Professional Documents
Culture Documents
ميالد يعقوب
نظرة من الداخل
2011
2
محتويات الكتاب
الفصل الثامن :و ازرة التضامن االجتماعي ،بين المرونة والبيروقراطية84 .......................
الخاتمة104 ...................................................................................
3
انتشار الجمعيات األهلية في الريف المصري ،وباألخص جمعيات تنمية المجتمع المحلي ،ليست ظاهرة جديدة
مؤخر حيث أن أعداد هذه الجمعيات في زيادة مطردة منذ بداية تسعينيات القرن
ًا بل هي ظاهرة ازدادت أهميتها
العشرين .وتشمل هذه الظاهرة جميع أنحاء جمهورية مصر العربية حيث بلغ عدد جمعيات تنمية المجتمع المحلي
9076جمعية في ،14772-4772معظمهم في الريف ،وذلك بعكس األنواع األخرى من الجمعيات األهلية التي
تتركز في المدن.
وترجع أهمية هذه الجمعيات لكونها تلمس مجال حيوي وهو تنمية الريف المصري الذي يضم ٪20من السكان،
النوع من الجمعيات في الريف واقامة جمعيات الرعاية االجتماعية في المدن .وبالرغم من أن قانون الجمعيات
ومن المالحظ أن غالبية األبحاث االجتماعية التي يتم إجراءها بخصوص هذه الجمعيات تحاول تفسير وجود
نجاحا من جمعيات أخرى في مجال التنمية ،وذلك باالعتماد على بعض معايير الكفاءة والفاعلية
ً جمعيات أكثر
وربطها بعدد من المتغيرات اإلحصائية المتعلقة بالجوانب االقتصادية واالجتماعية لهذه الجمعيات والمجتمعات
المحلية الموجودة بها .هذه األبحاث تعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات كمية باستخدام استمارات استبيان
1بحسب كتاب اإلحصاء السنوي الصادر عن جهاز التعبئة العامة واإلحصاء في .6002
2بحسب النتائج األولية لتعداد السكاني في .6002
4
إحصائيا
ً الستطالع آراء المسئولين عن الجمعيات والمنتفعين من أعضاء المجتمع المحلي بعد أخذ عينة ممثلة
لمجتمع الدراسة.
أما هذا الكتاب فهو نتيجة بحث تم إجراءه باستخدام المنهج الوصفي لعمل دراسة حالة لجمعيتين مرتبطتين
بعضهما ببعض ومتشاركتين في مقر واحد ،وهما جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس 3وجمعية العزب بحري
لتنمية المجتمع الزراعي والموجدتان في قرية العزب بحري الواقعة في مركز إسنا بمحافظة قنا في صعيد مصر.
كانت األداة األساسية لجمع البيانات هي المالحظة بالمشاركة والتي تقتضي أن يشارك الباحث المبحوثين في
متعمقة
ّ معيشتهم لفترة زمنية محددة .ومن هنا جاء عنوان الكتاب الفرعي «نظرة من الداخل» حيث أنه يلقي نظرة
محتوى هذا الكتاب مقتبس من رسالة الدكتوراه ،في علم االجتماع ،التي تم إعدادها ومناقشتها في جامعة باريس
والتي يمكن ترجمتها للغة العربية كالتالي« :جمعيات تنمية المجتمع المحلي من منظور التشكيالت االجتماعية:
دراسة حالة لقرية في صعيد مصر» .ويأتي هذا الكتاب كمحاولة لتقديم محتوى رسالة الدكتوراه للقارئ باللغة العربية
السؤال الرئيسي الذي تسعى هذه الدراسة لإلجابة عليه هو :كيف تمارس جمعيات تنمية المجتمع المحلي العاملة
في الريف المصري دورها ،وذلك بالرجوع للواقع االجتماعي المحيط بها؟
3جميع أسماء القرى والعزب واألشخاص المذكورين هي أسماء مستعارة للحفاظ على الخصوصية ،وذلك بحسب
ما هو متّبع في الكثير من الدراسات الوصفية ودراسات الحالة.
5
تهدف هذه الدراسة إذن إلى رصد وتحليل وفهم طبيعة عمل هذه الجمعيات المنتشرة في قرى مصر وذلك وقت
إجراء البحث خالل العقد األول من القرن الحادي والعشرين ،أي قبل قيام ثورة يناير .4744ويعتمد التحليل على
نوعين من العالقات :أوًال عالقة الجمعيات مع مجتمع القرية لمعرفة كيفية تأثير المجتمع المحلي على الجمعيات
المنظمات األخرى التي تتعامل معها ،وكيفية حدوث التأثير المتبادل بينهم ،وهو ما نطلق عليه التشكيالت
االجتماعية الخارجية.
وتعرف التشكيالت االجتماعية الداخلية على أنها العالقات المتبادلة بين األطراف الفاعلة ،وهم أعضاء الجمعية
ّ
والقائمون عليها والعاملون فيها والمنتفعون منها ـ وذلك من حيث ممارستهم للسلطة بين بعضهم البعض بشكل فردي
أو جماعي ،منهم بحسب انتماءاتهم العائلية والجغرافية واتجاهاتهم السياسية والدينية ومصالحهم االقتصادية
واالجتماعية .وبهذا فإن التشكيالت االجتماعية الداخلية للجمعية هي في ذات الوقت انعكاس ألوضاع المجتمع
المحلي الذي تعمل الجمعية في إطاره .أما التشكيالت االجتماعية الخارجية فهي تُعنى بالعالقات المتبادلة بين
الجمعية واطارها المؤسسي والمنظمي وأسلوب ممارسة السلطة والتأثير المتبادل بين الجمعية من ناحية والمنظمات
والجهات التي تتعامل معها من ناحية أخرى ،مثل جهات الحكم المحلي ومختلف جهات الدولة والجهات الممولة
معين ،يمكن
وبالرجوع إلى عدد من الدراسات السابقة ،والتي تتناول كل منها واقع الريف المصري من منظور ّ
الوصول لعدد من العناصر التي تشكل مصادر القوة وركائز ممارسة السلطة داخل المجتمعات المحلية للقرى
من هذه العناصر المهمة العنصر االقتصادي ،حيث يمكن تقسيم المجتمع المحلي إلى فئات أو طبقات
اجتماعية بناء على معايير مثل الملكية والحيازة الزراعية والواقع المهني الذي يؤثر على مستوى الدخول والمعيشة
أحيانا الهيمنة بين المنتمين لفئات اقتصادية مختلفة وفقًا لمصالح كل
وبناء على هذا التقسيم نجد ممارسات للسلطة و ً
ً
أيضا االنتماء العائلي ،حيث ينقسم مجتمع القرية إلى عائالت وأوالد عمومة .ولكل عائلة مكانة مختلفة
منها وهناك و ً
6
في المجتمع تتوقف على عناصر متعددة منها النفوذ والمستوى االجتماعي ألعضائها .ومن المالحظ أن االنتماء
أيضا عنصر االنتماء الجغرافي ،حيث يؤثر انتماء الريفيين إلى القرية األم أو إحدى القرى التابعة أو
وهناك و ً
إحدى العزب والنجوع على العالقات بينهم بحسب سمعة ومكانة موطنهم وظروف المعيشة فيه .وبالمثل نجد أن
العالقة بين الرجال والنساء في المجتمع وتوزيع األدوار بينهم عامل مهم يمكن تناوله من منظور الممارسات
أيضا أخذ التوجهات الدينية في االعتبار من حيث العالقات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين
السلطوية .ويمكن و ً
واالنتماءات إلى جماعات دينية ،مثل اإلخوان المسلمين والتيارات الصوفية التي تؤثر في الحياة داخل القرية وتوزيع
أيضا التوجهات السياسية واالنتماءات الحزبية التي قد تكون موجودة في المجتمع وتظهر
السلطة فيها .وهناك و ً
جميع هذه العناصر هي التي تجعل هناك تقسيمات داخلية ،سواء معلنة أو بشكل ضمني ،وتجعل المجتمع
المحلي به تباينات مجتمعية بين األفراد والمجموعات تنعكس على قدرتهم على إحداث تأثير اجتماعي على بعضهم
البعض.
أيضا الدراسات السابقة في مجال المنظمات ،ومنها المنظمات الريفية مثل جمعيات تنمية المجتمع
كما تظهر و ً
المحلي الموجودة في القرى ،وجود عناصر لممارسة السلطة بين المنظمات وبعضها ومع الجهات المختلفة .ومن
أيضا العالقات
ً هذه العناصر وجود قوانين ولوائح تحدد بعض الجوانب في العالقات المؤسسة .ولكن هناك
الشخصية بين القائمين على المنظمات ودورهم في تطبيق أو عدم تطبيق بنود القوانين واللوائح والذي يجعل الواقع
اإلطار النظري:
من أجل خوض هذه الدراسة بشكل مقنع ،يجب االعتماد على وجود إطار نظري قوي يساعد على تحليل وفهم
7
النظري على ثالثة مكونات :علم اجتماع التنمية وعلم اجتماع المنظمات ومفهوم «التشكيالت االجتماعية»
« .»Social configurationsالمكونان األول والثاني يعكسان الطبيعة الخاصة لجمعيات تنمية المجتمع المحلي
مكمل
من حيث كونها «منظمات» ،ومن حيث أن محور اهتمامها هو «التنمية المحلية» ،أما المكون الثالث فهو ّ
حاليا لمفهوم التنمية بأنه في أغلب األحيان يفرض نموذج الرأسمالية وآليات السوق
برغم من االنتقادات الموجهة ً
ولدراسة التنمية يجب االعتماد على مداخل متعددة تشمل أغلب فروع العلوم اإلنسانية وعلى رأسها علم االجتماع
تنموية من منظور االنثروبولوجيا االجتماعية حيث يتم إجراء بحوث على األفراد والجماعات المعاصرة تشمل جوانب
مختلفة من حياتهم وسلوكياتهم وكيفية تمثيل الواقع في أذهانهم ،وهو أحد المداخل التي تم اللجوء إليها إلجراء
دراستنا هذه.
عموما ،بما فيه علم اجتماع التنمية ،برصد وتحليل وتفسير الواقع االجتماعي ومتابعة
ً ويهتم علم االجتماع
التطورات والتحوالت التي تط أر عليه ،وليس دراسة ما يجب أن يكون عليه المجتمع إال في حدود ضيقة عن طريق
كبير منذ أواخر سبعينات القرن العشرين بعد أن كان يفترض أوًال أن التنمية أساسها النمو االقتصادي
تغير ًا
التنمية ًا
مختلف المجتمعات ًأيا كانت خصائص هذه المجتمعات .ونتيجة لتوجيه النقد لهذه االفتراضات بدأت مفاهيم مثل
8
وبعد أن كانت د ارسات التنمية ترّكز على المستوى القومي أصبحت تهتم بالمستويات األصغر ومنها تنمية
المجتمعات المحلية ،أي على مستوى أحياء المدن والقرى والعزب في الريف .وتزامن ذلك مع االعتراف بأن نجاح
ملموسا في حياة الفرد في تغير خطط ومشروعات التنمية على مستوى الدولة هو نجاح محدود وال يكفي ألن ِ
يحدث ًا
ً
مجتمعه المحلي.
وتعتمد دراستنا هذه على مفهوم تنمية المجتمعات المحلية والذي يمكن وصفه من خالل ثالث خصائص أساسية
مناسبا ليس شديد الكبر وال متناهي الصغر ،بحيث يمكن للمقيمين فيه أن
ً افيا
هو كونه ،أوًال ،يتخذ نطاقًا جغر ً
ال يمكن أن تقوم على تنمية نشاط اقتصادي واحد بل تتضافر فيه األنشطة اإلنتاجية والخدمية المختلفة .وثالثًا ،أن
يكون لدى سكان هذه المنطقة الوعي والقابلية ألن يأخذوا على عاتقهم مسئولية إحداث التغييرات المرغوبة والعمل
على حل مشاكلهم وتلبية تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وذلك بصفتهم أصحاب الشأن.
وتحليل كيفية قيام األطراف الفاعلة المحلية « »Local actorsبأدوارهم في تنمية مجتمعهم المحلي سواء بصفتهم
الفردية أو عن طريق المؤسسات والمنظمات المختلفة ،وكيفية وعيهم بإمكانية العمل الجماعي ،واتخاذهم لبعض
التي تأتيهم من خارج مجتمعهم المحلي ،سواء من الدولة أو من جهات أخرى محلية ودولية .وبهذا تأخذ التنمية
المحلية في االعتبار التيارين القاعدي المتجه ألعلى ( )bottom-upوالقمي المتجه ألدنى ( )top-downمع
محليا.
محاولة التنسيق بينهما ً
مبسط ،على أنها بناء اجتماعي منظّم يتيح للمشاركين فيه التنسيق فيما بينهم
يمكن تعريف المنظمة ،بشكل ّ
الستغالل مواردهم من أجل تحقيق بعض األهداف المشتركة .وهي بذلك لها إطار زمني يمكن تتبعه منذ إنشائها
على يد عدد من المؤسسين الذين يحددون األطر والسمات العامة للمنظمة مثل األهداف والقواعد التي سيتم إتباعها
9
والهيكل التنظيمي وأساليب االتصال .وتشكل هذه السمات العامة «ثقافة المنظمة» ،والتي تكون متأثرة بالثقافة
العامة السائدة في المجتمع الموجودة فيه هذه المنظمة ،ولكن في الوقت ذاته تقوم كل منظمة بتكوين ثقافة خاصة
تميزها عن غيرها.
بها ّ
ويعتمد تعريف المنظمة على وجود مشاركين فيها ،أفر ًادا وجماعات ،وهم في ذات الوقت األطراف الفاعلة فيها،
إذ يشكلون نقطة التقاء بين علم اجتماع المنظمات وعلم اجتماع التنمية .يؤثر سلوك األطراف الفاعلة على العمل
الجماعي ،أي عملية التنمية في سياقنا هذا ،وفي ذات الوقت يؤثر اإلطار المنظمي على سلوك هؤالء األفراد
والجماعات.
ويفيدنا المدخل النظري لعلم اجتماع المنظمات في دراسة هذه األطراف الفاعلة من حيث ممارستها للسلطة ،أي
قدرة هؤالء األفراد والجماعات على إحداث تأثير في سلوك اآلخرين بحسب رغباتهم أو مصالحهم وذلك في إطار
العالقات االجتماعية التي تربطهم ببعض .من هذا المنطلق يمكن تناول موضوع الممارسات السلطوية من منظور
تبادلي ،إذ أن كل طرف من أطراف العالقات االجتماعية يتحكم في جانب من العالقة وبالتالي يتمتع بجزء كبير أو
صغير من السلطة.
ولذلك يمكن تطبيق هذه الفكرة على عمليات التنمية ،حيث ظل أعضاء المجتمعات المحلية في موضع
«المنتفعين» لمدة طويلة ،مغفلين بذلك وجودهم كطرف فاعل في التنمية وبالتالي يؤثر وجودهم على نجاح أو فشل
عملية التنمية ذاتها .ومع أخذ ذلك في االعتبار فقد ظهرت مفاهيم مثل المشاركة في التنمية والتي تعتمد في
األساس على االعتراف بأن أعضاء المجتمع المحلي يتمتعون بجانب من السلطة ،وصوًال لمفهوم الحكم الرشيد
الستكمال األساس النظري لهذه الدراسة تم اللجوء لمفهوم التشكيالت االجتماعية «»configurations Social
الذي استحدثه عالم االجتماع األلماني األصل «نوربرت إلياس» ( 4260ـ )4667في كتابه الذي يحمل عنوان
10
ويوضح إلياس في هذا الكتاب أنه آن األوان
ّ «ما هو علم االجتماع؟» والصادر في طبعته األولى عام .4607
لتخطي مرحلة التضاد بين «الفرد» و«المجتمع» ،وايجاد أداة تحليل تهتم بالعالقات التبادلية بين األفراد وبعضهم،
ويمكن تعريف التشكيالت االجتماعية لدى نوربرت إلياس على أنها العالقات التفاعلية البينية بين األفراد
مؤثر
اضخا لقواعد اللعبة وفي الوقت نفسه ًا
والمجتمعات ،حيث يعتمد كل طرف في العالقة على األطراف األخرى ،ر ً
ومتفاعال معها .في هذا المفهوم يمتلك كل طرف جزًء أو هام ًشا من السلطة يحاول استغالله ،ولكن
ً في هذه القواعد
ليس بمعزل عن اآلخرين ،حتى يتم الوصول ألشكال مختلفة ومتغيرة من التوازنات االجتماعية.
يفيدنا استخدام هذا المفهوم في دراسة األطراف الفاعلة داخل وخارج جمعيات تنمية المجتمع المحلي من منظور
مميزات التحليل باستخدام مدخل التشكيالت االجتماعية إمكانية األخذ في االعتبار اإلطار االجتماعي المحيط
بمجتمع الدراسة ،ووضعه في إطار مكاني وزمني مناسبين لتالفي التفسيرات الضيقة التي تقتصر على عدد محدد
مبسط.
بتركيباته المعقدة لتحليله وتفسيره بشكل ّ
تم اختيار المنهج الوصفي إلجراء البحث الميداني لهذه الدراسة ،وذلك لمالئمته للمشكلة البحثية المطروحة،
وألنه يتيح الوصول لتفاصيل دقيقة في حياة المبحوثين ،ويعطي الفرصة للباحث أن يكتشف واقعهم على ما هو
عليه بالفعل بأبعاده اإلنسانية واالجتماعية دون اختزاله لمجموعة من البيانات الرقمية .وبهذا يقترب هذا البحث من
ماعيا للواقع
وتفسير اجت ً
ًا تحليال
ً أسلوب علم االنثروبولوجيا االجتماعية ولكنه ال يقف عندها بل يسعى إلى تقديم
المرصود.
11
وكانت أداة جمع البيانات المستخدمة هي المالحظة بالمشاركة ،حيث قضى الباحث مدة خمسة أشهر خالل
ومتطو ًعا في الجمعيتين ،ويقيم بشكل مستمر في القرية ،حيث سمح له القائمون
ّ صيف عام 4779بصفته باحثًا
على إدارة الجمعيتين أن يسكن في ذات المبنى الذي يضم مقريهما ،وذلك لعدم وجود أمان لإلقامة باإليجار في
أيضا إلتاحة أقصى درجة ممكنة من المعايشة بين الباحث وكل ما يدور داخل الجمعيتين.
القرية ،و ً
وأثناء هذه الفترة كان الباحث يقوم بتدوين مالحظاته بشكل يومي مع تخصيص وقت دوري للتفكير في هذه
المالحظات ،لمحاولة اإلجابة على الفروض البحثية األولية التي تم صياغتها ،ومحاولة توجيه البحث نحو أفق
جديد ،عن طريق إعادة صياغة الفروض البحثية باستمرار مع اكتشاف الباحث ألمور جديدة في المجتمع المحلي،
وثبوت عدم جدوى بعض األفكار التي كانت لديه من قبل .ويعتبر هذا التطويع المستمر لتوجهات البحث أحد
مميزات أسلوب المالحظة بالمشاركة ،حيث أن طول مدة تواجد الباحث وسط مجتمع الدراسة يتيح له إعادة توجيه
وتحتم هذه الوسيلة البحثية على الباحث أن يهتم بوضعه داخل مجتمع الدراسة ،حيث يجب أن يكون قر ًيبا من
ظا .وبهذا
المبحوثين بشكل كاف ليقوم بالمشاركة ،وفي ذات الوقت أن يحفظ مسافة كافية تتيح له أن يكون مالح ً
يتمكن الباحث من الجمع بين وجهة النظر الداخلية حيث يقترب ويتعاطف مع أعضاء المجتمع المحلي وبين وجهة
شخصا قاد ًما من بيئة أخرى .ويتوقف جودة مخرجات البحث على إمكانية
ً النظر الخارجية نتيجة لكون الباحث
المناسب لها ،حيث وقع االختيار على هاتين الجمعيتين بقرية العزب بمركز إسنا بعد زيارة عدة قرى وعدة جمعيات
لم تكن كلها مالئمة لطبيعة البحث .قام الباحث بعد ذلك باإلعداد للدراسة الميدانية .وكان أهم هدف في المرحلة
التعرف على األشخاص المحوريين ومصادر المعلومات داخل المجتمع ومحاولة كسب ثقتهم وصداقتهم،
األولى هو ّ
التعرف
أيضا من خاللهم ثم ّ
إذ أنه من خالل الحديث معهم تم الحصول على جزء كبير من البيانات المطلوبة ،و ً
على أشخاص آخرين قادرين على إعطاء وجهات نظر متباينة لإلجابة على األسئلة البحثية ،وكل ذلك في إطار
12
يوجه الباحث أسئلة مباشرة مثلما يحدث في االستبيان باستخدام المقابلة
المالحظة بالمشاركة ،أي دون أن ّ
الشخصية ،بل يحاول الباحث أن يلتفت إلى األحداث والمواقف واألحاديث المطروحة وتوجيهها بشكل غير مباشر
القرية مما م ّكن الباحث من سماع بعض اآلراء في موضوعات ال يتطرق إليها الناس بسهولة ألحد من خارج
مجتمعهم المحلي.
وفي نهاية مدة البحث تم اللجوء لبعض أدوات جمع البيانات المكملة ألداء المالحظة بالمشاركة ،حيث تم إجراء
ومسجلة مع بعض القادة المحليين ،مثل العمدة ورئيس المجلس الشعبي ورئيس الوحدة المحلية
ّ حوارات مفتوحة
ومع انتهاء فترة جمع البيانات بدأت مرحلة التحليل والكتابة والذي سيتم عرض نتائجها فيما يلي ،مع سماح
الباحث لنفسه باستخدام ضمير المتكلم «أنا» وذلك لسببين :أوًال ،ألن منهجية الدراسة واستخدام المالحظة بالمشاركة
أيضا
الضمير «أنا» على احترام األشخاص اآلخرين الذين تم التعامل معهم أثناء إجراء الدراسة مما يحتم ذكرهم ً
بأسمائهم ،ولو المستعارة ،وبصفتهم اإلنسانية وليس بصفتهم مجرد مصادر للمعلومات.
أيضا من
تعتبر هذه الدراسة رائدة من ثالث نوا ٍح :من حيث موضوعها ومن حيث اإلطار النظري المستخدم و ً
13
تعمق أو
متوازن ،في حين أن الدراسات السابقة التي تم الوصول إليها إما ترّكز على القرية متناولة الجمعيات دون ّ
محور لها دون إعطاء الحجم الكافي ألهمية دراسة اإلطار االجتماعي للقرية .أما في
ًا بالعكس تتخذ من الجمعيات
دراستنا هذه فقد تناولنا القرية والجمعيتين كوجهين لعملة واحدة ،كل منهم يعكس واقع اآلخر ،يتأثر به ويؤثر فيه.
أما من ناحية اإلطار النظري فيكمن التجديد الذي تقدمه هذه الدراسة في كونها تجمع ما بين علم اجتماع
نسبيا ثبت مالئمته لموضوع البحث ومالئمته لتناول البحث من زاوية ممارسة السلطة.
مفهوم حديث ً
أخير تعتبر هذه الدراسة رائدة من حيث اعتمادها على المنهج الوصفي واستخدامها ألسلوب المالحظة
و ًا
ومكملة لالتجاه السائد الذي يعتمد على اختيار عينة من وسط عدد كبير من الجمعيات
ّ تعتبر هذه الدراسة مختلفة
إحصائيا.
ً كمية تعتمد على جمع البيانات بواسطة استمارات االستبيان وتحليلها
إلجراء د ارسات ّ
أما هذا البحث فيعطي نتائجه في صورة أمثلة واقعية للتشكيالت االجتماعية المرصودة وألسلوب ممارسة السلطة
في القرية ،وألسلوب عمل الجمعيتين ،مع تحليل لهذه المواقف لمحاولة فهم وتفسير سلوكيات واختيارات األطراف
أيضا سلوكيات واختيارات الجمعيتين كمنظمات تعمل في إطار مؤسسي أوسع .وبهذا
الفاعلة في الجمعيتين ،و ً
المصرية في هذه المرحلة التاريخية ،بعرض مجموعة من العناصر التي قد تبدو للوهلة األولى متناثرة ولكنها في
االدعاء بأن
االدعاء بأن قرية العزب بحري تمثّل مجموع قرى صعيد مصر أو ّ
وان كان من غير الممكن ّ
الجمعيتين محل الدراسة تمثالن جمعيات تنمية المجتمع المحلي في الريف المصري ،إذ أن طبيعة الدراسة وهي
عينة ممثلة
دراسة حالة ونوع البيانات الوصفية وأداة جمع البيانات باستخدام المالحظة بالمشاركة ال تتيح اختيار ّ
إحصائيا ،وبالتالي ال يمكن تعميم النتائج على نطاق أوسع .وعلى الرغم من ذلك فإن دراسات الحالة الوصفية مثل
ً
14
هذه تتيح معرفة دقيقة ومتعمقة يمكن أن تساهم في طرح أسئلة بحثية تساهم في فهم الواقع في حاالت ومناطق
15
الجزء األول :موضع الدراسة
موضح في المقدمة ،موضع الدراسة هو ثنائي ،القرية والجمعية األهلية ،وفي الواقع هما جمعيتان
ّ مثلما هو
أهليتان وليستا واحدة .وقبل الخوض في نتائج الدراسة علينا أن نتساءل عن خصائص هذه القرية وخصائص
ولنبدأ باكتشاف قرية العزب بحري .هل هي قرية عادية مثل باقي القرى؟ أجل .هل لها ما يميزها عن القرى
أيضا .يهدف هذا الفصل إلى عرض خصائص هذه القرية من ثالث وجهات نظر متباينة :وجهة
األخرى؟ بالتأكيد ً
نظر سكان القرية أنفسهم ،وجهة نظر الباحث عن طريق المالحظة بالمشاركة ،ووجهة نظر مصادر المعلومات
الشخصية.
التقسيم اإلداري:
معا الوحدة المحلية القروية بالعزب ،وأما القرية األخرى فهي قرية
يكونان ً
تعتبر قرية العزب بحري إحدى قريتين ّ
العزب قبلي .وتعتبر قرية العزب بحري القرية األم ،حيث أن مقر الوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلي يقع بها،
16
علما بأن هذه المدينة هي عاصمة مركز إسنا وهو المركز الجنوبي
وتقع قرية العزب بحري شمال مدينة إسناً ،
تنقسم قرية العزب بحري لعدد من العزب ،وهذا هو سبب تسميتها بهذا االسم .وهذه العزب هي الناصرية ،وهي
تقع في الشمال ،ثم الفوارس في الوسط ،وبعدها حمردام في الجنوب ثم تتوالي بعدها العزب التابعة لقرية العزب
جنوبا.
قبلي ً
بيانات عامة:
تم الحصول على ثالثة مصادر للبيانات عن قرية العزب بحري .المصدر األول هو مجموعة من البيانات
اإلحصائية الصادرة عن جهاز بناء وتنمية القرية المصرية ،والتي تم جمعها عام 4777بالتعاون بين موظفي
الجهاز وموظفي الوحدة المحلية .المصدر الثاني هو عبارة عن كتيب صغير مكتوب بخط اليد ومتاح في الوحدة
المحلية تم جمع بياناته بواسطة موظفين ،وهم في األغلب من غير المتخصصين ،وذلك عام .4774أما المصدر
الثالث فهو دليل التنمية البشرية لمحافظة قنا الصادر عام 4772عن برنامج األمم المتحدة للتنمية وو ازرة التخطيط
والتنمية المحلية ،والذي يضم إحصائيات عن كافة قرى المحافظة وهي تخص عام .4772
وخدمات .ويبلغ تعداد سكان القرية 46777نسمة ،وهو عدد أكبر من المتوسط لكنه معتاد في الريف المصري،
وتشير إحصائيات جهاز بناء وتنمية القرية المصرية أن نسبة السكان دون سن العشرين في العزب بحري تبلغ
٪22في حين أن ٪47من السكان هم من كبار السن ،أي سن 97وما فوق .ويذكر المصدر نفسه أن عدد
مبالغا فيه ،في حين أنه يجعل متوسط عدد أفراد األسرة الواحدة 2
ً األسر في القرية يبلغ 2244أسرة ،وهو رقم يبدو
17
أف ارد فقط وهو رقم أقل من المتوقع وأقل مما تم مالحظته في أرض الواقع ،ولكن عدم وجود مصادر أخرى لهذا
وبمراجعة بيانات دليل التنمية البشرية لمحافظة قنا نجد أن لقرية العزب بحري مؤشرات متقاربة لمثيالتها في
ريف مركز إسنا وريف محافظة قنا من حيث دليل التنمية البشرية ومكوناته المختلفة ،وأن هذه المؤشرات أقل من
معا) والتي هي بدورها أقل من مثيالتها على مستوى الجمهورية .ويمكننا أن
مثيالتها في الصعيد (الريف والحضر ً
انخفاض معدالت التنمية بالمقارنة مع إجمالي الجمهورية وبالمقارنة مع ريف الوجه البحري.
تاريخ العزبة والعائلة التي ينتمون إليها .وان افتقرت هذه المصادر الشفهية للدقة وان كان ال يوجد دالئل للتفرقة بين
الصواب منها والخرافي ،إال أن أهمية هذا التاريخ يكمن في كونه يساهم في تكوين شخصية وهوية أبناء القرية تؤثر
يرجع تسمية عزبة الناصرية بهذا االسم نسبة للشيخ نصر ،وهو أحد أولياء اهلل الصالحين الذي يعتقد أنه سكن
هذا المكان منذ 277أو 277سنة .وبالرغم من أن مولد الشيخ نصر يتم االحتفال به في هذه العزبة كل عام
احتفاال بالعزبة نفسها ،حيث تكثر الذبائح ومظاهر االحتفال من غناء وألعاب ومسابقات خيل مثل أغلب
ً ويعتبر
تفسير لكون هذا المولد يتم تحديد تاريخه بحسب التقويم الميالدي
ًا الموالد المرتبطة بأولياء المسلمين ،إال أنني لم أجد
18
وبالنسبة لعزبة الفوارس فإن ما سمعته عن تاريخها يرجع لحقبة أقدم ،حيث ُيقال إن إحدى القبائل هاجرت من
مدينة فاس بالمغرب واستقرت في صعيد مصر في بداية العصر اإلسالمي ،وان تسمية العزبة بالفوارس مقتبس عن
ددا من القبائل ،وعددهم 07أو 02حسب الرواة ،جاء أغلبهم من شبه الجزيرة العربية
هذا المعتقد مفاده أن ع ً
أما العزبة الثالثة ،حمردام ،فسمعت قصتين عن سبب تسميتها بهذا االسم .األولى ترجع إلى سبب تاريخي،
حيث يقال أنه كانت هناك حادثة قتل مروعة من زمن بعيد في هذا المكان ،لذا ارتبط اسم العزبة بالدم األحمر
المسال على أرضها .أما الثانية فترجع االسم لحمرة بشرة مكان هذه العزبة ،بالرغم من أني لم ألحظ أي اختالف في
وفي العصر الحديث كانت العائلة المالكة وبعض اإلقطاعيين يمتلكون أراضي شاسعة في هذه الناحية ،وكان
الكثير من السكان يعملون لديهم .وبعد صدور قوانين اإلصالح الزراعي في خمسينات وستينات القرن العشرين،
وكانت قرية العزب في الماضي قري ة واحدة لها عمدة واحد إلى أن تم تقسيمها إلى قريتين ،العزب بحري والعزب
قبلي ،عام ،4664مع إنشاء الوحدة المحلية القروية بالعزب والمجلس الشعبي المحلي بها .صاحب هذه التحوالت
البنية التحتية:
استفادت القريتان ،العزب بحري والعزب قبلي ،من استثمارات ضخمة ضخها البرنامج القومي للتنمية الريفية
األلفية الجديدة.
19
تصل شبكات مياه الشرب والكهرباء إلى أكثر من ٪67من منازل العزب بحري ،في حين أن المنازل الباقية
هي في األغلب المنازل المبنية بدون تصاريح .بالنسبة للتربية والتعليم ،توجد في القرية مدرستان ابتدائي ومدرسة
أيضا مدرسة ثانوية زراعية ،وذلك باإلضافة لمعهد أزهري ابتدائي واعدادي .وفي
واحدة إعدادي وأخرى ثانوي عام و ً
أما بالنسبة لقطاع الصحة ،يوجد في القرية وحدة صحية في عزبة الناصرية تخدم العزب الثالث ،كما يوجد عدد
من الصيدليات بلغ أربعة وبعض العيادات الخاصة ،ولكن في جميع األحوال يذهب أهالي القرية إلى مدينة إسنا أو
يوجد بالقرية مكتب بريد وسنترال تليفون سعة 4777خط منهم 4477خط مستخدمين بالفعل .لدى أغلب
منازل القرية جهاز تلفزيون مزود بوصلة الستقبال القنوات الفضائية ،وهي غير قانونية ،في حين أنه ال يوجد في
وال يوجد بالقرية وحدة بيطرية وانما تقدم المدرسة الثانوية الزراعية بعض الخدمات البيطرية المحدودة .كما تفتقر
القرية لوجود مجزرة لذبح العجول فيضطر األهالي للذهاب للمدينة لهذا الغرض .وكذلك ال يوجد في القرية سوق
يعتبر أهالي العزب بحري قريتهم ضمن القرى الفقيرة .وتؤكد ذلك اإلحصائيات حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد
من الناتج المحلي اإلجمالي في القرية أقل من 4777دوالر أمريكي (بحساب القوة الشرائية المعادلة) وفق تقرير
التنمية البشرية ،مقارنةً بنظيره على المستوى القومي الذي تعدى 2777دوالر في العام نفسه .وال تعد هذه القرية
ويذكر المصدر نفسه أن القوة العاملة في القرية تبلغ حوالي ٪42من السكان ،مما يعني أن هؤالء يعولون
20
نسبيا نتيجة لصعوبة حساب معدل البطالة في الريف بسبب وجود العمالة العائلية
القرية بـ ،٪2.2وهي نسبة قليلة ً
وتعد الزراعة النشاط االقتصادي الرئيسي في قرية العزب بحري ويعمل بها أغلب السكان ،ثم يأتي بعدها صيد
طويال يطل على نهر النيل .وباإلضافة إلى ذلك يعمل بعض أهالي القرية ،وهم
ً ساحال
ً األسماك حيث أن للقرية
تعليما ،في وظائف حكومية وخدمية .أما أهم الحاصالت الزراعية في هذه المنطقة فهي قصب السكر والذرة
ً األكثر
وتعاني الزراعة في العزب بحري ،مثل حال الريف المصري بشكل عام ،من تفتت الحيازات الزراعية حيث بلغ
عددها 4277حيازة ٪92 ،منها مساحتها أقل من فدان واحد .وال يتم تسويق المحاصيل الزراعية المنتجة بالكامل
أفكار جديدة لمهن وخدمات تجيب على احتياجات جديدة في القرية ،فمنهم من يفتح
ًا بعض هؤالء الشباب يبتكرون
خصوصا حفالت
ً محال لتصفيف الشعر أو للهواتف المحمولة أو لكي المالبس أو دي جي إلحياء الحفالت
ً
ٍ
كاف للنهوض بأحوال القرية الزفاف .وان كان هؤالء الشباب أمثلة ناجحة ألقرانهم ،إال أن هذا االتجاه غير
وفق بيانات مركز المعلومات بالوحدة المحلية ،يبلغ نسبة األسر الفقيرة ومحدودة الدخل ٪22من إجمالي
دخلها على اإلعالنات .ووفق المصدر نفسه ،تبلغ نسبة األسر متوسطة الدخل ٪6والغنية ٪2وعلى األسر التي
تمتلك حيازة كبيرة (أكثر من 2أفدنة) أو التي يعمل عائلها في مهن حرة .وان كانت دقة هذه األرقام غير مؤكدة،
يعا متوازًنا.
إال أنها تشير إلى أن توزيع الموارد والثروات ليس توز ً
21
وال تظهر هذه الفوارق على أسلوب معيشة السكان للوهلة األولى ،إذ أن الحياة في القرية تميل إلى البساطة في
الملبس والمأكل بغض النظر عن مستوى دخل األسرة .أما االختالفات فتظهر في أثاث البيوت ،إذ أن وجود السجاد
األبناء أو تغطية نفقات عالج أحد أفراد األسرة .ولذلك تظهر أشكال مختلفة من التضامن بين األغنياء والفقراء وبين
نوعا من التعقيد ،إذ أن للمرأة سلطة كبيرة في اتخاذ الق اررات داخل
يشوب العالقة بين الرجال والنساء في القرية ً
اختارته األم وهو المستخدم في المنزل ومع األقارب ،واسم اختاره األب وهو المسجل في السجالت الرسمية والذي
وقد الحظت أن تمكين المرأة يتم من خالل ثالثة أساليب :التعليم والعمل خارج المنزل وغياب الزوج .المتعلمات
ويتمكن من الحصول عليها ،والعامالت خارج المنزل يحصلن على دخل يساهمن به في
ّ في القرية يعرفن حقوقهن
أخير األرامل
ميزانية األسرة ،فيكون لهن قدر أكبر من السلطة في اتخاذ الق اررات التي تخصهن وتخص أسرهن ،و ًا
خصوصا من تعملن لتوفير سبل الحياة ألطفالهن لكونهن من فئة المرأة المعيلة.
ً والمطلقات،
الكثير من اآلباء كانوا يعتقدون أن بناتهم لن يحتجن للخروج من المنزل والتعامل مع أي جهة رسمية وبذلك يعتقدون
أن ال حاجة لهن للحصول على وثائق شخصية .أما خالل فترة إجراء الدراسة فكانت تعمل الكثير من الجهات،
وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة والجمعيات األهلية ،على حث النساء على الحصول على هذه الوثائق ،بل وعلى
22
العالقات بين األجيال:
يتمتع كبار السن بقدر كبير من االحترام والتقدير من جانب الشباب ،وذلك وفقًا للعادات والتقاليد الراسخة .يقدم
في مقدرات شريحة كبيرة من الشباب بما فيها الق اررات المتعلقة بحياة الشباب الخاصة .يستثنى من ذلك الشباب
وخصوصا َم ْن منهم ابن ألبوين متعلمين وهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية
ً الحاصلون على قسط أوفر من التعليم
جميع سكان العزب بحري من المسلمين ،فيما عدا عدد قليل من سكان عزبة الناصرية من المسيحيين .ولمحاولة
تقدير نسبة المسيحيين علمت أن عدد التالميذ المسيحيين في إحدى مدارس القرية االبتدائية والذي بلغ 47من بين
اسما
مقي ًدا ،أي حوالي ٪4من اإلجمالي ،وفي دليل التليفونات الخاص بسنترال القرية وجدت ً 42
272تلمي ًذا ّ
لمسيحيين و 20يمكن أن يكون لمسيحيين أو لمسلمين ،أي ما بين ٪4و ٪2من إجمالي المشتركين .ولعدم وجود
تدين األهالي للوسطي ة واالعتدال ،إذ أنهم يواظبون على الصالة والصوم مع نبذ جميع أشكال التطرف
ويميل ّ
الديني واألفكار المغالى فيها ،وهي جميعها أفكار دخيلة على مجتمع القرية مصدرها إما اإلعالم أو القادمون من
المدينة .كما لم أجد في القرية أي تواجد للجماعات اإلسالمية أو اإلخوان المسلمين .وفي المقابل ينتمي عدد كبير
من السكان إلحدى الحركات الصوفية وهي األسرة الدندراوية ،وهي حركة تأسست في الصعيد في القرن التاسع
عشر تدعو لالعتدال وللبعد عن السياسة .أتباع هذه األسرة الصوفية كثيرون في القرية وهم من الشخصيات المؤثرة
على الحياة العامة ولهم نشاط واضح في العمل الخيري وفي المجال الديني.
23
يدعي البعض السحر والقدرة على شفاء األمراض المستعصية.
وتظل في القرية بعض العادات الخرافية حيث ّ
أيضا اهتمام كبير بزيارة أضرحة األولياء ،وهي كلها عادات يحاول أئمة المساجد وأتباع األسرة الدندراوية
وهناك ً
الحد منها ولكن دون جدوى لتأصل تلك العادات في أذهان الناس.
غالبا
ويكن لهم الناس الكثير من االحترام .وألهمية تأثيرهمً ،
ّ ويتمتع األئمة ورجال الدين بمكانة هامة في القرية
ال داخلية لمنع زيادة نفوذ األئمة ،وذلك وفق ما قاله لي بعض من األئمة أنفسهم .ويرجع سبب ذلك في رأيهم إلى
حرص جهاز أمن الدولة في ذلك الوقت على تالفي أي إمكانية لتكوين جماعات متطرفة أو جماعات دينية ذات
توجهات سياسية.
الداخلية بتعيين عمدة لقرية العزب بحري ،من عائلة من هاتين العائلتين ،عام .4779وبسبب طول المدة التي ظل
شاغر وتعيين العمدة الجديد خالل العام الذي تمت فيه الدراسة ،ال يمكن الحديث عن مكانة هذا
ًا فيها المنصب
ويبلغ عدد الخفراء في القرية ،97وهم تحت قيادة شيخ الخفر وتحت سلطة العمدة .ويتمتع منصب شيخ الخفر
بمكانة هامة فهو من القادة الطبيعيين وله تأثير هام في المجتمع المحلي.
24
اًلتجاهات السياسية:
للممارسة السياسية في القرية أبعاد كثيرة ،فبجانب العمل العام هناك االنتماء العائلي الذي يظهر بوضوح في
االنتخابات ،حيث يدلي الناخبون بأصواتهم ليس لمرشح حزب أو تيار في المقام األول بل للمرشح الذي استقرت
من إجمالي السكان البالغ عددهم ،46777هناك 9077مسجل في الكشوف االنتخابية ،أي ٪22من
السكان .من هؤالء ،أدلى حوالي 4277ناخب بأصواتهم في االنتخابات التشريعية التي انعقدت في عام ،4772
أي أن نسبة اإلقبال قاربت الـ ،٪27وهي نسبة ،وان بدت ضعيفة ،أكبر من مثيلتها على مستوى الجمهورية.
التواجد الحزبي الوحيد في العزب بحري وقت إجراء الدراسة كان للحزب الوطني الديمقراطي الذي له وحدة حزبية
قاعدية تضم في عضويتها حوالي 277من أبناء القرية الذين ينتخبون ممثلين عنهم يمثلون الحزب في القرية.
عنصر من
ًا هؤالء يتطلعون في األغلب لتقلد مناصب سياسية .ويمثل الحصول على بطاقة العضوية في الحزب
ثانويا ،إذ
عناصر المكانة ويمكن استخدامه إلعطاء االنطباع بأن حائزه شخص مضطلع .ولكن يظل هذا العنصر ً
وتقوم الوحدة الحزبية باقتراح أسماء المرشحين النتخابات المجلس الشعبي المحلي ،وذلك بالتنسيق بين العائالت
معا الختيار
حيث جرت العادة أن تكون العائالت الكبيرة ممثلة كل واحدة بعضو ،في حين تنضم العائالت األصغر ً
من يمثلها ،وذلك في العزب الثالث التي تتكون منها القرية .وفي أغلب األحيان يتم التوصل التفاقيات بين العائالت
قبل موعد االنتخابات ليفوز المرشحون بالتزكية ،دون اللجوء لصناديق االقتراع.
المعين
ّ ومن غير الواضح كيف يتم التنسيق الفعلي بين المجلس الشعبي المنتخب والوحدة المحلية ذات الرئيس
والوحدة الحزبية ،إذ أني أجريت مقابالت شخصية مع القائمين على هذه الجهات الثالث .وفي كل مرة يحاول من
يحاورني أن يعطيني االنطباع بأنه في يده هو السلطة الفعلية وأنه يسعى للتنسيق مع اآلخرين .وفي نهاية الحوار
25
مع بعض من أعضاء اللجنة الحزبية ،أفصح لي أحدهم أنه «يجب أن نعطي لمن هم فوقنا االنطباع أن كل شيء
على ما يرام ،مع أنه الواقع عكس ذلك ،وعليهم بدورهم أن يعطوا االنطباع نفسه لمن فوقهم».
أهم ركنين من أركان الهوية بالنسبة ألهالي العزب بحري هما االنتماء المكاني إلى العزبة واالنتماء إلى العائلة،
وهما اإلجابتان على أهم سؤالين يمكن طرحهما للتعارف على أي فرد من أبناء هذه القرية .وبحسب االنتماء
المكاني يتم افتراض بعض الصفات العامة التي يتم إلصاقها بسكان كل عزبة ،وبحسب االنتماء العائلي يمكن
مثال أن أهالي
في مخيلة أبناء كل عزبة بعض االفتراضات التي تحط من قيمة أبناء العزب األخرى ،فيظنون ً
أهالي الناصرية يتصفون بالغرور والتعقيد دون داع .ومع وضع هذه االفتراضات المسيئة لآلخرين ،يتمكن أهالي
حسنا عن أنفسهم .وعلى كل حال ،هذه االفتراضات السيئة ال تمنع أهالي العزب
ً تصور
ًا كل عزبة من وضع
وتنقسم عالقات القرابة في القرية إلى مستويين .ينقسم أهالي كل عزبة إلى عائالت ،يسمونها أحيانها قبائل.
ولكن علينا أال نأخذ المعنى بما هو متعارف عليه في علم االجتماع عن التنظيم القبلي ألن الواقع أقرب للتنظيم
القروي .وفي المستوى الثاني ،ينقسم أبناء كل عائلة إلى مجموعات أصغر تسمى بالبيوت ،بمعنى أوالد العمومة
وليس بم عنى األسر سواء البسيطة أو المركبة ،إذ أن المنتمين إلى بيت واحد ال يسكنون تحت سقف واحد .يعتقد
الجيل الرابع أو أبعد وحتى الجيل السابع .يمكن تقدير عدد المنتمين لعائلة واحدة في المتوسط بحوالي 4777
شخص ،في حين أن أبناء البيت الواحد يمكن أن يكونوا في حدود .477
26
تنقسم عزبة حمردام إلى أربع عائالت ،مقابل سبع في الفوارس ،في حين أن العدد في الناصرية ال يوجد إجماع
عليه ،وهو في حدود عشر أو خمس عشرة حسب الروايات المختلفة .توجد عائلة واحدة نصفها في عزبة والنصف
اآلخر في العزبة المجاورة ،وهي عائلة الشرفات الموزعة بين عزبة الفوارس وعزبة الناصرية.
صالت قرابة واضحة ،ولكنهم اتحدوا من عهد بعيد في كيانات أكبر لكي يكون لها ثقل في مجتمع القرية .يشير
كبير من
جانبا ًا
ذلك إلى أن الوظيفة االجتماعية للعائلة أكثر أهمية من الواقع التاريخي لها ،فهي الكيان الذي يحدد ً
هوية الفرد ويعطي فرصة لالعتماد على أشكال متعددة من التضامن والتعاون داخل هذا الكيان مع اإلحساس
ويحكي األهالي أنه في الماضي كان يسكن أبناء العائلة الواحدة متجاورين وكانت الوجبات التي يأكلونها
مشتركة .ومع زيادة العدد واتساع رقعة السكن أصبح السكان موزعين بشكل عشوائي ولكن مع االحتفاظ بمناطق
تركيز جغرافي لكل عائلة .ولكل عائلة أو مجموعة من البيوت داخل العائلة الواحدة مندرة مشتركة الستقبال
خصوصا أن
ً الضيوف والتجمعات واالحتفاالت ،ويتم اإلشراف واإلنفاق على المندرة بالمساهمة بين المشتركين فيها،
أحيانا
ً المندرة تعتبر الواجهة لهذه العائلة أو لمجموعة البيوت التي تسمى المندرة على اسمهم .وتكون المندرة مشتركة
مثال في الناصرية حيث يوجد مندرة تجمع عائلتين واحدة مسيحية وأخرى
بين أكثر من عائلة ،مثلما هو الحال ً
مسلمة.
وال ُيقبل أهل القرية على التنقيب لمعرفة األصول واألعراق لكل عائلة ،برغم وجود بعض المخطوطات في حوزة
بعضهم (لم أتمكن من االطالع على أي منها) .في الغالب يرجع ذلك إلى الرغبة في عدم إثارة أي مشاكل أو فتن
مثال أصولها من العبيد ،مما يجعل المنتمين إليها في موضع حرج ،أو أن عائلة
إذا تم اكتشاف أن عائلة كانت ً
مسلمة كانت من أصول مسيحية مما يثير الفتنة بين المسيحيين والمسلمين في القرية .لتجنب كل ذلك ،هناك اتفاق
معين.
غير معلن على عدم الخوض في أصول العائالت والبيوت أبعد من حد ّ
27
تكثر الزيجات المشتركة بين أبناء العائالت المختلفة داخل كل عزبة .في هذه الحالة ينتمي األبناء لعائلة أبيهم،
ويظلوا على عالقة قوية بعائلة أمهم ،وبالتالي يخلقون شبكة مترابطة من عالقات النسب داخل كل عزبة .يندر
الزواج بين العزب المختلفة ومع من هم خارج القرية ،برغم من أن ذلك بدأ يتغير في السنوات القليلة الماضية.
وبالطبع يمكن أن تحدث مشاكل بين العائالت أو بين البيوت ،ولكن من المالحظ أن المشاكل تحدث في الغالب
بين األقارب داخل البيت الواحد بسبب االختالف على الميراث وحيازة األراضي وحق الري .في هذه الحالة يقوم
*******
قدم هذا الفصل مقدمة ع امة عن قرية العزب ،تلك القرية التابعة لمركز إسنا والمطلة على النيل ذات السكان
ّ
البالغ عددهم 46777نسمة .هذه المقدمة المختصرة هدفها هو فقط إعداد الطريق لما سيأتي في الفصول التالية
حتى يتمكن القارئ من فهم اإلطار العام الذي تدور فيه الدراسة .وقد تم التركيز في هذا الفصل على توضيح
عناصر مختلفة لتحديد الهوية وتقسيم السلطة والمكانة النسبية داخل هذا المجتمع المحلي ،وهي العناصر التي سيتم
28
الفصل الثاني :الجمعيتان
تم إجراء البحث في جمعيتين من جمعيات تنمية المجتمع المح لي بقرية العزب ،وهما جمعية تنمية المجتمع
شديدا كما
ً طا
المحلي بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،وهما جمعيتان مرتبطتان ارتبا ً
سيتضح في هذا الفصل .وقبل الخوض في تفاصيل الوضع الحالي للجمعيتين ،يتعين علينا سرد ملخص عن
تاريخهما بغرض المساعدة على فهم واقعهما ،كما يتخلل هذا السرد تقديم لبعض الشخصيات والمنظمات التي أثّرت
اًلستعراض التاريخي:
يمتد عرض تاريخ الجمعيتين خالل الفترة من عام 4664وحتى عام ،4779وهو الذي تم فيه جمع البيانات.
وقد اخترت تقسيم هذه الفترة إلى سبع مراحل وهي كالتالي:
األطفال دون سن المدرسة إذا كانت األم تعمل خارج المنزل .في ذلك الوقت لم يكن هناك سبيل إال إرسال األطفال
إلى حضانة في إحدى القرى المجاورة .ولكن ظهرت مشكلة االنتقاالت من والى الحضانة .لذلك سعى بعض
األهالي لتنظيم وسيلة مواصالت عبارة عن ميكروباص به مشرفة لنقل األطفال ،وكان الشيخ موسى سالمة من
ولكن واجهت هذ ه المبادرة بعض الصعوبات التنظيمية التي أدت إلى التفكير في إنشاء دار حضانة داخل
القرية .وألن شروط و ازرة التربية والتعليم كان من الصعب تحقيقها إلنشاء الحضانة ،تم االتفاق على عمل كتّاب يتبع
29
المسجد ،وبالتالي ال يخضع لرقابة الو ازرة .ظلت هذه الحضانة عاملة في شكل الكتّاب من عام 4662وحتى
شكال آخر.
تطورت األمور لتأخذ ً
4662في منزل أحد أهالي القرية إلى أن ّ
برغم المرونة الشديدة لكون الحضانة كتَ ًابا ملحقًا بالجامع ،إال أنه في المقابل لم يسمح هذا الوضع بتلقي أي
دعم مادي أو فني من الدولة لهذا العم ل الخدمي الناشئ .وفي ذات الوقت كانت القرية تشهد حالة ازدهار صاحبت
إنشاء الوحدة المحلية بالعزب وبدايات برنامج «شروق» للتنمية الريفية .وفي هذا اإلطار أخذ الشيخ موسى (انظر
بطاقة التعارف رقم )4بزمام المبادرة إلنشاء جمعية أهلية مسجلة لدى مديرية الشئون االجتماعية وفق قانون عام
4692للجمعيات.
وكان إنشاء هذه الجمعية ،والتي تحمل اسم «جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس» ،نتيجة لرغبة األهالي
أنفسهم في ديناميكية قاعدية متجهة ألعلى ( .)bottom-upوبرغم من أن الفكرة في األساس كانت إنشاء جمعية
تحمل اسم العزب بحري وال تقتصر على إحدى العزب بعينها ،إال أن بعض مسئولي الوحدة المحلية المنشأة حديثًا
أيضا إلشهار جمعية تحمل اسم القرية ،لذلك استقر رأي الشيخ موسى ومن معه
في ذلك الوقت كانوا يخططون ً
على تسمية جمعيتهم نسبة إلى عزبة الفوارس التي يأتي منها غالبية المؤسسين .وفيما بعد لم َتر الجمعية األخرى
وكان أول نشاط لجمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس هو استمرار دار الحضانة ،والتي أصبحت حضانة
أهلية معترف بها .أتاح وجود جمعية أهلية مشهرة العديد من الفرص التي سمحت بتطور العمل األهلي الناشئ في
المرحلة الالحقة.
30
* بطاقة تعارف :1الشيخ موسى سالمة:
يعتبر الشيخ موسى من الشخصيات المعروفة والمشهود لها في القرية .وهو في األربعينات من عمره ومتوسط
القامة .وألنه قليل المكوث في المنزل ،يصعب االتصال به هناك ويحسن االتصال به باستخدام المحمول .يبدأ يومه
متأخر في المساء ،وهو يقطع كل يوم مسافات كبيرة على دراجته البخارية الحمراء .في
ًا باك ًار في الصباح وينتهي
أحيان كثيرة ،عندما كنت أريد الحديث معه ،كنت أراقب الشارع من الشباك وانتظر أن يمر حتى أناديه فيتوقف
دعيت
ُ كثير ما
يسكن الشيخ موسى في منزله مع زوجته وأوالده الخمسة في عزبة الفوارس ،وهو منزل مضيافً ،ا
فيه لتناول وجبة الغذاء أو العشاء .ويعتبر الشيخ موسى حلقة وصل بين عزبة الفوارس التي يقطنها والتي منها
عائلة أمه «العطارين» ،وعزبة الناصرية التي ينتمي إلى إحدى عائالتها إذ أن والده ،رحمه اهلل ،من عائلة النجارين
وتتعدد أنشطة الشيخ موسى فهو موظف في إدارة الشباب ،ولكنه منتدب للعمل في تسجيل وتنقية الجداول
االنتخابية في الوحدة المحلية وهو عمل تابع لو ازرة الداخلية .وهو ،مثل أغلب الموظفين في هذه المنطقة ،يعمل
أيضا
أيضا كمزارع حيث يزرع مساحة من األرض في األراضي الجديدة المستصلحة في الظهير الصحراوي ،وهو ً
ً
دكانا للمواد الغذائية والبقالة في عزبة الفوارس يساعده فيه باقي أفراد أسرته.
يدير ً
المدرة للدخل ،يتمتع الشيخ موسى بحس اجتماعي عالي يجعله نشطًا في مجاالت
ّ باإلضافة لهذه األنشطة
الع مل األهلي والخيري ،فهو يشترك باستمرار في اللجان العرفية لحل النزاعات ويسعي في أعمال الخير لرعاية
خصوصا ألنه ممثل لألسرة الدندراوية ،وهي الحركة الصوفية التي سبق الحديث عنها ،في القرية.
ً األرامل واأليتام،
31
وكان الشيخ موسى من أهم من سعوا إلى إنشاء المعهد األزهري في القرية ،وهو الذي راسل أحد رجال األعمال
المعروف عنه رعايته للمشروعات الدينية ،وكللت هذه المبادرة بالنجاح إذ أن رجل األعمال وافق على التبرع بجميع
النفقات الالزمة لبناء وتأسيس هذا المعهد ،والذي تم إنشاؤه بالفعل في عزبة حمردام.
كانت إحدى مميزات إنشاء الجمعية هو فتح الباب للمشاركة في مشروعات تنموية وخدمية متعددة ،حيث شهد
عام 4662بداية برنامج شروق للتنمية الريفية المتكاملة والذي اعتمد بشكل كبير على مبدأ التنمية بالمشاركة
الشعبية .وفي هذا اإلطار طلب البرنامج من الوحدات المحلية تكوين فرق ولجان تضم العديد من الجهات المشاركة
ئيسا
ومنهم رؤساء مجالس إدارات بعض الجمعيات األهلية .وكان الشيخ موسى سالمة أحد المشاركين بصفته ر ً
لمجلس إدارة جمعية الفوارس التي كانت في ذلك الوقت حديثة اإلنشاء.
مقر ثابتًا لجمعية تنمية المجتمع بالفوارس يضم نشاط الحضانة وأنشطة أخرى .وتم تخصيص قطعة
طابقين ليكون ًا
أرض على الطريق األسفلتي الذي يصل بين عزبتي الفوارس والناصرية بجوار عدد من المباني ،منها مبنى الوحدة
االجتماعية وعدد من المدارس ومبنى الوحدة المحلية ،وتم بالفعل بناء مقر الجمعية وهو المقر الحالي والثابت لها.
في الوقت الذي كانت فيه الوحدة المحلية تقوم بتنفيذ مشروع مد شبكة مياه الشرب في القرية عن طريق وضع
مواسير رئيسية في الشوارع ،كان مطلوب من األهالي األخذ على عاتقهم دفع نفقات توصيل المواسير الفرعية
المتصلة بالمنازل .وفي الوقت ذاته كانت هيئة كير الدولية (بطاقة تعارف رقم )4تبحث عن جمعيات أهلية محلية
في أنحاء مختلفة في الصعيد إلقامة مشروع لتوصيل مياه الشرب .وقد استغلت جمعية الفوارس هذه الفرصة للتعاون
32
مع هيئة كير في هذا المشروع الذي أتاح لمئات األسر من غير القادرين أن يتم تغطية نفقات توصيالت المياه من
وكان لهذا المشروع أثره البالغ على الجمعية التي ساهمت في تنمية القرية وتلبية احتياجات األهالي الفعلية .وألن
هيئة كير ت هتم بتنمية قدرات ومهارات العاملين والمسئولين عن الجمعيات األهلية التي تتعامل معها ،استطاع عدد
كبير من أهالي القرية ممن كان لديهم روح المبادرة للمشاركة في الجمعية أن يصقلوا مهاراتهم في مجال التنمية من
مشروعا آخر اشتركت فيه وهو يتعلق بالتنمية الزراعية .وبالرغم من
ً وبعد ذلك اقترحت هيئة كير على الجمعية
أن هذا المشروع لم يكن له ميزانية ضخمة إال أن أهميته كانت كبيرة ،إذ أنه أتاح للجمعية وللمزارعين فرصة لزيادة
الوعي بأهمية قطاع الزراعة بالنسبة لهم والوعي بإمكانيات التطوير والتحديث التي يمكن استغاللها لتعظيم األهمية
االقتصادية لهذا النشاط الحيوي والمحوري في هذه المنطقة .وكان هذا المشروع بادرة للتعاون المستمر مع هيئة كير
وفي الفترة نفسها ،وبعد االستقرار في المقر الجديد للجمعية ،بدأت العالقات الودية تزيد مع مسئولي الوحدة
االجتماعية في المبنى المجاور .وألن مبنى الوحدة االجتماعية ضيق ،طلب المسئولون من جمعية الفوارس الموافقة
على استخدام جزًء من مبناها لمشروع تنمية المرأة الريفية .وبهذا ربحت الوحدة مساحة عمل إضافية في حين ربحت
بهذا الدور أثناء وجوده في الجمعية ومع مباشرته لمشروع تنمية المرأة الريفية من موقعه الجديد ،وهو اتفاق يخلط ما
33
بطاقة تعارف :1هيئة كير الدولية:4
بدأت هذه المنظمة كمبادرة من شعوب الواليات المتحدة األمريكية وكندا لمساندة الشعوب األوربية في أزمة
الغذاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية تحت اسم «Remittances CARE – Cooperative for American
، »to Europeثم تطورت لتصبح منظمة دولية تهتم بالمساعدات اإلنسانية والتنمية في مختلف أنحاء العالم
وأصبح اسمها « »Cooperative for Relief and Assistance Everywhereدون تغيير اسمها المختصر.
بعدة مشروعات تنموية في مجاالت التعليم والصحة والتنمية الزراعية وغيرها ،حيث تتركز هذه المشروعات في
احتياجا للتنمية .يتم تمويل هذه المشروعات جز ًئيا من خالل هيئة كير الدولية،
ً محافظات الصعيد ألنها األكثر
والجزء اآلخر منح من هيئات أخرى مثل المعونة األمريكية والمفوضية األوروبية.
يسكن األستاذ أمين في قرية مجاورة للعزب ،وهو من عائلة ثرية ،في األربعينات من عمره ،متزوج وأب لطفلين.
جيدا
متكلما ً
ً أيضا روح مرحة تجعله
من الحديث معه يتبين أنه شخص مثقف ومتفتح العقل ولديه ذكاء اجتماعي و ً
خصوصا أن
ً محبوبا من قبل المحيطين به .وبرغم من أنه ميسور الحال ،إال أنه غير متعال على الناس
ً وشخصا
ً
عمله في الوحدة االجتماعية وفي الجمعية يجعله يتعامل مع الكثير من الفقراء والمعدمين.
وهو مسئول عن مشروع تنمية المرأة الريفية التابع لوحدة التضامن االجتماعي حيث يوقع كل يوم في دفتر
أيضا
الحضور واالنصراف .أما مقر عمله فهو مبنى جمعية الفوارس التي تستضيف المشروع .يقوم األستاذ أمين ً
بدور مدير الجمعية أثناء تواجده فيها .باإلضافة إلى ذلك يشارك األستاذ أمين أخاه في زراعة محصول قصب
34
5ـ فترة من النزاعات العابرة
مع انتهاء مشروع توصيل مياه الشرب ظهرت مشكلة إذ أن أحد أبناء القرية ،وهو يعمل في وظيفة علمية
وبناء عليه
ً تهما تتعلق بذمتهم المالية.
مرموقة في مدينة قنا ،تقدم بشكوى ضد الجمعية اتّهم فيه مجلس إدارتها ً
التحقيقات أن الناحية الفنية للمشروع بال مخالفات ،ولكن الناحية المالية خالفت القانون ،إذ أن المقاولة تم إسنادها
ويحكي الشيخ موسى هذه الفترة بكل ثقة واصفًا صاحب الشكوى بأنه من «أعداء النجاح» وأن اتهامه باطل.
وهذا ما ظهر فيما بعد إذ أن الشيخ موسى راجع نصوص القانون واللوائح ،وتبين له أن ميزانية المشروع كانت تقل
عن الحد األدنى الذي يوجب اإلعالن عن مناقصة ،وبالتالي فإن اإلجراء الذي اتخذه مجلس اإلدارة بإسناد المشروع
قانونيا ال خالف عليه .ولذلك تمت تبرئة أعضاء مجلس اإلدارة وعودتهم
ً اءا
لمقاول باألمر المباشر كان إجر ً
لمناصبهم.
ولعبور األزمة والرجوع لحالة أكثر قوة ،قرر المجلس عقد جمعية عمومية وانتخابات كانت نتيجتها عودة أغلب
لمنع الشاكي من التأثير السلبي على مجريات الجمعية لكي تساند العائلة مجلس اإلدارة المنتخب.
يبدو لي أن هذا النزاع سببه صراع على القيادة بين من يعتمدون على مستوى تعليمي وعلمي كمصدر للمكانة
وقته .هل كان يقصد من هذه الشكوى محاولة إلثبات نفسه ودوره في مجتمع القرية كشخص مؤثر برغم أنه ال
35
بطاقة تعارف :1األستاذ محمود فتح اهلل بكري:
توجه إلى القاهرة حيث عمل كمحام لمدة تقارب العشر سنوات في مكتب
درس األستاذ محمود الحقوق ثم َ
لعله يرغب فيه .وبعد تفكير قرر األستاذ محمود ترك العاصمة والعودة إلى مسقط رأسه ،حيث أنه وجد نفسه أسعد
حاال وسط أهله وفي عمله كمأذون من عيشه في مدينة كبيرة ومزدحمة مثل القاهرة.
ً
قام األستاذ محمود بتأجير شقة في عزبة الناصرية حتى يتمكن من بناء من ًزال في عزبته األصلية عزبة الفوارس.
وألنه مأذون العزب الثالث ،فإن سكنه في عزبة غير عزبة عائلته يعتبر ميزة له حيث تم َكن من التقارب من
محمود من القادة الطبيعيين في القرية حيث يطلب منه الناس المشورة والوساطة في حل النزاعات.
ويكرس جزًء
وألن مواعيد عمله تتميز بالمرونة ،فإنه يزرع قطعة من األرض المستصلحة في الظهير الصحراوي ّ
ئيسا لمجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،وذلك منذ تأسيسها عام .4774وألنه
ثم أصبح ر ً
درس ال حقوق ،فهو يقوم بدوره بكل دقة وتفاني ويهتم بجميع التفاصيل فيما يخص الدفاتر والتقارير ،مما ينعكس
مع استمرار الجمعية في النمو وزيادة المشروعات وتنوعها ،تم إنشاء لجان مختلفة لالهتمام بكل نوع من أنواع
األنشطة ،ومنها لجنة الزراعة .ومع استمرار التعاون مع هيئة كير الدولية في مشروعات للتنمية الزراعية ،بدا
اضحا إمكانية تقسيم األنشطة إلى نوعين :نشاط زراعي وأنشطة غير زراعية مثل الحضانة وغيرها .في هذه
و ً
المرحلة اقترح مسئولو هيئة كير على جمعية الفوارس تحويل لجنة الزراعة إلى جمعية مستقلة لتبقى الجمعية
36
وهذا هو ما حدث بالفعل في عام ،4774حيث تم إشهار جمعية تحت اسم «جمعية تنمية المجتمع الزراعي
أحيانا «الجمعية الزراعية» ،وهي بالطبع غير الجمعيات التعاونية الزراعية .وهي تتخذ من
ً بالعزب بحري ،ويسمونها
مقر لها .أما أعضاء مجلس إداراتها فأغلبهم ممن كانوا أعضاء لجنة الزراعة في
حجرة في مبنى جمعية الفوارس ًا
جمعية الفوارس ،ورئيس مجلس اإلدارة هو األستاذ محمود فتح اهلل مأذون القرية .وبهذا يمكننا استنتاج أن العالقة
بين الجمعيتين أكثر من عالقة جيرة أو صداقة ،ويمكننا أن نصف الجمعية الزراعية بأنها الشقيقة الصغرى لجميعه
الفوارس.
مع إنشاء الجمعية الزراعية ،أتاح التخصص للجمعيتين أن تصقال مهاراتهما وحرفيتهما وتوسيع قاعدة أنشطتهم.
بدأت كل جمعية في إيجاد تمويل لمشروعات جديدة إذا أن جمعية الفوارس حصلت على تمويل من الصندوق
االجتماعي للتنمية لعمل مشروع كسح مياه الصرف من البيارات ،وهو على خلفية خبرتها في مشروع توصيل مياه
الشرب من قبل .أما الجمعية الزراعية فدخلت في شراكة هيئة كير للقيام بمشروع للزراعة اآلمنة والنظيفة ،ثم مشروع
ولم ِ
يعن التخصص أن تقتصر كل جمعية على مجالها فقط ،فعلى سبيل المثال ،ظل لجمعية الفوارس نشاط
مشروعا للقروض
ً زراعي يتمثل في اشتراكها في مشروع الزراعة اآلمنة .كما بدأت جمعية تنمية المجتمع الزراعي
الصغيرة للمرأة بتمويل من الصندوق االجتماعي للتنمية .وفي عام ،4772اشتركت الجمعيتان مع 6جمعيات
أخرى في المحافظة إلنشاء االتحاد النوعي لجمعيات التنمية العاملة في مجال التنمية الزراعية في محافظة قنا ،وهو
أهداف الجمعيتين:
للجمعيتين مجموعة من األهداف بعضها مشترك ،منها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة .من األهداف غير
المعلنة للجمعيتين تكوين قاعدة شعبية منظمة وقادرة على توصيل صوت أبناء القرية للجهات األخرى ،الحكومية
37
وغير الحكومية ،وذلك لالستفادة مما يتاح من فرص للتنمية تفيد المجتمع المحلي .ألعضاء مجلس إدارة الجمعيتين
هدف غير معلن وهو زيادة مكانتهم االجتماعية داخل القرية عن طريق المساهمة في العمل األهلي من خالل
الجمعيتين.
ولجمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس عدد من األهداف المعلنة ،وهي أهداف عامة وطموحة .تهدف هذه
الجمعية إلى اآلتي )4 :تنمية المجتمع المحلي عن طريق عمل مشروعات اقتصادية لزيادة دخل األسر في مجاالت
زراعية وغير زراعية )4 .توفير خدمات ثقافية وعلمية ودينية وتنظيم حمالت توعية ودورات تدريبية )2 .توفير
خدمات ومساعدات اجتماعية لألسر ولألطفال عن طريق دار الحضانة وفصول محو األمية وما إلى ذلك من
أنشطة.
أما جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري فهي تهدف إلى اآلتي )4 :تحسين مستوى معيشة األفراد.
)4مساعدة صغار المزارعين على الوصول إلى المصدرين )2 .فتح أسواق جديدة للحاصالت الزراعية في
الداخل والخارج )2 .تقديم النصائح الفنية للمزارعين وتوجيههم نحو الزارعات الجديدة والطرق الحديثة)2 .
تدريب الفتيات على معامالت ما بعد الحصاد )9 .رفع المستوى الثقافي للمرأة الريفية لتأخذ وضعها في
المجتمع.
يمكن تقسيم أنشطة ومشروعات الجمعيتين المتعددة بحسب اإلمكانيات المستغلة والتمويل المخصص لها إلى
أنشطة ومشروعات كبيرة الحجم ،وأخرى متوسطة الحجم وأخرى مستقبلية وغير ذلك من األنشطة كاآلتي:
-1يعد مشروع كسح بيارات الصرف الصحي أهم مشروعات جمعية الفوارس .ظهر االحتياج عندما
مزودة بمياه الشرب عن طريق المواسير ،مما أدى إلى زيادة استهالك المياه ،فلم تعد
أصبحت المنازل ّ
38
البيارات القديمة تكفي للتخلص من مياه الصرف ،فقد ارتفع منسوب المياه الجوفية وزادت نسبة التلوث
فيها .وفي انتظار تنفيذ مشروع للصرف الصحي المغطى تم عمل مشروع الكسح والذي تم من خالله
مصري بتمويل من الصندوق االجتماعي للتنمية وهو معمول به منذ عام .4772يتم كسح البيارات
أن تدفع اشت ار ًكا شهرًيا مقابل هذه الخدمة أو أن تدفع للسائق مقابل النقلة ،وذلك لتغطية نفقات الوقود
-2أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي ،فإن أكبر مشروع لديها هو مشروع تدوير المخلفات
الزراعية وانتاج السماد العضوي والذي تم إنشاؤه تحت رعاية هيئة كير الدولية وبتمويل من الوكالة
األمريكية للتنمية ومن سفارة الواليات المتحدة بإجمالي تمويل حوالي 277.777جنيه مصري .وينتج
هذا المشروع الكمبوست منذ عام 4772ويتخذ قطعة أرض في الظهير الصحراوي مملوكة ألحد
مقر له ،وهي تبعد عن القرية حوالي 47دقيقة بالسيارة .يتم استخدام
أعضاء مجلس إدارة الجمعية ًا
السماد المنتج إما لصالح المزارعين أعضاء الجمعية الذين يزرعون زراعات آمنة وزراعات تصديرية،
واما يتم تسويقه في المنطقة حيث يقل سعره عن نظيره المنتج في مناطق بعيدة.
2ـ اشتركت الجمعيتان في مشروع الزراعة اآلمنة في الفترة من عام 4772وحتى عام ،4779بالتعاون
العضوية وحثهم على تطوير الطرق المستخدمة للحفاظ على البيئة وعلى سالمة المنتج .وكان من
نتائج هذا المشروع وصول أكثر من 47مزرعة في العزب بحري إلى ممارسة الزراعة العضوية
بالفعل.
39
2ـ وبالتزامن مع مشروع الزراعة اآلمنة ،اشتركت جمعية تنمية المجتمع الزراعي منذ عام 4772في
أيضا بالتعاون مع هيئة كير .يهدف هذا المشروع إلى زيادة دخل صغار المزارعين
مشروع الشمسً ،
عن طريق مساندتهم بالدعم الفني والمالي الالزم لتوجيه منتجاتهم للتصدير .كان تزامن هذا المشروع
مع مشروع الزراعة اآلمنة وتوفر السماد العضوي الذي تنتجه الجمعية أتاح لعدد من المنتجين في
2ـ من المشروعات المهمة للجمعيتين مشروعات القروض الصغيرة الدوارة للمرأة .حصلت جمعية الفوارس
على رأس مال لهذا المشروع عندما طلبت من المنتفعين من توصيل مياه الشرب سداد جزٍء من تكلفة
التوصيل على عدة أقساط ،بهدف إرساء مشروع للقروض الدوارة بشكل مستديم .قدمت هذه الجمعية
قرضا خالل الفترة من 4774وحتى 4779بفائدة قدرها ٪2حيث يتم تسديد المبلغ على 44
ً 222
طا.
قس ً
االجتماعي للتنمية استفادت منه ،حتى عام 426 ،4779مقترضة بمبلغ 977جنيه مصري لكل قرض يتم سداده
على 47أشهر بفائدة قدرها .٪47وبرغم أن قيمة الفائدة في هذا المشروع تبدو كبيرة ،إال أنها أقل من مثيلتها في
شديدا.
ً إقباال
البنوك ،مما يجعل عليها ً
أيضا ألن
يهدف توجيه هذه القروض للمرأة ،وليس للرجل ،إلى محاولة تمكين المرأة الريفية وتحسين أوضاعها ،و ً
التجربة أثبتت أن القروض المعطاة للنساء يتم سدادها بانتظام أكبر من القروض التي يستفاد منها الرجال .يرجع
ذلك ألسباب تتعلق بطبيعة العالقات بين الرجال والنساء في المجتمع الريفي كما سيتم تناول ذلك في فصل الحق.
وغالبا ما يكون الضامن للمرأة زوجها أو والدها ،إذ يشترط المشروع أن يكون الضامن موظفًا له مرتب ثابت .وفي
ً
أغلب األحيان يكون القرض بهدف عمل مشروع عائلي ،إما مشروع إنتاجي أو بغرض االستهالك للتجهيز للزواج
أو لتغطية نفقات العالج .وبرغم من أن المشروع ال يسمح بإعطاء القروض إال لغرض اإلنتاج ،إال أنه يتم
40
9ـ تعد دار الحضانة هي النشاط المؤسس التي بدأت معه قصة الجمعيتين .يلتحق بهذه الحضانة حوالي 47
طفال ممن تعمل أمهاتهم خارج المنزل .هؤالء األمهات هن في الغالب سيدات متعلمات وموظفات ،لذا
ً
مبكر وأال ينتظرن االلتحاق بالصف األول االبتدائي كما هو حال أغلب
ًا يهتممن بأن يتعلم أبنائهن
األطفال .يدفع األهالي اشت ار ًكا شهرًيا يتيح للجمعية دفع مرتبات لمشرفتين على الحضانة وتغطية النفقات
ومدربة
ّ مشغال للحياكة لفتيات القرية حيث وفرت الجمعية الماكينات
ً 0ـ بدأت جمعية الفوارس عام 4777
يلق هذا المشروع النجاح المنتظر ألن الحياكة لم تعد تجذب الفتيات في ظل
لتعليم الفتيات .ولكن لم َ
حائكة واحدة من الناصرية طلبت من الجمعية مساعدتها بإتاحة الفرصة لها الستخدام ماكينات الجمعية
لتفصيل المالبس ،حيث تمدها الجمعية بالقماش والخيوط ،وترد هي للجمعية قيمتها بعد أن تبيع
المالبس وتزيد عليها ٪42من األرباح تدخل خزينة الجمعية في حين تحتفظ هي بالـ ٪02الباقية.
2ـ باإلضافة للمشروعات السابقة ذات الهيكل الواضح ،تقوم الجمعيتان بأنشطة وبأدوار أخرى هامة في
نادر ما يتم تسليط الضوء عليها أو أخذها في االعتبار برغم فائدتها للمجتمع .في هذا
القرية ًا
اإلطار يمكن ذكر أهمية دور مقر الجمعيتين كمكان للتواصل وتبادل اآلراء .يعلم أهل القرية أنهم
يستطيعون القدوم للجمعية لطلب المساعدة أو المشورة في حل مشكالتهم أو معرفة اإلجراءات التي
أحيانا يأتي لمقر الجمعيتين رجال ونساء يريدون أن يساعدهم أحد على كتابة
ً عليهم أن يتّبعوها.
خطاب رسمي يريدون أن يخاطبوا به جهة من الجهات ،أو يأتون لعرض مشكلة تعترضهم ويريدون
من األستاذ أمين أو الشيخ موسى أو األستاذ محمود إبداء رأيهم بصفتهم أهل للثقة.
6ـ يتم من حين آلخر تنظيم بعض األنشطة عند ظهور حاجة لذلك .على سبيل المثال ،قامت
تهم األهالي.
الجمعيتان بإقامة ندوات للتوعية عن مرض أنفلون از الطيور أو عن موضوعات أخرى ّ
41
مشروعات مستقبلية:
إلقامة مشروع لتبطين المساقي لدى المزارعين بتمويل من منظمة مبادرة حوض النيل .يهدف هذا
المساقي الموجودة داخل أراضي المزارعين المستفيدين من هذا المشروع بالطوب واألسمنت.
44ـ حصلت جمعية تنمية المجتمع الزراعي عام 4779على الموافقة من قبل الجهة الممولة لالشتراك في
مشروع EurepGAPوالذي يتيح للمزارعين المحليين اإلنتاج وفقًا لشروط االتحاد األوروبي لكي
يتمكنوا من التصدير لألسواق األوروبية .يهدف المشروع إلى توفير الدعم الفني واإلمكانيات المادية
المطلوبة والتي ال يستطيع المزارع الصغير توفيرها وحده .ومما أثار دهشتي هو أن الممول الرئيسي
44ـ تبحث جمعية الفوارس عن جهات لتمويل مشروع تزمع إقامته لنشر تكنولوجيا المعلومات في القرية.
تهدف هذه الفكرة إلى إنشاء قاعة مزودة بأجهزة كمبيوتر متصلة باإلنترنت ،بحيث يكون هذا المكان
وتتشارك الجمعيتان في تجهيزه .لدى جمعية الفوارس جهاز تليفون وتلفزيون للحضانة ،باإلضافة لعدد من المراوح
وبوتاجاز وثالجة يقدر ثمنهم 9777جنيه وماكينتين خياطة قيمتهما 47.777جنيه .أما جمعية تنمية المجتمع
الزراعي فهي تمتلك جهاز كمبيوتر وطابعة وجهاز تليفون وفاكس يقدر قيمتهم بـ 9427جنيهًا .جميع هذه التجهيزات
42
باإلضافة إلى ذلك تمتلك كل جمعية بعض المعدات المستخدمة في المشروعات المختلفة منها ج ارران
ومقطورتان كسح لمشروع الصرف بجمعية الفوارس قيمتهم 469.777جنيه ،وجرار ومقطورة ومفرمة وبعض
المعدات األخرى لمشروع تدوير المخلفات الزراعية بجمعية تنمية المجتمع الزراعي قيمتهم 464.777جنيه.
أما بالنسبة للميزانيات فبلغت في جمعية الفوارس 22.777جنيه عام ،4772منها 24.277لمشروع الكسح
وحده ،في حين بلغت ميزانية جمعية تنمية المجتمع الزراعي في العام نفسه 46.777جنيه منها 42.777جنيه
تخص مشروع تدوير المخلفات الزراعية الذي بدأت حساباته في منتصف ذلك العام.
يعمل عدد من األشخاص داخل مقر الجمعيتين وهم متواجدون فيه بشكل يومي .في الدور األرضي يعمل أستاذ
أمين وهو مسئول عن أغلب األمور اليومية في جمعية الفوارس .تساعده على ذلك المهندسة هالة وهي مهندسة
أنه ال يسند لها عمل في الجمعية التعاونية ألن عدد الموظفين أكبر من المطلوب وألنها المرأة الوحيدة العاملة
هناك ،لذلك هناك اتفاق ضمني وغير معلن أن تذهب المهندسة للجمعية التعاونية للتوقيع في مسجل الحضور
واالنصراف ،وال مانع من أن تقضي يومها في العمل األهلي في الجمعيات بشكل تطوعي .تساعد المهندسة هالة
في استالم أقساط القروض الدوارة من السيدات ،ويساعدها في ذلك كونها امرأة .باإلضافة إلى ذلك فإن المهندسة
شابة من
أما في الدور األول ،فتوجد أم كلثوم ،وهي مسئولة القروض في جمعية تنمية المجتمع الزراعي ،وهي ّ
الفوارس متخرجة في كلية الخدمة االجتماعية .باإلضافة لعملها في تحصيل األقساط وتسليم القروض ،ترد أم كلثوم
43
وخالل العام الدراسي يزيد التواجد النسائي في المقر بوجود نبيلة وفاطمة اللتين تشرفان على الحضانة .األولى
درست في مدرسة ثانوية صناعية تخصص حياكة ،وهي من الناصرية ،والثانية درست في مدرسة ثانوية تجارية
وهي من حمردام.
الفوارس وزوج المهندسة هالة .يعمل معه في هذا المشروع مدحت كسائق للجرار ،وهو من الناصرية .أما بالنسبة
لمشروع كسح مياه الصرف التابع لجمعية الفوارس ،فيعمل به سائقان هما زايد وعبد الرحيم ،األول من قرية العزب
أيضا على
قبلي والثاني من الناصرية ،كما يعمل معها عامالن هما عبد الرحمن وسيد وهما من الفوارس ويعمالن ً
اثنان بدون أجر من الجمعية وهما األستاذ أمين وهو موظف في الوحدة االجتماعية والمهندسة هالة وهي موظفة في
الجمعية التعاونية ،أما جمعية تنمية المجتمع الزراعي فيعمل بها ثالثة أشخاص .داخل مقر الجمعيتين يعمل خمسة
أشخاص منهم أربع سيدات ،في حين يعمل ستة أشخاص في المشروعات القائمة خارج المقر وجميعهم من الرجال.
وفقًا لما ينص عليه قانون الجمعيات ،يتكون مجلس إدارة كل جمعية من عدد فردي من األعضاء .في
الجمعيتين محل الدراسة يتكون مجلس اإلدارة من عدد سبعة أفراد ،منهم سيدة واحدة هي المهندسة هالة في مجلس
متاحة في الماضي.
نادر ما تكون
يجتمع مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي مرة كل شهرين أو ثالثة في مقر الجمعيةً .ا
نهار في الجمعية .تمتاز هذه االجتماعات بالجدية واالنتظام وذلك ألن األستاذ محمود رئيس مجلس
أثناء تواجدها ًا
44
ظم ،وألن أعضاء المجلس بينهم عالقات صداقة خارج إطار الجمعية مما يسهّل عملهم
اإلدارة هو شخص من ّ
كفريق.
وقد أتيحت لي الفرصة أثناء تواجدي لحضور أحد هذه االجتماعات ،والذي حضره األعضاء الذكور في
المجلس جميعهم باإلضافة إلى المهندس منصف والذي عرض على المجلس تطورات مشروع تدوير المخلفات،
حاميا حول أفضل ما يمكن عمله في المرحلة القادمة فيما يخص تسويق السماد العضوي .وبعد
وكان بعدها النقاش ً
أيضا
ذلك تمت مناقشة رغبة عضو مجلس اإلدارة الذي يستضيف هذا المشروع في أرضه في عدم االستمرار ،وهنا ً
حاميا لمحاولة إيجاد بدائل .أما الجانب األخير من االجتماع فكان أغلبه عرض لألخبار والموافقة على
ً كان النقاش
ما يتم في الجمعية وبعض الق اررات األقل أهمية والتي تستدعي نقاشات طويلة.
ودائما ما تكون نسبة الحضور محدودة .وبالرغم من ذلك ،فإن محاضر اجتماعات مجلس اإلدارة يتم
ً األعضاء،
كتابتها بانتظام لعرضها على جهات التضامن االجتماعي بحسب القانون .ثالثة فقط من أعضاء المجلس السبعة
يترددون على الجمعية بانتظام لمباشرة أعمالها .من األربعة الباقين التقيت باثنين بالصدفة واالثنين اآلخرين لم أجد
أثناء تواجدي انعقد اجتماع الجمعية العمومية لجمعية تنمية المجتمع الزراعي وكنت من الحاضرين .تم
االجتماع في فناء المقر حيث وضعت الحصائر لهذا الغرض .من إجمالي أعضاء الجمعية ،كان قد دفع االشتراك
45
وتم تأجيل االجتماع لمدة ساعة لعدم اكتمال النصاب القانوني ،تم تقديم أثنائها الشاي والحلوى وتجاذب الحاضرون
بدأ االجتماع الفعلي بتالوة القرآن ،وبعدها أسرد األستاذ محمود ،رئيس مجلس اإلدارة ،تقرير مجلس اإلدارية عن
العام المنتهي .طرح الحاضرون بعض األسئلة اإليضاحية ولكن لم يكن هناك نقاش بمعنى الكلمة .أسرد بعدها
األستاذ محمود خطة المجلس للعام التالي وقام بعرض ملخص للميزانية .لم يكن هناك أي انتخابات أو ق اررات يتم
أخذها أثناء الجمعية العمومية ،بل كانت فقط إجراء قانوني واضفاء للشرعية على ق اررات مجلس اإلدارة التي يتم
*******
أتاح هذا الفصل للقراء معرفة مبدئية بالجمعيتين محل الدراسة ،بعد أن تم التعارف على القرية في الفصل
السابق ،وذلك قبل الخوض في نتائج البحث المباشرة من خالل التشكيالت االجتماعية المختلفة في الفصول التالية.
ومن الجدير بالتوضيح أن هذا البحث يتناول الجمعيتين كوحدة واحدة وذلك لوجود عالقات تاريخية وحالية تجعلنا
نعتبرهما قاعدة أهلية واحدة تعمل في تنسيق واضح بين األطراف الفاعلة في الجمعيتين وان كانت كل جمعية،
بحسب القانون ،مستقلة وقائمة بذاتها .ويمكن تقدير العدد الكلي للمتعاملين والمستفيدين من الجمعيتين بحوالي 277
إلى 277أسرة ،أي ما يوازي 4777إلى 4277فرد من أبناء المجتمع المحلي سيتم دراستهم من خالل التشكيالت
46
الجزء الثاني :التشكيالت اًلجتماعية الداخلية
يقصد بالتشكيالت االجتماعية المكانية العالقات الناتجة عن االنتماء الجغرافي للجمعيات ولألطراف الفاعلة فيها
معينة :عزبة أو قرية أو نطاق أوسع .يبدو أن مؤسسي الجمعيتين كانوا على وعي بأهمية البعد المكاني،
إلى منطقة ّ
بالكثير من العوامل.
اًلنتماء المكاني:
يوضح االنتماء المكاني ألعضاء الجمعية العمومية لكل جمعية جزًء من هويتها المكانية .بالنسبة ألعضاء
جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس ،وعددهم ،272منهم 492من عزبة الفوارس نفسها ،أي ،٪20.2مقابل
عضوا من الناصرية بنسبة ٪6.9و 0أعضاء من حمردام بنسبة ،٪4.2في حين يوجد عضوان فقط من خارج
ً 46
عضوا من عزبة
ً أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،والبالغ عددهم ،474فمنهم 22
عضوا من الناصرية بنسبة ٪44.2و 2فقط من حمردام ،أي ،٪2في حين أن 42
ً الفوارس بنسبة ٪20و44
عضوا ،أي ،٪40.2ينتمون إلى خارج القرية ،بعضهم من القرى المجاورة والبعض اآلخر من مدينة إسنا نفسها.
ً
47
واذا عرفنا أن سكان العزب الثالث يبلغ عددهم بالتوالي 44777نسمة للناصرية و 2477الفوارس و4277
جمعية الفوارس على العزب الثالث هو 2:29:4وتوزيع أعضاء جمعية تنمية المجتمع الزراعي 9:42:4وبهذا
جميعهم من الفوارس إال إذا اعتبرنا رئيسها الشيخ موسى ذا انتماء مزدوج للفوارس و للناصرية (راجع بطاقة التعارف
به في الفصل السابق) ويمثلون ستة من األعضاء السبعة في مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي والسابع،
أما بالنسبة للعاملين ،فنجد أن توزيع انتمائهم المكاني ال يخضع لالتجاه نفسه إذ أن تمثيل المنتمين إلى عزبة
اضحا .من العاملين في الجمعيتين ،والبالغ عددهم 2 ،44فقط ينتمون إلى عزبة الفوارس و2
الفوارس ليس و ً
ينتمون إلى العزبتين المجاورتين الناصرية وحمردام ،في حين أن 4منهم ينتميان إلى قرى أخرى غير قرية العزب
بحري.
يمكن تقسيم األنشطة والمشروعات في الجمعيتين بحسب التوزيع المكاني إلى ثالثة أنواع :األنشطة ذات النطاق
الجغرافي المحدود ،واألنشطة ذات النطاق الجغرافي المتوسط ،واألنشطة ذات النطاق الجغرافي الفضفاض.
يقتصر النطاق الجغرافي لمشروعين من مشروعات جمعية الفوارس على أهالي عزبة الفوارس وهما مشروع
توصيل مياه الشرب ومشروع القروض الدوارة للمرأة .في حالة المشروعين ،كان من الممكن أن يشمال منتفعين من
خارج هذه العزبة ألنهما يتعلقان باحتياجات عامة لدى سكان هذه الناحية وليس سكان هذه العزبة دون غيرهم .يمكن
48
إرجاع اقتصار هذين المشروعين على عزبة الفوارس إلى قرار ضمني من مجلس إدارة الجمعية يمكن تفسيره
تتميز هذه المجموعة من األنشطة والمشروعات أنها تضم مستفيدين في مناطق جغرافية مختلفة ،ولكن مع
تمثيل أكبر لسكان عزبة معينة وهي عزبة الفوارس .ثالثة مشروعات يمكن وضعها في هذه المجموعة وهم مشروع
كسح بيارات الصرف الصحي ودار الحضانة التابعين لجمعيه الفوارس ،ومشروع القروض الدوارة للمرأة التابع
جميع المشتركين في مشروع الكسح والذين يدفعون اشت ار ًكا شهرًيا هم من سكان الفوارس ،أما سكان العزب
مبلغا أكبر .يتم تقسيم العمل في هذا المشروع بحيث يعمل جرار
األخرى فيدفعون أجرة الكسح بالنقلة ،مما يمثل ً
بمقطورة لكسح بيارات منازل عزبة الفوارس والجرار اآلخر يهتم بالمناطق األخرى.
ونادر ما
ًا أما بالنسبة لدار الحضانة ،فنجد أن أغلب األطفال فيها ينتمون ألسر عزبة الفوارس وعزبة حمردام،
يأتيها أطفال من أسر الناصرية .يرجع ذلك ألن أطفال أسر الناصرية غالب ما يذهبون للحضانة التابعة لجمعية
المشروع الثالث ذو النطاق الجغرافي المتوسط هو مشروع القروض الدوارة التابع لجمعية تنمية المجتمع
الزراعي ،حيث ٪22من المستفيدات منه ينتمين إلى عزبة الناصرية و ٪24إلى عزبة الفوارس و ٪2إلى عزبة
حمردام ،أي أن المستفيدات من عزبة الفوارس يفوقن نسبة سكان هذه العزبة بالمقارنة بإجمالي سكان القرية.
يمكن تصنيف أربعة مشروعات على أنها ذات نطاق جغرافي فضفاض ،أي أن المشتركين فيها ينتمون إلى
مناطق متفرقة دون أغلبية واضحة لسكان عزبة أو قرية معينة .هذه المشروعات جميعها هي مشروعات التنمية
الزراعية .يرجع ذلك ألن هذه المشروعات تتطلب أن يكون المزارعون المشاركون فيها لديهم بعض اإلمكانيات
49
المادية ،ولديهم مساحة من األرض مناسبة لتطبيق نظم متطورة للزراعة اآلمنة وللزراعة التصديرية .ينتمي بعض
هؤالء المزارعين لقرى مجاورة ،وبعضهم يسكن مدينة إسنا ،والبعض اآلخر لم يتم االستدالل على انتمائهم المكاني،
حيث أن األشخاص الذين أمدوني بالمعلومات لم يكونوا على علم بذلك ،ألنهم لم يهتموا أن يسألوا عن هذه
تأثير المؤسسين:
العامل األول الذي يفسر التشكيالت االجتماعية المكانية من حيث تكوين مجالس اإلدارات والعاملين واألعضاء
والمستفيدين من الجمعيتين يكمن في تأثير المؤسسين واالختيارات التي اتخذها هؤالء منذ بدايات كل جمعية،
خصوصا جمعية الفوارس التي تم تأسيسها من ِقَبل مجموعة من األفراد المنتمين لعزبة الفوارس والذين كانوا يسعون
ً
ألن تكون الجمعية في خدمة القرية ككل .يشعر عدد كبير من سكان عزبتي الناصرية وحمردام أن ليس لهم مكان
المنشأة ي شير بوضوح لتبعيتها لعزبة الفوارس .ويبدو أن االنتماء المزدوج لرئيس مجلس إدارة الجمعية الشيخ موسى
إلى عزبة الناصرية من ناحية عائلة أبيه والى عزبة الفوارس من ناحية عائلة أمه ،لم يساعد على إفساح مكان كاف
وغالبا ما يرجع ذلك لكون الشيخ موسى يسكن الفوارس حيث تتركز أنشطته وعالقاته االجتماعية.
ً ألبناء الناصرية.
أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،فإن ظروف نشأتها وتأثير مؤسسيها جعال من
التشكيالت االجتماعية المكانية فيها متباينة مع سابقتها .منذ البداية سعى مؤسسو هذه الجمعية إلى إشراك سكان
العزب األخرى ،بالرغم من كون أغلبهم من سكان الفوارس وكون هذه الجمعية متأثرة بالتشكيالت االجتماعية
المكانية التي ورثتها عن جمعية الفوارس .إن اختيار مجال محدد لعمل هذه الجمعية ،أي مجال التنمية الزراعية ،له
أثر واضح في رغبة المؤسسين في إفساح مجال أوسع لمشاركة المهتمين بهذا النشاط على مستوى إطار مكاني
أوسع ،وقد انعكس ذلك على اختيار اسم الجمعية وارتباطه باسم القرية وليس إلحدى العزب بعينها.
50
تأثير شبكات العالقات اًلجتماعية:
زمنيا في
إن كان تأثير المؤسسين مرتبطًا بمرحلة إنشاء كل جمعية ،فإن شبكات العالقات االجتماعية تأتي ً
تبين أن
المرحلة الالحقة للتأسيس لتكمل تأثيرها على التشكيالت االجتماعية المكانية .من خالل مصادر متعددةّ ،
األعضاء والمنتفعين القادمين من عزب أو قرى أخرى أغلبهم مرتبطون بعالقات اجتماعية مع أشخاص داخل
نجد على سبيل المثال ،أن جميع أعضاء جمعية الفوارس المنتمين لعزبة حمردام هم أحد أعز أصدقاء الشيخ
عددا من أعضاء
أيضا أن ً
موسى واخوته ،وأن فاطمة ،مشرفة الحضانة من عزبة حمردام ،هي ابنة أحدهم .نجد ً
جمعية تنمية المجتمع الزراعي والقادمين من قرى بعيدة ،هم مدرسون في المدرسة الثانوية الزراعية بالقرية دعاهم
عددا
أيضا أن ً
مدرسا في هذه المدرسة .نجد ً
ً أحد أعضاء إدارة الجمعية للمشاركة في الجمعية ،وهو زميل لهم يعمل
كبير من النساء العضوات في جمعية الفوارس والمنتميات لعزبة الناصرية يحملن أرقام عضوية متتابعة ،دليل على
ًا
دخولهن الجمعية مجتمعات .وبالبحث اكتشفت أنهن شاركن في ورشة الخياطة بالجمعية ،وبالتالي يخلق ترابطهن
في البداية كنت قد وضعت فرضية بأن النشاط الزراعي عامل مؤثر في التشكيالت االجتماعية المكانية عن
طريق ظهور أنشطة متعلقة بمحصول معين أو بأسلوب زراعي معين ،يتبناه مزارعون متجاورون أو من منطقة
واحدة ،وبالمثل نظام الري ،إذ افترضت أن المزارعين المتشاركين في مساقي مشتركة يمكنهم أن يشاركوا في
أيضا اختيار فردي في المقام األول دون وجود رؤية واضحة إلدخال البعد
أنشطة الجمعيتين ومشروعاتهما هو ً
المكاني كعنصر من عناصر إعداد المشروعات التي تقوم بها الجمعية أو كمعيار الختيار المشاركين فيها.
51
*******
تُظهر التشكيالت االجتماعية المكانية البعد االجتماعي للتوزيع الجغرافي لألشخاص المتعاملين مع الجمعيتين
ولألنشطة والمشروعات الموجودة .تؤثر طبيعة كل نشاط وكل مشروع على تحديد اإلطار الجغرافي المناسب
الحيز
لتطبيقه .كما يحدد صانعو القرار في الجمعيتين ،بحسب انتماءاتهم المكانية ،توجهات كل جمعية في اختيار ّ
يتغير مع
الحيز المكاني ليس له إطار واحد ثابت بل يتمتع بقدر من المرونة ويمكن أن ّ
المكاني لكل نشاط .هذا ّ
52
الفصل الرابع :التشكيالت اًلجتماعية العائلية
يأتي الدور هنا للحديث عن االنتماءات العائلية ،وهي امتداد لالنتماءات المكانية السابق ذكرها ،حيث أن كل
عزبة تنقسم إلى عائالت ،ثم تنقسم كل عائلة إلى بيوت .سوف أقتصر في هذا الفصل على تحليل وعرض
التشكيالت االجتماعية العائلية على مستوى عائالت العزب الثالث المكونة لقرية العزب بحري دون األخذ في
أمر غير ٍ
مجد .وبالمثل سوف أقتصر االعتبار المنتمين للقرى األخرى لقلة عددهم ،مما يجعل تقسيمهم لعائالت ًا
على مستوى العائالت وليس البيوت للسبب نفسه ،إذ أن محاولة تقسيم االنتماء إلى بيوت آلت ألعداد متناهية في
أمر ال يكفي معه الوصول الستنتاجات .يعتمد هذا الفصل بشكل أساسي على ملف البيانات
الصغر تجعل تحليلها ًا
الكمية الذي أعددته بمساعدة مسئولي الجمعية والذي يضم البيانات األساسية لكل األشخاص المتعاملين مع
الجمعية.
هناك الكثير من األنماط التي يمكن أن تتخذها الجمعيات لتمثيل العائالت في مجالس إدارتها .يمكن للجمعية
أن تتجاهل البعد العائلي ويتم اختيار أعضاء المجلس بشكل فردي ،أو على العكس االهتمام بتمثيل كل عائلة
أيضا أن تنشئ عائلة جمعية تحمل اسمها ويكون جميع أعضاء مجلسها من المنتمين
بعضو في المجلس .ويمكن ً
لهذه العائلة.
اختارت جمعية الفوارس منذ نشأتها أن يتم تمثيل كل عائلة من عائالت الفوارس بعضو في مجلس اإلدارة :كل
عضو من األعضاء السبعة ينتمي لعائلة من العائالت السبع في هذه العزبة ،وهو شخص عليه إجماع من عائلته
53
التطبيق ،فإن أربعة من األعضاء السبعة نشاطهم في الجمعية ضعيف أو معدوم ،مما يؤدي بنا أن نصف تمثيل
عائالتهم في المجلس بالتمثيل الشرفي أو الرمزي دون أن يكون له أي مردود إجرائي في اتخاذ الق اررات.
أما جمعية تن مية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،فهي اختارت منذ تأسيسها أال تضع االنتماء العائلي في
حين هناك ستة من الفوارس ،منهم ثالثة من عائلة واحدة ،وهي ليست العائلة التي ينتمي لها رئيس المجلس ولكنها
عائلة والدته ،وثالثة من عائالت أخرى في العزبة .األعضاء الثالثة المنتمون لعائلة واحدة ،وهي عائلة الغرايب .ال
يمكن إرجاع سبب وجودهم في المجلس فقط لتمثيل هذه العائلة ألن منهم المهندسة هالة ،وهي تمثل العنصر
فضل ،وهو من كبار عائلة الغرايب وفي ذات الوقت من المهتمين بالعمل التطوعي ،إذ أنه الوحيد الذي يجمع بين
ومن الجدير بالذكر أنه هناك جمعية أحادية العائلة ،وهي جمعية العطارين لتنمية المجتمع النسائي بالفوارس.
هذه الجمعية جميع أعضائها من عائلة العطارين ،ثلثهم من النساء وثلثهم من الرجال ،وهي مشهرة عام 4772
برعاية الشيخ موسى .يقول الشيخ موسى أن اقتصار هذه الجمعية على عائلة العطارين ،وهي العائلة التي تنتمي
لها والدته ،ليس معناه أال تكون الجمعية في خدمة الجميع ،لكن وجود جميع زمام األمور في عائلة واحدة يسهّل من
عملية اتخاذ الق اررات ويحول دون تدخل العناصر غير المرغوب فيها .وبهذا نجد أنه بعد تجربة التمثيل المكافئ
لجميع األسر في جمعية الفوارس ،تم إنشاء هذه الجمعية بواسطة الشخص نفسه ،الشيخ موسى ،لتكون على
النقيض ممثلة ألسرة واحدة ،مما يتيح التكامل بين الجمعيات واختيار األنشطة المناسبة وعملها في إطار الجمعية
التي تتيح لها تشكيالتها االجتماعية العائلية أقصى درجات النجاح واليسر في التطبيق.
54
جمعية تنمية المجتمع بالفوارس والسعي نحو التوازن:
بالرغم من تمثيل كل عائالت الفوارس في مجلس اإلدارة ،وهو أمر تمكنت الجمعية من التحكم فيه ،إال أن ذلك
لم يتحقق على مستوى عضوية الجمعية .حوالي ربع أعضاء الجمعية من المنتمين لعزبة الفوارس ينتمون لعائلة
عددا في العزبة ،ويأتي بعدها عائلتا العطارين والشرفات حيث تمثل كل واحدة
الخماسي الكبير ،وهي أكبر العائالت ً
كبير من
عددا ًا
منهما خمس أعضاء الجمعية .يرجع الوجود القوي لعائلة العطارين وجود الشيخ موسى حيث أن ً
األعضاء المنتمين لهذه العائلة هم أوالد أخواله وأسرهم .وبالمثل يمكن إرجاع الوجود القوي لعائلة الشرفات لوجود
عددا في
أما بالنسبة للمنتفعين من أنشطة ومشروعات الجمعية ،نجد أن عائلة الخماسي الكبير ،وهي األكبر ً
العزبة ،تحتل المرتبة األولى في مشروعي توصيل مياه الشرب وكسح بيارات الصرف .أما مشروع القروض الصغيرة
للمرأة ،فنجد عائلتي البركي والشرفات في المقدمة ،وليس الخماسي الكبير ،وهما عائلتان أغلب أبنائهما من ميسوري
غالبا ما يرجع ذلك لثقة الجمعية في أبناء هاتين العائلتين في سداد أقساط هذه القروض ولذلك يتصدران هذه
الحالً .
المشروع.
ينعكس تكوين مجلس إدارة هذه الجمعية على تمثيل العائالت في عضويتها ،برغم محاولة هذه الجمعية عدم
أخذ االنتماء العائلي في أولوياتها في قبول أعضاء جمعيتها العمومية .تتصدر القائمة عائلة الغرايب حيث ينتمي
إليها حوالي ُخمس أعضاء الجمعية .يرجع ذلك لوجود ثالثة منها في مجلس اإلدارة وهم قد دعوا بعض أقاربهم
أعضاء في الجمعية .ومن الجدير بالذكر أن عائلة البركي ،وهي التي ينتمي لها رئيس مجلس إدارة
ً ليكونوا
55
أعدادا
ً أما بالنسبة لألنشطة ،فسيتم االقتصار على مشروع القروض الصغيرة للمرأة ألن األنشطة األخرى تضم
صغيرة من المنتفعين مما يحول دون إمكانية التقسيم بحسب االنتماء العائلي لضآلة العدد من كل عائلة .نجد أن
المنتفعات من القروض الدوارة تتصدرهن عائلة الشرفات ،مثلما هو الحال في المشروع المشابه بجمعية الفوارس.
تمثيال
ً أيضا في مشروع القروض بجمعية الفوارس ،نجدها ممثلة
ولكن عائلة البركي ،والتي كانت في مركز الصدارة ً
اضعا في مشروع القروض بجمعية تنمية المجتمعي الزراعي .يمكن إرجاع ذلك ألن هذه العائلة ينتمي إليها
متو ً
بالرغم من إقبال أبناء هذه العائلة على القروض المقدمة من الجمعية األخرى .أما عائالت الناصرية وحمردام ،فإنهم
األخوات وأبناء العم ،مما يدل على أن انتشار المعلومات في إطار األسرة هو أحد أنجح وسائل انتشار المعلومات
أيضا تناول التشكيالت االجتماعية العائلية من ناحية توجهات واستراتيجيات كل عائلة فيما يختص
يمكن ً
بالجمعيات .هذه التوجهات هي مزيج من الق اررات المعلنة لبعض األطراف الفاعلة واالختيارات الضمنية التي يمكن
تتمتع عائلة الشرفات بمكانة اجتماعية واقتصادية مرتفعة في عزبة الفوارس .ليس لدى هذه العائلة الكثير لتكسبه
أما عائلة الخماسي الكبير ،فهي متأثرة بكونها أكبر عائلة في العزبة من حيث عدد المنتمين لها .ينعكس هذا
الدخل المحدود مثل توصيل مياه الشرب وكسح بيارات الصرف الصحي.
56
يشجع أبناء
تتمتع عائلة العطارين بمكانة متوسطة في العزبة ،إال أن وجود الشيخ موسى ونشاطه في الجمعيات ّ
هذه العائلة على المشاركة في النشاط األهلي .وان كانت هذه العائلة ليست ضمن أكثر المنتفعين من األنشطة
والمشروعات المختلفة ،إال أنها تربح الكثير من المكانة بفضل انخراط أبنائها في هذا العمل.
تتشابه عائلتا البركي والغرايب مع عائلة العطارين في كون بعض أعضائها نشيطين في الجمعيتين ،إال أن
عموما بالعمل األهلي باستثناء األستاذ محمود رئيس مجلس إدارة جمعية المجتمع
ً عائلة البركي ليست مهتمة
أما عن العائلتين الباقيتين في الفوارس وعائالت الناصرية وحمردام ،فمن الصعب الوصول لتحديد توجهاتها
واستراتيجياتها تجاه الجمعيتين ،إن كان لها توجهات خاصة ،لضعف وجودها على الساحة مقارنة بعائالت الفوارس
الخمس المذكورة سالفًا .من الالفت لالنتباه فقط أن العائلتين الكبيرتين في الناصرية ،واللتين تتنازعان منصب
*******
ألن البناء العائلي عنصر مهم في حياة الريفيين في مصر ،فإن انعكاس ذلك على الجمعيات من خالل
التشكيالت االجتماعية العائلية أمر غاية في األهمية .ولكن هذا الموضوع يتمتع بالكثير من الحساسية ،لذلك لم
أتمكن من الحديث عنه بانفتاح مع أهالي العزب بحري إال بعد أن اجتزت مرحلة بناء الثقة بشكل كاف ،حيث أنهم
يفضلون الحديث عما يجمعهم أكثر مما يفرقهم .أعتقد أنه لن يروق لهم عرض ومقارنة تمثيل العائالت في
57
عنصر أساسًيا في دراسة الجمعيات من هذا النوع ،حيث أن توزيع المسئولين
ًا ولكن يبقى البعد العائلي
واألعضاء والمنتفعين بحسب انتمائهم العائلي ال يخضع للصدفة ،بل لعدد من العوامل الضمنية والمعلنة من جانب
الجمعيات التي تسعى ألن تتواكب مع التشكيالت االجتماعية العائلية في القرية ،وتالفي إمكانية ظهور تضاد بين
غالبا ألنه في حالة وجود أي تضاد ،لن يكون ذلك في صالح الجمعية لكونها
مصلحة الجمعية والتركيب العائليً ،
حركة اجتماعية جديدة وغير راسخة في المجتمع المحلي بالمقارنة بالنظام االجتماعي العائلي.
58
الفصل الخامس :التشكيالت اًلجتماعية اًلقتصادية
بحسب األرقام واإلحصائيات ،نجد أن الفقر منتشر بين سكان قرية العزب بحري حيث النشاط الزراعي هو
تصنف الوحدة
النشاط االقتصادي الرئيسي ،وحيث أن ٪92من الحيازات الزراعية تقل مساحتها عن فدان واحدّ .
المحلية أسر العزب بحري بحسب الحالة االقتصادية إلى ٪22أسر فقيرة ،وهي التي يعمل عائلها باألجرة في مجال
الزراعة أو صيد األسماك أو التي تعتمد على اإلعانات أو المعاشات ،و ٪6أسر متوسطة وفقط ٪2أسر غنية
أما عندما طلبت من أبناء القرية أن يقترحوا معايير لتقسيم األسر بحسب الحالة االقتصادية ،فكان هناك شبه
إجماع على تقسيمها إلى أسر ميسورة الحال وأسر متوسطة وأسر محتاجة .ميسورو الحال هم من ليس لديهم قلق
بخصوص المستقبل لوجود أمالك أو مدخرات كافية ،إما لديهم 2أفدنة أو أكثر في القرية أو 47أفدنة أو أكثر في
األراضي الجديدة أو لديهم عمل تجاري مربح أو يجمعون بين أكثر من نشاط اقتصادي ،وهم بالتالي ال يحتاجون
لالقتراض من اآلخرين في أي ظرف من الظروف .أما المتوسطون فهم أغلبية أسر القرية الذين يعيشون بكفاف
محليا دون زيادة يدخروها ودون عجز يجعلهم يستدينون إال في الظروف
ً يومهم بحسب مستوى المعيشة السائد
القصوى ،مثل المرض أو زواج أحد األبناء ،وفي هذه الحالة يضطرون لالقتراض ويسددون الحقًا .في حين أن
األسر المحتاجة هي التي ال يكفي دخلها نفقات توفير حياة كريمة ألبنائها ،وهم بالتالي يحتاجون لمساعدة من
جانب الدولة أو من جانب باقي أهل القرية ،واذا اقترضوا فال يوجد ضمان ٍ
كاف إلمكانياتهم في سداد الديون .تضم
األسر المحتاجة األرامل وكبار السن والعمال الزراعيين الذين ال حيازة لهم.
لم يتمكن من سألتهم من تقدير الدخل المتوسط لكل فئة من الفئات الثالث أو نسبة كل فئة بالنسبة إلجمالي
سكان القرية ،وهي معلومات ال يمكن تقديرها بسهولة على أي حال بل يجب إجراء بحوث جادة للوصول إليها.
59
كليا عن
ولكن من الجدير بالذكر أن هذه الفئات الثالث المقترحة ،ميسوري الحال والمتوسطين والمحتاجين ،تختلف َ
التصنيف الرسمي السالف ذكره ٪2 ،أغنياء و ٪6متوسطون و ٪22فقراء ،وذلك ألن وجهة النظر الخارجية تقارن
سكان القرية بمستويات الدخل والمعيشة على مستوى مصر والعالم فيظهر أغلب أبناء القرية فقراء بحسب هذه
يمكن تصنيف خمسة من أعضاء مجلس إدارة جمعية الفوارس السبعة على أنهم من المتوسطين ،وهم جميعهم
ممن يجمع بين عدد من األنشطة االقتصادية باإلضافة إلى النشاط الزراعي .أما االثنان الباقيان فهما مزارعان
رغبة ضمنية من الجمعية من أن يكون هناك تمثيل ،ولو رمزي ،للمحتاجين داخل تكوينها.
أما أعضاء الجمعية العمومية لهذه الجمعية ،فيمكن اعتبار ٪44منهم من ميسوري الحال و ٪99من
تمثيال من المحتاجين،
ً طبيعيا فيما عدا أن ميسوري الحال أكثر
ً المتوسطين و ٪44من المحتاجين .يبدو هذا التوزيع
مما يدعو للدهشة .وبمقارنة هذه الفئات مع االنتماء الجغرافي لهؤالء األعضاء لم يتبين وجود فروق بين أبناء العزب
المختلفة مما يستدعي التعليق .أما بالمقارنة مع االنتماء العائلي فيتبين أن العائالت ذات المكانة االجتماعية
المرتفعة ،نسبة الميسورين منها واألعضاء في الجمعية ،أكبر من المتوسط مثل عائلة الشرفات ،مما يؤكد صحة
أربعة من أعضاء مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي السبعة يمكن اعتبارهم من المتوسطين ،والثالثة
الباقون من ميسوري الحال ،منهم أحد كبار المزارعين .يشير هذا التوزيع لرغبة الجمعية في جذب األشخاص الذي
60
لديهم قابلية أكبر للتطوير ،وهي بالتالي تميل ناحية ميسوري الحال وليس المحتاجين في اختيارها لمن يساهمون في
أيضا على أعضاء الجمعية العمومية حيث أن حوالي نصفهم من المتوسطين والنصف اآلخر من
وينعكس ذلك ً
احدا فقط يمكن اعتباره من المحتاجين .كما يزداد تمثيل الميسورين بين األعضاء
فردا و ً
ميسوري الحال ،في حين أن ً
القادمين من خارج عزبة الفوارس ومن خارج قرية العزب بحري ،مما يؤكد الطابع االنتقائي لهذه الجمعية.
سنويا ،وهو مبلغ رمزي .لذلك ال يجب اعتبار ذلك عائقًا أمام العضوية إذ أن قرار العضوية أو عدمها
ً جنيهات
يرجع لعوامل أخرى ،سواء من جانب العضو أو الجمعية ،وفق التشكيالت االجتماعية المختلفة وليس وفق مبلغ
االشتراك السنوي.
لكل نشاط أو مشروع فئة مستهدفة مختلفة بحسب طبيعة النشاط وتوجهات الجمعية .هناك أنشطة تستهدف في
المقام األول ميسوري الحال ،ومنها مشروعات التنمية الزراعية التي يمثل ميسورو الحال غالبية المستفيدين منها.
يشارك في هذه المشروعات المزارعون الذين لديهم حيازة ورأسمال كافيان لتطبيق أنظمة متطورة في الزراعة إلنتاج
محصول ذا جودة عالية وقابل للتصدير .ومن المالحظ أن المزارعين المشاركين في هذه المشروعات من عزبة
الفوارس أغلبهم من المتوسطين ،بعكس المشاركين من خارج هذه العزبة .هذه النوعية من المشروعات تفترض أن
مشاركة كبار المزارعين سوف تفتح الطريق فيما بعد لمشاركة المزارعين األصغر ،وبذلك تعم الفائدة على المجتمع
ككل ،إذ أن صغار المزارعين وحدهم لن يتمكنوا من إنجاح هذه المشروعات في مرحلة بدايتها لضعف إمكانياتهم.
61
أنشطة للمتوسطين:
برغم أنه للوهلة األولى يمكن أن نتوقع أن يكون أغلب المنتفعين من مشروع توصيل مياه الشرب ومن كسح
بيارات الصرف الصحي من المحتاجين ،إال أن نصيب األغلبية كان لصالح المتوسطين ،حيث يمثلون ٪07في
األول و ٪09في الثاني .ولكن في المشروعين نجد أن مشاركة المحتاجين أكبر من مشاركة ميسوري الحال.
كبير
عبئا ًا
أثناء تواجدي في القرية في صيف سنة 4779حدثت زيادة في أسعار الوقود بواقع ،٪27مما ش ّكل ً
على جمعية الفوارس لزيادة تكاليف تشغيل الج اررات في مشروع كسح بيارات مياه الصرف الصحي ،كان رد فعل
الجمعية التلقائي هو زيادة قيمة االشتراكات في هذا المشروع وقيمة الكسح بالنقلة بنسبة ٪27لتجنب الخسارة
وقت واحد .أثناء هذه األحداث كان مسئولو الجمعية يفكرون في كيفية استمرار هذا المشروع المهم دون خسارة
مالية ،وفي الوقت ذاته كيفية تجنب تحميل محدودي الدخل أعباء إضافية.
ُي َعد مشروعا القروض الصغيرة للمرأة من أكثر األنشطة التي ترتبط بالتشكيالت االجتماعية االقتصادية ألنها
الضط ارره لطلب المساعدة .أما االقتراض من البنوك ،فهو أمر معقّد بالنسبة للكثير من الريفيين .لذلك تمثّل
وليست أفراد ،يزيل الخجل ،وألن اإلجراءات المطلوبة سهلة وبسيطة .يحتاج المقترض فقط لوجود ضامن له مرتب
62
أيضا المشروع التي تديره
تهدف هذه المشروعات لدى جمعية الفوارس ولدى جمعية تنمية المجتمع الزراعي و ً
الوحدة االجتماعية من داخل مقر الجمعية إلى تشجيع األنشطة اإلنتاجية .أغلب هذه المشروعات تهدف لتربية
صغيرة ومشروعات صيد أسماك ومشروعات أخرى ،مثل محل لتصفيف الشعر الذي فتح أبوابه في القرية بفضل
قرضين من إحدى الجمعيات .وبرغم عدم سماح اللوائح باالستفادة من هذه القروض ألغراض غير إنتاجية ،إال أن
نصف القروض تقر ًيبا تذهب بالفعل ألغراض استهالكية لتغطية نفقات زواج األبناء أو للعالج عندما يستدعي
المرض السفر لألقصر أو القاهرة .في هذه الحالة يتغاضى مسئولو الجمعيتين عن هذا الشرط ويسمحون لطالب
القرض الحصول عليه ،لكن ال يتم ذكر الغرض الحقيقي بل يتم كتابة العقد كأن الغرض من القرض هو عمل
مشروع تربية دواجن أو ماعز ،ويتم إدراج دراسة جدوى منقولة من ملفات أخرى.
للمقترضين ممن يزكيهم أحد أعضاء مجلس اإلدارة ،وفي هذه الحالة يكون تدخل هذا العضو بمثابة ضامن إضافي،
ألنه في حالة عدم انتظام المقترض ُيطلب من عضو مجلس اإلدارة الذي زكاه بالتدخل.
وتقوم أم كلثوم ،الموظفة المسئولة عن مشروع القروض الصغيرة بجمعية تنمية المجتمع الزراعي ،بدور هام في
تنظيم وادارة هذا المشروع .باإلضافة لقيامها بترتيب الملفّات والدفاتر واإليصاالت والجوانب المالية للقروض .تقوم أم
كلثوم بدور الوسيط بين طالبي القروض وبين اللجنة المش ّكلة من بعض أعضاء مجلس اإلدارة والتي من حقها أن
توافق أو ترفض منح القرض .تحاول أم كلثوم أن تقنع البعض باالنتظار بعض الوقت للحصول على القرض
وفي حالة تأ خر أحد المقترضين عن سداد القسط لمدة أسبوع أو أسبوعين بعد التاريخ المحدد ،تقوم أم كلثوم
أحيانا بالذهاب لهم الستعجال السداد .لذلك نالحظ أن نسبة المتأخرين والمتعثرين في مشروع
باالتصال بالمتأخرين و ً
القروض الصغيرة بجمعية تنمية المجتمع الزراعي أقل من مثيلتها في جمعية الفوارس .ومن الجدير بالذكر أن
63
المعلومات تنتقل من جمعية ألخرى ،فال يسمح للمتعثر أو المتأخر في السداد لدى جمعية أن يقترض من الجمعية
وبتحليل الحالة االقتصادية للمقترضات من كل جمعية يتبين أن الفئة المستهدفة ليست واحدة في الحالتين ،ليس
فقط من ناحية االنتماء الجغرافي ،حيث ذكرنا أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع بالفوارس هن في الغالب
من سكان عزبة الفوارس ،في حين أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع الزراعي ال يقتصرن على سكان عزبة
أيضا من الناحية االقتصادية ،نجد أن في جمعية الفوارس ٪94 ،من المقترضات هن من فئة
ً بعينها ،لكن
المحتاجين و ٪22من المتوسطين وفقط ٪ 4من ميسوري الحال ،في حين أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع
الزراعي منهن ٪44فقط من فئة المحتاجين و ٪02من المتوسطين و ٪42من ميسوري الحال .هذا التوزيع يفسر
أيضا يؤكد
جز ًئيا سبب انتظام سداد األقساط في جمعية تنمية المجتمع الزراعي أكثر منه في جمعية الفوارس ،وهو ً
*******
كما هو الحال في كل المجتمعات أو أغلبها ،ال يتساوى الجميع من حيث الدخل والثروة .كذلك في حالة
ا لمتعاملين مع الجمعيتين محل الدراسة ،هناك توزيعات مختلفة بحسب الحالة االقتصادية فيما بين أعضاء مجلس
اإلدارة وأعضاء الجمعية العمومية والمنتفعين من كل نشاط في الجمعيتين .في ذلك يظهر في الجمعيتين وجود
السؤالين .أواًل ،نرى أن التشكيالت االجتماعية االقتصادية مثل واضح للجدل الموجود في علم اجتماع التنمية حيث
فقر
معهم بسبب التكاليف الباهظة وضعف إمكانياتهم في المشاركة ،وبين التوجه الداعي لالهتمام بمن هم أقل ًا
64
نجاحا أكبر لعمليات التنمية ،وفيما بعد سوف تنعكس اآلثار اإليجابية لهذه التنمية على المجتمع
ً ألنهم يضمنون
ككل ،بما فيه أفقر الفقراء .في الواقع ،ال يوجد تضاد بين هذين التوجهين إذ تحاول الجمعيتان بأنشطتها المختلفة أن
وثانيا ،ال يجب أن ننسى أن تصنيف الناس إلى فئات وتسمية البعض باألغنياء واآلخرين بالفقراء أمر نسبي
ا
بحسب المعايير التي يفترضها كل تصنيف .فإذا رجعنا لوجهة النظر الخارجية التي يصنف وفقها ٪22من سكان
العزب بحري على أنهم من الفقراء ،سنجد أنه حتى من يعتبرهم أهل القرية من المتوسطين هم في نهاية األمر يمكن
دائما بأفقر
تصنيفهم ضمن الفقراء .وبالتالي يمكن أن نؤكد أن الجمعيتين تهتمان بالفقراء ،بشكل عام ،ولكن ليس ً
65
الفصل السادس :بعض التشكيالت اًلجتماعية الداخلية األخرى
لوجود المهندسة هالة في عضوية مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري أهمية خاصة
بصفتها ممثلة عن نساء القرية .هذا التواجد يمكن إرجاعه إلى رغبة هيئة كير الدولية ،مثلها مثل الكثير من الجهات
المانحة ،في تشجيع الجمعيات التي تتعامل معها على وجود تمثيل أكبر للسيدات داخلها ،وذلك ضمن استراتيجيات
تمكين المرأة ولضمان أن تكون هناك أنشطة وخدمات تستفيد منها نساء المجتمع المحلي.
بدأت المهندسة هالة نشاطها في الجمعيتين قبل أن تتزوج ولم تضطر بعد الزواج إلى التقليل من مزاولة النشاط
فرديا .يساعدها على ذلك ظروف عملها التابع لو ازرة الزراعة حيث أن
اختيار ً
ًا اختيار أسرًيا وليس فقط
ًا العمل األهلي
مقر عملها هو الجمعية التعاونية بالقرية والتي يسمح لها رؤسائها بشكل ودي بأن توقّع على سجالت الحضور
واالنصراف وأن ت ّكرس وقتها للجمعيات األهلية ،وهي بهذا تضمن مرتبها ومعاشها الحكومي وتزاول نشاطها األهلي
ضا الحديث عن "النوع االجتماعي" ،لكني فضلّت هنا أن استخدم تعبير "بين الرجال والنساء" للتذكير بأن الموضوع ال يتعلق 5يمكن أي ً
بالرجل والمرأة بشكل عام ولكن بالرجال والنساء الذين تعاملت معهم في هذه القرية وفي الجمعيات.
66
بحرية .ولكن تبقى المهندسة ه الة حالة فريدة في القرية ألن السيدات الالتي أتممن دراستهن الجامعية نادرات ،وهي
الوحيدة في مجال الزراعة وهو مجال عمل الجمعية التي انضمت لمجلس إدارتها.
عدم مشاركتها في هذه االجتماعات ،إال أنه هناك مجال آخر ال غنى عنها فيه وهو استقبال ضيوف الجمعية،
خصوصا القادمين من الجهات المانحة أو من جمعيات أخرى ،حيث يتم التأكيد على أهمية تمثيلها للعنصر
ً
اجتماعيا.
ً النسائي داخل الجمعية وتقديم ذلك على أنه أحد الدالئل على تطور الجمعية والتقدم الذي أحرزته
من يعملون خارج مقر الجمعية في مشروع السماد العضوي وكسح بيارات مياه الصرف الصحي .من السيدات
األربع ،اثنتان تهتمان باألطفال من خالل الحضانة واثنتان تهتمان بالسيدات من خالل مشروعي القروض الصغيرة
للمرأة ،وبالتالي ال يدخل في نطاق المطلوب منهن التعامل المباشر مع الرجال ،ولكن بطبيعة الحال يتم التعامل مع
الرجال والسيدات بشكل يومي ودون أدنى حساسيات من الطرفين .ويعد وجود أكثر من سيدة في مقر الجمعية
تبلغ العضوية النسائية حوالي ٪44في جمعية تنمية المجتمع الزراعي ( 42عضوة من إجمالي )472و٪44
في جمعية الفوارس ( 99عضوة من إجمالي .)244وهي أرقام يتم تقديمها من قبل القائمين على الجمعيتين
بصفتها إنجازات اجتماعية تدعو لإلعجاب والثناء من قبل الزائرين .ولكن في حقيقة األمر هذا التواجد النسائي ال
اجدا رمزًيا لعدم مشاركة أي سيدة في اجتماعات الجمعية العمومية وبالتالي ليس لهن صوت فعلي.
يتعدى كونه تو ً
67
وبالنظر عن قرب في سجالت العضوية اكتشفت أن أغلبية العضوات ،باستثناء من اشتركن من الناصرية بعد
مشروع المشغل ،هن قريبات بعض الرجال النشيطين في العمل األهلي الذي يدعون أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم
وبناتهم للعضوية بغرض زيادة عدد العضوية النسائية اإلجمالية وزيادة مكانة الشخصية داخل الجمعية .ويكمن
أ همية زيادة عدد العضوية النسائية في الجمعيتين إلرضاء الجهات المانحة ،الحكومية وغير الحكومية ،وزيادة
الفرص للحصول على تمويل للمشروعات المختلفة التي تشترط أن يكون فيها مكون يتعلق بدور ومكانة المرأة في
المجتمع.
هناك نشاطان لهما طابع نسائي واضح هما مشغل الحياكة والقروض الصغيرة للمرأة .يرجع الطابع النسائي
خصوصا مالبس السيدات واألطفال ،تقوم بها سيدات .كان يعمل مشغل
ً للمشغل إلى طبيعة المهنة ،إذ أن الحياكة،
جمعية الفوارس وقت إجراء الدراسة على نطاق محدود عن طريق سيدة واحدة كما ذكرنا من قبل.
أما القروض الصغيرة فهي تستهدف المرأة بحسب اختيار الكثير من الجهات المانحة التي تسعى ألن تكون
للتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء أهمية كبيرة في إدارة هذه المشروعات ألن القروض يجب أن تحصل
وبالتالي يربط العقد الخاص بالقرض بين الرجال والنساء في عالقة عمل بدونها ال يتم الحصول على القرض .هذا
النظام يساعد على انتظام سداد األقساط ألن الرجل لن يرضى أن يتم استدعاء زوجته أو ابنته المقترضة من قبل
الشرطة في حال بالغ الجمعية عن تأخر السداد .وفي بعض األحيان يصعب تحديد المنتفع الحقيقي من القرض،
شابة في سن ابنته.
والغرض الحقيقي هو تغطية نفقات زواج األب زيجة ثانية من ّ
68
أيضا بالمشاركة في تسهيل إصدار بطاقات الرقم القومي للسيدات في القرية عن طريق
وقد قامت الجمعيتان ً
التنسيق مع السجل المدني الذي سمح بانتقال موظفيه إلى مقر الجمعية لتصوير السيدات الراغبات في استصدار
أيضا الجمعيتان بأال تقتصر أنشطتها األخرى على الرجال فقط وتسعى لالهتمام باألسر التي تعولها
كما تهتم ً
سيدات .تمثل هذه الفئة ٪47من المشتركين في مشروع كسح مياه الصرف الصحي و ٪49في مشروع توصيل
مياه الشرب .نتيجة لغياب إحصائيات عن نسبة المرأة المعيلة في هذه القرية ال يمكن مقارنة نسب تواجدهن في
هذين المشروعين بنسبتهن في المجتمع ،إال أن إمكانية استفادتهن من الجمعيتين تشير لوجود درجة من الوعي
اقتصاديا.
ً اجتماعيا و
ً بأهميتهن وبأهمية رعايتهن
جمعيتان نسائيتان:
أثناء تواجدي في القرية قابلت المسئولين عن جمعيتين لهما طابع نسائي وهما جمعية العطارين لتنمية المجتمع
النسائي بالفوارس التي سبق ذكرها ،وجمعية تنمية المرأة الريفية بعزبة حامد ،وهي كائنة في قرية العزب قبلي .في
الحالتين يغلب على السيدات واآلنسات القائمات على هاتين الجمعيتين أنهن أتممن دراسات جامعية وأنهن سبق لهن
أيضا
العمل أو التطوع في جمعيات أهلية أخرى قبل أن يقررن البدء في إنشاء جمعية نسائية .ومن العناصر الهامة ً
في هؤالء السيدات حالتهن الزوجية ،فأغلبيتهن مطلقات أو غير متزوجات ،في حين أن المتزوجات يقل اهتمامهن
بالنشاط األهلي بناء على رغبة أزواجهن أو لضيق الوقت وكثرة األعباء المنزلية.
ويتضح الطابع النسائي لهذه الجمعيات في مجاالت اهتمامهن باألمومة والطفولة وصحة المرأة والتدبير المنزلي
تختلف هاتان الجمعيتان من حيث تواجد العنصر الذكوري فيهما .في جمعية عزبة حامد ال يتم قبول األعضاء
من الرجال ،وبالتالي فإنه ال يوجد أي تأثير مباشر منهم على ق اررات وتوجهات الجمعية .في المقابل ،هناك عدد من
69
الرجال في عضوية جمعية العطارين وهم ممثلون في مجلس اإلدارة ،ومنهم الشيخ موسى ،مما يجعل اليد العليا في
*******
يمكن استخالص وجود عدد من العوامل التي تساعد أو تضبط من تواجد السيدات في الجمعيتين ،بعضها
عوامل داخلية وبعضها من خارج المجتمع .من العوامل الداخلية التي تشجع على تواجد النساء في العمل األهلي
ظهور مجموعة ممن اجتزن مراحل متقدمة من التعليم والالتي أصبح لديهن تطلعات كبيرة مقارنة بغير المتعلمات
أيضا وجود سيدات أصبحن ربات ألسرهن نتيجة لظروف معينة مثل الطالق
وباألجيال السابقة .ومن هذه العوامل ً
أو وفاة الزوج أو هجرة الرجال لدوافع اقتصادية ،مما يسمح لتلك السيدات بالمزيد من االستقاللية االجتماعية والقدرة
على التفاعل مع المجتمع .أما العوامل الداخلية المهبطة فهي تتعلق ببعض العادات والتقاليد الموروثة التي تضع
أيضا ما يشجع على ممارسة المرأة للعمل األهلي ومنها ما ُينقص من دورها في
أما العوامل الخارجية فمنها ً
الجمعيات .من أهم العوامل المشجعة دخول أفكار تقدمية بتشجيع من بعض الجهات الحكومية ومن بعض الجهات
المانحة للجمعيات ،والتي تدعو لتمكين المرأة ولزيادة تمثيلها في المنظمات االجتماعية واألنشطة االقتصادية والحياة
السياسية .من هذه الجهات جهاز بناء وتنمية القرية المصرية من خالل برنامج شروق ،وو ازرة التضامن االجتماعي
أيضا الصندوق االجتماعي للتنمية وجهات دولية مثل هيئة كير .أما العوامل
من خالل مشروعات المرأة الريفية ،و ً
الخارجية المهبطة فتتمثل في بعض األفكار السلفية التي يدعو إليها بعض الريفيين العائدين من المدن المصرية أو
من بعض البالد العربية حيث عاشوا فترة قبل رجوعهم واستقرارهم من جديد في القرية.
من الممكن تناول دور الدين في التنمية من حيث األفكار الدينية السائدة في المجتمع ونظرة الناس لواقعهم
ولمستقبلهم وكيفية تأثير تلك األفكار على العملية التنموية .أما ما يهمنا في هذا البحث فهو التركيز على التشكيالت
70
االجتماع ية الدينية ،أي العالقات المتبادلة بين الناس التي تقوم على االنتماء الديني ،سواء بين مسلمين ومسيحيين
المؤسسات الدينية والقائمين عليها ،وتأثير كل ذلك على الجمعيتين محل الدراسة.
ال يوجد بين أعضاء جمعية الفوارس أو بين المنتفعين من أنشطتها أي مسيحي ،في حين يوجد عضوان فقط
من المسيحيين في جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ،أحدهما شارك في أحد مشروعات التنمية
الزراعية ،باإلضافة لسيدة واحدة حصلت على قرض من هذه الجمعية .وجود مسيحيين ،وان كان تمثيلهم ضعيفًا،
للتشكيالت االجتماعية المكانية والعائلية ألن عزبة الفوارس ،وهي التي ينتمي إليها معظم أعضاء ومنتفعي
الجمعيتين ،ال يوجد بين سكانها مسيحيون ،والعائلة المسيحية الوحيدة في الناصرية تمثيلها ضعيف في جمعية تنمية
تماما.
المجتمع الزراعي في حين أن هناك عائالت مسلمة من هذه العزبة غير ممثلة ً
األسرة الدندراوية:
لهذه الطريقة الصوفية الكثير من األتباع والمريدين في القرية ،بعضهم أعضاء نشيطون في الجمعيتين وعلى
رأسهم الشيخ موسى ،رئيس مجلس إدارة جمعية الفوارس والذي يمثّل األسرة الدندراوية في القرية .تعتمد العالقات
المتبادلة بين الجمعيتين واألسرة الدندراوية على العالقات الشخصية دون أن يكون لها أي إطار مؤسسي .يمكن
الجمعية .ومن ناحية أخرى يمكن للقائمين على األسرة الدندراوية استخدام جهاز الحاسب اآللي والطابعة الخاصين
أيضا عالقات رمزية بين الطرفين ،إذ أن هذه الحركة الصوفية تدعو ألعمال
وبجانب ذلك التعاون العملي هناك ً
71
الصوفية التي تدعو لعدم االنخراط في األنشطة السياسية تدفع الشيخ موسى واألستاذ محمود وغيرهم لالهتمام
بالعمل األهلي وتفضيله على العمل السياسي برغم أن لهما مقومات شخصية تمكنهم من الحصول على مناصب
هناك عالقات شخصية طيبة بين مسئولي الجمعيتين وبين أئمة المساجد في القرية ومسئولي المعهد األزهري.
يعتبر الشيخ موسى أحد أهم من سعوا لبناء المعهد األزهري ،كما أن أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية الفوارس يعمل
إماما بالقرية ويتبع و ازرة األوقاف .بمقتضى هذه العالقات يتاح لألمة ولمسئولي المعهد االستفادة من إمكانيات
ً
الدينية من خالل جمع تبرعات لصالحها بإيصاالت من أحد الجمعيات لتالفي الصعوبات اإلدارية التي يضعها
األمن واألوقاف على جمع التبرعات النقدية ،وتقوم الجمعية بعد ذلك بشراء الالزم للمسجد وتسليمه في صورة تبرع
عيني .هذا العمل ليس به أي شبهة غير قانونية ،وهو في ذات الوقت يوفّر على المساجد مشقة الحصول على
الموافقات والتأشيرات الالزمة لجمع التبرعات ويزيد من مكانة الجمعية كوسيط في فعل الخير دون أن تتحمل ميزانية
*******
وان كان البعد الديني غير واضح من أول وهلة في التشكيالت االجتماعية داخل الجمعيتين ،إال أنه ال يجب
إغفاله كأحد العناصر التي تفسر جزًء من سلوك األطراف الفاعلة والسلوك المنظم للجمعيتين .هذه التشكيالت
االجتماعية الدينية تتعلق بالعالقات المتبادلة بين األفراد وفق انتماءاتهم الدينية مثل المساجد والمعهد الديني ،حيث
72
ثالثاا :التشكيالت اًلجتماعية السياسية:
يحظر قانون الجمعيات األهلية أن يكون لها أي نشاط سياسي ،ولذلك يفصل القائمون على الجمعيتين بين
عملهم األهلي وبين أي انتماء حزبي أو آراء سياسة ،كما أنه ال يوجد في قرية العزب بحري أي تواجد حزبي إال
للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وقتها من خالل وجود وحدة حزبية في القرية .أثناء إجراء مقابلة شخصية مع
مسئولي الوحدة الحزبية ،أشاد رئيس الوحدة وأمينها بالعالقات الطيبة مع الجمعيات األهلية ،ومنهم الجمعيتان محل
الدراسة .ولكن هذه العالقات ال تتعدى اإلطار الشكلي وليس لها أي مردود عملي على أرض الواقع .أما من وجهة
نظر الجمعيتين ،فإن مسئوليهما يلزمون الصمت في تحديد أي موقف سياسي تجاه الوحدة الحزبية في القرية أو
73
الجزء الثالث :التشكيالت اًلجتماعية الخارجية
من خالل معرفتنا بتاريخ الجمعيتين ،يتبين لنا بوضوح أهمية الدور الذي لعبته هيئة كير الدولية منذ السنوات
األولى لجمعية الفوارس .وفي ذات الوقت علينا أن نؤكد أن بداية العمل األهلي وانتشار هذه الجمعية كان سابقًا
على تدخل هيئة كير الذي بدأ عدة سنوات بعد إشهار الجمعية من خالل مشروع توصيل مياه الشرب .جاء بعد
تحولت مع الوقت إلى جمعية مستقلة وهي جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري.
أيضا عالقات
أساسيا للجمعيتين ،حيث ما زالت تجمعهم عالقات عمل و ً
ً عبر السنوات ظلت هيئة كير شري ًكا
ودية يجدر بنا تحليلها ومحاولة فهم نتائجها من خالل هذا الفصل .هدف هذا الفصل هو تحليل التشكيالت
االجتماعية الكائنة بين الجمعيتين وهيئة كير باالعتماد على المالحظات التي تم الوصول إليها خالل فترة البحث
أغلب التعامل بين الجمعيتين وهيئة كير يتم عبر المكتب اإلقليمي لهذه الهيئة الموجود في مدينة قنا .يعمل في
هذا المكتب مجموعة من الموظفين أغلبهم من الشباب ما بين سن 42و 27سنة من خريجي الجامعات وهم
يجيدون اإلنجليزية وبعضهم درس الزراعة وبعضهم من خريجي كليات التجارة أو اآلداب .جميع الموظفين في هذا
المكتب هم من أبناء المدينة ،إما قنا أو األقصر ،وهم بذلك يقومون بدور الوسيط بين مسئولي الجمعيات األهلية
من أبناء الريف بهذه المحافظة ،وبين العاملين في المكتب الرئيسي لهيئة كير في القاهرة ،وهم أبناء العاصمة
74
اًلتصاًلت واللقاءات:
تتم االتصاالت بين هيئة كير والجمعيتين عبر وسائل مختلفة أهمها المكالمات التليفونية باستخدام الهاتف
األرضي إلحدى الجمعيتين أو المحمول الخاص بالشيخ موسى أو األستاذ محمود .في بعض األحيان يتم تبادل
حيث يذهب البعض إلى مكتب قنا أو يأتي بعض العاملين في هيئة كير إلى مقر الجمعيتين في زيارات عمل
أغلب هذه االتصاالت تتم بواسطة الشيخ موسى أو األستاذ محمود بصفتهما رئيسي مجلسي إدارة الجمعيتين،
وذلك ألن لديهما اإلجابات على األسئلة التي يمكن أن يطرحها موظفو هيئة كير وألن لهما السلطة التخاذ الق اررات
التي تستوجب السرعة .في بعض الحاالت تتم االتصاالت مع آخرين في الجمعيتين مثل المهندس منصف فيما
يخص مشروع تدوير المخلفات الزراعية أو المهندس عبد القادر أسامة بخصوص الزراعات العضوية واآلمنة.
ينعكس ذلك على الحوار الذي يدور أثناء الزيارات حيث يمكن التطرق إلى األخبار العائلية واألمور الشخصية دون
تتمثل العالقة مع هيئة كير فرصة للجمعيتين لالنفتاح على العالم الخارجي ،وهو أمر غاية في األهمية
للجمعيات المهتمة بالتنمية المحلية لكي تتخطى اإلطار المحلي الضيق للقرية وتتفاعل مع المستويات األعلى ،أي
الجمعيات بشكل فردي ،إذ أن منهم من يتردد على المدينة ويتابع األخبار المحلية والقومية والعالمية عبر الصحف
75
يمكن إرجاع الكثير من األفكار المستحدثة في الجمعيتين إلى العالقة مع كير ،منها الزراعة العضوية والزراعة
أيضا فكرة تدوير المخلفات الزراعية إلنتاج السماد العضوي .في هذه المجاالت ال يقتصر دور
الموجهة للتصدير و ً
ّ
أيضا المساعدة على تطبيقها وضمان فرصة أكبر إلنجازها بأقل قدر ممكن من
كير على إدخال األفكار ولكن ً
وألن كير تتعامل مع عدد كبير من جمعيات تنمية المجتمع المحلي ،فهي تنظم اجتماعات دورية تضم
الجمعيات المشاركة في مشروع معين أو المهتمة بمجال ما على مستوى كل محافظة أو عدد من المحافظات
المتجاورة .هذه اللقاءات تمثل فرصة إضافية لالنفتاح ،ليس فقط على هيئة كير ولكن على الجمعيات العاملة في
القرى والمراكز والمحافظات المجاورة .بهذا تنمو عالقات تعارف وتبادل معلومات وخبرات وأفكار بين مسئولي هذه
الجمعيات ،وهي عالقات لم يكن لها أن تتحقق إن لم يكن هناك لقاءات منظمة تتيح فرصة للقاء .ينتج عن ذلك
مقارنة مسئولي الجمعيات لما يقومون به مع ما يقوم به اآلخرون لمحاولة إظهار تفوقهم ،مما ينعكس باإليجاب
في لقاء من هذه اللقاءات مطوية ملونة للتعريف بأنشطة الجمعية ،لذلك طلب مني األستاذ محمود عمل مطوية
لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري التي يرأس مجلس إدارتها مع التأكيد على رغبته في أن تكون «أفضل
ومن الجدير بالذكر أن هيئة كير تتكفل بجميع تكاليف تنظيم اللقاءات ضمن ميزانية المشروعات التي تتم هذه
االجتماعات في إطارها .يتضمن ذلك تكاليف االنتقال بين القرية ومحل اللقاء ووجبة غذاء لجميع المشاركين في
شكل مبلغ نقدي مع وضع المسافة في االعتبار ،إذ أن القادمين من قرى أبعد عن مكان اللقاء يحصلون على مبلغ
مبلغا من
أيضا كير بدعوة بعض ممثلي الهيئات الحكومية المتعلقة بموضوع اللقاء وتدفع لهم ً
أكبر من المال .تتكفل ً
المال يتوافق مع منصب الضيف .باإلضافة إلى ذلك توفر هيئة كير أدوات كتابية لجميع المشاركين لكتابة
أيضا وجبة غذاء ساخنة في مطعم الفندق ،إذا انعقد اللقاء في فندق أو وجبة سريعة إذا
مالحظاتهم أثناء االجتماع و ً
76
يهدف هذا السخاء من جهة كير تشجيع الحضور لهذه االجتماعات دون تحميل ميزانيات الجمعيات ما ال طاقة
النظام عيوبه إذ أن أحد مسئولي هيئة كير قال لي أن غياب هذه الحوافز يمكن أن يؤدي إلى عدم الحضور
المعلومات للمزارعين وليس فقط لمسئولي الجمعيات ،قال لي البعض أنهم مهتمون بالجانب السياحي والترفيهي للقاء
وفي بعض األحيان تلعب كير دور الوسيط في التعارف بين أحد الجمعيات وأحدى الهيئات المانحة ،مثل
هيئات التعاون الدولي الراغبة في منح تمويل إلقامة مشروعات تنمية محلية بالتعاون مع جمعيات أهلية جادة .في
هذه الحالة يتوقف دور كير عند التعارف بين الطرفين اللذين يدخالن في عالقة شراكة ثنائية ال تكون كير طرفًا
فيها .يمكن إعطاء مثال على ذلك ،التمويل الذي حصلت عليه جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري من
في رأيي ،يرجع نجاح هيئة كير في عملها مع الجمعيات إلى عدة أسباب يمكن عرضها كاألتي:
أواًل ،يحرص العاملون في هيئة كير على تنمية عالقات الثقة على المدى الطويل مع الجمعيات .في البداية،
غالبا ما يكون مسئولو الجمعيات حذرين في تعاملهم مع أي جهة مانحة ،إذ أنهم ال يدركون في البداية األسباب
ً
الوقت والتعامل تحل الثقة محل الشكوك فيتمكن الطرفان من التعامل بشكل سوي.
القرى وبين العاملين في المكتب الرئيسي للهيئة في القاهرة .جميع موظفي كير في مكتب قنا هم من أبناء مدينة قنا
أو مدينة األقصر ،وهم بذلك ينتمون ألهل الصعيد ويعرفون العادات والتقاليد السائدة وبالطبع يتحدثون بلهجة
77
األهالي .جميع هذه العوامل تساعد على التقارب مع مسئولي الجمعيات دون أن يشعر هؤالء باالغتراب أو بأي
ثالثاا ،تتمتع كير بسمعة طيبة بين القائمين على الجمعيات األهلية في مصر بوجه عام ،وهي سمعة مكتسبة
عبر السنوات الطويلة نتيجة المشروعات المتعددة التي ساهمت فيها هذه الهيئة .مع هيئة كير ،يعرف مسئولو
جمعيات تنمية المجتمع المحلي أن فرص نجاح المشروعات المقترحة شبه مؤكدة وأن الوعود والتصريحات التي
البعض لزيارة مشروعات تحت التنفيذ في قرى أخرى داخل أو خارج حدود المحافظة للتعرف على األمثلة الناجحة،
والتحدث مع مسئولي الجمعيات التي لها سابق خبرة مع هيئة كير .في هذا الشأن يبدو أن العاملين في هيئة كير
أخير ،أحد أهم عوامل نجاح كير هو تقديمها أفكار مستحدثة مالئمة الحتياجات البيئة المحلية ولألطراف
اا
المعنية المستعدة لألخذ على عاتقها مسئولية التنمية ،وفي الوقت ذاته تقديمها التمويل الالزم لتنفيذ هذه األفكار.
دون هذا التوازن بين تقديم األفكار واألموال سوف يحدث خلل في المنظومة ،إذ أن األفكار وحدها لن تتعدى النوايا
الطيبة دون أن يكون لها مردود مؤكد على أرض الواقع ،واألموال وحدها يمكن استغاللها في أغراض غير مثمرة إن
ظف لتحقيق أهداف تنموية حقيقية .يبدو لي أن مسئولي كير ومسئولي الجمعيات فهموا أهمية هذا التوازن،
لم تو ّ
مما ينعكس باإليجاب على العالقات بين الطرفين وبالتالي على نجاح المجهود المبذول.
أغلب التمويل الذي توفره هيئة كير في مشروعاتها مع الجمعيات مصدره هيئات التعاون الدولي ،مثل المعونة
األمريكية والمفوضية األوروبية وغيرها من الهيئات التابعة لحكومات الدول الغنية أو المنظمات الدولية .هذه الهيئات
تمول
باستطاعتها تمويل مشرعات تنمية قومية بشكل مباشر بالتعاون مع الحكومة المصرية ،ولكنها ال تستطيع أن ّ
78
عالقة مباشرة مع هؤالء الشركاء .لكي يتم التواصل بين هذه الهيئات األجنبية الكبيرة وبين جمعيات تنمية المجتمع
العاملة على المستوى المحلي ،أمام كل جهة مانحة اختياران :إما أن تنشئ لها شبكة في المكاتب اإلقليمية تمثلها
في المحافظات والمراكز لتتعامل مع الشركاء المحليين ،أو أن تعتمد على جهة تنموية وسيطة لها شبكة مكاتب
وشبكة عالقات فاعلة .بالطبع يمثل االختيار الثاني ميزة اقتصادية وعملية ال يمكن تجاهلها.
دور الوسيط الذي تلعبه كير ال يتعلق فقط بالجوانب الثقافية واللغوية للتقارب بين هذين المجتمعين شديدي
أيضا تلعب دور الوسيط المؤسسي بين نوعين من المنظمات ،يختلفان في الحجم وأسلوب العمل
االختالف ،ولكنها ً
اختالفًا يجعلهما غير قابلين للتعامل المباشر .وبالنظر للتنظيم الداخلي لهيئة كير نجد أن المكتب الرئيسي في
القاهرة يتعامل موظفوه مع الهيئات المانحة ،في حين أن التعامل المباشر مع الجمعيات يتم من خالل المكاتب
اإلقليمية ،أي أن داخل تنظيم هيئة كير مستويان مختلفان لتسهيل دور الوسيط الذي تقوم به.
للقيام بهذا الدور تحتاج كير ألن تظهر بمظهر مالئم أمام الجهات المانحة ،وهي بالتالي تهتم بإظهار جوانب
تعاونا من جانب الجمعيات .على سبيل المثال ،أثناء وجودي في القرية جاء
ً النجاح في مشروعاتها ،مما يستدعي
أحد ممثلي هيئة المعونة األمريكية لزيارة الجمعية وتفقّد المشروعات المختلفة التي تتعاون فيها كير ،بغرض اإلعداد
أيضا دور الوسيط .من أجل اإلعداد لهذه الزيارة ،حضر للجمعية عدد من
لمشروع مستقبلي سوق تلعب كير فيه ً
الملفات ،مع إضافة بعض الملفات التي يمكن أن يسأل عنها هذا الضيف .ناقش موظفو كير مع مسئولي الجمعية
األسلوب األمثل الستقبال هذا الضيف الهام ،ومن هم األشخاص الذي يجب تواجدهم وما إلى ذلك من تفاصيل.
موسع ،نجد أن هيئة كير ليست إال حلقة في سلسلة طويلة أحد أطرافها هم
واذا قمنا بتحليل دور الوساطة بشكل ّ
المنتفعون من مشروعات التنمية في القرى والمدن المصرية ،والطرف األخر هم دافعو الضرائب في الدول التي
ينتمي إليها وكاالت التنمية .في هذه السلسلة يتم تخصيص جزًء من إيراد الضرائب في بعض الدول الغنية لبند
التعاون الدولي والتنمية ،والذي تقوم بإدارته هيئات متخصصة تابعة لهذه الحكومات ،وهي بالتالي وسيط بين دافعي
الضرائب وباقي السلسلة .هذه الهيئات تتعامل مع منظمات وسيطة مثل هيئة كير ،وهي في ذات الوقت منظمة
79
أيضا فرع من منظمة دولية .ثم تتعامل هيئة كير والمنظمات الوسيطة المشابهة
مصرية خاضعة للقوانين المصرية و ً
مع جمعيات تنمية محلية تلعب دور الوسيط هي األخرى مع المستوى األدنى ،وهو المواطن المستفيد من التمويل
الذي يتم استخدامه في مشروعات التنمي ة .في هذه السلسلة الطويلة من المهم أن تقوم كل حلقة بدورها بكفاءة
وبفاعلية ودون إهدار للموارد ودون فساد إداري واال لن يصل للمستفيد النهائي إال الفتات الباقية.
الطابع المحلي لجمعية تنمية المجتمع بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ال شك فيه،
ولكنهما ال تستطيعان أن تؤديا دورهما بكفاءة إن لم يكن لهما فرصة للتفاعل مع اإلطار االقتصادي واالجتماعي
الواسع .التعامل مع هيئة كير يوفّر هذا االنفتاح على العالم كما رأينا من قبل ،مما يتيح التوازن بين االنتماء والعمل
على المستوى المحلى للقرية والتفاعل مع المستوى القومي والعالمي .بفضل العالقة مع كير ،يزور مسئولو
أيضا
أيضا من األجانب .بفضل هذه العالقة يذهب جزء من محصول مزارعي هذه الناحية إلى األسواق العالميةً .
و ً
أيضا في
بفضل هذه العالقة أصبح للجمعيتين مصدر فخر بأن هناك من يتحدث عنهما في األقصر وقنا والقاهرة و ً
بروكسل وواشنطن.
يتأرجح وضع كير بالنسبة للجمعيتين ما بين الراعي الذي يوفّر كل شيء :التمويل واألفكار والتدريب والمتابعة،
وبين الشريك الذي يتعامل مع شريكه في عالقة تكافؤ .وان كان لدى كير العديد من العوامل التي تجعلها في موقع
احتياج الهيئة لهذه الجمعيات .ولكن الواقع غير ذلك ،لسبب بسيط وهو أن هيئة كير ليس لديها أي إمكانية للعمل
80
داع
جيدا ،فهي ال تحاول أن تفرض هيمنتها على الجمعيات بغير ٍ
على المستوى المحلى وحدها .وألنها تعي ذلك ً
بالرغم من م وقعها المتفوق ،بل تحاول أن تقيم عالقة مع جمعيات موجودة من قبل مثل جمعية الفوارس وتساعدها
على أن تتطور وتتراكم خبراتها في مجال التنمية ،وتساعد على إنشاء جمعيات جديدة مثل جمعية تنمية المجتمع
الزراعي بالعزب بحري لكي تصبح هذه الجمعيات شركاء استراتيجيين على المدى الطويل .من الدالئل على أن
هيئة كير ال تحاول فرض سيطرتها أنها تسعى لتنمية العالقات بين الجمعيات وهيئات أخرى دون أن تكون كير
إذا قارننا ما بين مسئولي الجمعيات والعاملين فيها من ناحية وموظفي هيئة كير من الناحية األخرى ،لوجدنا أن
المجموعة األولى أغلبها من المتطوعين غير المتخصصين في العمل األهلي ،في حين أن المجموعة الثانية تضم
نخبة من ذوي الكفاءة والخبرة في مجاالت التنمية .من نتائج العالقة بين كير والجمعيات العمل على رفع كفاءة
مسئولي الجمعيات والعاملين فيها ليكونوا أقرب للمحترفين منهم للهواة .يتم ذلك من خالل تقديم عدد من الدورات
أيضا من خالل اهتمام كير بالبناء المؤسسي للجمعيات .في هذا الصدد ،هناك فريق عمل من موظفي
التدريبية و ً
كير مسئول عن مساعدة الجمعيات على تطوير كيانها ،من خالل وضع خطط إستراتيجية وتحديد األهداف
واألولويات وعمل تقييم دوري لألنشطة وتحديد هيكل وظيفي وتوضيح دور األطراف الفاعلة داخل كل جمعية،
واالهتمام بوجود أرشيف مرتب لكل مشروع وما إلى ذلك من األدوات المساعدة على جعل عمل الجمعيات أكثر
مهنية.
امتدادا للطابع المهني الذي تضفيه هذه العالقة على الجمعيتين ،نجد أن هيئة كير
من نتائج العالقة مع كير ،و ً
أيضا دور الرقيب والمتابع بالنسبة لألنشطة التي يتم تمويلها من خاللها .لجميع هذه األنشطة هناك خطط
تلعب ً
ومواعيد تنفيذ يجب االلتزام بها مع كتابة تقارير واإلجابة على أسئلة استبيان بشأنها .يخصص األستاذ محمود
ليس لها مردود مباشر بالنسبة لهم ،غير حفظ العالقة الطيبة مع موظفي كير الذين يتابعون هذا العمل وال يترددون
81
في إعطاء مالحظتهم في جو من الثقة والود ،فهذه العالقة الطيبة تجعل الجانب اإلداري يمر دون شد وجذب من
الطرفين.
معدات ووسائل تقنية حديثة للجمعيتين لم يكن لهما أن تحصال عليها وحدهما،
أدى التعاون مع كير إلى توفير ّ
إذ أن خطي التليفون والحاسب اآللي والطابعة والفاكس المتاحين في مقر الجمعيتين تم شرائهم بتمويل من هيئة
والمكتبي.
من نتائج ذلك اكتساب مسئولي الجمعيتين والعاملين مهارات لم تكن لديهم من قبل مع زيادة قابليتهم الستغالل
الخاصين بالجمعية ألغراض تتعلق بجهات أخرى كما سوف نرى في الفصلين القادمين.
تمكين المرأة:
الجمعيات على إ عطاء مساحة أكبر لدور المرأة .تعكس رؤية هيئة كير الرأي السائد لدى هيئات التنمية والتعاون
عدد السيدات في سجالت عضويتها ،وبقدر اإلمكان إدخال بعضهن في مجالس اإلدارة .في هذا الصدد وجدت أن
أيضا على رغبة الجمعيتين في أن يكون هناك أكبر عدد ممكن من السيدات في
السيدات في كل بند .ينعكس ذلك ً
أجنبيا.
ً قادما من القاهرة أو كان
خصوصا إن كان الضيف ً
ً استقبال الضيوف،
82
ال يعني ذلك أن تمكين المرأة في الجمعيتين هو فقط لعبة أرقام ومظاهر ،بل على العكس ،التقدم الذي تحقق
مجاال للشك .وهو يتمثل في وجود المهندسة هالة وجميع العامالت في مقر الجمعيتين
ً على أرض الواقع ال يدع
نسائيا ال يمكن إغفاله عند دخول المبنى .ولكن علينا أن نالحظ أن وضع المرأة كما تم
ً والالتي يعطين طاب ًعا
مناقشته تحت عنوان ،التشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء ،ليس له قدر كبير من األهمية بالنسبة للعالقة بين
كير والجمعيتين ،بل األولوية لألرقام والمظاهر التي يمكن توصيلها إلى مكتب كير في القاهرة ومن ثم إلى الجهات
المانحة ،إلقناعهم بأن الجمعيات المستفيدة من المنح تأخذ في اعتبارها المطلوب من ناحية وضع المرأة.
*******
تناول هذا الفصل التشكيالت االجتماعية بين هيئة كير والجمعيتين محل الدراسة .مما تم عرضه يمكن أن
نستخلص أنه لتحليل وفهم العالقات بين الطرفين يجب أن نأخذ في االعتبار الجانب المؤسسي للعالقة ،ولكن يجب
أال نغفل أن هذه العالقة تتم عبر أشخاص هم موظفو كير ومسئولو الجمعيات والعاملين فيها ،مما يضفي جانب
التوازن المطلوب بين المستوى المحلي للقرية واإلطارين القومي والعالمي .هيئة كير تعتبر جهة تمويل لألنشطة
83
الفصل الثامن :وزارة التضامن اًلجتماعي ،بين المرونة والبيروقراطية
تعتبر و ازرة التضامن االجتماعي ،بحسب القانون ،الجهة الحكومية التي تتولى اإلشراف والمتابعة للجمعيات
األهلية في مصر .منذ إشهار أي جمعية تبدأ عالقة متبادلة طويلة األجل مع مختلف األجهزة التابعة لهذه الو ازرة.
يهدف هذا الفصل لتحليل هذه العالقة ما بين جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع
الزراعي بالعزب بحري من ناحية وجهات التضامن االجتماعي من الناحية األخرى ،وهذه الجهات تشمل الوحدة
االجتماعية بالعزب وادارة التضامن االجتماعي بمركز إسنا ومديرية التضامن االجتماعي بمحافظة قنا .في الوقت
نموذجا لتحليل العالقة بين المجتمع المدني والدولة على المستوى المؤسسي األهلي.
ً ذاته تمثل هذه العالقة
تخضع الجمعيات األهلية للقانون رقم 22لسنة 4774والى الئحته التنفيذية رقم 402لسنة ،4774واللذان
يشمالن قواعد التعامل بين الجمعيات والجهات اإلدارية المختصة التي تضمن أن ق اررات الجمعيات غير مخالفة
للقانون أو لنظامها األساسي (مادة 42من القانون) .تحصل الجهات اإلدارية على صورة من محاضر اجتماعات
الجمعية العمومية ،ومن حق هذه الجهات إرسال موظفين إلى مقر الجمعية لالطالع على سجالتها .تشمل المراجعة
هاما يتعلق بالميزانية السنوية والحسابات الختامية للجمعية مما يضمن متابعة مالية لألنشطة
جانبا ً
ً واإلشراف
المختلفة.
تنص المادة 44من القانون أنه "يجوز ندب العاملين بالدولة للعمل في الجمعيات لتقديم المعاونة ألداء رسالتها
وذلك بناء على طلب الجمعية .ويصدر بالندب لمدة سنة قابلة للتجديد قرار من الوزير أو المحافظ المختص بحسب
األحوال" .كما توضح الالئحة التنفيذية في مادتها رقم 26أن الندب يتم في حالة "إذا رغبت الجمعية في االستعانة
84
العالقات مع الوحدة اًلجتماعية:
تمثل الوحدة االجتماعية بالعزب و ازرة التضامن االجتماعي على مستوى الوحدة المحلية ،ومقرها هو مبنى
صغير ومتهالك يحتاج لإلحالل والتجديد بشكل عاجل ،ويقع على بعد أمتار قليلة من مقر الجمعيتين من ناحية
ومن مبنى الوحدة المحلية من الناحية األخرى .يضطر المستفيدون من الوحدة في الكثير من األحيان االنتظار
خارج المبنى المكون من حجرتين لضيق المساحة ،إذ عادةً ما يوجد جمهور في الساحة الخارجية المحيطة بالمبنى.
يعتبر عمالة زائدة عن الحاجة ،وهم يرتبون مع زمالئهم أمور التوقيع في دفاتر الحضور واالنصراف دون تواجد
الخريجين للحد من مشكلة البطالة دون أن يكون هناك احتياج فعلي لموظفين إضافيين وال إمكانية فعلية لتشغيلهم،
أغلب الموظفين في مقر الوحدة االجتماعية بالعزب هم من الرجال معظمهم من غير سكان الوحدة المحلية.
يفضل الجانب األكبر من هؤالء الموظفين لبس الجالبية ،وهو أمر محظور عليهم رغبة من الدولة في الحفاظ على
ّ
هيبة الموظفين أمام الجمهور ،لذلك يحتفظ كل موظف ببنطلون وقميص بشكل احتياطي لكي يلبسهما في حالة
تهتم الوحدة االجتماعية بعدد من األعمال أهمها توزيع اإلعانات والمعاشات بحسب الكشوف وتلقي الطلبات من
األهالي المستحقين إلضافتهم على هذه الكشوف وحذف من يجب حذفهم منها .وبرغم ما يترتب على هذه المهام
من صعوبات تتعلق بالتعامل مع الجمهور ،إال أن الموظفين يحافظون في أغلب األحيان على جو من الهدوء إذ
يقومون بعملهم دون ضغوط نفسية وعصبية .بجانب ذلك هناك بعض المهام األخرى للوحدة مثل متابعة الجمعيات
85
عالقة الجيرة مع الجمعيتين:
لم ِ
تأت الجيرة بين الجمعيتين والوحدة االجتماعية نتيجة للمصادفة .يرجع ذلك إلى أن مقر جمعية الفوارس تم
بناؤه على أرض من أمالك الدولة تم الموافقة على تخصيصها لصالح الجمعية لتتمكن من االستفادة من اإلعانة
المالية ضمن مشروع شروق .في ذلك الوقت وافقت الوحدة االجتماعية على تخصيص جزًء من األرض التابعة لها
والمحيطة بمبناها لصالح الجمعية حيث صدر قرار من الوحدة المحلية بالعزب بهذا الشأن.
بمرور الوقت أدت هذه الجيرة لنمو العالقات المؤسسية والشخصية بين موظفين الوحدة االجتماعية والقائمين
بسبب ضيق المساحة في مبنى الوحدة االجتماعية المتهالك الكائن بجانب مبنى الجمعيتين وهو مبنى جديد
مكون من طابقين ،طلبت الوحدة االجتماعية من جمعية الفوارس السماح لها باستخدام حجرة في مبناها يتم
ّ
تخصيصها لمشروع تنمية ا لمرأة الريفية .منذ ذلك الحين تم الموافقة على ذلك وتم وضع الفتة على الجدار الخارجي
لموظفي الوحدات االجتماعية بتسليم أموال المعاشات في مقار الوحدات بل في منازل المستفيدين ،مما أثار غضب
86
)1المشاركة في الموارد البشرية:
لدى الوحدة االجتماعية ضعف عدد الموظفين المطلوب ألداء مهامها كما ذكرنا ،في حين أن الجمعيتين ال
تقومان بتعيين عاملين إال في حدود احتياجها الفعلي .في هذا السياق كان من الممكن أن تطلب كل جمعية من
الوحدة االجتماعية انتداب موظف أو اثنين للعمل بها حيث يظل راتبه األساسي تتكفل به الدولة ،في حين تدفع له
الجمعية فقط الحوافز والبدالت بحسب المنصوص عليه في القانون .وبالرغم من وجود هذه اإلمكانية إال أن
الموظفين اللذين لهما عالقة رسمية بجمعية الفوارس ليسا منتدبين في هذا اإلطار.
األستاذ أمين ،موظف لدى الوحدة االجتماعية ،له مكتب في جمعية الفوارس حيث يقوم بمهام المدير دون أن
انتدابه بها ولكنها في ذلك الوقت لم يكن لديها اإلمكانيات الكافية لدفع الحوافز والبدالت .وعندما بدأ مشروع تنمية
طا يرضي جميع األطراف ،حيث أن األستاذ أمين تم اختياره كمسئول عن المشروع
حال وس ً
المرأة الريفية تم توافر ً
في هذا اإلطار يستطيع األستاذ أمين أن يوقّع في سجل الحضور واالنصراف الخاص بالوحدة االجتماعية ويقضي
عاديا
نظر لكونه المدير وليس موظفًا ً
أما األستاذ أحمد مدير الوحدة االجتماعية ،فال يمكن انتدابه في الجمعية ًا
في الوحدة .وإليجاد صفة رسمية تربطه بجمعية الفوارس تم صياغة عقد بينه وبين الجمعية يؤدي األستاذ أحمد
مبلغا شهرًيا تحت بند «حوافز» ،وهو مبلغ يحتفظ به لنفسه ،باإلضافة لمبلغ
بموجبه خدمات للجمعية التي تدفع له ً
يساوي نصف مرتبه الرسمي ويتعهد هو بالتنازل عنه للجمعية تحت بند «تبرع شخصي» .بهذا الشكل ال يقلل هذا
الجمعية.
87
ومن الجدير بالذكر أن الخدمات التي يقدمها األستاذ أحمد للجمعية ال تتعدى مراجعة الدفاتر والسجالت اإلدارية
والمالية .هذه المراجعة تتم بشكل معتاد بحسب القانون ،إذ أن كل جمعية ترسل نسخة من سجالتها للوحدة
االجتماعية .ولكن الفارق الذي ينتج عن وجود هذا العقد بين الجمعية ومدير الوحدة االجتماعية هو أن هذه
المراجعة تتم في هذا اإلطار بشكل ودي ومبدئي داخل الجمعية ،حيث يقترح األستاذ أحمد التعديالت المطلوبة ويتم
إدراج التعديالت قبل أن ترسل الجمعية للوحدة الدفاتر والسجالت بشكل رسمي ،وبهذا ال توجد أي مالحظات
مبلغا شهرًيا في شكل حوافز لألستاذ أحمد مقابل قدر من راحة البال في العالقة
الحقة .بهذا تتكفل الجمعية بدفع ً
بعد ذلك إلى اإلدارة في إسنا ومديرية التضامن االجتماعي في قنا في شكلها النهائي.
)3تبادل المنفعة:
في ظل ضغط النفقات بالنسبة ألجهزة الدولة ال تمتلك الوحدة االجتماعية ال هاتف وال فاكس وال حاسب آلي،
وجميع هذه األجهزة متوافرة في مقر الجمعيتين في المبنى المجاور .ومع حسن العالقات الودية بين موظفي الوحدة
والمسئولين في الجمعيتين ،يستطيع موظفو الوحدة االجتماعية استخدام هذه األدوات ،وهم يفعلون ذلك بالفعل ولكن
أيضا
دون إفراط وال إهدار .ال يقتصر تبادل المنفعة على المشاركة في استخدام األدوات المكتبية واألجهزة فقط ،بل ً
تم االتفاق بين الشيخ موسى رئيس مجلس إدارة جمعية الفوارس واألستاذ أحمد على أن تقوم الجمعية بتركيب خط
هاتف إضافي باسمها ،يتم توصيله بسلك خارجي إلى مبنى الوحدة االجتماعية ،وأن تتكفل الوحدة االجتماعية
بنفقات التركيب والفاتورة الشهرية تحت بند «مصروفات نثرية» يتم دفعها كتبرع للجمعية والتي سوف تسددها بدورها
لهيئة االتصاالت .يهدف هذا االتفاق إلى تالفي صعوبة الموافقة على تركيب هاتف باسم الوحدة االجتماعية ،حيث
شخصيا.
ً أن الجهات الحكومية ال تستطيع تركيبه إال بموافقة الوزير
88
إدارة التضامن اًلجتماعي بإسنا:
في المستوى اإلداري األعلى من الوحدة االجتماعية نجد إدارة التضامن االجتماعي بمركز إسنا ،وهي الجهة
التي يتم تسجيل الجمعيات لديها عند إشهارها ،وهي التي تتلقى جميع صور محاضر اجتماعات الجمعية العمومية
والكشوف والسجالت الخاصة بالجمعيات من الوحدات االجتماعية لمراجعتها قبل إرسالها للمستوى األعلى وهو
مديرية التضامن االجتماعي على مستوى محافظة قنا .فيما يلي محاولة لتحليل العالقة بين الجمعيتين محل الدراسة
)1الهيمنة الرمزية:
بحسب قانون الجمعيات والئحته التنفيذية في مادتها رقم ،49على كل جمعية أن تصدر السجالت والدفاتر
والملفات الخاصة بها وأن تقوم بختمها من الجهة المختصة قبل استعمالها على أن تكون مرقمة ومختومة بخاتم
الجمعي ة .في هذا الصدد تصر إدارة إسنا أال تكتفي الجمعيات بوضع أسمائها وأرقام إشهارها على جميع مستنداتها
الرسمية ،بل يجب عليها أن تستهل كل المستندات بعبارة «مديرية التضامن االجتماعي بقنا» ثم «إدارة إسنا
أختامها إلضافة المديرية واإلدارة في الخاتم مع اسم الجمعية ورقم إشهارها وشعارها إن كان لها شعار .بحسب هذه
أن ل ها وضعها القانوني المستقل كجهة اعتبارية تندرج تحت إطار المجتمع المدني وهي بذلك غير تابعة ألجهزة
ماديا.
شكال ً
أيضا ً
الهيمنة عليها هيمنة رمزية في المقام األول ولكنها تأخذ ً
االجتماعية مقابل مجهودات موظفي اإلدارة القائمين على المتابعة واإلشراف على هذه الجمعيات .وفي واقع األمر
89
يتم توزيع حصيلة هذه المبالغ التي يتم جمعها من الجمعيات على شكل حوافز على موظفي المديرية واإلدارة
ومن الجدير بالذكر أن هذه المساهمة المالية ليست متضمنة في قانون الجمعيات وال الالئحة التنفيذية بل تستند
على قرار بذلك األمر .ومن الواض ح أن الجمعيتين محل الدراسة ،مثلهما مثل جميع الجمعيات األخرى ،ليس لديهما
مجال لرفض الخضوع لهذا القرار ،إذ أن الميزانية السنوية للجمعية لن يتم اعتمادها من قبل جهة اإلشراف إذا لم
وال يقتصر األمر على هذا المبلغ إذ أن مدير اإلدارة عرض على عدد من رؤساء مجالس إدارة الجمعيات
النشطة مثل األستاذ محمود رئيس جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري أن يتبرعوا بشكل ودي بمبلغ ما
مبلغا من المال
لتمويل شراء حاسب آلي لإلدارة لتطوير أسلوب العمل بها .لم يكن لدى األستاذ محمود إال أن يخرج ً
إلعطائه لمدير اإلدارة دون إيصال ،وقد تم تسجيل ذلك في سجالت الجمعية تحت بند «مصروفات نثرية».
اإلشراف المالي:
يمثل اإلشراف المالي أحد أهم جوانب العالقة بين الجمعيتين واإلدارة االجتماعية .أثناء تواجدي في العزب
استقبلت الجمعيتان أكثر من مرة زيارة موظف أو موظفين من اإلدارة لمراجعة الدفاتر والحسابات الختامية لكل
الشيخ موسى أو األستاذ محمود على الموظفين دعوة للغذاء أو العشاء في المنزل ،كان الموظفون يقبلون الدعوة أو
برغم أن الحسابات الختامية يتم إعدادها بعناية بواسطة محاسبين متطوعين من العزبة ثم يتم عرضها على
محاسب قانوني متخصص في إسنا قبل عرضها على موظفي اإلدارة ،إال أن هؤالء يجدون أخطاء ومالحظات
ويطلبون بعض التعديالت .هذه التعديالت يتم توصيلها بشكل شفهي لألستاذ محمود أو الشيخ مرسى دون كتابة
90
مذكرة أو تقرير بذلك .لم يتردد الموظفان في تذكير الشيخ موسى بأن جمعية الفوارس لم تدفع بعد مبلغ الـ ٪4لإلدارة
وان كانت عالقة اإلشراف المالي تتم في إطار ودي دون أن يقوم أحد الطرفين بعمل شد وجذب مع الطرف
األخر ،فإن ذلك يصب في مصلحة الطرفين .من مصلحة الجمعيتين أن تظهر لإلدارة حسن النوايا لتتحاشى التشدد
والصرامة في التعامل الذي يمكن للموظفين انتهاجهما إن أرادوا ذلك .ومن مصلحة موظفي اإلدارة اإلبقاء على
باالتصال بالجمعية ذات يوم يطلب أن يقوم أحدهم بتسجيل اسمه في سجل الزيارات مع توقيع يشبه توقيعه ألنه
كان يرغب في التغيب عن عمله ذلك اليوم دون أن يتم اقتطاع اليوم من رصيد إجازاته ،فقام باستصدار خطاب
ال توجد عالقة وطيدة بين الجمعيتين من جهة ومديرية التضامن االجتماعي بقنا من الجهة األخرى بشكل
مباشر ،وذلك ألن جميع المراسالت تمر أوًال بإدارة إسنا إذ أنه من غير الجائز أن تخاطب أحد الجمعيات المديرية
بشكل مباشر .ومن الجدير بالذكر أن أحد مزايا االتحاد النوعي للجمعيات األهلية العاملة في مجال التنمية الزراعية
بقنا والذي ساهمت الجمعيتان في تأسيسه مع عدد من الجمعيات على مستوى المحافظة ،هو أنه يتيح التعامل مع
91
مثال للتشكيالت اًلجتماعية مع جهات التضامن اًلجتماعي:
مثلما حدث مع جمعية الفوارس في التسعينات عندما تم تخصيص قطعة أرض من أمالك الدولة كانت تابعة
للوحدة االجتماعية لبناء مقر الجمعية عليها ،ترغب جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري في الحصول على
أيضا ضمن الفناء المحيط بمبنى الوحدة االجتماعية .تم بالفعل الحصول على الموافقات
قطعة أرض مجاورة وهي ً
أيضا
حقيقيا من الوحدة االجتماعية ومن إدارة إسنا و ً
ً وتشجيعا
ً حيبا
ومن الجدير بالذكر أن طلب الجمعية القى تر ً
من إدارة الوحدة المحلية .وصل هذا الترحيب والتشجيع إلى حد أن مدير الوحدة االجتماعية طلب من األستاذ
محمود أ ن يكتب بنفسه صيغة خطاب الموافقة الذي يريده .ويتطلب تخصيص األرض موافقات من عدة جهات مثل
المحافظة ليصل إلى المحافظ ذاته الذي يصدر القرار النهائي من مكتبه .ولمخاطبة جميع هذه الجهات كان من
وفاعليتها وأهمية الدور الذي تقوم به ،ليقوم األستاذ محمود بإرفاق هذا الخطاب بطلبات الموافقات المختلفة لتسهيل
الموافقة.
*******
كيف يمكننا تحليل التشكيالت االجتماعية بين الجمعيتين وجهات التضامن االجتماعي؟ يبدو لي أنه يمكن
92
)2المرونة والعالقات الودية بين الموظفين التابعين للتضامن االجتماعي والمسئولين عن الجمعيتين.
أواًل :ينتج عن عملية المتابعة واإلشراف اإلداري والمالي نوع من البيروقراطية المفروضة ،فاستخدام أسلوب
معين في العمل المكتبي وكتابة التقارير ومحاضر االجتماعات والدفاتر والسجالت ليس بالضرورة هو األسلوب
ّ
اإلدارة دون أن يجتمع المجلس أو يقوم المسئولون بتعديل التاريخ على أحد األوراق الصادرة عن الجمعية .أما
بالنسبة ألسلوب كتابة سجالت اإليرادات والمصروفات والدفاتر المالية للجمعية فتصر إدارة إسنا على فرض
ثانيا :ألن مبنى الوحدة االجتماعية بالعزب ومقر الجمعيتين متجاوران وألن لكل منهما مميزات مختلفة يمكنه أن
ا
يقدمها لألخر ،فيتم تبادل المنفعة بشكل تلقائي وبال روتين .تتبع الوحدة االجتماعية أرض فضاء واسعة وهي ال
تعترض على تخصيص جزء منها للجمعيتين ،وفي ذات الوقت ترحب الجمعية باستضافة مشروع المرأة الريفية في
حجرة داخل مبناها لضيق المساحة في مبنى الوحدة االجتماعية .يعمل في الوحدة عدد مبالغ فيه من الموظفين وهي
ال تمانع أن يقوم بعضهم بأعمال داخل الجمعية مقابل حافز مادي بسيط دون اللجوء لالنتداب .تمتلك الجمعيتان
وسائل وأجهزة غير متاحة لدى موظفي الوحدة االجتماعية وهي ال تتردد في السماح لهم باستخدامها.
ثالثاا :جميع هذه العالقات المؤسسية ،سواء في أشكالها القانونية أو غير الرسمية ،في أشكالها الواضحة أو غير
المعلنة ،تتم في إطار من المرونة والعالقات الودية بين الموظفين والمسئولين في الجمعيتين وفي جهات التضامن
االجتماعي .جميع الحلول الوسطية التي يتم التوصل إليها في مناخ يخلو من الشد والجذب ودون إثارة مشاكل ال
داعي لها ،ترجع إلى الصداقة التي تجمع األطراف عبر سنوات وخبرات من التعاون والعمل المشترك والوعي بأن
93
الفصل التاسع :التشكيالت اًلجتماعية الخارجية األخرى
بعد أن استعرضنا التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع الجهات التابعة لو ازرة التضامن االجتماعي ،يهدف
هذا الفصل إلى تحليل التشكيالت االجتماعية الخارجية األخرى ،أي العالقات المتبادلة ما بين الجمعيتين من جهة
وعدد من المنظمات من جهة ثانية .هذه المنظمات تشمل جمعيات تنمية المجتمع المحلي الموجودة في نطاق
بحسب البيانات المتاحة ،هناك حوالي 47جمعيات لتنمية المجتمع مشهرة في نطاق الوحدة المحلية بالعزب.
أثناء تواجدي في الجمعيتين محل الدراسة الحظت وجود أشكال مختلفة للعالقة بين الجمعيتين والجمعيات األخرى
يميز هذه
المتبادلة بين الجمعيتين مع جمعيات أخرى خارج نطاق الوحدة المحلية .فيما يلي نستعرض أهم ما ّ
التشكيالت االجتماعية.
يتم التطرق لحوالي نصف هذه الجمعيات وال مرة واحدة سواء للحديث عنها بالسلب أو اإليجاب .يبدو أن هذه
الجمعيا ت ال تمثل أي موضع اهتمام بالنسبة لمسئولي جمعية الفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب
بحري .على سبيل المثال ،سألت عن جمعية عزبة سالم في قرية العزب قبلي التي كنت أرى الفتتها على الطريق
أتلق إجابة تفيد وجود عالقة تعارف ولو سطحية مع الجمعيتين محل الدراسة.
المؤدي لمدينة إسنا ،ولكني لم َ
94
في بعض األحيان كان يتطرق الحديث إلى «الجمعيات العطالنة» أو التي «ال تعمل» ،وهو حديث يخلو من
إلى المقارنة بين «الجمعيات النشطة» ،أي الجمعية التي ينتمي إليها المتحدث ،والجمعيات األخرى التي تعاني من
الخمول والكسل أو النزاعات الشخصية وانعدام الرؤية .في النهاية يخدم هذا الحديث زيادة التقدير الشخصي
والمكانة االجتماعية لجمعية الفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي والمسئولين عنهما.
يمكنني وصف العالقة بين الجمعيتين محل الدراسة وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالناصرية بأنها عالقة
خصومة وتنافس .ال يمكن تجاهل هذه الجمعية إذ أن مقرها يقع بالقرب من مقر الجمعيتين وأن رئيس مجلس
شخصيا من رئيسي مجلس إدارة الجمعيتين ومن العاملين بهما .ويرجع التنافس والخصومة لعدة
ً إدارتها معروف
موقع الحضانتين .تشمل المنافسة عدد األطفال المترددين على كل حضانة والسمعة الطيبة التي تتمتع بها ورأي
ثانيا :وجود مشروع مشغل حياكة في جمعية الناصرية مشابه لمشغل جمعية الفوارس .وبالرغم من أن المشغلين
ا
كبيرا ،يفتخر مسئولو جمعية الفوارس بأن مشغلهم ما زال يعمل ولو على نطاق ضيق .يزيد على
نجاحا ً
ً ال يجدان
حاليا في مشغل جمعية الفوارس هي ابنة عم رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية،
ذلك أن الحائكة التي تعمل ً
وكانت تعمل من قبل في جمعية الناصرية ولكنها لم تستمر .يمكن تحليل انضمام هذه الحائكة لجمعية الفوارس
95
ثالثاا :يرجع أحد مصادر التنافس لكون رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية موظفًا في الوحدة المحلية القروية،
والتي تبدو أنها شجعت على إقامة جمعية الناصرية بعد نجاح جمعية الفوارس ،لرغبتهم في إيجاد توازًنا في القرية
أخير يظهر هذا التنافس بشكل واضح عندما طلب رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية
من حيث نشاط الجمعيات .و ًا
يتعمد
أكثر من مرة الحصول على قرض باسم زوجته من جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري .في كل مرة ّ
انطباعا
ً مسئولو هذه الجمعية في إظهار ترددهم في اإلجابة على طلبه ثم يوافقون على إعطائه القرض بما يعطي
بتفوق الجمعية لدرجة أن رئيس جمعية أخرى يأتي بنفسه ليكون أحد المنتفعين.
تُعد جمعية العطارين لتنمية المجتمع النسائي في موضع بنوة بالنسبة لجمعية الفوارس .باإلضافة لما ناقشناه
بالنسبة لهذه الجمعية عندما تطرقنا للتشكيالت االجتماعية العائلية والتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء،
يمكننا مالحظة أن جمعية العطارين تتمتع بمساندة جمعية الفوارس لها ،إذ أنها تعتمد على خبرتها الطويلة
واإلمكانيات المتاحة لديها مما يعطي هذه الجمعية النسائية مميزات غير متاحة لغيرها من الجمعيات الناشئة.
تربط الجمعيتان محل الدراسة عالقات صداقة مع عدد من الجمعيات األخرى .ومن المالحظ أن جميع هذه
الجمعيات الصديقة ال يشمل نطاق عملها قرية العزب بحري إذ أن جميعها تعمل في قرى أخرى .في أغلب األحيان
تكون هذه العالقات ن اتجة عن عالقات شخصية بين المسئولين أو العاملين دون أن تكون هناك عالقات مؤسسية.
فرصا لتبادل الخبرات والمعلومات التي يستفيد منها جميع األطراف .من أمثلة هذه الجمعيات
ً وتعد هذه العالقات
الصديقة ،الجمعية النسائية بعزبة حامد والتي يسود فيها عالقات طيبة بين المسئوالت عنها وبين المهندسة هالة
والشيخ موسى ،وجمعية تنمية المجتمع بالمطاعنة والتي يرأس مجلس إدارتها إمام جامع الناصرية ويعتبر من أقارب
أيضا جمعية الدير التي تقوم بإدارة مشروع قروض دوارة مماثل
األستاذ أمين وهو من العناصر النشطة بها ،و ً
96
لمشروع جمعية تنمية المجتمع الزراعي ،مما أدى لوجود عالقة زمالة وتعاون بين أم كلثوم مسئولة القروض في هذه
هناك عدد ال بأس به من منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي في الوحدة المحلية القروية بالعزب.
يندرج في هذه الفئة جمعيتان تعاونيتان زراعيتان ،واحدة للعزب بحري واألخرى للعزب قبلي ومركزي شباب .هناك
أيضا جمعية تعاونية زراعية لمنتفعي اإلصالح الزراعي مقرها قرية المطاعنة المجاورة والتي يمتد نطاق عملها
ً
بالرغم من أن نشاط جمعية تنمية المجتمع الزراعي وجمعية الفوارس في مجال الزراعة وتنميتها في القرية،
مجاال للعمل المشترك مع الجمعيات التعاونية الزراعية ،إال أن هذا التعاون لم يتحقق على أرض الواقع.
ً والذي يتيح
يرجع ذلك لنظام عمل التعاونيات الزراعية التي يغلب عليه الطابع الحكومي وكأنها مكتب محلي لو ازرة الزراعة،
حيث أن جميع موظفيها يتبعون الو ازرة وحيث أن أغلب نشاطها هو بيع األسمدة والمبيدات وادارة الحيازات الزراعية،
دون أن يوجد بها هامش من االبتكار في مشروعات زراعية أخرى .تعتبر المهندسة هالة أحد همزات الوصل القليلة
بين الج معيتين األهليتين محل الدراسة والجمعية التعاونية الزراعية كما ذكرنا من قبل .ولكن هذه العالقة لم تترجم
أما مع الجمعية التعاونية لإلصالح الزراعي بالمطاعنة فقد توجد بعض العالقات حيث أن رئيسها هو شقيق
األستاذ أمين مدير جمعية الفوارس .باإلضافة إلى ذلك يسعى الشيخ موسى ،وهو عضو في هذه الجمعية التعاونية
بصفته مزارًعا لقطعة أرض تابعة لإلصالح الزراعي ،إلى الحصول على تمثيل منصف في مجلس إدارتها .في هذا
السياق قام الشيخ موسى بتنظيم ندوة توعية حول موضوع الري المتطور بالتعاون بين جمعية الفوارس والجمعية
التعاونية لإلصالح الزراعي والتي انعقدت في مقر هذه الجمعية التعاونية ،مما أدى لظهور الشيخ موسى بشكل جيد
97
تمهيدا إلعالن رغبته في الترشيح لمجلس اإلدارة .تنظيم ندوة من هذا النوع هو بالطبع نشاط مؤسسي ،ولكنه ال
ً
خصوصا في
ً متبادال،
ً اما
تجمع الجمعيتان بالمجلس الشعبي المحلي وبإدارة الوحدة المحلية عالقات مودة واحتر ً
ظل وجود أعضاء في الجمعيتين من أعضاء المجلس الشعبي .باإلضافة إلى ذلك هناك عالقات تبادل منفعة جديرة
أحيانا للدهشة.
ً بالدراسة والتحليل ،وهي تدعو
ال يتردد مسئولو المحليات في إظهار تشجيعهم للجمعيتين ومساندتهم لهما .على سبيل المثال عندما طلب
األستاذ محمود موافقة الوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلي على تخصيص قطعة أرض لبناء مقر مستقل
لجمعية تنمية المجتمع الزراعي عليها ،طلب منه المسئولون أن يقوم هو بنفسه بكتابة الرد بالصيغة التي يرغبها
على جهاز كمبيوتر الجمعية مع وضع اسم الوحدة المحلية والمجلس الشعبي ،وقام هؤالء المسئولون بالتوقيع بالفعل
يرجع هذا المناخ في العالقة المتساهلة لكون بعض أنشطة الجمعيتين المهمة تندرج في إطار المنفعة العامة في
مجاالت كان من المتوقع أن تقوم بها اإلدارة المحلية مثل توصيل مياه الشرب وادارة الصرف الصحي .قيام
الجمعيات األهلية بهذه األنشطة يصب في مصلحة المجلس الشعبي المحلي وادارة الوحدة المحلية ألنها بذلك
تحصل على حلول مجانية لمشاكل كان من الممكن أن تقع على عاتقها.
ودليل على أن القرية تسير في الطريق الصحيح نحو التنمية .لذلك يسعى المسئولون إلظهار مساندتهم للعمل
98
أما بالنسبة للجمعيتين ،فإن تشجيع الجهات المحلية يعد ميزة كبيرة لتسهيل اإلجراءات البيروقراطية التي يمكن
أن تعطل األنشطة والمشروعات المختلفة ،إذا دخلت الجمعيتان في نمط عالقات شد وجذب أو مواجهة مع مسئولي
هذه الجهات.
في إطار اإلعداد لمشروع تبطين المساقي ،من البديهي أن تبرم الجمعيتان اتفاقًا مع إدارة الري بإسنا بصفتها
الجهة الحكومية المسئولة عن كل ما يتعلق بالترع والمساقي .وللوصول إلى اتفاق يتيح التعاون الرسمي بين
آخرين كنت منهم ،لزيارة األراضي التي سوف يشملها المشروع وأخذ القياسات المطلوبة لعمل دراسة الجدوى
للمشروع .في آخر اليوم استخدم المهندس جهاز كمبيوتر الجمعية لعمل الحسابات المطلوبة وكتابة التقرير الذي تم
جميع ما تم عمله في ذلك اليوم يشير إلى أن المهندس في مهمة رسمية من قبل اإلدارة التي يتبعها .وذلك فيما
عدا أن يومها كان أول مايو ،أي عيد العمال وهو إجازة رسمية .معنى ذلك أن هذه المهمة ليست رسمية بالكامل،
بل هي تمهيد للمشروع الذي سوف يتخذ الشكل الرسمي في وقت الحق.
99
الشرطة والجهات األمنية:
يعي المسئولون عن الجمعيتين أن كل ما يتم عمله داخل الجمعيتين معروف لدى جهاز أمن الدولة ولدى
أستطيع إثبات صحة هذا االعتقاد ،إال أن هذه الفكرة المسيطرة على األذهان لها حيثيات يجب أخذها في االعتبار
الجانب المرئي من هذه العالقة مع أمن الدولة والشرطة هو وجوب إخطارهما في حالة زيارة شخصية أجنبية
كل جمعية أخذ موافقة األمن .وبالمثل من أجل قبول وجودي في القرية أثناء وقت الدراسة كان أول إجراء قام به
األستاذ محمود هو اصطحابي من محطة القطار إلى مكتب أمن الدولة إلعطائهم صورة من خطاب صادر من
جامعة القاهرة التي كنت أعمل لديها في هذا الوقت إلخطارهم بطبيعة وجودي في القرية.
هناك جهات خفية تراقب تحركات الجميع وتعلم بكل األمور التي تحدث في الحياة اليومية .ويزيد على ذلك رغبة
الجميع في تجنب المشاكل المحتملة .وفي بعض األحيان يعتبر البعض أن الشعور بأنهم مراقبون من جهات األمن
هو أحد العناصر التي تدل على أهميتهم وأهمية ما يقومون بعمله ،واال لماذا يستوجبون المراقبة؟
في الوقت الحالي ،أصبح الصندوق االجتماعي للتنمية هو الجهة المحلية الرئيسية التي تقوم بتمويل مشروعات
الجمعيتين محل الدراسة ،مثل مشروع كسح مياه الصرف الصحي في جمعية الفوارس ومشروع القروض الدوارة في
جمعية تنمية المجتمع الزراعي .باإلضافة ألهمية التمويل في حد ذاته الستمرار نشاط الجمعيتين ،يمثل الصندوق
100
أواًل :بالنسبة للعالقة مع هيئة كير ومع جهات التمويل األجنبية ،إن وجود جزء من أنشطة الجمعيتين يعمل
موقعا في خريطة التنمية بحسب خطة الدولة .من شأن ذلك زيادة مكانة الجمعيتين وتحسين سمعتها وسمعة
ً
المسئولين عنهما ألنهم قادرون على إحداث توازن ما بين التمويل المحلى واألجنبي للصالح العام للقرية ولسكانها.
ثانيا :يتميز الصندوق االجتماعي للتنمية بأنه يتبع مجلس الوزراء وال يتبع و ازرة التضامن االجتماعي .يعطي
ا
خاصا لألنشطة التي يقوم الصندوق بتمويلها ،والتي ال يستطيع موظفو الجهات التابعة لو ازرة التضامن
ً طابعا
ً ذلك
االجتماعي في اإلدارة والمديرية اإلشراف عليها بشكل كامل مثلما يحاولون عمله مع األنشطة األخرى للجمعيات.
هذا الوضع يسمح للجمعيتين بأن تظه ار استقاللهما النسبي بالنسبة لجهات التضامن االجتماعي ،عندما تظهر وجود
باإلضافة إلى هيئة كير الدولية ،استفادت الجمعيتان من التمويل من جهات أخرى مثل الوكالة األمريكية للتنمية
الدولية والسفارة األمريكية بالقاهرة ومبادرة حوض النيل .جميع هذه الجهات قامت باالتصال بالجمعيتين بمبادرة من
هيئة كير التي قامت بدور الوسيط .هذا التنوع في مصادر التمويل له أهمية بالنسبة للجمعيتين ،فهو دليل على
نجاحهما ووصولهما لمستوى جيد .في مقر جمعية تنمية المجتمع الزراعي يمكن للزوار مشاهدة صور توقيع السفير
األمريكي بنفسه على تمويل مشروع السماد العضوي مع ممثلين عن الجمعية ،وذلك يعد مصدر فخر لمسئولي
القطاع الخاص:
تربط بين جمعية تنمية المجتمع الزراعي والقطاع الخاص عالقات تعامل من خالل مشروعات التنمية الزراعية،
هاما في
دور ً
خصوصا مشروع السماد العضوي ومشروعات الزراعات التصديرية .في هذا المجال تلعب الجمعية ًا
ً
توفير السماد العضوي كأحد مستلزمات اإلنتاج وفي توفير فرص للتسويق من خالل التصدير .أما عملية اإلنتاج
101
دور في العالقة مع مزارع
في حد ذاتها فهي شأن المزارعين وال تتدخل فيها الجمعية .يلعب المهندس منصف ًا
خصوصا المزارع الكبيرة ،فهو يحاول تسويق السماد العضوي لديها ويضيف على ذلك بعض
ً القطاع الخاص،
ممثال عن
ً خبير في هذا المجال وبصفته
اإلرشادات التقنية الخاصة بالزراعة العضوية والزراعات اآلمنة بصفته ًا
الجمعية .هذا الدور يوفر للجمعية فرصة لتسويق منتجها من السماد العضوي لدى القطاع الخاص ويستفيد منه
المهندس منصف كدخل إضافي له مقابل الخبرة التي يقدمها ألصحاب هذه المزارع.
أما بالنسبة لجمعية الفوارس ،فهي ال تدخل في عالقات مباشرة مع القطاع الخاص إال في حدود ضيقة .يبدو
جنبا إلى جنب أدى إلى تخصص واحدة في الخدمات االجتماعية والعالقة مع األهالي وتوفير
أن وجود الجمعيتين ً
الخدمات لهم ،واألخرى في الجوانب االقتصادية والعالقة مع المزارعين ومع القطاع الخاص بحسب قواعد السوق.
يحدث التعاون الوطيد بين الجمعيتين توازًنا ما بين التنمية االجتماعية من الناحية الخدمية والتنمية االقتصادية ،وهذا
*******
في نهاية هذا الفصل والذي عرضنا فيه جوانب مختلفة من التشكيالت االجتماعية التي تتعامل مع جهات
مختلفة من داخل وخارج المجتمع المحلي ،مثل الجمعيات األهلية األخرى ومنظمات المجتمع المدني وجهات الحكم
المحلى والجهات الحكومية المتخصصة والجهات األمنية وجهات التمويل المحلية واألجنبية والقطاع الخاص ،يمكننا
أواًل :يحكم بعض هذه التشكيالت االجتماعية الرغبة في إحداث توازنات تضمن االستقالل النسبي للجمعيتين،
مثل التوازن ما بين مصادر التمويل المحلية واألجنبية واالستقالل النسبي بالنسبة لجهات التضامن االجتماعي،
زيادة مكانة الجمعيتين ومكانة المسئولين والعاملين فيها داخل المجتمع المحلي .يبدو أن الصورة واالنطباع العام
الذي تتمتع به الجمعيتان والمسئولون عنهما أمر ذو أهمية كبيرة .بعض هذه التشكيالت االجتماعية يمكن تحليله
من خالل المصالح المشتركة والمصالح المتبادلة بين الجمعيتين والجهات التي تتعامل معها .في هذه العالقات
102
أحيانا يظل ذلك على هامش
ً تمتزج المصالح المادية والمعنوية دون أن يكون ذلك في إطار رسمي واضح بل
اإلطار الرسمي الجامد الذي يحكم العالقات بحسب القوانين واللوائح .باإلضافة إلى جميع هذه العناصر يجب
اإلشارة ألهمية العالقات الشخصية التي تجمع مسئولي الجمعيتين بالقائمين على الجهات المختلفة ،إذ أن هذه
103
الخاتمة
تكمن أهمية هذه الرسالة في أنها أتاحت رؤية متعمقة ومتكاملة للجمعيات األهلية في الريف المصري
عن طريق دراسة حالة لجمعيتي ن في قرية من قرى صعيد مصر .وهي في ذلك اعتمدت على األسلوب الوصفي
يتطلب هذا األسلوب الكثير من الوقت والمجهود ،ولكنه أثبت جدواه في تحقيق األهداف المرجوة من هذه الدراسة.
وقد أتاح هذا األسلوب الوصول لبعض البيانات والمعلومات التي يجب معايشتها للتمكن من مشاهدتها والتي
يصعب الوصول إليها بغير ذلك .والجدير بالذكر أنه لم يتم العثور على أي دراسة سابقة للمنظمات الريفية المصرية
تمت بأسلوب جمع البيانات باستخدام المالحظة بالمشاركة .وال يجب اعتبار استخدام هذا األسلوب كنوع من االنتقاد
لألسلوب السائد ،والذي يعتمد على تحديد عدد كبير من المتغيرات ووضعها في شكل أسئلة لعمل استمارة استبيان
وعلى جانب آخر ،فإن استخدام اإلطار النظري الذي يجمع بين علم اجتماع التنمية وعلم اجتماع
المنظمات ،مع اللجوء لمفهوم رصد وتحليل عناصر وظواهر اجتماعية شديدة التنوع داخل وخارج المجتمع المحلي،
منها االقتصادية والجغرافية والمؤسسية وغيرها ،ساهم في وضع صورة عامة ذات جوانب متعددة تتكامل مع بعضها
البعض.
*******
أتاحت دراسة التشكيالت االجتماعية التي تم عرضها في الفصول السابقة فهم بعض السلوكيات الخاصة
باألطراف الفاعلة وبعض االستراتيجيات داخل الجمعيتين فيما يتعلق ببعض الجوانب أهمها أربعة :معايير اختيار
104
أيضا األعضاء فيها ،معايير اختيار األنشطة والمشروعات ،معايير تحديد المستفيدين من
العاملين في الجمعية و ً
أخير معايير تحديد الوسائل والنظم المستخدمة في إدارة كل جمعية واألنشطة المختلفة.
هذه األنشطة و ًا
تتم وفقًا لعدد من التشكيالت االجتماعية أهمها التشكيالت االجتماعية العائلية والمكانية .يعني ذلك أن تواجد أفراد
من عائالت مختلفة ومن عزب مختلفة وفقًا لتوزيع متباين هو أمر له دالالت خاصة لفهم التوازنات االجتماعية في
كل جمعية .يضاف إلى ذلك أن تواجد النساء بين العاملين وفي سجالت العضوية يتعلق بالتشكيالت االجتماعية
للصدفة.
ثانيا :نجد أن اختيار األنشطة والمشروعات في كل جمعية يتم وفقًا لعدد من التشكيالت االجتماعية .على سبيل
ا
توجه الجمعيتين ناحية عدد من مشروعات التنمية الزراعية يمكن ربطه بالتشكيالت االجتماعية
المثال يتضح لنا أن ّ
مشروعات في هذا المجال .أما مشروعات القروض الصغيرة والدوارة التي تستهدف المرأة الريفية فهي مرتبطة
بالتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء والتشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التضامن االجتماعي
ثالثاا :فيما يتعلق بتحديد المستفيدين من كل مشروع من مشروعات الجمعيتين ،نجد أن التشكيالت االجتماعية
تفسر لنا أسباب تواجد أبناء بعض العائالت أكثر من عائالت أخرى وتواجد أهالي أحد العزب
العائلية والمكانية ّ
هيئة كير ومع جهات التمويل األخرى ترتبط بتوجيه بعض المشروعات ناحية «المحتاجين» ،وبعض المشروعات
األخرى ناحية «المتوسطين» أو « ميسوري الحال» .أما عن تواجد النساء ضمن المستفيدين فهو يخضع لعدد كبير
من التشكيالت االجتماعية وهي التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التمويل المحلية واألجنبية ومع
105
أيضا أن أساليب إدارة الجمعيتين واألنشطة المختلفة تتعلق بعدد من
ً أخيرا :يمكننا أن نستخلص
ابعا و ا
را
تشجع
التشكيالت االجتماعية .يتضح لنا أن التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التمويل المختلفة ّ
الجمعيتين على تبني وسائل حديثة واستخدام التكنولوجيا ،في حين أن التشكيالت االجتماعية مع الهيئات الحكومية
تشجع على تبني الوسائل البيروقراطية في اإلدارة مثلما هو متبع في هذه الجهات.
ومنها التضامن االجتماعي ّ
*******
وفي النهاية يمكن استخالص أربع نقاط كنتائج لهذه الدراسة وفي ذات الوقت كدعوة إلجراء بحوث الحقة
أواًل :أنه ال يوجد تضاد بين دور الدولة ودور القطاع األهلي في التنمية كما يبدو ذلك للوهلة األولى .أظهرت
سبال
هذه الدراسة أنه برغم وجود أدلة ظاهرية تدل على وجود اختالفات في بعض وجهات النظر ،إال أن هناك ً
ثانيا :أظهرت هذه ال دراسة عدم وجود تضاد بين التنمية المبنية على تقديم الخدمات االجتماعية والتنمية المبنية
ا
وعضويا باألخرى .يتطلب وجود هذين التوجهين وجود توازن بينهما مما يحقق التنمية المتكاملة دون
ً يخيا
مرتبطة تار ً
منافسة أو تضاد.
ثالثاا :أنه ال يمكن فهم وتحليل العمل التنموي وأسلوب عمل الجمعيات األهلية دون الرجوع إلى دور األفراد
القائمين على هذا العمل األهلي ،أي رؤساء وأعضاء مجالس اإلدارة والعاملين في هذه الجمعيات وجميع من
يساهم ون في عملية اتخاذ الق اررات .أظهرت هذه الدراسة أن الجوانب الشخصية والمكونات الفردية لها أهمية كبيرة
في عملية التنمية ،إذ أن األطراف الفاعلة يمثلون حلقات الوصل بين المؤسسات بعضها البعض ويمثلون دور
الوسيط مع المجتمع المحلى .لذلك ال يجوز الفصل بين الجوانب المؤسسية والجوانب الشخصية في هذه المنظمات
106
أخير :إن التنمية ليست ثورة على الماضي وعلى النظم االجتماعية السائدة بل هي خليط من الثوابت
ابعا و اا
را
المجتمعات األهلية لمحاولة فهم كيفية جمع هذه المنظمات الريفية لعناصر اإلدارة الحديثة وعناصر من العادات
فضا لألوضاع الحالية ومحاولة استبدال هذه األوضاع بما هو مرغوب بل يجب اعتبارها كمحاولة لقبول
اعتبارها ر ً
107