Professional Documents
Culture Documents
الصمت الأسري أبعاده الاجتماعي
الصمت الأسري أبعاده الاجتماعي
اعداد:
حسني ابيل
أبريل 2023م
ال تزال ظاهرة الصمت األسري من أخطر الظواهر اليت تعاين منها اجملتمعات ،ويقصد هبا انعزال
أحد أفراد األسرة عاطفيا أو جسداي بسبب عالقة أو تصور سليب يرتتب عليه انعدام الكالم وتقليص
احلوار وبرود يف املشاعر مما يؤدي إىل عرقلة التفاعل بني أفراد األسرة.
والغرض من هذا البحث هو وصف الظاهرة وصفا دقيقا وتتبع أشكاهلا وأنواعها ،وتناول األبعاد
االجتماعية هلا من خالل حتديد العوامل املؤدية إليها ،واآلاثر السلبية اليت ترتتب عليها ،وبعض املعاجلات
االجتماعية هلا وتناول احللول واملعاجلات الشرعية والفقهية .مت التوصل إىل املعاجلات واحللول من خالل
النظر يف الشرع احلنيف والفقه اإلسالمي ومقاصد الشريعة والقواعد الفقهية ،ومنظومة احلقوق الشرعية،
واملنظومة األخالقية.
واستخدمت املنهج املختلط الذي جيمع بني املنهج الوصفي والتحليلي واملقارن ،ومت القيام
ابلوصف الدقيق للظاهرة وتتبع أشكاهلا وأنواعها ،وبتحليل النصوص للوصول إىل مدى مناسبة االحكام
الفقهية املعاجلة للظاهرة مع واقع األسرة املعاصرة ،ومبقارنة اجلانب الفقهي واالجتماعي بشكل عام.
كانت النتيجة العامة للبحث هي؛ أن الصمت األسري ضرر على األسرة وعلى اجملتمع بكل ما فيه
وأن املعاجلة الشرعية والفقهية اليت أوردانها يف هذا البحث ميكن هلا أن تعاجل املشكلة بشكل واضح.
ii
ABSTRACT
The phenomenon of familial silence /Estrangement is still one of the most dangerous
member because of a negative relationship or perception towards one another that creates an
trace its forms and types, address its social dimensions by identifying the factors leading to it,
its negative effects, some of its social remedies, as well as addressing its Islamic legal and
jurisprudential solutions and remedies. Remedies and solutions were arrived at by examining
Islamic law, Islamic jurisprudence, the higher objectives of Sharia, the Islamic jurisprudential
maxims, the sharia legal rights system, and the ethical system.
The mixed approach that combined the descriptive, analytical, and comparative
approach was used, and an accurate description of the phenomenon was carried out, its forms
and types were traced, and the texts were analyzed to reach the extent to which the
jurisprudential rulings dealing with the phenomenon are appropriate with the reality of the
contemporary family. The Islamic jurisprudential and social aspects were also compared in
general.
The general result of the research was that familial silence/ Estrangement is harmful to
the family and the society at large and that the Islamic legal and jurisprudential remedies that
iii
فهرس احملتوايت
iv
الفرع الثاين :اآلاثر االقتصادية والقانونية لظاهرة "الصمت األسري" 46 .............................
املبحث الثاين" :الصمت األسري" واملعاجلة االجتماعية 49 ..............................................
املطلب األول :املعاجلة املؤسساتية لظاهرة الصمت األسري 49 .......................................
الفرع األول :املعاجلة من خالل املدارس واملؤسسات التعليمية 49 ..................................
الفرع الثاين :املعاجلة من خالل املؤسسات اخلريية والوقفية واملنظمات احلكومية وغري حكومية51 .... .
الفرع الثالث :املؤسسات الصحية53 .............................................................
الفرع الرابع :املؤسسات االقتصادية 54 ...........................................................
املطلب الثاين :املعاجلة االجتماعية غري املؤسساتية لظاهرة الصمت األسري 55 .........................
الفرع الثاين :التوعية 55 ..........................................................................
الفرع الثاين :األسرة الوالدية 56 ..................................................................
املبحث الثالث :املعاجلة الشرعية والفقهية لظاهرة " الصمت األسري" 58 ................................
املطلب األول :مقاصد الشريعة فيما خيص األسرة وعالقتها ابلرتابط األسري58 ...................... .
الفرع األول :مقصد تنظيم العالقة بني اجلنسني60 .................................................
الفرع الثاين :مقصد حفظ النسل 62 ..............................................................
الفرع الثالث :مقصد السكن واملودة والرمحة64 ...................................................
الفرع الرابع :مقصد حفظ النسب 65 ............................................................
الفرع اخلامس :مقصد حفظ التدين يف األسرة66 ..................................................
الفرع السادس :مقصد تنظيم اجلانب املؤسسي لألسرة 68 .........................................
الفرع السابع :مقصد تنظيم اجلانب املال 69 ......................................................
املطلب الثاين :بعض القواعد الفقهية احلاكمة لظاهرة "الصمت األسري" 72 ...........................
الفرع األول :قاعدة الضرر يزال والضرر ال يزال مبثله 72 ..........................................
الفرع الثاين :قاعدة التصرف على الرعية منوط ابملصلحة 73 .......................................
الفرع الثالث :قاعدة درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل 75 .......................................
v
الفرع الرابع :يتحمل الضرر اخلاص لتجنب الضرر العام 76 ........................................
املطلب الثاين :منظومة احلقوق الشرعية والفقهية وأثرها يف ضبط العالقات الزوجية 78 .................
الفرع األول :إعطاء القوامة للرجل 78 ............................................................
الفرع الثاين :معاجلة النشوز ومنع الشقاق 79 ......................................................
الفرع الثالث :توزيع األعمال التكليفية واملالية بني الزوجني 81 .....................................
املطلب الرابع :املنظومة األخالقية وأثرها يف ضبط العالقات األسرية 83 ...............................
الفرع األول :العدل 83 ..........................................................................
الفرع الثاين :حسن العشرة 86 ...................................................................
الفرع الثالث :األمانة 91 .........................................................................
اخلامتة :وفيها أهم النتائج والتوصيات94 ...............................................................
املصادر 97 ..........................................................................................
vi
شكر وتقدير
أشكر هللا تعاىل على منّه وأسعى دائما للحصول على فضله حىت اللحظة األخرية .وبطريقة خاصة،
أقدر كثريا زمالئي للمساعدة اليت قدموها إلجناز هذا املشروع واليت مكنتين من متابعة هذه املرحلة.
أعرب عن تقديري للدعم املقدم والدروس الفريدة من أستاذان ومشريف يف هذا البحث الدكتور حممد
حممود اجلمال متعه هللا بكامل الصحة والعافية.
vii
اإلهداء
viii
املقدمة
احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم ،أما بعد:
إن األسرة يف عاملنا املعاصر تعاين من مشاكل وكوارث كثرية بسبب التغريات احلديثة يف مفهوم
األسرة ودورها يف اجملتمع .لقد دعت بعض التيارات االجتماعية املعاصرة إىل مفاهيم جديدة قوامها
احلرية املطلقة يف التصرف والتفكري عند تناول مواضيع مثل حقوق اإلنسان أبنواعها املختلفة كحقوق
املرأة وحقوق األطفال حيث ابلغو فيها لدرجة أهنا صارت تقضي على القيم احلميدة اليت كانت أساس
الرتابط األسري ومنع الصراعات األسرية .وإضافة إىل ذلك ،قد أدت وسائل التواصل االجتماعي إىل
خلق عالقات بني األفراد يف خمتلف أحناء العامل ولكن على حساب العالقات األسرية .ونتيجة لذلك،
قد تقلص آليات التواصل والتفاعل بني أفراد األسرة الواحدة واضمحل لغة احلوار بينهم وأصبح الشخص
يف األسرة الواحدة بني أهله ميت ابرد ،وحي يف عامل التواصل االجتماعي ما جيعل احلياة داخل األسرة
يسودها عدم االهتمام والالمباالة والصمت وضعف الرغبة يف تبادل األحاديث و" تفكك الشكل
االجتماعي لألسرة وتفرق أفرادها"(.)1
ويف الشريعة االسالمية ،ليست األسرة مؤسسة معزولة ،بل تعترب جزءًا ال يتجزأ عن اجملتمع.
و"انتظام أمر العائالت يف األمة أساس حضارهتا وانتظام جامعتها ولذلك كان االعتناء وضبط نظام
العائلة من مقصد الشرائع البشرية كلها"( .)2وقد عملت الشريعة على ضبط نظام العائلة وحفظ
استقرارها واستمرارها من خالل تركيزها مبدئيا على صالح الفرد من خالل األمر ابملعروف والنهي عن
املنكر ،وأداء الواجبات ،وفروض الكفاايت ،ومراعات احلقوق ،وغري ذلك لكونه العضو األساسي يف
ذلك النظام .ولقد أثبتت هذه الفلسفة اإلصالحية اإلسالمية كفاءهتا ألهنا عاجلت قضااي ال تتعلق
( )1املليجي ،شيما مصطفى ،وآخرون" .الصمت األسري هل أصبح مرضا يهدد األسرة العربية؟" .جملة األمن واحلياة304 ،
(1428ه) ،ص .23
( )2ابن عاشور ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،ج ،3حتقيق حممد احلبيب ابن اخلوجة ،ص 421
1
ابلفرد فحسب ،بل وأبي سياق للعالقة ينخرط فيه .وإرشاد الشريعة للمتزوجني ابلتمسك مببدئ
"املعاشرة ابملعروف" ،يعزز اإلميان أبن أعضاء األسرة يؤدون دوراً هاماً يف تطوير وتطور مشاكل األسرة.
هذا البحث يتناول أحد الظواهر االجتماعية اليت هتدد األسرة واجملتمع بكل ما فيه وهو الصمت
األسري .ويُستخدم مصطلح الصمت األسري لإلشارة إىل انعزال أحد أفراد األسرة على األقل بنفسه
عن قصد عن فرد آخر من أفراد األسرة على األقل بسبب عالقة سلبية أو تصور ما انعزاال عاطفيا أو
جسداي ينتج عنه تعطيل لغة الكالم وتقلص جسور احلوار وعجز يف توصيل حس املشاعر جتاه ما
يعانيها أفراد األسرة من مشكالت واضطراابت تعرقل سري التفاعل لدى األسرة .وللظاهرة مسميات
أخرى كالقطيعة األسرية ،واخلرس األسري ،واملعاملة الصامتة وغريها .فالبحث يركز على ابراز االبعاد
االجتماعية لظاهرة "الصمت األسري" واألحكام الفقهية املعاجلة هلا.
إن الصمت "ميكن أن خيدم وظيفة ربط وإحساس إجيايب أو سليب على حد سواء ،مبعين أنه
ميكن أن يربط الناس معا أو ميكن أن يقطع العالقة”( .)3ويف األسرة ،قد أثبتت بعض الدراسات
امليدانية وغريها أن الصمت بوظيفته السلبية قد انتشر بشكل خميف ،كاليت أجراها ريتشارد
Richardعلى 354طالب من طلبة اجلامعات املختلفة يف مشال شرق أمريكا أن معدل انتشار
الصمت األسري عندهم %61 ،%43.5منها يف األسر املمتدة و %39يف األسر النووية(.)4
والصمت األسري بني أفراد األسرة ال يكتفي بتضعيف أواصر التقارب ،والرضى ،والرغبة يف تبادل
احلديث فقط ولكنه يتوسع إىل ما هو أبعد من ذلك وهو التفكك األسري ،ألن الفجوة اليت خيلقها
هذا الصمت يعترب طريق إىل القطيعة وفقدان التواصل اجليد الذي هو "مفتاح التفاعل األسري وشراين
)(3
Jensen, J Vernon. "Communicative Functions of Silence: A Review of General
Semantics.” Institute of General Semantics 30, no. 3 (1973), p. 249
()4
انظر:
Richard, P Conti. “Family Estrangement: Establishing a Prevalence Rate”. Journal of
Psychology and Behavioral Science 3, no. 2 (2015), p. 31.
2
احلياة لعالقة الزواج( .)5ومن املعلوم أن التواصل والتحاور بني أفراد األسرة يعزز التماسك والرتابط وحيمل
أفراد األسرة إىل حسن التعامل مع الغضب واخلالفات ،والتفاهم والتعامل مع مشاكل أسرية خمتلفة
ذات آاثر سلبية على اجملتمع .وابلتايل ،تتلخص هذه الظاهرة يف كوهنا ظاهرة اجتماعية متس اجملموعة
األساسية للمجتمع فيتطلب دراستها ودراسة أبعادها االجتماعية وتقدمي األحكام الفقهية املعاجلة هلا
انطالقا من حرص الشريعة على احملافظة على األسرة كالنواة األساسية للمجتمعات البشرية .وميكن من
خالل ما ذكرانه وضع سؤال جوهري يربز إشكالية الدراسة وبعده أسئلة فرعية على النحو التايل:
"ما هي االبعاد االجتماعية لظاهرة "الصمت األسري “،وما هي املعاجلة الشرعية هلا ،وما هي األحكام
الفقهية الثاوية يف الرتاث املتعلقة مبعاجلتها ،وما مدى مناسبة هذه االحكام لواقع األسرة املعاصرة؟
ما هي األبعاد االجتماعية ملشكلة "الصمت األسري" وما أبرز معاجلتها الشرعية؟ .3
ما عالقة مقاصد الشريعة اإلسالمية ابلرتابط األسري ،وما هي القواعد الفقهية الضابطة له؟ .4
ما هي األحكام الفقهية الثاوية يف الرتاث املتعلقة مبعاجلة ظاهرة " الصمت األسري"؟ .5
إن ظاهرة "الصمت األسري" أخذت حيزا كبريا من االهتمام عند علماء علم االجتماع األسري
واملهتمني ابلعلوم االجتماعية بشكل عام لسبب خطورهتا .ورغم الدراسات االجتماعية الكثرية املوجودة
عن الظاهرة ،إال أنه مازال خييل إىل العديد من الباحثني اإلسالميني أن األحكام الفقهية املتعلق هبذا
اجلانب مل توظف بشكل كايف يف مواجهة تلك املشكلة .لذلك ،كان السبب يف اختياري للموضوع
هو فهم كيف أن الظواهر االجتماعية مثل "الصمت األسري" تتسبب يف اختالل األسرة واألحكام
الشرعية املعاجلة هلذا االختالل .يتضمن اإلطار النظري الذي يقوم عليه هذا البحث على املنظور الذي
يتالءم مع العالقات االجتماعية ابإلضافة إىل منظور الفقه اإلسالمي.
حماولة الكشف وحتليل مدى خمالفة "الصمت األسري" ملقاصد الشريعة وحتليل الضوابط الفقهية .3
الضابطة له.
دراسة بعض األحكام الفقهية الثاوية يف الرتاث املعاجلة ملشكلة "الصمت األسري" ومدى .4
مناسبتها لواقع األسرة املعاصرة.
4
منهج البحث ج-
اعتمد الباحث على املنهج املختلط الذي جيمع بني املنهج الوصفي الذي يقوم ابلوصف الدقيق
للظاهرة وتتبع أشكاهلا وأنواعها ،واملنهج التحليلي القائم على حتليل النصوص للوصول على مدى
مناسبة االحكام الفقهية املعاجلة للظاهرة مع واقع األسرة املعاصرة ،واملنهج واملقارن الذي كان مبقارنة
اجلانب الفقهي واالجتماعي.
وسائل التواصل االجتماعي والصمت األسري دراسة ميدانية مبحافظة بين سويف للباحثة )1
ملياء حممد عويس سنة 2022جملة كلية اآلداب جامعة بين سويف ،بين سويف ،مصر
ركزت الباحثة على أثر استخدام شبكات التواصل االجتماعي على العالقات األسرية بني
األسرة الواحدة وإىل عالقتها ابلصمت األسري .ذكرت أمناط وعادات استخدام األسر يف حمافظة بين
سويف لشبكات التواصل اليت مشلت املنزل وأماكن استخدام االنرتنت .أشارت الباحثة على أمهية
استخدام هذه الوسائل واليت جتلت يف خلق عالقات صداقة والتعرف على الثقافات األخرى زايدة إىل
الرتفيه والتسلية وغري ذلك .أما أثر استخدامها على العالقة بني اآلابء واألبناء أشارت الباحثة أهنا
تسبب العزلة والصمت األسري الذي يساهم يف التفكك األسري ألجل وجود قلة التفاعل بني أفرادها
ووجود نزاعات بسبب انشغال األبناء عن تلبية احتياجات األسرة .وأما عن أثرها بني الزوجني أثبتت
الباحثة من خالل دراستها أن اهلواتف الذكية أضعفت احلوار بني الزوجني ما أدى إىل ضعف الثقة
والشك لكثرة استخدام الطرف اآلخر ملواقع التواصل .توصلت الباحثة أنه من اإلجراءات الالزمة للحد
من ظاهرة الصمت األسري ووسائل التواصل منها ضرورة حتديد وقت للحوار والنقاش بني مجيع أفراد
األسرة وحتديد أوقات استخدام االنرتنت ووضع جدول لألنشطة البديلة.
5
"أثر استخدام الفيس بوك على الصمت األسري وقضااي الرعاية الصحية يف مدينة حائل: )2
دراسة ميدانية خالل فرتة كوروان" سنة 2021م حملمد النادر عبد هللا اتين وآخرون ،جامعة حائل،
السعودية .جملة علم النفس والتعليم.
هذه الدراسة امليدانية تناول فيها الباحث أثر استخدام الفيس بوك على الصمت األسري
وقضااي الرعاية الصحية يف مدينة حائل السعودية خالل زمن كوروان .تناول البحث مدى أتثري شعبية
أفراد األسرة على الفيس بوك على األسرة نفسها وأتثري هذه الشعبية على سلوكيات أفرادها مع اإلشارة
إىل دور الفيس بوك يف تبين سلوكيات جديدة بني أفراد األسرة مثل االغرتاب ،والعزلة االجتماعية،
وغياب احلوار ،والصمت األسري .توصلت الدراسة يف عينة من 100عائلة أن معظم من يستخدم
الفيس بوك يف حائل يكون للتواصل مع األصدقاء دون أفراد األسرة .وكشفت الدراسة أيضا أن غالبية
الطالب يفضلون البقاء مع أولياء أمورهم بنسبة %71بينما ذكر %29أهنم يفضلون البقاء مع
الفيس بوك .وعلق الباحث أنه رغم أن هذه النسبة قليلة نوعا ما وتقرتب من ثلث عينة البحث إال أن
هذا يشري إىل أن هناك فئة تفضل البقاء مع الفيس بوك بدال من البقاء مع العائلة وذلك ألن فيس
بوك يوفر خدمة للتواصل مع األصدقاء والرتفيه والبحث عن املعلومات.
شبكات التواصل االجتماعي واخلرس األسري يف اجملتمع السعودي :دراسة ميدانية يف )3
مدينة اهلفوف مبحافظة االحساء (املنطقة الشرقية)2019 .م .خلليل أمين أمحد وآخرون .جامعة
امللك فيصل .السعودية.
تناول الباحثون عالقة شبكات التواصل االجتماعي بظاهرة اخلرس األسري يف اجملتمع
السعودي .تطرق البحث على االبعاد السيسيولوجية لدور هذه الشبكات يف ظهور وانتشار تلك
الظاهرة يف اجملتمع السعودي .تناول الباحثون ابستخدام املنهج الوصفي والتحليلي وأداة املالحظة
واالستبانة يف دراستهم امليدانية يف مدينة اهلفوف واليت مشلت على عينة من 100فرد أهم اخلدمات
اليت توفرها شبكات التواصل االجتماعي وال توفرها األسرة يف اجملتمع السعودي وعالقة اخلرس األسري
6
ابخلرس االجتماعي واآلاثر املرتتبة على انتشار العالقات االفرتاضية على حساب العالقات الواقعية
والعوامل األخرى اليت قد تؤدي إىل اخلرس األسري يف اجملتمع السعودي .توصلت الدراسة على أن
أكثر من ثلثي العينة تستخدم شبكات التواصل وأغلبهم من فئة الشباب كما أشارت إىل وجود فروق
ذات داللة إحصائية بني فئة املتزوجني والسماع عن اخلرس األسري .واعترب الباحثون أن هذا ميكن أن
يرجع إىل شعور املتزوجني مبظاهر ظاهرة اخلرس األسري يف أسرهم.
احلوار األسري وأمهيته يف وقاية األسرة من التفكك :دراسة حتليلية أتصيلية .للرومي نبيلة )4
علي حسن .رسالة دكتوراه جامعة القرآن الكرمي والعلوم اإلسالمية2016 .م .أم درمان.
السودان.
هذه الدراسة رسالة دكتوراه تناول فيها الباحثة أمهية احلوار األسري يف وقاية األسرة من التفكك.
وتشمل 6فصول .يف الفصل األول املعنون مبفهوم احلوار األسري وأمهيته وأنواعه حتدثت عن مكانة
األسرة ووظائفها وعن احلوار واملناظرة والفرق بينهما مع بيان ضرورة احلوار يف بناء العالقات وأثر انعدام
احلوار داخل األسرة .ويف الفصل الثاين املعنون آبداب احلوار األسري وضوابطه وطرق تعلمه تناولت
الباحثة آداب احلوار األسري وضوابطه وطرق تعلمه .والفصل الثالث املعنون مبعوقات احلوار األسري
ومناذج من خالل القرآن والسنة ،تناولت فيها معوقات احلوار األسري وأسباب ضعفه ومناذج له من
خالل القرآن والسنة .يف الفصل الرابع املعنون ابملشكالت األسرية يف اجملتمعات اإلسالمية تناولت
التماسك األسري وعوامل حتققه واخلالفات الزوجية ومشكالت الطفولة والتفكك األسري مفهومه
وأتثريه وأسبابه .ويف الفصل السادس تناول البحث سبل املعاجلة للمشكالت األسرية من ضمنها تطبيق
الشريعة فكرا وسلوكا ،وتقوية البناء األخالقي لألسرة ،وحتقيق الصحة النفسية والرتبية السوية ألفراد
األسرة ،واملعاجلة االجتماعية واالقتصادية ملشكالت األسرة ،والعدل واملساواة بني الزوجات.
الصمت الزواجي .للدكتور بن ساهل حلضر2014 .م .جملة دراسات وأحباث .جامعة )5
اجللفة .اجللفة .اجلزائر.
7
تناول الباحث يف هذه املقالة موضوع الصمت الزواجي ابختصار ومشلت مقالته مطالب خمتصرة
عن أمهية احلوار بني الزوجني مث حتدث عن مفهوم الصمت وقسمه قسمني :الصمت اإلجيايب ودوافعه
اإلجيابية مثل معرفة كل طرف لرأي اآلخر يف كثري من األمور نظرا لطول العشرة واالقرتاب العاطفي
والروحي بني الزوجني لدرجة مل تعد حتتاج إىل أتكيدات لفظية وغري ذلك .حتدث عن الصمت السليب
وعرب عنه بصمت الرفض وهو الذي ربطه ابلصمت الزواجي حيث ركز على آاثره على احلياة الزوجية
وأن من أسبابه ما يكون من عوامل ما قبل الزواج من عدم التعارف وعدم التشاور والتصورات اخلاطئة
عن احلياة والشهوانية وغريها .وحتدث عن عوامل ما بعد الزواج ويشمل ذلك عوامل ذاتية مثل الشخصية
والعوامل الوراثية وظهور االجتاهات الفردية واألاننية والغرية والتوتر العاطفي .حتدث الباحث عن العوامل
البيئية االجتماعية مثل الظروف االقتصادية واختالف التنشئة االجتماعية بينهما وتدخل األصدقاء
واجلريان وفرق مستوى التعليم وقد جاء الباحث أبقوال علماء النفس وقام بتعليل بعضها إال أن الباحث
اقتصر على الصمت الزواجي دون األسري ومل يذكر اآلاثر االجتماعية له ومل يطرق إىل البعد الفقهي.
الصمت األسري هل أصبح مرضا يهدد األسرة العربية؟ :لشيماء مصطفى املليجي. )6
2007م .جملة األمن واحلياة جامعة انيف العربية للعلوم األمنية .الرايض .السعودية.
انقش البحث ظاهرة الصمت األسري وتفشيها يف كثري من اجملتمعات العربية وخطورهتا على
أفراد األسرة واألجيال القادمة .تناولت الباحثة ظاهرة التفكك األسري والفرقة وعالقتها ابلصمت
األسري كما بينت أمهية احلوار داخل األسرة من حيث تساعد على ختفيف التوتر وتوسيع آفاق أفكارهم
كما يعطيهم القدرة على التعامل مع احلياة بشكل أفضل .تناولت أيضا دور وسائل التقنية املتنوعة يف
غياب احلوار األسري وخلق فجوة بني أفرادها ما أدى إىل غياب احلميمية كما أكدت أن دكتاتورية
اآلابء من األسباب والدوافع اليت تؤدي إىل انعدام احلوار وفشله وابلتايل سيادة لغة الصمت األسري.
8
إن تلك الدراسات املذكورة وغريها قد استفاد منها الباحث يف تصور الظاهرة والوقوف على
أسباهبا واملعاجلة االجتماعية لتلك الظاهرة إال أهنا مل تتطرق على البعد الشرعي والفقهي من حيث
التصور واملعاجلة وهو ما يتميز به هذا البحث.
املقدمة فيها :إشكالية البحث ،أسئلة البحث ،أسباب اختيار املوضوع ،أهداف البحث ،منهج
البحث ،والدراسات السابقة
املطلب األول :مقاصد الشريعة فيما خيص األسرة وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع األول :مقصد تنظيم العالقة بني اجلنسني وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع الثاين :مقصد حفظ النسل وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع الثالث :مقصد حتقيق السكن واملودة والرمحة وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع الرابع :مقصد حفظ النسب وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع اخلامس :مقصد حفظ التدين يف األسرة وعالقتها ابلرتابط األسري
10
الفرع السادس :مقصد تنظيم اجلانب املؤسسي لألسرة وعالقتها ابلرتابط األسري
الفرع السابع :مقصد تنظيم اجلانب املايل وعالقتها ابلرتابط األسري
املطلب الثالث :منظومة احلقوق الشرعية والفقهية وأثرها يف ضبط العالقات الزوجية
11
املبحث التمهيدي
يوضح املبحث التمهيدي أهم النظرايت االجتماعية املفسرة للتوازن األسري ،ودور األسرة يف
بناء أفرادها ملواجهة حتدايت اجملتمع ،وأمهية التكامل األسري .يتناول املبحث أيضا موقف الفكر
اإلسالمي من الصمت اجملرد وبيان كل ذلك يف املطالب اآلتية:
تعترب األسرة عرب التاريخ البشري البنية االجتماعية األساسية ،ووظائفها جتاه تنمية اجملتمع
معرتف هبا بشكل ملحوظ كاإلجناب والتنشئة االجتماعية وتوجيه العالقات مع اجملتمع .بسبب هذه
ايدا من الباحثني يف علم االجتماع كنقطة حموري للبحث السلوكي.
اهتماما متز ً
ً الوظائف ،تلقت األسرة
ويدخل يف مفهوم البحث السلوكي يف سياق األسرة النظر يف سلوكيات كل فرد وأتثريها على األسرة
مث اجملتمع .يؤمن املنشغلون ابلبحث السلوكي أن األمناط والتغريات السلوكية ألفراد األسرة مثل الصمت
تقوم بدور حموري يف توجيه مستقبل األسرة وجودة التوازن يف الداخل .من املهم مالحظته ،أن معظم
الباحثني يعتربون األسرة نظام متكامل يسعى إىل حتقيق التوازن ) (homeostasisيف داخلها ومعاجلة
مشاكلها .ولذلك ،مت أتسيس بعض النظرايت يف حماولة تفسري طبيعة هذه السلوكيات وعالقتها بتحقيق
التوزان ومن ضمنها :
هذه النظرية من أهم النظرايت اليت ميكن من خالهلا التعمق يف الفهم وتفسري طبيعة التوازن
األسري ولقد مت أتسيسها من قبل موراي بوين ) (Murray Bowenيف أوائل اخلمسينيات من القرن
املاضي أثناء عمله مع العائالت املصابة ابلفصام( .)6إن اهلدف األساسي من نظرية بوين هو حماولة
( )6هو مرض عقلي خطري يؤثر على القدرة على التفكري بوضوح ،وإدارة العواطف ،واختاذ القرارات ،والتواصل مع اآلخرين.
انظر:
Lebell Richard George, “An assessment of the Silent Treatment Condition and Dimensions of
”Relationship Functioning in Couples Seeking Inpatient Treatment for Chemical Dependency
(Ph.D. thesis, The Fielding Institute, 1993) p. 12
12
خلق التوازن بني قوى العمل اجلماعي والفردي داخل األسرة وحتقيق النجاح لكل فرد من أفراد األسرة
ولذلك جعل الصمت األسري من ضمن مفاهيمه الثمانية( )7املتشابكة للتوازن حيث يرى أنه يف املدى
القصري حيقق هذا الصمت التوازن من خالل ختفيفه للضغط على النظام األسري .ويعتقد بوين يف
نظريته أيضا بوجود عمليتني متوازنتني يف مجيع البشر مها عملية عاطفية وعملية فكرية ،وينبغي أال
يسيطر النظام العاطفي للبشر على سلوكه بل حيدد هذا السلوك من قبل النظام الفكري ،ذلك ألنه
كلما سيطر النظام العاطفي على السلوك ،كلما كان من الصعب إنشاء العالقات واحلفاظ عليها وقد
يعرض ذلك األسرة للخطر (.)8
إن نظرية بوين ،ال ميكن لنا أن نعتقد أهنا أمهلت أمهية العواطف يف العالقات األسرية ،إمنا
بينت أثر تغلبها على العملية الفكرية يف حاالت مثل الصراعات الزوجية ،والضغوطات الداخلية
واخلارجية على األسرة .فمثال لو غلبت الروابط العاطفي على األسرة لدرجة أن أية مشكلة للفرد الواحد
من أفرادها تؤثر على األسرة أبكملها عاطفيا ستكون األسرة يف حال ترقب للمواقف الصعبة بني احلني
واآلخر .وميكن أن نضيف إىل ذلك أن إدارة املشاكل العالقة مع أفراد األسرة عن طريق العواطف أو
متاما هلا آاثر سلبية على أفراد األسرة ،فعلى سبيل املثال" ،قد يؤدي اخلالف
قطع االتصال العاطفي ً
الزوجي إىل طالق عاطفي ،ويتسبب ذلك يف تركيز األم على الطفل أكثر من الالزم مما يضعف شعور
الطفل ابهلوية والتفرد والتوجه الذايت"( . )9ويقصد بذلك أن شخصية الطفل تضعف مبرور الوقت بسبب
()7
إن تلك املفاهيم هي:
Triangles, Differentiation of Self, Nuclear Family Emotional Process, Family Projection
Process, Multigenerational Transmission Process, Emotional Cut-Off, and Sibling Position
انظر:
Pfeiffer Simon, In-Albon Tina. “ Foundations” in Comprehensive Clinical Psychology 2nd
edition 2022. Science Direct, “ accessed November 10, 2022”.
https://www.sciencedirect.com/topics/medicine-and-dentistry/family-systems-theory
()8
انظر :املرجع نفسه
)(9
Pfeiffer, Simone, In-Albon, Tina, “Family Systems,” in Clinical Child and Adolescent
Psychology and Psychotherapy by Simone Pfeiffer and Tina In-Albon, p. 190
13
االهتمام األكثر من الالزم من األم والذي نتج عن تصرفاهتا العاطفية يف معاجلة مشكلتها مع زوجها
إضافة إىل إمكانية نقل مشاكلها العاطفية إىل الطفل.
حيث افرتض أن العالقات )(Minuchin أسست هذه النظرية من قبل سلفادور منوتشني
األسرية حتتوي على ثالثة أبعاد أساسية وهي :بُعد تنظيمي ،وبُعد قيمي ،وبُعد توطيدي( .)10تنبه
النظرية إىل طبيعة الرتابط بني أفراد األسرة من خالل األبعاد الثالثة ،فالبعد التنظيمي يفسر طبيعة تنظيم
األسرة بشكل هرمي حيث حتتوي على أفراد مثل اآلابء واألبناء واألصهار واألزواج الذين تربطهم
عالقات .هذه العالقات حتكمها قيم تضبط وترشد طبيعة التفاعل فيما بينهم وهو ما يتضمنه البعد
القيمي .أما البعد التوطيدي فيتضمن مدى استجابة األسرة للضغوط الداخلية واخلارجية ابلتكيف
والتأقلم وإعادة هيكلة نفسها عند الضرورة .وهذه االستجابة قد أتخذ أشكاال خمتلفة على سبيل املثال،
"قد تؤدي الظروف االقتصادية إىل فقدان األب لوظيفته ،ويدفع ذلك األسرة إىل إعادة تنظيم نفسها
حول أدوار جديدة مثل أن تصبح األم املصدر األساسي للدخل"( .)11والفكرة املركزية يف تفكري
مينوتشني هي أن األسرة تتكون من عديد من األفراد الذين تربطهم عالقات حتكمها قيم .وهذه األسرة
بكل ما فيها من األفراد والقيم تتكيف وتتأقلم على الضغوطات املختلفة كما تعيد هيكلة نفسها عند
الضرورة من أجل احلفاظ على التوازن(. )12
()10
انظر:
Lebell, Richard George, An assessment of the Silent Treatment Condition and Dimensions of
Relationship Functioning in Couples Seeking Inpatient Treatment for Chemical Dependency,
p. 11 - 12
)(11
Schermerhorn, A. C., Cummings, E. M, “Transactional family dynamics: A new
framework for conceptualizing family influence processes,” In R. V. Kail (Ed.), Advances in
child development and behavior (Elsevier Academic Pres, 2008), p. 200.
()12
انظر:
Supreet Mann, “From Family to Friend: Family Communication Patterns and the Impact on
Young Adults Family Interaction via Facebook” (Master’s Thesis, University of Pacific
Stockton, 2016) P. 24
14
إن ما افرتضه منوتشني من وجود هيكل تنظيمي مسلّم به ويوافق ما أثبته الشرع يف تنظيم
األسرة حيث أعطى القوامة للرجل ورائسة األسرة ألنه ال يتصور فائدة هذا اهليكل إال لبيان درجات
املسؤولية واألدوار اليت يقوم هبا كل فرد يف األسرة حسب نوع عضويته .وكذلك دور القيم احلميدة يف
ضبط التفاعل داخل األسرة أمر مسلم به أيضا ذلك ألن املعيار الشرعي هلذه القيم خيرج ما سوى
احلميدة من اخلُلق مثل األاننية وغريها .وفيما يتعلق إبعادة اهليكلة من أجل حتقيق التوازن عند الضرورة
فإن الفقه اإلسالمي قد سبق مجيع النظرايت يف ذلك حيث أصل علماءه بعض القواعد اليت ترشد
مثل هذه احلاالت كقاعدة "املشقة جتلب التيسري" وما تندرج حتتها من القواعد مثل "األمر إذا ضاق
اتسع" حبيث ميكن للمرأة أن تقوم بوظائف الرجل مثل أن تصبح املصدر األساسي للدخل.
15
املطلب الثاين :دور األسرة يف بناء أفرادها ملواجهة حتدايت اجملتمع
إن وظائف األسرة قد قسمت بشكل عام إىل وظائف بيولوجية واقتصادية وتعليمية
ونفسية واجتماعية – ثقافية .فالوظيفة البيولوجية هي ما يعرب عنها عند علماء علم االجتماع األسري
ابإلجناب .وأما االقتصادية ،فقد أشار األمم املتحدة أن من وظائف األسرة توفري املوارد املادية ألفرادها،
واخلدمات األساسية ،وفرص احلراك االجتماعي( .)13وابلرغم من أمهية مجيع اجملاالت الوظيفية لألسرة،
إال أن جماالت األداء النفسي واالجتماعي الثقايف هي اجملاالت األكثر ارتباطًا بدور األسرة يف بناء
أفرادها يف مواجهة حتدايت اجملتمع واملسامهة يف هنضته.
إن األدوار النفسية اليت تقوم هبا األسرة يف بناء أفرادها تشمل توفري األمن العاطفي هلم ،وتشجيع
هويتهم الذاتية ،وتعزيز التطور الطبيعي لشخصيتهم ،وتوفري احلماية النفسية األفضل هلم( .)14ويشمل
اجملال االجتماعي والثقايف تطوير قدرهتم على تكوين عالقات مع أشخاص خارج دائرة األسرة ،وخلق
()15
بيئة تدعم فيها الوحدات األسرية لبعضها البعض ،وخلق عالقة صحية خارج نطاق األسرة املباشرة
.ومما حيسن اإلشارة إليه أن األسرة تقوم ابحملافظة على الصحة اجلسدية والعقلية ألفرادها ذلك ألنه يف
احلياة االجتماعية" ،االهتمام ابلصحة اجلسدية ال يقل اهتماما من الصحة العقلية ألنه ميكن أن تنتج
السلوكيات اجلسدية أتثريات عقلية والعكس ابلعكس"(.)16
)(13
United Nations Economic Commission for Latin America and Caribbean, “Family and
Future: A Regional Programme in Latin America and the Caribbean,” (New York: United
Nations Publication, 1995) p. 29
()14
انظر:
World Health Organization, “Health and the Family: Studies on the Demography of Family
life and their Health Implications,” (Geneva: United Nations, 1978) p.9.
()15
املرجع السابق
()16
املرجع السابق
16
املطلب الثالث :التكامل جوهر احلياة الزوجية
ورد يف معجم اللغة العربية املعاصرة أن كلمة التكامل حتمل معين التناسق واإلمتام ولذلك يقال
ضا حبيث مل حتتج إىل ما يكملها من خارجها"( . )17أما يف بعضها بع ً
كمل ُ ِ
تكاملت األشياءُ أي َّ "
عرف أبنه" الدرجة اليت يكون
االصطالح األسري ،فإن مصطلح التكامل مفهوم متعدد األبعاد .فقد ّ
فيها أفراد األسرة مهتمني هبا بدالً من االهتمام الذايت حبيث مييل سلوكهم إىل بناء االنسجام وتقليل
وسيبلد Rogers and الصراع ،وتلبية االحتياجات الفردية جلميع أفراد األسرة"( .)18وعرفه روجاز
Sebaldأبهنا الدرجة اليت يتجه هبا أحد أفراد األسرة حنو تقدمي املعونة وحتقيق الرضا ألفراد األسرة
اآلخرين( .)19وعرفه أيضا ايمسني وآخرون أبنه " تناغم أدوار األسرة ووظائفها الرتبوية واجلمع بني هذه
األدوار وقيام كل فرد من أفراد األسرة بدوره يف ضوء األهداف املشودة من العملية الرتبوية وتكوين
()20
عالقات مرتابطة قائمة على بناء قوي ومتني"
ويتجلى هذا التكامل األسري وفقا ملا أورده علماء علم االجتماع األسري يف عدة أوجه واليت
من أمهها؛ التنسيق املناسب لألدوار املنزلية مثل تربية األوالد بني الزوجني ،واملشاركة يف صنع القرار،
والوحدة والتضامن والرتابط .ومن أوجه التكامل أيضا ،شعور أفراد األسرة ابملسؤولية كل جتاه اآلخر،
وقيامهم ابألنشطة املشرتكة اليت تعزز روح التعاون وغري ذلك .ومن اجلدير ابلذكر أن األسر تتفاوت يف
()21
حتقيق هذه العناصر وابلتايل تكون األسرة األكرب حتقيقا هلا هي األكثر تكامال .ولقد أشار فربر
()17
عمر ،أمحد خمتار عبد احلميد ،معجم اللغة العربية املعاصرة ،ج ،3ص 1959
Dager, Z Edward; B Claire Mccullough. “Family Integration: A Multi-dimensional
)(18
17
Farberأنه يتم حتديد درجة التكامل داخل األسرة من خالل قياس مدى اتفاق أفرادها على ترتيب
القيم ودرجة التنسيق املناسب لألدوار املنزلية ألن الفشل يف تنسيق األدوار يضع األسرة يف حالة من
التوتر .إن حتقيق األوجه السابقة للتكامل األسري ولو بدرجة متفاوتة ،يقودان إىل مصطلح غاية يف
األمهية يف فهم التكامل األسري وهو " األسرة املتكاملة" .وملعرفة املقصود ابألسرة املتكاملة ،فإنه من
األمهية مبكان اإلشارة إىل بعض املميزات واخلصائص اليت تتميز هبا هذه األسرة .تتميز األسرة املتكاملة
بتقبل أفرادها للقواعد ومعتقدات األسرة ،ومبيلهم إىل أن يكون لديهم اهتمامات مشرتكة وحد أدىن من
املسافة االجتماعية بني بعضهم البعض ،وبشعورهم ابلوحدة والتضامن ،ومبشاركتهم يف صنع القرار،
وبقيامهم ابألنشطة املشرتكة وأبدوار األسرة كوحدة واحدة ) . (22هذه اخلصائص واملميزات هي اليت
جتعل التكامل جوهر للحياة األسرية.
ومما يدل على كون التكامل جوهر للحياة األسرية ،اثبات الشرع ألمهيته على املستويني الزواجي
واألسري من خالل أحكامه اليت تنظم العالقات الزوجية واألسرية .فعلى املستوى الزواجي ،فإن
الشريعة رغم إعطائها الرجل القوامة إال أهنا أرشدته مبشاورة زوجته ذلك ألن املشاورة تتيح هلما فرصة
ترتيب القيم األسرية وتنسيق األدوار املنزلية املناسبة على أساس تصورات كل واحد حنو اآلخر وعلى
أساس الفطرة ،فاملرأة على أساس رقتها وحناهنا وليونتها والرجل على خشونته وقوته فتجد كل يفرح
بصفات اآلخر فيحدث التكامل الذي أراده هللا .ونتيجة لذلك ،تقل التوترات ،وتضمحل اجلدال،
وقد تتوقف املظاهرات العاطفية ،ومشكلة فرض القرارات .ويدخل يف هذا املعين ما قرره الشيخ رشيد
رضا أنه " ال سعادة يف الزوجية وال لألمة إال إذا صح اعتقاد الرجال؛ فعلموا أن املرأة هي شطر احلقيقة
متمما لعمل اآلخر يف الوجود فيما
اإلنسانية والرجل هو الشطر اآلخر ،وأنه جيب أن يكون كل منهما ً
عوان له على ما ختتلف فيه وظيفتهما مع مالحظة جهة الوحدة ،كما تساعد إحدى
يشرتكان فيه ،و ً
اليدين أختها ،وتتم كل من الرجلني سعي صاحبتها ...والغرض من عمل كل عضو واحد وهو مصلحة
()22
نقلها Dagerو Mcculloughعن مجاعة من الباحثني مثل اينسن و سيبالد وأندروز وهيل وغريهم .انظر:
Dager, Z Edward; B Claire Mccullough. Family Integration: A Multi-dimensional Concept,
p.175
18
الشخص؛ فإذا قام بناء الزوجية على هذا األساس كان بناء األمة الذي يتألف من األزواج ،واألفراد
حمكما رصينًا"(.)23
اجا يف البيوت متفرقة ،وأمة يف البيوت جمتمعة بناء ً
اليت ينسلها األزواج لتكون أزو ً
وأما على املستوى األسري ،فإنه ميكن أن نستفيد من كالم الشارع وإرشاده إىل املعاين اليت
حتمل رسالة التكامل األسري مثل قوله عليه الصالة والسالم " َخ رريُُك رم َخ رريُُك رم ِأل رَهلِ ِهَ ،وأ ََان َخ رريُُك رم
ِأل رَهلِي"( .)24فهذه اخلريية تشمل مجيع أفراد األسرة مبا فيهم األبناء وغريهم كما تشمل مجيع املعاين اليت
أوردانه يف التكامل من التعاون والرتابط والتشاور وغريها .فإذا ثبت هذا فإنه ميكن القول على سبيل
املثال أبن األنشطة األبوية داخل األسرة قد تعد من قبيل التكامل األسري أو وسيلة إليه وتؤثر على
األطفال ألن منها ما هي مهمة لتنمية ذات الطفل وتطوره املعريف واالجتماعي وبناء شعوره بتقدير ذاته
معا عندما يساعد اآلابء يف أداء الواجبات املنزلية ،أو يشجعون
مثل تلك اليت جتمع اآلابء واألطفال ً
األنشطة اإلبداعية اليت تتضمن الفنون واحلرف اليدوية ،أو يطلبون مساعدة األطفال يف األعمال املنزلية
...وهي عوامل تؤدي إىل زايدة احرتام الذات يف مرحلة الطفولة وما بعدها(.)25
( )23رضا ،حممد رشيد " .احلياة الزوجية" .جملة املنار ،)1905( 46ص 81
( )24الدارمي ،أبو حممد عبدهللا بن عبدالرمحن ،سنن الدارمي ،ج ،3حتقيق حسني أسد،ص ،1451ابب يف حسن عشرة
النساء ،حديث رقم ،2306بلفظ «خريُكم خريُكم ِألَهلِ ِه ،وإِذَا مات ص ِ
احبُ ُك رم فَ َدعُوهُ» .و ابن ماجه ،أبو عبد هللا حممد بن َ رُ ر َ رُ ر ر َ َ َ َ
يزيد ،سنن ابن ماجه ،ج ،1ص ،637ابب حسن معاشرة النساء ،حديث رقم 1977
( )25انظر:
Yabiku, T Scott; et al. “Family Integration and Children's self-esteem”. American Journal of
Sociology 104, no 5 (1999), p. 1500.
19
املطلب الرابع :موقف الفكر اإلسالمي من الصمت اجملرد
()26
ابن أيب الدنيا ،أبو بكر عبد هللا بن حممد ،الصمت وآداب اللسان ،ص ،303حديث رقم 712
()27
اجلاحظ ،أبو عثمان عمرو بن حبر بن حمبوب الكناين ،رسائل اجلاحظ ،ج ،1ص 113
()28
النووي ،حميي الدين ،املنهاج شرح صحيح مسلم ،ج ،2ص 20
20
مث ما فيه من حظ النفس وإظهار صفات املدح وامليل إىل أن يتميز من بني أشكاله حبسن النطق وغري
()29
هذا من اآلفات وذلك نعت أرابب الرايضة وهو أحد أركاهنم يف حكم املنازلة وهتذيب اخللق"...
.
وأما معظم كتب اآلداب فإهنا تناولت الصمت كطريق مقرتح للوصول إىل أعلى املقامات
يف عامل الروحانيات .فمن العلماء من خص له كتاب معني مثل ابن أيب الدنيا يف كتابه "الصمت"
واستدرك عليه اإلمام السيوطي يف " حسن السمت يف الصمت" ومنهم من بوب له أبوااب معينة يف
مؤلفاهتم مثل القشريي ونور الدين اهليثمي وغريهم .لقد ذهب هؤالء وغريهم من رواد هذا الفن من
علماء اإلسالم إىل أن الصمت خصلة جتين لصاحبها احملبة والوقار وأن الرجوع عنه أحسن من الرجوع
عن الكالم ،وأن اإلنسان أقل ما يندم إذا مل ينطق( .)30وقد أضاف األطباء أن للصمت فوائد مثل
حتسني الصحة النفسية ومساعدة النفس يف استعادة وظائفها املعرفية إضافة إىل ما يف حلظات اهلدوء
اليت ختلقه الصمت من راحة نفسية وجسدية غالبا .قال ابن عطية أن الصمت " يلقح العقل ويعلم
وجل به للعبد ابلتأويل الصحيح والعلم الرجيح خمرجاً ويوفقه إبيثار
عز ّ
الورع وجيلب التقوى وجيعل هللا ّ
ت ومشى الصم ِ الصمت للقول السديد والعمل الرشيد"( .)31وأضاف اللخمي أن حسن َّ ِ
الس رمت وطول َّ ر
ِ
الصمت ومشى اخلُيالء من أخالق األشقياء(.)32 ت وتركالسم ِ ِ
القصد من أخالق األتقياء ،وإن سوء َّ ر
ومل يكتف العلماء بذكر فوائد الصمت بل حثوا الناس على التمسك به وتقليل الكالم قال
ابن وهب" عن عبد الرمحن بن شريح ،قال« :لو أن عبدا اختار لنفسه ما اختار شيئا أفضل من
الصمت"( .)33وقد نقل عنهم ذمهم ملن يكثر الكالم كما جاء يف شرح بعض أمثال العرب عن أيب
ومما ينقل عنهم فيما يتعلق عن الصمت كثري جدا يصعب حصره إال أنه ميكن أن نلخص
ونقول إن العلماء اعتربوا الصمت يف موضعه من قبيل احلاجيات اليت إذا فقدها صاحبها يقع يف حرج
ومشقة كبرية ولذلك حثوا حىت من مل يكن من طبيعته السكوت أو الصمت أن يتدرب عليه حىت يتعود
عليه .ومن األمهية مبكان أيضا ،اإلشارة إىل أن الصمت الذي أشران إليه يف هذا املطلب هو الصمت
اجملرد الذي هو بعيد عن أي معىن آخر .ولذلك خيتلف عن الصمت األسري الذي هو مرتبط ابملشاكل
واآلاثر السلبية داخل األسرة كما سنوضحه يف املبحث األول (.)37
()34
القاري ،نور الدين املال ،مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ،ج ،8ص 43
()35
الشافعي ،حممد بن ادريس ،األم ،ج ،7ص 256
()36
احلكيم الرتمذي ،أبو عبد هللا ،رايضة النفس ،حتقيق إبراهيم مشس الدين ،ص 38
()37
انظر :ص 26
22
املبحث األول" :الصمت األسري" :مفهومه أنواعه أسبابه وآاثره
هذا املبحث يتناول التصور الكامل لظاهرة " الصمت األسري" من حيث مفهومها وأنواعها وأسباهبا
وآاثرها على النحو التايل:
يناقش الباحث يف هذا املطلب مفهوم "الصمت األسري" وأنواعه وبعض صوره .وتفصيل ذلك على
النحو التايل :
()38
الفراهيدي ،أبو عبد الرمحن ،كتاب العني ،ج ،7ص 106
()39
الفرايب ،أبو نصر ،الصحاح اتج اللغة وصحاح العربية .حترير أمحد عبد الغفور عطار ،ج256 ،1
()40
الصحاري ،سلمة بن مسلم ،اإلابنة يف اللغة العربية ،ج ،3ص 359
()41
القاري ،نور الدين املال ،مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ،ص 3038
23
بظهور احلق ،وقيل انقطاع اللسان عند ظهور العيان"( .)42وأما يف اصطالح علماء علم االجتماع،
عرف الصمت أبنه" مسة دائمة ،أي جزء من شخصية الفرد ،أو سلوك ظرفية انتج عن التغريات يف
ّ
الظروف" ( . )43فقد يكون الصمت بناء على تعريف ابو Baoالسابق من طبيعة الشخص وابلتايل
جيد نفسه متخذا له كاسرتاتيجية خطابية حىت من دون قصد كما أنه ميكن أن يكون سلوكا يرجع إليه
الشخص حسب الظروف .وأما املتخصصون يف فن التواصل بني الناس مثل بلتيزاريفك
Baltezarevicوآخرون ،فإهنم عرفوا الصمت أبن "ال يقول املخاطب شيئًا عندما تكون الكلمات
()44
،وهو تعريف موافق لتعريف املناوي املذكور آنفا .وجاء عند رودريغيز يف بيانه ألنواع متوقعة"
الصمت ووظائفه املختلفة أنه ليس كل صمت يقصد منه التواصل وإمنا يف بعض األحيان قد يكون
الصمت جمرد غياب للضوضاء واستخدامه خيضع ملعايري وتقاليد اجملتمعات املختلفة( . )45هذا املفهوم
الذي أشار إليه رودريغيز الذي يربط بني الصمت وبني وظيفته والتقاليد موافق ملا ذهب إليه بعض
الفرق اإلسالمية مثل الصوفية يف استخدام الصمت والعزلة كطرق موصلة إىل معرفة هللا تعاىل ابلتفكر.
والصمت عندهم يشمل الصمت ابللسان وابلقلب ،قال ابن عريب " فمن صمت لسانه ومل يصمت
قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سره وجتلى له ربه ومن صمت قلبه ومل يصمت لسانه
فهو انطق بلسان احلكمة ومن مل يصمت بلسانه وال بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له ...فمن
التزم الصمت يف األحوال كلها مل يبق له حديث إال مع ربه فإذا انتقل من احلديث مع األغيار إىل
احلديث مع ربه كان جنيا مؤيدا إذا نطق نطق ابلصواب"(.)46
()42
املرجع السابق ،ص 219
)(43
Dat, Bao. “The Place of Silence in Second Language Acquisition”. English Language
Teaching and Research Journal 1, no. 1 (2019), p. 27.
)(44
Baltezarevic, R, et al. “The Meaning of Silence in Personal Communication”. Journal of
Creativity Studies 1, no. 15 (2022), p. 58.
( )45انظر:
Rodriguez, Dalia. “Silence as Speech”. International Review of Quantitative Research 1, no.
4 (2011), p. 112
()46
املناوي ،عبد الرؤوف بن اتج الدين ،فيض القدير يف شرح اجلامع الصغري ،ج ،4ص 240
24
وأما الصمت يف الفقه اإلسالمي فإن مفهومه ال خيتلف عما ورد يف املفهوم اللغوي وهو
اإلمساك عن الكالم .قال النووي " الذي تتابعت به االخبار عن أهل احلديث أن الصوم هو الصمت،
ألن الصوم إمساك عن األكل ،والصمت إمساك عن الكالم"(.)47
الثاين :األسرة
وأما املعين الفقهي لألسرة فإنه ال خيتلف أيضا عن املعىن اللغوي الذي أورده ابن املنظور
والزبيدي وغريمها أهنا هي عشرية الرجل الذين يتقوى هبم.
()47
النووي ،حميي الدين ،املنهاج شرح صحيح مسلم ،ج ،2ص 88
()48
ابن منظور ،حممد بن مكرم ،لسان العرب ،ج ،4ص 19
()49
انظر :الزبيدي ،حممد مرتضى ،اتج العروس من جواهر القاموس ،ج ،10ص 51
()50
عمر ،أمحد خمتار ،معجم اللغة العربية املعاصرة ،ج ،3ص 91
()51
اخلن ،مصطفى ،وآخرون ،الفقه املنهجي على مذهب اإلمام الشافعي ،ج ،4ص 20
)(52
Don, D Jackson. “The Question of Family Homeostasis”. International Journal of Family
Therapy 3, no. 1 (1981), p.6.
)(53
World Health Organization, Health and the Family, p.8
25
وبعد بيان معىن الصمت واألسرة كل على حدة ،فيمكننا اآلن اخلوض يف حماولة بيان مصطلح الصمت
األسري فنقول:
يقصد ب “الصمت األسري" انعزال أحد أفراد األسرة عاطفيا أو جسداي بسبب عالقة أو
تصور سليب يرتتب عليه انعدام الكالم وتقليص احلوار وبرود يف املشاعر مما يؤدي إىل عرقلة التفاعل
بني أفراد األسرة .وقد عرفه الرتكي نقال عن حتية عبدالعال أبنه "تعطيل لغة الكالم أبشكاهلا املختلفة
(اللفظية وغري اللفظية) وكف دينامية التواصل والتفاعل بني أعضاء األسرة ،وتقلص جسور احلوار،
حينما ابتت لغة التواصل عاجزة عن توصيل حس املشاعر جتاه ما يعانيه أفراد األسرة من مشكالت
واضطراابت تعرقل سري التفاعل لدى هذه األسرة"( .)54ويرى معظم الباحثني أن هذا النوع من الصمت
غالبا يكون اختياراي من أجل االبتعاد عن مصادر االختالفات األسرية والصراعات الزوجية حيث يشعر
أحد أفراد األسرة بعدم جدوى احلديث مع الطرف اآلخر مثل أن يظن الزوج أن امرأته ال عقل هلا
وتظن الزوجة أن زوجها ال يفهم وال يق ّدر مشاعرها وغري ذلك من األمور.
والصمت ال يعين عدم وجود توافق يف بعض األمور مثل ما خيص األوالد ومتطلبات البيت
بدرجة ما ،لكن املشكلة يف إظهار مشاعرهم وإحساسهم احلقيقي كل جتاه اآلخر .ولذلك ،اختارت
الرتكي تعريف الصمت األسري أبنه " الصمت االختياري لضعف الرغبة يف تبادل األحاديث اليت تعرب
عن املشاعر واألفكار واآلراء واإلفصاح عن الذات مع شريك احلياة الزوجية وعدم القدرة على إقامة
حوار ومناقشة هادئة وفعالة حتقق مزيدا من اإلشباع والتقارب والرضا الزواجي وقد يكون ذلك للشعور
بعدم جدوى التفاعل أو احلوار مع الشريك أو منعا لبداية مناقشة عميقة أو منعا الندالع اخلالفات
أو حفاظا على صورة الذات صورة شريك احلياة"( .)55ورغم أن تعريف الرتكي يقتصر على صورة من
( )54الرتكي ،انزك عبد الصمد" .فاعلية برانمج إرشادي أسري قائم على فنيات احلوار للوقاية من الصمت األسري يف األسرة
الكويتية ".جملة الرتبية (جامعة األزهر كلية الرتبية) 2019( 184 ،1م) ،ص .574
( )55املرجع نفسه ،ص 577
26
صور الصمت األسري وهي الصمت بني الزوجني إال أن مضمونه ميكن أن يطبق على ابقي الصور
مثل الصمت بني الوالدين وأوالدهم وبني ابقي أفراد األسرة.
إ ًذا ،فيمكن أن نلخص الصمت األسري أبنه انعزال أحد أفراد األسرة عاطفيا أو جسداي بسبب
عالقة أو تصور سليب يرتتب عليه انعدام الكالم وتقليص احلوار وبرود يف املشاعر مما يؤدي إىل عرقلة
التفاعل بني أفراد األسرة.
يذكر الباحثون نوعني من أنواع الصمت يف دراسات التواصل ،أحدمها الصمت اهليكلي وهو
الذي ال ينقل أية رسائل حمددة ولكنه يعمل على هيكلة التواصل وتنظيم العالقات االجتماعية عند
جمموعة من األشخاص الذين يتواصلون بلغة أو هلجة مشرتكة مثل البقاء صامتًا أثناء إلقاء خطاب من
شخص آخر .وهذا النوع يف املنظور الشرعي يعترب أدب من آداب اإلسالم وجيري يف كثري من العبادات
مثل الصلوات واخلطب .وأما النوع الثاين هو الصمت التواصلي الذي حيمل معىن ،ورسالة ،وأتثري
تنبيهي ،ويقوم به أشخاص ال يتكلمون أبي شيء وقد يستخدمون أو ال يستخدموا أي أدلة بصرية .
إن الذي ميكن أن نعتمد عليه يف حماولة بياننا ألنواع الصمت داخل األسرة هو النوع الثاين من
الصمت ذلك ألن النقطة املركزية يف دراسة ظاهرة الصمت األسري تعتمد على ما إذا كان استخدام
مدمرا للعالقات األسرية وألن الصمت األسري أيضا حيمل معىن ورسالة وله أتثري
الصمت مثمرا أم ً
تنبيهي وغريها من عناصر الصمت التواصلي املذكورة آنفا .ومن األمهية أيضا أن نشري أن الصمت
التواصلي الذي حنن بصدده هنا له شكلني أساسيني ومها الشكل العاطفي واجلسدي وبناء على ذلك
ميكن القول إن للصمت التواصلي داخل األسرة قسمان .ومها:
27
النوع األول :الصمت اإلجيايب داخل األسرة
يتجلى يف هذا النوع من الصمت اجلوانب اإلجيابية للصمت داخل األسرة .ويقصد به " احلد
األدىن من األسرار لدى الزوجني ابعتباره (أي الصمت) نوعا من اخلصوصية الفردية املكفولة لكليهما
كل فيما خيتص حبياته قبل الدخول يف العالقة الزوجية أو بعدها حبيث ال يؤدي ذلك (الصمت) إىل
حدوث أضرار ابلطرف اآلخر الداخل يف العالقة أو املساس ابلعالقة نفسها"( .)56ويعد هذا النوع من
الصمت من أساليب التواصل غري اللفظية اليت يستخدمها الزوجني يف حماولة حتقيق الرضا والسعادة يف
حياهتم الزوجية حيث يدرك أحد الزوجني أن إمساكه عن لسانه خالل اللحظات الشديدة اخلطورة
مهما للغاية يف منع تطور األزمة كما يزيد
اليت ال تسلم منها أي أسرة ،ميكن أن يكون عالجا وقائيًا ً
قي احتمالية عدم جرح الزوجني بعضهما البعض ابلنطق ابلكلمات القاسية ولكون بعض الصعوابت
الزوجية هي نتيجة اإلفراط يف اإلفصاح عن الذات.
أما ابلنسبة لباقي أفراد األسرة مثل األوالد وعالقتهم مع الطبقة األساسية لألسرة أو مع بعضهم
البعض ،فإن هذا النوع من الصمت يتمثل يف كثري من األحيان يف احلاالت اليت يتغاضى فيها الوالدين
عن بعض أخطاء أوالدهم أو أخطاء بعضهم البعض حبكم الواقع ومعرفة بعضهم البعض يف املواقف
والتطابق يف املعتقدات مما يؤدي إىل تفاعالت أكثر كفاءة وتقليل اخلالفات والصراعات .وال مانع أن
يكون هذا الصمت جسداي أو عاطفيا مادام آاثره إجيابيا ابلنسبة لألسرة.
()56
املرجع نفسه ،ص 570
28
النوع الثاين :الصمت السليب داخل األسرة
إن هذا النوع هو الذي حيمل معىن الرفض وعدم االهتمام والتعرض مبشاعر اآلخر وقد خلصه
الرفاعي نقال عن حممد قانصوا أبنه يتميز بغياب لغة التخاطب يف البيت الزواجي من حيث يتخذ كل
منهما حيزا خاص به ويسود الصمت بينهما مما جيعل احلياة الزوجية أكثر تعقيدا واهلوة بني الطرفني
أكثر اتساعا( .)57ومع مرور الوقت ،فإنه قد خيلق جدران الفصل بني أفراد األسرة ألنه خيل ابلروابط
اجلسدية والعاطفية بينهم من خالل فصل بعضهم عن البعض وتصبح تلك اجلدران غري قابلة للنزع،
وغري منفذة ،وقوية وميكن أن تكون مبثابة درع يف منع كل من احملادثة والتوافق بني أفراد األسرة.
هذا النوع من الصمت داخل األسرة هو النوع املشار إليه يف هذا البحث ابسم "الصمت
أيضا على
األسري" ألنه ال يؤثر على الوالدين أو العالقات بني الوالدين واألبناء فقط ولكنه يؤثر ً
التفاعل بني األشقاء وما بعدهم .ويعترب أيضا شكل من أشكال الرفض من قبل الفرد يتمثل يف عدم
البوح أبسراره ومهومه وانشغاالته ابآلخر هبدف عدم التعرض واالنكسار أمامه يف حماولة منه لتجميل
الذات أمام اآلخر وهذا الشكل حيدث يف الغالب عندما يستشعر الزوج يف الشريك أنه ليس على
مستوى املسؤولية أو الكفاءة اليت تؤهله/ها الحرتام مهوم الزوج وأحزانه/ها ومشاكله/ها وال جيد
الشريكان إال الصمت حيث ينغلق كل منهما على نفسه متمركزا حول ذاته دون االهتمام مبشاعر
اآلخر ومهومه(.)58
( )57انظر :الرفاعي ،إميان عبيد" .الصمت الزواجي وعالقته ابلرضا عن احلياة" .جملة الفنون واألدب وعلوم اإلنسانيات
واالجتماع .)2019( 45
( )58انظر :الرتكي ،انزك عبد الصمد" .فاعلية برانمج إرشادي أسري قائم على فنيات احلوار للوقاية من الصمت األسري يف
األسرة الكويتية ".جملة الرتبية (جامعة األزهر كلية الرتبية) ،)184( 1ص 571
29
الفرع الثالث :صور "الصمت األسري"
لقد تعددت البحوث العلمية والدراسات اليت تناولت صور الصمت اليت تقع يف احمليط األسري،
ومن هذه البحوث حبث بن ساهل الذي حتدث فيه عن الصمت الزواجي وأبعاده املختلفة والرفاعي يف
مقالته عن الصمت الزواجي وعالقته ابلرضا عن احلياة وغريها من الدراسات .ويبدو أن معظم تلك
الدراسات املوجودة تناولت كل صورة على حدة ولكنا سنوردها هنا يف اجلملة وفق النقاط اآلتية:
يعد الصمت الزواجي من أهم صور الصمت األسري اليت قد حظي ابهتمام كبري من الباحثني
منذ العقد املاضي .وميكن تعريفه ابلصمت " االختياري لضعف الرغبة يف تبادل األحاديث اليت تعرب
عن املشاعر واألفكار واآلراء واإلفصاح عن الذات مع شريك احلياة الزوجية وعدم القدرة على إقامة
حوار ومناقشة هادئة وفعالة حتقق مزيدا من اإلشباع والتقارب والرضا الزواجي "( .)59ومما يالحظ يف
هذه الصورة من الصمت األسري أنه ينقل بني الزوجني مبرور الوقت االزدراء ،والعداء ،والربودة،
والتحدي ،والصرامة ،والكراهية .ومن املثري لالهتمام أيضا أن يف هذه الصورة تسود األسرة حالة من
التباعد العاطفي بني الزوجني بسبب فقدان اإلفصاح و"عدم وجود حاالت مزاجية جديدة تقدمها
الكالم بل يبقى الزوجان غاضبان من بعضهم البعض حىت يتم كسر الصمت"(. )60
وأما يف النظرة الشرعية فإن هذا النوع قد يدخل يف بعض صور النشوز أو اإلعراض الذي نبه
صلِ َحا
اح َعلَري ِه َما أَ رن يُ ر
اضا فَ َال ُجنَ َ
هللا تعاىل عنه يف قوله ﴿وإِ ِن امرأَةٌ خافَ ِ ِ
ت م رن بَ رعل َها نُ ُش ًوزا أ رَو إِ رعَر ً
َ رَ َ ر
ص رل ًحا﴾ [النساء ]128 :قال السمرقندي " أ رَو إِ رعراضاً يعين يعرض بوجهه ويقل جمالستها بَري نَ ُه َما ُ
وحمادثتها"( .)61وقد حيدث هذا االعراض من طرف املرأة على حد سواء.
()59
املرجع السابق ،ص 577
)(60
Jensen, J Vernon. "Communicative Functions of Silence: A Review of General
Semantics”. Institute of General Semantics 30, no. 3 (1973), p. 252.
()61
السمرقندي ،أوب الليث نصر بن حممد بن أمحد ،حبر العلوم ،ج ،1ص 244
30
الصورة الثانية :الصمت بني اآلابء واألوالد
هذه الصورة من الصمت هي اليت حتدث بني الوالدين وأوالدهم وتتجلى غالبا يف عدم قدرة
الوالدين أو أحدمها على التحلي ابملرونة يف التعامل مع أوالدهم وإعطاءهم الفرصة يف التعبري عن
مواقفهم فيخلق حالة من التنافر فيما بينهم .وقد يكون سبب ذلك األوالد أنفسهم والدراسات القدمية
وغريهم تفيد هذا املعين( .)62تشري الدراسات احلديثة اليت أوردها كروز مثل دراسةBarnes & Olson
مثل ما قام به كروز نفسه يف سنة 2007م أن هذه الصورة من صور الصمت األسري سبب لكثري
من التوترات األسرية امللحوظة يف اجملتمعات املعاصرة وتدور معظمها حول طريقة تدخل الوالدين يف
حياة أوالدهم كما تشري أخرى أن وجود اإلدمان يف استعمال أدوات التواصل االجتماعي من العوامل
األساسية هلذه الصورة ).(63
وهبذا فإن هذه الصورة قد اعتربهتا الشريعة اإلسالمية من قبيل عقوق الوالدين حيث إن الولد
قد أمرته أبن ال يعزل والديه مهما فقدا من الصفات اجلميلة مثل املرونة يف التعامل فال يهملهم بل
يبادر دائما يف إسعادهم وإدخال السرور يف قلوهبم ويلطف يف الكالم معهم والتواضع عندهم والصمت
األسري خالف تلك املعاين كلها .قال تعاىل﴿ :وص ِ
احرب ُه َما ِيف الدُّنريَا َم رع ُروفًا﴾ [لقمان ]15 :وقال ََ
اإلنر َسا َن بَِوالِ َديرِه ُح رسنًا﴾ [العنكبوت .]8 :وكذلك أرشدت الوالدين على احلوار اجليد
صري نَا رِ
أيضا ﴿ َوَو َّ
مع األوالد ونصحهم ووعظهم إبجياد أوقات وأساليب مناسبة ملناقشة قضااي ترجع إىل حتقيق مصاحلهم
ين َال ِ ِ ِِ الدنيوية واألخروية .قال تعاىل حكاية عن األب احلكيمَ ﴿ :وإِ رذ قَ َ
ال لُرق َما ُن البرنه َوُه َو يَعظُهُ َايبََُّ
الش ررَك لَظُرل ٌم َع ِظ ٌيم[ ﴾...لقمان .13 :ففي اآلية فائدة أن األسلوب يف التدخل يف تُ رش ِررك ِاب َِّ
َّلل إِ َّن ِّ
()62
انظر:
Cruz, A M. “Managing Privacy Boundaries Between Parents and Young-Adult Children: An
Examination of the Relationship Between Cultural Orientation, Family Communication,
)Family Satisfaction, and Intrusion (Ph.D. thesis, the University of Nebraska, 2007
()63
انظر :املرجع نفسه
31
حياة األوالد مهم جدا يف جناح العملية االرشادية وأن أنفع ما يُبتدأ به هو ميل أفئدة الولد املستهدف
ابملوعظة إىل ابريه سبحانه وتعاىل.
هذه الصورة تكون بني أفراد األسرة الفروع مثل األوالد فيما بينهم إذا كانت األسرة نووية ،ويف
األسر املمتدة تشمل الصورة ابقي أفراد األسرة الذين مل يدخلوا يف الصورتني السابقتني مثل األعمام
والعمات واألخوال واخلاالت .وميكن أن نقول إن الصمت األسري يف هذه الصورة متعلق بشكل أو
آبخر على منط من األمناط األربع لألسرة بغض النظر عن كوهنا أسرة نووية أو ممتدة .لقد أورد سامك
()64
هذه األمناط كالتايل: وروتر
األسر التوافقية :تعتمد هذه األسر يف سياسة التفاعل بني أفرادها على مستوايت عالية من )1
احملادثة واحرتام آراء وأفكار ورغبات كل فرد على الرغم من أن عادة ما يتخذ شخص واحد القرار
النهائي .وتتميز هذه األسرة أن اجلميع يتوقع أن سلوكه سيتوافق بعد ذلك مع القرار .يف هذه األسر،
يظهر جليا أن احتمالية حدوث مشكلة الصمت األسري ضئيل بسبب مشاركة مجيع أفراد األسرة
ومسامهتهم يف القرار.
العائالت احلامية :تعتمد هذه العائالت بشكل كبري على اخلضوع والطاعة لتحقيق واقع مشرتك )2
ويكون هذه الطاعة لوجهة نظر أحد أفراد األسرة املهيمن على احملادثة .هذا النمط يفقد عنصر مهم
من عناصر احلد من ظاهرة الصمت األسري وهو شعور أفراد األسرة أن رأيهم له قيمة ومعترب ويستطيع
أن يبوح مبا يف داخله ويؤخذ بعني االعتبار .فإذا كان البد من اإلذعان بوجهة نظر معني فال عربة
ين يَ رستَ ِمعُو َن َّ ِ
للكالم .وهو خمالفة لقوله تعاىلَ ﴿ :وأ رَم ُرُه رم ُش َورى بَري نَ ُه رم﴾ [الشورى ]38 :وقوله ﴿الذ َ
)(64
Samek D. R., Martha A. R. “Associations Between Family Communication Patterns,
Sibling Closeness, and Adoptive Status”. Journal of Marriage and Family 73, no. 5 (2011),
p.1016.
32
ك ُهم أُولُو راألَلرب ِك الَّ ِذين ه َداهم َّ ِ ِ
اب﴾ [الزمر .]18 :فالعربة ليسَ اَّللُ َوأُولَئ َ ر الر َق رو َل فَيَ تَّبِعُو َن أ ر
َح َسنَهُ أُولَئ َ َ َ ُ ُ
يف قبول كل اآلراء لكن إعطاء كل فرد فرصة البوح مبا يشغله ومن مث البحث عن احللول.
العائالت التعددية :هتتم هذه األسر ابحلوار واحملادثة لكنها ال تركز كثريا على التوافق مع وجهة )3
نظر واحدة .هذا النمط خيلق بيئة مناسبا للتفاعل األسري اجليد بنسبة ما وحيد من احتمالية وقوع
الصمت األسري إال أن عدم ضبط وجهات النظر قد يؤدي إىل مشاكل أخرى مثل االحنراف األخالقي
وقد يصبح أفراد األسرة أحزااب وشيعا ومذاهب كل حزب مبا لديهم فرحون.
اهتماما
ً عائالت " مبدأ عدم التدخل " (Laissez-faire):هذه العائالت يكون أفرادها أقل )4
مبشاركة الواقع ولذلك يتمتعون ابلفردانية ومتباعدون غري مرتبطني .هذا النمط هو أكثر ما ميكن أن
حيدث فيها ظاهرة الصمت األسري ألن يف ظاهرها احلرية املطلق والتمتع ابحلياة ولكن سرعان ما يقع
أفرادها يف الغربة .وهذا املبدأ ال ميكن أن يكون مقبوال يف الشريعة اإلسالمية ألنه حيطم األدوار والوظائف
التكليفية اليت ينبغي أن يقوم هبا أفراد األسرة من أجل حتقيق مقاصد الشارع .وهذا املبدأ أيضا معارض
َّلل َولِ ِكتَابِِه َولَِر ُسولِِه يحةُ ،قُ رلنَا :لِ َم رن؟ قَ َ
الِ ِ : ِ
ين النَّص َ
ِ
ملبدأ النصيحة ،قال عليه الصالة والسالم" :ال ّد ُ
ني َو َع َّامتِ ِه رم"(.)65 ِ ِ ِِ
َوِألَئ َّمة الر ُم رسلم َ
وهذه األمناط تتقاطع يف مجيع صور الصمت األسري لكن يف هذه الصورة أكثر ظهورا لتعدد أفراد
األسرة فيها.
()65
مسلم ،أبو احلسن ،صحيح مسلم ،ج ،1ص ،74ابب بيان أن الدين النصيحة ،حديث رقم 55
33
املطلب الثاين :أسباب "الصمت األسري" يف املنظور العلمي
إن تقلص لغة احلوار وعجز أفراد األسرة من توصيل حس املشاعر فيما بينهم ،وضعف الرغبة
يف تبادل األحاديث واالفصاح عن الذات ،والتباعد اجلسدي والعاطفي ،واالغرتاب األسري ،كل ذلك
وغريه وهي الشخصية النرجسية وعدم (keylie)66 نتيجة ألسباب عدة نص عليها ابحثون أمثال
النضج العاطفي ،إدمان مواقع التواصل االجتماعي ،وأسباب انجتة عن السلوك السليب من أحد أفراد
األسرة أو بينهم أبرزها؛ التجارب املؤملة من العنف األسري أبشكاله املختلفة ،وجود أو تصور احملسوبية
األبوية ،واإلفراط يف تعاطي املخدرات أو الكحول ،واالغرتاب من أحد الوالدين وغريها .وبيان تلك
األسباب على النحو التايل:
( )66انظر:
Kaylie, Agllias. “No Longer on Speaking Terms: The Losses Associated with Family
Estrangement at the End of Life, Families in Society”. The Journal of Contemporary Social
Services 92, no. 1 (2011), p.108 – 109.
)(67
Horowitz, M. “Clinical phenomenology of narcissistic pathology”. Psychiatric Annuals
39, no. 3 (2009), p. 124-128.
)(68
MacDonald, P. “Narcissistic personality disorder”. Practice Nurse 41, no. 1 (2011): P. 16-
18.
( )69انظر:
Ruqia S. B, et al. “Narcissistic Personality and Family Relationship among Adults: A
Correlational Study”. Imperial journal of interdisciplinary research 2, no. 8 (2016), p. 123
34
ابلعالقة األسرية ( .)70وذلك ألن تلك السمات السلبية هلذا الشخص تسبب عدم شعور أفراد األسرة
ابالرتياح لكون العالقات معه تكون مليئة ابألاننية واالستخفاف وغياب الرعاية وحىت يف بعض األحيان
إىل العنف .كل هذه العوامل والتصرفات قد تؤدي يف النهاية إىل الصمت األسري .ومن األمهية مبكان
أن نشري إىل أن خيار الصمت األسري قد يكون من أخطر السيناريوهات فيما خيص التعامل مع هذا
النمط من األشخاص ألنه حىت الذين يقررون إيقاف العالقة ابلطالق على سبيل املثال خيرجون آباثر
وخيمة .يقول كوفمان يف هذا الصدد أن الشركاء واألشخاص الذين تربطهم عالقات وثيقة مع األفراد
الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية يرتكون العالقة يف آخر املطاف وهم يشعرون ابلضياع
واالرتباك والكسر (.)71
وأما عدم النضج العاطفي هو عدم قدرة الشخص على التعبري عن املشاعر اجلادة بطبيعتها أو
التعامل معها ( .)72وقد يبالغ األشخاص غري الناضجني عاطفياً يف رد فعلهم جتاه بعض املواقف أو
()73
إن هذا االنعدام للنضج العاطفي يؤثر سلبيا على يواجهون صعوبة يف التحكم يف عواطفهم.
اليت هي من أسس منع الصمت األسري لكوهنا تضمن emotional intimacy احلميمية العاطفية
خصا ما ميكنك إخباره أبي شيء عن أي شيء أو كل شيء .شخص ما
الشعور واملعرفة أن لديك ش ً
تذهب إليه بكل مشاعرك وتشعر ابألمان التام عند االنفتاح عليه سواء يف شكل كلمات ،أو من
خالل تبادل النظرات ،أو مبجرد التواجد معه ( .)74إن هذه املشكلة يعاين منها أفراد األسرة على مجيع
ومما ال شك فيه أن السمات والسلوكيات اليت نقلتها يف هذا القسم عن علماء علم االجتماع
من االزدراء والشعور ابلعظمة والغطرسة واالعجاب ابلنفس وغريها كلها سلوكيات مذمومة شرعا ،وقد
امتألت الشريعة اإلسالمية بنصوص فيها أحكام تنبه املؤمنني على خطورهتا وترشدهم إىل اجتناهبا .قال
ين َآمنُوا َال يَ رس َخ رر قَ روٌم ِم رن قَ روٍم َّ ِ
﴿اي أَيُّ َها الذ َ تعاىل يف منع وذم االزدراء والسخرية وعدم االحرتام َ
َع َسى أَ رن يَ ُكونُوا َخ ر ًريا ِمرن ُه رم َوَال نِ َساءٌ ِم رن نِ َس ٍاء َع َسى أَ رن يَ ُك َّن َخ ر ًريا ِمرن ُه َّن َوَال تَ رل ِم ُزوا أَنر ُف َس ُك رم َوَال
ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن﴾ [احلجرات: ب فَأُولَئِ َ وق ب ع َد رِ ِ
اإلميَان َوَم رن َملر يَتُ ر س اال رس ُم الر ُف ُس ُ َ ر
اب بِرئ ِ
َ
تَنَاب ُزوا ِاب رألَلر َق ِ
َ
ض َمَر ًحا إِ َّن َّ
اَّللَ ش ِيف راأل رَر ِ َّاس َوَال متَر ِ َّك لِلن ِص ّعِرر َخد َ ]11وقال يف الشعور ابلعظمة والغطرسة ﴿ َوَال تُ َ
ك إِ َّن أَنر َكر راأل ِ ص روتِ َ ك وا رغض ِ ِ َال ُِحي ُّ
تص رو َُص َوات لَ َ َ ر ض م رن َ ب ُك َّل خمُرتَ ٍال فَ ُخوٍر (َ )١٨واقرص رد ِيف َم رشيِ َ َ ُ ر
احلَ ِم ِري ([ ﴾)١٩لقمان . ]19-18 :ويكفي هنا اإلشارة أن هذه السلوكيات ال تستقيم هبا العالقات ر
األسرية كما ال تستقيم هبا غريها.
()75
املرجع السابق ،ص 1
()76
املرجع نفسه
36
الفرع الثاين :أسباب انجتة عن السلوك السليب من أحد أفراد األسرة أو بينهم:
تشمل األسباب الناجتة عن السلوك السليب من أحد أفراد األسرة أو بينهم عناصر أبرزها؛ التجارب
املؤملة من العنف األسري أبشكاله املختلفة ووجود أو تصور احملسوبية األبوية واإلفراط يف تعاطي
املخدرات أو الكحول واالغرتاب من أحد الوالدين وبياهنا كما يلي:
عادةً ،تنتهي التجارب املؤملة اليت مير هبا مجيع أفراد األسرة النووية واملمتدة إىل آاثر عاطفية
واجتماعية كاالغرتاب األسري .ونقصد ابلتجارب املؤملة الكوارث األسرية مثل االعتداء اجلنسي
واجلسدي ،والعاطفي ،واإلساءة من قبل األشقاء وغريها .فإذا تعرض الشخص بتلك الكوارث أو
مسح اآلخرون بذلك أن حيصل له ،فإنه يفقد الثقة من كل من حوله ومبجرد حدوث ذلك فغالب ما
خيتارون الصمت لعدم جدوى اخلوض يف املوضوع ولكونه من الصعب أن يكون الشخص صرحيا
وشفافا عندما يشعر ابهلجوم أو يعاين من عدم الثقة مبن حوله .ومما يثبت أثر تلك الصدمة ،دراسة
أجراها (اجملالس) بني 456طالب من طلبة جامعة االمارات العربية ،أفادت الدراسة أن الذي يتعرض
له الشخص خاصة يف طفولته له أتثري سليب مباشر على النمو االجتماعي والنفسي له .كشفت الدراسة
أن جودة القدرة على التكيف مع الظروف اجلديدة من قبل الطالب الذين تعرضوا على مستوى مرتفع
من العنف أقل من %20خبالف إخواهنم الذين كان مستوي تعرضهم للعنف منخفض ،فجودة قدرهتم
على التكيف مع الظروف اجلديدة كان .)77( %41فإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن املشاعر
السلبية املوجودة لدى اجملموعة األوىل كما كشفتها الدراسة مثل اخلوف والقلق والعجز واحلزن املتكررة
كلها داعية إىل مشاكل أسرية ومنها الصمت األسري.
Al majali, S., Alsrehan, H. “The impact of family violence on the social and psychological
)(77
development of the child”. Development of the Child Utopía y Praxis Latino Americana 24,
núm. 5 (2019), P. 204
37
تفضيال اثبتًا جتاه طفل على اآلخر
ً احملسوبية األبوية هي عندما يُظهر أحد الوالدين أو كليهما
( .)78يتجلى هذا التفضيل يف عناصر أبرزها الوقت الذي يقضيه الوالدين أو أحدمها مع أحدهم أو
االمتيازات اليت تقدم لبعضهم دون البعض ،والثقة والدعم وغريها مما جيعل أحدهم أو بعضهم يشعرون
ابلتهميش والغربة .وابلرغم من أن العالقات بني األشقاء وأفراد األسرة عموما من أقوى وأثبت العالقات
Angelo R. Santos عادة ،إال أن هذا التفضيل من أهم العوامل اليت تزلزهلا .ففي دراسة أجراها
على 86إخوة من طلبة جامعة نويفا إيسيجا للعلوم والتكنولوجيا ،حرم سان إيسيدرو يف فلبني لغرض
تقييم آاثر احملسوبية األبوية على الشخصية وعلى األشقاء ،توصل إىل أنه أجاب مجيع املستجيبني تقريبًا
جيدا أن يكون هناك أن احملسوبية األبوية تضر بشخصية األطفال وعالقات األشقاء وإنه ليس قر ًارا ً
حماابة من أحد الوالدين جتاه بعض أفراد األسرة دون األخرى ألهنا تؤثر على شخصية األطفال وعالقة
األطفال أبشقائهم ( .)79ويف جانب آخر وهو مهم جدا يف قضية الصمت هو كوهنا تؤثر أيضا على
شخصية الوالدين يف نظر األوالد وتبعدهم عنهما وينتهي إىل غالب األحيان إىل اختيار الصمت
والقطيعة.
إن أفراد األسرة الذين يقيمون يف منازل يتم فيها تعاطي الكحول واملخدرات بشكل مفرط يتعرضون
وجسداي
ً لألذى بطرق متنوعة .ترتك هذه املخدرات واملشروابت الكحولية املستخدم غري مستقيم عاطفيًا
لكوهنا تؤثر على أدائه العقلي ما يؤدي إىل سوء معاملته جلميع أفراد أسرته وإمهاهلم .ويالحظ أيضا من
املدمنني لتلك املواد أنه إن كان والدا ميكن له االختفاء وترك الطفل لساعات أو أايم وحده أو مع
Vickie Kropenskeو Judy شخص غري قادر على تلبية احتياجات الطفل األساسية .يري
( )78انظر:
Angelo, R. Santos. “Impacts of Parental Favoritism on the Personality and Sibling
Relationship of the Students of Nueva Ecija University of Science and Technology San Isidro
Campus”. International Journal of Innovative Science and Research Technology 6, no. 6
(2021), p. 86.
()79
املرجع السابق
38
أيضا ميزانية األسرة على الكحول و /أو املخدرات
Howardوآخرون أن إنفاق" أحد الوالدين ً
األخرى ،حيرم الطفل من الغذاء وامللبس واملسكن والرعاية الصحية الكافية وقد تتعرض صحة الطفل
وسالمته خلطر شديد بسبب النشاط اإلجرامي املرتبط بتصنيع وتوزيع املخدرات غري املشروعة يف املنزل
ألنه قد يساهم التعرض املستمر لتعاطي الوالدين للكحول واملخدرات األخرى يف تعاطي الطفل
للمخدرات (.)80
وآخرون دراسة وصفية مقطعية يف تسع مدارس حكومية يف مدينة Silva DMR لقد أجرت
ايفعا للبحث عن العالقة بني ديناميات األسرة واستخدام الكحول
ريسيفي على ثالمثائة وأربعة وستون ً
والتبغ واملخدرات األخرى من قبل املراهقني طوال احلياة وأكدت أن كارثة عدم التنظيم يف نظام األسرة
اليت تتسم بضعف الروابط العاطفي بني األعضاء ،واهلشاشة يف الشعور ابالنتماء ترتبط ابستهالك
املراهقني للمخدرات يف احلياة .)81( .وعدم التنظيم يف نظام األسرة بضعف الروابط العاطفي بني
األعضاء واهلشاشة يف الشعور ابالنتماء كل هذه مؤدية إىل الصمت األسري.
)(80
Vickie, K, et al, Protecting Children in Substance-Abusing Families. U.S. Department of
Health and Human Services Administration for Children and Families Administration on
Children, Youth, and Families. National Center on Child Abuse and Neglect. (Amarillo:
)Circle Solutions, McLean& others, 1994
)(81
Silva D. M. R, et al. “Association between family dynamics and use of alcohol, tobacco,
and other drugs by adolescents”. Rev Bras Enferm 74, no. 3 (2021), p. 5
39
()parental Alienation السبب الرابع :االغرتاب من أحد الوالدين
يعرف هذا النوع من االغرتاب ابلتجربة اليت مير هبا “الطفل الذي يتالعب به أحد الوالدين
ّ
من أجل قطع عالقته ابلوالد اآلخر (املستهدف) ومقاومة اتصاله به أو معها ( .)82حيدث هذا النوع
غالبًا بسبب النزاعات أثناء احلضانة أو بعد إجراءات الطالق املعقدة أو االنفصال ال سيما عندما
مطوال أو ينطوي على عداء كبري بني الطرفني .تشري الدراسات إىل أن هذا االغرتاب
يكون التقاضي ً
يصيب الطفل بقلة الثقة ابلنفس وابآلخرين ،والتدين يف مستوى احرتام الذات ،واالكتئاب ،والقلق،
ومحله إىل تعاطي املخدرات ،واإلدمان ،والتوجه إىل االكتفاء الذايت ،ومشاعر الفقد واهلجر ،والشعور
ابلذنب ،وعدم القدرة على احرتام السلطة اليت تتعلق ابلتأثريات النفسية ( .)83هذه العواقب العاطفية
تقوم بدور حموري يف تعزيز الصمت األسري ألن أتثري أغلبها على الطفل بعيد املدى.
ففي دراسة نوعية للبحث عن آاثر هذا النوع من االغرتاب الطويلة املدى أجراها بيكر
( )bakerعلى 38من البالغني الذين عانوا من هذا النوع من االغرتاب عندما كانوا أطفاالً كشفت
أن %70منهم يعانون من االكتئاب وما يقارب ( %67ثلثي العينة) يعانون من تعاطي املخدرات،
و 16منهم وهو %42يعانون من عدم الثقة ابلنفس وابألخرين ( .)84والنقطة اجلوهرية يف هذه الدراسة
هي أن 28من املشاركني وهو ما يقارب %74معزولني عن أطفاهلم (يعين يف حالة صمت أسري)
إشارة إىل أنه يبدو أهنم يكررون جتربتهم السابقة من اخلسارة والرفض والشعور بعدم احلب ألوالدهم.
إن األسباب اليت وردت يف هذا الفرع أيضا ال خترج عن دائرة التصرفات املمنوعة واحملرمة شرعا
ملا هلا من عواقب مدمرة للحرث والنسل .فاحملسوبية األبوية على سبيل املثال قد نبه النيب صلى هللا عليه
)(82
American Psychological Association. APA Dictionary of Psychology—Parental
Alienation Syndrome (PAS). Accessed November 5, 2022. Available online at
https://dictionary.apa.org/parental-alienation-syndrome
)(83
Miralles, P, et al. “Long-term emotional consequences of parental alienation exposure in
children divorced parents: A systematic review”. Current Psychology (2021), P.12
)(84
Amy J. Baker. “The Long-Term Effects of Parental Alienation on Adult Children: A
Qualitative Research Study”. The American Journal of Family Therapy 33, (2005), p 293 -
299.
40
وسلم على خطورهتا حيث هنى الوالدين من أي تصرف قد يفهم منه ذلك املعىن .وقد جاء يف حديث
صلَّى هللاُ َعلَري ِه َو َسلَّ َم فَ َق َ ِ ِ ِ
ال :إِِّين َن أ ََابهُ أَتَى بِه إِ َىل َر ُسول هللا َ
قصة النعمان بن بشري رضي هللا عنه “ «أ َّ
ال :فَ رارِج رعهُ"( .)85وكذلك تعاطي الَ :ال ،قَ َت ِمثر لَهُ ،قَ َ ِ ت ابرِين َه َذا غُ َال ًما ،فَ َق َ
ال :أَ ُك َّل َولَد َك َحنَرل َ َحنَرل ُ
املخدرات واملشروابت الكحولية فإهنا حرمت ابتفاق علماء املسلمني.
إن ملواقع التواصل االجتماعي جوانب إجيابيا كثرية يف حياة الناس يف جماالهتا املختلفة .فجزؤها
االجتماعي يعزز تفاعل األشخاص مع االخرين من خالل التلقي ومشاركة املعلومات كما أن جزؤها
التواصلي يعزز اجلانب التواصلي بقيامها كأداة لالتصال .ففي العالقات األسرية ،فإهنا تقوم أيضا بدور
حمري يف تقوية العالقات بنسبة ما وفقا لتسارع األحداث والتغريات التكنولوجية املعاصرة .فعلى سبيل
املثال ،وجود القدرة على الدردشة ابلفيديو ومشاركة الصور وما إىل ذلك ،ميكن للعائالت اليت تعيش
بعيدا عن بعضها البعض إغالق تلك املسافة .ورغم هذه الفوائد ،فإن وسائل التواصل االجتماعي
ً
حتمل طابع اإلدمان فيجد معظم الناس أنه أصبح من اإلجباري عليهم التحقق من هواتفهم كل بضع
دقائق ملعرفة ما إذا كان لديهم أي إشعارات جديدة .وهذا اإلدمان يؤثر سلبيا على التفاعالت الزوجية
أو الوقت الذي يقضيان معا خاصة عند استخدام تلك األجهزة عند حضور اآلخر فيكون كل واحد
منهما يف عامله اخلاص يشعر أن تلك املواقع تسد احتياجاته العاطفية ويف النهاية فال رغبة عنده يف
مشاركة أهله مهومه وشعوره ما يؤدي إىل صمت أسري .فأما على مستوى األوالد وابقي أفراد األسرة،
فإنه (أعين اإلدمان) جيعلهم بعيدين عن والديهم وإخواهنم ويستبدلوهنم أبشخاص غرابء حبثا عن الرفاهية
فتضعف الروابط العاطفية بينهم ما جيعلهم أكثر عرضة للخطر.
()85
البخاري ،صحيح البخاري ،ج ،3ص ،157ابب اهلبة للولد ،حديث رقم 2586الطبعة السلطانية
41
قادرين على التحقق من وسائل التواصل االجتماعي اخلاصة هبم ( .)86ففي دراسة قام هبا هبة عبد هللا
حممود على 170عائلة مصرية يف القاهرة للبحث عن األثر السليب ملواقع التواصل االجتماعي على
العالقات األسرية توصلت إىل أن نسبة أتثري وسائل التواصل االجتماعي على العالقات األسرية ابجلملة
،٪ 59.1نسبة ٪ 53.5منها على العالقات بني الوالدين والطفل ،و ٪46.5على العالقات
بني الزوجني (.)87
)(86
Wang M. P, et al. “Digital Inequalities of Family Life Information Seeking and Family
Well-being among Chinese Adults in Hong Kong: a population survey”. J Med Internet Res
16, no. 10 (2014).
)(87
Heba A. M, Sahar, A. S. “The Effect of Social Media on Family Relationships”. Journal
of Nursing and Health Science 9, no. 6 (2020), Page 47
42
املطلب الثالث :آاثر "الصمت األسري"
)(89
وغريه أن التأثري املباشر يرى منظرو "نظرية بوين لألنظمة األسرية"( )88أمثال Kerr
للصمت األسري هو التخفيف من الصراع والقلق يف نظام األسرة لكن إن استمر هذا الصمت أو
القطيعة حىت وصل إىل حالة مرضية سالفة الذكر ،فإن األحباث النفسية أثبتت أن العيش يف العائالت
اليت تعاين من الصمت األسري له جمموعة واسعة من اآلاثر السلبية على الصحة اجلسدية والعقلية
ورفاهية أفراد األسرة على املدى القريب والبعيد .تتمثل تلك اآلاثر يف اآلاثر النفسية واالجتماعية مثل
القلق املستمر والتوتر ،وفقدان الشعور ابالنتماء العائلي ،واالغرتاب االجتماعي إضافة إىل اآلاثر
االقتصادية والقانونية .وتناول تلك اآلاثر على النحو التايل:
تتعدى اآلاثر النفسية واالجتماعية اليت ختلقها الصمت األسري إىل القلق والتوتر واالغرتاب
االجتماعي واغرتاب الذات وغريها وأحاول فيما يلي بيان أبرزها:
إن الصمت األسري قد أعده Drakeو Ginsburgمن أهم العوامل األسرية اليت تزيد يف القلق
املستمر والتوتر يف أفراد األسرة خاصة األطفال ( ،)90وهذا القلق يصيب الواقعني فيه مبشاعر خطرية
مثل الشعور ابخلسارة واهلجر والرفض والعجز واالكتئاب ،والوحدة وغريها .وهلذه املشاعر آاثر طويلة
املدى وتتحكم غالبا يف تصرفاهتم وتضعف نفسيتهم ويصعب عليهم تكوين عالقات اجتماعية وال
()88
سبق بياهنا يف املبحث التمهيدي ص
()89
انظر:
Kerr, M. E., Bowen, M. Family Evaluation (New York, London: W. W. Norton & Company.
)MacLean, 1978
)(90
Kelly L. Drake, Golda S. Ginsburg. “Family Factors in the Development, Treatment, and
Prevention of Childhood Anxiety Disorders”. Clin Child Fam Psychol Rev, 15 (2012), p. 157
43
يقدرون على احملافظة عليها واالنضباط وكذا يف تعاملهم يف جماالت احلياة املختلفة كاجملال االقتصادي
والسياسي وغريها.
لقد قام Drakeو Ginsburgابلبحث عن تلك العوامل األسرية من خالل دراسة رّكزا فيها
على ثالثة أنواع من القلق عند الشباب ،وهي القلق العام الذي يكون حالة من القلق املفرط بشأن
القضااي واملواقف اليومية (، )91واالنفصال وهو قلق يتم تشخيصه عندما تكون األعراض مفرطة ابلنسبة
لسن النمو وتسبب ضائقة كبرية يف األداء اليومي( ،)92والقلق االجتماعي وهو خوف ال يزول ويؤثر
()93
لكوهنا حتدث يف كثري على األنشطة اليومية والثقة ابلنفس والعالقات والعمل أو احلياة املدرسية
من األحيان على مستوى األعراض واالضطراب وتستجيب للعالجات املماثلة ،توصلت الدراسة إىل
أنه على وجه التحديد ،األطفال الذين متت تربيتهم يف بيئات تتميز بسلوكيات أبوية سلبية وأمناط من
التفاعالت األسرية املعاكسة هم أكثر عرضة لإلصابة ابضطراابت القلق(.)94
وكثرة القلق والتوتر يف اجملتمع أمر خطري للغاية ألنه خيلق جمتمع ال يستطيع الدفاع عن نفسه وال حيسن
التعامل بثقة يف مجيع جمال احلياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية لكثرة االضطراابت النفسية بني
أفراده.
()91
انظر:
John Hopkins Medicine, Conditions and Diseases, Generalized Anxiety Disorder, accessed
January 10, 2023”. https://www.hopkinsmedicine.org/health/conditions-and-
diseases/generalized-anxiety-disorder
()92
انظر:
Mayo Clinic, Conditions and Diseases, Sseperation Anxiety Disorder, accessed January 10,
2023”. https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/separation-anxiety-
disorder/symptoms-causes/syc-20377455?p=1
()93
انظر:
NHS Uk, Mental Health Conditions, Social Anxiety, accessed January 10, 2023”.
https://www.nhs.uk/mental-health/conditions/social-
anxiety/#:~:text=Social%20anxiety%20is%20more%20than,before%2C%20during%20and%
20after%20them.
()94
انظر:
Agllias, K. “The Gendered Experience of Family Estrangement in Later Life”. Affilia -
Journal of Women and Social Work 28, no. 3 (2013), p.157.
44
األثر الثاين :فقدان الشعور ابالنتماء العائلي
إن الصمت األسري املتمثل يف قطع العالقات والتواصل العاطفي واجلسدي يضعف الروابط
بني أفراد األسرة لدرجة يصل فيها الشخص املقاطع يفقد الشعور ابالنتماء األسري مبرور الوقت .ومعىن
ذلك أن الشخص ينفر من أقرب الناس إليه وهم أهل أسرته فيؤدي ذلك يف غالب األحيان إىل النفور
من اجملتمع .يصبح الشخص يف هذه احلالة خطرا على نفسه وعلى كل من حوله وملا يتعامل مع أوالده
يتعامل معهم بنفس الطريقة فيكرر التجربة مرة اثنية يف اجملتمع .الفقد غالبا ما ينبثق من األاننية املفرطة
اليت تقويها الصمت األسري حيث تغلق له أبواب املودة والتقارب فيصبح ال تعنيه تلك املعاين.
يعد الشعور ابالنتماء واالرتباط األسري من أهم عناصر التماسك األسري وله أتثري مباشر
على مجيع أفراد األسرة لكونه دافع مهم يف زايدة اإلميان ابلنجاح واملثابرة واجلد يف خمتلف جماالهتم
الوظيفية .فقدان هذا الشعور قد يؤثر سلبيا ال على الفرد فقط بل على األسرة أبكملها .ومن اآلاثر
السلبية أيضا لفقدان الشعور ابالنتماء األسري أن أفراد األسرة “يفقدون املعنوايت والدعم املادي
والعملي الذي ميكن أن يقدمه أفراد األسرة لبعضهم البعض"(. )95
()95
املرجع نفسه
45
األثر الثالث :االغرتاب االجتماعي
إن العامل الذي يعيش فيه الفرد مليء ابملخاطر اليت تتطلب سلوًكا اجتماعيًا أو مجاعيًا للبقاء
على قيد احلياة .واألسرة هي احلاضنة األوىل للتفاعل البشري ويعين االبتعاد عنها وعن أفرادها يف
الغالب "العزلة واالبتعاد عن بعض األصدقاء والعالقات واجلمعيات واألحداث خارج األسرة اليت
يتعايش معها مما يؤدي إىل تقلص اخلربات االجتماعية واألشخاص الذين ميكن اللجوء إليهم للحصول
على الدعم العاطفي والتوجيه"(.)96
والصمت األسري بشكليه اجلسدي والعاطفي حيمل معىن االغرتاب ،وبناء على حتليل سيمان
Seemanلالغرتاب ،فإن األبعاد اليت حددها لتلك الظاهرة تظهر الوضع الذي يعيشه املغرتب أسرية
العجز (powerlessness )97 كان أو اجتماعية .يعيش املغرتب وفقا لتحليل سيمان يف حالة من
()98
وهو الشعور بقليل من السيطرة والتأثري على األحداث احمليطة به وعلى رغباته ،والالمعىن
meaninglessnessوهو الشعور بعدم فهم وإدراك الشؤون الشخصية واالجتماعية حبيث ال يستطيع
الشخص الوصول إىل قرار ما ينبغي أن يفعله ،واغرتاب الذات( self-estrangement )99وهو االخنراط
االجتماعية(social )100 يف أنشطة ال تعود ابلفائدة على النفس ،والرفض ،rejectionوالعزلة
isolationوهو الشعور ابالستبعاد أو الرفض من قبل اجملتمع .هذه اآلاثر معظمها نفسية لكنها تقوم
بدور كبري يف تقليص الدور الفردي الذي ينبغي أن يقوم به الفرد على املستوي األسري واالجتماعي.
cutoff: Bowen family systems theory perspectives, edited by P. Titelman (New York:
Routledge, 2003) p 320.
( )97انظر:
Seeman, M. “On the Meaning of Alienation”. American sociological review 24, no. 6 (1959),
Page 786
( )98املرجع السابق ،ص 786
( )99انظر :املرجع السابق ،ص 789
( )100انظر :املرجع السابق ،ص 788
46
إن معظم اآلاثر االقتصادية والقانونية مرتبطة بوجه أو آخر ابآلاثر النفسية اليت أوردانها يف
الفرع األول ،ذلك لكون اآلاثر النفسية هلا أتثري كبري يف املمارسات االقتصادية والسياسية والقانونية
ويوضح بعض النماذج على هذا التأثري كما يلي:
إن اجملتمع الذي حيرتم القانون يكون منظم ذاتيا ويتصرف فيه الناس وفقا لقيمهم االجتماعية
حبيث يكون لديهم الرغبة يف التصرف بطرق أخالقية ومناسبة مع أخذهم على عاتقهم مسؤولية استمرار
ذلك .يعتقد هذا اجملتمع أيضا أن السلوكيات اليت حيظرها القانون هي غري أخالقيا وحيق للسلطات
القانونية أن ختضع للطاعة .هذه العقلية وااللتزام يتحقق يف اجملتمع بعد حتقيق الرتبية القانونية اليت تعترب
من مهام األسرة اجلوهرية ألن القيم واألخالق اليت تسري عليها اجملتمع أغلبها منبعها األسرة.
فاألسرة هي حمضن التثقيف والرتبية فيتعلم الفرد كيف يبيع وكيف يشرتى وكيف يتكلم وغري
اح فَِإ رن آنَ رستُ رم ِمرن ُه رم ُر رش ًدا فَ رادفَعُوا ِ ِ
ذلك .ومثال ذلك قال تعاىل ﴿ َوابرتَ لُوا الريَ تَ َامى َح َّىت إذَا بَلَغُوا النّ َك َ
ف َوَم رن َكا َن فَِق ًريا فَ رليَأر ُك رل ِ
وها إِ رسَرافًا َوبِ َد ًارا أَ رن يَ رك َربُوا َوَم رن َكا َن َغنِيًّا فَ رليَ رستَ رعف ر
إِلَري ِه رم أ رَم َوا َهلُرم َوَال َأتر ُكلُ َ
َّلل َح ِسيبًا﴾ [النساء ]6 :واالبتالء هو وف فَِإ َذا دفَعتم إِلَي ِهم أَموا َهلم فَأَ رش ِه ُدوا علَي ِهم وَك َفى ِاب َِّ ِابلرمعر ِ
َر ر َ َ ر ُ ر ر ر ر َ ُر َ رُ
االختبار وهنا للتحقق من صالحية الطفل من التصرف الصحيح املناسب قانونيا واقتصاداي .هذه
الرتبية مهمة جدا لكن حتقيقها يتطلب األمر إىل وجود تفاعال جيدا بني مجيع أفراد األسرة لكي يعرفوا
ما هلم وما عليهم ويعد بعض التصرفات مثل القطيعة أو الصمت األسري من أعظم األسباب اليت
تعرقل تلك املهمة األسرية العظيمة.
وبناء على ذلك ،فإن الشخص الذي مل حيصل على الرتبية القانونية بسبب الفجوة اليت ختلقها
الصمت األسري بينه وبني أفراد أسرته يكون عرضة للوقوع يف كثري من املخالفات القانونية فنادر ما
ينجح يف كثري من معامالته االقتصادية والسياسية وغريها ألنه قد يدخل يف عقود ال طائل منها لعدم
خربته ولعدم مشاورته ألفراد أسرته وغري ذلك من الكوارث.
47
الثاين :األثر االقتصادي لظاهرة الصمت األسري
إن األسر اليت يكثر فيها الصراع واإلمهال وسوء املعاملة بني أفرادها بشكل مستمر ومنتظم
dysfunctional يطلق عليها من قبل علماء علم االجتماع األسري ابألسر أو العائالت املختلة
،familiesويعد الصمت األسري من أهم الدعائم هلذا االختالل .والدور الذي يقوم به الصمت
األسري يف هذا الصدد هو االخالل ابلدعم االجتماعي وهي املوارد النفسية واملادية اليت توفرها شبكة
اجتماعية ملساعدة األفراد على التعامل مع التحدايت املختلفة يف احلياة .يعترب الدعم االجتماعي من
اجلوانب الرئيسية لرفاهية أفراد األسرة اليت تقرر يف النهاية ما إذا كانوا سيصبحون أعضاء مسامهون يف
اجملتمع أم ال وابلتايل فقدانه واالخالل فيه جيعل من الصعب ألفراد اجملتمع التعامل مع التحدايت
املختلفة اقتصاداي كانت أو غريها.
أما التحدايت االقتصادية ،فإن الصمت األسري يعترب من أبرز املعززين هلا .ومثال ذلك،
أن حوايل ٪27من Times of India كشفت البياانت اليت نقلتها صحيفة اتميز أوف إنداي
العائالت يف اهلند عانت من القطيعة األسرية يف وقت ما من حياهتا ( .)101وعلق شارما يف حماولة
إبراز أثر ذلك على اقتصاد اهلند أن األعراض اليت تفرضها الصمت األسري تؤثر على عقالنية
املواطنني وعلى مهارات صنع القرار إضافة إىل إضعاف الرغبة يف تويل الوظائف مما يؤدي إىل خسارة
كبرية يف القوى العاملة واإلنتاجية يف البالد ( .)102ومن ضمن تلك االعراض التوتر والقلق واخلوف
الشديد وفقدان الثقة ابلنفس وابآلخرين ،فكيف يتصور من شخص كهذا أن ينجح يف أي مشروع
اقتصادي؟
)(101
Sharma, K. “The ugly secret that is tearing apart Indian families,” The Times of India,
May 19, 2018. https://timesofindia.indiatimes.com/life-style/relationships/parenting/do-you-
love-your-family-and-they-love-you-back/articleshow/64221227.cms
)(102
Anshika S, Muskan G. “The Impact of Unstable Family Structures on Economy: A
Comparative Analysis of the USA and India.” International Journal of Policy Sciences and
Law 2, no. 1, p. 3037.
48
املبحث الثاين" :الصمت األسري" واملعاجلة االجتماعية
هذا املبحث يظهر بعض أبرز املعاجلات االجتماعية لظاهرة الصمت األسري .ونعين ابملعاجلة
االجتماعية مسامهة األشخاص واجملتمعات واملنظمات وغريها يف إجياد حلول مناسبة للمشكالت اليت
تعاين منها اجملتمع وذلك من خالل قيامها مبسؤوليتها اجملتمعية .ومما ينبغي اإلشارة إليه أن احلل
األساس هو معاجلة األسباب وفيما يلي بيان أبرز تلك املعاجلات يف مطلبني أحدمها يف املعاجلة
املؤسساتية والثاين يف املعاجلة غري املؤسساتية على النحو التايل:
لقد مت الرتكيز يف هذا املطلب على دور املؤسسات واملنظمات املختلفة يف املسامهة يف معاجلة
الصمت األسري .ومن ضمن تلك املؤسسات :املؤسسات التعليمية واملدارس ،املؤسسات اخلريية
والوقفية ،واملنظمات احلكومية وغري احلكومية ،واملؤسسات الصحية ،واملؤسسات االقتصادية .ويتم
بيان دورها فيما يلي:
يرى معظم الباحثني أمثال ولسون Wilsonأن املدرسة ليست معنية إبصالح كل املشاكل
االجتماعية وإمنا معنية إبصالح مشكلة واحدة وهي اجلهل ( .)103وأضاف ولسون أيضا أنه على الرغم
من أن هذه هي مهمتها األساسية إال أنه ابلطبع ميكن للمدارس واملؤسسات التعليمية يف اجلملة التأثري
على سلوك الطالب من خالل تطوير املعرفة واملهارات وغرس القيم اليت حتسن التفاعل األسري أو
االجتماعي بصفة عامة .ففي معاجلة الظواهر االجتماعية مثل الصمت األسري ،فإن تلك املؤسسات
تساهم من خالل الربامج التعليمية والسياسات املختلفة والبحوث العلمية وغريها .تقوم الربامج التعليمية
والسياسات واإلجراءات والتجارب األخرى اليت تسهم هبا تلك املؤسسات بتحقيق أهداف صحية
)(103
United Nations Office on Drugs and Crime Vienna, School-based Education for Drug
Abuse Prevention (New York: United Nations Publications, 2004), Page 6.
49
أوسع نطاقاً للوقاية من بعض األسباب املؤدية إىل تلك الظاهرة مثل تعاطي املخدرات وغريها .هذه
الربامج تشمل املناهج الصحية الرمسية وغري الرمسية ،وختلق بيئة مدرسية آمنة مع توفري اخلدمات الصحية
املناسبة والدعم املناسب مبشاركة األسرة واجملتمع.
ويف انحية أخرى ،فإن مؤسسات التعليم ميكن هلا القيام بدور أساسي يف احتواء وإعادة أتهيل
الطالب الذين يعانون من مشكلة الصمت األسري مع والديهم من أجل وقايتهم مما هو أسوأ من ذلك
مثل اهلروب من املدارس وغري ذلك .ففي دراسة أجراها Beccaملنظمة stand aloneاخلريية يف
اململكة املتحدة على 564طالبا الذين يعيشون مرحلة الصمت األسري القاسية مع والديهم للكشف
عن املعاانة اليت يعيشوهنا و كيف ميكن للتدخالت احلكومية ومن التعليم العايل أن تساعد يف جناحهم
ألهنم يفتقرون إىل رأس املال األسري ،وجدت أن نسبة %76منهم وقعوا يف الصمت األسري يف
عمر ما بني 18 – 16ويعانون من مشاكل التشرد طوال دورة حياهتم اجلامعية ألن سكن الطالب
يكون بعيد املنال مالياً ابلنسبة هلم ،ويتفاقم الوضع عندما يرجع الطالب إىل منازهلم خالل العطلة
الصيفية( .)104واقرتح الباحث على اجلامعات بشكل أكرب دعم هؤالء الشباب وأن تصبح املؤسسات
متاما كما هو احلال يف اجلامعات األسكتلندية.
جزءًا من هيكل األبوة املؤسسي للشباب املنبوذين ً
وهبذا فإن املدارس واملؤسسات التعليمية ميكن هلا أن تقوم بدور األبوة املؤسسي طيلة زمن
القطيعة إضافة إىل براجمها التعليمية اهلادفة رمسية كانت أو غري رمسية ،والبحوث العلمية اليت تسهم يف
تشخيص الظاهرة وغري ذلك من األدوار.
Bland, Becca. “It’s All About the Money: The Influence of Family Estrangement,
)(104
يتمثل الدور الرئيسي للمؤسسات اخلريية واملنظمات احلكومية وغري احلكومية يف معاجلة ظاهرة
الصمت األسري يف العمل على إحداث وتطوير التغيري اإلجيايب يف العالقات األسرية .يرى الباحثون
أن تلك املنظمات لديها القدرة على تسهيل السياسات احلكومية للوصول إىل املناطق النائية وتعزيز
الفعالية الشاملة خلطط الرعاية االجتماعية ملا هلا من الروابط الشعبية اجلذرية والنهج التشاركي يف التطبيق
اجملتمعية كما تتمتع معظم تلك املنظمات بثقة كبرية يف معظم اجملتمعات وأن التزامها يف خدمة اجملتمعات
يف غالب األحيان طويل األمد .هذه اخلصائص واملميزات جتعل تلك املنظمات يف الواجهة عند خوض
معارك احلد من الظواهر االجتماعية املختلفة ومن ضمنها ظاهرة الصمت األسري .من أهم براجمها
وأدوارها يف مواجهة الظاهرة ما يلي:
▪ تسهيل احلوار األسري :تقوم كل منظمة هبذا الدور بطريقتها اخلاصة وفق املعطيات املوجودة.
من أشهر تلك املؤسسات:
.2مركز إدارة خدمات إساءة استعمال املواد املخدرة والصحة العقلية التابعة لوزارة الصحة
واخلدمات اإلنسانية األمريكية (.)106
▪ التدريب االحرتايف :يتم تدريب األطباء واملستشارين وأفراد أسرة على أحدث الوسائل الوقائية
من أسباب الظاهرة وما توصل إليه البحث العلمي والتجارب الناجحة اليت ميكن االستفادة
منها من أجل وقاية األسرة ومل مشلها من خالل ضمان التعاون والتعاضد .فمن أبرز اجلمعيات
املعنية بذلك:
.1الرابطة األمريكية للزواج واملعاجلني األسريني ،مجعية املعاجلني الذين يقدمون العالج األسري
()108
.2جوشوا كوملان ،دكتور -عامل نفسي يقدم االستشارات ويوفر التدريبات اخلاصة أبفراد األسرة
املنفصلني ملساعدهتم على املصاحلة (.)109
.3مركز بوين لدراسة األسرة -منظمة تقدم العالج النفسي و "التدريب" ألفراد األسرة املبعدين
(.)110
()107
انظر :املوقع الرمسي للمنظمة موجود على
https://www.talkingalternatives.net/services.
()108
انظر :املوقع الرمسي للمنظمة موجود على
https://www.aamft.org/.
()109
انظر :املوقع الرمسي للدكتور كوملان موجود على
https://www.drjoshuacoleman.com.
( )110انظر :املوقع الرمسي للمركز على
https://www.thebowencenter.org/coaching.
52
الفرع الثالث :املؤسسات الصحية
إن معظم اآلاثر السلبية لظاهرة الصمت األسري آاثر نفسية حتتاج إىل التدخل املباشر
للمتخصصني يف الطب النفسي وغريها .وقد اقرتح العديد من الباحثني االستعانة ابملؤسسة الصحية
يف معاجلة تلك الظاهرة بكل ما فيها من اآلاثر واألسباب اليت حتمل طابع صحية مثل األمراض النفسية
وغريها .تتناول املعاجلات الصحية املقرتحة كيفية أتثري الظاهرة على األسرة أبكملها وكيف ميكن ملقدمي
العالج النفسي استخدام مبادئ من العالج األسري لتغيري التفاعالت بني أفراد األسرة أو إعادهتا .لقد
ركزت بعض البحوث على معاجلة األسباب مثل تعاطي املخدرات ووضع بروتوكوالت حتسني العالج
اليت توفر معلومات أساسية حول عالج تعاطي املخدرات ملعاجلي األسرة ( .)111إن من أهم وسائل
املعاجلة الطبية للصمت األسري وإعادة العالقة إىل مسارها الصحيح ،ما ينصح به املتخصصون بطلب
املساعدة من املرشد األسري ،family counselorأو معاجل األسرة ،family therapistأو أخصائي
علم النفس اإلكلينيكي ،أو غريهم من متخصصي الصحة العقلية الذين ميكنهم تقدمي وجهات نظر
خمتلفة حول الوضع .ومن اجلدير ابلذكر أن هذه الوسيلة تعمل جنبا إىل جنب مع ابقي والوسائل
األخرى .ففي مقابالت أجراها سيمون مع 4مشاركني الذين حتدثوا ابلتفصيل عن جتارهبم العالجية
واالستشارية للصمت األسري أكد مجيعهم أن التعليقات ووجهات النظر اليت يقدمها املعاجلون أو
املستشارون كانت مفيدة (.)112
لقد مت أيضا تطبيق وسائل أخرى كثرية تعىن مبعاجلة بعض األسباب غري النفسية من أبرزها
التدخل العائلي متعدد الوسائط )MMFI(Multi-Modal Family Interventionالذي مت اقرتاحه
ألول مرة ثالثة من الباحثني املتخصصني Johnstonو Waltersو Friedlanderيف سنة
( )111انظر:
Substance Abuse and Mental Health Services Administration, Substance Abuse Treatment
and Family Therapy, Treatment Improvement Protocol (TIP) Series No. 39, Center for
Substance Abuse Treatment (Rockvill, 2004), P.8.
)(112
Mynard, S. “Experiences of Counseling and Therapy Post Estrangement from Abusive
Parents” (Master of Science thesis, University of Northampton, 2020), p 36 – 37.
53
2001م .هذه الوسيلة خمتصة مبعاجلة العديد من احلاالت اليت يرفض فيها الطفل قضاء الوقت مع
أحد الوالدين و /أو كانت هناك مزاعم أو دالئل تفيد أن النفور أو الصمت مدعوم من أحد الوالدين
( parental وهو ما ذكرانه يف أسباب الصمت األسري املعرب عنه ابالغرتاب من أحد الوالدين
تتطلب MMFIاملشاركة الفعالة لكل من الوالدين واألطفال إبقامة عالقة عمل قوية .)Alienation
ومستدامة مع مجيع أفراد األسرة ابلرتكيز على ضرورة وجود الوالد املفضل لدى الطفل لضمان
استعداده/ها لتحسني عالقة الطفل مع الوالد املرفوض وابلتايل ال خيلق حواجز أمامه (.)113
إن املؤسسات االقتصادية وعلى رأسها البنوك لديها مسؤولية اجتماعية البد أن تقوم هبا بناء
على االعتقاد السائد عند املهتمني حبوكمة الشركات واملؤسسات أن تلك املنظمات واملؤسسات ال
corporate ميكن أن تعمل بشكل مستقل عن حميطها وهو ما يعرف عندهم ابملسؤولية االجتماعية
.social responsibility CSRتضع البنوك وغريها من املؤسسات املالية اسرتاتيجية تقدم من خالهلا
برامج هتتم برفع املستوى االقتصادي واالجتماعي ألفراد اجملتمع .تعترب الدعم املايل واألعمال اخلريية
املباشر وغري املباشر اليت تقوم هبا تلك املؤسسات ألفراد اجملتمع أبرز وأهم صور لتلك املسؤولية .هذه
األموال تستخدم يف خلق فرص عمل وحل مشكالت األسر مثل مشكلة السكن ومتويل الربامج
التوعوية ونشاطات املراكز اليت هتتم مبعاجلة املشاكل األسرية وغري ذلك .ومن خالل دعمها للمنظمات
املعنية مبعاجلة الظواهر السلبية يتم تشخيص خطورة الظواهر وتعزيز البحوث العلمية كما أنه أيضا يتم
الرتكيز على معاجلة األسباب يف املقام األول.
Intervention to Fit the Problem”. Family Court Review 48, no. 1 (2010), p 100.
54
املطلب الثاين :املعاجلة االجتماعية غري املؤسساتية لظاهرة الصمت األسري
يتم الرتكيز يف هذا املطلب على وسائل أخرى للمعاجلة مع يبان دور اجملموعات الصغرية
والوحدات االجتماعية املختلفة وكذلك األشخاص يف املسامهة يف معاجلة الظاهرة وهو ما قصدانه
ابملعاجلة االجتماعية غري املؤسساتية .وبعض األدوار اليت ميكن أن تقوم هبا األشخاص واجملموعات اليت
سأركز عليها يف هذا املطلب ال ختتص هبا تلك اجملموعات بل ميكن أن تقوم هبا أيضا املنظمات الكبرية
لكن أردان بيان دور تلك اجملموعات الصغرية يف معاجلة املشاكل االجتماعية ومن ضمنها الصمت
األسري .من ضمن تلك الوسائل :وسيلة التوعية ،وأما الوحدات املسامهة فمنها :األسرة الوالدية،
واملصلحني يف اجملتمع وممن يقتدي هبم .ويتم بيان ذلك فيما يلي:
تعترب عملية التوعية اخلط األمامي من اخلطط الوقائية والعالجية اليت يقرتحها علماء علم
االجتماع والباحثون لظاهرة الصمت األسري .والتوعية عبارة عن اإلفهام بشيء ما بشكل أكثر حتديدا
حيث حيصل الشخص املستهدف هبذه التوعية على القدرة على إدراك ومعرفة احلدث أو القضية بشكل
مباشر .والتوعية ابلنسبة لقضية الصمت األسري يتم ابلتدخل الشامل متعدد األوجه من قبل املعاجلني
يف حماولة إدراج مجيع أفراد األسرة يف اخلوض يف طبيعة املشكلة .وعملية التوعية قد يقوم به مجيع
األشخاص املعنيني ابختالف وظائفهم االجتماعية ،فاإلمام يف مسجده والقديس يف كنيسته وعمدة
القرية يف جملسه وغري ذلك.
وقد يتم أيضا بوسائل خمتلفة مثل استخدام جمموعة واسعة من التقنيات احلديثة مثل
املسلسالت واألفالم وغريها اليت هتدف إىل تعديل املشاعر ولفت انتباه املستهدفني من أفراد اجملتمع
إىل احلاجة املاسة إىل إجراء تقييم شامل لآلاثر واألسباب املتعددة اليت تساهم يف غياب لغة احلوار
والطالق العاطفي وغري ذلك من مسات ظاهرة الصمت األسري .ومن أمثلة ذلك ،لقد اعتربت بعض
الدول مثل روسيا وغريها السينما وسيلة للتحول الفردي واالجتماعي لكونه يسهم يف تشكيل نظرة
55
اجلمهور الروسي مبا يف ذلك مواقفهم جتاه القضااي االجتماعية املعاصرة .ورغم تطبيق هذه الوسيلة من
قبل بعض الدول واقرتاحها من قبل الباحثني يف علم النفس األسري إال أنه يبقى فعالية أتثري تلك
األفالم سؤاالً مفتوحاً يف علم النفس .ففي دراسة قام هبا tina kubrakعلى 70طالب من طلبة
اجلامعة األكادميية احلكومية للعلوم اإلنسانية بروسيا يف حماولة اإلجابة على هذا السؤال ،أفادت النتائج
غريوا مفاهيمهم
فلما عن كبار السن أنه مت حتديد التغريات يف مواقفهم حيث ّ
بعد مشاهدة الطالب ً
وتقييماهتم للخصائص التنظيمية واملعرفية والعاطفية لكبار السن( .)114ورغم أن الباحث أوصي ابملضي
قدما يف البحث وتوضيح مسامهة الفروق الفردية يف فعالية التأثري ،والتنبؤ ابلتأثري اإلجيايب لألفالم على
جمموعات خمتلفة من الناس ،وحتديد آليات استدامة هذه التغيريات ،إال أن نتائج حبثه أثبت أن الوسيلة
فعالة.
وهناك أيضا وسائل أخرى للتوعية مثل الربامج التلفزيونية واستخدام املناسبات االجتماعية مثل
احلفالت واألعياد لتنبيه الناس عن خطورة القطيعة األسرية وفضل التكامل والرتابط وغريها .هذه
الوسائل أغلبها ال حتتاج انتظار دعم مايل من قبل املنظمات بل يبادر كل من له مسؤولية اجتماعية يف
تعزيز الوعي يف اجملتمع.
األسرة الوالدية أعين هبا األسرة اليت تتكون من األجداد واألحفاد والوالدين .يتجلى يف هذا
النمط من األسر الدور الضخم الذي يقوم به األجداد من أجل استقرار األسرة خاصة يف رعاية األطفال
وتقدمي املشورة ودعم خيارات وسلوكيات الوالدين ما يؤكد أن اآلابء واألطفال حباجة إليهم وإمهال
دورهم كما هو احلال يف أغلب اجملتمعات املعاصرة جعلتها بعيدا عن واقع احلياة األسرية .تظهر األدلة
املتزايدة أن األسرة النووية ال ميكن استدامتها إال بدعم من األسرة املمتدة من حوهلا ،ففي حالة اهنيارها
املعيشية ،غالبًا ما يكون األجداد وابقي أفراد األسرة املمتدة هم الذين يتدخلون لسد الفجوة ما خيفف
Kubrak T. “Impact of Films: Changes in Young People's Attitudes after Watching a
)(114
وهبذا فإن هذا الدور احملوري الذي يقوم به األجداد يف سد الفجوة بني أوالدهم وأحفادهم اليت
خيلقها بعض الظروف الطارئة على األسرة مثل األزمات االقتصادية وغريها ،إضافة إىل املشورة والدعم
والتدخل الصحي يف شؤوهنم ،يعاجل العديد من املشاكل األسرية ومنها الصمت األسري.
()115
انظر :تقرير
Grandparents Plus, Rethinking Family Life: exploring the role of grandparents and the wider
family (London: Grandparents Plus), p.6.
57
املبحث الثالث :املعاجلة الشرعية والفقهية لظاهرة " الصمت األسري"
يوضح هذا املبحث طبيعة التفاعل الذي ينبغي أن يكون عليه األسرة ضمن إطار الشريعة
اإلسالمية للحد من كثري من املشكالت األسرية كالصمت األسري ،والطالق ،والتفكك األسري
وغريها .يتمثل معرفة طبيعة هذا التفاعل من خالل ما اجتهدان يف رصده من مالمح املعاجلة الشرعية
والفقهية لظاهرة الصمت األسري املتمثل يف مقاصد الشريعة فيما خيص األسرة وعالقتها ابلرتابط
األسري ،والقواعد الفقهية احلاكمة للعالقات ،ومنظومة احلقوق الشرعية والفقهية وأثرها يف ضبط
العالقات الزوجية واألسرية ،واملنظومة األخالقية وأثرها يف ضبط العالقات األسرية .وبياهنا كالتايل:
املطلب األول :مقاصد الشريعة فيما خيص األسرة وعالقتها ابلرتابط األسري.
مقاصد الشريعة يعىن هبا املعاين والغاايت واآلاثر والنتائج اليت يتعلق هبا اخلطاب الشرعي
والتكليف الشرعي ويريد من املكلفني السعي والوصول إليها ،وهذا هو املعىن الوارد يف اجلملة عند
العلماء الذين اهتموا إببراز النقاط األساسية اليت تدور حوهلا مفهوم املقاصد وهي املعاين والغاايت
ومراد الشارع ( .)116وال شك أن هللا سبحانه وتعاىل ملا أراد معاين ومقاصد معينة فيما خيص األسرة
إمنا أرادها ملصلحة الناس يف الدارين .وكان من األمهية مبكان أن حتافظ كل األحكام اليت حتقق وحتافظ
على تلك املقاصد فيما خيص األسرة على نظامها بشكل حازم وواضح .ففي سياق العالقات األسرية،
فالرتابط األسري من أهم اجلوانب اليت ميكن أن تربز لنا هذه الصورة طاملا حنن يف طور البحث عن
الصمت األسري الذي هو من أسباب هدم تلك الرتابط.
لقد مت تعريف الرتابط األسري على أنه الرتابط العاطفي بني أفراد األسرة جتاه بعضهم
البعض( .)117وهي خاصية معينة تعرب عن درجة القرب والدعم والدفء الذي يالحظه الفرد عندما
( )116انظر :ابن عاشور ،حممد الطاهر ،ج ،3ص 452 – 421؛ وعطية ،مجال الدين ،ص 154 – 148؛ والريسوين،
أمحد ،مدخل إىل مقاصد الشريعة ،ص .7
Deng, Xinmei, et al, “Relationship between Family and Adolescent-parents Neural
)(117
Synchrony in Response to Emotional Stimulation”. Behavioral and Brain Function 18, no. 11
(2022), p.2.
58
حتافظ أفراد أسرته على روابط عاطفية مع بعضهم البعض من خالل تشجيع املناسبات العائلية املشرتكة
والتقاليد واحلقوق والواجبات والقيم اليت ختلق األجواء اجلميلة يف احمليط األسري .توفر هذه املناسبات
وسيلة ألفراد األسرة ملشاركة املودة وتقدمي الدعم العاطفي والطمأنينة يف األوقات الصعبة ،وتعزيز التواصل
واالنفتاح والوضوح وحل املشكالت املشرتكة.
وما ذكرانه آنفا من تعريف Olsonوغريه يف معىن الرتابط وتقييده ابلعاطفة ميكن أن يفهم منه
الرتابط الذي يتحقق به كمال التفاعل األسري ،أما الرتابط الذي يتحقق به أساس التفاعل فهو ترابط
وظيفي مبين على احلقوق والواجبات يف املقام األول ،وكالمها (أعىن أساس التفاعل وكماله) مرادان
ومقصودان يف هذا املبحث ألمهيتهما يف عملية املعاجلة.
أما املقاصد اليت هتدف الشريعة إىل حتقيقها فيما خيص األسرة قد تفاوت أقوال العلماء يف
حتديدها ،ذلك لتفاوت الطرق واملناهج اليت اتبعوها يف تناوهلا .ومثال ذلك من املتقدمني اإلمام الغزايل
حيث تناول مقاصد " الزواج من حيث املبدأ دون االهتمام ابألحكام اجلزئية"( . )118قال الغزايل عن
الزواج "الفائدة األوىل الولد وهو األصل وله وضع النكاح واملقصود إبقاء النسل وأال خيلو العامل عن
جنس اإلنس وإمنا الشهوة خلقت ابعثة مستحثة كاملوكل ابلفحل يف إخراج البذر وابألنثى يف التمكني
من احلرث تلطفاً هبما يف السياقة إىل اقتناص الولد بسبب الوقاع.)119("..
وأما املتأخرون فإن ابن عاشور قد تناوهلا ابلفارق بني أحكام النكاح يف اإلسالم وبني ما كان
عليه األمر يف اجلاهلية حيث بني األحكام املتعلقة ابلعالقات األسرية اليت مساها أواصر مثل آصرة
النكاح والنسب والقرابة والصهر وطرق احنالهلا .قال ابن عاشور "وال جرم أن األصل األصيل يف تشريع
أمر العائلة هو إحكام آصرة النكاح ،مث إحكام آصرة القرابة ،مث إحكام آصرة الصهر ،مث إحكام كيفية
Rivera, F, et al. “Family Cohesion and its Relationship to Psychological Distress among
Olson, H, et al. “Circumplexنقال عن Latino Groups”. Hisp J Behav Sci 30, no. 3 (2008), p 357
Model of Marital and Family Systems: Vl. Theoretical Update”. Family Process 22, no 1.
()118
عطية ،مجال الدين ص 135
()119
الغزايل ،أبو حامد ،إحياء علوم الدين ،ج ،2ص 24
59
احنالل ما يقبل االحنالل من هذه األواصر الثالث"( .)120قال د .مجال الدين عطية " والذي فعله
ابن عاشور أقرب إىل بيان مقاصد األحكام الفرعية واجلزئية يف إطار عالقات األسرة اليت عرب عنها
ابألواصر الثالث منه إىل بيان املقاصد العامة للشريعة يف املوضوع"(. )121
أما د .مجال الدين عطية فإنه تناول مقاصد الشريعة اخلاصة ابألسرة بطريقة مغاير حيث قال
" وتناويل للموضوع خمتلف إذ ينطلق من أحكام األسرة يف سياق اعتبار األسرة أحد اجملاالت اليت
نبحث عن مقاصد الشريعة العامة فيها وهذا ما يفسر املغايرة يف النظرة على النحو الذي سيتبني فيما
يلي ، )122("..فأخرج لنا سبعة مقاصد فيما خيص األسرة وهي؛ تنظيم العالقة بني اجلنسني ،وحفظ
النسل ،و حتقيق السكن واملودة والرمحة ،و حفظ النسب ،و حفظ التدين يف األسرة ،وتنظيم اجلانب
املؤسسي لألسرة ،وتنظيم اجلانب املايل لألسرة اخرتهتا ألبني عالقتها ابلرتابط األسري ذلك ألن منهج
د .مجال الدين عطية يف استنباط هذه املقاصد " يتسم برؤية نظامية تبحث عن الكليات يف األحكام
اجلزئية دون السماح بطغياهنا على النظرة الكلية"( .)123وهو أيضا تقسيم سهل شامل مناسب ملا ندندن
حوهلا من املواضيع.
الفرع األول :مقصد تنظيم العالقة بني اجلنسني
تنشأ العالقة بني الذكر واألنثى بسبب الغريزة اليت فطرها هللا سبحانه يف اجلنسني وهو ميل
الرجال إىل النساء والنساء إىل الرجال .ولكون هذه الغريزة جبلية ،أراد هللا أن ينظم العالقة اليت تنشؤها
لتكون أساس لألسرة اليت ستتحمل مسؤولية نشأة أفراد اجملتمع نشأة سوية .ولقد حصر الشرع هذه
العالقة بني اجلنسني يف النكاح وقصد منه االستمرار واالستقرار والدميومة ولتنبين على أساسه العائلة
وتكون أيضا أصل تكوين النسل وتفريع القرابة بفروعها وأصوهلا .وال يكتفى النكاح بذلك ولكنه
ط نظام الصهر( ....و) تكوين نظام العشرية فالقبيلة فاألمة ،فَ ِمن نظام النكاح تتكون
يستتبع "ضب َ
()120
ابن عاشور ،حممد الطاهر ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،حتقيق ابن اخلوجة ،ج ،3ص 421
()121
عطية ،مجال الدين ص 148
()122
عطية ،مجال الدين 148
()123
املرجع الساق ص 135
60
األمومة واألبوة والبنوة ،ومن هذا تتكون األخوة وما دوهنا من صور العصبة ومن امتزاج رابطة النكاح
برابط النسب"( .)124وميكن أن يالحظ من هذا كله أن هللا سبحانه أراد أن تنبثق العالقات والروابط
بني أفراد أسرة من أساس قوي ومتني حيكمه أحكام متكنه من مواجهة التحدايت املختلفة وهو النكاح.
وعالقة مقصد تنظيم العالقة بني اجلنسني ابلرتابط األسري يتمثل يف أمرين ،أحدمها فهو كون
هذه العالقة هي أساس تكوين األسرة كما أن العالقات بني الزوجني هي أساس الرتابط األسري ألهنا
تقوم بينهما ابتداء مث بني ابقي أفراد األسرة بعد ذلك .فالنكاح مبا فيه من املعاين جيعل الرجل ال يعترب
العالقة فقط بينه وبني زوجته إمنا هي عالقة ممتدة تشمل أسرهتا الكبرية فإذا غضب من زوجته ال يعتربها
معاملة من مجيعهم بل تعاملهم معه معاملة حسنة قد يكون داعية له للرتاجع عن الغضب والعكس
ابلعكس وهذا ما تضمنه فائدة نظام الصهر وتفريع القرابة بفروعها وأصوهلا.
وأما الثاين فهو كون النكاح يشتمل على خصائص ومميزات وأحكام تنظم الرتابط بني الزوجني
ككونه عالقة حمرتمة يف نفوس الزوجني ويف نظر الناس عامة وفيها أحكام تنظم السلوكيات والتفاعل
بني الطرفني .قال ابن عاشور يف مميزات هذه العالقة عن غريها أبنه " يتم ابلعقد ويزيده هذا تشريفاً
وتنويهاً ،إذ املقصد الديين منه ُحرمتُه يف نفوس األزواج ويف نظر الناس عامة ينطق هبذا املقصد الشريف
اجا لِتَ رس ُكنُوا إِلَري َها َو َج َع َل بَري نَ ُك رم َم َوَّدةً َوَر رمحَةً}، ِ ِ قوله سبحانه{ :وِمن ِِ
آايته أَ رن َخلَ َق لَ ُك رم م رن أَنر ُفس ُك رم أ رَزَو ً
َ ر َ
وكذا اإلجياب والقبول فهما أساس العقد الذي يشهد "ابلتعبري" عن رضا املرأة ورضا أهلها بذلك ِ
القران
حتقيق حسن ِ
قصد الرجل مع زوجته مبا يُرتجم عنه سلوكهُ وعمله على دوام املعاشرة وعلى احلرص على ِ ُ
و ُ
إخالص احملبّة بني الطرفني ،ولتقرير العقد وإعطائه ما يستح ّقه من الثبوت والدوام اشرتط مجهور فقهاء
الويل وورد من األحاديث الشريفة" :ال نكاح إال بويل"(.)125
يتوىل أمره ّ
األمصار أن ّ
وهبذا ،فيمكن القول أبن العناصر اليت ذكرها ابن عاشور هي من العوامل األساسية لتحقيق
الرتابط بني الزوجني .فاحرتام العالقة يف نفوس الزوجني ورضامها وحسن القصد تعترب من الضرورايت
()124
ابن عاشور،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،ج ،2ص .343
()125
املرجع نفسه
61
اليت بدوهنا ال تستقيم أساس التفاعل وال كماله الذي عربان عنه ابلرتابط العاطفي والوظيفي .أما احرتام
العالقة من قبل الناس عامة أو اجملتمع ميكن أن يكون من قبيل احلاجيات اليت بدوهنا جتعل عالقة
الزوجني يف حرج ومشقة ألن من فوائد الرتابط الشعور ابالعتزاز ابألهل واالنتماء واحملافظة على
األحباب .وتعد بعض األحكام األخرى للنكاح يف حتقيق الرتابط مثل إعطاء املهر من التحسينيات
اليت جتمل احلياة الزوجية وتقوي العالقات وإن كان واجب.
الفرع الثاين :مقصد حفظ النسل
إن حفظ النسل من املقاصد الكلية للشريعة ويقصد به بقاء النوع اإلنساين ابإلجناب .وقد
ب ِ
وه َّن َوابرتَ غُوا َما َكتَ َ جاء يف بيان هذا املقصد ما قاله ابن عاشور يف تفسري قوله تعاىل ﴿فَ راآل َن َابش ُر ُ
اشَرِة النِّ َس ِاء ِيف
اَّللَُ :ما أ ََاب َحهُ ِم رن ُمبَ َ
بَ ،وَما َكتَ بَهُ َّ ِ ِ
اَّللُ لَ ُك رم﴾ [البقرة ]187 :قال " ....واالبرتغَاءُ الطَّلَ ُ َّ
اشَرِة النِّ َس ِاء َع َسى أَ رن يَتَ َك َّو َن يضا لِلن ِ
َّاس َعلَى ُمبَ َ
ِ ِ
اَّللُ لَ ُك رم م َن الر َولَد َرحت ِر ً
َّر َّ ت ِّ ِ
الصيَام أَ ِو اطرلُبُوا َما قَد َ
َغ ِري وقر ِ
ر َ
ض"( .)126ويقصد ابلنوع هنا النوع اإلنساين ك لِتَ ركثِ ِري راأل َُّم ِة َوبَ َق ِاء الن رَّوِع ِيف راأل رَر ِ ِ
ك َوذَل َ
ِ
َّس ُل ِم رن ذَل َ
الن ر
أي البشر.
يتمثل عالقة مقصد حفظ النسل ابلرتابط األسري فيما علمه الشارع سبحانه من أمهية األوالد
من عليهما بنعمة األوالد ليكونوا مؤنسني وقرة عني هلم .قال تعاىل: يف تقوية الروابط بني الزوجني ف ّ
ت َمحر ًال َخ ِفي ًفا ِ ِ ﴿هو الَّ ِذي خلَ َق ُكم ِمن نَ رف ٍ ِ ٍ
س َواح َدة َو َج َع َل مرن َها َزرو َج َها ليَ رس ُك َن إِلَري َها فَلَ َّما تَغَش َ
َّاها َمحَلَ ر َ ر ر َُ
ِ ِ اَّلل رَّهبما لَئِن آتَي ت نا ِ فَمَّر ِ
ين﴾ [األعراف.]189 : صاحلًا لَنَ ُكونَ َّن م َن الشَّاك ِر َ ت َد َع َوا ََّ َ ُ َ ر ر َ َ َ ت بِه فَلَ َّما أَثر َقلَ ر
َ ر
فبدأ هللا بعالقة الزوجني قبل الوالدة مث بدعوهتما إشارة إىل شوقهما وتعلقهما هبذا املولود .مث بعد الوالدة
فإن الشرع أفرض على الوالدين واجبات ترجع معظمها إىل تقوية الروابط بني الطفل وبني والديه على
املدى القريب والبعيد .فبالنسبة لألم ،فإن الشرع أرشدها أبن تعتين بولدها وأن تكون متوفرة دائما يف
ات يُرر ِض رع َن أ رَوَال َد ُه َّن ِ
حياته ومتجاوبة حلاجاته يف مجيع مراحل حياته .فمنذ الوالدة قال تعاىلَ ﴿ :والر َوال َد ُ
اعةَ﴾ [البقرة .]233 :وبعد ذلك حثها على البقاء مع أوالدها ضَ ني لِ َم رن أ ََرا َد أَ رن يُتِ َّم َّ
الر َ ني َك ِاملَ ر ِ
َحولَ ر ِ
ر
()126
ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج ،2ص 183
62
اهلِيَّ ِة راأل َ
ُوىل اجل ِ ِ
واإلشراف عليهم ويدخل ذلك يف معىن قوله تعاىلَ ﴿ :وقَ رر َن ِيف بُيُوت ُك َّن َوَال تََربَّ رج َن تََربُّ َج رَ
اَّللَ َوَر ُسولَهُ﴾ [األحزاب ]33 :لتكون سندا هلم وعضدا وقدوة. الزَكاةَ َوأَ ِط رع َن َّ
ني َّ ِ َوأَقِ رم َن َّ
الص َالةَ َوآت َ
وأرشد األزواج على االهتمام أبوالدهم واملشاركة يف تربيتهم ملا يف ذلك من تعزيز الروابط العاطفية لألبناء
ود لَه ِررزقُه َّن وكِسوُهتُ َّن ِابلرمعر ِ
وف َال ِ
َ رُ جتاه آابءهم ومودهتم وقرهبم منهم .قال يف الرجالَ ﴿ :و َعلَى الر َم رولُ ُ ُ َ ر َ
ود لَه بِولَ ِد ِه وعلَى الروا ِر ِ ِ ِ ِ
ث[ ﴾..البقرة.]233 : ض َّار َوال َدةٌ ب َولَد َها َوَال َم رولُ ٌ ُ َ َ َ َ س إَِّال ُو رس َع َها َال تُ َ تُ َكلَّ ُ
ف نَ رف ٌ
وهذه النفقة اليت يقدمها الرجل من هذا القبيل تعد من قبيل نفقة الرجل على ابنه.
هذه الروابط اجلميلة اليت يرتبط هبا الوالدين أبوالدهم هي اليت ترجع هلم ابخلري بعد كربمها .قال
َح ُد ُمهَا ِ ِ ك أََّال تَ رعبُ ُدوا إَِّال إِ َّايهُ وِابلروالِ َدير ِن إِ رحس ً ِ
اان إ َّما يَرب لُغَ َّن عرن َد َك الرك ََرب أ َ َ َ َ ضى َربُّ َ
﴿وقَ َ
تعاىل مرشدا وآمراَ :
ُف وَال تَ رن هرُمها وقُل َهلما قَوًال َك ِرميا ( )٢٣و ِ
الر رمحَِة
الذ ِّل ِم َن َّ
اح ُّ ض َهلَُما َجنَ َ اخف ر َ ر أ رَو كِ َال ُمهَا فَ َال تَ ُق رل َهلَُما أ ٍّ َ َ ر َ َ ر َُ ر ً
ب ار َمحرهما َكما ربَّي ِاين صغِريا﴾ [اإلسراء .]24-23 :وقال أيضا مرشدا لألبناء﴿ :وص ِ
احرب ُه َما ِ
ََ َوقُ رل َر ّ ر ُ َ َ َ َ َ ً
يل﴾ [لقمان .]15 :وميكن أن نضيف أيضا أن وجود األوالد ب إِ ََّ ِ ِ ِ
يف الدُّنريَا َم رع ُروفًا َواتَّب رع َسب َ
يل َم رن أ ََان َ
يف األسرة خيلق روابط وعالقات جديدة مثل العمومة اخلؤولة واألحفاد فيما بعد ،الذين غالب ما
يقلبون ميزان العالقات املتوترة إىل األحسن حبكم تعلقهم أبجدادهم وما خيلقونه من جو ومشاعر
جديدة داخل األسرة فيعزز ذلك قيم مثل صلة الرحم وحقوق القرابة اليت هلا دور كبري يف زايدة املودة
ني ِ ِ ِ ِ ِ
اجا َو َج َع َل لَ ُك رم م رن أ رَزَواج ُك رم بَن َ
اَّللُ َج َع َل لَ ُك رم م رن أَنر ُفس ُك رم أ رَزَو ً
﴿و َّ
والتقارب وتعزيز الرتابط قال تعاىلَ :
ت َِّ اط ِل ي رؤِمنُو َن وبِنِعم ِ ِ ِ ِ
اَّلل ُه رم يَ رك ُف ُرو َن﴾ [النحل .]72 :قال البغوي َ رَ َو َح َف َدةً َوَرَزقَ ُك رم م َن الطَّيِّبَات أَفَبِالربَ ُ
ال ابن مسع ٍ
ود ِ ِ ِ " ِمن أَنر ُف ِس ُكم أ ِ ِ ِ
ني َو َح َف َدةً ،قَ َ ر ُ َ ر ُ اجاَ ،و َج َع َل لَ ُك رم م رن أ رَزواج ُك رم بَن َ َي :م رن جرنس ُك رم أ رَزَو ً ر ر ر
َص َه ُار ،فَيَ ُكو ُن َم رع َىن راآليَِة ٍ ِِ والن ِ
ضا أ ََّهنُُم راأل ر
الر ُج ِل َعلَى بَنَاتهَ ،و َع ِن ابر ِن َم رسعُود أَير ً َختَا ُن َّ
َّخع ُّي :ا رحلََف َدةُ أ ر
َ َ
علَى ه َذا الر َقوِل :وجعل لَ ُكم ِمن أ رَزو ِاج ُكم بنِني وب نَ ٍ
َختَا ُنص ُل بِ َسبَبِ ِه ُم راأل ر
وهنُرم فَيَ رح ُات تَُزِّو ُج َ ر َ َ َ َ ر ر َ ر َ َ ََ َ َ
َص َه ُار"(.)127 َو راأل ر
()127
البغوي ،أبو حممد احلسني ،معامل التنزيل يف تفسري القرآن ،ج ،3ص .88
63
وهبذا ميكن القول أبن مقصد حفظ النسل ابإلجناب يتمثل أمهيته من أجل حتقيق الرتابط بني
الزوجني يف الدور الذي يقوم به األوالد يف إجياد عالقات جديدة يف األسرة وقلب ميزان العالقات
املتوترة وكسر الصمت والقطيعة حينما يشارك الوالدين يف عملية تربيتهم لذلك جند يف غالب األحيان
أن فقدان اإلجناب يف األسرة جيعل العالقات بني الزوجني يف حال من املشقة واحلرج وقد يرتفع إىل
درجة الضرورة يف بعض األحيان فيؤدي إىل التعدد أو الطالق.
الفرع الثالث :مقصد السكن واملودة والرمحة
إن هذا املقصد من املقاصد املنصوصة عليها يف كتاب هللا عز وجل .يقول سبحانه وتعاىل
ِ ﴿وِمن آايتِِه أَ رن خلَق لَ ُكم ِمن أَنر ُف ِس ُكم أ رَزو ِ
اجا لتَ رس ُكنُوا إِلَري َها َو َج َع َل بَري نَ ُك رم َم َوَّدةً َوَر رمحَةً إِ َّن ِيف َذل َ
ك ر ًَ َ َ ر ر َ ر َ
ت لَِق روٍم يَتَ َف َّك ُرو َن﴾ [الروم .]21 :هذه اآلية نص يف بيان إرادة الشارع يف كون العالقة بني الزوجني َآلاي ٍ
َ
توفر "اجلو العائلي اململوء دفئا وحناان ومشاعر إنسانية راقية"( .)128قال اخلطيب " ويف قوله تعاىل:
«لِتَ رس ُكنُوا إِلَريها» بيان هلذه النعمة ،وكشف عن وجه احلكمة فيها ،وهي أنه ابجتماع اإلنسان إىل
اإلنسان والذكر إىل األنثى تسرتيح النفس وتسكن املشاعر وتطمئن القلوب ..وإنه ال نعمة أجل وال
()129
«و َج َع َل
َ تعاىل: لهوق "ويف هللا رمحه اد
ز و . أعظم من نعمة تفيض على اإلنسان األمن والسكينة"
بَري نَ ُك رم َم َوَّدةً َوَر رمحَةً» إشارة إىل أن املودة والرمحة أمران يتولدان من األلفة والسكن ،وأنه لوال السكن
واالئتالف ،ما قامت مودة ورمحة .فإن املودة والرمحة مثرة احتكاك ،وجتاوب بني النفوس ،وجهد مبذول،
()130
ومعاانة معطاة من كل نفس ،وعلى قدر هذا اجلهد وتلك املعاانة تكون الثمرة" ..
وعالقة مقصد السكن واملودة والرمحة ابلرتابط األسري تتمثل يف كون احملافظة على الصحة
العقلية والعاطفية ألفراد األسرة من أهم العناصر اليت تعزز الرتابط األسري .والشارع احلكيم ملا راع تلك
املعاين (السكن واملودة والرمحة) إمنا راعاها لعالقتها بتحسني الصحة العقلية والعاطفية ألفراد األسرة
()128
عطية ،مجال الدين ،حنو تفعيل مقاصد الشريعة ،ص 150
()129
اخلطيب ،عبد الكرمي يونس ،التفسري القرآين للقرآن ،ج ،11ص 497
()130
املرجع نفسه
64
ولكوهنا أصل التفاعل اجليد .قال الشيخ الشعراوي يف بيان هذا املعىن "واألصل يف عالقة الرجل بزوجته،
أن الرجل قد أخذ املرأة سكناً له ومودة ورمحة وأفضى إليها وأفضت إليه.)131(" ....
فاألسرة اليت تتعامل أفرادها بناء على تلك املعاين جتد أفرادها قريبون من بعضهم البعض ولديهم
الشعور ابالنتماء هلا والرغبة يف قضاء أوقاهتم مع بعضهم البعض .فباستمرار هذه املعاين تستمر األسرة
وأتيت مثارها وترتابط أفرادها فيما بينهم وتقل كثري من األسباب اليت قد تؤدي إىل مشاكل أسرية ومن
ضمنها الصمت األسري .فالسكن على سبيل املثال يقصد به القرار أي سكون الرجل إىل زوجته
ويدخل فيه أيضا معىن االستمتاع الزوجية فإذا مل يراع بكل ما فيه من املعاين فإنه يشيع يف األسرة
االختالف والفساد فيؤدي ذلك إىل عدم االستقرار العالقات بني الزوجية على وجه اخلصوص وحملاولة
استقرارها أحياان قد يتطلب األمر إىل بعض األمور كالسفر بعض الوقت ألنه يعيد الشوق فتلتهب
العالقة مرة اثنية أو التعدد أو الطالق الرجعي الذين ميكن له أن يرجعها فيه قبل انقضاء مدة العدة.
الفرع الرابع :مقصد حفظ النسب
حرم الزان والتبين والبغاء وأجاز
يقصد حبفظ النسب ضمان انتساب اإلنسان إىل أصله ،وقد ّ
الشرع املالعنة وغري ذلك من األحكام من أجل احلفاظ على املقصد .قال يف حترمي الزين ﴿ َوَال تَ رقَربُوا
الزانِيَةُ
اح َشةً َو َساءَ َسبِ ًيال﴾ [اإلسراء ،]32 :ورتب احلد على من وقع فيه حيث قال ﴿ َّ الزَان إِنَّه َكا َن فَ ِ
ِّ ُ
اَّلل إِ رن ُكرن تم تُؤِمنُو َن ِاب َِّ
َّلل اح ٍد ِمرن هما ِمائَةَ ج رل َد ٍة وَال َأترخ رذ ُكم هبِِما رأرفَةٌ ِيف ِدي ِن َِّ الزِاين فَاجلِ ُدوا ُك َّل و ِ َو َّ
ُر ر َ َ ُ ر َ َ َُ َ ر
الزانِيَةُ َال
الزِاين َال يَرن ِك ُح إَِّال َزانِيَةً أ رَو ُم رش ِرَكةً َو َّ ِِ ِ ِ ِ ِ
ني (َّ )٢ َوالريَ روم راآلخ ِر َولريَ رش َه رد َع َذ َاهبُ َما طَائ َفةٌ م َن الر ُم رؤمن َ
ِِ ِ
ني﴾ [النور .]3-2 :وجاء يف حترمي التبين قوله تعاىل ك َعلَى الر ُم رؤمن َ يَرن ِك ُح َها إَِّال َز ٍان أ رَو ُم رش ِرٌك َو ُحِّرَم َذل َ
يل ( )٤رادعُوُه رم السبِ
َّ ي احل َّق وهو ي ه ِ
د ر ول
ُ قُ ي اَّلل
َّ و م ك
ُ ﴿وما جعل أَد ِعياء ُكم أَب ناء ُكم ذَلِ ُكم قَولُ ُكم ِأبَفر و ِ
اه
َ ر َ َ ُ َ َ َ ُ َ ر َ َ َ َ َ ر َ َ ر رَ َ ر ر ر ر َ
يما اَّلل فَِإ رن َمل تَعلَموا آابءهم فَِإخوانُ ُكم ِيف ال ِّدي ِن وموالِي ُكم ولَيس علَي ُكم جن ِ ط ِعرن َد َِّ ِآل َابئِ ِه رم ُه َو أَقر َس ُ
اح ف َ َ َ َ ر َ ر َ َ ر ر َُ ٌ ر ر ُ َ َُ ر رَ ر
ِ ِ ِ
يما﴾ [األحزاب .]5-4 :وأما البغاء قال اَّللُ َغ ُف ًورا َرح ً ت قُلُوبُ ُك رم َوَكا َن َّ َخطَأر ُرمت بِه َولَك رن َما تَ َع َّم َد ر أر
احلَيَ ِاة الدُّنريَا َوَم رن يُ رك ِرره ُه َّن فَِإ َّن
ض ر تعاىل﴿ :وَال تُ رك ِرهوا فَت ياتِ ُكم علَى الربِغَ ِاء إِ رن أَرد َن َحت ُّ ِ
صنًا لتَ رب تَ غُوا َعَر َ َر َ ُ ََ ر َ َ
()131
الشعراوي ،حممد متويل ،تفسري الشعراوي اخلواطر ،ج ،5ص 2683
65
ت إِ َىل ِّ ور َرِح ٌيم﴾ [النور .]33 :قال ابن عاشور " َوَال َش َّ َّ ِ ِ ِ
الز َىن َن الربِغَاءَ َميُ ُّ
ك أ َّ اَّللَ م رن بَ رعد إِ ركَراه ِه َّن َغ ُف ٌ
بالز َىن ِيف َخرِم ُكلِّيَّ ِة ِح رف ِظ النَّس ِاب لِِال رختِ َال ِط َوإِ رن َكا َن َال يَرب لُ ُغ َمرب لَ َغ ِّ يض راألَنرس ِ ِ بِ َشبَ ٍه لِ َما فِ ِيه ِم رن تَ رع ِ
ر
َ ر َ
الز َىن ِسًّرا َال يَطَّلِ ُع َعلَري ِه إَِّال َم ِن اقرََرتفَهُ َوَكا َن الربِغَاءُ َعلَنًاَ ،وَكانُوا يَررِجعُو َن ِيف إِ رحلَاق راألَبرنَاء ث َكا َن ِّ ِم رن َحري ُ
احلمل ِممَّن تُعيِنه واصطَلَحوا علَى راأل ِ ِ الَّذين تَلِ ُد ُه ُم الربَ غَ َااي ِآب َابئِ ِه رم إِ َىل إِقر َرا ِر الربَغِ ِي ِأب َّ
ك ِيف َخذ بِ َذل َ ر َن رَ ر َ ر َُّ ُ َ ر ُ َ ّ
الشأر ِن فَي رف ِ ِ ب فَ َكا َن َشبِيها ِابِالستِرلح ِ النَّس ِ
ضي ط َهلَا ِيف َه َذا َّ ُ اق َعلَى أَنَّهُ قَ رد يَ ُكو ُن م َن الربَ غَ َااي َم رن َال َ
ضرب َ ر َ ً َ
َح ٍد.)132(". ِ ِ ِ ِ ِ
راأل رَم ُر إ َىل َع َدم الرت َحاق الر َولَد ِأب َ
وعالقة مقصد حفظ النسب ابلرتابط األسري يتمثل يف كون شعور أفراد األسرة ابالنتماء
احلقيقي والقرب من بعضهم البعض أهم ما يتحقق به ،ذلك ألن الشعور ابالنتماء احلقيقي والقرب
سائق إىل وجود عالقات حقيقية تكاملية فيما بينهم .قال ابن عاشور " وال شك عندي يف أن حفظ
النسل إىل الرب أبصله واألصل إىل الرأفة واحلنو
سائق َالنسب الراجع إىل صدق انتساب النسل إىل أصله ٌ
وسى ِ ()133
َصبَ َح فُ َؤ ُاد أ ُّم ُم َ
{وأ ر
على نسله سوقا جبليا وليس أمرا ومهيا" .ويقول ابن القيم يف قوله تعاىلَ :
كل ٍ ِ ِِ
شيء إال من موسى ،لفرط حمبَّتها له ت لَتُ ربدي به} [القصص" ]10 :أي فار ًغا من ِّ فَا ِر ًغا إِ رن َك َاد ر
فلي َّإمنا هو التَّناسب والتَّشاكل والتَّوافق،
الس ِّ ِّ
العلوي و ُّ فسر التَّمازج واالتِّصال يف العامل
وتعلُّق قلبها بهُّ ...
فاملثل إىل مثله َّ
وسر التَّباين واالنفصال إمنا هو بعدم التَّشاكل والتَّناسب ،وعلى ذلك قام اخللق واألمر ُ ُّ
الض ُّد عن ض ِّده هارب ،وعنه انفر"(.)134 مائل وإليه صائر و ِّ
الفرع اخلامس :مقصد حفظ التدين يف األسرة
إن األسرة ملا كانت هي النواة األساسية للمجتمعات البشرية ،كان من األوىل أن يكون من
مقاصده سبحانه حفظ التدين فيها لكوهنا مبدأ حياة البشر الذي خلقه ليعبده واستخلفه أرضه.
ومقصد حفظ التدين يف األسرة يرجع إىل املقصد الكلي الضروري من املقاصد الكلية اخلمسة الذي
هو حفظ الدين .ويشمل املقصد يف احمليط األسري وغريها إصالح االعتقاد يف املقام األول ألنه " أهم
()132
ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج ،18ص 225
()133
ابن عاشور ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،ص .437
()134
ابن القيم ،زاد املعاد يف هدي خري العباد ،ج ،4ص 388
66
ما ابتدأ به اإلسالم؛ وأكثر ما تعرض له ،وذلك ألن إصالح الفكرة ومبدأ كل إصالح وألنه ال يرجى
صالح لقوم تلطخت عقوهلم ابلعقائد الضالة وخسئت نفوسهم آباثر تلك العقائد املثرية :خوفا من ال
شيء وطمعا يف غري شيء وإذا صلح االعتقاد أمكن صالح الباقي ألن املرء إنسان بروحه ال جبسمه
"( .)135وملا أعطت الشريعة الرجل القوامة جعلت من أهم مسؤولياته على أفراد أسرته أن حيفظ هلم
دينهم الذي هو عصمة أمرهم ويشمل ذلك حفظ مجيع الشعائر الدينية وغريها من األحكام مثل
﴿واذر ُك رر ِيف
الصالة فال يفرط فيها اقتداء ابألسر اليت ضرب هللا تعاىل هلا املثل يف كتابه حيث قال َ
الزَك ِاة َوَكا َن ص ِاد َق الر َو رع ِد َوَكا َن َر ُس ًوال نَبِيًّا (َ )٥٤وَكا َن ََير ُم ُر أ رَهلَهُ ِاب َّ
لص َال ِة َو َّ اع ِ ِ ِ ِ ِ
يل أنَّهُ َكا َن َ
الركتَاب إ رمسَ َ
ِعرن َد َربِِّه َم رر ِضيًّا﴾ [مرمي.]55-54 :
فاألسرة الت ي تلتزم أبح د أه م مقوم ات الثقاف ة (وه و الدي ن) تعترب أسرة متدينة وهي خي ر م ن
غريها الت ي فق دت ه ذا املق وم ول و س بقتها ب كل مقايي س اجلم ال عن د البش ر ذلك ألن األص ل ف ي
الرابط ة الزوجي ة ه و االس تقرار واالس تمرار واإلس الم حيي ط ه ذه الرابط ة ب كل الضمان ات الت ي تكف ل
اس تقرارها واس تمرارها ،وف ي س بيل هذه الغاي ة يرفعها إل ى مرتبة الطاعات ويعي ن عل ى قيامه ا مب ال الدولة
للفقراء والفقي رات ،ويفرض اآلداب اليت تضمن هلا الوقاي ة والصيان ة(.)136
وهبذا فإن األسرة املتمسكة على دينها وأحكامه وشعائره يتقوى الوازع الديين بني أفرادها
وتسودها القيم احلميدة اليت يشجعها الدين مثل احلوار والتشاور وصلة الرحم وبر الوالدين والتعاون
وترجع كل هذه القيم إىل حتقيق الرتابط بني أفرادها.
()137
عبد احلق ،ابن عبد الرمحن ،اجلمع بني الصحيحني ،ج ،4ص ،551كتاب النكاح ،ابب ال نكاح إال بويل
68
سلوكهم والتواجد يف حياهتم قدر استطاعتها من أجل معرفة مشاكلهم كما أن على األوالد بر الوالدين
واملشاركة يف األعمال املنزلية وصلة الرحم وغري ذلك من األمور.
هذه احلقوق والواجبات إذا قام هبا أفراد األسرة على الوجه املطلوب فإهنا طريق إىل حتقيق
الرتابط األسري الذي من مثاره دميومة األسرة ومنع التفكك والطالق .وهذه احلقوق واملسؤوليات تتبعها
منظومة أخالقية حتفظها من الضياع والطغيان مثل العفو والرمحة وااليثار والسماحة وغريها ألن االهتمام
ابحلقوق أكثر من الواجبات قد تؤثر سلبيا على الروابط والعالقات .ولذلك ،قد جاء يف حق الصحابة
الذين رأوا أن اهلجرة من حقهم لكن أىب أزواجهم وأوالدهم أن يهاجروا معهم فتخلفوا عن تعلم دينهم
ص َف ُحوا وتفوق عليهم إخواهنم الذين هاجروا ،فلما أرادوا أن يعاقبوهم أنزل هللا فيهم ﴿ َوإِ رن
تَ رع ُفوا َوتَ ر
ور َرِح ٌيم﴾ [التغابن .]14 :و"العفو هو ترك املؤاخذة ابلذنب ،والصفح هو إزالة َوتَ رغ ِف ُروا فَِإ َّن َّ
اَّللَ َغ ُف ٌ
أثره من النفس ،يقال :صفح عنه أعرض عن ذنبه ،وضرب عنه صفحا أي أعرض عنه وتركه ،والغفر
هو السرت"( .)138وهبذا فإن القيام ابملسؤولية وأداء الواجبات وأتدية احلقوق اليت أوجبها هللا يف مؤسسة
األسرة كل ذلك يعاجل كثري من املشاكل األسرية ومن ضمنها الصمت األسري.
( )138عطية ،صقر ،العداوة يف األسرة – من فتاوى دار اإلفتاء املصرية ،ج ،10ص ،69مايو 1997؛ ونظر :القرطيب ،أبو
عبد هللا ،اجلامع ألحكام القرآن ،ج ،18ص 141
( )139ابن عاشور ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،ج ،3ص 470
69
الواجبات وأهنا متقابلة ،وأن احلقوق ما أعطيت إال للتمكني من أداء الواجبات"( .)140قال تعاىل يف
ْب لَ ُك رم َع رن َش ري ٍء ِمرنهُ نَ رف ًسا فَ ُكلُوهُ َهنِيئًا َم ِريئًا﴾ [النساء: ِ ِِ ِ ِ
ص ُدقَاهت َّن رحنلَةً فَِإ رن ط ر َ املهر ﴿ َوآتُوا النّ َساءَ َ
س إَِّال ِ ِ ِ
ف نَ رف ٌ .]4ويف املطلقة واملرضعة واحلاضنة ﴿ َو َعلَى الر َم رولُود لَهُ ِررزقُ ُه َّن َوك رس َوُهتُ َّن ِابلر َم رع ُروف َال تُ َكلَّ ُ
ِ ود لَه بِولَ ِد ِه وعلَى الروا ِر ِ ِ ِ ِ
ك [البقرة .]233 :وقال يف ث ِمثر ُل َذل َ ض َّار َوال َدةٌ ب َولَد َها َوَال َم رولُ ٌ ُ َ َ َ َ ُو رس َع َها َال تُ َ
ني َوابر ِن ني والريَ تَ َامى والرمساكِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
َ ََ ك َما َذا يُرنف ُقو َن قُ رل َما أَنر َف رقتُ رم م رن َخ رري فَل رل َوال َدير ِن َو راألَقر َرب َ َ األقارب ﴿يَ رسأَلُونَ َ
اَّللَ بِِه َعلِ ٌيم﴾ [البقرة.]215 : السبِ ِيل َوَما تَ رف َعلُوا ِم رن َخ رٍري فَِإ َّن َّ
َّ
ومن املعلوم أن املال من أحسن ما يتطيب به النفوس وقد جبلت الناس على حبها قال تعاىل
ب َوالر ِفض َِّة َو ر
اخلَري ِل الر ُم َس َّوَم ِة اط ِري الر ُم َقرنطَرِة ِم َن َّ
الذ َه ِ ات ِمن النِّس ِاء والربنِني والر َقنَ ِ ب الش ِ ﴿ ُزيِّ َن لِلن ِ
َ َّه َو َ َ َ َ َ َ َّاس ُح ُّ َ
ث﴾ [آل عمران .]14 :ودور املال يف بناء وتعزيز العالقات بني الناس معرتف به بشكل احلر ِ ِ
َو راألَنر َعام َو رَر
ملحوظ .فحينما يقدم الرجل ألسرته ما حتتاجها من النفقات فإن ذلك يعزز تعلقهم به ويدعمهم يف
ِ
اَّللُ﴾ [الطالق .]7 :وجاء الشرع ﴿وَم رن قُ ِد َر َعلَري ِه ِررزقُهُ فَ رليُ رن ِف رق ممَّا َ
آاتهُ َّ خدمة احتياجاته .قال تعاىل َ
بذم البخل والشح ملا فيهما من زرع احلقد القسوة يف قلوب األحباء فضال عن أفراد األسرة فقال تعاىل
ك ُه ُم الر ُم رفلِ ُحو َن﴾ [التغابن .]16 :واملال ال
وق ُش َّح نَ رف ِس ِه فَأُولَئِ َ ﴿وأَنر ِف ُقوا َخ ر ًريا ِألَنر ُف ِس ُك رم َوَم رن يُ َ
َ
يقصد منه األوراق النقدية املستعملة يف عاملنا املعاصر فقط بل يدخل فيه كل ذي قيمة من األشياء
ادوا َحتابُوا"(.)141
مثل اهلدااي لعالقتها بتقوية احملبة بني الناس قال عليه الصالة والسالم " َهت ُ
وال يكتفي هذا املقصد بتقوية الروابط بني أفراد األسرة النووية بل يتعداها إىل األسرة املمتدة
ك َماذَا حيث إن الشرع احلكيم يدرك متاما أتثري تلك النفقات على الروابط األسرية قال تعاىل ﴿يَ رسأَلُونَ َ
السبِ ِيل َوَما تَ رف َعلُوا ِم رن َخ رٍري
ني َوابر ِن َّ ني والريَ تَ َامى والرمساكِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
َ ََ يُرنف ُقو َن قُ رل َما أَنر َف رقتُ رم م رن َخ رري فَل رل َوال َدير ِن َو راألَقر َرب َ َ
اَّلل بِِه علِيم﴾ [البقرة .]215 :قال صاحب التحرير والتنوير " و راآليةُ دالَّةٌ علَى راألَم ِر ِاب رِإلنر َف ِ ِ
اق ر َ َ َ َ فَإ َّن ََّ َ ٌ
الزَكاةَ َوَال ِهي ِم رن َح ِّق َّ
الذ ِ ت ِم رن َح ِّق الر َم ِال أ رَع ِين َّ ِ الرت ِغ ِ ِ ِ ِ ِ
ات َ يب فيهَ ،وه َي ِيف النَّ َف َقة الَِّيت لَري َس ر َعلَى َه ُؤَالء َو َّر
( )140املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ،املفردات القرآنية يف موضوع األسرة :داللتها الفقهية وامتدادها االجتماعي ،األسرة
املسلمة يف ظل التغريات املعاصرة ،بقلم روال حممود احليت ،ص 43
( )141البخاري ،حممد بن إمساعيل ،األدب املفرد ،ص ،306ابب قبول اهلدية ،حديث رقم 593
70
ض لِ ِك َفايَِة ض ِه رم َعلَى بَ رع ٍ الزوج ِة ،بل ه ِذ ِه النَّ َف َقةُ الَِّيت ِهي من ح ِق الرمسلِ ِمني ب ع ِ
َ َ ر َ ّ ُ ر َ َر ات َك َّ ر َ َ ر َ ِم رن َحري ُ
ث إِ َّهنَا َذ ٌ
ين ِمرن ُه رم ،فَ ِمرن َها َو ِاجبَةٌ َكنَ َف َق ِة ِ ِ وم ِهبَا أ َ ِِ احل ِ ِ ِ ِ
ُّه رم قَُرابَةً ابلر ُم رع ِوز َ
َشد ُ ني ِأبَ رن يَ ُق َ اجة َوللت رَّوس َعة َوأ رَوَىل الر ُم رسلم َ رَ َ
اقاإلنر َف ِ ب أ رَو يَرن تَ ِقل َح ُّق رِال َهلُم إِ َىل أَ رن يَ رق ِدروا َعلَى التَّ َك ُّس ِ راألَب وي ِن الر َف ِقريي ِن و راألَوَال ِد ِ ِ َّ ِ
َ ُ ين َال َم َ ر الصغَار الذ َ
ّ َر َ ر ََ ر
ب َع َاد ِة أ رَمثَاهلِِ رم.)142(".. ك ُكلُّهُ ِحبَس ِ
َ
ِ
إِ َىل َغ رِري راألَبَ َوير ِنَ ،و َذل َ
ويف جانب آخر ،فإن الشرع قد أجاز للمرء أن يوصي ألحد أقاربه فيما دون الثلث من ماله
وهذا غالب ما يعزز العالقة بني ورثة امليت واملوصي له إضافة إىل األوقاف األهلية اليت قد يوقفه الرجل
على أقرابئه فيبقي منافعها تعم مجيع املوقوف عليهم من أقرابئه .ومن ابب حفظ تلك العالقات والروابط
وتطييب لنفوس األقرابء قال تعاىل ﴿وإِ َذا حضر الر ِقسمةَ أُولُو الر ُقرىب والري تَامى والرمساكِني فَارزقُ ِ
وه رم مرنهُ
رَ َ َ َ َ َ َ ُ رُ ُ َ َ ََ ر َ
َوقُولُوا َهلُرم قَ روًال َم رع ُروفًا﴾ [النساء ]8 :وهي آية ذهب كثري من أهل العلم أهنا غري منسوخة قال الدرة
أبهنا نزلت بعد آية املواريث ،وقيل آية املواريث مل تكن
" أقول :اآلية حمكمة ،ولفظ القسمة يوحي ّ
قسمة؛ أل ّن الكبار كانوا حيرمون النساء والصغار من املرياث كما رأيت يف اآلية السابقة ،ويستولون
على تركة امليت ،وسواء أكان األمر للوجوب أو للندب ،فهو عمل إنساين نبيل ،وقد طبّقه القانون يف
أكثر البالد اإلسالمية على األحفاد الّذين مات والدهم قبل ج ّدهم ،مثّ مات اجل ّد ،فإنّه يعطي هؤالء
األحفاد نصيب أبيهم لو كان حيّا بشرط أال يزيد على الثلث ،وقد أطلق عليه اسم الوصية الواجبة،
الشح ،وقست ،فلم يبق
وال أبس به ،فهو عمل إنساينّ؛ أل ّن النفوس يف هذه األايم قد طبعت على ّ
فيها عطف ،وال شفقة"(.)143
وتنظيم اجلانب املايل لألسرة (إبجياب بعض تلك النفقات وانتداب بعضها) ابلنسبة لتحقيق
الرتابط أمر ضروري ألنه ال يتصور وجود روابط أسرية قوية إذا فقد النفقة الواجبة وبعض املندوبة
مبختلف أنواعها كعدم النفقة على الوالدين الفقريين فإنه يؤدي إىل العقوق والتباغض كما قد يؤدي
عدم إنفاق من وسع هللا له من رزقه على أقاربه وذوي أرحامه إىل قطع االرحام.
()142
ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج ،2ص 318
()143
الدرة ،حممد علي ،تفسري القرآن الكرمي وإعرابه وبيانه ،ج ،2ص 378
71
املطلب الثاين :بعض القواعد الفقهية احلاكمة لظاهرة "الصمت األسري"
هذا املطلب يلقي الضوء على بعض القواعد الفقهية اليت حتمل حسب اجتهادان مالمح
للمعاجلة الفقهية لظاهرة الصمت األسري وتتمثل يف قاعدة الضرر يزال والضرر ال يزال مبثله ،وقاعدة
يتحمل الضرر اخلاص لتجنب الضرر العام ،وقاعدة درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل ،وقاعدة
التصرف على الرعية منوط ابملصلحة ،وبيان عالقتها مبعاجلة الصمت األسري كالتايل:
الفرع األول :قاعدة الضرر يزال والضرر ال يزال مبثله
()144
ومعىن قوله " َ(ال هذه القاعدة مدارها قوله عليه الصالة والسالم " ال ضرر وال ضرار"
(وَال ضرار) فعال بِ َك رسر أَوله أَي َال جيازى من ضَرر) أَي َال يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من َحقه َ َ
احد والضرار فعل ضره إبدخال الضَّرر علَي ِه بل يع ُفو"( .)145وأضاف املناوي أيضا أن " الضرر فعل و ِ
َ ر َ َر
اعد األربع الَِّيت اجلزاء علَي ِه ،وفيه أَن الضَّرر يزال وِهي احدى الر َقو ِ ِ ِ اثرنَ ر ِ
َ َ َ َ ني أَو الضََّرر ابرت َداء الرف رعل والضرار رََ َ ر
َح ِاديث وعده ِ مجيع َم رذ َهب الشَّافِعِي إليها َوقَ َ
اضي حسني َِ رد ال َق ِ
ال أَبُو َد ُاود الرف رقه يَ ُدور على َخَر َسة أ َ ُ َر
َخاهُ ابرتِ َداءً َوَال
الر ُج ُل أ َ مرن َها . “ ..وقد ذكر ابن جنيم القاعدة يف أشباهه وبيّنها " ِأبَنَّهُ َال يَ ُ
ضُّر َّ
()146 ِ
َجَزاءً ،)147("..وردت أيضا يف املادة العشرين من جملة األحكام العدلية ( .)148ومن تطبيقات
الش رف َع ِة َو َغ رِريِمهَاَ ،ويُرب تَ َىن َعلَى صِ
ب َو ُّ اب الرغَ ر َص َحابُنَا َرِمحَ ُه ُم َُّ
اَّلل ِيف كِتَ ِ القاعدة ،قال ابن جنيم " َوذَ َكَرهُ أ ر
احلَ رج ُر بِ َسائِِر اخلِيار ِ ِ اع َد ِة َكثِري ِمن أَب و ِ ِ
ه ِذ ِه الر َق ِ
اتَ ،و ر يع أَنر َو ِاع ر َ َ
الرُّد ِابلرعي ِ ِ
ب َو َمج ُ ك؛ َّ َر اب الرف رق ِه ،فَ ِم رن ذَل َ ٌ ر رَ َ
اع ِه َعلَى الر ُم رف َىت بِِه .)149( ...فالرد ابلعيب يكون لدفع الضرر الذي قد يلحق املشرتي حينما يشرتى أَنرو ِ
َ
سلعة فيها عيب فيكون ذلك نقص يف حقه وكذلك يف مسائل احلجر وغريها .والقاعدة مكونة من
جزأين؛ األويل " الضرر يزال" والثاين " الضرر ال يزال مبثله".
()144
مالك ،بن أنس ،املوطأ ،ج ،4حتقيق األعظمي ،ص ،1078ابب القضاء يف املرفق ،حديث رقم 2758
()145
املناوي ،زين الدين عبد الرؤوف ،التيسري بشرح اجلامع الصغري ،ج ،1ص 501
()146
املرجع السابق
()147
ابن جنيم ،زين الدين بن إبراهيم ،األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان ،ص 72
()148
جلنة مكونة من عدة علماء وفقهاء يف اخلالفة العثمانية ،جملة األحكام العدلية ،ت حقيق جنيب هواويين ،ص 18
()149
املرجع السابق
72
وأما عالقة اجلزء األول ابلصمت األسري فهي أن الصمت األسري يف حد ذاته ضرر كما أن
اآلاثر املرتتبة عليها ضرر أيضا على األسرة واجملتمع ،فالبد من دفع الضرر قبل وقوعه وإزالته بعد وقوعه
إبزالة األسباب املؤدية إليه عن طريق املعاجلات السليمة املناسبة.
وأما اجلزء الثاين " الضرر ال يزال مبثله" فعالقته ابلصمت األسري فهي أنه إذا تسبب أحد أفراد
األسرة مبا يؤدي إىل الصمت األسري فال ينبغي أن يقابل الضرر بضرر مثله كالصمت إمنا البد أن يرفع
يحةُ، ِ ِ
ين النَّص َ
هذا ابستخدام ما هو موجود يف الشرع وغريه كما جاء يف قوله عليه الصالة والسالم " ال ّد ُ
ني َو َع َّامتِ ِه رم .)150(".فأفراد األسرة يدخلون يف عامة قُ رلنَا :لِمن؟ قَ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
الَّ :لل َولكتَابِه َولَر ُسوله َوِألَئ َّمة الر ُم رسلم َ َر
املسلمني.
الفرع الثاين :قاعدة التصرف على الرعية منوط ابملصلحة
صلَ َح ِةَ ،وَما ِ
ب أَ رن يَ ُكو َن َمربنيًّا َعلَى الر َم ر اعي ِيف أُموِر َّ ِ ِ ِ
الرعيَّة َجي ُ ُ
الر ِ
ف َّ صُّر َ
َن تَ َ يقصد ابلقاعدة " أ َّ
ِ ين ُه رم َرحت َ ِ ِ ِ الر ِعيَّةُ هناِ :هي عموم الن ِ َّ ِ ك َال ي ُكو ُن ِ ِ
كيلَ ......ك َذل َ ت وَاليَة الر َو ِّ َّاس الذ َ يحاَ ،و َّ ُ َ َ ُ ُ ُ صح ً َ َملر يَ ُك رن َك َذل َ َ
صلَ َح ِة"( .)151ومن األمثلة ِ ِ
صُّرفَاتُهُ ِيف راأل ُُموِر الر َع َّامة َوأ ر
َح َك ُامهُ َما َملر تَ ُك رن َمربنيَّةً َعلَى الر َم ر
ِ
الر َقاضي َال تُ رعتََربُ تَ َ
ت الر َم ِال أ رَو َم ًاال ك م ًاال ِمن ب ي ِ ِ ِ
صا ِأبَ رن يَ رستَ رهل َ َ ر َر الواردة يف توضيح القاعدة :ما " لَ رو أ ََمَر الر َقاضي َش رخ ً
ِ اضي نَ رفسه لَو است هلَ ِ لِ َش رخ ٍ
كض ِامنًاَ ،ك َذل َ ال يَ ُكو ُن َ ك الر َم َ
ك ذَل َ َن الر َق ِ َ َ ُ ر ر َ ر َ يح َح َّىت أ َّ ص ِح ٍ آخَر فَِإ رذنُهُ َغ رريُ َص َ
صلَ َحتِ َها ِ َن تَ ِ ِ ف وأَمو َال َّ ِ ِ ِ َال َجي ُ ِ ِ
ب أَ رن يَ ُكو َن ُم َقيَّ ًدا مبَ ر الصغ ِري؛ أل َّ َ
صُّرفَهُ ف َيها َجي ُ ب أ رَم َو َال الر َوقر َ ر َ وز ل رل َقاضي أَ رن يَ َه َ ُ
ضا"( .)152والقاعدة وردت يف املادة 58من جملة األحكام العدلية ( )153وهي مأخوذة من قاعدة
أَير ً
أخرى ذكرها العلماء بصيغة " تصرف القاضي فيما له فعله من أموال الناس واألوقاف مقيد
( )150مسلم ،بن حجاج ،صحيح مسلم ،حتقيق أمحد بن رفعت ،ج ،1ص ،53ابب بيان أنه ال يدخل اجلنة إال املؤمنون،
حديث رقم 55
( )151أمني أفندي ،علي حيدر ،درر احلكام يف شرح جملة األحكام ،ج ،1ص 57
( )152املرجع السابق
( )153جملة األحكام العدلية ،ص 22
73
ابملصلحة"( .)154وميكن أن يدخل يف القاعدة سائر أشكال الرعاية والوالية لكوهنا أيضا تقتضي
املصلحة كوالية األب على بناته وغري ذلك.
وأما عالقة القاعدة ابلصمت األسري فإهنا تدور حول املصطلحات األربعة اليت هي؛ الراعي
والرعية واملصلحة والتصرف .ففي احمليط األسري ،فإن مجيع أفراد األسرة يعتربون رعاة ولو مبستوايت
خمتلفة وابلتايل عليهم أن يتصرفوا وفقا ملا تقتضيه املصلحة جتاه رعاايهم .قال عليه الصالة والسالم "
الر ُج ُل ِيف أ رَهلِ ِه َر ٍاع َوُه َو مسؤول
كلكم راع ومسؤول عن رعيته ،فاإلمام راع وهو مسؤول َع رن َر ِعيَّتِ ِهَ ،و َّ
اخلَ ِاد ُم ِيف َم ِال َسيِّ ِد ِه َر ٍاع وهو
اعيَةٌ ،وهي مسؤولة َع رن َر ِعيَّتِ َهاَ ،و ر ت زوِجها ر ِ ِ
َع رن َرعيَّتهَ ،والر َم ررأَةُ ِيف بَري َ ر َ َ
ِ ِِ
اَّللُ َعلَري ِه َو َسلَّ َم،
صلَّى َّ ول َِّ ت َه ُؤَال ِء ِمن رس ِ ِ مسؤول َع رن َر ِعيَّتِ ِه .قَ َ
اَّلل َ ر َُ ال (أي عبد هللا بن عمر) :فَ َسم رع ُ
الر ُج ُل ِيف مال أبيه راع ،وهو مسؤول عن رعيته ،فكلكم راع اَّللُ َعلَري ِه َو َسلَّ َم قَ َ
الَ :و َّ صلَّى ََّّيب َ ب النِ َّ
وأ ِ
َحس َُ ر
وكلكم مسؤول عن رعيته"(.)155
ومن انحية أخرى ،فإن الصمت األسري والقطيعة يعترب تصرف ال يتوافق مع املصلحة وخروج
عن مفهوم الرعاية اليت هي احلفظ والصيانة ،وقد قال القرطيب يف بيان وجه املسؤولية يف الرعية وعدم
اجع إىل الزجر عن
ظ والصيانة...وحاصلُهُ :ر ٌ التصرف على حساب مصلحتهم ،قال " والرعايةُ :احلِف ُ
يتعني عليه"(.)156 التمك ِن من فِ ِ
عل ما َّ ُ يقصر يف ذلك مع ُّ ِ ِ
أن يضيِّع ما أُمَر حبفظه ،وأن ّ
()157
أمني أفندي ،علي حيدر ،درر احلكام يف شرح جملة األحكام ،ج ،1ص 41
()158
اجمللة ،ج ،1ص 19
()159
أمني أفندي ،علي حيدر ،درر احلكام يف شرح جملة األحكام ،ج ،1ص 41
()160
الطربي ،ابن جرير ،جامع البيان عن أتويل آي القرآن ،ج ،1ص 415
75
فالصمت األسري والقطيعة فيه خمالفة ملوجب ما ورد يف اآلية من الوصل والرب وأداء الالزم
فمفسدته أكرب بال شك .وإذا كان األمر كذلك ،فإنه مينع على أفراد األسرة اللجوء إىل استخدام
الصمت والقطيعة األسرية يف مواجهة التحدايت واملشاكل األسرية ولو أنه حيقق هلم بعض املصاحل.
فدرء مفسدة الصمت األسري مقدم على جلب بعض تلك املصاحل القليلة إضافة إىل إمكانية احلصول
على تلك املصاحل بطرق أخرى أكثر فاعلية ودقة مثل احلوار املوعظة وغريها .قال الشاطيب " وجود
مفسدة اتبعة للمصلحة املطلوبة شرعا ال مينع اعتبارها ،وكذلك العكس ألن مقصود الشارع اجلانب
الغالب يف املصاحل واملفاسد؛ إذ ال توجد يف الدنيا مصلحة حمضة وال مفسدة حمضة"(.)161
الفرع الرابع :يتحمل الضرر اخلاص لتجنب الضرر العام
هذه القاعدة وردت يف املادة 26من جملة االحكام العدلية ( )162وقال صاحب درر احلكام
اص َال يَ ُكو ُن ِمثر َل الضََّرِر الر َع ِّام ،بَ رل ُدونَهُ فَيُ ردفَ ُع الضََّرُر الر َع ُّام بِِه"(.)163
اخلَ َّ يف شرحه هلا أنه " ِمبَا أ َّ
َن الضََّرَر ر
ومن األمثلة التطبيقية للقاعدة منع بعض أصحاب املهن من مزاولة صناعتهم كالطبيب اجلاهل والتاجر
املفلس واملفيت املاجن .قال صاحب درر احلكام أن هذا املنع " ضرر هلم إال أنه خاص هبم ،ولكن لو
تركوا وشأهنم حيصل من مزاولتهم صناعتهم ضرر عام كإهالك كثري من الناس جبهل الطبيب ،وتضليل
العباد مع تشويش كثري يف الدين مبجون املفيت ،وغش الناس من املكاري ،وكذلك جواز هدم البيت
()164
الذي يكون أمام احلريق منعا لسراية النار" ...
وعالقة القاعدة ابلصمت األسري هي أن الضرر واملفسدة فيه قد تكون يف بعض األحيان خاصا ليس
عاما فينبغي حتمله دفعا للضرر العام .ومن األمثلة على ذلك قال تعاىل خماطبا الرجال ﴿فَِإ رن َك ِررهتُ ُم ُ
وه َّن
اَّللُ فِ ِيه َخ ر ًريا َكثِ ًريا﴾ [النساء ]19 :قال النسفي " :قال اإلمام أبو منصور
فَ َع َسى أَ رن تَ ركَرُهوا َشري ئًا َوَرجي َع َل َّ
اَّلل
يهب َّ
فصربمت على ذلك فعسى أن َ ُ خلقهن
َّ لقبحهن أو لسوء
َّ بتهن
اَّلل :قيل :إ رن كرهتُم صح َّ رمحه َّ
()161
انظر :الشاطيب ،املوافقات ،ج ،2ص 44
()162
جملة األحكام العدلية ،ص 19
()163
أمني أفندي ،علي حيدر ،درر احلكام يف شرح جملة األحكام ،ج ،1ص40
()164
املرجع السابق
76
يعطي لكم يف اآلخرة ثو ًااب جز ًيال بصربكم وحس ِن معاشرتكم ،أو
أوالدا تَ َقُّر هبم أعينكم ،أو َ
منهن ًلكم َّ
كثريا يقيم به مصاحله"(.)165
ماال ً
متوت فريث منها ً
عسى أن َ
فقبحها وسوء خلقها وغريمها ،من األشاء اليت قد تنشئ الكره بني الزوجني ومن مث إىل الصمت
األسري .فالشرع احلكيم قد أرشد الرجل إىل حتمل هذا الكره لكونه ضرر خاص ألن يف حتمله له قد
جيعل فيه خري كثري كأن أتيت ابألوالد فرتبيهم وحتافظ عليهم إضافة إىل استمرارية العالقات الكبرية بني
أسرته وأسرهتا والتئام اجملتمع بكل ما فيه .والضرر العام هنا ضياع األوالد وانقطاع العالقات بني األسرتني
واجملتمع.
()165
النسفي ،جنم الدين ،التيسري يف التفسري ،حتقيق ماهر أديب ،ج ،4ص 482
77
املطلب الثاين :منظومة احلقوق الشرعية والفقهية وأثرها يف ضبط العالقات الزوجية
يقدم هذا املطلب قراءة وحتليالً شاملني ملنظومة احلقوق الشرعية والفقهية وأثرها يف ضبط
العالقات الزوجية واحلد من مشاكل أسرية مثل الصمت األسري .وتتمثل تلك املنظومة يف إعطاء
القوامة للرجل ،واملعاجلة الشرعية للنشوز ومنع الشقاق ،وتوزيع األعمال التكليفية واملالية بني الزوجني.
وفيما يلي بيان ذلك:
إن الثابت يف القرآن الكرمي واألحاديث النبوية الشريفة يف تنظيم اهليكل األسري هو جعل
الرجل يف املرتبة األوىل من حيث املسؤولية وهو ما يعرب عنه ابلقوامة .ويقصد ابلقوامة أيضا الرعاية
ال قَ َّو ُامو َن َعلَى النِّ َس ِاء واحملافظة على الزوجة يف املقام األول مث على ابقي أفراد األسرة .قال تعاىل ِّ
﴿الر َج ُ
ض َوِمبَا أَنر َف ُقوا ِم رن أ رَم َواهلِِ رم﴾ [النساء .]34 :قال أبو زهرة "فإن املعىن أن
ض ُه رم َعلَى بَ رع ٍ
اَّللُ بَ رع َ
َّل َّ ِ
مبَا فَض َ
الرجال يقومون على شؤون النساء ابحلفظ والرعاية والكالءة واحلماية ،فيقوم اآلابء على رعاية بناهتم
واحملافظة على أنفسهن وأخالقهن ودينهن ،واألزواج يقومون على شئون زوجاهتم ابحلفظ والرعاية
واحلماية والصيانة.)166("..
ولقد علل الشارع سبب ذلك يف أمرين :أحدمها مبا فضل هللا به الرجال على النساء والثاين
بسبب ما أنفقوا من أمواهلم .أما ابلنسبة لألوىل ،فإن الرجل قد فطره هللا ووهبه صفات متكنه من أداء
وظيفة الرعاية واحملافظة على أهله مثل الصالبة والوعي والتفكري وبطء االنفعال واخلشونة وغري ذلك
من الصفات .أما املرأة فقد خصها هللا "ابلرقة والعاطفية وسرعة االنفعال واالستجابة العاجلة ملطالب
الطفولة وهي خصائص ليست سطحية بل هي غائرة يف التكوين العضوي للمرأة "( .)167ويدخل كل
ذلك يف صنع هللا الذي أتقن كل شيء فتعاىل هللا أحسن اخلالقني .فقد أراد الشارع هبذه الصفات اليت
()166
أبو زهرة ،حممد بن أمحد ،زهرة التفاسري ،ج ،3ص 1667
صايف ،حممد ،اجلدول يف إعراب القرآن وصرفه وبيانه مع فوائد حنوية هامة ،ج ،3ص 31 ()167
78
أودعها يف الرجل أن تكون زمام أمر األسرة بيده ألنه هبا يتم الضبط املناسب للتفاعل األسري ومحاية
األسرة من مشاكل خمتلفة قد هتدد دوامها.
وأما ابلنسبة للثاين ،فألن الرجال يف األصل هم من يقدمون اخلدمات االقتصادية لألسرة من
النفقة والرعاية ويتحملون بشكل متزايد مسؤوليات جديدة تطرأ على األسرة لذلك قال الشعراوي "
فالرجال هم القوم؛ ألهنم يقومون أبهم األمور ،وعليهم مدار حركة احلياة ،والنساء يستقب رل َن مثار هذه
وجهوهنا التوجيه السليم"( .)168فإذًا الرجل هو القائم على األسرة ومسؤوليته ِ
احلركة ،فينفقوهنا أبمانة ويُ ّ
ِ ِ ِ ِ
تعلو على مسؤولية املرأة لكنهما متساواين يف احلقوق ألن «النّ َكاح يَرن َعق ُد َهلَا َعلَريهَ ،ك َما يَرن َعق ُد لَهُ
ض ُل الر ِق َو َام ِة الَِّيت َج َع َل َّ
اَّللُ لَهُ َعلَري َها َعلَري َها ......وتطالبه يف حق الوطء ِمبَا يُطَالِبُ َهاَ ،ولَ ِك رن لَهُ َعلَري َها فَ ر
ص َد ٍاق َونَ َف َق ٍة"(.)169 ِِ ِمبَا أَنر َفق ِمن مالِِه ،أ ِ
ب َعلَريه م رن َ َي مبَا َو َج َ
ر َ رَ
فبالصفات الفطرية اليت خص هللا هبا الرجال يف القيادة واإلدارة ،يستطيع هبا الرجل معاجلة
مشاكل أسرية عديدة ومن ضمنها الصمت األسري حبيث هو من يبادر يف كسر الصمت والقطيعة
ويضبط نفسه يف حال احلوار مع التغاضي عن بعض األشياء اليت قد تعقد املوضوع حىت تستقر الوضع
وه َّن ِ
وحتل املشكلة أبسرع وقت ممكن ولذلك أرشد هللا الرجال على هذا التعامل فقال سبحانه ﴿ َو َعاش ُر ُ
اَّللُ فِ ِيه َخ ر ًريا َكثِ ًريا﴾ [النساء .]19 :إشارة ِ
ِابلر َم رع ُروف فَِإ رن َك ِررهتُ ُم ُ
وه َّن فَ َع َسى أَ رن تَ ركَرُهوا َشري ئًا َوَرجي َع َل َّ
إىل الصرب والتغاضي ومعاجلة املشاكل بطريقة آمنة وسليمة.
إن الشرع احلكيم قد راعى واقع الناس فيما يتعلق بوجود النشوز بني الزوجني فقدم له منظومة
قوية حتمل طرقا منطيا ملنع نشوب الصراع مع مرور الوقت ،وهي آليات تكسب للعالقة الزوجية قوة
ومعايري لتدارك املخاطر وحماولة عالجها يف أسرع وقت ممكن .ومن ضمن تلك اآلليات ،قال تعاىل
()168
الشعراوي ،تفسري الشعراوي اخلواطر ،ج ،17ص 10616
()169
القرطيب ،حممد بن أمحد ،اجلامع ألحكام القرآن ،ج ،2ص 249
79
وه َّن فَِإ رن أَطَ رعنَ ُك رم الالِيت َختافُو َن نُشوزه َّن فَعِظُوه َّن واهجروه َّن ِيف الرم ِ
اض ِربُ ُ
ضاج ِع َو ر
َ َ ُ َ ر ُُ ُ ُ َُ ﴿و َّ َ خماطبا الرجالَ :
اَّللَ َكا َن َعلِيًّا َكبِ ًريا﴾ [النساء .]34 :يالحظ من قوله تعاىل أنه استعمل فَ َال تَ رب غُوا َعلَري ِه َّن َسبِ ًيال إِ َّن َّ
كلمة " ختافون" ويفيد ذلك أن مبجرد اخلوف من وقوع النشوز ينبغي على الرجل املبادرة يف معاجلة
اخلطر ألن مثة مشاكل داخل األسرة تبدأ صغرية لكنها تعظم وخترج عن السيطرة بسبب املماطلة يف
"حيتَ ِم ُل (املعىن أنه) التعامل معها والصمت األسري أفضل مثال .قال الشافعي يف شرح اآلية السابقة َر
ِ ِ ِ ِ ِ إذَا رأَى الدََّالَال ِ
تُّشوِز فَ َكا َن ل رل َخ روف َم رو ِض ٌع أَ رن يَعظَ َها فَِإ رن أَبر َد ر
ت ِيف إيغَ ِال الر َم ررأَة َوإِقر بَاهلَا َعلَى الن ُ َ
ِ ِ ِ ك أ َّ ِ ِ ِ
تاحةٌ قَ رب َل الرف رع ِل الر َم رك ُروه إ َذا ُرئيَ ر
َن الرعظَةَ ُمبَ َ ضَرَهبَا َو َذل َت َعلَريه َ نُ ُش ًوزا َه َجَرَها فَِإ رن أَقَ َام ر
َسبَابُهُ .)170("..وهبذا تكون العظة اخليار األول قبل أي خطوة أخرى وهي من أهم الطرق املعاجلة أر
ملشاكل أسرية كثرية ومنها الصمت األسري لكوهنا تفتح ابب احلوار فيبوح الزوج لزوجته ما يراه من
اإلقبال إىل النشوز وفرصة إلخبار شريك احلياة ما يعاين منه شريكه بطريقة هادئة.
ويف املقابل ،إن النشوز قد يكون أيضا من قبل الرجال ،قال تعاىل يف بعض صور هذا النشوز
صلِ َحا بَري نَ ُه َما
اح َعلَري ِه َما أَ رن يُ ر
اضا فَ َال ُجنَ َ
خماطبا للنساء ﴿وإِ ِن امرأَةٌ خافَ ِ ِ
ت م رن بَ رعل َها نُ ُش ًوزا أ رَو إِ رعَر ً َ رَ َ ر
اَّللَ َكا َن ِمبَا تَ رع َملُو َن َخبِ ًريا﴾ُّح َوإِ رن ُرحت ِسنُوا َوتَتَّ ُقوا فَِإ َّن َّس الش َّ الص رلح خري وأ ِ ِ
ُحضَرت راألَنر ُف ُ
ص رل ًحا َو ُّ ُ َ رٌ َ ر
ُ
[النساء .]128 :قال الطربي " يعين بذلك جل ثناؤه :وإن خافت امرأة من بعلها ،يقول :علمت
تفاعا هبا عنها ،إِما لب رغضة،
"نشوزا" ،يعين :استعالءً بنفسه عنها إىل غريها أثَرةً عليها ،وار ً
ً من زوجها
وإما لكراهة منه بعض أسباهبا إِما َدمامتها ،وإما سنها وكربها ،أو غري ذلك من أمورها أو إعر ً
اضا"،
يعين :انصرافًا عنها بوجهه أو ببعض منافعه اليت كانت هلا منه "فال جناح عليهما أن يصلحا بينهما
صلحا" ،يقول :فال حرج عليهما ،يعين :على املرأة اخلائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها "أن يصلحا
ً
ِ
تستعطفه بذلك حق عليه،
تضع عنه بعض الواجب هلا من ّ صلحا" ،وهو أن ترتك له يومها ،أو َ
بينهما ً
()170
الشافعي ،األم ،ج ،5ص 120
80
وتستدمي املقام يف حباله ،والتمسك ابلعقد الذي بينها وبينه من النكاح يقول“ :والصلح خري" ،يعين:
ُ
()171
للح ررمة ،ومتاس ًكا بعقد النكاح ،خريٌ من طلب الفرقة والطالق" .
احلق استدامةً ُ
والصلح برتك بعض ّ
فأرشد الشرع املرأة أيضا بسرعة معاجلة املشكلة فور إحساسها هبا؛ ألن صمتها وإغفاهلا يؤدي
إىل مزيد من املشاكل أو كرب حجم املشكلة فما يبدأ كمجرد إعراض يتحول إىل كراهية عاطفية.
والصلح بينهما ال يتم إال حبوار هادئ وتفاهم مثمر وهو ضد الصمت والسكوت.
وقد أشار الشارع احلكيم إىل نوع اثلث للنشوز بني الزوجني وهو ما يسمى ابلشقاق وخيتلف
اق بَرينِ ِه َما فَابر َعثُوا
عن سابقيه بكونه يكون من كليهما معا وهو املقصود يف قوله تعاىل ﴿ َوإِ رن ِخ رفتُ رم ِش َق َ
ِ ص َال ًحا يُ َوفِّ ِق َّ
يما َخبِ ًريا﴾ [النساء: اَّللُ بَري نَ ُه َما إِ َّن َّ
اَّللَ َكا َن َعل ً َح َك ًما ِم رن أ رَهلِ ِه َو َح َك ًما ِم رن أ رَهلِ َها إِ رن يُِر َ
يدا إِ ر
.]35واملعاجلة يف هذا النوع يكون ببعث حكمني من أهلهما ليحكما مبا يرايه املصلحة يف حق
الزوجني .وهذه املعاجلة كسر للصمت وهي أنفع للزوجني حينما يرشد احلوار بينهما شخصان وظيفتهما
الشرعي البحث عن األصلح هلما واألقوم حلدود هللا تعاىل ،وهذا يتم غالبا إذا مل يقدرا على تناول
املوضوع فيما بينهما .إ ًذا ميكن أن نقول إن الشرع احلكيم أعطى فرصة احلوار األسري على مستوى
الزوجني فيما بينهما وعلى مستوى احلكمني كل ذلك لضمان اإلصالح والبت يف املشكلة بكل أبعادها
حىت حتل أو يتم التسريح إبحسان بعد التحقق من مجيع الدواعي.
إن األسرة وحدة ذات جمموعة من املتطلبات واملهام داخلها وخارجها ،وتتضمن هذه املتطلبات
واملهام التغذية ،والكسوة ،واخلدمة ،والرتبية والرعاية ،واحلفاظ على أفراد األسرة ،وغريها .وقد أقرت
الشريعة التوزيع لتلك األعمال بني الزوجني املبين على أساس الفطرة والقدرة لكونه توزيعا له العديد من
املزااي حيث يكون الزوج هو القائد الفعال أو املوجه األساسي حنو املستقبل اجليد لألسرة فيكون
اختصاصه ضبط العالقات بني األسرة والعامل اخلارجي وتدبري شؤون النفقة واملعاش والكسوة إضافة إىل
()171
الطربي ،ابن جرير ،جامع البيان عن أتويل آي القرآن ،ج ،9ص 268
81
مشاركته يف تربية األطفال وتثقيفهم .ومن انحية أخرى ،ختتص الزوجة ابألعمال الداخلية ،وتركز على
إرضاء أفراد األسرة أثناء قيامهم بعملهم فكانت املرأة خبصائصها جديرة برتبية األطفال وتنشئتهم وهي
مهمة جليلة وخطرية .وميكن أن نستفيد من صورة هلذا التوزيع من قضاء رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم كما اعتمده بعض الفقهاء مثل االمام أمحد وفق ما ورد يف مسائل حرب الكرماين أنه " قضى
خارجا
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -على ابنته فاطمة خبدمة البيت وقضى على علي مبا كان ً
من البيت"(.)172
ولعل الفطرة الطبيعية أن الذي يناسب الرجل هو العمل خارج البيت والتعامل مع الناس،
واملناسب للمرأة أن تبقى يف بيتها وتقوم ابألمور املتعلقة ابلبيت من رعاية األطفال وغريها والنيب أشار
إىل ذلك يف قضائه بني ابنته فاطمة وزوجها رضي هللا عنهما ويف معىن حديث ابن عمر " َ ...والر َم ررأَةُ
ت َزروِج َها ومسؤولة َع رن َر ِعيَّتِ َها "( .)173وملا احنرفت الفطرة فيما يبدو يل وخرجت املرأة ِ
اعيةٌ ِيف ب ي ِ
َر َ َر
وتولت مهام ليس من اختصاصها أساسا والعكس ابلعكس ،تدهورت أمر البيت بكل ما فيه وانتقلنا
إىل مشاكل ال حصر هلا حىت أصبح بعض الرجال يشعرون "ابلالحول" الذي سرعان ما يتطور إىل
صمت أو اغرتاب أسري ألن ما يقوم به خيالف طبيعته وفطرته وينعكس هذا على األطفال من حيث
الرتبية والعناية.
()172
حرب الكرماين ،أبو حممد ،مسائل حرب الكرماين ،ج ،2ص 643
()173
البخاري ،صحيح البخاري ،ج ،1ص ،305ابب اجلمعة يف القرى واملدن ،حديث رقم 853
82
املطلب الرابع :املنظومة األخالقية وأثرها يف ضبط العالقات األسرية
هذا املطلب يتناول املنظومة األخالقية وأثرها يف ضبط العالقات األسرية للحد من املشاكل
األسرية كالصمت األسري .وتتمثل املنظومة يف؛ العدل ،وحسن العشرة ،واألمانة وبيان ذلك فيما يلي.
إن العدل يف اللغة " مصدر مبعىن العدالة ،وهو االعتدال واالستقامة ،وهو امليل إىل احلق"(.)174
ويقصد ابلعدالة أيضا " راألَمر الر ُمتَ َو ّسط بَني اإلفراط والتفريط"( .)175ويعد العدل أساس التفاعل
االجتماعي والسياسي واالقتصادي وغريها ،وقد صرح الشارع احلكيم على أمهيته حيث أمر به يف قوله
ان َوإِيتَ ِاء ِذي الر ُق ررَىب َويَرن َهى َع ِن الر َف رح َش ِاء َوالر ُمرن َك ِر َوالربَ رغ ِي يَعِظُ ُك رم
اإلحس ِِ ِ ِ سبحانه ﴿إِ َّن َّ
اَّللَ ََير ُم ُر ابلر َع ردل َو ر ر َ
لَ َعلَّ ُك رم تَ َذ َّك ُرو َن﴾ [النحل .]90 :فاألمر ابلعدل يف اآلية يقتضي وجوب االبتعاد عن أي توجه أو
سلوك مهما كان مادام هذا السلوك غري عادل.
وابلرتكيز على التفاعل االجتماعي عموما وابألسري خصوصا ،فإن العدل يعترب أساس التفاعل
األسري ذلك ألن العدل هو الذي يوفر شبكة األمان لألسرة من خالل وضع القواعد األساسية اليت
تتعلق ابحلقوق والدعم املتبادل وااللتزامات األخرى جلميع أفراد األسرة .ويضبط العدل أيضا حركة
االخالق األخرى املطلوبة داخل األسرة مثل املودة والرمحة والسماحة وغريها وحيدد حمتواها .فإذا كانت
تلك األخالق بال عدالة أدى ذلك إىل الوقوع يف املشاكل األسرية كالصمت األسري.
وهبذا ،فإنه يبدوا يل أنه بسبب هذه األمهية ،جعل الشرع االهتمام مبا تتطلبه العدالة يف التفاعل
األسري أمر واجب على مجيع أفراد األسرة واعترب العلماء واحلكماء العدل من "أصول األخالق الفضيلة
()174
اجلرجاين ،علي بن حممد ،كتاب التعريفات ،ص 147
()175
األمحد نكري ،القاضي عبد النيب ،دستور العلماء جامع العلوم يف اصطالحات الفنون ،ج ،4ص .401
83
املكتسبة( . )176وأثر العدل يف احلد من املشاكل األسرية ومن ضمنها الصمت األسري يتجلى يف
القواعد األساسية اليت يضعها ،وتقتضي تلك القواعد أمورا أبرزها:
.1احملافظة على احلد املطلوب من احلقوق والواجبات وااللتزامات من غري تفريط وال افراط ذلك
ألن أصل العدل " حمافظة الشيء على احلد الذي جعل له ،ووضعه موضعه"( .)177ويدل على
ان َوإِيتَ ِاء ِذياإلحس ِ ِ ِ ِ وجوب هذه احملافظة أمره سبحانه وتعاىل يف قوله ﴿إِ َّن َّ
اَّللَ ََير ُم ُر ابلر َع ردل َو ر ر َ
الر ُق ررَىب َويَرن َهى َع ِن الر َف رح َش ِاء َوالر ُمرن َك ِر َوالربَ رغ ِي يَعِظُ ُك رم لَ َعلَّ ُك رم تَ َذ َّك ُرو َن﴾ [النحل ]90 :وعموم
ب لِلتَّ رق َوى َواتَّ ُقوا َّ
اَّللَ إِ َّن َّ ِ ِ ٍ
اَّللَ قوله تعاىل ﴿ َوَال َرجي ِرَمنَّ ُك رم َشنَآ ُن قَ روم َعلَى أََّال تَ رعدلُوا راعدلُوا ُه َو أَقر َر ُ
َخبِريٌ ِمبَا تَ رع َملُو َن﴾ [املائدة .]8 :فال مينع الغضب أو أي سبب آخر من أسباب الصمت
أي فرد من أفراد األسرة من أن يقوم مبا جيب عليه جتاه أفراد أسرته من احلقوق
األسري ّ
والواجبات وااللتزامات ألن ذلك يؤدي إىل الظلم واجلور ومها خالف العدل.
.2القضاء على بعض السلوكيات اليت تنايف العدل كالظلم واجلور أبشكاله املختلفة مثل؛ العنف
األسري ،واالستغالل ،والتفضيل بناء على الذكورة واألنوثة بني أفراد األسرة خاصة الصغار،
واحملسوبية بني األوالد وغري ذلك .والشرع بنه على كل هذا ،فلو قبّل الرجل أحد أبناءه ينبغي
أن يقبل اآلخر ولو أعطى أحدهم ماال ينبغي أن يسوى بينهم .ومن األدلة على ذلك ما ورد
َن أ ََابهُ أَتَى بِِه
ان بر ِن بَ ِش ٍري« :أ َّ
ان ب ِن ب ِش ٍري :أ ََّهنُما ح َّد َاثه ع ِن النُّعم ِ "حمَ َّم ِد ب ِن الن ِ
َ َ ُ َ رَ ُّع َم ر َ يف حديث ُ ر ر
ِ ِ ِ ِ
ت ال :أَ ُكل َولَد َك َحنَرل َ صلَّى هللاُ َعلَريه َو َسلَّ َم فَ َقا َل :إِِّين َحنَرل ُ
ت ابرِين َه َذا غُ َال ًما ،فَ َق َ إِ َىل َر ُسول هللا َ
ال :فَ رارِج رعهُ"( .)178قال القرطيب " وقوله أكل ولدك حنلته مثل هذا؟ تنبيه ِمثر لَهُ ،قَ َ
الَ :ال ،قَ َ
سوى بينهم ذكرهم وأنثاهم ،وأن ذلك األفضل ،وإليه ذهب على أن اإلنسان إذا أعطى بنيه َّ
القاضي أبو احلسن بن القصار من أصحابنا ومجاعة من املتق ِّدمني"(.)179
()176
اجلرجاين ،املرجع السابق
()177
املاتريدي ،أبو منصور حممد بن حممد ،تفسري املاتريدي أتويالت أهل السنة ،ج ،4ص .401
()178
البخاري ،صحيح البخاري ،ج ،3ص ،157ابب اهلبة للولد ،حديث رقم 2586الطبعة السلطانية
()179
القرطيب ،أبو العباس أمحد بن عمر ،املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،ج ،4ص.585
84
.3االعرتاف إبمكاانت وقدرات أفراد األسرة .فيعرتف حبدودهم املزاجي وبقدراهتم من حيث
الطاقة والذاكرة وما إىل ذلك ،فيكون من الضروري مراعات الفروق الفردية يف كيفية توزيع
املهام املنزلية واختاذ القرارات والتصرف يف املواقف وغري ذلك .ومن أمثلة ذلك ما ورد يف
ض اَّللُ َعلَري ِه َو َسلَّ َم ِعرن َد بَ رع ِ
صلَّى َّ َّيب َالَ :كا َن النِ ُّ حديث أنس رضي هللا عنه يف البخاري أنه " قَ َ
اَّللُ َعلَري ِه ات الرم رؤِمنِني بِصح َف ٍة فِيها طَعام ،فَ َ ِ نِسائِِه ،فَأَرسلَت إِح َدى أ َُّمه ِ
صلَّى َّ
َّيب َ ضَربَت الَِّيت النِ ُّ ُ َ َر َ ٌَ َ رَ ر ر َ
اخلَ ِادِم ،فَس َقطَ ِ
َو َسلَّ َم ِيف بَريتِ َها يَ َد ر
َّيب صلى هللا عليه وسلم فلق ت ،فَ َج َم َع النِ ُّ الص رح َفةُ فَانر َفلَ َق ر
ت َّ َ
ست أ ُُّم ُك رم) ُمثَّ َحبَ َ ولَ ( :غ َار ر الصفحة ُمثَّ َج َع َل َرجي َم ُع فِ َيها الطَّ َع َام الَّ ِذي َكا َن ِيف َّ
الص رح َف ِةَ ،ويَ ُق ُ
يحةَ إِ َىل الَِّيت كسرت الصح َفةَ َّ ِ ِ خلادم ح َّىت أُِيت بِ ٍ ِ ِ ِ
الصح َ ص رح َفة م رن عرند الَِّيت ُه َو ِيف بَريت َها ،فَ َدفَ َع َّ ر َ َ َ
صحفتها ،وأمسك املكسورة يف بيت اليت كسرت"( .)180قال ابن بطال " وىف حديث القصعة
الصرب للنساء على أخالقهن وعوجهن؛ ألنه عليه السالم ،مل يوخبها على ذلك وال المها ،وال
زاد على قوله( :غارت أمكم)"( .)181وقال صاحب املفاتيح يف شرح املصابيح " ويف هذا
احلديث :بيا ُن ِ
لزوم الغرية يف نفس اإلنسان ،فإن أمهات املؤمنني -رضي هللا عنهن -مع
صحبتهن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -مل َخيرلون عن الغرية ،فال يليق ألحد أن يعاتب
أحدا على الغرية ،فإهنا مرَّكبةٌ يف نفس البشر حبيث ال يقدر الرجل أن يدفعها عن نفسه،
ً
كالغضب وغريه من صفات النفس"( .)182كل ذلك يرجع إىل االعرتاف إبمكاانت وقدرات
وصفات اإلنسان والتعامل معه وفقا هلذا وأفراد األسرة أوىل هبذا .فينبغي مثال إذا كان أحد
األبناء يستطيع القيام بفعل معني أن يوضع فيما حيسن ومبا يتوافق مع مهاراته.
()180
البخاري ،حممد بن إمساعيل ،صحيح البخاري ،حتقيق البغا ،ج ،5ص ،2003ابب الغرية ،حديث رقم .4927
()181
ابن بطال ،أبو احلسن علي ،شرح صحيح البخاري ،حتقيق أبو متيم ايسر ،ج ،7ص 351
()182
املظهري ،احلسني بن حممود ،املفاتيح يف شرح املصابيح ،ج ،3ص ،479ابب الغصب والعارية ،حديث رقم 2158
85
وخالصة القول ،إن احملافظة على احلد املطلوب من احلقوق والواجبات واالبتعاد عن السلوكيات
اليت تنايف العدل واالعرتاف إبمكاانت وقدرات أفراد األسرة عند التعامل معهم كل ذلك من أبرز مالمح
العدل يف احمليط األسري وتقوم بدور حموري يف احلد من املشاكل األسرية ومن ضمنها الصمت األسري.
يقصد حبسن العشرة " املوافقة واملساعدة على اإلرادة غري احملرمة ،والصرب على أخالق النساء
كارها ملا حيبه أهله( .)183ومن حسن العشرة أيضا
والصبيان يف غري احملرم من اللهو ،وإن كان الصابر ً
أال "يهجرها وال يقطع َمبِيته عنها وال يضرهبا لغري وجه يوجب ذلك له عليها"( .)184وليس حسن
العشرة مع الزوجة ّ" كف األذى عنها فقط ،بل احتمال األذى منها أيضا واحللم عند طيشها وغضبها،
اقتداء برسول هللا فقد كانت أزواجه يراجعنه الكالم .)185(" ...وقد ورد يف حسن عشرة النساء قوله
اشروه َّن ِابلرمعر ِ
وف﴾ [النساء ]19 :قال اللخمي "وإن كانت اآلية يف املعت ّدة فإنه مع بقاء ِ
تعاىل ﴿ َو َع ُ ُ َ ر ُ
الزوجية آكد"(. )186
فمبدأ حسن العشرة يعم مجيع أفراد األسرة الشرتاكهم يف احلاجة إليه ويدخل ذلك يف عموم
اَّلل إِ رخ َو ًاان َوَال َِحي ُّل لِ ُم رسلٍِم أَ رن
قوله عليه السالم "َال تَبا َغضوا ،وَال َحتاس ُدوا ،وَال تَ َداب روا ،وُكونُوا ِعباد َِّ
ََ َ ُ َ َ َ َ َُ َ
ث لَيَ ٍال"( .)187فاحلديث وإن كان عام فإن داللته بني أفراد األسرة أوىل ،فاهلجر ِ
اجر أَخاه فَو َق ثََال ِ
يُ َه َ َ ُ ر
ما فوق الثالث وابقي املعاين الواردة يف احلديث تضعف الروابط بني أفراد األسرة وهي كلها مذمومة،
ُخ َّوِة، ِ ِ
اس َد يَ رس ُقطَان َع رن َد َر َجة راأل ُ
َّح ُ
ض َوالت َ اَّللُ َعلَري ِه َو َعلَى آلِِه َو َسلَّ َم أ َّ
َن التَّبَاغُ َ صلَّى َّ
قال السلمي "أَ رعلَ َم َ
( )183ابن بطال ،علي بن خلف ،شرح صحيح البخاري ،ج ،7ص 298
( )184اللخمي ،علي بن حممد ،التبصرة ،ج ،5ص 2374
( )185حصوة ،ماهر " .مقاصد األسرة وأسس بنائها يف الرؤية اإلسالمية ".املؤمتر العلمي الدويل -األسرة املسلمة يف ظل
التغريات املعاصرة .عمان :املعهد العاملي للفكر اإلسالمي واجلامعة األردنية ووزارة التنمية االجتماعية .ص 205
( )186اللخمي ،التبصرة ،ج ،5ص 2374
( )187مالك ،بن أنس ،املوطأ ،ج ،5ص ،1333حديث رقم 3366
86
ص ُّح ُح رس ُن الرعِ رشَرِة
اخلِص ِال الرم رذموم ِة ،فَ َال تَ ِ ِِ َن صحبةَ راألُخ َّوِة وَكرم ُّ ِ
الص رحبَة َما َكا َن ُمنَ َّزًها َع رن َهذه ر َ َ ُ َ َوأ َّ ُ ر َ ُ َ َ َ
ُخ َّوِة"(.)188 إَِّال بِ ِ
ص رحبَة راأل ُ
ُ
ويدخل يف مفهوم حسن العشرة معاين وقيم كثرية تنتج آاثرا إجيابية مثل التواصل اجليد واحلوار
والتفاهم والشعور ابألمان وغريها .من أبرز تلك القيم؛ الرمحة ،واإليثار ،والسماحة ،واأللفة .وبياهنا
على النحو التايل:
األوىل :الرمحة
تعد الرمحة من القيم واألخالق اليت يتحقق هبا حسن العشرة بني أفراد األسرة وقد اعتربها
الشارع من أساسيات التعامل والتفاعل ،ولذلك جعلها من سنته سبحانه يف تعامله مع عباده قال يف
ِ ِ ِ ِ ِ حمكم تنزيله ﴿إِ َّن َّ
يما﴾ [النساء ]29 :وقوله ﴿إنَّهُ َكا َن ب ُك رم َرح ً
يما﴾ [اإلسراء: اَّللَ َكا َن ب ُك رم َرح ً
ت ُك َّل َش ري ٍء﴾ [األعراف .]156 :ومل يكتف بذلك سبحانه بل جعله ِ
]66وقوله ﴿ َوَر رمحَِيت َوس َع ر
﴿و َج َع َل بَري نَ ُك رم َم َوَّدةً َوَر رمحَةً﴾ [الروم]21 :
مقصدا من مقاصده فيما خيص العالقات األسرية ،قال َ
إشارة إىل أن لألسرة عادات وأخالق تولد التعاطف والتفاهم والرتاحم ،وتربط بني االهتمام ابلذات
وابآلخرين وتعزز التضامن أو الوحدة عند االختالف.
والرمحة حتمل معاين كلها تعزز العالقات داخل األسرة مثل احلنان ويقابلها القسوة .فاإلنسان
الرحيم يدرك وحيفظ كرامة الناس وحقوقهم ويؤمن ابحلرية والتعاطف والصرب والتسامح ولذلك قال تعاىل
الذ ِّل ِمن َّ ِ لألوالد مرشدا هلم لبعض معين الرب ﴿و ِ
الر رمحَة َوقُ رل َر ِّ
ب رار َمحر ُه َما َك َما َربَّيَ ِاين اح ُّ َ ض َهلَُما َجنَ َ اخف ر َ ر
االسِ ررت َس ُ ِ ض ُل الرِ ِربّ َّ ِ
ال"(.)189 س الر َم َوَّدة ر الر رمحَةَُ ،وَرأر ُ صغ ًريا﴾ [اإلسراء .]24 :قال ابن املقفع " َوأَفر ََ
فكل املعاين اليت أوردانها من احلنان وعدم القسوة ،والتسامح ،والتعاطف وغريها هي اليت ت أخذ حيزا
كبرية يف خلق جو مناسب ملعاجلة مشكلة الصمت األسري ألهنا تدعو الصامت إىل البوح مبشاعره
()188
السلمي ،حممد بن احلسني ،آداب الصحبة ،ص 78
()189
ابن املقفع ،عبد هللا ،األدب الصغري واألدب الكبري ،ص 72
87
اص روا ِابلر َم رر َمحَِة﴾ [البلد.]17 : اص روا ِاب َّ
لص رِرب َوتَ َو َ وتدعوا إىل احلوار الصحي املناسب .قال تعاىل ﴿ َوتَ َو َ
َّعطُّف عليه"( .)190وكثري من املناسبات
بعضهم بعضاً برمحة الضَّعيف والت ر
أوصى ُ
قال الفراهيدي " أي َ
يكون الصامت ضعيفا حيتاج إىل التعطف عليه والرمحة به.
الثانية :اإليثار
اإليثار هو تقدمي حاجة الغري على حاجة النفس سخاء وتفضال( .)191وااليثار خلق ال يكون
إال من نفس مهيأة للتضحية ولذلك يعترب "ضد األثرة ،وهي حب النفس حبّا يعميها عن كل شيء
فال يرى املرء إال ذاته ،وال يعمل إال من خالل هذه الذات ،وما حيقق هلا من نفع ذايت ال يشاركها فيه
أحد"( .)192واألثرة كما وصفها اخلطيب ال يسلم صاحبها من العزلة واالغرتاب خالفا لإليثار ،ولذلك
األسر اليت ميتلك أفرادها طبيعة إيثارية تتصف حبسن العشرة وتتمتع بطاقة عالية يف إجياد احللول
ملشاكلها بداية من الزوجني كل جتاه اآلخر حبيث يبذالن كل اجلهد يف حتسني حياهتما الزوجية من
خالل تقدمي الزوج مشاعر زوجته على مشاعره إىل ابقي أفراد األسرة والعكس ابلعكس .ولإليثار دور
كبري يف معاجلة كثري من األمراض ذات صبغة اقتصادية مثل الشح والبخل واحلسد اليت هي من ضمن
األسباب اليت تؤدي إىل كثري من املشاكل األسرية ومن ضمنها الصمت األسري .وإضافة إىل ذلك فإن
االيثار يزيد يف مستوى تعلق األطفال على والديهم حينما يشعرون ويالحظون أهنم يكدون ويضحون
من أجلهم ويؤثر هذا أيضا على منو الطفل حبيث يتعلم بطريقة غري مباشر كيفية التعامل مع مشاكل
احلياة والتعامل مع اآلخرين.
وااليثار إذا كان ديدن أفراد األسرة ،فإن احلياة فيها تكون هادائ والنفوس طيبة و" النفوس
الطيبة الكرمية ليسعدها أن جتد اخلري يغمر احلياة ،ويعمر البيوت ،ويشيع يف الناس الغبطة والرضا ..أما
()190
الفراهيدي ،اخلليل بن أمحد ،كتاب العني ،ج ،3ص 224
()191
انظر :اخلطيب البغدادي ،أبو بكر أمحد ،اتريخ بغداد ،ج ،14ص 861
()192
املرجع السابق
88
النفوس اللئيمة اخلبيثة ،فإنه يزعجها ويسوئها أن ترى خريا يصيب أي أحد من الناس ،ولو كان من
أقرب املقربني إليها” (.)193
الثالثة :السماحة
حتمل السماحة معاين كلها ترجع إىل حتقيق حسن العشرة بني أفراد األسرة .فمن تلك املعاين
ني ِِ
االنفتاح على وجهات نظر اآلخرين ،واالحرتام ،وحب السالم ،والعفو وغريها .قال تعاىلَ ﴿ :والر َكاظم َ
ني﴾ [آل عمران .]134 :قال السعدي " :أي إذا حصل ِِ اَّللُ ُِحي ُّ ني َع ِن الن ِالرغَي َ ِ
ب الر ُم رحسن َ َّاس َو َّ ظ َوالر َعاف َ ر
هلم من غريهم أذية توجب غيظهم -وهو امتالء قلوهبم من احلنق ،املوجب لالنتقام ابلقول والفعل،
هؤالء ال يعملون مبقتضى الطباع البشرية ،بل يكظمون ما يف القلوب من الغيظ ،ويصربون عن مقابلة
املسيء إليهم{ ،والعافني عن الناس} يدخل يف العفو عن الناس ،العفو عن كل من أساء إليك بقول
أو فعل ،والعفو أبلغ من الكظم ،ألن العفو ترك املؤاخذة مع السماحة عن املسيء ،وهذا إمنا يكون
ممن حتلى ابألخالق اجلميلة ،وختلى عن األخالق الرذيلة ،وممن اتجر مع هللا ،وعفا عن عباد هللا رمحة
هبم ،وإحساان إليهم ،وكراهة حلصول الشر عليهم ،وليعفو هللا عنه ،ويكون أجره على ربه الكرمي ،ال
على العبد الفقري ،كما قال تعاىل{ :فمن عفا وأصلح فأجره على هللا}"( .)194وقد أضاف ابن عاشور
ب لِلتَّ رق َوى﴾ [البقرة ]237 :أن هللا استعمل مجع املذكر يف تفسري معىن قوله تعايل ﴿ َوأَ رن تَ رع ُفوا أَقر َر ُ
ِ
ب للتغليب لكن العفو كله مرغوب فيه من أي طرف كان مث قال رمحه هللا" َوَم رع َىن َك رون الر َع رف ِو أَقر َر َ
ب إِ َىل السماح ِة و َّ ِ لِلتَّ رقوى (...أنه) ي رؤِذ ُن بِسماح ِة ِ ِ ِ ِ ِ
الر رمحَة أَقر َر ُ ب الر َمطربُوعُ َعلَى َّ َ َ َ صاحبه َوَر رمحَتهَ ،والر َق رل ُ ََ َ َ ُ َ
ب مبِِ رق َدا ِر قُ َّوِة الر َوا ِزِعَ ،والر َوا ِزعُ َش رر ِع ٌّي َوطَبِيعِ ٌّيَ ،وِيف يدِ ،أل َّ
َن التَّ رق َوى تَ رق ُر ُ
َّد ِ
ب الش ِ الص رل ِ
ب ُّ التَّ رقوى ِمن الر َق رل ِ
َ َ
ب إِلَري ِه ،لِ َكثر َرِة ِ ِ السم ِ ِ ب الرم رفطُوِر علَى َّ ِ ِ
ني يََزعُهُ َع ِن الر َمظَامل َوالر َق َس َاوة ،فَتَ ُكو ُن التَّ رق َوى أَقر َر َ احة ل ٌ الرأرفَة َو َّ َ َ َ الر َق رل َ
َسبَ ِاهبَا فِيه "(.)195
أر
()193
املرجع نفسه
()194
السعدي ،عبد الرمحن بن انصر ،تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ،ص 148
()195
ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج ،2ص 464
89
والسماحة من اآلداب واألخالق اليت ينبغي أن يتعلمها الشخص إن مل تكن من طبيعته خاصة
الزوجني والوالدين فهي كاحللم الذي قال عليه السالم فيه "إَِّمنَا الرعِرلم ِابلتَّعلُِّم ،وإَِّمنَا رِ
احل رل ُم ِابلت َ
َّحلُِّمَ ،وَم رن ُ َ َ
اخلَر َري يُ رعطَهَُ ،وَم رن يَتَ َو َّق الشََّّر يُوقَهُ"( .)196ويدخل يف معين السماحة أيضا "أصل الصلح" وهو يَتَ َحَّر ر
من األصول العظيمة يف مجيع األشياء خصوصا يف النزاع وهو خري وجائز حبكم الشرع بني املسلمني
ُّح﴾ [النساء .]128 :واملعين أن الصلح مطلوب س الش َّ الص رلح خري وأ ِ ِ
ُحضَرت راألَنر ُف ُ
قال تعايلَ ﴿ :و ُّ ُ َ رٌ َ ر
ومرغوب فيه ألن النفس أجلبت على احلرص على احلق الذي له "فمىت وفق العبد هلذا اخللق الطيب
(أي السماحة) سهل عليه الصلح بينه وبني كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة ،وتسهلت الطريق املوصلة
إىل املطلوب"( .)197ومن مل يكن التسامح من مساته " تعسر الصلح أو تعذر؛ ألنه ال يرضيه إال مجيع
()198
ما له كامال مكمال ،وال يهون عليه أن يؤدي ما عليه ،فإن كان خصمه مثله اشتد األمر"
وهبذا فإن التسامح من حسن العشرة وهو دواء لكثري من األمراض العاطفية مثل البغضاء والربود
اليت تعزز الصمت بني أفراد األسرة كما أنه وسيلة إىل فتح أبواب احلوار والصلح وإعادة املشاعر الطيبة
اليت تعيد الرغبة يف تبادل احلديث والتفكري اجليد والعفو.
الرابعة :األلفة
األلفة من االئتالف وهو االجتماع وااللتئام و"قيل هو اتفاق اآلراء يف املعاونة على تدبري
املعاش"( .)199وهي من القيم اجلميلة اليت تعترب مثرة حلسن اخللق .قال عليه الصالة والسالم " :الر ُم رؤِم ُن
ِ
ف َوَال يُ رؤلَف "( .)200ويف احمليط األسري ،فإن ألخالق أفراد فَ ،وَال َخ ر َري ف َيم رن َال ََيرلَ ُ ََيرلَ ُ
ف َويُ رؤلَ ُ
اخلُلُ ِق
َن راألُلر َفةَ َمثََرةُ ُح رس ِن ر
“اعلَ رم أ َّ
األسرة دور كبري يف حتقيق التآلف والتقارب فيما بينهم قال الغزايل :ر
()196
اخلطيب البغدادي ،اتريخ بغداد ،ج ،10ص ،184حديث رقم 4697
()197
ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج ،2ص 464
()198
املرجع نفسه
()199
اجلرجاين ،علي بن حممد ،كتاب التعريفات ،ص 34
()200
اهليثمي ،نور الدين علي ،جممع الزوائد ومنبع الفوائد ،ج ،8ص ،87حديث رقم 13094
90
اخلُلُ ِق يثمر التباغض
ف َوالت ََّوافُ َق َو ُسوءُ ر اخللُ ِق فَحسن ر ِ ِ ِ
اب َوالتَّآلُ َ
َّح َّ
ب الت َ
اخلُلُق يُوج ُ َوالتَّ َفُّر َق َمثََرةُ ُسوء رُ ُ ر ُ
والتحاسد والتدابر ومهما كان املثمر حمموداً كانت الثمرة حممودة"(.)201
فمن حسن اخللق الذي يثمر األلفة ،الكالم اللني واحلسن وهو عنصر مهم يف تعزيز احلوار
َح َس ُن إِ َّن الشرَّيطَا َن يَرن َزغُ بَري نَ ُه رم إِ َّن الشرَّيطَا َن ِ ِِ ِ
﴿وقُ رل لعبَادي يَ ُقولُوا الَِّيت ه َي أ ر
واحملافظة عليه قال تعاىل َ
ان َع ُد ًّوا ُمبِينًا﴾ [اإلسراء .]53 :وهلذا فإنه قد قيل " من النت َكلمته َو َجبت حمبته َوحسنت َكا َن لِ رِإلنرس ِ
َ
أحدوثته وظمئت الر ُقلُوب إِ َىل لَِقائِه وتنافست ِيف مودته .)202(" ..ويدخل من حسن الكالم الذي يعزز
األلفة املداراة لكوهنا جتمع راأل رَه َواء املتفرقة وتؤلف اآلراء املشتتة َوِهي غري املداهنة الرمرن ِهي َعرن َها(.)203
واأللفة داعية إىل احملبة ألهنا تقرب الناس من بعضهم البعض وتعزز اإلفصاح عن الذات والرضا عن
احلياة واحلوار كما تعطي الناس القدرة على االستماع وحتد من الغضب واالختالفات .ولذلك فإن
التخلق هبذه االخالق احلميدة اليت حث عليها الشارع تعاجل كثري من املشاكل األسرية ومن ضمنها
الصمت األسري.
ومما حيسن اإلشارة إليه هو أن عدم وجود األلفة بني أهل املدينة قبل اهلجرة عزز اخلالفات
والنزاعات واملزيد من الفرقة وجعل احلوار صعب املنال حيت مت معاجلتها ابلتأليف بني قلوهبم بواسطة
ني قُلُوبِ ُك رم الداينة اإلسالمية ذات منظومة أخالقية وعقدية سليمة ،قال تعايل ﴿إِ رذ ُكرن تُ رم أ رَع َداءً فَأَلَّ َ
ف بَر َ
َصبَ رحتُ رم بِنِ رع َمتِ ِه إِ رخ َو ًاان َوُكرن تُ رم َعلَى َش َفا ُح رفَرٍة ِم َن النَّا ِر فَأَنر َق َذ ُك رم ِم َنها ﴾ [آل عمران .]103 :قال
فَأ ر
الطربي :قال قتادة" واذكروا نعمة هللا عليكم إذ كنتم أعداء فألف بني قلوبكم" ،كنتم تتذاحبون فيها،
َيكل شديدكم ضعيفكم ،حىت جاء هللا ابإلسالم ،فآخى به بينكم ،وألَّف به بينكم"(.)204
()201
الغزايل ،أبو حامد ،إحياء علوم الدين ،ج ،2ص 157
()202
املناوي ،زين الدين ،التيسري بشرح اجلامع الصغري ،ج ،1ص 434
()203
انظر :املرجع نفسه
()204
الطربي ،حممد بن جرير ،جامع البيان عن أتويل آي القرآن ،ج ،7ص 77
91
الويف ابلعهد" ( .)205واألمانة تعترب
نقيض اخليانة ويقال للشخص "األمني" ويعىن به ُّ
األمانة هي ُ
أمر أساسي للعديد من جماالت احلياة ملا هلا من معاين ترجع كلها إىل تكوين صداقات جيدة بني الناس
واحلفاظ عليها .من أبرز تلك املعاين؛ الثقة ،والصدق ،واالحرتام ،والنزاهة والوفاء وغريها .ففي احمليط
األسري ،تشكل تلك املعاين واحدة من أهم عناصر املنظومة األخالقية اليت تعاجل العديد من املشاكل
األسرية ومنها الصمت األسري .وعالقة املعاين اليت أدرجناها آنفا حتت األمانة ابلصمت األسري،
تكمن يف األثر الكبري اليت تتمتع هبا تلك املعاين يف اجلملة على العالقات األسرية .فاألسر اليت حترص
أفرادها على اكتساب ثقة بعضهم البعض ،والتصرف وفقا ملا تقتضيه األمانة كالصدق يف القول واحرتام
حقوق الغري والنزاهة والفاء خاصة الكبار ،وتربية األطفال على ضرورة االلتزام بتلك القيم ،تقل فيها
العوامل املؤدية إىل القطيعة والصمت األسري.
والشرع قد نبه على أمهية األمانة وما فيها من املعاين حيث قال تعاىل ﴿إِ َّن َّ
اَّللَ ََير ُم ُرُك رم أَ رن تُ َؤُّدوا
اَّللَ َكا َن َِمس ًيعا
اَّللَ نِعِ َّما يَعِظُ ُك رم بِِه إِ َّن َّ
َّاس أَ رن َرحت ُك ُموا ِابلر َع رد ِل إِ َّن َّ ِ راألَم َ ِ
اانت إِ َىل أ رَهل َها َوإِ َذا َح َك رمتُ رم بَر َ
ني الن ِ َ
سرا؛ فقد أودع ِ
أسر إليك ّ بَص ًريا ﴾ [النساء .58 :قال الدرة " فاألمانة جتري يف كل شئون احلياة ،فمن ّ
دنيوي؛ فهو أمانة ،واملال يف يد اإلنسان أمانة ،والولد يف يد
ّ عندك أمانة ،ومن استشار غريه يف أمر
عما اسرتعاه ،حفظ ،أمكل راع ّ
اإلنسان أمانة .قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم« :إ ّن هللا سائل ّ
ين ضيع؛ حىت يسأل الرجل عن أهل بيته...وجوارح اإلنسان كلّها أمانة .)206( "..وقوله تعاىل َّ ِ
﴿والذ ََ ّ ّ ّ
اانهتِِ رم َو َع ره ِد ِه رم َراعُو َن﴾ .قال الدرة " ومعىن {راعُو َن} قائمون حبفظها ،ورعايتها" ( .)207فبحفظ
ُه رم ِأل ََم َ
األسرار ورعاية احلقوق والوفاء ابلعهود وغريها من متطلبات حتقيق األمانة داخل األسرة ،كل ذلك يقوم
بدور كبري يف تعزيز الرتابط بني أفراد األسرة .وقد أشار ابن بطال إىل معىن آخر غاية يف األمهية عند
تفسري قوله تعاىل ﴿والرمطَلَّ َقات يرتبَّصن ِأبَنر ُف ِس ِه َّن ثََالثَةَ قُر ٍ
وء َوَال َِحي ُّل َهلُ َّن أَ رن يَ ركتُ رم َن َما َخلَ َق َّ
اَّللُ ِيف ُ ُ َََ ر َ َ ُ
()205
انظر :الصحاري ،سلمة بن مسلم ،اإلابنة يف اللغة العربية ،ج ،2ص 157
()206
الدرة ،حممد علي ،تفسري القرآن الكرمي وإعرابه وبيانه ،ج ،2ص .498
()207
املرجع السابق ،ج ،6ص 226
92
ص َال ًحا َوَهلُ َّن ِمثر ُل ِ ِِ
َح ُّق بَِرّده َّن ِيف َذل َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ك إِ رن أ ََر ُادوا إِ ر أ رَر َحام ِه َّن إ رن ُك َّن يُ رؤم َّن ِاب ََّّلل َوالريَ روم راآلخ ِر َوبُعُولَتُ ُه َّن أ َ
اَّللُ َع ِز ٌيز َح ِك ٌيم﴾ [البقرة .]228 :قال " وروي عن وف َولِ ِّلر َج ِال َعلَري ِه َّن َد َر َجةٌ َو َّ
الَّ ِذي علَي ِه َّن ِابلرمعر ِ
َ رُ َر
السلف يف تفسري هذه اآلية ،قال أيب بن كعب :إن من األمانة أن املرأة ائتمنت على فرجها.)208( "...
فيفهم من قول أيب بن كعب رضي هللا عنه أن الزان خيانة لألمانة .وقد ورد كالمه يف املرأة إال أن عموم
اآلايت األخرى تدل على أن الرجل ائتمن على فرجه أيضا ومنها قوله تعاىل ﴿والَّ ِذين هم لُِفر ِ
وج ِه رم َ َ ُر ُ
ِ ِ ِ
ني ﴾ [املؤمنون ،]6-5 :وكذلك ت أَرميَا ُهنُرم فَِإ َّهنُرم َغ رريُ َملُوم َ
َحافظُو َن ( )٥إَِّال َعلَى أ رَزَواج ِه رم أ رَو َما َملَ َك ر
اح ٍد ِمرن ُه َما ِمائَةَ َج رل َد ٍة َوَال َأتر ُخ رذ ُك رم هبِِ َما َرأرفَةٌ ِيف
الزِاين فَاجلِ ُدوا ُك َّل و ِ
َ ر الزانِيَةُ َو َّ
ترتيب احلد على االثنني ﴿ َّ
ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِدي ِن َِّ
ني﴾ [النور. ]2 : اَّلل إِ رن ُكرن تُ رم تُ رؤمنُو َن ِاب ََّّلل َوالريَ روم راآلخ ِر َولريَ رش َه رد َع َذ َاهبُ َما طَائ َفةٌ م َن الر ُم رؤمن َ
فعلى كل حال ،فالزان من أكرب ما يدمر العالقات الزوجية واألسرة بكل ما فيها ،فاجتنابه
واجتناب كل الوسائل املؤدية إليه شكل من أشكال حفظ األمانة وعالج لكثري من املشاكل األسرية
ومنها الصمت األسري.
ابن بطال ،أبو الحسن علي بن خلف ،شرح صحيح البخاري ،ج ،7ص 499 ()208
93
اخلامتة :وفيها أهم النتائج والتوصيات
تشتمل اخلامتة على أهم النتائج وعلى بعض التوصيات .وبياهنا كاآليت:
أوال :النتائج:
.1يقصد ابلصمت األسري انعزال أحد أفراد األسرة عاطفيا أو جسداي بسبب عالقة او تصور
سليب يرتتب عليه انعدام الكالم وتقليص احلوار وبرود يف املشاعر مما يؤدي إىل عرقلة التفاعل
بني أفراد األسرة.
.2يعد الصمت األسري ظاهرة اجتماعية ومن أهم أسباهبا؛ إدمان مواقع التواصل االجتماعي،
والشخصية النرجسية وعدم النضج العاطفي ،والسلوك السليب من أحد أفراد األسرة كالتجارب
املؤملة من العنف األسري أبشكاله املختلفة ،وجود أو تصور احملسوبية األبوية ،واإلفراط يف
تعاطي املخدرات أو الكحول ،واالغرتاب من أحد الوالدين وغريها.
.3يرتتب على الصمت األسري العديد من اآلاثر النفسية واالجتماعية مثل القلق املستمر والتوتر،
وفقدان الشعور ابالنتماء العائلي ،واالغرتاب االجتماعي إضافة إىل اآلاثر االقتصادية والقانونية
املتمثالن يف فقدان أفراد األسرة للرتبية القانونية واالقتصادية.
94
.5مت رصد مالمح املعاجلة الشرعية من خالل الوقوف على مقاصد الشريعة اخلاصة ابألسرة وعلى
القواعد الفقهية ،ومنظومة احلقوق الشرعية والفقهية ،واملنظومة األخالقية كاآليت:
أ -وزع د .مجال الدين عطية مقاصد الشريعة على جماالت أربعة وهي؛ جمال الفرد واألسرة واألمة
واإلنسانية .مث قسم املقاصد اخلاصة ابألسرة إىل :تنظيم العالقة بني اجلنسني ،وحفظ النسل،
وحتقيق السكن واملودة والرمحة ،وحفظ النسب ،وحفظ التدين يف األسرة ،وتنظيم اجلانب
املؤسسي لألسرة ،وتنظيم اجلانب املايل لألسرة .فاملقاصد هذه هي حاكمة لالجتهاد فيما
يتعلق ابلصمت األسري وتشري إىل أنه البد أن يكون هناك احرتام للعالقة ،والرتابط ،وحسن
القصد ،والرضى ،واالستفادة من العالقات بني األسرتني الكبريتني ،واالجناب ،والشعور
ابالنتماء العائلي ،وعالقات حقيقية تكاملية وغريها.
مت توظيف عدد من القواعد أبرزها؛( )1قاعدة الضرر يزال والضرر ال يزال مبثله ألن ب-
الصمت األسري ضرر كما أن اآلاثر املرتتبة عليها ضرر أيضا على األسرة واجملتمع )2(،
وقاعدة يتحمل الضرر اخلاص لتجنب الضرر العام ألن الشرع احلكيم قد أرشد الرجل على
حتمل بعض الضرر مثل الكره لكونه ضرر خاص ألن يف حتمله له قد جيعل هللا تعاىل فيه خري
كثري كأن أتيت الزوجة ابألوالد فرتبيهم وحتافظ عليهم )3(،وقاعدة درء املفاسد أوىل من جلب
املصاحل ألن درء مفسدة الصمت األسري مقدم على جلب بعض املصاحل القليلة فيه إضافة
إىل إمكانية احلصول على تلك املصاحل بطرق أخرى أكثر فاعلية ودقة مثل احلوار املوعظة
وغريها )4(،وقاعدة التصرف على الرعية منوط ابملصلحة ألن مجيع أفراد األسرة رعاة والصمت
األسري يعترب تصرف ال يتوافق مع املصلحة وخروج عن مفهوم الرعاية اليت هي احلفظ والصيانة.
مت االستفادة مما أطلق عليها ابملنظومة احلقوقية من؛ ( )1إعطاء القوامة للرجل)2( ، ت-
واملعاجلة الشرعية للنشوز ومنع الشقاق )3( ،وتوزيع األعمال التكليفية واملالية بني الزوجني.
هذه املنظومة إن مت احرتامها والعمل عليها أدت إىل تقليل أو منع الصمت األسري.
95
ميثل املنظومة األخالقية العدل وحسن العشرة واألمانة ،وهذه متثل االخالق الضرورية. ث-
ومتثل االخالق احلاجية الرمحة ،والتعاون كما متثل االخالق التحسينية اإليثار ،والسماحة،
واأللفة وغريها .ويعتقد أن هذه املنظومة مبستوايهتا الثالث إن مت توظيفها والقيام عليها أدى
ذلك إىل منع الصمت األسري وتقليله.
اثنيا :التوصيات
إن املشاكل االجتماعية املعاصرة املوجودة يف اجملتمع اآلن ليس فيها كتاابت فقهية ،وهذه
دعوى للسادة العلماء واملتخصصني يف كليات الشريعة واجلهات املختلفة أن يتناولوا هذه القضااي
ابلكتابة.
96
املصادر
)1القرآن الكرمي
كتب التفسري
)2ابن عاشور ،حممد الطاهر .التحربر والتنوير .د.ط .تونس :الدار التونسية للنشر1984 ،م.
)3أبو زهرة ،حممد بن أمحد بن مصطفى .زهرة التفاسري .د.ط .دار الفكر العريب ،د.ت .
)4البغوي ،أبو حممد احلسني بن مسعود .معامل التنزيل يف تفسري القرآن .د.ط .بريوت :دار إحياء
الرتاث العريب1420 ،ه.
)5اخلطيب ،عبدالكرمي يونس .التفسري القرآين للقرآن .د.ط .القاهرة :دار الفكر العريب ،د.ت
.
)6الدرة ،حممد علي طه .تفسري القرآن الكرمي وإعرابه وبيانه .د.ط .دمشق :دار ابن كثري،
2009م.
)7الشعراوي ،حممد متويل .تفسري الشعراوي اخلواطر .القاهرة :مطابع أخبار اليوم1997 ،م.
)8صايف، ،حممد .اجلدول يف إعراب القرآن وصرفه وبيانه ،مع فوائد حنوية هامة .د.ط .دمشق:
دار الرشيد1995 ،م.
)9الطربي ،أبو جعفر حممد بن جرير .جامع البيان عن أتويل آي القرآن .د.ط .مكة املكرمة:
دار الرتبية والرتاث ،د.ت.
القرطيب ،أبو عبد هللا حممد بن أمحد األنصاري .اجلامع ألحكام القرآن .ط .2القاهرة: )10
دار الكتب املصرية1964 ،م.
املاتريدي ،أبو منصور حممد بن حممد .تفسري املاتريدي أتويالت أهل السنة .ط.1 )11
بريوت :دار الكتب العلمية2005 ،م.
النسفي ،جنم الدين عمر بن حممد .التيسري يف التفسري .ط .1إسطنبول :دار اللباب )12
للدراسات وحتقيق الرتاث2019 ،م.
97
كتب احلديث وشروحه
ابن بطال ،أبو احلسن علي بن خلف .شرح صحيح البخاري .ط .2الرايض :مكتبة )13
الرشد2004 ،م.
ابن وهب ،أبو حممد عبدهللا .اجلامع يف احلديث .ط .1حتقيق مصطفى أبو اخلري. )14
الرايض :دار ابن اجلوزي1995 ،م.
البخاري ،أبو عبدهللا حممد بن إمساعيل .صحيح البخاري .ط .5حتقيق البغا ،دمشق: )15
دار اليمامة1993 ،م.
البخاري ،حممد بن امساعيل .األدب املفرد .د.ط .الرايض :مكتبة املعارف للنشر )16
والتوزيع1998 ،م
اتج العارفني ،زين الدين حممد .التيسري بشرح اجلامع الصغري .ط .3الرايض :مكتبة )17
اإلمام الشافعي1988 ،م.
الدارمي ،أبو حممد عبدهللا بن عبدالرمحن بن الفضل .سنن الدارمي .ط .1السعودية: )18
دار املغين للنشر والتوزيع2000 ،م.
السلمي ،أبو عبدالرمحن حممد بن احلسني .آداب الصحبة .د.ط .طنطا :دار الصحابة )19
للرتاث1990 ،م.
عبد الرمحن ،أبو حممد عبد احلق اإلشبيلي .اجلمع بني الصحيحني .ط .1الرايض :دار )20
احملقق للنشر والتوزيع1999 ،م.
القاري ،أبو احلسن نور الدين املال .مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح .ط .1بريوت: )21
دار الفكر2022 ،م.
القرطيب ،أبو العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم .املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب )22
مسلم .ط .1دمشق :دار ابن كثري1996 ،م.
98
مالك ،بن أنس .املوطأ .د.ط .أبو ظيب :مؤسسة زايد بن سلطان آل هنيان لألعمال )23
اخلريية واإلنسانية2004 ،م .
مسلم ،أبو احلسني مسلم بن احلجاج .صحيح مسلم .ط الرتكية .حتقيق أمحد بن )24
رفعت بن عثمان حلمي حصاري و آخرون .اسطنبول :دار الطباعة العامرة1334 ،ه.
املظهري ،احلسني بن حممود بن احلسن .املفاتيح يف شرح املصابيح .ط .1الكويت: )25
دار النوادر2012 ،م.
النووي ،أبو زكراي حميي الدين حييي بن شرف .املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج. )26
ط ..2بريوت :دار إحياء الرتاث العريب1972 ،م.
ابن عاشور ،حممد الطاهر بن حممد .مقاصد الشريعة اإلسالمية .حتقيق حممد احلبيب )27
ابن اخلوجة .الدوحة :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية القطرية2004 ،م.
الريسوين ،أمحد .مدخل إىل مقاصد الشريعة .ط .1املنصورة :دار الكلمة للنشر )28
والتوزيع2010 ،م.
القاهرة :دار ابن الشاطيب ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى .املوافقات .ط.1 )29
عفان1997،م.
عطية ،مجال الدين .حنو تفعيل مقاصد الشريعة .د.ط .دمشق :دار الفكر2001 ،م )30
.
كتب الفقه وقواعده
ابن جنيم ،زين الدين بن إبراهيم بن حممد .األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة )31
النعمان .ط .1بريوت :دار الكتب العلمية1999 ،م.
أمني أفندي ،علي حيدر .درر احلكام يف شرح جملة األحكام .ط .1بريوت :دار )32
اجليل1991،م.
99
حرب الكرماين ،أبو حممد .مسائل حرب الكرماين ،رسالة دكتوراة -كلية الشريعة )33
والدراسات اإلسالمية -جامعة أم القرى ،فايز بن أمحد بن حامد حابس (حمقق).
دار اإلفتاء املصرية .فتاوى دار اإلفتاء املصرية .د.ط .القاهرة :دار اإلفتاء املصرية، )34
د.ت.
الشافعي ،أبو عبدهللا حممد بن إدريس .األم .ط .2بريوت :دار الفكر1983 ،م. )35
جلنة مكونة من عدة علماء وفقهاء يف اخلالفة العثمانية .جملة األحكام العدلية .د.ط. )36
جتارت كتب آرام ابغ ،د.ت.كراتشي :نور حممد كارخانه ِ
اللخمي ،علي بن حممد أبو احلسن .التبصرة .د.ط .قطر :وزارة األوقاف والشؤون )37
اإلسالمية2011 ،م .
مصطفي اخلن،وآخرون .الفقه املنهجي على مذهب اإلمام الشافعي رمحه هللا تعاىل. )38
ط .4دمشق :دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع1992 ،م.
ابن القيم ،أبو عبد هللا حممد بن أيب بكر .زاد املعاد يف هدي خري العباد .ط .3الرايض: )39
كتب اللغة
ابن منظور ،حممد بن مكرم بن على .لسان العرب .ط .3بريوت :دار صادر، )40
1414ه.
األمحد نكري .القاضي عبد النيب ،دستور العلماء جامع العلوم يف مصطلحات الفنون. )41
ط .1بريوت :دار الكتب العلمية2000 ،م.
100
اجلرجاين ،علي بن حممد .كتاب التعريفات .ط .1بريوت :دار الكتب العلمية، )42
1983م.
الزبيدي ،حممد مرتضى احلسيين .اتج العروس من جواهر القاموس .الكويت :وزرارة )43
اإلرشاد واألنباء يف الكويت2001 ،م.
الع روتيب .اإلابنة يف اللغة العربية .ط .1حتقيق خليفة عبد ِ
الصحاري ،سلمة بن ُم رسلم َ
ُ )44
الكرمي و آخرون .مسقط :وزارة الرتاث القومي والثقافة1999 ،م.
عمر ،أمحد خمتار عبد احلميد .معجم اللغة العربية املعاصرة .ط .1القاهرة :عامل )45
الكتب2008 ،م.
الفرايب ،أبو نصر إمساعيل بن محاد .1987 .الصحاح اتج اللغة وصحاح العربية. )46
حتقيق أمحد عبد الغفور عطار.د.ط .بريوت :دار العلم ابملاليني1987 ،م.
الفراهيدي ،أبو عبد الرمحن اخلليل بن أمحد .كتاب العني .ط .1حتقيق املخزومي )47
مهدي و السامرائي ابراهيم .القاهرة :دار مكتبة اهلالل ،د.ت.
كتب اآلداب
ابن أيب الدنيا ،أبو بكر عبدهللا بن حممد .الصمت وآداب اللسان .د.ط .بريوت: )48
دار الكتاب العريب1410 ،ه.
ابن املقفع ،عبدهللا .األدب الصغري واألدب الكبري .بريوت :دار صادر ،د.ت. )49
أبو طالب املكي ،أبو طالب حممد بن علي احلارثي .قوت القلوب يف معاملة احملبوب )50
ووصف طريق املريد إىل مقام التوحيد .ط .2حتقيق عاصم إبراهيم الكيايل .بريوت :دار الكتب
العلمية2005 ،م.
احلكيم الرتمذي ،أبو عبدهللا حممد بن علي .رايضة النفس .ط .2حتقيق إبراهيم مشس )51
الدين .بريوت :دار الكتب العلمية2005 ،م.
101
الغزايل ،أبو حامد .إحياء علوم الدين .د.ط .بريوت :دار املعرفة ،د.ت. )52
كتب األدب
اجلاحظ ،أبو عثمان عمرو بن حبر .رسائل اجلاحظ.د.ط .القاهرة :مكتبة اخلاجني، )53
1964م.
اللخمي ،صاحل بن جناح .األدب واملروءة .ط .1طنطا :دار الصحابة للرتاث، )54
1992م.
الرتكي ،انزك عبدالصمد " .فاعلية برانمج إرشادي أسري قائم على فنيات احلوار للوقاية )55
من الصمت األسري يف األسرة الكويتية" .جملة الرتبية ،1العدد 2019( 184م)– 567 :
.610
حصوة ,ماهر حسني" . 2013.مقاصد األسرة واسس بنائها يف الرؤية اإلسالمية ". )56
املؤمتر العلمي الدويل -األسرة املسلمة يف ظل التغريات املعاصرة .عمان :املعهد العاملي للفكر
اإلسالمي واجلامعة األردنية ووزارة التنمية االجتماعية. 1 - 21.
الرفاعي ،إميان عبيد " .الصمت الزواجي وعالقته ابلرضا عن احلياة ".جملة الفنون )57
واألدب وعلوم اإلنسانيات واالجنماع2019 ( 45 ،م) .216 - 191 :
عبدالعليم ،ايمسني ،و آخرون" .تصور مقرتح لتفعيل التكامل األسري ملواجهة بعض )58
التغريات اجملتمعية املعاصرة ".جملة الثقافة والتنمية ،العدد .322 – 293 : )2021 ( 168
حممد رشيد رضا" .1905 .احلياة الزوجية ".جملة املنار1905 ( 46 ،م) 81- : )59
.99
املعهد العاملي للفكر االسالمي " .2015 .املفردات القرآنية يف موضوع األسرة: )60
داللتها الفقهية وامتدادها االجتماعي ".أتليف األسرة املسلمة يف ظل التغريات املعاصرة ،بقلم
روال حممود احليت .23 - 1 ،عمان :دار الفتح للدراست والنشر.
102
. عبد اجمليد ليلي، سهري صالح الدين، اجملدوب أمحد علي، شيما مصطفى،املليجي )61
304 ، جملة األمن واحلياة.""الصمت األسري هل أصبح مرضا يهدد األسرة العربية؟
.23 – 20 :)ه1428(
"فاعلية برانمج إرشادي أسري قائم على فنيات.2019 .انزك عبدالصمد الرتكي )62
)" جملة الرتبية (جامعة األزهر كلية الرتبية.احلوار للوقاية من الصمت األسري يف األسرة الكويتية
.610 - 567 :)184( 1
املصادر األجنبية
63) Agllias, K. “The gendered experience of family estrangement in later life”. Affilia -
Journal of Women and Social Work 28, no. 3 ( 2013): 309–321.
https://doi.org/10.1177/ 0886109913495727
64) Agllias, Kaylie. “No Longer on Speaking Terms: The Losses Associated With Family
Estrangement at the End of Life, Families in Society”.The Journal of Contemporary
Social Services 92, no. 1 (2011): 107 – 113.
65) Al majali, S., Alsrehan, H. “The impact of family violence on the social and
psychological development of the child”. Development of the child Utopía y Praxis
Latinoamericana 24, núm. 5 (2019): 199 -207.
67) Amy J. Baker. “The Long-Term Effects of Parental Alienation on Adult Children: A
Qualitative Research Study”.The American Journal of Family Therapy 33 (2005):289–
302.
68) Angelo, R. Santos. “Impacts of Parental Favoritism on the Personality and Sibling
Relationship of the Students of Nueva Ecija University of Science and Technology, San
Isidro Campus”. International Journal of Innovative Science and Research Technology
6, no. 6( 2021): 86 – 91.
70) Baltezarevic Radoslav Velimir, Benon Piotr Kwiatek, Borivoje Velimir Baltezarevic,
and Vesna Nikola Baltezarevic. "The Meaning of Silence in Personal Communication."
Journal of Creativity Studies 1, no. 15 (2022) : 58-73.
103
71) Bland, Becca. “It’s All About the Money: The Influence of Family Estrangement,
Accommodation Struggles, and Homelessness on Student Success in UK Higher
Education”. Stand Alone Charity 20, no. 3 ( 2018): 68 – 89.
72) Cruz, Ana M. “Managing Privacy Boundaries Between Parents and Young-Adult
Children: An Examination of the Relationship Between Cultural Orientation, Family
Communication, Family Satisfaction, and Intrusion” .Ph.D thesis presented to the
faculty of Graduate College, Lincoln, Nebraska: University of Nebraska, 2007.
74) Dat Bao. 2019. "The Place of Silence in Second Language Acquisition." English
Language Teaching and Research Journal 1, no. 1 ( 2019): 26 -42.
75) Deng X., Lin M., Li X., Gao Q. “Relationship between Family and Adolescent-parents
Neural Synchrony in Response to Emotional Stimulation”. Behavioral and Brain
Function 18, no. 11 (2022): 1 - 15
76) Don D Jackson. "The Question of Family Homeostasis." International Journal of
Family Therapy (Human Sciences Press) 3, no. 1 (1981): 5 - 15.
77) Farber, Bernard. "An Index of Marital Integration." Sociometry 20 , no. 2 ( 1957): 117
– 134
78) Friedlander, S., Walters, M, G. “When a Child Rejects a Parent: Tailoring the
Intervention to Fit the Problem”. Family Court Review 48, no. 1 (2010): 98–111.
79) George, Richard Lebell. “An assessment of the Silent Treatment Condition and
Dimensions of Relationship Functioning in Couples Seeking Inpatient Treatment for
Chemical Dependency.” Ph.D. thesis, The Fielding Institute, 1993.
80) Gibson, C. Lindsay. Adult Children of Emotionally immature Parents: How to Heal
from Distant, Rejecting, or Self-involved Parents. Oakland: New Harbinger
Publication, 2015.
81) Grandparents Plus. Rethinking Family Life: exploring the role of grandparents and the
wider family. London: Grandparents Plus.
82) Heba, A. M, Sahar, A. S. “The Effect of Social Media on Family Relationships”.
Journal of Nursing and Health Science 9, no. 6 ( 2020): 2320–1959.
84) Kaufman, B. (2011). The peacock paradox. Psychology Today, July/August, 57-63.
85) Kelly L. Drake, Golda S. Ginsburg. Family Factors in the Development, Treatment,
and Prevention of Childhood Anxiety Disorders”. Clin Child Fam Psychol Rev 15
(2012):144–162.
104
86) Kerr, M. E., & Bowen, M. Family Evaluation. New York, London: W. W. Norton &
Company. MacLean, P. D,1978.
87) Kubrak T. “Impact of Films: Changes in Young People's Attitudes after Watching a
Movie”. Behav Sci (Basel) 10, no. 5 (2020): 1 -13.
88) MacDonald, P. “Narcissistic personality disorder”. Practice Nurse 41, no. 1 ( 2011):16-
18.
89) Mann, Supreet. “From Family to Friend: Family Communication Patterns and the
Impact on Young Adults Family Interaction via Facebook”. Master’s Thesis Submitted
to the Office of Research and Graduate Studies of the University of Pacific Stockton,
2016.
91) Mynard, S. “Experiences of Counseling and Therapy Post Estrangement from Abusive
Parents”. Master of Science thesis, University of Northampton, 2020.
92) Pfeiffer, Simone; In-Albon, Tina, “Clinical Child and Adolescent Psychology and
Psychotherapy”. In Family Systems, by Simone Pfeiffer and Tina In-Albon Family
Systems.
96) Rogers, M Everett; Hans Sebald. "A Distinction between Familism, Family
Integration, and Kinship Orientation." Marriage and Family Living 24, no. 1 (1962):
25 – 30
97) Ruqia Safdar Bajwa, Iram Batool , Momina Abid. “Narcissistic Personality and Family
Relationship among Adults: A Correlational Study”. Imperial journal of
interdisciplinary research 2, no. 8 (2016): 2454 – 1362.
98) Samek, Diana R., and Martha A. Rueter. 2011. "Associations Between Family
Communication Patterns, Sibling Closeness, and Adoptive Status." Journal of
Marriage and Family (National Council on Family Relations) 73, no. 5 ( 2011): 1015
- 1031.
105
99) SAMHSA - The Substance Abuse Mental Health Services Administration. “SAMHSA
- The Substance Abuse Mental Health Services Administration,” accessed on
https://www.samhsa.gov/node.
105) Substance Abuse and Mental Health Services Administration. Substance Abuse
Treatment and Family Therapy. Treatment Improvement Protocol (TIP) Series, No. 39.
Center for Substance Abuse Treatment. Rockvill, 2004.
106) United Nations Economic Commission for Latin America and the Caribbean.
“Family and Future: A Regional Programme in Latin America and the Caribbean.” New
York: United Nations Publication, 1995.
107) United Nations Office on Drugs and Crime Vienna, School-based Education
for Drug Abuse Prevention. New York: 2004United Nations Publications, 2004.
110) Wang M. P, Wang X., Viswanath K., Wan A., Lam T.H & Chan S. S. “Digital
Inequalities of Family Life Information Seeking and Family Well-being among Chinese
Adults in Hong Kong: a population survey”. J Med Internet Res 16, no. 10 ( 2014).
106
111) World Health Organization. “Health and the Family: Studies on the
Demography of Family life and their Health Implication.” Geneva: United Nations,
1978.
112) Yabiku T. Scott, William G. Axinn, Arland Thornton. "Family Integration and
Children's self-esteem." American Journal of Sociology 104, no. 5 (1999): 1494 - 1524.
مصادر الكترونيا
113) Academy of Professional Family Mediators. “Find a Professional Family
Mediator in the APFM Directory,” accessed on January 02, 2023. Available at
https://apfmnet.org/find-a-mediator/.
116) Dr. Joshua Coleman. “Dr. Joshua Coleman: Speaker, Author & Psychologist,”
n.d. https://www.drjoshuacoleman.com.
119) Sharma, K. “The ugly secret that is tearing apart Indian families”. The Times of
India, May 19, 2018. Accessed on December 30, 2022.
https://timesofindia.indiatimes.com/life-style/relationships/parenting/do-you-love-
your-family-and-they-love-you-back/articleshow/64221227.cms
121) The Bowen Center for the Study of the Family. “Coaching — The Bowen
Center for the Study of the Family,” n.d. https://www.thebowencenter.org/coaching.
107
ProQuest Number: 30419327
This work may be used in accordance with the terms of the Creative Commons license
or other rights statement, as indicated in the copyright statement or in the metadata
associated with this work. Unless otherwise specified in the copyright statement
or the metadata, all rights are reserved by the copyright holder.
ProQuest LLC
789 East Eisenhower Parkway
P.O. Box 1346
Ann Arbor, MI 48106 - 1346 USA