You are on page 1of 97

‫وزارة التعميم العالي والبحث العممي‬

‫جامعة محمد الصديق بن يحي ‪-‬جيجل‪-‬‬

‫كمية العموم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسـم عمم االجتماع‬

‫عنوان‪:‬‬

‫مطبوعة بيداغوجية موجية لطمبة السنة الثالثة ليسانس عمم االجتماع‬

‫إعداد األستاذة‪:‬‬
‫‪ -‬د‪ /‬سيساكم فضيمة‬

‫السنة الجامعية‪2020/2019 :‬‬


‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫فيرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫العنكاف‬
‫‪18-5‬‬ ‫‪ .I‬مدخل إلى سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪7‬‬ ‫‪.1‬مفيكـ الرابط االجتماعي‪............................................……………………..‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ .2‬أصناؼ الرابط االجتماعي‪..................................................................‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ .3‬أشكاؿ الرابط االجتماعي‪...................................................................‬‬
‫‪16‬‬ ‫‪ .4‬أنماط الرابط االجتماعي‪.....................................................................‬‬
‫‪47-19‬‬ ‫‪ .II‬الرابط االجتماعي في الفكر السوسيولوجي الكالسيكي‬
‫‪19‬‬ ‫‪ .1‬الرابط االجتماعي عند تكنيز‪.............................................................‬‬
‫‪24‬‬ ‫‪ .2‬الرابط االجتماعي عند دكركايـ‪..........................................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪ .3‬الرابط االجتماعي عند كارؿ ماكس‪......................................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪ .4‬الرابط االجتماعي عند فيبر‪.............................................................‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪ .5‬الرابط االجتماعي عند جكرج زيمؿ‪......................................................‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ .6‬الرابط االجتماعي عند نكربرت إلياس‪.....................................................‬‬
‫‪62-47‬‬ ‫‪.III‬القيم‪ :‬الثابت والمتحول‬
‫‪47‬‬ ‫‪.1‬تعريؼ القيـ‪................................................................................‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪.2‬القيـ كبعض المفاىيـ المجاكرة‪...............................................................‬‬


‫‪50‬‬ ‫‪.3‬خصائص القيـ‪............................................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪.4‬مككنات القيـ‪...............................................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪.5‬تصنيؼ القيـ‪...............................................................................‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪.6‬اكتساب نسؽ القيـ‪..........................................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪.7‬كظائؼ القيـ‪................................................................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪.8‬مصادر القيـ ‪..............................................................................‬‬
‫‪62-57‬‬ ‫‪ .9‬تفسير القيـ‪................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪57‬‬ ‫‪ .1.9‬التفسير الذاتي لمقيـ‪……………………………………………………………….‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ .2.9‬التفسير المكضكعي لمقيـ‪................................................................‬‬
‫‪72-62‬‬ ‫‪.IV‬اليوية‬
‫‪62‬‬ ‫‪ -‬تمييد‪.......................................................................................‬‬

‫‪64‬‬ ‫‪.1‬مفيكـ اليكية‪................................................................................‬‬


‫‪66‬‬ ‫‪.2‬فئات العناصر الخاصة باليكية‪..............................................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫‪.3‬أنكاع اليكيات‪...............................................................................‬‬
‫‪80-73‬‬ ‫‪.V‬المخيمة االجتماعية أو المخيال‬
‫‪73‬‬ ‫‪ -‬تمييد‪.......................................................................................‬‬

‫‪75‬‬ ‫‪ .1‬مفيكـ المخياؿ االجتماعي‪..................................................................‬‬


‫‪77‬‬ ‫‪ .2‬كظيفة المخياؿ االجتماعي‪…………......................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫‪ .3‬عناصر المخياؿ االجتماعي‪................................................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫‪ .4‬أصناؼ المخياؿ االجتماعي‪................................................................‬‬
‫‪92-80‬‬ ‫‪.VI‬الحداثة وما بعد الحداثة‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -‬تمييد‪........................................................................................‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪.1‬حكؿ مفيكـ الحداثة‪.........................................................................‬‬


‫‪83‬‬ ‫‪ .2‬عكامؿ انبثاؽ الحداثة‪.......................................................................‬‬

‫‪86‬‬ ‫‪.3‬حكؿ مفيكـ ما بعد الحداثة‪..................................................................‬‬


‫‪89‬‬ ‫‪.5‬مصادر أفكار منظرم ما بعد الحداثة‪...................................................‬‬

‫‪93‬‬ ‫قائمة المراجع……………………………………………………………………………‬

‫‪3‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫قائمة الجداول‬
‫الصفحة‬ ‫عنوان الجدول‬ ‫رقم‬
‫‪17‬‬ ‫أنماط الركابط االجتماعية‬ ‫‪01‬‬
‫‪92‬‬ ‫الحدكد الفاصمة بيف اتجاه ما بعد الحداثة كالحداثة فكريا كمفيكميا‬ ‫‪02‬‬

‫قائمة األشكال‬
‫الصفحة‬ ‫عنوان الشكل‬ ‫رقم‬
‫‪13‬‬ ‫يوضح أشكال الرابط االجتماعي‬ ‫‪01‬‬
‫‪14‬‬ ‫يبين أسس أشكال الرابط االجتماعي‬ ‫‪02‬‬
‫‪15‬‬ ‫يبين أسس الرابط االقتصادي‬ ‫‪03‬‬
‫‪15‬‬ ‫يبين أسس الرابط السياسي‬ ‫‪04‬‬
‫‪16‬‬ ‫يبين أسس الرابط االجتماعي‬ ‫‪05‬‬
‫‪55‬‬ ‫يوضح محددات اكتساب القيم‬ ‫‪06‬‬

‫‪4‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪. I‬مدخل إلى سوسيولوجيا الرابط االجتماعي ‪:‬‬


‫ال ينفصؿ مفيكـ الرابط االجتماعي عف كعي المجتمعات لذاتيا‪ ،‬كيمكف اعتبار االستخداـ الشائع اليكـ‬
‫لمفيكـ الرابط االجتماعي بمثابة االستفياـ حكؿ ماذا أك ما الذم يمكف أف يشكؿ مجتمعا ما في عالمنا اليكـ‪،‬‬
‫ىذا الذم يشيد صعكدان لمفردانية حتى صارت كما لك أنيا قد انر محتكمان‪.‬‬
‫كىؿ أف مجتمعا يتشكؿ مف أفراد مستقميف يمكف اعتباره مجتمعا‪ ،‬أك ىؿ ىك فعبل كذلؾ؟ كاذا ما كانت‬
‫اإلجابة بنعـ‪ ،‬فكيؼ يمكف أف يحدث ذلؾ؟‬
‫لقد حاكؿ عمماء االجتماع‪ ،‬كمنذ ظيكر تخصص عمـ االجتماع أم مجاؿ اشتغاليـ إيجاد‪ /‬أك تقديـ إجابة‬
‫عمى ىذا السؤاؿ‪ .‬كبالفعؿ‪ ،‬فقد عمؿ عمماء االجتماع األكائؿ عمى تقديـ تفسيرات ليذا السؤاؿ كغيره مف‬
‫األسئمة التي تخص الحياة االجتماعية في عمكميا بالعكدة إؿ تحميؿ كفيـ تطكر المجتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫كاذف تحيمنا فكرة الرابط االجتماعي إلى نظرة تاريخية حكؿ المجتمع‪ :‬أم نظرة حكؿ الفرد كعبلقتو بجماعات‬
‫االنتماء مف جية‪ ،‬كحكؿ شركط التغير االجتماعي عمى فترات طكيمة مف جية ثانية‪ ،‬حيث أف الجماعة لـ‬
‫تعد مف حيث ىي كذلؾ مف تؤسس اليكية التي ىي نتاج تجميع لعدد مف الجماعات المتباينة‪ ،‬أك لعدة دكائر‬
‫اجتماعية‪ ،‬التي تتقاطع‪ ،‬أك تمتقي بطريقة فريدة داخؿ كؿ فرد في ىذه الجماعات‪Paugam,2008, ( .‬‬
‫‪ )pp4,5‬فمك لـ يتمكف األفراد مف أف يخمقكا ألنفسيـ نظاـ تأميف ذا بعد عالمي‪ ،‬لظمكا في تبعية شديدة‬
‫لمجماعة التي ينتمكف إلييا‪ ،‬كالتي تضمف ليـ الحماية‪ ،‬كما لـ يكف لسياؽ‪ ،‬كلعممية تصاعد الفردانية أف‬
‫تعرؼ مثؿ ىذا التطكر‪ ،‬كالتعميـ السريع‪ .‬إذ مف المعمكـ أف التضامف في المجتمعات الريفية المعركفة بأنيا‬
‫مجتمعات تقميدية‪ ،‬يتطكر في األساس داخؿ العائمة المكسعة‪ ،‬حيث يرتبط األفراد في ىاتو المجتمعات‬
‫بالعائمة مف أجؿ الحصكؿ عمى الحماية‪ ،‬ككذا االعتراؼ‪ ،‬فقد كانت اليكية العائمية ىي أساس االندماج‬
‫االجتماعي‪ .‬كأما في المجتمعات الحديثة‪ ،‬فنجد بأف النماذج المؤسساتية لمحصكؿ عمى االعتراؼ قد أصبحت‬
‫فردية‪ ،‬كىي تقكـ أكثر ما تقكـ عمى الخصائص‪ ،‬أك الميزات التي يتمتع بيا الفرد‪ ،‬كمنيا عمى سبيؿ الذكر‬
‫الخصائص أك الميزات الجماعية‪ (Paugam,2008, pp 4,5) .‬كلذلؾ قد يبدك اليكـ بأف الفرد يتمتع‬
‫باستقبللية ظاىرة حياؿ الجماعات التي ينتمي إلييا‪ ،‬أك يرتبط بيا‪ ،‬لكنيا في الكاقع تفرض عميو أف يعرؼ‬
‫بنفسو قياسان بنظرة اآلخر إليو‪.‬‬
‫إننا اليكـ إزاء عممية تاريخية‪ ،‬يجرل الحديث فييا أيضا عف أزمة يعيشيا الرابط االجتماعي‪ ،‬كفييا يستخدـ‬
‫فعؿ تغير الرابط االجتماعي لمتدليؿ عمى الرغبة في العيش المشترؾ مف ناحية‪ ،‬كارادة إعادة ربط األفراد‬

‫‪5‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫المنفصميف عف بعضيـ‪ ،‬مع السعي لتحقيؽ التضامف‪ ،‬كالتجانس كاالنسجاـ داخؿ المجتمع باعتباره مجمكعان‬
‫مف ناحية أخرل‪.‬‬
‫إف عمماء االجتماع يعممكف بأف الحياة داخؿ المجتمع تضع اإلنساف منذ كالدتو في عبلقة تبعية بالنسبة‬
‫لآلخريف‪ ،‬كبأف التضامف عمى كافة المستكيات كفي جميع المجاالت‪ ،‬يشكؿ الركيزة لما يمكف إف نطمؽ عميو‬
‫اإلنساف االجتماعي المرتبط باآلخريف كبالمجتمع‪ ،‬ليس مف أجؿ ضماف حمايتو في مكاجية المشكبلت‬
‫الحياتية فقط‪ ،‬كلكف مف اجؿ إشباع حاجتو الحيكية لمحصكؿ عمى االعتراؼ كمصدر ليكيتو‪ ،‬كلكجكده‬
‫باعتباره إنسانان داخؿ ىذا المجتمع‪.)Paugam,2008 ,p 8( .‬‬
‫ثـ إف ما نطمؽ عميو اليكـ بأزمة الرابط االجتماعي‪ ،‬لمرتبط ببل شؾ بالكعي العميؽ بالظاىرة الجديدة التي‬
‫تساءؿ اإلنساف العادم مثمما الباحث‪ .‬ففي الكقت الذم تعبر فيو المدينة مثبلن عف أنيا فضاء لمحراؾ‬
‫االجتماعي كلمتمازج الثقافي‪ ،‬كاالجتماعي‪ ،‬فإنيا كبذات المحظة تظير متأثرة بعمميات ما يمكف تسميتو‬
‫باالنغبلؽ االجتماعي‪ .‬ففي الكقت الذم يبحث فيو البعض عف االنفصاؿ باالحتماء داخؿ األحياء الراقية‪،‬‬
‫كيبحث آخركف عمى طرؽ لمتخمص مف الحضكر اليكمي لمفقراء‪ ،‬كالمياجريف في ىذه المدينة‪ ،‬نجد بأف سكاف‬
‫األطراؼ أك اليكامش يعانكف مف الفقر كاليشاشة المزمنة لتنغمؽ بذلؾ ىذه األخيرة بدكرىا عمى ذاتيا بداخؿ‬
‫ذات المدينة مما يؤدم إلى تكلد مناخ مف الؤلمف‪ ،‬األمر الذم يستدعي الحاجة الشديدة إلى الضبط‪ ،‬إلى‬
‫حفظ النظاـ‪ ،‬كالرقابة االجتماعية‪.‬‬
‫كأيا يكف األمر فإف شرعية المؤسسات الكبرل المكمفة بتنشئة األفراد كالجماعات االجتماعية تظير بدكرىا في‬
‫أزمة‪ ،‬فالثقة التي كانت تشعرنا بيا تراجع‪ ،‬سكاء تعمؽ األمر باألسرة‪ ،‬أك بالمدرسة‪ ،‬أك بميداف العمؿ‪ ،‬أك‬
‫بمجاؿ الخدمات العمكمية‪ ،‬بؿ كحتى بالنسبة لمجاؿ الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫إف ىذه مثؿ ىذه األزمات‪ ،‬كالتحكالت االجتماعية الجارية داخؿ المجتمعات أيا كانت‪ ،‬تؤدم بدكرىا ال محالة‬
‫إلى أزمة ىكيات‪ ،‬تدفع إلى التفكير في جممة الركابط االجتماعية التي تربط الفرد بالمجتمع‪ ،‬فبل كجكد‬
‫لممجتمع اإلنساني دكف كجكد لتضامف اجتماعي‪ ،‬بيف أعضائو الذيف يتشكؿ منيـ‪ ،‬ما يحتـ الحاجة إلى بناء‬
‫األخبلؽ كالقيـ المشتركة التي تسمح باستمرار الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫مف ذلؾ يمكف القكؿ بأف كظيفة الرابط االجتماعي‪ ،‬كبغض النظر عف الحقبة‪ ،‬أك الفترات التاريخية التي قد‬
‫يمر بيا ىذا المجتمع أك ذاؾ‪ ،‬إنما تكمف في تكحيد األفراد‪ ،‬كالجماعات االجتماعية‪ ،‬كفي ضماف استمرار‬
‫التعايش السممي بيف الجميع بفضؿ القكاعد المشتركة الممزمة ليـ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪ .1‬مفيوم الرابط االجتماعي‪:‬‬


‫ما الذم يجعؿ الحياة االجتماعية ممكنة داخؿ المجتمع؟ ما الذم يربط األفراد كالجماعات ببعضيـ البعض؟‬
‫أك ما ىي األسباب التي تجعؿ األفراد بالرغـ مف االختبلفات المكجكدة أك الظاىرة فيما بينيـ يستمركف في‬
‫العيش إلى جانب بعضيـ البعض‪ ،‬بؿ كقادركف عمى االستمرار في العيش مع بعضيـ‪.‬‬
‫إنو سكاء تـ تعريؼ الرابط االجتماعي‪ ،‬انطبلقا مف الركابط الفعمية التي يحافظ عمييا األفراط كالتي تربطيـ‬
‫ببعضيـ البعض‪ ،‬أك مف المعايير كالقيـ التي تمنحيـ الشعكر باالنتماء الجماعي أك حتى مف األجيزة‬
‫االجتماعية المنظمة لمحياة المشتركة‪ ،‬فإف ىذا الرابط االجتماعي يظؿ مف بيف مكضكعات الدراسة المفضمة‬
‫في العمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ .‬كعمكما يبدك أف الرابط الفرد‪ /‬المجتمع‪ ،‬في المجتمع الحديث ال يتحقؽ مف‬
‫تمقاء نفسو‪ ،‬كىك ما يفسر الحضكر القكم ليذا الخطاب المنشغؿ بأزمة الرابط االجتماعي‪ ،‬كىي األزمة التي‬
‫مف الضركرم االىتماـ بأسبابيا أحيانا‪ ،‬كاألخذ بعيف االعتبار النعكاساتيا إف عمى المستكل الجماعي أك‬
‫الفردم أحيانا أخرل‪.‬‬
‫كيبدك أف الرابط االجتماعي لمحداثة المتقدمة‪ ،‬مقارنة بالرابط االجتماعي في المجتمعات التقميدية قد صار‬
‫انتقائيا أكثر فأكثر‪ ،‬كىك ما قد يفسر مصدر نسبية اليشاشة التي أصبحت تطبعو‪ ،‬أك بالمعنى الذم ذىب‬
‫إليو البعض‪ ،‬عندما أركا بأف أزمة الرابط االجتماعي‪ ،‬ناتجة كلك جز نئيا عمى األقؿ‪ ،‬عف تمؾ الحرية التي تُترؾ‬
‫اآلف لؤلفراد في تعريفيـ ألنفسيـ بأنفسيـ‪ .‬ففي المجتمعات الغربية مثبل‪ ،‬أكفي الفضاء الخاص‪ ،‬كفي الفضاء‬
‫العائمي تحديدا جرل خكصصة الزكاج كالطبلؽ‪ ،‬ما يمثؿ داللة كاضحة عمى الطابع التقاربي في ىذا الرابط‪:‬‬
‫حيث أصبح الدخكؿ في العبلقة الزكجية‪ ،‬مثمما الخركج منيا اختيا ار فرديا خالصا‪Marquet et ( .‬‬
‫‪ )autre,2012, p11‬لكف كمع ذلؾ فإف صعكد الفردانية كاف كاف يعمؿ عمى تفكيؾ كاضعاؼ الرابط‬
‫االجتماعي كمنو الجماعات االجتماعية إال أنيا بذات الكقت تعمؿ عمى تقكية التبعية المتبادلة بيف األفراد‬
‫كالجماعات داخؿ المجتمع‪ .‬فالخصكصي كالعاـ داخؿ المجتمع يفترقاف لكنيما يمتقياف أيضا‪.‬‬
‫‪ .1.1‬تعريف الرابط االجتماعي‪:‬‬
‫تكجد في الكاقع عدة تعريفات لمرابط االجتماعي‪ ،‬كعمكما يمكف تقسيميا إلى قسميف كبيريف متمايزيف‪ ،‬ىما‪:‬‬
‫التعريؼ المغكم مف جية‪ ،‬كالتعريؼ االصطبلحي مف جية أخرل‪.‬‬
‫أ‪ .‬التعريف المغوي‪:‬‬
‫الرابط في المغة العربية اسـ فاعؿ كىك مف فعؿ ربط‪ ،‬كليس مف فعؿ رابط‪ .‬كالرابط كممة تجمع بػ " ركابط"‬
‫ك"رابطات"‪ .‬كالرابط في المغة العربية ىك ما كصؿ بيف طرفيف بقكة مع دكاـ ذلؾ‪ .‬ككممة رابط تختمؼ عف‬
‫كممة رباط التي ىي مف فعؿ رابط كالتي تعني الزـ كرابط بالمكاف‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كأما في المغة الفرنسية‪ ،‬كفي قامكس الركس تحديدا‪ ،‬فإف كممة الرابط ‪-Le lien-‬فيعنى بيا الصمة بيف‬
‫األشياء‪ ،‬كالصمة بيف األشخاص‪( .‬خكاجة‪ ،2018 ،‬ص ص ‪)8،9‬‬
‫ب‪ .‬التعريف االصطالحي‪:‬‬
‫يمكف في ىذا الصدد استعراض العديد مف التعاريؼ الخاصة بيذا المفيكـ‪ ،‬كمف بينيا تعريؼ "بيار إيؼ‬
‫ككيسي " ‪ "Pierre Yves Cusset‬الذم رأل بأف الرابط االجتماعي ىك " مجمكع العبلقات التي تربطنا‬
‫بالعائمة‪ ،‬باألصدقاء‪ ،‬بالجيراف‪ ...‬كصكال إلى الميكانيزمات الجماعية لمتضامف‪ ،‬كمرك ار بالمعايير‪ ،‬كالقكاعد‬
‫كالقيـ التي تزكدنا بالحد األدنى لمعنى الجماعي"‪( .‬خكاجة‪ ،2018،‬ص ‪)12‬‬
‫نفيـ مما تقدـ بأف الرابط االجتماعي يمثؿ جممة‪ ،‬أك مجمكع العبلقات‪ ،‬كاألجيزة‪ ،‬كالقكاعد االجتماعية‬
‫باإلضافة إلى القيـ‪ ،‬كالمعايير‪ ،‬التي تربط األفراد‪ ،‬كالجماعات ببعضيـ البعض داخؿ المجتمع‪ ،‬حيث يشير‬
‫تعبير "الرابط االجتماعي" إلى ما ُيمكف الناس مف البقاء إلى جانب بعضيـ البعض كالعيش داخؿ مجتمع‬
‫كاحد‪.‬‬
‫كذلؾ عرؼ "فريدريؾ لكباركف""‪ "F. Le Baron‬الرابط االجتماعي بأنو عبارة عف"‪ ...‬تفاعؿ منتظـ بيف‬
‫فرديف حيث إحدل أىـ ركائزه إجبارية التبادؿ مثمما كصفيا األنثركبكلكجيكف مف أمثاؿ مارسيؿ مكس‬
‫كمالينكفسكي"‪( .‬خكاجة‪ ،2018 ،‬ص ‪)12‬‬
‫كيذىب " شكتز" "‪ "Alfred Schütz‬تقريبا في ذات االتجاه عندما يقكؿ بأف الركابط االجتماعية ىي كافة‬
‫العبلقات االجتماعية التي يقيميا كيحافظ عمييا الفرد مع أم كياف كاف مما يتسبب في حدكث اختبلط اك‬
‫تداخؿ بيف ذاتيف أك أكثر‪ .‬بمعنى أف "شكتز" يفيـ الرابط االجتماعي عمى أنو كؿ تفاعؿ أك اتصاؿ يحمؿ‬
‫بعدا اجتماعيا كحيث مف المحتمؿ اف تتدخؿ المسائؿ الذاتية‪.‬‬
‫كذلؾ الحاؿ بالنسبة لػ " إرفينغ غكفماف " " ‪ "E. Goffman‬الذم يرل بأف كؿ رابط اجتماعي يحمؿ معناه‬
‫حسب الحالة الذم تحيط بو أك يكجد فييا‪ ،‬كمنو فالحديث عف الرابط االجتماعي معناه فيـ ما يربط األفراد‬
‫ببعضيـ قياسا بالسياؽ الذم يتكاجدكف فيو‪ .‬لذلؾ يجب حصر جميع العناصر التي تحيط بعبلقة ما في‬
‫التأثير الذم يمكف أف ليذه العناصر في مكاجية البيف الذاتي‪.‬‬
‫كضمف ذات المعطى يذىب " بير بكفييو" "‪ "Pierre Bouvier‬إلى القكؿ بأف مفيكـ الرابط االجتماعي‬
‫ليس مفيكما جامدا‪ ،‬فيك مفيكـ مرف يستجيب الحتياجات محددة بالنظر لمسياؽ الذم يستعمؿ فيو‪.‬‬
‫(‪)https://papyrus.bib.umontreal.ca &i pp 26-28‬‬

‫‪8‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫نفيـ مف ذلؾ أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" في عمـ االجتماع يشير إلى مجمكع االنتماءات‪ ،‬الركابط العائمية‪،‬‬
‫كالعبلقات التي تكحد بيف الناس‪ ،‬أك بيف الجماعات االجتماعية‪ .‬حيث يمثؿ الرابط االجتماعي تمؾ القكة التي‬
‫تربط بيف أعضاء الجماعة‪ ،‬أك الطائفة االجتماعية‪ ،‬أك أعضاء جمعية ما‪ ،‬أك أعضاء ضمف كسط اجتماعي‬
‫معيف‪ .‬كالحؽ أف كثيريف اىتمكا بتحميؿ‪ ،‬كفيـ الرابط االجتماعي‪ ،‬أك عمى األقؿ منذ عصر النيضة‪ ،‬مثمما‬
‫كانت الحاؿ عند أصحاب العقد االجتماعي كعمى رأسيـ "جكف جاؾ ركسك"‪ ،‬كفي الكتابات األكلى لركاد عمـ‬
‫االجتماع أمثاؿ‪" :‬دكركايـ"‪" ،‬فيبر"‪ ،‬ك"تكنيز"‪ .‬ىذا المفيكـ ‪-‬الرابط االجتماعي –الذم عاد مرة أخرل مع‬
‫ثمانينات القرف الماضي لمظيكر بقكة في ساحة النقاش‪ ،‬أك لمخطاب السكسيكلكجي‪ ،‬الذم كاف ينادم بأىمية‬
‫أك ضركرة معالجة‪ ،‬كتشريح عكامؿ األزمة التي يعيشيا ىذا الرابط االجتماعي‪.‬‬
‫إال أنو كمع ذلؾ‪ ،‬ال تزاؿ ىناؾ صعكبة في التعامؿ مع ىذا المفيكـ‪ ،‬كتكظيفو‪ ،‬فيك يحمؿ بيف طياتو معنييف‪:‬‬
‫المعنى األكؿ كصفي‪ ،‬كيكمف في جممة المتغيرات المبلحظة عمى ىذا الرابط كعمى قكة االرتباط‪ ،‬كأما الثاني‪:‬‬
‫فمعنى معيارم كيتعمؽ بيذه الكحدة االجتماعية‪ ،‬التي تحتاج لمحفاظ عمييا‪ ،‬كحمايتيا مف اليشاشة‪ ،‬مف‬
‫التحمؿ‪ ،‬كاالنقطاع كبالتالي التبلشي‪ ،‬كاالندثار‪.‬‬
‫‪ .1.2‬مؤشرات الرابط االجتماعي‪:‬‬
‫تكجد ىناؾ العديد مف المؤشرات الدالة عمى الرابط االجتماعي كلعؿ مف أىـ ىذه المؤشرات ما يمي‪:‬‬
‫‪-‬العائمة‪ :‬ربط كفسخ العبلقة الزكجية‪ ،‬حجـ األسرة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬الجمعيات‪ :‬التككيف‪ ،‬االنتماء‪ ،‬عدد المنخرطيف‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬الدين‪ :‬الممارسات‪ ،‬الشعائر الدينية القديمة كالحديثة‪ ...‬الخ‬
‫‪ -‬العمل‪ :‬عدد المناصب اليشة‪ ،‬عدد البطاليف‪ ...‬الخ‬
‫‪ -‬االنحراف والجريمة‪ :‬عدد المنحرفيف‪ ،‬حجـ الجريمة في المجتمع‪...‬إلخ‪) https://fr.wikipedia.org/wiki( .‬‬

‫جدير بالذكر أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" قد ظير عمى المسرح السكسيكلكجي كاالنثركبكلكجي بيدؼ‬
‫اإلشارة‪ ،‬أك تسمية‪ ،‬ما يمكف نعتو بالعبلقة الخالية مف اإلكراه‪ .‬لكف إلى حد يمكف الحديث عف كجكد مثؿ ىذه‬
‫العبلقة‪ ،‬إذا ما كانت أغمب الكتابات السكسيكلكجية‪ ،‬كمنذ الركاد األكائؿ لعمـ االجتماع‪ ،‬تؤكد عمى أف األفراد‬
‫يعيشكف كيتصرفكف تحت اإلكراه‪ :‬إكراه الكظائؼ‪ ،‬المصالح‪ ،‬القيـ‪ ،‬العادات‪ ،‬العقبلنيات‪ ...‬الخ‪ .‬كباختصار‬
‫يكجدكف تحت إكراه كؿ ما يفرضو عمييـ كضعيـ‪ ،‬أك ظركفيـ الحياتية‪ ،‬كما يمميو عمييـ الضمير المغمؼ‬
‫بالكىـ‪ ،‬أك باألساطير‪ ،‬كبالمعتقدات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كالحؽ أف عمـ االجتماع قد قاؿ منذ ما يقارب القرف تقريبان‪ ،‬بأنو ييتـ بدراسة الفرد المكجكد تحت اإلكراه‪ ،‬أك‬
‫تحت الضغط االجتماعي‪ ،‬كبالمعكقات االجتماعية التي تحيط بيذا الفرد المندمج في عبلقات اجتماعية‬
‫مفركضة عميو‪ ،‬أك مادامت تحدد خارجو‪ .‬أك عمى األقؿ بالنسبة لعمـ االجتماع الذم قد أخذ في تطكره‬
‫كاىتماماتو ثبلثة (‪ )03‬اتجاىات كبرل ىي‪:‬‬
‫‪ -‬عمـ االجتماع إنتاج‪ ،‬كاعادة إنتاج اإلكراه أك عمـ اجتماع التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬عمـ اجتماع عمؿ أك اشتغاؿ االكراىات كالمعكقات ممثبل في عمـ اجتماع األدكار‪ ،‬التنظيمات‪ ،‬المؤسسات‬
‫كالييئات الحككمية‪ ...‬الخ‬
‫‪ -‬عمـ اجتماع تطكر اإلكراىات كيظير في عمـ اجتماع الحركات االجتماعية‪ ،‬الصراعات‪ ،‬النضاؿ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ىذه تمؾ االتجاىات النظرية التي جعمت االجتماعي خارج الفرد‪ ،‬أك جعمتيا قبمو‪ ،‬كالتي عمى ىذا النحك تُنكر‬
‫عميو – الفرد‪ -‬كؿ كجكد خارج االنتماءات التي تعرفو اجتماعيا‪.‬‬
‫إف مفيكـ الرابط االجتماعي قد ظير في سياؽ القرف التاسع عشر (ؽ ‪ ،)19‬كىك القرف الذم اجتمعت فيو‬
‫ثكرتيف غير مسبكقتيف أال كىما الثكرة الصناعية‪ ،‬كالثكرة الديمقراطية‪ ،‬كىي ذات الفترة التي تبمكرت فييا العديد‬
‫مف األفكار‪ ،‬كاآلراء الميتمة بالفرد كالمجتمع‪ ،‬كالتي اىتـ فييا عمماء االجتماع مثبل‪ ،‬بدراسة خصائص األفراد‬
‫مف قبيؿ‪ :‬الجنس‪ ،‬العمر‪ ،‬الطبقة االجتماعية‪...‬الخ‪ ،‬في محاكلة منيـ لربطيا بالممارسات الخاصة ليؤالء‬
‫األفراد في المجتمع‪.‬‬
‫إال أف سكسيكلكجيا أخرل جديدة ستظير الحقا‪ ،‬سميت بسكسيكلكجيا الشبكات‪ ،‬كاىتمت بتحميؿ العبلقات‬
‫المباشرة كغير المباشرة التي تربط األفراد ببعضيـ البعض‪ ،‬كلعؿ "جكرج زيمؿ" يمثؿ أحد أىـ ركادىا األكائؿ‬
‫مف بيف الذيف اىتمكا بتحميؿ‪ ،‬كالكشؼ عف تأثير البناء‪ ،‬كالجماعات عمى تشكؿ ىذه الشبكات‪ ،‬في محاكلة‬
‫لكضع األدكات التي تسمح بفيـ شكؿ العبلقات كالشبكات االجتماعية‪.‬‬
‫ىذا كقد بيف عمـ اجتماع الشبكات‪ ،‬كيؼ تشكؿ العبلقات بيف األفراد نظاما مف المعكقات كالمكارد بالنسبة‬
‫لمختمؼ األعكاف االجتماعييف‪ ،‬كىك ما سيسمح الحقا بظيكر التحميبلت األكلى حكؿ الرأسماؿ االجتماعي أك‬
‫عندما اىتـ "بيار بكرديك" " ‪ "P. Bourdieu‬بدراسة الرأسماؿ االجتماعي لؤلفراد باعتباره شبكة مف العبلقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى حجـ مختمؼ أشكاؿ الرأسماؿ األخرل التي يتحكـ فييا العكف االجتماعي كالتي‬
‫يمكنو تجنيدىا في خدمة مصمحة الخاصة‪.‬‬
‫لقد استخدمت مفردة "الرابط االجتماعي "في مجاؿ العمكـ االجتماعية‪ ،‬لتحمؿ عدة معاني‪ .‬فيي ترد مثبل‬
‫بمعنى الرابط المدني الذم يعني "مجمؿ الركابط التي تكحد الفرد بالحياة االجتماعية‪ ،‬كيترجـ ذلؾ في‬

‫‪10‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫المشاركة االنتخابية‪ ،‬كاالستثمار في الحياة االجتماعية‪ ،‬كاالنخراط في الجمعيات‪ ،‬كالنقابات كاألحزاب‬
‫السياسية"‪( .‬دكرتيو‪ ،2011 ،‬ص ‪ )436‬كما قد ترد لمداللة عمى الرابطة البيف –شخصية‪ ،‬أك بمعنى ما أطمؽ‬
‫عميو عالـ االجتماع األلماني "جكرج زيمؿ" تسمية االجتماعكية لتحيمنا في مثؿ ىذه الحالة إلى الركابط‬
‫األسرية‪ ،‬الجكار‪ ،‬الصداقة‪...‬الخ‪ ،‬أم إلى العبلقات االجتماعية القائمة عمى الحكار كاالتصاؿ المباشر‪ .‬كذلؾ‬
‫نجد أف عبارة "الرابط االجتماعي" تؤدم فكؽ ذلؾ‪ ،‬معنى آخر‪ ،‬كىك ذا صمة باألبعاد االقتصادية‪ ،‬ليفيد معنى‬
‫الرابط الذم يربط المأجكريف بمستخدمييـ مف خبلؿ عقكد التكظيؼ‪ ،‬أك عقكد العمؿ كىك الرابط الذم يستند‬
‫عمى المصمحة المتبادلة بيف طرفي العقد‪.‬‬
‫كاذف يعتبر مكضكع الرابط االجتماعي مف بيف المكاضيع السكسيكلكجية التي عادت إلى ساحة النقاش في‬
‫السنكات األخيرة‪ ،‬كخصكصا بعد أف كاف قد تراجع االىتماـ بو بعد الحرب العميمة الثانية‪ ،‬مع تمؾ األصكات‬
‫المطالبة بإعادة "ربط الرابط االجتماعي" كدليؿ عمى أف ىذا الرابط يعيش أزمة حقيقية‪.‬‬
‫إف مفيكـ الرابط االجتماعي كعمى الرغـ مف حداثتو‪ ،‬إال أف كالدتو تعكد إلى بداية القرف التاسع عشر‪ ،‬أم في‬
‫ذلؾ الكقت الذم كانت فيو السكسيكلكجيا قد أخذت في التأكد‪ ،‬أك في تأسيسيا لذاتيا‪ ،‬باعتبارىا عممان‪ ،‬أم‬
‫سنكات بعد قياـ الثكرة الصناعية‪.‬‬
‫زد إلى ذلؾ أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" مفيكـ مرافؽ لمكاقعة‪ ،‬أك لمحدث االجتماعي‪ ،‬حيث يتـ الشعكر‬
‫بغيابو بطريقتيف‪ ،‬أك بصكرتيف متباينتيف تظيراف في‪:‬‬
‫‪ -‬الرابط المرفكض بعديا‪،‬‬
‫‪ -‬كالرابط المفقكد قبميا‪،‬‬
‫ليككف الرابط االجتماعي‪ ،‬عمى ىذا النحك‪ ،‬إما محصمة إكراه كضغط‪ ،‬كاما محصمة أك نتاج اختيار‪ ،‬كأما في‬
‫الكاقع فيك – الرابط االجتماعي‪ -‬يتمكضع بيف االثنيف أك بيف الحالتيف– االكراه‪ ،‬االختيار‪.-‬‬

‫‪ -2‬أصناف الرابط االجتماعي‪:‬‬


‫ىذا كتكشؼ لنا دراسة الرابط االجتماعي عف كجكد ثبلثة أصناؼ أساسية منو كىي‪:‬‬
‫‪ -1.2‬الصنف األول‪ :‬كتظير فيو الركابط االجتماعية اإليجابية‪ ،‬كىي الركابط التي تسمح بالتفتح‪ ،‬بالتطكر‬
‫بالحرية‪ ،‬بالمساكاة‪ ،‬كبالعدالة‪ .‬فمف "جكف لكؾ" إلى" دكركايـ" كانت األمنية في أف تككف الركابط االجتماعية‬
‫ىدؼ كغاية العبلقات اإلنسانية‪ ،‬ضمف منطؽ لمتضامف االجتماعي‪ .‬فالرابط االجتماعي ىنا يسمح بضماف‬
‫العيش المشترؾ‪ .‬أم أف يعيش األفراد مع بعضيـ البعض‪ ،‬في إطار احتراـ الحرية الفردية لكؿ شخص‪.‬‬
‫كضمف ىذا الصنؼ يرل "ركسك" مثبل بأف األفراد قد قامكا بتفكيض حريتيـ الفردية إلى سمطة أعمى‪ ،‬تسمح‬

‫‪11‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ليـ بتحقيؽ العيش المشترؾ‪ ،‬كأما ىذه السمطة األعمى فتتمثؿ في الدكلة التي تسعى عمى حماية األفراد‬
‫األكثر ضعفا‪ ،‬أك األكثر ىشاشة‪ ،‬كتعمؿ عمى إعادة شركط الحياة الطبيعية ذلؾ أف األفراد طيبكف بطبعيـ‪.‬‬
‫‪ -2.2‬الصنف الثاني‪ :‬كىك عمى العكس‪ ،‬أك المقابؿ لمصنؼ األكؿ‪ ،‬حيث نجد آراء كؿ مف "البكاسي"‬
‫"ىكبز"‪" ،‬ماركس" ك"بيار بكرديك" كغيرىـ مف بيف الذيف يؤكدكف بأف الركابط االجتماعية تتأثر دائما بعبلقات‬
‫الييمنة‪ ،‬كالتبعية‪ ،‬كفي ىذه الحالة تككف الركابط مرادفا لمسمبية‪ ،‬حيث يككف مف الصعكبة بمكاف ضماف‬
‫استمرار الرابط االجتماعي مف دكف استعماؿ لمقكة أك العنؼ‪.‬‬
‫)‪1‬‬ ‫‪ -2.3‬الصنف الثالث‪ :‬كفيو نجد الركابط االجتماعية المسماة حيادية‪ ،‬كىي الركابط التي تسمح لؤلفراد‬
‫بالتعبير عف أنفسيـ‪ ،‬أك بالكصكؿ إلى األىداؼ التي يككنكا قد سطركىا‪ ،‬أك مثمما ىي الحاؿ عند كؿ مف‪:‬‬
‫"ماكس فيبر"‪" ،‬إرفينغ غكفماف"‪ ،‬ك"ريمكف بكدكف"‪ .‬فػ" ماكس فيبر" عمى سبيؿ المثاؿ‪ ،‬كمف خبلؿ اىتمامو‬
‫بدراسة المجتمع األكركبي الحديث القائـ عمى تطكر العقبلنية‪ ،‬ينظر لمرابط االجتماعي باعتباره ىدؼ كغاية‪،‬‬
‫يترجـ عقمنة النشاط االجتماعي‪ ،‬كما يعبر عف التحكالت االجتماعية الجارية‪ ،‬أك عممية االنتقاؿ مما ىك‬
‫عقبلنية‪.‬‬ ‫كعبلقات‬ ‫عممي‪،‬‬ ‫ىك‬ ‫ما‬ ‫إلى‬ ‫كركحي‪،‬‬ ‫عاطفي‬ ‫‪https://www.editions-‬‬
‫‪ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf. Consulté le 08/12/2018 à 12 :40.‬‬
‫حرم بنا التنبيو ىنا إلى صعكبة الحديث عف حيادية الركابط االجتماعية‪ .‬كالحؽ أنو كلعدة قركف‪ ،‬كاف‬
‫لمرابط االجتماعي جانبان شمكليان كذلؾ بفعؿ طابعو" الجامع كالمفركض"‪ ،‬أيف تتمفصؿ بنية التجمعات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬حكؿ أصناؼ أك أشكاؿ خاصة مف الركابط االجتماعية‪ ،‬التي تسمح بفضؿ التنسيؽ بينيا‪ ،‬بإعادة‬
‫إنتاج التنظيـ االجتماعي كاستم ارره‪.‬‬
‫إف الرابط االجتماعي باعتباره أحد العكامؿ البنائية األساسية في تحقيؽ التماسؾ االجتماعي‪ ،‬يعد معطى‬
‫ضركرم كلكنو غير كاؼ لكحده‪ ،‬ذلؾ اف التماسؾ االجتماعي‪ ،‬يجند عكامؿ أخرل زيادة عمى الرابط‬
‫االجتماعي منيا‪ :‬التجانس الثقافي‪ ،‬اك السكسيك‪-‬اقتصادم‪ ،‬العدؿ‪ ،‬نبذ التفرقة كالتمييز العنصرم‪ ،‬كذا‬
‫كبشكؿ محكرم أك أساسي مؤسسات الدكلة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -3‬أشكال الرابط االجتماعي‪:‬‬


‫مف المفيد كنحف بصدد الحديث عف أشكاؿ كأصناؼ الرابط االجتماعي اإلشارة أكال‪ :‬إلى عدـ كجكد اتفاؽ‬
‫حكؿ تصنيؼ كاحد‪ ،‬أك مكحد يضـ ىكو األشكاؿ ك‪/‬أك األصناؼ‪ ،‬أك األنماط‪ .‬أما ثانيا‪ :‬فإلى تعددىا‬
‫كاختبلفيا عف بعضيا البعض‪ ،‬تبعا الختبلؼ األبعاد‪ ،‬أك األسس التي تككف قد اعتمدت في تحديدىا‬
‫كتصنيفيا‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫إال أنو كمع ذلؾ‪ ،‬يمكف حصر أىميا في األشكاؿ‪ ،‬كاألنماط المكالية‪ ،‬عمى اعتبار أف الرابط االجتماعي ىك‪:‬‬
‫مجمكع تمؾ الركابط الثقافية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬التي تربط األفراد ببعضيـ البعض في‬
‫الحياة اليكمية‪ ،‬ضمف جماعات متنكعة‪ ،‬كمختمفة‪ ،‬تضمف‪ ،‬أك تحقؽ‪ ،‬ليـ االندماج االجتماعي‪ ،‬سكاء كاف‬
‫ذلؾ مف جية النظر الفردية‪ ،‬أك مف كجية النظر الجماعية‪ ،‬كالمجتمعية ككؿ‪ .‬فالرابط االجتماعي يعبر عف‬
‫مجمكع الركابط‪ ،‬كاألجيزة‪ ،‬التي تسمح بربط األفراد كالجماعات ببعضيـ البعض داخؿ المجتمع‪.‬‬
‫أما أىـ أشكاؿ الرابط االجتماعي فيمكف حصرىا في‪ :‬في ثبلثة (‪ )03‬أشكاؿ أساسية كىي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬الرابط االقتصادي‪ /‬التجاري‪ :‬كىك ذاؾ الرابط القائـ عمى تبادؿ المصالح المادية في السكؽ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرابط السياسي‪ :‬أك رابط المواطنة‪ ،‬كىك الرابط الذم يسمح بتنظيـ الحياة السياسية لؤلفراد في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬الرابط االجتماعي‪ :‬كىك ذلؾ الرابط الذم يسمح بتحقيؽ االندماج‪ ،‬كاالنسجاـ بيف االفراد في المجتمع‪.‬‬
‫كالشكؿ المكالي يكضح لنا ذلؾ‪.‬‬
‫الشكل رقم (‪ :)01‬يوضح أشكال الرابط االجتماعي‬

‫الرابط االجتماعي‬

‫الرابط السياسي‬ ‫الرابط االجتماعي‬ ‫الرابط التجارم‬


‫رابط مدني‬ ‫رابط الجماعة‬ ‫الرابط االقتصادم‬
‫الطائفة‬
‫كىك مجمكع العبلقات التي تكجد‬ ‫كىك يشير إلى ما يجعؿ األفراد‬ ‫ىك شكؿ لمتبادؿ يسمح بالحصكؿ‬
‫المكاطنيف أمة كاحدة‪ .‬حيث‬ ‫داخؿ مجتمع يقبمكف بأف يككنكا‬ ‫عمى السمع كالخدمات التي‬
‫األمة جماعة مف المكاطنيف الذيف‬ ‫أعضاء في ىذا المجتمع‪.‬‬ ‫ال يمكننا إنتاجيا بأنفسنا‪.‬‬
‫قرركا أف يعيشكا مع بعضيـ البعض‬ ‫كىك مجمكع العبلقات‬ ‫كىك يشير إلى مجمكع‬
‫باقتساـ نفس القيـ مثؿ‪ :‬المساكاة‬ ‫االجتماعية كاالتصاالت‬ ‫الركابط االقتصادية بيف‬
‫الحريةػ العدالة االجتماعية‬ ‫بيف أعضاء المجتمع الكاحد‬ ‫األفراد (العمبلء االقتصادييف)‬
‫المصدر‪https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahO:‬‬

‫ىذا كتقكـ أشكاؿ الرابط االجتماعي المختمفة عمى جممة مف األسس مثمما سيتكضح في األشكاؿ المكالية‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الشكل رقم (‪ :)02‬يوضح أسس أشكال الرابط االجتماعي‬
‫‪-‬كيؼ يعمؿ االقتصاد‬
‫‪-‬تمكيؿ االقتصاد‬

‫‪-‬ميكانيزمات السكؽ‬ ‫الرابط التجاري‬


‫‪-‬المؤسسة كالسكؽ‬
‫‪-‬أفعاؿ السمطات العمكمية‬

‫‪ -‬البنية االجتماعية‬ ‫الرابط‬


‫‪-‬الثقافة كالتنشئة‬ ‫الرابط االجتماعي‬ ‫االجتماعي‬
‫‪-‬السكؽ كالمجتمع‬
‫‪-‬التنظيـ‪ ،‬كالتماسؾ‬
‫االجتماعي‬

‫‪-‬التنظيـ السياسي‬ ‫الرابط السياسي‬


‫المصدر‪)https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahO :‬‬

‫كفيما يمي تفصيبل في ىذه األسس التي يقكـ عمييا الرابط االجتماعي‪ ،‬أال كىي‪ :‬أسس الرابط االقتصادم أك‬
‫التجارم‪ ،‬أسس الرابط السياسي‪ ،‬فأسس ال اربط الجتماعي‪ ،‬مثمما تبينو أك يتكضح في األشكاؿ‪ :‬المكالية‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الشكل رقم (‪ )03‬يبين أسس الرابط االقتصادي‪:‬‬

‫سوق السمع والخدمات‬


‫سوق العمل‬

‫في سكؽ السمع كالخدمات‬ ‫بيع األجزاء قكة عمميـ‬


‫يتـ مبادلة النقد‬ ‫الرابط‬ ‫في سكؽ العمؿ مقابؿ‬
‫بالخدمات أك السمع‬ ‫التجاري‬ ‫الحصكؿ عمى أجر‬

‫السوق العالمي‬

‫تكجد عمى مستكل السكؽ العالمي‬


‫عبلقات اقتصادية كتجارية تربط بيف مختمؼ األمـ‬
‫المصدر‪) https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahO:‬‬

‫الشكل رقم (‪ )04‬يبين أسس الرابط السياسي‪:‬‬


‫الحق في االنتخابات‬ ‫االنتخابات‬
‫صار االنتخابات‬ ‫التعبير عف اإلرادة‬
‫حؽ مشركعا لممكاطنيف‬ ‫كمكاطف‬
‫الرابط السياسي‬

‫رموز الجميورية‬ ‫العمم والنشيد الوطني‬


‫‪ -‬مبادئ األمة‬ ‫مثؿ‪ :‬العمـ‪ ،‬النشيد الكطني‬
‫‪ -‬العدالة االجتماعية‪ ،‬المساكاة‬ ‫كالمغة كىي الرمكز التي‬
‫‪ -‬الحؽ في العمؿ‬ ‫ترمز لمسيادة الكطنية‬
‫‪ -‬نظاـ القيـ‪.‬‬
‫المصدر‪)https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahO :‬‬

‫‪15‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الشكل رقم (‪ )05‬يبين أسس الرابط االجتماعي‪:‬‬
‫داخل المؤسسة‬ ‫داخل العائمة‬
‫تكحد العبلقات العائمية أك‬
‫األسرية داخؿ العائمة‪:‬‬
‫الرابط‬
‫التضامف‪ ،‬العاطفة‬
‫االجتماعي‬
‫التعاكف‪ ،‬التنشئة االجتماعية‬

‫داخل الجمعيات‬ ‫في المدرسة‬


‫تمعب الجمعيات دك ار في‬ ‫تعمؿ المدرسة عمى تقكية‬
‫الحفاظ عمى الرابط االجتماعي‬ ‫الرابطة االجتماعية‬
‫التضامف‪ ،‬التعاكف‬ ‫التنشئة االجتماعية‪ ،‬االندماج‬
‫كاالستماع لبلنشغاالت‬ ‫التضامف‪ ،‬الشيادة‬
‫المصدر‪)https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahO(:‬‬

‫‪ .4‬أنماط الرابط االجتماعي‪:‬‬


‫يمكف بيذا الصدد اقتراح تعريؼ يأخذ بعيف االعتبار بعديف اساسيف في تعريؼ الرابط االجتماعي أال كىما‬
‫بعدم‪ :‬الحماية كاالعتراؼ‪ .‬ذلؾ أف الركابط االجتماعية متعددة‪ ،‬كذات طبيعة متباينة‪ ،‬إال أنيا عمى اختبلفيا‬
‫تضمف لمفرد بذات الكقت الحماية كاالعتراؼ الضركرم لتحقيؽ كجكده االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬حيث تحيل الحماية‪ :‬إلى مجمكع الدعامات أك المكارد التي يككف بمقدكر األفراد تجنيدىا في مكاجية‬
‫المخاطر أك المشكبلت الحياتية مثؿ‪ :‬المكارد العائمية‪ ،‬مكارد الجماعة ك‪ /‬أك الطائفة‪ ،‬الجماعة المينية‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪-‬في حين يحيل االعتراف‪ :‬إلى التفاعؿ االجتماعي الذم يدفع أك يحفز األفراد ألنو يزكدىـ بالدليؿ عمى‬
‫كجكدىـ االجتماعي‪ ،‬كعمى تثميف ىذا الكجكد بنظر اآلخريف‪(Paugam,2008, pp 107-109).‬‬
‫كتعبير أك لفظ "االتكاؿ" اك االعتماد عمى" ىنا يمخص ما يمكف أف يتكقعو الفرد مف عبلقتو باآلخريف‬
‫كبالمؤسسات مف حيث الحماية‪ ،‬بينما يشير لفظ "المتكقع مف" إلى ما ينتظر منو‪ ،‬كىك أيضا حيكم بالنسبة‬
‫لمفرد إذ يحقؽ لو االعتراؼ‪ .‬كيمكف في ىذا اإلطار يمكف ُّ‬
‫عد أربعة (‪ )04‬أنماط مف الركابط االجتماعية أال‬
‫كىي‪ :‬رابطة النسب‪ ،‬رابط المشاركة االنتقائية‪ ،‬رابط المشاركة العضكية‪ ،‬ثـ رابط المكاطنة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الربط االجتماعي‬
‫الجدول رقم (‪ :)01‬يوضح أنماط ا‬
‫أشكال االعتراف "المتوقع من"‬ ‫أشكال الحماية "االتكال عمى"‬ ‫أنماط الروابط‬
‫اعتراؼ عاطفي‬ ‫تضامف بيف األجياؿ حماية مصيرية‬ ‫رابطة النسب‬
‫(اآلباء كاألبناء)‬
‫التبادؿ العاطفي‬ ‫التضامف ما بيف األفراد حماية مقر بو‬ ‫الرابط االنتقائي‬
‫(الزكاج‪ ،‬األصدقاء)‬
‫الشعكر باألىمية‪ ،‬المكانة‬ ‫حماية حافزيو (عقد العمؿ‪ ،‬قانكف‬ ‫رابط المشاركة العضكية‬
‫االجتماعية‪ ،‬تقدير الذات‬ ‫العمؿ‪ ،‬الحماية االجتماعية)‬ ‫(العمؿ‪ ،‬السكؽ)‬
‫االعتراؼ بالفرد الحر أك السيد‬ ‫المساكاة القانكنية‬ ‫رابط المكاطنة‬
‫(داخؿ الدكلة)‬
‫المصدر‪https://manuelnumeriquemax.belin.education/ses-premiere/topics/simple/ses1-ch07-161-01:‬‬

‫‪-1‬رابط النسب‪ :‬كىك االعتراؼ بأف كؿ فرد يكلد داخؿ أسرة‪ .‬كىك يمتقي عند الكالدة بأبيو كأمو‪ ،‬مثمما بباقي‬
‫أفراد األسرة‪ ،‬كالعائمة الممتدة‪ ،‬التي ينتسب إلييا مف دكف أف يككف قد اختار ذلؾ‪ ،‬مع التأكيد كذلؾ عمى‬
‫كظيفة التنشئة االجتماعية التي تقكـ بيا األسرة‪ ،‬حيث يساعد رابط الدـ أك النسب عمى تحقيؽ التكازف‬
‫العاطفي لدل الفرد منذ كالدتو‪ ،‬كما يضمف لو الشعكر باالستقرار كالحصكؿ عمى الحماية في آف كاحد‪.‬‬
‫‪ -2‬رابط المشاركة االنتقائية‪ :‬كيتعمؽ األمر بالتنشئة االجتماعية خارج األسرة‪ ،‬ففي أثنائيا يدخؿ الفرد في‬
‫عبلقات مع األفراد اآلخريف‪ ،‬كيتعمـ التعامؿ مع الناس خارج إطار العائمة أك األسرة‪ ،‬كمف ثمة االندماج مف‬
‫خبلؿ تعمـ احتراـ المعايير‪ ،‬كالقكاعد االجتماعية المنظمة لمحياة االجتماعية كالسابقة عميو‪ .‬أما أماكف مثؿ‬
‫ىذا النكع مف التنشئة فمتعددة مف مثؿ‪ :‬الجيراف‪ ،‬جماعات األصدقاء‪ ،‬الجماعات المحمية‪ ،‬الييئات الدينية‪،‬‬
‫الرياضة‪ ،‬الثقافية‪...‬إلخ‪ ،‬حيث يتعمـ الفرد في ىذا النكع مف التنشئة‪ ،‬كيؼ يندمج‪ ،‬كضركرة االندماج مع‬
‫الشعكر باإلكراه بيذه الضركرة لبلندماج‪ ،‬لكنو مع ذلؾ يعيش الفرد نكعان مف االستقبللية‪ ،‬كىي تسمح لو ببناء‬
‫شبكات االنتماء الخاصة بو‪ ،‬كالتي يمكنو كعبرىا تأكيد شخصيتو المستقمة عف اآلخريف‪ .‬ففي ىذا النمط مف‬
‫الركابط االجتماعية كمقارنة عمى سبيؿ المثاؿ برابطة الدـ أك النسب‪ ،‬يتكفر الفرد عمى فضاء لبلستقبللية‬
‫الذاتية‪ ،‬التي تسمح لو بأف يتحالؼ ك‪ /‬أك أف يعارض‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -3‬رابط المشاركة العضوية‪ :‬يتعمؽ األمر ىنا أيضا بالتنشئة االجتماعية خارج األسرة‪ ،‬كىك يتميز عف رابط‬
‫المشاركة االنتقائية‪ ،‬ككف الفرد في ىذا النمط مف الرابط االجتماعي يتعمـ ممارسة كظيفة معينة أك عمؿ ما‬
‫داخؿ تنظيمات العمؿ بصكرة عامة‪.‬‬
‫كفي ىذا الخصكص يعتقد "دكركايـ" أف ما يخمؽ الرابط االجتماعي في المجتمعات الحديثة ىك التضامف‬
‫العضكم الذم يعبر قبؿ كؿ شيء تكاممية الكظائؼ‪ .‬كىي التي تمنح األفراد ميما كاف اختبلفيـ عف بعضيـ‬
‫البعض مكانة اجتماعية محددة‪ ،‬كيحتمؿ منيا أنيا ستقدـ لكؿ فرد مف األفراد الحماية األكلية كالشعكر بأىمية‬
‫الذات‪ ،‬كبكجو عاـ فإف ىذا النمط مف الركابط االجتماعية يبنى في إطار المدرسة كيمتد إلى عالـ الشغؿ‪.‬‬
‫‪ -4‬رابط المواطنة‪ :‬كيرتكز ىذا الرابط عمى مبدأ االنتماء إلى أمة معينة‪ ،‬ىاتو األمة التي يفترض فييا مف‬
‫حيث المبدأ أنيا تعترؼ ألعضائيا بالحقكؽ كالكاجبات‪ ،‬كتجعؿ منيـ مكاطنيف كاممي السيادة في المجتمعات‬
‫الديمقراطية‪ .‬مكاطنكف متساككف أماـ القانكف‪ ،‬كىك ما يعني بأف عمى الدكلة بذؿ الجيد الضركرم كي يتـ‬
‫التعامؿ مع المكاطنيف بطريقة متساكية‪ ،‬بحيث يشكمكف إلى جانب بعضيـ البعض جسدان‪ ،‬ىكية‪ ،‬كقيما‬
‫مشتركة‪ .‬كليذا فإف رابط المكاطنة كعمى نحك معيف يعد أعمى مف الركابط األخرل‪ ،‬بما أنو يفترض فيو بأنو‬
‫يسمك فكؽ النزاعات‪ ،‬كفكؽ الص ارعات‪ ،‬كالعبلقات العدائية‪ .‬فالمكاطف في المجتمعات الديمقراطية يتمتع أيضا‬
‫بالحقكؽ االقتصادية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬أم بمعنى أف رابط المكاطنة يتسع ليضمف لؤلفراد حماية أكبر في مكاجية‬
‫المشكبلت الحياتية‪.‬‬
‫إف ىذه األنماط األربعة (‪ )04‬مف الركابط االجتماعية‪ ،‬عمى اختبلفيا‪ ،‬كتمايزىا‪ ،‬في الكاقع متكاممة كمتقاطعة‬
‫فيما بينيا‪ .‬كىي في مجمكعيا تشكؿ النسيج الذم يضـ الفرد‪ .‬فيك عندما يمتقي باآلخريف‪ ،‬يمكف أف يقدـ‬
‫نفسو ليـ أك يعرؼ بيكيتو بالرجكع إلى جنسيتو (رابط المكاطنة)‪ ،‬إلى كظيفتو‪ ،‬أك عممو (رابط المشاركة‬
‫العضكية) إلى جماعات االنتماء (رابط المشاركة االنتقائية)‪ ،‬كالى أصكلو (رابط النسب)‪ .‬حيث تسمح التنشئة‬
‫االجتماعية لكؿ فرد داخؿ المجتمع‪ ،‬انطبلقا مما تمنحو لو المؤسسات‪ ،‬كالييئات االجتماعية المختمفة بأف‬
‫ينسج الخيكط أك الركابط االجتماعية‪ ،‬كبالتالي انتماءاتو المتعددة لمجماعات المختمفة في المجتمع‪ ،‬كالتي‬
‫تضمف لو الرفاىية‪ ،‬الحماية‪ ،‬األمف‪ ،‬كاالعتراؼ االجتماعي‪.‬‬
‫لكف كمع ذلؾ فإف ىذا النسيج الذم يخمقو الفرد بفضؿ ىذه الركابط المتعددة‪ ،‬ليس متشابيا‪ ،‬أك ليس نفسو‬

‫عند كؿ فرد‪ .‬ففي بعض األحياف تككف بعض خيكط ىذا النسيج االجتماعي‪ ،‬كالحمقات االجتماعية ىشة جدان‬
‫في حيف أخرل تككف بعض الخيكط في أحياف أقكل مف خيكط أخرل‪ ،‬بحيث يمكف أف يفقد ىذا النسيج‬
‫االجتماعي‪ ،‬كتحت كطأة المشكبلت‪ ،‬كاألزمات االجتماعية‪ ،‬شيئا فشيئا مف صبلبتو‪ ،‬كقكتو‪ .‬كالحؽ أف ىناؾ‬

‫‪18‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫دائما خطر القطيعة الذم يتيدد ىذا النسيج‪ ،‬كلذلؾ قد نعثر عمى حاالت تقطعت‪ ،‬أك قد تتقطع فييا خيكط‬
‫ىذا النسيج االجتماعي‪http://ses.ens-lyon.fr/articles/serge-paugam-comment-penser-le-lien-.‬‬

‫‪social-et-la-solidarite-151169‬‬

‫‪. II‬الرابط االجتماعي في الفكر السوسيولوجي الكالسيكي ‪:‬‬


‫‪ .1‬الرابط االجتماعي عند "فيرديناد تونيز" ‪.)1936-1855( F. Tönnies‬‬

‫كلد "فرديناند تكنيز" في "شمزفيج" " "‪ "Schleswig‬كىي أقصى مقاطعة في شماؿ ألمانيا حيث أمضى حياتو‬
‫األكاديمية في جامعة "كيؿ" " ‪ "Kiel‬التي تقع في المقاطعة ذاتيا‪ .‬مف أىـ مؤلفاتو كتابو " الجماعة المحمية‬
‫كالمجتمع" الذم صدر اكؿ مرة سنة ‪ ،1887‬كالذم أعيدت طباعتو بعد لؾ ست (‪ )06‬مرات‪ .‬كىك الكتاب‬
‫الذم يعد أحد اىـ الكتب في دراسة النظرية السكسيكلكجية‪ ،‬كما أنو يتضمف المساىمات الرئيسية لػ " تكنيز"‬
‫في مجاؿ عمـ االجتماع‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983،‬ص‪)154‬‬
‫لـ تأت أطركحة "إميؿ دكركايـ" عف "تقسيـ العمؿ" كالتي ناقشيا بتاريخ ‪ 3‬مارس ‪ 1893‬بكمية اآلداب بجامعة‬
‫بكردك بفرنسا التي يمكف اعتبارىا مقدمة لتناكؿ الرابط االجتماعي‪ ،‬كالتي تنتمي لمتراث المفاىيمي في العمكـ‬
‫االجتماعية‪ ،‬بؿ كتدرس تحت ىذا البند في كميات عمـ االجتماع في العالـ كمو‪ ،‬حيث لـ تتكقؼ البحكث‬
‫االجتماعية منذ ما يزيد عف قرف عف العكدة في كؿ مرة إلى فكرة التضامف اآللي‪ ،‬كالتضامف العضكم‪ .‬إذ‬
‫كمف خبلؿ التحكالت التي عرفيا مفيكـ التضامف‪ ،‬حاكؿ دكركايـ بذات الكقت تحميؿ صيركرة عممية التمايز‬
‫كالتماسؾ بيف األفراد داخؿ المجتمعات الحديثة‪ ،‬إال بعد أف كاف قد اطمع عمى كتاب "تكنيز" الذم كاف قد‬
‫نشر بعنكاف "الجماعة المحمية كالمجتمع" "‪"Gemeinschaft And Gesellschaft‬‬
‫‪ .1.1‬االستقاللية والتبعية‪:‬‬
‫في بداية أطركحتو قاـ "دكركايـ" بصياغة إشكاليتو عمى النحك التالي‪ ":‬لماذا كمما أصبحنا أكثر استقبللية كمما‬
‫زاد اعتماد الفرد عمى المجتمع؟ بعبارة أخرل ىؿ المجتمع الذم يتشكؿ مف أفراد متمايزيف عف بعضيـ‬
‫البعض أكثر فأكثر ال يزاؿ مجتمعا؟ كاذا كانت اإلجابة بنعـ كيؼ يحدث ذلؾ؟" كفي ذلؾ الحظ" دكركايـ "بأف‬
‫الحركتيف‪ :‬االستقبللية كالتبعية مستمريف عمى نحك متكازم داخؿ المجتمع‪ .‬كقد قاـ بشرح ذلؾ بالقكؿ بحدكث‬
‫تحكؿ في التضامف االجتماعي‪ ،‬بفعؿ التطكر الدائـ‪ ،‬كالمعتبر في عممية تقسيـ العمؿ االجتماعي‪ .‬مما دفع‬
‫بو إلى تقديـ تفسيرات مبنية عمى تحميؿ شركط التغير االجتماعي عمى فترة زمنية طكيمة‪ ،‬أم في االنتقاؿ مف‬
‫المجتمع التقميدم إلى المجتمع الحديث‪ ،‬كبالتالي مف مجتمع يقكـ عمى التضامف اآللي‪ ،‬إلى مجتمع يقكـ عمى‬
‫التضامف العضكم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪-1‬التضامن اآللي‪ :‬يرل "دكركايـ" بأف ىذا المفيكـ يحيمنا إلى المجتمعات التقميدية التي نجد بأف األفراد فييا‬
‫ال يختمفكف عف بعضيـ البعض إال قميبلن‪ ،‬فيـ يتقاسمكف نفس المشاعر‪ ،‬يؤمنكف بنفس المعتقدات‪ ،‬كبذات‬
‫القيـ‪.‬‬
‫‪-2‬التضامن العضوي‪ :‬كىك الشكؿ المقابؿ‪ ،‬أك المضاد لمتضامف اآللي‪ .‬كىك سمة تتميز بيا المجتمعات‬
‫الحديثة‪ ،‬أما ما يخمؽ الرابط االجتماعي في مثؿ ىاتو الحالة‪ ،‬فيي كقبؿ كؿ شيء تمؾ التبعية المتبادلة بيف‬
‫الكظائؼ‪ ،‬ما يعطي األفراد ميما كاف اختبلفيـ عف بعضيـ البعض مكانة اجتماعية محددة‪.‬‬
‫إلى جانب ىذيف المفيكميف استخدـ "دكركايـ" مفيكـ الجزء لئلشارة إلى الجماعة االجتماعية‪ ،‬التي يككف‬
‫األفراد فييا مندمجكف اندماجان كميان‪ .‬كمنو فإف التضامف اآللي يتناسب‪ ،‬أك يتكافؽ مع بنية اجتماعية‪ ،‬تتميز‬
‫بنظاـ مف األجزاء المتجانسة‪ ،‬كالمتشابية فيما بينيا‪.‬‬
‫في حيف أف التضامف العضكم كعمى العكس منو –مف التضامف اآللي ‪ -‬يتشكؿ ليس مف نظاـ مف األجزاء‬
‫المتجانسة‪ ،‬كالمتشابية فيما بينيا‪ ،‬كلكف مف نظاـ مف األجيزة المختمفة‪ ،‬حيث لكؿ جياز مف بيف ىذه األجيزة‬
‫دك انر خاصان‪ ،‬كىي األجيزة التي تتشكؿ بدكرىا مف أجزاء مختمفة (‪ )Paugam. 2008, pp 13,14.‬أم‬
‫كبعبارة أخرل لـ يكف "دكركايـ" الكحيد الذم تناكؿ مكضكع تقسيـ العمؿ‪ ،‬فقبؿ نشره ألطركحتو ىاتو‪ ،‬كاف قد‬
‫اطمع عمى كتاب عالـ االجتماع األلماني " فيرديناند تكنيز" الصادر سنة ‪ 1887‬تحت عنكاف‪ ":‬الجماعة‬
‫المحمية كالمجتمع"‪ ،‬بؿ كاف دكركايـ قد نشر حكلو "قراءة نقدية في مجمة الفمسفة كذلؾ سنة ‪ "1889‬أم سنتيف‬
‫(‪ )02‬بعد نشر الكتاب‪.‬‬
‫كبير في البداية‪ ،‬فكمييما كانا يبحثاف عف‬
‫ا‬ ‫كالحؽ أف التشابو بيف المفكريف أك بيف " تكنيز" ك"دكركايـ" يبدك‬
‫إجابة لذات السؤاؿ‪ ،‬مف خبلؿ محاكلتيما تقديـ تحميؿ بالغ األىمية حكؿ التحكؿ التاريخي لممجتمعات‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫لقد سعى "تكنيز" في كتابو المذككر آنفا إلى إيجاد تفسير لمفردانية المتصاعدة في العبلقات اإلنسانية‪ ،‬مف‬
‫خبلؿ مقابمة مفيكميف أساسيف ىما‪Gesellschaft :‬ك‪ ،Gemeinschaft‬حيث األمر بالنسبة لو يتعمؽ‬
‫بدراسة كفيـ التحكالت الحاصمة في الرابط االجتماعي‪ ،‬كذلؾ مف خبلؿ مقابمتو لجممة حاالت مثؿ المشاعر‬
‫العكاطؼ‪ ،‬التقاليد‪ ،‬كالعادات كالتي تحيمنا مجمكعيا إلى الجماعة المحمية "‪"Gemeinschaft‬مع تمؾ الحاالت‬
‫التي تحيمنا إلييا المجتمع "‪"Gesellschaft‬كالتي تتميز بأنيا ذات طبيعة فردية باألساس‪ ،‬كما بالعبلقات‬
‫التعاقدية غير الشخصية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫فبالنسبة ل ػمجماعات المحمية ‪/‬الجماعة المحمية "‪"Gemeinschaft‬نجد باف الناس ترتبط ببعضيا البعض‬
‫ارتباطا عضكيا بالرغـ مف انفصاليـ عف بعضيـ البعض‪ .‬بينما بالنسبة لػممجتمع ‪ "Gesellschaft‬فنجد بأف‬
‫الناس منفصمكف عضكيا عف بعضيـ البعض‪ ،‬بالرغـ مف كؿ الركابط التي تربط بينيـ‪" .‬إف كؿ ما ىك ثقة‪،‬‬
‫حميمي‪ ،‬كيعيش حصريان ضمف مجمكع يعرؼ عمى أنو الحياة داخؿ الجماعة المحمية"‪ "Gemeinschaft‬كأما‬
‫المجتمع ‪ "Gesellschaft‬فيك ما ىك عمكمي‪ ،‬إنو العالـ‪ ،‬فنحف نتكاجد ضمف جماعة مع األىؿ منذ كالدتنا‬
‫كمرتبطكف بيا في السراء كالضراء‪ ،‬أما المجتمع فندخمو مثمما ندخؿ أرضان غريبة"‪(Paugam,2008, pp .‬‬
‫)‪15,16,17‬‬
‫كمثمما يقكؿ دكركايـ حتى لك أف المفردتيف األلمانيتيف المتيف أستخدميما "تكينز" المجتمع ‪Gesellschaft‬‬
‫كالجماعة ‪ Gemeinschaft‬غير قابمتيف لمترجمة في تكصيفو لنكعيف مف المجتمع‪ ،‬كأنيما ليستا بنمطي‬
‫التضامف اآللي كالتضامف العضكم‪ ،‬إال أنو كمع ذؿ نجد بأف مصطمح ‪ Gemeinschaft‬يقترب مف مفيكـ‬
‫التضامف اآللي‪ ،‬في حيف يقترب مصطمح ‪ Gesellschaft‬مف مفيكـ التضامف العضكم‪.‬‬
‫كالكاقع أف ىذه المقارنة تصبح أكثر تعقيدا عندما نحاكؿ التعمؽ فييا‪ ،‬ذلؾ أف "تكنيز" كاف قد ميز بيف مفيكـ‬
‫اإلرادة العضكية‪ ،‬كاإلرادة المفكر فييا‪.‬‬
‫‪ -1‬االرادة العضوية‪ :‬أك اإلرادة الرئيسية‪ :‬ىي ما يعادؿ أك يكافئ سيككلكجيا جسـ اإلنساف‪ ،‬أك مبدأ كحدة‬
‫الحياة‪ ،‬كىي تمثؿ اتجاىا رئيسيا كغريزيا كعضكيا يكمف كراء النشاط اإلنساني كدافع لو‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلرادة المفكر فييا‪ :‬أك اإلرادة التحكيمية‪ :‬ىي نتاج إلعماؿ الفكر أك منطؽ العقؿ كالتفكير‪ ،‬حيث يككف‬
‫الكاقع الخاص بيا نتاج لمقضية المفكر فييا‪ .‬أك ىي الشكؿ المتعمد كالقصدم لئلرادة‪ ،‬الذم يحدد النشاط‬
‫اإلنساني بالنظر لممستقبؿ‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983،‬ص ص ‪)155 ،145‬‬
‫ىذا كتتمظير اإلرادة العضكية في المذة‪ ،‬العادة‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬كىي تغمؼ التفكير كتحدده‪ ،‬كتشكؿ مصدر كؿ‬
‫محاكلة‪ ،‬أك كؿ عممية خمؽ‪ .‬كفي كممة مختصرة تميز اإلرادة العضكية أك اإلرادة الرئيسية الجماعة المحمية‬
‫‪ Gemeinschaft‬كىي تسيطر عمى حياة القركييف كاصحاؼ الحرؼ‪ ،‬كالعامة مف الناس‪ ،‬في حيف تككف‬
‫اإلرادة المفكر فييا‪ ،‬اك اإلرادة التحكيمية‪ ،‬نتاجا لمتفكير الذم يعمؿ عمى قيادة‪ ،‬كتكجيو القكل الحيكية التي‬
‫تنبع مف اإلرادة العضكية‪ .‬فيي الطابع المميز لنشاط رجاؿ األعماؿ‪ ،‬كالعمماء‪ ،‬كالذيف يمارسكف السمطة‪ ،‬كمف‬
‫ينتمكف إلى الطبقة العميا‪ .‬أم أف ىذا النمط مف اإلرادة يميؿ إلى المجتمع ‪ Gesellschaft‬حيث يكمف دكر‬
‫التفكير في الفصؿ‪ ،‬كالمقابمة بيف األىداؼ كالكسائؿ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كعميو فإف الرأسمالية بالنسبة إلى "تكنيز" نتاج لغياب الحياة الجماعية المشتركة أك حياة الجماعة‪ ،‬كاستبداليا‬
‫بطرؽ تنظيـ جديدة‪ ،‬بالقانكف‪ ،‬كبمبادئ لمحكـ غير تمؾ التي كانت تحكـ الحياة الجماعية المشتركة داخؿ‬
‫الجماعة المحمية‪ .‬ثـ إف تركيب الجماعة المحمية ‪ Gemeinschaft‬يككف عضكيا‪ ،‬في حيف اف تركيب‬
‫المجتمع ‪ Gesellschaft‬يككف آليا‪ ،‬أك ميكانيكيا‪.‬‬
‫نفيـ مف ذلؾ أف "دكركايـ" قد أجرل انقبلبا نًمفيميان يترجـ في الكاقع عدـ اتفاؽ عميؽ مع عالـ االجتماع‬
‫األلماني "تكنيز"‪ ،‬كلكف مع اعتراؼ لعممو بقكة في الطرح أك التفكير‪ ،‬كبقدرة نادرة عمى التركيب‪.‬‬
‫(‪)Paugam,Le Lien Social,P5.‬‬
‫كعميو فإف "فيرديناد تكنيز" يككف قد قاـ في كتابو المعركؼ "الجماعة كالمجتمع" ‪Society And‬‬
‫‪ Community‬بتقسيـ العبلقات االجتماعية إلى نكعيف مختمفيف ككنيما يعتمداف عمى نمكذجيف متباينيف مف‬
‫اإلرادة‪ .‬حيث يتضمف الصنؼ األكؿ اإلرادة الطبيعية أك االرادة العضكية‪ ،‬في حيف يتضمف الصنؼ الثاني‬
‫اإلرادة العقمية أك اإلرادة المفكر فييا‪ .‬كتبعا لذلؾ تتبايف المجتمعات في صنؼ العبلقات‪ ،‬كنمط اإلرادة التي‬
‫تنظميا‪ ،‬حيث نجد نكعيف مف المجتمعات تبعا لصنؼ العبلقات كنمط إلرادة التي تنظميا كعميو‪:‬‬
‫‪ -‬فالنمط األكؿ مف المجتمعات يعتمد عمى العبلقات التي تعكس اإلدارة العقمية كيطمؽ عمى ىذا الصنؼ‬
‫‪ Gesellschaft‬المجتمع (‪.)Société‬‬
‫‪ -‬أما النمط الثاني مف المجتمعات فيعتمد عمى صنؼ العبلقات التي تعكس اإلرادة الطبيعية‪ ،‬كيطمؽ عمييا‬
‫‪ Gemeinschaft‬التي تعني المجتمع المحمي‪ ،‬أك الجماعة المحمية‪.‬‬
‫كمنو فإف المجتمع كفؽ رأم "تكنيز" يتميز بػػ‪:‬‬
‫‪-‬العبلقات التعاقدية النفعية‪.‬‬
‫‪-‬الضبط الرسمي الذم يفرض عمى األفراد مف الخارج‪.‬‬
‫‪-‬الممكية الفردية‪.‬‬
‫في حيف تتميز الجماعة المحمية حسبو بػػ‪:‬‬
‫‪ -‬العبلقات الصميمية كالخصكصية‪.‬‬
‫‪ -‬كجكد العاطفة بيف أعضائيا كالعبلقات داخؿ األسرة‪ ،‬القبيمة‪ ،‬المجتمع الريفي‪.‬‬
‫‪ -‬غياب الصراع‪.‬‬
‫‪ -‬بركز الكعي الجمعي أك النحف‪.‬‬
‫‪ -‬قكاعد الضكابط مطاعة عف رغبة ذات صفة عائمية كركحية تسيطر عمى حياة الجماعة (نابعة مف داخميا)‬

‫‪22‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬الممكية تككف جماعية‪.‬‬
‫أك أف الجماعة المحمية (المجتمع المحمي) تتصؼ بسيادة الركابط الشخصية الكثيقة‪ ،‬أك بالعبلقات القرابية‬
‫كباأللفة‪ ،‬كالعاطفة‪ ،‬كالثبات كبتحديد األدكار‪ .‬بينما يتصؼ المجتمع الحديث بسيادة العبلقات غير الشخصية‬
‫كعبلقات العمؿ التعاقدية‪ ،‬كجكد العقبلنية‪ ،‬كظيكر الفردية‪ .‬ذلؾ أف الجماعة المحمية‪ ،‬اك المجتمع المحمي‬
‫عبارة عف كحدة محدكدة النطاؽ‪ ،‬تخضع لسمطة الديف‪ ،‬كالعادات كالتقاليد‪ ،‬كتسكدىا جممة مف العكاطؼ‬
‫كالمشاركات الجمعية‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص ‪.)155‬‬
‫نفيـ مف ذلؾ أف الرابط االجتماعي داخؿ الجماعة المحمية رابط عاطفي‪ ،‬كفيو تتجاكز المصمحة العامة‬
‫المصمحة الخاصة‪ ،‬فيك رابط قكم‪ ،‬يسمح بقياـ التضامف‪ ،‬كالتعاكف‪ ،‬كاالنسجاـ‪ ،‬داخؿ الجماعة‪ ،‬أك حيث‬
‫يسكد الكعي بالنحف‪ ،‬كيغيب الصراع بيف االفراد‪ .‬بينما الرابط االجتماعي في المجتمع فيقكـ عمى التعاقد‬
‫كالعبلقات غير الشخصية‪ ،‬أم عمى المصمحة الذاتية أك الفردية مما يؤدم إلى دخكؿ األفراد في تنافس‬
‫كصراع فيما بينيـ‪ ،‬فيك رابط يتجاكز المستكل الشخصي لمعبلقات الفردية الخاصة كيستند إلى الحساب‬
‫العقمي‪ ،‬حيث يبحث كؿ فرد عمى تحقيؽ مصمحتو الشخصية التي يمكف اف تككف عمى حساب مصمحة‬
‫اآلخريف داخؿ المجتمع مما يؤدم الى تصاعد ركح الفردانية كاألنانية في المجتمع‪ .‬أك كأف " تكنيز" يحكـ‬
‫عمى الجماعة المحمية بأنيا عنكاف لمجكدة‪ ،‬لمخير‪ ،‬كالفضيمة‪ ،‬في الكقت الذم يعمؿ فيو المجتمع عمى إنتاج‬
‫االنحطاط الخمقي‪ ،‬ذلؾ أف الحسابات تضع حدا لكؿ ما ىك أخبلؽ‪( .‬حمدكش‪ ،2009 ،‬ص ‪ .)76‬مما دفع‬
‫ببعض الكتاب إلى كصؼ أفكاره عف التطكر التاريخي عمى أنيا تمثؿ نظرية تراجعية نككصية‪ .‬إال أف‬
‫"تكنيز" كاف قد دافع عف نفسو بإنكار اتخاذه لمثؿ ىذا المكقؼ‪.‬‬
‫عمكما كأيا كاف األمر‪ ،‬فإف " تكنيز" يككف قد قدـ اسيامو في حقؿ عمـ االجتماع‪ ،‬باقتراحو تصنيؼ‬
‫الجماعات االجتماعية‪ ،‬أك المجتمعات‪ :‬إلى الجماعة المحمية مف جية‪ ،‬كالمجتمع مف جية أخرل‪ ،‬كىك‬
‫التصنيؼ الذم يمكف مماثمتو ببعض الثنائيات التي طكرت الحقا عمى يد كتاب آخريف‪ ،‬مف بينيـ" دكركايـ"‬
‫الذم قابؿ بدكره بيف التضامف اآللي‪ ،‬كالتضامف العضكم في المجتمع‪ .‬كقد استطاع " تكنيز" أف يكشؼ عف‬
‫الفارؽ البنيكم في كعي االنتماء بيف كؿ مف الجماعة المحمية‪ ،‬كالقائـ فييا عمى ركابط القرابة‪ ،‬حيث يعمؿ‬
‫عمى تذكيب األنا كاخضاعيا لسمطة النحف‪ ،‬كالمجتمع الذم يتأسس كيفترض كجكد االرادات الحرة‪ ،‬أك عمى‬
‫أساس التعاقد الطكعي كالحر‪ ،‬ككف أف المجتمع الحديث‪ ،‬مجتمع يقكـ عمى تنظيـ العبلقات‪ ،‬كالتفاعبلت‬
‫االجتماعية بيف مكاطنيف أحرار‪ .‬كىك الطرح الذم سيسير عميو " دكركايـ" الذم قابؿ بدكره بيف نمطيف مف‬
‫المجتمع التقميدم‪ ،‬أك البسيط‪ ،‬أك المجتمع الذم يسكده التضامف اآللي‪ ،‬كالذم يقكـ عمى الركابط الشخصية‬

‫‪23‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الكثيقة‪ ،‬أك عبلقات القرابة‪ ،‬كحيث يككف الضمير الجمعي قكيا‪ ،‬كالمجتمع الحديث‪ ،‬أك المجتمع الذم يسكده‬
‫التضامف العضكم‪ ،‬كالذم يتصؼ بسيادة العبلقات غير الشخصية‪ ،‬كبعبلقات العمؿ التعاقدية كحيث يككف‬
‫الضمير الجمعي ضعيفا بسبب الفردية‪( .‬عماد‪ ،2017 ،‬ص ‪)118‬‬

‫‪ .2‬الرابط االجتماعي عند إميل دوركايم ‪.)1917-1858 (: E. Durkheim‬‬


‫يمثؿ كؿ مف " تكنيز" ك"دكركايـ" مقاربتيف مختمفتيف حكؿ الرابط االجتماعي‪ ،‬ال يمكف فيميما عمى الكجو‬
‫الصحيح إال بكضعيما في سياقاتيما الخاصة‪ ،‬أك األلمانية كالفرنسية في نياية القرف التاسع عشر(ؽ‪.)19‬‬
‫كيبدك أف الطرح الذم تقدـ بو "دكركايـ" حكؿ الرابط االجتماعي‪ ،‬كباألحرل حكؿ تقسيـ العمؿ االجتماعي قد‬
‫كاف محاكلة لمرد عمى طركحات "تكنيز" كالتي كاف قد جاء بيا في كتابو " الجماعة كالمجتمع حيث حاكؿ فيـ‬
‫التطكرات الحاصمة في المجتمعات االكركبية بصكرة عامة كالمجتمع األلماني بكجو خاص‪ ،‬كصياغة نمكذج‬
‫خاص بفيـ أشكاؿ التجمعات اإلنسانية‪ ،‬كمراحؿ التحكؿ مف الجماعة المحمية إلى المجتمع‪.‬‬
‫‪ .1.2‬أسس الرابط االجتماعي عند دوركايم‪:‬‬
‫يتككف كتاب دكركايـ عف تقسيـ العمؿ االجتماعي مف ثبلثة (‪ )03‬أجزاء اك ثبلثة كتب كىي‪:‬‬
‫‪ -‬الجزء األول أو الكتاب األول‪ :‬عرؼ فيو كظيفتو تقسيـ العمؿ‪ ،‬كفيو تمت المقابمة بيف التضامف اآللي‬
‫كالتضامف العضكم‪ ،‬أك ىك الجزء الذم تضمف أىـ المفاىيـ التي جندىا دكركايـ في البرىنة كالتدليؿ‪.‬‬
‫‪ -‬الجزء الثاني أو الكتاب الثاني‪ :‬كفيو درس فيو أسباب كشركط تقسيـ العمؿ االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬الجزء الثالث أو الكتاب الثالث‪ :‬كتساءؿ فيو حكؿ األشكاؿ غير العادية لتقسيـ العمؿ االجتماعي‪.‬‬
‫‪ .2.2‬التكامل بين الناس‪:‬‬
‫سعى "دكركايـ" قبؿ كؿ شيء‪ ،‬كحتى تتسنى لو المقابمة‪ ،‬أك المقارنة بيف كؿ مف التضامف اآللي‪ ،‬كالتضامف‬
‫العضكم‪ ،‬إلى إنجاز مفاىيـ أخرل ذات صمة‪ ،‬كمنيا في المقاـ األكؿ‪ ،‬مفيكـ "الضمير الجمعي" الذم عرفو‬
‫عمى أنو "مجمكع المعتقدات كالعكاطؼ المشتركة لدل أغمب أعضاء ذات المجتمع‪ ،‬حيث يتميز الضمير‬
‫الجمعي بأف لو خصائصو كشركط كجكده كطريقة تطكره مثمو في ذلؾ مثؿ األنماط الفردية‪ ،‬كاف كاف ذلؾ‬
‫بطريقة مختمفة"‪)Paugam .2008, p 24.( .‬‬
‫كىك التعريؼ الذم يسمح بالتمييز بيف المجتمعات التقميدية كالمجتمعات الحديثة‪ ،‬ففي المجتمعات التقميدية‬
‫نجد بأف الضمير الجمعي يغطي الجزء األكبر مف كجكد األفراد بما أف التعبير عف العكاطؼ يتـ بشكؿ‬
‫جماعي‪ ،‬كطالما أف الطقكس التي تميز الحياة االجتماعية محددة بدقة متناىية‪ ،‬كمثميا معاني األفعاؿ‬
‫كالمعتقدات التي تفرض نفسيا عمى الجميع‪ ،‬كحيث يككف الفرد كعمى نحك ما قد امتصتو الجماعة‪ .‬أما في‬

‫‪24‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫المجتمعات الحديثة فيضعؼ الضمير الجمعي‪ ،‬كيتسع ىامش التفسير الفردم لمممنكعات االجتماعية‪ ،‬في‬
‫الكقت الذم يتقمص دكر الرقابة االجتماعية‪ ،‬بحيث تبدك كحدة المجتمع أكثر ىشاشة كضعفان‪.‬‬
‫ىذا كيذىب "دكركايـ" في حديثو عف الضمير الجمعي كتقسيـ العمؿ إلى القكؿ بأف " تقدـ تقسيـ العمؿ يككف‬
‫أكثر تعقيدان كبطءا كمما كاف الضمير الجمعي أكثر حيكية كدقة‪ ،‬كالعكس سيككف التقسيـ االجتماعي لمعمؿ‬
‫أكثر سرعة‪ ،‬أك أقكل كمما تمكف الفرد أف يككف كبسيكلو في انسجاـ أك تناغـ مع كسطو الشخص"‪.‬‬
‫كفي عبارة أخرل فإف ضعؼ الضمير الجمعي ليس فقط بعدا مف أبعاد التضامف العضكم‪ ،‬كلكنو أيضا شرط‬
‫مف شركط تقسيـ العمؿ االجتماعي‪ .‬كىذا األخير لف يككف ممكنا‪ ،‬إال إذا تمكف الفرد مف تدبر شؤكنو‪ ،‬في‬
‫استقبللية تامة عف جماعتو‪ .‬إال أنو كمع ذلؾ يمكف أف يفقد األفراد الذيف يشكمكف المجتمع القدرة عمى التقاط‬
‫معنى تكامميـ‪ ،‬كاالنطكاء بالتالي عمى الذات‪ ،‬كلذلؾ يشدد "دكركايـ" عمى أىمية األخبلؽ البلئكية كييئة‬
‫مكحدة لؤلفراد‪)Paugam2008,p24( .‬‬
‫جدير بالذكر أػف "دكركايـ" لـ يكتؼ بشرح التضامف اآللي‪ ،‬كالتضامف العضكم في المجتمع‪ ،‬فقد ذىب إلى‬
‫أبعد مف ذلؾ‪ ،‬عندما أكد عمى العبلقة القكية بيف التضامف العصكم كالقانكف‪ ،‬أم كمما كانت العبلقات بيف‬
‫أعضاء المجتمع متماسكة‪ ،‬كمما كاف لمتضامف حظكظ أقكل في أف يككف قكيان‪ .‬كما يشير إلى أف " عدد ىذه‬
‫العبلقات يتناسب بالضركرة مع عدد القكاعد القانكنية التي تعمؿ عمى تحديدىا"‪ .‬كىي المعاينة التي دفعتو إلى‬
‫التمييز بيف نكعيف مف القكاعد القانكنية كذلؾ عمى حسب العقكبات التي ترتبط بيا حيث نجد‪:‬‬
‫‪ -‬القانون الردعي‪ :‬كىك القانكف الذم يعاقب عمى األخطاء كالجرائـ‪.‬‬
‫‪ -‬القانون المقيد‪ :‬كىك القانكف الذم ال يتضمف بالضركرة تعذيبا يمحؽ بالشخص المعني بالعقاب‪ ،‬فيك ييتـ‬
‫بإعادة األمكر إلى نصابيا كتنظيـ التعاكف بيف األفراد‪.‬‬
‫حيث نجد بأف القانون الردعي‪ :‬يمس الفرد في شرفو‪ ،‬ثركتو‪ ،‬أك حريتو كيؤدم بالتالي إلى حرمانو مف كؿ أك‬
‫مف جزء مف ممتمكاتو أك مف مباىج الحياة‪ ،‬كاألمر ىنا يتعمؽ إذف بقانكف العقكبات‪ ،‬بينما ييدؼ القانون‬
‫المقيد‪ :‬إلى إعادة العبلقات السابقة عمى الفعؿ المعاقب عميو‪ .‬كبتعبير آخر ييدؼ إلى تحقيؽ السير العادم‬
‫لؤلمكر الحياتية‪ ،‬فيك يحارب االنحراؼ‪ ،‬كىنا يمكف أف يتعمؽ األمر بالقانكف المدني‪ ،‬أك بالقانكف التجارم‪ ،‬أك‬
‫بالقانكف اإلدارم‪ ،‬بؿ كحتى بالقانكف الدستكرم‪.‬‬
‫ىذا كالبد مف اإلشارة ىنا إلى أف القانكف الردعي كاف كنا نجده في كافة المجتمعات‪ ،‬إال أنو مرتبط أكثر‬
‫بالمجتمعات التي يسكدىا التضامف اآللي‪)Paugam, 2008, p 28( .‬‬

‫‪25‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ذلؾ أف ازدياد العقكبات يكشؼ عف قكة الضمير الجمعي كالزامية فرض احتراـ المحرـ أك الممنكع اجتماعيا‪.‬‬
‫بينما يتناسب القانكف المقيد مع مجتمعات التضامف العضكم‪ ،‬الذم يعكس الحاجة إلى التنظيـ القادر عمى‬
‫ضماف تكاجد منسؽ ما بيف أعضاء يختمفكف عف بعضيـ البعض داخؿ المجتمع الكاحد‪ .‬كعميو فالقانكف‬
‫المقيد في جكىره قانكف تعاكني‪ ،‬كىي الصفة التي استعمميا "دكركايـ" في تعريفو ليذا القانكف‪.‬‬
‫كىكذا فإف تقسيـ العمؿ الذم نبلحظو في المجتمعات الحديثة بالنسبة لدكركايـ ليس عائقان أماـ التضامف‪ ،‬بؿ‬
‫عمى العكس فيك يشكؿ أساس ىذا التضامف كأما الميـ في المسألة كاألكثر أىمية بالنسبة لآلثار التي يتركيا‬
‫في المجتمع ليس زيادة اإلنتاج‪ ،‬كتقسيـ الكظائؼ كلكف في جعؿ ىذه الكظائؼ متضامنة فيما بينيا‪ ،‬فاألفراد‬

‫في مثؿ ىاتو الحالة ليسكا مستقميف عف بعضيـ بؿ كىـ مجبركف عمى التشاكر‪ .‬ذلؾ أف تقسيـ العمؿ بعيدان‬
‫عف تقسيـ الناس بؿ كيعمؿ عمى تدعيـ التكامؿ فيما بينيـ بإجبارىـ عمى التعاكف‪ .‬فكؿ كاحد يكسب مف‬
‫خبلؿ عممو الشعكر بككنو ذك أىمية أك ضركرم لحياة المجمكع‪ ،‬فداخؿ عبلقة العمؿ يككف بإمكاف األجير‬
‫تحقيؽ إشباعات‪ ،‬كىذه األخيرة مرتبطة في جانب كبير منيا بالحصكؿ عمى اعتراؼ األجراء اآلخريف لو‬
‫بإسيامو في النشاط اإلنتاجي‪.‬‬
‫ىذا كلـ يكتؼ "دكركايـ" بشرح عممية االنتقاؿ مف التضامف اآللي إلى العضكم بؿ كباشر عممية تحميؿ مكممة‬
‫ىي اليكـ أساسية في فيـ كدراسة الركابط االجتماعية‪ ،‬منيا عمى سبيؿ المثاؿ الجزء الذم اىتـ فيو في دراستو‬
‫بتقييـ حصة التضامف العضكم في تحقيؽ التماسؾ العاـ داخؿ المجتمع‪.‬‬
‫فبعد أف برىف عمى تعدد الركابط االجتماعية كتنكعيا في المجتمعات الحديثة كفؽ قانكف‪ ،‬كباألحرل مبدأ‬
‫التكامؿ كالتعاكف بيف األفراد‪ ،‬تساءؿ حكؿ مدل قكتيا أك كثافتيا‪ ،‬كقد أجاب بالتأكيد عمى أنيا كعمى الرغـ‬
‫مف تعددىا إال أنيا يمكف أف تككف أكثر ىشاشة كضعفان‪ ،‬األطركحة التي نجدىا اليكـ محؿ نقاش كاسع‪،‬‬
‫حيث يؤكد العديد مف عمماء االجتماع عمى الطابع االنتقائي‪ ،‬المرف‪ ،‬غير اإلكراىي‪ ،‬كلكف اليش بذات الكقت‬
‫ليذه الركابط االجتماعية بؿ كقد يميؿ بعضيـ إلى القكؿ بأف المجتمعات التقميدية كانت محمية أكثر أماـ‬
‫القطيعة التي يشيدىا الركابط االجتماعية في مجتمعاتنا الحديثة‪ ،‬كىي الفكرة التي استطاع دكركايـ أف يبرىف‬
‫بشأنيا عمى العكس‪ ،‬مرتكزة عمى عدة أمثمة امبريقية‪ ،‬كي يبرىف عمى أف الرابط االجتماعي في المجتمعات‬
‫القديمة كاف شديد اليشاشة‪ ،‬حيث يجرل البقاء عمى الناس ضد رغبتيـ أك رغما عنيـ‪.‬‬
‫بعبارة أخرل عندما يككف التضامف االجتماعي قائمان عمى اإلكراه أك عمى الكحدة المفكضة سكاء فيما تعمؽ‬
‫بالمعتقدات أك بالممارسات فإف اضطراب التنظيـ االجتماعي لف يتأت مف ذىاب أك قدكـ بعض أعضائو‬
‫طالما أف ىناؾ أمكنة فارغة يمكف احتبلليا‪ ،‬بالمقابؿ كعندما يككف تقسيـ العمؿ ىك المبدأ األساسي لمحياة‬

‫‪26‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫االجتماعية فإف إدماج أعضاء جدد يمكف أف يشكه العبلقات التبادلية القائمة‪ ،‬ما يؤدم إلى أشكاؿ مف‬
‫الرفض االجتماعي‪.‬‬
‫مبلحظة أخيرة يضيفيا دكركايـ كىي احتماؿ كجكد االستثناء فيما يخص القانكف العاـ لمتطكر التدريجي‬
‫لتقسيـ العمؿ االجتماعي إذ مف المحتمؿ أف يستمر داخؿ مجتمع التضامف العضكم أجزاء أك خصائص مف‬
‫التضامف الميكانيكي‪ .‬كىي المبلحظة التي يؤكدىا عمماء االجتماع المعاصركف عندما يقكلكف بكجكد مثؿ ىذا‬
‫التقاطع ما بيف الركابط االجتماعية التقميدية كالركابط االجتماعية الحديثة في المجتمع الحديث‪ ،‬بؿ إف القكؿ‬
‫يضعؼ الضمير الجمعي كالخكؼ عمى تبلشي القيـ االجتماعية السائدة يؤدم في بعض الحاالت إلى ظيكر‬
‫أشكاؿ مف المقاكمة‪ ،‬كأشكاؿ لمتكامؿ المعمـ عمى شكؿ تجمع محمي‪ ،‬أك عمى شكؿ تجمع لتجمعات‬
‫محمية‪.)(Paugam, 2008, pp 29-32.‬أك ما أشار إليو "ر‪.‬د‪ .‬بكتناـ" "‪ "R.D. Putnam‬بضركرة‬
‫التمييز عند تحميؿ الرابط االجتماعي بيف كظيفة كؿ مف‪ bonding:‬أك البقاء فيما بيننا‪ ،‬أك ‪rester entre‬‬
‫‪ soit‬ك‪ bridging‬أك مد الجسكر‪ ،‬كالتجسير‪ ،‬أك ‪.faire le pont‬‬
‫كجممة القكؿ ىك أف األعماؿ العممية الحديثة‪ ،‬ال تمغي اجتيادات "دكركايـ" في مجاؿ السكسيكلكجيا‪ ،‬كدراسة‬
‫المجتمعات كتطكر تقسيـ العمؿ‪ ،‬كالعبلقات كالركابط االجتماعية فييا‪ ،‬بؿ كتؤكد عمى تعقيد المجتمعات‬
‫الحديثة‪ .‬إال أف "دكركايـ" ال يجد نفسو مثبل في تناكؿ "أدـ سميث" لمرابط االجتماعي‪ ،‬فيك يرل بأف أساس‬
‫الرابط االجتماعي تجارم‪ ،‬كال في تصكر "ركسك" الذم يعتقد في العقد االجتماعي المؤسس سياسيا‪ ،‬كبالتالي‬
‫في الرابط االجتماعي المؤسس سياسيا‪ ،‬فالرابط االجتماعي عند " دكركايـ" قبؿ كؿ شيء رابطن أخبلقي‪ ،‬حيث‬
‫تعبر األخبلؽ عف القكاعد السابقة عمى العبلقات بيف األفراد الذيف يشكمكف المجتمع‪ ،‬كما تنص عمى الركابط‬
‫األساسية لمتضامف االجتماعي‪.‬‬
‫كفي عبارة أخرل فإف األخبلؽ عند "دكركايـ" ىي كؿ ما يفرض عمى األفراد القبكؿ بالتبعية المتبادلة‬
‫بالتعاكف‪ ،‬كاالشتراؾ مع اآلخريف كالمثؿ‪ ،‬كالكاجبات‪...‬الخ عمما بأف ىذه األخبلؽ تتطكر‪ ،‬كبالتالي فيي تحكر‬
‫في طبيعة الرابط االجتماعي‪ ،‬كمنو فاالنتقاؿ مف المجتمعات التقميدية إلى المجتمعات الحديثة‪ ،‬ال يقضي‬
‫عمى الرابط االجتماعي‪ ،‬ككؿ ما يحدث ىك أف طبيعة ىذا الرابط االجتماعي ىي مف تتطكر‪ ،‬كتتغير‪.‬‬
‫‪)https://www.editions-ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf.‬‬

‫( ‪Consulté le 08/12/2018 à 12 :40.‬‬

‫‪27‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪.3‬الرابط االجتماعي عند كارل ماركس ‪.)1883-1818(:K. Marx‬‬


‫كلد "ماركس" في ‪ 5‬مام ‪ 1818‬بمدينة تريؼ بألمانيا كتكفي بمندف في ‪ .1883‬بعد تخرج "ماركس" مف‬
‫المدرسة الثانكية التحؽ بالجامعة في بكف‪ ،‬ثـ في برليف حيث سجؿ بكمية الحقكؽ حيث تمقى دركسا في فمسفة‬
‫القانكف كالتاريخ كالفمسفة العامة‪ .‬كفي عاـ ‪ 1841‬اتـ دراستو فييا بالحصكؿ عمى درجة الدكتكراه في الفمسفة‪.‬‬
‫بنى ماركس أفكاره عمى رفض مزدكج‪ :‬األكؿ كىك تفسير التحكالت االجتماعية بكاسطة األفكار‪ ،‬كالثاني أف‬
‫الدكلة ىي الضامف لممصمحة العامة‪ ،‬حيث جعؿ مف االقتصاد القاعدة التي تعتمد عمييا الدكلة كمثميا‬
‫األفكار‪(Montoussé, et autre,2002, p 26).‬‬
‫تأثر ماركس في كتاباتو بالفمسفة المنطقية لييجؿ‪ ،‬كبالفبلسفة االنجميز الكبلسيكييف‪ .‬كقد أقر فييا بأف التاريخ‬
‫ال يمكف أف ينشأ بمعزؿ عف إرادة األفراد أك المجتمعات‪ .‬كأما الصكر االجتماعية فتتطكر تبعا لقكانيف معينة‬
‫يسمح الكقكؼ عمييا بتممس ىذا التطكر‪ ،‬كالتكيف بالمستقبؿ‪ ،‬حيث التاريخ اإلنساني يقكؿ "ماركس" كالى غاية‬
‫يكمنا ىذا ق تاريخ لمصراع بيف الطبقات االجتماعية‪ .‬ىذا في حيف تقترب ركحو الفكرية مف ركح الفمسفة‬
‫الكضعية‪ .‬لذلؾ يكصي باالبتعاد مثمو مثؿ "اكغست ككنت" باالبتعاد عف إثارة القضايا الميتافيزيقية‪ ،‬كاالىتماـ‬
‫بدراسة الظكاىر االجتماعية‪ .‬كذلؾ باعتماد المنيج الجدلي التاريخي‪ ،‬حيث اف جدلية ماركس لـ تعد كما‬
‫كانت عند ىيجؿ نكعا مف المجادلة المفظية كلكف نكعا مف التحميؿ الكضعي لمقكل كخاصة في مكاجية‬
‫األفعاؿ المتبادلة‪( .‬بكتكؿ‪ ،2021 ،‬ص ص ‪)86،85‬‬
‫ىذا كبالرغـ مف أف "كارؿ ماركس" لـ يكف سكسيكلكجيا‪ ،‬إال اف بعض كتاباتو أك كجيات نظره كمبادئو‬
‫كالقضايا التي عالجيا تعد سكسيكلكجية بالمعنى الحديث‪ .‬كفي ىذا يرل ماركس باف المادية التاريخية أساس‬
‫عمـ االجتماع‪ ،‬كحيث العامؿ االقتصادم ىك المحدد األساسي لبناء المجتمع كتطكره‪ ،‬كمنو فيك يحدد التنظيـ‬
‫االجتماعي لئلنتاج‪ ،‬الذم يعني العبلقات التي ينبغي أف يدخؿ فييا الناس‪ ،‬ىذه العبلقات التي تنمك برأم‬
‫ماركس مستقمة عف اإلرادة اإلنسانية‪ .‬ثـ إف البناء االقتصادم أك البناء التحتي يحدد البناء الفكقي لممجتمع‬
‫كيشكمو‪ ،‬أم أنو يشكؿ التنظيـ السياسي‪ ،‬كالقانكني‪ ،‬كالديف‪ ،‬كالفمسفة‪ ،‬كاألدب‪ ،‬كالعمـ‪ ،‬كاألخبلؽ ذاتيا‪.‬‬
‫(تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص ‪)85‬‬
‫كعمكما فإف العمؿ المنظـ اجتماعان بالنسبة لػ "ماركس" ىك األسمكب الخاص الذم يعتمده األفراد إلعادة‬
‫إلنتاج كاعادة إنتاج كجكدىـ‪ .‬كأما تحت مسمى "اإلنتاج" فيجب أال يفيـ منو تمؾ األنشطة األدائية لمفرد‬
‫المنعزؿ‪ ،‬كلكف ذلؾ التعاكف االجتماعي لمكثير مف األفراد المختمفيف‪ ،‬كىنا يككف أساس الرابط االجتماعي‪ ،‬في‬
‫األساس اربطا اقتصاديان‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫إذف يربط ماركس بيف العمؿ كالرابط االجتماعي‪ ،‬كلذلؾ فمف األىمية بمكاف التمييز بيف مفيكميف مختمييف‬
‫لمعمؿ ىما‪:‬‬
‫‪-‬العمل بوصفو نشاط بدني ‪ :‬كىك نشاط يتناسب مع النشاط البيكلكجي لجسـ اإلنساف حيث ينمك التمقائي‬
‫لمجسـ‪.‬‬
‫‪ -‬العمل بوصفو إنجاز أو تحقيق لمذات‪ :‬كىك النشاط الذم يدخؿ مف خبللو اإلنساف في عبلقة مع الخارج‬
‫أم مع الطبيعة التي يتصارع معيا مف أجؿ خمؽ ما ىك إنساني‪ ،‬كمع اآلخريف‪ ،‬أك مع غيره مف الناس‬
‫الذيف يقكـ معيـ‪ ،‬كمف أجميـ بيذا العمؿ أك ىذه الميمة‪ ،‬لنككف بذلؾ أك في مثؿ ىاتو الحالة عمى حد‬
‫تعبير "ىيجؿ" أماـ العمؿ المحرر كالعامؿ المح َّرر‪.‬‬
‫إف الحديث عف الرابط االجتماعي بكاسطة العمؿ ليس معناه اختزاؿ التفاعبلت االجتماعية في المجتمع‪ ،‬في‬
‫مجرد جممة مف الركابط إلنتاج السمع‪ ،‬أك الخدمات‪ ،‬كتبادليا داخؿ الحقؿ االقتصادم‪ .‬فجماعة مف الناس‬
‫تنسج أثناء عممية اإلنتاج عبلقات رمزية‪ ،‬دينية‪ ،‬أخبلقية‪ ،‬بؿ كحتى عبلقات جمالية‪ ،‬كىي تشكؿ فيما بينيا‬
‫اك في مجمكعيا نسيجا أك شبكة لمعالـ المعاش‪ ،‬كالخاص بأعضاء ىذه الجماعة مف الناس‪ ،‬كلكف مف دكف‬
‫أف نغفؿ بطبيعة الحاؿ عف الرابط السياسي الذم يجعؿ مف ىؤالء الناس أيضا مكاطنيف تابعيف‪ ،‬أك رعية‬
‫ضمف جياز منظـ لمسمطة داخؿ المجتمع‪.‬‬
‫إف التطكر التاريخي الحاصؿ في حياة البشر كالمجتمعات قد جعؿ مف العمؿ سمعة تباع كتشترل عمى حد‬
‫قكؿ ماركس‪ .‬بؿ كأصبح بيع قكة العمؿ قاعدة العبلقة الطبيعية في المجتمعات الرأسمالية‪ ،‬أك الطبقية عمى‬
‫العمكـ‪ ،‬حيث يأخذ العمؿ شكؿ السمعة‪ ،‬كحيث تحمؿ قكة العمؿ طابعان مزدكجان‪ ،‬إذ يتـ صرفيا في أنشطة‬
‫مممكسة ضمف سياقات لمتعاكف مف جية‪ ،‬كمف جية أخرل باعتبارىا خدمة مجردة‪ ،‬لسيركرة عمؿ منظـ‬
‫تحديدا بيدؼ الحصكؿ عمى فائدة‪ ،‬أك عمى منفعة‪ .‬لكف كبما أف قكة العمؿ ىاتو مرتبطة بفرد تابع‪ ،‬فإنو ال‬
‫يمكف فصميا عف صاحبيا أك عف مالكيا‪ ،‬كبالتالي فمف الكىـ التفكير في أنيا يمكف أف تككف سمعة عادية‬
‫مثميا مثؿ بقية السمع التي تباع كتشترل في السكؽ‪ .‬زد عمى ذلؾ أف عبلقة العمؿ في المجتمع الطبقي‪ ،‬بما‬
‫فييا المجتمع الرأسمالي تتحكؿ إلى عبلقة ىيمنة مف ناحية‪ ،‬كعبلقة تبعية مف ناحية أخرل‪.‬‬

‫بعبارة أخرل إذا كانت الكضعية ترل بأف النظاـ االجتماعي القائـ يتأكد بكاممو‪ ،‬إف ىك امتمؾ اتفاقان قيميان‬
‫كاضحان‪ ،‬يضـ أجراءه في كؿ متماسؾ‪ ،‬حيث تمعب الركابط االجتماعية عمى تعددىا‪ ،‬كتنكعيا دك انر محكريان في‬
‫تحقيؽ‪ ،‬كالحفاظ عمى االنسجاـ‪ ،‬كالتماسؾ االجتماعي‪ ،‬كمف ثـ ترسيخ نطاؽ الضبط االجتماعي مف خبلؿ‬
‫الضبط‪ ،‬كالسيطرة‪ ،‬فإف ماركس يرل بأف التناقض‪ ،‬كالصراع في المجتمع‪ ،‬ىما الطريؽ الفعمي إلى تحقيؽ‬

‫‪29‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫االنسجاـ كالتكامؿ بالنسبة لمنسؽ‪ .‬فالنسؽ ىنا ليس سكل نضاؿ سياسي متناقض بيف الجماعات االجتماعية‬
‫ذات األىداؼ كالنظرة المتناقضة لمعالـ‪.‬‬
‫أم أف " كارؿ ماركس" عمى عكس الكضعييف كالمنظريف الكبلسيكييف ال يرل في تقسـ العمؿ عمى أنو تبادؿ‬
‫لممنافع بيف األفراد داخؿ المجتمع ككنو يدرؾ تقسيـ العمؿ مف الداخؿ‪ ،‬أك مف خبلؿ تحميؿ البناء الداخمي‬
‫لمكحدة األساسية لمنسؽ‪ ،‬حيث يدرؾ أف ىناؾ صراع داخمي لممصالح داخؿ الكحدة األساسية لمنسؽ‪ ،‬كىك‬
‫الصراع الذم يمتد إلى خارجيا‪ ،‬أم إلى النسؽ االجتماعي ليصبح صراعا طبقيا يشتمؿ عمى عدد مف‬
‫عبلقات القكة بيف الطبقات االجتماعية المتصارعة‪ .‬كضمف ىذا المسعى رفض ماركس كجية نظر أصحاب‬
‫النفعية االقتصادية الذ يف أركا بأنانية الفرد كحالة مبدئية تسبؽ النسؽ الكمي أك النظاـ االجتماعي‪ ،‬مؤكدا عمى‬
‫اف البشر أصبحكا فردييف مف خبلؿ عممية لمتاريخ‪ ،‬أدت لظيكر المجتمع الطبقي‪( .‬ليمة‪ ،1983 ،‬ص‬
‫ص‪.)298،297 ،296‬‬
‫‪ .1‬الطبقات االجتماعية األساسية وغير األساسية‪:‬‬
‫يتحدث "كارؿ ماركس" عف الطبقات األساسية ليصؼ تمؾ الطبقات التي تتكاجد في قمب الصراع بيف عبلقات‬
‫اإلنتاج كالتي يعطييا اىتمامان خاصان مثؿ (األسياد‪/‬العبيد‪/‬البرجكازية‪/‬البركليتارية في نظاـ اإلنتاج ال أرسمالي)‪.‬‬
‫إال أنو عندما يتبنى مقارنة أكثر تاريخية كأكثر سياسية لممجتمعات نبلحظ بأف تحميمو يصبح أكثر تعقيدان مما‬
‫قد يبدك أك نقرأه في بياف الحزب الشيكعي‪ ،‬حيث يصؼ عالمان ذا ثنائية قطبية يتشكؿ مف طبقتيف متناقضتيف‬
‫كمتصارعتيف ىما الطبقة البرجكازية كالطبقة البركليتارية‪.‬‬
‫كبالفعؿ يسعى "ماركس" إلى فيـ الرابط االجتماعي القكم نكعان ما‪ ،‬القائـ ضمف كؿ جماعة اجتماعية‪ ،‬كىك‬
‫ما أدل بو إلى التعرؼ عمى مجمكعات اجتماعية أخرل مثؿ الطبقات غير األساسية حيث نجد‪:‬‬
‫‪ -‬الفالحين الصغار‪ :‬كيعدىـ "جميك انر" أكثر مف ككنيـ طبقة‪ ،‬فيـ يعيشكف منعزليف عف بعضيـ غير قادريف‬
‫عمى تشكيؿ تصكر‪ ،‬أك رؤية خاصة بيـ حكؿ المجتمع‪ ،‬كىـ كفئة اجتماعية يخنقيـ الريع العقارم كيحتاجكف‬
‫إلى منقذ خارجي يساعدىـ عمى التحرر مف سيطرة األرستقراطية العقارية‪ .‬كالكاقع أنو ال يكجد بيف الفبلحيف‬
‫الصغار سكل رابط محمي‪ ،‬كتشابو مصالحيـ ال يجعؿ منيـ بالضركرة جماعة متحدة‪ ،‬كما ال يخمؽ بينيـ أم‬
‫رابط كطني‪ ،‬كال حتى أم تنظيـ حزبي‪ ،‬أك سياسي‪.‬‬
‫‪ -‬البورجوازية الصغيرة‪ :‬كتتشكؿ مف الحرفيف الصغار‪ ،‬كمف التجار الصغار‪ ،‬ىؤالء الذيف تشكؿ الديكف‬
‫كالضرائب تيديدان ليـ مما يدفعيـ إلى البحث عف نصير أك حميؼ ليـ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬الموظفون‪ :‬كىؤالء مف مصمحتيـ تطكر الدكلة كالضرائب‪ ،‬ال ييتمكف سكل بسيرتيـ كتطكرىـ الميني‬
‫كيعارضكف كؿ مف يعيشكف مف نشاطيـ الخاص‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقة العاممة‪ :‬كىي الطبقة القادرة عمى كعي ثكرم‪ ،‬إال أف عماؿ صناعات المككس يختمفكف جدا عف‬
‫بركليتاريا الصناعات‪ ،‬أك عف العماؿ الحرفييف في األرياؼ‪.‬‬
‫‪ -‬البرجوازية‪ :‬كىي ذاتيا منقسمة إلى ثبلث فئات متنافسة‪ :‬برجكازية صناعية‪ ،‬كبرجكازية تجارية ال يمكف‬
‫أف تصؿ إلى السمطة إال إذا تطكرت الببلد‪ ،‬كتحكلت مف برجكازية تجارية إلى برجكازية صناعية‪ ،‬ثـ برجكازية‬
‫مالية‪ :‬مف مصمحتيا االستدانة مف الدكلة التي تسمح ليا بالعيش مف ريكعيا التي تحصؿ عمييا مف‬
‫المضاربة‪.‬‬
‫‪ -‬البرجوازية العقارية‪ :‬كىي البرجكازية المييمنة في األرياؼ كتستغؿ الفبلحيف‪( .‬ليمة‪ ،1983 ،‬ص ‪)298‬‬
‫نفيـ مما تقدـ أف الرابط االجتماعي ليس معطى طبيعي‪ ،‬أك ليس مجرد عممية لقسيـ العمؿ االجتماعي مثمما‬
‫ذىب إليو "دكركايـ"‪ .‬بمعنى أف الرابط االجتماعي مكضكع اختبلؼ حكؿ ما يمكف نعتو بالعالـ المشترؾ الذم‬
‫ىك محؿ خبلؼ بيف األطراؼ‪ ،‬الطبقات‪ ،‬الجماعات‪ ،‬كالفئات االجتماعية المختمفة‪ ،‬المتباينة كالمتناقضة‬
‫المصالح‪ ،‬كالرؤل‪ ،‬كالتكجيات‪ .‬ككمثاؿ حي عمى ىذا االنقساـ الحاصؿ داخؿ المجتمع‪ ،‬يمكف أف ننظر عمى‬
‫إلى تاريخ بعض الحركات االجتماعية‪ ،‬التي تباينت مكاقفيا في فترات تاريخية مختمفة‪ ،‬بالرغـ مما يجمع فيما‬
‫بينيا كمنيا عمى سبيؿ الحصر‪ :‬الحركات العمالية‪ ،‬الحركات التحررية‪ ،‬كالحركة النسكية‪ ،‬بؿ كيمكف أف‬
‫نصيؼ إلييـ مؤخ انر فئة البطاليف‪ ،‬كالميمشيف عمكمان‪ ،‬ىؤالء الذيف يمكف َّ‬
‫عدىـ ضمف نتاج ال تساكؽ‪ ،‬أكال‬
‫تماثؿ اجتماعي‪ ،‬كفيو يحقؽ بعض األشخاص مصمحتيـ عمى حساب أشخاص آخريف‪ ،‬أك حيث تكجد تقكـ‬
‫العبلقة بيف شقاء الفقراء‪ ،‬كأنانية األغنياء‪.‬‬
‫إف تقسيـ العمؿ االجتماعي كعمى ىذا النحك‪ ،‬كعمى خبلؼ ما ذىب إليو "دكركايـ" عمى أنو تبادؿ بيف األفراد‬
‫كتحقؽ التكامؿ بينيـ‪ ،‬يصبح صراعان بيف المصالح‪ .‬لذلؾ يقكؿ "ماركس" مف المغك أف ندرؾ المجتمع البشرم‬
‫كما لك أنو كجد أصبلن في ظركؼ تتميز بانعزاؿ األفراد‪ ،‬ففي التاريخ اجتمع الناس كي يشكمكا مجتمعا مف‬
‫خبلؿ شكؿ مف أشكاؿ االتفاؽ التعاقدم‪ .‬حيث كؿ أنكاع نظـ اإلنتاج تنتج مجمكعة محددة مف العبلقات‬
‫االجتماعية الكائنة بيف األفراد المشتركيف في العممية اإلنتاجية‪ .‬فاألفراد ببساطة ال ينتجكف كأفراد‪ ،‬كانما‬
‫كأعضاء في شكؿ مجتمع َّ‬
‫محدد‪ ،‬كىـ ينتجكف عف طريؽ التعاكف بأسمكب معيف كمف أجؿ أف ينتجكا يدخمكف‬
‫في عبلقات كاتصاالت َّ‬
‫محددة كؿ باآلخر‪( .‬ليمة‪ ،1983 ،‬صص‪)300 ،299‬‬

‫‪31‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫لذلؾ ف إف تقسيـ العمؿ مف كجية النظر الماركسية ليس مجرد تكزيع لمكظائؼ التعاكنية‪ ،‬كلكنو عمى العكس‬
‫مف ذلؾ‪ ،‬فيك يعبر عف نسؽ مف البلمساكاة البنائية‪ ،‬فيذه الكظائؼ يؤدييا الناس كقد انتظمكا في ترتيب‬
‫طبقي محدد تتبايف فيو درجات القكة‪ ،‬كالثركة‪ ،‬كالقكة‪ ،‬كالييبة االجتماعية‪ .‬فكراء إنتاج كؿ سمعة في النظاـ‬
‫الرأسمالي تختفي مجمكعة مف العبلقات االجتماعية مثؿ تقسيـ العمؿ‪ ،‬االستغبلؿ‪ ،‬كالصراع الطبقي‪( .‬محمد‬
‫عمي‪ ،1985 ،‬ص ‪.)191‬‬

‫‪ .4‬الرابط االجتماعي عند ماكس فيبر‪)1920-1864(:M. Weber‬‬


‫كلد "ماكس فيبر" بمدينة " ايرفكرت" بألمانيا سنة ‪ 1864‬كتكفي بميكنيخ سنة ‪.1920‬ىك مف أسرة ميسكرة‬
‫الحاؿ‪ ،‬درس االقتصاد كالقانكف‪ ،‬كعيف سنة ‪ 1893‬أستاذا لبلقتصاد بجامعة فرايبكرغ‪ ،‬ثـ انتقؿ إلى كظيفة‬
‫مماثمة بيايدلبرغ سنة ‪ .1900‬أصيب الحقا بانييار عصبي كلـ يعد إلى نشاطو التدريسي إال سنة ‪1918‬‬
‫عندما سافر إلى فيينا ثـ إلى ميكنيخ بعد ذلؾ‪ .‬لـ يكف فيبر كسكال ففي سنة ‪ 1904‬سافر أيضا إلى الكاليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬كأطمع عمى األبحاث التي كانت تجرل ىناؾ‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص ص ‪)252،253‬‬
‫كتب " فيبر" عددان كبي ار مف الدراسات‪ ،‬كالمقاالت نشرىا في مجمة أرشيؼ العمكـ الجتماعية كالسياسية‪ .‬كما‬
‫عمؿ بنشاط كحيكية في المجاؿ السياسي‪ ،‬أما آ ارؤه السياسية فكانت ليبرالية التكجو أك الطابع‪.‬‬
‫لقد كاف "فيبر" يتمتع بقدرات تحميمية ىائمة‪ ،‬مكنتو مف تقديـ إسيامات جميمة لمنظرية في عمـ االجتماع‪ ،‬كقد‬
‫تكفي قبؿ أف يتـ مؤلفو األساسي الذم يدخؿ في صميـ النظرية السكسيكلكجية أال كىك كتاب "االقتصاد‬
‫كالمجتمع"‪ ،‬الذم نشر سنة ‪ ،1922‬أم سنتيف مف بعد كفاتو‪.‬‬
‫يرل فيبر بأف السكسيكلكجيا قبؿ كؿ شيء ييتـ بالفعؿ االجتماعي‪ ،‬حيث يرفض عمى حد رأيو الحتمية التي‬
‫قاؿ بيا كؿ مف "ماركس" ك"دكركايـ" كالتي تحبس االنساف ضمف نسيج مف الضغكط االجتماعية غير‬
‫الكاعية‪ ،‬فيذه الضغكط‪ ،‬كىذه الحتميات‪ ،‬ال تعدك أف تككف نسبية‪ ،‬إذ ىناؾ دائما مكاف لمصدفة‪ ،‬كاإلرادة‬
‫الفردية‪ .‬كأما المجتمع فنتاج لفعؿ األفراد الذيف يتصرفكف كفقا لمقيـ‪ ،‬كلمدكافع‪ ،‬كالحسابات العقبلنية‪( .‬كاباف‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص ص ‪)48،47‬‬
‫ىذا كيعرؼ "فيبر" الفعؿ االجتماعي في قكلو‪ ":‬ىك سمكؾ إنساني‪ ،‬ظاىر أك مستتر يمنحو الفرد معنا ذاتيا‪،‬‬
‫فالسمكؾ الذم يخمك مف المعنى الذاتي ال ينتمي إلى الدراسة السكسيكلكجية المتعمقة"‪.‬‬
‫كأما الفيـ‪ ،‬أيفيـ الفعؿ االجتماعي فيتحقؽ عمى مستكل المعنى بصكرتيف مختمفتيف ىما‪:‬‬
‫‪ -‬الصورة األولى‪ :‬كتتمثؿ في الفيـ الذم يرتكز عمى المبلحظة المباشرة لممعنى الذاتي‪ ،‬الذم ينطكم عميو‬
‫الفعؿ الذم يأتيو شخص آخر‪ ،‬فنحف نفيـ حيف يقكؿ الشخص ‪ ،4=2x2‬كنحف نفيـ أيضا المعنى الذاتي‬

‫‪32‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫لؤلفعاؿ غير العقمية الذم تصدر عمى شخص انتابتو حالة غضب‪ .‬فيذه المعاني جميعا يمكف أف ندركيا‬
‫ألننا عمى كعي بالمقاصد الذاتية التي ترتبط باألفعاؿ المماثمة التي تصدر عنا‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص‬
‫‪)262‬‬
‫‪ -‬الصور الثانية‪ :‬كتتعمؽ بفيـ الكاقع‪ .‬فنحف عمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬نستطيع أف نعيد إلى أنفسنا التبرير الذم‬
‫يقدمو الفاعؿ لسمككو‪ .‬أما إذا كاف السمكؾ الصادر فعبل غير عقمي‪ ،‬فإننا نستطيع مف خبلؿ المشاركة‬
‫التعاطفية‪ ،‬أك التقمص الكجداني‪ ،‬أف نفيـ السياؽ العاطفي الذم تـ بداخمو الفعؿ‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص‬
‫‪)263‬‬
‫ىذا كيعترؼ "فيبر" بأف الفاعؿ قد ال يستطيع أف يككف عمى كعي كامؿ ببعض ضركب السمكؾ‪ .‬كالكاقع أف‬
‫عدـ القدرة عمى إدراؾ المعنى تككف أكثر كضكحان‪ ،‬حينما يككف السمكؾ تقميديان خاضعان لمعادات االجتماعية‬
‫كالعرؼ‪ ،‬أك حينما يككف السمكؾ كجدانيان أك عاطفيان تحدده االنفعاالت‪( .‬تيماشيؼ‪ ،1983 ،‬ص ‪.)266‬‬
‫كعميو فدراسة الفعؿ االجتماعي تتطمب كجكد أداة منيجية‪ ،‬كىي األداة التي أطمؽ عمييا " فيبر" تسمية‬
‫النمكذج المثالي‪ .‬أم أف النمكذج ىك األداة‪ ،‬أك الكسيمة لتحميؿ األحداث التاريخية المممكسة كالمكاقؼ‪.‬‬
‫كاذ نحاكؿ ىنا التعرؼ عمى أفكار" فيبر" كتحديدا تصكره لمرابط االجتماعي‪ ،‬فقد كجب المركر بمفكر فذ آخر‬
‫كاف سبقو إلى طرح تصكره حكؿ المكضكع‪ ،‬أال كىك "تكنيز" كالذم كاف بدكره عالـ اجتماع ألماني‪ ،‬ككاف أكؿ‬
‫مف قابؿ بيف الجماعة أك الجماعة المحمية كالمجتمع‪ ،‬عندما طكر فكرتو األساسية التي تقكؿ بأنو بانتقاؿ‬
‫المجتمعات إلى المرحمة الصناعية‪ ،‬فإف ركابط الجماعة المحمية أك الركابط "المشخصنة" القائمة عمى رابطة‬
‫الدـ‪ ،‬العاطفة‪ ،‬االحتراـ المتبادؿ‪ ،‬القبكؿ بالعادات‪ ،‬كالتقاليد‪ ،‬كبالقيـ األخبلقية المشتركة ضمف كحدات صغيرة‬
‫غير ممتدة كالعائمة القرية‪ ،‬المدينة الصغيرة‪ ،‬تأخذ في التبلشي شيئان فشيئان‪ ،‬أك بالتدريج‪ ،‬لصالح ركابط أخرل‬
‫كىي ركابط غير شخصية‪ ،‬كسطحية‪ .‬ركابط تقكـ عمى العقبلنية‪ ،‬عمى النفعية‪ ،‬كعمى المصمحة الفردية‪ ،‬أك‬
‫عمى الفائدة الشخصية‪ ،‬كالحساب األناني‪.‬‬
‫كبعيدان عف تقديـ "تكنيز" لفكائد المقارنة بيف الجماعة المحمية كالمجتمع‪ ،‬فإنو يمكف القكؿ بأف القيمة األساسية‬
‫لعممو‪ ،‬تكمف في أنو قد عمد أيضا إلى ببناء نماذج مثالية‪ ،‬أال كىي‪ :‬الجماعة المحمية‪ ،‬كالمجتمع‪ .‬كىكذا‬
‫نجد باف مفيكـ الجماعة المحمية ‪ :Communauté‬يتميز بكحدة مطمقة‪ ،‬ال تسمح ببركز التمايزات بيف‬
‫األجزاء‪ ،‬كبانسجاـ جماعي ناتج عف اتفاؽ تمقائي بيف الضمائر‪ ،‬أم ليس عف اتفاؽ مسبؽ جرل التفاكض‬
‫حكلو‪ ،‬أم بجممة مف الذكريات‪ ،‬كاالىتمامات‪ ،‬التي تخص حياة الجماعة المضبكطة‪ ،‬ليس باإلرادات الفردية‬
‫كانما بكاسطة العادات كالتقاليد‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كفي مقابؿ الجماعة المحمية نجد المجتمع‪ ،‬حيث األفراد في الغالب مختمفكف‪ ،‬متمايزكف‪ ،‬كمنفصمكف عف‬
‫بعضيـ البعض‪ ،‬كحيث تتفكؽ األجزاء عمى الكؿ‪ .‬فكؿ كاحد مف األفراد يعمؿ لمصمحتو‪ ،‬كىك في حالة مف‬
‫العداء مع اآلخر في المجتمع‪ ،‬حيث تككف اآلراء فردية‪ ،‬أك مفكر فييا بحرية‪ ،‬بحيث ينيرىا العمـ الذم َّ‬
‫حؿ‬
‫محؿ الرابط االجتماعي المستقر‪ ،‬الذم قاـ داخؿ الجماعة المحمية بفضؿ المعتقدات‪ ،‬كالذم كاف يعمؿ تحت‬
‫قكة اك سمطة األعراؼ كالتقاليد‪.‬‬
‫كفي عبارة أخرل‪ ،‬فإننا نعثر لدل ىذيف االثنيف‪ ،‬أم عند "ماكس فيبر" كما عند "تكنيز" عمى ىذه المقابمة بيف‬
‫ىذيف النمكذجيف المثالييف‪:‬‬
‫‪ -‬فػ "تكنيز مثبل‪ :‬يقابؿ بيف نمكذج الجماعة المحمية‪ ،‬أك المجتمع المحمي (‪ )Gemeinschaft‬كنمكذج‬
‫المجتمع الكبير )‪.(Gesellschaft‬‬
‫‪ -‬في حيف يقابؿ "فيبر" بيف نمكذج الجتمعة‪ ،‬أك المجتمع الحديث (‪ )Vergesellschaftung‬كنمكذج‬
‫المجتمع المحمي‪ ،‬أك المجتمع التقميدم (‪.)Vergemeinschaftung‬‬
‫لكف كمع ذلؾ‪ ،‬فإف ىذيف النمكذجيف‪ ،‬أك ىذه المفاىيـ المستخدمة مف قبؿ كؿ مف" تكنيز" ك" فيبر" ليست‬
‫متطابقة تماما‪ .‬فػ "ماكس فيبر" يقابؿ بيف نمكذجيف مف المجتمعات ىما‪ :‬المجتمعات التقميدية‪ ،‬كالمجتمعات‬
‫الحديثة‪ ،‬أم ليس بيف "الجماعة المحمية" ك"المجتمع" مثمما ىي الحاؿ عند " تكنيز"‪.‬‬
‫لقد سعى "ماكس فيبر" إلى فيـ العبلقات االجتماعية باعتبارىا تفاعبلت اجتماعية بيف األفراد‪ .‬كىك في ذلؾ‬
‫يرل بأنو بالنسبة لعمـ االجتماع‪ ،‬فإف " المجمكع الداؿ عمى النشاط ىك مف يشكؿ مكضكع الفيـ أك اإلدراؾ"‪.‬‬
‫بمعنى أف "ماكس فيبر" كاف يبحث عف تحقيؽ فيـ لممعنى المقصكد مف النشاط االجتماعي‪ ،‬كلذلؾ كاف قد‬
‫ميز بيف أربعة (‪ )04‬أنماط عامة لتكجيو السمكؾ اإلنساني أك األفعاؿ االجتماعية ىي‪:‬‬
‫‪ -1‬النمط المثالي لمفعل الموجو بأىداف عقال نية‪.‬‬
‫‪ -2‬النمط المثالي لمفعل الموجو بالقيم‪.‬‬
‫‪ -3‬النمط المثالي لمفعل الموجو بالعواطف‪.‬‬
‫‪ -4‬النمط المثالي لمفعل الموجو بالتقاليد‪.‬‬
‫عمما بأف "فيبر" كاف قد تحدث عف كجكد فعؿ اجتماعي يمكف أف يكجو بعدد مف الدكافع أك البكاعث بذات الكقت‪.‬‬
‫أم بالدافع العقمي‪ ،‬كالقيمي‪ ،‬كالعاطفي‪ ،‬كالتقميدم‪ .‬كما قاؿ بكجكد ثبلثة أنماط أساسية مف الفعؿ االجتماعي تميز‬
‫المجتمعات التقميدية‪ ،‬حيث يخضع كؿ كاحد مف أنماط ىذه األفعاؿ لممنطؽ الخاص بو‪ .‬كأما ىذه األفعاؿ فيي‬
‫عمى النحك التالي‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬الفعل التقميدي‪ :‬كيكمف في احتراـ األفراد لمعادات كالتقاليد دكف التساؤؿ حكؿ الغاية النيائية ليذا الفعؿ‪.‬‬
‫‪ -‬الفعل العاطفي‪ :‬كىك عبارة عف رد فعؿ يكصؼ أحيانا الغريزم‪.‬‬
‫‪ -‬الفعل العقالني الموجو بالقيم‪ :‬كمنيا عمى سبيؿ المثاؿ سمكؾ رباف السفينة في حالة تعرضيا لمغرؽ‪ ،‬أك‬
‫ما نسميو بالتضحية بالنفس مف أجؿ اآلخريف‪.‬‬
‫في حيف يتميز المجتمع الحديث بمنطؽ رابع‪ ،‬أال كىك العقالنية الموجية بأىداف‪ ،‬كالتي تحؿ إلى حد ما‬
‫محؿ أنماط الفعؿ الثبلثة التي تميز المجتمعات التقميدية‪ .‬حيث يقكـ األفراد باختيار أىدافيـ‪ ،‬كالكسائؿ األكثر‬
‫فعالية في الكصكؿ إلى تمؾ األىداؼ‪(Montoussé, et autre,2002, p 36).‬‬
‫كعمكما "الجتمعة" عند "فيبر" عبارة عف عبلقة اجتماعية عقبلنية‪ ،‬كىي تعرؼ مف خبلؿ نمكذج النشاط‬
‫االجتماعي القائـ عمى اتفاؽ حكؿ المصالح المدفكعة أك المكجية بشكؿ عقبلني سكاء مف حيث القيمية أك‬
‫اليدؼ‪ ،‬أك عف طريؽ تنسيؽ المصالح المكجية أيضا بذات الكيفية‪.‬‬
‫كعميو فػ "الجتمعة"‪ :‬يمكف أف تقكـ ليس فقط نتيجة تفاىـ‪ ،‬أك تكافؽ‪ ،‬كأما االقتصاد فيككف مجاال لمنشاط‬
‫العقبلني‪ ،‬كبالتالي فإف الجتمعة تكجد عمى الطرؼ النقيض مف الجماعة المحمية‪ ،‬التي ىي عبارة عف عبلقة‬
‫اجتماعية غير عقبلنية‪ .‬فتنظيـ النشاط بالنسبة ليا– الجماعة المحمية ‪-‬يقكـ عمى العاطفة‪ ،‬أك عمى الشعكر‬
‫الذاتي لممشاركيف فيو باالنتماء إلى الجماعة المحمية‪ ،‬فيي كقبؿ كؿ شيء‪ ،‬عبلقة اجتماعية ترتكز عمى‬
‫شكؿ معيف لضمير الجماعة المحمية‪ ،‬حيث الشعكر الذاتي لؤلفراد باالنتماء إلى جماعة معينة‪.‬‬
‫أم بمعنى أف الجماعة محمية‪ :‬يمكف أف تتأسس عمى أم نكع مف األسس العاطفية أك التقميدية‪ .‬كػ‪ :‬جماعة‬
‫األخكة‪ ،‬جماعة األمة‪ ،‬جماعة األصدقاء‪ ،‬ثـ جماعة العائمة التي تمثؿ النمط األكثر مبلءمة فييا‪ .‬كعميو‬
‫فالجماعة المحمية سكاء كانت ممثمة في العائمة‪ ،‬أك في األمة‪ ،‬تغطي في الكاقع أشكاال متعددة كمختمفة مف‬
‫الجماعات‪ ،‬كىي تبدأ مف جماعة العائمة‪ ،‬كصكال إلى جماعة األمة‪.‬‬
‫لكف كمع ذلؾ يعترؼ " فيبر" يعترؼ بأننا بأف معظـ العبلقات االجتماعية في الكاقع تجمع بيف خصائص‬
‫الجماعة المحمية كخصائص المجتمع‪.‬‬
‫كباختصار فإف "ماكس فيبر" يككف قد اعتنى بفيـ الفعؿ المتبادؿ التأثير‪ ،‬كالذم يمارسو كؿ فرد عمى غيره‬
‫مف األفراد‪ .‬أم بالفعؿ المكجو بجممة مف الدكافع المختمفة‪ :‬عقبلنية مقصكدة‪ ،‬عاطفية‪ ،‬قيمية‪ ،‬تقميدية‪ ،‬مما‬
‫يجعؿ األفعاؿ المختمفة‪ ،‬كالمتباينة‪ ،‬تساىـ عمى نحك معيف‪ ،‬في تكحيد األفراد‪ ،‬كالجماعات‪ ،‬داخؿ المجتمع‬
‫ككؿ‪ .‬كاذ اىتـ "ماكس فيبر" بدراسة األفعاؿ االجتماعية‪ ،‬مثمما الجماعة المحمية‪ ،‬كالمجتمع‪ ،‬فإنو يككف كعمى‬

‫‪35‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ىذا النحك قد اىتـ بدكره بدراسة فيـ الرابط االجتماعي‪ ،‬أك ربما بما يخمؽ ىذا الرابط االجتماعي‪ ،‬كيعمؿ عمى‬
‫*‬
‫استم ارره‪ ،‬كبالتالي استمرار المجتمع‪.‬‬
‫كمنو فإف صبلبة الجماعة المحمية تككف بفعؿ القكة الداخمية لمرابط االجتماعي‪ ،‬التمقائي المدعـ بالتقاليد‪ ،‬في‬
‫حيف تأتي ىشاشة أك ضعؼ المجتمع نتيجة الفردانية‪ ،‬كالتكجو نحك تفتيت‪ ،‬أك تفكيؾ الرابط االجتماعي الذم‬
‫ال يستطيع الحفاظ عمى ذاتو‪ ،‬إال بصكرة اصطناعية‪ ،‬أك نتيجة اإلكراه‪ .‬كىك الطرح الذم عمؿ "دكركايـ" عمى‬
‫تطكيره في أطركحتو حكؿ التقسيـ االجتماعي لمعمؿ‪ ،‬عندما تحدث عف التضامف اآللي في المجتمعات‬
‫التقميدية‪ ،‬كالتضامف العضكم في المجتمعات الحديثة‪(Patez,1997, pp 53-56).‬‬
‫لقد نيؿ "ماكس فيبر " حقيقة مف طرح " تكنيز" كاف كاف قد حذر مف أم حكـ مسبؽ يتعمؽ باستصدار حكـ‬
‫قيمي حكؿ طبيعة العبلقات االجتماعية سكاء تعمؽ األمر ب ػ الجماعة المحمية أك بػ المجتمع‪ ،‬كمف أف يتـ‬
‫تقديـ النشاط االجتماعي القائـ عمى العاطفة‪ ،‬أك عمى الشعكر الذاتي باالنتماء إلى جماعة ما مثبل (قرية‪،‬‬
‫الجكار العمؿ‪ ،‬جمعية)‪ ،‬عمى أنو منحى رجعي لرفض الحداثة‪ ،‬أك باعتباره رد فعؿ منقذ أماـ العبلقات‬
‫االجتماعية الفاقدة لئلنسانية التي تميز تطكر المجتمعات الحديثة‪ .‬فما نبلحظو كببساطة ىك أف مكضكع‪ ،‬أك‬
‫جكىر الحياة االجتماعية المشترؾ‪ ،‬إنما يتـ ربطو عمى الدكاـ‪ ،‬كباستمرار‪ ،‬بتطكر العبلقات االجتماعية القائمة‬
‫عمى اتفاؽ بيف المصالح الفردية داخؿ المجتمعات األكثر تطك ار‪ ،‬سكاء تعمؽ األمر فييا بالفعؿ العاطفي‪ ،‬أك‬
‫بالفعؿ العقبلني‪.‬‬
‫يبقى التنبيو ىنا إلى أف الرابط االجتماعي كاحد مف بيف العكامؿ البنائية األساسية في تحقيؽ التماسؾ‬
‫االجتماعي ‪ ،cohésion sociale‬كىك إف كاف يشكؿ معطا ضركريا في ذلؾ‪ ،‬فإنو يظؿ غير كاؼ لتحقيقو‬
‫ذلؾ أف التماسؾ االجتماعي يجند عكامؿ أخرل غير الرابط االجتماعي‪ ،‬كالتجانس ‪ homogénéité‬الثقافي‬
‫أك السكسيك‪-‬اقتصادم‪ ،‬االنصاؼ‪ ،‬العدؿ ‪ ،l’équité‬نبذ كمحاربة التمييز العنصرم‪ ،‬بؿ كبشكؿ مركزم‬
‫حاجتو الماسة إلى المؤسسات التي تقكـ عمييا الدكلة االجتماعية‪.‬‬
‫كلذلؾ كانت قد ظيرت العكدة إلى الحديث كبقكة عف مكضكع التماسؾ االجتماعي في ثمانينات‪ ،‬كتسعينات‬
‫القرف الماضي تحديدا‪ ،‬أم في سياؽ تطكر تاريخي خاص جدا‪ ،‬ارتبط بتكسع العكلمة االقتصادية‪ ،‬المالية أم‬
‫مع تصاعد المنافسة‪ ،‬كالدعكة إلى إعادة الييكمة التي عرفتيا تمؾ الفترة مف القرف الماضي‪ ،‬الفترة التي شيدت‬

‫*يعرؼ ماكس فيبر العبلقة االجتماعية‪ :‬كسمكؾ لعد مف األفراد باعتبارىـ كذلؾ‪ ،‬مف خبلؿ محتكاىا الداؿ ‪/‬ذم داللة‪ /‬المعنى‬
‫حيث ينتظـ سمكؾ بعضيـ عمى سمكؾ اآلخريف كيكجو عمى ذلؾ األساس‪.‬‬
‫‪" L’entente‬مدفكعة عقبلنيا بالقيمة (االحتراـ كااللتزاـ) كبالغاية (تحقيؽ أقصى المنافع) بافتراض أف األخر يستخدـ عقبلنيتو‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫بالفعؿ ظيكر النتائج األكلى‪ ،‬أك االنعكاسات االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬كالسياسية لظاىرة العكلمة كالصعكبات‬
‫التي كانت قد كاجيتيا آنذاؾ‪ ،‬دكلة الرفاه في مجابيتيا‪.‬‬
‫ىذا كالى جانب مسألة التماسؾ االجتماعي‪ ،‬فإف مسألة الكحدة االجتماعية كضماف استمرارىا في المجتمعات‬
‫تطرح نفسيا اليكـ بشكؿ حاد‪ ،‬بما فييا التعرؼ عمى األشكاؿ أك العناصر التي تسمح بتشكؿ أك ببناء‬
‫كاسمرار مجتمع ما‪ .‬ذلؾ أف تعريفات التماسؾ االجتماعي تأخذ أيضا بعيف االعتبار لعبة التمثبلت التي‬
‫يشكميا مجتمعا ما عف ذاتو‪ ،‬فالطريقة التي تنظر بيا المجتمعات لمتماسؾ االجتماعي‪ ،‬مرتبطة ارتباطا كثيقا‬
‫بالترجمة التي يمكف أف يتبناىا حكؿ النظاـ االجتماعي‪ ،‬أك باعتباره نتاجا لمتنشئة‪ ،‬أك لممبادرة الفردية‬
‫كالخاصة‪ ،‬أك كنتاج لعمؿ المؤسسات ك‪/‬أك عمؿ الفعؿ الديمقراطي الجماعي الناجز‪.‬‬
‫(‪)https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00570010/document‬‬

‫كصفك القكؿ ىنا ىك أف "ماكس فيبر" قد فيـ الرابط االجتماعي مف خبلؿ تناكلو لممجتمع األكركبي القائـ‬
‫عمى التطكر‪ ،‬كالعقبلنية كيدؼ كغاية نيائية‪ .‬حيث تترجـ عقمنة النشاط االجتماعي في أشكاؿ العيش معا أك‬
‫المشترؾ‪ ،‬كعمى نحك خاص في طرؽ تنظيـ المدف‪ ،‬ككنيا تعبر عف التحكؿ‪ ،‬كعف االنتقاؿ مف العاطفي‬
‫كالركحي إلى العمـ كالعبلقات العقبلنية في المجتمع‪.‬‬

‫‪.5‬الرابط االجتماعي عند جورج زيمل ‪Georg Simmel‬‬


‫يعد "جكرج زيمؿ" كاحد مف بيف أىـ السكسيكلكجييف األلماف‪ .‬كلد في ‪ 01‬مارس ‪ ،1858‬كتكفي في ‪28‬‬
‫سبتمبر ‪ 1918‬بألمانيا‪ .‬كتب "زيمؿ" في عدد مف المكاضيع كمنيا‪ :‬النقكد‪ ،‬المكضة‪ ،‬المرأة‪ ،‬الفف‪ ،‬المدينة‬
‫الفقراء‪ ،‬الجتمعة‪ ،‬الفرد‪ ،‬المجتمع‪ ،‬التفاعؿ‪ ،‬كالرابط االجتماعي‪ .‬كيعد عممو المكسكـ بػ‪ :‬فمسفة النقكد كالمنشكر‬
‫في سنة ‪ 1900‬مف أىـ األعماؿ التي قدميا لمسكسيكلكجيا‪ .‬استطاع "زيمؿ" أف يؤثر مف خبلؿ أعمالو في‬
‫العديد مف المفكريف أمثاؿ‪ :‬ماكس فيبر‪ ،‬كارؿ مانيايـ‪ ،‬ألفريد شكتز‪ ،‬ريمكف آركف‪ ،‬إرفينغ غكفماف‪ ،‬ريمكف‬
‫بكدكف‪ ،‬كغيرىـ الكثير‪.‬‬
‫ىذا كلـ تكف العكدة إلى اكتشاؼ سكسيكلكجيا "جكرج زميؿ" كأعمالو‪ ،‬إال في الثمانينات مف القرف الماضي‬
‫بفرنسا‪ ،‬كذلؾ عمى يد بعض عمماء االجتماع ىناؾ كعمى رأسيـ "ريمكف بكدكف"‪.‬‬
‫تتميز سكسيكلكجيا "زيمؿ" بسعييا قبؿ كؿ شيء إلى دراسة كاكتشاؼ كسائؿ العيش المشترؾ‪ ،‬كقد قدـ في‬
‫كتابو "السكسيكلكجيا" الصادر سنة ‪ 1908‬كصفا دقيقا لمقاربتو ىاتو‪ .‬يقكؿ " زيمؿ" في ىذا الباب أف دراسة‬
‫المجتمع تتطمب تناكلو في معناه األكسع‪ ،‬أم حيث يكجد فعؿ متبادؿ بيف العديد مف األفراد‪ .‬بمعنى أف عمى‬
‫السكسيكلكجيا أف تُعنى بمبلحظة الركابط القائمة بيف األفراد داخؿ المجتمع‪ ،‬أك ما يسميو "زيمؿ" بالتنشئة‬

‫‪37‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كلكف ليس بالمعنى الشائع اليكـ لمتنشئة االجتماعية‪ ،‬كانما التنشئة بمعنى الجتمعة‪ .‬كبالنسبة لو فإف الجتمعة‬
‫تتضمف دائما التأثير المتبادؿ لؤلفراد عمى بعضيـ البعض‪ ،‬كعميو فبل كجكد لجتمعة جامدة اك ثابتة‪ ،‬ألم أف‬
‫الجتمعة دائما كأبدا شيء ديناميكي‪.‬‬
‫كضمف ىذا التكجو في الفيـ‪ ،‬يعتقد "زيمؿ" بأف عمى الخطاب السكسيكلكجي يميز في الطرح بيف مفيكميف‬
‫متمايزيف‪ :‬أم بيف مفيكـ المضمون أك مضمكف الجتمعة‪ ،‬كالشكل أك شكؿ ىذه الجتمعة‪ .‬حيث يعرؼ‬
‫مضمون الجتمعة عمى أنو" كؿ ما يحرؾ الفرد مف مصمحة‪ ،‬غريزة‪ ،‬أىداؼ‪ ،‬اتجاىات‪ ،‬كميكالت‪ ،‬مثمما‬
‫الحالة‪ ،‬كالحركة السيككلكجية التي يمكف أف ينجر عنيا تأثي ار عمى اآلخر‪ ،‬أك الحصكؿ عمى رد فعؿ يأتينا‬
‫مف اآلخر"‪ .‬بمعنى أف مضمون الجتمعة ىك كؿ ما يدفع بالفرد إلى الدخكؿ في عممية تفاعؿ مع غيره مف‬
‫األفراد اآلخريف‪ .‬كعميو فإف مضمكف الجتمعة يتحقؽ في شكؿ معيف‪ ،‬كعميو يقكؿ "زيمؿ" إف المضمون–‬
‫مضمكف الجتمعة‪ -‬ىك مادة ىاتو الجتمعة‪ ،‬كىي بذاتيا الشكل الذم يأخذه الفعؿ المتبادؿ‪ ،‬الذم يمنحو‬
‫المضمون وجودا‪ .‬فػالشكل أم شكؿ الجتمعة بالنسبة لػ "زيمؿ" ىك‪ ":‬صيغة التفاعؿ كطريقتو كىيئتو األدائية‬
‫كاالنجازية "‪ .‬ككذلؾ األمر بالنسبة لدراستو حكؿ النقكد‪ ،‬حيث يرل فييا الكسيمة‪ ،‬أك المادة‪ ،‬أك المثاؿ الحي‬
‫لتقديـ العبلقات القائمة‪ ،‬بيف الظكاىر األكثر خارجية‪ ،‬األكثر كاقعية‪ ،‬كاألكثر صدفة‪ ،‬زيادة عمى اإلمكانيات‬
‫أك القدرات األكثر مثالية لمكجكد مف جية‪ ،‬بما فييا االتجاىات األكثر عمقا لمحياة الفردية‪ ،‬كلمتاريخ بالمعنى‬
‫اإلجمالي مف جية أخرل‪ .‬بحيث يمكننا تمخيص ذلؾ برسـ خط ينطمؽ مف سطح األحداث كالكقائع‬
‫االقتصادية‪ ،‬ليقكدنا إلى القيـ كالدالالت أك المعاني الكامنة كراء كؿ ما ىك إنساني‪.‬‬
‫(‪) https://en.wikipedia.org/wiki/Georg_Simmel‬‬
‫فالنقكد مثميا مثؿ األشكاؿ األخرل في المجتمع تككف قد استقمت عف األفراد كطكرت قكانينيا الخاصة‬
‫تأثير متزايدا عمى مضمكف‬
‫ا‬ ‫كمجاليا الخاص أال كىك االقتصاد‪ .‬فقد أصبحت غاية في ذاتيا‪ ،‬كىي تمارس‬
‫المجتمع‪ ،‬كعمى الطريقة التي يفكر بيا كيتصكر العالـ بكجو خاص‪ .‬فالمشاعر كالرغبات تنمحي أماـ الحساب‬
‫العقبلني كالبحث عف الفكائد‪ .‬كما يتعكد الفرد عمى قياس كؿ شيء‪ ،‬كيجبر نفسو عمى البحث عما ىك‬
‫المكضكعي‪.‬‬
‫كبما أف النقكد تحكلت إلى ىدؼ لمنشاط اإلنساني فقد أصبحت مصد ار لمفساد‪ ،‬كأداة إلضعاؼ القيـ‪ .‬كلف‬
‫يفمت مف فعؿ ىذا التآكؿ سكل بعض المؤسسات عمى غرار‪ :‬العائمة كاألمة‪ .‬لقد حرر الماؿ نفسو مف األفراد‬
‫الذيف خمقكه بغرض اشباع حاجتيـ لبلجتماع‪ ،‬كحكليـ بالمقابؿ يقكؿ "زيمؿ"‪ .‬بمعنى أف االقتصاد يمارس‬
‫تأثيره عمى األفراد‪ ،‬كلكف ليس بالمعنى الذم ذىب إليو " ماركس" الذم كاف يرل في االقتصاد البنية التحتية‬

‫‪38‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫لممجتمع‪ ،‬كلكنو االقتصاد الذم يتأسس عمى سيككلكجيا األفراد‪ (Montoussé,2002, p39).‬كعميو فإف‬
‫النقكد كأداة لمتبادؿ التجارم كالنمك االقتصادم تسجف األفراد ضمف عبلقات اجتماعية ىشة‪ ،‬كمع تزايد ىذا‬
‫النمط مف التفاعؿ االقتصادم يتقمص الرابط االجتماعي بشكؿ ممحكظ كمتزايد حيث تتحكؿ العبلقة‬
‫االجتماعية إلى مجرد عبلقة شخص‪/‬نقكد‪ /‬شخص‪ ،‬عبلقة خاضعة لبلستراتيجيات كالحسابات الفردية‪ .‬كىذا‬
‫الميؿ الثابت لتشيؤ الرابط االجتماعي سمة قارة لممجتمع الحديث‪ ،‬أك ىك يقع في قمب االستراتيجية الثقافية‬
‫لمحداثة‪.‬‬
‫نفيـ مما تقدـ بأف عمـ االجتماع عند "زيمؿ" ال يدرس الفرد عمى في َّ‬
‫حد ذاتو مثمما ىك الشأف عند "ماكس‬
‫فيبر" كال المجتمع كما ىي الحاؿ عند "إميؿ دكركايـ" كلكف يدرس العالقة التفاعمية بيف الفرد كالمجتمع‪ .‬أم‬
‫أنو ييتـ بدراسة التفاعؿ بيف األفراد في الحياة المجتمعية‪ ،‬بمعنى دراسة الروابط كمختمؼ التفاعبلت‬
‫كالعبلقات التكاصمية التي تنشأ بيف األفراد‪ ،‬كفيـ معنى ىذه التفاعبلت‪ ،‬كتأكيميا‪ .‬كىك ما يمكف قراءتو في‬
‫نص صغير كاف قد نشره سنة ‪ 1909‬كظؿ شيي ار بعنكاف‪ :‬الباب كالجسر حيث قدـ تحميبل احيائيا لمحيية‬
‫االجتماعية‪ .‬فيك يرل بأف الحياة االجتماعية حركة ال تتكقؼ العبلقات بيف االفراد مف خبلليا عف تعديؿ‬
‫بعضيا البعض‪ .‬كىذه العبلقات عمى شاكمة الجسر الذم يربط كالباب الذم يفصؿ‪ .‬فيي عبلمات لميكالت‬
‫متضاربة مثمما يقكؿ نحك التماسؾ كالتبعثر‪( .‬كاباف‪ ،2010 ،‬ص ص‪)72،74 ،‬‬
‫ىذا كقد ركز "زيمؿ" في كتابو "عمم االجتماع" المنشكر سنة ‪ 1908‬عمى دراسة األفعاؿ المتبادلة بيف‬
‫مجمكعة مف األفراد‪ .‬أم أف عمى السكسيكلكجي القياـ بمبلحظة الروابط‪ ،‬كالعبلقات التي تندرج ضمف التفاعؿ‬
‫االجتماعي الحي‪ ،‬كالمشاركة المجتمعية بيف األفراد‪ .‬كبيذا الخصكص يقدـ لنا " زيمؿ" مثاؿ السكن‪ :‬كنمكذج‬
‫لشرح مفيكمي‪ :‬المضمون كالشكل‪ .‬فمدراسة السكف كفؽ مقاربة "زيمؿ" أم مف حيث المضمون كالشكل‪ ،‬نجد‬
‫بأف مفردة سكف تحمؿ مضاميف التفاعؿ االجتماعي‪ .‬فيي تحيمنا إلى ضركرة السكف‪ ،‬كأىميتو‪ ،‬إلى االستقرار‬
‫كاالحتماء مف مخاطر الطبيعة‪ ،‬كالشارع‪ ،‬ككذا إلى التفاعؿ االجتماعي‪ ،‬كالعيش المشترؾ‪ ،‬كىنا يأخذ‬
‫المضمون التفاعمي شكال معينا‪ ،‬كىك الذم يحدد طبيعة ىذا التفاعؿ االجتماعي بحسب فيـ اآلخريف لو‪ ،‬أم‬
‫عمى حسب منظكرىـ اك تصكرىـ لمسكن‪ ،‬مع تغير داللتو مف فرد آلخر‪ .‬كفي عبارة أخرل فإف مفيكـ الشكل‬
‫عند "زيمؿ" يحيؿ إلى المفيكـ المنيجي لمسكف‪ ،‬كىك بالتالي – شكؿ السكف‪ -‬األداة المنيجية لكصؼ‬
‫التفاعؿ االجتماعي‪ ،‬كمبلحظتو كتأكيمو‪ ،‬كىك بمثابة النموذج عند "فيبر‪( .‬حمداكم‪ :‬جكرج زيمؿ‬
‫كالسكسيكلكجيا التفاعمية‪ ،‬ص ‪ ،7‬عمى‪)www.alukah.net‬‬

‫‪39‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫أم بمعنى أف "جكرج زيمؿ" يميز بيف مضمكف الفعؿ كشكؿ الفعؿ‪ ،‬حيث يعبَّر مضمون الفعل عف الدوافع‬
‫التي تكجو الفعؿ اإلنساني‪ ،‬في حيف يعبر شكل الفعل عما ينتج عن األفعال االجتماعية أثناء عمميات‬
‫التفاعؿ أك التبادؿ االجتماعي‪.‬‬
‫كبناء عمى ذلؾ َّ‬
‫حدد "زيمؿ" أربعة (‪ )04‬أنماط من األشكال االجتماعية كىي‪:‬‬
‫‪ -1‬األشكال المتصفة بالديمومة‪( :‬العائمة‪ ،‬الدكلة‪ ،‬الكنيسة‪ ،‬األحزاب السياسية‪...‬إلخ) كتسمى ىذه األشكال‬
‫بالمؤسسات‪.‬‬
‫‪ -2‬األشكال التي ىي تصميمات مبنية مسبقاً‪ :‬كتتفرع عنيا المنظمات التابعة ليا‪ :‬كػ‪ :‬التراتبية‪ ،‬التنافس‬
‫الصراع‪ ،‬المغامرة‪ ،‬اإلقصاء‪ ،‬الميراث‪ ،‬التقميد‪ ،‬كتسمى باألشكال التكوينية‪.‬‬
‫‪ -3‬األشكال التي تكون اإلطار العام الذي تحدث ضمنو التنشئة االجتماعية كػ‪ :‬السياسة‪ ،‬االقتصاد‬
‫القانكف‪ ،‬التعميـ‪ ،‬الديف كتسمى ىذه األشكاؿ بأشكال التوافق‪.‬‬
‫‪ -4‬األشكال العابرة‪ :‬التي تؤسس لمطقكس اليكمية كػ‪ :‬العادات‪ ،‬الطعاـ المشترؾ‪ ،‬النزىات المشتركة‪،‬‬
‫التيذيب‪ ،‬كالكياسة‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف " زيمؿ " يشير إلى أف ىذه األشكال التي ىي منتجات التفاعل اإلنساني كالتي تربطنا‬
‫ببعضنا البعض‪ ،‬أك تربط التفاعبلت االجتماعية ببعضيا‪ ،‬تميؿ ألف تصبح مكضكعات تجد بنفسيا قكانيف‬
‫تطكرىا الخاصة بيا لدرجة تجعؿ ىذه األشكال االجتماعية غريبة عف األشخاص الذيف أك جدكىا‪ ،‬كالى‬
‫درجة أنيا تفمت منيـ‪ ،‬أك أننا لـ نعد أسيادا عمى التأثيرات التي تُحرض عمييا ىذه المكضكعات‪ ).‬كاباف‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص ص ‪)73 ،72‬‬
‫إال أنو كمع ذلؾ‪ ،‬فإف ىذه األشكاؿ تبقى مبلزمة لحياتنا اليكمية‪ ،‬ألنيا تشارؾ في إدارة العبلقات بيف األفراد‬
‫كىذه حاؿ النقكد عمى سبيؿ المثاؿ‪ .‬فيي كأداة ضركرية لمتبادؿ التجارم كتعمؿ عمى تسييؿ النمك‬
‫االقتصادم‪ ،‬كلكنيا في الكقت ذاتو تسجف األفراد ضمف عبلقات اجتماعية ضعيفة‪ ،‬تؤدم مع تزايد ىذا النمط‬
‫مف التفاعؿ االقتصادم إلى تقمص الرابط االجتماعي‪.‬‬
‫إذف "جكرج زيمؿ" يرل بأف األشكاؿ االجتماعية عمى تنكعيا كتعددىا ضركرية إلنتاج ثقافة معينة‪ ،‬كالفف‬
‫التقنية‪ ،‬العمـ‪ ،‬األخبلؽ‪...‬الخ‪ ،‬ألنيا تقدـ إطا انر لمركابط االجتماعية‪ ،‬عمى الرغـ مف أنيا تصبح شيئا فشيئا‬
‫غريبة عنا‪.‬‬
‫يبقى القكؿ بأف ىذه األشكاؿ ال يكتمؿ بناؤىا أبدا‪ ،‬بما أنو يعاد خمقيا‪ ،‬أك انتاجيا باستمرار عمى ذات‬
‫المنكاؿ‪ ،‬لكنيا غالبا ما تتعرض لمتعديؿ أك التحكير فييا بفضؿ ىذه التفاعبلت االجتماعية الجارية‪ .‬فاألفراد‬

‫‪40‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ينتجكف المجتمع مف خبلؿ عبلقاتيـ‪ ،‬كىذا األخير – المجتمع‪ -‬يؤطر سمككاتيـ في سياؽ ال محدكد مف‬
‫العبلقات التبادلية ىـ مصدرىا‪ .‬بمعنى أف ىذه األشكاؿ كغف كانت منتجا إنسانيا نتيجة التفاعبلت‬
‫االجتماعية التي تقكـ بيف األفراد فإنيا تميؿ أيضا الف تصبح أغراضا مكضكعية تجد بنفسيا قكانيف تطكرىا‬
‫الخاصة بيا‪.‬‬
‫جورج زيمل وتعددية الروابط االجتماعية‪:‬‬
‫يعد "جكرج زيمؿ" أيضا كاحد مف بيف عمماء االجتماع الذيف أكدكا عمى فكرة تعددية الركابط االجتماعية‪ ،‬أك‬
‫عمى تعددية االنتماءات في المجتمعات الحديثة‪ ،‬مثمما عمى تقاطعات الركابط االجتماعية‪ .‬ففي كتابو‬
‫"السكسيكلكجيا دراسات حكؿ إشكاؿ الجتمعة" يعكد "جكرج زيمؿ" مثمو في ذلؾ مثؿ الكثيريف مف معاصريو في‬
‫بداية القرف العشريف (ؽ ‪ )20‬في العديد مف المرات إلى مجتمع القركف الكسطى‪ ،‬حيث الحظ بأف رابطة‬
‫النسب داخؿ الجماعة كانت تبتمع الفرد كمية‪ ،‬فقد كانت تتحقؽ كفؽ ما أسماه بنمكذج "متحد المركز" أك‬
‫"مشترؾ المركز" "‪ " Concentrique‬فمف الجماعة المباشرة إلى الجماعة المكسعة‪ .‬كأما في المجتمع الحديث‬
‫فإف الفرد ينكع انتماءاتو‪ ،‬كالفرد كاف كاف يعرؼ مثمما يذكر بو "دكركايـ" مف خبلؿ تكاممو مع اآلخريف‬
‫كبالتالي مف خبلؿ عبلقة التبعية المتبادلة بالنسبة لآلخريف‪ ،‬فإف كعيو بفردانيتو ما فتئ يتطكر‪ .‬كفي ىذه‬
‫الحالة فإف الكضعية تتميز بكجكد الجماعات المختمفة التي تتقاطع جنبان إلى جنب داخؿ نفس الشخص‬
‫الكاحد‪.‬‬
‫كلمتدليؿ عمى فكرتو ىاتو يذىب "جكرج زيمؿ" أيضا إلى تقديـ أمثمة كثيرة حكؿ تنظيـ العمؿ‪ .‬كىنا يعكد كعمى‬
‫كجو الخصكص إلى مثاؿ‪ :‬الطكائؼ الحرفية كالتطكرات التي مر بيا ىذه األخيرة‪ ،‬حيث يشرح كيؼ كانت‬
‫تسكد ىذه الطكائؼ في البداية ركح مف المساكاة الصارمة‪ ،‬التي كانت تجبر الفرد‪ ،‬عمى االلتزاـ بنكعية ككمية‬
‫اإلنتاج‪ ،‬لكنيا في المقابؿ كانت تضمف لو الحماية أماـ خطر المنافسة‪ ،‬ما داـ أعضاؤىا ممتزمكف بنفس‬
‫المعايير‪ .‬إال أف بمركر الكقت تبينت صعكبة اإلبقاء كالعمؿ بيذا النظاـ الصارـ‪ ،‬فقد شرع بعض أسياد‬
‫الحرفة في االغتناء بعد صراع قكم مع الطائفة النتزاع الحؽ في عدـ االلتزاـ بالبيع في مكاف كاحد‪ ،‬مع‬
‫الزيادة في عدد صبيانيـ أك مساعدييـ‪(Paugam,2008, pp 91).‬‬
‫كالكاقع أف سيركرة التخصص كصعكد الفردانية داخؿ الطائفة الحرفية قد أدل إلى تفتتيا ثـ كزكاليا‪ ،‬مما دفع‬
‫بػ "زيمؿ" إلى القكؿ‪ :‬بأف التكسيع الكمي لمجماعة ينتج تماي انز متزايدا بيف أعضائيا‪ ،‬كىك التزايد الذم يترجـ‬
‫في فردانية أكثر حدة‪ ،‬مما يعني بأنو كمما كانت الدكائر التي ننتمي إلييا ضيقة‪ ،‬كمما كانت الحرية كالفردانية‬
‫فضاءا‬
‫ن‬ ‫التي نحكز عمييا محدكدة‪ .‬كالعكس أم كمما كانت الدائرة التي ننشط ضمنيا أكسع كمما منحنا ذلؾ‬

‫‪41‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫أكسع لبسط فردانيتنا‪ .‬لكف في بالمقابؿ ستككف خصكصيتنا أقؿ‪ ،‬فنحف عنصر ضمف مجمكع كبير كىك أقؿ‬
‫فردانية باعتباره جماعة اجتماعية‪.‬‬
‫لذلؾ نجد المتخصصيف اليكـ في دراسة الشبكات االجتماعية كثي ار ما يعكدكف إلى أعماؿ "جكرج زيمؿ" الذم‬
‫يركف فيو رائدا مف ركاد الدراسة الميكركسككبية ألشكاؿ الفعؿ المتبادؿ كتقاطع الدكائر االجتماعية‪ .‬فبالنسبة ل ػ‬
‫"زيمؿ" اإلنساف قبؿ كؿ شيء "كائف لمربط"‪" :‬نحف عمى الدكاـ أكلئؾ الذيف يفرقكف المربكط كيربطكف المتفرؽ"‪.‬‬
‫حيث يصبح الحديث عف المجتمع‪ ،‬حديث عف الرابط االجتماعي كالحديث عف الرابط االجتماعي‪ ،‬ىك قبؿ‬
‫كؿ شيء االنطبلؽ مف المعاينة التي تقكؿ بأف‪ ":‬األفراد مرتبطكف ببعضيـ البعض بكاسطة التأثيرات‬
‫كالمحددات التي نشعر بيا بشكؿ متبادؿ‪ ،‬كمنو فإف المجتمع شيء كظيفي شيء يصنعو األفراد كيخضعكف لو‬
‫في ذات الكقت"‪.‬‬
‫إذف ما لفت انتباه "زيمؿ" ىك ىذا التنكع أك التعدد في االنتماءات‪ ،‬كعميو فإف العدد المتكقع لمدكائر التي يمكف‬
‫أف ينتمي إلييا الفرد أحد مؤشرات الثقافة‪ .‬فػ" إذا كاف اإلنساف الحديث ينتمي في البداية إلى أسرتو األبكية‬
‫فإنو الحقا سينتمي إلى األسرة التي سيؤسسيا ىك‪ ،‬كالى أسرة زكجتو‪ ،‬كما سينتمي إلى أسرة مينتو‪ ،‬التي‬
‫ستحقؽ لو بدكرىا االندماج في عد مف دكائر المصمحة‪ .‬ثـ إذا ما كاف كاعيا بأنو ينتمي إلى جنسية ما كالى‬
‫طبقة اجتماعية معينة‪ ،‬ثـ ككفؽ ذلؾ‪ ،‬كاذا ما كاف عمى سبيؿ المثاؿ‪ ،‬ضابط احتياط‪ ،‬فسينتمي إلى بعض‬
‫الجمعيات‪ ،‬كستككف لو مخالطات‪ ،‬كصداقات اجتماعية ضمف دكائر أكثر تنكعا‪ ،‬كسنككف أماـ تنكع ىائؿ في‬
‫الجماعات‪ ،‬حيث سيككف بعضيا عمى قدـ مف المساكاة‪ ،‬في حيف ستُرتب أخرل عمى نحك تبدك معيا إحداىف‬
‫بأنيا العبلقة األصمية‪ ،‬التي يمكف لمفرد انطبلقا منيا التكجو نحك دائرة أكثر بعدا‪ ،‬بسبب مميزاتو الخاصة‬
‫التي ستجعمو متمي از عف األعضاء اآلخريف داخؿ الدائرة األكلى‪(Paugam,2008, pp 91,92).‬‬
‫ىذا كاذا ما كاف الفرد يتميز بتعددية الركابط االجتماعية‪ ،‬فإف الجماعات التي ينتمي إلييا يمكف أف تككف‬
‫مترتبة عمى نحك النمكذج المتحد‪ /‬أك المشترؾ المركز‪ ،‬أك عمى العكس مف ذلؾ‪ ،‬تككف مترتبة إلى جانب‬
‫بعضيا البعض‪ .‬ففي النمكذج المشترؾ المركز تتقمص الدكائر شيئا فشيا‪ ،‬مف األمة‪ ،‬إلى اإلقميـ األكثر قربا‬
‫مرك ار بالمكانة المينية‪ ،‬البمدية‪ ،‬فالحي‪ ،‬كفي ىذه الحالة نقكؿ بأف الفرد ينتمي إلى الدكائر المباشرة‪ ،‬أك األكثر‬
‫ضيقا‪ ،‬لكنو ينتمي أيضا إلى الدكائر األخرل‪ .‬كمثؿ ىذا التكديس لمركابط االجتماعية سيحدد الكظائؼ‬
‫المتتالية التي يمكف أف يمارسيا الفرد‪ ،‬إذ يتعمؽ األمر ىنا بتنظيـ اجتماعي الذم ال يمكنو بنياية األمر سكل‬
‫مف استقبللية محدكدة‪ ،‬أما عندما تككف الدكائر جنبا إلى جنب‪ ،‬كبالتبعية ستككف مستقمة‪ ،‬فيي ستضمف لمفرد‬
‫حرية أكسع‪ ،‬بحيث تصبح ىكيتو متعددة‪ ،‬كعمى ىذا النحك تقكـ الركابط بيف مختمؼ الجماعات التي يشارؾ‬

‫‪42‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫فييا ىذا الفرد أك ذاؾ‪ ،‬فالدكائر مكجكدة إلى جنب بعضيا البعض‪ ،‬كال تمتقي إال داخؿ الشخص الكاحد‪.‬‬
‫)‪(Paugam,2008, p93‬‬

‫‪.6‬الرابط االجتماعي عند نوربرت إلياس ‪)1990-1897( :Norbert Elias‬‬


‫كلد " نكربرت إلياس" بػ بريسمك بألمانيا في ‪ 22‬يكنيك ‪ 1897‬كتكفي بأمسترداـ بيكلندا في ‪ 1‬أكث‬
‫‪.1990‬اىتـ "نكربرت إلياس" في أطركحتو لمدكتكراه التي ترجمت إلى المغة الفرنسية في جزأيف بمعالجة‬
‫مكضكع‪ :‬حضارة القيـ كديناميكية الغرب‪ .‬أم بدراسة تطكر المعايير‪ ،‬كقكاعد السمكؾ في مجتمعات أكركبا‬
‫الغربية منذ القركف الكسطى‪ ،‬كذلؾ مف خبلؿ تناكلو بالتحميؿ ألشكاؿ التبعية االجتماعية المتبادلة‪ ،‬التي ميزت‬
‫مرحمة القركف الكسطى كؿ مرحمة عمى حدة‪ .‬كقد َّ‬
‫ألح فييا " نكربرت إلياس" عمى التحكؿ الذم حدث في‬
‫شكؿ ضبط كتنظيـ لمغرائز كالعكاطؼ‪.‬‬
‫كفي ىذا اإلطار الحظ "نكربرت إلياس" بأف االنتقاؿ مف مرحمة تاريخية إلى أخر‪ ،‬أك عمى األقؿ بالنسبة‬
‫لمدكؿ األكركبية قد تـ بشكؿ مختمؼ مف دكلة ألخرل‪ ،‬تبعا الختبلؼ ميكانيزـ منع الغرائز‪ ،‬كالرقابة الذاتية‬
‫عمييا‪ ،‬مع العمـ بأف ىذا االنتقاؿ قد تطمب تكفر شرطيف أساسيف بؿ كضركرييف لتحققو أال كىما‪:‬‬
‫‪ -‬كجكد تمايز متقدـ بيف الكظائؼ‪.‬‬
‫‪ -‬احتكار الدكلة لمعنؼ‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف استبطاف ميكانيزمات الرقابة عمى المشاعر‪ ،‬عمى الغرائز‪ ،‬كعمى العكاطؼ‪ ،‬قد أدل إلى‬
‫فصؿ أكثر كضكحان‪ ،‬أك أكثر ِّ‬
‫حدة‪ ،‬ما بيف الفضاء الخاص‪ ،‬كالفضاء العاـ‪ ،‬إلى الحد الذم أدل إلى قياـ‬
‫ثنائية بيف الفرد كالمجتمع‪ ،‬كما لك كانا حقيقتيف متعارضتيف‪.‬‬
‫فػ "نكربرت إلياس" يرل بأف الحركات الدالة عمى الحياء‪ ،‬كاآلداب في السمكؾ‪ ،‬ىي الجانب المرئي في سيركرة‬
‫الحضارة األكركبية منذ عصر النيضة‪ .‬إذ يحكى بأنو كحتى نياية القرف السادس عشر (ؽ‪ )16‬كاف يمكف‬
‫أف تشاىد الناس في ألمانيا مثبل أطفاال‪ ،‬رجاال‪ ،‬كنساء‪ ،‬عارية تماما تجكب الشكارع في طريقيا الى الحماـ‬
‫العمكمي‪ ،‬كغيرىا مف األمثمة األخرل‪ ،‬التي يمكف أف تككف محبل لمتيكـ‪ ،‬كالسخرية‪ ،‬في أيامنا ىذه حكؿ‬
‫استخدامات الجسد‪ ،‬أك آداب المائدة‪ ،‬كمنيا عمى سبيؿ الذكر استعماؿ شككة الطعاـ في األكؿ‪ ،‬كالتي كاف‬
‫حاكـ فينيسيا اكؿ مف حصؿ عمييا في القرف الحادم عشر (ؽ‪ )11‬ككانت مف سنيف فقط‪ ،‬بؿ ككاف قد أديف‬
‫استخداميا آنذاؾ‪ ،‬مف قبؿ رجاؿ الديف‪ ،‬أك الكنيسة‪ .‬كأما في فرنسا فمـ تظير في الببلط الممكي إال بكصكؿ‬
‫ىنرم الثالث لمحكـ‪ ،‬كقد كانت محؿ سخرية مف قبؿ العامة‪( .‬كاباف‪ ،2010 ،‬ص ‪)181‬‬

‫‪43‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫أيا كاف األمر فما يمكف قكلو في ىذا المقاـ‪ ،‬ىك أف " نكربرت إلياس" قد دخؿ عالـ السكسيكلكجيا مف ىذا‬
‫الباب‪ ،‬أك مف باب األحداث الظريفة‪ ،‬كقد نحت بيذا الخصكص مفيكـ "حضارة آداب السمكؾ" الذم خصو‬
‫بثبلثة (‪ )03‬مجمدات‪ ،‬كيمكف اختزاؿ الفكرة التي تمحكرت حكليا في أف الحضارة مسألة في آداب السمكؾ‪.‬‬
‫(كاباف‪ ،2010 ،‬ص ‪.)181‬‬
‫‪ -1‬مفيوم الشكل أو المظير الخارجي عند "نوربرت إلياس"‪:‬‬
‫لقد كضع "نكربرت إلياس" مف خبلؿ مفيكـ الشكؿ‪ ،‬أك مفيكـ المظير الخارجي‪ ،‬مسألة التبعيات اإلنسانية‬
‫المتبادلة في قمب التفكير السكسيكلكجي‪ .‬كقد أدت بو نظرتو حكؿ الحضارة الغربية عمى األقؿ‪ ،‬إلى كضع‬
‫رسـ بياني مفيمي‪ ،‬حكؿ تعقد‪ ،‬كتشابؾ العبلقات اإلنسانية‪ .‬كاقترح لشرح كتكضيح ذلؾ صكرة الشبكة‪ ،‬كمثاؿ‬
‫كاقعي‪ ،‬يعبر عف حقيقة تعقد التبعيات المتبادلة بيف األفراد في المجتمع‪ ،‬حيث تيدؼ صكرة أك مثاؿ الشبكة‬
‫إلى جعؿ ىذا المفيكـ ‪ -‬مفيكـ المظير أك الشكؿ الخارجي‪ -‬مفيكما ككاضحا كمممكسا‪.‬‬
‫يقكؿ " نكربرت إلياس" في ىذا الصدد‪ :‬تصنع الشبكة مف عدد مف الخيكط المترابطة‪ .‬إال أنو كمع ذلؾ‪ ،‬فبل‬
‫مجمكع ىذه الشبكة‪ ،‬كال الشكؿ الذم تأخذه الخيكط المختمفة فييا‪ ،‬يمكف أف ُيفيـ انطبلقان مف خيط كاحد مف‬
‫ىذه الخيكط كال حتى مف جميع ىذه الخيكط في ذاتيا‪ ،‬ألف ىذه الخيكط ال تفيـ إال بفضؿ تجميعيا‪ ،‬كبفضؿ‬
‫نظاميا إلى كؿ خيط مف ىذه‬
‫ُ‬ ‫عبلقتيا التي تربطيا فيما بينيا‪ .‬كىي العبلقة التي تخمؽ حقبلن مف القكل ُينق ُؿ‬
‫كينقؿ إلى كؿ خيط بكيفيات تختمؼ لحد معيف عف بعضيا البعض‪ ،‬أك بحسب كضعية ككظيفة‬ ‫الخيكط‪ ،‬بؿ ُ‬
‫كؿ خيط مف ىذه الخيكط ضمف المجمكع‪ ،‬أك ضمف ىذه الشبكة مف الخيكط‪ .‬مع العمـ بأف شكؿ كؿ خيط‬
‫مف خيكط ىذه الشبكة يتبدؿ بتبدؿ الضغط الكاقع عميو‪ ،‬كما تتبدؿ بنية مجمكع ىذه الشبكة ككؿ‪ ،‬بالرغـ مف‬
‫أف ىذه الشبكة مف الخيكط مجرد تجمع لخيكط مختمفة "كحيث يشكؿ كؿ خيط مف ىذه الخيكط بداخؿ ىذا‬
‫الكؿ كحدة في ذاتيا‪ ،‬كىي تحتؿ مكانة متميزة‪ ،‬كتأخذ شكبل خاصان‪(Paugam,2008, pp 97,98).‬‬
‫نفيـ مف ذلؾ بأف األفراد يرتبطكف ببعضيـ البعض‪ ،‬أم عبر جممة مف قيكد مف التبعية المتبادلة‪ ،‬كالتي‬
‫تنطبؽ أيضا عمى تشكيبلت اجتماعية أخرل‪ ،‬تتميز فيما بينيا بأحجاـ مختمفة‪ ،‬أك متباينة‪ ،‬كمنيا‪ :‬الطبقة‬
‫االجتماعية‪ ،‬جماعة األصدقاء‪ ،‬ركاد المقيى‪ ،‬ركضة األطفاؿ‪...‬إلخ‪ .‬ضمف ىذا الطرح يصرح "نكربرت‬
‫الياس"‪ " :‬إذا نظرنا مف الناحية الجسدية نرل اف األفراد الذيف كانكا‪ ،‬ككذلؾ الذيف مازالكا طيمة حياتيـ في‬
‫التصاؽ دائـ بأحضاف المجمكعات كالتجمعات البشرية العائمية كالقبمية كالعشيرية ما قبؿ الكطنية‪ ،‬لـ يككنكا‬
‫أقؿ تماي از كتباينا عما ىـ عميو أفراد المجتمعات الكطنية الحالية األكثر تمايزا"‪( .‬الياس‪ ،2014 ،‬ص ‪)154‬‬
‫كبمعنى آخر فإف صفة التمايز كالتبايف المتزايد بيف األفراد في المجتمع الكاحد‪ ،‬ىي ميزة لممجتمعات الحديثة‬

‫‪44‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫أك المجتمعات الكطنية عمى حد تعبيره التي تقكـ أكثر فأكثر عمى الفردانية‪ ،‬كالتي ىي حدث في سياؽ عممية‬
‫التكجو نحك مزيد مف التمدف‪ ،‬أيف يتعمـ األفراد ممارسة الكبت الذاتي لعكاطفيـ‪ ،‬ككبح جماح الدكافع السمككية‬
‫العفكية‪ .‬كىك ما يخمؽ داخؿ كؿ فرد الذم سيدخؿ ال حقا في عبلقات مع "الخارج"‪ ،‬الشعكر بكجكد "داخؿ"‬
‫لديو يخصو بذاتو‪ ،‬أم ال عبلقة لآلخريف بو‪( .‬الياس‪ ،2014،‬ص ‪)155‬‬
‫‪ -2‬تعددية الروابط عند "نوربرت إلياس"‪:‬‬
‫يؤكد بدكره "نكربرت إلياس" عمى فكرة تعددية الركابط االجتماعية في المجتمع‪ ،‬كىي الفكرة التي يطمؽ عمييا‬
‫"مستكل االندماج" كيقر بكجكد مستكيات متعددة مف االندماج‪ ،‬تميز المجتمع اإلنساني في مستكاه‬
‫تسمية‪ُ :‬‬
‫الحالي مف التطكر‪ .‬كبالفعؿ يقكؿ " إلياس" فنحف كذكات نقكـ بعممية انتقاء مف بيف عدد مف المرجعيات‬
‫بالنسبة ل ػ "النحف" عندما نقكؿ بأف األفراد يحددكف‪ ،‬أك يعرفكف عمى ىذا النحك عائمتيـ‪ ،‬أك دكائر األصدقاء‬
‫مثمما القرل كالمدف‪ ،‬التي يسكنكنو‪ ،‬كالمجمكعات الكطنية‪ ،‬التي ينتمكف إلييا‪ .‬ال بؿ كحتى األشكاؿ الخارجية‬
‫ما بعد الكطنيات‪ ،‬أك ما بيف عدد مف الدكؿ مف نفس القارة‪ ،‬كاإلنسانية ككؿ‪ .‬إف ما نبلحظو ىنا كبشكؿ‬
‫محسكس‪ ،‬أك بكضكح تاـ ىك‪ :‬كثافة ىذا التعريؼ بالذات‪ ،‬قياسا بيذه المستكيات المختمفة‪ ،‬كالمتعددة‬
‫لبلندماج‪.‬‬
‫إف االلتزاـ أك االرتباط الذم ُيعَّبر عنو بكاسطة استخداـ ضمير "النحف" يككف في العادة أكثر عمقا‪ ،‬أك أقكل‬
‫كأشد عندما يتعمؽ األمر بالعائمة‪ ،‬أك بالجماعة المحمية‪ ،‬أك بالجيكية‪ ،‬أك باالنتماء الكطني‪ .‬كفي المقابؿ‬
‫تخؼ النبرة العاطفية ليكية "النحف" أك تضعؼ بشكؿ كاصح كمحسكس عندما يتعمؽ األمر بأشكاؿ االندماج‬
‫الما بعد كطنيات‪ .‬مثاؿ‪ :‬اتحاد الدكؿ اإلفريقية‪ ،‬األسيكية‪ ،‬كاالتحاد األكربي‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫إف إقرار " نكربرت إلياس" ىنا بتعدد مستكيات االندماج لـ يمنعو بالمقابؿ مف التأكيد عمى مفيكـ " الداخؿ"‬
‫ك"الخارج" حيث يبقى المخطط األساسي لمصكرة الذاتية كلمصكرة اإلنسانية بشكؿ عاـ عمى حد تعبيره معتمدا‬
‫عمى تصكر ىذا " الداخؿ" المنفصؿ عف "الخارج" بجدار غير مرئي‪ ،‬حتى في تممؾ األنماط األكثر تقدما مف‬
‫التخصصات المجتمعية كالفردانية‪( .‬إلياس‪ ،2014،‬ص ‪)159‬‬
‫كالى جانب ما تقدـ فقد عالج "نكربرت إلياس" في كتابو ما السكسيكلكجيا؟ كتحديدا في الفصؿ الخامس منو‬
‫المشكبلت التي يطرحيا تحميؿ الركابط االجتماعية‪ .‬ففيو تطرؽ كبشكؿ خاص إلى العبلقات العاطفية التي‬
‫يرل بأنيا تحتاج إلى اىتماـ خاص‪ .‬حيث ذكر بأف اإلنساف يأمؿ دكما في االلتقاء بأناس آخريف‪ ،‬كلذلؾ نجد‬
‫بأنو مرتبط بشكؿ كبير بغيره مف الناس‪ ،‬كاألمر ىنا يتعمؽ بعبلقات التبعية الككنية المتبادلة التي ترتبط الناس‬
‫ببعضيـ البعض عمى ا لمستكل االجتماعي‪ ،‬كىي التبعية االبتدائية التي ال تتحدد في الحاجات الجنسية فقط‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ألف الناس في حاجة إلى بعضيـ البعض مف أجؿ إشباع تطمعاتيـ العاطفية‪ ،‬كىنا يمكف الحديث عف القيـ‬
‫العاطفية المكجَّية نحك الغير‪ ،‬حيث يجد البعض بمف يرتبط‪ ،‬بينما يبقى البعض اآلخر في حالة بحث عف‬
‫نقطة تثبيت بما يتناسب كصكرة اإلنساف المنفتح‪ ،‬الذم يبحث عف عبلقات تمنحو اإلثارة العاطفية‪.‬‬
‫كعميو فإف الرابط العاطفي ليس رابطا خارجيا عف الفرد‪ .‬ففقداف شخص عزيز عمى سبيؿ المثاؿ يؤدم إلى‬
‫المشكمة ليكية ىذا الشخص أك‬
‫الشعكر بخسارة جزء مف ذات الشخص المعني بيذا الفقد‪ ،‬كالصكرة "أنا‪/‬نحف" ُ‬
‫ذاؾ تتكسر‪ ،‬فيتبدؿ مجمكع الشبكة العاطفية‪ ،‬كذات الشعكر يحدث عندما تنتيي عبلقة حب أك عبلقة‬
‫صداقة‪.‬‬
‫باختصار يتفؽ "نكربرت إلياس" مع "دكركايـ" حكؿ فكرة ارتباط الركابط االجتماعية في المجتمعات الحديثة‬
‫بتقسيـ العمؿ‪ ،‬كبالتكاممية العضكية بيف األفراد داخؿ المجتمع‪ .‬لكنو– "نكربرت الياس"‪ -‬كمع ذلؾ يكصي‬
‫بضركرة عدـ االكتفاء بالقكؿ بالتبعية المتبادلة بيف األفراد‪ ،‬إذ يجب إدخاؿ فكرة التبعيات المتبادلة بيف األفراد‬
‫كالركابط العاطفية عمى كجو الخصكص‪ ،‬باعتبارىا عكامؿ لمرابط االجتماعي‪ .‬ذلؾ أف الركابط العاطفية‬
‫الشخصية تقكدنا إلى تحميؿ مجمكع الشبكة العبلئقية لمفرد‪ ،‬كما لك كانت قطعة نسيج تمت حياكتو انطبلقا‬
‫منو مف ناحية‪ ،‬كباعتباره مككنان لذاتو مف ناحية أخرل‪(Paugam,2008, pp 102-105).‬‬
‫إف المرحمة الحديثة التي نعيشيا يقكؿ " نكربرت إلياس" ليست سكل مرحمة مف عممية طكيمة مف التطكر‬
‫اإلنساني‪ ،‬أصبحت في سياقيا حمقات األعماؿ المتشعبة‪ ،‬تتزايد كتتعد فركعيا بشكؿ دائـ كمستمر‪ ،‬إال أنو‬
‫كمع ذلؾ ال زالت حاجة األفراد لبعضيـ البعض‪ ،‬بؿ كازداد ارتباط الناس ببعضيـ‪ ،‬بالرغـ مف أنيـ أصبحكا‬
‫أكثر شعك ار بفردانيتيـ عف ذم قبؿ‪ .‬فازدياد تقسيـ الكظائؼ كتراتبيتيا المتدرجة نحك األعمى باتجاه مركز‬
‫كاحد يكشؼ عف الحاجة الى الترابط كالتنسيؽ‪ ،‬كبالتالي تكجو العبلقات اإلنسانية نحك مزيد مف التضامف‬
‫كالتعاكف بيف األفراد المتمايزييف فيما بينيـ داخؿ المجتمع‪ .‬كأما التمايز بيف األفراد فميس إال جانب مف جكانب‬
‫الطابع اإلنساني اك الحالة اإلنسانية التي يعبر فييا األفراد عف استقبلليـ عف غيرىـ مف األفراد‪ ،‬الذم يبقى‬
‫في جميع األحكاؿ استقبلال نسبيا‪ ،‬كعف سعييـ المتزايد لتحقيؽ أنفسيـ‪ ،‬كتككيف معنى مميز ألنفسيـ‪ ،‬يككنكنو‬
‫ىـ بأنفسيـ‪ ،‬اك يقكمكف بو لكحدىـ‪ ،‬ذلؾ أف ىذه األنا المثالية صفة لصيقة باألفراد كدكنيا سيفقدكف ىكيتيـ‬
‫كأشخاص اماـ أنفسيـ‪ ،‬كاف كانت ليست جزءا مف طبيعتيـ‪ ،‬كلكف شيء تطكر بداخميـ نتيجة لما تعممكه في‬
‫مجتمعيـ‪( .‬إلياس‪ ،2014 ،‬ص ص‪)174 -170‬‬

‫‪46‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪ .III‬القيم الثابت والمتحول‬


‫‪ .1‬تعريف القيم‪:‬‬
‫أ‪-‬القيمة‪ :‬مفرد كممة قيـ‪ ،‬كىي مف بيف المفاىيـ األساسية‪ ،‬التي تحظى بأىمية خاصة في حقؿ االقتصاد‬

‫كما في عمـ االجتماع‪ ،‬كالفمسفة‪ .‬ففي االقتصاد مثبل ترتبط نظرية القيمة بنظرية الثمف أك السعر‪ .‬أما في عمـ‬
‫االجتماع‪ ،‬فإف القيمة في صيغة الجمع‪ ،‬أك "القيـ"‪ :‬فتعد " مف الحقائؽ األساسية في البناء االجتماعي‪ .‬كىي‬
‫تعالج سكسيكلكجيا عمى أنيا عناصر بنائية تشتؽ أساسا مف التفاعؿ االجتماعي كقد أصبحت في السنكات‬
‫األخيرة مف المكضكعات التي تحظى بأىمية متميزة في النظرية االجتماعية كالبحث السكسيكلكجي‪ .‬بينما‬
‫تعتبر المعالجة الفمسفية القيـ جزءا مف األخبلؽ‪ ،‬كالفمسفة السياسية كعمـ الجماؿ‪ .‬فمقد حاكلت المذاىب‬
‫الفمسفية عمى تعددىا كاختبلفاتيا‪ ،‬اإلجابة عمى المشكبلت‪ ،‬كاألسئمة الفمسفية‪ ،‬ذات االرتباط بالقيـ‪ ،‬كاف كانت‬
‫اإلجابات تمؾ بطبيعية الحاؿ لـ تصؿ إلى ِّ‬
‫حد اآلف‪ ،‬إلى االتفاؽ حتى عمى طبيعة المشكبلت التي ترتبط‬
‫بمكضكع القيـ‪( .‬غيث‪ ،2006 ،‬ص ‪)467‬‬
‫أيضا عرفت القيمة أك القيـ عمى انيا تمؾ‪ ":‬المثؿ الجماعية التي تحدد داخؿ مجتمع معيف معايير المرغكب‪:‬‬
‫الجميؿ كالقبيح العادؿ كغير العادؿ‪ ،‬المقبكؿ كالمرفكض‪ .‬أما ىذه القيـ فتككف مترابطة‪ ،‬كتشكؿ فيما بينيا ما‬
‫يسمى بػ "نظاـ القيـ" أيف تنتظـ كتقدـ رؤية معينة حكؿ ىذا العالـ"‪)Jean Etienne , 1997,P 316( .‬‬
‫فالقيمة‪ ":‬تشير إلى كؿ ما ىك مرغكب جماعيا‪ ،‬سكاء منحت ىذه الصفة أك الميزة عبر رأم مشترؾ‪ ،‬أك‬
‫متقاسـ أك بكاسطة ميكانيزمات مجيكلة (غير معركفة)"‪ .‬كمنيا نجد مثبل أف مف بيف القيـ العسكرية قيمة‬
‫الشجاعة‪ .‬كأما في االقتصاد فيمكف أف نتحدث عف القيمة االستعمالية‪ ،‬كالقيمة التبادلية‪ ،‬أك ما يشكؿ ثمف‬
‫سمعة ما‪ .‬كفي ىذا المكقؼ نبلحظ كيؼ انتقؿ ىذا المصطمح مف المجاؿ العسكرم إلى المجاؿ االقتصادم‬
‫مما يدلؿ كمثمما أكد عميو أتباع "ساف سيمكف" عمى التطكر الحاصؿ‪ ،‬أك عندما انتقمت المجتمعات مف‬
‫مجتمعات عسكرية‪ ،‬إلى مجتمعات مدينة‪.‬‬
‫ىذا كقد حظي مفيكـ "القيمة االجتماعية" أك "القيـ االجتماعية" بدكره بالعديد مف التعاريؼ‪ .‬مف بينيا‬
‫التعريؼ الذم ينظر لمقيمة االجتماعية‪ ،‬كباعتبارىا مفيكما في العمكـ االجتماعية عمى أنيا " مكضكع‪ ،‬أك‬
‫حاجة أك اتجاىا‪ ،‬أك رغبة‪ ،‬كتستخدـ في أغمب الحاالت‪ ،‬عندما تظير عبلقة تفاعمية بيف الحاجات‬
‫كاالتجاىات‪ ،‬كالرغبات مف جية‪ ،‬كالمكضكعات مف جية أخرل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كمنو فػ"القيمة االجتماعية" في كؿ مف عمـ االجتماع‪ ،‬كاالنثركبكلكجيا ىي تمؾ‪" :‬المستكيات الثقافية‬
‫المشتركة‪ ،‬التي نحتكـ إلييا في تقدير المكضكعات‪ ،‬كاالتجاىات األخبلقية‪ ،‬أك الجمالية‪ ،‬أك المعرفية‪ ،‬كىناؾ‬
‫اعتقاد بيف ما يتشارككف في ىذه المستكيات‪ ،‬بأنيا صادقة‪ ،‬كيتعيف االعتماد عمييا في تقييـ المكضكعات"‪.‬‬
‫(غيث‪ ،2006،‬ص ‪)469‬‬
‫ىذا كسيعكد عمـ االجتماع البنائي الكظيفي‪ ،‬كتحديدا مع " تالككت بارسكنز"" " ‪ "T. Parsons‬إلى معنى‬
‫"معيار القيمة" مف خبلؿ التأكيد عمى الدكر المرجح لمقيـ في بناء الفعؿ‪ ،‬ليسقط بذلؾ التمييز الذم أقامو‬
‫"فيبر" بيف الفعؿ المكجو بالعقؿ‪ ،‬كالفعؿ المكجو بالقيمة‪ ،‬كلتصبح القيـ االجتماعية بيذا الفيـ‪ ،‬التجسيد الفعمي‬
‫لمثقافة السائدة"‪ )François Gresle and others. 1990.p 341( .‬فقد عرفيا " بارسكنز" في كتابو‬
‫"النسؽ االجتماعي" بأنيا عبارة عف ‪ ":‬عنصر في نسؽ رمزم مشترؾ يعتبر معيا ار أك مستكل لبلختيار بيف‬
‫بدائؿ التكجيو التي تكجد في المكقؼ"‪ .‬فكأف القيـ االجتماعية بمثابة معايير عامة‪ ،‬كأساسية‪ ،‬يشارؾ فييا‬
‫أعضاء المجتمع‪ ،‬كىي تسيـ في تحقيؽ التكامؿ كتنظيـ أنشطة األعضاء"‪( .‬غيث‪ ،2006،‬ص ‪)469‬‬
‫أما مف بيف أقدـ التعريفات التي قدمت لمفيكـ "القيمة االجتماعية" فنجد تعريؼ كؿ مف "تكماس" ك"زنانيكي"‬
‫في مؤلفيما الشيير" الفبلح البكلندم" حيث ذىبا إلى القكؿ بأنيا " أم معنى ينطكم عمى مضمكف كاقعي‬
‫كتقبمو جماعة اجتماعية معينة‪ ،‬كما أف ليا معنى محددا حيث تصبح في ضكئو مكضكعا معيينا أك نشاطا‬
‫خاصا"‪.‬‬
‫كذلؾ نجد بأنو مف بيف التعريفات اليامة ليذا المفيكـ‪ ،‬تعريؼ "كبلكيكف" "‪" C. Kluckohn‬الذم رأل بأف‬
‫القيمة تصكر كاضح‪ ،‬أك مضمر‪ ،‬كىك يميز الفرد‪ ،‬أك الجماعة‪ ،‬كيحدد ما ىك مرغكب فيو‪ ،‬بحيث يسمح لنا‬
‫باالختيار مف بيف األساليب المتغيرة لمسمكؾ‪ ،‬الكسائؿ‪ ،‬كاألىداؼ الخاصة بالفعؿ‪( .‬غيث‪ ،2006 ،‬ص‬
‫‪)469‬‬
‫عمكما كأيا كاف األمر‪ ،‬فالمؤكد أف القيـ االجتماعية عبارة عف معايير ضابطة لمسمكؾ اإلنساني‪ ،‬كىي تحظى‬
‫بتقدير اجتماعي متفاكت سمبا اك إيجابا‪ ،‬كاذ تقبؿ بيا فؤلنيا تسمح ليا بتنظيـ شؤكف حياتيا االجتماعية‬
‫كاستمرارىا‪ ،‬كبتحقيؽ االنسجاـ كالتكامؿ داخؿ المجتمع مف خبلؿ فرض العقكبات المادية أك المعنكية عمى‬
‫المخالفيف ليا‪.‬‬
‫ثـ إف القيـ االجتماعية تتأثر بأفكار كمعتقدات حاممييا الذيف يكتسبكنيا مف المجتمع الذم يعيشكف فيو‪ ،‬كمف‬
‫عمميات التنشئة االجتماعية‪ ،‬ككذا الخبرات كالتجارب الحياتية السابقة‪ .‬فالقيـ تؤثر في سمكؾ األفراد‬
‫كالجماعات‪ ،‬كفي أخبلقيـ‪ ،‬كفي عبلقاتيـ االجتماعية‪ .‬كىي – القيـ‪ -‬برأم عمماء االجتماع كاألنثركبكلكجيا‬

‫‪48‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫يمكف أف تككف إيجابية مثؿ‪ :‬قيـ الشجاعة‪ ،‬التعاكف‪ ،‬كالعدالة كالديمقراطية‪ ،‬كيمكف أف تككف سمبية كػ‪:‬‬
‫األنانية‪ ،‬الطائفية‪ ،‬التعصب‪ ،‬التحيز‪ ،‬كضيؽ الفكر‪ ،‬كغيرىا مف القيـ التي ينبذىا المجتمع‪.‬‬

‫‪ .2‬القيم وبعض المفاىيم المجاورة‪:‬‬


‫‪ -1.2‬التوجيو القيمي ‪ :‬عبارة عف قيمة يرتبط بيا الفرد كتؤثر عمى سمككو حيث فرؽ بعض المؤلفيف بيف‬
‫التكجو القيمي كالقيمة عمى أساس أف األكؿ يركز عمى الفرد‪ ،‬بينما تشير القيمة إلى الجماعة‪ ،‬كلذلؾ يمكف أف‬
‫يقاؿ بأف أعضاء جماعة معينة يشترككف في قيمة ما كمع ذلؾ فإف تمؾ القيمة ال تحمؿ نفس األىمية لدل‬
‫كافة أعضائيا أم أنو كعندما يتـ التأكد عمى كجو نظر الفرد معيف بدال مف الجماعة يستخدـ مصطمح‬
‫التكجيو القيمي‪ .‬كمنو يصبح االتجاه‪ :‬عممية كعي فردية تحدد النشاط الكاقعي لمفرد‪ ،‬أك النشاط المحتمؿ في‬
‫العالـ االجتماعي‪ ،‬فاالتجاه ىك االتجاه الفردم لمقيمة االجتماعي كالنشاط أيا كانت صكرتو ىك الرابطة‬
‫بينيما‪.‬‬
‫‪ -2.2‬النسق القيمي ‪ :‬يمثؿ نمكذجا لمقيـ في المجتمع أك في جماعة ما تتميز القيـ الفردية فيو باالرتباط‬
‫المتبادؿ الذم يجعميا تدعـ بعضيا البعض كتككف كبل متكامبل‪ ،‬كأما النسؽ القيمي فيحدد إطا ار لتحميؿ‬
‫المعايير‪ ،‬كالمثؿ‪ ،‬كالمعتقدات‪ ،‬كالسمكؾ االجتماعي‪( .‬غيث‪ ،2006،‬ص ص‪)469،468‬‬
‫‪ -3.2‬القيم والمبادئ ‪ :‬تعد المبادئ أك أسس مكجية لمقيـ‪ .‬كىي ال تستنبط أك ال تشتؽ مف شيء أخر‪ ،‬كال‬
‫تتغير بتغير الزماف كالمكاف كىي تمتاز بخاصية اإللزامية‪ ،‬أما القيـ فتشتؽ مف المبادئ‪ ،‬كتتميز بككنيا مطمقة‬
‫كنسبية‪.‬‬
‫‪ -4.2‬القيم والمثل‪ :‬ىناؾ تقارب شديد بيف القيـ كالمثؿ‪ ،‬كتمثؿ المثؿ الحكافز الطكيمة األمد أك الغايات التي‬
‫نسعى إلى تحقيقيا‪ ،‬بينما تمثؿ القيمة اختيا ار أك تفصيبل أك حكما يصدره اإلنساف عمى شيء ميتديا بمجمكعة‬
‫مف المعايير كالمبادئ‪ ،‬التي حددىا المجتمع‪.‬‬
‫‪ -5.2‬القيم والمعايير ‪ :‬يعد المعيار بمثابة سمطة اجتماعية يخضع ليا الفرد كلك كاف بعيدا عف أعيف‬
‫الرقيب‪ ،‬حيث يؤثر في كثير مف سمككياتو كدكافعو كانفعاالتو‪ ،‬كىك مصطمح قياسي لتقدير الصحيح أك‬
‫الصكاب مف الخطأ في سمكؾ األفراد‪ ،‬باعتبارىـ أعضاء داخؿ الجماعة أك في المجتمع‪ .‬ىذا كتعتبر المعايير‬
‫نتيجة لمتراث كالثقافة بينما تعد القيـ نتيجة التككيف النفسي‪( .‬جميؿ‪ ،1996 ،‬ص ‪)42‬‬

‫‪ .3‬خصائص القيم‪:‬‬
‫نفيـ مما تقدـ أف القيـ تتميز بجممة مف الخصائص ىي‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -1.3‬أنيا مسألة نسبية شخصية‪ ،‬كىي تنبع مف داخؿ اإلنساف‪ ،‬أك مف رغباتو‪ ،‬ال مف خارجو‪ ،‬فاإلنساف ىك‬
‫الذم يضفي عمى الشيء قيمتو الخاصة بو‪.‬‬
‫‪-2.3‬أنيا أساسية في حياة اإلنساف السكم أك العادم‪ ،‬ذلؾ أف القيـ بمثابة المرشد الذم يتحكـ في النشاط‬
‫اإلنساني اإلرادم‪ ،‬فيي تساعد اإلنساف عمى تنظيـ معالـ شخصيتو الفردية كاالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3.3‬أنيا تختمؼ مف شخص آلخر‪ ،‬بؿ كتختمؼ لدل نفس الشخص باختبلؼ حاجاتو‪ ،‬رغباتو‪ ،‬كظركفو‬
‫(قطعة الحمكل لمطفؿ الصغير‪ ،‬ككب الماء عند العطش)‬
‫‪ -4.3‬أنيا تخضع لمنطؽ المجتمع كنظمو كقكانينو االجتماعية‪ ،‬أك ىي ذات إلزاـ جمعي‪.‬‬
‫‪-5.3‬أنيا قابمية لبلنتقاؿ‪ ،‬كىي تشكؿ تراثا لمعديد مف األنساؽ االجتماعية‪ ،‬ثـ أنيا يمكف أف تككف مكضع‬
‫مشاركة جماعية‪( .‬بكعطيط‪ ،2011/2012،‬ص ص ‪)78-76‬‬
‫‪ -6.3‬أنيا ذات ثبات نسبي‪.‬‬
‫‪ -7.3‬أنيا مترابطة‪ ،‬تتأثر ببعضيا البعض‪.‬‬
‫‪-8.3‬أنيا مكتسبة‪ ،‬أم يتعمميا الفرد عف طريؽ التنشئة االجتماعية كضمف الجماعة التي ينتمي إلييا‪.‬‬
‫‪-9.3‬أنيا ىرمية‪ ،‬أم مرتبة عند الفرد ترتيبا تنازليا كفقا ألىميتيا عنده‪.‬‬
‫‪ -10.3‬أنيا عمكمية‪ ،‬أم بمعنى أنيا تشكؿ طابعا مشتركا بيف فئات المجتمع الكاحد‪.‬‬
‫‪ -11.3‬أنيا تعبر عف خصائص حضارية ففي كؿ فترة زمنية يكجد تصكر معيف لمقيـ‪ ،‬اك لما ىك مقبكؿ‬
‫كما ىك مرفكض اجتماعيا‪.‬‬
‫‪ -12.3‬أنيا معرفة أخبلقية تعبر عف فكرة مثالية‪( .‬التابعي‪ ،1999 ،‬ص ‪)119‬‬

‫‪ .4‬مكونات القيم‪:‬‬
‫‪ .1.4‬المكون المعرفي‪ :‬كيتضمف ىذا المككف إدراؾ مكضكع القيمة كالميزة عف طريؽ العقؿ‪ ،‬كيمثؿ معتقدات‬
‫الفرد كأحكامو كأفكاره كمعمكماتو عف القيمة‪.‬‬
‫‪ .2.4‬المكون الوجداني‪ :‬كيشتمؿ عمى االنفعاالت كالمشاعر‪ ،‬كاألحاسيس الداخمية‪ ،‬كعف طريقو يميؿ الفرد‬
‫إلى قيمة معينة‪ ،‬كيشعر بالسعادة الختياره ىذه القيمة‪ ،‬أك تمؾ‪ ،‬كاستعداده لمتمسؾ بيا دكف غيرىا‪.‬‬
‫‪ .3.4‬المكون السموكي‪ :‬كىك الجانب الذم تظير فيو القيمة‪ ،‬حيث تترجـ في سمكؾ ظاىرم‪ ،‬كيتصؿ ىذا‬
‫الجانب بممارسة القيمة أك السمكؾ الفعمي‪( .‬العريشي كآخر‪ ،2015 ،‬ص‪)82‬‬

‫‪50‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫بناء النظاـ القيمي‬

‫• ترجمة القيمة إلى ممارسة‬


‫المككف الثالث‪ :‬ممارسة القيمة‬
‫• إعبلف التمسؾ بالقيمة‬
‫• الشعكر بالسعادة الختيار القيمة‬
‫المككف الثاني‪ :‬تقدير القيمة كاالعتزاز بيا‬
‫• االختيار الحر بيف البدائؿ‬
‫• النظر في عكاقب البدائؿ‬
‫المككف األكؿ‪ :‬التعريؼ كاالختيار‬
‫• تعريؼ البدائؿ الممكنة‬

‫المصدر‪(:‬عبد الرحماف‪ ،1992 ،‬ص ‪).58‬‬

‫‪ .5‬تصنيف القيم‪:‬‬
‫ال يكجد تصنيؼ كاحد‪ ،‬أك تصنيؼ مكحد في تحديد أصناؼ القيـ‪ ،‬كنستعرض فيما يمي بعض ىذه‬
‫التصنيفات‪:‬‬
‫‪ .1.5‬تصنيف القيم من حيث المحتوى‪:‬‬
‫وىك التصنيؼ الذم قاؿ بو كؿ مف‪" :‬ألبكرت" ‪ "Allport‬ك" فيرنكف"‪Vernon‬ك"ليندزم" "‪ "Lind-Zey‬كالذم‬
‫يفترض بأف الناس ييتدكف في أفعالو أساسا بكاحدة‪ ،‬أك أكثر مف القيـ الست الشييرة اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬القيمة النظرية‪ :‬ىي مجمكعة القيـ التي يعبر عنيا اىتماـ الفرد بالعمـ كالمعرفة كالسعي كراء القكانيف التي‬
‫تحكـ األشياء بقصد معرفتيا‪ ،‬كميؿ الفرد الكتشاؼ الحقيقة‪ ،‬كيتميز األفراد الذيف تسكد عندىـ ىذه القيمة‬
‫بنظرة مكضكعية نقدية‪ ،‬معرفية كيككنكف عادة مف الفبلسفة كالعمماء كالمفكريف‪.‬‬
‫ب‪-‬القيمة االقتصادية‪ :‬كيقصد بيا اىتماـ الفرد كميمو إلى كؿ ما ىك نافع‪ ،‬كىك في سبيؿ ىذا اليدؼ يتخذ‬
‫مف العالـ المحيط بو كسيمة لمحصكؿ عمى الثركة كزيادتيا عف طريؽ اإلنتاج كالتسكيؽ كاالستيبلؾ كاستثمار‬
‫األمكاؿ ‪ ،‬كيتميز األشخاص الذيف تسكد لدييـ ىذه القيمة بنظرة عممية نفعية كيككنكف عادة مف رجاؿ‬
‫األعماؿ‪ ،‬كما أف القيمة االقتصادية تتمثؿ في االىتماـ بالنتائج العممية كفكائدىا المرتقبة ككثي ار ما تتعارض‬
‫مع غيرىا مف القيـ‪.‬‬
‫جــ‪-‬القيمة الجمالية الفنية‪ :‬يعبر عنيا بميؿ اإلنساف إلى كؿ ما ىك جميؿ مف حيث الشكؿ‪ ،‬التكافؽ‬
‫كالتنسيؽ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫د‪-‬القيمة االجتماعية‪ :‬تظير لدل األفراد الذيف يحبكف الحياة االجتماعية كيميمكف إلى حب الناس‬
‫كمساعدتيـ‪ ،‬يتميز ىذا النكع مف األفراد بركح تعاكف كبيرة‪ ،‬كيرل "سبرانجر" أف القيـ االجتماعية في أنقى‬
‫صكرىا تتجرد عف الذات كتقترب جدا مف القيـ الدينية‪.‬‬
‫ه‪ -‬القيمة السياسية‪ :‬يقصد بيا اىتماـ الفرد بالحصكؿ عمى القكة كالسيطرة بيدؼ التحكـ في األشياء‬
‫كاألشخاص‪ ،‬كيعبر عنيا الفرد بالنشاط السياسي كالعمؿ عمى حؿ مشكبلت الجماىير‪ ،‬يتمتع أصحاب ىذه‬
‫القيمة بكح قيادية كيستطيعكف التأثير في غيرىـ كمف ىؤالء اإلدارييف كالسياسييف‪.‬‬
‫و‪ -‬القيمة الدينية‪ :‬كىي أرفع القيـ لدل الرجؿ المتديف‪ ،‬كرجؿ الديف كيرل "سبرانجر" أف الرجؿ المتديف ىك‬
‫شخص يتجو بناءه العقمي باستمرار نحك خمؽ أعمى الخبرات قيمة ذات اإلرضاء المطمؽ‪.‬‬
‫ز‪ -‬القيمة الرياضية ‪ :‬كىي القيـ التي تكجو سمؾ الرياضييف كالمشجعيف‪ ،‬كتبيف فكائد ممارسة الرياضة بكجو‬
‫عاـ‪.‬‬
‫ح‪ -‬القيمة اإل نسانية‪ :‬كتتمثؿ في القيـ التي تؤكد عمى حقكؽ االنساف الطبيعية في الحرية كالكرامة كعدـ‬
‫المعاناة مف التمييز كاالضطياد اك االستغبلؿ بكصفو انسانا‪.‬‬
‫ط‪ -‬القيمة الوطنية أو القومية‪ :‬كىي تمؾ القيـ التي تجسد قيـ المكاطنة كاالنتماء لمجتمع‪ ،‬أك ألمة‪ ،‬يعتز بيا‬
‫الفرد كيدافع عنيا‪( .‬محمد‪ ،2012 ،‬ص ص ‪)191-189‬‬
‫إلى جانب ىذه التصنيفات نجد تصنيفات أخرل‪ ،‬كمف بينيا تصنيؼ "رككاش" "‪ "Rokeach‬الذم صنفيا‬
‫حسب المقصد منيا‪ ،‬أك كفؽ بعد المقصد‪ ،‬كىي كفؽ ذلؾ تنقسـ إلى‪:‬‬
‫‪ .2.5‬تصنيف القيم حسب المقصد‪:‬‬
‫أ‪-‬القيم الوسيمية‪ :‬كىي القيـ التي ينظر إلييا سكاء مف قبؿ األفراد أك الجماعات عمى أنيا كسائؿ لتحقيؽ‬
‫غايات أبعد (القيـ األخبلقية‪ ،‬كالكفاءة)‬
‫ب‪ -‬القيم الغائية‪ :‬كىي األىداؼ التي يضعيا األفراد كالجماعات ألنفسيـ كمنيا القيـ الشخصية‪ ،‬كالقيـ‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .3.5‬تصنيف القيم حسب بعد شدة االلتزام‪:‬‬
‫كفي ىذا التصنيؼ يمكف التمييز بيف جممة مف القيـ مثؿ‪:‬‬
‫أ‪ -‬القيم التفضيمية‪ :‬كىي القيـ التي يفضميا المجتمع كسيشجع أفراده عمى التمسؾ بيا مف دكف إلزاميـ بيا‪.‬‬
‫ب‪ -‬القيم المثالية‪ :‬كىي القيـ التي يشعر األفراد بصعكبة تحقيقيا بشكؿ كامؿ نظ ار لمثالتييا كسمكىا‪.‬‬
‫كالدعكة إلى التسامح كمقابمة اإلساءة باإلحساف‪( .‬الصيرفي‪ ،209 ،‬ص ‪)328‬‬

‫‪52‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ .4.5‬تصنيف القيم حسب بعد العمومية‪:‬‬
‫كيتصؿ ىذا البعد بمدل شيكع ىذه القيـ كعمكمتييا‪ ،‬كتـ كفؽ ىذا البعد تصنيؼ القيـ إلى قسميف‪( :‬تصنيؼ‬
‫كمككيكف)‬
‫أ‪-‬القيم العامة‪ :‬كىي القيـ التي يعـ انتشارىا في المجتمع كمو‪.‬‬
‫ب‪-‬القيم الخاصة‪ :‬كىي القيـ الخاصة بمناسبات اجتماعية أك بمناطؽ معينة‪ ،‬أك بفئات اجتماعية معينة‪ ،‬أك‬
‫طبيعة اجتماعية‪ ،‬أك جماعة خاصة (محمد خميفة‪ ،1990 ،‬ص ‪)34‬‬
‫‪ .5.5‬تصنيف القيم حسب بعد الديمومة‪:‬‬
‫كىك التصنيؼ الذم يقسميا مف حيث الديمكمة إلى نكعيف‪:‬‬
‫أ‪ -‬القيم العابرة‪ ،‬أو الوقتية ‪ :‬كىي القيـ العارضة أك القصيرة الدكاـ‪ ،‬تتميز بعدـ قدسيتيا أك إلزاميتيا مف قبؿ‬
‫الجماعة االجتماعية أك المجتمع كمنيا القيـ التي يقبؿ عمييا المراىقكف مثبل‪.‬‬
‫ب‪ -‬القيم الدائمة‪ :‬كىي القيـ التي تدكـ‪ ،‬أك التي تتناقميا المجتمعات كالجماعات االجتماعية جيبل بعد جيؿ‪،‬‬
‫كىي ترتبط في الغالب بالقيـ الركحية لممجتمعات‪( .‬الصيرفي‪)328 ،2009 ،‬‬
‫‪ .6.5‬تصنيف القيم حسب بعد المستوى‪:‬‬
‫كتصنؼ كفؽ ىذا البعد إلى قيـ المستكل األكؿ كقيـ المستكل الثاني‪:‬‬
‫أ‪ -‬قيم المستوى األول‪ :‬كىي القيـ المحكرية أك القيـ األـ داخؿ المجتمع‪ ،‬كتعرؼ عمى أنيا تمؾ القيـ الحاكمة‬
‫أك الممزمة ألفراد المجتمع‪ ،‬كىي بالتالي تمؾ المحددات كالمعايير األساسية التي تكجو كتقنف سمكؾ األفراد في‬
‫المجتمع كبالتالي فيي تشكؿ اإلطار الذم يتحكـ في سمكؾ الجماعات كاألفراد داخؿ المجتمع لبلعتقاد في‬
‫دقتيا كصكابيا‪.‬‬
‫ب‪ -‬قيم المستوى الثاني‪ :‬كىي القيـ االجتماعية التي تمس مجاالت الحياة اليكمية كالنشاط اإلنساني‪،‬‬
‫يسترشد بيا األفراد كىي تشمؿ المجاالت القيمية المختمفة‪ :‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬السياسية‪ ،‬التربكية‪،‬‬
‫العممية‪ ...‬إلخ (أبك جادك‪ ،1998 ،‬ص ص ‪)238-236‬‬
‫‪ .7.5‬تصنيف القيم حسب االرتباط بالنمط البنائي لممجتمع‪:‬‬
‫ضمف ىذا اإلطار صنفيا "إ‪ .‬نيمسكف" "‪ "l. Nilsson‬إلى فئتيف‪ ،‬قيـ تقميدية كقيـ عقمية‪ ،‬ككذلؾ فعؿ "ركبرت‬
‫ردفيمد"‪ "R. Redfield‬عندما قسميا عمى أساس نكع المجتمع إلى قيـ خاصة بالمجتمع الشعبي القديـ الذم‬
‫تسكده القيـ التقميدية كقيـ خاصة بالمجتمع الحضرم الذم تسكده القيـ العصرية‪( .‬محمد خميفة‪ ،1990 ،‬ص‬
‫‪)34‬‬

‫‪53‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪ .6‬اكتساب نسق القيم‪:‬‬


‫كيؼ يكتسب األفراد قيميـ ككيؼ تتبدؿ أك تتغير ىذه القيـ أك ما ىي الظركؼ كالعكامؿ التي تؤدم إلى‬
‫حدكث مثؿ ىذا التغيير اك التبدؿ‪ .‬أك ما ىي الديناميات كالعمميات التي مف شأنيا أف تعمؿ عمى اكتساب‬
‫األفراد كالجماعات لقيـ بعينيا‪.‬‬
‫يعرؼ "ف‪ .‬ريشر" "‪ "N. Resher‬عممية اكتساب القيـ بككنيا العممية التي يتبنى الفرد مف خبلليا مجمكعة‬
‫معينة مف القيـ مقابؿ التخمي عف قيـ أخرل"‪ .‬كأما تغيير القيـ فيقصد بو تحرؾ كضع القيمة عمى ىذا‬
‫المتصؿ‪ .‬فاالكتساب يعني إذف‪ ،‬مسألة الكجكد أك عدـ الكجكد‪ .‬في حيف يككف التغير في الدرجة التي يتحدد‬
‫بيا ىذا الكجكد‪ ،‬كيتضمف إعادة تكزيع االنساف لقيمو سكاء كاف ذلؾ عمى المستكل الفردم أك الجماعي‪ .‬عمما‬
‫بأف اكتساب القيمة كفؽ "ريشير" يمر بأربعة (‪ )04‬مراحؿ مختمفة كىي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المرحمة األولى‪ :‬كتتعمؽ بتبني الفرد لقيمة معينة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المرحمة الثانية‪ :‬كفييا يتـ إعادة تكزيع القيمة كاعطائيا كزنا معينا‪.‬‬
‫جــ‪ -‬المرحمة الثالثة‪ :‬كتتعمؽ باتساع مجاؿ عمؿ ىذه القيمة داخؿ البناء العاـ لمقيـ‪.‬‬
‫د‪ -‬المرحمة الرابعة‪ :‬كفييا يجرم ارتفاع معايير ىذه القيمة في ظؿ كجكد أىداؼ معينة كما تحققو مف فائدة‬
‫لمتبنييا‪ .‬كالعكس عند التخمي عف قيمة معينة أك اختفائيا‪ ،‬فاكتساب القيـ بمعنى انضماـ قيـ جديدة إلى نسؽ‬
‫القيـ كالتخمي أك التنازؿ عف قيـ أخرل‪( .‬خميفة‪ ،1990 ،‬ص ‪)72‬‬
‫‪ .1.6‬محددات اكتساب نسق القيم‪:‬‬
‫قسـ "مكريس""‪ "Morris‬محددات اكتساب القيـ إلى أربعة (‪ )04‬فئات رئيسية كىي‪ :‬المحددات البيئية‬
‫كاالجتماعية‪ ،‬المحددات السيككلكجية‪ ،‬كالمحددات البيكلكجية‪:‬‬
‫أ‪ -‬المحددات البيئية‪ :‬حيث يمكف تفسير أكجو التشابو كاالختبلؼ بيف األفراد في ضكء االختبلؼ تأثير البيئة‬
‫كالمجتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬المحددات السيكولوجية‪ :‬تتضمف العديد مف الجكانب كمنيا السمات الشخصية كدكرىا في تحديد‬
‫التكجيات القيمية لؤلفراد‪.‬‬
‫جــ‪ -‬المحددات البيولوجية‪ :‬كتشمؿ عمى المبلمح أك الصفات الجسمية كالتغيرات في ىذه المبلمح كما‬
‫يصاحبيا مف تغيرات في القيـ‪.‬‬
‫د‪ -‬المحددات االجتماعية‪ :‬ىذا كيرل "ينجستكف" بأف القيـ نتاج لثبلثة مستكيات اجتماعية كىي‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬المستوى األول‪ :‬كىك المستكل الذم تحدد فيو الثقافة المفاىيـ الجديرة بالرغبة (اإلطار الحضارم يشجع‬
‫عمى بركز تكجيات قيمية معينة)‬
‫‪ -‬المستوى الثاني‪ :‬حيث تكجد األسرة كتكجياتيا نحك قيـ كغايات بعينيا (األسرة مف أىـ مؤسسات التنشئة‬
‫االجتماعية) كاألسرة ال تكجد في فراغ ثقافي –اجتماعي‪ ،‬كانما يحكميا إطار الثقافة الفرعية‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثالث‪ :‬كيتمثؿ في الجكانب االجتماعية الفرعية كالمستكل االقتصادم‪-‬االجتماعي‪ ،‬كالديف‬
‫كالجنس‪ ،‬كالمينة‪ ،‬كمستكل التعميـ‪...‬إلخ‪ .‬كتبيف بأف ىناؾ اختبلفا في قيـ األبناء باختبلؼ الطبقة االجتماعية‬
‫التي ينتمكف إلييا‪ ،‬كما يختمفكف في ترتيب القيـ داخؿ النسؽ القيمي‪( .‬خميفة‪ ،1990 ،‬ص ص‪)75 -73‬‬
‫كالشكؿ المكالي يكضح لنا محددات اكتساب القيـ‪.‬‬
‫الشكل رقم (‪ )06‬يوضح محددات اكتساب القيم‬

‫العكامؿ‬
‫البيئية‬

‫العكامؿ‬ ‫العكامؿ‬
‫القيـ‬
‫البيكلكجية‬ ‫االجتماعية‬

‫العكامؿ‬
‫السيككلكجية‬

‫المصدر‪( :‬خميفة‪ ،1990 ،‬ص ‪)73‬‬


‫‪ .7‬وظائف القيم‪:‬‬
‫لمقيـ كظائؼ متعددة فيي تنعكس عمى الفرد‪ ،‬كما عمى الجماعة‪ ،‬كمنو فإنو يمكف تناكؿ كظائؼ القيـ عمى‬
‫مستكييف اثنيف ىما‪ :‬المستكل الفردم‪ ،‬كالمستكل االجتماعي‪.‬‬
‫‪ .1.7‬عمى المستوى الفردي‪ :‬تتمثؿ كظائؼ القيـ عمى ىذا المستكل في‪:‬‬
‫أ ‪-‬أنيا تييئ الفرد الختيارات معينة تحدد سمككو‪ ،‬أم تحدد شكؿ استجاباتو‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنيا تمنح الفرصة لمفرد لمقياـ بما مطمكب منو‪ ،‬كالقدرة عمى تحقيؽ التكيؼ كاالنسجاـ االجتماعي كتحقيؽ‬
‫الرضا عف النفس‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ج‪-‬يحقؽ لمفرد الشعكر باألماف‪.‬‬
‫د‪ -‬تمنح الفرد الفرصة لمتعبير عف ذاتو‪.‬‬
‫ه‪ -‬تدفع بالفرد لتحسيف إدراكو كمعتقداتو‪.‬‬
‫و‪-‬تعمؿ عمى ضبط الفرد‪ ،‬إذ تربط سمككو بأحكاـ كمعايير الجماعة‪( .‬عميرش‪ ،2005/2004،‬ص ‪)55‬‬
‫‪ .2.7‬عمى المستوى االجتماعي‪ :‬كتتمثؿ كظائؼ القيـ عمى المستكل االجتماعي في‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعمؿ عمى تماسؾ المجتمع‪ ،‬فتحدد لو أىدافو كمثمو العميا‪.‬‬
‫ب‪-‬تساعد المجتمع عمى مكاجية التحديات كالتغيرات بما يضمف لو الحفاظ عمى تماسكو كاستق ارره‪.‬‬
‫جػ‪-‬أنيا تربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضيا البعض‪.‬‬
‫د‪ -‬تحمي المجتمع مف األنانية المفرطة كالنزاعات المدمرة‪.‬‬
‫ه‪ -‬أنيا تزكد المجتمع بالصبغة التي تسمح لو بالتعامؿ مع العالـ الخارجي‪.‬‬
‫و‪ -‬أنيا تكجو سمكؾ االفراد في المجتمع نحك أخذ مكاقؼ معينة مف القضايا االجتماعية‪.‬‬
‫ز‪ -‬أنيا تعمؿ عمى الحفاظ عمى البناء االجتماعي كاالنتظاـ بداخمو‪.‬‬
‫حـ‪ -‬تخبر عف المعتقدات كاالتجاىات كالقيـ كاألفعاؿ التي تستحؽ االىتماـ اك التحدم‪.‬‬
‫ط‪ -‬تساعد في اختيار كتفضيؿ أيديكلكجيا عف أخرل‪.‬‬
‫كـ ‪ -‬تساعد في الحكـ عمى أفعالنا كأفعاؿ االخريف كالمقارنة بينيا فيي بمثابة مستكيات تتخذ لمتقييـ‪.‬‬
‫(دسكقي‪ ،2000 ،‬ص ‪)111‬‬

‫‪ .8‬مصادر القيم االجتماعية‪:‬‬


‫كما دمنا بصدد الحديث عف القيـ االجتماعية فبلبد أيضا أف نعرج أيضا عمى مصادر ىذه القيـ‪ ،‬التي غالبا‬
‫ما تحدد في المصادر التالية‪:‬‬
‫‪ .1.8‬العادات والتقاليد‪ :‬تعد ىذه األخيرة مصد ار لمقيـ االجتماعية‪ ،‬كاف كانت تحتكـ إلى الماضي‪ ،‬فيي قد‬
‫حظيت بالقبكؿ في الماضي عمى األقؿ مف قبؿ أفراد المجتمع‪ ،‬الذيف يتأثركف في سمككاتيـ الحياتية بيا‪.‬‬
‫‪ .2.8‬الدين‪ :‬تعتبر األدياف مصد ار لمقيـ االجتماعية في المجتمعات اإلنسانية سكاء كانت أديانا سماكية أك‬
‫غير ذلؾ‪.‬‬
‫‪ .3.8‬التراث اإلنساني‪ :‬بفعؿ سيكلة االتصاؿ بيف الناس في أجزاء مختمفة مف العالـ‪ ،‬فقد أصبح انتقاؿ القيـ‬
‫كالتأثر بيا مف مجتمع آلخر سيبل ككاضحا لمغاية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ .4.8‬الظروف االقتصادية واالجتماعية‪ :‬تزكد ىذه الظركؼ المحيطة باألفراد في المجتمع‪ ،‬بمنظكمة مف‬
‫القيـ المحددة لمسمكؾ كالعبلقات االجتماعية فيما بينيـ‪.‬‬
‫‪ .5.8‬المقررات والبرامج الدراسية‪ :‬تمعب ىذه األخيرة دك ار بالغا في تمقيف كاكتساب األفراد في المجتمع لقيـ‬
‫بعينيا‪( .‬العريشي كآخر‪ ،2015 ،‬ص ص ‪)80،81‬‬

‫‪ .9‬تفسير القيم‪:‬‬
‫يمكف القكؿ كمنذ البداية أف محاكالت تفسير القيـ جاءت متباينة كمتعددة‪ .‬كىك التبايف‪ ،‬كالتعدد الذم يجد‬
‫تفسيره في اختبلؼ األطر المرجعية‪ ،‬كالخمفيات الفكرية‪ ،‬أك المنظكر الذم تبناه كؿ كاحد مف الميتميف‬
‫بمكضكع القيـ في محاكلتو لتفسير القيـ‪ .‬كقد حاكؿ "فكف ميرنيغ" شرح أسباب ىذا التعدد في القكؿ بكجكد‬
‫جدب في النظريات المتناسقة‪ ،‬في مقابؿ ىذا الخصب مف النظريات المتضاربة‪ ،‬كىك التضارب الذم يجد‬
‫جذكره في سببيف رئيسييف ىما‪:‬‬
‫‪ -‬السبب األول‪ :‬كيتصؿ بالممارسة اليكمية حيث تشارؾ في صكغيا شؤكف الحياة اليكمية المعتادة‪.‬‬
‫‪ -‬السبب الثاني ‪ :‬كيعكد إلى مجاؿ الدراسة النظرية حيث تـ تناكؿ مكضكع القيـ بالبحث مف قبؿ الفمسفة‪ ،‬ثـ‬
‫باقي مختمؼ العمكـ االجتماعية‪ ،‬كىك البحث الذم جاء بطرؽ متباينة‪.‬‬
‫كعميو كتبعا ليذيف السببيف‪ ،‬تككف اآلراء كالتجاىات‪ ،‬قد اختمفت‪ ،‬في تحديد األسس التي تقكـ عمييا القيـ‪.‬‬
‫فيؿ تقكـ عمى مثبل عمى أساس حقائؽ ذاتية‪ ،‬أـ عمى أساس اعتبارات ذىنية‪ .‬كمف ذلؾ‪ ،‬فإذا كاف الفيمسكؼ‬
‫يربطيا بأفكار مثالية‪ ،‬فإف عالـ االجتماع يربطيا بظركؼ المجتمع‪ ،‬نظمو‪ ،‬عاداتو‪ ،‬كتقاليده‪ ،‬في حيف يحيميا‬
‫عالـ النفس إلى الجكانب النفسية لمفرد بما تشتمؿ عميو مف رغبات‪ ،‬كاىتمامات‪ ،‬كدكافع‪.‬‬
‫كعمكما يبلحظ الميتـ بيذه التفسيرات عمى تعددىا‪ ،‬كتنكعيا‪ ،‬بأنيا تقع ضمف ثبلث اتجاىات رئيسية‪ ،‬اتجاه‬
‫كبير أكؿ يقكؿ بذاتية القيـ‪ ،‬ثـ اتجاه كبير ثاف يقكؿ بمكضكعية القيـ‪ ،‬كأخي ار اتجاه ثالث يحاكؿ الجمع بيف‬
‫االتجاىيف‪ ،‬كفي ذلؾ فإف لكؿ اتجاه مف ىذه االتجاىات الثبلث حجتو كمبرراتو‪( .‬عميرش‪،2005/2004 ،‬‬
‫ص ‪)30‬‬

‫‪ -1.9‬التفسير الذاتي لمقيم‪:‬‬


‫يقكؿ أصحاب ىذا االتجاه بأف قيـ األشياء ال ترتبط بسر كامف في ىذه األشياء‪ .‬فيي تستمد قيمتيا مف‬
‫اتصالنا‪ ،‬كتفاعمنا معيا‪ ،‬كمف سعينا إلييا‪ .‬أم بما معناه أف أحكاـ القيمة ىنا تشير إلى الفاعؿ نفسو‪ .‬أم أننا‬
‫كفاعميف ال نتناكؿ طبيعة المكضكع الذم نحكـ عميو‪ ،‬بؿ حالة الشخص‪ ،‬أك الفاعؿ الذم يقكـ بالحكـ‪ ،‬كال‬

‫‪57‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫تعدك أف تككف أحكامو سكل تبرير لمرغبات‪ ،‬كالحاجات‪ ،‬كالمطالب المتعمقة بيذا الشخص‪ ،‬أك بالفاعؿ ذاتو‬
‫كالمرتبطة بالمجتمع الذم ينتمي إليو‪.‬‬
‫كفيما يمي بعض النماذج التي تنضكم تحت اتجاه التفسير الذاتي لمقيـ‪ ،‬كالذم يرل أصحابو بأف الذات‬
‫الفاعمة ىي مصدر القيـ‪ ،‬كاف كانكا قد اختمفكا حكؿ أم العكامؿ أشد تأثي ار في اإلنساف‪ ،‬فيؿ ىي العكامؿ‬
‫البيكلكجية‪ ،‬أـ العكامؿ النفسية‪ ،‬أـ العكامؿ االجتماعية‪ ،‬أـ االقتصادية‪.‬‬

‫‪ .1.1.9‬المنظور النفسي‪:‬‬
‫يتفؽ أصحاب ىذا المنظكر عمى إرجاع القيمة إلى محتكل الكعي‪ ،‬أك الكجداف النفسي‪ ،‬اك الجكانب العاطفية‬
‫بما تحممو‪ ،‬أك تنطكم عميو مف رغبات‪ ،‬كمشاعر‪ .‬إذ ال تكجد ىناؾ قيمة إال بما يمكف أف يرضي رغبة‬
‫معينة‪ ،‬أك يثير انفعاال ما‪ ،‬حتى أك يجسد‪ ،‬أك يعبر عف دافع ما مف الدكافع الذاتية‪ .‬كمف ذلؾ فبل تككف‬
‫القيمة صفة خاصة بالمكضكع‪ ،‬أك المكضكعات‪ ،‬أك األشياء‪ ،‬كلكف بأنكاع الذكات كالفاعميف‪ .‬فاألفراد أك‬
‫الفاعميف‪ ،‬يعزكف القيمة لؤلشياء‪ ،‬أك لممكضكعات‪ ،‬ألنيـ يرغبكف فييا‪ ،‬حيث تتطابؽ الرغبة مع عممية التقكيـ‬
‫كما تقاس عاطفة القيمة بفعؿ قكة الرغبة كشدتيا‪ ،‬أم ليس باإلرادة‪ ،‬حيث تتحدد قكة الرغبة بفعؿ الزيادة‬
‫النسبية لمذة المنطكية عمى ىذ الرغبة كشدتيا‪( .‬قنصكة‪ ،2010،‬ص‪)71‬‬
‫كأما مف أىـ النظريات النفسية المفسرة لمكضكع القيـ فنجد نظرية " رالؼ بارتكف بيرم" التي تستخدـ مفيكـ‬
‫االىتماـ كمحكر لمتركيز في تفسير القيمة بدال مف االكتفاء فقط بمكضكع الرغبة‪ .‬كمفاد ىذه النظرية ىك أف‬
‫أم اىتماـ بأم شيء يجعؿ ىذا الشيء ذا قيمة‪ .‬فمف الخصائص المميزة لمعقؿ البشرم أنو يقبؿ بعض‬
‫األشياء‪ ،‬كيرفض بعضا أخرل‪ ،‬حيث يتضمف كؿ مف القبكؿ‪ ،‬كالرفض معاني كثيرة كمنيا المكافقة‪ ،‬عدـ‬
‫المكافقة‪ ،‬الحب‪ ،‬كالكره‪...‬إلخ‪ .‬ككؿ ىذه الخصائص الشاممة لمحياة الكجدانية‪ ،‬أك المعبرة عف الحياة العاطفية‬
‫التي تكصؼ بأنيا حاالت نفسية‪ ،‬أك أفعاؿ‪ ،‬أك اتجاىات‪ ،‬أك ميكؿ‪ ،‬تتكافؽ كمصطمح "االىتماـ" عند "رالؼ‬
‫بارتكف بيرم" حيث االىتماـ برأيو ىك السمة المميزة‪ ،‬كالخاصية الدائمة في جميع القيـ‪ .‬كفي ىذا يقكؿ" إف أم‬
‫شيء يككف مكضكع اىتماـ فيك حتما محمؿ بالقيمة"‪.‬‬
‫كىك ذات الرأم الذم اتفؽ فيو معو الكثيركف‪ ،‬كمنيـ "ماينكنج" الذم يقكؿ "نحف ال نرغب األشياء ألننا نتعرؼ‬
‫فييا عمى ذلؾ العنصر الغامض العصي عمى الفيـ المسمى قيمة‪ ،‬إننا ننسب القيمة لؤلشياء‪ ،‬ألننا نرغب‬
‫فييا"‪ .‬أم أف القيـ تنبع مف االىتماـ‪ ،‬كالرغبة‪ ،‬كليس العكس‪ .‬أم أف االىتماـ كالرغبة ال ينبعاف مف القيـ‪.‬‬
‫كىي الخاصية بطبيعة الحاؿ التي تؤكد مرة أخرل عمى ارتباط القيـ باإلنساف أك ىي – القيـ ‪ -‬تظير نتيجة‬
‫اىتماـ اإلنساف اك الذات الفاعمة باألشياء كالمكضكعات‪( .‬قنصكة‪ ،2010 ،‬ص ‪)72‬‬

‫‪58‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪ .2.1.9‬المنظور االجتماعي‪:‬‬
‫يؤكد أصحاب المنظور االجتماعي في تفسيرىـ لمقيـ االجتماعية عمى أنيا تشكؿ جزءا ميما في البناء‬
‫االجتماعي‪ ،‬كأنيا مف صنع المجتمع‪ ،‬كىي ال تنشأ بطريقة عشكائية‪ ،‬أك نتيجة الحدس‪ ،‬أك التفكير المجرد‪ .‬ثـ‬
‫إنيا تستمد كاقعيتيا مف تكحد أفراد المجتمع كاتفاقيـ حكليا مف أجؿ تنظيـ عبلقاتيـ كشؤكنيـ االجتماعية‪.‬‬
‫ىذا كيؤكد عمماء االجتماع في دراستيـ لمقيـ االجتماعية عمى ضركرة النظر إلييا مف عدة زكايا‪:‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬التاريخية‪ ،‬كحتى االقتصادية كالسياسية‪ ،‬ذلؾ أنو ال يمكف فيـ السمككات اإلنسانية‬
‫كاكتشاؼ كنييا بمعزؿ عف ىذه الزكايا أك الجكانب مجتمعة‪.‬‬
‫كبما أف عمـ االجتماع يحتكم عمى عدة مدارس‪ ،‬كاتجاىات فكرية متباينة‪ ،‬كبما أف القيـ االجتماعية مف‬
‫المكضكعات السكسيكلكجية‪ ،‬فقد جاءت االتجاىات السكسيكلكجية‪ ،‬كالمدارس‪ ،‬التي اىتمت بتناكؿ كتحميؿ‬
‫القيـ االجتماعية متعددة كمتباينة أيضا‪ ،‬كمنيا‪:‬‬

‫‪ .3.1.9‬االتجاه الوظيفي‪:‬‬

‫كلعمو مف أبر ممثمي ىذا االتجاه" إميؿ دكركايـ" الذم يعد رائدا مف ركاد عمماء االجتماع‪ ،‬بؿ كمف بيف عمماء‬
‫االجتماع الذيف اىتمكا بدراسة القيـ االجتماعية‪ ،‬كىك بدكره يرفض االعتقاد أك القكؿ بأف القيمة باطنة في‬
‫الشيء‪ ،‬كتؤثر في الذات‪ ،‬كأف الذات ىي مف تخمع القيمة عمى الشيء‪ ،‬فيك يرد القيمة إلى الضمير الجمعي‪.‬‬
‫كمعنى ىذا أف الذات الجمعية ىي منشأ كىي مصدر القيـ‪ ،‬كليس الذات الفردية‪ ،‬عمى اعتبار أف الذات‬
‫الجمعية الكامنة في المجتمع بما تمثمو مف سمطة أخبلقية ىي مصدر اإللزاـ‪ ،‬كىي مف تأمرنا كتفرض عمينا‬
‫الكاجبات‪ .‬ك" الضمير الجمعي" باعتباره الكحدة التي تجمع بيف الطابعيف المميزيف لمظاىرة األخبلقية مف‬
‫حيث اإللزاـ المفركض‪ ،‬كالخير المطمكب‪ ،‬يممي عمينا إلزاما بكصفو قكة خارجية عالية مف ناحية‪ ،‬كمف ناحية‬
‫أخرل نتمؽ بو ألنو باطف فينا‪ ،‬ككؿ مف حاكؿ التمرد عمى قيـ المجتمع عرض نفسو لمسخط كاالستيجاف‬
‫كالرفض مف قبؿ المجتمع‪ ،‬كىنا تظير القيـ االجتماعية مثؿ باقي الظكاىر االجتماعية‪ ،‬التي ىي مف صنع‬
‫المجتمع‪ ،‬كتتمتع بقكة االلزاـ‪( .‬قنصكة‪ ،2010،‬ص ص ‪)82-79‬‬
‫كذلؾ أظير " ماكس فيبر" بدكره اىتماما بالقيـ االجتماعية لدل تناكلو الفعؿ االجتماعي بالدراسة كالتحميؿ ىذا‬
‫الفعؿ ا لذم يعده المكضكع الرئيسي لعمـ االجتماع‪ ،‬إذ يعرؼ عمـ االجتماع بكصفو العمـ الذم يشغؿ نفسو‬
‫بالفيـ التفسيرم لمفعؿ االجتماعي‪ ،‬كحتى يككف الفعؿ االجتماعي بؤرة التحميؿ السكسيكلكجي يشترط " فيبر"‬
‫تكفره عمى ثبلث عناصر أساسية ىي‪:‬‬
‫‪ ‬الوعي‪ :‬أم كعي الشخص بسمكؾ اآلخريف أك بتكاجدىـ‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ ‬المعنى (الداللة)‪ :‬أم أف الفعؿ (فعؿ الذات) البد أف يحمؿ داللة أك معنى عند اآلخريف‪ ،‬كالعكس‪ ،‬أم ال بد‬
‫لفعؿ اآلخريف أف يحمؿ قيمة كداللة عند الفرد أيضا‪.‬‬
‫‪ ‬الفيم‪ :‬كيتجمى في تعبير اآلخريف مف خبلؿ فيـ السمكؾ‪.‬‬
‫أم بمعنى أننا بصدد الفرد الفاعؿ حينما يعطي معنى ذاتيا لسمككو‪ ،‬كيككف الفعؿ اجتماعيا في معناه الذاتي‬
‫عندما يأخذ في اعتباره سمكؾ اآلخريف‪ ،‬كيككف بذلؾ َّ‬
‫مكجيا في سمككو‪ .‬كىنا تبرز أىمية القيـ االجتماعية‬
‫عند "ماكس فيبر" أك عندما يعمف بأف الفعؿ االجتماعي‪ ،‬يتجو باستمرار‪ ،‬نحك تحقيؽ القيـ االجتماعية السائدة‬
‫بما أف السمكؾ االجتماعي يتبمكر كيتحدد داخؿ إطار ما يسمى بمكجيات الفعؿ االجتماعي‪ .‬عمما بأف‬
‫"ماكس فيبر" في تحميمو كتفسيره لمفعؿ االجتماعي‪ ،‬كاف قد صنفو في أربعة (‪ )04‬فئات‪ ،‬أك أنماط لمفعؿ‬
‫االجتماعي كىي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفعل العقالني المرتبط بيدف ما‪ :‬كىك الفعؿ الذم يتميز فيو الفاعؿ باإلدراؾ الشامؿ لميدؼ المحدد‬
‫كالتقدير السميـ لمكسائؿ المساعدة في تحقيقو‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفعل العقالني المرتبطة بقيمة‪ :‬كىك الفعؿ الذم ييدؼ إلى التمسؾ بقيمة معينة لما ليا مف أىمية كبيرة‬
‫عند الفرد أكثر مف اىتمامو بتحقيؽ ىدؼ خارجي آخر‪.‬‬
‫ج ػ‪ -‬الفعل العاطفي أو الوجداني‪ :‬كىك الفعؿ الذم ينشأ عف حالة عاطفية أك عف حالة نفسية مباشرة لدل‬
‫الفرد‪.‬‬
‫د‪ -‬الفعل التقميدي ‪ :‬كىك الفعؿ الذم تحدده العادات كالتقاليد‪ ،‬كبالتالي يأتي ىذا الفعؿ‪ ،‬أك السمكؾ كاستجابة‬
‫لما اكتسبو الفرد خبلؿ عممية التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫نفيـ مما تقدـ بأف الفعؿ االجتماعي عبارة عف سمكؾ يقكـ بو الفرد‪ ،‬أك الفاعؿ داخؿ نظاـ اجتماعي معيف‬
‫كضمف حدكد معيارية‪ ،‬كفي ظؿ ظركؼ معينة لمسعي مف أجؿ تحقيؽ أىدافو‪ ،‬مستخدما في ذلؾ جممة مف‬
‫الكسائؿ التي تتكافؽ مع طبيعة كنكعية ىذه األىداؼ‪ ،‬كمكجيا بمكجيات قيمية‪ ،‬يتحدد مف خبلليا ما ىك‬
‫مرغكب فيو‪ ،‬كما ىك غير مرغكب منو اجتماعيا‪( .‬عميرش‪ ،2005/2004 ،‬ص ‪)26‬‬
‫ىذا كيككف " تالككت بارسكنز" قد ذىب في ذات االتجاه‪ ،‬عندما أكد بدكره عمى القيمة‪ ،‬كمحدد إلطار بنية‬
‫الفعؿ االجتماعي‪ ،‬إذ تفرض ىيكمو‪ ،‬كبنياتو‪ .‬كأما اإلطار المرجعي لمفعؿ االجتماعي عند "بارسكنز" فيشتمؿ‬
‫عمى ثبلثة أدكار ىي‪ :‬دكر الفاعؿ‪ ،‬دكر المكقؼ‪ ،‬كدكر المكجيات‪.‬‬
‫أك اف "بارسكنز" كعمى ىذا النحك يعترؼ بدكر " القيـ " في المجتمع‪ .‬فاألفراد مف خبلؿ استدماجيـ لمقيـ‬
‫االجتماعية‪ ،‬يتعممكف ما ىك متكقع منيـ اجتماعيا‪ ،‬كبذلؾ يتحقؽ اندماجيـ في المجتمع‪ ،‬كيصبحكف مشارككف‬

‫‪60‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫إيجابيكف في حي اة الجماعة‪ .‬أم أف نسؽ القيـ في المجتمع يمعب دكر الضابط لمسمكؾ الفردم كالجماعي‬
‫فيي تتحكؿ إلى معايير محددة لمسمكؾ االجتماعي‪ ،‬بما يتماشى مع نسؽ القيـ التي يتـ تعمميا مف خبلؿ‬
‫عمميات التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫أم أف القيـ عند "بارسكنز" كعمى غرار "ماكس فيبر" تتكظؼ بدكر مكجيات الفعؿ في المكقؼ االجتماعي‪.‬‬
‫كبالتالي فإف القيـ‪ ،‬بمثابة عناصر ثقافية‪ ،‬تعبر عف تصكرات لمتفضيؿ االجتماعي‪ ،‬كىي عناصر منظمة‬
‫لسمكؾ الفرد في مكقؼ معيف‪( .‬قنصكة‪ ،2010 ،‬ص ‪)88‬‬
‫نفيـ مما تقدـ أف أصحاب اال تجاه الكظيفي يؤكدكف عمى أف القيـ االجتماعية مف صنع المجتمع‪ ،‬نتيجة‬
‫خبرات اجتماعية تككنت اجتماعيا‪ ،‬كبأنيا محدد ىاـ مف محددات السمكؾ االجتماعي‪ .‬أم أف القيـ تمعب دك ار‬
‫في خضكع األفراد‪ ،‬كفي حفظ التكازف‪ ،‬كبالتالي حفظ االستقرار داخؿ المجتمع‪ ،‬حيث يككف عمى الفرد التكيؼ‬
‫مع النظاـ االجتماعي القائـ‪.‬‬

‫‪ .4.1.9‬االتجاه الماركسي‪:‬‬

‫يعرؼ أصحاب ىذا االتجاه القيـ بأنيا صفات المكضكعات المادية‪ ،‬كبأنيا حقائؽ كاقعية مكجكدة في حياتنا‬
‫اليكمية‪ .‬كيرل أصحاب االتجاه الماركسي بأف مصدر القيـ ىك البناء التحتي‪ ،‬أك البناء االقتصادم لممجتمع‬
‫الذم يحدد صك ار معينة مف الكعي االجتماعي تطابؽ األساس المادم‪ .‬أك مثمما يقكؿ ماكس "ليس كعي‬
‫الناس ىك الذم يحدد كجكدىـ بؿ كجكدىـ المادم ىك الذم يحدد كعييـ"‪ .‬كبالتالي فإنو بتغير األساس المادم‬
‫لممجتمع يتغير بناؤه الفكقي‪ ،‬بما يشتمؿ عميو مف قيـ‪ ،‬كأفكار كاف بدرجات متفاكتة‪ .‬كتبعا ليذا الطرح فإف‬
‫القيـ تصبح نسبية‪ ،‬كىي تتغير لتتناسب كاألكضاع االجتماعية السائدة‪ ،‬فالكضع الطبقي لممجتمع ىك مف‬
‫يبقي عمى القيـ كنسبيتيا‪ ،‬حيث تحاكؿ كؿ طبقة اجتماعية الحفاظ عمى أفكارىا كمصالحيا‪( .‬قنصكة‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص ص ‪)103 -93‬‬

‫‪ .2.9‬التفسير الموضوعي لمقيم‪:‬‬


‫يشير المفكركف أك الفبلسفة إلى أف مصدر القيـ خارج عف إرادة األفراد أك الجماعات‪ ،‬أك ىك خارج عف‬
‫الخبرة الشخصية لؤلفراد كعف كاقع الحياة االجتماعية‪ .‬كمف بيف ىؤالء المفكريف أك الفبلسفة الفيمسكؼ‬
‫أفبلطكف الذم يرل بأف الناس ال تعي مصدر اإللزاـ في حياتيا كمع ذلؾ فيي تدرؾ أف ىناؾ مثبل عميا‬
‫كتتمسؾ بيا‪ .‬أم بما معناه أف ىناؾ مصد ار يستقي منو ىؤالء الناس ىذه المعتقدات التي تحكـ سمككياتيـ‬
‫كأفعاليـ‪ ،‬أك ىك يرفض أف تككف حياة الحس بما تحتكيو مف اضطرب مصد ار ليذه القيـ‪ ،‬كالمثؿ العميا‪ ،‬كالتي‬
‫يبقى مصدرىا عالـ الحؽ كالخير كالجماؿ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كذلؾ ذىب كانط إلى القكؿ بأف األفعاؿ الخمقية تصدر احتراما لقاعدة الكاجب في حد ذاتو‪ ،‬كذلؾ كفقا لقاعدة‬
‫سمككية يقررىا العقؿ‪ ،‬كأما قاعدة الكاجب فثابتة في كؿ مكاف كزماف‪.‬‬
‫كتقريبا ذىب "إدكارد مكر" نفس المذىب عندما قرر بأف الخير صفة مكضكعية مستقمة عف ذكات األفراد‪ ،‬كىـ‬
‫يدرككنيا عف طريؽ الحدس‪.‬‬
‫كأيا كاف األمر لقد حاكؿ أصحاب التفسير المكضكعي أف يفسركا مصدر القيـ بمعزؿ عف إرادة األفراد‬
‫كالمجتمعات‪ ،‬كىك ما قاد إلى اإلقرار بحتمية مثالية القيـ‪ ،‬حيث يككف االلتزاـ بيا مطابقة لمصفة المثالية‬
‫لؤلشياء‪ ،‬أك كأنما القيـ مكجكدة خارج األفراد‪ ،‬كالجماعات‪ ،‬كما عمييـ إال التقاط ما ييديو إليو العقؿ كالحدس‪.‬‬
‫(قنصكة‪ ،2010 ،‬ص ص‪)107-105‬‬

‫‪. IV‬اليوية‬
‫‪ -‬تمييد‪:‬‬
‫لقد تزايد االىتماـ عمى مدل العقديف الماضييف بمفيكـ "اليكية" كذلؾ سكاء في العمكـ االجتماعية‪ ،‬أك في‬
‫العالـ‪ ،‬فقد أخذت الكتابات الميتمة بالمكضكع في تزايد مطرد‪ ،‬في العديد مف العمكـ االجتماعية كفركعيا‬
‫المختمفة حكؿ تعريؼ اليكية‪ ،‬حكؿ تطكر اليكيات عمى اختبلفيا العرقية‪ ،‬الكطنية‪ ،‬المغكية‪ ،‬الدينية‪ ،‬الطبقية‬
‫تمؾ المتعمقة بالفرع كغيرىا مف اليكيات األخرل‪ ،‬كحكؿ دكر ىذه اليكيات في الحياة االجتماعية كالسياسية‬
‫كاالقتصادية‪.‬‬
‫كقد لعب عالـ النفس" إ‪ .‬إريكسكف" دك ار محكريا في انتشار استخداـ ىذا المفيكـ في العمكـ اإلنسانية عندما‬
‫صاغ تعبير" أزمة اليكية" عندما درس مكضكع "االجتثاث الثقافي" لمينكد الحمر‪ ،‬ثـ عندما نضر كتابو "‬
‫طفكلة كمجتمع" سنة ‪ .1950‬إال أف تكسع استخداـ مفيكـ اليكية في عمـ االجتماع‪ ،‬كتحديدا في الكاليات‬
‫المتحدة األميركية‪ ،‬فكاف مع الستينات مف القف الماضي‪ ،‬كبخاصة مع ظيكر مشكمة األقميات‪ ،‬كعمى رأسيا‬
‫األقمية االفريقية‪ ،‬كقد قاـ مفكرك ما بعد االستعمار بالكتابة حكؿ اليكيات اليجينة أك المختمطة التي صنعيا‬
‫االستعمار كمنيـ "إدكارد سعيد" ك"كاياترم سيفاؾ" (بمكا‪ ،2014 ،‬ص ‪)17‬‬
‫‪Rogers‬‬ ‫كيكحي ىذا التزايد في االىتماـ بمفيكـ اليكية‪ ،‬عمى غرار ما ذىب إليو "ركجر سميث""‬
‫‪" Smith‬بتزايد الكعي بخطكرة كحساسية ذا المفيكـ‪ ،‬كبأف اليكيات مف أبرز الجكانب المعيارية‪ ،‬كمف أكثرىا‬
‫تأثي انر في السمكؾ اإلنساني‪ ،‬كفي السمكؾ السياسي عمى كجو التحديد‪.‬‬
‫لكف كمع ذ لؾ فإنو يمكف القكؿ بأف الكتابات حكؿ مفيكـ اليكية‪ ،‬تبقى رغـ ذلؾ متناثرة‪ ،‬فبل تزاؿ العمكـ‬
‫االجتماعية لـ تعرؼ بعد صعكدا مكازيا في درجة التكافؽ في اآلراء‪ ،‬بشأف تعريؼ مفيكـ اليكية‪ .‬فمقد أدل‬
‫‪62‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الىتماـ الشديد بمفيكـ اليكية في أغمب األكقات إلى شيء مف الغمكض‪ ،‬كباألحرل إلى عدـ الكضكح في‬
‫المفيكـ ككنو مفيكـ متغير‪ ،‬أك متحرؾ‪ ،‬كغير ثابت‪ .‬حتى أف "ركجر بركبيكر""‪ "Brubaker‬ك"فريدريؾ ككبر"‬
‫" ‪ " F. Cooper‬كانا قد ذىبا إلى القكؿ‪ :‬أنو قد حاف األكاف لمتخمي عف مفيكـ اليكية نيائيا‪ ،‬كتجاكز ىذه‬
‫المغة البحثية المبيمة‪ ،‬بدرجة ال عبلج ليا‪ ،‬حتى أنيا تزيد الغمكض أكثر مما تكضحو"‪.‬‬
‫ىذا كتعاني البحكث في مجاؿ اليكية االجتماعية نكعيف مف المشكبلت ىما‪:‬‬
‫أ‪ -‬المشكالت المتعمقة بالمفيوم‪ :‬أك كيؼ لممشتغميف بحقؿ العمكـ االجتماعية معالجة مفيكـ اليكية بكضكح‬
‫ككيؼ يمكنيـ المقارنة بيف األنكاع المختمفة لميكية‪ ،‬كما في تكظيؼ ىذا الزخـ النظرم في فيـ اليكية‬
‫كمتغير‪.‬‬
‫ب‪ -‬المشكالت المتعمقة بالثغرات التنسيقية‪ :‬كتتضمف غياب االتساؽ كالكضكح في تعريؼ اليكية كسياقيا‬
‫كعدـ التنسيؽ بيف البحكث الميتمة بدراسة اليكية في التخصصات المختمفة‪ ،‬بؿ كبيف الفركع المختمفة داخؿ‬
‫التخصص الكاحد‪( .‬عبد العاؿ‪ ،2014 ،‬ص ص ‪.)28،27‬‬
‫ىذا في الكقت الذم يعتمد فيو تقدـ البحث في مجاؿ اليكية االجتماعية‪ ،‬عمى التكصؿ إلى كضع إطار‬
‫تحميمي يسمح بالمقارنة‪ ،‬كالتمييز بيف أنكاع اليكية أك اليكيات في المجتمع‪ .‬فالزخـ المعرفي الذم خص بو‬
‫مفيكـ اليكية‪ ،‬أدل بالبعض إلى القكؿ بصعكبة تعريؼ ىذا المفيكـ‪ ،‬الذم يظؿ رغـ ىذه االجتيادات النظرية‬
‫الكثيرة‪ ،‬عصيا عمى التحديد‪ ،‬فقد ظمت اليكية غامضة‪ ،‬كال شكؿ محدد ليا‪ .‬أك كما قاؿ " كميزكف" قد صار‬
‫مف المستحيؿ تحديد المعنى الدقيؽ لكؿ استخداـ خاص لمفيكـ اليكية‪ ،‬أماـ ىذا االنتشار الكاسع كالسريع‬
‫ليذا ال مفيكـ الذم صار يمحؽ بنعكت أخرل كثيرة مف قبيؿ‪ :‬أزمات اليكيات‪ ،‬تركيب اليكيات‪ ،‬كاليكيات‬
‫المتعدة‪ .‬أما مف بيف أسباب انتشار ىذا المفيكـ فيمكف أف نعدد األسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الفردانية‪ :‬كفي ىذا يرل " جكف كمكد ككفماف" عمى سبيؿ المثاؿ في كتابو " ابتكار الذات" بأف اليكية‬
‫صيركرة ذاتية لمحداثة كمرتبطة بيا تاريخيا‪ .‬أم ىي انعكاس النتصار الفردانية‪.‬‬
‫‪ -‬العولمة والحداثة‪ :‬حيث كادت ىذه العكلمة أف تنحصر في االمركة‪ ،‬مما أدل إلى اثارة مكضكع اليكية‪،‬‬
‫فيي تستفز الخصكصية‪ ،‬كلذلؾ فمف الطبيعي أف تطرح المجتمعات الميمكمة بالتعرؼ كالتعريؼ بذاتيا تجاه‬
‫اآلخر مثؿ ىذه اإلشكاالت‪.‬‬
‫‪ -‬األزمات والتحديات الحضارية‪ :‬كالحاجة إلى إعادة ترتيب عناصر اليكية كارساء عبلقتيا بالمحيط‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬التأسيس اليوياتي‪ :‬كبخاصة بالنسبة لممجتمعات العربية كاستجابة لتحدم آخر في مكاجية الغرب‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬العالقة الوثيقة بين التأزم الحضاري واليوية‪ :‬ففي كؿ مرة تتعرض فييا المجتمعات الى ىزات اجتماعية‬
‫تظير الحاجة إلى إعادة الحديث عف اليكية‪.‬‬
‫‪ -‬تنامي الوعي الديمقراطي في العالم‪ :‬كبركز ثقافة حقكؽ االنساف كاالعتراؼ بقيمة التعددية الحضارية‬
‫كالثقافية‪.‬‬
‫‪ -‬العامل الخارجي االستعماري‪ :‬كخاصة بالنسبة لممجتمعات التي تعرضت لبلستعمار كتيديـ بنيتيا‬
‫االجتماعية‪ ،‬بؿ كاليزاؿ استعمار االمس يسعى الى تفتيت الكيانات الكطنية‪ ،‬باستغبلؿ االختبلفات المغكية‪،‬‬
‫كتفجير الصراعات الطائفية‪.‬‬
‫‪ -‬محاولة استعادة ما ضاع‪ :‬بالنسبة لمبمداف المستعمرة سابقا في محالة منيا العكدة الى ىكيتيا اماـ فداحة‬
‫ما خسرتو مف مقكمات ثقافية كحضارية زمف الحقبة االستعمارية‪( .‬بمكا‪ ،2014 ،‬ص ص ‪)21-19‬‬
‫‪ .1‬مفيوم اليوية‪:‬‬
‫يكجد في الكاقع عدد ال محدكد مف التعريفات الخاصة بمفيكـ اليكية‪ ،‬كمف بيف أىـ ىذه التعريفات نجد‬
‫تعريؼ المفكر الفرنسي "أليكس ميكشيممى" الذم رأل بأف اليكية عبارة‪ :‬منظكمة متكاممة مف المعطيات‬
‫المادية‪ ،‬كالنفسية‪ ،‬كالمعنكية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬تنطكم عمى نسؽ مف عمميات التكامؿ المعرفي‪ ،‬كتتميز بكحدتيا‬
‫التي تجسد في الركح الداخمية‪ ،‬التي تنطكم عمى خاصية اإلحساس باليكية‪ ،‬كالشعكر بيا‪ .‬فاليكية ىي كحدة‬
‫المشاع الداخمية‪ ،‬التي تتمثؿ في كحدة العناصر المادية كالتمايز‪ ،‬كالديمكمة‪ ،‬كالجيد المركزم‪ .‬كىذا يعني أف‬
‫اليكية ىي كحدة مف العناصر المادية كالنفسية المتكاممة‪ ،‬التي تجعؿ الشخص يتمايز عف سكاه كيشعر‬
‫بكحدتو الذاتية‪.‬‬
‫يتبيف مف ىذا التعريؼ لمفيكـ اليكية أف "أليكس ميكشيممي" يعتقد بأف اليكية ثبلثة أطر أك دكائر كىي‪ :‬الفرد‪،‬‬
‫مجتمعية‪ ،‬كانسانية‪ .‬إلى جانب ىذا التعريؼ ىك تعريؼ آخر يقترح تأسيس تعريؼ اليكية الجمعية بكصفيا‬
‫تصنيفا اجتماعيا ذا بعديف متغيريف ىما‪:‬‬
‫‪ -‬بعد المضمون‪ :‬كيصؼ معنى اليكية االجتماعية‪ .‬حيث ينقسـ مضمكف اليكية االجتماعية الى أربعة أنكاع‬
‫قد تتداخؿ فيما بينيا كىي‪:‬‬
‫‪ -‬المعايير التأسيسية‪ :‬القكاعد الرسمية كغير الرسمية التي تعرؼ عضكية الجماعة‪.‬‬
‫‪ -‬األغراض االجتماعية‪ :‬كىي األىداؼ المشتركة بيف أعضاء الجماعة‪.‬‬
‫‪ -‬النماذج المعرفية‪ :‬كىي النظرة الكمية لمعالـ أك طريقة فيـ الظركؼ كالمصالح السياسية‪ ،‬كالمادية كفؽ ما‬
‫تمميو ىكية معينة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬المقارنات بين العالقات مع التصنيفات االجتماعية األخرى‪ :‬كىي تعريؼ ىكية الجماعة بمفيكـ المخالفة‪.‬‬
‫أم مف خبلؿ نظرتيا لجماعات ذات ىكية األخرل‪ ،‬خاصة عندما تككف نظرتيا لمجماعات األخرل ذات‬
‫اليكية األخرل اك المختمفة جزءا مف تعريفيا لذاتيا‪.‬‬
‫‪ -‬بعد الجدل‪ :‬كيشير إلى درجة االتفاؽ بيف الجماعة عمى مضمكف التصنيؼ المشترؾ‪.‬‬
‫كىكذا يسمح تصكرنا لميكية مقارنتو مع اليكيات األخرل مف حيث درجة االتفاؽ كاالختبلؼ بيف أعضاء‬
‫الجماعة عمى معانييا‪ .‬أم بمعنى الحاجة إلى بناء اطر تحميمية تسمح لمميتميف بالمقارنة بيف أنكاع اليكيات‬
‫االجتماعية المختمفة مف‪ :‬عرقية‪ ،‬كطنية‪ ،‬دينية‪ ،‬طبقية‪ ،‬قائمة عمى النكع‪ ،‬اك جندرية‪... ،‬الخ‪ .‬فاليكيات‬
‫االجتماعية أبعد ما تككف عف السككف أك الثبات‪ ،‬كتتفاكت في مدل االتفاؽ مف عدمو حكؿ معانييا‪،‬‬
‫فمضامينيا تتفاكت تفاكتا شديدا‪( .‬عبد العاؿ‪ ،2014 ،‬ص ص‪.)29،28‬‬
‫كعمكما فقد اعتبر الكثير مف الباحثيف في العمكـ االجتماعية بأف مفيكـ "اليكية "يدكر في ثبلث دكائر‪ ،‬كاف‬
‫كانت تختمؼ عف بعضيا البعض‪ ،‬بحسب كجية نظر القائميف بيا‪ ،‬كاف كانكا قد أقركا بفكرة تداخؿ ىذه‬
‫الدكائر فيما بينيا أال كىي‪:‬‬
‫أ‪ .‬دوائر الفرد‪ :‬ضمف مجمكعة كاحدة‪ ،‬باختبلؼ ىذه المجمكعات‪ ،‬حيث يتمايز الفرد عف ذكيو مف نفس‬
‫المجمكعة بيكية خاصة‪.‬‬
‫ب‪ .‬دوائر المجموعة المتمايزة ضمف األمة‪/‬المجتمع‪.‬‬
‫جػػ‪ .‬دوائر األمة‪/‬المجتمع المتمايزة بيف األمـ‪/‬المجتمعات األخرل‪.‬‬
‫كبتعبير آخر فإنو ال يمكف تناكؿ مفيكـ اليكية خارج منطؽ التعدد كاالختبلؼ حتى داخؿ اليكية الكاحدة‪ ،‬إذ‬
‫لـ تعد اليكية كينكنة جامدة‪ ،‬أك جكى ار خالصا‪ ،‬كلكنيا خميط مف التداخبلت‪ ،‬كالتمازج‪ ،‬كالتفاعبلت االجتماعية‬
‫كالثقافية المتعددة‪ ،‬كالمركبة‪.‬‬
‫كفي إطار ىذا المعنى يقكؿ " دكبار" سكؼ أدعك أكلى أشكاؿ اليكية‪ ،‬كاألكثر قدما بؿ الغارقة في القدـ‬
‫أشكاال جماعاتية كىي تفترض اإليماف بكجكد تجمعات تسمى "جماعات" كىي بمثابة أنظمة مكاقع كأسماء‬
‫محددة مسبقا لؤلفراد‪ ،‬تعيد إنتاج المماثؿ عبر األجياؿ‪ ،‬كتخضع ىذه األشكاؿ لئليماف بالطابع األساسي‬
‫لبلنتماء الى مجمكعات معينة تعتبر أساسية أك ثابتة أك فقط حيكية بالنسبة لمفرد‪ ،‬كمنيا الثقافات‪ ،‬االثنيات‬
‫االتحادات‪ ،‬كاألمـ التي تعتبر برأم السمطات كاألفراد جكىرية لميكية‪ .‬كاما ثاني األشكاؿ فيي أشكاؿ أكثر‬
‫حداثة‪ ،‬كربما تككف ناشئة‪ ،‬كأطمؽ عمييا األشكاؿ التطكيعية ألنيا تفترض كجكد ىيئات متعددة كمتبدلة كزائمة‬

‫‪65‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ينتمي إلييا األفراد لفترات معينة‪ ،‬تمدىـ بمصادر مماثمة‪ ،‬كيديركنيا بطرؽ كأساليب متنكعة كمؤقتة‪ .‬ككفؽ‬
‫ىذا الطرح‪ ،‬فإف كؿ شخص يمتمؾ انتماءات متعددة‪( .‬دكبار‪ ،2008 ،‬ص ص ‪)22،21‬‬
‫أم بمعنى أف اليكية ليست فعبلن نيائيا‪ ،‬بؿ فعؿ متجدد مفتكح عمى التعدد‪ ،‬كعمى الختبلؼ‪ ،‬كمتفاعؿ مع‬
‫المكاف كالزماف‪ .‬لذلؾ يمكف أف نشاطر الفيمسكؼ "تشارلز تايمكر" الرأم عندما صرح بقكلو‪" :‬سابقا كانت‬
‫الي كية محددة كثابتة‪ ،‬حاليا أصبح األفراد كالجماعات مطالبيف بفعؿ الظركؼ التي تغيرت‪ ،‬بأف يعيدكا تعريؼ‬
‫ىكياتيـ‪ ،‬ككؿ ىكية جديدة تككف غالبا في كضعية متدفقة‪ ،‬كغير ثابتة‪ ،‬كال ترضي الجميع‪...‬ليذا فإف عالـ‬
‫المستقرة يجعؿ مف االعترافات المتبادؿ الرىاف األساسي كاألكلي‪ ،‬كىذا ىك قدرنا في الكقت‬
‫اليكية غير ه‬
‫الحاضر كيمكف أف يككف كذلؾ حتى المستقبؿ"‪( .‬سعدم‪ ،‬أكتكبر‪ ،2010‬ص‪)83‬‬
‫كيذىب "أميف معمكؼ" في كتابو اليكيات القائمة في نفس االتجاه‪ ،‬عندما يكتب بأف مفيكـ اليكية معقد‪ ،‬فيي‬
‫ليست معطى ثابتا‪ ،‬بؿ تتشكؿ كتتحكؿ باستمرار‪ .‬بؿ كحتى السكسيكلكجيا ترل بأف اليكيات متشكمة متفاعمة‬
‫مع الزمف كالمكاف‪ ،‬كليذا فيي في عبلقة جدلية بيف األنا كاألخر‪ ،‬كمف المتكقع‪ ،‬كمع تزايد االحتكاؾ الثقافي‬
‫بيف الشعكب‪ ،‬كاألفراد في القرف الكاحد كالعشريف (ؽ ‪ )21‬أف تشكؿ الديناميات اليكياتية أحد العناصر‬
‫المشكمة لعالـ ىذا القرف‪( .‬سعدم‪ ،‬أكتكبر‪ ،2010‬ص‪)83‬‬
‫لقد فرض القرف الكاحد كالعشريف (ؽ‪ )21‬ضركرة إرساء براديغـ (نمكذج أساسي) جديد لمقاربة اليكية‪ .‬براديغـ‬
‫يستجيب لجممة التحديات كالتحكالت الجذرية التي تعيشيا المجتمعات‪ ،‬كالفضاءات الثقافية المختمفة‪ ،‬كانشاء‬
‫سكسيكلكجيا لمتكاصؿ اإلنساني في مختمؼ الفضاءات‪ :‬اإلعبلمية‪ ،‬السياسية كاالقتصادية‪ ،‬إذ عمينا أف نتعمـ‬
‫كيؼ تتكاصؿ كنتعايش باستمرار‪ ،‬مع ما ىك ككني‪ ،‬كما ىك محمي‪ ،‬كىي عممية تكازف غير ثابتة‪ ،‬أك غير‬
‫بسيطة‪ ،‬حيث يسير العالـ نحك ثقافة ككنية مكحدة في الكقت ذاتو الذم تبحث فيو المجتمعات عمى تأكيد‬
‫االختبلفات كالتمايزات كربما التقكقع عمى نفسيا‪.‬‬

‫‪.2‬فئات العناصر الخاصة باليوية ‪:‬‬


‫يشير "أليكس ميكشيممي" في كتابو " اليكية" إلى كجكد فئات مف العناصر الخاصة بتحديد اليكية‪ ،‬قد تككف‬
‫ىكية مجتمع‪ ،‬أك جماعة‪ ،‬أك فرد كىاتو العناصر يمكف تصنيفيا في المجمكعات التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العناصر المادية والفيزيائية‪ :‬تشتمؿ ىذه العناصر عمى‪:‬‬
‫‪ -1‬الحيازات‪ :‬كمنيا االسـ‪ ،‬اآلالت‪ ،‬المكضكعات‪ ،‬األمكاؿ‪ ،‬السكف‪ ،‬المبلبس‪.‬‬
‫‪ -2‬القدرات‪ :‬كتعني القكة االقتصادية‪ ،‬المالية‪ ،‬كالقكة العقمية‪.‬‬
‫‪ -3‬التنظيمات المادية‪ :‬كالتنظيـ اإلقميمي‪ ،‬نظاـ السكف‪ ،‬كنظاـ االتصاالت اإلنسانية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -4‬االنتماءات الفيزيائية‪ :‬مثؿ االنتماء االجتماعي‪ ،‬التكزيعات االجتماعية‪ ،‬كالسمات المكرفكلكجية األخرل‬
‫المميزة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العناصر التاريخية‪ :‬كتتضمف اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬األصكؿ التاريخية‪ :‬األسبلؼ‪ ،‬الكالدة‪ ،‬االسـ‪ ،‬المبدعكف‪ ،‬االتحاد‪ ،‬القرابة‪ ،‬الخرافات الخاصة بالتككيف‬
‫كاألبطاؿ األكائؿ‪.‬‬
‫‪ -2‬األحداث التاريخية اليامة‪ :‬المراحؿ اليامة في التطكر التحكالت األساسية‪ ،‬اآلثار الفارقة‪ ،‬التربية كالتنشئة‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬اآلثار التاريخية‪ :‬العادات كالتقاليد‪ ،‬العقائد‪ ،‬العقد الناشئة عف عممية التطبيع‪ ،‬أك القكانيف كالمعايير التي‬
‫كجدت في المحمة الماضية‪( .‬ميكشيممي‪ ،‬ترجمة‪ :‬كطفو‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ‪)18‬‬
‫ثالثا‪ :‬العناصر الثقافية النفسية‪ :‬ومنيا‪:‬‬
‫‪ -1‬النظاـ الثقافي ‪ :‬المنطمقات الثقافية‪ ،‬العقائد‪ ،‬األدياف كالرمكز الثقافية‪ ،‬كااليدكلكجيا‪ ،‬كالنظاـ القيـ‪ ،‬ثـ‬
‫أشكاؿ التعبير المختمفة (الفف‪ ،‬األدب‪...‬الخ)‪.‬‬
‫‪ -2‬العناصر العقمية‪ :‬النظرة إلى العالـ‪ ،‬نقاط التقاطع الثقافية االتجاىات المغمقة‪ ،‬المعايير الجمعية‪ ،‬العادات‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬النظاـ المعرفي‪ :‬السمات النفسية الخاصة‪ ،‬اتجاىات نظاـ القيـ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬العناصر النفسية االجتماعية‪ :‬حيث نجد‬
‫‪ -1‬األسس االجتماعية‪ :‬اسـ‪ ،‬مركز‪ ،‬عمر‪ ،‬جنس‪ ،‬ميف‪ ،‬سمطة‪ ،‬كاجبات‪ ،‬أدكا اجتماعية‪ ،‬نشاطات‪،‬‬
‫انتماءات اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬القيـ االجتماعية‪ :‬الكفاءة‪ ،‬النكعية‪ ،‬التقديرات المختمفة‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -3‬القدرات الخاصة بالمستقبؿ‪ :‬القدرة كاإلمكانية‪ ،‬اإلثارة‪ ،‬اإلستراتيجية‪ ،‬التكيؼ‪ ،‬نمط السمكؾ‪( .‬ميكشيممي‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬كطفو‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ص ‪)20،19‬‬
‫كبالتالي فعندما يريد شخص ما أف يعرؼ نفسو‪ ،‬أك يعرؼ الجماعة التي ينتمي إلييا‪ ،‬أك ىكية شخص آخر‬
‫أك جماعة ما‪ ،‬فما عميو سكل أف يختار بعض السمات المكجكدة في فئات العناصر المذككرة كالمشكمة‬
‫لميكية‪ .‬كفي عبارة أخرل يريد "أليكس ميكشيممي" أف يقكؿ لنا بأف تعريؼ ىكية مكضكع ما‪ ،‬يحتاج إلى‬
‫االنطبلؽ مف المعايير السابقة‪ ،‬بمعنى اف عمينا في حاؿ ما إذا أردنا أف نعرؼ مكضكع معيف‪ ،‬أف نأخذ بعيف‬

‫‪67‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫االعتبار في تعريؼ السمات األساسية المتجانسة مف جية‪ ،‬كالسمات الخاصة التي يمكنيا التأكيد عمى‬
‫خاصية التمايز مف جية أخرل‪.‬‬
‫كانطبلقا مف ذلؾ يرل " ميكشيممي" بتحديد أنكاع اليكيات‪ ،‬مع العمـ بأنيا ليست الكحيدة‪ ،‬إذ يمكف إتياف أنكاع‬
‫أخرل مف اليكيات‪ ،‬في إذا ما لجأنا إلى اعتماد عناصر أخرل في تشكؿ أك في تحديد اليكية‪.‬‬

‫‪ .3‬أنواع اليويات‪:‬‬
‫حدد "ميكشيممي" أنكاع اليكيات في‪ :‬اليكية المادية‪ ،‬اليكية الخاصة‪ ،‬فاليكية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .1.3‬اليوية المادية‪ :‬كتشمؿ عمى‪:‬‬
‫أ‪ -‬المكرفكلكجيا‪ :‬السمات الفيزيائية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الممكية‪ :‬مكضكعات كأشخاص كخصكصيات مختمفة‪.‬‬
‫جػ ػ‪ -‬التنظيـ‪ :‬بنية األشياء كتناسقيا‪( .‬ميكشيممي‪ ،‬ترجمة‪ :‬كطفو‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ص ‪)20،19‬‬
‫‪ .2.3‬اليوية الخاصة‪ :‬كتنطكم عمى‪:‬‬
‫أ‪ -‬األصكؿ كالماضي‪ :‬الكالة‪ ،‬التاريخ الخاص‪ ،‬كأثاره‪.‬‬
‫ب‪ -‬الكضعية الحالية‪ :‬االسـ‪ ،‬مكقع الشخص مف األخرل السمطات‪ ،‬الكاجبات‪.‬‬
‫ج‪ -‬نظاـ القيـ كالسمكؾ الخاص‪ :‬السمات الخاصة كالسمكؾ الخاص‪ ،‬المثيرات‪ ،‬االىتمامات‪.‬‬
‫د‪ -‬القدرات الخاصة‪ :‬الكفاءات‪ ،‬النتائج‪ ،‬النشاطات‪.‬‬
‫‪ .3.3‬اليوية االجتماعية‪ :‬كتتضمف‪:‬‬
‫أ‪ -‬صكر اليكية مف منظكر اآلخريف‪ ،‬النماذج‪ ،‬أراء اآلخريف‪.‬‬
‫ب‪ -‬االنتماءات‪ :‬الجماعات الثنائية‪ ،‬جماعات االنتماء (عمر‪ ،‬جنس‪ ،‬مينة‪ ،‬رياضة‪ ،‬نشاطات)‪.‬‬
‫جػ ػ‪-‬الرمكز كاإلشارات الخارجية‪ :‬كؿ ما يمكف أف يأخذ مكانا في إطار التسمسؿ االجتماعي‪( .‬ميكشيممي‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬كطفو‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ‪.)21‬‬
‫د‪ -‬النشاطات‪ :‬كتتضمف الجانب المتعمؽ بالنشاطات االقتصادية أك غيرىا مف النشاطات‪ ،‬كما تتضمف تكزع‬
‫ىذه النشاطات كفقا لسكاف كالتنظيمات القتصادية المختمفة‪ ،‬كالتجييزات التكنكلكجية أك الفنية في ميداف‬
‫الزراعة‪ ،‬الصنعة‪ ،‬السياحة‪ ،‬كالثقافة كحركة العبلقات القائمة عمى مستكل االستيبلؾ‪ ،‬كما تشتمؿ عمى‬
‫األنشطة الدينية كاالستعراضية‪ ،‬كأنماط الحياة سكاء تعمؽ األمر بالسمكؾ الخاص بالجماعات الفرعية‪ ،‬أك‬
‫األحداث المميزة لمحياة الجمعية زيادة عمى المغة باعتبارىا مفردات‪ ،‬صيغ لغكية‪ ،‬إبداعات جمالية‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ق‪-‬التنظيم االجتماعي‪ :‬تشمؿ عمى التنظيـ الرسمي الذم يتضمف الكظائؼ‪ ،‬القكانيف اإلجراءات‪ ،‬نظاـ اتخاذ‬
‫الق اررات‪ ،‬نظاـ التقييـ الرسمي‪ ،‬نظاـ التعكيضات‪ ،‬إجراءات معالجة المعمكمات كنشرىا كتخزينيا لنمط‬
‫السمطة‪ ،‬أنظمة األدكار‪ ،‬كما ينطكم عمى دراسة الصراع المسافات االجتماعية داخؿ الجماعة‪ ،‬عبلقات‬
‫الترابط‪ ،‬كالتبايف الداخمي‪ ،‬شبكات التعاكف‪ ،‬مستكل التدرج االجتماعي الداخمي‪ ،‬كنمط الزعامات القائمة‪.‬‬
‫ك‪ -‬الذىنية‪ :‬يقصد بيا السمات األساسية الخاصة بتعريؼ الذىنية‪ ،‬كيمكف إرجاعيا إلى نسؽ المعمكمات‬
‫الذم يشتمؿ عمى تحميؿ محتكل أشكاؿ التعبير الجمعي‪ ،‬ذلؾ أف حياة الجماعة تنتظـ حكؿ أنشطة أساسية‬
‫كاىتمامات مركزية كتصكرات كما تنتظـ حكؿ أنماط الحياة الخاصة المطمكبة التي تتماشى مع األسس‬
‫المرجعية مف تصكرات جمعية‪ ،‬أنظمة أراء‪ ،‬عقائد كاتجاىات‪.‬‬
‫جد ير بالذكر التأكيد عمى أف التصنيفات السابقة ليست تصنيفات نيائية‪ ،‬زيادة عمى انو ال يمكف ألحدىا أف‬

‫يكجد بمعزؿ عف اآلخر‪ .‬أم أف نسؽ المعايير الذم يكظؼ في تحديد ىكية ما‪ ،‬يعمؿ باعتباره نظامان متكامبلن‬
‫إذ تتداخؿ عناصره‪ ،‬كتعمؿ جميعا في تحديد داللة كؿ عنصر مف عناصره‪ .‬كمف ذلؾ يمكف القكؿ بأف ىكية‬
‫الجماعة التي تتحدد في إطار نظاـ متكامؿ‪ ،‬كتمثؿ كحدة كمية تشتمؿ عمى جممة مف العناصر المتكاممة‬
‫لتشكؿ بذلؾ حقيقة اجتماعية تنطكم عمى جممة العناصر التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬البيئة الحيوية‪ :‬كتشمؿ عمى الكسط كالشركط التي تغطي نشاطات الجماعة كمنيا‪ :‬الحدكد‪ ،‬المكقع‪ ،‬المناخ‪،‬‬
‫الحيكانات‪ ،‬التربة‪ ،‬المباس‪ ،‬حالة السكف‪ ،‬أساليب االتصاؿ‪ ،‬التغيرات المممكسة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫كما تتضمف ىذه البيئة جممة تأثيرات ىذا الكسط مف‪ :‬إشباع الحاجات‪ ،‬الحرماف كالكبت‪ ،‬األىدافػ عناصر‬
‫التنظيـ االجتماعي‪ ،‬الذىنية‪ ،‬الطقكس كالسمككيات الخاصة‪ ،‬كالعبلقات النمكذجية لمجماعة مع كطيا األصؿ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التاريخ ‪ :‬يشكؿ تاريخ الجماعة بدكره منطمقا لتحديد ىكيتنيا‪ ،‬ذلؾ أف ىكية الجماعة تتجذر في تاريخيا‬
‫الذم يبرز في تقاليد الجماعة أساطيرىا‪ ،‬كحكاياتيا‪ ،‬زيادة عمى تاريخ أبطاؿ الجماعة التاريخية كصكر الحياة‬
‫السياسية لمجماعة‪ ،‬البنية االجتماعية‪ ،‬كأيضا اآلراء‪ ،‬االتجاىات‪ ،‬مكركثات الماضي‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ج ػ‪ -‬الديموغرافيا ‪ :‬كيعني ليا‪ :‬عدد أفراد الجماعة‪ ،‬كتكزعاتيـ كفقا لعامؿ الجنس‪ ،‬كالعمر‪ ،‬كالنشاط‪ ،‬ػنساؽ‬
‫القرابة‪ ،‬كالتغيرات الحاصمة داخؿ النظاـ السكاني‪ ،‬يضاؼ عمييا نسبة الكفيات كالخصكبة‪ ،‬تكزعات الجماعة‬
‫في المكاف‪ ،‬نظاـ العبلقات االجتماعية‪ ،‬نمط اليجرة‪ ،‬كالزكاج‪ ،‬كنمط المدارس‪...‬إلخ‪( .‬ميكشيممي‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫كطفو‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ‪)23‬‬
‫مف ىنا يمكف القكؿ بأنو إذا ما كانت اليكية الفردية ذات بعد نفسي اجتماعي باألساس‪ ،‬فإف اليكية الجماعية‬
‫تتغذل بالمقابؿ مف العمؽ‪ ،‬أك البعد التاريخي‪ ،‬أم أف اليكية الجماعية ىكية تاريخية باألساس‪ ،‬كىي بالتالي‬

‫‪69‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫تندرج ضمف سياؽ اجتماعي‪-‬تاريخي تصكغو الجماعة‪ ،‬كتتكارثو األجياؿ‪ ،‬حيث تتجمى مظاىره المادية‬
‫كالرمزية في‪ :‬العمراف‪ ،‬الثقافة األدب‪ ،‬القيـ‪ ،‬الديف‪ ،‬المغة‪ ،‬كالتاريخ‪ .‬زيادة عمى كافة محددات كأبعاد التجربة‪،‬‬
‫أك الخبرة الكجكدية في الزماف كالمكاف‪ .‬كبيذا الخصكص يؤكد "مالؾ شبيؿ‪ :‬عمى أف اليكية الجماعية "تمثؿ‬
‫ثمرة الفعؿ اإلنساني‪ ،‬ىذا الفعؿ الذم يمثؿ مكضكع التاريخ كمحركو في الكقت ذاتو‪ ،‬لكف مف دكف أف يككف‬
‫فعبل متقطعان‪ ،‬كمفصكال تماما عف المستكيات الذاتية لمكعي الجماعي"‪( .‬أراؽ‪ ،‬يكنيك‪ ،2008‬ص ‪.)229‬‬
‫لقد كاف كال يزاؿ‪ ،‬مكضكع‪ ،‬أك إشكاؿ اليكية‪ ،‬سؤاال مركزيا حاض انر في الفكر العربي‪ ،‬كذلؾ انطبلقا مف‬
‫اإلرث المغكم كالديني المشترؾ‪ ،‬أك مف الخمفية الحضارية‪ ،‬كالدينية‪ ،‬كالقكمية المشتركة‪ ،‬كالتي سعت إلى‬
‫تناكؿ اليكية العربية باعتبارىا ىكية جمعية كجماعية‪ .‬إال أف ىذا التناكؿ‪ ،‬أك الطرح‪ ،‬عانى كيعاني مف‬
‫محاكالت تشكيؿ‪ ،‬أك رسـ حدكد معينة‪ ،‬ليذه اليكية‪ .‬ما جعؿ ىذه اليكية تعاني مف التشكيش‪ ،‬بما أف حدكدىا‬
‫أك أبعادىا‪ ،‬كانت انتقائية‪ ،‬أك ُعمؿ عمى تكييفيا‪ ،‬كي تتجاكب مع طرح رسمي لميكية‪ ،‬يمنعيا مف مكاكبة‬
‫التطكرات كمسايرة ركح العصر‪.‬‬
‫إف سؤاؿ اليكية عمى صعيد الفكر العربي ال يزاؿ مممكءا بحمكالتو اإلشكالية‪ ،‬خصكصا في ظؿ ما تفرضو‬
‫األكضاع الحالية‪ ،‬كمستجدات العبلقات الدكلية‪ ،‬كأيف يجرم التعامؿ مع ىذا السؤاؿ في الغالب مف منطمؽ‬
‫الخكؼ مف االستبلب‪ ،‬كالخشية عمى الذات‪ ،‬مما يؤشر عمى كجكد أزمة ىكية بالنسبة لممجتمعات العربية‬
‫كاليكـ بشكؿ خاص‪ ،‬أك أماـ ما تثيره العكلمة‪ ،‬كالعكلمة الثقافية تحديدا مف إشكاالت‪ ،‬مما يؤدم في أغمب‬
‫األكقات إلى نكع مف االنغبلؽ‪ ،‬كذلؾ باالحتماء بالماضي‪ ،‬أك باليركب إليو‪.‬‬
‫مف ذلؾ يجكز القكؿ بأف التمزقات التي تعيشيا المجتمعات العربية اليكـ‪ ،‬إنما تجد تفسيرىا في مستكل معيف‬
‫في جمكع األزمات النفسية االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬المرتبطة بسؤاؿ اليكية في صيغتو العربية‪ ،‬كأما‬
‫ىذه التمزقات فيمكف اختزاليا في شرخيف أساسيف‪ ،‬كفييما يتأسس خطاب كؿ كاحد منيما‪ ،‬في تقابؿ شديد مع‬
‫اآلخر‪ .‬كأما ىذيف الشرخيف فيما‪:‬‬
‫‪ -‬الشرخ األول‪ :‬كيظير في تيار يقيس الببلد كالعباد بمقاييس التكفير كالتبديع‪.‬‬
‫‪ -‬الشرح الثاني‪ :‬كيظير في تيار المنبير بالغرب‪ ،‬كىك يرفض‪ ،‬أك يعمف ثكرتو عمى كؿ ما يشكؿ قيـ‬
‫االنتماء الحضارم كالتاريخي‪.‬‬
‫كأما القاسـ المشترؾ بيف ىذيف التياريف‪ ،‬فيكمف في تمثؿ اليكية العربية‪ ،‬في ضكء مقياس مفارؽ مف الناحية‬
‫التاريخية‪ ،‬ذلؾ أف التيار األكؿ يشده الحنيف إلى ىكية ماضية‪ ،‬كيؤسس كعيو باليكية في بعدىا الديني فقط‬
‫باعتبارىا ىكية أصالة‪ ،‬أما ما عداىا فيكيات استبلب‪ ،‬في حيف يؤسس التيار الثاني مقاربتو لميكية قياسا‬

‫‪70‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫بالغرب أك بالحضارة الغربية‪ .‬كيظير مف ذلؾ بأف ىذيف التياريف يؤسساف كعييما باليكية العربية‪ ،‬عمى‬
‫أساسا جدلية التماىي كالرفض‪ .‬فإما التماىي مع نمكذج اليكية الغربية‪ ،‬أك التماىي مع نمكذج اليكية السمفية‬
‫كحيث يرفض كبلىما األخر‪( .‬أراؽ‪ ،‬يكنيك‪ ،2008‬ص ص ‪)237 ،236‬‬
‫كىك التماىي الذم يبدك معو بأف إمكانية الحكار‪ ،‬كالتكاصؿ‪ ،‬باتت تقريبا مستحيمة‪ ،‬أك مستبعدة‪ .‬لذلؾ تككف‬
‫النتيجة دكما ىذه المكاجية التي تستنزؼ جانبا كبي ار مف طاقة المجتمعات العربية‪ .‬عمما بأنو تكجد داخؿ‬
‫ىذيف التياريف مكاقؼ‪ ،‬كرؤل متعددة‪ ،‬كغير مكحدة‪ ،‬أك غير متجانسة‪ ،‬تبدك فييا اليكية العربية‪ ،‬أكثر اليكيات‬
‫افتقا ار إلى االعتداد بالذات‪ ،‬كبمقكماتيا‪ .‬يحدث ىذا في الكقت الذم يحتـ عمييا الراىف المعاش‪ ،‬إيجاد إجابة‬
‫عمى سؤاؿ اليكية‪ ،‬كالذم يمزـ المجتمعات العربية‪ ،‬باالنخراط في شبكة أخرل مف التداعيات الجدلية‪ ،‬مع‬
‫مفاىيـ أخرل مثؿ‪ :‬المعاصرة‪ ،‬الككنية‪ ،‬العالمية‪ ،‬الحداثة‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬التقدـ‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬المكاطنة‪...‬إلخ‪ .‬فيي‬
‫كمفاىيـ تشكؿ اليكـ‪ ،‬مساحة الرىانات الدكلية‪ ،‬كبناء شركط الكعي‪ ،‬كالكعي المضاد لدل األفراد‪ ،‬كما لدل‬
‫الجماعات‪ ،‬كالمجتمعات‪.‬‬
‫كأخي ار تأتي اليكية لتككف مطمبا ثقافيا‪ ،‬ككإحدل عبلمات ما بعد الحداثة‪ .‬كىي كمفيكـ حديث نسبيا يحيؿ إلى‬
‫الخصائص‪ ،‬كالسمات الثقافية المميزة لمناس‪ .‬مع ذلؾ يبقى القكؿ بأف الحديث عف اليكية يأتي دائما ليدعـ‬
‫فكرة تعدد اليكيات‪ ،‬كفؽ مقكمات نشكء ىذه اليكيات‪ .‬كبيذا الصدد كاف "كاستمر" قد قسـ اليكيات حسب‬
‫مقكمات نشكئيا إلى ثبلثة أقساـ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اليوية المشروعة‪ :‬كىي اليكية التي تنتجيا المؤسسات االجتماعية المييمنة مف أجؿ إدامة ىيمنتيا‪.‬‬
‫ب‪ -‬اليوية المقاومة‪ :‬كىي اليكية التي تنشأ عف النشطاء الكاقعييف‪ ،‬كالميمشيف مثبل كيكية لممقاكمة كالدفاع‬
‫عف كجكدىـ‪.‬‬
‫ج ػ‪ -‬اليوية المصممة‪ :‬كتنشأ عندما يعمد الفاعمكف في المجتمع‪ ،‬إلى كضع تصكر‪ ،‬يفضي إلى ىكية جديدة‬
‫مبنية عمى ما يتكفر لدييـ مف كسائؿ ثقافية‪ ،‬تعيد تعريؼ مكانتيـ في المجتمع‪ ،‬حيث يسعكف إلى تحكيؿ بنية‬
‫المجتمع ككؿ‪ ،‬كتحكر مساره‪( .‬الغدامي‪ ،2009 ،‬ص ص ‪)51-48‬‬
‫كفي ذات االتجاه الذم ذىب إليو كثيركف كمنيـ " الخطيبي" بأف اليكية في صيركرة دائمة‪ ،‬كاليكية الكاحدة‬
‫"ىكية الىكتية" فإف كجدت اليكية فمف تككف إال تعددية‪ .‬لذلؾ كاذا نظرنا إلى االنساف المغربي مثبل فسنجد‬
‫بأنو يحمؿ في أعماقو كؿ ماضيو‪ :‬ما قبؿ اإلسبلمي‪ ،‬البربرم‪ ،‬كالعربي‪ ،‬كالغربي‪ .‬لذلؾ فإف أىـ شيء‪ ،‬ىك‬
‫أال نغفؿ ىذه اليكية المتعددة‪ ،‬التي تشكؿ ىذا الكائف اإلنساني مف جية‪ ،‬كأف نفكر في الكحدة الممكنة بيف‬
‫ىذه العناصر جميعا‪ ،‬كلكنيا كحدة غير الىكتية‪ ،‬فيي تترؾ لكؿ عنصر نصيبو مف التميز‪ ،‬كتتيح بالنسبة‬

‫‪71‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫لممجمكع حرية الحركة‪( .‬بمكا‪ ،2014 ،‬ص ‪ )27‬في عبارة أخرل إذا كانت اليكية تركيب ثابت فإنو ديناميكي‬
‫أيضا‪ .‬أك كأف اإلطار العاـ كاحد‪ ،‬كثابت‪ ،‬إال اف محتكياتو مرنة‪ ،‬كقابمة لمتغير‪ .‬أك ىي عمى رأم "حسف‬
‫حنفي" تندرج في الخصكصية كالعمكـ‪ ،‬كىي ليست بالضركرة في خط رأسي‪ ،‬أك بيف األعمى كاألدنى بؿ‬
‫يمكف اف يككف ىذا الخط في مسار أفقي‪ ،‬أم بيف األماـ كالخمؼ‪( .‬حنفي‪ ،2012 ،‬ص ‪)73‬‬
‫خبلصة القكؿ ىي أف اليكية حصيمة تفاعبلت كصراعات اجتماعية‪ ،‬أم ىي محصمة لسيركرة تاريخية‪ ،‬كىي‬
‫متغيرة‪ ،‬كديناميكية‪ .‬كبالتالي فإف القدرة عمى تصنيؼ الذات‪ ،‬كتصنيؼ اآلخر‪ ،‬ليست مطمقة‪ ،‬كليست نيائية‪.‬‬
‫بؿ إف األصكب كمثمما ذىب إليو "بكرديك" في مقالة لو بعنكاف " اليكية كالتصكر" أف مف يممؾ السمطة‬
‫الشرعية ىك القادر عمى فرض تعريفو لنفسو كلغيره‪ ،‬بما يعني أف مجمؿ تعريفات اليكية‪ ،‬إنما تعمؿ كمنظكمة‬
‫تحدد المكاقع المتتالية لمجماعات‪ ،‬كالسمطة الشرعية ىي مف تممؾ القكة الرمزية‪ ،‬لجعؿ اآلخريف يعترفكف‬
‫بمقكالتيا‪ ،‬كبتعريفيا‪ ،‬كبالتالي بقدرتيا عمى تفكيؾ‪ ،‬كتشكيؿ الجماعات‪ .‬كىك ما يفضي إلى القكؿ بييمنة‬
‫كسيطرة جماعة بعينيا عمى جماعة أك جماعات أخرل‪ ،‬كىي ىيمنة‪ ،‬أك سيطرة‪ ،‬ال تنحصر في الييمنة‬
‫االقتصادية‪ ،‬كالعسكرية فقط‪ ،‬بؿ تمتد إلى الييمنة الفكرية‪ ،‬كالثقافية‪ ،‬كحتى األيديكلكجية‪ .‬كىنا يمكف تكقع‬
‫التأثير السمبي عمى الحالة البسيككلكجية‪ ،‬أك المعنكية لممنتميف إلى الجماعة‪ ،‬أك الجماعات المضطيدة‬
‫كالمقمكعة‪ ،‬كاف كانت ردكد الفعؿ‪ ،‬أك االستراتيجيات المتبناة إزاء مثؿ ىذا الشعكر‪ ،‬لدل مثؿ ىاتو الجماعات‬
‫عادة ما تككف متعددة‪ ،‬كمتباينة‪ ،‬كغالبا ما تحدد في أربع (‪ )04‬استراتيجيات ىي‪:‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية األولى‪ :‬قد تسعى الجماعة إلى االندماج كاالنصيار أك الذكباف في الجماعة المسيطرة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية الثانية‪ :‬محاكلة إعادة تعريؼ الخصائص السابقة ذات التقييـ السمبي لمجماعة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية الثالثة‪ :‬اإلبداع كتبني أبعاد جديدة‪ ،‬أك أبعاد لـ تستخدـ مف قبؿ مف أجؿ المقارنة مع‬
‫الجماعات األخرل‪.‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية الرابعة‪ :‬كتتعمؽ بالمنافسة المباشرة مع الجماعة المسيطرة‪ ،‬كىي اإلستراتيجية التي تقكد إلى‬
‫الصراعات كالنزاعات‪.‬‬
‫كىي بطبيعة الحاؿ استراتيجيات تقكد الجماعة المييمنة‪ ،‬إلى اإلقرار بذات االستراتيجيات لمحفاظ عمى‬
‫سيطرتيا‪ .‬كأما عندما يفشؿ الذيف ينتمكف إلى الجماعات ذات اليكية الضعيفة‪ ،‬في إيجاد بدائؿ‪ ،‬مف أجؿ‬
‫تغيير مكاقؼ جماعاتيـ‪ ،‬أك المكقؼ منيا‪ ،‬فقد يمجئكف إلى تبني إستراتيجية فردية‪ ،‬تسمح ليـ بتحسيف‬
‫أكضاعيـ كأفراد‪ ،‬كىي اإلست ارتيجية متاحة في الجماعات المفتكحة فقط‪ ،‬ذلؾ أنو في حاؿ لـ تكف مثؿ ىذه‬

‫‪72‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫اإلستراتيجية متاحة فإف األفراد يمجؤكف ىنا إلى مقارنة أنفسيـ بغيرىـ داخؿ جماعتيـ‪( .‬عماد‪ ،2017 ،‬ص‬
‫ص ‪)143 ،142‬‬

‫‪. V‬المخيال االجتماعي أو المخيمة االجتماعية‬


‫‪ -‬تمييد‪:‬‬
‫ما ىك المتخيؿ؟ ما ىك المخياؿ؟ أك ما ىي المخيمة‪ ،‬ما ىك المخياؿ االجتماعي؟ أك ما ىي المخيمة‬
‫االجتماعية؟‬

‫ىذه جممة مف األسئمة سنعمؿ لئلجابة عمييا‪ ،‬كسنبدأ بالعكدة أكال إلى أصؿ كممة "المتخيؿ"‪ .‬كعميو فكممة‬
‫المتخيؿ اسـ مفعكؿ مف تخيؿ‪ ،‬كىك مشتؽ مف مادة (خ‪ ،‬م‪ ،‬ؿ) فقد جاء في لساف العرب "خاؿ الشيء‬
‫كخيؿ لو‪ُ ،‬خيؿ‬
‫كيخاؿ خيبلن كخيمو كخيمة كخاالن كخيبلن‪ ،‬أم "ظنو"‪ .‬كفي المثؿ مف يسمع يخؿ‪ ،‬أم يظف‪ُ ،‬‬
‫عميو‪ ،‬شبو‪ ،‬كأخا ُؿ الشيء‪ ،‬اشتبو‪ ،‬كالسحابةُ المخنيؿ كالمخيمةُ‪ ،‬كالمخيمةُ‪ ،‬إذا رأيتُيا حسبتُيا ماطرة‪ .‬كمنو‬
‫التصاؽ مادة (خ‪ ،‬م‪ ،‬ؿ) بمعاني الكىـ‪ ،‬كالظف‪ ،‬كالشبو‪ ،‬أك المحاكاة‪ .‬كالمتخيمة ىي" القكة التي تتصرؼ في‬
‫الصكر المحسكسة كالمعاني الجزيئة المشتركة منيا كتتصرؼ فييا بالتركيب تارة‪ ،‬كبالتفصيؿ في أخرل‪.‬‬
‫كتستخدـ كممة متخيل كترجمة لكممة (‪ )imaginaire‬كىي تعكد في األصؿ إلى الكممة البلتينية‬
‫(‪ ) imaginarius‬كيقصد بيا الشيء الذم ال كجكد لو في الكاقع‪ ،‬أك ذاؾ الذم ال كجكد لو إال في ذىف‬
‫اإلنساف فيك عبارة عف صكرة ذىنية‪ ،‬كأما كممة خيال فترجمة لكممة )‪.(imagination‬‬
‫فالمتخيؿ مكضكع التخيؿ‪ ،‬كمكضكع الخياؿ‪ ،‬كىك نتاجيما‪ .‬كالمتخيؿ مكضكع التخييؿ في حالة ما إذا كانت‬
‫عبلقتنا بالمتخيؿ أكثر حرية‪ ،‬كىك أيضا مكضكع الخياؿ في حالة ما إذا كانت عبلقتنا بالمتخيؿ أكثر‬
‫انضباطا‪ ،‬كأكثر تحديدا‪ ،‬كتبمكرا‪ .‬ثـ إف المتخيؿ يمكف اف يككف فرديا‪ ،‬كما يمكف أف يككف جماعيا‪ ،‬كقد يككف‬
‫متعمقا بحالة سكية‪ ،‬أك بحالة مرضية‪ ،‬أك غير سكية‪.‬‬
‫إال أف ىذا المفيكـ سيعرؼ تحكال في معناه كدالالتو انطبلقا مف القرف التاسع عشر‪ ،‬ليصير تدريجيا مفيكما‬
‫إجرائيا معتمدا في دراسة الظكاىر االجتماعية‪ ،‬إلى جانب األعماؿ األدبية‪ ،‬األساطير‪ ،‬كاألدياف‪ ،‬مع أعماؿ‬
‫ككتابات كؿ مف‪ " :‬غاستكف باشبلر"" ‪" "G. Bachelard‬ؾ‪ .‬كاستكرياديس" " ‪" Cornelius Castoriadis‬‬
‫كجيميار دكراف" "‪ ،"Gilbert Durand‬كلذلؾ سيصبح مف الضركرم الفصؿ‪ ،‬أك التمييز بيف كممة "خياؿ"‬
‫التي تقابميا في المغة الفرنسية كممة "‪ ،"Imagination‬ككممة "مخياؿ التي تكافؽ كممة " ‪ ."imaginaire‬ثـ‬
‫إف كممة " مخياؿ" تأتي أيضا قياسا عمى كممة "مخيمة" المستعممة بكثرة في المغة العربية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪https://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AE%D9%8A‬‬
‫‪consulté le 14/04/2018 à 12 :30.%D9%84-imaginaire-4202‬‬

‫زد عمى ذلؾ أف كممة "مخياؿ" تأتي عمى كزف مفعاؿ‪ ،‬أك في صيغة اسـ اآللة في المغة العربية أم تمؾ اآللة‬
‫التي بكاسطتيا ينتج اإلنساف الصكر كالتخيبلت‪ ،‬كبالتالي البحث في آليات التخيؿ عند الجماعة‪ ،‬كمنو عند‬
‫المجتمع‪ .‬كىي بالتالي تختمؼ عف كممة خياؿ‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف "جيمبار دوران" كيؤكد عمى ضركرة عدـ الخمط بيف مفيكـ المخيال كالمفاىيـ المشابية لو‬
‫كيرل بأننا كثي ار ما نستعمؿ كممات مثؿ‪ :‬صكرة‪ ،‬عبلمة‪ ،‬كأسطكرة لمتدليؿ عميو‪( .‬الجكيني‪ ،1992 ،‬ص ص‬
‫‪ )24،25‬فالمخياؿ يقع ما بيف التصكر كالخياؿ كيتجاكزىما‪ ،‬أك مثمما يقكؿ "جيمبار دوران" مف غير البلئؽ‬
‫أف ننظر إلى التخيؿ عمى أنو ظاىرة سابقة لمفكر العقمي السميـ‪ ،‬بؿ يجب أف ننظر إليو باعتباره عامبل‬
‫أساسيا في تحقيؽ التكازف النفس‪-‬اجتماعي"‪)Durand, 1976. P7( .‬‬
‫ىذا كيجمع الباحثكف عمى أف " التخيؿ طريقة محددة الستحضار العالـ‪ ،‬كالكعي بو في شكؿ صكرة ترتسـ في‬
‫ذىف المتخيؿ ‪ -‬بفتح التاء ككسر الخاء‪ -‬لو مما يجعمنا نصؿ إلى حقيقة ال يرتقي إلييا الشؾ‪ ،‬كتتمثؿ في أف‬
‫كؿ عممية تخيؿ تفترض كجكد الذات المتخيمة‪ ،‬كمكضكع تخيميا كجكدا عضكيا متبلزما" (الجكيني‪،1992 ،‬‬
‫ص ‪ .)25‬كمنو فػإف "المتخيؿ االجتماعي" – بفتح التاء كالخاء‪ -‬يصبح الطريقة التي يتخيؿ بيا الناس‬
‫العاديكف محيطيـ االجتماعي‪ ،‬كىذا ما ال يجرم التعبير عنو بشكؿ نظرم‪ ،‬لكنو غالبا محمكال في الصكر‬
‫كالقصص كاالساطير‪ .‬كما يثير في المتخيؿ أنو مكضكع مشترؾ لدل مجمكعات كاسعة مف الناس إف لـ يكف‬
‫مشتركا لدل المجتمع كمو‪ .‬أم اف " المتخيؿ االجتماعي" شيء أعمؽ كاكسع مف الصيغ الفكرية التي قد يعبر‬
‫بيا الناس عندما يفكركف في كاقعيـ االجتماعي‪( .‬تايمر‪ ،2015 ،‬ص ‪)35‬‬
‫لكف دعنا نتساءؿ مع " جيمبار دكراف" إذا كاف التخيؿ طريقة الكعي بالعالـ‪ ،‬فيؿ كؿ كعي يعد تخيبل؟ يجيب‬
‫"دكراف" عمى ىذا السؤاؿ بقكلو‪ :‬بأف الكعي يتمتع بطريقتيف الستحضار العالـ طريقة مباشرة كأخرل غير‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الطريقة المباشرة‪ :‬كىي التي يبدك فييا الشيء ذاتو حاض ار في الذىف‪ ،‬كذلؾ عند اإلدراؾ أك اإلحساس‬
‫البسيط (كأف تتخيؿ شجرة أك شيئا ماديا محسكسا)‪.‬‬
‫ب‪ -‬الطريقة غير المباشرة‪ :‬كتحدث عندما ال يككف بإمكاف كعينا استحضار المكضكع استحضا ار حسيا (كىك‬
‫الشأف عندما تتذكر طفكلتنا أك نستحضر عالـ المكت‪ ،‬كاآلخرة‪...‬إلخ)‬

‫‪74‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كمنو ففي كؿ مرة يككف الكعي فييا غير مباشر‪/‬أك ال مباشر يككف مكضكعو غائبا‪ ،‬أك مف جنس المجردات‪:‬‬
‫(قيمة أخبلقية‪ ،‬سياسية‪ ...‬الخ) كبالتالي ال يمكف لمكعي أف يتمثمو‪ ،‬إال بكاسطة صكر‪ .‬فعندما يغيب‬
‫المكضكع غيابا حسيا‪ ،‬أك ماديا‪ ،‬نسمي شكؿ ىذا الكعي‪ ،‬أك ىذا الكعي مخياال‪( .‬الجكيني‪ ،1992 ،‬ص‬
‫‪ )25‬كلذلؾ فاالىتماـ بالمخياؿ االجتماعي‪ ،‬أك المخيمة االجتماعية‪ ،‬لعمى جانب مف األىمية ألجؿ فيـ‬
‫مجتمعاتنا فيما عمميا تاريخيا‪ ،‬بما أنو ذلؾ الفيـ المشترؾ الذم يجعؿ الممارسات االجتماعية ممكنة‪ ،‬إضافة‬
‫الى اإلحساس العاـ بالمشركعية‪.‬‬
‫كبيذا الصدد يفصؿ "محمد أرككف" بيف العقؿ الكتابي‪ ،‬كالعقؿ الشفكم‪ ،‬إذ أف لكؿ منيما نطاقو‪ ،‬أك نظامو‬
‫الخاص‪ ،‬حيث ينتمي العقؿ المكتكب إلى الثقافة العالمة (‪ )La Culture Savante‬التي ينتجيا األدباء‬
‫كالعمماء كىك يتميز بالدقة كبإستراتيجية محكمة لمخطاب‪ .‬في حيف يككف مجاؿ العقؿ الشفكم ىك المخياؿ‬
‫الذم تطكقو الرغبة المكبكتة كالبلكاعية‪ ،‬أم بما معناه أف مجاؿ المكتكب ىك العقؿ المنظـ الذم يقكده الكاقع‬
‫كيكجيو التاريخ‪ .‬ىذا كيبلحظ "أرككف" ذلؾ التداخؿ القائـ بيف العقؿ‪ ،‬كالمخياؿ‪ ،‬أك الحضكر المكثؼ لممخياؿ‬
‫داخؿ المد َّكف القديـ في الثقافة العربية اإلسبلمية‪( .‬الجكيني‪ ،1992 ،‬ص ‪)27‬‬

‫‪ .1‬مفيوم المخيال االجتماعي‪/‬أو المخيمة االجتماعية‪:‬‬


‫نفيـ مما تقدـ بأنو كثي ار ما يتـ الخمط بيف مفيكـ "المخياؿ" ك"الخياؿ"‪ ،‬ك"التصكر"‪ ،‬كغيرىا مف المفاىيـ‬
‫األخرل التي تحمؿ معاني مشتركة كالكعي‪ ،‬كالبلكعي‪ ،‬كااليدكلكجيا‪ .‬فالمخيال االجتماعي ىك‪ :‬مجمؿ‬
‫التصكرات كأشكاؿ الكعي التي يبنييا الفاعمكف االجتماعيكف في إطار مجتمع معيف محدد بنسؽ رمزم كثقافي‬
‫خاص كىك اآللية التي يستعيد بيا األفراد ذكاتيـ التاريخية بيدؼ إنتاجيا كاعادة بنائيا في صكرة جديدة تظير‬
‫في سمككياتيـ الحاضرة‪ ،‬أك في تكقعاتيـ المستقبمية‪.‬‬
‫نفيـ مف ذلؾ أف "المخيال" "‪ "Imaginaire‬يخص األفراد‪ ،‬كالجماعات‪ ،‬فيك يعبر عف مجمكع التمثبلت‬
‫كالتصكرات التي تترسب بالتنشئة االجتماعية‪ ،‬كيتـ تناقميا عبر األجياؿ عف طريؽ المثاقفة‪ ،‬التي يتـ تعميميا‬
‫بكاسطة الديف‪ ،‬األدب‪ ،‬كالفنكف‪ ،‬األساطير‪ ،‬المغة المتداكلة‪ ،‬الخطاب السياسي‪ ،‬كغيرىا مف كسائؿ االتصاؿ‬
‫الحديثة‪ ،‬كأنظمة الدعاية‪ ،‬كاإلشيار‪.‬‬
‫كىكذا إذف يككف لكؿ مجتمع متخيمو المشترك بيف األفراد الذيف يتككف منيـ‪ ،‬كلكف لكؿ شخص المخيال‬
‫االجتماعي الذم يخصو‪ ،‬كيحدد نمط سمككو‪ ،‬كطبيعة فعمو‪ ،‬كحدكد اجتياداتو‪ ،‬كطريقة رد فعمو لدل الشعكر‬
‫بالمخاطر‪ ،‬اك غيرىا‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كمنو فإنو كاذا ما كانت كظيفة الخيال متمحكرة حكؿ االبتعاد‪ ،‬كالتجاكز‪ ،‬كاإلثارة‪ ،‬كاالنزياح‪ ،‬كالتكثيؼ‪ ،‬كيتـ‬
‫استعمالو في عمميات التدمير‪ ،‬كاليدـ‪ ،‬كاإلغارة عمى الكاقع‪ ،‬قصد إعادة تشكيؿ العالـ‪ ،‬كاعادة بناء كاقع‬
‫جديد‪ ،‬فإف المخيال االجتماعي يساىـ في إقامة الركابط بيف غرائز األفراد‪ ،‬كالمؤسسات االجتماعية تفاديا‬
‫لمضغكط الخارجية‪ ،‬كالكبت الباطني‪ ،‬كما قد يعمؿ عمى دعـ الشكؿ السائد مف الحياة‪ ،‬أك عمى إضعافيا‬
‫كاستبداليا بأخرل‪ .‬كمثمما يقكؿ " تشالز تيمر" في كتابو "المتخيبلت االجتماعية الحديثة" فإف" متخيمنا‬
‫االجتماعي في أم كقت بعينو‪ ،‬ىك أمر معقد‪ .‬كىك يشمؿ عمى حس بالتكقعات العادية التي تككف لدل كؿ‬
‫منا تجاه اآلخر‪ ،‬كعمى نكع مف الفيـ المشترؾ الذم ُيمكننا مف القياـ بالممارسات الجمعية التي تصنع حياتنا‬
‫االجتماعية‪ ،‬كىذا ما يتضمف نكعا مف الحس المتعمؽ بكيفية تآلفنا معا في القياـ بالممارسات العامة‬
‫المشتركة"‪( .‬تيمر‪ ،2015 ،‬ص ‪)36‬‬
‫كلذلؾ يظير المخيال االجتماعي في شكؿ إيديولوجيا أحيانا كفي شكؿ يوتوبيا (‪ )Utopie‬أحيانا أخرل‪.‬‬
‫فيما شكبلف مف الكعي اإلنساني‪ ،‬كيشكبلف البنية الداخمية لممخياؿ االجتماعي‪ .‬أم أف "المخياؿ االجتماعي‬
‫"يظير مرة في شكؿ يكتكبيا ىاربة مف الكاقع‪ ،‬أك منقمبة عميو‪ ،‬لتحقيؽ نكع مف الفردكس المفقكد‪ ،‬الذم يستعيد‬
‫فيو البشر إنسانيتيـ‪ ،‬كمرة أخرل في شكؿ إيديكلكجيا‪ ،‬مشكىة لمكاقع‪ ،‬غارقة في الكىـ‪ ،‬أك في الكعي الزائؼ‬
‫الذم يييمف عمى األفؽ الذىني لجماعة ما في فترة زمانية ما‪( .‬مكاكم‪ ،1993،‬ص ‪ )64‬أم كعمى منكاؿ ما‬
‫ذىب إليو " تشالز تيمر" فإف الفيـ المشترؾ الذم نحققو حكؿ الحياة االجتماعية يككف معياريا ككاقعيا في آف‬
‫كاحد‪ .‬ذلؾ أف حسَّنا بمجرل األمكر المعتاد يأتي في الكاقع‪ ،‬متداخبل مع الفكرة التي لدينا حكؿ المجرل‬
‫الكاجب لؤلمكر‪ ،‬كبالتالي فإنو مف شأف الخطكات الخاطئة أف تقكض الممارسة‪ .‬فػ "المتخيؿ االجتماعي"‬
‫يتجاكز خمفية الفيـ المباشر الذم يجعؿ لممارسات بعينيا معنى أك داللة ما‪.‬‬
‫إذف فعمى ىذا النحك تتشابؾ الركابط المتعددة ما بيف االجتماعي كالنفسي عبر كسائط المخياؿ االجتماعي‪.‬‬
‫بحيث ال يمكف اختزاؿ االجتماعي إلى النفسي‪ ،‬كما ال يمكف اختزاؿ النفسي إلى البيكلكجي‪ .‬كبعبارة أخرل ال‬
‫يمكف اختزاؿ المخيمة االجتماعية‪ ،‬أك المخياؿ االجتماعي‪ ،‬في مجمكع اإلف ارزات المخيالية الفردية‪ ،‬ألنو عندما‬
‫يتعمؽ األمر بمجتمع بعينو فإف المسألة تتخذ بعدا أكثر تشابكا‪ ،‬كأكثر تعقيدان‪ ،‬أك حيث يظير "مخزكف" مف‬
‫األفعاؿ الجمعية كيككف في متناكؿ جماعة ما في المجتمع‪ .‬فالمجتمعات كانت تعمؿ عمى نحك جيد مستندة‬
‫في ذلؾ إلى متخيميا االجتماعي قبؿ اف تصبح قادرة عمى التنظير لنفسيا‪ .‬فما يجعؿ الفعؿ االجتماعي ممكنا‬
‫ىك خمفية معقدة‪ ،‬كلكف جزء مما يجعؿ ليا معنى ىي تمؾ الصكرة التي لدينا عف أنفسنا عندما نخاطب‬
‫اآلخريف الذيف نحف مرتبطكف بيـ بطريقة ما‪( .‬تيمر‪ ،2015 ،‬ص ص‪)37 ،36،‬‬

‫‪76‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪ .2‬وظيفة المخيال االجتماعي‪/‬أو المخيمة االجتماعية‪:‬‬


‫يعرؼ "بيار أنصار" كظيفة المخياؿ االجتماعي أك المخيمة االجتماعية بالعكدة إلى تعريؼ "ماكس فيبر"‬
‫لمفعؿ االجتماعي‪ ،‬حيث يشير إلى أف الفعؿ االجتماعي يفترض مف أجؿ أف ينجز اندماج السمكؾ الفردم في‬
‫عمؿ يحمؿ طابع االستم اررية‪ ،‬أك أف تنتظـ السمككيات الفردية‪ ،‬كتتجاكب مع بعضيا بعض طبقا لقكاعد‬
‫ضمنية مستضمرة‪.‬‬
‫بمعنى أف الممارسة االجتماعية بكصفيا تنظيـ لسمكؾ األفراد‪ ،‬كتكجيو نحك أىداؼ مشتركة تفترض كجكد‬
‫بنية معقدة مف القيـ‪ ،‬كعمميات التعييف‪ ،‬كاالندماج المحمؿ بمعاف كدالالت‪ ،‬كما تفرض لغة اجتماعية مشفرة‬
‫أك مستضمرة‪( .‬بكاؿ‪ ،2011 ،‬ص ‪)112‬‬
‫كىك ما يعني أف الممارسة الجتماعية تتحقؽ ضمف شبكة مف الدالالت‪ ،‬يتـ فييا استيعاب‪ ،‬كتجاكز الطابع‬
‫الجزئي لمتصرفات كاألفراد كالمحظات‪ .‬كعميو فإف كؿ مجتمع ينشئ لنفسو منظكمة مف التصكرات كالتمثبلت‪.‬‬
‫أم مخياال اجتماعيا‪ ،‬يعيد المجتمع مف خبللو‪ ،‬إنتاج نفسو‪ ،‬مما يجعؿ الجماعة‪ ،‬تتعرؼ عمى نفسيا‪ ،‬كىك‬
‫يكزع اليكيات كاألدكار كيعبر عف الحاجات الجماعية كاألىداؼ المنشكدة‪( .‬بكاؿ‪ ،2011 ،‬ص ‪)113‬كفي‬
‫ىذا تشترؾ المجتمعات الحديثة مثؿ التقميدية‪ ،‬فيي تنتج مثؿ ىذه المخاييؿ االجتماعية التي تقكـ مف خبلليا‬
‫بعمميات التعييف الذاتي‪ ،‬أم أنيا تعيف نفسيا عمى شكؿ رمكز‪ ،‬كمعايير‪ ،‬حيث تتحكؿ الرمكز‪ ،‬إلى قكة‬
‫اجتماعية‪ ،‬فكؿ رمزية بمثابة نكع مف المعرفة الركحية‪ ،‬أك طريقة تتكسط بيف الركح كالمادة عبر المعرفة‬
‫التجريبية‪ ،‬عمى اعتبار أف المخياؿ االجتماعي متشكؿ تاريخيا‪ ،‬كىك قابؿ لمتحريؾ إذ يتميز بطابع الديناميكية‬
‫كالحيكية كىك عمى رأم " كاستكرياديس" ليس أكىاما‪ ،‬كانما ىذه الدالالت التي تجعؿ المجتمع يبدك متماسكا‬
‫ككؿ‪ ،‬كىك بالتالي ليس نقيضا لمكاقع االجتماعي كانما جزء متداخؿ معو‪.‬‬
‫كلذلؾ يمكف أف ينتمي الفرد إلى جماعة ما مف دكف اف تككف لو رابطة طبيعية تربطو بأعضاء ىذه الجماعة‬
‫أك تمؾ مف الجماعات التي يتشكؿ منيا المجتمع‪ .‬فالفرد ىنا قادر عمى تخيؿ الرابط الذم يربطو باآلخريف أك‬
‫بجماعة معينة‪ ،‬بؿ قد يضطره التخيؿ‪ ،‬أك ضركرة التخيؿ‪ ،‬إلى تقكية ىذا الرابط كشحذه بخياؿ أكسع‪ ،‬ككسائؿ‬
‫أرقى‪ .‬كفي ىذه الحالة لف تككف الجماعة المتخيمة جماعة خيالية‪ ،‬بؿ جماعة حقيقية ككاقعية‪ .‬ال بؿ تقكـ‬
‫المتخيَّمة حينما تتفكؾ جماعة االنتماء المباشر‪ ،‬بميمتيف‪ :‬تتمثؿ الميمة األكلى في الميمة‬
‫الجماعة ُ‬
‫التعكيضية عف الجماعة الحميمية التي اندثرت‪ ،‬كاما الثانية فيي الميمة الحديثة المتمثمة في إقامة جماعة‬
‫سياسية تسعى نحك الكحدة كالسيادة‪ ،‬بتأسيس الكيانية السياسية‪( .‬اندرسف‪ ،2014 ،‬ص ‪)14‬‬

‫‪77‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫‪.3‬عناصر المخيال االجتماعي‪ /‬أو المخيمة االجتماعية‪:‬‬


‫نجد مف بيف عناصر المخياؿ االجتماعي ما يمي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الرمز‪ :‬كيعرؼ عمى أنو عبارة عف كسيمة تختصر العمميات الذىنية‪ ،‬كيتميز بأنو يختار عمى أساس‬
‫انتقائي‪ ،‬أك غير اعتباطي‪ ،‬أم أف اإلشارة عندما تفتقد اعتباطيتيا تتحكؿ إلى رمز‪ ،‬كلمرمز عبلقة سببية بيف‬
‫الداؿ كالمدلكؿ‪ ،‬كىك يقكـ عمى عقد اجتماعي‪ ،‬أم يتطمب مف العقؿ البشرم التخمي عف االعتباطية كالمجكء‬
‫إلى التجريدم‪( .‬كككب المريخ‪ ،‬العدالة التي يرمز ليا بالميزاف‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫ب‪ -‬األسطورة‪ :‬اىتـ الكثير مف المفكريف بإشكالية األسطكرة كتطكرىا كاحتضارىا مف أمثاؿ‪" :‬كمكد ليفي‬
‫ستركس"‪""C.L-Strauss " ،‬ركالف بارت" "‪" ،"Barttes‬الكاف" "‪" ،"Lacan‬مالينكفيسكي" "‪"Malinowski‬‬
‫"دكركايـ"‪" ،‬مكس" ‪..."Mauss‬إلخ‪ .‬حيث األسطكرة ىي تمؾ المعتقدات التي برىنت عمى أنيا عمى خبلؼ‬
‫مع الحقائؽ المكضكعية‪ ،‬كالتي يحتمؿ أف يشارؾ في االعتقاد بيا عدد كبير مف أبناء المجتمع‪ ،‬كتضمف‬
‫قضايا تصؼ ظكاىر تسمح بنسبتيا إلى أسباب فكؽ الطبيعة كالقضاء كالقدر‪( .‬عيسكم‪ ،1984 ،‬ص ‪)15‬‬
‫كبالتالي فمكؿ مجتمع‪ ،‬أك لكؿ مدينة‪ ،‬كلكؿ فترة زمنية نسقيا األسطكرم‪ ،‬الذم يكمف بداخمو سر التكامؿ‬
‫االجتماعي‪ ،‬كاستم ارره التاريخي‪ .‬كلذلؾ فإف األساطير التي ىي معتقدات تككف محممة بالقيـ كالمبادئ التي‬
‫يؤمف بيا الناس‪ ،‬أك يعيشكف بيا كمف أجميا‪ ،‬كىي مف درجات متعددة كمختمفة األىمية‪( .‬غيث‪ ،2006،‬ص‬
‫‪)247‬‬
‫جػ‪ -‬الحكاية أو القصص الشعبية‪ :‬كىي عمؿ أدبي تنتقؿ شفييا مف جيؿ إلى جيؿ‪ ،‬لذلؾ تتغير بفعؿ ىذا‬
‫النقؿ أك ىذا التناقؿ الشفيي مف جيؿ إلى جيؿ‪ ،‬كمف فرد آلخر‪ .‬كالحكاية الشعبية قد تستند إلى كقائع حدثت‬
‫بالفعؿ‪ ،‬أك إلى كقائع خيالية‪ .‬بؿ إف كؿ ما ىك خيالي ال داللة عمى عدـ ارتباطو بالكاقع االجتماعي المعاش‪.‬‬
‫بؿ كيكجد الخياؿ الذم يتماشى مع بعض األنشطة العقبلنية المجردة‪ .‬ىذا كغالبا ما يستخدـ عمماء‬
‫االنثركبكلكجيا مصطمح الفكلكمكر لئلشارة إلى التراث غير المكتكب الذم تعبر عنو القصص الشعبية‬
‫كاألغاني‪ ،‬كالحكـ‪ ،‬كاالمثاؿ الشعبية‪ ،‬لكف عمماء االجتماع يفضمكف استخداـ ىذا المصطمح – الفكلكمكر‪-‬‬
‫لئلشارة إلى التراث غير المكتكب مثؿ األساطير‪ ،‬القصص الشعبية‪ ،‬كالحكـ ‪ ...‬الخ أم بكصفو جزء مف‬
‫الثقافة الشعبية‪( .‬غيث‪ ،2006،‬ص ‪)169‬‬
‫د‪ -‬االيدولوجيا ‪ :‬ىي نسؽ مف المعتقدات كالمفاىيـ الكاقعية كالمعيارية يسعى إلى تفسير الظكاىر االجتماعية‬
‫انطبلقا مف منظكر يكجو االختيارات السياسية االجتماعية لؤلفراد كالجماعات‪ ،‬أك ىي نظاـ مف األفكار‬
‫المتداخمة كالمعتقدات كالمبادئ كاالساطير التي تؤمف بيا جماعة معينة في مجتمع ما‪ ،‬كتعكس اىتماماتيا‬

‫‪78‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫االجتماعية كاألخبلقية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬كاالقتصادية‪ ،‬كالنظامية‪ ،‬كالدينية‪ ،‬كتبررىا في ذات الكقت‪.‬‬
‫(غيث‪ ،2006،‬ص ص ‪ )210،209‬كبعبارة أخرل فاأليديكلكجيا عبارة عف تأكيؿ شامؿ‪ ،‬كدغمائي لمجاؿ‬
‫معيف مف الحياة اإلنسانية‪ ،‬كالذم يفرض نسقا تفسيريا مغمقا ال برىاف فيو‪.‬‬

‫‪ .4‬أصناف المخيال االجتماعي‪ /‬أو المخيمة االجتماعية‪:‬‬


‫يقسـ المخياؿ االجتماعي عادة إلى ثبلثة أصناؼ ىي‪:‬‬
‫‪ .1.4‬المخيال التمثيمي‪:‬‬
‫مف شركط المخيال التمثيمي أف يككف مستمدا مف الكاقع‪ ،‬أم ال يككف منفصبل عف الكاقع المادم الذم‬
‫نعيشو‪ ،‬حيث تتـ عممية التمثيؿ ىاتو‪ ،‬مف خبلؿ كعي الفرد بالكاقع الذم يعيشو حتى يككف بمقدكره استنساخ‬
‫ما شاىد ه‪ ،‬أك عاينو كأحسو‪ ،‬كعمى ىذا النحك يككف كجكد الذات كمكضكع التمثؿ أم ار الزما‪ ،‬كيمكف أف يتـ‬
‫عمى نحكيف‪:‬‬
‫أ‪ -‬بطريقة مباشرة‪ ،‬أك طريقة الكعي المباشر بالكاقع‪.‬‬
‫ب‪ -‬بطريقة غير مباشرة‪ ،‬أك طريقة الكعي غير المباشر بالكاقع‪ ،‬كفي ىذه الحالة يككف حضكر الشيء‪ ،‬أك‬
‫المكضكع إلى العقؿ بشكؿ مختمؼ لما ىك عميو‪ ،‬فالمكضكع الغائب يحضر إلى الكعي عف طريؽ صكرة‬
‫بالمعنى الكاسع ليذه الكممة‪.‬‬
‫كعميو فعندما يغيب المكضكع يككف الكعي بو غير مباشر‪ ،‬أم ال يمكف لمكعي أف يتمثمو‪ ،‬إال عف طريؽ‬
‫صكرة‪ ،‬كيسمى الكعي في ىذه الحالة مخياال‪ ،‬حيث تصبح كظيفة المخياؿ التمثيمي "القدرة عمى تككيف صكرة‬
‫تكضيحية كاسترجاعية" أم أف المخياؿ التمثيمي ينتج عف قكة مصكرة‪ ،‬أك عف قكة ممثمة تتجمى في استرجاع‬
‫الصكرة الغائبة"‪.‬‬
‫‪ .2.4‬المخيال المبدع‪:‬‬
‫في المخياؿ المبدع يككف االنتقاؿ مف الذاكرة الحافظة‪ ،‬إلى الذاكرة المبدعة‪ ،‬التي تتـ بكاسطة قكة تتصرؼ في‬
‫الصكر بالتركيب سكاء بالزيادة أك بالنقصاف‪.‬‬
‫‪ .3.4‬المخيال الوىمي‪:‬‬
‫كيأخذ عناصره مف خبلؿ نسج رؤل ال عبلقة ليا بالكجكد الحقيقي‪ .‬كفي ىذا المعنى يرل "بيار أنصار" أف‬
‫المتخيؿ الجماعي‪ ،‬يكلد لدل األفراد أكىامان‪ ،‬تساىـ في تحفيزىـ‪ ،‬كاف كانت تفقدىـ تحكميـ الكمي في كعييـ‬
‫كتجعميـ ينخرطكف بحماسة في االستيياـ الجماعي‪ .‬كبيذا المعنى يستخدـ المخياؿ كتمكيو لتماسؾ الجماعة‪.‬‬
‫(شكشاف‪ ،2007/2006 ،‬ص ص‪)30 -28‬‬

‫‪79‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫عمكما يبقى القكؿ بأف المخياؿ االجتماعي يشير إلى شيء متشكؿ تاريخيا في البلكعي الثقافي كالرمزم‬
‫لمجتمع ما‪ ،‬كىك قابؿ لمتحريؾ ألف طبيعتو ديناميكية كحيكية‪ ،‬ثـ أف المخياؿ االجتماعي ليس النقيض‬
‫الحاسـ لمكاقع االجتماعي المعاش‪ ،‬بؿ ىك أحد أبعاده المتداخمة معو‪.‬‬
‫أما االنفتاح عمى مفاىيـ المخياؿ‪ ،‬كالرمزم‪ ،‬فجاء كمحصمة لمتطكرات التي شيدتيا نظرية المعرفة‪ ،‬كنظرية‬
‫الثقافة‪ ،‬مع صعكد النظريات‪ ،‬كالمناىج الحديثة كالبنيكية كما بعد البنيكية‪ ،‬أك عندما أعادت ىذه النظريات‬
‫كالمناىج دراسة مقكلة المخياؿ مف زاكية تتجاكز الزاكية االختزالية لمعقبلنية‪ ،‬كمفسحة المجاؿ لنسؽ حركي‬
‫منظـ لمصكر التي تتخذ معنى بفضؿ عبلقة التفاعؿ الداخمية‪ ،‬كحيث تبدك فاعمية ىذا النسؽ شرعية ككاقعية‬
‫ألنيا أداة الدخكؿ في عبلقة تفاعؿ مع الككف‪ .‬كفي ىذا فإف حضكر كتكاثر الصكر باستمرار في الزماف‬
‫كالمكاف‪ ،‬ليدعك إلى معرفة طريقة اشتغاليا حتى ال يككف األفراد كالجماعات عزال في مكاجيتيا‪ ،‬أك ضحايا‬
‫ليا‪( .‬غراسي‪ ،2018،‬ص ‪ )16‬فقد ذىب " كارؿ غكستاؼ يكنغ" كىك المرجع األصمي لمستقبؿ الدراسات‬
‫حكؿ الصكرة إلى القكؿ بأف جذكر مخيالنا مكجكدة في البلكعي الجمعي‪ ،‬أم ذلؾ الخزاف الكبير لمنماذج‬
‫االصمية كالصكر الككنية المكجكدة منذ األزؿ‪.‬‬
‫لقد أصبح " المخياؿ" إذف أحد اىتمامات السكسيكلكجيا‪ ،‬كقد سمحت المقاربة المخيالية‪ ،‬بإعادة االىتماـ بكؿ‬
‫ما يتعمؽ بالحياة اليكمية‪ ،‬كالعبلقات االجتماعية‪ ،‬أك بكؿ مظاىر الكجكد معا‪ .‬فاألحداث اليكمية ىي جكىر‬
‫الحياة في المجتمع‪ ،‬كفييا يتجذر المخياؿ‪ ،‬كمكركث الصكر األسطكرية‪ ،‬كالتي أغفمتيا الماكرك سكسيكلكجيا‬
‫طكيبل‪ ،‬عندما اعتنت‪ ،‬أك ركزت اىتماميا عمى دراسة‪ ،‬كفيـ المنظمات‪ ،‬كالمؤسسات كظكاىرىا الكبرل‪.‬‬
‫كمنو فالمقاربة المخيالية يمكف أف تطبؽ عمى كـ ىائؿ مف المكضكعات االجتماعية‪ ،‬حيث يتعمؽ األمر‬
‫بمقاربة تكميمية مثرية لممقاربات السكسيكلكجية األخرل‪ ،‬إذ تفتح المجاؿ لمسارات جديدة في التحميؿ‬
‫السكسيكلكجي‪ ،‬كبما أف المخياؿ االجتماعي جزء مف أساسيات الظكاىر االجتماعية خصكصا تمؾ المتعمقة‬
‫بمجاالت بعينيا مثؿ‪ :‬الديف‪ ،‬الفف‪ ،‬االتصاالت السمعية البصرية‪ ،‬الحياة اليكمية في الحكاضر كغيرىا‪ .‬كفي‬
‫عبارة أخرل فإف عمـ اجتماع المخياؿ لـ يكف مجرد اختصاص جديد في السكسيكلكجيا‪ ،‬لكنو كجية نظر‬
‫جديدة في دالالت كمعني الكاقع االجتماعي‪( .‬غراسي‪ ،2018،‬ص ص‪)55 -48‬‬

‫‪. VI‬الحداثة وما بعد الحداثة‬


‫‪ -‬تمييد‪:‬‬
‫شكؿ مفيكـ "الحداثة" كمفيكـ "ما بعد الحداثة" كال يزاؿ أحد أىـ المفاىيـ‪ ،‬كأشد القضايا إلحاحا‪ .‬فقد دار‬
‫كيدكر حكليما نقاش كبير بيف العديد مف المفكريف مف مختمؼ التخصصات‪ ،‬كالمشارب العممية أمثاؿ‪:‬‬
‫‪80‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫«أدكرنك"‪" ،‬ىابرماس"‪" ،‬أالف تكراف"‪ " ،‬بكديارد"‪ ،‬ليكتار" "جيمسف"‪" ،‬ريمكند كليامز"‪ ،‬حتى صارت مفردة كؿ‬
‫مف "الحداثة ""كما "بعد الحداثة" سكاء كقضية‪ ،‬أك كمفيكـ‪ ،‬ظاىرة تميز الثقافة االنجمك أمريكية كاألكركبية‬
‫بالمقاـ األكؿ خصكصا في القرف العشريف‪.‬‬
‫حتى أف ىذه الكتابات عمى كثرتيا كبدال مف أف تحؿ المسألة عقدتيا أكثر نظ ار ليذا التشابؾ بيف مفاىيـ‬
‫الحداثة‪ ،‬التحديث‪ ،‬ما بعد الحداثة‪ ،‬كغيرىا مف التكصيفات كالنعكت األخرل التي تنبؤ بأننا أماـ كصؼ لحاؿ‪،‬‬
‫أك لكاقع مكجكد‪ ،‬أك باألحرل يسعى ألف يصبح كذلؾ مف جية‪ ،‬كازاء عممية تتداخؿ فييا عدة معطيات مف‬
‫تاريخية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬كمعرفية مف جية أخرل‪.‬‬
‫لكف كرغـ ىذا التداخؿ بيف حدكد كؿ مف الحداثة‪ ،‬كالتحديث‪ ،‬كما بعد الحداثة‪ ،‬فإنو يمكف القكؿ بدءا بأف‬
‫مجتمع الحداثة أك المجتمع الحداثي ثمرة لمحداثة كلصيركرة التحديث‪ .‬كما بارتباط ىذه المفاىيـ الثبلثة‬
‫بالمجتمعات الغربية نشأة‪ ،‬أك ميبلدا كتطكرا‪ ،‬لذلؾ فإف االلماـ بدالالتيا يستعدم االلماـ أيضا بتاريخ تطكر‬
‫المجتمع األكركبي في كميتو أم‪ :‬مجتمعا‪ ،‬معرفة‪ ،‬كسياسة‪ ،‬مع ما يتصؿ بيذه المجاالت‪ ،‬إذ ليست صيركرة‬
‫التحديث في المحصمة سكل المسار الذم سمكو التاريخ في معناه الشامؿ بأكركبا الغربية‪.‬‬
‫مع ذلؾ فإنو ال بد مف التنبيو إلى أف ارتباط الحداثة كالتحديث بالمجتمع األكركبي الغربي ال يعني البتة قصر‬
‫ىذه المفاىيـ عمى أكركبا دكف غيرىا‪ ،‬فالحداثة كالتحديث‪ ،‬مكتسبات تتجاكز حدكد أكركبا الغربية‪ ،‬إلى ما‬
‫عداىا مف المجتمعات األخرل‪ ،‬لتصير إرثا مشتركا لمبشرية جمعاء‪( .‬جندارم كآخركف‪ ،2016 ،‬ص ص ‪-9‬‬
‫‪)10‬‬
‫ثـ إف الحكار أك النقاش الدائر حكؿ ىذه المفاىيـ مف التنكع‪ ،‬كاالختبلؼ إلى الحد الذم انبرل معو البعض‬
‫إلى التساؤؿ حكؿ ما إذا كنا حقا قد انتقمنا مف عصر الحداثة إلى عصر ما بعد الحداثة‪ .‬فإذا كانت مثؿ‬
‫كممة حديث قد ظيرت في القرف الخامس لمميبلد‪ ،‬كبعدىا بعشرة (‪ )10‬قركف الكممة الفرنسية حداثة‪ ،‬فمتى‬
‫تككف قد ظيرت الحداثة كتعبير عف تصكر أك رؤية خاصة لمكجكد كالفكر كالمجتمع‪ ،‬كمت اختفت أك‬
‫ستختفي‪ ،‬كىؿ حقا دخمنا عصر ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫كعميو يبدك باف الحسـ في ىذه المسألة‪ ،‬اك في ىذا النقاش ليس باألمر الييف‪ ،‬إذ يسجؿ المتأمؿ المبلحظ‬
‫مشاكؿ خبلفية يصعب حميا‪ .‬فإذا كاف المفكر األميركي " ركرتي" يربطيا بفكر ديكارت (القرف السادس عشر‬
‫كالسابع عشر) فإف المفكر األلماني "ىابرماس" يرجعيا إلى عصر األنكار‪ ،‬في حيف نجد الناقد األدبي‬
‫األمريكي "فريديرؾ جامسكف" يحد تاريخ ميبلدىا بالنصؼ األكؿ مف القرف العشريف‪ ،‬ما أدل إلى تكلد‬

‫‪81‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫غمكض أثر عمى كضكح داللة أك مغزل مفيكـ الحداثة‪ ،‬كىك الغمكض الذم انتقؿ بدكره إلى مفيكـ ما بعد‬
‫الحداثة‪( .‬الشيخ‪ ،‬الطائرم‪ ،1996 ،‬ص ‪)10‬‬
‫‪ .1‬حول مفيوم الحداثة‪:‬‬
‫يطمؽ مفيكـ الحداثة في الغالب عمى مسيرة المجتمعات الغربية‪ ،‬أك تاريخ تطكىا منذ عصر النيضة‬
‫األكركبية‪ .‬كىك يغطي أك يشمؿ كافة مناحي الحياة االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬كالسياسية‪ .‬كفي ىذا يقكؿ" بيتر‬
‫برككر" في كتابو "الحداثة كما بعد الحداثة" "كاف "فرانؾ كيرمكد" يقكؿ في أكاسط الستينيات‪" :‬ينبغي أف يتـ‬
‫تسجيؿ تاريخ كممة "حديث (‪ )Modern‬ككاف يقصد بمقكلتو ىاتو‪ ،‬أف كممة "حديث" تعني في مضمكنيا‬
‫"كجكد عبلقة ترتبط بينيا كبيف الماضي‪ ...‬كأنيا تحتاج إلى نقد كاعادة نظر جذرية كحقيقية"‪ .‬كىي بالتالي‬
‫كممة تفكؽ ما لكممة جديدة (‪ )New‬أك معاصر (‪ )Contemprary‬مف كزف أك ثقؿ‪ .‬كيضيؼ "كيرمكد" إلى‬
‫ذلؾ قائبل‪...":‬إف لفظ حديث يختمؼ عف لفظ "إبداعي"‪( .‬برككر‪ ،‬دكف سنة‪ ،‬ص ص ‪)10،9‬‬
‫كفي ذات االتجاه تقريبا يذىب "أالف تكراف" في كتابو "نقد الحداثة "إذ يقكؿ‪" :‬كيؼ يمكف الكبلـ عف مجتمع‬
‫حديث إذا لـ يكف ثمة إقرار بمبدأ عاـ عمى األقؿ لتعريؼ الحداثة؟ "مف المستحيؿ أف ندعك مجتمعا‬
‫يسعى‪...‬إلى أف ينتظـ كأف يعمؿ كفقا لكحي إليي أك لذات قكمية بأنو حديث‪( "...‬تكراف‪ ،2010 ،‬ص ‪)15‬‬
‫كيضيؼ عمى ذلؾ‪ ":‬كليست الحداثة فضبل عف ذلؾ تحكال خالصا (أك) تعاقبا لؤلحداث‪ .‬إنيا بث لمنتكجات‬
‫النشاط العقمي كالعممي كالتكنكلكجي كاإلدارم‪( ."...‬تكراف‪ ،2010 ،‬ص ‪ )15‬أك مثمما يعرفيا "ماكس فيبر"‬
‫عندما يقكؿ الحداثة‪ :‬ىي التعقيؿ‪ .‬كىي تعبر أيضا عف قطيعة ضركرية مع غائية الركح الدينية التي تنادم‬
‫دائما بغاية لمتاريخ تككف تحقيقا كامبل لممشركع اإلليي‪ ،‬أك فناء لبشرية فاسدة كمتنكرة لرسالتيا‪( .‬تكراف‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص ‪)15‬‬
‫نفيـ مف ذلؾ أف الحداثة ىي تصكر المجتمع‪ ،‬عمى أنو تنظيـ يخضع لمنطؽ العقؿ‪ ،‬بكصفة األداة الكحيدة‬
‫لتحرير الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬مف كافة السمطات المحيطة بو‪ .‬فمنطؽ العقؿ أف شئنا‪ ،‬ىك المبدأ الكحيد‪ ،‬لتنظيـ‬
‫الحياة الفردية‪ ،‬كالجماعية‪ ،‬بغرض تحقيؽ التجرد‪ ،‬مف أجؿ التجديد‪ ،‬كتحقيؽ الغايات‪ ،‬كاألىداؼ النيائية‪.‬‬
‫بمعنى اف الحداثة كحركة تاريخية عبلقة مثقمة بالتكترات التاريخية كاالجتماعية‪ ،‬كمنيا‪ :‬عبلقة العقؿ بالذات‬
‫عبلقة ركح النيضة بركح اإلصبلح‪ ،‬عبلقة العمـ بالحرية ‪...‬الخ‪.‬‬
‫ثـ إف الحداثة ىي‪ :‬نياية تاريخ قبمي كبداية تطكر قاده التقدـ التقني‪ ،‬كتحرر الحاجات كانتصار العقؿ‪.‬‬
‫كالحداثة تعمؿ عمى إحبلؿ العمـ محؿ اهلل في مركز المجتمع‪ ،‬مفسحة المجاؿ لمعقائد الدينية في الحياة‬
‫الخاصة‪ .‬كمع ذلؾ فإف "آالف تكراف" يستدرؾ األمر‪ ،‬عندما يشدد عمى فكرة أف قياـ التطبيقات التكنكلكجية‬

‫‪82‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫لمعمـ ال تكفي لكحدىا كي نتحدث عف مجتمع حديث‪ .‬إذ يتعيف باإلضافة إلى ذلؾ أف يككف النشاط الثقافي‬
‫محميا مف الدعكات السياسية‪ ،‬أك مف العقائد الدينية‪ ،‬كأف يحمي حياد القكانيف مف المحاباة‪ ،‬مف الزبكنية‬
‫كمف الرشكة‪ ،‬كأال تككف الييأة العمكمية‪ ،‬مثمما الخاصة‪ ،‬أدكات مسخرة لخدمة مصمحة سمطة شخصية‪ ،‬كأف‬
‫يتـ فصؿ الحياة العامة عف الحياة الخاصة‪ ،‬كأف تككف الثركات الخاصة منفصمة عف ميزانية الدكلة‪ ،‬كعف‬
‫المؤسسات‪( .‬تكراف‪ ،2010 ،‬ص ‪.)16‬‬
‫ما نبلحظو ىنا أنو مف جممة الشركط الكاجبة في الحداثة ىي ارتباطيا ارتباطا كثيقا بفكرة العقمنة‪ ،‬أم أف‬
‫التخمي عنيا يعني تخميا عف الحداثة‪ ،‬أم ما معناه أف العقمنة‪ ،‬مككف رئيسي لمحداثة‪ ،‬كىي بالتالي آلية تمقائية‬
‫كضركرية لمتحديث‪.‬‬
‫ثـ إف ما ينطبؽ عمى المجتمع ككؿ‪ ،‬ينطبؽ أيضا عمى الفرد‪ ،‬الذم يجب أف تككف تربيتو تنظيما يحرره مف‬
‫الرؤية الضيقة البلعقبلنية‪ ،‬التي تفرضيا عميو أسرتو‪ ،‬كأىكاؤه الخاصة‪ ،‬كتحقيؽ لو تفتحو عمى المعرفة‬
‫العقبلنية‪ ،‬كعمى المشاركة في مجتمع ينظـ فعؿ العقؿ‪( .‬تكراف‪ ،2010 ،‬ص ‪)18‬‬
‫نفيـ مما تقدـ بأف "الحداثة" غير بعدىا الزمني‪ ،‬أك ىي مفيكـ فمسفي مركب‪ ،‬قكامو السعي الدائـ لمكشؼ عف‬
‫ماىية الكجكد‪ ،‬كاشكاالت العصر‪ ،‬التي تشغؿ اإلنساف‪ .‬كليذا يقكؿ "ىابرماس" بأف فكرة الحديث ليست حديثة‬
‫العيد‪ ،‬فقد استخدمت في كضعيات تاريخية متعددة‪ ،‬لتفصؿ بيف ادعاءات حقبة ما عف نفسيا‪ ،‬كبيف ادعاءات‬
‫الحقبة التي سبقتيا"‪.‬‬
‫أيا كاف األمر فالمؤكد أف ػمفيكـ " الحداثة" يشير إلى مدة زمنية‪ ،‬تتماىى مع الحقبة التاريخية‪ ،‬التي بدأت في‬
‫الغرب مع عصر النيضة في القرف الخامس عشر‪ .‬كىي المرحمة التاريخية التي عرفت تحكالت كبرل‪ ،‬كأثرت‬
‫في البنى االجتماعية‪ ،‬كمنيا‪ :‬كالدة الرأسمالية‪ ،‬ظيكر الحريات العامة‪ ،‬كالفردية‪ ،‬المساكاة أماـ القانكف‪ ،‬بركز‬
‫الفكر العقبلني‪ ،‬الديمقراطية‪...‬إلخ كغير ذلؾ مف المفردات األخرل التي تدلؿ عمى "الحداثة" بكصفيا انقبلب‬
‫اجتماعي كبير يقكـ عمى التعارض بيف المجتمع التقميدم كالمجتمع الحديث‪.‬‬

‫‪ .2‬عوامل انبثاق الحداثة‪:‬‬


‫لقد لعبت جممة مف العكامؿ التاريخية كاالجتماعية دك ار بالغا في احداث نقمة نكعية في حياة المجتمعات‬
‫الغربية أكال‪ ،‬كأدت إلى انبثاؽ الحداثة‪ ،‬كلعؿ مف بيف أىـ ىذه العكامؿ ما يمي‪:‬‬
‫‪ -1.2‬جممة االكتشافات الجغرافية‪ :‬التي تمت خبلؿ العقد األخير مف القرف الخامس عشر (ؽ ‪ )15‬كالعقكد‬
‫األكلى مف القرف السادس عشر (ؽ ‪ )16‬كمنيا‪ :‬اكتشاؼ رأس الرجاء الصالح‪ ،‬جزر اليند الصينية‪ ،‬كالقارتاف‬

‫‪83‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫األميركيتاف بعد ذلؾ‪ .‬كىي االكتشافات التي أدت إلى خمخمة الصكرة القديمة التي كانت لدل الناس عف‬
‫جغرافيا العالـ األرضي‪.‬‬
‫‪ -2.2‬الثورة الكوبرنيكية‪ :‬أ ك عندما أقرت النظرية التي انتيى إلييا "نيككالم ككبرنيؾ" بعدـ ثبكت األرض‬
‫في مكانيا‪ ،‬كدكراف الشمس كالككاكب األخرل مف حكليا‪ ،‬مثمما كاف يعتقد‪ ،‬بؿ كأف األرض ليست مركز‬
‫الككف‪ ،‬كىي التي تدكر حكؿ الشمس الثابتة‪.‬‬
‫‪ -3.2‬اكتشاف قانون الجاذبية‪ :‬عمى يد " نيكتف" كالدكرة الدمكية عمى يد " ىارفي" إلى جانب اكتشاؼ مبدأ‬
‫كقانكف الضغط الجكم عمى يد "تكريتشيمي"‪ .‬كغيرىا مف االكتشافات‪ ،‬كاالختراعات العممية الكبرل‬
‫كالباركميتر‪ ،‬كأدكات تطكير العدسة الزجاجية‪ ،‬كالمكازيف الدقيقة‪ ،‬ثـ كفكؽ ىذا كمو ميبلد الفيزياء كعمـ قائـ‬
‫بذاتو‪( .‬جندارم كآخركف‪ ،2016،‬ص ص ‪)18-12‬‬
‫‪-4.2‬العقالنية وتطور المعرفة الرياضية‪ :‬كاحتبلليا المكانة المتميزة التي أصبحت ليا في العصر الحديث‪.‬‬
‫حيث يكشؼ لنا "ديكارت" في مؤلفو "خطاب حكؿ المنيج" عف إعجابو الشديد بالرياضيات‪ ،‬التي برىنت عف‬

‫دقة براىينيا‪ ،‬ككضكح قضاياىا‪ ،‬كضكحا يرقى إلى درجة البداىة‪ .‬فالثقة بالمعرفة الرياضية عند "ديكارت" ثقة‬
‫بالعقؿ البشرم‪ .‬ىذا كلقد سار عمى منكالو عمماء‪ ،‬كفبلسفة‪ ،‬كمفكركف آخركف‪ ،‬حتى أف " فيبر" ذىب إلى‬

‫القكؿ بنزع الغبللة السحرية عف العالـ‪ ،‬أك معرفة العالـ كما ىك‪ ،‬ال كما نريد‪.‬‬
‫‪ -5.2‬الصراع االجتماعي والسياسي الكبير‪ :‬الذم شيده القرف السابع عشر(ؽ‪ ،)17‬كالقرف الثامف عشر‬
‫(ؽ‪ )18‬بيف كؿ مف الطبقة االرستقراطية أك طبقة النببلء المؤيدة مف قبؿ رجاؿ الديف أك الكنيسة‪ ،‬كالقكل‬
‫االجتماعية الصاعدة‪ ،‬كفي طميعتيا الطبقة البرجكازية‪ ،‬كىك الصراع الذم كانت لو انعكاساتو الكاضحة عمى‬
‫مستكل الفكر‪.‬‬
‫‪ -6.2‬ظيور قيم ومفاىيم جديدة‪ :‬كنتيجة ليذا الصراع كمنيا‪ :‬المكاطنة‪ ،‬الفصؿ بيف السمطات‪ ،‬اعتبار‬
‫السمطة السياسية ذات طبيعة بشرية‪ ،‬القكؿ بالسيادة لئلنساف كحده‪ ،‬كىي المفاىيـ التي ترافقت مع حقؿ داللي‬
‫جديد قائـ عمى اإليماف بالحرية‪ ،‬كالعقؿ‪ ،‬كالذات المستقمة‪.‬‬
‫‪ -7.2‬فمسفة عصر األنوار‪ :‬خبلؿ القرف الثامف عشر(ؽ‪ )18‬كالتي كانت بمثابة خبلصة‪ ،‬أك تتكيج‬
‫لمتحكالت االجتماعية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬التي خبرتيا مجتمعات أكركبا الغربية‪ ،‬كالتي نتج عنيا الدخكؿ في األزمنة‬
‫الحديثة‪( .‬جندارم كآخركف‪ ،2016،‬ص ص ‪)26-19‬‬
‫ىذا كيعطينا "أنطكني جيدنز" صكرة لمحداثة باعتبارىا مجيكد شمكلي لئلنتاج كلممراقبة‪ ،‬كتتشكؿ مف أربعة‬
‫(‪ )04‬أبعاد‪ ،‬كتكمف في‪:‬‬
‫‪84‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -‬التصنيع‪.‬‬
‫‪ -‬الرأسمالية‪.‬‬
‫‪ -‬تصنيع الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬مراقبة جكانب الحياة‪.‬‬
‫بؿ كيضيؼ عمييا‪ ،‬بأف المنزع المركزم لمعالـ الحديث‪ ،‬ينحك بو باتجاه شمكلية متصاعدة‪ ،‬تأخذ شكؿ تقسيـ‬
‫دكلي لمعمؿ‪ ،‬كتشكيؿ عكالـ اقتصادية‪ ،‬كما نحك تشكيؿ نظاـ عسكرم عالمي‪ ،‬مع تقكية الدكؿ الكطنية التي‬
‫تعمؿ عمى مركزة نظاـ المراقبة‪( .‬تكراف‪ ،2010 ،‬ص ‪)36‬‬
‫يتبيف مما تقدـ أف "الحداثة" تتماىى مع الحقبة التاريخية التي بدأت في الغرب مع عصر النيضة القرف‬
‫الخامس عشر (ؽ ‪ )15‬كىي مرحمة تاريخية تتميز بحدكث تحكالت اجتماعية كاقتصادية كسياسية كبرل‬
‫كعميقة‪ ،‬كمنيا ظيكر الرأسمالية كنظاـ اقتصادم عالمي مييمف‪ ،‬إلى جانب ظيكر األفكار المطالبة‬
‫بالحريات الفردية‪ ،‬المساكاة في الحقكؽ بيف المكاطنيف‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬الحرية‪ ،‬مع القكؿ بتفكؽ العقؿ‪ ،‬كالعقبلنية‬
‫كغيرىا مف التحكالت األخرل التي فصمت بيف ما ىك قديـ‪ ،‬كما ىك حديث‪ ،‬مما دفع عمماء االجتماع إلى‬
‫عدىا انقبلبا اجتماعيا حقيقيا يقكـ عمى التعارض أك التناقض كاالختبلؼ بيف نمطيف مف المجتمعات‪ ،‬أك بيف‬
‫المجتمع التقميدم بحمكلتو كالمجتمع الحديث بكؿ ركافده‪.‬‬
‫إف حالة "الحداثة" كالمقصكد بيا حالة مف التطكر‪ ،‬كتجاكز لممرحمة السابقة‪ ،‬أك الماضي‪ ،‬كالتطمع نحك‬
‫المستقبؿ‪ ،‬حالة قائمة عند كؿ منعطؼ تاريخي تككف فيو ثكرة عمى الماضي مع التطمع لممستقبؿ‪ .‬فكأف كممة‬
‫"حداثة" تعني كؿ لحظة تاريخية‪ ،‬تغييرية‪ ،‬عاشتيا المجتمعات‪ ،‬كثارت فييا عمى الماضي‪ ،‬كتطمعت فييا إلى‬
‫المستقبؿ‪ ،‬كصكال إلى عصرنا الحالي‪ .‬ففكرة الحداثة ليست فكرة جديدة‪ ،‬إذ استخدمت في كضعيات تاريخية‬
‫مختمفة‪ ،‬لتفصؿ بيف ادعاءات حقبة تاريخية ما عف نفسيا‪ ،‬كبيف ادعاءات الفترة التي سبقتيا‪ ،‬ككأنيا ال تقترف‬
‫بمعنى زمني مستقر‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة ىنا إلى أف الفيمسكؼ " نيتشو" كاف مف أشد المنتقديف لمحداثة كلمشركعيا‪ ،‬فقد ذىب في كتاباتو‬
‫إلى القكؿ بأف "الحداثة" فارغة‪ ،‬كببل مضمكف‪ ،‬فيي لـ تأت لنا سكل بالعدمية‪ ،‬كلذلؾ فمشركع الحداثة منيار‬
‫حتى قبؿ أف يبدأ‪ .‬فالحداثة برأيو قد أنبتت‪ ،‬كبشرت بالعقؿ‪ ،‬إال أف ىذا العقؿ لـ يستطع القياـ بالتكافؽ الذم‬
‫كاف يقكـ بو الديف‪ ،‬كلذلؾ ىاجمت الحداثة الديف‪ ،‬كأحمت بدلو العقؿ‪ ،‬كالعمـ الحديث‪ .‬فػ " نيتشو" قاـ بحممة‬
‫نقد شديدة عمى الحداثة‪ ،‬كعمى الجك الفكرم‪ ،‬الذم سعى إلى حبلؿ العقؿ‪ ،‬محؿ الديف‪ ،‬كانتيى الى طرح‬
‫البديؿ لمعقؿ التاريخي‪ ،‬ممثبل في التحكؿ نحك األسطكرة‪ ،‬كنحك الفف باعتبارىما الخبلص‪ .‬أم أنو رفع راية‬

‫‪85‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫"ديكنسيكس" أك إلو التحكؿ الدائـ‪ ،‬ضد راية " أبكلكنيكس" إلو العقؿ كالجماؿ‪ ،‬كاف كاف قد عدؿ الحقا في زمف‬
‫نضجو عف أفكاره ىاتو‪ ،‬أك عندما اعترؼ بالعمـ‪ ،‬كأىميتو‪ ،‬كلكف مف دكف اف يتراجع عف نقد العقبلنية الغربية‬
‫كالميتافيزيقا‪ .‬كىك ما أكده " يكرغاف ىابرماس" في قكلو بأف " نيتشو" أخذ في التردد بيف اتباع استراتيجيتيف‬
‫ىما‪:‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية األولى‪ :‬كتمثمت في تأسيس فيـ جمالي لمعالـ عف طريؽ استخداـ كسائؿ عممية لذلؾ مف‬
‫خبلؿ نظرة تشاؤمية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلستراتيجية الثانية‪ :‬كتمثمت في نقد الميتافيزيقا بشكؿ يمكنو مف اقتبلع جذكر الفكر الميتافيزيقي دكف أف‬
‫يتراجع عف ككنو فمسفة‪.‬‬
‫ىذا مع العمـ أف " نيتشو" كاف قد انطمؽ مف العدمية ككنيا برأيو المنطؽ المتناىي لقيمنا‪ ،‬كمثمنا الكبرل كالذم‬
‫يجب أف نعايشو‪ ،‬حتى نفيـ ما ىي أصبل قيمة ىذه القيمة‪( .‬حمدم‪ ،‬حسف‪ ،2012،‬ص ص‪)95-93‬‬

‫‪ .3‬حول مفيوم ما بعد الحداثة‪:‬‬


‫يشير أصحاب مدرسة "فرانكفكرت" إلى أف المشكمة الرئيسية مع الحداثة‪ ،‬قد بدأت مع منتصؼ القرف التاسع‬
‫عشر‪ ،‬كبداية القرف العشريف‪ ،‬لتبمغ ذركتيا مع الحربيف العالميتيف األكلى‪ ،‬كالثانية‪ ،‬حيث كانت ردات الفعؿ‬
‫التي تجمت في تمؾ المحاكالت لتجاكز الحداثة‪ ،‬كقيـ الحداثة‪ ،‬إلى مرحمة جديدة‪ ،‬أال كىي مرحمة ما بعد‬
‫الحداثة‪.‬‬
‫كتجدر اإلشارة ىنا إلى أف الميتميف بتتبع تاريخ ظيكر مفيكـ "ما بعد الحداثة" قد اختمفكا حكؿ تحديد المحظة‬
‫التاريخية لظيكره‪ ،‬كلذلؾ أمكف الحديث عف محطات تاريخية مؤسسة ليذا المفيكـ‪ ،‬نجمميا عمى النحك‬
‫المكالي‪:‬‬
‫‪ -1.3‬ما بعد الحداثة بوصفيا لحظة فنية – تاريخية (القرن التاسع عشر)‪:‬‬
‫يؤخ البعض لظيكر مفيكـ " ما بعد الحداثة" تاريخيا بأعماؿ الرساـ اإلنجميزم " جكف كتكنز تشابماف" كذلؾ‬
‫حكالي سنة ‪ 1870‬حيث كاف أكؿ مف استخدـ مصطمح "ما بعد الحديث"‪.‬‬
‫‪ -2.3‬ما بعد الحداثة بوصفيا لحظة أدبية – تاريخية (القرن التاسع عشر)‪:‬‬
‫يرل أصحاب ىذا الرأم بأف التأريخ لظيكر مفيكـ "ما بعد الحداثة"‪ ،‬يبدأ مع سنة ‪ .1879‬أم مع أعماؿ‬
‫الركائي كالناقد الفرنسي "ج‪ .‬ؾ‪ .‬ىيسمانز" " ‪ "J.K. Huysmans‬الذم تكفي سنة ‪ ،1907‬كالذم كاف قد‬
‫عبر في ركاياتو‪ ،‬ككتاباتو عف سخطو‪ ،‬كاشمئ اززه‪ ،‬مف الحياة الحديثة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ -3.3‬ما بعد الحداثة بوصفيا وضع ثقافي – تاريخي‪:‬‬
‫كىك الرأم الذم يؤرخ لظيكر مفيكـ " ما بعد الحداثة" عمى يد المؤرخ البريطاني الشيير" تكينبي" سنة ‪1959‬‬
‫كالذم جعمو يدؿ عمى ثبلث عبلمات ميزت الفكر‪ ،‬كالمجتمع الغربييف‪ ،‬بعد منتصؼ القرف العشريف‪ ،‬أال‬
‫كىي‪ :‬البلعقبلنية‪ ،‬الفكضكية‪ ،‬كالتشكش‪ .‬كىك المفيكـ الذم نقؿ أكال إلى مجاؿ األدب لمتأسي عمى تسطح‬
‫الحركة الحداثية عمى يد الناقديف األدبييف "ليسمي فيمدر" " ‪ "Leslie Feilder‬ك "إيياب حسف"‪ ،‬كليكتسب‬
‫تداكال خبلؿ السبعينات مف القرف الماضي‪ ،‬كينتقؿ إلى مجاؿ العمارة أكال‪ ،‬ثـ بالتدريج إلى مياديف أخرل‬
‫كمنيا‪ :‬المسرح‪ ،‬السينما‪ ،‬المكسيقى‪ ،‬كالتصكير‪.‬‬
‫‪ -4.3‬ما بعد الحداثة في الربع األخير من القرن العشرين‪:‬‬
‫كىنا يؤرخ بعضيـ لما بعد الحداثة كحركة فمسفية‪ ،‬كأدبية‪ ،‬كفنية‪ ،‬بدءا مف نيايات القرف العشريف‪ ،‬كالربع‬
‫األخير منو‪ .‬فػ "ديفيد ىارفي" عمى سبيؿ المثاؿ يرل بأف تاريخ ظيكر مفيكـ "ما بعد الحداثة" يقع ما بيف‬
‫‪ 1968‬ك‪.1972‬‬
‫يتبيف مما تقدـ بأف التأريخ لظيكر مفيكـ‪ ،‬كمرحمة " ما بعد الحاثة" قد خمؽ ارتباكا كسط المفكريف الميتميف‬
‫ما بيف مؤيد لممفيكـ‪ ،‬كمعارض لمقكؿ بمجيء عصر ما بعد الحداثة‪ .‬كمنيـ عمى سبيؿ الذكر الفيمسكؼ‬
‫كالناقد االجتماعي" ىابرماس" الذم رأل بأف التنظير لما بعد الحداثة‪ ،‬بمثابة ردة فعؿ محافظة ضد التنكير‪.‬‬
‫ككذا " فريدريؾ جامسكف" الناقد الجمالي كاالدبي‪ ،‬الذم كصؼ ادعاء "ما بعد الحداثة" بالنظرة الفصامية تجاه‬
‫الزماف كالمكاف‪ ،‬كالتي أفرزتيا سيطرة القكل الرأسمالية‪ ،‬كالشركات المتعددة الجنسيات عمى عصب الحياة‪.‬‬
‫ككذلؾ المفكر كالفيمسكؼ السياسي "أالف بمكـ" الذم اعتبر القكؿ بما بعد الحداثة بمثابة بدعة‪ ،‬أك آخر رجفة‬
‫تسعى لمتخمي عف العقؿ‪ ،‬كاعتزاؿ القكؿ بإمكانية الكشؼ عف الحقيقة‪( .‬الشيخ‪ ،‬الطائرم‪ ،1996،‬ص ص‬
‫‪)10،11‬‬
‫في المقابؿ نجد "فرانسكا ليكتار" مف بيف المتحمسيف ليذا المفيكـ‪ ،‬الذم يرل بأف ما بعد الحداثة‪ ،‬قد غيرت‬
‫مف القكالب الجاىزة‪ ،‬كبعثرت القكاعد‪ ،‬كالقكانيف‪ ،‬كاألنظمة‪ ،‬التي تبني الخطابات الفكرية‪ ،‬كالفنية‪ ،‬كالعممية‬
‫أيضا‪ .‬حيث الخطابات‪ ،‬فيي خطابات الفنانيف التي تتجسد في أعماليـ (النحت‪ ،‬الفف التشكيمي‪ ،‬السينما)‬
‫كخطابات العمماء (النظريات‪ :‬كصفية‪ ،‬تجريبية‪ ،‬متخيمة‪ )...‬إلى جانب خطابات المفكريف‪ ،‬كالمثقفيف (كتب‬
‫أدبيف‪ ،‬سياسية)‪ .‬كأما إذا ما تأممنا المجاؿ العاـ إلنتاج الثقافة‪ ،‬أك الصناعة‪ ،‬فسنجد بأف العمـ ىك مف يحتؿ‬
‫الصدارة‪ ،‬كىك يصارع مف أجؿ أف يحتؿ المرتبة األكلى ضد الحكايات أك السرديات الكبرل ( ‪Les grand‬‬
‫‪ )récits‬كىي حكايات (سرديات) تركم الصيركرة التي نقطعيا‪ ،‬أك سيقطعيا الكجكد اإلنساني‪ ،‬حيث أف كؿ‬

‫‪87‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫معرفة تنيؿ‪ ،‬أك تشترط ىذه الحكايات‪ ،‬أك السرديات الكبرل تسمى بالخطابات الحداثية‪( .‬فرانسكا‪،2016 ،‬‬
‫ص ‪ .)09‬ىذا كتتمتع المعرفة في عصرنا الحداثي بحكايتيف أك سرديتيف‪ ،‬حكاية (سردية) سياسية‪ ،‬كأخرل‬
‫فمسفية‪ .‬فمكضكع الحكاية (السردية) السياسية ىك‪ :‬الدفاع عف اإلنسانية باعتبارىا تجسد الكفاح مف أجؿ‬
‫الحرية كالتحرر ضد القمع كالمنع‪ ،‬كفاح يمنحيا الحؽ في التعميـ كالعمـ‪ .‬في حيف يتمثؿ مكضكع الحكاية‬
‫(السردية) الفمسفية في شرعية المعرفة‪ ،‬ممثمة في التيار الجدلي الييغمي الذم يرل بأف الركح في حالة‬
‫اكتساب مستمر لذاتيا‪ ،‬فتاريخيا ىك تاريخ الحياة‪ ،‬حياة تتقدـ تجاه المطمؽ‪( :‬الحرية‪ ،‬العدالة‪ ،‬المساكاة) كحيث‬
‫تمتصؽ المعرفة بالتحرر‪ ،‬في بعده السياسي‪ ،‬كالمعرفي‪( .‬فرانسكا‪ ،2016 ،‬ص ‪)10‬‬
‫كضمف ىذا السياؽ‪ ،‬أك الطرح‪ ،‬يصبح الظرؼ ما بعد الحداثي‪ ،‬نياية لؤلقطاب الكبرل القديمة‪ ،‬التي كانت‬
‫مييمنة كػ (الدكلة‪-‬األمة‪-‬األحزاب‪ ،‬المؤسسات كالتقاليد التاريخية) كنياية لعصر األسماء الكبرل‪ ،‬كأبطاؿ‬
‫التاريخ عمى غرار‪( :‬كاستر‪ ،‬ماك‪ ،‬ستاليف‪ .)...‬فمثمما تفككت الرابطة االجتماعية‪ ،‬كحدث االنتقاؿ مف‬
‫التضامف‪ ،‬كالتعاكف‪ ،‬االجتماعي إلى كتؿ مركبة مف ذرات فردية في حركة عبثية‪ ،‬فقدت الذات قيمتيا الكبرل‬
‫كأصبحت مأخكذة في نسيج معقد مف العبلقات األكثر حركية‪( .‬فرانسكا‪ ،2016 ،‬ص ‪)20‬‬
‫كأما المشكؿ األساسي بالنسبة لممجتمع المعاصر بحسب "ليكتار" فيك الرأسماؿ الذم يفتت كافة المجاالت‬
‫االجتماعية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬أك الرأسمالية التي تعد إحدل سمات الحداثة‪ ،‬التي قامت كتقكـ عمى االستثمار‬
‫البلنيائي كالبلمحدكد‪ .‬إال أف ىذا البلمحدكد ال يعني الغامض‪ ،‬أك المبيـ‪ ،‬فقد عرفت الرأسمالية كيؼ تجعؿ‬
‫لو أسماء مثؿ‪ :‬الطاقة‪ ،‬كالككف‪.‬‬
‫كذلؾ إلى جانب "ليكتار" نجد " زيجكمنت بكماف" "‪ " Zugmunt Bauman‬الذم يرتكز في كتابو " حميمية‬
‫ما بعد الحداثة" عمى التعمـ الذم يستخمصو مف التاريخ السياسي المعاصر‪ ،‬حيث ينتيي إلى القكؿ بأف العالـ‬
‫الغربي قد دخؿ عص ار جديدا‪ ،‬مؤكدا بالمناسبة عمى عكس ما ذىب إليو " ماركس" بأنو لـ يعد لمتاريخ معنى‬
‫كأيضا عمى الضد مف " فيبر" الذم يرل بأف العالـ في زمف إعادة ابتياجو‪ .‬كأما الفكرة األصيمة عند "بكماف"‬
‫فتكمف في كصفو لمجتمع ما بعد الحداثة بمجتمع االستيبلؾ‪ ،‬حيث يختمط مبدأ المذة‪ ،‬بمبدأ الكاقع‪ ،‬عند‬
‫المستيمؾ ما بعد الحديث بدؿ تعارضيما‪ ،‬حيث نجحت الرأسمالية في خمؽ عالـ غير كاقعي‪ ،‬ىك عالـ‬
‫االستيبلؾ‪ ،‬ففي عالـ ما بعد الحداثة سمكؾ المستيمؾ ىك المحرؾ لمتحكالت االجتماعية كاالقتصادية‬
‫المستقبمية‪.‬‬
‫أما "بارم سمارت" " ‪ "Barry Smart‬فينعت مجتمع ما بعد الحداثة بأنو مجتمع القمؽ كالخكؼ‪ ،‬أك ىك‬
‫عصر يغزكه الشؾ‪ .‬ففيو كبالتدريج يصبح الماضي التاريخي مدركا كما لك كاف قيمة مشتركة‪ ،‬في حيف‬

‫‪88‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫يصبح تفكؽ الحضارة العربية كاقعا غير معترض عميو‪ ،‬كسيصبح الرخاء االقتصادم أم ار مرغكبا فيو إلى‬
‫أقصى درجة‪ ،‬كما سيتزعزع ايماف الناس بالعقؿ‪ ،‬فيمجؤكف الى المعتقدات الدينية‪ ،‬كالميتافيزيقية‬
‫ىذا كاذا كاف " دانياؿ بيؿ" يفرد في مجتمع ما بعد الحداثة‪ ،‬أك في المجتمع ما بعد الصناعي مكانة متميزة‬
‫لمعمـ كالتكنكلكجيا فإف " بارم سمارت" يحؿ محميا المعمكمات كاالتصاالت‪ ،‬حيث تصير ىذه األخيرة مصدر‬
‫كؿ تجديد‪ ،‬ككؿ تغيير في عمميات اإلنتاج‪ ،‬فبفضؿ ىذه المعمكمات‪ ،‬كاالتصاالت‪ ،‬لـ يعد أرباب العمؿ‪ ،‬في‬
‫حاجة الى تجميع العامميف داخؿ المصانع كالمكاتب‪( .‬سبيبل‪ ،‬عبد العالي‪ 2007،‬ص ص‪)17،16،15،‬‬

‫‪ .4‬مصادر أفكار منظري ما بعد الحداثة‪:‬‬


‫يشكؿ مكضكع "ما بعد الحداثة" في الكاقع مشتركا لتيارات كمقاربات فكرية متعددة‪ ،‬كصمف ىذا الطرح تقكؿ‬
‫" كاركؿ نيكمسكف" ربما جاز لنا القكؿ باف أطركحة "ما بعد الحداثة" في الفمسفة بمعناىا الكاسع‪ ،‬تشتمؿ عمى‬
‫مقاربات نظرية عديدة‪ ،‬منيا‪ :‬البنيكية‪ ،‬التفكيكية‪ ،‬ما بعد التحميمية‪ ،‬كالنزعة البراغماتية الجديدة‪ .‬كىي مقاربات‬
‫تسعى إلى تجاكز التصكرات العقمية‪ ،‬كمفيكـ الذات العاقمة‪ ،‬باعتبارىا تمثؿ أساس التقميد الفمسفي الحداثي‪.‬‬
‫كمنو فإف أفكار "ما بعد الحداثة" تككف قد ظيرت نتيجة‪:‬‬
‫‪ -1.4‬الردة عمى الحداثة‪ :‬فقد استقى فبلسفة كمفكرك "ما بعد الحداثة" أراءىـ مف مصدريف أساسيف ىما‪:‬‬
‫"نيتشو"‪ ،‬ك"ىايدجر "‪ .‬إذ انتقد نيتشو عبادة العقؿ‪ ،‬التي تدكر حكؿ تكىـ أف العقؿ قادر عمى معرفة الحقيقة‬
‫كالكجكد‪ .‬في حيف يرل "ىايدجر" بأف الحداثة قد نسيت أف تسأؿ عف الكجكد‪ ،‬مؤكدا بذات الكقت عمى ضياع‬
‫اإلنساف‪ ،‬كغياب النزعة اإلنسانية‪ .‬ىذا إلى جانب الحركات الفنية المعاصرة‪ ،‬كبخاصة في مجاؿ المعمار‬
‫التي ثارت عمى التيار المنادم بالتقشؼ‪ ،‬كالعقبلنية‪ ،‬كالتجريد المستميـ لمثاؿ اآللة‪ ،‬كالمصنع‪ ،‬بكصفيما‬
‫النمكذج األمثؿ لكؿ المباني‪.‬‬
‫‪ -2.4‬ظيور تيار ما بعد البنيوية‪ :‬كىك التيار الذم يمثؿ جيؿ االختبلؼ مف أمثاؿ‪ " :‬ميشيؿ فككك" "جاؾ‬
‫دريدا" " جيؿ دكلكز" " فرانسكا ليكتار" حيث تتمخص أفكار ىذا الجيؿ في رفض شعار التنكير‪ ،‬كاعتباره مجرد‬
‫كىـ‪ ،‬كفي تناكؿ الكاقع كالفكر بكصفيما مجتزءيف‪ ،‬كأما األفكار فما ىي إال تعبير عف السمطة‪ .‬أك بما معناه‬
‫أننا إزاء كاقع جديد‪ ،‬يعبر عف انييار كؿ األنساؽ التي ادعت قكؿ الحقيقة‪ ،‬كحيث أف العدك ىك الدكلة‪ ،‬التي‬
‫ىي االستثمار ليذا العقؿ‪ .‬كىكذا مثبل نجد "فككك" يدعك إلى تطكير أنماط جديدة مف التفكير‪ ،‬كالسمكؾ‬
‫كالرغبة‪ .‬أك أنماط تفكير تنبني عمى التكاثر‪ ،‬بدال مف االختزاؿ كالتكحيد‪ ،‬كعمى التقابؿ بدال مف التماثؿ‪ ،‬كما‬
‫عمى االنفصاؿ بدال مف االتصاؿ‪ .‬بمعنى أنماط تفكير تسمح بالتمييز بيف ما ىك متعدد كمتنكع‪ ،‬كما ىك‬
‫مكحد أك متشابو كمتطابؽ‪ ،‬كبيف ما ىك متحكؿ كمتناثر‪ ،‬كما ىك ثابت كمتضافر‪...‬الخ‪ .‬كىك الطرح أك‬

‫‪89‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫التكجو الذم يظير في تحميؿ "فككك" لمسمطة‪ ،‬التي اعتبرىا بأنيا ال نيائية‪ ،‬كما لـ يربطيا بمركز كاحد‪.‬‬
‫(الشيخ‪ ،‬الطائرم‪ 1996 ،‬ص ‪،17‬‬
‫‪ -3.4‬بروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي‪ :‬كالتي عمؿ عمى تطكيرىا عمماء اجتماع كثيركف أمثاؿ‪:‬‬
‫األمريكي " دانياؿ بيؿ" كالفرنسي" أالف تكراف"‪ .‬فػ "دانييؿ بيؿ" عمى سبيؿ المثاؿ يرم بأف العالـ قد دخؿ‬
‫عص ار تاريخيا جديدا‪ ،‬كىك العصر الذم أطمؽ عميو تسمية المجتمع ما بعد الصناعي‪ ،‬الذم يتميز بيذه‬
‫األىمية التي صارت تحظى بيا المعرفة‪ ،‬كالتي جعمت منيا القكة الدافعة لبلقتصاد‪ ،‬بدال مف اإلنتاج المادم‬
‫مثمما كانت عميو الحاؿ في الماضي‪ .‬أما " آالف تكراف" فيعتقد بأف القكة المسيطرة في عالـ اليكـ‪ ،‬لـ تعد‬
‫التقاليد الدينية كاالجتماعية مثمما كانت في السابؽ‪ ،‬بؿ أضحت القكة لكسائؿ االعبلـ‪ ،‬كالتقنية‪ ،‬كاألسكاؽ‬
‫حيث أصبحنا نعيش تحت كطأة عالـ ضخمة مف الرمكز‪ ،‬كالمعمكمات‪ ،‬كالخيرات المادية‪ ،‬كالخدمات‪ ،‬كىك ما‬
‫يعني أف المجاؿ اليكـ‪ ،‬لـ يعد مفتكحا أماـ الحكايات الكبرل التحررية‪( .‬الشيخ‪ ،‬الطائرم‪ 1996 ،‬ص ‪)18‬‬
‫إف تيار ما بعد الحداثة‪ ،‬الذم ظير كرد فعؿ عمى الحداثة‪ ،‬كالذم يمكف إعادتو أيضا إلى " نيتشو " فيمسكؼ‬
‫العدمية كالنقد‪ ،‬باعتباره يمثؿ بدايات جذر "ما بعد الحداثة"‪ ،‬كاف كاف " ليكتار" ىك مف أعطاه ميزة التداكؿ‬
‫العمكمي‪ ،‬ال سيما بعد ترجمة كتاباتو إلى لغات أخرل غير المغة الفرنسية‪ ،‬تيار يقكـ في جكىره عمى نزعة‬
‫شكية اتجاه أية محاكلة لخمؽ معنى لمتاريخ‪ .‬كبالتالي فيك يرفض كؿ الحكايات‪ ،‬أك السرديات الكبرل‪ ،‬بما في‬
‫ذلؾ سرديات التقدـ بشقييا الماركسي‪ ،‬كالميبرالي‪ .‬إذ يرل بأف الحداثة قد قامت عمى خرافة أف مسيرة التاريخ‬
‫ىي مسيرة التقدـ‪ .‬كلذلؾ فقد كضع نصب عينيو‪ ،‬إعادة النظر في مفيكـ العقبلنية‪ ،‬كبالتالي القياـ بمراجعة‬
‫لمكتسبات عصر األنكار‪ ،‬األمر الذم جعمو يرفض تصكر األبستمكلكجيا الغربية التقميدية لمحقيقة‪.‬‬
‫مف ذلؾ يمكف أف نقكؿ بأف " ما بعد الحداثة"" ‪ "Post Modernity‬تشير إلى مرحمة تاريخية مخصكصة كما‬
‫أنيا تمثؿ أسمكبا في التفكير‪ ،‬كىك يبدم ارتيابا مف األفكار‪ ،‬كالتصكرات الكبلسيكية‪ ،‬كفكرة الحقيقة‪ ،‬العقؿ‬
‫المكضكعية‪ ،‬التقدـ‪ ،‬األطر األحادية‪ ،‬السرديات الكبرل‪ ،‬كاألسس النيائية لمتفسير‪ .‬ثـ إف "ما بعد الحداثة"‬
‫ترل العالـ بكصفو طريقة في التفكير‪ ،‬كىي تنبع مف تحكؿ تاريخي يشيده الغرب نحك شكؿ جديد مف‬
‫الرأسمالية‪ ،‬أك نحك عالـ مف التكنكلكجيا‪ ،‬كالنزعة االستيبلكية‪ .‬عالـ انتصرت فيو صناعة الخدمات‪ ،‬كالماؿ‬
‫كالمعمكمات عمى المصنع التقميدم‪( .‬سبيبل‪ ،‬عبد العالي‪ ،2007 ،‬ص ‪)10‬‬
‫جدير بالذكر ىنا أف ىناؾ مف يرل بضركرة الحديث عف "ما بعد حداثية" كليس عف "ما بعد الحداثة"‪ ،‬بما أف‬
‫الحداثة لـ يتـ تجاكزىا بعد‪ ،‬فيي باقية‪ ،‬كحاضرة بمظاىرىا إلى ىذا اليكـ‪ .‬كىك الطرح الذم قد يرد عميو‬
‫بعضيـ بأف "ما بعد الحداثة"‪ ،‬إنما تمثؿ تجاك از لنسؽ معرفي ال زاؿ قائما‪ ،‬كليس لحقبة تاريخية بعينيا‪ .‬كىك‬

‫‪90‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫الرد الذم يرد عميو المنادكف بػ"ما بعد حداثية" أك بػ "ما بعد حداثكية" بقكليـ بأف خطاب "ما بعد الحداثة" يككف‬
‫عمى ىذا النحك جزء مف خطاب الحداثة‪ ،‬كبالتالي فيك خطاب منكر ألصكلو‪ .‬فما "بعد الحداثية" أك "ما بعد‬
‫الحداثكية"" ‪ "Postmodernism‬إنما تمثؿ لحظة يمكف محاكاة نماذجيا كاف امتدت إلى يكمنا الحاضر‬
‫كحيث المقكالت المنتجة حداثيا ىي مقكالت‪ :‬المركزية اإلنسانية‪ ،‬الذاتية‪ ،‬العقبلنية‪ ،‬كالعممكية‪ ،‬كتمؾ المقكالت‬
‫التي ستشكؿ مصد ار لمنقد لما بعد حداثي‪.‬‬
‫أم بما معناه أف خطاب "ما بعد الحداثية" أك " ما بعد الحداثكية" سيشمؿ كؿ الخطاب الذم تبنى رؤية ناقدة‬
‫لممركزية اإلنسانية‪ ،‬لمذاتية‪ ،‬لمعقبلنية‪ ،‬كلمعممكية‪ ،‬كخطاب طارد ليا‪ ،‬كلممعنى المنبثؽ عف ىذه المعرفة‪.‬‬
‫كبعبارة أخرل فإف الحديث عف " ما بعد الحداثية" أك " ما بعد الحداثكية" ق بمثابة تجاكز لنسؽ‪ ،‬كلنزعة‪ ،‬أم‬
‫ليس بنسقية تاريخية متجاكزة زمنيا‪( .‬مجمكعة مؤلفيف‪ ،2018،‬ص ص‪)8،7‬‬
‫إف "ما بعد الحداثة " بكصفيا مصطمح تاريخي‪ ،‬ىي مرحمة تتجاكز زمنيا مرحمة الحداثة‪ ،‬كىي المرحمة التي‬
‫تميز عالمنا المعاصر‪ ،‬بما يشتمؿ عميو مف تقدـ تكنكلكجي‪ ،‬اعبلمي‪ ،‬كثكرة معمكماتية‪ ،‬كتحكؿ في القيـ نحك‬
‫التعدد‪ .‬كىي – ما بعد الحداثة‪ -‬بكصفيا حساسية جديدة دامجة لمتفاكتات‪ ،‬ترفض معادلة المعيارية التي أتت‬
‫بيا الحداثة‪ ،‬كالتي ميزت ثقافة كعرؽ بعينيما عف البقية‪ .‬فيي تنادم بإنتاج خميط إنساني يحمؿ التعدد‬
‫كيسعى لمتعايش في عالـ التفاكت المعاصر‪ .‬ثـ إنيا ‪ -‬ما بعد الحداثة ‪ -‬كفكؽ ذلؾ‪ ،‬ككميتمة بمنتجات‬
‫خطابات الحداثة‪ ،‬تقكؿ بأف منتجات تمؾ الخطابات قد استنفدت كحاف الكقت لتجاكزىا‪ ،‬بؿ كترل كمثمما ذىب‬
‫إليو "بكديارد" بأننا نعيش عالما صار التمييز فيو بيف الكاقعي كاالفتراضي صعبا لمغاية‪ ،‬نتيجة لتطكر الكضع‬
‫المعمكماتي كثقافتو‪.‬‬
‫بؿ زد إلى ذلؾ ككف "ما بعد الحداثة" بكصفيا األكضاع الثقافية لمرأسمالية المتأخرة‪ ،‬تيتـ بالجانب‬
‫االقتصادم‪ ،‬كالجمالي‪ ،‬فيي ترل بأف اىتماـ المستيمؾ صار منصبا عمى جمالية السمعة‪ ،‬أم ليس عمى‬
‫غرضية السمعة مثمما كاف في الماضي‪.‬‬
‫كعميو فالمكقؼ ما بعد الحداثي يرفض المكقؼ الحداثي‪ ،‬كاذ يسعى إلى فرض فيـ جديد لمتاريخ‪ ،‬كالعالـ‬
‫كاالنساف‪ .‬فيك يرل بأنو ليس ثمة عقؿ يفسر الظكاىر‪ ،‬أك الكقائع‪ ،‬كاألحداث تفسي ار غير متحيز‪ ،‬كما ليس‬
‫ثمة ثابت يحكـ المتحكؿ‪ ،‬كال كجكد لثقافة عالية نخبكية‪ ،‬في مقابؿ ثقافة أخرل دكنية جماىيرية‪ ،‬ككؿ ما‬
‫ىنالؾ تشكيؿ مستمر ال يمكف تبريره باإلحالة إلى نمكذج متعاؿ‪( .‬مجمكعة مؤلفيف‪ ،2018،‬ص ص‪)11،10‬‬
‫باختصار كأيا كاف األمر‪ ،‬فالمؤكد أف فكر "ما بعد الحداثة" يرفض الكحدة الدكغمائية‪ ،‬كالنسقية الصارمة‪ ،‬كما‬
‫يرفض عمى نحكىا السرديات الكبرل التاريخية كالفمسفية‪ ،‬كيسعى لتغيير فكرة حتمية قيـ التقدـ‪ ،‬كتميز العرؽ‬

‫‪91‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫كالثقافة الكاحدة‪ ،‬الذم كاف عمى حساب ثقافات اليامش كالتعدد‪ .‬كىك بذلؾ يمعب دك ار محكريا في زعزعة الثقة‬
‫بالفكر الشمكلي كثكابتو‪ ،‬بما يفضي إلى القكؿ بتعدد العكالـ كالحقائؽ‪ ،‬كفقا لتعدد القراءات‪ ،‬كتماشيا مع‬
‫مقكالتيا عمى نحك‪ :‬العدمية‪ ،‬الغياب‪ ،‬االختبلؼ‪ ،‬التفكيؾ‪ ،‬التعددية‪ ،‬كاليامش‪ ،‬التي جاءت لترد عمى مقكالت‬
‫الحداثة كأفكارىا‪ .‬كالجدكؿ المكالي يبيف لنا الحدكد الفاصمة فكريا كمفيكميا بيف كؿ مف "ما بعد الحداثة"‬
‫ك"الحداثة"‪.‬‬
‫الجدكؿ رقـ (‪ )02‬يبيف الحدكد الفاصمة فكريا كمفيكميا بيف ما بعد الحداثة كالحداثة‬
‫الحداثة‬ ‫ما بعد الحداثة‬
‫‪ -1‬القصص كالسرديات الكبرل‬ ‫‪ -1‬ضد السرديات الكبرل‬
‫‪ -2‬األفكار الكمية الشمكلية‬ ‫‪ -2‬تفكيؾ الكميات‬
‫‪ -3‬األصؿ‬ ‫‪ -3‬االختبلؼ‬
‫‪ -4‬المرجعية الكاحدة كالمركز‬ ‫‪ -4‬التعددية كالتكزع‬
‫‪ -5‬التأليؼ‬ ‫‪ -5‬ضد التأليؼ كنحك ال نسؽ‬
‫‪ -6‬االنغبلؽ‬ ‫‪ -6‬االنفتاح‬
‫‪ -7‬التراتبية‬ ‫‪ -7‬الفكضى‬
‫‪ -8‬القصدية (كجكد الغاية)‬ ‫‪ -8‬المعب‬
‫‪ -9‬الخطة أك النظاـ‬ ‫‪ -9‬الصدفة‬
‫‪ -10‬التشبيو‬ ‫‪ -10‬التضاد‬
‫‪ -11‬الحضكر‬ ‫‪ -11‬الغياب‬
‫‪ -12‬الحتمية‬ ‫‪ -12‬البلحتمية‬
‫المصدر‪(:‬مجمكعة مؤلفيف‪ ،2018،‬ص‪)16‬‬
‫أخي ار يبقى القكؿ بأف مفيكـ "الحداثة"‪ ،‬مثمما مفيكـ "ما بعد الحداثة"‪ ،‬كمعيما مفيكـ "التحديث"‪ ،‬مف المفاىيـ‬
‫اإلشكالية التي شغمت باؿ المفكريف طكيبل مف مختمؼ التخصصات في العمكـ االجتماعية‪ ،‬كاإلنسانية‬
‫عمكما‪ .‬كلعؿ العبء األكبر في ىذا الباب يقع عمى المفكر في المجتمعات العربية‪ ،‬الذم يجد نفسو كىك يمج‬
‫ىذا النقاش‪ ،‬مجب ار عمى الخكض في مناقشة كنقد التجربة التحديثية في ىذه المجتمعات‪ ،‬التي حاكلت‬
‫االستمياـ مف النماذج‪ ،‬أك مف التجارب األجنبية التي سبقتيا‪ ،‬كالتي قد تكلدت في سياقات تاريخية ‪-‬اجتماعية‬
‫مغايرة ليا جذريا‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫بالمغة العربية‪:‬‬
‫‪ )2‬أبك النكر حمدم‪ ،‬أبك النكر حسف‪ :‬يكرجيف ىابرماس األخبلؽ كالتكاصؿ‪ ،‬التنكير لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ )3‬أحمد عمي الحاج محمد‪ :‬عمـ اجتماع التربكم المعاصر‪ ،‬دار المسيرة لمنشر كالتكزيع كالطباعة‪ ،‬عماف‬
‫ط‪.2012 ،1‬‬
‫‪ )4‬أحمد عاطؼ غيث‪ :‬قامكس عمـ االجتماع‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2006 ،‬‬
‫‪ )5‬أالف تكراف‪ :‬نقد الحداثة‪ ،‬ترجمة‪ :‬السبلـ الطكيؿ‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد سبيبل‪ ،‬دار إفريقيا الشرؽ‪ ،2010 ،‬دكف‬
‫بمد‪.‬‬
‫‪ )6‬إدريس جندارم كآخركف‪ :‬العرب كالمجتمع الحداثي‪ ،‬مؤسسة مؤمنكف ببل حدكد لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الرباط‬
‫بيركت‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬
‫‪ )7‬إلياس بمكا‪ ،‬محمد حرار‪ :‬إشكالية اليكية كالتعدد المغكم في المغرب العربي‪ ،‬مركز اإلمارات لمدراسات‬
‫كالبحكث اإلستراتيجية‪ ،‬أبك ظبي‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ )8‬أليكس ميكشيممي‪ :‬اليكية‪( ،‬ترجمة‪ :‬عمي أسعد كطفو) دار الكسيـ لمخدمات الطباعية‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬
‫‪ )9‬أراؽ سعيد‪ :‬مدارات المنفتح كالمنغمؽ في التشكبلت الداللية كالتاريخية مفيكـ اليكية‪ ،‬مجمة عالـ الفكر‬
‫العدد‪ ،4‬المجمد ‪ ،36‬دكف بمد‪ ،‬ابريؿ‪-‬يكنيك ‪.2008‬‬
‫‪ )10‬بندكت أندرسف‪ :‬الجماعة المتخيمة‪ :‬تأمبلت في أصؿ القكمية كانتشارىا (ترجمة‪ :‬ثائر ديب) المركز‬
‫العربي لؤلبحاث كدراسة السياسات‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ )11‬تشارلز تيمر‪ :‬المتخيبلت االجتماعية الحديثة (ترجمة‪ :‬الحارث النبياف) المركز العربي لؤلبحاث كدراسة‬
‫السياسات‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬
‫‪ )12‬جاستكف بكتكؿ‪ :‬تاريخ عمـ اجتماع‪( ،‬ترجمة‪ :‬غنيـ عبدكف) ك(مراجعة‪ :‬جبلؿ حسف صادؽ)‪ ،‬ككالة‬
‫الصحافة العربية (الناشركف) القاىرة ‪.2021‬‬
‫‪ )13‬جبريؿ بف حسف العريشي‪ ،‬سممى بنت عبد الرحمف محمد الدكسرم‪ :‬الشبكات االجتماعية كالقيـ رؤية‬
‫تحميمية‪ ،‬الدار المنيجية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬عماف‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬
‫‪ )14‬حسف حنفي‪ :‬اليكية‪ :‬مفاىيـ ثقافية‪ ،‬المجمس األعمى لمثقافة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.2012 ،1‬‬

‫‪93‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ )15‬حمدكش رشيد‪ :‬مسألة الرباط االجتماعي في الجزائر المعاصرة امتدادية اك قطيعة‪ ،‬دار ىكمة لمنشر‬
‫كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬
‫‪ )16‬خكاجة عبد العزيز بف محمد‪ ،‬سكسيكلكجيا الرابط االجتماعي بناءات مفاىيمية كمسارات نظرية‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪.2018‬‬
‫‪ )17‬دكرتيو‪ ،‬ج ؼ‪ :‬معجـ العمكـ اإلنسانية‪ ،‬ترجمة‪ :‬جكرج كتكرة‪ ،‬المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر‬
‫بيركت‪.2011 ،‬‬
‫‪ )18‬راكم عبد العاؿ كآخركف‪ :‬قياس اليكية دليؿ المتخصصيف في العمكـ االجتماعية‪ ،‬مركز االمارات‬
‫لمدراسات كالبحكث‪ ،‬أبك ظبي‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ )19‬زىرة شكشاف‪ :‬الحكاية في المخياؿ االجتماعي الجزائرم‪ ،‬دراسة سكسيكلكجية‪ ،‬بحث مقدـ لنيؿ درجة‬
‫الماجستير في عمـ اجتماع الثقافي‪ ،‬قسـ عمـ االجتماع‪ ،‬كمية العمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫بف يكسؼ بف خدة‪.2007/2006 ،‬‬
‫‪ )20‬سفياف بكعطيط‪ :‬القيـ الشخصية في ظؿ التغير االجتماعي كعبلقتيا بالتكافؽ الميني‪ ،‬رسالة مقدمة‬
‫لنيؿ الدكتكراه عمكـ في عمـ النفس العمؿ كالتنظيـ‪ ،‬قسـ عمـ النفس كعمكـ التربية كاألرطكفكنيا‪ ،‬كمية العمكـ‬
‫اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬جامعة منتكرم‪ ،‬قسنطينة‪.2012/2011 ،‬‬
‫‪ )21‬صالح محمد عمى أبك جادك‪ :‬سيككلكجية التنشئة االجتماعية‪ ،‬دار المسيرة لمنشر كالتكزيع‪ ،‬عماف‬
‫ط‪.198 1‬‬
‫‪ )22‬صبلح قنصكة‪ :‬نظرية القيـ في الفكر المعاصر‪ ،‬التنكير لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪.2010 ،‬‬
‫‪ )23‬عبد الحميد شاكر‪ :‬الخياؿ مف الكيؼ إلى الكاقع االفتراضي‪ ،‬سمسمة عالـ المعرفة‪ ،‬العدد ‪360‬‬
‫المجمس الكطني لمثقافة كالفنكف كاآلداب‪ ،‬الككيت‪.2009 ،‬‬
‫‪ )24‬عبد الرحماف عيسكم‪ :‬سيككلكجية الخرافة كالتفكير العممي‪ ،‬دراسة ميدانية عمى الشباب المصرم‬
‫كالغربي‪ ،‬دار النيضة العربية لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‪.1984 ،‬‬
‫‪ )25‬عبد الغفار مكاكم‪ :‬النظرية النقدية لمدرسة فرانكفكرت"‪ ،‬حكليات كمية األدب‪ ،‬العدد ‪.1993 ،153‬‬
‫‪ )26‬عبد المطيؼ محمد خميفة‪ ،‬ارتقاء القيـ دراسة نفسية‪ ،‬عالـ المعرفة‪ ،‬المجمس الكطني لمثقافة كالفنكف‬
‫كاآلداب‪ ،‬الككيت‪.1990 ،‬‬
‫‪ )27‬عبد اهلل الغدامي‪ :‬القبيمة كالقبائمية‪ ،‬أك ىكيات ما بعد الحداثة‪ ،‬المركز العربي‪ ،‬دار البيضاء‪ ،‬ط‪2‬‬
‫‪.2009‬‬

‫‪94‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫‪ )28‬عبد الغني عماد‪ :‬سكسيكلكجيا اليكية‪ :‬جدليات الكعي كالتفكؾ كاعادة البناء‪ ،‬مركز دراسات الكحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬
‫‪ )29‬عمي ليمة‪ :‬النظرية االجتماعية المعاصرة‪ ،‬دراسة لعبلقة اإلنساف بالمجتمع‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪2‬‬
‫‪.1983‬‬
‫‪ )30‬فالنتينا غراسي‪ :‬مدخؿ الى عمـ اجتمعا المخياؿ‪ :‬نحك فيـ الحياة اليكمية (ترجمة‪ :‬محمد عبد النكر‬
‫كسعكد المكلى) المركز العربي لؤلبحاث كدراسة السياسات‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪.2018 ،1‬‬
‫‪ )31‬فميب كاباف‪ ،‬جاف فرانسكا دكركتيو‪( :‬ترجمة‪ :‬إياس حسف) دار الفرقد لمطباعة كالنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشؽ‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ )32‬كمكد دكبار‪ :‬أزمة ىكيات تفسير تحكؿ‪( ،‬ترجمة‪ :‬رندة بعث) المكتبة الشرقية ش‪ .‬ـ‪ .‬ؿ‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ )33‬كماؿ التابعي‪ :‬االتجاىات المعاصرة في دراسة القيـ كالتنمية االجتماعية‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪.1999 ،‬‬
‫‪ )34‬كماؿ دسكقي‪ :‬االجتماع كدراسة المجتمع‪ ،‬المكتبة االنجمك مصرية‪ ،‬القاىرة‪.2000 ،‬‬
‫‪ )35‬مجمكعة مؤلفيف‪ :‬ما بعد الحداثة دراسات في التحكالت االجتماعية كالثقافية في الغرب‪( ،‬ترجمة‪ :‬حارث‬
‫محمد حسف‪ ،‬باسـ عمي خريساف) ابف النديـ لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار الركافد الثقافية‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪.2018‬‬
‫‪ )36‬محمد الجكيني‪ :‬الزعيـ السياسي في المخياؿ اإلسبلمي بيف القدس كالمدنس‪ ،‬دار سراس لمنشر المؤسسة‬
‫الكطنية لمبحث العممي‪ ،‬تكنس‪.1992 ،‬‬
‫‪ )37‬محمد الشيخ‪ ،‬ياسر الطائرم‪ :‬مقاربات في الحداثة كما بعد‪ -‬الحداثة حكارات منتقاة مف الفكر األلماني‬
‫المعاصر‪ ،‬دار الطميعة‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪،1996 ،1‬‬
‫‪ )38‬محمد الصيرفي‪ :‬المكسكعة العممية لمسمكؾ التنظيمي‪ :‬التحميؿ عمى المستكل الفردم‪ ،‬المكتب الجامعي‬
‫الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د ف ط‪.2009 ،‬‬
‫‪ )39‬محمد ب كاؿ‪ :‬مف المخيمة إلى المخياؿ‪ :‬دراسة في تاريخية المفيكـ‪ ،‬مجمة الكاحات لمبحكث كالدراسات‬
‫العدد‪ ،13‬جامعة غرداية‪.2011،‬‬
‫‪ )40‬محمد جميؿ خياط‪ :‬المبادئ كالقيـ في التربية اإلسبلمية‪ ،‬جامعة اـ القرل‪ ،‬مكة المكرمة‪.1996 ،‬‬
‫‪ )41‬محمد سبيبل‪ ،‬عبد السبلـ بف عبد العالي‪ :‬ما بعد الحداثة‪ ،‬تحديدات‪ ،‬دار تكبقاؿ لمنشر‪ ،‬الدار البيضاء‬
‫ط‪.2007 ،1‬‬

‫‪95‬‬
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
‫ سبتمبر‬،07‫ العدد‬،‫ مجمة آفاؽ المستقبؿ‬،‫ نحف كالعمـ اليكية مف الكحدة إلى التعدد‬:‫) محمد سعدم‬42
.2010 ،‫ مركز االمارات لمبحكث كالدراسات االستراتيجية‬،‫أكتكبر‬
‫ دار المعرفة الجامعية‬،‫ تاريخ عمـ االجتماع الركاد كاالتجاىات المعاصرة‬:‫) محمد عمي محمد‬43
.1985 ،‫االسكندرية‬
‫ دراسة ميدانية بجامعة منتكرم‬،‫ الطمبة الجامعيكف بيف القيـ السائدة كالقيـ المنتجة‬:‫) نجكل عميركش‬44
‫ كمية العمكـ‬،‫ قسـ عمـ االجتماع‬،‫ رسالة بحث مقدمة لنيؿ درجة الماجستير في عمـ االجتماع التنمية‬،‫قسنطينة‬
.2005/2004 ،‫ قسنطينة‬،‫ جامعة منتكرم‬،‫اإلنسانية كاالجتماعية‬
1‫ ط‬،‫ البلذقية‬،‫ ىاني صالح) دار الحكار لمنشر كالتكزيع‬:‫ مجتمع األفراد (ترجمة‬:‫) نكربرت إلياس‬45
.2014
‫ دار‬،8‫ ط‬،‫ محمكد عكدة كاخركف‬:‫ ترجمة‬،‫ نظرية عمـ االجتماع طبيعتيا كتطكرىا‬:‫) نيقكال ت يماشيؼ‬46
.1983 ،‫ القاىرة‬،‫المعارؼ‬
‫ رسالة‬،‫ دكر كميات التربية في تنمية كتدعيـ بعض القيـ لدل طبلبيا‬:‫) ىاشـ فتح اهلل عبد الرحماف‬47
.1992 ،‫ جامعة المنيا‬،‫ كمية التربية‬،‫دكتكراه‬
:‫بالمغة األجنبية‬
48) Fabrice Patez : Les relations communautaires ethniques selon Max Weber, i, Les Cahiers du
Cérim, No2, Mars, 1997.
49) François Gresle, Michel Perrin, Michel Panof, Pierre Tripier : Dictionnaire des Sciences
Humaines : Sociologie, Psychologie Sociale Anthropologie ; éditons Nathan Paris ; 1990.
50) Gilbert Durand. L’imaginaire symbolique, PUF. Paris, 1976.
51) Marc Montoussé, Gilles Renouard : 100 fiches pour comprendre la sociologie, Bréal,2002.
52) Jacques Marquet, Christophe Janssen : Lien social et internet dans l’espace privé,
L’Harmattan, Paris, 2012.
53) Jean Etienne, Françoise Bloess, jean pierre Noreck, Jean Pierre Roux ; Dictionnaire de
sociologie ; Les notions, les mécanismes et les auteurs, éditions hâtier,2eédit, paris,1997.
54) Serge Paugam. Le Lien Social, PUF, Paris,2008.
:‫المواقع اإللكترونية‬
55) http://ses.ens-lyon.fr/articles/serge-paugam-comment-penser-le-lien-social-et-la-solidarite-
151169
56) https://www.editions-ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf. Consulté le 08/12/2018 à
12 :40.
57) https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00570010/document
58) https://fr.wikipedia.org/wiki/Lien_social_(sociologie)
59) https://manuelnumeriquemax.belin.education/ses-premiere/topics/simple/ses1-ch07-161-01

96
‫سوسيولوجيا الرابط االجتماعي‬
60) https://papyrus.bib.umontreal.ca/xmlui/bitstream/handle/1866/22264/Thomas_Alban_2018_
m%c3%a9moire.pdf?sequence=2&isAllowed=y
61) https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahUKEwiI
graoofX2AhWTQuUKHc6sAecQFnoECBoQAQ&url=http%3A%2F%2Fwww.ac-
grenoble.fr%2Fdisciplines%2Fses%2FContent%2FPratique%2Fpremiere%2Fcours%2Flien_soci
al%2FDiaporama%2520Lien%2520social.pps&usg=AOvVaw31FOf6Crlm28CjYbP8mi2O

97

You might also like