Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في مقياس سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي
محاضرات في مقياس سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي
عنوان:
إعداد األستاذة:
-د /سيساكم فضيمة
فيرس المحتويات
الصفحة العنكاف
18-5 .Iمدخل إلى سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
7 .1مفيكـ الرابط االجتماعي............................................……………………..
11 .2أصناؼ الرابط االجتماعي..................................................................
12 .3أشكاؿ الرابط االجتماعي...................................................................
16 .4أنماط الرابط االجتماعي.....................................................................
47-19 .IIالرابط االجتماعي في الفكر السوسيولوجي الكالسيكي
19 .1الرابط االجتماعي عند تكنيز.............................................................
24 .2الرابط االجتماعي عند دكركايـ..........................................................
28 .3الرابط االجتماعي عند كارؿ ماكس......................................................
32 .4الرابط االجتماعي عند فيبر.............................................................
37 .5الرابط االجتماعي عند جكرج زيمؿ......................................................
43 .6الرابط االجتماعي عند نكربرت إلياس.....................................................
62-47 .IIIالقيم :الثابت والمتحول
47 .1تعريؼ القيـ................................................................................
2
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
57 .1.9التفسير الذاتي لمقيـ……………………………………………………………….
61 .2.9التفسير المكضكعي لمقيـ................................................................
72-62 .IVاليوية
62 -تمييد.......................................................................................
3
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
قائمة الجداول
الصفحة عنوان الجدول رقم
17 أنماط الركابط االجتماعية 01
92 الحدكد الفاصمة بيف اتجاه ما بعد الحداثة كالحداثة فكريا كمفيكميا 02
قائمة األشكال
الصفحة عنوان الشكل رقم
13 يوضح أشكال الرابط االجتماعي 01
14 يبين أسس أشكال الرابط االجتماعي 02
15 يبين أسس الرابط االقتصادي 03
15 يبين أسس الرابط السياسي 04
16 يبين أسس الرابط االجتماعي 05
55 يوضح محددات اكتساب القيم 06
4
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
5
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
المنفصميف عف بعضيـ ،مع السعي لتحقيؽ التضامف ،كالتجانس كاالنسجاـ داخؿ المجتمع باعتباره مجمكعان
مف ناحية أخرل.
إف عمماء االجتماع يعممكف بأف الحياة داخؿ المجتمع تضع اإلنساف منذ كالدتو في عبلقة تبعية بالنسبة
لآلخريف ،كبأف التضامف عمى كافة المستكيات كفي جميع المجاالت ،يشكؿ الركيزة لما يمكف إف نطمؽ عميو
اإلنساف االجتماعي المرتبط باآلخريف كبالمجتمع ،ليس مف أجؿ ضماف حمايتو في مكاجية المشكبلت
الحياتية فقط ،كلكف مف اجؿ إشباع حاجتو الحيكية لمحصكؿ عمى االعتراؼ كمصدر ليكيتو ،كلكجكده
باعتباره إنسانان داخؿ ىذا المجتمع.)Paugam,2008 ,p 8( .
ثـ إف ما نطمؽ عميو اليكـ بأزمة الرابط االجتماعي ،لمرتبط ببل شؾ بالكعي العميؽ بالظاىرة الجديدة التي
تساءؿ اإلنساف العادم مثمما الباحث .ففي الكقت الذم تعبر فيو المدينة مثبلن عف أنيا فضاء لمحراؾ
االجتماعي كلمتمازج الثقافي ،كاالجتماعي ،فإنيا كبذات المحظة تظير متأثرة بعمميات ما يمكف تسميتو
باالنغبلؽ االجتماعي .ففي الكقت الذم يبحث فيو البعض عف االنفصاؿ باالحتماء داخؿ األحياء الراقية،
كيبحث آخركف عمى طرؽ لمتخمص مف الحضكر اليكمي لمفقراء ،كالمياجريف في ىذه المدينة ،نجد بأف سكاف
األطراؼ أك اليكامش يعانكف مف الفقر كاليشاشة المزمنة لتنغمؽ بذلؾ ىذه األخيرة بدكرىا عمى ذاتيا بداخؿ
ذات المدينة مما يؤدم إلى تكلد مناخ مف الؤلمف ،األمر الذم يستدعي الحاجة الشديدة إلى الضبط ،إلى
حفظ النظاـ ،كالرقابة االجتماعية.
كأيا يكف األمر فإف شرعية المؤسسات الكبرل المكمفة بتنشئة األفراد كالجماعات االجتماعية تظير بدكرىا في
أزمة ،فالثقة التي كانت تشعرنا بيا تراجع ،سكاء تعمؽ األمر باألسرة ،أك بالمدرسة ،أك بميداف العمؿ ،أك
بمجاؿ الخدمات العمكمية ،بؿ كحتى بالنسبة لمجاؿ الحماية االجتماعية.
إف ىذه مثؿ ىذه األزمات ،كالتحكالت االجتماعية الجارية داخؿ المجتمعات أيا كانت ،تؤدم بدكرىا ال محالة
إلى أزمة ىكيات ،تدفع إلى التفكير في جممة الركابط االجتماعية التي تربط الفرد بالمجتمع ،فبل كجكد
لممجتمع اإلنساني دكف كجكد لتضامف اجتماعي ،بيف أعضائو الذيف يتشكؿ منيـ ،ما يحتـ الحاجة إلى بناء
األخبلؽ كالقيـ المشتركة التي تسمح باستمرار الحياة االجتماعية.
مف ذلؾ يمكف القكؿ بأف كظيفة الرابط االجتماعي ،كبغض النظر عف الحقبة ،أك الفترات التاريخية التي قد
يمر بيا ىذا المجتمع أك ذاؾ ،إنما تكمف في تكحيد األفراد ،كالجماعات االجتماعية ،كفي ضماف استمرار
التعايش السممي بيف الجميع بفضؿ القكاعد المشتركة الممزمة ليـ.
6
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
7
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كأما في المغة الفرنسية ،كفي قامكس الركس تحديدا ،فإف كممة الرابط -Le lien-فيعنى بيا الصمة بيف
األشياء ،كالصمة بيف األشخاص( .خكاجة ،2018 ،ص ص )8،9
ب .التعريف االصطالحي:
يمكف في ىذا الصدد استعراض العديد مف التعاريؼ الخاصة بيذا المفيكـ ،كمف بينيا تعريؼ "بيار إيؼ
ككيسي " "Pierre Yves Cussetالذم رأل بأف الرابط االجتماعي ىك " مجمكع العبلقات التي تربطنا
بالعائمة ،باألصدقاء ،بالجيراف ...كصكال إلى الميكانيزمات الجماعية لمتضامف ،كمرك ار بالمعايير ،كالقكاعد
كالقيـ التي تزكدنا بالحد األدنى لمعنى الجماعي"( .خكاجة ،2018،ص )12
نفيـ مما تقدـ بأف الرابط االجتماعي يمثؿ جممة ،أك مجمكع العبلقات ،كاألجيزة ،كالقكاعد االجتماعية
باإلضافة إلى القيـ ،كالمعايير ،التي تربط األفراد ،كالجماعات ببعضيـ البعض داخؿ المجتمع ،حيث يشير
تعبير "الرابط االجتماعي" إلى ما ُيمكف الناس مف البقاء إلى جانب بعضيـ البعض كالعيش داخؿ مجتمع
كاحد.
كذلؾ عرؼ "فريدريؾ لكباركف"" "F. Le Baronالرابط االجتماعي بأنو عبارة عف" ...تفاعؿ منتظـ بيف
فرديف حيث إحدل أىـ ركائزه إجبارية التبادؿ مثمما كصفيا األنثركبكلكجيكف مف أمثاؿ مارسيؿ مكس
كمالينكفسكي"( .خكاجة ،2018 ،ص )12
كيذىب " شكتز" " "Alfred Schützتقريبا في ذات االتجاه عندما يقكؿ بأف الركابط االجتماعية ىي كافة
العبلقات االجتماعية التي يقيميا كيحافظ عمييا الفرد مع أم كياف كاف مما يتسبب في حدكث اختبلط اك
تداخؿ بيف ذاتيف أك أكثر .بمعنى أف "شكتز" يفيـ الرابط االجتماعي عمى أنو كؿ تفاعؿ أك اتصاؿ يحمؿ
بعدا اجتماعيا كحيث مف المحتمؿ اف تتدخؿ المسائؿ الذاتية.
كذلؾ الحاؿ بالنسبة لػ " إرفينغ غكفماف " " "E. Goffmanالذم يرل بأف كؿ رابط اجتماعي يحمؿ معناه
حسب الحالة الذم تحيط بو أك يكجد فييا ،كمنو فالحديث عف الرابط االجتماعي معناه فيـ ما يربط األفراد
ببعضيـ قياسا بالسياؽ الذم يتكاجدكف فيو .لذلؾ يجب حصر جميع العناصر التي تحيط بعبلقة ما في
التأثير الذم يمكف أف ليذه العناصر في مكاجية البيف الذاتي.
كضمف ذات المعطى يذىب " بير بكفييو" " "Pierre Bouvierإلى القكؿ بأف مفيكـ الرابط االجتماعي
ليس مفيكما جامدا ،فيك مفيكـ مرف يستجيب الحتياجات محددة بالنظر لمسياؽ الذم يستعمؿ فيو.
()https://papyrus.bib.umontreal.ca &i pp 26-28
8
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
نفيـ مف ذلؾ أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" في عمـ االجتماع يشير إلى مجمكع االنتماءات ،الركابط العائمية،
كالعبلقات التي تكحد بيف الناس ،أك بيف الجماعات االجتماعية .حيث يمثؿ الرابط االجتماعي تمؾ القكة التي
تربط بيف أعضاء الجماعة ،أك الطائفة االجتماعية ،أك أعضاء جمعية ما ،أك أعضاء ضمف كسط اجتماعي
معيف .كالحؽ أف كثيريف اىتمكا بتحميؿ ،كفيـ الرابط االجتماعي ،أك عمى األقؿ منذ عصر النيضة ،مثمما
كانت الحاؿ عند أصحاب العقد االجتماعي كعمى رأسيـ "جكف جاؾ ركسك" ،كفي الكتابات األكلى لركاد عمـ
االجتماع أمثاؿ" :دكركايـ"" ،فيبر" ،ك"تكنيز" .ىذا المفيكـ -الرابط االجتماعي –الذم عاد مرة أخرل مع
ثمانينات القرف الماضي لمظيكر بقكة في ساحة النقاش ،أك لمخطاب السكسيكلكجي ،الذم كاف ينادم بأىمية
أك ضركرة معالجة ،كتشريح عكامؿ األزمة التي يعيشيا ىذا الرابط االجتماعي.
إال أنو كمع ذلؾ ،ال تزاؿ ىناؾ صعكبة في التعامؿ مع ىذا المفيكـ ،كتكظيفو ،فيك يحمؿ بيف طياتو معنييف:
المعنى األكؿ كصفي ،كيكمف في جممة المتغيرات المبلحظة عمى ىذا الرابط كعمى قكة االرتباط ،كأما الثاني:
فمعنى معيارم كيتعمؽ بيذه الكحدة االجتماعية ،التي تحتاج لمحفاظ عمييا ،كحمايتيا مف اليشاشة ،مف
التحمؿ ،كاالنقطاع كبالتالي التبلشي ،كاالندثار.
.1.2مؤشرات الرابط االجتماعي:
تكجد ىناؾ العديد مف المؤشرات الدالة عمى الرابط االجتماعي كلعؿ مف أىـ ىذه المؤشرات ما يمي:
-العائمة :ربط كفسخ العبلقة الزكجية ،حجـ األسرة...إلخ.
-الجمعيات :التككيف ،االنتماء ،عدد المنخرطيف ...الخ.
-الدين :الممارسات ،الشعائر الدينية القديمة كالحديثة ...الخ
-العمل :عدد المناصب اليشة ،عدد البطاليف ...الخ
-االنحراف والجريمة :عدد المنحرفيف ،حجـ الجريمة في المجتمع...إلخ) https://fr.wikipedia.org/wiki( .
جدير بالذكر أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" قد ظير عمى المسرح السكسيكلكجي كاالنثركبكلكجي بيدؼ
اإلشارة ،أك تسمية ،ما يمكف نعتو بالعبلقة الخالية مف اإلكراه .لكف إلى حد يمكف الحديث عف كجكد مثؿ ىذه
العبلقة ،إذا ما كانت أغمب الكتابات السكسيكلكجية ،كمنذ الركاد األكائؿ لعمـ االجتماع ،تؤكد عمى أف األفراد
يعيشكف كيتصرفكف تحت اإلكراه :إكراه الكظائؼ ،المصالح ،القيـ ،العادات ،العقبلنيات ...الخ .كباختصار
يكجدكف تحت إكراه كؿ ما يفرضو عمييـ كضعيـ ،أك ظركفيـ الحياتية ،كما يمميو عمييـ الضمير المغمؼ
بالكىـ ،أك باألساطير ،كبالمعتقدات.
9
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كالحؽ أف عمـ االجتماع قد قاؿ منذ ما يقارب القرف تقريبان ،بأنو ييتـ بدراسة الفرد المكجكد تحت اإلكراه ،أك
تحت الضغط االجتماعي ،كبالمعكقات االجتماعية التي تحيط بيذا الفرد المندمج في عبلقات اجتماعية
مفركضة عميو ،أك مادامت تحدد خارجو .أك عمى األقؿ بالنسبة لعمـ االجتماع الذم قد أخذ في تطكره
كاىتماماتو ثبلثة ( )03اتجاىات كبرل ىي:
-عمـ االجتماع إنتاج ،كاعادة إنتاج اإلكراه أك عمـ اجتماع التنشئة االجتماعية.
-عمـ اجتماع عمؿ أك اشتغاؿ االكراىات كالمعكقات ممثبل في عمـ اجتماع األدكار ،التنظيمات ،المؤسسات
كالييئات الحككمية ...الخ
-عمـ اجتماع تطكر اإلكراىات كيظير في عمـ اجتماع الحركات االجتماعية ،الصراعات ،النضاؿ ...الخ.
ىذه تمؾ االتجاىات النظرية التي جعمت االجتماعي خارج الفرد ،أك جعمتيا قبمو ،كالتي عمى ىذا النحك تُنكر
عميو – الفرد -كؿ كجكد خارج االنتماءات التي تعرفو اجتماعيا.
إف مفيكـ الرابط االجتماعي قد ظير في سياؽ القرف التاسع عشر (ؽ ،)19كىك القرف الذم اجتمعت فيو
ثكرتيف غير مسبكقتيف أال كىما الثكرة الصناعية ،كالثكرة الديمقراطية ،كىي ذات الفترة التي تبمكرت فييا العديد
مف األفكار ،كاآلراء الميتمة بالفرد كالمجتمع ،كالتي اىتـ فييا عمماء االجتماع مثبل ،بدراسة خصائص األفراد
مف قبيؿ :الجنس ،العمر ،الطبقة االجتماعية...الخ ،في محاكلة منيـ لربطيا بالممارسات الخاصة ليؤالء
األفراد في المجتمع.
إال أف سكسيكلكجيا أخرل جديدة ستظير الحقا ،سميت بسكسيكلكجيا الشبكات ،كاىتمت بتحميؿ العبلقات
المباشرة كغير المباشرة التي تربط األفراد ببعضيـ البعض ،كلعؿ "جكرج زيمؿ" يمثؿ أحد أىـ ركادىا األكائؿ
مف بيف الذيف اىتمكا بتحميؿ ،كالكشؼ عف تأثير البناء ،كالجماعات عمى تشكؿ ىذه الشبكات ،في محاكلة
لكضع األدكات التي تسمح بفيـ شكؿ العبلقات كالشبكات االجتماعية.
ىذا كقد بيف عمـ اجتماع الشبكات ،كيؼ تشكؿ العبلقات بيف األفراد نظاما مف المعكقات كالمكارد بالنسبة
لمختمؼ األعكاف االجتماعييف ،كىك ما سيسمح الحقا بظيكر التحميبلت األكلى حكؿ الرأسماؿ االجتماعي أك
عندما اىتـ "بيار بكرديك" " "P. Bourdieuبدراسة الرأسماؿ االجتماعي لؤلفراد باعتباره شبكة مف العبلقات
االجتماعية ،باإلضافة إلى حجـ مختمؼ أشكاؿ الرأسماؿ األخرل التي يتحكـ فييا العكف االجتماعي كالتي
يمكنو تجنيدىا في خدمة مصمحة الخاصة.
لقد استخدمت مفردة "الرابط االجتماعي "في مجاؿ العمكـ االجتماعية ،لتحمؿ عدة معاني .فيي ترد مثبل
بمعنى الرابط المدني الذم يعني "مجمؿ الركابط التي تكحد الفرد بالحياة االجتماعية ،كيترجـ ذلؾ في
10
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
المشاركة االنتخابية ،كاالستثمار في الحياة االجتماعية ،كاالنخراط في الجمعيات ،كالنقابات كاألحزاب
السياسية"( .دكرتيو ،2011 ،ص )436كما قد ترد لمداللة عمى الرابطة البيف –شخصية ،أك بمعنى ما أطمؽ
عميو عالـ االجتماع األلماني "جكرج زيمؿ" تسمية االجتماعكية لتحيمنا في مثؿ ىذه الحالة إلى الركابط
األسرية ،الجكار ،الصداقة...الخ ،أم إلى العبلقات االجتماعية القائمة عمى الحكار كاالتصاؿ المباشر .كذلؾ
نجد أف عبارة "الرابط االجتماعي" تؤدم فكؽ ذلؾ ،معنى آخر ،كىك ذا صمة باألبعاد االقتصادية ،ليفيد معنى
الرابط الذم يربط المأجكريف بمستخدمييـ مف خبلؿ عقكد التكظيؼ ،أك عقكد العمؿ كىك الرابط الذم يستند
عمى المصمحة المتبادلة بيف طرفي العقد.
كاذف يعتبر مكضكع الرابط االجتماعي مف بيف المكاضيع السكسيكلكجية التي عادت إلى ساحة النقاش في
السنكات األخيرة ،كخصكصا بعد أف كاف قد تراجع االىتماـ بو بعد الحرب العميمة الثانية ،مع تمؾ األصكات
المطالبة بإعادة "ربط الرابط االجتماعي" كدليؿ عمى أف ىذا الرابط يعيش أزمة حقيقية.
إف مفيكـ الرابط االجتماعي كعمى الرغـ مف حداثتو ،إال أف كالدتو تعكد إلى بداية القرف التاسع عشر ،أم في
ذلؾ الكقت الذم كانت فيو السكسيكلكجيا قد أخذت في التأكد ،أك في تأسيسيا لذاتيا ،باعتبارىا عممان ،أم
سنكات بعد قياـ الثكرة الصناعية.
زد إلى ذلؾ أف مفيكـ "الرابط االجتماعي" مفيكـ مرافؽ لمكاقعة ،أك لمحدث االجتماعي ،حيث يتـ الشعكر
بغيابو بطريقتيف ،أك بصكرتيف متباينتيف تظيراف في:
-الرابط المرفكض بعديا،
-كالرابط المفقكد قبميا،
ليككف الرابط االجتماعي ،عمى ىذا النحك ،إما محصمة إكراه كضغط ،كاما محصمة أك نتاج اختيار ،كأما في
الكاقع فيك – الرابط االجتماعي -يتمكضع بيف االثنيف أك بيف الحالتيف– االكراه ،االختيار.-
11
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ليـ بتحقيؽ العيش المشترؾ ،كأما ىذه السمطة األعمى فتتمثؿ في الدكلة التي تسعى عمى حماية األفراد
األكثر ضعفا ،أك األكثر ىشاشة ،كتعمؿ عمى إعادة شركط الحياة الطبيعية ذلؾ أف األفراد طيبكف بطبعيـ.
-2.2الصنف الثاني :كىك عمى العكس ،أك المقابؿ لمصنؼ األكؿ ،حيث نجد آراء كؿ مف "البكاسي"
"ىكبز"" ،ماركس" ك"بيار بكرديك" كغيرىـ مف بيف الذيف يؤكدكف بأف الركابط االجتماعية تتأثر دائما بعبلقات
الييمنة ،كالتبعية ،كفي ىذه الحالة تككف الركابط مرادفا لمسمبية ،حيث يككف مف الصعكبة بمكاف ضماف
استمرار الرابط االجتماعي مف دكف استعماؿ لمقكة أك العنؼ.
)1 -2.3الصنف الثالث :كفيو نجد الركابط االجتماعية المسماة حيادية ،كىي الركابط التي تسمح لؤلفراد
بالتعبير عف أنفسيـ ،أك بالكصكؿ إلى األىداؼ التي يككنكا قد سطركىا ،أك مثمما ىي الحاؿ عند كؿ مف:
"ماكس فيبر"" ،إرفينغ غكفماف" ،ك"ريمكف بكدكف" .فػ" ماكس فيبر" عمى سبيؿ المثاؿ ،كمف خبلؿ اىتمامو
بدراسة المجتمع األكركبي الحديث القائـ عمى تطكر العقبلنية ،ينظر لمرابط االجتماعي باعتباره ىدؼ كغاية،
يترجـ عقمنة النشاط االجتماعي ،كما يعبر عف التحكالت االجتماعية الجارية ،أك عممية االنتقاؿ مما ىك
عقبلنية. كعبلقات عممي، ىك ما إلى كركحي، عاطفي https://www.editions-
ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf. Consulté le 08/12/2018 à 12 :40.
حرم بنا التنبيو ىنا إلى صعكبة الحديث عف حيادية الركابط االجتماعية .كالحؽ أنو كلعدة قركف ،كاف
لمرابط االجتماعي جانبان شمكليان كذلؾ بفعؿ طابعو" الجامع كالمفركض" ،أيف تتمفصؿ بنية التجمعات
اإلنسانية ،حكؿ أصناؼ أك أشكاؿ خاصة مف الركابط االجتماعية ،التي تسمح بفضؿ التنسيؽ بينيا ،بإعادة
إنتاج التنظيـ االجتماعي كاستم ارره.
إف الرابط االجتماعي باعتباره أحد العكامؿ البنائية األساسية في تحقيؽ التماسؾ االجتماعي ،يعد معطى
ضركرم كلكنو غير كاؼ لكحده ،ذلؾ اف التماسؾ االجتماعي ،يجند عكامؿ أخرل زيادة عمى الرابط
االجتماعي منيا :التجانس الثقافي ،اك السكسيك-اقتصادم ،العدؿ ،نبذ التفرقة كالتمييز العنصرم ،كذا
كبشكؿ محكرم أك أساسي مؤسسات الدكلة االجتماعية.
12
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
إال أنو كمع ذلؾ ،يمكف حصر أىميا في األشكاؿ ،كاألنماط المكالية ،عمى اعتبار أف الرابط االجتماعي ىك:
مجمكع تمؾ الركابط الثقافية ،االجتماعية ،االقتصادية ،كالسياسية ،التي تربط األفراد ببعضيـ البعض في
الحياة اليكمية ،ضمف جماعات متنكعة ،كمختمفة ،تضمف ،أك تحقؽ ،ليـ االندماج االجتماعي ،سكاء كاف
ذلؾ مف جية النظر الفردية ،أك مف كجية النظر الجماعية ،كالمجتمعية ككؿ .فالرابط االجتماعي يعبر عف
مجمكع الركابط ،كاألجيزة ،التي تسمح بربط األفراد كالجماعات ببعضيـ البعض داخؿ المجتمع.
أما أىـ أشكاؿ الرابط االجتماعي فيمكف حصرىا في :في ثبلثة ( )03أشكاؿ أساسية كىي كالتالي:
-1الرابط االقتصادي /التجاري :كىك ذاؾ الرابط القائـ عمى تبادؿ المصالح المادية في السكؽ.
-2الرابط السياسي :أك رابط المواطنة ،كىك الرابط الذم يسمح بتنظيـ الحياة السياسية لؤلفراد في المجتمع.
-3الرابط االجتماعي :كىك ذلؾ الرابط الذم يسمح بتحقيؽ االندماج ،كاالنسجاـ بيف االفراد في المجتمع.
كالشكؿ المكالي يكضح لنا ذلؾ.
الشكل رقم ( :)01يوضح أشكال الرابط االجتماعي
الرابط االجتماعي
ىذا كتقكـ أشكاؿ الرابط االجتماعي المختمفة عمى جممة مف األسس مثمما سيتكضح في األشكاؿ المكالية:
13
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الشكل رقم ( :)02يوضح أسس أشكال الرابط االجتماعي
-كيؼ يعمؿ االقتصاد
-تمكيؿ االقتصاد
كفيما يمي تفصيبل في ىذه األسس التي يقكـ عمييا الرابط االجتماعي ،أال كىي :أسس الرابط االقتصادم أك
التجارم ،أسس الرابط السياسي ،فأسس ال اربط الجتماعي ،مثمما تبينو أك يتكضح في األشكاؿ :المكالية:
14
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الشكل رقم ( )03يبين أسس الرابط االقتصادي:
السوق العالمي
15
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الشكل رقم ( )05يبين أسس الرابط االجتماعي:
داخل المؤسسة داخل العائمة
تكحد العبلقات العائمية أك
األسرية داخؿ العائمة:
الرابط
التضامف ،العاطفة
االجتماعي
التعاكف ،التنشئة االجتماعية
16
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الربط االجتماعي
الجدول رقم ( :)01يوضح أنماط ا
أشكال االعتراف "المتوقع من" أشكال الحماية "االتكال عمى" أنماط الروابط
اعتراؼ عاطفي تضامف بيف األجياؿ حماية مصيرية رابطة النسب
(اآلباء كاألبناء)
التبادؿ العاطفي التضامف ما بيف األفراد حماية مقر بو الرابط االنتقائي
(الزكاج ،األصدقاء)
الشعكر باألىمية ،المكانة حماية حافزيو (عقد العمؿ ،قانكف رابط المشاركة العضكية
االجتماعية ،تقدير الذات العمؿ ،الحماية االجتماعية) (العمؿ ،السكؽ)
االعتراؼ بالفرد الحر أك السيد المساكاة القانكنية رابط المكاطنة
(داخؿ الدكلة)
المصدرhttps://manuelnumeriquemax.belin.education/ses-premiere/topics/simple/ses1-ch07-161-01:
-1رابط النسب :كىك االعتراؼ بأف كؿ فرد يكلد داخؿ أسرة .كىك يمتقي عند الكالدة بأبيو كأمو ،مثمما بباقي
أفراد األسرة ،كالعائمة الممتدة ،التي ينتسب إلييا مف دكف أف يككف قد اختار ذلؾ ،مع التأكيد كذلؾ عمى
كظيفة التنشئة االجتماعية التي تقكـ بيا األسرة ،حيث يساعد رابط الدـ أك النسب عمى تحقيؽ التكازف
العاطفي لدل الفرد منذ كالدتو ،كما يضمف لو الشعكر باالستقرار كالحصكؿ عمى الحماية في آف كاحد.
-2رابط المشاركة االنتقائية :كيتعمؽ األمر بالتنشئة االجتماعية خارج األسرة ،ففي أثنائيا يدخؿ الفرد في
عبلقات مع األفراد اآلخريف ،كيتعمـ التعامؿ مع الناس خارج إطار العائمة أك األسرة ،كمف ثمة االندماج مف
خبلؿ تعمـ احتراـ المعايير ،كالقكاعد االجتماعية المنظمة لمحياة االجتماعية كالسابقة عميو .أما أماكف مثؿ
ىذا النكع مف التنشئة فمتعددة مف مثؿ :الجيراف ،جماعات األصدقاء ،الجماعات المحمية ،الييئات الدينية،
الرياضة ،الثقافية...إلخ ،حيث يتعمـ الفرد في ىذا النكع مف التنشئة ،كيؼ يندمج ،كضركرة االندماج مع
الشعكر باإلكراه بيذه الضركرة لبلندماج ،لكنو مع ذلؾ يعيش الفرد نكعان مف االستقبللية ،كىي تسمح لو ببناء
شبكات االنتماء الخاصة بو ،كالتي يمكنو كعبرىا تأكيد شخصيتو المستقمة عف اآلخريف .ففي ىذا النمط مف
الركابط االجتماعية كمقارنة عمى سبيؿ المثاؿ برابطة الدـ أك النسب ،يتكفر الفرد عمى فضاء لبلستقبللية
الذاتية ،التي تسمح لو بأف يتحالؼ ك /أك أف يعارض.
17
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-3رابط المشاركة العضوية :يتعمؽ األمر ىنا أيضا بالتنشئة االجتماعية خارج األسرة ،كىك يتميز عف رابط
المشاركة االنتقائية ،ككف الفرد في ىذا النمط مف الرابط االجتماعي يتعمـ ممارسة كظيفة معينة أك عمؿ ما
داخؿ تنظيمات العمؿ بصكرة عامة.
كفي ىذا الخصكص يعتقد "دكركايـ" أف ما يخمؽ الرابط االجتماعي في المجتمعات الحديثة ىك التضامف
العضكم الذم يعبر قبؿ كؿ شيء تكاممية الكظائؼ .كىي التي تمنح األفراد ميما كاف اختبلفيـ عف بعضيـ
البعض مكانة اجتماعية محددة ،كيحتمؿ منيا أنيا ستقدـ لكؿ فرد مف األفراد الحماية األكلية كالشعكر بأىمية
الذات ،كبكجو عاـ فإف ىذا النمط مف الركابط االجتماعية يبنى في إطار المدرسة كيمتد إلى عالـ الشغؿ.
-4رابط المواطنة :كيرتكز ىذا الرابط عمى مبدأ االنتماء إلى أمة معينة ،ىاتو األمة التي يفترض فييا مف
حيث المبدأ أنيا تعترؼ ألعضائيا بالحقكؽ كالكاجبات ،كتجعؿ منيـ مكاطنيف كاممي السيادة في المجتمعات
الديمقراطية .مكاطنكف متساككف أماـ القانكف ،كىك ما يعني بأف عمى الدكلة بذؿ الجيد الضركرم كي يتـ
التعامؿ مع المكاطنيف بطريقة متساكية ،بحيث يشكمكف إلى جانب بعضيـ البعض جسدان ،ىكية ،كقيما
مشتركة .كليذا فإف رابط المكاطنة كعمى نحك معيف يعد أعمى مف الركابط األخرل ،بما أنو يفترض فيو بأنو
يسمك فكؽ النزاعات ،كفكؽ الص ارعات ،كالعبلقات العدائية .فالمكاطف في المجتمعات الديمقراطية يتمتع أيضا
بالحقكؽ االقتصادية ،كاالجتماعية ،أم بمعنى أف رابط المكاطنة يتسع ليضمف لؤلفراد حماية أكبر في مكاجية
المشكبلت الحياتية.
إف ىذه األنماط األربعة ( )04مف الركابط االجتماعية ،عمى اختبلفيا ،كتمايزىا ،في الكاقع متكاممة كمتقاطعة
فيما بينيا .كىي في مجمكعيا تشكؿ النسيج الذم يضـ الفرد .فيك عندما يمتقي باآلخريف ،يمكف أف يقدـ
نفسو ليـ أك يعرؼ بيكيتو بالرجكع إلى جنسيتو (رابط المكاطنة) ،إلى كظيفتو ،أك عممو (رابط المشاركة
العضكية) إلى جماعات االنتماء (رابط المشاركة االنتقائية) ،كالى أصكلو (رابط النسب) .حيث تسمح التنشئة
االجتماعية لكؿ فرد داخؿ المجتمع ،انطبلقا مما تمنحو لو المؤسسات ،كالييئات االجتماعية المختمفة بأف
ينسج الخيكط أك الركابط االجتماعية ،كبالتالي انتماءاتو المتعددة لمجماعات المختمفة في المجتمع ،كالتي
تضمف لو الرفاىية ،الحماية ،األمف ،كاالعتراؼ االجتماعي.
لكف كمع ذلؾ فإف ىذا النسيج الذم يخمقو الفرد بفضؿ ىذه الركابط المتعددة ،ليس متشابيا ،أك ليس نفسو
عند كؿ فرد .ففي بعض األحياف تككف بعض خيكط ىذا النسيج االجتماعي ،كالحمقات االجتماعية ىشة جدان
في حيف أخرل تككف بعض الخيكط في أحياف أقكل مف خيكط أخرل ،بحيث يمكف أف يفقد ىذا النسيج
االجتماعي ،كتحت كطأة المشكبلت ،كاألزمات االجتماعية ،شيئا فشيئا مف صبلبتو ،كقكتو .كالحؽ أف ىناؾ
18
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
دائما خطر القطيعة الذم يتيدد ىذا النسيج ،كلذلؾ قد نعثر عمى حاالت تقطعت ،أك قد تتقطع فييا خيكط
ىذا النسيج االجتماعيhttp://ses.ens-lyon.fr/articles/serge-paugam-comment-penser-le-lien-.
social-et-la-solidarite-151169
كلد "فرديناند تكنيز" في "شمزفيج" " " "Schleswigكىي أقصى مقاطعة في شماؿ ألمانيا حيث أمضى حياتو
األكاديمية في جامعة "كيؿ" " "Kielالتي تقع في المقاطعة ذاتيا .مف أىـ مؤلفاتو كتابو " الجماعة المحمية
كالمجتمع" الذم صدر اكؿ مرة سنة ،1887كالذم أعيدت طباعتو بعد لؾ ست ( )06مرات .كىك الكتاب
الذم يعد أحد اىـ الكتب في دراسة النظرية السكسيكلكجية ،كما أنو يتضمف المساىمات الرئيسية لػ " تكنيز"
في مجاؿ عمـ االجتماع( .تيماشيؼ ،1983،ص)154
لـ تأت أطركحة "إميؿ دكركايـ" عف "تقسيـ العمؿ" كالتي ناقشيا بتاريخ 3مارس 1893بكمية اآلداب بجامعة
بكردك بفرنسا التي يمكف اعتبارىا مقدمة لتناكؿ الرابط االجتماعي ،كالتي تنتمي لمتراث المفاىيمي في العمكـ
االجتماعية ،بؿ كتدرس تحت ىذا البند في كميات عمـ االجتماع في العالـ كمو ،حيث لـ تتكقؼ البحكث
االجتماعية منذ ما يزيد عف قرف عف العكدة في كؿ مرة إلى فكرة التضامف اآللي ،كالتضامف العضكم .إذ
كمف خبلؿ التحكالت التي عرفيا مفيكـ التضامف ،حاكؿ دكركايـ بذات الكقت تحميؿ صيركرة عممية التمايز
كالتماسؾ بيف األفراد داخؿ المجتمعات الحديثة ،إال بعد أف كاف قد اطمع عمى كتاب "تكنيز" الذم كاف قد
نشر بعنكاف "الجماعة المحمية كالمجتمع" ""Gemeinschaft And Gesellschaft
.1.1االستقاللية والتبعية:
في بداية أطركحتو قاـ "دكركايـ" بصياغة إشكاليتو عمى النحك التالي ":لماذا كمما أصبحنا أكثر استقبللية كمما
زاد اعتماد الفرد عمى المجتمع؟ بعبارة أخرل ىؿ المجتمع الذم يتشكؿ مف أفراد متمايزيف عف بعضيـ
البعض أكثر فأكثر ال يزاؿ مجتمعا؟ كاذا كانت اإلجابة بنعـ كيؼ يحدث ذلؾ؟" كفي ذلؾ الحظ" دكركايـ "بأف
الحركتيف :االستقبللية كالتبعية مستمريف عمى نحك متكازم داخؿ المجتمع .كقد قاـ بشرح ذلؾ بالقكؿ بحدكث
تحكؿ في التضامف االجتماعي ،بفعؿ التطكر الدائـ ،كالمعتبر في عممية تقسيـ العمؿ االجتماعي .مما دفع
بو إلى تقديـ تفسيرات مبنية عمى تحميؿ شركط التغير االجتماعي عمى فترة زمنية طكيمة ،أم في االنتقاؿ مف
المجتمع التقميدم إلى المجتمع الحديث ،كبالتالي مف مجتمع يقكـ عمى التضامف اآللي ،إلى مجتمع يقكـ عمى
التضامف العضكم.
19
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-1التضامن اآللي :يرل "دكركايـ" بأف ىذا المفيكـ يحيمنا إلى المجتمعات التقميدية التي نجد بأف األفراد فييا
ال يختمفكف عف بعضيـ البعض إال قميبلن ،فيـ يتقاسمكف نفس المشاعر ،يؤمنكف بنفس المعتقدات ،كبذات
القيـ.
-2التضامن العضوي :كىك الشكؿ المقابؿ ،أك المضاد لمتضامف اآللي .كىك سمة تتميز بيا المجتمعات
الحديثة ،أما ما يخمؽ الرابط االجتماعي في مثؿ ىاتو الحالة ،فيي كقبؿ كؿ شيء تمؾ التبعية المتبادلة بيف
الكظائؼ ،ما يعطي األفراد ميما كاف اختبلفيـ عف بعضيـ البعض مكانة اجتماعية محددة.
إلى جانب ىذيف المفيكميف استخدـ "دكركايـ" مفيكـ الجزء لئلشارة إلى الجماعة االجتماعية ،التي يككف
األفراد فييا مندمجكف اندماجان كميان .كمنو فإف التضامف اآللي يتناسب ،أك يتكافؽ مع بنية اجتماعية ،تتميز
بنظاـ مف األجزاء المتجانسة ،كالمتشابية فيما بينيا.
في حيف أف التضامف العضكم كعمى العكس منو –مف التضامف اآللي -يتشكؿ ليس مف نظاـ مف األجزاء
المتجانسة ،كالمتشابية فيما بينيا ،كلكف مف نظاـ مف األجيزة المختمفة ،حيث لكؿ جياز مف بيف ىذه األجيزة
دك انر خاصان ،كىي األجيزة التي تتشكؿ بدكرىا مف أجزاء مختمفة ( )Paugam. 2008, pp 13,14.أم
كبعبارة أخرل لـ يكف "دكركايـ" الكحيد الذم تناكؿ مكضكع تقسيـ العمؿ ،فقبؿ نشره ألطركحتو ىاتو ،كاف قد
اطمع عمى كتاب عالـ االجتماع األلماني " فيرديناند تكنيز" الصادر سنة 1887تحت عنكاف ":الجماعة
المحمية كالمجتمع" ،بؿ كاف دكركايـ قد نشر حكلو "قراءة نقدية في مجمة الفمسفة كذلؾ سنة "1889أم سنتيف
( )02بعد نشر الكتاب.
كبير في البداية ،فكمييما كانا يبحثاف عف
ا كالحؽ أف التشابو بيف المفكريف أك بيف " تكنيز" ك"دكركايـ" يبدك
إجابة لذات السؤاؿ ،مف خبلؿ محاكلتيما تقديـ تحميؿ بالغ األىمية حكؿ التحكؿ التاريخي لممجتمعات
اإلنسانية.
لقد سعى "تكنيز" في كتابو المذككر آنفا إلى إيجاد تفسير لمفردانية المتصاعدة في العبلقات اإلنسانية ،مف
خبلؿ مقابمة مفيكميف أساسيف ىماGesellschaft :ك ،Gemeinschaftحيث األمر بالنسبة لو يتعمؽ
بدراسة كفيـ التحكالت الحاصمة في الرابط االجتماعي ،كذلؾ مف خبلؿ مقابمتو لجممة حاالت مثؿ المشاعر
العكاطؼ ،التقاليد ،كالعادات كالتي تحيمنا مجمكعيا إلى الجماعة المحمية ""Gemeinschaftمع تمؾ الحاالت
التي تحيمنا إلييا المجتمع ""Gesellschaftكالتي تتميز بأنيا ذات طبيعة فردية باألساس ،كما بالعبلقات
التعاقدية غير الشخصية.
20
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
فبالنسبة ل ػمجماعات المحمية /الجماعة المحمية ""Gemeinschaftنجد باف الناس ترتبط ببعضيا البعض
ارتباطا عضكيا بالرغـ مف انفصاليـ عف بعضيـ البعض .بينما بالنسبة لػممجتمع "Gesellschaftفنجد بأف
الناس منفصمكف عضكيا عف بعضيـ البعض ،بالرغـ مف كؿ الركابط التي تربط بينيـ" .إف كؿ ما ىك ثقة،
حميمي ،كيعيش حصريان ضمف مجمكع يعرؼ عمى أنو الحياة داخؿ الجماعة المحمية" "Gemeinschaftكأما
المجتمع "Gesellschaftفيك ما ىك عمكمي ،إنو العالـ ،فنحف نتكاجد ضمف جماعة مع األىؿ منذ كالدتنا
كمرتبطكف بيا في السراء كالضراء ،أما المجتمع فندخمو مثمما ندخؿ أرضان غريبة"(Paugam,2008, pp .
)15,16,17
كمثمما يقكؿ دكركايـ حتى لك أف المفردتيف األلمانيتيف المتيف أستخدميما "تكينز" المجتمع Gesellschaft
كالجماعة Gemeinschaftغير قابمتيف لمترجمة في تكصيفو لنكعيف مف المجتمع ،كأنيما ليستا بنمطي
التضامف اآللي كالتضامف العضكم ،إال أنو كمع ذؿ نجد بأف مصطمح Gemeinschaftيقترب مف مفيكـ
التضامف اآللي ،في حيف يقترب مصطمح Gesellschaftمف مفيكـ التضامف العضكم.
كالكاقع أف ىذه المقارنة تصبح أكثر تعقيدا عندما نحاكؿ التعمؽ فييا ،ذلؾ أف "تكنيز" كاف قد ميز بيف مفيكـ
اإلرادة العضكية ،كاإلرادة المفكر فييا.
-1االرادة العضوية :أك اإلرادة الرئيسية :ىي ما يعادؿ أك يكافئ سيككلكجيا جسـ اإلنساف ،أك مبدأ كحدة
الحياة ،كىي تمثؿ اتجاىا رئيسيا كغريزيا كعضكيا يكمف كراء النشاط اإلنساني كدافع لو.
-2اإلرادة المفكر فييا :أك اإلرادة التحكيمية :ىي نتاج إلعماؿ الفكر أك منطؽ العقؿ كالتفكير ،حيث يككف
الكاقع الخاص بيا نتاج لمقضية المفكر فييا .أك ىي الشكؿ المتعمد كالقصدم لئلرادة ،الذم يحدد النشاط
اإلنساني بالنظر لممستقبؿ( .تيماشيؼ ،1983،ص ص )155 ،145
ىذا كتتمظير اإلرادة العضكية في المذة ،العادة ،الذاكرة ،كىي تغمؼ التفكير كتحدده ،كتشكؿ مصدر كؿ
محاكلة ،أك كؿ عممية خمؽ .كفي كممة مختصرة تميز اإلرادة العضكية أك اإلرادة الرئيسية الجماعة المحمية
Gemeinschaftكىي تسيطر عمى حياة القركييف كاصحاؼ الحرؼ ،كالعامة مف الناس ،في حيف تككف
اإلرادة المفكر فييا ،اك اإلرادة التحكيمية ،نتاجا لمتفكير الذم يعمؿ عمى قيادة ،كتكجيو القكل الحيكية التي
تنبع مف اإلرادة العضكية .فيي الطابع المميز لنشاط رجاؿ األعماؿ ،كالعمماء ،كالذيف يمارسكف السمطة ،كمف
ينتمكف إلى الطبقة العميا .أم أف ىذا النمط مف اإلرادة يميؿ إلى المجتمع Gesellschaftحيث يكمف دكر
التفكير في الفصؿ ،كالمقابمة بيف األىداؼ كالكسائؿ.
21
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كعميو فإف الرأسمالية بالنسبة إلى "تكنيز" نتاج لغياب الحياة الجماعية المشتركة أك حياة الجماعة ،كاستبداليا
بطرؽ تنظيـ جديدة ،بالقانكف ،كبمبادئ لمحكـ غير تمؾ التي كانت تحكـ الحياة الجماعية المشتركة داخؿ
الجماعة المحمية .ثـ إف تركيب الجماعة المحمية Gemeinschaftيككف عضكيا ،في حيف اف تركيب
المجتمع Gesellschaftيككف آليا ،أك ميكانيكيا.
نفيـ مف ذلؾ أف "دكركايـ" قد أجرل انقبلبا نًمفيميان يترجـ في الكاقع عدـ اتفاؽ عميؽ مع عالـ االجتماع
األلماني "تكنيز" ،كلكف مع اعتراؼ لعممو بقكة في الطرح أك التفكير ،كبقدرة نادرة عمى التركيب.
()Paugam,Le Lien Social,P5.
كعميو فإف "فيرديناد تكنيز" يككف قد قاـ في كتابو المعركؼ "الجماعة كالمجتمع" Society And
Communityبتقسيـ العبلقات االجتماعية إلى نكعيف مختمفيف ككنيما يعتمداف عمى نمكذجيف متباينيف مف
اإلرادة .حيث يتضمف الصنؼ األكؿ اإلرادة الطبيعية أك االرادة العضكية ،في حيف يتضمف الصنؼ الثاني
اإلرادة العقمية أك اإلرادة المفكر فييا .كتبعا لذلؾ تتبايف المجتمعات في صنؼ العبلقات ،كنمط اإلرادة التي
تنظميا ،حيث نجد نكعيف مف المجتمعات تبعا لصنؼ العبلقات كنمط إلرادة التي تنظميا كعميو:
-فالنمط األكؿ مف المجتمعات يعتمد عمى العبلقات التي تعكس اإلدارة العقمية كيطمؽ عمى ىذا الصنؼ
Gesellschaftالمجتمع (.)Société
-أما النمط الثاني مف المجتمعات فيعتمد عمى صنؼ العبلقات التي تعكس اإلرادة الطبيعية ،كيطمؽ عمييا
Gemeinschaftالتي تعني المجتمع المحمي ،أك الجماعة المحمية.
كمنو فإف المجتمع كفؽ رأم "تكنيز" يتميز بػػ:
-العبلقات التعاقدية النفعية.
-الضبط الرسمي الذم يفرض عمى األفراد مف الخارج.
-الممكية الفردية.
في حيف تتميز الجماعة المحمية حسبو بػػ:
-العبلقات الصميمية كالخصكصية.
-كجكد العاطفة بيف أعضائيا كالعبلقات داخؿ األسرة ،القبيمة ،المجتمع الريفي.
-غياب الصراع.
-بركز الكعي الجمعي أك النحف.
-قكاعد الضكابط مطاعة عف رغبة ذات صفة عائمية كركحية تسيطر عمى حياة الجماعة (نابعة مف داخميا)
22
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-الممكية تككف جماعية.
أك أف الجماعة المحمية (المجتمع المحمي) تتصؼ بسيادة الركابط الشخصية الكثيقة ،أك بالعبلقات القرابية
كباأللفة ،كالعاطفة ،كالثبات كبتحديد األدكار .بينما يتصؼ المجتمع الحديث بسيادة العبلقات غير الشخصية
كعبلقات العمؿ التعاقدية ،كجكد العقبلنية ،كظيكر الفردية .ذلؾ أف الجماعة المحمية ،اك المجتمع المحمي
عبارة عف كحدة محدكدة النطاؽ ،تخضع لسمطة الديف ،كالعادات كالتقاليد ،كتسكدىا جممة مف العكاطؼ
كالمشاركات الجمعية( .تيماشيؼ ،1983 ،ص .)155
نفيـ مف ذلؾ أف الرابط االجتماعي داخؿ الجماعة المحمية رابط عاطفي ،كفيو تتجاكز المصمحة العامة
المصمحة الخاصة ،فيك رابط قكم ،يسمح بقياـ التضامف ،كالتعاكف ،كاالنسجاـ ،داخؿ الجماعة ،أك حيث
يسكد الكعي بالنحف ،كيغيب الصراع بيف االفراد .بينما الرابط االجتماعي في المجتمع فيقكـ عمى التعاقد
كالعبلقات غير الشخصية ،أم عمى المصمحة الذاتية أك الفردية مما يؤدم إلى دخكؿ األفراد في تنافس
كصراع فيما بينيـ ،فيك رابط يتجاكز المستكل الشخصي لمعبلقات الفردية الخاصة كيستند إلى الحساب
العقمي ،حيث يبحث كؿ فرد عمى تحقيؽ مصمحتو الشخصية التي يمكف اف تككف عمى حساب مصمحة
اآلخريف داخؿ المجتمع مما يؤدم الى تصاعد ركح الفردانية كاألنانية في المجتمع .أك كأف " تكنيز" يحكـ
عمى الجماعة المحمية بأنيا عنكاف لمجكدة ،لمخير ،كالفضيمة ،في الكقت الذم يعمؿ فيو المجتمع عمى إنتاج
االنحطاط الخمقي ،ذلؾ أف الحسابات تضع حدا لكؿ ما ىك أخبلؽ( .حمدكش ،2009 ،ص .)76مما دفع
ببعض الكتاب إلى كصؼ أفكاره عف التطكر التاريخي عمى أنيا تمثؿ نظرية تراجعية نككصية .إال أف
"تكنيز" كاف قد دافع عف نفسو بإنكار اتخاذه لمثؿ ىذا المكقؼ.
عمكما كأيا كاف األمر ،فإف " تكنيز" يككف قد قدـ اسيامو في حقؿ عمـ االجتماع ،باقتراحو تصنيؼ
الجماعات االجتماعية ،أك المجتمعات :إلى الجماعة المحمية مف جية ،كالمجتمع مف جية أخرل ،كىك
التصنيؼ الذم يمكف مماثمتو ببعض الثنائيات التي طكرت الحقا عمى يد كتاب آخريف ،مف بينيـ" دكركايـ"
الذم قابؿ بدكره بيف التضامف اآللي ،كالتضامف العضكم في المجتمع .كقد استطاع " تكنيز" أف يكشؼ عف
الفارؽ البنيكم في كعي االنتماء بيف كؿ مف الجماعة المحمية ،كالقائـ فييا عمى ركابط القرابة ،حيث يعمؿ
عمى تذكيب األنا كاخضاعيا لسمطة النحف ،كالمجتمع الذم يتأسس كيفترض كجكد االرادات الحرة ،أك عمى
أساس التعاقد الطكعي كالحر ،ككف أف المجتمع الحديث ،مجتمع يقكـ عمى تنظيـ العبلقات ،كالتفاعبلت
االجتماعية بيف مكاطنيف أحرار .كىك الطرح الذم سيسير عميو " دكركايـ" الذم قابؿ بدكره بيف نمطيف مف
المجتمع التقميدم ،أك البسيط ،أك المجتمع الذم يسكده التضامف اآللي ،كالذم يقكـ عمى الركابط الشخصية
23
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الكثيقة ،أك عبلقات القرابة ،كحيث يككف الضمير الجمعي قكيا ،كالمجتمع الحديث ،أك المجتمع الذم يسكده
التضامف العضكم ،كالذم يتصؼ بسيادة العبلقات غير الشخصية ،كبعبلقات العمؿ التعاقدية كحيث يككف
الضمير الجمعي ضعيفا بسبب الفردية( .عماد ،2017 ،ص )118
24
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
المجتمعات الحديثة فيضعؼ الضمير الجمعي ،كيتسع ىامش التفسير الفردم لمممنكعات االجتماعية ،في
الكقت الذم يتقمص دكر الرقابة االجتماعية ،بحيث تبدك كحدة المجتمع أكثر ىشاشة كضعفان.
ىذا كيذىب "دكركايـ" في حديثو عف الضمير الجمعي كتقسيـ العمؿ إلى القكؿ بأف " تقدـ تقسيـ العمؿ يككف
أكثر تعقيدان كبطءا كمما كاف الضمير الجمعي أكثر حيكية كدقة ،كالعكس سيككف التقسيـ االجتماعي لمعمؿ
أكثر سرعة ،أك أقكل كمما تمكف الفرد أف يككف كبسيكلو في انسجاـ أك تناغـ مع كسطو الشخص".
كفي عبارة أخرل فإف ضعؼ الضمير الجمعي ليس فقط بعدا مف أبعاد التضامف العضكم ،كلكنو أيضا شرط
مف شركط تقسيـ العمؿ االجتماعي .كىذا األخير لف يككف ممكنا ،إال إذا تمكف الفرد مف تدبر شؤكنو ،في
استقبللية تامة عف جماعتو .إال أنو كمع ذلؾ يمكف أف يفقد األفراد الذيف يشكمكف المجتمع القدرة عمى التقاط
معنى تكامميـ ،كاالنطكاء بالتالي عمى الذات ،كلذلؾ يشدد "دكركايـ" عمى أىمية األخبلؽ البلئكية كييئة
مكحدة لؤلفراد)Paugam2008,p24( .
جدير بالذكر أػف "دكركايـ" لـ يكتؼ بشرح التضامف اآللي ،كالتضامف العضكم في المجتمع ،فقد ذىب إلى
أبعد مف ذلؾ ،عندما أكد عمى العبلقة القكية بيف التضامف العصكم كالقانكف ،أم كمما كانت العبلقات بيف
أعضاء المجتمع متماسكة ،كمما كاف لمتضامف حظكظ أقكل في أف يككف قكيان .كما يشير إلى أف " عدد ىذه
العبلقات يتناسب بالضركرة مع عدد القكاعد القانكنية التي تعمؿ عمى تحديدىا" .كىي المعاينة التي دفعتو إلى
التمييز بيف نكعيف مف القكاعد القانكنية كذلؾ عمى حسب العقكبات التي ترتبط بيا حيث نجد:
-القانون الردعي :كىك القانكف الذم يعاقب عمى األخطاء كالجرائـ.
-القانون المقيد :كىك القانكف الذم ال يتضمف بالضركرة تعذيبا يمحؽ بالشخص المعني بالعقاب ،فيك ييتـ
بإعادة األمكر إلى نصابيا كتنظيـ التعاكف بيف األفراد.
حيث نجد بأف القانون الردعي :يمس الفرد في شرفو ،ثركتو ،أك حريتو كيؤدم بالتالي إلى حرمانو مف كؿ أك
مف جزء مف ممتمكاتو أك مف مباىج الحياة ،كاألمر ىنا يتعمؽ إذف بقانكف العقكبات ،بينما ييدؼ القانون
المقيد :إلى إعادة العبلقات السابقة عمى الفعؿ المعاقب عميو .كبتعبير آخر ييدؼ إلى تحقيؽ السير العادم
لؤلمكر الحياتية ،فيك يحارب االنحراؼ ،كىنا يمكف أف يتعمؽ األمر بالقانكف المدني ،أك بالقانكف التجارم ،أك
بالقانكف اإلدارم ،بؿ كحتى بالقانكف الدستكرم.
ىذا كالبد مف اإلشارة ىنا إلى أف القانكف الردعي كاف كنا نجده في كافة المجتمعات ،إال أنو مرتبط أكثر
بالمجتمعات التي يسكدىا التضامف اآللي)Paugam, 2008, p 28( .
25
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ذلؾ أف ازدياد العقكبات يكشؼ عف قكة الضمير الجمعي كالزامية فرض احتراـ المحرـ أك الممنكع اجتماعيا.
بينما يتناسب القانكف المقيد مع مجتمعات التضامف العضكم ،الذم يعكس الحاجة إلى التنظيـ القادر عمى
ضماف تكاجد منسؽ ما بيف أعضاء يختمفكف عف بعضيـ البعض داخؿ المجتمع الكاحد .كعميو فالقانكف
المقيد في جكىره قانكف تعاكني ،كىي الصفة التي استعمميا "دكركايـ" في تعريفو ليذا القانكف.
كىكذا فإف تقسيـ العمؿ الذم نبلحظو في المجتمعات الحديثة بالنسبة لدكركايـ ليس عائقان أماـ التضامف ،بؿ
عمى العكس فيك يشكؿ أساس ىذا التضامف كأما الميـ في المسألة كاألكثر أىمية بالنسبة لآلثار التي يتركيا
في المجتمع ليس زيادة اإلنتاج ،كتقسيـ الكظائؼ كلكف في جعؿ ىذه الكظائؼ متضامنة فيما بينيا ،فاألفراد
في مثؿ ىاتو الحالة ليسكا مستقميف عف بعضيـ بؿ كىـ مجبركف عمى التشاكر .ذلؾ أف تقسيـ العمؿ بعيدان
عف تقسيـ الناس بؿ كيعمؿ عمى تدعيـ التكامؿ فيما بينيـ بإجبارىـ عمى التعاكف .فكؿ كاحد يكسب مف
خبلؿ عممو الشعكر بككنو ذك أىمية أك ضركرم لحياة المجمكع ،فداخؿ عبلقة العمؿ يككف بإمكاف األجير
تحقيؽ إشباعات ،كىذه األخيرة مرتبطة في جانب كبير منيا بالحصكؿ عمى اعتراؼ األجراء اآلخريف لو
بإسيامو في النشاط اإلنتاجي.
ىذا كلـ يكتؼ "دكركايـ" بشرح عممية االنتقاؿ مف التضامف اآللي إلى العضكم بؿ كباشر عممية تحميؿ مكممة
ىي اليكـ أساسية في فيـ كدراسة الركابط االجتماعية ،منيا عمى سبيؿ المثاؿ الجزء الذم اىتـ فيو في دراستو
بتقييـ حصة التضامف العضكم في تحقيؽ التماسؾ العاـ داخؿ المجتمع.
فبعد أف برىف عمى تعدد الركابط االجتماعية كتنكعيا في المجتمعات الحديثة كفؽ قانكف ،كباألحرل مبدأ
التكامؿ كالتعاكف بيف األفراد ،تساءؿ حكؿ مدل قكتيا أك كثافتيا ،كقد أجاب بالتأكيد عمى أنيا كعمى الرغـ
مف تعددىا إال أنيا يمكف أف تككف أكثر ىشاشة كضعفان ،األطركحة التي نجدىا اليكـ محؿ نقاش كاسع،
حيث يؤكد العديد مف عمماء االجتماع عمى الطابع االنتقائي ،المرف ،غير اإلكراىي ،كلكف اليش بذات الكقت
ليذه الركابط االجتماعية بؿ كقد يميؿ بعضيـ إلى القكؿ بأف المجتمعات التقميدية كانت محمية أكثر أماـ
القطيعة التي يشيدىا الركابط االجتماعية في مجتمعاتنا الحديثة ،كىي الفكرة التي استطاع دكركايـ أف يبرىف
بشأنيا عمى العكس ،مرتكزة عمى عدة أمثمة امبريقية ،كي يبرىف عمى أف الرابط االجتماعي في المجتمعات
القديمة كاف شديد اليشاشة ،حيث يجرل البقاء عمى الناس ضد رغبتيـ أك رغما عنيـ.
بعبارة أخرل عندما يككف التضامف االجتماعي قائمان عمى اإلكراه أك عمى الكحدة المفكضة سكاء فيما تعمؽ
بالمعتقدات أك بالممارسات فإف اضطراب التنظيـ االجتماعي لف يتأت مف ذىاب أك قدكـ بعض أعضائو
طالما أف ىناؾ أمكنة فارغة يمكف احتبلليا ،بالمقابؿ كعندما يككف تقسيـ العمؿ ىك المبدأ األساسي لمحياة
26
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
االجتماعية فإف إدماج أعضاء جدد يمكف أف يشكه العبلقات التبادلية القائمة ،ما يؤدم إلى أشكاؿ مف
الرفض االجتماعي.
مبلحظة أخيرة يضيفيا دكركايـ كىي احتماؿ كجكد االستثناء فيما يخص القانكف العاـ لمتطكر التدريجي
لتقسيـ العمؿ االجتماعي إذ مف المحتمؿ أف يستمر داخؿ مجتمع التضامف العضكم أجزاء أك خصائص مف
التضامف الميكانيكي .كىي المبلحظة التي يؤكدىا عمماء االجتماع المعاصركف عندما يقكلكف بكجكد مثؿ ىذا
التقاطع ما بيف الركابط االجتماعية التقميدية كالركابط االجتماعية الحديثة في المجتمع الحديث ،بؿ إف القكؿ
يضعؼ الضمير الجمعي كالخكؼ عمى تبلشي القيـ االجتماعية السائدة يؤدم في بعض الحاالت إلى ظيكر
أشكاؿ مف المقاكمة ،كأشكاؿ لمتكامؿ المعمـ عمى شكؿ تجمع محمي ،أك عمى شكؿ تجمع لتجمعات
محمية.)(Paugam, 2008, pp 29-32.أك ما أشار إليو "ر.د .بكتناـ" " "R.D. Putnamبضركرة
التمييز عند تحميؿ الرابط االجتماعي بيف كظيفة كؿ مف bonding:أك البقاء فيما بيننا ،أك rester entre
soitك bridgingأك مد الجسكر ،كالتجسير ،أك .faire le pont
كجممة القكؿ ىك أف األعماؿ العممية الحديثة ،ال تمغي اجتيادات "دكركايـ" في مجاؿ السكسيكلكجيا ،كدراسة
المجتمعات كتطكر تقسيـ العمؿ ،كالعبلقات كالركابط االجتماعية فييا ،بؿ كتؤكد عمى تعقيد المجتمعات
الحديثة .إال أف "دكركايـ" ال يجد نفسو مثبل في تناكؿ "أدـ سميث" لمرابط االجتماعي ،فيك يرل بأف أساس
الرابط االجتماعي تجارم ،كال في تصكر "ركسك" الذم يعتقد في العقد االجتماعي المؤسس سياسيا ،كبالتالي
في الرابط االجتماعي المؤسس سياسيا ،فالرابط االجتماعي عند " دكركايـ" قبؿ كؿ شيء رابطن أخبلقي ،حيث
تعبر األخبلؽ عف القكاعد السابقة عمى العبلقات بيف األفراد الذيف يشكمكف المجتمع ،كما تنص عمى الركابط
األساسية لمتضامف االجتماعي.
كفي عبارة أخرل فإف األخبلؽ عند "دكركايـ" ىي كؿ ما يفرض عمى األفراد القبكؿ بالتبعية المتبادلة
بالتعاكف ،كاالشتراؾ مع اآلخريف كالمثؿ ،كالكاجبات...الخ عمما بأف ىذه األخبلؽ تتطكر ،كبالتالي فيي تحكر
في طبيعة الرابط االجتماعي ،كمنو فاالنتقاؿ مف المجتمعات التقميدية إلى المجتمعات الحديثة ،ال يقضي
عمى الرابط االجتماعي ،ككؿ ما يحدث ىك أف طبيعة ىذا الرابط االجتماعي ىي مف تتطكر ،كتتغير.
)https://www.editions-ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf.
27
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
28
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
إذف يربط ماركس بيف العمؿ كالرابط االجتماعي ،كلذلؾ فمف األىمية بمكاف التمييز بيف مفيكميف مختمييف
لمعمؿ ىما:
-العمل بوصفو نشاط بدني :كىك نشاط يتناسب مع النشاط البيكلكجي لجسـ اإلنساف حيث ينمك التمقائي
لمجسـ.
-العمل بوصفو إنجاز أو تحقيق لمذات :كىك النشاط الذم يدخؿ مف خبللو اإلنساف في عبلقة مع الخارج
أم مع الطبيعة التي يتصارع معيا مف أجؿ خمؽ ما ىك إنساني ،كمع اآلخريف ،أك مع غيره مف الناس
الذيف يقكـ معيـ ،كمف أجميـ بيذا العمؿ أك ىذه الميمة ،لنككف بذلؾ أك في مثؿ ىاتو الحالة عمى حد
تعبير "ىيجؿ" أماـ العمؿ المحرر كالعامؿ المح َّرر.
إف الحديث عف الرابط االجتماعي بكاسطة العمؿ ليس معناه اختزاؿ التفاعبلت االجتماعية في المجتمع ،في
مجرد جممة مف الركابط إلنتاج السمع ،أك الخدمات ،كتبادليا داخؿ الحقؿ االقتصادم .فجماعة مف الناس
تنسج أثناء عممية اإلنتاج عبلقات رمزية ،دينية ،أخبلقية ،بؿ كحتى عبلقات جمالية ،كىي تشكؿ فيما بينيا
اك في مجمكعيا نسيجا أك شبكة لمعالـ المعاش ،كالخاص بأعضاء ىذه الجماعة مف الناس ،كلكف مف دكف
أف نغفؿ بطبيعة الحاؿ عف الرابط السياسي الذم يجعؿ مف ىؤالء الناس أيضا مكاطنيف تابعيف ،أك رعية
ضمف جياز منظـ لمسمطة داخؿ المجتمع.
إف التطكر التاريخي الحاصؿ في حياة البشر كالمجتمعات قد جعؿ مف العمؿ سمعة تباع كتشترل عمى حد
قكؿ ماركس .بؿ كأصبح بيع قكة العمؿ قاعدة العبلقة الطبيعية في المجتمعات الرأسمالية ،أك الطبقية عمى
العمكـ ،حيث يأخذ العمؿ شكؿ السمعة ،كحيث تحمؿ قكة العمؿ طابعان مزدكجان ،إذ يتـ صرفيا في أنشطة
مممكسة ضمف سياقات لمتعاكف مف جية ،كمف جية أخرل باعتبارىا خدمة مجردة ،لسيركرة عمؿ منظـ
تحديدا بيدؼ الحصكؿ عمى فائدة ،أك عمى منفعة .لكف كبما أف قكة العمؿ ىاتو مرتبطة بفرد تابع ،فإنو ال
يمكف فصميا عف صاحبيا أك عف مالكيا ،كبالتالي فمف الكىـ التفكير في أنيا يمكف أف تككف سمعة عادية
مثميا مثؿ بقية السمع التي تباع كتشترل في السكؽ .زد عمى ذلؾ أف عبلقة العمؿ في المجتمع الطبقي ،بما
فييا المجتمع الرأسمالي تتحكؿ إلى عبلقة ىيمنة مف ناحية ،كعبلقة تبعية مف ناحية أخرل.
بعبارة أخرل إذا كانت الكضعية ترل بأف النظاـ االجتماعي القائـ يتأكد بكاممو ،إف ىك امتمؾ اتفاقان قيميان
كاضحان ،يضـ أجراءه في كؿ متماسؾ ،حيث تمعب الركابط االجتماعية عمى تعددىا ،كتنكعيا دك انر محكريان في
تحقيؽ ،كالحفاظ عمى االنسجاـ ،كالتماسؾ االجتماعي ،كمف ثـ ترسيخ نطاؽ الضبط االجتماعي مف خبلؿ
الضبط ،كالسيطرة ،فإف ماركس يرل بأف التناقض ،كالصراع في المجتمع ،ىما الطريؽ الفعمي إلى تحقيؽ
29
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
االنسجاـ كالتكامؿ بالنسبة لمنسؽ .فالنسؽ ىنا ليس سكل نضاؿ سياسي متناقض بيف الجماعات االجتماعية
ذات األىداؼ كالنظرة المتناقضة لمعالـ.
أم أف " كارؿ ماركس" عمى عكس الكضعييف كالمنظريف الكبلسيكييف ال يرل في تقسـ العمؿ عمى أنو تبادؿ
لممنافع بيف األفراد داخؿ المجتمع ككنو يدرؾ تقسيـ العمؿ مف الداخؿ ،أك مف خبلؿ تحميؿ البناء الداخمي
لمكحدة األساسية لمنسؽ ،حيث يدرؾ أف ىناؾ صراع داخمي لممصالح داخؿ الكحدة األساسية لمنسؽ ،كىك
الصراع الذم يمتد إلى خارجيا ،أم إلى النسؽ االجتماعي ليصبح صراعا طبقيا يشتمؿ عمى عدد مف
عبلقات القكة بيف الطبقات االجتماعية المتصارعة .كضمف ىذا المسعى رفض ماركس كجية نظر أصحاب
النفعية االقتصادية الذ يف أركا بأنانية الفرد كحالة مبدئية تسبؽ النسؽ الكمي أك النظاـ االجتماعي ،مؤكدا عمى
اف البشر أصبحكا فردييف مف خبلؿ عممية لمتاريخ ،أدت لظيكر المجتمع الطبقي( .ليمة ،1983 ،ص
ص.)298،297 ،296
.1الطبقات االجتماعية األساسية وغير األساسية:
يتحدث "كارؿ ماركس" عف الطبقات األساسية ليصؼ تمؾ الطبقات التي تتكاجد في قمب الصراع بيف عبلقات
اإلنتاج كالتي يعطييا اىتمامان خاصان مثؿ (األسياد/العبيد/البرجكازية/البركليتارية في نظاـ اإلنتاج ال أرسمالي).
إال أنو عندما يتبنى مقارنة أكثر تاريخية كأكثر سياسية لممجتمعات نبلحظ بأف تحميمو يصبح أكثر تعقيدان مما
قد يبدك أك نقرأه في بياف الحزب الشيكعي ،حيث يصؼ عالمان ذا ثنائية قطبية يتشكؿ مف طبقتيف متناقضتيف
كمتصارعتيف ىما الطبقة البرجكازية كالطبقة البركليتارية.
كبالفعؿ يسعى "ماركس" إلى فيـ الرابط االجتماعي القكم نكعان ما ،القائـ ضمف كؿ جماعة اجتماعية ،كىك
ما أدل بو إلى التعرؼ عمى مجمكعات اجتماعية أخرل مثؿ الطبقات غير األساسية حيث نجد:
-الفالحين الصغار :كيعدىـ "جميك انر" أكثر مف ككنيـ طبقة ،فيـ يعيشكف منعزليف عف بعضيـ غير قادريف
عمى تشكيؿ تصكر ،أك رؤية خاصة بيـ حكؿ المجتمع ،كىـ كفئة اجتماعية يخنقيـ الريع العقارم كيحتاجكف
إلى منقذ خارجي يساعدىـ عمى التحرر مف سيطرة األرستقراطية العقارية .كالكاقع أنو ال يكجد بيف الفبلحيف
الصغار سكل رابط محمي ،كتشابو مصالحيـ ال يجعؿ منيـ بالضركرة جماعة متحدة ،كما ال يخمؽ بينيـ أم
رابط كطني ،كال حتى أم تنظيـ حزبي ،أك سياسي.
-البورجوازية الصغيرة :كتتشكؿ مف الحرفيف الصغار ،كمف التجار الصغار ،ىؤالء الذيف تشكؿ الديكف
كالضرائب تيديدان ليـ مما يدفعيـ إلى البحث عف نصير أك حميؼ ليـ.
30
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-الموظفون :كىؤالء مف مصمحتيـ تطكر الدكلة كالضرائب ،ال ييتمكف سكل بسيرتيـ كتطكرىـ الميني
كيعارضكف كؿ مف يعيشكف مف نشاطيـ الخاص.
-الطبقة العاممة :كىي الطبقة القادرة عمى كعي ثكرم ،إال أف عماؿ صناعات المككس يختمفكف جدا عف
بركليتاريا الصناعات ،أك عف العماؿ الحرفييف في األرياؼ.
-البرجوازية :كىي ذاتيا منقسمة إلى ثبلث فئات متنافسة :برجكازية صناعية ،كبرجكازية تجارية ال يمكف
أف تصؿ إلى السمطة إال إذا تطكرت الببلد ،كتحكلت مف برجكازية تجارية إلى برجكازية صناعية ،ثـ برجكازية
مالية :مف مصمحتيا االستدانة مف الدكلة التي تسمح ليا بالعيش مف ريكعيا التي تحصؿ عمييا مف
المضاربة.
-البرجوازية العقارية :كىي البرجكازية المييمنة في األرياؼ كتستغؿ الفبلحيف( .ليمة ،1983 ،ص )298
نفيـ مما تقدـ أف الرابط االجتماعي ليس معطى طبيعي ،أك ليس مجرد عممية لقسيـ العمؿ االجتماعي مثمما
ذىب إليو "دكركايـ" .بمعنى أف الرابط االجتماعي مكضكع اختبلؼ حكؿ ما يمكف نعتو بالعالـ المشترؾ الذم
ىك محؿ خبلؼ بيف األطراؼ ،الطبقات ،الجماعات ،كالفئات االجتماعية المختمفة ،المتباينة كالمتناقضة
المصالح ،كالرؤل ،كالتكجيات .ككمثاؿ حي عمى ىذا االنقساـ الحاصؿ داخؿ المجتمع ،يمكف أف ننظر عمى
إلى تاريخ بعض الحركات االجتماعية ،التي تباينت مكاقفيا في فترات تاريخية مختمفة ،بالرغـ مما يجمع فيما
بينيا كمنيا عمى سبيؿ الحصر :الحركات العمالية ،الحركات التحررية ،كالحركة النسكية ،بؿ كيمكف أف
نصيؼ إلييـ مؤخ انر فئة البطاليف ،كالميمشيف عمكمان ،ىؤالء الذيف يمكف َّ
عدىـ ضمف نتاج ال تساكؽ ،أكال
تماثؿ اجتماعي ،كفيو يحقؽ بعض األشخاص مصمحتيـ عمى حساب أشخاص آخريف ،أك حيث تكجد تقكـ
العبلقة بيف شقاء الفقراء ،كأنانية األغنياء.
إف تقسيـ العمؿ االجتماعي كعمى ىذا النحك ،كعمى خبلؼ ما ذىب إليو "دكركايـ" عمى أنو تبادؿ بيف األفراد
كتحقؽ التكامؿ بينيـ ،يصبح صراعان بيف المصالح .لذلؾ يقكؿ "ماركس" مف المغك أف ندرؾ المجتمع البشرم
كما لك أنو كجد أصبلن في ظركؼ تتميز بانعزاؿ األفراد ،ففي التاريخ اجتمع الناس كي يشكمكا مجتمعا مف
خبلؿ شكؿ مف أشكاؿ االتفاؽ التعاقدم .حيث كؿ أنكاع نظـ اإلنتاج تنتج مجمكعة محددة مف العبلقات
االجتماعية الكائنة بيف األفراد المشتركيف في العممية اإلنتاجية .فاألفراد ببساطة ال ينتجكف كأفراد ،كانما
كأعضاء في شكؿ مجتمع َّ
محدد ،كىـ ينتجكف عف طريؽ التعاكف بأسمكب معيف كمف أجؿ أف ينتجكا يدخمكف
في عبلقات كاتصاالت َّ
محددة كؿ باآلخر( .ليمة ،1983 ،صص)300 ،299
31
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
لذلؾ ف إف تقسيـ العمؿ مف كجية النظر الماركسية ليس مجرد تكزيع لمكظائؼ التعاكنية ،كلكنو عمى العكس
مف ذلؾ ،فيك يعبر عف نسؽ مف البلمساكاة البنائية ،فيذه الكظائؼ يؤدييا الناس كقد انتظمكا في ترتيب
طبقي محدد تتبايف فيو درجات القكة ،كالثركة ،كالقكة ،كالييبة االجتماعية .فكراء إنتاج كؿ سمعة في النظاـ
الرأسمالي تختفي مجمكعة مف العبلقات االجتماعية مثؿ تقسيـ العمؿ ،االستغبلؿ ،كالصراع الطبقي( .محمد
عمي ،1985 ،ص .)191
32
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
لؤلفعاؿ غير العقمية الذم تصدر عمى شخص انتابتو حالة غضب .فيذه المعاني جميعا يمكف أف ندركيا
ألننا عمى كعي بالمقاصد الذاتية التي ترتبط باألفعاؿ المماثمة التي تصدر عنا( .تيماشيؼ ،1983 ،ص
)262
-الصور الثانية :كتتعمؽ بفيـ الكاقع .فنحف عمى سبيؿ المثاؿ :نستطيع أف نعيد إلى أنفسنا التبرير الذم
يقدمو الفاعؿ لسمككو .أما إذا كاف السمكؾ الصادر فعبل غير عقمي ،فإننا نستطيع مف خبلؿ المشاركة
التعاطفية ،أك التقمص الكجداني ،أف نفيـ السياؽ العاطفي الذم تـ بداخمو الفعؿ( .تيماشيؼ ،1983 ،ص
)263
ىذا كيعترؼ "فيبر" بأف الفاعؿ قد ال يستطيع أف يككف عمى كعي كامؿ ببعض ضركب السمكؾ .كالكاقع أف
عدـ القدرة عمى إدراؾ المعنى تككف أكثر كضكحان ،حينما يككف السمكؾ تقميديان خاضعان لمعادات االجتماعية
كالعرؼ ،أك حينما يككف السمكؾ كجدانيان أك عاطفيان تحدده االنفعاالت( .تيماشيؼ ،1983 ،ص .)266
كعميو فدراسة الفعؿ االجتماعي تتطمب كجكد أداة منيجية ،كىي األداة التي أطمؽ عمييا " فيبر" تسمية
النمكذج المثالي .أم أف النمكذج ىك األداة ،أك الكسيمة لتحميؿ األحداث التاريخية المممكسة كالمكاقؼ.
كاذ نحاكؿ ىنا التعرؼ عمى أفكار" فيبر" كتحديدا تصكره لمرابط االجتماعي ،فقد كجب المركر بمفكر فذ آخر
كاف سبقو إلى طرح تصكره حكؿ المكضكع ،أال كىك "تكنيز" كالذم كاف بدكره عالـ اجتماع ألماني ،ككاف أكؿ
مف قابؿ بيف الجماعة أك الجماعة المحمية كالمجتمع ،عندما طكر فكرتو األساسية التي تقكؿ بأنو بانتقاؿ
المجتمعات إلى المرحمة الصناعية ،فإف ركابط الجماعة المحمية أك الركابط "المشخصنة" القائمة عمى رابطة
الدـ ،العاطفة ،االحتراـ المتبادؿ ،القبكؿ بالعادات ،كالتقاليد ،كبالقيـ األخبلقية المشتركة ضمف كحدات صغيرة
غير ممتدة كالعائمة القرية ،المدينة الصغيرة ،تأخذ في التبلشي شيئان فشيئان ،أك بالتدريج ،لصالح ركابط أخرل
كىي ركابط غير شخصية ،كسطحية .ركابط تقكـ عمى العقبلنية ،عمى النفعية ،كعمى المصمحة الفردية ،أك
عمى الفائدة الشخصية ،كالحساب األناني.
كبعيدان عف تقديـ "تكنيز" لفكائد المقارنة بيف الجماعة المحمية كالمجتمع ،فإنو يمكف القكؿ بأف القيمة األساسية
لعممو ،تكمف في أنو قد عمد أيضا إلى ببناء نماذج مثالية ،أال كىي :الجماعة المحمية ،كالمجتمع .كىكذا
نجد باف مفيكـ الجماعة المحمية :Communautéيتميز بكحدة مطمقة ،ال تسمح ببركز التمايزات بيف
األجزاء ،كبانسجاـ جماعي ناتج عف اتفاؽ تمقائي بيف الضمائر ،أم ليس عف اتفاؽ مسبؽ جرل التفاكض
حكلو ،أم بجممة مف الذكريات ،كاالىتمامات ،التي تخص حياة الجماعة المضبكطة ،ليس باإلرادات الفردية
كانما بكاسطة العادات كالتقاليد.
33
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كفي مقابؿ الجماعة المحمية نجد المجتمع ،حيث األفراد في الغالب مختمفكف ،متمايزكف ،كمنفصمكف عف
بعضيـ البعض ،كحيث تتفكؽ األجزاء عمى الكؿ .فكؿ كاحد مف األفراد يعمؿ لمصمحتو ،كىك في حالة مف
العداء مع اآلخر في المجتمع ،حيث تككف اآلراء فردية ،أك مفكر فييا بحرية ،بحيث ينيرىا العمـ الذم َّ
حؿ
محؿ الرابط االجتماعي المستقر ،الذم قاـ داخؿ الجماعة المحمية بفضؿ المعتقدات ،كالذم كاف يعمؿ تحت
قكة اك سمطة األعراؼ كالتقاليد.
كفي عبارة أخرل ،فإننا نعثر لدل ىذيف االثنيف ،أم عند "ماكس فيبر" كما عند "تكنيز" عمى ىذه المقابمة بيف
ىذيف النمكذجيف المثالييف:
-فػ "تكنيز مثبل :يقابؿ بيف نمكذج الجماعة المحمية ،أك المجتمع المحمي ( )Gemeinschaftكنمكذج
المجتمع الكبير ).(Gesellschaft
-في حيف يقابؿ "فيبر" بيف نمكذج الجتمعة ،أك المجتمع الحديث ( )Vergesellschaftungكنمكذج
المجتمع المحمي ،أك المجتمع التقميدم (.)Vergemeinschaftung
لكف كمع ذلؾ ،فإف ىذيف النمكذجيف ،أك ىذه المفاىيـ المستخدمة مف قبؿ كؿ مف" تكنيز" ك" فيبر" ليست
متطابقة تماما .فػ "ماكس فيبر" يقابؿ بيف نمكذجيف مف المجتمعات ىما :المجتمعات التقميدية ،كالمجتمعات
الحديثة ،أم ليس بيف "الجماعة المحمية" ك"المجتمع" مثمما ىي الحاؿ عند " تكنيز".
لقد سعى "ماكس فيبر" إلى فيـ العبلقات االجتماعية باعتبارىا تفاعبلت اجتماعية بيف األفراد .كىك في ذلؾ
يرل بأنو بالنسبة لعمـ االجتماع ،فإف " المجمكع الداؿ عمى النشاط ىك مف يشكؿ مكضكع الفيـ أك اإلدراؾ".
بمعنى أف "ماكس فيبر" كاف يبحث عف تحقيؽ فيـ لممعنى المقصكد مف النشاط االجتماعي ،كلذلؾ كاف قد
ميز بيف أربعة ( )04أنماط عامة لتكجيو السمكؾ اإلنساني أك األفعاؿ االجتماعية ىي:
-1النمط المثالي لمفعل الموجو بأىداف عقال نية.
-2النمط المثالي لمفعل الموجو بالقيم.
-3النمط المثالي لمفعل الموجو بالعواطف.
-4النمط المثالي لمفعل الموجو بالتقاليد.
عمما بأف "فيبر" كاف قد تحدث عف كجكد فعؿ اجتماعي يمكف أف يكجو بعدد مف الدكافع أك البكاعث بذات الكقت.
أم بالدافع العقمي ،كالقيمي ،كالعاطفي ،كالتقميدم .كما قاؿ بكجكد ثبلثة أنماط أساسية مف الفعؿ االجتماعي تميز
المجتمعات التقميدية ،حيث يخضع كؿ كاحد مف أنماط ىذه األفعاؿ لممنطؽ الخاص بو .كأما ىذه األفعاؿ فيي
عمى النحك التالي:
34
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-الفعل التقميدي :كيكمف في احتراـ األفراد لمعادات كالتقاليد دكف التساؤؿ حكؿ الغاية النيائية ليذا الفعؿ.
-الفعل العاطفي :كىك عبارة عف رد فعؿ يكصؼ أحيانا الغريزم.
-الفعل العقالني الموجو بالقيم :كمنيا عمى سبيؿ المثاؿ سمكؾ رباف السفينة في حالة تعرضيا لمغرؽ ،أك
ما نسميو بالتضحية بالنفس مف أجؿ اآلخريف.
في حيف يتميز المجتمع الحديث بمنطؽ رابع ،أال كىك العقالنية الموجية بأىداف ،كالتي تحؿ إلى حد ما
محؿ أنماط الفعؿ الثبلثة التي تميز المجتمعات التقميدية .حيث يقكـ األفراد باختيار أىدافيـ ،كالكسائؿ األكثر
فعالية في الكصكؿ إلى تمؾ األىداؼ(Montoussé, et autre,2002, p 36).
كعمكما "الجتمعة" عند "فيبر" عبارة عف عبلقة اجتماعية عقبلنية ،كىي تعرؼ مف خبلؿ نمكذج النشاط
االجتماعي القائـ عمى اتفاؽ حكؿ المصالح المدفكعة أك المكجية بشكؿ عقبلني سكاء مف حيث القيمية أك
اليدؼ ،أك عف طريؽ تنسيؽ المصالح المكجية أيضا بذات الكيفية.
كعميو فػ "الجتمعة" :يمكف أف تقكـ ليس فقط نتيجة تفاىـ ،أك تكافؽ ،كأما االقتصاد فيككف مجاال لمنشاط
العقبلني ،كبالتالي فإف الجتمعة تكجد عمى الطرؼ النقيض مف الجماعة المحمية ،التي ىي عبارة عف عبلقة
اجتماعية غير عقبلنية .فتنظيـ النشاط بالنسبة ليا– الجماعة المحمية -يقكـ عمى العاطفة ،أك عمى الشعكر
الذاتي لممشاركيف فيو باالنتماء إلى الجماعة المحمية ،فيي كقبؿ كؿ شيء ،عبلقة اجتماعية ترتكز عمى
شكؿ معيف لضمير الجماعة المحمية ،حيث الشعكر الذاتي لؤلفراد باالنتماء إلى جماعة معينة.
أم بمعنى أف الجماعة محمية :يمكف أف تتأسس عمى أم نكع مف األسس العاطفية أك التقميدية .كػ :جماعة
األخكة ،جماعة األمة ،جماعة األصدقاء ،ثـ جماعة العائمة التي تمثؿ النمط األكثر مبلءمة فييا .كعميو
فالجماعة المحمية سكاء كانت ممثمة في العائمة ،أك في األمة ،تغطي في الكاقع أشكاال متعددة كمختمفة مف
الجماعات ،كىي تبدأ مف جماعة العائمة ،كصكال إلى جماعة األمة.
لكف كمع ذلؾ يعترؼ " فيبر" يعترؼ بأننا بأف معظـ العبلقات االجتماعية في الكاقع تجمع بيف خصائص
الجماعة المحمية كخصائص المجتمع.
كباختصار فإف "ماكس فيبر" يككف قد اعتنى بفيـ الفعؿ المتبادؿ التأثير ،كالذم يمارسو كؿ فرد عمى غيره
مف األفراد .أم بالفعؿ المكجو بجممة مف الدكافع المختمفة :عقبلنية مقصكدة ،عاطفية ،قيمية ،تقميدية ،مما
يجعؿ األفعاؿ المختمفة ،كالمتباينة ،تساىـ عمى نحك معيف ،في تكحيد األفراد ،كالجماعات ،داخؿ المجتمع
ككؿ .كاذ اىتـ "ماكس فيبر" بدراسة األفعاؿ االجتماعية ،مثمما الجماعة المحمية ،كالمجتمع ،فإنو يككف كعمى
35
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ىذا النحك قد اىتـ بدكره بدراسة فيـ الرابط االجتماعي ،أك ربما بما يخمؽ ىذا الرابط االجتماعي ،كيعمؿ عمى
*
استم ارره ،كبالتالي استمرار المجتمع.
كمنو فإف صبلبة الجماعة المحمية تككف بفعؿ القكة الداخمية لمرابط االجتماعي ،التمقائي المدعـ بالتقاليد ،في
حيف تأتي ىشاشة أك ضعؼ المجتمع نتيجة الفردانية ،كالتكجو نحك تفتيت ،أك تفكيؾ الرابط االجتماعي الذم
ال يستطيع الحفاظ عمى ذاتو ،إال بصكرة اصطناعية ،أك نتيجة اإلكراه .كىك الطرح الذم عمؿ "دكركايـ" عمى
تطكيره في أطركحتو حكؿ التقسيـ االجتماعي لمعمؿ ،عندما تحدث عف التضامف اآللي في المجتمعات
التقميدية ،كالتضامف العضكم في المجتمعات الحديثة(Patez,1997, pp 53-56).
لقد نيؿ "ماكس فيبر " حقيقة مف طرح " تكنيز" كاف كاف قد حذر مف أم حكـ مسبؽ يتعمؽ باستصدار حكـ
قيمي حكؿ طبيعة العبلقات االجتماعية سكاء تعمؽ األمر ب ػ الجماعة المحمية أك بػ المجتمع ،كمف أف يتـ
تقديـ النشاط االجتماعي القائـ عمى العاطفة ،أك عمى الشعكر الذاتي باالنتماء إلى جماعة ما مثبل (قرية،
الجكار العمؿ ،جمعية) ،عمى أنو منحى رجعي لرفض الحداثة ،أك باعتباره رد فعؿ منقذ أماـ العبلقات
االجتماعية الفاقدة لئلنسانية التي تميز تطكر المجتمعات الحديثة .فما نبلحظو كببساطة ىك أف مكضكع ،أك
جكىر الحياة االجتماعية المشترؾ ،إنما يتـ ربطو عمى الدكاـ ،كباستمرار ،بتطكر العبلقات االجتماعية القائمة
عمى اتفاؽ بيف المصالح الفردية داخؿ المجتمعات األكثر تطك ار ،سكاء تعمؽ األمر فييا بالفعؿ العاطفي ،أك
بالفعؿ العقبلني.
يبقى التنبيو ىنا إلى أف الرابط االجتماعي كاحد مف بيف العكامؿ البنائية األساسية في تحقيؽ التماسؾ
االجتماعي ،cohésion socialeكىك إف كاف يشكؿ معطا ضركريا في ذلؾ ،فإنو يظؿ غير كاؼ لتحقيقو
ذلؾ أف التماسؾ االجتماعي يجند عكامؿ أخرل غير الرابط االجتماعي ،كالتجانس homogénéitéالثقافي
أك السكسيك-اقتصادم ،االنصاؼ ،العدؿ ،l’équitéنبذ كمحاربة التمييز العنصرم ،بؿ كبشكؿ مركزم
حاجتو الماسة إلى المؤسسات التي تقكـ عمييا الدكلة االجتماعية.
كلذلؾ كانت قد ظيرت العكدة إلى الحديث كبقكة عف مكضكع التماسؾ االجتماعي في ثمانينات ،كتسعينات
القرف الماضي تحديدا ،أم في سياؽ تطكر تاريخي خاص جدا ،ارتبط بتكسع العكلمة االقتصادية ،المالية أم
مع تصاعد المنافسة ،كالدعكة إلى إعادة الييكمة التي عرفتيا تمؾ الفترة مف القرف الماضي ،الفترة التي شيدت
*يعرؼ ماكس فيبر العبلقة االجتماعية :كسمكؾ لعد مف األفراد باعتبارىـ كذلؾ ،مف خبلؿ محتكاىا الداؿ /ذم داللة /المعنى
حيث ينتظـ سمكؾ بعضيـ عمى سمكؾ اآلخريف كيكجو عمى ذلؾ األساس.
" L’ententeمدفكعة عقبلنيا بالقيمة (االحتراـ كااللتزاـ) كبالغاية (تحقيؽ أقصى المنافع) بافتراض أف األخر يستخدـ عقبلنيتو.
36
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
بالفعؿ ظيكر النتائج األكلى ،أك االنعكاسات االجتماعية ،االقتصادية ،كالسياسية لظاىرة العكلمة كالصعكبات
التي كانت قد كاجيتيا آنذاؾ ،دكلة الرفاه في مجابيتيا.
ىذا كالى جانب مسألة التماسؾ االجتماعي ،فإف مسألة الكحدة االجتماعية كضماف استمرارىا في المجتمعات
تطرح نفسيا اليكـ بشكؿ حاد ،بما فييا التعرؼ عمى األشكاؿ أك العناصر التي تسمح بتشكؿ أك ببناء
كاسمرار مجتمع ما .ذلؾ أف تعريفات التماسؾ االجتماعي تأخذ أيضا بعيف االعتبار لعبة التمثبلت التي
يشكميا مجتمعا ما عف ذاتو ،فالطريقة التي تنظر بيا المجتمعات لمتماسؾ االجتماعي ،مرتبطة ارتباطا كثيقا
بالترجمة التي يمكف أف يتبناىا حكؿ النظاـ االجتماعي ،أك باعتباره نتاجا لمتنشئة ،أك لممبادرة الفردية
كالخاصة ،أك كنتاج لعمؿ المؤسسات ك/أك عمؿ الفعؿ الديمقراطي الجماعي الناجز.
()https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00570010/document
كصفك القكؿ ىنا ىك أف "ماكس فيبر" قد فيـ الرابط االجتماعي مف خبلؿ تناكلو لممجتمع األكركبي القائـ
عمى التطكر ،كالعقبلنية كيدؼ كغاية نيائية .حيث تترجـ عقمنة النشاط االجتماعي في أشكاؿ العيش معا أك
المشترؾ ،كعمى نحك خاص في طرؽ تنظيـ المدف ،ككنيا تعبر عف التحكؿ ،كعف االنتقاؿ مف العاطفي
كالركحي إلى العمـ كالعبلقات العقبلنية في المجتمع.
37
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كلكف ليس بالمعنى الشائع اليكـ لمتنشئة االجتماعية ،كانما التنشئة بمعنى الجتمعة .كبالنسبة لو فإف الجتمعة
تتضمف دائما التأثير المتبادؿ لؤلفراد عمى بعضيـ البعض ،كعميو فبل كجكد لجتمعة جامدة اك ثابتة ،ألم أف
الجتمعة دائما كأبدا شيء ديناميكي.
كضمف ىذا التكجو في الفيـ ،يعتقد "زيمؿ" بأف عمى الخطاب السكسيكلكجي يميز في الطرح بيف مفيكميف
متمايزيف :أم بيف مفيكـ المضمون أك مضمكف الجتمعة ،كالشكل أك شكؿ ىذه الجتمعة .حيث يعرؼ
مضمون الجتمعة عمى أنو" كؿ ما يحرؾ الفرد مف مصمحة ،غريزة ،أىداؼ ،اتجاىات ،كميكالت ،مثمما
الحالة ،كالحركة السيككلكجية التي يمكف أف ينجر عنيا تأثي ار عمى اآلخر ،أك الحصكؿ عمى رد فعؿ يأتينا
مف اآلخر" .بمعنى أف مضمون الجتمعة ىك كؿ ما يدفع بالفرد إلى الدخكؿ في عممية تفاعؿ مع غيره مف
األفراد اآلخريف .كعميو فإف مضمكف الجتمعة يتحقؽ في شكؿ معيف ،كعميو يقكؿ "زيمؿ" إف المضمون–
مضمكف الجتمعة -ىك مادة ىاتو الجتمعة ،كىي بذاتيا الشكل الذم يأخذه الفعؿ المتبادؿ ،الذم يمنحو
المضمون وجودا .فػالشكل أم شكؿ الجتمعة بالنسبة لػ "زيمؿ" ىك ":صيغة التفاعؿ كطريقتو كىيئتو األدائية
كاالنجازية " .ككذلؾ األمر بالنسبة لدراستو حكؿ النقكد ،حيث يرل فييا الكسيمة ،أك المادة ،أك المثاؿ الحي
لتقديـ العبلقات القائمة ،بيف الظكاىر األكثر خارجية ،األكثر كاقعية ،كاألكثر صدفة ،زيادة عمى اإلمكانيات
أك القدرات األكثر مثالية لمكجكد مف جية ،بما فييا االتجاىات األكثر عمقا لمحياة الفردية ،كلمتاريخ بالمعنى
اإلجمالي مف جية أخرل .بحيث يمكننا تمخيص ذلؾ برسـ خط ينطمؽ مف سطح األحداث كالكقائع
االقتصادية ،ليقكدنا إلى القيـ كالدالالت أك المعاني الكامنة كراء كؿ ما ىك إنساني.
() https://en.wikipedia.org/wiki/Georg_Simmel
فالنقكد مثميا مثؿ األشكاؿ األخرل في المجتمع تككف قد استقمت عف األفراد كطكرت قكانينيا الخاصة
تأثير متزايدا عمى مضمكف
ا كمجاليا الخاص أال كىك االقتصاد .فقد أصبحت غاية في ذاتيا ،كىي تمارس
المجتمع ،كعمى الطريقة التي يفكر بيا كيتصكر العالـ بكجو خاص .فالمشاعر كالرغبات تنمحي أماـ الحساب
العقبلني كالبحث عف الفكائد .كما يتعكد الفرد عمى قياس كؿ شيء ،كيجبر نفسو عمى البحث عما ىك
المكضكعي.
كبما أف النقكد تحكلت إلى ىدؼ لمنشاط اإلنساني فقد أصبحت مصد ار لمفساد ،كأداة إلضعاؼ القيـ .كلف
يفمت مف فعؿ ىذا التآكؿ سكل بعض المؤسسات عمى غرار :العائمة كاألمة .لقد حرر الماؿ نفسو مف األفراد
الذيف خمقكه بغرض اشباع حاجتيـ لبلجتماع ،كحكليـ بالمقابؿ يقكؿ "زيمؿ" .بمعنى أف االقتصاد يمارس
تأثيره عمى األفراد ،كلكف ليس بالمعنى الذم ذىب إليو " ماركس" الذم كاف يرل في االقتصاد البنية التحتية
38
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
لممجتمع ،كلكنو االقتصاد الذم يتأسس عمى سيككلكجيا األفراد (Montoussé,2002, p39).كعميو فإف
النقكد كأداة لمتبادؿ التجارم كالنمك االقتصادم تسجف األفراد ضمف عبلقات اجتماعية ىشة ،كمع تزايد ىذا
النمط مف التفاعؿ االقتصادم يتقمص الرابط االجتماعي بشكؿ ممحكظ كمتزايد حيث تتحكؿ العبلقة
االجتماعية إلى مجرد عبلقة شخص/نقكد /شخص ،عبلقة خاضعة لبلستراتيجيات كالحسابات الفردية .كىذا
الميؿ الثابت لتشيؤ الرابط االجتماعي سمة قارة لممجتمع الحديث ،أك ىك يقع في قمب االستراتيجية الثقافية
لمحداثة.
نفيـ مما تقدـ بأف عمـ االجتماع عند "زيمؿ" ال يدرس الفرد عمى في َّ
حد ذاتو مثمما ىك الشأف عند "ماكس
فيبر" كال المجتمع كما ىي الحاؿ عند "إميؿ دكركايـ" كلكف يدرس العالقة التفاعمية بيف الفرد كالمجتمع .أم
أنو ييتـ بدراسة التفاعؿ بيف األفراد في الحياة المجتمعية ،بمعنى دراسة الروابط كمختمؼ التفاعبلت
كالعبلقات التكاصمية التي تنشأ بيف األفراد ،كفيـ معنى ىذه التفاعبلت ،كتأكيميا .كىك ما يمكف قراءتو في
نص صغير كاف قد نشره سنة 1909كظؿ شيي ار بعنكاف :الباب كالجسر حيث قدـ تحميبل احيائيا لمحيية
االجتماعية .فيك يرل بأف الحياة االجتماعية حركة ال تتكقؼ العبلقات بيف االفراد مف خبلليا عف تعديؿ
بعضيا البعض .كىذه العبلقات عمى شاكمة الجسر الذم يربط كالباب الذم يفصؿ .فيي عبلمات لميكالت
متضاربة مثمما يقكؿ نحك التماسؾ كالتبعثر( .كاباف ،2010 ،ص ص)72،74 ،
ىذا كقد ركز "زيمؿ" في كتابو "عمم االجتماع" المنشكر سنة 1908عمى دراسة األفعاؿ المتبادلة بيف
مجمكعة مف األفراد .أم أف عمى السكسيكلكجي القياـ بمبلحظة الروابط ،كالعبلقات التي تندرج ضمف التفاعؿ
االجتماعي الحي ،كالمشاركة المجتمعية بيف األفراد .كبيذا الخصكص يقدـ لنا " زيمؿ" مثاؿ السكن :كنمكذج
لشرح مفيكمي :المضمون كالشكل .فمدراسة السكف كفؽ مقاربة "زيمؿ" أم مف حيث المضمون كالشكل ،نجد
بأف مفردة سكف تحمؿ مضاميف التفاعؿ االجتماعي .فيي تحيمنا إلى ضركرة السكف ،كأىميتو ،إلى االستقرار
كاالحتماء مف مخاطر الطبيعة ،كالشارع ،ككذا إلى التفاعؿ االجتماعي ،كالعيش المشترؾ ،كىنا يأخذ
المضمون التفاعمي شكال معينا ،كىك الذم يحدد طبيعة ىذا التفاعؿ االجتماعي بحسب فيـ اآلخريف لو ،أم
عمى حسب منظكرىـ اك تصكرىـ لمسكن ،مع تغير داللتو مف فرد آلخر .كفي عبارة أخرل فإف مفيكـ الشكل
عند "زيمؿ" يحيؿ إلى المفيكـ المنيجي لمسكف ،كىك بالتالي – شكؿ السكف -األداة المنيجية لكصؼ
التفاعؿ االجتماعي ،كمبلحظتو كتأكيمو ،كىك بمثابة النموذج عند "فيبر( .حمداكم :جكرج زيمؿ
كالسكسيكلكجيا التفاعمية ،ص ،7عمى)www.alukah.net
39
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
أم بمعنى أف "جكرج زيمؿ" يميز بيف مضمكف الفعؿ كشكؿ الفعؿ ،حيث يعبَّر مضمون الفعل عف الدوافع
التي تكجو الفعؿ اإلنساني ،في حيف يعبر شكل الفعل عما ينتج عن األفعال االجتماعية أثناء عمميات
التفاعؿ أك التبادؿ االجتماعي.
كبناء عمى ذلؾ َّ
حدد "زيمؿ" أربعة ( )04أنماط من األشكال االجتماعية كىي:
-1األشكال المتصفة بالديمومة( :العائمة ،الدكلة ،الكنيسة ،األحزاب السياسية...إلخ) كتسمى ىذه األشكال
بالمؤسسات.
-2األشكال التي ىي تصميمات مبنية مسبقاً :كتتفرع عنيا المنظمات التابعة ليا :كػ :التراتبية ،التنافس
الصراع ،المغامرة ،اإلقصاء ،الميراث ،التقميد ،كتسمى باألشكال التكوينية.
-3األشكال التي تكون اإلطار العام الذي تحدث ضمنو التنشئة االجتماعية كػ :السياسة ،االقتصاد
القانكف ،التعميـ ،الديف كتسمى ىذه األشكاؿ بأشكال التوافق.
-4األشكال العابرة :التي تؤسس لمطقكس اليكمية كػ :العادات ،الطعاـ المشترؾ ،النزىات المشتركة،
التيذيب ،كالكياسة.
جدير بالذكر أف " زيمؿ " يشير إلى أف ىذه األشكال التي ىي منتجات التفاعل اإلنساني كالتي تربطنا
ببعضنا البعض ،أك تربط التفاعبلت االجتماعية ببعضيا ،تميؿ ألف تصبح مكضكعات تجد بنفسيا قكانيف
تطكرىا الخاصة بيا لدرجة تجعؿ ىذه األشكال االجتماعية غريبة عف األشخاص الذيف أك جدكىا ،كالى
درجة أنيا تفمت منيـ ،أك أننا لـ نعد أسيادا عمى التأثيرات التي تُحرض عمييا ىذه المكضكعات ).كاباف،
،2010ص ص )73 ،72
إال أنو كمع ذلؾ ،فإف ىذه األشكاؿ تبقى مبلزمة لحياتنا اليكمية ،ألنيا تشارؾ في إدارة العبلقات بيف األفراد
كىذه حاؿ النقكد عمى سبيؿ المثاؿ .فيي كأداة ضركرية لمتبادؿ التجارم كتعمؿ عمى تسييؿ النمك
االقتصادم ،كلكنيا في الكقت ذاتو تسجف األفراد ضمف عبلقات اجتماعية ضعيفة ،تؤدم مع تزايد ىذا النمط
مف التفاعؿ االقتصادم إلى تقمص الرابط االجتماعي.
إذف "جكرج زيمؿ" يرل بأف األشكاؿ االجتماعية عمى تنكعيا كتعددىا ضركرية إلنتاج ثقافة معينة ،كالفف
التقنية ،العمـ ،األخبلؽ...الخ ،ألنيا تقدـ إطا انر لمركابط االجتماعية ،عمى الرغـ مف أنيا تصبح شيئا فشيئا
غريبة عنا.
يبقى القكؿ بأف ىذه األشكاؿ ال يكتمؿ بناؤىا أبدا ،بما أنو يعاد خمقيا ،أك انتاجيا باستمرار عمى ذات
المنكاؿ ،لكنيا غالبا ما تتعرض لمتعديؿ أك التحكير فييا بفضؿ ىذه التفاعبلت االجتماعية الجارية .فاألفراد
40
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ينتجكف المجتمع مف خبلؿ عبلقاتيـ ،كىذا األخير – المجتمع -يؤطر سمككاتيـ في سياؽ ال محدكد مف
العبلقات التبادلية ىـ مصدرىا .بمعنى أف ىذه األشكاؿ كغف كانت منتجا إنسانيا نتيجة التفاعبلت
االجتماعية التي تقكـ بيف األفراد فإنيا تميؿ أيضا الف تصبح أغراضا مكضكعية تجد بنفسيا قكانيف تطكرىا
الخاصة بيا.
جورج زيمل وتعددية الروابط االجتماعية:
يعد "جكرج زيمؿ" أيضا كاحد مف بيف عمماء االجتماع الذيف أكدكا عمى فكرة تعددية الركابط االجتماعية ،أك
عمى تعددية االنتماءات في المجتمعات الحديثة ،مثمما عمى تقاطعات الركابط االجتماعية .ففي كتابو
"السكسيكلكجيا دراسات حكؿ إشكاؿ الجتمعة" يعكد "جكرج زيمؿ" مثمو في ذلؾ مثؿ الكثيريف مف معاصريو في
بداية القرف العشريف (ؽ )20في العديد مف المرات إلى مجتمع القركف الكسطى ،حيث الحظ بأف رابطة
النسب داخؿ الجماعة كانت تبتمع الفرد كمية ،فقد كانت تتحقؽ كفؽ ما أسماه بنمكذج "متحد المركز" أك
"مشترؾ المركز" " " Concentriqueفمف الجماعة المباشرة إلى الجماعة المكسعة .كأما في المجتمع الحديث
فإف الفرد ينكع انتماءاتو ،كالفرد كاف كاف يعرؼ مثمما يذكر بو "دكركايـ" مف خبلؿ تكاممو مع اآلخريف
كبالتالي مف خبلؿ عبلقة التبعية المتبادلة بالنسبة لآلخريف ،فإف كعيو بفردانيتو ما فتئ يتطكر .كفي ىذه
الحالة فإف الكضعية تتميز بكجكد الجماعات المختمفة التي تتقاطع جنبان إلى جنب داخؿ نفس الشخص
الكاحد.
كلمتدليؿ عمى فكرتو ىاتو يذىب "جكرج زيمؿ" أيضا إلى تقديـ أمثمة كثيرة حكؿ تنظيـ العمؿ .كىنا يعكد كعمى
كجو الخصكص إلى مثاؿ :الطكائؼ الحرفية كالتطكرات التي مر بيا ىذه األخيرة ،حيث يشرح كيؼ كانت
تسكد ىذه الطكائؼ في البداية ركح مف المساكاة الصارمة ،التي كانت تجبر الفرد ،عمى االلتزاـ بنكعية ككمية
اإلنتاج ،لكنيا في المقابؿ كانت تضمف لو الحماية أماـ خطر المنافسة ،ما داـ أعضاؤىا ممتزمكف بنفس
المعايير .إال أف بمركر الكقت تبينت صعكبة اإلبقاء كالعمؿ بيذا النظاـ الصارـ ،فقد شرع بعض أسياد
الحرفة في االغتناء بعد صراع قكم مع الطائفة النتزاع الحؽ في عدـ االلتزاـ بالبيع في مكاف كاحد ،مع
الزيادة في عدد صبيانيـ أك مساعدييـ(Paugam,2008, pp 91).
كالكاقع أف سيركرة التخصص كصعكد الفردانية داخؿ الطائفة الحرفية قد أدل إلى تفتتيا ثـ كزكاليا ،مما دفع
بػ "زيمؿ" إلى القكؿ :بأف التكسيع الكمي لمجماعة ينتج تماي انز متزايدا بيف أعضائيا ،كىك التزايد الذم يترجـ
في فردانية أكثر حدة ،مما يعني بأنو كمما كانت الدكائر التي ننتمي إلييا ضيقة ،كمما كانت الحرية كالفردانية
فضاءا
ن التي نحكز عمييا محدكدة .كالعكس أم كمما كانت الدائرة التي ننشط ضمنيا أكسع كمما منحنا ذلؾ
41
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
أكسع لبسط فردانيتنا .لكف في بالمقابؿ ستككف خصكصيتنا أقؿ ،فنحف عنصر ضمف مجمكع كبير كىك أقؿ
فردانية باعتباره جماعة اجتماعية.
لذلؾ نجد المتخصصيف اليكـ في دراسة الشبكات االجتماعية كثي ار ما يعكدكف إلى أعماؿ "جكرج زيمؿ" الذم
يركف فيو رائدا مف ركاد الدراسة الميكركسككبية ألشكاؿ الفعؿ المتبادؿ كتقاطع الدكائر االجتماعية .فبالنسبة ل ػ
"زيمؿ" اإلنساف قبؿ كؿ شيء "كائف لمربط"" :نحف عمى الدكاـ أكلئؾ الذيف يفرقكف المربكط كيربطكف المتفرؽ".
حيث يصبح الحديث عف المجتمع ،حديث عف الرابط االجتماعي كالحديث عف الرابط االجتماعي ،ىك قبؿ
كؿ شيء االنطبلؽ مف المعاينة التي تقكؿ بأف ":األفراد مرتبطكف ببعضيـ البعض بكاسطة التأثيرات
كالمحددات التي نشعر بيا بشكؿ متبادؿ ،كمنو فإف المجتمع شيء كظيفي شيء يصنعو األفراد كيخضعكف لو
في ذات الكقت".
إذف ما لفت انتباه "زيمؿ" ىك ىذا التنكع أك التعدد في االنتماءات ،كعميو فإف العدد المتكقع لمدكائر التي يمكف
أف ينتمي إلييا الفرد أحد مؤشرات الثقافة .فػ" إذا كاف اإلنساف الحديث ينتمي في البداية إلى أسرتو األبكية
فإنو الحقا سينتمي إلى األسرة التي سيؤسسيا ىك ،كالى أسرة زكجتو ،كما سينتمي إلى أسرة مينتو ،التي
ستحقؽ لو بدكرىا االندماج في عد مف دكائر المصمحة .ثـ إذا ما كاف كاعيا بأنو ينتمي إلى جنسية ما كالى
طبقة اجتماعية معينة ،ثـ ككفؽ ذلؾ ،كاذا ما كاف عمى سبيؿ المثاؿ ،ضابط احتياط ،فسينتمي إلى بعض
الجمعيات ،كستككف لو مخالطات ،كصداقات اجتماعية ضمف دكائر أكثر تنكعا ،كسنككف أماـ تنكع ىائؿ في
الجماعات ،حيث سيككف بعضيا عمى قدـ مف المساكاة ،في حيف ستُرتب أخرل عمى نحك تبدك معيا إحداىف
بأنيا العبلقة األصمية ،التي يمكف لمفرد انطبلقا منيا التكجو نحك دائرة أكثر بعدا ،بسبب مميزاتو الخاصة
التي ستجعمو متمي از عف األعضاء اآلخريف داخؿ الدائرة األكلى(Paugam,2008, pp 91,92).
ىذا كاذا ما كاف الفرد يتميز بتعددية الركابط االجتماعية ،فإف الجماعات التي ينتمي إلييا يمكف أف تككف
مترتبة عمى نحك النمكذج المتحد /أك المشترؾ المركز ،أك عمى العكس مف ذلؾ ،تككف مترتبة إلى جانب
بعضيا البعض .ففي النمكذج المشترؾ المركز تتقمص الدكائر شيئا فشيا ،مف األمة ،إلى اإلقميـ األكثر قربا
مرك ار بالمكانة المينية ،البمدية ،فالحي ،كفي ىذه الحالة نقكؿ بأف الفرد ينتمي إلى الدكائر المباشرة ،أك األكثر
ضيقا ،لكنو ينتمي أيضا إلى الدكائر األخرل .كمثؿ ىذا التكديس لمركابط االجتماعية سيحدد الكظائؼ
المتتالية التي يمكف أف يمارسيا الفرد ،إذ يتعمؽ األمر ىنا بتنظيـ اجتماعي الذم ال يمكنو بنياية األمر سكل
مف استقبللية محدكدة ،أما عندما تككف الدكائر جنبا إلى جنب ،كبالتبعية ستككف مستقمة ،فيي ستضمف لمفرد
حرية أكسع ،بحيث تصبح ىكيتو متعددة ،كعمى ىذا النحك تقكـ الركابط بيف مختمؼ الجماعات التي يشارؾ
42
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
فييا ىذا الفرد أك ذاؾ ،فالدكائر مكجكدة إلى جنب بعضيا البعض ،كال تمتقي إال داخؿ الشخص الكاحد.
)(Paugam,2008, p93
43
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
أيا كاف األمر فما يمكف قكلو في ىذا المقاـ ،ىك أف " نكربرت إلياس" قد دخؿ عالـ السكسيكلكجيا مف ىذا
الباب ،أك مف باب األحداث الظريفة ،كقد نحت بيذا الخصكص مفيكـ "حضارة آداب السمكؾ" الذم خصو
بثبلثة ( )03مجمدات ،كيمكف اختزاؿ الفكرة التي تمحكرت حكليا في أف الحضارة مسألة في آداب السمكؾ.
(كاباف ،2010 ،ص .)181
-1مفيوم الشكل أو المظير الخارجي عند "نوربرت إلياس":
لقد كضع "نكربرت إلياس" مف خبلؿ مفيكـ الشكؿ ،أك مفيكـ المظير الخارجي ،مسألة التبعيات اإلنسانية
المتبادلة في قمب التفكير السكسيكلكجي .كقد أدت بو نظرتو حكؿ الحضارة الغربية عمى األقؿ ،إلى كضع
رسـ بياني مفيمي ،حكؿ تعقد ،كتشابؾ العبلقات اإلنسانية .كاقترح لشرح كتكضيح ذلؾ صكرة الشبكة ،كمثاؿ
كاقعي ،يعبر عف حقيقة تعقد التبعيات المتبادلة بيف األفراد في المجتمع ،حيث تيدؼ صكرة أك مثاؿ الشبكة
إلى جعؿ ىذا المفيكـ -مفيكـ المظير أك الشكؿ الخارجي -مفيكما ككاضحا كمممكسا.
يقكؿ " نكربرت إلياس" في ىذا الصدد :تصنع الشبكة مف عدد مف الخيكط المترابطة .إال أنو كمع ذلؾ ،فبل
مجمكع ىذه الشبكة ،كال الشكؿ الذم تأخذه الخيكط المختمفة فييا ،يمكف أف ُيفيـ انطبلقان مف خيط كاحد مف
ىذه الخيكط كال حتى مف جميع ىذه الخيكط في ذاتيا ،ألف ىذه الخيكط ال تفيـ إال بفضؿ تجميعيا ،كبفضؿ
نظاميا إلى كؿ خيط مف ىذه
ُ عبلقتيا التي تربطيا فيما بينيا .كىي العبلقة التي تخمؽ حقبلن مف القكل ُينق ُؿ
كينقؿ إلى كؿ خيط بكيفيات تختمؼ لحد معيف عف بعضيا البعض ،أك بحسب كضعية ككظيفة الخيكط ،بؿ ُ
كؿ خيط مف ىذه الخيكط ضمف المجمكع ،أك ضمف ىذه الشبكة مف الخيكط .مع العمـ بأف شكؿ كؿ خيط
مف خيكط ىذه الشبكة يتبدؿ بتبدؿ الضغط الكاقع عميو ،كما تتبدؿ بنية مجمكع ىذه الشبكة ككؿ ،بالرغـ مف
أف ىذه الشبكة مف الخيكط مجرد تجمع لخيكط مختمفة "كحيث يشكؿ كؿ خيط مف ىذه الخيكط بداخؿ ىذا
الكؿ كحدة في ذاتيا ،كىي تحتؿ مكانة متميزة ،كتأخذ شكبل خاصان(Paugam,2008, pp 97,98).
نفيـ مف ذلؾ بأف األفراد يرتبطكف ببعضيـ البعض ،أم عبر جممة مف قيكد مف التبعية المتبادلة ،كالتي
تنطبؽ أيضا عمى تشكيبلت اجتماعية أخرل ،تتميز فيما بينيا بأحجاـ مختمفة ،أك متباينة ،كمنيا :الطبقة
االجتماعية ،جماعة األصدقاء ،ركاد المقيى ،ركضة األطفاؿ...إلخ .ضمف ىذا الطرح يصرح "نكربرت
الياس" " :إذا نظرنا مف الناحية الجسدية نرل اف األفراد الذيف كانكا ،ككذلؾ الذيف مازالكا طيمة حياتيـ في
التصاؽ دائـ بأحضاف المجمكعات كالتجمعات البشرية العائمية كالقبمية كالعشيرية ما قبؿ الكطنية ،لـ يككنكا
أقؿ تماي از كتباينا عما ىـ عميو أفراد المجتمعات الكطنية الحالية األكثر تمايزا"( .الياس ،2014 ،ص )154
كبمعنى آخر فإف صفة التمايز كالتبايف المتزايد بيف األفراد في المجتمع الكاحد ،ىي ميزة لممجتمعات الحديثة
44
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
أك المجتمعات الكطنية عمى حد تعبيره التي تقكـ أكثر فأكثر عمى الفردانية ،كالتي ىي حدث في سياؽ عممية
التكجو نحك مزيد مف التمدف ،أيف يتعمـ األفراد ممارسة الكبت الذاتي لعكاطفيـ ،ككبح جماح الدكافع السمككية
العفكية .كىك ما يخمؽ داخؿ كؿ فرد الذم سيدخؿ ال حقا في عبلقات مع "الخارج" ،الشعكر بكجكد "داخؿ"
لديو يخصو بذاتو ،أم ال عبلقة لآلخريف بو( .الياس ،2014،ص )155
-2تعددية الروابط عند "نوربرت إلياس":
يؤكد بدكره "نكربرت إلياس" عمى فكرة تعددية الركابط االجتماعية في المجتمع ،كىي الفكرة التي يطمؽ عمييا
"مستكل االندماج" كيقر بكجكد مستكيات متعددة مف االندماج ،تميز المجتمع اإلنساني في مستكاه
تسميةُ :
الحالي مف التطكر .كبالفعؿ يقكؿ " إلياس" فنحف كذكات نقكـ بعممية انتقاء مف بيف عدد مف المرجعيات
بالنسبة ل ػ "النحف" عندما نقكؿ بأف األفراد يحددكف ،أك يعرفكف عمى ىذا النحك عائمتيـ ،أك دكائر األصدقاء
مثمما القرل كالمدف ،التي يسكنكنو ،كالمجمكعات الكطنية ،التي ينتمكف إلييا .ال بؿ كحتى األشكاؿ الخارجية
ما بعد الكطنيات ،أك ما بيف عدد مف الدكؿ مف نفس القارة ،كاإلنسانية ككؿ .إف ما نبلحظو ىنا كبشكؿ
محسكس ،أك بكضكح تاـ ىك :كثافة ىذا التعريؼ بالذات ،قياسا بيذه المستكيات المختمفة ،كالمتعددة
لبلندماج.
إف االلتزاـ أك االرتباط الذم ُيعَّبر عنو بكاسطة استخداـ ضمير "النحف" يككف في العادة أكثر عمقا ،أك أقكل
كأشد عندما يتعمؽ األمر بالعائمة ،أك بالجماعة المحمية ،أك بالجيكية ،أك باالنتماء الكطني .كفي المقابؿ
تخؼ النبرة العاطفية ليكية "النحف" أك تضعؼ بشكؿ كاصح كمحسكس عندما يتعمؽ األمر بأشكاؿ االندماج
الما بعد كطنيات .مثاؿ :اتحاد الدكؿ اإلفريقية ،األسيكية ،كاالتحاد األكربي ...الخ.
إف إقرار " نكربرت إلياس" ىنا بتعدد مستكيات االندماج لـ يمنعو بالمقابؿ مف التأكيد عمى مفيكـ " الداخؿ"
ك"الخارج" حيث يبقى المخطط األساسي لمصكرة الذاتية كلمصكرة اإلنسانية بشكؿ عاـ عمى حد تعبيره معتمدا
عمى تصكر ىذا " الداخؿ" المنفصؿ عف "الخارج" بجدار غير مرئي ،حتى في تممؾ األنماط األكثر تقدما مف
التخصصات المجتمعية كالفردانية( .إلياس ،2014،ص )159
كالى جانب ما تقدـ فقد عالج "نكربرت إلياس" في كتابو ما السكسيكلكجيا؟ كتحديدا في الفصؿ الخامس منو
المشكبلت التي يطرحيا تحميؿ الركابط االجتماعية .ففيو تطرؽ كبشكؿ خاص إلى العبلقات العاطفية التي
يرل بأنيا تحتاج إلى اىتماـ خاص .حيث ذكر بأف اإلنساف يأمؿ دكما في االلتقاء بأناس آخريف ،كلذلؾ نجد
بأنو مرتبط بشكؿ كبير بغيره مف الناس ،كاألمر ىنا يتعمؽ بعبلقات التبعية الككنية المتبادلة التي ترتبط الناس
ببعضيـ البعض عمى ا لمستكل االجتماعي ،كىي التبعية االبتدائية التي ال تتحدد في الحاجات الجنسية فقط،
45
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ألف الناس في حاجة إلى بعضيـ البعض مف أجؿ إشباع تطمعاتيـ العاطفية ،كىنا يمكف الحديث عف القيـ
العاطفية المكجَّية نحك الغير ،حيث يجد البعض بمف يرتبط ،بينما يبقى البعض اآلخر في حالة بحث عف
نقطة تثبيت بما يتناسب كصكرة اإلنساف المنفتح ،الذم يبحث عف عبلقات تمنحو اإلثارة العاطفية.
كعميو فإف الرابط العاطفي ليس رابطا خارجيا عف الفرد .ففقداف شخص عزيز عمى سبيؿ المثاؿ يؤدم إلى
المشكمة ليكية ىذا الشخص أك
الشعكر بخسارة جزء مف ذات الشخص المعني بيذا الفقد ،كالصكرة "أنا/نحف" ُ
ذاؾ تتكسر ،فيتبدؿ مجمكع الشبكة العاطفية ،كذات الشعكر يحدث عندما تنتيي عبلقة حب أك عبلقة
صداقة.
باختصار يتفؽ "نكربرت إلياس" مع "دكركايـ" حكؿ فكرة ارتباط الركابط االجتماعية في المجتمعات الحديثة
بتقسيـ العمؿ ،كبالتكاممية العضكية بيف األفراد داخؿ المجتمع .لكنو– "نكربرت الياس" -كمع ذلؾ يكصي
بضركرة عدـ االكتفاء بالقكؿ بالتبعية المتبادلة بيف األفراد ،إذ يجب إدخاؿ فكرة التبعيات المتبادلة بيف األفراد
كالركابط العاطفية عمى كجو الخصكص ،باعتبارىا عكامؿ لمرابط االجتماعي .ذلؾ أف الركابط العاطفية
الشخصية تقكدنا إلى تحميؿ مجمكع الشبكة العبلئقية لمفرد ،كما لك كانت قطعة نسيج تمت حياكتو انطبلقا
منو مف ناحية ،كباعتباره مككنان لذاتو مف ناحية أخرل(Paugam,2008, pp 102-105).
إف المرحمة الحديثة التي نعيشيا يقكؿ " نكربرت إلياس" ليست سكل مرحمة مف عممية طكيمة مف التطكر
اإلنساني ،أصبحت في سياقيا حمقات األعماؿ المتشعبة ،تتزايد كتتعد فركعيا بشكؿ دائـ كمستمر ،إال أنو
كمع ذلؾ ال زالت حاجة األفراد لبعضيـ البعض ،بؿ كازداد ارتباط الناس ببعضيـ ،بالرغـ مف أنيـ أصبحكا
أكثر شعك ار بفردانيتيـ عف ذم قبؿ .فازدياد تقسيـ الكظائؼ كتراتبيتيا المتدرجة نحك األعمى باتجاه مركز
كاحد يكشؼ عف الحاجة الى الترابط كالتنسيؽ ،كبالتالي تكجو العبلقات اإلنسانية نحك مزيد مف التضامف
كالتعاكف بيف األفراد المتمايزييف فيما بينيـ داخؿ المجتمع .كأما التمايز بيف األفراد فميس إال جانب مف جكانب
الطابع اإلنساني اك الحالة اإلنسانية التي يعبر فييا األفراد عف استقبلليـ عف غيرىـ مف األفراد ،الذم يبقى
في جميع األحكاؿ استقبلال نسبيا ،كعف سعييـ المتزايد لتحقيؽ أنفسيـ ،كتككيف معنى مميز ألنفسيـ ،يككنكنو
ىـ بأنفسيـ ،اك يقكمكف بو لكحدىـ ،ذلؾ أف ىذه األنا المثالية صفة لصيقة باألفراد كدكنيا سيفقدكف ىكيتيـ
كأشخاص اماـ أنفسيـ ،كاف كانت ليست جزءا مف طبيعتيـ ،كلكف شيء تطكر بداخميـ نتيجة لما تعممكه في
مجتمعيـ( .إلياس ،2014 ،ص ص)174 -170
46
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كما في عمـ االجتماع ،كالفمسفة .ففي االقتصاد مثبل ترتبط نظرية القيمة بنظرية الثمف أك السعر .أما في عمـ
االجتماع ،فإف القيمة في صيغة الجمع ،أك "القيـ" :فتعد " مف الحقائؽ األساسية في البناء االجتماعي .كىي
تعالج سكسيكلكجيا عمى أنيا عناصر بنائية تشتؽ أساسا مف التفاعؿ االجتماعي كقد أصبحت في السنكات
األخيرة مف المكضكعات التي تحظى بأىمية متميزة في النظرية االجتماعية كالبحث السكسيكلكجي .بينما
تعتبر المعالجة الفمسفية القيـ جزءا مف األخبلؽ ،كالفمسفة السياسية كعمـ الجماؿ .فمقد حاكلت المذاىب
الفمسفية عمى تعددىا كاختبلفاتيا ،اإلجابة عمى المشكبلت ،كاألسئمة الفمسفية ،ذات االرتباط بالقيـ ،كاف كانت
اإلجابات تمؾ بطبيعية الحاؿ لـ تصؿ إلى ِّ
حد اآلف ،إلى االتفاؽ حتى عمى طبيعة المشكبلت التي ترتبط
بمكضكع القيـ( .غيث ،2006 ،ص )467
أيضا عرفت القيمة أك القيـ عمى انيا تمؾ ":المثؿ الجماعية التي تحدد داخؿ مجتمع معيف معايير المرغكب:
الجميؿ كالقبيح العادؿ كغير العادؿ ،المقبكؿ كالمرفكض .أما ىذه القيـ فتككف مترابطة ،كتشكؿ فيما بينيا ما
يسمى بػ "نظاـ القيـ" أيف تنتظـ كتقدـ رؤية معينة حكؿ ىذا العالـ")Jean Etienne , 1997,P 316( .
فالقيمة ":تشير إلى كؿ ما ىك مرغكب جماعيا ،سكاء منحت ىذه الصفة أك الميزة عبر رأم مشترؾ ،أك
متقاسـ أك بكاسطة ميكانيزمات مجيكلة (غير معركفة)" .كمنيا نجد مثبل أف مف بيف القيـ العسكرية قيمة
الشجاعة .كأما في االقتصاد فيمكف أف نتحدث عف القيمة االستعمالية ،كالقيمة التبادلية ،أك ما يشكؿ ثمف
سمعة ما .كفي ىذا المكقؼ نبلحظ كيؼ انتقؿ ىذا المصطمح مف المجاؿ العسكرم إلى المجاؿ االقتصادم
مما يدلؿ كمثمما أكد عميو أتباع "ساف سيمكف" عمى التطكر الحاصؿ ،أك عندما انتقمت المجتمعات مف
مجتمعات عسكرية ،إلى مجتمعات مدينة.
ىذا كقد حظي مفيكـ "القيمة االجتماعية" أك "القيـ االجتماعية" بدكره بالعديد مف التعاريؼ .مف بينيا
التعريؼ الذم ينظر لمقيمة االجتماعية ،كباعتبارىا مفيكما في العمكـ االجتماعية عمى أنيا " مكضكع ،أك
حاجة أك اتجاىا ،أك رغبة ،كتستخدـ في أغمب الحاالت ،عندما تظير عبلقة تفاعمية بيف الحاجات
كاالتجاىات ،كالرغبات مف جية ،كالمكضكعات مف جية أخرل.
47
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كمنو فػ"القيمة االجتماعية" في كؿ مف عمـ االجتماع ،كاالنثركبكلكجيا ىي تمؾ" :المستكيات الثقافية
المشتركة ،التي نحتكـ إلييا في تقدير المكضكعات ،كاالتجاىات األخبلقية ،أك الجمالية ،أك المعرفية ،كىناؾ
اعتقاد بيف ما يتشارككف في ىذه المستكيات ،بأنيا صادقة ،كيتعيف االعتماد عمييا في تقييـ المكضكعات".
(غيث ،2006،ص )469
ىذا كسيعكد عمـ االجتماع البنائي الكظيفي ،كتحديدا مع " تالككت بارسكنز"" " "T. Parsonsإلى معنى
"معيار القيمة" مف خبلؿ التأكيد عمى الدكر المرجح لمقيـ في بناء الفعؿ ،ليسقط بذلؾ التمييز الذم أقامو
"فيبر" بيف الفعؿ المكجو بالعقؿ ،كالفعؿ المكجو بالقيمة ،كلتصبح القيـ االجتماعية بيذا الفيـ ،التجسيد الفعمي
لمثقافة السائدة" )François Gresle and others. 1990.p 341( .فقد عرفيا " بارسكنز" في كتابو
"النسؽ االجتماعي" بأنيا عبارة عف ":عنصر في نسؽ رمزم مشترؾ يعتبر معيا ار أك مستكل لبلختيار بيف
بدائؿ التكجيو التي تكجد في المكقؼ" .فكأف القيـ االجتماعية بمثابة معايير عامة ،كأساسية ،يشارؾ فييا
أعضاء المجتمع ،كىي تسيـ في تحقيؽ التكامؿ كتنظيـ أنشطة األعضاء"( .غيث ،2006،ص )469
أما مف بيف أقدـ التعريفات التي قدمت لمفيكـ "القيمة االجتماعية" فنجد تعريؼ كؿ مف "تكماس" ك"زنانيكي"
في مؤلفيما الشيير" الفبلح البكلندم" حيث ذىبا إلى القكؿ بأنيا " أم معنى ينطكم عمى مضمكف كاقعي
كتقبمو جماعة اجتماعية معينة ،كما أف ليا معنى محددا حيث تصبح في ضكئو مكضكعا معيينا أك نشاطا
خاصا".
كذلؾ نجد بأنو مف بيف التعريفات اليامة ليذا المفيكـ ،تعريؼ "كبلكيكف" "" C. Kluckohnالذم رأل بأف
القيمة تصكر كاضح ،أك مضمر ،كىك يميز الفرد ،أك الجماعة ،كيحدد ما ىك مرغكب فيو ،بحيث يسمح لنا
باالختيار مف بيف األساليب المتغيرة لمسمكؾ ،الكسائؿ ،كاألىداؼ الخاصة بالفعؿ( .غيث ،2006 ،ص
)469
عمكما كأيا كاف األمر ،فالمؤكد أف القيـ االجتماعية عبارة عف معايير ضابطة لمسمكؾ اإلنساني ،كىي تحظى
بتقدير اجتماعي متفاكت سمبا اك إيجابا ،كاذ تقبؿ بيا فؤلنيا تسمح ليا بتنظيـ شؤكف حياتيا االجتماعية
كاستمرارىا ،كبتحقيؽ االنسجاـ كالتكامؿ داخؿ المجتمع مف خبلؿ فرض العقكبات المادية أك المعنكية عمى
المخالفيف ليا.
ثـ إف القيـ االجتماعية تتأثر بأفكار كمعتقدات حاممييا الذيف يكتسبكنيا مف المجتمع الذم يعيشكف فيو ،كمف
عمميات التنشئة االجتماعية ،ككذا الخبرات كالتجارب الحياتية السابقة .فالقيـ تؤثر في سمكؾ األفراد
كالجماعات ،كفي أخبلقيـ ،كفي عبلقاتيـ االجتماعية .كىي – القيـ -برأم عمماء االجتماع كاألنثركبكلكجيا
48
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
يمكف أف تككف إيجابية مثؿ :قيـ الشجاعة ،التعاكف ،كالعدالة كالديمقراطية ،كيمكف أف تككف سمبية كػ:
األنانية ،الطائفية ،التعصب ،التحيز ،كضيؽ الفكر ،كغيرىا مف القيـ التي ينبذىا المجتمع.
.3خصائص القيم:
نفيـ مما تقدـ أف القيـ تتميز بجممة مف الخصائص ىي:
49
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-1.3أنيا مسألة نسبية شخصية ،كىي تنبع مف داخؿ اإلنساف ،أك مف رغباتو ،ال مف خارجو ،فاإلنساف ىك
الذم يضفي عمى الشيء قيمتو الخاصة بو.
-2.3أنيا أساسية في حياة اإلنساف السكم أك العادم ،ذلؾ أف القيـ بمثابة المرشد الذم يتحكـ في النشاط
اإلنساني اإلرادم ،فيي تساعد اإلنساف عمى تنظيـ معالـ شخصيتو الفردية كاالجتماعية.
-3.3أنيا تختمؼ مف شخص آلخر ،بؿ كتختمؼ لدل نفس الشخص باختبلؼ حاجاتو ،رغباتو ،كظركفو
(قطعة الحمكل لمطفؿ الصغير ،ككب الماء عند العطش)
-4.3أنيا تخضع لمنطؽ المجتمع كنظمو كقكانينو االجتماعية ،أك ىي ذات إلزاـ جمعي.
-5.3أنيا قابمية لبلنتقاؿ ،كىي تشكؿ تراثا لمعديد مف األنساؽ االجتماعية ،ثـ أنيا يمكف أف تككف مكضع
مشاركة جماعية( .بكعطيط ،2011/2012،ص ص )78-76
-6.3أنيا ذات ثبات نسبي.
-7.3أنيا مترابطة ،تتأثر ببعضيا البعض.
-8.3أنيا مكتسبة ،أم يتعمميا الفرد عف طريؽ التنشئة االجتماعية كضمف الجماعة التي ينتمي إلييا.
-9.3أنيا ىرمية ،أم مرتبة عند الفرد ترتيبا تنازليا كفقا ألىميتيا عنده.
-10.3أنيا عمكمية ،أم بمعنى أنيا تشكؿ طابعا مشتركا بيف فئات المجتمع الكاحد.
-11.3أنيا تعبر عف خصائص حضارية ففي كؿ فترة زمنية يكجد تصكر معيف لمقيـ ،اك لما ىك مقبكؿ
كما ىك مرفكض اجتماعيا.
-12.3أنيا معرفة أخبلقية تعبر عف فكرة مثالية( .التابعي ،1999 ،ص )119
.4مكونات القيم:
.1.4المكون المعرفي :كيتضمف ىذا المككف إدراؾ مكضكع القيمة كالميزة عف طريؽ العقؿ ،كيمثؿ معتقدات
الفرد كأحكامو كأفكاره كمعمكماتو عف القيمة.
.2.4المكون الوجداني :كيشتمؿ عمى االنفعاالت كالمشاعر ،كاألحاسيس الداخمية ،كعف طريقو يميؿ الفرد
إلى قيمة معينة ،كيشعر بالسعادة الختياره ىذه القيمة ،أك تمؾ ،كاستعداده لمتمسؾ بيا دكف غيرىا.
.3.4المكون السموكي :كىك الجانب الذم تظير فيو القيمة ،حيث تترجـ في سمكؾ ظاىرم ،كيتصؿ ىذا
الجانب بممارسة القيمة أك السمكؾ الفعمي( .العريشي كآخر ،2015 ،ص)82
50
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
.5تصنيف القيم:
ال يكجد تصنيؼ كاحد ،أك تصنيؼ مكحد في تحديد أصناؼ القيـ ،كنستعرض فيما يمي بعض ىذه
التصنيفات:
.1.5تصنيف القيم من حيث المحتوى:
وىك التصنيؼ الذم قاؿ بو كؿ مف" :ألبكرت" "Allportك" فيرنكف"Vernonك"ليندزم" " "Lind-Zeyكالذم
يفترض بأف الناس ييتدكف في أفعالو أساسا بكاحدة ،أك أكثر مف القيـ الست الشييرة اآلتية:
أ -القيمة النظرية :ىي مجمكعة القيـ التي يعبر عنيا اىتماـ الفرد بالعمـ كالمعرفة كالسعي كراء القكانيف التي
تحكـ األشياء بقصد معرفتيا ،كميؿ الفرد الكتشاؼ الحقيقة ،كيتميز األفراد الذيف تسكد عندىـ ىذه القيمة
بنظرة مكضكعية نقدية ،معرفية كيككنكف عادة مف الفبلسفة كالعمماء كالمفكريف.
ب-القيمة االقتصادية :كيقصد بيا اىتماـ الفرد كميمو إلى كؿ ما ىك نافع ،كىك في سبيؿ ىذا اليدؼ يتخذ
مف العالـ المحيط بو كسيمة لمحصكؿ عمى الثركة كزيادتيا عف طريؽ اإلنتاج كالتسكيؽ كاالستيبلؾ كاستثمار
األمكاؿ ،كيتميز األشخاص الذيف تسكد لدييـ ىذه القيمة بنظرة عممية نفعية كيككنكف عادة مف رجاؿ
األعماؿ ،كما أف القيمة االقتصادية تتمثؿ في االىتماـ بالنتائج العممية كفكائدىا المرتقبة ككثي ار ما تتعارض
مع غيرىا مف القيـ.
جــ-القيمة الجمالية الفنية :يعبر عنيا بميؿ اإلنساف إلى كؿ ما ىك جميؿ مف حيث الشكؿ ،التكافؽ
كالتنسيؽ.
51
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
د-القيمة االجتماعية :تظير لدل األفراد الذيف يحبكف الحياة االجتماعية كيميمكف إلى حب الناس
كمساعدتيـ ،يتميز ىذا النكع مف األفراد بركح تعاكف كبيرة ،كيرل "سبرانجر" أف القيـ االجتماعية في أنقى
صكرىا تتجرد عف الذات كتقترب جدا مف القيـ الدينية.
ه -القيمة السياسية :يقصد بيا اىتماـ الفرد بالحصكؿ عمى القكة كالسيطرة بيدؼ التحكـ في األشياء
كاألشخاص ،كيعبر عنيا الفرد بالنشاط السياسي كالعمؿ عمى حؿ مشكبلت الجماىير ،يتمتع أصحاب ىذه
القيمة بكح قيادية كيستطيعكف التأثير في غيرىـ كمف ىؤالء اإلدارييف كالسياسييف.
و -القيمة الدينية :كىي أرفع القيـ لدل الرجؿ المتديف ،كرجؿ الديف كيرل "سبرانجر" أف الرجؿ المتديف ىك
شخص يتجو بناءه العقمي باستمرار نحك خمؽ أعمى الخبرات قيمة ذات اإلرضاء المطمؽ.
ز -القيمة الرياضية :كىي القيـ التي تكجو سمؾ الرياضييف كالمشجعيف ،كتبيف فكائد ممارسة الرياضة بكجو
عاـ.
ح -القيمة اإل نسانية :كتتمثؿ في القيـ التي تؤكد عمى حقكؽ االنساف الطبيعية في الحرية كالكرامة كعدـ
المعاناة مف التمييز كاالضطياد اك االستغبلؿ بكصفو انسانا.
ط -القيمة الوطنية أو القومية :كىي تمؾ القيـ التي تجسد قيـ المكاطنة كاالنتماء لمجتمع ،أك ألمة ،يعتز بيا
الفرد كيدافع عنيا( .محمد ،2012 ،ص ص )191-189
إلى جانب ىذه التصنيفات نجد تصنيفات أخرل ،كمف بينيا تصنيؼ "رككاش" " "Rokeachالذم صنفيا
حسب المقصد منيا ،أك كفؽ بعد المقصد ،كىي كفؽ ذلؾ تنقسـ إلى:
.2.5تصنيف القيم حسب المقصد:
أ-القيم الوسيمية :كىي القيـ التي ينظر إلييا سكاء مف قبؿ األفراد أك الجماعات عمى أنيا كسائؿ لتحقيؽ
غايات أبعد (القيـ األخبلقية ،كالكفاءة)
ب -القيم الغائية :كىي األىداؼ التي يضعيا األفراد كالجماعات ألنفسيـ كمنيا القيـ الشخصية ،كالقيـ
االجتماعية.
.3.5تصنيف القيم حسب بعد شدة االلتزام:
كفي ىذا التصنيؼ يمكف التمييز بيف جممة مف القيـ مثؿ:
أ -القيم التفضيمية :كىي القيـ التي يفضميا المجتمع كسيشجع أفراده عمى التمسؾ بيا مف دكف إلزاميـ بيا.
ب -القيم المثالية :كىي القيـ التي يشعر األفراد بصعكبة تحقيقيا بشكؿ كامؿ نظ ار لمثالتييا كسمكىا.
كالدعكة إلى التسامح كمقابمة اإلساءة باإلحساف( .الصيرفي ،209 ،ص )328
52
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
.4.5تصنيف القيم حسب بعد العمومية:
كيتصؿ ىذا البعد بمدل شيكع ىذه القيـ كعمكمتييا ،كتـ كفؽ ىذا البعد تصنيؼ القيـ إلى قسميف( :تصنيؼ
كمككيكف)
أ-القيم العامة :كىي القيـ التي يعـ انتشارىا في المجتمع كمو.
ب-القيم الخاصة :كىي القيـ الخاصة بمناسبات اجتماعية أك بمناطؽ معينة ،أك بفئات اجتماعية معينة ،أك
طبيعة اجتماعية ،أك جماعة خاصة (محمد خميفة ،1990 ،ص )34
.5.5تصنيف القيم حسب بعد الديمومة:
كىك التصنيؼ الذم يقسميا مف حيث الديمكمة إلى نكعيف:
أ -القيم العابرة ،أو الوقتية :كىي القيـ العارضة أك القصيرة الدكاـ ،تتميز بعدـ قدسيتيا أك إلزاميتيا مف قبؿ
الجماعة االجتماعية أك المجتمع كمنيا القيـ التي يقبؿ عمييا المراىقكف مثبل.
ب -القيم الدائمة :كىي القيـ التي تدكـ ،أك التي تتناقميا المجتمعات كالجماعات االجتماعية جيبل بعد جيؿ،
كىي ترتبط في الغالب بالقيـ الركحية لممجتمعات( .الصيرفي)328 ،2009 ،
.6.5تصنيف القيم حسب بعد المستوى:
كتصنؼ كفؽ ىذا البعد إلى قيـ المستكل األكؿ كقيـ المستكل الثاني:
أ -قيم المستوى األول :كىي القيـ المحكرية أك القيـ األـ داخؿ المجتمع ،كتعرؼ عمى أنيا تمؾ القيـ الحاكمة
أك الممزمة ألفراد المجتمع ،كىي بالتالي تمؾ المحددات كالمعايير األساسية التي تكجو كتقنف سمكؾ األفراد في
المجتمع كبالتالي فيي تشكؿ اإلطار الذم يتحكـ في سمكؾ الجماعات كاألفراد داخؿ المجتمع لبلعتقاد في
دقتيا كصكابيا.
ب -قيم المستوى الثاني :كىي القيـ االجتماعية التي تمس مجاالت الحياة اليكمية كالنشاط اإلنساني،
يسترشد بيا األفراد كىي تشمؿ المجاالت القيمية المختمفة :االقتصادية ،االجتماعية ،السياسية ،التربكية،
العممية ...إلخ (أبك جادك ،1998 ،ص ص )238-236
.7.5تصنيف القيم حسب االرتباط بالنمط البنائي لممجتمع:
ضمف ىذا اإلطار صنفيا "إ .نيمسكف" " "l. Nilssonإلى فئتيف ،قيـ تقميدية كقيـ عقمية ،ككذلؾ فعؿ "ركبرت
ردفيمد" "R. Redfieldعندما قسميا عمى أساس نكع المجتمع إلى قيـ خاصة بالمجتمع الشعبي القديـ الذم
تسكده القيـ التقميدية كقيـ خاصة بالمجتمع الحضرم الذم تسكده القيـ العصرية( .محمد خميفة ،1990 ،ص
)34
53
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
54
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-المستوى األول :كىك المستكل الذم تحدد فيو الثقافة المفاىيـ الجديرة بالرغبة (اإلطار الحضارم يشجع
عمى بركز تكجيات قيمية معينة)
-المستوى الثاني :حيث تكجد األسرة كتكجياتيا نحك قيـ كغايات بعينيا (األسرة مف أىـ مؤسسات التنشئة
االجتماعية) كاألسرة ال تكجد في فراغ ثقافي –اجتماعي ،كانما يحكميا إطار الثقافة الفرعية.
-المستوى الثالث :كيتمثؿ في الجكانب االجتماعية الفرعية كالمستكل االقتصادم-االجتماعي ،كالديف
كالجنس ،كالمينة ،كمستكل التعميـ...إلخ .كتبيف بأف ىناؾ اختبلفا في قيـ األبناء باختبلؼ الطبقة االجتماعية
التي ينتمكف إلييا ،كما يختمفكف في ترتيب القيـ داخؿ النسؽ القيمي( .خميفة ،1990 ،ص ص)75 -73
كالشكؿ المكالي يكضح لنا محددات اكتساب القيـ.
الشكل رقم ( )06يوضح محددات اكتساب القيم
العكامؿ
البيئية
العكامؿ العكامؿ
القيـ
البيكلكجية االجتماعية
العكامؿ
السيككلكجية
55
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ج-يحقؽ لمفرد الشعكر باألماف.
د -تمنح الفرد الفرصة لمتعبير عف ذاتو.
ه -تدفع بالفرد لتحسيف إدراكو كمعتقداتو.
و-تعمؿ عمى ضبط الفرد ،إذ تربط سمككو بأحكاـ كمعايير الجماعة( .عميرش ،2005/2004،ص )55
.2.7عمى المستوى االجتماعي :كتتمثؿ كظائؼ القيـ عمى المستكل االجتماعي في:
أ -تعمؿ عمى تماسؾ المجتمع ،فتحدد لو أىدافو كمثمو العميا.
ب-تساعد المجتمع عمى مكاجية التحديات كالتغيرات بما يضمف لو الحفاظ عمى تماسكو كاستق ارره.
جػ-أنيا تربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضيا البعض.
د -تحمي المجتمع مف األنانية المفرطة كالنزاعات المدمرة.
ه -أنيا تزكد المجتمع بالصبغة التي تسمح لو بالتعامؿ مع العالـ الخارجي.
و -أنيا تكجو سمكؾ االفراد في المجتمع نحك أخذ مكاقؼ معينة مف القضايا االجتماعية.
ز -أنيا تعمؿ عمى الحفاظ عمى البناء االجتماعي كاالنتظاـ بداخمو.
حـ -تخبر عف المعتقدات كاالتجاىات كالقيـ كاألفعاؿ التي تستحؽ االىتماـ اك التحدم.
ط -تساعد في اختيار كتفضيؿ أيديكلكجيا عف أخرل.
كـ -تساعد في الحكـ عمى أفعالنا كأفعاؿ االخريف كالمقارنة بينيا فيي بمثابة مستكيات تتخذ لمتقييـ.
(دسكقي ،2000 ،ص )111
56
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
.4.8الظروف االقتصادية واالجتماعية :تزكد ىذه الظركؼ المحيطة باألفراد في المجتمع ،بمنظكمة مف
القيـ المحددة لمسمكؾ كالعبلقات االجتماعية فيما بينيـ.
.5.8المقررات والبرامج الدراسية :تمعب ىذه األخيرة دك ار بالغا في تمقيف كاكتساب األفراد في المجتمع لقيـ
بعينيا( .العريشي كآخر ،2015 ،ص ص )80،81
.9تفسير القيم:
يمكف القكؿ كمنذ البداية أف محاكالت تفسير القيـ جاءت متباينة كمتعددة .كىك التبايف ،كالتعدد الذم يجد
تفسيره في اختبلؼ األطر المرجعية ،كالخمفيات الفكرية ،أك المنظكر الذم تبناه كؿ كاحد مف الميتميف
بمكضكع القيـ في محاكلتو لتفسير القيـ .كقد حاكؿ "فكف ميرنيغ" شرح أسباب ىذا التعدد في القكؿ بكجكد
جدب في النظريات المتناسقة ،في مقابؿ ىذا الخصب مف النظريات المتضاربة ،كىك التضارب الذم يجد
جذكره في سببيف رئيسييف ىما:
-السبب األول :كيتصؿ بالممارسة اليكمية حيث تشارؾ في صكغيا شؤكف الحياة اليكمية المعتادة.
-السبب الثاني :كيعكد إلى مجاؿ الدراسة النظرية حيث تـ تناكؿ مكضكع القيـ بالبحث مف قبؿ الفمسفة ،ثـ
باقي مختمؼ العمكـ االجتماعية ،كىك البحث الذم جاء بطرؽ متباينة.
كعميو كتبعا ليذيف السببيف ،تككف اآلراء كالتجاىات ،قد اختمفت ،في تحديد األسس التي تقكـ عمييا القيـ.
فيؿ تقكـ عمى مثبل عمى أساس حقائؽ ذاتية ،أـ عمى أساس اعتبارات ذىنية .كمف ذلؾ ،فإذا كاف الفيمسكؼ
يربطيا بأفكار مثالية ،فإف عالـ االجتماع يربطيا بظركؼ المجتمع ،نظمو ،عاداتو ،كتقاليده ،في حيف يحيميا
عالـ النفس إلى الجكانب النفسية لمفرد بما تشتمؿ عميو مف رغبات ،كاىتمامات ،كدكافع.
كعمكما يبلحظ الميتـ بيذه التفسيرات عمى تعددىا ،كتنكعيا ،بأنيا تقع ضمف ثبلث اتجاىات رئيسية ،اتجاه
كبير أكؿ يقكؿ بذاتية القيـ ،ثـ اتجاه كبير ثاف يقكؿ بمكضكعية القيـ ،كأخي ار اتجاه ثالث يحاكؿ الجمع بيف
االتجاىيف ،كفي ذلؾ فإف لكؿ اتجاه مف ىذه االتجاىات الثبلث حجتو كمبرراتو( .عميرش،2005/2004 ،
ص )30
57
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
تعدك أف تككف أحكامو سكل تبرير لمرغبات ،كالحاجات ،كالمطالب المتعمقة بيذا الشخص ،أك بالفاعؿ ذاتو
كالمرتبطة بالمجتمع الذم ينتمي إليو.
كفيما يمي بعض النماذج التي تنضكم تحت اتجاه التفسير الذاتي لمقيـ ،كالذم يرل أصحابو بأف الذات
الفاعمة ىي مصدر القيـ ،كاف كانكا قد اختمفكا حكؿ أم العكامؿ أشد تأثي ار في اإلنساف ،فيؿ ىي العكامؿ
البيكلكجية ،أـ العكامؿ النفسية ،أـ العكامؿ االجتماعية ،أـ االقتصادية.
.1.1.9المنظور النفسي:
يتفؽ أصحاب ىذا المنظكر عمى إرجاع القيمة إلى محتكل الكعي ،أك الكجداف النفسي ،اك الجكانب العاطفية
بما تحممو ،أك تنطكم عميو مف رغبات ،كمشاعر .إذ ال تكجد ىناؾ قيمة إال بما يمكف أف يرضي رغبة
معينة ،أك يثير انفعاال ما ،حتى أك يجسد ،أك يعبر عف دافع ما مف الدكافع الذاتية .كمف ذلؾ فبل تككف
القيمة صفة خاصة بالمكضكع ،أك المكضكعات ،أك األشياء ،كلكف بأنكاع الذكات كالفاعميف .فاألفراد أك
الفاعميف ،يعزكف القيمة لؤلشياء ،أك لممكضكعات ،ألنيـ يرغبكف فييا ،حيث تتطابؽ الرغبة مع عممية التقكيـ
كما تقاس عاطفة القيمة بفعؿ قكة الرغبة كشدتيا ،أم ليس باإلرادة ،حيث تتحدد قكة الرغبة بفعؿ الزيادة
النسبية لمذة المنطكية عمى ىذ الرغبة كشدتيا( .قنصكة ،2010،ص)71
كأما مف أىـ النظريات النفسية المفسرة لمكضكع القيـ فنجد نظرية " رالؼ بارتكف بيرم" التي تستخدـ مفيكـ
االىتماـ كمحكر لمتركيز في تفسير القيمة بدال مف االكتفاء فقط بمكضكع الرغبة .كمفاد ىذه النظرية ىك أف
أم اىتماـ بأم شيء يجعؿ ىذا الشيء ذا قيمة .فمف الخصائص المميزة لمعقؿ البشرم أنو يقبؿ بعض
األشياء ،كيرفض بعضا أخرل ،حيث يتضمف كؿ مف القبكؿ ،كالرفض معاني كثيرة كمنيا المكافقة ،عدـ
المكافقة ،الحب ،كالكره...إلخ .ككؿ ىذه الخصائص الشاممة لمحياة الكجدانية ،أك المعبرة عف الحياة العاطفية
التي تكصؼ بأنيا حاالت نفسية ،أك أفعاؿ ،أك اتجاىات ،أك ميكؿ ،تتكافؽ كمصطمح "االىتماـ" عند "رالؼ
بارتكف بيرم" حيث االىتماـ برأيو ىك السمة المميزة ،كالخاصية الدائمة في جميع القيـ .كفي ىذا يقكؿ" إف أم
شيء يككف مكضكع اىتماـ فيك حتما محمؿ بالقيمة".
كىك ذات الرأم الذم اتفؽ فيو معو الكثيركف ،كمنيـ "ماينكنج" الذم يقكؿ "نحف ال نرغب األشياء ألننا نتعرؼ
فييا عمى ذلؾ العنصر الغامض العصي عمى الفيـ المسمى قيمة ،إننا ننسب القيمة لؤلشياء ،ألننا نرغب
فييا" .أم أف القيـ تنبع مف االىتماـ ،كالرغبة ،كليس العكس .أم أف االىتماـ كالرغبة ال ينبعاف مف القيـ.
كىي الخاصية بطبيعة الحاؿ التي تؤكد مرة أخرل عمى ارتباط القيـ باإلنساف أك ىي – القيـ -تظير نتيجة
اىتماـ اإلنساف اك الذات الفاعمة باألشياء كالمكضكعات( .قنصكة ،2010 ،ص )72
58
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
.2.1.9المنظور االجتماعي:
يؤكد أصحاب المنظور االجتماعي في تفسيرىـ لمقيـ االجتماعية عمى أنيا تشكؿ جزءا ميما في البناء
االجتماعي ،كأنيا مف صنع المجتمع ،كىي ال تنشأ بطريقة عشكائية ،أك نتيجة الحدس ،أك التفكير المجرد .ثـ
إنيا تستمد كاقعيتيا مف تكحد أفراد المجتمع كاتفاقيـ حكليا مف أجؿ تنظيـ عبلقاتيـ كشؤكنيـ االجتماعية.
ىذا كيؤكد عمماء االجتماع في دراستيـ لمقيـ االجتماعية عمى ضركرة النظر إلييا مف عدة زكايا:
االجتماعية ،الثقافية ،التاريخية ،كحتى االقتصادية كالسياسية ،ذلؾ أنو ال يمكف فيـ السمككات اإلنسانية
كاكتشاؼ كنييا بمعزؿ عف ىذه الزكايا أك الجكانب مجتمعة.
كبما أف عمـ االجتماع يحتكم عمى عدة مدارس ،كاتجاىات فكرية متباينة ،كبما أف القيـ االجتماعية مف
المكضكعات السكسيكلكجية ،فقد جاءت االتجاىات السكسيكلكجية ،كالمدارس ،التي اىتمت بتناكؿ كتحميؿ
القيـ االجتماعية متعددة كمتباينة أيضا ،كمنيا:
.3.1.9االتجاه الوظيفي:
كلعمو مف أبر ممثمي ىذا االتجاه" إميؿ دكركايـ" الذم يعد رائدا مف ركاد عمماء االجتماع ،بؿ كمف بيف عمماء
االجتماع الذيف اىتمكا بدراسة القيـ االجتماعية ،كىك بدكره يرفض االعتقاد أك القكؿ بأف القيمة باطنة في
الشيء ،كتؤثر في الذات ،كأف الذات ىي مف تخمع القيمة عمى الشيء ،فيك يرد القيمة إلى الضمير الجمعي.
كمعنى ىذا أف الذات الجمعية ىي منشأ كىي مصدر القيـ ،كليس الذات الفردية ،عمى اعتبار أف الذات
الجمعية الكامنة في المجتمع بما تمثمو مف سمطة أخبلقية ىي مصدر اإللزاـ ،كىي مف تأمرنا كتفرض عمينا
الكاجبات .ك" الضمير الجمعي" باعتباره الكحدة التي تجمع بيف الطابعيف المميزيف لمظاىرة األخبلقية مف
حيث اإللزاـ المفركض ،كالخير المطمكب ،يممي عمينا إلزاما بكصفو قكة خارجية عالية مف ناحية ،كمف ناحية
أخرل نتمؽ بو ألنو باطف فينا ،ككؿ مف حاكؿ التمرد عمى قيـ المجتمع عرض نفسو لمسخط كاالستيجاف
كالرفض مف قبؿ المجتمع ،كىنا تظير القيـ االجتماعية مثؿ باقي الظكاىر االجتماعية ،التي ىي مف صنع
المجتمع ،كتتمتع بقكة االلزاـ( .قنصكة ،2010،ص ص )82-79
كذلؾ أظير " ماكس فيبر" بدكره اىتماما بالقيـ االجتماعية لدل تناكلو الفعؿ االجتماعي بالدراسة كالتحميؿ ىذا
الفعؿ ا لذم يعده المكضكع الرئيسي لعمـ االجتماع ،إذ يعرؼ عمـ االجتماع بكصفو العمـ الذم يشغؿ نفسو
بالفيـ التفسيرم لمفعؿ االجتماعي ،كحتى يككف الفعؿ االجتماعي بؤرة التحميؿ السكسيكلكجي يشترط " فيبر"
تكفره عمى ثبلث عناصر أساسية ىي:
الوعي :أم كعي الشخص بسمكؾ اآلخريف أك بتكاجدىـ.
59
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
المعنى (الداللة) :أم أف الفعؿ (فعؿ الذات) البد أف يحمؿ داللة أك معنى عند اآلخريف ،كالعكس ،أم ال بد
لفعؿ اآلخريف أف يحمؿ قيمة كداللة عند الفرد أيضا.
الفيم :كيتجمى في تعبير اآلخريف مف خبلؿ فيـ السمكؾ.
أم بمعنى أننا بصدد الفرد الفاعؿ حينما يعطي معنى ذاتيا لسمككو ،كيككف الفعؿ اجتماعيا في معناه الذاتي
عندما يأخذ في اعتباره سمكؾ اآلخريف ،كيككف بذلؾ َّ
مكجيا في سمككو .كىنا تبرز أىمية القيـ االجتماعية
عند "ماكس فيبر" أك عندما يعمف بأف الفعؿ االجتماعي ،يتجو باستمرار ،نحك تحقيؽ القيـ االجتماعية السائدة
بما أف السمكؾ االجتماعي يتبمكر كيتحدد داخؿ إطار ما يسمى بمكجيات الفعؿ االجتماعي .عمما بأف
"ماكس فيبر" في تحميمو كتفسيره لمفعؿ االجتماعي ،كاف قد صنفو في أربعة ( )04فئات ،أك أنماط لمفعؿ
االجتماعي كىي:
أ -الفعل العقالني المرتبط بيدف ما :كىك الفعؿ الذم يتميز فيو الفاعؿ باإلدراؾ الشامؿ لميدؼ المحدد
كالتقدير السميـ لمكسائؿ المساعدة في تحقيقو.
ب -الفعل العقالني المرتبطة بقيمة :كىك الفعؿ الذم ييدؼ إلى التمسؾ بقيمة معينة لما ليا مف أىمية كبيرة
عند الفرد أكثر مف اىتمامو بتحقيؽ ىدؼ خارجي آخر.
ج ػ -الفعل العاطفي أو الوجداني :كىك الفعؿ الذم ينشأ عف حالة عاطفية أك عف حالة نفسية مباشرة لدل
الفرد.
د -الفعل التقميدي :كىك الفعؿ الذم تحدده العادات كالتقاليد ،كبالتالي يأتي ىذا الفعؿ ،أك السمكؾ كاستجابة
لما اكتسبو الفرد خبلؿ عممية التنشئة االجتماعية.
نفيـ مما تقدـ بأف الفعؿ االجتماعي عبارة عف سمكؾ يقكـ بو الفرد ،أك الفاعؿ داخؿ نظاـ اجتماعي معيف
كضمف حدكد معيارية ،كفي ظؿ ظركؼ معينة لمسعي مف أجؿ تحقيؽ أىدافو ،مستخدما في ذلؾ جممة مف
الكسائؿ التي تتكافؽ مع طبيعة كنكعية ىذه األىداؼ ،كمكجيا بمكجيات قيمية ،يتحدد مف خبلليا ما ىك
مرغكب فيو ،كما ىك غير مرغكب منو اجتماعيا( .عميرش ،2005/2004 ،ص )26
ىذا كيككف " تالككت بارسكنز" قد ذىب في ذات االتجاه ،عندما أكد بدكره عمى القيمة ،كمحدد إلطار بنية
الفعؿ االجتماعي ،إذ تفرض ىيكمو ،كبنياتو .كأما اإلطار المرجعي لمفعؿ االجتماعي عند "بارسكنز" فيشتمؿ
عمى ثبلثة أدكار ىي :دكر الفاعؿ ،دكر المكقؼ ،كدكر المكجيات.
أك اف "بارسكنز" كعمى ىذا النحك يعترؼ بدكر " القيـ " في المجتمع .فاألفراد مف خبلؿ استدماجيـ لمقيـ
االجتماعية ،يتعممكف ما ىك متكقع منيـ اجتماعيا ،كبذلؾ يتحقؽ اندماجيـ في المجتمع ،كيصبحكف مشارككف
60
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
إيجابيكف في حي اة الجماعة .أم أف نسؽ القيـ في المجتمع يمعب دكر الضابط لمسمكؾ الفردم كالجماعي
فيي تتحكؿ إلى معايير محددة لمسمكؾ االجتماعي ،بما يتماشى مع نسؽ القيـ التي يتـ تعمميا مف خبلؿ
عمميات التنشئة االجتماعية.
أم أف القيـ عند "بارسكنز" كعمى غرار "ماكس فيبر" تتكظؼ بدكر مكجيات الفعؿ في المكقؼ االجتماعي.
كبالتالي فإف القيـ ،بمثابة عناصر ثقافية ،تعبر عف تصكرات لمتفضيؿ االجتماعي ،كىي عناصر منظمة
لسمكؾ الفرد في مكقؼ معيف( .قنصكة ،2010 ،ص )88
نفيـ مما تقدـ أف أصحاب اال تجاه الكظيفي يؤكدكف عمى أف القيـ االجتماعية مف صنع المجتمع ،نتيجة
خبرات اجتماعية تككنت اجتماعيا ،كبأنيا محدد ىاـ مف محددات السمكؾ االجتماعي .أم أف القيـ تمعب دك ار
في خضكع األفراد ،كفي حفظ التكازف ،كبالتالي حفظ االستقرار داخؿ المجتمع ،حيث يككف عمى الفرد التكيؼ
مع النظاـ االجتماعي القائـ.
.4.1.9االتجاه الماركسي:
يعرؼ أصحاب ىذا االتجاه القيـ بأنيا صفات المكضكعات المادية ،كبأنيا حقائؽ كاقعية مكجكدة في حياتنا
اليكمية .كيرل أصحاب االتجاه الماركسي بأف مصدر القيـ ىك البناء التحتي ،أك البناء االقتصادم لممجتمع
الذم يحدد صك ار معينة مف الكعي االجتماعي تطابؽ األساس المادم .أك مثمما يقكؿ ماكس "ليس كعي
الناس ىك الذم يحدد كجكدىـ بؿ كجكدىـ المادم ىك الذم يحدد كعييـ" .كبالتالي فإنو بتغير األساس المادم
لممجتمع يتغير بناؤه الفكقي ،بما يشتمؿ عميو مف قيـ ،كأفكار كاف بدرجات متفاكتة .كتبعا ليذا الطرح فإف
القيـ تصبح نسبية ،كىي تتغير لتتناسب كاألكضاع االجتماعية السائدة ،فالكضع الطبقي لممجتمع ىك مف
يبقي عمى القيـ كنسبيتيا ،حيث تحاكؿ كؿ طبقة اجتماعية الحفاظ عمى أفكارىا كمصالحيا( .قنصكة،
،2010ص ص )103 -93
. IVاليوية
-تمييد:
لقد تزايد االىتماـ عمى مدل العقديف الماضييف بمفيكـ "اليكية" كذلؾ سكاء في العمكـ االجتماعية ،أك في
العالـ ،فقد أخذت الكتابات الميتمة بالمكضكع في تزايد مطرد ،في العديد مف العمكـ االجتماعية كفركعيا
المختمفة حكؿ تعريؼ اليكية ،حكؿ تطكر اليكيات عمى اختبلفيا العرقية ،الكطنية ،المغكية ،الدينية ،الطبقية
تمؾ المتعمقة بالفرع كغيرىا مف اليكيات األخرل ،كحكؿ دكر ىذه اليكيات في الحياة االجتماعية كالسياسية
كاالقتصادية.
كقد لعب عالـ النفس" إ .إريكسكف" دك ار محكريا في انتشار استخداـ ىذا المفيكـ في العمكـ اإلنسانية عندما
صاغ تعبير" أزمة اليكية" عندما درس مكضكع "االجتثاث الثقافي" لمينكد الحمر ،ثـ عندما نضر كتابو "
طفكلة كمجتمع" سنة .1950إال أف تكسع استخداـ مفيكـ اليكية في عمـ االجتماع ،كتحديدا في الكاليات
المتحدة األميركية ،فكاف مع الستينات مف القف الماضي ،كبخاصة مع ظيكر مشكمة األقميات ،كعمى رأسيا
األقمية االفريقية ،كقد قاـ مفكرك ما بعد االستعمار بالكتابة حكؿ اليكيات اليجينة أك المختمطة التي صنعيا
االستعمار كمنيـ "إدكارد سعيد" ك"كاياترم سيفاؾ" (بمكا ،2014 ،ص )17
Rogers كيكحي ىذا التزايد في االىتماـ بمفيكـ اليكية ،عمى غرار ما ذىب إليو "ركجر سميث""
" Smithبتزايد الكعي بخطكرة كحساسية ذا المفيكـ ،كبأف اليكيات مف أبرز الجكانب المعيارية ،كمف أكثرىا
تأثي انر في السمكؾ اإلنساني ،كفي السمكؾ السياسي عمى كجو التحديد.
لكف كمع ذ لؾ فإنو يمكف القكؿ بأف الكتابات حكؿ مفيكـ اليكية ،تبقى رغـ ذلؾ متناثرة ،فبل تزاؿ العمكـ
االجتماعية لـ تعرؼ بعد صعكدا مكازيا في درجة التكافؽ في اآلراء ،بشأف تعريؼ مفيكـ اليكية .فمقد أدل
62
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الىتماـ الشديد بمفيكـ اليكية في أغمب األكقات إلى شيء مف الغمكض ،كباألحرل إلى عدـ الكضكح في
المفيكـ ككنو مفيكـ متغير ،أك متحرؾ ،كغير ثابت .حتى أف "ركجر بركبيكر"" "Brubakerك"فريدريؾ ككبر"
" " F. Cooperكانا قد ذىبا إلى القكؿ :أنو قد حاف األكاف لمتخمي عف مفيكـ اليكية نيائيا ،كتجاكز ىذه
المغة البحثية المبيمة ،بدرجة ال عبلج ليا ،حتى أنيا تزيد الغمكض أكثر مما تكضحو".
ىذا كتعاني البحكث في مجاؿ اليكية االجتماعية نكعيف مف المشكبلت ىما:
أ -المشكالت المتعمقة بالمفيوم :أك كيؼ لممشتغميف بحقؿ العمكـ االجتماعية معالجة مفيكـ اليكية بكضكح
ككيؼ يمكنيـ المقارنة بيف األنكاع المختمفة لميكية ،كما في تكظيؼ ىذا الزخـ النظرم في فيـ اليكية
كمتغير.
ب -المشكالت المتعمقة بالثغرات التنسيقية :كتتضمف غياب االتساؽ كالكضكح في تعريؼ اليكية كسياقيا
كعدـ التنسيؽ بيف البحكث الميتمة بدراسة اليكية في التخصصات المختمفة ،بؿ كبيف الفركع المختمفة داخؿ
التخصص الكاحد( .عبد العاؿ ،2014 ،ص ص .)28،27
ىذا في الكقت الذم يعتمد فيو تقدـ البحث في مجاؿ اليكية االجتماعية ،عمى التكصؿ إلى كضع إطار
تحميمي يسمح بالمقارنة ،كالتمييز بيف أنكاع اليكية أك اليكيات في المجتمع .فالزخـ المعرفي الذم خص بو
مفيكـ اليكية ،أدل بالبعض إلى القكؿ بصعكبة تعريؼ ىذا المفيكـ ،الذم يظؿ رغـ ىذه االجتيادات النظرية
الكثيرة ،عصيا عمى التحديد ،فقد ظمت اليكية غامضة ،كال شكؿ محدد ليا .أك كما قاؿ " كميزكف" قد صار
مف المستحيؿ تحديد المعنى الدقيؽ لكؿ استخداـ خاص لمفيكـ اليكية ،أماـ ىذا االنتشار الكاسع كالسريع
ليذا ال مفيكـ الذم صار يمحؽ بنعكت أخرل كثيرة مف قبيؿ :أزمات اليكيات ،تركيب اليكيات ،كاليكيات
المتعدة .أما مف بيف أسباب انتشار ىذا المفيكـ فيمكف أف نعدد األسباب التالية:
-الفردانية :كفي ىذا يرل " جكف كمكد ككفماف" عمى سبيؿ المثاؿ في كتابو " ابتكار الذات" بأف اليكية
صيركرة ذاتية لمحداثة كمرتبطة بيا تاريخيا .أم ىي انعكاس النتصار الفردانية.
-العولمة والحداثة :حيث كادت ىذه العكلمة أف تنحصر في االمركة ،مما أدل إلى اثارة مكضكع اليكية،
فيي تستفز الخصكصية ،كلذلؾ فمف الطبيعي أف تطرح المجتمعات الميمكمة بالتعرؼ كالتعريؼ بذاتيا تجاه
اآلخر مثؿ ىذه اإلشكاالت.
-األزمات والتحديات الحضارية :كالحاجة إلى إعادة ترتيب عناصر اليكية كارساء عبلقتيا بالمحيط
الخارجي.
-التأسيس اليوياتي :كبخاصة بالنسبة لممجتمعات العربية كاستجابة لتحدم آخر في مكاجية الغرب.
63
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-العالقة الوثيقة بين التأزم الحضاري واليوية :ففي كؿ مرة تتعرض فييا المجتمعات الى ىزات اجتماعية
تظير الحاجة إلى إعادة الحديث عف اليكية.
-تنامي الوعي الديمقراطي في العالم :كبركز ثقافة حقكؽ االنساف كاالعتراؼ بقيمة التعددية الحضارية
كالثقافية.
-العامل الخارجي االستعماري :كخاصة بالنسبة لممجتمعات التي تعرضت لبلستعمار كتيديـ بنيتيا
االجتماعية ،بؿ كاليزاؿ استعمار االمس يسعى الى تفتيت الكيانات الكطنية ،باستغبلؿ االختبلفات المغكية،
كتفجير الصراعات الطائفية.
-محاولة استعادة ما ضاع :بالنسبة لمبمداف المستعمرة سابقا في محالة منيا العكدة الى ىكيتيا اماـ فداحة
ما خسرتو مف مقكمات ثقافية كحضارية زمف الحقبة االستعمارية( .بمكا ،2014 ،ص ص )21-19
.1مفيوم اليوية:
يكجد في الكاقع عدد ال محدكد مف التعريفات الخاصة بمفيكـ اليكية ،كمف بيف أىـ ىذه التعريفات نجد
تعريؼ المفكر الفرنسي "أليكس ميكشيممى" الذم رأل بأف اليكية عبارة :منظكمة متكاممة مف المعطيات
المادية ،كالنفسية ،كالمعنكية ،كاالجتماعية ،تنطكم عمى نسؽ مف عمميات التكامؿ المعرفي ،كتتميز بكحدتيا
التي تجسد في الركح الداخمية ،التي تنطكم عمى خاصية اإلحساس باليكية ،كالشعكر بيا .فاليكية ىي كحدة
المشاع الداخمية ،التي تتمثؿ في كحدة العناصر المادية كالتمايز ،كالديمكمة ،كالجيد المركزم .كىذا يعني أف
اليكية ىي كحدة مف العناصر المادية كالنفسية المتكاممة ،التي تجعؿ الشخص يتمايز عف سكاه كيشعر
بكحدتو الذاتية.
يتبيف مف ىذا التعريؼ لمفيكـ اليكية أف "أليكس ميكشيممي" يعتقد بأف اليكية ثبلثة أطر أك دكائر كىي :الفرد،
مجتمعية ،كانسانية .إلى جانب ىذا التعريؼ ىك تعريؼ آخر يقترح تأسيس تعريؼ اليكية الجمعية بكصفيا
تصنيفا اجتماعيا ذا بعديف متغيريف ىما:
-بعد المضمون :كيصؼ معنى اليكية االجتماعية .حيث ينقسـ مضمكف اليكية االجتماعية الى أربعة أنكاع
قد تتداخؿ فيما بينيا كىي:
-المعايير التأسيسية :القكاعد الرسمية كغير الرسمية التي تعرؼ عضكية الجماعة.
-األغراض االجتماعية :كىي األىداؼ المشتركة بيف أعضاء الجماعة.
-النماذج المعرفية :كىي النظرة الكمية لمعالـ أك طريقة فيـ الظركؼ كالمصالح السياسية ،كالمادية كفؽ ما
تمميو ىكية معينة.
64
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-المقارنات بين العالقات مع التصنيفات االجتماعية األخرى :كىي تعريؼ ىكية الجماعة بمفيكـ المخالفة.
أم مف خبلؿ نظرتيا لجماعات ذات ىكية األخرل ،خاصة عندما تككف نظرتيا لمجماعات األخرل ذات
اليكية األخرل اك المختمفة جزءا مف تعريفيا لذاتيا.
-بعد الجدل :كيشير إلى درجة االتفاؽ بيف الجماعة عمى مضمكف التصنيؼ المشترؾ.
كىكذا يسمح تصكرنا لميكية مقارنتو مع اليكيات األخرل مف حيث درجة االتفاؽ كاالختبلؼ بيف أعضاء
الجماعة عمى معانييا .أم بمعنى الحاجة إلى بناء اطر تحميمية تسمح لمميتميف بالمقارنة بيف أنكاع اليكيات
االجتماعية المختمفة مف :عرقية ،كطنية ،دينية ،طبقية ،قائمة عمى النكع ،اك جندرية... ،الخ .فاليكيات
االجتماعية أبعد ما تككف عف السككف أك الثبات ،كتتفاكت في مدل االتفاؽ مف عدمو حكؿ معانييا،
فمضامينيا تتفاكت تفاكتا شديدا( .عبد العاؿ ،2014 ،ص ص.)29،28
كعمكما فقد اعتبر الكثير مف الباحثيف في العمكـ االجتماعية بأف مفيكـ "اليكية "يدكر في ثبلث دكائر ،كاف
كانت تختمؼ عف بعضيا البعض ،بحسب كجية نظر القائميف بيا ،كاف كانكا قد أقركا بفكرة تداخؿ ىذه
الدكائر فيما بينيا أال كىي:
أ .دوائر الفرد :ضمف مجمكعة كاحدة ،باختبلؼ ىذه المجمكعات ،حيث يتمايز الفرد عف ذكيو مف نفس
المجمكعة بيكية خاصة.
ب .دوائر المجموعة المتمايزة ضمف األمة/المجتمع.
جػػ .دوائر األمة/المجتمع المتمايزة بيف األمـ/المجتمعات األخرل.
كبتعبير آخر فإنو ال يمكف تناكؿ مفيكـ اليكية خارج منطؽ التعدد كاالختبلؼ حتى داخؿ اليكية الكاحدة ،إذ
لـ تعد اليكية كينكنة جامدة ،أك جكى ار خالصا ،كلكنيا خميط مف التداخبلت ،كالتمازج ،كالتفاعبلت االجتماعية
كالثقافية المتعددة ،كالمركبة.
كفي إطار ىذا المعنى يقكؿ " دكبار" سكؼ أدعك أكلى أشكاؿ اليكية ،كاألكثر قدما بؿ الغارقة في القدـ
أشكاال جماعاتية كىي تفترض اإليماف بكجكد تجمعات تسمى "جماعات" كىي بمثابة أنظمة مكاقع كأسماء
محددة مسبقا لؤلفراد ،تعيد إنتاج المماثؿ عبر األجياؿ ،كتخضع ىذه األشكاؿ لئليماف بالطابع األساسي
لبلنتماء الى مجمكعات معينة تعتبر أساسية أك ثابتة أك فقط حيكية بالنسبة لمفرد ،كمنيا الثقافات ،االثنيات
االتحادات ،كاألمـ التي تعتبر برأم السمطات كاألفراد جكىرية لميكية .كاما ثاني األشكاؿ فيي أشكاؿ أكثر
حداثة ،كربما تككف ناشئة ،كأطمؽ عمييا األشكاؿ التطكيعية ألنيا تفترض كجكد ىيئات متعددة كمتبدلة كزائمة
65
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ينتمي إلييا األفراد لفترات معينة ،تمدىـ بمصادر مماثمة ،كيديركنيا بطرؽ كأساليب متنكعة كمؤقتة .ككفؽ
ىذا الطرح ،فإف كؿ شخص يمتمؾ انتماءات متعددة( .دكبار ،2008 ،ص ص )22،21
أم بمعنى أف اليكية ليست فعبلن نيائيا ،بؿ فعؿ متجدد مفتكح عمى التعدد ،كعمى الختبلؼ ،كمتفاعؿ مع
المكاف كالزماف .لذلؾ يمكف أف نشاطر الفيمسكؼ "تشارلز تايمكر" الرأم عندما صرح بقكلو" :سابقا كانت
الي كية محددة كثابتة ،حاليا أصبح األفراد كالجماعات مطالبيف بفعؿ الظركؼ التي تغيرت ،بأف يعيدكا تعريؼ
ىكياتيـ ،ككؿ ىكية جديدة تككف غالبا في كضعية متدفقة ،كغير ثابتة ،كال ترضي الجميع...ليذا فإف عالـ
المستقرة يجعؿ مف االعترافات المتبادؿ الرىاف األساسي كاألكلي ،كىذا ىك قدرنا في الكقت
اليكية غير ه
الحاضر كيمكف أف يككف كذلؾ حتى المستقبؿ"( .سعدم ،أكتكبر ،2010ص)83
كيذىب "أميف معمكؼ" في كتابو اليكيات القائمة في نفس االتجاه ،عندما يكتب بأف مفيكـ اليكية معقد ،فيي
ليست معطى ثابتا ،بؿ تتشكؿ كتتحكؿ باستمرار .بؿ كحتى السكسيكلكجيا ترل بأف اليكيات متشكمة متفاعمة
مع الزمف كالمكاف ،كليذا فيي في عبلقة جدلية بيف األنا كاألخر ،كمف المتكقع ،كمع تزايد االحتكاؾ الثقافي
بيف الشعكب ،كاألفراد في القرف الكاحد كالعشريف (ؽ )21أف تشكؿ الديناميات اليكياتية أحد العناصر
المشكمة لعالـ ىذا القرف( .سعدم ،أكتكبر ،2010ص)83
لقد فرض القرف الكاحد كالعشريف (ؽ )21ضركرة إرساء براديغـ (نمكذج أساسي) جديد لمقاربة اليكية .براديغـ
يستجيب لجممة التحديات كالتحكالت الجذرية التي تعيشيا المجتمعات ،كالفضاءات الثقافية المختمفة ،كانشاء
سكسيكلكجيا لمتكاصؿ اإلنساني في مختمؼ الفضاءات :اإلعبلمية ،السياسية كاالقتصادية ،إذ عمينا أف نتعمـ
كيؼ تتكاصؿ كنتعايش باستمرار ،مع ما ىك ككني ،كما ىك محمي ،كىي عممية تكازف غير ثابتة ،أك غير
بسيطة ،حيث يسير العالـ نحك ثقافة ككنية مكحدة في الكقت ذاتو الذم تبحث فيو المجتمعات عمى تأكيد
االختبلفات كالتمايزات كربما التقكقع عمى نفسيا.
66
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-4االنتماءات الفيزيائية :مثؿ االنتماء االجتماعي ،التكزيعات االجتماعية ،كالسمات المكرفكلكجية األخرل
المميزة.
ثانيا :العناصر التاريخية :كتتضمف اآلتي:
-1األصكؿ التاريخية :األسبلؼ ،الكالدة ،االسـ ،المبدعكف ،االتحاد ،القرابة ،الخرافات الخاصة بالتككيف
كاألبطاؿ األكائؿ.
-2األحداث التاريخية اليامة :المراحؿ اليامة في التطكر التحكالت األساسية ،اآلثار الفارقة ،التربية كالتنشئة
االجتماعية.
-3اآلثار التاريخية :العادات كالتقاليد ،العقائد ،العقد الناشئة عف عممية التطبيع ،أك القكانيف كالمعايير التي
كجدت في المحمة الماضية( .ميكشيممي ،ترجمة :كطفو ،دكف سنة ،ص )18
ثالثا :العناصر الثقافية النفسية :ومنيا:
-1النظاـ الثقافي :المنطمقات الثقافية ،العقائد ،األدياف كالرمكز الثقافية ،كااليدكلكجيا ،كالنظاـ القيـ ،ثـ
أشكاؿ التعبير المختمفة (الفف ،األدب...الخ).
-2العناصر العقمية :النظرة إلى العالـ ،نقاط التقاطع الثقافية االتجاىات المغمقة ،المعايير الجمعية ،العادات
االجتماعية.
-3النظاـ المعرفي :السمات النفسية الخاصة ،اتجاىات نظاـ القيـ.
رابعا :العناصر النفسية االجتماعية :حيث نجد
-1األسس االجتماعية :اسـ ،مركز ،عمر ،جنس ،ميف ،سمطة ،كاجبات ،أدكا اجتماعية ،نشاطات،
انتماءات اجتماعية.
-2القيـ االجتماعية :الكفاءة ،النكعية ،التقديرات المختمفة ....إلخ.
-3القدرات الخاصة بالمستقبؿ :القدرة كاإلمكانية ،اإلثارة ،اإلستراتيجية ،التكيؼ ،نمط السمكؾ( .ميكشيممي،
ترجمة :كطفو ،دكف سنة ،ص ص )20،19
كبالتالي فعندما يريد شخص ما أف يعرؼ نفسو ،أك يعرؼ الجماعة التي ينتمي إلييا ،أك ىكية شخص آخر
أك جماعة ما ،فما عميو سكل أف يختار بعض السمات المكجكدة في فئات العناصر المذككرة كالمشكمة
لميكية .كفي عبارة أخرل يريد "أليكس ميكشيممي" أف يقكؿ لنا بأف تعريؼ ىكية مكضكع ما ،يحتاج إلى
االنطبلؽ مف المعايير السابقة ،بمعنى اف عمينا في حاؿ ما إذا أردنا أف نعرؼ مكضكع معيف ،أف نأخذ بعيف
67
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
االعتبار في تعريؼ السمات األساسية المتجانسة مف جية ،كالسمات الخاصة التي يمكنيا التأكيد عمى
خاصية التمايز مف جية أخرل.
كانطبلقا مف ذلؾ يرل " ميكشيممي" بتحديد أنكاع اليكيات ،مع العمـ بأنيا ليست الكحيدة ،إذ يمكف إتياف أنكاع
أخرل مف اليكيات ،في إذا ما لجأنا إلى اعتماد عناصر أخرل في تشكؿ أك في تحديد اليكية.
.3أنواع اليويات:
حدد "ميكشيممي" أنكاع اليكيات في :اليكية المادية ،اليكية الخاصة ،فاليكية االجتماعية.
.1.3اليوية المادية :كتشمؿ عمى:
أ -المكرفكلكجيا :السمات الفيزيائية.
ب -الممكية :مكضكعات كأشخاص كخصكصيات مختمفة.
جػ ػ -التنظيـ :بنية األشياء كتناسقيا( .ميكشيممي ،ترجمة :كطفو ،دكف سنة ،ص ص )20،19
.2.3اليوية الخاصة :كتنطكم عمى:
أ -األصكؿ كالماضي :الكالة ،التاريخ الخاص ،كأثاره.
ب -الكضعية الحالية :االسـ ،مكقع الشخص مف األخرل السمطات ،الكاجبات.
ج -نظاـ القيـ كالسمكؾ الخاص :السمات الخاصة كالسمكؾ الخاص ،المثيرات ،االىتمامات.
د -القدرات الخاصة :الكفاءات ،النتائج ،النشاطات.
.3.3اليوية االجتماعية :كتتضمف:
أ -صكر اليكية مف منظكر اآلخريف ،النماذج ،أراء اآلخريف.
ب -االنتماءات :الجماعات الثنائية ،جماعات االنتماء (عمر ،جنس ،مينة ،رياضة ،نشاطات).
جػ ػ-الرمكز كاإلشارات الخارجية :كؿ ما يمكف أف يأخذ مكانا في إطار التسمسؿ االجتماعي( .ميكشيممي،
ترجمة :كطفو ،دكف سنة ،ص .)21
د -النشاطات :كتتضمف الجانب المتعمؽ بالنشاطات االقتصادية أك غيرىا مف النشاطات ،كما تتضمف تكزع
ىذه النشاطات كفقا لسكاف كالتنظيمات القتصادية المختمفة ،كالتجييزات التكنكلكجية أك الفنية في ميداف
الزراعة ،الصنعة ،السياحة ،كالثقافة كحركة العبلقات القائمة عمى مستكل االستيبلؾ ،كما تشتمؿ عمى
األنشطة الدينية كاالستعراضية ،كأنماط الحياة سكاء تعمؽ األمر بالسمكؾ الخاص بالجماعات الفرعية ،أك
األحداث المميزة لمحياة الجمعية زيادة عمى المغة باعتبارىا مفردات ،صيغ لغكية ،إبداعات جمالية...الخ.
68
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
ق-التنظيم االجتماعي :تشمؿ عمى التنظيـ الرسمي الذم يتضمف الكظائؼ ،القكانيف اإلجراءات ،نظاـ اتخاذ
الق اررات ،نظاـ التقييـ الرسمي ،نظاـ التعكيضات ،إجراءات معالجة المعمكمات كنشرىا كتخزينيا لنمط
السمطة ،أنظمة األدكار ،كما ينطكم عمى دراسة الصراع المسافات االجتماعية داخؿ الجماعة ،عبلقات
الترابط ،كالتبايف الداخمي ،شبكات التعاكف ،مستكل التدرج االجتماعي الداخمي ،كنمط الزعامات القائمة.
ك -الذىنية :يقصد بيا السمات األساسية الخاصة بتعريؼ الذىنية ،كيمكف إرجاعيا إلى نسؽ المعمكمات
الذم يشتمؿ عمى تحميؿ محتكل أشكاؿ التعبير الجمعي ،ذلؾ أف حياة الجماعة تنتظـ حكؿ أنشطة أساسية
كاىتمامات مركزية كتصكرات كما تنتظـ حكؿ أنماط الحياة الخاصة المطمكبة التي تتماشى مع األسس
المرجعية مف تصكرات جمعية ،أنظمة أراء ،عقائد كاتجاىات.
جد ير بالذكر التأكيد عمى أف التصنيفات السابقة ليست تصنيفات نيائية ،زيادة عمى انو ال يمكف ألحدىا أف
يكجد بمعزؿ عف اآلخر .أم أف نسؽ المعايير الذم يكظؼ في تحديد ىكية ما ،يعمؿ باعتباره نظامان متكامبلن
إذ تتداخؿ عناصره ،كتعمؿ جميعا في تحديد داللة كؿ عنصر مف عناصره .كمف ذلؾ يمكف القكؿ بأف ىكية
الجماعة التي تتحدد في إطار نظاـ متكامؿ ،كتمثؿ كحدة كمية تشتمؿ عمى جممة مف العناصر المتكاممة
لتشكؿ بذلؾ حقيقة اجتماعية تنطكم عمى جممة العناصر التالية:
أ -البيئة الحيوية :كتشمؿ عمى الكسط كالشركط التي تغطي نشاطات الجماعة كمنيا :الحدكد ،المكقع ،المناخ،
الحيكانات ،التربة ،المباس ،حالة السكف ،أساليب االتصاؿ ،التغيرات المممكسة...إلخ.
كما تتضمف ىذه البيئة جممة تأثيرات ىذا الكسط مف :إشباع الحاجات ،الحرماف كالكبت ،األىدافػ عناصر
التنظيـ االجتماعي ،الذىنية ،الطقكس كالسمككيات الخاصة ،كالعبلقات النمكذجية لمجماعة مع كطيا األصؿ.
ب -التاريخ :يشكؿ تاريخ الجماعة بدكره منطمقا لتحديد ىكيتنيا ،ذلؾ أف ىكية الجماعة تتجذر في تاريخيا
الذم يبرز في تقاليد الجماعة أساطيرىا ،كحكاياتيا ،زيادة عمى تاريخ أبطاؿ الجماعة التاريخية كصكر الحياة
السياسية لمجماعة ،البنية االجتماعية ،كأيضا اآلراء ،االتجاىات ،مكركثات الماضي...إلخ.
ج ػ -الديموغرافيا :كيعني ليا :عدد أفراد الجماعة ،كتكزعاتيـ كفقا لعامؿ الجنس ،كالعمر ،كالنشاط ،ػنساؽ
القرابة ،كالتغيرات الحاصمة داخؿ النظاـ السكاني ،يضاؼ عمييا نسبة الكفيات كالخصكبة ،تكزعات الجماعة
في المكاف ،نظاـ العبلقات االجتماعية ،نمط اليجرة ،كالزكاج ،كنمط المدارس...إلخ( .ميكشيممي ،ترجمة:
كطفو ،دكف سنة ،ص )23
مف ىنا يمكف القكؿ بأنو إذا ما كانت اليكية الفردية ذات بعد نفسي اجتماعي باألساس ،فإف اليكية الجماعية
تتغذل بالمقابؿ مف العمؽ ،أك البعد التاريخي ،أم أف اليكية الجماعية ىكية تاريخية باألساس ،كىي بالتالي
69
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
تندرج ضمف سياؽ اجتماعي-تاريخي تصكغو الجماعة ،كتتكارثو األجياؿ ،حيث تتجمى مظاىره المادية
كالرمزية في :العمراف ،الثقافة األدب ،القيـ ،الديف ،المغة ،كالتاريخ .زيادة عمى كافة محددات كأبعاد التجربة،
أك الخبرة الكجكدية في الزماف كالمكاف .كبيذا الخصكص يؤكد "مالؾ شبيؿ :عمى أف اليكية الجماعية "تمثؿ
ثمرة الفعؿ اإلنساني ،ىذا الفعؿ الذم يمثؿ مكضكع التاريخ كمحركو في الكقت ذاتو ،لكف مف دكف أف يككف
فعبل متقطعان ،كمفصكال تماما عف المستكيات الذاتية لمكعي الجماعي"( .أراؽ ،يكنيك ،2008ص .)229
لقد كاف كال يزاؿ ،مكضكع ،أك إشكاؿ اليكية ،سؤاال مركزيا حاض انر في الفكر العربي ،كذلؾ انطبلقا مف
اإلرث المغكم كالديني المشترؾ ،أك مف الخمفية الحضارية ،كالدينية ،كالقكمية المشتركة ،كالتي سعت إلى
تناكؿ اليكية العربية باعتبارىا ىكية جمعية كجماعية .إال أف ىذا التناكؿ ،أك الطرح ،عانى كيعاني مف
محاكالت تشكيؿ ،أك رسـ حدكد معينة ،ليذه اليكية .ما جعؿ ىذه اليكية تعاني مف التشكيش ،بما أف حدكدىا
أك أبعادىا ،كانت انتقائية ،أك ُعمؿ عمى تكييفيا ،كي تتجاكب مع طرح رسمي لميكية ،يمنعيا مف مكاكبة
التطكرات كمسايرة ركح العصر.
إف سؤاؿ اليكية عمى صعيد الفكر العربي ال يزاؿ مممكءا بحمكالتو اإلشكالية ،خصكصا في ظؿ ما تفرضو
األكضاع الحالية ،كمستجدات العبلقات الدكلية ،كأيف يجرم التعامؿ مع ىذا السؤاؿ في الغالب مف منطمؽ
الخكؼ مف االستبلب ،كالخشية عمى الذات ،مما يؤشر عمى كجكد أزمة ىكية بالنسبة لممجتمعات العربية
كاليكـ بشكؿ خاص ،أك أماـ ما تثيره العكلمة ،كالعكلمة الثقافية تحديدا مف إشكاالت ،مما يؤدم في أغمب
األكقات إلى نكع مف االنغبلؽ ،كذلؾ باالحتماء بالماضي ،أك باليركب إليو.
مف ذلؾ يجكز القكؿ بأف التمزقات التي تعيشيا المجتمعات العربية اليكـ ،إنما تجد تفسيرىا في مستكل معيف
في جمكع األزمات النفسية االجتماعية ،الثقافية ،كالسياسية ،المرتبطة بسؤاؿ اليكية في صيغتو العربية ،كأما
ىذه التمزقات فيمكف اختزاليا في شرخيف أساسيف ،كفييما يتأسس خطاب كؿ كاحد منيما ،في تقابؿ شديد مع
اآلخر .كأما ىذيف الشرخيف فيما:
-الشرخ األول :كيظير في تيار يقيس الببلد كالعباد بمقاييس التكفير كالتبديع.
-الشرح الثاني :كيظير في تيار المنبير بالغرب ،كىك يرفض ،أك يعمف ثكرتو عمى كؿ ما يشكؿ قيـ
االنتماء الحضارم كالتاريخي.
كأما القاسـ المشترؾ بيف ىذيف التياريف ،فيكمف في تمثؿ اليكية العربية ،في ضكء مقياس مفارؽ مف الناحية
التاريخية ،ذلؾ أف التيار األكؿ يشده الحنيف إلى ىكية ماضية ،كيؤسس كعيو باليكية في بعدىا الديني فقط
باعتبارىا ىكية أصالة ،أما ما عداىا فيكيات استبلب ،في حيف يؤسس التيار الثاني مقاربتو لميكية قياسا
70
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
بالغرب أك بالحضارة الغربية .كيظير مف ذلؾ بأف ىذيف التياريف يؤسساف كعييما باليكية العربية ،عمى
أساسا جدلية التماىي كالرفض .فإما التماىي مع نمكذج اليكية الغربية ،أك التماىي مع نمكذج اليكية السمفية
كحيث يرفض كبلىما األخر( .أراؽ ،يكنيك ،2008ص ص )237 ،236
كىك التماىي الذم يبدك معو بأف إمكانية الحكار ،كالتكاصؿ ،باتت تقريبا مستحيمة ،أك مستبعدة .لذلؾ تككف
النتيجة دكما ىذه المكاجية التي تستنزؼ جانبا كبي ار مف طاقة المجتمعات العربية .عمما بأنو تكجد داخؿ
ىذيف التياريف مكاقؼ ،كرؤل متعددة ،كغير مكحدة ،أك غير متجانسة ،تبدك فييا اليكية العربية ،أكثر اليكيات
افتقا ار إلى االعتداد بالذات ،كبمقكماتيا .يحدث ىذا في الكقت الذم يحتـ عمييا الراىف المعاش ،إيجاد إجابة
عمى سؤاؿ اليكية ،كالذم يمزـ المجتمعات العربية ،باالنخراط في شبكة أخرل مف التداعيات الجدلية ،مع
مفاىيـ أخرل مثؿ :المعاصرة ،الككنية ،العالمية ،الحداثة ،اإلبداع ،التقدـ ،الديمقراطية ،المكاطنة...إلخ .فيي
كمفاىيـ تشكؿ اليكـ ،مساحة الرىانات الدكلية ،كبناء شركط الكعي ،كالكعي المضاد لدل األفراد ،كما لدل
الجماعات ،كالمجتمعات.
كأخي ار تأتي اليكية لتككف مطمبا ثقافيا ،ككإحدل عبلمات ما بعد الحداثة .كىي كمفيكـ حديث نسبيا يحيؿ إلى
الخصائص ،كالسمات الثقافية المميزة لمناس .مع ذلؾ يبقى القكؿ بأف الحديث عف اليكية يأتي دائما ليدعـ
فكرة تعدد اليكيات ،كفؽ مقكمات نشكء ىذه اليكيات .كبيذا الصدد كاف "كاستمر" قد قسـ اليكيات حسب
مقكمات نشكئيا إلى ثبلثة أقساـ:
أ -اليوية المشروعة :كىي اليكية التي تنتجيا المؤسسات االجتماعية المييمنة مف أجؿ إدامة ىيمنتيا.
ب -اليوية المقاومة :كىي اليكية التي تنشأ عف النشطاء الكاقعييف ،كالميمشيف مثبل كيكية لممقاكمة كالدفاع
عف كجكدىـ.
ج ػ -اليوية المصممة :كتنشأ عندما يعمد الفاعمكف في المجتمع ،إلى كضع تصكر ،يفضي إلى ىكية جديدة
مبنية عمى ما يتكفر لدييـ مف كسائؿ ثقافية ،تعيد تعريؼ مكانتيـ في المجتمع ،حيث يسعكف إلى تحكيؿ بنية
المجتمع ككؿ ،كتحكر مساره( .الغدامي ،2009 ،ص ص )51-48
كفي ذات االتجاه الذم ذىب إليو كثيركف كمنيـ " الخطيبي" بأف اليكية في صيركرة دائمة ،كاليكية الكاحدة
"ىكية الىكتية" فإف كجدت اليكية فمف تككف إال تعددية .لذلؾ كاذا نظرنا إلى االنساف المغربي مثبل فسنجد
بأنو يحمؿ في أعماقو كؿ ماضيو :ما قبؿ اإلسبلمي ،البربرم ،كالعربي ،كالغربي .لذلؾ فإف أىـ شيء ،ىك
أال نغفؿ ىذه اليكية المتعددة ،التي تشكؿ ىذا الكائف اإلنساني مف جية ،كأف نفكر في الكحدة الممكنة بيف
ىذه العناصر جميعا ،كلكنيا كحدة غير الىكتية ،فيي تترؾ لكؿ عنصر نصيبو مف التميز ،كتتيح بالنسبة
71
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
لممجمكع حرية الحركة( .بمكا ،2014 ،ص )27في عبارة أخرل إذا كانت اليكية تركيب ثابت فإنو ديناميكي
أيضا .أك كأف اإلطار العاـ كاحد ،كثابت ،إال اف محتكياتو مرنة ،كقابمة لمتغير .أك ىي عمى رأم "حسف
حنفي" تندرج في الخصكصية كالعمكـ ،كىي ليست بالضركرة في خط رأسي ،أك بيف األعمى كاألدنى بؿ
يمكف اف يككف ىذا الخط في مسار أفقي ،أم بيف األماـ كالخمؼ( .حنفي ،2012 ،ص )73
خبلصة القكؿ ىي أف اليكية حصيمة تفاعبلت كصراعات اجتماعية ،أم ىي محصمة لسيركرة تاريخية ،كىي
متغيرة ،كديناميكية .كبالتالي فإف القدرة عمى تصنيؼ الذات ،كتصنيؼ اآلخر ،ليست مطمقة ،كليست نيائية.
بؿ إف األصكب كمثمما ذىب إليو "بكرديك" في مقالة لو بعنكاف " اليكية كالتصكر" أف مف يممؾ السمطة
الشرعية ىك القادر عمى فرض تعريفو لنفسو كلغيره ،بما يعني أف مجمؿ تعريفات اليكية ،إنما تعمؿ كمنظكمة
تحدد المكاقع المتتالية لمجماعات ،كالسمطة الشرعية ىي مف تممؾ القكة الرمزية ،لجعؿ اآلخريف يعترفكف
بمقكالتيا ،كبتعريفيا ،كبالتالي بقدرتيا عمى تفكيؾ ،كتشكيؿ الجماعات .كىك ما يفضي إلى القكؿ بييمنة
كسيطرة جماعة بعينيا عمى جماعة أك جماعات أخرل ،كىي ىيمنة ،أك سيطرة ،ال تنحصر في الييمنة
االقتصادية ،كالعسكرية فقط ،بؿ تمتد إلى الييمنة الفكرية ،كالثقافية ،كحتى األيديكلكجية .كىنا يمكف تكقع
التأثير السمبي عمى الحالة البسيككلكجية ،أك المعنكية لممنتميف إلى الجماعة ،أك الجماعات المضطيدة
كالمقمكعة ،كاف كانت ردكد الفعؿ ،أك االستراتيجيات المتبناة إزاء مثؿ ىذا الشعكر ،لدل مثؿ ىاتو الجماعات
عادة ما تككف متعددة ،كمتباينة ،كغالبا ما تحدد في أربع ( )04استراتيجيات ىي:
-اإلستراتيجية األولى :قد تسعى الجماعة إلى االندماج كاالنصيار أك الذكباف في الجماعة المسيطرة.
-اإلستراتيجية الثانية :محاكلة إعادة تعريؼ الخصائص السابقة ذات التقييـ السمبي لمجماعة.
-اإلستراتيجية الثالثة :اإلبداع كتبني أبعاد جديدة ،أك أبعاد لـ تستخدـ مف قبؿ مف أجؿ المقارنة مع
الجماعات األخرل.
-اإلستراتيجية الرابعة :كتتعمؽ بالمنافسة المباشرة مع الجماعة المسيطرة ،كىي اإلستراتيجية التي تقكد إلى
الصراعات كالنزاعات.
كىي بطبيعة الحاؿ استراتيجيات تقكد الجماعة المييمنة ،إلى اإلقرار بذات االستراتيجيات لمحفاظ عمى
سيطرتيا .كأما عندما يفشؿ الذيف ينتمكف إلى الجماعات ذات اليكية الضعيفة ،في إيجاد بدائؿ ،مف أجؿ
تغيير مكاقؼ جماعاتيـ ،أك المكقؼ منيا ،فقد يمجئكف إلى تبني إستراتيجية فردية ،تسمح ليـ بتحسيف
أكضاعيـ كأفراد ،كىي اإلست ارتيجية متاحة في الجماعات المفتكحة فقط ،ذلؾ أنو في حاؿ لـ تكف مثؿ ىذه
72
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
اإلستراتيجية متاحة فإف األفراد يمجؤكف ىنا إلى مقارنة أنفسيـ بغيرىـ داخؿ جماعتيـ( .عماد ،2017 ،ص
ص )143 ،142
ىذه جممة مف األسئمة سنعمؿ لئلجابة عمييا ،كسنبدأ بالعكدة أكال إلى أصؿ كممة "المتخيؿ" .كعميو فكممة
المتخيؿ اسـ مفعكؿ مف تخيؿ ،كىك مشتؽ مف مادة (خ ،م ،ؿ) فقد جاء في لساف العرب "خاؿ الشيء
كخيؿ لوُ ،خيؿ
كيخاؿ خيبلن كخيمو كخيمة كخاالن كخيبلن ،أم "ظنو" .كفي المثؿ مف يسمع يخؿ ،أم يظفُ ،
عميو ،شبو ،كأخا ُؿ الشيء ،اشتبو ،كالسحابةُ المخنيؿ كالمخيمةُ ،كالمخيمةُ ،إذا رأيتُيا حسبتُيا ماطرة .كمنو
التصاؽ مادة (خ ،م ،ؿ) بمعاني الكىـ ،كالظف ،كالشبو ،أك المحاكاة .كالمتخيمة ىي" القكة التي تتصرؼ في
الصكر المحسكسة كالمعاني الجزيئة المشتركة منيا كتتصرؼ فييا بالتركيب تارة ،كبالتفصيؿ في أخرل.
كتستخدـ كممة متخيل كترجمة لكممة ( )imaginaireكىي تعكد في األصؿ إلى الكممة البلتينية
( ) imaginariusكيقصد بيا الشيء الذم ال كجكد لو في الكاقع ،أك ذاؾ الذم ال كجكد لو إال في ذىف
اإلنساف فيك عبارة عف صكرة ذىنية ،كأما كممة خيال فترجمة لكممة ).(imagination
فالمتخيؿ مكضكع التخيؿ ،كمكضكع الخياؿ ،كىك نتاجيما .كالمتخيؿ مكضكع التخييؿ في حالة ما إذا كانت
عبلقتنا بالمتخيؿ أكثر حرية ،كىك أيضا مكضكع الخياؿ في حالة ما إذا كانت عبلقتنا بالمتخيؿ أكثر
انضباطا ،كأكثر تحديدا ،كتبمكرا .ثـ إف المتخيؿ يمكف اف يككف فرديا ،كما يمكف أف يككف جماعيا ،كقد يككف
متعمقا بحالة سكية ،أك بحالة مرضية ،أك غير سكية.
إال أف ىذا المفيكـ سيعرؼ تحكال في معناه كدالالتو انطبلقا مف القرف التاسع عشر ،ليصير تدريجيا مفيكما
إجرائيا معتمدا في دراسة الظكاىر االجتماعية ،إلى جانب األعماؿ األدبية ،األساطير ،كاألدياف ،مع أعماؿ
ككتابات كؿ مف " :غاستكف باشبلر"" " "G. Bachelardؾ .كاستكرياديس" " " Cornelius Castoriadis
كجيميار دكراف" " ،"Gilbert Durandكلذلؾ سيصبح مف الضركرم الفصؿ ،أك التمييز بيف كممة "خياؿ"
التي تقابميا في المغة الفرنسية كممة " ،"Imaginationككممة "مخياؿ التي تكافؽ كممة " ."imaginaireثـ
إف كممة " مخياؿ" تأتي أيضا قياسا عمى كممة "مخيمة" المستعممة بكثرة في المغة العربية.
73
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
https://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AE%D9%8A
consulté le 14/04/2018 à 12 :30.%D9%84-imaginaire-4202
زد عمى ذلؾ أف كممة "مخياؿ" تأتي عمى كزف مفعاؿ ،أك في صيغة اسـ اآللة في المغة العربية أم تمؾ اآللة
التي بكاسطتيا ينتج اإلنساف الصكر كالتخيبلت ،كبالتالي البحث في آليات التخيؿ عند الجماعة ،كمنو عند
المجتمع .كىي بالتالي تختمؼ عف كممة خياؿ.
جدير بالذكر أف "جيمبار دوران" كيؤكد عمى ضركرة عدـ الخمط بيف مفيكـ المخيال كالمفاىيـ المشابية لو
كيرل بأننا كثي ار ما نستعمؿ كممات مثؿ :صكرة ،عبلمة ،كأسطكرة لمتدليؿ عميو( .الجكيني ،1992 ،ص ص
)24،25فالمخياؿ يقع ما بيف التصكر كالخياؿ كيتجاكزىما ،أك مثمما يقكؿ "جيمبار دوران" مف غير البلئؽ
أف ننظر إلى التخيؿ عمى أنو ظاىرة سابقة لمفكر العقمي السميـ ،بؿ يجب أف ننظر إليو باعتباره عامبل
أساسيا في تحقيؽ التكازف النفس-اجتماعي")Durand, 1976. P7( .
ىذا كيجمع الباحثكف عمى أف " التخيؿ طريقة محددة الستحضار العالـ ،كالكعي بو في شكؿ صكرة ترتسـ في
ذىف المتخيؿ -بفتح التاء ككسر الخاء -لو مما يجعمنا نصؿ إلى حقيقة ال يرتقي إلييا الشؾ ،كتتمثؿ في أف
كؿ عممية تخيؿ تفترض كجكد الذات المتخيمة ،كمكضكع تخيميا كجكدا عضكيا متبلزما" (الجكيني،1992 ،
ص .)25كمنو فػإف "المتخيؿ االجتماعي" – بفتح التاء كالخاء -يصبح الطريقة التي يتخيؿ بيا الناس
العاديكف محيطيـ االجتماعي ،كىذا ما ال يجرم التعبير عنو بشكؿ نظرم ،لكنو غالبا محمكال في الصكر
كالقصص كاالساطير .كما يثير في المتخيؿ أنو مكضكع مشترؾ لدل مجمكعات كاسعة مف الناس إف لـ يكف
مشتركا لدل المجتمع كمو .أم اف " المتخيؿ االجتماعي" شيء أعمؽ كاكسع مف الصيغ الفكرية التي قد يعبر
بيا الناس عندما يفكركف في كاقعيـ االجتماعي( .تايمر ،2015 ،ص )35
لكف دعنا نتساءؿ مع " جيمبار دكراف" إذا كاف التخيؿ طريقة الكعي بالعالـ ،فيؿ كؿ كعي يعد تخيبل؟ يجيب
"دكراف" عمى ىذا السؤاؿ بقكلو :بأف الكعي يتمتع بطريقتيف الستحضار العالـ طريقة مباشرة كأخرل غير
مباشرة.
أ -الطريقة المباشرة :كىي التي يبدك فييا الشيء ذاتو حاض ار في الذىف ،كذلؾ عند اإلدراؾ أك اإلحساس
البسيط (كأف تتخيؿ شجرة أك شيئا ماديا محسكسا).
ب -الطريقة غير المباشرة :كتحدث عندما ال يككف بإمكاف كعينا استحضار المكضكع استحضا ار حسيا (كىك
الشأف عندما تتذكر طفكلتنا أك نستحضر عالـ المكت ،كاآلخرة...إلخ)
74
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كمنو ففي كؿ مرة يككف الكعي فييا غير مباشر/أك ال مباشر يككف مكضكعو غائبا ،أك مف جنس المجردات:
(قيمة أخبلقية ،سياسية ...الخ) كبالتالي ال يمكف لمكعي أف يتمثمو ،إال بكاسطة صكر .فعندما يغيب
المكضكع غيابا حسيا ،أك ماديا ،نسمي شكؿ ىذا الكعي ،أك ىذا الكعي مخياال( .الجكيني ،1992 ،ص
)25كلذلؾ فاالىتماـ بالمخياؿ االجتماعي ،أك المخيمة االجتماعية ،لعمى جانب مف األىمية ألجؿ فيـ
مجتمعاتنا فيما عمميا تاريخيا ،بما أنو ذلؾ الفيـ المشترؾ الذم يجعؿ الممارسات االجتماعية ممكنة ،إضافة
الى اإلحساس العاـ بالمشركعية.
كبيذا الصدد يفصؿ "محمد أرككف" بيف العقؿ الكتابي ،كالعقؿ الشفكم ،إذ أف لكؿ منيما نطاقو ،أك نظامو
الخاص ،حيث ينتمي العقؿ المكتكب إلى الثقافة العالمة ( )La Culture Savanteالتي ينتجيا األدباء
كالعمماء كىك يتميز بالدقة كبإستراتيجية محكمة لمخطاب .في حيف يككف مجاؿ العقؿ الشفكم ىك المخياؿ
الذم تطكقو الرغبة المكبكتة كالبلكاعية ،أم بما معناه أف مجاؿ المكتكب ىك العقؿ المنظـ الذم يقكده الكاقع
كيكجيو التاريخ .ىذا كيبلحظ "أرككف" ذلؾ التداخؿ القائـ بيف العقؿ ،كالمخياؿ ،أك الحضكر المكثؼ لممخياؿ
داخؿ المد َّكف القديـ في الثقافة العربية اإلسبلمية( .الجكيني ،1992 ،ص )27
75
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كمنو فإنو كاذا ما كانت كظيفة الخيال متمحكرة حكؿ االبتعاد ،كالتجاكز ،كاإلثارة ،كاالنزياح ،كالتكثيؼ ،كيتـ
استعمالو في عمميات التدمير ،كاليدـ ،كاإلغارة عمى الكاقع ،قصد إعادة تشكيؿ العالـ ،كاعادة بناء كاقع
جديد ،فإف المخيال االجتماعي يساىـ في إقامة الركابط بيف غرائز األفراد ،كالمؤسسات االجتماعية تفاديا
لمضغكط الخارجية ،كالكبت الباطني ،كما قد يعمؿ عمى دعـ الشكؿ السائد مف الحياة ،أك عمى إضعافيا
كاستبداليا بأخرل .كمثمما يقكؿ " تشالز تيمر" في كتابو "المتخيبلت االجتماعية الحديثة" فإف" متخيمنا
االجتماعي في أم كقت بعينو ،ىك أمر معقد .كىك يشمؿ عمى حس بالتكقعات العادية التي تككف لدل كؿ
منا تجاه اآلخر ،كعمى نكع مف الفيـ المشترؾ الذم ُيمكننا مف القياـ بالممارسات الجمعية التي تصنع حياتنا
االجتماعية ،كىذا ما يتضمف نكعا مف الحس المتعمؽ بكيفية تآلفنا معا في القياـ بالممارسات العامة
المشتركة"( .تيمر ،2015 ،ص )36
كلذلؾ يظير المخيال االجتماعي في شكؿ إيديولوجيا أحيانا كفي شكؿ يوتوبيا ( )Utopieأحيانا أخرل.
فيما شكبلف مف الكعي اإلنساني ،كيشكبلف البنية الداخمية لممخياؿ االجتماعي .أم أف "المخياؿ االجتماعي
"يظير مرة في شكؿ يكتكبيا ىاربة مف الكاقع ،أك منقمبة عميو ،لتحقيؽ نكع مف الفردكس المفقكد ،الذم يستعيد
فيو البشر إنسانيتيـ ،كمرة أخرل في شكؿ إيديكلكجيا ،مشكىة لمكاقع ،غارقة في الكىـ ،أك في الكعي الزائؼ
الذم يييمف عمى األفؽ الذىني لجماعة ما في فترة زمانية ما( .مكاكم ،1993،ص )64أم كعمى منكاؿ ما
ذىب إليو " تشالز تيمر" فإف الفيـ المشترؾ الذم نحققو حكؿ الحياة االجتماعية يككف معياريا ككاقعيا في آف
كاحد .ذلؾ أف حسَّنا بمجرل األمكر المعتاد يأتي في الكاقع ،متداخبل مع الفكرة التي لدينا حكؿ المجرل
الكاجب لؤلمكر ،كبالتالي فإنو مف شأف الخطكات الخاطئة أف تقكض الممارسة .فػ "المتخيؿ االجتماعي"
يتجاكز خمفية الفيـ المباشر الذم يجعؿ لممارسات بعينيا معنى أك داللة ما.
إذف فعمى ىذا النحك تتشابؾ الركابط المتعددة ما بيف االجتماعي كالنفسي عبر كسائط المخياؿ االجتماعي.
بحيث ال يمكف اختزاؿ االجتماعي إلى النفسي ،كما ال يمكف اختزاؿ النفسي إلى البيكلكجي .كبعبارة أخرل ال
يمكف اختزاؿ المخيمة االجتماعية ،أك المخياؿ االجتماعي ،في مجمكع اإلف ارزات المخيالية الفردية ،ألنو عندما
يتعمؽ األمر بمجتمع بعينو فإف المسألة تتخذ بعدا أكثر تشابكا ،كأكثر تعقيدان ،أك حيث يظير "مخزكف" مف
األفعاؿ الجمعية كيككف في متناكؿ جماعة ما في المجتمع .فالمجتمعات كانت تعمؿ عمى نحك جيد مستندة
في ذلؾ إلى متخيميا االجتماعي قبؿ اف تصبح قادرة عمى التنظير لنفسيا .فما يجعؿ الفعؿ االجتماعي ممكنا
ىك خمفية معقدة ،كلكف جزء مما يجعؿ ليا معنى ىي تمؾ الصكرة التي لدينا عف أنفسنا عندما نخاطب
اآلخريف الذيف نحف مرتبطكف بيـ بطريقة ما( .تيمر ،2015 ،ص ص)37 ،36،
76
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
77
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
78
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
االجتماعية كاألخبلقية ،كالسياسية ،كاالقتصادية ،كالنظامية ،كالدينية ،كتبررىا في ذات الكقت.
(غيث ،2006،ص ص )210،209كبعبارة أخرل فاأليديكلكجيا عبارة عف تأكيؿ شامؿ ،كدغمائي لمجاؿ
معيف مف الحياة اإلنسانية ،كالذم يفرض نسقا تفسيريا مغمقا ال برىاف فيو.
79
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
عمكما يبقى القكؿ بأف المخياؿ االجتماعي يشير إلى شيء متشكؿ تاريخيا في البلكعي الثقافي كالرمزم
لمجتمع ما ،كىك قابؿ لمتحريؾ ألف طبيعتو ديناميكية كحيكية ،ثـ أف المخياؿ االجتماعي ليس النقيض
الحاسـ لمكاقع االجتماعي المعاش ،بؿ ىك أحد أبعاده المتداخمة معو.
أما االنفتاح عمى مفاىيـ المخياؿ ،كالرمزم ،فجاء كمحصمة لمتطكرات التي شيدتيا نظرية المعرفة ،كنظرية
الثقافة ،مع صعكد النظريات ،كالمناىج الحديثة كالبنيكية كما بعد البنيكية ،أك عندما أعادت ىذه النظريات
كالمناىج دراسة مقكلة المخياؿ مف زاكية تتجاكز الزاكية االختزالية لمعقبلنية ،كمفسحة المجاؿ لنسؽ حركي
منظـ لمصكر التي تتخذ معنى بفضؿ عبلقة التفاعؿ الداخمية ،كحيث تبدك فاعمية ىذا النسؽ شرعية ككاقعية
ألنيا أداة الدخكؿ في عبلقة تفاعؿ مع الككف .كفي ىذا فإف حضكر كتكاثر الصكر باستمرار في الزماف
كالمكاف ،ليدعك إلى معرفة طريقة اشتغاليا حتى ال يككف األفراد كالجماعات عزال في مكاجيتيا ،أك ضحايا
ليا( .غراسي ،2018،ص )16فقد ذىب " كارؿ غكستاؼ يكنغ" كىك المرجع األصمي لمستقبؿ الدراسات
حكؿ الصكرة إلى القكؿ بأف جذكر مخيالنا مكجكدة في البلكعي الجمعي ،أم ذلؾ الخزاف الكبير لمنماذج
االصمية كالصكر الككنية المكجكدة منذ األزؿ.
لقد أصبح " المخياؿ" إذف أحد اىتمامات السكسيكلكجيا ،كقد سمحت المقاربة المخيالية ،بإعادة االىتماـ بكؿ
ما يتعمؽ بالحياة اليكمية ،كالعبلقات االجتماعية ،أك بكؿ مظاىر الكجكد معا .فاألحداث اليكمية ىي جكىر
الحياة في المجتمع ،كفييا يتجذر المخياؿ ،كمكركث الصكر األسطكرية ،كالتي أغفمتيا الماكرك سكسيكلكجيا
طكيبل ،عندما اعتنت ،أك ركزت اىتماميا عمى دراسة ،كفيـ المنظمات ،كالمؤسسات كظكاىرىا الكبرل.
كمنو فالمقاربة المخيالية يمكف أف تطبؽ عمى كـ ىائؿ مف المكضكعات االجتماعية ،حيث يتعمؽ األمر
بمقاربة تكميمية مثرية لممقاربات السكسيكلكجية األخرل ،إذ تفتح المجاؿ لمسارات جديدة في التحميؿ
السكسيكلكجي ،كبما أف المخياؿ االجتماعي جزء مف أساسيات الظكاىر االجتماعية خصكصا تمؾ المتعمقة
بمجاالت بعينيا مثؿ :الديف ،الفف ،االتصاالت السمعية البصرية ،الحياة اليكمية في الحكاضر كغيرىا .كفي
عبارة أخرل فإف عمـ اجتماع المخياؿ لـ يكف مجرد اختصاص جديد في السكسيكلكجيا ،لكنو كجية نظر
جديدة في دالالت كمعني الكاقع االجتماعي( .غراسي ،2018،ص ص)55 -48
81
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
غمكض أثر عمى كضكح داللة أك مغزل مفيكـ الحداثة ،كىك الغمكض الذم انتقؿ بدكره إلى مفيكـ ما بعد
الحداثة( .الشيخ ،الطائرم ،1996 ،ص )10
.1حول مفيوم الحداثة:
يطمؽ مفيكـ الحداثة في الغالب عمى مسيرة المجتمعات الغربية ،أك تاريخ تطكىا منذ عصر النيضة
األكركبية .كىك يغطي أك يشمؿ كافة مناحي الحياة االجتماعية ،االقتصادية ،كالسياسية .كفي ىذا يقكؿ" بيتر
برككر" في كتابو "الحداثة كما بعد الحداثة" "كاف "فرانؾ كيرمكد" يقكؿ في أكاسط الستينيات" :ينبغي أف يتـ
تسجيؿ تاريخ كممة "حديث ( )Modernككاف يقصد بمقكلتو ىاتو ،أف كممة "حديث" تعني في مضمكنيا
"كجكد عبلقة ترتبط بينيا كبيف الماضي ...كأنيا تحتاج إلى نقد كاعادة نظر جذرية كحقيقية" .كىي بالتالي
كممة تفكؽ ما لكممة جديدة ( )Newأك معاصر ( )Contempraryمف كزف أك ثقؿ .كيضيؼ "كيرمكد" إلى
ذلؾ قائبل...":إف لفظ حديث يختمؼ عف لفظ "إبداعي"( .برككر ،دكف سنة ،ص ص )10،9
كفي ذات االتجاه تقريبا يذىب "أالف تكراف" في كتابو "نقد الحداثة "إذ يقكؿ" :كيؼ يمكف الكبلـ عف مجتمع
حديث إذا لـ يكف ثمة إقرار بمبدأ عاـ عمى األقؿ لتعريؼ الحداثة؟ "مف المستحيؿ أف ندعك مجتمعا
يسعى...إلى أف ينتظـ كأف يعمؿ كفقا لكحي إليي أك لذات قكمية بأنو حديث( "...تكراف ،2010 ،ص )15
كيضيؼ عمى ذلؾ ":كليست الحداثة فضبل عف ذلؾ تحكال خالصا (أك) تعاقبا لؤلحداث .إنيا بث لمنتكجات
النشاط العقمي كالعممي كالتكنكلكجي كاإلدارم( ."...تكراف ،2010 ،ص )15أك مثمما يعرفيا "ماكس فيبر"
عندما يقكؿ الحداثة :ىي التعقيؿ .كىي تعبر أيضا عف قطيعة ضركرية مع غائية الركح الدينية التي تنادم
دائما بغاية لمتاريخ تككف تحقيقا كامبل لممشركع اإلليي ،أك فناء لبشرية فاسدة كمتنكرة لرسالتيا( .تكراف،
،2010ص )15
نفيـ مف ذلؾ أف الحداثة ىي تصكر المجتمع ،عمى أنو تنظيـ يخضع لمنطؽ العقؿ ،بكصفة األداة الكحيدة
لتحرير الطبيعة اإلنسانية ،مف كافة السمطات المحيطة بو .فمنطؽ العقؿ أف شئنا ،ىك المبدأ الكحيد ،لتنظيـ
الحياة الفردية ،كالجماعية ،بغرض تحقيؽ التجرد ،مف أجؿ التجديد ،كتحقيؽ الغايات ،كاألىداؼ النيائية.
بمعنى اف الحداثة كحركة تاريخية عبلقة مثقمة بالتكترات التاريخية كاالجتماعية ،كمنيا :عبلقة العقؿ بالذات
عبلقة ركح النيضة بركح اإلصبلح ،عبلقة العمـ بالحرية ...الخ.
ثـ إف الحداثة ىي :نياية تاريخ قبمي كبداية تطكر قاده التقدـ التقني ،كتحرر الحاجات كانتصار العقؿ.
كالحداثة تعمؿ عمى إحبلؿ العمـ محؿ اهلل في مركز المجتمع ،مفسحة المجاؿ لمعقائد الدينية في الحياة
الخاصة .كمع ذلؾ فإف "آالف تكراف" يستدرؾ األمر ،عندما يشدد عمى فكرة أف قياـ التطبيقات التكنكلكجية
82
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
لمعمـ ال تكفي لكحدىا كي نتحدث عف مجتمع حديث .إذ يتعيف باإلضافة إلى ذلؾ أف يككف النشاط الثقافي
محميا مف الدعكات السياسية ،أك مف العقائد الدينية ،كأف يحمي حياد القكانيف مف المحاباة ،مف الزبكنية
كمف الرشكة ،كأال تككف الييأة العمكمية ،مثمما الخاصة ،أدكات مسخرة لخدمة مصمحة سمطة شخصية ،كأف
يتـ فصؿ الحياة العامة عف الحياة الخاصة ،كأف تككف الثركات الخاصة منفصمة عف ميزانية الدكلة ،كعف
المؤسسات( .تكراف ،2010 ،ص .)16
ما نبلحظو ىنا أنو مف جممة الشركط الكاجبة في الحداثة ىي ارتباطيا ارتباطا كثيقا بفكرة العقمنة ،أم أف
التخمي عنيا يعني تخميا عف الحداثة ،أم ما معناه أف العقمنة ،مككف رئيسي لمحداثة ،كىي بالتالي آلية تمقائية
كضركرية لمتحديث.
ثـ إف ما ينطبؽ عمى المجتمع ككؿ ،ينطبؽ أيضا عمى الفرد ،الذم يجب أف تككف تربيتو تنظيما يحرره مف
الرؤية الضيقة البلعقبلنية ،التي تفرضيا عميو أسرتو ،كأىكاؤه الخاصة ،كتحقيؽ لو تفتحو عمى المعرفة
العقبلنية ،كعمى المشاركة في مجتمع ينظـ فعؿ العقؿ( .تكراف ،2010 ،ص )18
نفيـ مما تقدـ بأف "الحداثة" غير بعدىا الزمني ،أك ىي مفيكـ فمسفي مركب ،قكامو السعي الدائـ لمكشؼ عف
ماىية الكجكد ،كاشكاالت العصر ،التي تشغؿ اإلنساف .كليذا يقكؿ "ىابرماس" بأف فكرة الحديث ليست حديثة
العيد ،فقد استخدمت في كضعيات تاريخية متعددة ،لتفصؿ بيف ادعاءات حقبة ما عف نفسيا ،كبيف ادعاءات
الحقبة التي سبقتيا".
أيا كاف األمر فالمؤكد أف ػمفيكـ " الحداثة" يشير إلى مدة زمنية ،تتماىى مع الحقبة التاريخية ،التي بدأت في
الغرب مع عصر النيضة في القرف الخامس عشر .كىي المرحمة التاريخية التي عرفت تحكالت كبرل ،كأثرت
في البنى االجتماعية ،كمنيا :كالدة الرأسمالية ،ظيكر الحريات العامة ،كالفردية ،المساكاة أماـ القانكف ،بركز
الفكر العقبلني ،الديمقراطية...إلخ كغير ذلؾ مف المفردات األخرل التي تدلؿ عمى "الحداثة" بكصفيا انقبلب
اجتماعي كبير يقكـ عمى التعارض بيف المجتمع التقميدم كالمجتمع الحديث.
83
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
األميركيتاف بعد ذلؾ .كىي االكتشافات التي أدت إلى خمخمة الصكرة القديمة التي كانت لدل الناس عف
جغرافيا العالـ األرضي.
-2.2الثورة الكوبرنيكية :أ ك عندما أقرت النظرية التي انتيى إلييا "نيككالم ككبرنيؾ" بعدـ ثبكت األرض
في مكانيا ،كدكراف الشمس كالككاكب األخرل مف حكليا ،مثمما كاف يعتقد ،بؿ كأف األرض ليست مركز
الككف ،كىي التي تدكر حكؿ الشمس الثابتة.
-3.2اكتشاف قانون الجاذبية :عمى يد " نيكتف" كالدكرة الدمكية عمى يد " ىارفي" إلى جانب اكتشاؼ مبدأ
كقانكف الضغط الجكم عمى يد "تكريتشيمي" .كغيرىا مف االكتشافات ،كاالختراعات العممية الكبرل
كالباركميتر ،كأدكات تطكير العدسة الزجاجية ،كالمكازيف الدقيقة ،ثـ كفكؽ ىذا كمو ميبلد الفيزياء كعمـ قائـ
بذاتو( .جندارم كآخركف ،2016،ص ص )18-12
-4.2العقالنية وتطور المعرفة الرياضية :كاحتبلليا المكانة المتميزة التي أصبحت ليا في العصر الحديث.
حيث يكشؼ لنا "ديكارت" في مؤلفو "خطاب حكؿ المنيج" عف إعجابو الشديد بالرياضيات ،التي برىنت عف
دقة براىينيا ،ككضكح قضاياىا ،كضكحا يرقى إلى درجة البداىة .فالثقة بالمعرفة الرياضية عند "ديكارت" ثقة
بالعقؿ البشرم .ىذا كلقد سار عمى منكالو عمماء ،كفبلسفة ،كمفكركف آخركف ،حتى أف " فيبر" ذىب إلى
القكؿ بنزع الغبللة السحرية عف العالـ ،أك معرفة العالـ كما ىك ،ال كما نريد.
-5.2الصراع االجتماعي والسياسي الكبير :الذم شيده القرف السابع عشر(ؽ ،)17كالقرف الثامف عشر
(ؽ )18بيف كؿ مف الطبقة االرستقراطية أك طبقة النببلء المؤيدة مف قبؿ رجاؿ الديف أك الكنيسة ،كالقكل
االجتماعية الصاعدة ،كفي طميعتيا الطبقة البرجكازية ،كىك الصراع الذم كانت لو انعكاساتو الكاضحة عمى
مستكل الفكر.
-6.2ظيور قيم ومفاىيم جديدة :كنتيجة ليذا الصراع كمنيا :المكاطنة ،الفصؿ بيف السمطات ،اعتبار
السمطة السياسية ذات طبيعة بشرية ،القكؿ بالسيادة لئلنساف كحده ،كىي المفاىيـ التي ترافقت مع حقؿ داللي
جديد قائـ عمى اإليماف بالحرية ،كالعقؿ ،كالذات المستقمة.
-7.2فمسفة عصر األنوار :خبلؿ القرف الثامف عشر(ؽ )18كالتي كانت بمثابة خبلصة ،أك تتكيج
لمتحكالت االجتماعية ،كالسياسية ،التي خبرتيا مجتمعات أكركبا الغربية ،كالتي نتج عنيا الدخكؿ في األزمنة
الحديثة( .جندارم كآخركف ،2016،ص ص )26-19
ىذا كيعطينا "أنطكني جيدنز" صكرة لمحداثة باعتبارىا مجيكد شمكلي لئلنتاج كلممراقبة ،كتتشكؿ مف أربعة
( )04أبعاد ،كتكمف في:
84
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-التصنيع.
-الرأسمالية.
-تصنيع الحرب.
-مراقبة جكانب الحياة.
بؿ كيضيؼ عمييا ،بأف المنزع المركزم لمعالـ الحديث ،ينحك بو باتجاه شمكلية متصاعدة ،تأخذ شكؿ تقسيـ
دكلي لمعمؿ ،كتشكيؿ عكالـ اقتصادية ،كما نحك تشكيؿ نظاـ عسكرم عالمي ،مع تقكية الدكؿ الكطنية التي
تعمؿ عمى مركزة نظاـ المراقبة( .تكراف ،2010 ،ص )36
يتبيف مما تقدـ أف "الحداثة" تتماىى مع الحقبة التاريخية التي بدأت في الغرب مع عصر النيضة القرف
الخامس عشر (ؽ )15كىي مرحمة تاريخية تتميز بحدكث تحكالت اجتماعية كاقتصادية كسياسية كبرل
كعميقة ،كمنيا ظيكر الرأسمالية كنظاـ اقتصادم عالمي مييمف ،إلى جانب ظيكر األفكار المطالبة
بالحريات الفردية ،المساكاة في الحقكؽ بيف المكاطنيف ،الديمقراطية ،الحرية ،مع القكؿ بتفكؽ العقؿ ،كالعقبلنية
كغيرىا مف التحكالت األخرل التي فصمت بيف ما ىك قديـ ،كما ىك حديث ،مما دفع عمماء االجتماع إلى
عدىا انقبلبا اجتماعيا حقيقيا يقكـ عمى التعارض أك التناقض كاالختبلؼ بيف نمطيف مف المجتمعات ،أك بيف
المجتمع التقميدم بحمكلتو كالمجتمع الحديث بكؿ ركافده.
إف حالة "الحداثة" كالمقصكد بيا حالة مف التطكر ،كتجاكز لممرحمة السابقة ،أك الماضي ،كالتطمع نحك
المستقبؿ ،حالة قائمة عند كؿ منعطؼ تاريخي تككف فيو ثكرة عمى الماضي مع التطمع لممستقبؿ .فكأف كممة
"حداثة" تعني كؿ لحظة تاريخية ،تغييرية ،عاشتيا المجتمعات ،كثارت فييا عمى الماضي ،كتطمعت فييا إلى
المستقبؿ ،كصكال إلى عصرنا الحالي .ففكرة الحداثة ليست فكرة جديدة ،إذ استخدمت في كضعيات تاريخية
مختمفة ،لتفصؿ بيف ادعاءات حقبة تاريخية ما عف نفسيا ،كبيف ادعاءات الفترة التي سبقتيا ،ككأنيا ال تقترف
بمعنى زمني مستقر.
تجدر اإلشارة ىنا إلى أف الفيمسكؼ " نيتشو" كاف مف أشد المنتقديف لمحداثة كلمشركعيا ،فقد ذىب في كتاباتو
إلى القكؿ بأف "الحداثة" فارغة ،كببل مضمكف ،فيي لـ تأت لنا سكل بالعدمية ،كلذلؾ فمشركع الحداثة منيار
حتى قبؿ أف يبدأ .فالحداثة برأيو قد أنبتت ،كبشرت بالعقؿ ،إال أف ىذا العقؿ لـ يستطع القياـ بالتكافؽ الذم
كاف يقكـ بو الديف ،كلذلؾ ىاجمت الحداثة الديف ،كأحمت بدلو العقؿ ،كالعمـ الحديث .فػ " نيتشو" قاـ بحممة
نقد شديدة عمى الحداثة ،كعمى الجك الفكرم ،الذم سعى إلى حبلؿ العقؿ ،محؿ الديف ،كانتيى الى طرح
البديؿ لمعقؿ التاريخي ،ممثبل في التحكؿ نحك األسطكرة ،كنحك الفف باعتبارىما الخبلص .أم أنو رفع راية
85
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
"ديكنسيكس" أك إلو التحكؿ الدائـ ،ضد راية " أبكلكنيكس" إلو العقؿ كالجماؿ ،كاف كاف قد عدؿ الحقا في زمف
نضجو عف أفكاره ىاتو ،أك عندما اعترؼ بالعمـ ،كأىميتو ،كلكف مف دكف اف يتراجع عف نقد العقبلنية الغربية
كالميتافيزيقا .كىك ما أكده " يكرغاف ىابرماس" في قكلو بأف " نيتشو" أخذ في التردد بيف اتباع استراتيجيتيف
ىما:
-اإلستراتيجية األولى :كتمثمت في تأسيس فيـ جمالي لمعالـ عف طريؽ استخداـ كسائؿ عممية لذلؾ مف
خبلؿ نظرة تشاؤمية.
-اإلستراتيجية الثانية :كتمثمت في نقد الميتافيزيقا بشكؿ يمكنو مف اقتبلع جذكر الفكر الميتافيزيقي دكف أف
يتراجع عف ككنو فمسفة.
ىذا مع العمـ أف " نيتشو" كاف قد انطمؽ مف العدمية ككنيا برأيو المنطؽ المتناىي لقيمنا ،كمثمنا الكبرل كالذم
يجب أف نعايشو ،حتى نفيـ ما ىي أصبل قيمة ىذه القيمة( .حمدم ،حسف ،2012،ص ص)95-93
86
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
-3.3ما بعد الحداثة بوصفيا وضع ثقافي – تاريخي:
كىك الرأم الذم يؤرخ لظيكر مفيكـ " ما بعد الحداثة" عمى يد المؤرخ البريطاني الشيير" تكينبي" سنة 1959
كالذم جعمو يدؿ عمى ثبلث عبلمات ميزت الفكر ،كالمجتمع الغربييف ،بعد منتصؼ القرف العشريف ،أال
كىي :البلعقبلنية ،الفكضكية ،كالتشكش .كىك المفيكـ الذم نقؿ أكال إلى مجاؿ األدب لمتأسي عمى تسطح
الحركة الحداثية عمى يد الناقديف األدبييف "ليسمي فيمدر" " "Leslie Feilderك "إيياب حسف" ،كليكتسب
تداكال خبلؿ السبعينات مف القرف الماضي ،كينتقؿ إلى مجاؿ العمارة أكال ،ثـ بالتدريج إلى مياديف أخرل
كمنيا :المسرح ،السينما ،المكسيقى ،كالتصكير.
-4.3ما بعد الحداثة في الربع األخير من القرن العشرين:
كىنا يؤرخ بعضيـ لما بعد الحداثة كحركة فمسفية ،كأدبية ،كفنية ،بدءا مف نيايات القرف العشريف ،كالربع
األخير منو .فػ "ديفيد ىارفي" عمى سبيؿ المثاؿ يرل بأف تاريخ ظيكر مفيكـ "ما بعد الحداثة" يقع ما بيف
1968ك.1972
يتبيف مما تقدـ بأف التأريخ لظيكر مفيكـ ،كمرحمة " ما بعد الحاثة" قد خمؽ ارتباكا كسط المفكريف الميتميف
ما بيف مؤيد لممفيكـ ،كمعارض لمقكؿ بمجيء عصر ما بعد الحداثة .كمنيـ عمى سبيؿ الذكر الفيمسكؼ
كالناقد االجتماعي" ىابرماس" الذم رأل بأف التنظير لما بعد الحداثة ،بمثابة ردة فعؿ محافظة ضد التنكير.
ككذا " فريدريؾ جامسكف" الناقد الجمالي كاالدبي ،الذم كصؼ ادعاء "ما بعد الحداثة" بالنظرة الفصامية تجاه
الزماف كالمكاف ،كالتي أفرزتيا سيطرة القكل الرأسمالية ،كالشركات المتعددة الجنسيات عمى عصب الحياة.
ككذلؾ المفكر كالفيمسكؼ السياسي "أالف بمكـ" الذم اعتبر القكؿ بما بعد الحداثة بمثابة بدعة ،أك آخر رجفة
تسعى لمتخمي عف العقؿ ،كاعتزاؿ القكؿ بإمكانية الكشؼ عف الحقيقة( .الشيخ ،الطائرم ،1996،ص ص
)10،11
في المقابؿ نجد "فرانسكا ليكتار" مف بيف المتحمسيف ليذا المفيكـ ،الذم يرل بأف ما بعد الحداثة ،قد غيرت
مف القكالب الجاىزة ،كبعثرت القكاعد ،كالقكانيف ،كاألنظمة ،التي تبني الخطابات الفكرية ،كالفنية ،كالعممية
أيضا .حيث الخطابات ،فيي خطابات الفنانيف التي تتجسد في أعماليـ (النحت ،الفف التشكيمي ،السينما)
كخطابات العمماء (النظريات :كصفية ،تجريبية ،متخيمة )...إلى جانب خطابات المفكريف ،كالمثقفيف (كتب
أدبيف ،سياسية) .كأما إذا ما تأممنا المجاؿ العاـ إلنتاج الثقافة ،أك الصناعة ،فسنجد بأف العمـ ىك مف يحتؿ
الصدارة ،كىك يصارع مف أجؿ أف يحتؿ المرتبة األكلى ضد الحكايات أك السرديات الكبرل ( Les grand
)récitsكىي حكايات (سرديات) تركم الصيركرة التي نقطعيا ،أك سيقطعيا الكجكد اإلنساني ،حيث أف كؿ
87
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
معرفة تنيؿ ،أك تشترط ىذه الحكايات ،أك السرديات الكبرل تسمى بالخطابات الحداثية( .فرانسكا،2016 ،
ص .)09ىذا كتتمتع المعرفة في عصرنا الحداثي بحكايتيف أك سرديتيف ،حكاية (سردية) سياسية ،كأخرل
فمسفية .فمكضكع الحكاية (السردية) السياسية ىك :الدفاع عف اإلنسانية باعتبارىا تجسد الكفاح مف أجؿ
الحرية كالتحرر ضد القمع كالمنع ،كفاح يمنحيا الحؽ في التعميـ كالعمـ .في حيف يتمثؿ مكضكع الحكاية
(السردية) الفمسفية في شرعية المعرفة ،ممثمة في التيار الجدلي الييغمي الذم يرل بأف الركح في حالة
اكتساب مستمر لذاتيا ،فتاريخيا ىك تاريخ الحياة ،حياة تتقدـ تجاه المطمؽ( :الحرية ،العدالة ،المساكاة) كحيث
تمتصؽ المعرفة بالتحرر ،في بعده السياسي ،كالمعرفي( .فرانسكا ،2016 ،ص )10
كضمف ىذا السياؽ ،أك الطرح ،يصبح الظرؼ ما بعد الحداثي ،نياية لؤلقطاب الكبرل القديمة ،التي كانت
مييمنة كػ (الدكلة-األمة-األحزاب ،المؤسسات كالتقاليد التاريخية) كنياية لعصر األسماء الكبرل ،كأبطاؿ
التاريخ عمى غرار( :كاستر ،ماك ،ستاليف .)...فمثمما تفككت الرابطة االجتماعية ،كحدث االنتقاؿ مف
التضامف ،كالتعاكف ،االجتماعي إلى كتؿ مركبة مف ذرات فردية في حركة عبثية ،فقدت الذات قيمتيا الكبرل
كأصبحت مأخكذة في نسيج معقد مف العبلقات األكثر حركية( .فرانسكا ،2016 ،ص )20
كأما المشكؿ األساسي بالنسبة لممجتمع المعاصر بحسب "ليكتار" فيك الرأسماؿ الذم يفتت كافة المجاالت
االجتماعية ،كالسياسية ،أك الرأسمالية التي تعد إحدل سمات الحداثة ،التي قامت كتقكـ عمى االستثمار
البلنيائي كالبلمحدكد .إال أف ىذا البلمحدكد ال يعني الغامض ،أك المبيـ ،فقد عرفت الرأسمالية كيؼ تجعؿ
لو أسماء مثؿ :الطاقة ،كالككف.
كذلؾ إلى جانب "ليكتار" نجد " زيجكمنت بكماف" " " Zugmunt Baumanالذم يرتكز في كتابو " حميمية
ما بعد الحداثة" عمى التعمـ الذم يستخمصو مف التاريخ السياسي المعاصر ،حيث ينتيي إلى القكؿ بأف العالـ
الغربي قد دخؿ عص ار جديدا ،مؤكدا بالمناسبة عمى عكس ما ذىب إليو " ماركس" بأنو لـ يعد لمتاريخ معنى
كأيضا عمى الضد مف " فيبر" الذم يرل بأف العالـ في زمف إعادة ابتياجو .كأما الفكرة األصيمة عند "بكماف"
فتكمف في كصفو لمجتمع ما بعد الحداثة بمجتمع االستيبلؾ ،حيث يختمط مبدأ المذة ،بمبدأ الكاقع ،عند
المستيمؾ ما بعد الحديث بدؿ تعارضيما ،حيث نجحت الرأسمالية في خمؽ عالـ غير كاقعي ،ىك عالـ
االستيبلؾ ،ففي عالـ ما بعد الحداثة سمكؾ المستيمؾ ىك المحرؾ لمتحكالت االجتماعية كاالقتصادية
المستقبمية.
أما "بارم سمارت" " "Barry Smartفينعت مجتمع ما بعد الحداثة بأنو مجتمع القمؽ كالخكؼ ،أك ىك
عصر يغزكه الشؾ .ففيو كبالتدريج يصبح الماضي التاريخي مدركا كما لك كاف قيمة مشتركة ،في حيف
88
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
يصبح تفكؽ الحضارة العربية كاقعا غير معترض عميو ،كسيصبح الرخاء االقتصادم أم ار مرغكبا فيو إلى
أقصى درجة ،كما سيتزعزع ايماف الناس بالعقؿ ،فيمجؤكف الى المعتقدات الدينية ،كالميتافيزيقية
ىذا كاذا كاف " دانياؿ بيؿ" يفرد في مجتمع ما بعد الحداثة ،أك في المجتمع ما بعد الصناعي مكانة متميزة
لمعمـ كالتكنكلكجيا فإف " بارم سمارت" يحؿ محميا المعمكمات كاالتصاالت ،حيث تصير ىذه األخيرة مصدر
كؿ تجديد ،ككؿ تغيير في عمميات اإلنتاج ،فبفضؿ ىذه المعمكمات ،كاالتصاالت ،لـ يعد أرباب العمؿ ،في
حاجة الى تجميع العامميف داخؿ المصانع كالمكاتب( .سبيبل ،عبد العالي 2007،ص ص)17،16،15،
89
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
التكجو الذم يظير في تحميؿ "فككك" لمسمطة ،التي اعتبرىا بأنيا ال نيائية ،كما لـ يربطيا بمركز كاحد.
(الشيخ ،الطائرم 1996 ،ص ،17
-3.4بروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي :كالتي عمؿ عمى تطكيرىا عمماء اجتماع كثيركف أمثاؿ:
األمريكي " دانياؿ بيؿ" كالفرنسي" أالف تكراف" .فػ "دانييؿ بيؿ" عمى سبيؿ المثاؿ يرم بأف العالـ قد دخؿ
عص ار تاريخيا جديدا ،كىك العصر الذم أطمؽ عميو تسمية المجتمع ما بعد الصناعي ،الذم يتميز بيذه
األىمية التي صارت تحظى بيا المعرفة ،كالتي جعمت منيا القكة الدافعة لبلقتصاد ،بدال مف اإلنتاج المادم
مثمما كانت عميو الحاؿ في الماضي .أما " آالف تكراف" فيعتقد بأف القكة المسيطرة في عالـ اليكـ ،لـ تعد
التقاليد الدينية كاالجتماعية مثمما كانت في السابؽ ،بؿ أضحت القكة لكسائؿ االعبلـ ،كالتقنية ،كاألسكاؽ
حيث أصبحنا نعيش تحت كطأة عالـ ضخمة مف الرمكز ،كالمعمكمات ،كالخيرات المادية ،كالخدمات ،كىك ما
يعني أف المجاؿ اليكـ ،لـ يعد مفتكحا أماـ الحكايات الكبرل التحررية( .الشيخ ،الطائرم 1996 ،ص )18
إف تيار ما بعد الحداثة ،الذم ظير كرد فعؿ عمى الحداثة ،كالذم يمكف إعادتو أيضا إلى " نيتشو " فيمسكؼ
العدمية كالنقد ،باعتباره يمثؿ بدايات جذر "ما بعد الحداثة" ،كاف كاف " ليكتار" ىك مف أعطاه ميزة التداكؿ
العمكمي ،ال سيما بعد ترجمة كتاباتو إلى لغات أخرل غير المغة الفرنسية ،تيار يقكـ في جكىره عمى نزعة
شكية اتجاه أية محاكلة لخمؽ معنى لمتاريخ .كبالتالي فيك يرفض كؿ الحكايات ،أك السرديات الكبرل ،بما في
ذلؾ سرديات التقدـ بشقييا الماركسي ،كالميبرالي .إذ يرل بأف الحداثة قد قامت عمى خرافة أف مسيرة التاريخ
ىي مسيرة التقدـ .كلذلؾ فقد كضع نصب عينيو ،إعادة النظر في مفيكـ العقبلنية ،كبالتالي القياـ بمراجعة
لمكتسبات عصر األنكار ،األمر الذم جعمو يرفض تصكر األبستمكلكجيا الغربية التقميدية لمحقيقة.
مف ذلؾ يمكف أف نقكؿ بأف " ما بعد الحداثة"" "Post Modernityتشير إلى مرحمة تاريخية مخصكصة كما
أنيا تمثؿ أسمكبا في التفكير ،كىك يبدم ارتيابا مف األفكار ،كالتصكرات الكبلسيكية ،كفكرة الحقيقة ،العقؿ
المكضكعية ،التقدـ ،األطر األحادية ،السرديات الكبرل ،كاألسس النيائية لمتفسير .ثـ إف "ما بعد الحداثة"
ترل العالـ بكصفو طريقة في التفكير ،كىي تنبع مف تحكؿ تاريخي يشيده الغرب نحك شكؿ جديد مف
الرأسمالية ،أك نحك عالـ مف التكنكلكجيا ،كالنزعة االستيبلكية .عالـ انتصرت فيو صناعة الخدمات ،كالماؿ
كالمعمكمات عمى المصنع التقميدم( .سبيبل ،عبد العالي ،2007 ،ص )10
جدير بالذكر ىنا أف ىناؾ مف يرل بضركرة الحديث عف "ما بعد حداثية" كليس عف "ما بعد الحداثة" ،بما أف
الحداثة لـ يتـ تجاكزىا بعد ،فيي باقية ،كحاضرة بمظاىرىا إلى ىذا اليكـ .كىك الطرح الذم قد يرد عميو
بعضيـ بأف "ما بعد الحداثة" ،إنما تمثؿ تجاك از لنسؽ معرفي ال زاؿ قائما ،كليس لحقبة تاريخية بعينيا .كىك
90
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
الرد الذم يرد عميو المنادكف بػ"ما بعد حداثية" أك بػ "ما بعد حداثكية" بقكليـ بأف خطاب "ما بعد الحداثة" يككف
عمى ىذا النحك جزء مف خطاب الحداثة ،كبالتالي فيك خطاب منكر ألصكلو .فما "بعد الحداثية" أك "ما بعد
الحداثكية"" "Postmodernismإنما تمثؿ لحظة يمكف محاكاة نماذجيا كاف امتدت إلى يكمنا الحاضر
كحيث المقكالت المنتجة حداثيا ىي مقكالت :المركزية اإلنسانية ،الذاتية ،العقبلنية ،كالعممكية ،كتمؾ المقكالت
التي ستشكؿ مصد ار لمنقد لما بعد حداثي.
أم بما معناه أف خطاب "ما بعد الحداثية" أك " ما بعد الحداثكية" سيشمؿ كؿ الخطاب الذم تبنى رؤية ناقدة
لممركزية اإلنسانية ،لمذاتية ،لمعقبلنية ،كلمعممكية ،كخطاب طارد ليا ،كلممعنى المنبثؽ عف ىذه المعرفة.
كبعبارة أخرل فإف الحديث عف " ما بعد الحداثية" أك " ما بعد الحداثكية" ق بمثابة تجاكز لنسؽ ،كلنزعة ،أم
ليس بنسقية تاريخية متجاكزة زمنيا( .مجمكعة مؤلفيف ،2018،ص ص)8،7
إف "ما بعد الحداثة " بكصفيا مصطمح تاريخي ،ىي مرحمة تتجاكز زمنيا مرحمة الحداثة ،كىي المرحمة التي
تميز عالمنا المعاصر ،بما يشتمؿ عميو مف تقدـ تكنكلكجي ،اعبلمي ،كثكرة معمكماتية ،كتحكؿ في القيـ نحك
التعدد .كىي – ما بعد الحداثة -بكصفيا حساسية جديدة دامجة لمتفاكتات ،ترفض معادلة المعيارية التي أتت
بيا الحداثة ،كالتي ميزت ثقافة كعرؽ بعينيما عف البقية .فيي تنادم بإنتاج خميط إنساني يحمؿ التعدد
كيسعى لمتعايش في عالـ التفاكت المعاصر .ثـ إنيا -ما بعد الحداثة -كفكؽ ذلؾ ،ككميتمة بمنتجات
خطابات الحداثة ،تقكؿ بأف منتجات تمؾ الخطابات قد استنفدت كحاف الكقت لتجاكزىا ،بؿ كترل كمثمما ذىب
إليو "بكديارد" بأننا نعيش عالما صار التمييز فيو بيف الكاقعي كاالفتراضي صعبا لمغاية ،نتيجة لتطكر الكضع
المعمكماتي كثقافتو.
بؿ زد إلى ذلؾ ككف "ما بعد الحداثة" بكصفيا األكضاع الثقافية لمرأسمالية المتأخرة ،تيتـ بالجانب
االقتصادم ،كالجمالي ،فيي ترل بأف اىتماـ المستيمؾ صار منصبا عمى جمالية السمعة ،أم ليس عمى
غرضية السمعة مثمما كاف في الماضي.
كعميو فالمكقؼ ما بعد الحداثي يرفض المكقؼ الحداثي ،كاذ يسعى إلى فرض فيـ جديد لمتاريخ ،كالعالـ
كاالنساف .فيك يرل بأنو ليس ثمة عقؿ يفسر الظكاىر ،أك الكقائع ،كاألحداث تفسي ار غير متحيز ،كما ليس
ثمة ثابت يحكـ المتحكؿ ،كال كجكد لثقافة عالية نخبكية ،في مقابؿ ثقافة أخرل دكنية جماىيرية ،ككؿ ما
ىنالؾ تشكيؿ مستمر ال يمكف تبريره باإلحالة إلى نمكذج متعاؿ( .مجمكعة مؤلفيف ،2018،ص ص)11،10
باختصار كأيا كاف األمر ،فالمؤكد أف فكر "ما بعد الحداثة" يرفض الكحدة الدكغمائية ،كالنسقية الصارمة ،كما
يرفض عمى نحكىا السرديات الكبرل التاريخية كالفمسفية ،كيسعى لتغيير فكرة حتمية قيـ التقدـ ،كتميز العرؽ
91
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
كالثقافة الكاحدة ،الذم كاف عمى حساب ثقافات اليامش كالتعدد .كىك بذلؾ يمعب دك ار محكريا في زعزعة الثقة
بالفكر الشمكلي كثكابتو ،بما يفضي إلى القكؿ بتعدد العكالـ كالحقائؽ ،كفقا لتعدد القراءات ،كتماشيا مع
مقكالتيا عمى نحك :العدمية ،الغياب ،االختبلؼ ،التفكيؾ ،التعددية ،كاليامش ،التي جاءت لترد عمى مقكالت
الحداثة كأفكارىا .كالجدكؿ المكالي يبيف لنا الحدكد الفاصمة فكريا كمفيكميا بيف كؿ مف "ما بعد الحداثة"
ك"الحداثة".
الجدكؿ رقـ ( )02يبيف الحدكد الفاصمة فكريا كمفيكميا بيف ما بعد الحداثة كالحداثة
الحداثة ما بعد الحداثة
-1القصص كالسرديات الكبرل -1ضد السرديات الكبرل
-2األفكار الكمية الشمكلية -2تفكيؾ الكميات
-3األصؿ -3االختبلؼ
-4المرجعية الكاحدة كالمركز -4التعددية كالتكزع
-5التأليؼ -5ضد التأليؼ كنحك ال نسؽ
-6االنغبلؽ -6االنفتاح
-7التراتبية -7الفكضى
-8القصدية (كجكد الغاية) -8المعب
-9الخطة أك النظاـ -9الصدفة
-10التشبيو -10التضاد
-11الحضكر -11الغياب
-12الحتمية -12البلحتمية
المصدر(:مجمكعة مؤلفيف ،2018،ص)16
أخي ار يبقى القكؿ بأف مفيكـ "الحداثة" ،مثمما مفيكـ "ما بعد الحداثة" ،كمعيما مفيكـ "التحديث" ،مف المفاىيـ
اإلشكالية التي شغمت باؿ المفكريف طكيبل مف مختمؼ التخصصات في العمكـ االجتماعية ،كاإلنسانية
عمكما .كلعؿ العبء األكبر في ىذا الباب يقع عمى المفكر في المجتمعات العربية ،الذم يجد نفسو كىك يمج
ىذا النقاش ،مجب ار عمى الخكض في مناقشة كنقد التجربة التحديثية في ىذه المجتمعات ،التي حاكلت
االستمياـ مف النماذج ،أك مف التجارب األجنبية التي سبقتيا ،كالتي قد تكلدت في سياقات تاريخية -اجتماعية
مغايرة ليا جذريا.
92
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
قائمة المراجع:
بالمغة العربية:
)2أبك النكر حمدم ،أبك النكر حسف :يكرجيف ىابرماس األخبلؽ كالتكاصؿ ،التنكير لمطباعة كالنشر ،بيركت
.2012
)3أحمد عمي الحاج محمد :عمـ اجتماع التربكم المعاصر ،دار المسيرة لمنشر كالتكزيع كالطباعة ،عماف
ط.2012 ،1
)4أحمد عاطؼ غيث :قامكس عمـ االجتماع ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية.2006 ،
)5أالف تكراف :نقد الحداثة ،ترجمة :السبلـ الطكيؿ ،مراجعة :محمد سبيبل ،دار إفريقيا الشرؽ ،2010 ،دكف
بمد.
)6إدريس جندارم كآخركف :العرب كالمجتمع الحداثي ،مؤسسة مؤمنكف ببل حدكد لمنشر كالتكزيع ،الرباط
بيركت ،ط.2016 ،1
)7إلياس بمكا ،محمد حرار :إشكالية اليكية كالتعدد المغكم في المغرب العربي ،مركز اإلمارات لمدراسات
كالبحكث اإلستراتيجية ،أبك ظبي ،ط.2014 ،1
)8أليكس ميكشيممي :اليكية( ،ترجمة :عمي أسعد كطفو) دار الكسيـ لمخدمات الطباعية ،ط.1993 ،1
)9أراؽ سعيد :مدارات المنفتح كالمنغمؽ في التشكبلت الداللية كالتاريخية مفيكـ اليكية ،مجمة عالـ الفكر
العدد ،4المجمد ،36دكف بمد ،ابريؿ-يكنيك .2008
)10بندكت أندرسف :الجماعة المتخيمة :تأمبلت في أصؿ القكمية كانتشارىا (ترجمة :ثائر ديب) المركز
العربي لؤلبحاث كدراسة السياسات ،بيركت ،ط.2014 ،1
)11تشارلز تيمر :المتخيبلت االجتماعية الحديثة (ترجمة :الحارث النبياف) المركز العربي لؤلبحاث كدراسة
السياسات ،بيركت ،ط.2015 ،1
)12جاستكف بكتكؿ :تاريخ عمـ اجتماع( ،ترجمة :غنيـ عبدكف) ك(مراجعة :جبلؿ حسف صادؽ) ،ككالة
الصحافة العربية (الناشركف) القاىرة .2021
)13جبريؿ بف حسف العريشي ،سممى بنت عبد الرحمف محمد الدكسرم :الشبكات االجتماعية كالقيـ رؤية
تحميمية ،الدار المنيجية لمنشر كالتكزيع ،عماف ،ط.2015 ،1
)14حسف حنفي :اليكية :مفاىيـ ثقافية ،المجمس األعمى لمثقافة ،القاىرة ،ط.2012 ،1
93
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
)15حمدكش رشيد :مسألة الرباط االجتماعي في الجزائر المعاصرة امتدادية اك قطيعة ،دار ىكمة لمنشر
كالتكزيع ،الجزائر.2009 ،
)16خكاجة عبد العزيز بف محمد ،سكسيكلكجيا الرابط االجتماعي بناءات مفاىيمية كمسارات نظرية ،ط1
.2018
)17دكرتيو ،ج ؼ :معجـ العمكـ اإلنسانية ،ترجمة :جكرج كتكرة ،المؤسسة الجامعية لمدراسات كالنشر
بيركت.2011 ،
)18راكم عبد العاؿ كآخركف :قياس اليكية دليؿ المتخصصيف في العمكـ االجتماعية ،مركز االمارات
لمدراسات كالبحكث ،أبك ظبي ،ط.2014 ،1
)19زىرة شكشاف :الحكاية في المخياؿ االجتماعي الجزائرم ،دراسة سكسيكلكجية ،بحث مقدـ لنيؿ درجة
الماجستير في عمـ اجتماع الثقافي ،قسـ عمـ االجتماع ،كمية العمكـ اإلنسانية كاالجتماعية ،جامعة الجزائر
بف يكسؼ بف خدة.2007/2006 ،
)20سفياف بكعطيط :القيـ الشخصية في ظؿ التغير االجتماعي كعبلقتيا بالتكافؽ الميني ،رسالة مقدمة
لنيؿ الدكتكراه عمكـ في عمـ النفس العمؿ كالتنظيـ ،قسـ عمـ النفس كعمكـ التربية كاألرطكفكنيا ،كمية العمكـ
اإلنسانية كاالجتماعية ،جامعة منتكرم ،قسنطينة.2012/2011 ،
)21صالح محمد عمى أبك جادك :سيككلكجية التنشئة االجتماعية ،دار المسيرة لمنشر كالتكزيع ،عماف
ط.198 1
)22صبلح قنصكة :نظرية القيـ في الفكر المعاصر ،التنكير لمطباعة كالنشر كالتكزيع ،بيركت.2010 ،
)23عبد الحميد شاكر :الخياؿ مف الكيؼ إلى الكاقع االفتراضي ،سمسمة عالـ المعرفة ،العدد 360
المجمس الكطني لمثقافة كالفنكف كاآلداب ،الككيت.2009 ،
)24عبد الرحماف عيسكم :سيككلكجية الخرافة كالتفكير العممي ،دراسة ميدانية عمى الشباب المصرم
كالغربي ،دار النيضة العربية لمطباعة كالنشر ،بيركت.1984 ،
)25عبد الغفار مكاكم :النظرية النقدية لمدرسة فرانكفكرت" ،حكليات كمية األدب ،العدد .1993 ،153
)26عبد المطيؼ محمد خميفة ،ارتقاء القيـ دراسة نفسية ،عالـ المعرفة ،المجمس الكطني لمثقافة كالفنكف
كاآلداب ،الككيت.1990 ،
)27عبد اهلل الغدامي :القبيمة كالقبائمية ،أك ىكيات ما بعد الحداثة ،المركز العربي ،دار البيضاء ،ط2
.2009
94
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
)28عبد الغني عماد :سكسيكلكجيا اليكية :جدليات الكعي كالتفكؾ كاعادة البناء ،مركز دراسات الكحدة
العربية ،بيركت ،ط.2017 ،1
)29عمي ليمة :النظرية االجتماعية المعاصرة ،دراسة لعبلقة اإلنساف بالمجتمع ،دار المعارؼ ،القاىرة ،ط2
.1983
)30فالنتينا غراسي :مدخؿ الى عمـ اجتمعا المخياؿ :نحك فيـ الحياة اليكمية (ترجمة :محمد عبد النكر
كسعكد المكلى) المركز العربي لؤلبحاث كدراسة السياسات ،بيركت ،ط.2018 ،1
)31فميب كاباف ،جاف فرانسكا دكركتيو( :ترجمة :إياس حسف) دار الفرقد لمطباعة كالنشر ،ط ،1دمشؽ
.2010
)32كمكد دكبار :أزمة ىكيات تفسير تحكؿ( ،ترجمة :رندة بعث) المكتبة الشرقية ش .ـ .ؿ ،بيركت ،ط،1
.2008
)33كماؿ التابعي :االتجاىات المعاصرة في دراسة القيـ كالتنمية االجتماعية ،دار المعارؼ ،القاىرة.1999 ،
)34كماؿ دسكقي :االجتماع كدراسة المجتمع ،المكتبة االنجمك مصرية ،القاىرة.2000 ،
)35مجمكعة مؤلفيف :ما بعد الحداثة دراسات في التحكالت االجتماعية كالثقافية في الغرب( ،ترجمة :حارث
محمد حسف ،باسـ عمي خريساف) ابف النديـ لمنشر كالتكزيع ،الجزائر ،دار الركافد الثقافية ،بيركت ،ط1
.2018
)36محمد الجكيني :الزعيـ السياسي في المخياؿ اإلسبلمي بيف القدس كالمدنس ،دار سراس لمنشر المؤسسة
الكطنية لمبحث العممي ،تكنس.1992 ،
)37محمد الشيخ ،ياسر الطائرم :مقاربات في الحداثة كما بعد -الحداثة حكارات منتقاة مف الفكر األلماني
المعاصر ،دار الطميعة ،بيركت ،ط،1996 ،1
)38محمد الصيرفي :المكسكعة العممية لمسمكؾ التنظيمي :التحميؿ عمى المستكل الفردم ،المكتب الجامعي
الحديث ،اإلسكندرية ،د ف ط.2009 ،
)39محمد ب كاؿ :مف المخيمة إلى المخياؿ :دراسة في تاريخية المفيكـ ،مجمة الكاحات لمبحكث كالدراسات
العدد ،13جامعة غرداية.2011،
)40محمد جميؿ خياط :المبادئ كالقيـ في التربية اإلسبلمية ،جامعة اـ القرل ،مكة المكرمة.1996 ،
)41محمد سبيبل ،عبد السبلـ بف عبد العالي :ما بعد الحداثة ،تحديدات ،دار تكبقاؿ لمنشر ،الدار البيضاء
ط.2007 ،1
95
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
سبتمبر،07 العدد، مجمة آفاؽ المستقبؿ، نحف كالعمـ اليكية مف الكحدة إلى التعدد:) محمد سعدم42
.2010 ، مركز االمارات لمبحكث كالدراسات االستراتيجية،أكتكبر
دار المعرفة الجامعية، تاريخ عمـ االجتماع الركاد كاالتجاىات المعاصرة:) محمد عمي محمد43
.1985 ،االسكندرية
دراسة ميدانية بجامعة منتكرم، الطمبة الجامعيكف بيف القيـ السائدة كالقيـ المنتجة:) نجكل عميركش44
كمية العمكـ، قسـ عمـ االجتماع، رسالة بحث مقدمة لنيؿ درجة الماجستير في عمـ االجتماع التنمية،قسنطينة
.2005/2004 ، قسنطينة، جامعة منتكرم،اإلنسانية كاالجتماعية
1 ط، البلذقية، ىاني صالح) دار الحكار لمنشر كالتكزيع: مجتمع األفراد (ترجمة:) نكربرت إلياس45
.2014
دار،8 ط، محمكد عكدة كاخركف: ترجمة، نظرية عمـ االجتماع طبيعتيا كتطكرىا:) نيقكال ت يماشيؼ46
.1983 ، القاىرة،المعارؼ
رسالة، دكر كميات التربية في تنمية كتدعيـ بعض القيـ لدل طبلبيا:) ىاشـ فتح اهلل عبد الرحماف47
.1992 ، جامعة المنيا، كمية التربية،دكتكراه
:بالمغة األجنبية
48) Fabrice Patez : Les relations communautaires ethniques selon Max Weber, i, Les Cahiers du
Cérim, No2, Mars, 1997.
49) François Gresle, Michel Perrin, Michel Panof, Pierre Tripier : Dictionnaire des Sciences
Humaines : Sociologie, Psychologie Sociale Anthropologie ; éditons Nathan Paris ; 1990.
50) Gilbert Durand. L’imaginaire symbolique, PUF. Paris, 1976.
51) Marc Montoussé, Gilles Renouard : 100 fiches pour comprendre la sociologie, Bréal,2002.
52) Jacques Marquet, Christophe Janssen : Lien social et internet dans l’espace privé,
L’Harmattan, Paris, 2012.
53) Jean Etienne, Françoise Bloess, jean pierre Noreck, Jean Pierre Roux ; Dictionnaire de
sociologie ; Les notions, les mécanismes et les auteurs, éditions hâtier,2eédit, paris,1997.
54) Serge Paugam. Le Lien Social, PUF, Paris,2008.
:المواقع اإللكترونية
55) http://ses.ens-lyon.fr/articles/serge-paugam-comment-penser-le-lien-social-et-la-solidarite-
151169
56) https://www.editions-ellipses.fr/PDF/9782340010420_extrait.pdf. Consulté le 08/12/2018 à
12 :40.
57) https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00570010/document
58) https://fr.wikipedia.org/wiki/Lien_social_(sociologie)
59) https://manuelnumeriquemax.belin.education/ses-premiere/topics/simple/ses1-ch07-161-01
96
سوسيولوجيا الرابط االجتماعي
60) https://papyrus.bib.umontreal.ca/xmlui/bitstream/handle/1866/22264/Thomas_Alban_2018_
m%c3%a9moire.pdf?sequence=2&isAllowed=y
61) https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&ved=2ahUKEwiI
graoofX2AhWTQuUKHc6sAecQFnoECBoQAQ&url=http%3A%2F%2Fwww.ac-
grenoble.fr%2Fdisciplines%2Fses%2FContent%2FPratique%2Fpremiere%2Fcours%2Flien_soci
al%2FDiaporama%2520Lien%2520social.pps&usg=AOvVaw31FOf6Crlm28CjYbP8mi2O
97