْم يَك ُْن لَهُ َولَ ٌد َو َو ِرثَهُ أَبَواهُ فَ ِِل ُ ِ هم ِه الثُّلُ ُ
ُس ِم هما ت َ َركَ ِإ ْن َ سد ُ واح ٍد ِم ْن ُه َما ال ُّ ِل ُك ِ هل ِ
ونوصي ِبها أ َ ْو َد ْي ٍن آبا ُؤ ُك ْم َوأ َ ْبنا ُؤ ُك ْم ال ت َ ْد ُر َ ُس ِم ْن بَ ْع ِد َو ِصيه ٍة يُ ِ سد ُ كان لَهُ ِإ ْخ َوةٌ فَ ِِل ُ ِ هم ِه ال ُّفَ ِإ ْن َ
ع ِليما ً َح ِكيما ً ( )11 كان َ ّللا َّللا ِإ هن ه َ ضةً ِم َن ه ِ ب لَ ُك ْم نَ ْفعا ً فَ ِري َ أَيُّ ُه ْم أ َ ْق َر ُ
ّللا أحق ّللا عليه وسلم [ :حق ه ّللا صلهى ه وصي بِها أ َ ْو َدي ٍْن »قال رسول ه صيَّ ٍة يُ ِ « ِم ْن بَ ْع ِد َو ِ
ّللا ألنه الذي وّللا قدهم الوصية على الدهين ،والوصية ه
حق ه بالقضاء ] يعني من حق المخلوق ،ه
أوجبها علينا حين أوجبها الموصي في المال الذي له فيه تصرف ،وتقديم الوصية على الدهين
ّللا تعالى قدهم الوصية ّللا ،وهذا خالف ما عليه اليوم الفقهاء في الوصية والدهين ،فإن ه حكم ه
على الدهين ،ويرجع عندي حق الغرماء ،إذا لم يف ما بقي لهم من مال هذا الميت في بيت
المال ،يؤديه عنه السلطان من الصدقات ،فإنهم من الثمانية األصناف ،فلصاحب الدهين أمر
يرجع إليه في دينه ،وليس للوصية ذلك ،فوجب تقديمها بال شك عند المنصف .والمحتضر
ما
ص 495
ص 503 :
يملك من المال إال الثلث ،وأجاز له الشارع أن يتصرف بالثلث كله الذي يملكه ،وهو محمود
في ذلك شرعا ،فكان أفضل ممن لم يتصدق بذلك الثلث الذي يملكه ،أو تصدق بأقل من الثلث
،وينوي بما يبقيه أنه صدقة على ورثته ،وما أبيح للمحتضر إال الثلث ،وما فوق ذلك فال
ع ِليما ا َح ِكيما ا »الحكيم مرتب األمور يسمع له فيه كالم ،ألنه تكلم فيما ال يملك ِ «.إ َّن َّ َ
ّللا كانَ َ
مراتبها ومنزل األشياء مقاديرها -إشارة -أشار الحق بقوة المرأة وضعف الرجل بصورة
الميراث ،فأعطى األكثر لألضعف كي يقوى من جهة الضعف .
ص 486
ص 504 :
ّللا ،فتلك معصية الرسول ، ّللا ،وكل أمر يتعلق بجناب المخلوق الذي هو رسول ه معصية ه
ّللا
ص َّ َ ّللا تعالى َ «:و َم ْن يَ ْع ِ ّللا ورسوله ؛ قال ه
وكل أمر يتضمن الجانبين ،فتلك معصية ه
ض َّل )فأفرد سو ِل ) *فأفرده ،وقال َ ( :و َم ْن يُ ْش ِر ْك ِب َّ ِ
اّلل فَقَ ْد َ الر ُ سولَهُ » ،وقال َ ( :و َم ْع ِ
صيَ ِة َّ َو َر ُ
نفسه .
ص 497
ص 505 :
سورة النساء ( : ) 4آية 19
ض ما ضلُو ُه هن ِلت َ ْذ َهبُوا ِببَ ْع ِ
ِين آ َمنُوا ال يَ ِح ُّل لَ ُك ْم أ َ ْن ت َ ِرثُوا ال ِنهسا َء ك َْرها ً َوال ت َ ْع ُ يا أَيُّ َها الهذ َ
وف فَ ِإ ْن ك َِر ْهت ُ ُمو ُه هن فَعَسى أ َ ْنش ُرو ُه هن ِبا ْل َم ْع ُر ِ
ش ٍة ُمبَ ِيهنَ ٍة َوعا ِ فاح َ ين ِب ِ آت َ ْيت ُ ُمو ُه هن ِإاله أ َ ْن يَأْتِ َ
ّللاُ ِفي ِه َخ ْيرا ً َك ِثيرا ً ) ( 19 ش ْيئا ً َويَجْ عَ َل ه ت َ ْك َر ُهوا َ
أي صاحبوهن بما يعرف أنه يدوم بينكما الصحبة به ،والمعاشرة الصحبة « ،فَإِ ْن َك ِر ْهت ُ ُمو ُه َّن
ّللاُ فِي ِه َخيْرا ا َكثِيرا ا » . شيْئا ا َويَ ْجعَ َل َّ فَعَسى أ َ ْن ت َ ْك َر ُهوا َ
ص 498
ص 506 :
الدخول وطء لوجود لذة أو إليجاد عين ،وهو بعقد ،وهو عبارة عما يقع عليه رضى الزوجين
،وبال عقد لإلماء .
كل نكاح أي دخول بغير عقد أو لإلماء الغير المملوكات ،فهو سفاح ال نكاح ،أي هو بمنزلة
الشيء السائل الذي ال ثبات له ،ألنه ال عقد فيه وال رباط وال وثاق ،والصداق ال بد منه ،
ألنه القيمة والثمن والعوض عن شراء استمتاع بعضو وبيعه ،ألن النكاح من باب الشراء
ّللا عليه وسلم عن أن تسم على سوم أخيك وال تبع على ّللا صلهى ه
والبيع ،لذلك نهى رسول ه
بيعه ،كما نهيت أن تخطب على خطبته .
ص 499
ص 507 :
ال ينكح األمة إال من ال يستطيع الطول .
ص 500
ص 508 :
سورة النساء ( : ) 4آية 29
راض ِم ْن ُك ْم َوال
جارةً ع َْن ت َ ٍ
ُون تِ َ ِين آ َمنُوا ال تَأ ْ ُكلُوا أ َ ْموالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم ِبا ْل ِ
باط ِل ِإاله أ َ ْن تَك َ يا أَيُّ َها الهذ َ
كان ِب ُك ْم َر ِحيما ً) ( 29 ّللا َ ت َ ْقتُلُوا أ َ ْنفُ َ
س ُك ْم ِإ هن ه َ
ص 501
ص 509 :
مخلدا فيها أبدا ] أي هذا الصنف من العذاب هو حكمه في النار ،وكذلك من شرب سما فقتل
نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ،أي هذا النوع من العذاب يعذهب به هذا
ّللا أن
الكافر ،وقد ورد من قتل نفسه بشيء عذب به ،وأما المؤمن فحاشى اإليمان بتوحيد ه
يقاومه شيء ،فتعين أن ذلك النص في المشرك وإن لم يخص الشارع في هذا الخبر صنفا
بعينه ،فإن األدلة الشرعية تؤخذ من جهات متعددة ،ويضم بعضها إلى بعض ليقوي بعضها
بعضا ،وأهل الجنة إنما يرون ربهم رؤية نعيم بعد دخولهم الجنة ،كما ورد الخبر في الزيارة
خص هذا الذي بادره ه ّللا قد
إذا أخذ الناس أماكنهم في الجنة ،فيدعون إلى الرؤية ،فيمكن أن ه
ّللا رؤية
بنفسه فقتل نفسه أن يكون قوله حرمت عليه الجنة قبل لقائي ،فيتقدم للقاتل نفسه لقاء ه
ّللا أرحم به مما هو فيه من الحال نعيم ،وحينئذ يدخل الجنة ،فإن القاتل نفسه يرى أن ه
ّللا من العذاب الذي هو فيه لما بادر الموجبة له إلى هذه المبادرة ،فلوال ما توهم الراحة عند ه
وّللا يقول [ :أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ] والقاتل نفسه إن كان مؤمنا فظنه إليه ،ه
بربه حسن ،فظنه بربه الحسن هو الذي جعله أن يقتل نفسه ،وهذا هو األليق أن يحمل عليه
ص بالتصريح على خالف هذا التأويل ،وإن ظهر فيه بعد ،فلبعد لفظ الخبر اإللهي ،إذ ال ن ه
الناظر في نظره من األصول المقررة التي تناقض هذا التأويل بالشقاء المؤبد ،فإذا
استحضرها ووزن ،عرف ما قلناه .وفي األخبار الصحاح [ أخرجوا من كان في قلبه أدنى
أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان ] فلم يبق إال ما ذكرناه .فإن قلنا وال ب هد بالعقوبة ،
فتكون الجنة محرمة عليه أن يدخلها دون عقاب ،مثل أهل الكبائر ،فيكون نصا في القاتل
نفسه ،وغيره من أهل الكبائر في حكم المشيئة ،فغايته إنفاذ الوعيد في القاتل نفسه قبل دخول
وّللا أكرم أن ينسب إليه إنفاذ الوعيد ،بل ينسب إليه المشيئة وترجيح الجنة وأنه ال يغفر له ،ه
الكرم.
ص 502
ص 510 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 32إلى 33
يب ِم هما ساء نَ ِص ٌسبُوا َو ِلل ِنه ِ يب ِم هما ا ْكت َ َلرجا ِل نَ ِص ٌ ض ِل ِ ه ض ُك ْم عَلى بَ ْع ٍ ّللاُ ِب ِه بَ ْع َ
ض َل ه َوال تَت َ َمنه ْوا ما فَ ه
ي ِم هماع ِليما ً ( َ ) 32و ِل ُك ٍ هل َجعَ ْلنا َموا ِل َ ش ْي ٍء َ ّللا َ
كان ِب ُك ِ هل َ ّللا ِم ْن فَ ْ
ض ِل ِه ِإ هن ه َ سئَلُوا ه َ ا ْكت َ َ
س ْب َن َو ْ
كان عَلى ُك ِ هل َ
ش ْي ٍء ّللا َ عقَدَتْ أ َ ْيمانُ ُك ْم فَآتُو ُه ْم نَ ِصيبَ ُه ْم ِإ هن ه َ
ِين َون َوالهذ َ دان َو ْاأل َ ْق َربُ َ
ت َ َركَ ا ْلوا ِل ِ
ش َِهيدا ً ) ( 33
ّللا هو الحفيظ على سمعك وبصرك ولسانك ويدك ورجلك وحياتك ،وحاسب نفسك فتحفهظ فإن ه
.
« َو ِإ ْن ِخ ْفت ُ ْم ِشقاقَ بَ ْي ِن ِهما »أي نزاعا ،وهو أن يقول كل واحد أو يعمل ما يشق على اآلخر«
فَا ْبعَثُوا َح َكما ا ِم ْن أ َ ْه ِل ِه َو َح َكما ا ِم ْن أ َ ْه ِلها »الحكم هو القاضي في األمور ،ومن أعجب ما في
هذا نصب الحكمين في النازلة الواحدة ،فقد يتفقان في الحكم وقد يختلفان.
ص 503
ص 511 :
سورة النساء ( : ) 4آية 36
ين َوا ْل ِ
جار ش ْيئا ً َو ِبا ْلوا ِل َد ْي ِن ِإحْ سانا ً َو ِبذِي ا ْلقُ ْربى َوا ْليَتامى َوا ْل َمسا ِك ِ
ّللا َوال تُش ِْركُوا ِب ِه َ
َوا ْعبُدُوا ه َ
ب س ِبي ِل َوما َملَكَتْ أ َ ْيمانُ ُك ْم ِإ هن ه َ
ّللا ال يُ ِح ُّ ب ِبا ْل َج ْن ِ
ب َوا ْب ِن ال ه اح ِص ِ ب َوال ه جار ا ْل ُجنُ ِ
ذِي ا ْلقُ ْربى َوا ْل ِ
كان ُم ْختاالً فَ ُخورا ً ( ) 36َم ْن َ
ب »الجار مشتق من جار إذا مال ،فإن الجور ميل ،فما جار ْال ُجنُ ِ
جار ذِي ْالقُ ْربى َو ْال ِ « َو ْال ِ
سمي جارا لك إال لميلك إليه باإلحسان ،وميله إليك لدفع الضرر ،ومن جعله مشتقا من الجور
الذي هو الميل إلى الباطل والظلم في العرف ،فهو كمن يسمي اللديغ سليما في النقيض.
ص 504
ص 512 :
سورة النساء ( : ) 4آية 43
ون َوال ُجنُبا ً ِإاله عا ِب ِري سكارى َحتهى ت َ ْعلَ ُموا ما تَقُولُ َ صلةَ َوأ َ ْنت ُ ْم ُ ِين آ َمنُوا ال ت َ ْق َربُوا ال ه يا أَيُّ َها الهذ َ
ست ُ ُمسفَ ٍر أ َ ْو جا َء أ َ َح ٌد ِم ْن ُك ْم ِم َن ا ْلغائِ ِط أ َ ْو ال َم ْسلُوا َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َم ْرضى أ َ ْو عَلى َ س ِبي ٍل َحتهى ت َ ْغت َ ِ َ
عفُ ًّوا ّللا َ
كان َ س ُحوا ِب ُو ُجو ِه ُك ْم َوأ َ ْيدِي ُك ْم ِإ هن ه َ ص ِعيدا ً َط ِيهبا ً فَ ْ
ام َ ال ِنهسا َء فَلَ ْم ت َ ِجدُوا ما ًء فَتَيَ هم ُموا َ
غفُورا ً ( ) 43 َ
[ التيمم ]
لمس النساء ال ينقض الوضوء ،واالحتياط أن يتوضأ للخالف الذي في هذه المسألة الالمس
ص ِعيدا ا
والملموس ،وقد تصدعنا في هذه المسألة مع علماء الرسوم «فَلَ ْم ت َ ِجدُوا ما اء فَتَيَ َّم ُموا َ
ّللا طهارة مائية وترابية ،فإن النشء اإلنساني لم يكن إال من تراب كآدم ،وماء ط ِيهبا ا »شرع ه
َ
كبني آدم ،فقال خلقكم من تراب ،ومن ماء ،ومن طين وهو خلط الماء بالتراب ،فجعل
الطهارة بما منه خلقنا ،فطهارتنا منا من ماء وهو الوضوء ،وتراب وهو التيمم .فنحن نور
ّللا ،والتيمم القصد إلى األرض الطيبة ،كان ذلك األرض ما كان مما يسمى على نور بحمد ه
أرضا ،ترابا كان أو رمال أو حجرا أو زرنيخا ،فإن فارق األرض شيء من هذا كله وأمثاله
،لم يجز التيمم بما فارق األرض من ذلك إال التراب خاصة ،لورود النص فيه ،وفي األرض
ّللا عليه وسلم [ :وجعلت لي األرض مسجدا سواء فارق األرض أو لم يفارق ،قال صلهى ه
وطهورا ] وفي خبر آخر [ جعلت تربتها لنا طهورا ] فع هم في األول ،وخرج التراب بالنص
فيه في الثاني عن سائر ما يكون أرضا ،ويزول عنه االسم بالمفارقة ،فجعل تربة هذه
األرض طهورا ،فكان لها حكم الماء في الطهارة إذا عدم الماء ،أو عدم االقتدار على
استعماله لسبب مانع من ذلك ،فأقام لنا تراب هذه األرض واألرض طهورا ،فإذا فارق
األرض ما فارق منها ما عدا التراب فال يتطهر به إال التراب ،فإنه ما كان منها يسمى أرضا
ما دام فيها ،من معدن ورخام وزرنيخ وغير ذلك ،فما دام في األرض كان أرضا ،حقيقة ،
ألن األرض تعم هذا كله ،فإذا فارق األرض انفرد باسم خاص له ،وزال عنه اسم األرض
فزال حكم الطهارة منه ،إال التراب خاصة فسواء فارق األرض أو لم يفارقها فإنه طهور ،
ّللا النص عليه بالحكم ألنه منه خلق المتطهر به وهو اإلنسان ،فيطهر بذاته تشريفا له ،فأبقى ه
به في الطهارة دون غيره ممن له اسم غير اسم األرض ،فإذا فارق التراب األرض زال عنه
اسم األرض وبقي عليه اسم التراب ،كما زال عن الزرنيخ اسم األرض لما فارق األرض
وبقي
ص 505
ص 513 :
ّللا ما خلق اإلنسان من زرنيخ
عليه اسم الزرنيخ ،فلم تجز الطهارة به بعد المفارقة ،ألن ه
ط ِيهبا ا »أي اقصدوا التراب الذي ما فيه ما
ص ِعيدا ا َ
وإنما خلقه من تراب ،فقال تعالى «:فَتَيَ َّم ُموا َ
يمنع من استعماله في هذه العبادة من نجاسة ولم يقل ذلك في طهارة الماء ،فإنه أحال على
الماء المطلق ال المضاف ،فإن الماء المضاف مقيهد بما أضيف إليه عند العرب .فإذا قلت
للعربي أعطني ماء ،جاء إليك بالماء الذي هو غير مضاف ،ما يفهم العربي منه غير ذلك ،
وما أرسل رسول وال أنزل كتاب إال بلسان قومه ،فلهذا لم يقل بالقصد في الماء ،فقال :
اغسلوا ولم يقل :تيمموا ماء طيبا ،فهنا القصد للصعيد الطيب ،والعمل به تبع يحتاج إلى نية
أخرى عند الشروع في الفعل ،كما يفتقر العمل بالماء في الوضوء والغسل وجميع األعمال
المشروعة إلى اإلخالص المأمور به وهو النية .والتيمم عندنا عبادة مستقلة وليست بدال ،
وإنما هي طهارة مشروعة مخصوصة بشروط اعتبرها الشرع .وإنما قلنا مشروعة ،ألنها
ليست بطهارة لغوية ،والتيمم عندنا يجوز للمريض والمسافر إذا عدم الماء ،أو عدم استعمال
الماء مع وجوده لمرض قام به يخاف أن يزيد به المرض أو يموت ،وال إعادة عليه .ويجوز
للحاضر يعدم الماء ،أن يتيمم ،والذي يجد الماء ويمنعه من الخروج إليه خوف عدو يجوز له
التيمم ،والخائف من البرد في استعمال الماء يجوز له التيمم إذا غلب على ظنه أنه يمرض إن
استعمل الماء ،وطهارة التيمم تحتاج إلى نية ،والتيمم عبادة ،واإلخالص عين النية ،ومن لم
يجد الماء ال يشترط له الطلب .ويشترط دخول الوقت في هذه الطهارة ،وح هد األيدي هو أقل
ما يسمى به يدا في لغة العرب هو الواجب ،وما زاد على أقل مسمى اليد إلى غايته فذلك له
مستحب ،وضربة واحدة تجزي ،وحديث الضربة الواحدة أثبت .والظاهر إيصال التراب إلى
أعضاء المتيمم ،وجميع ما يفعل بالوضوء يستباح بالتيمم ،واألولى أنه ال يستباح ،ألن التيمم
ليس بدال من الوضوء ،وإنما هو طهارة أخرى عينها الشارع بشرط خاص ،ويستباح بها
أكثر من صالة واحدة ،واألولى أن ال يستباح ،ويكون التيمم لكل فريضة ،فالدليل في وجوب
ذلك أقوى من قياسه على الوضوء ،وإليه أذهب ؛ فإن نص القرآن في ذلك ،وناقض هذه
الطهارة هو كل ما ينقض الوضوء والطهر [ .االغتسال ]
-إشارة واعتبار -االغتسال هو تعميم طهارة النفس من كل ما أمرت بالطهارة منه وبه ،من
األعمال ظاهرا مما يتعلق باألعضاء ،وباطنا مما يتعلق بالنفس من مصارف صفاتها ،
ص 506
ص 514 :
ال من صفاتها ،وإنما قلنا من مصارف صفاتها ،فإن صفاتها الزمة لها في أصل خلقها ال
تنفك عنها ،حتى إن كل وصف مذموم فمتعلق الذي أمرنا بالطهارة منه ما هو عين الصفة ، ه
إنما هو عين المصرف ،كصرف الحرص إلى طلب العلم وتحصيل أسباب الخير واألعمال
الصالحة ،فالحرص بهذا الوجه يكون سعادة الحريص ،وبوجهه المذموم يكون شقاوة
الحريص ،فلهذا قلنا بالمصرف ال بعين الصفة ،وهكذا في جميع الصفات التي علق الذم بها ،
وال يعلم مصارف الصفات إال من يعلم مكارم األخالق ،فيتطهر بها ،ويعلم سفساف األخالق
ّللا ،
فيتطهر منها ،وما خفي منها مما ال يدركه يتلقاه من الشارع ،وهو كل عمل يرضي ه
فيتطهر به من كل عمل ال يرضيه فيتطهر منه ،ومن هذه الطهارة واجب مثل العلم والجهل ،
والكفر واإليمان ،والشرك والتوحيد ،وهكذا في األعمال كلها المشروعة ،يطهرها بالموافقة
من المخالفة على حسب مرتبته من الوجوب أو الندب أو اإلباحة ،مثل التطهير بإيتاء الزكاة
مثال فهو غسل واجب ،وكإعطائها للفقراء من ذوي األرحام وهو مندوب إليه ،وكتخصيص
أهل الدين منهم دون غيرهم من ذوي األرحام وهو مستحب .
باّلل ]
[ نواقض الوضوء في المعرفة ه
باّلل هو كل ما يقدح في األدلة العقلية من -إشارة واعتبار -نواقض الوضوء في المعرفة ه
الشبه الواردة ،وكل ما يقدح في األدلة الشرعية من ضعف الطريق الموصل إليها ،وهو عدم
باّلل وبتوحيده وبأسمائه الحسنى ،وما الثقة بالرواة وغريب المتون ،فكل ما يخرجك عن العلم ه
يجب هّلل أن يكون عليه ،وما يجوز وما يستحيل عليه عقال إال أن يرد به خبر متواتر من كتاب
ّللا وتوحيده وأسمائه «،أ َ ْو جا َء أ َ َح ٌد ِم ْن ُك ْم أو سنهة ،فإن كل ذلك ناقض لطهارة القلب بمعرفة ه
ِمنَ ْالغائِ ِط »فينظر في اللفظ الخارج من اإلنسان ،وهو الذي يؤثر في طهارة إيمانه ،مثل أن
يقول في يمينه :برئت من اإلسالم إن كان كذا وكذا ،أو ما كان إال كذا وكذا ،فإن هذا وإن
ّللا عليه وسلم ، وبر ولم يحنث لم يرجع إلى اإلسالم سالما ،كذا قال صلهى ه صدق في يمينه ه
ّللا ليضحك بها الناس ،ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها ومثل من يتكلم بالكلمة من سخط ه
في النار سبعين خريفا ،أما اإلشارة واالعتبار في قوله تعالى «أ َ ْو ال َم ْست ُ ُم ال ِنهسا َء » :النساء
كناية عن الشهوات ،فإذا لمست الشهوة القلب ولمسها ،والتبس بها والتبست به ،وحالت بينه
ّللا فيها ،فقد انتقض وضوءه ،وإن لم تحل بينه وبين مراقبة وبين ما يجب عليه من مراقبة ه
ّللا ،وال
ّللا فهو على طهارته ،فإن طهارة القلب الحضور مع ه ه
ص 507
ص 515 :
يبالي في متعلق الشهوة من حرام أو حالل ،إذا اعتقد التحريم في الحرام والتحليل في الحالل
،فال تؤثر في طهارته .
[ الجنابة ]
-إشارة واعتبار -الجنابة الغربة ،والغربة ال تكون إال بمفارقة الوطن ،وموطن اإلنسان
عبوديته ،فإذا فارق موطنه ودخل في حدود الربوبية فاتصف بوصف من أوصاف السيادة
على أبناء موطنه وأمثاله ،فهي غربة العبد عن موطن العبودية ،وكذا تغريب صفة ربانية
عن موطنها ،فيتصف بها أو يصف بها ممكنا من الممكنات ،فيجب الطهر من هذا بال خالف
صر به ،فإذا جاوز العبد حدهه ،ودخل في حدود الربوبية ، ،واالغتسال هو االعتراف بما ق ه
وأدخل ربه في الحد معه بما وصف به من صفات الممكنات ،فقد وجب عليه الطهر من ذلك ،
فإن تنزيه العبد أن ال يخرج عن إمكانه ،وال يدخل الواجب لنفسه في إمكانه ،فال يقول يجوز
ّللا كذا ،ويجوز أن ال يفعله ،فإن ذلك يطلب المرجح ،والحق له الوجوب على أن يفعل ه
اإلطالق ،والطهر من هذا العلم بالعلم الذي ال يدخله تحت الجواز ،والفناء يؤدي إلى عموم
الطهارة ،فالغسل طهر يعم من الجنابتين ،لغيبتك الكلية عن علم نكاح الصورتين ،المثلية
ّللا آدم على صورته ) ش ْي ٌء )مثلية عقلية ( ،خلق ه ْس َك ِمثْ ِل ِه َالعقلية ،والمثلية الشرعية (،لَي َ
مثلية شرعية .
[ دخول الجنب المسجد ]
-إشارة واعتبار -اعتبار دخول الجنب المسجد من قوله تعالى َ «:وال ُجنُبا ا ِإ َّال عابِ ِري َ
سبِي ٍل »
:من أباح ذلك هو العارف الذي يرى العالم كله علوه وسفله ال تصح له اإلقامة في حال -فإن
باّلل يشاهدون هذا العبور ،وغير األرض كلها مسجد -فهو عابر أبدا مع األنفاس ،فالعلماء ه
باّلل يتخيلون أنهم مقيمون ،والوجود على خالف ذلك ،فإن اإلله الموجد في كل نفس ، العلماء ه
موجد بفعل ،فال يعطل نفسا واحدا يتصف فيه باإلقامة ،ومن قال بالمنع فقد غلب عليه رؤية
نفسه أنه ليس بمحل طاهر حيث لم يتخلق باألسماء اإللهية .
[ اعتبار من التيمم ]
ط ِيهباا ،إذا عدمت الماءين فاعمد ص ِعيدا ا َ-إشارة واعتبار -قوله تعالى «:فَلَ ْم ت َ ِجدُوا ما اء فَتَيَ َّم ُموا َ
إلى ما خلقت منه وال تعدل عنه ،واعلم أن طهارة العبد إنما تكون باستيفاء ما يجب أن يكون
العبد عليه من الذلة واالفتقار ،والوقوف عند مراسيم سيده وحدوده وامتثال أوامره ،ولما كان
التراب واألرض نشأة اإلنسان ،وهو تحقيق عبوديته وذلته ،ثم
ص 508
ص 516 :
ّللا عليه وسلم قال فيه :إنه مخلوق على عرض له عارض الدعوى ،بكون الرسول صلهى ه
ّللا عليه من قبوله للتخلق باألسماء اإللهية على ما
الصورة ،وذلك عندنا الستعداده الذي خلقه ه
تعطيه حقيقته ،فإن في مفهوم الصورة والضمير ،خالفا ،فما هو نص ،فاعتز لهذه النسبة
وعال وتكبهر ،فأمر لطهارة نفسه من هذا التكبر باألرض والترائب وهو حقيقة عبوديته ،
بنظره في أصل خلقه مم خلق ،فوقوف العبد مع حقيقته من حيث نشأته طهوره من كل حدث
يخرجه من هذا المقام ،وهذا ال يكون هإال بعدم وجدان الماء ،والماء العلم ،فإن العلم حياة
باّلل هو الذي قلهد عقله
باّلل ،والمقلد عندنا في العلم ه
القلوب ،فكأن التيمم حالة المقلد في العلم ه
باّلل من حيث الفكر ،فكما أنه إذا وجد الماء أو قدر على استعماله بطل لنظره في معرفته ه
باّلل في
التيمم ،كذلك إذا جاء الشرع بأمر ما من العلم اإللهي بطل تقليد العقل لنظره في العلم ه
تلك المسألة ،وال سيما إذا لم يوافقه في دليله ،كان الرجوع بدليل العقل إلى الشرع ،فهو ذو
شرع وعقل معا في هذه المسألة ،واإلشارة بالوجه إلى ذات العبد ،واإلشارة باأليد إلى
االقتدار الظاهر من العبد ،وهو مجبول على العجز ،فإذا نظر في هذا األصل زكت نفسه
وتطهر من الدعوى ،وأما اإلشارة بالسفر فإن صاحب النظر في الدليل مسافر بفكره في
منازل مقدماته وطريق ترتيبها حتى ينتج له الحكم في المسألة المطلوبة ،والمريض هو الذي
ال تعطي فطرته النظر في األدلة ،لما يعلم من سوء فطرته وقصوره عن بلوغ المقصود من
النظر ،بل الواجب أن يزجر عن النظر ويؤمر باإليمان تقليدا ،وهو التيمم في حقهما .
ص 509
ص 517 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 47إلى 48
س ُو ُجوها ً فَنَ ُردهها ص هدِقا ً ِلما َمعَ ُك ْم ِم ْن قَ ْب ِل أ َ ْن نَ ْط ِم َآمنُوا ِبما نَ هز ْلنا ُم َ
تاب ِ ِين أُوتُوا ا ْل ِك َيا أَيُّ َها الهذ َ
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر ّللا َم ْفعُوالً ( ِ ) 47إ هن ه َ كان أ َ ْم ُر ه ِ
ت َو َ س ْب ِ ْبارها أ َ ْو نَ ْلعَنَ ُه ْم كَما لَعَنها أَص َ
ْحاب ال ه عَلى أَد ِ
افتَرى ِإثْما ً ع َِظيما ً ) ( 48 اَّلل فَقَ ِد ْ أ َ ْن يُش َْركَ ِب ِه َويَ ْغ ِف ُر ما د َ
ُون ذ ِلكَ ِل َم ْن يَشا ُء َو َم ْن يُش ِْر ْك ِب ه ِ
ّللا من صفة خاصة ،يستحق من مات االنتقام واألخذ ما هو بأولى من المغفرة إال ما عيهن ه
ّللا أدخله في المشيئة ، وهي به قائمة المؤاخذة وال بد ،وليس إال الشرك وما عدا الشرك فإن ه
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َويَ ْغ ِف ُر ما دُونَ ذ ِل َك ِل َم ْن يَشا ُء » .
فقال تعالى ِ «:إ َّن َّ َ
فهذه اآلية ظاهرة في مؤاخذته تعالى أهل الشرك على القطع ،فهو ظاهر لقرينة الحال ،فجعل
ّللا الشرك من الكبائر التي ال تغفر ،ولكن ما كل مشرك ،بل المشركون الذين بعثت إليهم ه
الرسل أو لم يوفوا النظر حقه وال اجتهدوا .
ّللا عليه وسلم قد أخبر أن المجتهد وإن أخطأ فإنه مأجور ،ولم يعيهن فرعا من فإن النبي صلهى ه
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر ش ْيءٍ )وأما قوله تعالى «:إِ َّن َّ َ ت ُك َّل َأصل بل ع هم ،وصدق قوله َ ( :و َر ْح َمتِي َو ِسعَ ْ
ّللا ما ستر الشرك على أهل الشرك بل أ َ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه »من طريق اللسان فهو الواقع ،فإن ه
ظهروا به ،فهو إخبار بما وقع في الوجود من ظهور الشرك ،وستر ما دون ذلك لمن يشاء
أن يستر ،فإن ثم أمورا لم تظهر لعين وال لعقل ،ولكن قرائن األحوال تد هل على القطع
بمؤاخذة المشركين .
ثم لم يذكر سبحانه ما هو األمر عليه فيهم بعد المؤاخذة التي هي إقامة الح هد عليهم في اآلخرة
يوم الدين الذي هو الجزاء ،فيدخلون النار مع بعض آلهتهم ليتحققوا مشاهدة أن تلك اآللهة ال
اّلل فَقَ ِدّللا شيئا ؛ لكونهم اتخذوها عن نظر ال عن وضع إلهي َ «:و َم ْن يُ ْش ِر ْك بِ َّ ِ تغني عنهم من ه
ع ِظيما ا »فقد ظلم الشريك هذا الذي وضعه أو اتخذه إلها ،فلذلك قال تعالى ِ «:إ َّن ا ْفتَرى ِإثْما ا َ
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك ِب ِه »فإنها من حقوق الغير ال من حق ه
ّللا . َّ َ
ّللا له ،فإن الشرك من مظالم ّللا ما كان هّلل من حق على العبد وفرط فيه غفره ه فإنه من كرم ه
العباد ،فإن الشريك يأتي يوم القيامة من كوكب ونبات وحيوان وحجر وإنسان فيقول :يا رب
سل هذا الذي جعلني إلها ووصفني بما ال
ص 510
ص 518 :
ّللا له بمظلمته من المشرك ،فيخلده في النار مع
ينبغي لي ،خذ لي بمظلمتي منه ،فيأخذ ه
شريكه إن كان حجرا أو نباتا أو حيوانا أو كوكبا ،إال اإلنسان الذي لم يرض بما نسب إليه
ونهى عنه وكرهه ظاهرا وباطنا ال يكون معه في النار ،وإن كان هذا من قوله وعن أمره ،
ومات غير موحد وال تائب كان معه في النار
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه » ]
[ تحقيق « -إِ َّن َّ َ
-تحقيق –
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه »ألنه ال يجده ،فلو وجد لصح ،وكان للمغفرة عين تتعلق بها ، « ِإ َّن َّ َ
ّللا ألن الغفر الستر ،وال يستر إال من له وجود ،
فإن الشريك ليس ث هم ؛ ولذلك ال يغفره ه
والشريك عدم فال يستر ،فالخطأ من إثبات الغير وهو القول بالشريك .
ص 511
ص 519 :
العمل لغير عبادة ال يقبل على كل حال من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ،لكن
من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو جارحة مخصوصة ،فإنها تجزى به تلك الجارحة ،
فيقبل العمل لمن ظهر منه ،وال يعود منه على النفس اآلمرة به للجوارح شيء ،إذا كان العمل
خيرا بالصورة كصالة المرائي والمنافق وجميع ما ظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي
لم تقصد به النفس عبادة .
الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ،والجوارح ال تجزى بها ألنه ليس ه وأما أعمال
في قوتها االمتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ،فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها
،فإن جارت النفس فعليها وللجوارح رفع الحرج ،بل لهم الخير األت هم ،وإن عدلت النفوس
فلها وللجوارح ،فإن النفوس والة الحق على هذه الجوارح .
والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ،فهي مطيعة بكل وجه ،والنفوس
ليست كذلك ،فهي التي تذوق العذاب ،ومن النفوس من لم يقم بما قصد له فكان عاصيا مخالفا
ّللا حين أمره باألعمال والعبادة .أمر ه
فالطائع يقع منه العبادة في حالة االضطرار واالختيار ،وإن لم يكن مطيعا من حيث األمر
بالعمل .
فإن كان مطيعا طائعا ،فقد فاز بوقوع ما قصد له ،وأما العاصي فال تقع منه العبادة إال في
حالة االضطرار ال في حال االختيار ،ويقع منه صورة العمل ال العمل المشروع له ،فهو
ّللا ،فلم يقم بما قصد له ،واعلم أن جسد اإلنسان من حيث طبيعته ال من حيث مخالف أمر ه
لطيفته بما هي مدبرة لهذا الجسم ومتولدة عنه طائع هّلل مشفق ،وما من جارحة منه إذا أرسلها
العبد جبرا في مخالفة أمر إلهي إال وهي تناديه :ال تفعل ،ال ترسلني فيما حرم عليك إرسالي
ّللا من فعله بها ،وكل قوة وجارحة فيه بهذه ،إني شاهدة عليك ،ال تتبع شهوتك ،وتبرأ إلى ه
ّللا تعالى دونه من
المثابة ،وهم مجبورون تحت قهر النفس المدبرة لهم وتسخيرها ،فينجيهم ه
ّللا يوم القيامة ،وجعله في النار .
عذاب يوم أليم ،إذا آخذه ه
ّللا فيها إماتة كرامة للجوارح ،حيثفأما المؤمنون الذين يخرجون إلى الجنة بعد هذا فيميتهم ه
تحس باأللم ،وتعذب النفس وحدها في تلك الموتة ، ه كانت مجبورة فيما قادها إلى فعله ،فال
كما يعذب النائم فيما يراه في نومه ،وجسده في سريره وفرشه على أحسن الحاالت .
وأما أهل النار الذين قيل فيهم :
ال يموتون فيها ،وال يحيون ،فإن جوارحهم أيضا بهذه المثابة ؛ أال تراها تشهد عليهم يوم
القيامة ؟ فأنفسهم ال تموت في النار لتذوق العذاب ،وأجسامهم ال تحيا في النار حتى ال تذوق
ّللا من
العذاب ،فعذابهم نفسي في صورة حسية من تبديل الجلود ،وما وصف ه
ص 512
ص 520 :
عذابهم ،كل ذلك تقاسيه نفوسهم ،فإنه قد زالت الحياة من جوارحهم ،فهم ينضجون كما
ينضج اللحم في القدر ؛ أتراه يحس بذلك ؟
ّللا في ذلك نعيما ،وإال ما تحمله النفوس كشخص يرى بل له نعيم به إذا كان ث هم حياة يجعل ه
بعينه نهب ماله وخراب ملكه وإهانته ؛ فالملك مستريح بيد من صار إليه ،واألمير يعذب
بخرابه وإن كان بدنه سالما من العلل واألمراض الحسية .
ولكن هو أشد الناس عذابا ،حتى إنه يتمنى الموت وال يرى ما رآه ،فنضج الجلود سبب في
عذاب النفس المكلفة ،والجلد متنعم في ذلك العذاب المحسوس ،لما كانت الجلود من الشهود
ّللا ،والتبديل لذوق العذاب كما تبدلت األحوال عليهم في الدنيا بأنواع المخالفات ، العدول عند ه
يحس باأللم كما كان هنا دائما في تجديد .فإذا انتهى زمان ه فلكل نوع عذاب ولهم جلد خاص
المخالفة المعينة ،انتهى نضج الجلد .
فإن شرع عند انتهاء المخالفة في مخالفة أخرى ،أعقب النضج تبديال آخر ليذوق العذاب كما
ذاق اللذة بالمخالفة .
وإن تصرف بين المخالفتين بمكارم خلق ،استراح بين النضج والتبديل بقدر ذلك ،فهم على
طبقات في العذاب في جهنم .ومن أوصل المخالفات ومذام األخالق بعضها ببعض فهم الذين
يفتر عنهم العذاب ،فإن العذاب المستصحب أهون من العذاب المجدد . ال ه
فيذوقون العذاب مستصحبا إلى أن تنضج الجلود ،وحينئذ يتجدد عليهم بالتبديل عذاب جديد ،
ّللا باستصحاب العذاب إلى حين تبديل الجلود من حيث ال يشعرون ،فإن العذاب لو فرحمهم ه
كان مجددا باستمرار لكان أشد في عذابهم ،فلما انتهى بهم العمر إلى األجل المسمى انتهت
المخالفة فتنتهي العقوبة فيهم إلى ذلك الحد ،وتكتنفهم الرحمة التي وسعت كل شيء ،وال
ع ِزيزا ا َح ِكيما ا » . تشعر بذلك جهنم وال وزعتها« ِإ َّن َّ َ
ّللا كانَ َ
ص 513
ص 521 :
سورة النساء ( : ) 4آية 58
اس أ َ ْن تَحْ ُك ُموا ِبا ْلعَ ْد ِل ِإ هن ه َ
ّللا ّللا يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاألَمانا ِ
ت ِإلى أ َ ْه ِلها َو ِإذا َحك َْمت ُ ْم بَ ْي َن النه ِ ِإ هن ه َ
س ِميعا ً بَ ِصيرا ً ) ( 58 كان َ ّللا َ
ظ ُك ْم ِب ِه ِإ هن ه َ نِ ِع هما يَ ِع ُ
ّللا أن نؤديها إليهم ليس المعتبر من أعطاها وال بد ،وإنما واعلم أن أهل األمانات الذين أمرنا ه
أهلها من تؤدى إليه ،فإن كان الذي أعطاها بنية أن تؤدى إليه في وقت آخر فهو أهلها من
حيث ما تؤدى إليه ال من حيث أنه أعطاها ،وإن أعطاها هذا األمين المؤتمن إلى من أعطاه
إياها ليحملها إلى غيره ،فذلك الغير هو أهلها ال من أعطى ،فقد أعلمك باألهلية فيها ،فإن
الحق إنما هو لمن يستحقه ،فاعلم ذلك واعمل عليه ،فإن حكم األمانة إنما هي لمن توصل إليه
اس أ َ ْن ت َ ْح ُك ُموا ِب ْالعَ ْد ِل »العدل هو ميل إلى أحد
ال لمن يح هملك إياها« َو ِإذا َح َك ْمت ُ ْم بَيْنَ النَّ ِ
الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه وله ،أو لإلقرار أو الشهود ،غير
ذلك ال يكون عدال في الحكم -وجه آخر ،الحق في االعتدال ،فمن جار أو عدل فقد مال ،
فإن مال لك فقد أفضل وأتى في ذلك بالنعت األنفس ،وإن مال عليك فقد
ص 514
ص 522 :
أبخس ،العدل في األحكام ،ال يكون محمودا إال من الحكام ،والعدل هنا من االعتدال ،ال من
الميل ،فإن ذلك إفضال ،ورد في الخبر عن سيد البشر فيمن انقطع أحد شراك نعليه ،أن
صه به
خص أحد أوالده دون الباقين بما خ ه
ه ينزع األخرى ليقيم التساوي بين قدميه ،وقال فيمن
من المال ،ال أشهد على جور لعدم المساواة واالعتدال ،فسماه جورا ،وإن كان خيرا ،ثم
قال :ألست تحبه أن يكونوا لك في البر على السواء ؟ فما لك تعدل عن محجة االهتداء ،
فاعدل بين أوالدك ،بطرفك وتالدك .
ّللا عليه وسلم مما ّللا »أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلهى ه « يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ِطيعُوا َّ َ
ّللا تعالى ،ثم قال ّللا يأمركم ،وهو كل أمر جاء في كتاب ه إن ه ّللا عليه وسلم :ه قال فيه صلهى ه
ّللا من طاعة رسوله صلهى ه
ّللا وفرق ،ففصل أمر طاعة ه سو َل »فميهز وعيهن ه َ «:وأ َ ِطيعُوا َّ
الر ُ
ّللا تعالى لم تكن ث هم فائدة زائدة ،فال بد أن عليه وسلم .فلو كان يعني بذلك ما بلهغ إلينا من أمر ه
يوليه رتبة األمر والنهي فيأمر وينهى
ّللا بأمره .
ّللا عليه وسلم عن ه ّللا صلهى ه .فنحن مأمورون بطاعة رسول ه
ّللا عليه وسلم ، ّللا ) ،وطاعتنا له فيما أمر به صلهى ه سو َل فَقَ ْد أَطا َ
ع َّ َ وقال تعالى َ ( :م ْن يُ ِط ِع َّ
الر ُ
سو ُل عز وجل( َوما آتا ُك ُم َّ
الر ُ ّللا هّللا ،فيكون قرآنا .قال هونهى عنه مما لم يقل هو من عند ه
ّللا عليه وسلم ،فأتى باأللف والالم في ع ْنهُ فَا ْنت َ ُهوا )فأضاف النهي إليه صلهى ه فَ ُخذُوهُ َوما نَها ُك ْم َ
الرسول يريد بهما التعريف والعهد ،أي الرسول الذي استخلفناه عنا ،فجعلنا له أن يأمر
وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا ،فإن الخليفة ال بد أن يظهر فيما استخلف عليه
بصورة مستخلفه وإال فليس بخليفة له فيهم ،فأعطاه األمر والنهي وسماه بالخليفة ،وجعل
ّللا سبحانه عباده البيعة له بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ،وأمر ه
ّللا عليه وسلم بين ّللا صلهى هبالطاعة هّلل ولرسوله والطاعة ألولي األمر منهم ،فجمع رسول ه
ّللا بطاعته ، الرسالة والخالفة .فما ك هل رسول خليفة ؛ فمن أمر ونهى وعاقب وعفا ،وأمر ه
وجمعت له هذه الصفات ،كان خليفة .ومن بلهغ أمر ه
ّللا ونهيه
ص 515
ص 523 :
ّللا تعالى أن يأمر وينهى ،فهو رسول مبلهغ رساالت ربه . ولم يكن له من نفسه إذن من ه
وبهذا بان لك الفرقان بين الخليفة والرسول .ولهذا جاء باأللف والالم في قوله تعالى( َم ْن يُ ِط ِع
ّللا )ثم قال تعالى «َ :وأُو ِلي ْاأل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم »وهم الخلفاء ومن استخلفه اإلمامع َّ َسو َل فَقَ ْد أَطا َ
الر ُ
َّ
ّللا جعل خليفة عنه في أرضه ،وجعل له الحكم في خلقه ،وشرع له ما من النواب ،فإن ه
ّللا
يحكم به ،وأعطاه األحدية ،فشرع أنه من نازعه في رتبته قتل المنازع ،فقال رسول ه
ّللا عليه وسلم [ :إذا بويع لخليفتين ،فاقتلوا اآلخر منهما ] وجعل بيده التصرف في بيت صلهى ه
ّللا ،فبأيديهم ّللا للخليفة أن يستخلف كما استخلفه ه المال ،وصرف له النظر عموما ،وجعل ه
العطاء والمنع والعقوبة والعفو ،كل ذلك على الميزان المشروع ،فلهم التولية والعزل .
ّللا ،واستخلفهم وأمرنا الحق بالطاعة له سواء جار علينا أو عدل فينا .واألئمة الذين استنابهم ه
على قسمين :قسم يعدلون بصورة حق وال يتعدون ما شرع لهم ،والقسم اآلخر قائلون بما
شرع لهم غير أنهم لم يرجعوا ما دعوا إليه في المصارف التي دعاهم الحق إليها ،وجاروا
ّللا لعلهم يرجعون .وقد يقيم عن الحق في ذلك ،وعلموا أنهم جائرون قاسطون ،فيمهلهم ه
الحق منازعا في مقابلته يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ،فإن ظهر مثل هذا فقد أوجب
الحق على عباده القتال معه والقيام في حقه ونصرته واألخذ على يد الجائر ،وال يزال األمر
ّللا وتنفذ كلمة الحق - .الوجه الثاني َ «-وأُو ِلي ْاأل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم »
على ذلك حتى يأتي أمر ه
ص 516
ص 524 :
ّللا فيما أوجبه علينا من أمر فينا إال بما أبيح لنا ؛ فإن أطعناهم في ذلك أجرنا أجر من أطاع ه
ونهي ،فإنه ما بقي لألئمة إال المباح وال أجر فيه وال وزر .فإذا أمرك اإلمام المقدهم عليك
الذي بايعته على السمع والطاعة بأمر من المباحات ،وجب عليك طاعته في ذلك ،وحرمت
مخالفته ،وصار حكم ذلك الذي كان مباحا واجبا ؛ فنزل اإلمام منزلة الشارع بأمر الشارع ؛
ّللا ،فإن في
ومن أنزله الحق منزلته في الحكم تعيهن اتباعه .وعصيان أولي األمر من معصية ه
ّللا عصيانهم إال في الرسول خاصة ،فإن في ّللا ،وليس في عصيان ه عصيانهم عصيان أمر ه
ّللا ،إذ متعلق المعصية األمر والنهي ،وال يعرف ذلك إال بتبليغ ّللا عصيان رسول هعصيان ه
ّللا المشروع ؛ من الرسول وعلى لسانه .فطاعة السلطان واجبة ،فإن السلطان بمنزلة أمر ه
سو ِل ّللا »حكما« َو ِإلَى َّ
الر ُ ش ْيءٍ فَ ُردُّوهُ ِإلَى َّ ِ
أطاعه نجا ،ومن عصاه هلك «فَإِ ْن ت َنازَ ْعت ُ ْم فِي َ
»عينا ،فننظر ما اختلفوا فيه وتنازعوا ،فإن كان هّلل أو لرسوله حكم فيه يعضد قول أحد
ّللا ورسوله ،إن كنا المخالفين جعلنا الحق بيده ،فإنا أمرنا إن تنازعنا في شيء ،أن نرده إلى ه
ّللا على بصيرة ،وعلى بينة من ربنا ،فنحكم في مؤمنين ،فإن كنا عالمين ممن يدعو إلى ه
ّللا تعالى من غير طريق اإليمان ،وليس لنا العدول عنه البتة - المسألة بالعلم ،وهو رد إلى ه
إشارة -من اتبع الخليفة أمن من كل خيفة ،وصارت األسرار به مطيفة ،وحصل بالرتبة
المنيفة –
ص 517
ص 525 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 60إلى 64
ُون أ َ ْن يَتَحا َك ُموا ون أَنه ُه ْم آ َمنُوا ِبما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ َوما أ ُ ْن ِز َل ِم ْن قَ ْب ِلكَ يُ ِريد َ ع ُم َ أ َلَ ْم ت َ َر ِإلَى الهذ َ
ِين يَ ْز ُ
ضلالً بَ ِعيدا ً ( َ ) 60و ِإذا طان أ َ ْن يُ ِضله ُه ْم َ ش ْي ُ ت َوقَ ْد أ ُ ِم ُروا أ َ ْن يَ ْكفُ ُروا ِب ِه َويُ ِري ُد ال ه طا ُ
غو ِ ِإلَى ال ه
صدُودا ً ( ) 61 ع ْنكَ ُ ُّون َصد َ ين يَ ُ سو ِل َرأ َ ْيتَ ا ْل ُمنا ِف ِق َ ّللاُ َو ِإلَى ه
الر ُ ِقي َل لَ ُه ْم تَعالَ ْوا ِإلى ما أ َ ْن َز َل ه
اَّلل إِ ْن أ َ َردْنا إِاله إِحْ سانا ً َوت َ ْوفِيقا ًون بِ ه ِ ِيه ْم ث ُ هم جاؤُكَ يَحْ ِلفُ َ ف إِذا أَصابَتْ ُه ْم ُم ِصيبَةٌ بِما قَ هد َمتْ أ َ ْيد ِ فَ َك ْي َ
س ِه ْم قَ ْوالًع ْن ُه ْم َو ِع ْظ ُه ْم َوقُ ْل لَ ُه ْم فِي أ َ ْنفُ ِض َ ّللاُ ما فِي قُلُوبِ ِه ْم فَأَع ِْر ْ ِين يَ ْعلَ ُم ه ( ) 62أُولئِكَ الهذ َ
س ُه ْم جاؤُكَ ّللا َولَ ْو أَنه ُه ْم إِ ْذ َظلَ ُموا أ َ ْنفُ َ
ع بِ ِإ ْذ ِن ه ِ سو ٍل إِاله ِليُطا َس ْلنا ِم ْن َر ُ بَ ِليغا ً ( َ ) 63وما أ َ ْر َ
ّللا ت َ هوابا ً َر ِحيما ً ) ( 64 سو ُل لَ َو َجدُوا ه َ الر ُ ست َ ْغفَ َر لَ ُه ُم هّللا َوا ْ فَا ْ
ست َ ْغفَ ُروا ه َ
ص 518
ص 526 :
ّللا جل ثناؤه بالربوبية على صورة تحصيل اإليمان ،أقسم سبحانه على نفسه باسم في قسم ه
الرب المضاف إلى نبيه محمد عليه السالم على أقصى غاية مراتب اإليمان ،فقال «:فَال
َو َر ِبه َك ال يُؤْ ِمنُونَ » . . .اآلية فمن شرط قوة اإليمان وتحصيله أن ال ننتظر حكم من آمنا به ،
بل نحكمه علينا ابتداء منا ،تثبيتا إليماننا ونرضى بقضائه فينا ،وال نبالي بما حكم علينا بما
يهون علينا حمله أو ما ال يهون ،فإذا قضى بما قضى به علينا مما تعظم مشقته ويصعب حمله
،طابت به نفوسنا ،وعظمت اللذة بذلك في قلوبنا ،وزال عن النفس ما كان شجر بينها وبين
ّللا علينا سهلة ذلولة .ومتى لم نجد ذلك في نفوسنا ،فليس عندنا خصمها ،وانقادت بحكم ه
رائحة من حقيقة اإليمان في جميع حكمه كله علينا ،بل عليه أن ينقاد بظاهره على الفور
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ا »فأكده
انقيادا كليا على االنقياد لما وقع به الحكم من الشرع ،ولهذا قال« َويُ َ
بالمصدر للتفرغ في االنقياد إليه ،وعلى قدر ما يتوقف أو يجده في نفسه حرجا أو أمرا ينافي
وجه اللذة والحب والعشق في ذلك الحكم ،ينتفي منك التصديق ضرورة ،ولما كان هذا المقام
الشامخ عسيرا على النفوس نيله ،أقسم بنفسه جل وتعالى عليه .ولما لم يكن المحكوم عليهم
ّللا وخليفتهّللا الثابت صدقه ،النائب عن ه ّللا ،وإنما حكم عليهم بذلك رسول ه
يسمعون ذلك من ه
ّللا عليه وسلم ،فقال« فَال في األرض ،لذلك أضاف االسم إليه عناية به وشرفا له صلهى ه
َو َر ِبه َك »وجعله بحرف الخطاب إشارة إلى أنه حاضر معنا ،ولم يجعلها إضافة عينية .
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ا » ،فإن من سلهم لم يطلب على العلة في كل ما جاء به النبي ، وقوله تعالى« َويُ َ
وال في مسئلة من مسائله ،فإن جاء النبي بالعلة قبلها كما قبل المعلول ،وإن لم يجئ بها سلهم .
ص 519
ص 527 :
سورة النساء ( : ) 4آية 69
داء
ش َه ِ ص هدِي ِق َ
ين َوال ُّ علَ ْي ِه ْم ِم َن النه ِب ِيه َ
ين َوال ِ ه ِين أ َ ْنعَ َم ه
ّللاُ َ سو َل فَأُولئِكَ َم َع الهذ َ
الر ُ َو َم ْن يُ ِط ِع ه َ
ّللا َو ه
س َن أُولئِكَ َرفِيقا ً ( ) 69ين َو َح ُصا ِل ِح َ
َوال ه
ص 520
ص 528 :
وهو مؤمن عن دليل فهو عالم ،فالصدهيق هو صاحب النور اإليماني الذي يجده ضرورة في
ّللا في البصر ،فلم يكن للعبد فيه كسب ،كذلك نور عين قلبه ،كنور البصر الذي جعله ه
ش َهدا ُء ِع ْن َد َر ِبه ِه ْم لَ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم »من الصديق في بصيرته ؛ ولهذا قال« أُولئِ َك ُه ُم ال ِ ه
ص ِ هديقُونَ َوال ُّ
ور ُه ْم »من حيث الصدهيقية ،فجعل النور للصديقية واألجر للشهادة . حيث الشهادة« َونُ ُ
والصديقية بنية مبالغة في التصديق ،وليس بين النبوة التي هي نبوة التشريع والصديقية مقام
وال منزلة ،فمن تخطى رقاب الصديقين ،وقع في النبوة والرسالة ،
ّللا عليه وسلم ،فقد كذب ،بل كذب وكفر ] [ من ادعى نبوة التشريع بعد محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فقد كذب ،بل كذب وكفر بما جاء به ومن ادعى نبوة التشريع بعد محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،غير أن ثم مقام القربة ،وهي النبوة العامة ،ال نبوة ّللا صلهى ه
الصادق رسول ه
التشريع ،فيثبتها نبي التشريع فيثبتها الصديق إلثبات النبي المشرع إياها ال من حيث نفسه ،
وحينئذ يكون صدهيقا .
ولكل رسول صديقون ،إما من عالم اإلنس والجان ،أو من أحدهما ،فكل من آمن عن نور
في قلبه ،ليس له دليل من خارج سوى قول الرسول ( :قل ) وال يجد توقفا ،وبادر ،فذلك
الصديق .
ّللا ذلك النور في قلبه فإن آمن عن نظر ودليل من خارج ،أو توقف عند القول حتى أوجد ه
فآمن ،فهو مؤمن ال صديق ،فنور الصديق معد قبل وجود المصدهق به ،ونور المؤمن غير
داء »الشهداء الذين تعمهم هذه ّللا َ «.وال ُّ
ش َه ِ الصديق يوجد بعد قول الرسول :قل ال إله إال ه
ّللا
باّلل ،المؤمنون بعد العلم بما قاله سبحانه :إن ذلك قربة إليه من حيث قال ه اآلية هم العلماء ه
ّللاُ أَنَّهُ ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو
ش ِه َد َّ
ّللا ،وهم الذين قال تعالى فيهم( َ أو قاله الرسول الذي جاء من عند ه
َو ْال َمال ِئ َكةُ َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم ) ،فجمعهم مع المالئكة في بساط الشهادة ،فهم موحدون عن حضور
إلهي وعناية أزلية ،فهم الموحدون ،واإليمان فرع عن هذه الشهادة ،فإن بعث رسول وآمنوا
به ،أعني هؤالء الشهداء ،فهم المؤمنون العلماء ،ولهم األجر التام يوم القيامة ،وإن لم
سنَ أُولئِ َك ّللا عليهم في هذه اآلية ،لقوله تعالى َ «:و َح ُ يؤمنوا فليس هم الشهداء الذين أنعم ه
َرفِيقا ا » .وقدم الصديق على الشهيد وجعله بإزاء النبي ،فإنه ال واسطة بينهما التصال نور
اإليمان بنور الرسالة .والشهداء لهم نور العلم مساوق لنور الرسول من حيث ما هو شاهد هّلل
بتوحيده ال من حيث هو رسول ،فال يصح أن يكون بعده مع المساوقة ،فكانت المساوقة تبطل
،وال يصح أن يكون معه لكونه رسوال ،والشاهد ليس برسول ،فال بد أن يتأخر ،فلم يبق إال
أن يكون في المرتبة التي تلي الصديقية ؛ فإن
ص 521
ص 529 :
الصديق أتم نورا من الشهيد في الصديقية ،ألنه صديق من وجهين :من وجه التوحيد ومن
وجه القربة ،والشهيد من وجه القربة خاصة ال من وجه التوحيد ؛ فإن توحيده عن علم ال عن
إيمان ،فنزل عن الصديق في مرتبة اإليمان ،وهو فوق الصديق في مرتبة العلم ،فهو المتقدم
في رتبة العلم المتأخر برتبة اإليمان والتصديق ،فإنه ال يصح من العالم أن يكون صديقا ،وقد
ّللا ،والصديق ال
ّللا إذا بلغ رسالة ه
تقدم العلم مرتبة الخبر ،فهو يعلم أنه صادق في توحيد ه
يعلم ذلك إال بنور اإليمان المعد في قلبه ،فعند ما جاءه الرسول اتبعه من غير دليل ظاهر «.
ّللا بالصالح ،وجعل رتبتهم بعد الشهداء في المرتبة الرابعة ، صا ِل ِحينَ »الصالحون توالهم ه
َوال َّ
وما من نبي إال وقد ذكر أنه صالح ،أو أنه دعا أن يكون من الصالحين مع كونه نبيا ،فدل
على أن رتبة الصالح خصوص في النبوة ،فقد تحصل لمن ليس بنبي وال صديق وال شهيد ،
فصالح األنبياء هو مما يلي بدايتهم وهو عطف الصالح عليهم ،فهم صالحون للنبوة فكانوا
أنبياء ،وأعطاهم الداللة فكانوا شهداء ،وأخبرهم بالغيب فكانوا صديقين ،فاألنبياء صلحت
لجميع هذه المقامات فكانوا صالحين ،فجمعت الرسل جميع المقامات كما صلح الصديقون
للصديقية وصلح الشهداء للشهادة ،فالصالح أرفع صفة لألنبياء عليهم السالم وهو مطلبهم ،
ّللا برحمته في عبادهّللا أن يدخلهم ه
ّللا أخبرنا عنهم أنهم مع كونهم رسال وأنبياء ،سألوا ه
فإن ه
الصالحين ،وذكر في أولي العزم من رسله أنهم من الصالحين في معرض الثناء عليهم .
أخص وصف للرسل واألنبياء عليهم السالم ،وهم بال خالف أرفع الناس ه فالصالح يكون
ّللا ،فقد نال ما دونه ،فله منازل
منزلة وإن فضل بعضهم بعضا ،ومن نال الصالح من عباد ه
الرسل واألنبياء عليهم السالم ،وليس برسول وال نبي ،لكن يغبطه الرسول والنبي ،لما يناله
الرسول والنبي من مشقة الرسالة والنبوة ،ألنها تكليف وبها حصلت لهم المنزلة الزلفى ،
ونالها صاحب العمل الصالح المغبوط من غير ذوق هذه المشقات ،ومن هنا تعرف قول
الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم في قوم تنصب لهم منابر يوم القيامة في الموقف :
[ يخاف الناس وال يخافون ،ويحزن الناس وال يحزنون ،ال يحزنهم الفزع األكبر ،ليسوا
بأنبياء ،يغبطهم النبيون ] حيث رأوا تحصيلهم هذه المنازل مع هذه الحال ،فهم غير مسئولين
من بين الخالئق ،لم يدخلهم في عملهم خلل من زمان توبتهم ،فإن دخلهم خلل فليسوا
بصالحين ،فمن شرط الصالح استصحاب العصمة في الحال والقول والعمل ،وال يكون هذا
ص 522
ص 530 :
إال للعارفين بالمواطن والمقامات واآلداب والحكم ،فيحكمون نفوسهم ،فيمشون بها مشي ربهم
ّللا عليهم بأنه أنعم عليهم
من حيث هو على صراط مستقيم .فهؤالء هم الصالحون الذين أثنى ه
،وهم المطلوبون في هذا المقام ،وأراد بالنبيين هنا الرسل أهل الشرع سواء بعثوا أو لم يبعثوا
باّلل
باّلل وال إيمانهم ه
،أعني بطريق الوجوب عليهم ،والصالحون هم الذين ال يدخل علمهم ه
ّللا خلل ،فإن دخله خلل بطل كونه صالحا ،فهذا هو الصالح الذي رغبت وبما جاء من عند ه
ّللا عليهم ،فكل من لم يدخله خلل في صديقيته فهو صالح ،وال في فيه األنبياء صلوات ه
شهادته فهو صالح ،وال في نبوته فهو صالح ،ولما كان اإلنسان حقيقته اإلمكان ،فله أن
يدعو بتحصيل الصالح له في المقام الذي يكون فيه لجواز دخول الخلل عليه في مقامه ،ألن
النبي لو كان نبيا لنفسه أو إلنسانيته لكان كل إنسان بتلك المثابة ،إذ العلة في كونه نبيا كونه
إنسانا ،فلما كان األمر اختصاصا إلهيا ،جاز دخول الخلل فيه وجاز رفعه ،فصح أن يدعو
سنَالصالح بأن يجعل من الصالحين ،أي الذين ال يدخل صالحهم خلل في زمان ما َ «.و َح ُ
أُولئِ َك َرفِيقا ا » .
ص 523
ص 531 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 75إلى 76
ِين يَقُولُ َ
ون دان الهذ َ ساء َوا ْل ِو ْل ِ
الرجا ِل َوال ِنه ِ ين ِم َن ِ ه ضعَ ِف َ ّللا َوا ْل ُم ْ
ست َ ْ س ِبي ِل ه ِون فِي َ َوما لَ ُك ْم ال تُقاتِلُ َ
ظا ِل ِم أ َ ْهلُها َواجْ عَ ْل لَنا ِم ْن لَ ُد ْنكَ َو ِليًّا َواجْ عَ ْل لَنا ِم ْن لَ ُد ْنكَ نَ ِصيرا ً َربهنا أ َ ْخ ِرجْ نا ِم ْن ه ِذ ِه ا ْلقَ ْريَ ِة ال ه
ت فَقاتِلُوا
غو ِ طا ُسبِي ِل ال ه ون فِي َ ِين َكفَ ُروا يُقاتِلُ َ ّللا َوالهذ َسبِي ِل ه ِ ون فِي َ ِين آ َمنُوا يُقاتِلُ َ ) ( 75الهذ َ
ض ِعيفا ً ( ) 76 كان َطان َ ش ْي ِ طان إِ هن َك ْي َد ال هش ْي ِ أ َ ْو ِليا َء ال ه
[ الماء وهو العنصر األعظم في اإلنسان أقوى من النار وهو العنصر األعظم في الجان ]
فإن الماء وهو العنصر األعظم في اإلنسان أقوى من النار وهو العنصر األعظم في الجان ،
فلم ينسب إلى الشيطان من القوة شيئا .
وسبب ذلك أن النشأة اإلنسانية تعطي التؤدة في األمر واألناة والفكر والتدبر ،لغلبة العنصرين
من الماء والتراب على مزاجه ،فيكون وافر العقل .
ألن التراب يثبطه ويمسكه ،والماء يلينه ويسهله ،والجان ليس كذلك ،فإنه ليس لعقله ما
يمسكه عليه ذلك اإلمساك الذي لإلنسان ،وبذلك ض هل عن طريق الهدى لخفة عقله وعدم تثبته
في نظره فقال :أنا خير منه ،فجمع بين الجهل وسوء األدب لخفته فأولياء الشياطين وليهم
الطاغوت .
ص 524
ص 532 :
سورة النساء ( : ) 4آية 78
سنَةٌ يَقُولُوا ه ِذ ِه ِم ْن ِع ْن ِد شيه َد ٍة َو ِإ ْن ت ُ ِص ْب ُه ْم َح َ أ َ ْينَما تَكُونُوا يُد ِْر ْك ُك ُم ا ْل َم ْوتُ َولَ ْو ُك ْنت ُ ْم فِي بُ ُروجٍ ُم َ
ُالء ا ْلقَ ْو ِم ال يَكاد َ
ُون ّللا فَما ِلهؤ ِ س ِيهئَةٌ يَقُولُوا ه ِذ ِه ِم ْن ِع ْن ِدكَ قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ ّللا َو ِإ ْن ت ُ ِص ْب ُه ْم َ
هِ
ون َحدِيثا ً ( ) 78 يَ ْفقَ ُه َ
شيَّ َدةٍ »فإنه ال ينجي حذر من قدر ،وكان « أ َ ْينَما ت َ ُكونُوا يُ ْد ِر ْك ُك ُم ْال َم ْوتُ َولَ ْو ُك ْنت ُ ْم فِي بُ ُر ٍ
وج ُم َ
سنَةٌ يَقُولُوا ه ِذ ِه ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا َو ِإ ْن ص ْب ُه ْم َح َ ّللا عليه وسلم« ِإ ْن ت ُ ِ الكافرون يتطيرون بمحمد صلهى ه
ّللا »أي ما يحدث فيهم من ِك »فقال له تعالى« قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ س ِيهئَةٌ يَقُولُوا ه ِذ ِه ِم ْن ِع ْند َ ص ْب ُه ْم َ تُ ِ
الشر
ه الكوائن من حيث أنها فعل .والسيئة هنا ليست السيئة المحكوم بها من الشرع ،وذلك هو
ّللا »ما ،وإنما هو فيما يسوؤك وهو مخالفة غرضك ،فقال له تعالى «:قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا وهذا من نفسك ّللا ،والحكم بأن هذا من ه يسوءكم وما يحسن عندكم والتعريف بذلك من عند ه
ّللا عليه وسلم ، وهذا خير وهذا شر ،فأنكر عليهم أن تكون السيئة من عند محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في ّللا ،والكل خير وهو بيده ،والشر ليس إليه ؛ قال صلهى ه فأضاف الكل إلى ه
دعائه ربهه [ والشر ليس إليك ] فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه ،ولذلك قال في
ّللا »أي هو الذي حسن الحسن وقبح معرض الذم في حق من جهل ما ذكرناه« قُ ْل ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ُالء ْالقَ ْو ِم ال يَكادُونَ يَ ْفقَ ُهونَ َحدِيثا ا »أي أنتم محجوبون ال تعلمون ما نحدثكم به القبيح« فَما ِلهؤ ِ
،فإن الشرع كله حديث وخبر إلهي بما يقبله العقل فما لهؤالء القوم ال يفقهون ما حدثناهم به
من أن الكل من عندنا ذما وحمدا فال يذمون ما سميناه مذموما ويحمدون ما سميناه محمودا ،
وينظرون األشياء من حيث علمناهم ووصفناها ،ال من حيث إسنادها إلينا بحكم اإليجاد ؟ !
واعلم أن الحديث قد يكون حديثا في نفس األمر ،وقد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في
الحال وهو أقدم من ذلك الحدوث ،فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء قبل حدوثه عندك ،
وقد يكون حادثا بحدوثه عندك ،أي ذلك زمان حدوثه ،وهو ما يقوم بك أو بمن يخاطبك أو
ّللا فهي على قسمين ،أعني ما هو عنده :القسم يجالسك من األغراض في الحال ،وأما عندية ه
الواحد ما هو عليه من األمر الذي يعقل زائدا على هويته وإن لم نقل فيه إنه غيره وال عينه
أيضا ،كالصفات المنسوبة إليه ،ال هي هو وال هي غيره ،وقد
ص 525
ص 533 :
ش ْيءٍ ِإ َّال ِع ْن َدنا خَزائِنُهُ ) ،وهذا الذي يكون عنده ما يحدثه فينا ولنا ،وهو مثل قوله( َو ِإ ْن ِم ْن َ
عندنا على نوعين :نوع يحدث صورته ال جوهره كالمطر ،فإنا نعلم ما هو من حيث جوهره
وما هو من حيث صورته ،وكل العالم على هذا ،أو هو النوع اآلخر ما يحدث جوهره وليس
إال جوهر الصورة ووجود جوهر العين القائمة به تلك الصورة ،فإنه ال وجود لعين جوهرها
الذي قامت به إال عند قيامها به ،فهو قبل ذلك معقول ال موجود العين ،فموضع الصورة أو
مح هل الصورة من المادة يحدث له الوجود بحدوث الصورة في حال ما ،ال في كل حال ،
ّللا ،فما ث هم معقول وال
وينعدم من الوجود بعدمها ما لم تكن صورة أخرى تقوم به ،والكل عند ه
موجود يحدث عنده ،بل الكل مشهود العين له بين ثبوت ووجود .
فالثبوت خزائنه والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن .ومن هنا تعلم جميع المحدثات ما
هي ،ومتى ينطلق عليها اسم الحدوث ومتى تقبل اسم العدم . -إشارة -فما لهؤالء القوم ال
يكادون يفقهون حديثا فأحرى قديما - .نصيحة -إن من شرف العلم أن يعطي العالم وك هل
عز وجل بأمر ،فإن مرتبة ما لها من الحكم ،ومن علم السر ،أن ال يقطع العالم به على ربه ه
قطع وحكم فقد جهل وظلم ،ومع أنه تعالى ما عصي إال بعلمه وال خولف إال بحكمه ،ال يقول
ذلك العاصي وإن اعتقده ،وكان ممن اطلع عليه وشهده ،وكذلك حكم الطاعة إلى قيام الساعة
،فالعلماء هم الحكماء ال يتعدون بالسلعة قيمتها ،وال بكل نشأة شيمتها ،لوال ذلك ما كانت
فرق في الحكم بين األعداء واألولياء ،وال عرفت المراتب وال شرعت المذاهب األنبياء ،وال ه
،وال كانت التكاليف وال حكمت التصاريف ،وال كان أجل مسمى وال تميز البصير من
ّللا أال يضاف إليه إال ما أضافه إلى نفسه ،كما قال تعالى «:ما األعمى ،فمن األدب مع ه
ّللا »وقال في السيئة« َوما أَصابَ َك ِم ْن َ
س ِيهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك »وقال «:قُ ْل أَصابَ َك ِم ْن َح َ
سنَ ٍة فَ ِمنَ َّ ِ
ّللا ،فراع اللفظ .واعلم أن ّللا »قال ذلك في األمرين إذا جمعتهما ،ال تقل من ه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
لجمع األمر حقيقة تخالف حقيقة كل مفرد إذا انفرد ولم يجتمع مع غيره ؛ ففصل سبحانه بين ما
يكون منه وبين ما يكون من عنده ،فما لهم ال يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت .
ص 526
ص 534 :
سورة النساء ( : ) 4آية 79
سوالً َوكَفى سكَ َوأ َ ْر َ
س ْلناكَ ِللنه ِ
اس َر ُ ّللا َوما أَصابَكَ ِم ْن َ
س ِيهئ َ ٍة فَ ِم ْن نَ ْف ِ ما أَصابَكَ ِم ْن َح َ
سنَ ٍة فَ ِم َن ه ِ
اَّلل ش َِهيدا ً ) ( 79
ِب ه ِ
فرفعت االحتمال أو نصصت على األمر بما هو عليه ،فأضاف السوء إليك والحسن إليه ،
ّللا عليه وقوله صدق وإخباره حق .وما أصابك من سيئة فمن نفسك ،ال من محمد صلهى ه
وسلم ،فما أعطيتك إال على قدر قبولك .والسيئة في هذه اآلية ظاهر االسم وما هي السيئة
شرعا فتكون فجورا ،وإنما هو ما يسوءه وال يوافق غرضه ،وهو في الظاهر قولهم( ِإنَّا
باّلل أنه أراد الحكم واإلعالم طي َّْرنا ِب ُك ْم )فأمره سبحانه أن يقول« ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا »فيعلم العالم ه تَ َ
ّللا عليه وسلم قال [ : ّللا صلهى هّللا ال عين السوء .ولما علم ذلك رسول ه بذلك أنه من عند ه
الخير كله بيديك والشر ليس إليك ] -مسئلة نسبة األفعال -إن هّلل بال شك رائحة اشتراك في
الفعل بالخبر اإللهي ،فأضاف العمل وقتا إلينا ووقتا إليه ،فلهذا قلنا فيه رائحة اشتراك .
[ نسبه االفعال ]
ت )فأضاف الكل إلينا ،وقال( ُك ًّال نُ ِم ُّد هؤ ِ
ُالء علَيْها َما ا ْكت َ َ
سبَ ْ قال تعالى ( :لَها ما َك َ
سبَ ْ
ت َو َ
طاء َر ِبه َك )فقد يكون عطاؤه اإللهام ،وقد يكون خلق العمل .وقال تعالى ( :قُ ْل ع ِ ُالء ِم ْن َ
َو َهؤ ِ
ّللا )فأضاف الكل إليه ،وهذه مسئلة ال يتخلص فيها توحيد أصال ،ال من جهة ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
الكشف وال من جهة الخبر ،فاألمر الصحيح في ذلك أنه مربوط بين حق وخلق ،غير مخلص
ألحد الجانبين ،فإنه أعلى ما يكون من النسب اإللهية أن يكون الحق تعالى هو عين الوجود
الذي استفادته الممكنات .فما ث هم إال وجود عين الحق ال غيره ،والتغييرات الظاهرة في هذه
العين أحكام أعيان الممكنات ،فلوال العين ما ظهر الحكم ،ولوال الممكن ما ظهر التغيير ،فال
ّللا
بد في األفعال من حق وخلق .وفي مذهب بعض العامة أن العبد محل ظهور أفعال ه
ّللا من الحس إال من األكوان ،وال تشهدها بصيرتهم إال من ه ه وموضع جريانها ،فال يشهدها
وراء حجاب هذا الذي ظهرت على يديه المريد لها المختار فيها ،فهو لها مكتسب باختياره ،
وهذا مذهب األشاعرة .ومذهب بعض العامة أيضا أن الفعل للعبد حقيقة ،ومع هذا فربط
الفعل عندهم بين الحق والخلق ال يزول ،فإن هؤالء يقولون :إن القدرة الحادثة في العبد التي
ّللا خلق له القدرة عليها ،فما يخلص الفعل للعبد إال بما خلق يكون بها هذا الفعل من الفاعل أن ه
ّللا فيه من القدرة عليه ،فما زال االشتراك ،وهذا مذهب أهل االعتزال ،فهؤالء ثالثة ه
أصناف :أصحابنا واألشاعرة والمعتزلة ما زال منهم وقوع
ص 527
ص 535 :
االشتراك ،وما ث هم عقل يدل على خالف هذا وال خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع
ّللا فيه ،وما ث هم إال كشف وشرع
ّللا على علم ه
الجهات إلى أحد الجانبين ،فلنقره كما أقره ه
وّللا أعلم وعقل ،وهذه الثالثة ما خلصت شيئا وال يخلص أبدا دنيا وال آخرة .فاألمر في نفسه ه
ما هو إال كما وقع ،ما يقع فيه تخليص ،ألنه في نفسه غير مخلص ،إذ لو كان في نفسه
مخلصا ،ال بد أن كان يظهر عليه بعض هذه الطوائف ؛ وال يتمكن لنا أن نقول :الكل على
خطأ ،فإن في الكل الشرائع اإللهية ،ونسبة الخطأ إليها محال ،وما يخبر باألشياء على ما
ّللا ،وقد أخبر ،فما هو األمر إال كما أخبر ،ألن مرجوع الكل إليه ،فما خلص هي عليه إال ه
فهو مخلص ،وما لم يخلص فما هو في نفسه مخلص ،فاتفق الحق والعالم جميعه في هذه
المسألة على االشتراك ،وهو موضع الحيرة فال يرجح .ولما كان المتكلمون في هذا الشأن
على قسمين :الواحد أضاف األفعال كلها إلى األكوان ،فقال لسان الغيرة اإللهية( ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد
ُالء ْالقَ ْو ِم ال يَكادُونَ يَ ْفقَ ُهونَ َحدِيثا ا )أي حادثا ،وأما القسم الثاني فأضاف األفعال
ّللا فَما ِلهؤ ِ َّ ِ
ّللا وأضاف األفعال القبيحة إلى األكوان ،فقال لسان الجود اإللهي( قُ ْل ُك ٌّل الحسنة كلها إلى ه
ّللا )ال تكذيبا لهم بل ثناء جميال ،وما ث هم من قال إن األفعال كلها هّلل وال إلى األكوان ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا في جميع حركاته من غير رائحة اشتراك ،فمن السعادة أن يستعمل اإلنسان الحضور مع ه
ّللا تعالى من حيث اإليجاد واالرتباط المحمود وسكناته ،وأن تكون مشاهدة نسبة األفعال إلى ه
ّللا ،فقد أساء األدب ،وجهل علم التكليف منها ،وأما االرتباط المذموم منها فإن نسبه إلى ه
وبمن تعلق ،ومن المكلف الذي قيل له افعل ،إذ لو لم يكن للمكلهف نسبة إلى الفعل بوجه ما ،
لما قيل له افعل ،وليس متعلقها اإلرادة كالقائلين بالكسب ،وإنما هو سبب اقتداري لطيف
مدرج في االقتدار اإللهي ،الذي يعطيه الدليل ،كاندراج نور الكواكب في نور الشمس ،فتعلم
بالدليل أن للكواكب نورا منبسطا على األرض ،لكن ما ندركه حسا لسلطان نور الشمس ،كما
يعطي الحس في أفعال العباد أن الفعل لهم حسا وشرعا ،وأن االقتدار اإللهي مندرج فيه ،
يدركه العقل وال يدركه الحس ،كاندراج نور الشمس في نور الكواكب ،فإن نور الكواكب هو
والحس يجعل النور للكواكب ، ه عين نور الشمس ،والكواكب لها مجلى ،فالنور كله للشمس ،
فيقول اندرج نور الكواكب في نور الشمس ،وعلى الحقيقة ما ثم إال نور الشمس ،فاندرج
نوره في نفسه إذ لم يكن ث هم نور
ص 528
ص 536 :
غيره ،والمرائي وإن كان لها أثر فليس ذلك من نورها ،وإنما النور يكون له أثر من كونه بال
واسطة في الكون ،ويكون له أثر آخر في مرآة تجليه ،بحكم يخالف حكمه من غير تلك
الواسطة .فنور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما ال يعطيه من الحكم بغير البدر
،ال شك في ذلك .كذلك االقتدار اإللهي إذا تجلى في العبيد فظهرت األفعال عن الخلق ،فهو
وإن كان باالقتدار اإللهي ،ولكن يختلف الحكم ،ألنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل
المرآة لتجليه .وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس ،والفعل لنور البدر وهو
الحس ،والفعل إنما هو هّلل في نفس األمر ،والختالفه للشمس ،فكذلك ينسب الفعل للخلق في
األثر تغير الحكم النوري في األشياء ،فكان ما يعطيه النور بواسطة البدر خالف ما يعطيه
بنفسه بال واسطة .كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ،ومن هنا يعرف التكليف على من
توجه وبمن تعلق .وكما تعلم عقال أن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء ه
وأن
الشمس ما انتقلت إليه بذاتها ،وإنما كان لها مجلى ،وأن الصفة ال تفارق موصوفها واالسم
مسماه ،كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء وال حل فيه ،وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر
له ،وكما ينسب نور الشمس إلى البدر ،كذلك ينسب االقتدار إلى الخلق حسا ،والحال الحال
.وإذا كان األمر بين الشمس والبدر بهذه المثابة من الخفاء ،وأنه ال يعلم ذلك كل أحد ،فما
ظنك باألمر اإللهي في هذه المسألة مع الخلق ،أخفى وأخفى .وأما المشرك فإنه جاهل على
اإلطالق ،فإن الشركة ال تصح بوجه من الوجوه ،فإن إيجاد الفعل ال يكون بالشركة ،ولهذا
لم تلتحق المعتزلة بالمشركين ،فإنهم وحدوا أفعال العباد للعباد ،فما جعلوهم شركاء ،وإنما
أضافوا الفعل إليهم عقال وصدقهم الشرع في ذلك .واألشاعرة وحدوا فعل الممكنات كلها من
غير تقسيم هّلل عقال ،وساعدهم الشرع على ذلك ،لكن ببعض محتمالت وجوه ذلك الخطاب ،
فكانت حجج المعتزلة فيه أقوى في الظاهر ،وما ذهبت إليه األشاعرة في ذلك أقوى عند أهل
ّللا ،وكال الطائفتين صاحب توحيد ،والمشرك إنما ج ههلناه لكون الموجود ال
الكشف ،أهل ه
يتصف إال بإيجاد واحد ،والقدرة ليس لها في األعيان إال اإليجاد ،فال يكون الموجود موجودا
بوجودين ،فال يصح أن يكون الوجود عن تعلق قدرتين ؛ فإن كل واحد منهما تعطي الوجود
للموجود ،فإذا أعطته الواحدة منهما وجوده فما لألخرى فيه من أثر ،فبطل إذا حققت الشركة
في الفعل .فالمشرك الخاسر
ص 529
ص 537 :
ّللا ،فعبده على أنه إله ،فكأنه جعله المشروع نعته ،هو من أضاف ما يستحقه اإلله إلى غير ه
ّللا َوما أَصابَ َك ِم ْن َ
س ِيهئ َ ٍة سنَ ٍة فَ ِمنَ َّ ِشريكا في المرتبة ،ولذلك قال تعالى «:ما أَصابَ َك ِم ْن َح َ
فَ ِم ْن نَ ْف ِس َك » ،فهو إنكار عن نسبة الفعل الذي ظهر على العبد من األمور التي نهى أن يعملها
ّللا ،والسيئة هو ما يسوؤك فأنت محل أثر السوء .فمن حيث هو فعل ال يتصف بالسوء ، إلى ه
هو لالسم اإللهي الذي أوجده ،فإنه يحسن منه إيجاد مثل هذا الفعل ،فال يكون سوءا إال من
يجده سوءا أو من يسوءه وهو نفس اإلنسان ،إذ ال يجد األلم إال من يوجد فيه ؛ ففيه يظهر
حكمه ال من يوجده ،فإنه ال حكم له في فاعله ،فهذا معنى قوله« َوما أَصابَ َك ِم ْن َ
س ِيهئ َ ٍة فَ ِم ْن
نَ ْف ِس َك »وإن كانت الحسنة كذلك ،فذلك يحسن عند اإلنسان ،فإنها أيضا تحسن في جانب الحق
ّللا الموجد لها ابتداء وإن كانت بعد اإليجاد تحسن أيضا فيك الموجد لها ،فأضيفت الحسنة إلى ه
ّللا ،فال
،ولكن ال تسمى حسنة إال من كونها مشروعة ،وال تكون مشروعة إال من قبل ه
ّللا ،والسيئة من قبل الحق حسنة ،ألنه بيهنها لتجتنب ،فتسوء من قامت به إما تضاف إال إلى ه
في الدنيا وإما في العقبى .
ّللا الذي وكلهه في التبليغ عنه ،فهو ّللا وكلهه على عباده ،فأمر ونهى ،وتصرف بما أراه هألن ه
ّللا منه ،فإن باّلل ،بل ال ينطق إال ه
ّللا ،بل ال ينطق إال ه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ال ينطق إال عن ه
ّللا
ع َّ َّللا من غيره من األسماء في قوله« فَقَ ْد أَطا َخص االسم هه ّللا سمعه وبصره ولسانه ،وما
ه
»إال لكونه االسم الجامع ،فله معاني جميع األسماء كلها .واعلم أن كل ما أمر به الحق سمعنا
وأطعنا في حال عدمنا ووجودنا إذا لم يخاطبنا بفهوانية األمثال واألشكال ،فإذا خاطبنا
بفهوانية األمثال واألشكال وألسنة اإلرسال ؛ فمن كان مشهوده ما وراء الحجاب ،وهو المثل
والرسول سمع فأطاع من حينه ،ومن كان مشهوده المثل ،سمع ضرورة ولم يطع للحسد الذي
ّللا
خلق عليه من تقدهم أمثاله عليه ،فظهر المطيع والعاصي .ولهذا قال بعضهم :إنما احتجب ه
في الدنيا عن عباده ألنه سبق في علمه أن يكلفهم ويأمرهم وينهاهم ،وقد قدهر عليهم بمخالفة
أمره وبموافقته في أوقات ،فال بد من ظهور المخالفة والموافقة ،فخاطبهم على ألسنة الرسل
عليهم السالم ،وحجب ذاته سبحانه عنهم في صورة الرسول ،وذلك ألنه قال« َم ْن يُ ِط ِع
ص 530
ص 538 :
ّللا )فوقعت المخالفة بالقدر السابق ّللا » ،وقال( فَأ َ ِج ْرهُ َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
الم َّ ِ ع َّ َ سو َل فَقَ ْد أَطا َالر ُ
َّ
والحكم القضائي وال يتمكن أن يخالف أمره على الكشف ؛ فانحجب باإلرسال انحجابه
ّللا تعالى يظهرنا وقتا ويستر نفسه فيما هو له ،ووقتا يظهر نفسه ويسترنا باألسباب ،فإن ه
ّللا »فجاله باسمه وكان ظاهرا فستره ع َّ َ سو َل فَقَ ْد أَطا َ بحسب المواطن حكمة منه« َم ْن يُ ِط ِع َّ
الر ُ
ّللا )فأظهره بكاف الخطاب ثم ستره ،فانظر إلى كما قال( إِ َّن الَّذِينَ يُبايِعُونَ َك إِنَّما يُبايِعُونَ َّ َ
سريان اللطف اإللهي ما أعجبه وحكمه الظاهر كيف أبان أن طاعة رسوله صلهى ه
ّللا عليه
وسلم طاعته ،وقد ورد في الخبر الصدق والنبأ الحق أنه يجب اتباعه ،وما يتبعه إال من
ّللاَ »«
ع َّسو َل فَقَ ْد أَطا َ عز وج هل« َم ْن يُ ِط ِع َّ
الر ُ أطاعه ،واتباع الرسول اتباع اإلله ،ألنه قال ه
ّللا يصلي عليه ع ِظيما ا »فصلوا عليه وسلهموا تسليما ،فإن ه سولَهُ فَقَ ْد فازَ فَ ْوزا ا َ َو َم ْن يُ ِط ِع َّ َ
ّللا َو َر ُ
ّللا ؛ فأمر
ّللا عليه وسلم ،لم يمتثل أمر ه ّللا صلهى ه وينظر إليه ،ومن لم يمتثل أمر رسول ه
ّللا ،فإنه ال ينطق عن الهوى ،فمن يطع الرسول ،فقد ّللا عليه وسلم أمر ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا ،فإن هويته سمعه وبصره وجميع قواه . أطاع ه
ّللا لَ َو َجدُوا فِي ِه « أ َ فَال يَت َ َدب َُّرونَ ْالقُ ْرآنَ »أي يتفكرون في معانيه« َولَ ْو كانَ ِم ْن ِع ْن ِد َ
غي ِْر َّ ِ
اختِالفا ا َكثِيرا ا »الوجه األول -يعني في نعت الحق وما يجب له ،فإن الناظر بفكره في معتقده ْ
ال يبقى على حالة واحدة دائما ،بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته
ّللا والخائضين فيه ،ليست أنوارا ، ،فيخرج من أمر إلى نقيضه ،فعلوم المتكلمين في ذات ه
وهم يتخيلون قبل ورود الشبه أنهم في نور وعلى بينة من ربهم في ذلك ،فال يبدو لهم نقصهم
ه
الحق والعلم حتى ترد عليهم الشبهة ،وما يدريك لعل تلك الشهبة التي يزعمون أنها شبهة هي
،فإنك تعلم قطعا أن دليل األشعري في إثبات المسألة التي ينفيها المعتزلي هو الحق وأنه شبهة
عند المعتزلي ،ودليل المعتزلي الذي ينفي به ما يثبته األشعري شبهة عند األشعري ،ثم أنه
ما من مذهب إال وله أئمة يقومون به ،وهم فيه مختلفون ،وإن اتصفوا
ص 531
ص 539 :
جميعهم مثال باألشاعرة فال يزالون مختلفين ،مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد واسم واحد
،وهم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم ،ورأينا المسمين رسال وأنبياء قديما
وحديثا من آدم إلى محمد ومن بينهما عليهم الصالة والسالم ،ما رأينا -أحدا منهم قط -قد
ّللا ،بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ،وال اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب ه
سمعنا عن أحد منهم أنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط ،وال اختلف واحد منهم
فاّلل يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه ،الوجه على اآلخر في ذلك ،ه
الثاني -لما كان الوحي ينزل لترتيب األمور التي تقتضيها حكمة الوجود ،لذلك قال تعالى «:
اختِالفا ا َكثِيرا ا »يخالف ترتيب حكمة الوجود ،وليس إال
ّللا لَ َو َجدُوا فِي ِه ْ َولَ ْو كانَ ِم ْن ِع ْن ِد َ
غي ِْر َّ ِ
ّللا ،فهو في غاية اإلحكام واإلتقان الذي ال يمكن غيره ،فال يؤمن بما جاء به هذا الرسول من ه
إال من خاطبه الرسول في سره ،وإن لم يشعر به المخاطب ،وال يعرف من كلمه ،وإنما يجد
التصديق بما جاء به في قلبه .وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بقلوب وآذان
ّللا ،فيؤمنون به على بصيرة .
وأبصار كالم الرسول بأن هذا جاء من عند ه
اعلم أن الناس يفضل بعضهم بعضا ،فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني ،وأعالهم من هو
ّللا وهو اإلنسان الكامل نائب الحق ،يكون الحق لسانه وجميع قواه ،وما بين هذين ظل ه
المقامين مراتب .ففي زمان الرسل يكون الكامل رسوال ،وفي زمان انقطاع الرسالة يكون
الكامل وارثا ،وال ظهور للوارث مع وجود الرسول ،إذ الوارث ال يكون وارثا إال بعد موت
من يرثه ،فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة ،واألمر ينزل من
ّللا على الدوام ال ينقطع ،فال يقبله إال الرسل خاصة على الكمال ،فإذا
ه
ص 532
ص 540 :
فقدوا حينئذ ،وجد ذلك االستعداد في غير الرسل ،فقبلوا ذلك التنزل اإللهي في قلوبهم ،
ّللا بالتنزل اإللهي .فإن كان فسموا ورثة ،لم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن ه
في ذلك التنزل اإللهي حكم أخذه هذا المنزل عليه وحكم به ،وهو المعبر عنه بلسان علماء
ّللا« لَعَ ِل َمهُ الَّذِينَ يَ ْست َ ْن ِب ُ
طونَهُ ِم ْن ُه ْم الرسوم المجتهد الذي يستنبط الحكم عندهم ،وهو العالم بقول ه
ّللا عليه وسلم ،ونحن نقول به ، ّللا صلهى ه
» ،فهذا حظ الناس اليوم من التشريع بعد رسول ه
ولكن ال نقول بأن االجتهاد هو ما ذكره علماء الرسوم ،بل االجتهاد عندنا بذل الوسع في
تحصيل االستعداد الباطن الذي به يقبل هذا التنزل الخاص ،الذي ال يقبله في زمان النبوة
والرسالة إال نبي أو رسول ،إال أنه ال سبيل إلى مخالفة حكم ثابت قد تقرر من الرسول صلهى
ّللا عليه وسلم في نفس األمر ،فإن لم يكن ذلك في نفس األمر فال يلقى إلى هذا المجتهد الذي ه
ّللا عليه وسلم ه
ذكرناه إال ما هو الحكم عليه في نفس األمر ،حتى إنه لو كان الرسول صلى ه
حيا لحكم به ،مع أنه قرر حكم المجتهد وإن أخطأ .
فما أخطأ المجتهد إال في االستعداد كما ذكرناه ،فلو أصاب في االستعداد ما أخطأ مجتهد أبدا ،
بل ال يكون مجتهدا في الحكم ،وإنما هو ناقل ما قبله من الحق النازل عليه في تجليه ،وهذا
عزيز في األمة ما يوجد إال في أفراد ،وعالمتهم أنهم ما يختلفون في الحكم أصال لوحدانية
الرسالة في هذا الزمان ،فإذا اختلفوا فما هم الذين ذكرناهم ،فيكون صاحب الحق إذا كانت
األحكام منحصرة القسمة واحدا منهم ،فإن بقي قسم لم يقع به حكم ربما كان الحق فيه ،ومع
هذا تعبد كل واحد بما أعطاه دليله ،فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ،فوقع االجتهاد
في االجتهاد ،فإن كنت من أهل االجتهاد في االستنباط لألحكام الشرعية ،فأنت وارث نبوة
شرعية ،فإنه تعالى قد شرع ذلك في تقرير ما أدى إليه اجتهادك ودليلك من الحكم أن تشرعه
لنفسك وتفتي به غيرك إذا سئلت ،وإن لم تسئل فال .
واعلم أن االجتهاد ما هو في أن تحدث حكما ،هذا غلط ،وإنما االجتهاد المشروع طلب الدليل
من كتاب أو سنة أو إجماع ،وفهم عربي على إثبات حكم في تلك المسألة بذلك الدليل الذي
ّللا تعالى ورسوله ما ترك اجتهدت في تحصيله والعلم به في زعمك ،هذا هو االجتهاد ،فإن ه
ّللا تعالى يقول ( ْاليَ ْو َم أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دِينَ ُك ْم )وبعد
نص عليه ولم يتركه مهمال ،فإن ه
شيئا إال وقد ه
ثبوت الكمال فال يقبل الزيادة ،فإن الزيادة في الدين نقص من الدين ،وذلك هو الشرع الذي لم
ّللا.
يأذن به ه
ص 533
ص 541 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 84إلى 85
ِين َكفَ ُروا
س الهذ َ ُف بَأ ْ َ
ّللاُ أ َ ْن يَك ه
سى ه ع َين َ ض ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ ف ِإاله نَ ْف َ
سكَ َو َح ِ هر ِ ّللا ال ت ُ َكله ُ فَقاتِ ْل فِي َ
س ِبي ِل ه ِ
سنَةً يَك ُْن لَهُ نَ ِص ٌ
يب ِم ْنها َو َم ْن يَ ْ
شفَ ْع شفَ ْع شَفاعَةً َح َ ش ُّد ت َ ْن ِكيلً ( َ ) 84م ْن يَ ْ ش ُّد بَأْسا ً َوأ َ َ
ّللاُ أ َ َ
َو ه
ش ْي ٍء ُم ِقيتا ً ) ( 85 ّللاُ عَلى ُك ِ هل َ س ِيهئَةً يَك ُْن لَهُ ِك ْف ٌل ِم ْنها َو َ
كان ه شَفاعَةً َ
القاضي حاكم والمقدهر مقيت ،فالقدر التوقيت في األشياء من اسمه المقيت .
يخص صالة من غيرها ، ه ال يجوز تأخير رد التحية بدليل قوله تعالى« فَ َحيُّوا »فجاء بالفاء ولم
فيجوز للمصلي أن يرد السالم على من يسلم عليه ،فإنه يجوز التلفظ به في الصالة وغيرها ،
وهو ذكر هّلل ،فكيف ورد السالم واجب .وعند أهل اإليمان فإن المصلي إذا أراد أن يكبر
ّللا وبركاته ،ألنهم
تكبيرة اإلحرام في صالة الصبح والعصر يقول :وعليكم السالم ورحمة ه
في ذلك الوقت تنصرف عنهم المالئكة التي كانوا فيهم ،وترد عليهم المالئكة الذين يأتون إليهم
،فال تنصرف عنهم المالئكة الذين كانوا معهم وال تأتيهم المالئكة األخر إال عند شروعهم في
الصالة ،سواء قاموا إليها في أول الوقت أو في آخره ،كل إنسان ال تنصرف عنه المالئكة إال
وّللا قد أمرنا
كما قلنا ،وهم عند إتيانهم يسلمون على العبد ،وعند انصرافهم يسلمون أيضا ،ه
سنَ ِم ْنها أ َ ْو ُردُّوها » .فوجب على كل مؤمن عند حق إيمانه بقوله« َو ِإذا ُح ِيهيت ُ ْم بِت َ ِحيَّ ٍة فَ َحيُّوا بِأ َ ْح َ
وحقيقته أن يرد في ذلك الوقت السالم عليهم ،وإال فهو طعن في إيمانه إن حضر مع هذا
الخبر .
ص 534
ص 542 :
هذا التوحيد السادس في القرآن ،
[ توحيد الهوية المنعوت باالسم الجامع للقضاء والفصل ]
ّللا
توحيد االبتداء ،وهو توحيد الهوية المنعوت باالسم الجامع للقضاء والفصل .فمن رحمة ه
أنه قال« لَيَ ْج َمعَنَّ ُك ْم »فما نجتمع إال فيما نفترق فيه ،وهو اإلقرار بربوبيته سبحانه .وإذا جمعنا
من حيث إقرارنا له بالربوبية فهي آية بشرى ،وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع ،وإن دخلنا
النار ،فإن الجمعية تمنع من تسرمد االنتقام ال إلى نهاية ،لكن يتسرمد العذاب وتختلف
الحاالت فيه ؛ فإذا انتهت حالة االنتقام ووجدان اآلالم ،أعطى من النعيم واالستعذاب بالعذاب
ما يليق بمن أقر بربوبيته ثم أشرك ثم وحد في غير موطن التكليف .والتكليف أمر عرض في
الوسط بين الشهادتين لم يثبت ،فبقي الحكم لألصلين األول واآلخر .
ص 535
ص 543 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 91إلى 92
سوا فِيها فَ ِإ ْن لَ ْم ُون أ َ ْن يَأ ْ َمنُو ُك ْم َويَأ ْ َمنُوا قَ ْو َم ُه ْم ُكلهما ُردُّوا ِإلَى ا ْل ِفتْنَ ِة أ ُ ْر ِك ُ
ين يُ ِريد َ ُون آ َخ ِر َست َ ِجد َ َ
ث ث َ ِق ْفت ُ ُمو ُه ْم َوأُولئِ ُك ْم َجعَ ْلنا سلَ َم َويَ ُكفُّوا أ َ ْي ِديَ ُه ْم فَ ُخذُو ُه ْم َو ْ
اقتُلُو ُه ْم َح ْي ُ يَ ْعت َ ِزلُو ُك ْم َويُ ْلقُوا ِإلَ ْي ُك ُم ال ه
كان ِل ُم ْؤ ِم ٍن أ َ ْن يَ ْقت ُ َل ُم ْؤ ِمنا ً ِإاله َخ َطأ ً َو َم ْن قَت َ َل ُم ْؤ ِمنا ً َخ َطأ ً س ْلطانا ً ُم ِبينا ً ( َ ) 91وما َ علَ ْي ِه ْم ُلَ ُك ْم َ
عد ه ٍُو لَ ُك ْم َو ُه َوكان ِم ْن قَ ْو ٍم َ ص هدقُوا فَ ِإ ْن َ سله َمةٌ إِلى أ َ ْه ِل ِه إِاله أ َ ْن يَ ه
ير َرقَبَ ٍة ُم ْؤ ِمنَ ٍة َو ِديَةٌ ُم َ فَتَحْ ِر ُ
سله َمةٌ إِلى أ َ ْه ِل ِه ق فَ ِديَةٌ ُم َ كان ِم ْن قَ ْو ٍم بَ ْينَ ُك ْم َوبَ ْينَ ُه ْم ِميثا ٌ
ير َرقَبَ ٍة ُم ْؤ ِمنَ ٍة َوإِ ْن َ ُم ْؤ ِم ٌن فَتَحْ ِر ُ
ع ِليما ً ّللاُ َ
كان ه ّللا َو َ شه َْر ْي ِن ُمتَتابِعَ ْي ِن ت َ ْوبَةً ِم َن ه ِ ير َرقَبَ ٍة ُم ْؤ ِمنَ ٍة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِصيا ُم َ َوتَحْ ِر ُ
َح ِكيما ً ) ( 92
ما في الخلق من يملك سوى اإلنسان ،وما سوى اإلنسان من ملك وغيره ال يملك شيئا ،وما
ّللا له العتق
يقر له بالعبودية إال اإلنسان ،فيقال :هذا عبد فالن ولهذا شرع ه
ثم موجود من ه
ور ه
غبه فيه .
ّللا ال يخلص عن رحمة إلهية تشوبه ،فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود غضب ه
والتعزيرات ،وغضبه في اآلخرة ما يقيم من الحدود على من يدخل النار ،فهو وإن كان
غضبا ،فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا واآلخرة ،ألن الرحمة لما سبقت الغضب
في الوجود ع همت الكون كله ووسعت كل شيء ،ويخرج تخليد من قتل مؤمنا متعمدا أي قصد
علَ ْي ِه »أي جازاه جزاء المغضوب عليه ،فإن غضب ه
ّللا تعالى ّللاُ َ
ب ََّض َ
قتله إليمانه َ «:وغ ِ
منزه عن غليان دم القلب طلبا لالنتصار ،ألنه سبحانه يتقدس عن الجسمية والعرض ،فذلك
قد يرجع إلى أن يفعل فعل من غضب ممن يجوز عليه الغضب ،وهو انتقامه سبحانه من
الجبارين والمخالفين ألمره والمتعدين حدوده ،فالمجازي يكون غاضبا ؛ فظهور الفعل أطلق
االسم .
ص 536
ص 544 :
سورة النساء ( : ) 4آية 95
ّللا ِبأ َ ْموا ِل ِه ْم
س ِبي ِل ه ُِون فِي َ ض َر ِر َوا ْل ُمجا ِهد َ غ ْي ُر أُو ِلي ال ه ين َ ُون ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ست َ ِوي ا ْلقا ِعد َ ال يَ ْ
سنى ّللاُ ا ْل ُح ْ
ع َد ه ِين د ََر َجةً َو ُكلًّ َو َ
علَى ا ْلقا ِعد َ س ِه ْم َ ِين ِبأ َ ْموا ِل ِه ْم َوأ َ ْنفُ ِ
ّللاُ ا ْل ُمجا ِهد َ
ض َل هس ِه ْم فَ هَوأ َ ْنفُ ِ
ِين أَجْ را ً ع َِظيما ً ) ( 95 علَى ا ْلقا ِعد َ ِين َّللاُ ا ْل ُمجا ِهد َ
ض َل ه َوفَ ه
ّللا ممن يعبد من ّللا في األماكن التي يعلو فيها ذكر غير ه المقصود من الجهاد هو إعالء كلمة ه
أن المجاهدين ّللا هّللا عليه وسلم [ :سياحة هذه األمة الجهاد ] واعلم أيدك ه ّللا قال صلهى ه دون ه
هم أهل الجهد والمشقة والمكابدة ،والمجاهدة مقام مستصحب للتكليف ،فما دام التكليف
موجودا كانت المجاهدة قائمة العين ،فإذا زال حكم التكليف زالت المجاهدة ،
[ المجاهدون أربعة أصناف ]
ّللاُ
ض َل َّ والمجاهدون أربعة أصناف :مجاهدون من غير تقييد بأمر ،وهو قوله تعالى «َ :وفَ َّ
علَى ْالقا ِعدِينَ » ْال ُمجا ِهدِينَ َ
ّللا » ، ّللا وهو قوله« َو ْال ُمجا ِهدُونَ فِي َ
سبِي ِل َّ ِ ومجاهدون بتقييد في سبيل ه
ّللا حق جهاده . سبُلَنا )ومجاهدون في ه ومجاهدون فيه وهو قوله( َوالَّذِينَ جا َهدُوا فِينا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
ولما كان إتالف المهج أعظم المشاق على النفوس ،لهذا سمي جهادا ،فإن النفوس نفسان :
نفس ترغب في الحياة الدنيا أللفتها بها ،فال تريد المفارقة وتشق عليها ،ونفس ترغب في
فشق عليها مفارقة الحياة ه الحياة الدنيا لتزيد طاعة وأفعاال مقربة وترقيا دائما مع األنفاس ،
ع ِظيما ا »وما عظم ه
ّللا علَى ْالقا ِعدِينَ أ َ ْجرا ا َ ّللاُ ْال ُمجا ِهدِينَ َ ض َل َّ الدنيا ،فلهذا سمي جهادا َ «:وفَ َّ
ال يقدر قدره .
ص 537
ص 545 :
غفُورا ا َر ِحيما ا »كان حرف وجودي ،ويطلق ذكر في تمام اآلية« َو َم ْغ ِف َرة ا َو َر ْح َمةا َوكانَ َّ
ّللاُ َ
غفُورا ا َر ِحيما ا » .
ّللاُ َ
ّللا ،فيقال« َوكانَ َّ
من الوجه الذي ال يقبل به ظرفية الزمان على ه
هاج ُروا فِيها »ولم يقل منها وال إليها ،فهي أرض ّللا وا ِسعَةا فَت ُ ِ
ض َّ ِ قال تعالى «:أ َ لَ ْم ت َ ُك ْن أ َ ْر ُ
ّللا
ّللا سواء سكنها من يعبده أو من يستكبر عن عبادته ،فإن مكة أشرف البقاع وإنها بيت ه ه
الذي يحج إليه من مشارق األرض ومغاربها ،ومع ذلك أمر وعظم األجر لمن يهاجر منها من
ّللا عليه وسلم [ :ال هجرة ّللا وأسكنها المؤمنين من عباده قال صلهى ه أجل ساكنيها ،فلما فتحها ه
بعد الفتح ] ولما قال تعالى َ «:وقَضى َرب َُّك أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ »أي حكم ،فما عبد من عبد غير
ّللا وإن أخطئوا في النسبة ،إذ كان هّلل في كل شيء وجه خاص ّللا إال لهذا الحكم ،فلم يعبد إال ه ه
ّللا أن يميهز بين من عبده على ّللا .ولما أراد ه ،به ثبت ذلك الشيء ،فما خرج أحد عن عبادة ه
ّللا فيها االختصاص وبين من عبده في األشياء ،أمر بالهجرة من األماكن األرضية التي يعبد ه
ّللا في األغيار ،والطيب ّللا الخبيث من الطيب ،فالخبيث هو الذي عبد ه في األعيان ،ليميز ه
ّللا ال في األغيار .فعليك بالهجرة ،وال تقم بين أظهر الكفار ،فإن في ذلك إهانة هو الذي عبد ه
ّللا هي ّللا ما أمر بالقتال إال لتكون كلمة ه ّللا ،فإن ه
دين اإلسالم وإعالء كلمة الكفر على كلمة ه
العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .وإياك واإلقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت .
حظ له في واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم ال ه
ّللا عليه وسلم ّللا صلهى ه ّللا عليه وسلم قد تبرأ منه ،وال يتبرأ رسول ه اإلسالم ،فإن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم قال [ :أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر من مسلم ،وقد ثبت عنه أنه صلهى ه
المشركين ] فما اعتبر له كلمة اإلسالم .
ّللا تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين" ِإ َّن الَّذِينَ ت َ َوفَّا ُه ُم ْال َمالئِ َكةُ ظا ِل ِمي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم وقال ه
ض" ضعَ ِفينَ فِي ْاأل َ ْر ِ
يم ُك ْنت ُ ْم قالُوا ُكنَّا ُم ْست َ ْ
قالُوا فِ َ
ص 538
ص 546 :
صيرا ا » هاج ُروا فِيها فَأُولئِ َك َمأْوا ُه ْم َج َهنَّ ُم َوسا َء ْ
ت َم ِ ّللا وا ِسعَةا فَت ُ ِ ض َّ ِ ّللا لهم« أ َ لَ ْم ت َ ُك ْن أ َ ْر ُ
قال ه
.ولهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس واإلقامة فيه لكونه بيد الكفار ،
باّلل من تحكم فالوالية لهم والتحكم في المسلمين ،والمسلمون معهم على أسوأ حال نعوذ ه
ّللا
األهواء ،فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال ه
ص ْنعا ا ) . س ْعيُ ُه ْم فِي ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا َو ُه ْم يَ ْح َ
سبُونَ أَنَّ ُه ْم يُ ْح ِسنُونَ ُ ض َّل َ
فيهم( َ
العفو يجمع بالداللة بين القليل والكثير ،هكذا هو في أصل وضع اللسان .واتصاف الحضرة
اإللهية بالعفو أنها تعطي ما تقتضيه الحاجة ،ال بد من ذلك .من كونه سخيا حكيما ،ثم يزيد
في العطاء في كونه منعما مفضال غير محجور عليه ،وال تقضي عليه الحاجات باالقتصار
على ما يكون به االكتفاء .وأما في المؤاخذة على الذنوب فهو عفو بما يعطي من قليل العذاب
ّللا ويجود باإلنعام ورفع اآلالم.
،وهو عفو بما يعطي من كثير المغفرة والتجاوز ،ثم يغفر ه
ص 539
ص 547 :
الذي رزأه وحال بينه وبين الوصول إلى مهاجره ،فالدية عليه .فإن كان هذا الذي يموت
ّللا ورؤيته فما يكون ،وقد حصل له ذلك بالموت ،فهو أفضل في عالما عاقال فأعظم من لقاء ه
حقه من أن يعيش حتى يصل ،فإنه ال يدري ما دام في الحياة الدنيا ما يتقلب عليه من األحوال
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم في هذا الباب ،فإنهه في محل خطر سريع التبديل .وصح عن رسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ّللا عنه عن رسول ه خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي ه ما ه
ّللا ورسوله ،
أنه قال [ :إنما األعمال بالنيات ،وإنما المرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى ه
ّللا ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ،فهجرته إلى ما فهجرته إلى ه
هاجر إليه ] ثم يضاف إلى هذه األجور قدر كرم المعطي وغناه ،وهذا يدخل تحت قوله صلهى
ّللا عليه وسلم [ :إن في الجنة ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر ] يعني ه
من المجزيين .
ص 540
ص 548 :
[قصر الصالة ]
ّللا عنها قالت :ال يجوز القصر إال
السفر يؤثر في الصالة القصر باتفاق ،إال عائشة رضي ه
عز وجل« ِإ ْن ِخ ْفت ُ ْم أ َ ْن يَ ْفتِنَ ُك ُم الَّذِينَ َكفَ ُروا » .والذي أقول به إن القصر للمسافر
للخائف لقوله ه
فرض متعين في كل سفر ،قريبا كان أو بعيدا .فالمعتبر فيه اللسان ،قربة كان أو مباحا أو
معصية .ومدة القصر األولى عندي فيها أن ينظر في مدة إقامة النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم
بمكة إلى أن رجع إلى المدينة ،فإنه كان يقصر في تلك المدة .واتفق العلماء كلهم على الجمع
بين الظهر والعصر في أول الظهر يوم عرفة ،وعلى الجمع بين المغرب والعشاء بتأخير
المغرب إلى وقت العشاء بالمزدلفة ،فال يصح الجمع بين الصالتين إال فيما ذكرناه من عرفة
وجمع
[ السفر ]
ّللا في الحقائق اإللهية ،بل لكل من يتصف بالوجود ، -إشارة -السفر حال الزم لكل ما سوى ه
وهو سفر األكابر من الرجال ،فهو سفر بالعلم والتحقق ،وسفر في األسماء اإللهية بالتخلق ،
وهو سفر حاله نازل عن الحال األول ،وسفر ثالث في األكوان باالعتبار ،وهو حال دون
الحالين ،وسفر جامع لهذه األسفار كلها في أحوالها ،وهو أعظم أسفار الكون ،واألول أعظم
األسفار وأجلها ،والقصر في الخوف ،فإن العبد مطلوب في كل نفس بمراقبة الحق في حكمه
تعالى في ذلك النفس بما شرع له تعالى فيه خاصة ،وما كل أحد يقدر على مراعاة هذا المقام
مع الحق ،فال يزال في خوف دائما ،فالعارف إذا حصل فيه وخاف أن يلتبس عليه مناجاة
الحق في األنفاس ،اقتصر من المناجاة على ما يختص بذلك النفس ،فكان الخوف سببا للقصر
.
ص 541
ص 549 :
ّللا
وأما صالة الخوف فالذي أذهب إليه أن اإلمام مخيهر في الصورة التي ثبتت عن رسول ه
ّللا عليه وسلم ،فبأي صورة صالها أجزأته صالته وصحت صالة الجماعة ،إال صلهى ه
الرواية التي فيها االنتظار بالسالم ،فإن عندي فيها نظر ،لكون اإلمام يصير فيها تبعا تابعا ،
ّللا متبوعا ،وسبب توقفي في ذلك دون جزم من طريق المعنى ؛ فإن النبي صلهى وقد نصبه ه
ّللا عليه وسلم أمر اإلمام أن يصلي بصالة المريض وأضعف الجماعة ،والخالف في صورة ه
صالة الخوف مسطور في كتب الحديث .وأما الصالة عند المسايفة فالذي أذهب إليه أن العبد
مأمور في ذلك الوقت بالصالة على قدر ما يمكنه أن يفعله منها .
" ِكتابا ا َم ْوقُوتا ا "أي مفروضة في وقت معيهن ،سواء كان موسعا أو مضيقا ،فإنه معيهن وال بد ،
بقوله موقوتا .
فمن أخرج صالة مفروضة عن وقتها المعيهن له ،كان ما كان ،من ناس أو متذكر ،فإنه ال
يقضيها أبدا وال تبرأ ذمته ،فإنه ما صلى الصالة المشروعة ،إذ كان الوقت من شروط صحة
الصالة .فليكثر النوافل بعد التوبة ،وال قضاء عليه عندنا لخروج وقتها الذي هو شرط في
صحتها .
ووقت الناسي والنائم وقت تذكره واستيقاظه من نومه ،وهو مؤد وال ب هد ،وال يسمى قاضيا
على االعتبار الذي يراه الفقهاء ،ال على ما تعطيه اللغة ،فإن القاضي والمؤدي ال فرق بينهما
ّللا .
في اللسان ،فكل مؤد للصالة فقد قضى ما عليه ،فهو قاض بأدائه ما تعيهن عليه أداؤه من ه
واتفق علماء الشريعة أن وقت الظهر الذي ال تجوز قبله هو الزوال ؛ جاء في الحديث الثابت
ّللا عليه وسلم [ :ال يخرج وقت صالة حتى يدخل وقت األخرى ] يعني ّللا صلهى ه
عن رسول ه
في األربع صلوات ،فإنه إذا خرج وقت الصبح لم يدخل وقت الظهر حتى تزول الشمس ،
بخالف الظهر والعصر والمغرب والعشاء ،وجاء في الحديث الثابت في إمامة جبريل النبي
ّللا عليه وسلم أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر فيصلهى ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم قال [ :آخر وقت اليوم األول ،وفي حديث ثابت آخر عن رسول ه
الظهر ما لم يدخل وقت العصر ] فحديث إمامة جبريل يعطي االشتراك في الوقت ،
ص 542
ص 550 :
والحديثان اآلخران يعطي الزمان الذي ينقسم ،فيرتفع االشتراك .والقول هنا أقوى من الفعل ،
ألن الفعل يعسر الوقوف على تحقيق الوقت به ،وهو قول الصاحب على ما أعطاه نظره .
ّللا عليه وسلم يخالف ما قال الصاحب وحكم به على فعل صالة جبريل عليه وقول النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم مفسرا للفعل ّللا صلهى هّللا عليه وسلم ؛ فيكون كالم رسول ه السالم بالنبي صلهى ه
الذي فسره الراوي .
ّللا أن نأخذ به ،فكان ينبغي في ّللا عليه وسلم هو الذي أمرنا ه ّللا صلهى ه
واألخذ بقول رسول ه
ّللا جعل هذا مسئلة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وأمثالها أن ال يتصور خالف ،ولكن ه
الخالف رحمة لعباده واتساعا فيما كلفهم به من عبادته .وآخر وقت الظهر أن يكون ظل كل
شيء مثله ،وهو أول وقت العصر .وآخر وقت العصر عندنا قبل أن تغرب الشمس بركعة .
والمغرب وقته موسع وهو ما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق .وقد ورد في إمامة
ّللا عليه وسلم أنه صلى المغرب في اليومين في وقت ّللا صلهى ه
جبريل عليه السالم برسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا واحد في أول فرض الصلوات ،والمغرب وتر صالة النهار كما أخبرنا رسول ه
ّللا قد زادكم صالة إلى صالتكم ] ّللا وتر صالة الليل [ إن هعليه وسلم ،وذلك قبل أن يزيدنا ه
ّللا
وذكر صالة الوتر [ فأوتروا يا أهل القرآن ] فشبهها بالفرائض وأمر بها .ولما سئل رسول ه
ّللا عليه وسلم عن وقت الصالة ، ّللا عليه وسلم بعد إمامة جبريل عليه السالم به صلهى ه صلهى ه
صلى بالناس يومين ،صلى في اليوم األول في أول األوقات ،وصلى في اليوم الثاني في آخر
األوقات ،الصلوات الخمس كلها وفيها المغرب ،ثم قال للسائل [ الوقت ما بين هذين ] فجعل
للمغرب وقتين كسائر الصلوات ،فوسع وقتها كسائر الصلوات ،وهو الذي ينبغي أن يعول
عليه ،فإنه متأخر عن إمامة جبريل ،فوجب األخذ به ،فإن الصحابة كانت تأخذ باألحدث ،
ّللا عليه وسلم كان يثابرّللا عليه وسلم ،وإن كان صلهى ه ّللا صلهى ه
فاألحدث من فعل رسول ه
على الصالة في أول األوقات فال يدل ذلك على أن الصالة ما لها وقتان ،وما بينهما ،فقد أبان
ّللا عليه وسلم إال البالغ والبيان ،وقد فعل صلهى ه
ّللا عن ذلك وصرح به ،وما عليه صلهى ه
عليه وسلم .وأول وقت العشاء مغيب حمرة الشفق ،وآخر وقتها طلوع الفجر .واتفق الجميع
على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر وآخره طلوع الشمس ،واختلفوا في اإلسفار والتغليس
ّللا تعالى الصالة على المؤمنين دون بصالة الصبح ،والتغليس بها أفضل عندنا .وقد كتب ه
ّللا على العلماء دون المؤمنين لما العالم لعموم اإليمان فإنه يشمل المقلد والعالم ،فلو كتبها ه
وجبت على المقلدين ،والعلماء لهم صفة اإليمان ،فكتب على الوصف العام.
ص 543
ص 551 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 104إلى 105
ون َوت َ ْر ُج َ
ون ِم َن ه ِ
ّللا ما ال ون كَما تَأْلَ ُم َ ون فَ ِإنه ُه ْم يَأْلَ ُم َغاء ا ْلقَ ْو ِم ِإ ْن تَكُونُوا تَأْلَ ُم َ َوال ت َ ِهنُوا فِي ا ْبتِ ِ
اس ِبما ق ِلتَحْ ُك َم بَ ْي َن النه ِ ع ِليما ً َح ِكيما ً ( ِ ) 104إنها أ َ ْن َز ْلنا ِإلَ ْيكَ ا ْل ِك َ
تاب ِبا ْل َح ه ِ ّللاُ َكان هون َو َ يَ ْر ُج َ
ين َخ ِصيما ً ) ( 105 أَراكَ ه
ّللاُ َوال تَك ُْن ِل ْلخا ِئ ِن َ
ّللاُ
راك َّاس بِما أ َ َ ّللا عليه وسلم «ِ :لت َ ْح ُك َم بَيْنَ النَّ ِ ّللا تعالى قال تعالى لنبيه صلهى ه ما ثم شارع إال ه
»ولم يقل بما رأيت بل عتبه سبحانه وتعالى لما حرم على نفسه باليمين في قضية عائشة
واج َك »فكان ضات أ َ ْز َِ ي ِل َم ت ُ َح ِ هر ُم ما أ َ َح َّل َّ
ّللاُ لَ َك ت َ ْبت َ ِغي َم ْر وحفصة ،فقال تعالى «:يا أَيُّ َها النَّبِ ُّ
ّللاُ »أنه ما يوحي به إليه ال ما يراه راك َّأن قوله تعالى« ِبما أ َ َ هذا مما أرته نفسه .فهذا يدلك ه
في رأيه .
ّللا عليه وسلم أولى من رأي كل ذي رأي فإذا فلو كان الدين بالرأي ،لكان رأي النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم فيما أرته نفسه فكيف رأي من ليس بمعصوم ومن كان هذا حال النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم ، ّللا صلهى ه الخطأ أقرب إليه من اإلصابة .فدل أن االجتهاد الذي ذكره رسول ه
إنما هو طلب الدليل على تعيين الحكم في المسألة الواقعة ال في تشريع حكم في النازلة ،فإن
ّللا .
ذلك شرع لم يأذن به ه
ّللا أراه ذلك ،فإنه ال ينطق عن ّللا عليه وسلم شرع ،وأن ه فالمؤمنون يؤمنون بأن رأيه صلهى ه
سر السنة في إثبات ّللا ،وهو ه ّللا ومبلغ عنه بما أراه ه ّللا ،وهو ناقل عن ه الهوى ،فحكمه حكم ه
الحكم .
ص 544
ص 552 :
ّللا ،والسبب الموجب لالستخفاء عن الناس هو حبه إال أنه ال يصح أن يستخفي شيء عن ه
الثناء وطلب المحمدة .فإذا أطلع الناس على العمل الذي يخفيه سقطت حرمة العامل من قلب
الذي يراه وقام عليه لسان الذ هم منه وسبب ذلك الجنسية ،وال يستخفي إال مؤمن فإنه يكره فعل
ما يستخفى منه بأن هذا ال يجوز عمله شرعا ِ «.إ ْذ يُبَ ِيهتُونَ ما ال يَ ْرضى ِمنَ ْالقَ ْو ِل »وهو
ّللاُ بِما يَ ْع َملُونَ ُم ِحيطا ا » .ينبه أن هذا العمل قد أحاط ه
ّللا به الجهر بالسوء من القول« َوكانَ َّ
علما .
ص 545
ص 553 :
ع ِظيما ا »ثم نبه تعالى على طهارة الفم المعنوية بقوله :
علَي َْك َ فقال« َوكانَ فَ ْ
ض ُل َّ ِ
ّللا َ
ص 547
ص 554 :
ّللا لم يغفر للمشركين وال ألهل التبعات ،بل ضمن التباعات ،وجعل مغفرتهم واعلم أن ه
ّللا تعالى يقول موقوفة على رضا المظلومين ،فيصلح بينهم يوم القيامة .جاء في الخبر أن ه
يوم القيامة ألهل الحشر « يا عبادي ما كان بيني وبينكم فقد غفرته لكم فانظروا فيما بينكم فإنهه
ال يجاوزني ظلم ظالم » .ويظهر في الشرك أنه فيما بينه وبينهم فلما ذا أخذ به ولم يغفره ؟
ّللا به ،فإن التباعات باّلل باب من التباعات وظلم الغير ولهذا أخذ ه ّللا أن الشرك ه فاعلم وفقك ه
على ضروب في الدماء واألموال واألعراض ،والشرك من باب تباعات األعراض ،وهو
من باب الفرية ،وأن يقال في الشيء ما ليس فيه ،وهو البهتان .وليس الشرك من األمور
ّللا وبين العبد .وهو من أكبر الكبائر . التي بين ه
فإذا كان يوم القيامة وحشر الناس في صعيد واحد وضج المظلومون عند معاينة ما ال طاقة لهم
ّللا من حجر وشجر وحيوان بحمله من األهوال ؛ ضجت األصناف الذين اتخذوا آلهة من دون ه
وإنسان وكوكب وروحاني وقالوا :
يا ربنا خذ لنا حقنا ممن افترى علينا ،ونسب إلينا ما ليس فينا وقال :إنا آلهة فعبدونا ،ونحن
ال نضر وال ننفع ،وليس لنا من األمر شيء ،فخذ لنا حقنا .وهنا يقع تفصيل ،فأ هما كل من
ّللا وحيوان وروحاني مشرك ّللا من حجر وشجر وإنسان مشرك أشرك نفسه مع ه عبد من دون ه
أيضا ،فإنهم يدخلون مع الذين عبدوهم في نار جهنم ليكون أنكى لهم إذا عاينوهم ؛ ومن كان
ارتضى منهم ما ينسب إليه كفرعون وغيره ،فهو مشارك لهم في عذابهم .ومثل األحجار
ّللا تعالى« واألشجار ،فلم تدخل للعذاب ،ولكن دخلت لنكايتهم أن تكون معهم آلهتهم كما قال ه
واردُونَ » . ب َج َهنَّ َم أ َ ْنت ُ ْم لَها ِ
ص ُ ّللا َح َ ِإنَّ ُك ْم َوما ت َ ْعبُدُونَ ِم ْن د ِ
ُون َّ ِ
ُالء آ ِل َهةا ما َو َردُوها َو ُك ٌّل فِيها خا ِلدُونَ » .وقال تعالى « ويقول المشركون هناك« لَ ْو كانَ هؤ ِ
ّللا ،ونفى جارة ُ » *وهم المشركون ،وهم األصنام المعبودون من دون ه اس َو ْال ِح َ َوقُو ُدهَا النَّ ُ
األصناف الذين سبقت لهم الحسنى وكانوا عن النار مبعدين ،وهم الذين اتخذوا مثلة على
صورتهم عبدوها كالصليب للنصارى والصور التي يصورونها للمشركين التي صنعوها على
صورة هذا المعصوم السعيد كائنا من كان ؛ فتلك األمثال تدخل معهم النار ،وهذا ينكيهم جدا
.
ّللا لهم :إن ألهل الجنة اطالعا على أهل النار يعاين هؤالء هؤالء ووجه آخر من نكاية ه
واء
س ِ اطلَ َع فَ َرآهُ فِي َ ّللا تعالى« فَ َّ
وهؤالء هؤالء ،فيزيد نعيم هؤالء ويزيد عذاب هؤالء ؛ يقول ه
ض ِرينَ »« َو َم ْن يُ ْش ِر ْك ِب َّ ِ
اّلل ِين َولَ ْو ال ِن ْع َمةُ َر ِبهي لَ ُك ْنتُ ِمنَ ْال ُم ْح َ
ت لَت ُ ْرد ِ ْال َج ِح ِيم قا َل ت َ َّ ِ
اّلل ِإ ْن ِك ْد َ
فَقَ ْد َ
ض َّل
ص 547
ص 555 :
الال بَ ِعيدا ا »ألنهم أوقعوا أنفسهم في الحيرة لكونهم عبدوا ما نحتوا بأيديهم وعلموا أنه ال
ض ا َ
ّللا بقصور نظرهم وعقولهم . ّللا شيئا ،فهي شهادة من ه
يسمع وال يبصر وال يغني عنهم من ه
ص 548
ص 556 :
ّللا إليه يا إبراهيم صدقك ؛ لي سبعون سنة أرزقه ،وهو يشرك بي فتريد أنت منه أن يترك ه
دينه ودين آبائه ألجل لقمة ؟ فلحقه إبراهيم عليه السالم ،وسأله الرجوع إليه ليقريه واعتذر
إليه .فقال له المشرك يا إبراهيم ما بدا لك ؟
فقال إن ربي عتبني فيك ،وقال لي :أنا أرزقه منذ سبعين سنة على كفره بي ،وأنت تريد منه
أن يترك دينه ودين آبائه ألجل لقمة ؟ فقال المشرك أو قد وقع هذا ؟ مثل هذا ينبغي أن يعبد .
ّللا من كل وارد ورد فأسلم ورجع مع إبراهيم عليه السالم إلى منزله .ثم ع همت كرامته خلق ه
عليه ،فقيل له في ذلك فقال :تعلمت الكرم من ربي ،رأيته ال يضيع أعداءه فال أضيعهم .
ّللا إليه :أنت خليلي حقها .
فأوحى ه
ّللا عليه وسلم :المرء على دين خليله ،فلينظر أحدكم من يخالل[ الخلة ] ّللا صلهى ه
قال رسول ه
ّللا وبين عبده ،وال تصح المخاللة بين المخلوقين -الخلة -اعلم أن المخاللة ال تص هح إال بين ه
المؤمنين ،فإن شروط الخلة ال تصح بين المؤمنين وال بين النبي وتابعيه ،فإذا لم تصح
ّللا ال بحكم خليله وال بحكم نفسه شروطها ،ال تصح هي في نفسها ،فإن النبي والمؤمن بحكم ه
.ومن شروط الخلة أن يكون الخليل بحكم خليله ،وهذا ال يتصور مطلقا بين المؤمنين وال بين
ّللا ،وال تصح بينه وبين الرسل وأتباعهم في الدار الدنيا .والمؤمن تصح الخلة بينه وبين ه
الناس .فالنبي ليس له خليل وال هو صاحب ألحد سوى نبوته ،وكذلك المؤمن ليس له خليل
وال صاحب سوى إيمانه .فمن ال يتصرف إال عن أمر إلهي ال يكون خليال ألحد وال صاحبا
ّللا .
ّللا ،فقد جهل مقام الخلة ،فال خليل إال ه أبدا .فمن اتخذ خليال غير ه
ّللا
ّللا عليه وسلم :لو كنت متخذا خليال التخذت أبا بكر خليال ،لكن صاحبكم خليل ه قال صلهى ه
ّللا ال يستحيل عليه خلة عباده ،فاجهد أن تكون أنت ذلك الخليل بأن تنظر إلى .فإذا علمت أن ه
ما يؤدي إلى تحصيل هذه الخلة الشريفة ،فإنك ال تجد لها سببا إال الموافقة ،وال علم لنا
حرمناه ،وما أح هل أحللناه ،وما أباحه أبحناه ،
حرم ه بموافقتنا الحق إال موافقتنا شرعه ؛ فما ه
وما كرهه كرهناه ،وما ندب إليه ندبنا إليه ،وما أوجبه أوجبناه ،فإذا عمك هذا في نفسك ،
وكانت هذه صفتك ،وقمت فيها مقام حق ،صحت لك الخلة ال بل المحبة التي هي أعظم
وأخص من الخلة ،ألن الخليل يصحبك لك ،والمحب يصحبك لنفسه ،فشتان ما بين الخلة
والمحبة .فالخليل يعتضد بخليله والحبيب يبطن في محبه فيقيه بنفسه
مجن خليله .فينبغي لإلنسان الطالب مقام الخلة أن يحسن ه ه
مجن المحبوب ،والخليل .فالحق
ّللا كافرهم ومؤمنهم طائعهم عامة لجميع خلق ه
ص 549
ص 557 :
وعاصيهم ،وأن يقوم في العالم مع قوته مقام الحق فيهم مع شمول الرحمة وعموم لطائفه من
حيث ال يشعرهم أن ذلك اإلحسان منه ،ويوصل اإلحسان إليهم من حيث ال يعلمون .فإذا كان
العبد بهذه المثابة ،صحت له الخلة ،وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود ،أمدهم بالباطن ،
فدعا لهم في نفسه بينه وبين ربه ،هكذا تكون حالة الخليل فهو رحمة كله .فالخليل على عادة
ّللا عليه وسلم :المرء على دين خليله أي على عادة خليله .فمن كانتخليله وهو قوله صلهى ه
ّللا من لطائف مننه ،وأسبغ عليهم من جزيل نعمه ،وأعطف ّللا ما عودهم هعادته في خلق ه
بعضهم على بعض ،فلم يظهر في العالم غضب ال تشويه رحمة وال عداوة ال تتخللها مودة ،
فذلك مستحق اسم الخلة لقيامه بحقها واستيفائه شروطها .
ص 550
ص 558 :
سورة النساء ( : ) 4آية 128
ص ْلحا ً
ص ِلحا بَ ْينَ ُهما ُعلَ ْي ِهما أ َ ْن يُ ْ ام َرأَةٌ خافَتْ ِم ْن بَ ْع ِلها نُشُوزا ً أ َ ْو ِإعْراضا ً فَل ُجنا َ
ح َ َو ِإ ِن ْ
ون َخ ِبيرا ً (
كان ِبما ت َ ْع َملُ َ
ّللا َسنُوا َوتَتهقُوا فَ ِإ هن ه َ
ش هح َو ِإ ْن تُحْ ِ ت ْاأل َ ْنفُ ُ
س ال ُّ ص ْل ُح َخ ْي ٌر َوأُحْ ِض َر ِ
َوال ُّ
) 128
وأحضرت األنفس الشح ألنها من الطبيعة ومن حكمها الشح والبخل فيمن تركب منها ،وسببه
فينا أن الفقر والحاجة ذاتي لنا ولكل ممكن ،فالمكون عن الطبيعة شحيح بخيل بالذات كريم
بالعرض .
ص 551
ص 559 :
سورة النساء ( : ) 4آية 133
ّللاُ عَلى ذ ِلكَ قَدِيرا ً ) ( 133 كان هين َو َ ت ِبآ َخ ِر َاس َويَأ ْ ِ
ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم أَيُّ َها النه ُ
يتضح من هذه اآلية أن االقتدار يأبى إال الوجود ،وعلق اإلرادة والمشيئة باإلعدام فقال« ِإ ْن
يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم »أي يردكم إلى الحالة التي كنتم موصوفين فيها بالعدم وعلق االقتدار بإيجاد قوم
على ذ ِل َك »ولم يقل ذينك على التثنية ؛ فكانت ّللاُ َ
آخرين فقال « :ويأت بقوم آخرين »« َوكانَ َّ
ّللا تعالى هو الوجود ، اإلشارة من حيث أحديتها لألقرب ،وهو الذي أتى به« قَدِيرا ا » ،فإن ه
ه
والحق ال يعدم عدم العين فال يعطي إال الوجود ألن الخير كله بيديه ،والوجود هو الخير كله ،
،ولكن يكون عنه العدم اإلضافي وهو الذهاب واالنتقال ،فينقلك أو يذهبك من حال إلى حال
مع وجود عينك في الحالين ومن مكان إلى مكان مع وجود عينك في كل واحد منهما وبينهما ؛
فاإلتيان بصفة القدرة والذهاب باإلرادة من حيث ما هو ذهاب خاصة ،فالحق مذهب األشياء ال
معدمها ،فهو وإن أذهب األشياء من موطن كان لها وجود في موطن آخر .فالموت إذهاب ال
إعدام ،فإنه انتقال من دنيا إلى آخرة ،التي أولها البرزخ .
تفلما كان اإلذهاب من صفات الحق ال اإلعدام ،قال تعالى« ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم »أيها الناس« َويَأ ْ ِ
على ذ ِل َك قَدِيرا ا » .ّللاُ َ
ِبآخ َِرينَ »ولم يقل يعدمكم« َوكانَ َّ
ص 552
ص 560 :
سورة النساء ( : ) 4آية 136
ب الهذِي أ َ ْن َز َل ِم ْن
سو ِل ِه َوا ْل ِكتا ِ
ب الهذِي نَ هز َل عَلى َر ُ سو ِل ِه َوا ْل ِكتا ِ اَّلل َو َر ُآمنُوا ِب ه ِ ِين آ َمنُوا ِ يا أَيُّ َها الهذ َ
ضلالً بَ ِعيدا ً ( ) 136 ض هل َس ِل ِه َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر فَقَ ْد َ قَ ْب ُل َو َم ْن يَ ْكفُ ْر ِب ه ِ
اَّلل َو َملئِ َكتِ ِه َو ُكت ُ ِب ِه َو ُر ُ
ص 553
ص 561 :
باّلل فإنه به مؤمن ،وإن احتمل أن يؤمن به لقول هذا الرسول باّلل ال يقال له :آمن ه المؤمن ه
الخاص على طريق القربة ،ولكن التحقيق في ذلك ما ذهبنا إليه وال سيما والحق قد أطلق اسم
اإليمان على من آمن بالباطل ،واسم الكفر على من كفر بالطاغوت -الوجه الثالث «-يا أَيُّ َها
الَّذِينَ آ َمنُوا »يريد أهل الكتاب حيث قالوا ما قالوه ألمر نبيهم عيسى أو موسى أو من كان من
أهل اإليمان بذلك من الكتب المتقدمة ،ولهذا قال لهم« يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا »ثم قال لهم« آ َمنُوا
ّللا عليه وسلم ال لعلمكم بذلك وال إليمانكم ّللا لقول محمد صلهى ه
»بأنبيائي ،قولوا ال إله إال ه
بنبيكم األول ،فتجمعوا بين اإليمانين فيكون لكم أجران .
وأن السعادة في اإليمان وهو أن تقول ومن هنا يعلم الفرق بين العلم بالشيء وبين اإليمان به ،ه
ّللا عليه ما تعلمه ،وما قلته لقول رسولك األول لقول هذا الرسول الثاني الذي هو محمد صلهى ه
وسلم ال لعلمك وال للقول األول ،فحينئذ يشهد لك باإليمان ومآلك السعادة ،وإذا قلت ذلك ال
ّللا العالم إال ليعلم ما هو به عالم لقوله ،وأظهرت أنك قلت ذلك لقوله ،كنت منافقا ،فما اختبر ه
فقال« يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِآمنُوا :هذا ذلك من وجه ،فهذا مؤمن كلف أن يؤمن بما هو به مؤمن
.
سره ،وإن لم سو ِل ِه » ،وال يؤمن بالرسول إال ما خاطبه الحق في ه لذلك قال« ِآمنُوا ِب َّ ِ
اّلل َو َر ُ
يشعر به المخاطب وال يعرف ،ولكن يجد التصديق به في قلبه .فلوال تجلي الحق لقلب
المؤمن وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بالرسول وال صدهق .
سو ِل ِه » ب الَّذِي ن ََّز َل َ
على َر ُ وكذلك في إيمان المؤمن بما جاء به الرسول وهو قوله« َو ْال ِكتا ِ
،لوال تجلي الرسول بقلبه وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بما جاء به وال صدق وإن لم يشعر
المؤمن وال يدري كيف آمن ،فما كل مؤمن يعرف من أين حصل له اإليمان -الوجه الرابع -
لما كان التأيه والنداء مؤذنا بالبعد عن الحالة التي يدعو إليها من يناديه من أجلها فيقول« يا
أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِآمنُوا »فلبعدهم مما أيه بهم أن يؤمنوا به ،لذلك أيه بهم ،فإن كانوا موصوفين
في الحال بما دعاهم إليه فيتعلق البعد بالزمان المستقبل في حقهم ،أي اثبتوا على حالكم الذي
ارتضاه الدين لكم في المستقبل كما قال يعقوب لبنيه« فَال ت َ ُموت ُ َّن إِ َّال َوأ َ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمونَ »في حال
حياته ،فأمرهم باإلسالم في المستقبل أي بالثبوت عليه ،واالستقبال بعيد عن زمان الحال ،
فيكون التأيه أيضا بما هو موجود في الحال أن يكون باقيا في المستقبل .واعلم أن النداء
اإللهي يع هم المؤمن والكافر والطائع والعاصي واألرواح والروحانيين ،فمن أجاب سمي مطيعا
وكان سعيدا ،وإن لم
ص 554
ص 562 :
يجب سمي عاصيا وكان شقيا .ونداء الحق ال يكون إال بما يكون في إجابته السعادة للعبد .
من لم يحضر عند الكالم بسمعه لم يعرف هل كفر به أو لم يكفر ؟ وال يصدق في دعواه أنه
ّللا تعالى شيئا ،فال يعقل إال من سمع ،وال يسمع إال من سمع فإنه ال يغنيه سماع األذن من ه
ّللا إذا قعد معهم سامع لهم أنه في حضر .فلما أخبر سبحانه أن الذين يخوضون في آيات ه
مقامهم وأنه يجازى من حيث هم لالشتراك ،أوصانا وحذرنا بقوله تعالى« ِإنَّ ُك ْم ِإذا ا ِمثْلُ ُه ْم »إذا
أقمتم معهم وهم بهذه المثابة ،وإن لم نخض معهم فإنه ال يرضى بهذه المنزلة إال منافق ،
جام ُع ْال ُمنا ِف ِقينَ َو ْالكا ِف ِرينَ ِفي َج َهنَّ َم َج ِميعا ا »فالكافر الخائض والمنافق ولهذا قال تعالى« ِإ َّن َّ َ
ّللا ِ
الجليس له والمستمع لخوضه ،فيخاض بهم حيث يكرهون كما خاضوا هنا حيث يكره الحق
منهم
ص 555
ص 563 :
سورة النساء ( : ) 4آية 142
ُن النه َ
اس صل ِة قا ُموا كُسالى يُراؤ َ ع ُه ْم َو ِإذا قا ُموا ِإلَى ال ه
ّللا َو ُه َو خا ِد ُ ين يُخا ِدع َ
ُون ه َ ِإ هن ا ْل ُمنافِ ِق َ
ّللا ِإاله قَ ِليلً ) ( 142
ون ه َ َوال يَ ْذك ُُر َ
ّللا َو ُه َو خا ِد ُ
ع ُه ْم »أي باّلل غاية الجهل .وقوله تعالى« يُخا ِدعُونَ َّ َ ّللا إال جاهل ه ما يخادع ه
ّللا .وقال تعالى« َو ُه َو ّللا بهم فهو خادعهم بعين اعتقادهم أنهم يخادعون ه خداعهم هو خداع ه
ع ُه ْم »ولم يقل مخادعهم ،فإنه يخدعهم حقيقة ،وهم ال يقدرون أن يخدعوه . خا ِد ُ
اس »فهم في بواطنهم على خالف ما يبدو صالةِ قا ُموا ُكسالى يُراؤُنَ النَّ َ « َو ِإذا قا ُموا ِإلَى ال َّ
للناس .
ّللا هذه األمة وفيها منافقوها ،فإذا انبعثت كل أمة إلى ما كانت تعبد
إذا كان يوم القيامة يحشر ه
،ودخلت األمم النار ،ونصب الصراط على جسر جهنم ،أتي بالمنافقين الذين أظهروا اإليمان
بألسنتهم وصلوا وصاموا ،وقاموا بفروع الشريعة في الصورة الظاهرة كما قام المؤمنون ،
ّللا تعالى حتى انفهقت لهم الجنة بما تحويه من الخير والسرور ،فتنعموا برؤيتها
أتى بهم ه
وظنوا أنهم داخلوها ،فكانت تلك النظرة والفرح الذي قام لهم بالطمع بدخولها جزاء لما جاءوا
به من األعمال الظاهرة ظاهرا بظاهر ،عدال منه سبحانه .
فإذا طابق الجزاء أعمالهم وأخذوا حقههم ،وهم ال يعلمون أنهم يصرفون عنها ،ضرب ه
ّللا
بينهم وبين الجنة سورا ،باطنه الجنة ،وظاهره من قبله العذاب ،فيؤمر بهم إلى النار ،فهذا
ّللا بهم ،فجمع سبحانه في هذا الفعل الواحد بين العدل
ّللا بهم وسخرية ه
هو استهزاء ه
واالستهزاء كما جمعوا بين اإلسالم
ص 556
ص 564 :
والكفر .وليس للمنافقين من النار إال الدرك األسفل وهي النار التي تطلع على األفئدة لما هم
عليه من إصرار الكفر ،وليس لهم في أعالها مكان إال على قدر معاصيهم الظاهرة ولما أتوا
به من األعمال الظاهرة .والكافر يتعذب في النار علوا وسفال بخالف المنافق ،فما عنده من
ّللا وال من جهنم ،وكلهم في جهنم جميعا :ومن أعجب ما روينا عن رسول يعصمه من نار ه
ّللا عليه وسلم كان قاعدا مع أصحابه في المسجد ّللا صلهى ه ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن رسول ه ه
ّللا عليه وسلم :أتعرفون ما هذه الهدة ؟ّللا صلهى ه
فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول ه
ّللا ورسوله أعلم قال حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة ،اآلن وصل إلى قعرها قالوا :ه
ّللا عليه وسلم .فكان وصوله إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة .فما فرغ من كالمه صلهى ه
ّللا
إال والصراخ في دار منافق من المنافقين ،قد مات وكان عمره سبعين سنة فقال رسول ه
ّللا أكبر فعلم علماء الصحابة أن هذا الحجر هو ذاك المنافق وأنه منذ صلهى ه
ّللا عليه وسلم :ه
ّللا يهوي في نار جهنم وبلغ عمره سبعين سنة ،فلما مات حصل في قعرها ،فكان خلقه ه
ّللا ليعتبروا .فانظر ما أعجب كالم النبوة ،وما ألطف تعريفه سماعهم تلك الهدة التي أسمعهم ه
،وما أحسن إشارته ،وما أعذب كالمه صلهى ه
ّللا عليه وسلم .
واعلم أن جهنم كلها مائة درك من أعالها إلى أسفلها نظائر درج الجنة التي ينزل فيها السعداء
،فتساوى عدد الدرك والدرج .ويقع االمتياز بأن امتازت النار عن الجنة بأنه ليس في النار
قط أنه اختص ّللا ما عرفنا ه
ّللا ،فإن ه
دركات اختصاص إلهي وال عذاب اختصاص إلهي من ه
يختص برحمته من يشاء وبفضله ،فأهل النار معذبون بأعمالهم ه بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه
ال غير ،وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات االختصاص .ولما كان مذهبنا
أن جميع الناس كافة من مؤمن وكافر ومنافق مكلفون مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها
وأنهم مؤاخذون يوم القيامة باألصول والفروع ،لهذا كان المنافق في الدرك األسفل من النار
وهو باطن النار ،وأن المنافق معذب بالنار التي تطلع على األفئدة ،إذ أتى في الدنيا بصورة
ظاهر الحكم المشروع من التلفظ بالشهادة وإظهار تصديق الرسل واألعمال الظاهرة ،وما
عندهم في بواطنهم من اإليمان مثقال ذرة .فبهذا القدر تميهزوا من الكفار وقيل فيهم :إنهم
منافقون ،وقال تعالى :إن المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ،فذكر الدار .فالمنافقون
يعذبون في أسفل جهنم ،والكافرون لهم عذاب األعلى واألسفل.
ص 557
ص 565 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 146إلى 148
ف
س ْو َ َّلل فَأُولئِكَ َم َع ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ين َو َ صوا دِينَ ُه ْم ِ ه ِاَّلل َوأ َ ْخلَ ُ
ص ُموا ِب ه ِ صلَ ُحوا َوا ْعت َ َ ِين تابُوا َوأ َ ْ ِإاله الهذ َ
ّللاُ شك َْرت ُ ْم َوآ َم ْنت ُ ْم َو َ
كان ه ين أَجْ را ً ع َِظيما ً ( ) 146ما يَ ْفعَ ُل ه
ّللاُ ِبعَذا ِب ُك ْم ِإ ْن َ ّللاُ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ت ه يُ ْؤ ِ
س ِميعا ً
ّللاُ َ
كان ه ظ ِل َم َو َ وء ِم َن ا ْلقَ ْو ِل ِإاله َم ْن ُ س ِ ّللاُ ا ْل َجه َْر ِبال ُّ
ب ه ع ِليما ً ( ) 147ال يُ ِح ُّ شا ِكرا ً َ
ع ِليما ً ) ( 148 َ
ما علم الحكم بكون القول سوءا إال من القول إذ لوال القول ما وصل علمه إلينا .
فالقول بالسوء بطريق التعريف أنه سوء قول خير يجب الجهر به ألنه تعليم حتى ال يجهر به
ّللا على المكلف استعمال هذا .فنفى المحبة أن يكون متعلقها الجهر عند االستعمال إذا قضى ه
بالسوء من القول ،والجهر بالسوء قد يكون قوال ،وقد يكون في األفعال التي ال تكون قوال ،
ّللا عليه وسلم من بلي منكم بهذه فيريد بالجهر فيها ظهور الفحشاء من العبد ،كما قال صلهى ه
القاذورات فليستتر ؛ يعني ال يجهر بها .ولما وقع االصطالح في اللسان على السيئ والحسن
ّللا بحسب التواطؤ ،فهم سموه سوءا ،وقالوا :إن ث هم سوءا فقال « إن ،نزل الشرع من عند ه
وء ِمنَ ْالقَ ْو ِل »الذي سميتموه سوءا لكونه ال يوافق أغراضكم « ِإ َّال س ِ ّللاُ ْال َج ْه َر بِال ُّ
اللههال يُ ِحبُّ َّ
ظ ِل َم »ولكن السكوت عنه ظ ِل َم »والجهر بالسوء من القول وإن كان جزاء بقوله« ِإ َّال َم ْن ُ َم ْن ُ
ع ِليما ا» .س ِميعا ا َ ّللاُ َأفضل« َوكانَ َّ
ص 558
ص 566 :
سورة النساء ( : ) 4آية 150
ض ون نُ ْؤ ِم ُن ِببَ ْع ٍس ِل ِه َويَقُولُ َ ُون أ َ ْن يُفَ ِ هرقُوا بَ ْي َن ه ِ
ّللا َو ُر ُ س ِل ِه َويُ ِريد َ اَّلل َو ُر ُ ِين يَ ْكفُ ُر َ
ون ِب ه ِ ِإ هن الهذ َ
س ِبيلً ) ( 150 ُون أ َ ْن يَت ه ِخذُوا بَ ْي َن ذ ِلكَ َ ض َويُ ِريد َ َونَ ْكفُ ُر ِببَ ْع ٍ
ض »وهو الحق« باط ِل »فإنهم قالوا« نُؤْ ِم ُن ِببَ ْع ٍ سوا ْال َح َّق ِب ْال ِ لذلك قال لهم الحق تعالى« َوال ت َ ْل ِب ُ
ض »وهو الباطل فخلطوا بينهما ويتخيلون أن الحق يختلط بالباطل وليس كذلك« َونَ ْكفُ ُر بِبَ ْع ٍ
يال »أي يحدثوا طريقا أخرى من عند أنفسهم . سبِ ا َويُ ِريدُونَ أ َ ْن يَت َّ ِخذُوا بَيْنَ ذ ِل َك َ
واعلم أن جماعة من العقالء جعلوا الشريعة بمعزل فيما زعموا ؛ والشريعة أبدا ال تكون
ّللا المتكلم ، بمعزل ،فإنها تعم قول كل قائل واعتقاد كل معتقد ومدلول كل دليل ،ألنها عن ه
فيه قد نزلت .وإنما قلنا في هذه الطائفة المعينة أنها جعلت الشريعة بمعزل مع كونها قالت
ببعض ما جاءت به الشريعة ؛ فما أخذت من الشريعة إال ما وافق نظرها .وما عدا ذلك رمت
ّللا ال من به أو جعلته خطابا للعامة التي ال تفقه ،هذا إذا عرفت واعتقدت أن ذلك من عند ه
س ِل ِه َويُ ِريدُونَ أ َ ْن نفس الرسول ،فقال تعالى عنهم على طريق الذم« إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفُ ُرونَ بِ َّ ِ
اّلل َو ُر ُ
يال ض َويُ ِريدُونَ أ َ ْن يَت َّ ِخذُوا بَيْنَ ذ ِل َك َ
سبِ ا ض َونَ ْكفُ ُر بِبَ ْع ٍ س ِل ِه َويَقُولُونَ نُؤْ ِم ُن بِبَ ْع ٍ يُفَ ِ هرقُوا بَيْنَ َّ ِ
ّللا َو ُر ُ
» .وإن كان قد جاء الشرع بما هم عليه فما أخذوا ما أخذوا من كون الشرع جاء به وإنما قالوا
به للموافقة احتجاجا .والطائفة السعيدة ال ترمي من الشريعة شيئا ،بل تترك نظرها وحكم
عقلها بعد ثبوت الشرع لحكم ما يأتي به الشرع إليها ،ويقضي به ،فهم سادات العالم ،وأما
تنزيه الحق عما تنزهه عباده مما سوى العبودية ،فال علم لهم بما هو األمر عليه ،فإنه يكذب
ّللا
ربه في كل حال يجعل الحق فيه نفسه مع عباده ،وهذا أعظم ما يكون من سوء األدب مع ه
أن ينزهه عما نسبه سبحانه إلى نفسه بما نسبه إلى نفسه ،فهو يؤمن ببعض وهو قوله« لَي َ
ْس
ش ْي ٌء »ويكفر ببعض ،فأولئك هم الكافرون حقها ،فجعل العبد نفسه أعلم منه بربه نفسه َك ِمثْ ِل ِه َ
،وأكثر من هذا الجهل فال يكون .والعبد المؤمن ينبغي له أن ينسب إلى الحق ما نسبه الحق
ّللا عن بصيرته ،حتى رأى ّللا من ذلك ،إذا لم يكن ممن كشف ه إلى نفسه على حد ما يعلمه ه
األمر على ما هو عليه .وهذا هو الشرك الخفي فإنه نزاع هّلل تعالى خفي في العبد ،ال يشعر
به كل أحد وال سيما الواقع فيه ،ويتخيل أنه في الحاصل ،وهو في الفائت .فهذا المنزه
الجاهل ينزهه عن ذلك الوصف الذي وصف به الحق نفسه ،وأخذ يثني عليه بما يرى أنه ثناء
وّللا ما أمره أن ينزهه إال بحمده أي بما أثنى على ّللا ،ه على ه
ص 559
ص 567 :
نفسه به في كتبه وعلى ألسنة رسله .فإذا أراد العبد نجاة نفسه وتحصيل أسباب سعادته ،فال
ّللا تعالى
ّللا في ذلك من غير تعيين ،فإن قبضه هّللا إال بحمده كان ما كان ،على علم هيحمد ه
على ذلك اطلع على األمر على ما هو عليه ،إذا لم يكن من أهل الكشف في الحياة الدنيا ،وإن
ّللا كل ما خرج عن تأويله ،فلم يره فيه ،وهذا أعظملم يفعل وتأول فهو لما تأوله ،وحرمه ه
ّللا والجهل به ،كماالحرمان ،وعند الكشف األخروي يرى ما كان عليه من سوء األدب مع ه
ورد أن أهل هذا المقام ،إذا تجلى لهم الحق تعالى في اآلخرة ينكرونه وال يقرون به ألنهم ما
عبدوا ربا إال مقيدا بعالمة ،فإذا ظهر لهم بتلك العالمة أقروا له بالربوبية وهو عين ما أنكروه
،وأي جهل أعظم من أن يقر بما هو له منكر .
ص 560
ص 568 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 154إلى 157
ت
س ْب ِ س هجدا ً َوقُ ْلنا لَ ُه ْم ال ت َ ْعدُوا فِي ال ه باب ُ ور ِب ِميثاقِ ِه ْم َوقُ ْلنا لَ ُه ُم ا ْد ُخلُوا ا ْل َ ط َ َو َرفَ ْعنا فَ ْوقَ ُه ُم ال ُّ
ّللا َوقَتْ ِل ِه ُم ْاأل َ ْن ِبيا َء
ت هِ غ ِليظا ً ( ) 154فَ ِبما نَ ْق ِض ِه ْم ِميثاقَ ُه ْم َو ُك ْف ِر ِه ْم ِبآيا ِ َوأ َ َخ ْذنا ِم ْن ُه ْم ِميثاقا ً َ
ون ِإاله قَ ِليلً ( ) 155 علَ ْيها ِب ُك ْف ِر ِه ْم فَل يُ ْؤ ِمنُ َ ّللاُ َف بَ ْل َطبَ َع ه ق َوقَ ْو ِل ِه ْم قُلُوبُنا ُ
غ ْل ٌ ِبغَ ْي ِر َح ه ٍ
سى ا ْب َن َم ْريَ َم سي َح ِعي َ َوبِ ُك ْف ِر ِه ْم َوقَ ْو ِل ِه ْم عَلى َم ْريَ َم بُهْتانا ً ع َِظيما ً ( َ ) 156وقَ ْو ِل ِه ْم إِنها قَت َ ْلنَا ا ْل َم ِ
اختَلَفُوا فِي ِه لَ ِفي ش ٍهَك ِم ْنهُ ما لَ ُه ْم ِين ْ ش ِبههَ لَ ُه ْم َوإِ هن الهذ َ
صلَبُوهُ َول ِك ْن ُ ّللا َوما قَتَلُوهُ َوما َ سو َل ه ِ َر ُ
ظ ِهن َوما قَتَلُوهُ يَ ِقينا ً ) ( 157 ع ال ه بِ ِه ِم ْن ِع ْل ٍم إِاله ا ِت هبا َ
صلَبُوهُ ّللا فقال« َوما قَت َلُوهُ َوما َ سى ابْنَ َم ْريَ َم »فأكذبهم ه قالت بنو إسرائيل« ِإنَّا قَت َ ْلنَا ْال َم ِسي َح ِعي َ
ش ِبههَ لَ ُه ْم » .وقال« َوما قَتَلُوهُ يَ ِقينا ا »يريد ما هو مقتول في نفس األمر ال عندهم بل شبه َول ِك ْن ُ
لهم ،فهذا يقين مستقل ،ليس له محل يقوم به ،فإنهم متيقنون أنهم قتلوه ،وهذا من باب قيام
المعنى بالمعنى ،فإن اليقين معنى ،والقتل معنى ،فالقتل قد تيقن في نفسه أنه ما قام بعيسى
عليه السالم ،فالقتل موصوف في هذه اآلية باليقين ،وأصدق المعاني ما قام بالمعاني ،وهذه
المسألة من محارات العقول .
ص 561
ص 569 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 160إلى 162
ّللا َكثِيرا ً ) ( 160 ص ِ هد ِه ْم ع َْن َ
س ِبي ِل ه ِ ت أ ُ ِحلهتْ لَ ُه ْم َو ِب َ علَ ْي ِه ْم َط ِيهبا ٍ ِين هادُوا َح هر ْمنا َ ظ ْل ٍم ِم َن الهذ َفَ ِب ُ
عذابا ً أ َ ِليما ً ين ِم ْن ُه ْم َباط ِل َوأ َ ْعتَدْنا ِل ْلكافِ ِر َ
اس ِبا ْل ِ ع ْنهُ َوأ َ ْك ِل ِه ْم أ َ ْموا َل النه ِ الربَوا َوقَ ْد نُ ُهوا ََوأ َ ْخ ِذ ِه ُم ِ ه
ون ِبما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْيكَ َوما أ ُ ْن ِز َل ِم ْن قَ ْب ِلكَ ون يُ ْؤ ِمنُ َ ون ِفي ا ْل ِع ْل ِم ِم ْن ُه ْم َوا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
س ُخ َ الرا ِ
( ) 161ل ِك ِن ه
يه ْم أَجْ را ً
سنُ ْؤتِ ِ اَّلل َوا ْليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر أُولئِكَ َ الزكاةَ َوا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
ون بِ ه ِ ون ه صلةَ َوا ْل ُم ْؤت ُ َ ين ال هيم ََوا ْل ُم ِق ِ
ع َِظيما ً ( .) 162
[ الزكاة ]
الزكاة َ »الزكاة واجبة بالكتاب والسنة واإلجماع فال خالف فيها ،واتفق العلماء « َو ْال ُمؤْ تُونَ َّ
حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما ،والزكاة واجبة في المال على أنها واجبة على كل مسلم ه
ال على المكلهف ،وإنما هو مكلف في إخراجها من المال ،فالزكاة أمانة بيد من هو المال بيده
ألصناف معينين ،وما هو مال للحر وال للعبد ،فوجب أداؤه ألصحابه ممن هو عنده وله
التصرف فيه حرا كان أو عبدا من المؤمنين ،واألولى أن يكون كل ناظر في المال هو
المخاطب بإخراج الزكاة منه ،وعلى ذلك فإن الوصي على المحجور عليه يخرج عنه الزكاة
وليس له فيه شيء ،ولهذا قلنا إنه حق في المال ،فإن الصغير ال يجب عليه شيء ،وقد أمر
ّللا عليه وسلم بالتجارة في مال اليتيم حتى ال تأكله الصدقة ،وعلى ذلك فإن النبي صلهى ه
الصدقة أي الزكاة واجبة في مال اليتيم يخرجها وليه ،وواجبة في مال المجنون المحجور عليه
يخرجها وليه ،وواجبة في مال العبد يخرجها العبد ،أما أهل الذمة فالذي أذهب إليه أنه ال
يجوز أخذ الزكاة من كافر وإن كانت واجبة عليه مع جميع الواجبات ،ألنه ال يقبل منه شيء
مما كلهف به إال بعد حصول اإليمان به ،فإن كان من أهل الكتاب ففيه عندنا نظر ،فإن أخذ
الجزية منهم قد يكون تقريرا من الشارع لهم على دينهم الذي هم عليه ،فهو مشروع لهم ،
فيجب عليهم إقامة دينهم ،فإن كان فيه أداء زكاة وجاءوا بها قبلت منهم ،وليس لنا طلب
الزكاة من المشرك وإن جاء بها قبلناها ،والكافر هنا المشرك ليس الموحد ،فال زكاة على
أهل الذمة بمعنى أنها ال تجزي عنهم إذا أخرجوها مع كونها واجبة عليهم كسائر فروض
الشريعة ؛ لعدم الشرط المصحح لها ،وهو اإليمان بجميع ما جاءت به الشريعة ال بها وال
ببعض ما جاء به الشرع ،فلو آمن بالزكاة وحدها أو بشيء من الفرائض أنها فريضة ،أو
بشيء من النوافل
ص 562
ص 570 :
أنها نافلة ،ولو ترك اإليمان بأمر واحد من فرض أو نفل لم يقبل منه إيمانه إال أن يؤمن
بالجميع ،ومع هذا فليس لنا أن نسأل ذميا زكاته ،فإن أتى بها من نفسه فليس لنا ردها ،ألنه
جاء بها إلينا من غير مسألة ،فيأخذها السلطان منه لبيت مال المسلمين ،ال يأخذها زكاة وال
ّللا عليه وسلم واتفق العلماء على أن الزكاةّللا صلهى ه يردها ،فإن ردها فقد عصى أمر رسول ه
تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن ونبات وحيوان ،فالمعدن الذهب
والفضة ،والنبات الحنطة والشعير والتمر ،والحيوان واإلبل والبقر والغنم ،هذا هو المتفق
عليه وهو الصحيح عندنا ،واعلم أن للزكاة نصابا وحوال أي مقدارا في العين والزمان ،أما
ّللا في القرآن :الفقراء والمساكين والعاملون عليها من تجب لهم الصدقة فهم الذين ذكرهم ه
ّللا -إشارة واعتبار -لما كانوالمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون والمجاهدون في سبيل ه
معنى الزكاة التطهير كان لها من األسماء اإللهية االسم القدوس وهو الطاهر ،وما في معناه
من األسماء اإللهية ،والزكاة في المال الظاهر معلومة يقابلها في الباطن زكاة النفوس ،فإن
النفوس لها صفات تستحقها ،وهي كل صفة يستحقها الممكن ،وقد يوصف اإلنسان بصفات ال
يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ،ولكن يستحق تلك الصفات إذا وصف بها ليميزها عن
صفاته التي يستحقها ،كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن ه
تنزال منه سبحانه
ّللا منها فهو تطهيرها بذلك اإلخراج من الصفات التي ورحمة بعباده ؛ فزكاة نفسك إخراج حق ه
ليست بحق لها ،فتأخذ ما لك منه وتعطي ما له منك ،ولما كان األصل الذي ظهرت عنه
األشياء من أسمائه القدوس وهو الطاهر لذاته من دنس المحدثات ،فلما ظهرت األشياء في
المالك بالملكية ،طرأ عليها من نسبة الملك إلى غير منشئها ،ما أعيانها وحصلت فيها دعاوى ه
أزالها عن الطهارة األصلية التي كانت لها من إضافتها إلى منشئها ،قبل أن يلحقها هذا الدنس
ّللا على مالك األصناف الثمانية الزكاة العرضي بملك الغير لها ،وكفى بالحدث حدثا ،فأوجب ه
ّللا ،لينسبها إلى مالكها
ّللا عن أمر هّللا فيها نصيبا يرجع إلى ه ،وجعل ذلك طهارتها ،فعين ه
ّللا طهارة األموال ،أما اعتبار وجوب األصلي ،فتكتسب الطهارة ،فإن الزكاة إنما جعلها ه
باّلل ،فردوا
ّللا إنما هو ه
ّللا على أن وجود ما سوى ه الزكاة ،فاإلجماع أجمع كل ما سوى ه
ّللا ،فهو اعتبار
وجودهم إليه سبحانه لهذا اإلجماع ،وال خالف في ذلك بين كل ما سوى ه
ّللا ،
اإلجماع في الزكاة الوجود ،فرددنا ما هو هّلل إلى ه
ص 563
ص 571 :
ش ْيءٍ ها ِل ٌك ِإ َّال َو ْج َههُ )وليس الوجه إال
ّللا ،وأما الكتاب ف( ُك ُّل َفال موجود وال موجد إال ه
باّلل ) وأما اعتبار
سنة ( فال حول وال قوة إال ه الوجود ،وهو ظهور الذوات واألعيان ،وأما ال ه
ّللا قد
من تجب عليه الزكاة ،فالمسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه ،وقد ذكرنا أن كل ما سوى ه
باّلل
ّللا ،وال بقاء له في الوجود إال ه ّللا ،وأنه ما استفاد الوجود إال من ه انقاد في ر هد وجوده إلى ه
حر ،أي ال ملك عليه في وجوده ألحد ،وأما الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو ه
عز وجل وما ّللا جل جالله ،وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربهه ه من خلق ه
ّللا تعالىال يستحقه ،وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الح هد الذي يجب عليه فيه ر هد األمور كلها إلى ه
ّللا منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه ،أو على ّللا ما يريد ه
،وأما العقل فهو أن يعقل عن ه
ّللا عليه وسلم ،ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه . لسان رسوله صلهى ه
وأما اعتبار ما تجب فيه الزكاة ،فالزكاة تجب من اإلنسان في ثمانية أعضاء :البصر والسمع
واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ،ففي كل عضو وعلى كل عضو من هذه
ّللا بها العبد في الدار اآلخرة ،وأما صدقة التطوع فعلى كل األعضاء صدقة واجبة ،يطلب ه
عرق في اإلنسان صدقة .
ّللا عليه وسلم [ :يصبح على كل سالمي من اإلنسان صدقة ] فالزكاة التي في كما قال صلهى ه
ّللا تعالى الذي أوجبها على اإلنسان في هذه األعضاء الثمانية ،فتعين هذه األعضاء هي حق ه
ّللا تعالى في كل عضو ،فزكاة البصر ما يجب هّلل تعالى فيه من الحق ، على المؤمن أداء حق ه
ّللا ،كالنظر في
كالغض عن المحرمات ،والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند ه
يسر بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من ه
الكعبة ،وعلى هذا النحو تنظر في جميع األعضاء المكلفة في اإلنسان من تصرفها فيما ينبغي
وكفهها عما ال ينبغي ،ومن جهة أخرى تعتبر األعضاء الثمانية األصناف التي تجب لهم الزكاة
،فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره ،فعاد يبصر بربه بعد ما كان يبصر بنفسه ،
وكذلك من ز هكى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه ،فصار يسمع بربه ،وهو قوله [ :كنت
سمعه وبصره . . .الحديث ]
ويتقلب في أموره كلها بربه ،والمعرفة مال العارف ،وزكاة هذا المال التعليم ،ومن وجه
آخر اعتبار األصناف الثمانية ،فالعلم والعمل بمنزلة الذهب والفضة ،ومن الحيوان الروح
والنفس والجسم في مقابلة الغنم والبقر واإلبل ،ومن النبات
ص 564
ص 572 :
الحنطة والشعير والتمر ،وهي في االعتبار ما تنبته األرواح والنفوس والجوارح من العلوم
والخواطر واألعمال ،وجعلنا الغنم لألرواح فإنها جعلت فداء ولد إبراهيم عليه السالم ،نبي
ابن نبي ،وجعلنا اإلبل لألجسام لمناسبة االسم ،فإن الجسم يسمى البدن ،واإلبل من أسمائها
البدن ،وكون البقر في مقابلة النفوس وهي دون الغنم في الرتبة وفوق اإلبل ،كالنفس فوق
ّللا
الجسم ودون العقل الذي هو الروح اإللهي ،والروح الذي هو العقل يظهر عنه مما زرع ه
ّللا ،فهو بمنزلة الزكاة في الحنطة ،ألنها أرفع
فيه من العلوم والحكم واألسرار ما ال يعلمه إال ه
ّللا فيها من الخواطر والشبهات ،ما ال يعلمه إال
الحبوب ،وإن النفس يظهر عنها مما زرع ه
ّللا فيها األعمال كلها فأنبتت
ّللا تعالى ،فهذا نباتها وهو بمنزلة التمر ،وأما الجوارح فزرع ه
ه
ه
وحظ الزكاة منها األعمال ،والورق العمل والذهب هو العلم ،والزكاة في العمل األعمال ،
المفروض منه ،والزكاة في العلم أيضا المفروض منه .
ّللا تعالى موسى عليه السالم بغير واسطة بكالمه سبحانه بال ترجمان .ولذلك أكده في كلم ه
التعريف لنا بالمصدر لرفع اإلشكال ،وفي ذلك إشارة إلى فضله على غيره بخطاب
ّللا تعالى موسى عليه مخصوص على رفع الحجاب ،لم يسمعه من ذلك المقام غيره ،وكلهم ه
السالم من حجاب النار والشجرة وشاطئ الوادي األيمن وجانب الطور األيمن وفي البقعة
المباركة .
ش ْيءٍواعلم أن الكالم والقول نعتان هّلل ،فبالقول يسمع المعدوم ،وهو قوله تعالى «:إِنَّما قَ ْولُنا ِل َ
ون »وبالكالم يسمع الموجود ،وهو قوله تعالى َ «:و َكلَّ َم َّ
ّللاُ ِإذا أ َ َر ْدناهُ أ َ ْن نَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ
ُموسى ت َ ْك ِليماا :وقد يطلق الكالم على الترجمة في لسان المترجم ،وينسب الكالم إلى المترجم
عنه في ذلك .فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود ،والكالم له أثر في الموجود ،وهو
ص 565
ص 573 :
العلم ،والكالم اإللهي ال يحكى وال يوصف بالوصف الذاتي ؛ فإذا وقع التجلي اإللهي في أي
صورة كانت ،فال يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكالم في العرف أو ال تكون ،
فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكالم ،فكالمها من جنس الكالم المنسوب إليها لحكم
الصورة على التجلي .وإن كان مما ال ينسب إليه الكالم في العرف ،فال يخلو إما أن تكون
مما ينسب إليها القول باإليمان مثل قول الجلود والجوارح« قالُوا أ َ ْن َ
طقَنَا َّ
ّللاُ » ،وإما أن ال
تكون ممن ينسب إليه قول وال نطق ،وهو الذي ينسب إليه التسبيح الذي ال يفقه ،والتسبيح لو
كان قوال أو كالما لنفى عنه سمعنا ،وإنما نفى عنه فهمنا وهو العلم ،والعلم قد يكون عن كالم
وقول وقد ال يكون .فإذا تجلى في مثل هذه الصور ،فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي
مما يناسب تسبيح تلك الصورة ال يتعداه ،فيفهم من كالم ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة ،
عز وجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه ،هذا إذا وقع ّللا ه
فيكون الكالم المنسوب إلى ه
التجلي في المواد النورية والطبيعية ،فإذا وقع التجلي في غير مادة نورية وال طبيعية وتجلهى
في المعاني المجردة ،فيكون ما يقال في مثل هذا أنه كالم من حيث أثره في المتجلى له ال من
ّللا تعالى علمه ،وعلمه ذاته ،وال يصح أن يكون كالمه حيث أنهه تكلم بكذا .واعلم أن كالم ه
عز وجل . ليس هو ،فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته ،وهو ال يحكم عليه ه
وكل ذي كالم موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك ،والحق ال يوصف
بأنه قادر على أن يتكلم ،فيكون كالمه مخلوقا ،وكالمه قديم في مذهب األشعري وعين ذاته
ّللا مجهولة ال تعرف كما أن ذاته ال تعرف ، في مذهب غيره من العقالء ،فنسبة الكالم إلى ه
وال يثبت الكالم لإلله إال شرعا ،ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره ،ذكر أن موسى
عليه السالم كلمه ربه باثني عشر ألف كلمة في كل كلمة يقول له «:يا ُموسى » * ،والكالم ما
أثر وال يدخله انقسام ،فإذا دخله االنقسام ،فهو القول ،وفيه المنهة اإللهية والطول .القرآن كله
ّللا ،وإن كان قد ورد فيه ذكر الكالم ،ولكن تشريفا لموسى عليه السالم ّللا ،وما فيه تكلم ه
قال ه
،ولو جاء بالكالم ما كفر به أحد ،ألنه من الكلم فيؤثر فيمن أنكره وجحد .أال ترى إلى قوله
ّللا موسى تكليما ،كيف سلك به نهجا قويما ،فأثر فيه كالمه وظهرت عليه أحكامه ؟ فإذا وكلهم ه
أثر القول فما هو لذاته بل هو من االمتنان اإللهي والطول
خص موسى بالكالم ]ه [ لم
خص موسى بالكالم ليتقرر في نفسه نيل ه
حظه من ه -إشارة -
ص 566
ص 574 :
ميراث محمد عليه السالم ،ولذلك كان في ألواحه تفصيل كل شيء علم في مقابلة جوامع الكلم
.
ص 567
ص 575 :
سورة النساء ( : ) 4اآليات 167إلى 171
ِين َكفَ ُروا َو َظلَ ُموا ضلالً بَ ِعيدا ً ( ِ ) 167إ هن الهذ َ ضلُّوا َ ّللا قَ ْد َ س ِبي ِل ه ِ صدُّوا ع َْن َ ِين َكفَ ُروا َو َ ِإ هن الهذ َ
كان ذ ِلكَ ِين فِيها أَبَدا ً َو َ يق َج َهنه َم خا ِلد َ ّللاُ ِليَ ْغ ِف َر لَ ُه ْم َوال ِليَ ْه ِديَ ُه ْم َط ِريقا ً ( ِ ) 168إاله َط ِر َ لَ ْم يَك ُِن ه
آمنُوا َخ ْيرا ً لَ ُك ْم ق ِم ْن َر ِبه ُك ْم فَ ِسو ُل ِبا ْل َح ه ِ الر ُ اس قَ ْد جا َء ُك ُم ه سيرا ً ( ) 169يا أَيُّ َها النه ُ علَى ه ِ
ّللا يَ ِ َ
ع ِليما ً َح ِكيما ً ( ) 170يا أ َ ْه َل ا ْل ِكتا ِ
ب ّللاُ َكان ه ض َو َ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ َّلل ما فِي ال ه َوإِ ْن ت َ ْكفُ ُروا فَ ِإ هن ِ ه ِ
ّللا
سو ُل ه ِ سى ا ْب ُن َم ْريَ َم َر ُ سي ُح ِعي َ ق إِنه َما ا ْل َم ِ ّللا إِاله ا ْل َح ه
علَى ه ِ ال ت َ ْغلُوا فِي دِينِ ُك ْم َوال تَقُولُوا َ
س ِل ِه َوال تَقُولُوا ثَلثَةٌ ا ْنت َ ُهوا َخ ْيرا ً لَ ُك ْم إِنه َما آمنُوا بِ ه ِ
اَّلل َو ُر ُ ح ِم ْنهُ فَ ِ َو َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقاها إِلى َم ْريَ َم َو ُرو ٌ
اَّلل َو ِكيلً ( ض َوكَفى ِب ه ِ ت َوما فِي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ُون لَهُ َولَ ٌد لَهُ ما فِي ال ه س ْبحانَهُ أ َ ْن يَك َ واح ٌد ُ ّللاُ ِإلهٌ ِ ه
) 171
الغلو في الدين سبب ،فيما فات الناس من خير كثير .ومن الغلو في الدين ما توغلوا فيه من
تنزيه الحق حتى أكذبوه ؛ فالمتغالي في دينه ونزه الحق تعالى عما يستحقه فهو وإن قصد
تعظيما بذلك الفعل في التغالي فقد وقع في الجهل وجاء بالنقص ؛ قال تعالى «:يا أ َ ْه َل ْال ِكتا ِ
ب
ّللا ِإ َّال ْال َح َّق » ،وليس الحق إال ما قاله عن نفسه ِ «:إنَّ َما علَى َّ ِ ال ت َ ْغلُوا فِي دِينِ ُك ْم َوال تَقُولُوا َ
ّللا َو َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقاها ِإلى َم ْريَ َم »فمن غلوهم في دينهم وتعظيمهم سو ُل َّ ِ سى اب ُْن َم ْريَ َم َر ُ ْال َم ِسي ُح ِعي َ
ّللا ،وقال من لم يغل في دينه هو عبد ّللا ،وقالت طائفة هو ابن ه لرسلهم قالوا :إن عيسى هو ه
ّللا من حيث النفس الرحماني كما قال تعالى َ «:و َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقاها ّللا وكلمته ،والعالم كله كلمات ه ه
إِلى َم ْريَ َم »وليست غير عيسى عليه السالم لم يلق إليها غير ذلك وال علمت غير ذلك .فلو
ّللا وكالما لها مثل كالمه لموسى عليه السالم ،لسرت ولم تقل« كانت الكلمة اإللهية قوال من ه
ت قَ ْب َل هذا َو ُك ْنتُ نَسْيا ا َم ْن ِسيًّا »فلم تكن الكلمة اإللهية التي يا لَ ْيتَنِي ِم ُّ
ص 568
ص 576 :
ّللا وكلمته وهو عبده ،فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة ألقيت إليها إال عين عيسى روح ه
ّللا عن أمه بذلك ما كان ّللا في نفس الرحمن ،فنفهس ه المعتادة ليكون آية ،فكان نطقه كالم ه
ّللا منه َ «:و ُرو ٌح ِم ْنهُ »وهو النفس الذي أصابها من كالم أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها ه
ّللا ألن جبريل عليه السالم وهو روح القدس كانت به حياته ،وس همي عيسى عليه السالم بروح ه
اح ٌد س ِل ِه َوال تَقُولُوا ثَالثَةٌ ا ْنت َ ُهوا َخيْرا ا لَ ُك ْم إِنَّ َما َّ
ّللاُ إِلهٌ و ِ اّلل َو ُر ُ هو الذي وهبه ألمه «:فَ ِ
آمنُوا بِ َّ ِ
»األحدية أشرف صفة الواحد من جميع الصفات وهي سارية في كل موجود ؛ ولوال أنها
سارية في كل موجود ما صح أن تعرف أحدية الحق سبحانه ؛ فما طلب الحق من عباده إال أن
سبْحانَهُ أ َ ْن يَ ُكونَ لَهُ َولَ ٌد »كما قال تعالى لم يلد ، يعلموا أنه إله واحد ال شريك له في ألوهته ُ «:
ّللا وال أحد من خلقه يكون له وقال سبحانه أن يكون له ولد ؛ فليس الحق بأب ألحد من خلق ه
ولد سبحانه وتعالى .فكما قال تعالى في عيسى َ «:و ُرو ٌح ِم ْنهُ » ،فما شيء من الوجود إال منه
ت َوما سماوا ِ ّلل ما فِي ال َّ .قال تعالى « :وسخر لكم ما في السماوات واألرض » جميعا منه« ِ َّ ِ
يال » .اّلل َو ِك ا فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َو َكفى بِ َّ ِ
ّلل » ،ثم عطف ف ْال َم ِسي ُح »لكونه يحيي الموتى ويخلق ويبرئ« أ َ ْن يَ ُكونَ َ
عبْدا ا ِ َّ ِ « لَ ْن يَ ْست َ ْن ِك َ
فقال َ «:و َال ْال َمالئِ َكةُ ْال ُمقَ َّربُونَ »وهم العالون عن العالم العنصري المولد ،فهم أعلى نشأة ،
واإلنسان أجمع نشأة ؛ فإن فيه الملك وغيره فله فضيلة الجمع ،ولهذا جعله معلم المالئكة
وأسجدهم له .
ص 569
ص 577 :
البرهان قوي السلطان ،ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضالالت وظلمة الشكوك وأوضح به
المشكالت سماه نورا ،وكل ما جاء في معرض الداللة فهو من كونه نورا ،ألن النور هو
المنفر الظلم ،والقرآن ضياء ألن الضياء يكشف ،فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ،
فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ،وفيه ما ليس فيها .فمن أوتي القرآن
فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم األنبياء والمالئكة وكل لسان علم فإن
القرآن يتضمنه ويوضحه ألهل القرآن بما هو ضياء ،فهو نور من حيث ذاته ألنه ال يدرك
لعزته ،وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه .فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
ص 570
ص 578 :
المراجع
- 1الفتوحات المكية طبعة الميمنية .
- 2إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن .
- 3التدبيرات اإللهية في إصالح المملكة اإلنسانية .
- 4كتاب الجالل والجمال .
- 5التنزالت الموصلية .
- 6كتاب المسائل .
- 7ديوان الشيخ األكبر .
- 8كتاب الشاهد .
- 9كتاب النجاة شرح اإلسراء .
- 10كتاب اإلسراء إلى مقام األسرى .
- 11رسالة شعب اإليمان .
- 12رسالة مراتب التقوى .
- 13اإلسفار عن معاني األسفار .
- 14كتاب مواقع النجوم .
- 15كتاب رد اآليات المتشابهات إلى اآليات المحكمات .
- 16كتاب عقلة المستوفز .
- 17كتاب تاج الرسائل .
- 18كتاب فصوص الحكم .
- 19تلقيح األذهان .
- 20كتاب الكتب .
ص 571
ص 579 :
- 21كتاب اإلعالم.
- 22كتاب نقش الفصوص .
- 23رسالة ابن سودكين .
- 24رسالة اليقين .
- 25كتاب عنقاء مغرب .
- 26كتاب األلف .
- 27كتاب منزل القطب .
- 28كتاب التراجم .
- 29كتاب القسم اإللهي.
ص 572
ص 580 :
مراجع جمع اآليات
ص 573
ص 581 :
ح 4 / 407 -ف ح - 173 / 3ح - 422 ، 406 ، 422 ، 456 ، 413 / 1كتاب النجاة
شرح اإلسراء -ح - 422 / 1كتاب النجاة شرح اإلسراء -ح - 261 / 4كتاب النجاة شرح
اإلسراء -ح - 101 / 2ح - 422 ، 492 / 1ح - 407 ، 481 / 4كتاب اإلسراء ،
اإلشارات المحمدية
سورة البقرة
ف ح - 464 / 1ح 40 / 3
) ( 1ف ح - 60 ، 59 / 1ح - 261 / 3ح - 448 / 2ف ح 2 ( 65 ، 63 ، 61 / 1
)ف ح - 63 ، 61 ، 64 / 1ح - 424 / 4ح ) 3 ( 63 / 1رسالة شعب اإليمان ،رسالة
مراتب التقوى -ف ح - 329 / 1ح - 478 / 4ح - 374 ، 98 / 2ح / 520 - 1ح 3
- 379 ، 36 ، 218 ، 232 /ح - 98 / 2ح ، 540 ، 539 ، 386 ، 387 ، 553 / 1
( 4 ) 587 ، 387 ، 541ف ح ) 5 ( 204 / 2ف ح - 525 / 4ح / 660 ( 6 ) 1
ف ح ) 7 ( 278 / 3ف ح - 356 ، 525 / 4ح - 207 ، 136 / 2ف ح / 463 - 3
ديوان ) 8 ( 461ف ح ) 9 ( 618 / 1ف ح - 487 / 4ف ح ( 10 ) 116 / 1ف ح
- 116 ، 475 ، 116 / 1ح - 315 / 3ح ) 12 ( 746 / 1ف ح ) 13 ( 143 / 2
ف ح ) 14 ( 483 / 4كتاب اإلسفار -ف ح ) 15 ( 472 / 3كتاب اإلسفار -ف ح / 3
- 472ح ) 16 ( 414 ، 634 / 2ف ح - 258 ، 329 / 3ح ( 17 ) 541 / 1ف ح
- 608 / 2كتاب مواقع النجوم ( ) 18ف ح ( 19 ) 149 ، 232 ، 163 ، 525 / 4ف
ح - 452 / 2ح ) 20 ( 193 / 4ف ح - 739 / 1ح - 252 ، 116 / 2ح / 289 4
) ( 21ف ح ) 22 ( 400 / 4ف ح - 399 / 1ح ، 227 ، 208 ، 428 ، 429 / 2
- 434 ، 123ح - 386 / 3ف ح - 415 ، 243 / 4ف ح ) 23 ( 131 / 1ف ح 2
) / 394 ( 24ف ح - 496 / 4ف ح - 161 / 2ح ) 25 ( 725 / 1ف ح - 388 / 3
ح 2 / 559 -ح - 668 / 1ح - 435 / 3ح ) 26 ( 500 / 2ف ح 462 ، 468 / 4
-ح - 223 ، 226 ، 2 / 225ح - 174 ، 373 / 3ح - 209 / 1ح - 401 / 4ح 2
/ 226 -ح - 468 / 4ح - 418 / 2ح - 174 / 3ح - 401 / 4ح ) 28 ( 174 / 3
ف ح - 55 ، 379 / 1ح - 24 / 3ح ) 29 ( 535 / 1ف ح - 463 / 2ح - 305 / 4
ح 2 / 115 -كتاب رد اآليات المتشابهات -ح - 114 / 2ح - 124 / 3ح ( 112 / 4
) 30ف ح - 123 / 1ح - 399 / 3ح - 123 / 1ح - 399 / 3ح - 123 / 1ح / 3
156 -ح - 123 / 1ح ، 156 / 3
ص574
ص 582 :
31 -ح - 299 / 4ح - 468 / 2ح - 156 / 3ح - 299 / 4ح - 468 / 2ح / 1
- 109ح - 296 / 3ح - 468 / 2ح - 398 / 3ح - 73 / 1ح - 555 / 2ح / 3
- 282ح - 468 / 2ح ، 156 / 3ح - 67 / 2ح - 156 / 3ح - 745 / 1كتاب عقلة
المستوفز -ح - 280 ، 270 / 3ح - 268 / 2ح - 382 ، 343 / 3ح ، 602 / 2
268 -ح - 81 ، 80 / 3ح - 26 / 4ح - 555 / 2ح - 164 / 3ح - 134 / 1ح 4
/ 68 -ح - 399 / 3ح - 68 / 4ح - 129 / 2ح - 68 / 4ح - 575 / 2ح / 3
- 399 ، 282ح - 251 ، 575 / 2ح - 447 / 4ح - 651 / 2ح - 586 / 1ح / 2
108 -ح - 6 ، 586 / 1ح - 361 / 4ح - 67 / 2كتاب التدبيرات اإللهية ( ) 31ف
ح - 120 ، 603 / 2ح - 191 / 3ح - 355 ، 69 / 2ح - 74 ، 267 / 3ح / 67 2
- 69 ،ح - 216 / 1ح - 68 / 4ح - 71 / 2كتاب التدبيرات اإللهية -ح 4 / 527 -ح
- 399 ، 278 / 3ح - 71 ، 9 / 2ح ) 32 ( 278 / 3ف ح 429 - ، 71 / 2ح / 3
) 33 ( 299ف ح 71 ، 487 ، 71 ، 487 / 2ف ح - 399 / 3ح ( 105 ، / 712
) 34ف ح - 71 / 2كتاب التدبيرات اإللهية -ح - 152 ، 399 / 3ح 1 / 50 -ح / 2
- 255ح - 753 / 1ح - 367 / 3ح - 255 / 2ح ) 35 ( 382 / 3ف ح - 67 / 2
ح - 231 / 1ح - 138 / 3ح - 565 / 2ح - 231 / 1كتاب النجاة ( ) 36كتاب النجاة
-ف ح - 231 / 1ح - 382 / 3ح ) 37 ( 527 / 4ف ح - 565 / 2ح - 302 / 4ح
- 534 / 2كتاب النجاة ( ) 38ف ح - 50 ، 143 / 3ح - 142 / 2ح ) 40 ( 43 / 3
ف ح - 478 / 3ح - 682 / 2ح - 220 / 3ح / 406 - 2ح - 72 / 3ح ، 405 / 4
- 356 ، 351ديوان ) 42 ( 182 /ف ح / 345 ( 43 ) 4ف ح ( 583 ، 584 / 1
) 44ف ح - 358 / 2ح - 543 ، 542 / 1ح / 485 ( 45 ) 4ف ح ، 542 / 1
- 501 ، 542 ، 543إيجاز البيان آية رقم ( 46 ) 144ف ح ) 48 ( 153 / 4ف ح 1
) 52 ( 456 /ف ح ) 55 ( 202 / 2ف ح / 450 ( 57 ) 2ف ح ) 60 ( 16 / 4ف
ح ) 61 ( 644 / 1ف ح ) 62 ( 526 / 4ف ح / 446 ( 65 ) 1ف ح ( 553 / 2
) 67ف ح ) 72 ( 728 ، 596 / 1ف ح ( 73 ) 564 / 1ف ح - 596 / 1ح / 3
- 68تاج الرسائل -اإلسراء -النجاة ( ) 74ف ح / 526 - 4ح - 710 / 1ح 115 / 4
-فصوص الحكم ، 17 /ح - 552 ، 228 / 3ح / 383 - 1ح - 353 / 4ح 383 / 1
( ) 75ف ح - 351 / 3ح - 145 / 1ح ( 79 ) 4 / 2ف ح . )81 ( 526 / 4
ص 575
ص 583 :
ف ح ) 82 ( 150 / 3ف ح - 173 / 2ح ) 83 ( 438 / 4ف ح ) 85 ( 438 / 4ف
ح / 25 ( 86 ) 3ف ح - 506 / 3ح ) 87 ( 281 / 2ف ح - 275 / 1ح - 125 / 3
ح / 168 ( 88 ) 1فصوص الحكم ) 89 ( 13 /إيجاز البيان آية ) 92 ( 42ف ح / 1
) 635 ( 96ف ح ) 102 ( 198 / 2ف ح - 265 / 1ح - 576 / 2ح ( 161 / 4
) 104ف ح ) 105 ( 434 / 4ف ح - 258 / 3ح ) 106 ( 319 ، 302 / 1ف ح 3
- 173 ، 258 /ح ) 107 ( 531 ، 68 / 2ف ح ) 109 ( 53 / 2ف ح ، 510 / 3
( 110 ) 547ف ح ) 111 ( 386 / 1إيجاز البيان آية - 6 /ف ح ) 112 ( 352 / 4
كتاب المسائل ) 114 ( 120 /ف ح ) 115 ( 210 / 2ف ح - 517 / 1ح - 253 / 4
ح - 408 / 3ح - 103 ، 346 / 4ح - 542 / 3ح - 404 / 1رد اآليات المتشابهات -
ح - 517 ، 507 ، 491 / 1ح - 369 ، 256 / 4ح ( 117 ) 306 / 1ف ح / 2
- 421ح - 314 / 4ح - 702 / 1ح ) 121 ( 112 / 3ف ح 413 ، 90 ، 128 / 3
- 128 ،ح - 367 / 4ح - 285 / 3ح - 402 / 4مواقع النجوم ) ( 124النجاة /
اإلشارات اإلبراهيمية -ف ح - 305 / 4ح - 410 / 3ح ( 392 ، 56 ، 305 / 4
) 125ف ح - 723 ، 722 / 1النجاة /اإلشارات اإلبراهيمية -ح ، 361 ، / 358 1
( 126 ) 661النجاة /اإلشارات اإلبراهيمية ( ) 127النجاة /اإلشارات اإلبراهيمية (
) 128ف ح ) 129 ( 142 / 2األعالق -ف ح ( 130 ) 35 / 3ف ح - 354 / 4ح
) 131 ( 723 / 1ف ح - 722 / 1ح ) 132 ( 499 / 3ف ح ) 136 ( 592 / 2ف
ح - 153 ، 414 / 3ح - 87 / 2ح ) 138 ( 167 / 3ف ح / 23 ( 139 ) 3ف ح 1
- 209 /ح ) 143 ( 479 / 4إيجاز البيان آية - 125ف ح 3 / 393 -ف ح 206 / 4
) 144 ( 234 ،ف ح - 161 / 3ح ) 146 ( 712 / 1ف ح 3 / 243 -إيجاز البيان
آية ) 148 ( 43ف ح ) 149 ( 351 / 4ف ح ( 150 ) 406 / 1ف ح - 406 / 1
التنزالت الموصلية ( ) 152ف ح - 446 / 4ح - 119 / 2ح - 446 / 4ح - 543 / 1
ح ) 153 ( 119 / 2ف ح ) 154 ( 468 ، 543 / 1ف ح 1 / 467 -ح - 415 / 4
ح ) 155 ( 521 / 1ف ح - 352 / 4ح - 522 / 1ح / 30 ( 156 ) 2ف ح / 1
- 522ح ) 157 ( 420 / 2ف ح - 522 / 1ح 490 ( 158 ) ، 420 / 2ف ح / 1
- ، 625 ، 708 ، 668ح - 261 / 2ح 176 - ، 708 ، 711 / 1ح - 242 / 4ح 2
- 202 ، 343 /ح ) 163 ( 708 ، 779 ، 733 / 1ف ح / 106 - 4ح ، 323 / 1
- 417ح ) 164 ( 405 / 2ف ح - 140 ، 206 / 1ح .- 335 / 4
ص 576
ص 584 :
ح - 114 ، 630 ، 489 ، 393 ، 2 / 471ح - 206 ، 674 ، 335 ، 552 / 1ح 4
( 165 ) 112 ، / 410ف ح ) 166 ( 29 ، 336 ، 222 / 2كتاب المسائل -ف ح 2
/ 170 -ح - 118 / 3التنزالت الموصلية ( ) 167ف ح - 284 / 4ح ( 263 / 1
) 168ف ح - 273 / 1مواقع النجوم ( ) 170إيجاز البيان ( ) 171ف ح ، 25 / 4
- 233مواقع النجوم -ح - 13 / 3إيجاز البيان -ح ) 173 ( 393 / 3ف ح / 463 2
) ( 174ف ح ) 177 ( 526 / 4ف ح - 177 / 2ح - 553 / 1ح - 37 / 2ح 3 /
( 178 ) 51 ، 50ف ح ) 179 ( 526 / 4ف ح - 408 / 2تلقيح األذهان -ح 2 /
) 408 ( 180ف ح ) 182 ( 526 / 4ف ح ) 183 ( 387 / 4ف ح ، 602 / 1
( 184 ) 628 ، 604ف ح - 612 / 1ح - 543 / 3ح - 486 / 4ح ، 617 / 1
( 185 ) 620 ، 623 ، 629ف ح - 629 ، 626 / 1ح - 174 / 2ح ، 604 / 1
- 604 ، 629 ، 496 ، 629ح - 94 / 3ح ( 629 ، 604 ، 606 ، 629 ، 604 / 1
) 186ف ح / 629 - 1ح - 255 ، 45 ، 71 / 4ح - 522 ، 629 / 1ح - 234 / 4
ح 629 - ، 191 / 1ح - 429 ، 255 ، 71 / 4ح - 629 / 1ح ، 255 ، 71 / 4
- 429ح / 629 - 1ح - 177 / 4رد اآليات المتشابهات -كتاب الكتب -مواقع النجوم -
ح / 284 - 3ح - 345 / 4ح ) 187 ( 462 / 2ف ح - 630 / 1ح - 226 / 4ح 1
/ 630 -ح - 437 - 226 / 4ح - 630 / 1ح - 534 / 2ح 632 ، 631 ، 630 / 1
-ح 3 / 301 -ح - 622 ، 630 ، 497 - 624 / 1ح - 291 / 3ح 496 ، 630 / 1
-ح ) 2 / 160 ( 189ف ح - 606 / 1ح - 11 / 3ح ، 686 ، 723 ، 647 / 1
- 733ح ( 194 ) 158 ، 2 / 157إيجاز البيان ( ) 195ف ح - 342 / 1ح 39 / 2
( ) 196ف ح - 315 ، 198 ، 752 ، 692 ، 691 ، 730 ، 727 ، 726 ، 725 / 1
ح / 596 - 2ح ) 197 ( 752 / 1ف ح - 744 ، 736 ، 683 ، 665 ، 677 / 1ح
( 198 ) 163 / 4ف ح - 164 / 4ح ) 200 ( 718 / 1ف ح ) 203 ( 650 / 1ف
ح 312 ( 204 ) ، 311 / 1ف ح ) 206 ( 355 / 4ف ح ) 209 ( 297 ، 299 / 1
ف ح - 140 / 2ح - 86 / 1ح ) 210 ( 530 / 3ف ح - 677 / 1ح - 4 / 3ر هد
اآليات المتشابهات -ح - 118 / 2ح - 308 / 1اإلعالم ( ) 211ف ح ( 212 ) 5 / 4
نقش الفصوص ( ) 213ف ح - 258 / 2ح ) 216 ( 646 ، 465 / 1ف ح 739 / 1
740 - ،ح ) 217 ( 357 / 3ف ح ) 219 ( 131 / 4ف ح - 171 / 1ح 115 / 2
-ح ./ 235 ( 220 ) 4
ص 577
ص 585 :
ف ح ) 221 ( 506 / 3ف ح - 516 / 3ح - 686 ، 579 / 2ح ) 222 ( 22 / 3ف
ح - 369 ، / 368 1ح - 49 / 4ح - 144 / 2ح - 444 / 1ح 32 ، 341 ، 31 / 2
31 ( 224 ) ،ف ح - 509 / 4النجاة عن حجب االشتباه ( ) 225ف ح ( 299 / 3
) 227ف ح - 576 / 2إيجاز البيان ( ) 228ف ح - 541 / 2ح - 373 / 4ح / 3
- 353 ، 87ح - 136 ، 124 ، 679 / 1ح - 494 ، 415 / 4ح - 10 / 3ح / 4
494 -ح - 182 / 3ح - 403 / 4ح - 87 / 3ح - 471 / 2ح - 207 / 3كتاب
الشاهد ( ) 229ف ح - 369 / 4ح ) 231 ( 160 / 2ف ح - 309 / 4ح ( 243 / 3
) 233ف ح ) 235 ( 650 / 2ف ح - 30 / 2ح - 512 / 3ح - 3 / 4ح ، 137 / 1
730 -ح ) 237 ( 387 ، 219 / 3ف ح ) 238 ( 350 / 4ف ح - 200 / 3ح / 1
696 -ح - 163 / 2ح - 200 / 3ح - 696 / 1ح - 175 / 4ح - 433 / 1ح / 2
27 -ح ) 242 ( 340 / 4ف ح ) 243 ( 58 ، 333 / 3ف ح - 419 / 2ح / 4
( 245 ) 350ف ح - 46 / 3ح - 374 ، 224 / 4ح - 430 / 3ح 225 ، 224 / 4
( ) 247ف ح - 491 / 1ح ) 248 ( 510 / 2ف ح ) 249 ( 59 / 2ف ح 329 / 3
ف ح / 351 ( 251 ) 4ف ح - 523 / 2ح ) 253 ( 336 / 4ف ح - 75 / 4ح / 3
- 442 ، 53ح - 522 / 1ح - 73 / 2األعالق -ح - 68 / 2ح ) 255 ( 145 / 3
ف ح / 693 - 2ح - 464 / 1ح - 172 / 2ح - 317 / 3ح - 172 / 2ح 324 / 3
-ح / 172 - 2ح - 291 / 4ح - 183 ، 172 ، 219 / 2ح - 119 / 3ح 172 / 2
-ح / 753 - 1ح - 172 / 2ح - 322 / 3ح - 131 / 4ح - 437 ، 671 / 2ح / 3
- 461ح - 208 ، 2 / 172ح - 119 / 3ح - 172 / 2ح - 243 / 4ح - 172 / 2
ح / 241 - 4ديوان -ح - 300 ، 172 / 2ح - 462 ، 432 / 3ح - 181 / 2
التنزالت الموصلية ( ) 256ف ح ) 257 ( 283 / 4ف ح - 247 / 2ح ، 147 / 4
- 283رسالة ابن سودكين -ف ح - 283 ، 414 ، 147 / 4ح ) 258 ( 248 / 2ف ح
/ 350 - 3ح - 63 / 4ح - 350 / 3ح - 340 ، 63 / 4ح - 284 / 3ح ، 421 / 4
- 63 ، 421 ، 63ح ) 259 ( 350 / 3الديوان -ف ح ) 260 ( 64 / 2ف ح / 3
- 454كتاب اإلسراء -ح - 213 / 3ح - 615 ، 59 ، 36 ، 520 / 2رسالة اليقين -ح
- 520 / 2عقلة المستوفز -ف ح - 615 ، 92 ، 520 / 2عنقاء مغرب ) ( 261ف ح
- 9 / 3ح - 422 / 2ح ) 264 ( 735 / 1ف ح . -477 / 4
ص 578
ص 586 :
ح - 314 ، 2 / 649ح ) 265 ( 421 / 4األعالق ( ) 268ف ح - 580 / 1ح 4 / 4
-ح - 71 ، 382 ، 71 ، 382 / 3ح - 301 / 1ح - 207 / 3ح - 4 / 4ح ، / 713
- 382ح ) 269 ( 4 / 4ف ح - 272 / 2ح - 456 / 3ح - 279 / 1ح / 391 - 2
ح - 408 / 3ح - 258 / 4ح - 231 / 2ح - 379 / 3ح - 258 / 4ح / 36 - 3ح
- 242 ، 258 / 4ح ) 271 ( 646 / 2ف ح ) 272 ( 590 / 1ف ح - 595 / 2ح
- 498 / 3ح ) 273 ( 49 / 4إيجاز البيان آية ) 275 ( 199ف ح ( 276 271 / 4
)ف ح - 549 ، 547 / 1ح ) 280 ( 136 / 3ف ح - 487 / 4إيجاز البيان آية 162
( ) 281ف ح ) 282 ( 145 ، 342 / 2ف ح - 60 / 2كتاب اإلسفار -ف ح 89 / 3
-ح - 582 / 1ح - 522 ، 521 / 2ح - 254 / 1ح 300 ، 51 ، 557 ، / 1283
-ح ) 284 ( 402 / 4ف ح - 152 ، 319 / 4ح - 355 / 1ح ) 285 ( 296 / 4
ف ح - 91 ، 98 / 2ح - 635 / 1إيجاز البيان آية - 5ف ح 1 / 357 -ح ، 105 / 4
) 286 ( 300التنزالت الموصلية -ف ح - 341 / 1ح / 381 - 2ح 123 ، 348 / 3
- 511 ،ح - 684 ، 535 / 2ح - 381 / 3ح . 434 ، 435 / 1
سورة آل عمران
) ( 1كتاب اإلسراء -كتاب النجاة -كتاب األلف ( ) 2ف ح - 406 / 2ح ، / 3223
( 3 ) 324إيجاز البيان ( المقدمة ) -ف ح ) 4 ( 173 / 3ف ح ( 5 ) 200 / 4ف ح
- 65 / 2ح - 156 / 4ح ) 6 ( 270 / 1ف ح 406 - ، 65 ، 406 ، 65 / 2ح / 3
) 7 ( 58كتاب رد اآليات المتشابهات -ف ح - 195 / 1ح - 250 ، 407 ، 430 / 4ح
- 542 ، 369 / 3ح - 39 ، 595 ، 522 ، 638 / 2ح - 506 / 3كتاب مواقع النجوم
-ف ح - 58 ، 506 ، 542 / 3كتاب رد اآليات المتشابهات ) ( 8ف ح - 595 / 2ح 4
- 217 /ح - 586 / 1ح - 468 / 3ح ) 13 ( 595 / 2ف ح - 319 / 3ح 390 / 4
-ح ) 14 ( 550 ، 478 ، 338 ، 334 ، 335 / 1ف ح / 508 - 3ح - 189 / 2ح
- 508 / 3ح - 189 / 2ح - 505 / 3ح 454 - ، 341 ، 454 / 4ح - 494 / 2ح
) 17 ( 390 / 3ف ح - 39 / 2ح - 430 / 4ح - 660 / 1ح ) 18 ( 39 / 2ف ح
- 8 / 4ح - 325 ، 431 ، 325 / 1ح - 52 / 2ح / 448 - 3ح - 52 / 2ح / 3
- 448ح – 52 / 2كتاب.
ص 579
ص 587 :
مواقع النجوم -ف ح - 559 / 2ح - 372 ، 324 / 1ح - 25 / 2ح - 325 / 1ح 2
- 310 ، 52 ، 310 ، 52 ، 407 ، / 52ح ) 19 ( 667 / 1ف ح - 668 / 1كتاب
فصوص الحكم ( كلمة يعقوبية ) -كتاب تلقيح األذهان ( ) 20كتاب النجاة -ف ح 1 /
433 -ح ) 21 ( 467 / 3ف ح - 17 / 2ح - 251 / 1كتاب عقلة المستوفز -ف ح 3
- 5 ، 85 ، 467 ، 311 /ح - 410 / 4ح ) 22 ( 211 / 2ف ح ( 25 ) 3 / 2ف ح
) 26 ( 154 / 3ف ح - 618 / 1ح - 421 / 4ح - 245 / 3ح - 420 / 1ح / 4
) 28 ( 389 ، 355ف ح ) 29 ( 203 / 4ف ح ) 30 ( 390 / 3ف ح / 485 - 2ح
- 233 ، 81 / 3ح - 319 ، 619 / 2ح - 751 / 1ح - 389 / 2كتاب اإلسفار عن
نتائج األسفار ( ) 31كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 486 / 1ح - 341 ، 2 / 32ح 4
- 105 /ح - 341 / 2ح - 321 / 3ح 102 - ، 456 ، 348 / 4ح 717 ، 463 / 1
- 637 ،ح - 456 ، 414 ، 270 / 4ح - 498 / 2ح / 414 ( 32 ) 3ف ح / 4
) 36 ( 104ف ح - 417 / 2ح ) 37 ( 509 / 3كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 38
ف ح ) 39 ( 509 / 3ف ح - 509 / 3كتاب النجاة شرح اإلسراء -ف ح ( 509 / 3
) 40ف ح ) 41 ( 509 / 3كتاب تلقيح األذهان -ف ح - 278 ، 326 / 3ح 174 / 1
- 189 ،ح ) 42 ( 414 / 4ف ح / 437 ( 43 ) 4ف ح ) 45 ( 515 / 1ف ح / 3
- 11ح ) 46 ( 443 ، 421 / 4ف ح / 347 ( 47 ) 3ف ح ) 49 ( 414 / 2ف ح
- 274 ، 675 / 2ح - 276 / 1ح - 386 ، / 1493كتاب ذخائر األعالق ( ) 52ف
ح - 223 / 1ح ) 53 ( 8 / 2ف ح / 614 ( 54 ) 1ف ح ) 59 ( 131 ، 120 / 2
ف ح - 125 ، 679 ، 125 / 1ح / 297 - 3ح - 136 / 1كتاب األلف -كتاب تلقيح
األذهان ( ) 62ف ح ( 64 ) 258 / 4ف ح - 228 / 1ح ) 67 ( 350 / 3ف ح / 1
) 68 ( 722ف ح ) 73 ( 154 / 3ف ح ) 73 ( 432 / 4ف ح ) 74 ( 432 / 4ف
ح - 329 / 1ح - 569 / 2ح / 163 - 3كتاب إيجاز البيان ( ) 75ف ح ( 138 / 4
) 78كتاب التنزالت الموصلية ) ( 84ف ح ) 85 ( 167 ، 153 / 3ف ح ( 751 / 1
) 91كتاب إيجاز البيان ) ( 92ف ح ) 95 ( 573 / 1ف ح ) 96 ( 306 / 4ف ح / 1
( 97 ) 360 ، 757 ، 756 ، 99 ، 360 ، 99 ، 757ف ح ، 99 ، 757 ، 99 / 1
- 673 ، 671 ، 669 ، 695 ، 668 ، 695 ، 668 ، 695 ، 669 ، 695ح / 3
- 405ح - 474 / 2ح - 101 / 4ح 3 / 557 -ح - 541 / 2ح - 364 / 3ح / 2
- 518ح . -178 / 3
580
ص 588 :
ح - 291 ، 1 / 439ح - 429 ، 227 / 2ح - 375 ، 289 ، 364 ، 42 ، 316 / 3
ح / 62 - 4ح ) 98 ( 276 ، 306 ، 299 / 3كتاب التنزالت الموصلية ( ) 99ف ح 2
) / 208 ( 101ف ح ) 102 ( 406 / 4ف ح ) 103 ( 492 ، 158 / 2ف ح / 4
- 85ح - 744 / 1ح - 249 / 3ح - 469 ، 38 / 2ح - 85 / 4ح - 744 / 1ح 3
) / 407 ( 104ف ح - 358 / 3ح ) 106 ( 400 / 1ف ح - 536 / 3ح 349 / 4
) ( 110ف ح - 519 / 3ح - 135 / 2ح - 333 / 4ح - 124 / 2ح ، 169 / 3
321 - ، 142كتاب منزل القطب ( ) 114ف ح - 747 ، 453 / 1ح ( 357 / 3
) 117كتاب ذخائر األعالق ( ) 122ف ح - 199 / 2ح ) 125 ( 221 / 4ف ح / 2
- 251ح ) 126 ( 362 / 4ف ح ) 128 ( 251 / 2ف ح ) 133 ( 105 / 3ف ح 1
- 735 ، 734 ، 453 /كتاب النجاة في شرح اإلسراء ( ) 134ف ح - 39 / 2ح / 4
- 487ح ) 135 ( 551 ، 169 / 3ف ح - 9 / 3ح ) 136 ( 232 / 1ف ح 39 / 2
-كتاب مواقع النجوم ( ) 138ف ح - 387 / 4كتاب تاج الرسائل ( ) 139ف ح / 2
( 141 ) 39ف ح ) 144 ( 249 / 3ف ح - 262 / 2ح - 16 ، 372 / 3ح / 4
- 276ح / 16 - 3ح - 276 / 4ح - 372 / 3ح ) 146 ( 39 / 2ف ح ، 343 / 2
- 342ح / 456 ( 148 ) 4ف ح - 734 / 1ح ) 150 ( 344 / 2ف ح ( 39 / 2
) 151ف ح / 144 ( 154 ) 3ف ح ) 159 ( 436 / 3ف ح - 270 / 4كتاب
التدبيرات اإللهية -ف ح - 406 / 3ح - 356 / 4ح - 473 ، 472 / 3ح - 356 / 4
ح - 259 / 2ح / 262 - 3ح - 423 / 2ح - 398 / 4ح - 437 / 1كتاب التنزالت
الموصلية ) ( 160ف ح ) 161 ( 362 / 4ف ح ) 163 ( 145 / 2ف ح ( 588 / 2
) 167ف ح ( 169 ) 302 / 1ف ح - 75 / 4ح - 312 / 2ح - 67 / 4ح 146 / 2
-ح - 75 / 4ح / 146 - 2ح - 521 ، 467 / 1ح ) 170 ( 340 / 4ف ح / 4
- 271ح ( 173 ) 4 / 3ف ح ) 174 ( 410 / 2ف ح ) 175 ( 410 / 2كتاب
اإلسفار عن مقام األسفار -ف ح - 184 / 2ح - 574 / 1ح ) 178 ( 38 / 2ف ح / 4
- 225كتاب إيجاز البيان ( ) 179ف ح - 614 / 1ح ) 180 ( 405 / 4ف ح / 2
- 296ح 102 ( 181 ) ، 135 / 3ف ح - 317 ، 535 ، 317 ، 46 ، 147 / 3ح
- 214 ، 264 / 2ح / 600 - 1ح ) 184 ( 264 ، 511 / 2ف ح 185 ( 112 / 3
) ف ح - 107 / 3ح / 745 - 1ح - 558 / 3ح ) 187 ( 352 / 4ف ح -753 / 1
.
581
ص 589 :
ج ( 190 ) 439 / 3ف ح - 291 / 3ح ) 191 ( 206 / 1ف ح - 429 / 4ح / 2
- 230ح - 149 / 4ح - 230 / 2كتاب النجاة في شرح اإلسراء ( ) 193ف ح / 2
( 195 ) 39 ، 473ف ح ) 200 ( 117 / 4ف ح . 482 ، 347 ، 482 / 4
سورة النساء
) ( 1ف ح - 501 / 3فصوص الحكم -ف ح - 445 / 2ح - 314 / 3ح ، 124 / 1
679 -كتاب األلف -ف ح - 531 ، 417 ، 314 / 3ح - 5 / 1كتاب تلقيح األذهان -
كتاب التراجم -كتاب تلقيح األذهان -ف ح - 381 / 3ح ) 3 ( 296 / 1ف ح 516 / 3
-ح - 580 ، 603 / 2كتاب الشاهد ( ) 6إيجاز البيان -ف ح ( 11 ) 250 ، / 249 4
ف ح - 413 ، 475 / 3ح - 580 ، 577 ، 617 / 1ح / 435 - 2كتاب األلف ( 14
) ف ح ) 17 ( 59 / 3ف ح ) 18 ( 657 / 1ف ح ( 19 ) 657 / 1ف ح ( 505 / 3
) 20إيجاز البيان ( ) 23ف ح ) 24 ( 512 / 3ف ح ( 25 ) 271 ، / 3514ف ح 4
) 26 ( 351 /ف ح ) 27 ( 553 ، 168 ، 166 / 2ف ح / 191 ( 28 ) 2ف ح / 2
) 29 ( 643ف ح - 291 ، 360 / 3ح ( 33 ) 535 ، 534 / 1كتاب تلقيح األذهان -
ف ح ) 34 ( 507 / 1إيجاز البيان -ف ح ( 43 ) 235 / 4ف ح - 355 / 1ح / 4
- 176ح - 370 / 1ح - 144 / 3ح 375 - ، 370 ، 332 / 1ح ) 48 ( 486 / 4
ف ح - 418 / 3ح - 947 / 1ح - 309 / 3ح - 725 / 1ح ) 56 ( 107 / 4ف ح
- 3 ، 123 / 3ح - 248 ، 151 / 4ح - 172 / 3ح / 248 ( 57 ) 4كتاب ذخائر
األعالق ( ) 58ف ح - 705 ، 554 / 1ح - 139 / 4ح / 631 - 2ح ، 236 / 4
) 59 ( 348ف ح - 263 / 1ح - 471 / 2ح - 263 / 1ح / 475 - 3ح ، 3 / 4
- 125 ، 122ح - 263 / 1ح - 222 / 3ح - 263 / 1ح - 59 ، / 1393ح / 4
- 471ح - 167 / 3ح - 446 / 1كتاب اإلسراء وكتاب النجاة -ف ح ) 64 ( 122 / 4
ف ح ) 65 ( 193 / 4كتاب القسم اإللهي -ف ح / 126 ( 66 ) 2ف ح 69 ( 127 / 4
) ف ح - 24 ، 76 / 2ح - 448 / 1ح 25 - ، 24 / 2ح - 123 / 4ح 76 ( 25 / 2
) ف ح - 133 / 1كتاب التنزالت الموصلية ) ( 77إيجاز البيان -ف ح 353 ، 178 / 2
( ) 78ف ح - 286 / 1ح - 64 / 2ح 4 / 18 -ح - 521 / 3ح - 286 ، 64 / 2ح
- 365 / 3كتاب ذخائر األعالق -ف ح - 381 ، 129 / 4ح ) 79 ( 204 / 1ف ح 3
- 521 /ح - 64 / 2ح - 286 / 1ح - 211 ، 521 / 3ح ..، 659 / 2
582
ص 590 :
630 -ح - 358 / 3ح ) 80 ( 556 / 1ف ح - 122 ، 281 / 4ح - 547 / 3ح 2
- 471 ، / 470ح - 348 ، 238 / 4ح - 433 ، 403 / 1ح ) 82 ( 338 / 4ف ح
/ 504 - 1ح ) 83 ( 479 ، 116 / 3ف ح ) 85 ( 502 ، 270 / 3ف ح 112 / 3
) ( 86ف ح ) 87 ( 445 ، 477 / 1ف ح ) 92 ( 408 / 2ف ح ) 93 ( 603 / 2
ف ح / 333 - 3ح - 692 / 2ح ) 95 ( 97 / 1ف ح ) 96 ( 145 ، 33 / 2ف ح 2
692 ( 97 ) ، 148 /ف ح - 247 / 3ح ) 99 ( 491 / 4ف ح ) 100 ( 303 / 4
ف ح / 529 - 2ح - 24 ، 23 / 4ح ) 101 ( 37 / 2ف ح ) 103 ( 468 / 1ف ح
- 390 / 1ح ) 105 ( 176 / 4ف ح - 69 / 3إيجاز البيان -ف ح ) 108 ( 166 / 2
ف ح / 173 ( 110 ) 4ف ح ) 113 ( 442 / 4ف ح ) 114 ( 110 / 4ف ح / 2
- 315ح / 485 - 4كتاب تلقيح األذهان ( ) 116ف ح - 518 / 3كتاب القسم اإللهي -
ف ح ) 4 / 106 ( 117ف ح ) 125 ( 564 / 1ف ح - 385 / 4ح - 23 ، 362 / 2
ح / 270 - 3ح ) 126 ( 363 / 2ف ح - 300 / 3ح - 68 / 4ح 496 ، 104 / 1
517 ( 128 ) ، 506 ،ف ح ) 129 ( 586 / 1ف ح ) 133 ( 348 / 4ف ح / 2
656 - ، 657 ، 169ح - 300 / 4ح ) 136 ( 729 / 1ف ح - 616 / 2ح / 4
- 304 ، 465ح / 328 - 3ح - 304 / 4ح - 283 / 1ح - 410 / 4ح - 479 / 3
ح ( 140 ) 593 ، 592 / 2كتاب مواقع النجوم -ف ح - 81 / 2كتاب مواقع النجوم -
ف ح ( 142 ) 81 / 2ف ح - 145 / 4إيجاز البيان -ف ح ) 145 ( 535 / 2إيجاز
البيان -ف ح - 387 / 3ح ) 148 ( 335 ، 302 ، 298 / 1ف ح - 104 ، 174 / 4
ح / 338 ( 149 ) 1ف ح ) 150 ( 322 / 3إيجاز البيان -ف ح - 94 / 4ح / 3
( 151 ) 375ف ح - 212 / 4ح ) 157 ( 414 / 1ف ح - 388 / 2ح ( 205 / 2
) 159ف ح - 545 ، 1 / 135ح ) 162 ( 238 ، 513 / 3ف ح ، 552 ، 551 / 1
( 164 ) 562 ، 553 ، 554 ، 584ف ح - 192 / 1ح - 21 / 2ح - 211 / 3ح 2
- 428 ، 400 /ح - 369 / 4كتاب اإلسراء ( ) 165ف ح - 83 / 3ح ( 212 / 4
) 166ف ح / 243 ( 171 ) 3ف ح - 73 / 4ح - 283 ، 398 / 3ح ، 400 / 2
- 331ح - 346 / 3ح - 636 / 1ح - 210 / 3ح - 552 / 1ح ) 172 ( 406 / 4
ف ح ) 174 ( 202 / 2ف ح - 352 / 4إيجاز البيان ( المقدمة ) -ف ح - 94 / 3ح 2
) 176 ( 107 /كتاب األلف.
583
ص 591 :
فهرس الجزء األول رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن
الموضوع الصفحة
المقدمة 3
االفتتاح 7
كون القرآن حروفا 8
كون القرآن نورا ،ضياء ،شفاء ،رحمة ،هدى 10
كون القرآن ذكرا ،عربيا ،مبينا 11
تفسير القرآن 11
المناسبة بين آي القرآن 13
المجاز في القرآن 14
نصيحة وتنبيه 14
اإلشارة 15
سورة الفاتحة
أسماء الفاتحة 17
إشارة من اسم فاتحة الكتاب وأم الكتاب 18
البسملة فاتحة الفاتحة 20
دحض ما جاء في فتاوى اإلمام ابن تيمية وما نسب إلى الشيخ األكبر ابن العربي أنه يقول :إن
وجود المحدث هو عين وجود القديم وأنه ينكر التمييز بين القديم والمحدث 25
إشارة إلى معنى اسم الرب بالثابت 26
نصيحة :الرحمن الرحيم 27
الفاتحة في الصالة 33
ص 584
ص 592 :
همة عالية شريفة 39
سورة البقرة
الحروف 42
تفسير من باب اإلشارة -ألم
بحث في اإليمان 48
شعب اإليمان 54
طب 63
الناس من باب اإلشارة 64
تنبيه عند الذكر 70
ّللا األرض فراشا ؟ 78
إشارة لطيفة :كيف جعل ه
إعجاز القرآن « آية 79 » 23
صالة الجنازة على الطفل 86
بحث في االستواء 88
رقيقة -القصد من خلق الثقلين 90
تحقيق -العالم ال يرمي بشيء من الوجود 91
خلق الخليفة من العناصر 93
ما هو اإلنسان ؟ 94
خلق اإلنسان الكامل األول باليدين وعلى الصورة اإللهية 96
حكم الصورة اإللهية التي خلق عليها اإلنسان 100
الخليفة واحد 101
تتابع الخلفاء في األرض 101
لم كان الخليفة في األرض ؟ 103
شعر في اعتراض المالئكة 107
ّللا تعالى آدم 109
األسماء التي علمها ه
كيف توجه الخطاب على إبليس وهو ليس من صنف المالئكة ؟ 116
ص 585
ص 593 :
وصية -معصية الحبيب على الحبيب شديدة 120
إشارة :الربوبية حضرة اإلصالح 121
تنبيه :احذر أن تفي ليفي إليك 125
إشارة :الرب رب والعبد عبد 126
إشارة :فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا 135
إشارة :ال يقوم تركيب إال بحل تركيب 147
إشارة :اضربوه ببعضها 147
تحقيق :الحجارة عبيد محققون 148
ت قُلُوبُ ُك ْم »اآلية 149 تفسير من باب اإلشارة «:ث ُ َّم قَ َ
س ْ
قصة هاروت وماروت 165
ما ننسخ من آية أو ننسها -اآلية 170
ّللا عليه وسلم على الراحلة 183 ّللا صلهى ه رقيقة :وتر رسول ه
تالوة القرآن حق تالوته 186
تفسير من باب اإلشارة :من حيث خرجت فو هل وجهك 221
إشارة في العمرة 233
إشارة في السعي 233
التوحيد األول في القرآن ،توحيد الواحد باالسم الرحمن 234
تحقيق :التخيير اختبار وابتالء 259
إشارة الصوم 263
تفسير من باب اإلشارة َ «:و ْليُؤْ ِمنُوا ِبي »266
يب »266 تحقيق «:فَإِ ِنهي قَ ِر ٌ
نصيحة :الدعاء باألسماء اإللهية 269
باس لَ ُه َّن »270باس لَ ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم ِل ٌ
إشارة ُ «:ه َّن ِل ٌ
إشارة إلى عرفات وجمع ومزدلفة 295
إشارة من قراءة 315
ص 586
ص 594 :
إشارة واعتبار :المرأة والنفس والحيض 335
علَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ »341
لرجا ِل َ
« َو ِل ِ ه
إشارة من درجة الرجال 345
ّللا فقد ظلم نفسه 347
إشارة :من يتعدى حدود ه
إشارة :إال من اغترف غرفة بيده 372
ّللا عليه وسلم من الخلق 374 مكانة محمد صلهى ه
التوحيد الثاني في القرآن ،توحيد الهوية وهو توحيد االبتداء 379
بحث في الكرسي 382
تنزيه األنبياء مما نسب إليهم المفسرون 388
سورة آل عمران
إشارة -مبادي السور المجهولة 408
التوحيد الثالث في القرآن ،توحيد حروف النفس 408
نصيحة :كل إنسان أعلم بحاله 411
تفسير من باب اإلشارة -هو الذي يصوركم في األرحام 411
التوحيد الرابع في القرآن ،توحيد المشيئة 411
الظاهرية والباطنية 418
التوحيد الخامس في القرآن ،توحيد الهوية والشهادة على االسم المقسط 422
باّلل 425
فائدة -قلب العارف كنز العلم ه
إشارة إلى االنقياد -تحقيق 426
من جملة الخطابات اإللهية البشارات 427
تحقيق :عين الثبوت هو عين القضاء 429
تنبيه :تجلي الحق في كل صورة 430
باّلل 431 العلم ه
اإلنسان ال يخلو أن يكون واحدا من ثالثة بالنظر إلى الشرع 433
إشارة :الزم موضع عبادتك 436
ص 587
ص 595 :
سلطان الخيال ووحم المرأة 437
اإلشارة صريحة في األمر المطلوب 439
ّللا َك َمث َ ِل آ َد َم » . . .اآلية 443
ينزه ِ «440إ َّن َمث َ َل ِعيسى ِع ْن َد َّ ِ المنزه ال ه ه إشارة :
خطأ من قال باكتساب النبوة 447
وّلل على الناس حج البيت 453 إشارة :ه
ّللا العالم مع كونه غنيا عن العالمين ؟ 456 لم أوجد ه
إشارة واعتبار :الخواطر األربعة 456
ّللا حق تقاته « . . .اآلية » 458 يا أيها الذين آمنوا اتقوا ه
أصل قول الناس هذا ببركة فالن ،وهذا بهمة فالن 459
اس »اآلية 461 ت ِللنَّ ِ« ُك ْنت ُ ْم َخي َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ
ش ْي ٌء »اآلية 466 ْس لَ َك ِمنَ ْاأل َ ْم ِر َ « لَي َ
عوا إِلى َم ْغ ِف َرةٍ ِم ْن َر ِبه ُك ْم »466 سار ُتفسير من باب اإلشارة َ «-و ِ
عام ِلينَ » *اآلية 468 « نِ ْع َم أ َ ْج ُر ْال ِ
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم 471 ّللا عنه عند موت رسول ه موقف أبي بكر الصديق رضي ه
ّللا عليه وسلم بالرعب 475 ّللا صلهى ه نصر رسول ه
تحقيق :الفرق بين النية واإلرادة والقصد والهمة والعزم والهاجس 478
الشهيد حي يرزق ويأكل 480
مسئلة :الشهيد بالنص حي ،فكيف يورث ماله ،وتنكح عياله ؟ 480
ّللا السماوات واألرض وهي ملكه ؟ 484 كيف يرث ه
نصيحة :الزم استحضار الفقر في كل نفس وعلى كل حال 485
ض »اآلية 488 ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ق ال َّنصيحة َ «:ويَتَفَ َّك ُرونَ ِفي خ َْل ِ
سورة النساء
واح َدةٍ » *490 قوله تعالى« َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس ِ
إشارة إلى أن العالم وجد من واحد 492
ص 588
ص 596 :
إشارة إلى ملك اليمين 494
إشارة إلى قوة المرأة وضعف الرجل 496
لم سمي اإلنسان إنسانا ؟ 500
الصالة على من قتل نفسه 501
التيمم 505
إشارة واعتبار من االغتسال 506
باّلل 507
إشارة واعتبار نواقض الوضوء في المعرفة ه
إشارة واعتبار في الجنابة 508
إشارة واعتبار في حكم دخول الجنب المسجد 508
إشارة واعتبار من التيمم 508
ّللا ال يغفر أن يشرك به 511 تحقيق :إن ه
جسد اإلنسان طائع هّلل مشفق 512
أمانة بني شيبة 514
ليس ألولي األمر أن يشرعوا شريعة 516
إشارة إلى االتباع 517
تفسير من باب اإلشارة َ «:وأُو ِلي ْاأل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم »517
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم من أصحابه 517 تحقيق :نحن اليوم أبعد في المعصية لرسول ه
ّللا عليه وسلم 518 ّللا صلهى ه االستغفار عند زيارة رسول ه
األنبياء على نوعين 520
ّللا عليه وسلم فقد كذب وكفر 521 من ادعى نبوة التشريع بعد محمد صلهى ه
ّللا فقد نال ما دونه 522 من نال الصالح من عباد ه
العنصر األعظم في اإلنسان والعنصر األعظم في الجان 524
إشارة :فما لهؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثا 526
نصيحة :من شرف العلم 526
مسألة نسبة األفعال 527
ص 589
ص 597 :
االجتهاد عند الشيخ األكبر 533
رد السالم على المالئكة في صالة الصبح وصالة العصر 534
التوحيد السادس في القرآن 535
المجاهدون أربعة أصناف 537
ّللا عليه وسلم من مسلم يقيم بين أظهر المشركين 538 براءة النبي صلهى ه
قصر الصالة في السفر والجمع 541
إشارة :السفر 541
ال قضاء على من أخرج الصالة مفروضة عن وقتها 542
االجتهاد هو طلب الدليل على تعيين الحكم ال في تشريع حكم 544
الخلة «549يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِآمنُوا »553
إشارة واعتبار في الزكاة 563
إشارة :لم خص موسى عليه السالم بالكالم ؟ 566
تحقيق :وحدانية المرأة وفردانية الرجل 570
ص 590
ص 598 :