You are on page 1of 107

‫د‪ .

‬ميالد يعقوب‬

‫الجمعيات األهلية والتنمية الريفية‬

‫نظرة من الداخل‬

‫‪2011‬‬
2
‫محتويات الكتاب‬

‫الجزء األول‪ :‬موضع الدراسة ‪16 ................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬قرية العزب بحري ‪16 .........................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الجمعيتان‪29 .................................................................‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬التشكيالت االجتماعية الداخلية ‪47 ................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬التشكيالت االجتماعية المكانية ‪47 ............................................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬التشكيالت االجتماعية العائلية ‪53 .............................................‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬التشكيالت االجتماعية االقتصادية ‪59 .......................................‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬بعض التشكيالت االجتماعية الداخلية األخرى ‪66 ............................‬‬

‫الجزء الثالث‪ :‬التشكيالت االجتماعية الخارجية ‪74 ...............................................‬‬

‫الفصل السابع‪ :‬هيئة كير الدولية‪ ،‬خبراء التنمية ‪74 ...........................................‬‬

‫الفصل الثامن‪ :‬و ازرة التضامن االجتماعي‪ ،‬بين المرونة والبيروقراطية‪84 .......................‬‬

‫الفصل التاسع‪ :‬التشكيالت االجتماعية الخارجية األخرى ‪94 ...................................‬‬

‫الخاتمة‪104 ...................................................................................‬‬

‫‪3‬‬
‫انتشار الجمعيات األهلية في الريف المصري‪ ،‬وباألخص جمعيات تنمية المجتمع المحلي‪ ،‬ليست ظاهرة جديدة‬

‫مؤخر حيث أن أعداد هذه الجمعيات في زيادة مطردة منذ بداية تسعينيات القرن‬
‫ًا‬ ‫بل هي ظاهرة ازدادت أهميتها‬

‫العشرين‪ .‬وتشمل هذه الظاهرة جميع أنحاء جمهورية مصر العربية حيث بلغ عدد جمعيات تنمية المجتمع المحلي‬

‫‪ 9076‬جمعية في ‪ ،14772-4772‬معظمهم في الريف‪ ،‬وذلك بعكس األنواع األخرى من الجمعيات األهلية التي‬

‫تتركز في المدن‪.‬‬

‫وترجع أهمية هذه الجمعيات لكونها تلمس مجال حيوي وهو تنمية الريف المصري الذي يضم ‪ ٪20‬من السكان‪،‬‬

‫احتياجا للتنمية من سكان المدن‪ .‬ويرجع سبب تركز جمعيات تنمية‬


‫ً‬ ‫أي ‪ 24‬مليون نسمة‪ ،2‬وهم أكثر ًا‬
‫فقر وأكثر‬

‫شجعت على إقامة هذا‬


‫المجتمع المحلي في الريف ألسباب تاريخية حيث أن الدولة‪ ،‬منذ خمسينات القرن العشرين‪ّ ،‬‬

‫النوع من الجمعيات في الريف واقامة جمعيات الرعاية االجتماعية في المدن‪ .‬وبالرغم من أن قانون الجمعيات‬

‫فاتحا المجال أمام‬


‫حاليا والصادر عام ‪ 4774‬أزال حدة تقسيم الجمعيات لتخصصي التنمية والرعاية‪ً ،‬‬
‫المعمول به ً‬

‫تلقائيا على إنشاء جمعيات تنمية المجتمع‬


‫ً‬ ‫الجمعيات للجمع ما بين عدة تخصصات‪ ،‬إال أن الريفيين ما زالوا يقبلون‬

‫المحلي أكثر من جمعيات الرعاية‪.‬‬

‫ومن المالحظ أن غالبية األبحاث االجتماعية التي يتم إجراءها بخصوص هذه الجمعيات تحاول تفسير وجود‬

‫نجاحا من جمعيات أخرى في مجال التنمية‪ ،‬وذلك باالعتماد على بعض معايير الكفاءة والفاعلية‬
‫ً‬ ‫جمعيات أكثر‬

‫وربطها بعدد من المتغيرات اإلحصائية المتعلقة بالجوانب االقتصادية واالجتماعية لهذه الجمعيات والمجتمعات‬

‫المحلية الموجودة بها‪ .‬هذه األبحاث تعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات كمية باستخدام استمارات استبيان‬

‫‪1‬بحسب كتاب اإلحصاء السنوي الصادر عن جهاز التعبئة العامة واإلحصاء في ‪.6002‬‬
‫‪2‬بحسب النتائج األولية لتعداد السكاني في ‪.6002‬‬

‫‪4‬‬
‫إحصائيا‬
‫ً‬ ‫الستطالع آراء المسئولين عن الجمعيات والمنتفعين من أعضاء المجتمع المحلي بعد أخذ عينة ممثلة‬

‫لمجتمع الدراسة‪.‬‬

‫أما هذا الكتاب فهو نتيجة بحث تم إجراءه باستخدام المنهج الوصفي لعمل دراسة حالة لجمعيتين مرتبطتين‬

‫بعضهما ببعض ومتشاركتين في مقر واحد‪ ،‬وهما جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس‪ 3‬وجمعية العزب بحري‬

‫لتنمية المجتمع الزراعي والموجدتان في قرية العزب بحري الواقعة في مركز إسنا بمحافظة قنا في صعيد مصر‪.‬‬

‫كانت األداة األساسية لجمع البيانات هي المالحظة بالمشاركة والتي تقتضي أن يشارك الباحث المبحوثين في‬

‫متعمقة‬
‫ّ‬ ‫معيشتهم لفترة زمنية محددة‪ .‬ومن هنا جاء عنوان الكتاب الفرعي «نظرة من الداخل» حيث أنه يلقي نظرة‬

‫على واقع هذه الجمعيات وكيفية قيامها بدورها في التنمية الريفية‪.‬‬

‫محتوى هذا الكتاب مقتبس من رسالة الدكتوراه‪ ،‬في علم االجتماع‪ ،‬التي تم إعدادها ومناقشتها في جامعة باريس‬

‫نانتير بفرنسا‪ ،‬عام ‪ ،4772‬تحت عنوان‪:‬‬

‫‪"Les associations de développement local étudiées à travers leurs configurations‬‬

‫"‪sociales : le cas d'un village de Haute-Égypte.‬‬

‫والتي يمكن ترجمتها للغة العربية كالتالي‪« :‬جمعيات تنمية المجتمع المحلي من منظور التشكيالت االجتماعية‪:‬‬

‫دراسة حالة لقرية في صعيد مصر»‪ .‬ويأتي هذا الكتاب كمحاولة لتقديم محتوى رسالة الدكتوراه للقارئ باللغة العربية‬

‫ليناسب المتخصصين وغير المتخصصين في هذا المجال‪.‬‬

‫المشكلة البحثية واألهداف‪:‬‬

‫السؤال الرئيسي الذي تسعى هذه الدراسة لإلجابة عليه هو‪ :‬كيف تمارس جمعيات تنمية المجتمع المحلي العاملة‬

‫في الريف المصري دورها‪ ،‬وذلك بالرجوع للواقع االجتماعي المحيط بها؟‬

‫‪3‬جميع أسماء القرى والعزب واألشخاص المذكورين هي أسماء مستعارة للحفاظ على الخصوصية‪ ،‬وذلك بحسب‬
‫ما هو متّبع في الكثير من الدراسات الوصفية ودراسات الحالة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إذن إلى رصد وتحليل وفهم طبيعة عمل هذه الجمعيات المنتشرة في قرى مصر وذلك وقت‬

‫إجراء البحث خالل العقد األول من القرن الحادي والعشرين‪ ،‬أي قبل قيام ثورة يناير ‪ .4744‬ويعتمد التحليل على‬

‫نوعين من العالقات‪ :‬أوًال عالقة الجمعيات مع مجتمع القرية لمعرفة كيفية تأثير المجتمع المحلي على الجمعيات‬

‫وثانيا عالقات الجمعيات مع إطارها المؤسسي ومع‬


‫والعكس‪ ،‬وهو ما نطلق عليه التشكيالت االجتماعية الداخلية‪ً ،‬‬

‫المنظمات األخرى التي تتعامل معها‪ ،‬وكيفية حدوث التأثير المتبادل بينهم‪ ،‬وهو ما نطلق عليه التشكيالت‬

‫االجتماعية الخارجية‪.‬‬

‫وتعرف التشكيالت االجتماعية الداخلية على أنها العالقات المتبادلة بين األطراف الفاعلة‪ ،‬وهم أعضاء الجمعية‬
‫ّ‬

‫والقائمون عليها والعاملون فيها والمنتفعون منها ـ وذلك من حيث ممارستهم للسلطة بين بعضهم البعض بشكل فردي‬

‫أو جماعي‪ ،‬منهم بحسب انتماءاتهم العائلية والجغرافية واتجاهاتهم السياسية والدينية ومصالحهم االقتصادية‬

‫واالجتماعية‪ .‬وبهذا فإن التشكيالت االجتماعية الداخلية للجمعية هي في ذات الوقت انعكاس ألوضاع المجتمع‬

‫المحلي الذي تعمل الجمعية في إطاره‪ .‬أما التشكيالت االجتماعية الخارجية فهي تُعنى بالعالقات المتبادلة بين‬

‫الجمعية واطارها المؤسسي والمنظمي وأسلوب ممارسة السلطة والتأثير المتبادل بين الجمعية من ناحية والمنظمات‬

‫والجهات التي تتعامل معها من ناحية أخرى‪ ،‬مثل جهات الحكم المحلي ومختلف جهات الدولة والجهات الممولة‬

‫أيضا شركات القطاع الخاص‪.‬‬


‫ومنظمات المجتمع المدني بأنواعها و ً‬

‫معين‪ ،‬يمكن‬
‫وبالرجوع إلى عدد من الدراسات السابقة‪ ،‬والتي تتناول كل منها واقع الريف المصري من منظور ّ‬

‫الوصول لعدد من العناصر التي تشكل مصادر القوة وركائز ممارسة السلطة داخل المجتمعات المحلية للقرى‬

‫أيضا داخل المنظمات الريفية ومنها جمعيات تنمية المجتمع المحلي‪.‬‬


‫المصرية‪ ،‬والتي يمكن مالحظتها و ً‬

‫من هذه العناصر المهمة العنصر االقتصادي‪ ،‬حيث يمكن تقسيم المجتمع المحلي إلى فئات أو طبقات‬

‫اجتماعية بناء على معايير مثل الملكية والحيازة الزراعية والواقع المهني الذي يؤثر على مستوى الدخول والمعيشة‬

‫أحيانا الهيمنة بين المنتمين لفئات اقتصادية مختلفة وفقًا لمصالح كل‬
‫وبناء على هذا التقسيم نجد ممارسات للسلطة و ً‬
‫ً‬

‫أيضا االنتماء العائلي‪ ،‬حيث ينقسم مجتمع القرية إلى عائالت وأوالد عمومة‪ .‬ولكل عائلة مكانة مختلفة‬
‫منها وهناك و ً‬

‫‪6‬‬
‫في المجتمع تتوقف على عناصر متعددة منها النفوذ والمستوى االجتماعي ألعضائها‪ .‬ومن المالحظ أن االنتماء‬

‫دور في العالقات داخل مجتمع القرية والممارسات السلطوية فيه‪.‬‬


‫العائلي يلعب ًا‬

‫أيضا عنصر االنتماء الجغرافي‪ ،‬حيث يؤثر انتماء الريفيين إلى القرية األم أو إحدى القرى التابعة أو‬
‫وهناك و ً‬

‫إحدى العزب والنجوع على العالقات بينهم بحسب سمعة ومكانة موطنهم وظروف المعيشة فيه‪ .‬وبالمثل نجد أن‬

‫العالقة بين الرجال والنساء في المجتمع وتوزيع األدوار بينهم عامل مهم يمكن تناوله من منظور الممارسات‬

‫أيضا أخذ التوجهات الدينية في االعتبار من حيث العالقات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين‬
‫السلطوية‪ .‬ويمكن و ً‬

‫واالنتماءات إلى جماعات دينية‪ ،‬مثل اإلخوان المسلمين والتيارات الصوفية التي تؤثر في الحياة داخل القرية وتوزيع‬

‫أيضا التوجهات السياسية واالنتماءات الحزبية التي قد تكون موجودة في المجتمع وتظهر‬
‫السلطة فيها‪ .‬وهناك و ً‬

‫خصوصا أوقات االنتخابات البرلمانية والمحلية‪.‬‬


‫ً‬ ‫أهميتها‬

‫جميع هذه العناصر هي التي تجعل هناك تقسيمات داخلية‪ ،‬سواء معلنة أو بشكل ضمني‪ ،‬وتجعل المجتمع‬

‫المحلي به تباينات مجتمعية بين األفراد والمجموعات تنعكس على قدرتهم على إحداث تأثير اجتماعي على بعضهم‬

‫البعض‪.‬‬

‫أيضا الدراسات السابقة في مجال المنظمات‪ ،‬ومنها المنظمات الريفية مثل جمعيات تنمية المجتمع‬
‫كما تظهر و ً‬

‫المحلي الموجودة في القرى‪ ،‬وجود عناصر لممارسة السلطة بين المنظمات وبعضها ومع الجهات المختلفة‪ .‬ومن‬

‫أيضا العالقات‬
‫ً‬ ‫هذه العناصر وجود قوانين ولوائح تحدد بعض الجوانب في العالقات المؤسسة‪ .‬ولكن هناك‬

‫الشخصية بين القائمين على المنظمات ودورهم في تطبيق أو عدم تطبيق بنود القوانين واللوائح والذي يجعل الواقع‬

‫أحيانا شديد االختالف عن المتوقع‪.‬‬


‫ً‬

‫اإلطار النظري‪:‬‬

‫من أجل خوض هذه الدراسة بشكل مقنع‪ ،‬يجب االعتماد على وجود إطار نظري قوي يساعد على تحليل وفهم‬

‫طقيا ومتاحة للقارئ‪ .‬ويرتكز هذا اإلطار‬


‫الواقع‪ ،‬ويجعل التساؤالت واإلجابات التي يطرحها هذا الكتاب متسلسلة من ً‬

‫‪7‬‬
‫النظري على ثالثة مكونات‪ :‬علم اجتماع التنمية وعلم اجتماع المنظمات ومفهوم «التشكيالت االجتماعية»‬

‫«‪ .»Social configurations‬المكونان األول والثاني يعكسان الطبيعة الخاصة لجمعيات تنمية المجتمع المحلي‬

‫مكمل‬
‫من حيث كونها «منظمات»‪ ،‬ومن حيث أن محور اهتمامها هو «التنمية المحلية»‪ ،‬أما المكون الثالث فهو ّ‬

‫لألول والثاني كما سيتضح الحقًا‪.‬‬

‫أواًل‪ :‬علم اجتماع التنمية‪:‬‬

‫حاليا لمفهوم التنمية بأنه في أغلب األحيان يفرض نموذج الرأسمالية وآليات السوق‬
‫برغم من االنتقادات الموجهة ً‬

‫المبسط‪ ،‬هو تعبير عن تطلّع األفراد‬


‫ّ‬ ‫وفق نمط المجتمعات الغربية على المجتمعات األخرى‪ ،‬إال أنه في محتواه‬

‫والجماعات إلى حياة أفضل وعملهم على تحقيق ذلك الهدف‪.‬‬

‫ولدراسة التنمية يجب االعتماد على مداخل متعددة تشمل أغلب فروع العلوم اإلنسانية وعلى رأسها علم االجتماع‬

‫أيضا عمل دراسات‬


‫أيضا التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والعلوم السياسية واإلدارة والسكان‪ .‬كما يمكن ً‬
‫واالقتصاد و ً‬

‫تنموية من منظور االنثروبولوجيا االجتماعية حيث يتم إجراء بحوث على األفراد والجماعات المعاصرة تشمل جوانب‬

‫مختلفة من حياتهم وسلوكياتهم وكيفية تمثيل الواقع في أذهانهم‪ ،‬وهو أحد المداخل التي تم اللجوء إليها إلجراء‬

‫دراستنا هذه‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬بما فيه علم اجتماع التنمية‪ ،‬برصد وتحليل وتفسير الواقع االجتماعي ومتابعة‬
‫ً‬ ‫ويهتم علم االجتماع‬

‫التطورات والتحوالت التي تط أر عليه‪ ،‬وليس دراسة ما يجب أن يكون عليه المجتمع إال في حدود ضيقة عن طريق‬

‫تغير محور اهتمام علم اجتماع‬


‫إج ارء دراسات مقارنة بين الوضع الحالي وما يتطلع إليه األطراف الفاعلة‪ .‬وقد ّ‬

‫كبير منذ أواخر سبعينات القرن العشرين بعد أن كان يفترض أوًال أن التنمية أساسها النمو االقتصادي‬
‫تغير ًا‬
‫التنمية ًا‬

‫ثانيا أن التنمية لها نموذج مثالي يمكن تطبيقه بنجاح في‬


‫ثم تتبعه في وقت الحق بقية العناصر االجتماعية‪ ،‬و ً‬

‫مختلف المجتمعات ًأيا كانت خصائص هذه المجتمعات‪ .‬ونتيجة لتوجيه النقد لهذه االفتراضات بدأت مفاهيم مثل‬

‫أيضا التنمية البشرية في الظهور على الساحة وبقوة‪.‬‬


‫التنمية المحلية والتنمية المستدامة و ً‬

‫‪8‬‬
‫وبعد أن كانت د ارسات التنمية ترّكز على المستوى القومي أصبحت تهتم بالمستويات األصغر ومنها تنمية‬

‫المجتمعات المحلية‪ ،‬أي على مستوى أحياء المدن والقرى والعزب في الريف‪ .‬وتزامن ذلك مع االعتراف بأن نجاح‬

‫ملموسا في حياة الفرد في‬ ‫تغير‬ ‫خطط ومشروعات التنمية على مستوى الدولة هو نجاح محدود وال يكفي ألن ِ‬
‫يحدث ًا‬
‫ً‬

‫مجتمعه المحلي‪.‬‬

‫وتعتمد دراستنا هذه على مفهوم تنمية المجتمعات المحلية والذي يمكن وصفه من خالل ثالث خصائص أساسية‬

‫مناسبا ليس شديد الكبر وال متناهي الصغر‪ ،‬بحيث يمكن للمقيمين فيه أن‬
‫ً‬ ‫افيا‬
‫هو كونه‪ ،‬أوًال‪ ،‬يتخذ نطاقًا جغر ً‬

‫وثانيا‪ ،‬متعدد القطاعات االقتصادية‪ ،‬إذ أن التنمية المتكاملة‬


‫يشعروا باالنتماء إليه وبقدرتهم على إحداث تغيير فيه‪ً .‬‬

‫ال يمكن أن تقوم على تنمية نشاط اقتصادي واحد بل تتضافر فيه األنشطة اإلنتاجية والخدمية المختلفة‪ .‬وثالثًا‪ ،‬أن‬

‫يكون لدى سكان هذه المنطقة الوعي والقابلية ألن يأخذوا على عاتقهم مسئولية إحداث التغييرات المرغوبة والعمل‬

‫على حل مشاكلهم وتلبية تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وذلك بصفتهم أصحاب الشأن‪.‬‬

‫هاما للدراسات االجتماعية في هذا المجال لمحاولة فهم‬


‫محور ً‬
‫ًا‬ ‫وتعتبر هذه الخاصية األخيرة في التنمية المحلية‬

‫وتحليل كيفية قيام األطراف الفاعلة المحلية «‪ »Local actors‬بأدوارهم في تنمية مجتمعهم المحلي سواء بصفتهم‬

‫الفردية أو عن طريق المؤسسات والمنظمات المختلفة‪ ،‬وكيفية وعيهم بإمكانية العمل الجماعي‪ ،‬واتخاذهم لبعض‬

‫إطار من المشاركة القاعدية في العمل التنموي‪ ،‬واالستفادة من المبادرات‬


‫المبادرات التي من شأنها أن تحقق لهم ًا‬

‫التي تأتيهم من خارج مجتمعهم المحلي‪ ،‬سواء من الدولة أو من جهات أخرى محلية ودولية‪ .‬وبهذا تأخذ التنمية‬

‫المحلية في االعتبار التيارين القاعدي المتجه ألعلى (‪ )bottom-up‬والقمي المتجه ألدنى (‪ )top-down‬مع‬

‫محليا‪.‬‬
‫محاولة التنسيق بينهما ً‬

‫ثانيا‪ :‬علم اجتماع المنظمات‪:‬‬


‫ا‬

‫مبسط‪ ،‬على أنها بناء اجتماعي منظّم يتيح للمشاركين فيه التنسيق فيما بينهم‬
‫يمكن تعريف المنظمة‪ ،‬بشكل ّ‬

‫الستغالل مواردهم من أجل تحقيق بعض األهداف المشتركة‪ .‬وهي بذلك لها إطار زمني يمكن تتبعه منذ إنشائها‬

‫على يد عدد من المؤسسين الذين يحددون األطر والسمات العامة للمنظمة مثل األهداف والقواعد التي سيتم إتباعها‬

‫‪9‬‬
‫والهيكل التنظيمي وأساليب االتصال‪ .‬وتشكل هذه السمات العامة «ثقافة المنظمة»‪ ،‬والتي تكون متأثرة بالثقافة‬

‫العامة السائدة في المجتمع الموجودة فيه هذه المنظمة‪ ،‬ولكن في الوقت ذاته تقوم كل منظمة بتكوين ثقافة خاصة‬

‫تميزها عن غيرها‪.‬‬
‫بها ّ‬

‫ويعتمد تعريف المنظمة على وجود مشاركين فيها‪ ،‬أفر ًادا وجماعات‪ ،‬وهم في ذات الوقت األطراف الفاعلة فيها‪،‬‬

‫إذ يشكلون نقطة التقاء بين علم اجتماع المنظمات وعلم اجتماع التنمية‪ .‬يؤثر سلوك األطراف الفاعلة على العمل‬

‫الجماعي‪ ،‬أي عملية التنمية في سياقنا هذا‪ ،‬وفي ذات الوقت يؤثر اإلطار المنظمي على سلوك هؤالء األفراد‬

‫والجماعات‪.‬‬

‫ويفيدنا المدخل النظري لعلم اجتماع المنظمات في دراسة هذه األطراف الفاعلة من حيث ممارستها للسلطة‪ ،‬أي‬

‫قدرة هؤالء األفراد والجماعات على إحداث تأثير في سلوك اآلخرين بحسب رغباتهم أو مصالحهم وذلك في إطار‬

‫العالقات االجتماعية التي تربطهم ببعض‪ .‬من هذا المنطلق يمكن تناول موضوع الممارسات السلطوية من منظور‬

‫تبادلي‪ ،‬إذ أن كل طرف من أطراف العالقات االجتماعية يتحكم في جانب من العالقة وبالتالي يتمتع بجزء كبير أو‬

‫صغير من السلطة‪.‬‬

‫ولذلك يمكن تطبيق هذه الفكرة على عمليات التنمية‪ ،‬حيث ظل أعضاء المجتمعات المحلية في موضع‬

‫«المنتفعين» لمدة طويلة‪ ،‬مغفلين بذلك وجودهم كطرف فاعل في التنمية وبالتالي يؤثر وجودهم على نجاح أو فشل‬

‫عملية التنمية ذاتها‪ .‬ومع أخذ ذلك في االعتبار فقد ظهرت مفاهيم مثل المشاركة في التنمية والتي تعتمد في‬

‫األساس على االعتراف بأن أعضاء المجتمع المحلي يتمتعون بجانب من السلطة‪ ،‬وصوًال لمفهوم الحكم الرشيد‬

‫عموما‪ ،‬وللمنظمات العاملة في مجال التنمية على وجه الخصوص‪.‬‬


‫ً‬ ‫للمنظمات‬

‫ثالثاا‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية‪:‬‬

‫الستكمال األساس النظري لهذه الدراسة تم اللجوء لمفهوم التشكيالت االجتماعية «‪»configurations Social‬‬

‫الذي استحدثه عالم االجتماع األلماني األصل «نوربرت إلياس» (‪ 4260‬ـ ‪ )4667‬في كتابه الذي يحمل عنوان‬

‫‪10‬‬
‫ويوضح إلياس في هذا الكتاب أنه آن األوان‬
‫ّ‬ ‫«ما هو علم االجتماع؟» والصادر في طبعته األولى عام ‪.4607‬‬

‫لتخطي مرحلة التضاد بين «الفرد» و«المجتمع»‪ ،‬وايجاد أداة تحليل تهتم بالعالقات التبادلية بين األفراد وبعضهم‪،‬‬

‫أيضا بين األفراد والمجتمعات في إطار مشترك‪.‬‬


‫وبين المجتمعات وبعضها‪ ،‬و ً‬

‫ويمكن تعريف التشكيالت االجتماعية لدى نوربرت إلياس على أنها العالقات التفاعلية البينية بين األفراد‬

‫مؤثر‬
‫اضخا لقواعد اللعبة وفي الوقت نفسه ًا‬
‫والمجتمعات‪ ،‬حيث يعتمد كل طرف في العالقة على األطراف األخرى‪ ،‬ر ً‬

‫ومتفاعال معها‪ .‬في هذا المفهوم يمتلك كل طرف جزًء أو هام ًشا من السلطة يحاول استغالله‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬ ‫في هذه القواعد‬

‫ليس بمعزل عن اآلخرين‪ ،‬حتى يتم الوصول ألشكال مختلفة ومتغيرة من التوازنات االجتماعية‪.‬‬

‫يفيدنا استخدام هذا المفهوم في دراسة األطراف الفاعلة داخل وخارج جمعيات تنمية المجتمع المحلي من منظور‬

‫ومجيبا على المشكلة البحثية المطروحة‪ .‬ومن‬


‫ً‬ ‫موضحا أسلوب ممارسة كل طرف للسلطة‬
‫ً‬ ‫هذه العالقات التفاعلية‬

‫مميزات التحليل باستخدام مدخل التشكيالت االجتماعية إمكانية األخذ في االعتبار اإلطار االجتماعي المحيط‬

‫بمجتمع الدراسة‪ ،‬ووضعه في إطار مكاني وزمني مناسبين لتالفي التفسيرات الضيقة التي تقتصر على عدد محدد‬

‫كبير من العناصر ليقترب من الواقع‬


‫عددا ًا‬
‫من األبعاد‪ .‬وبهذا يحاول مفهوم التشكيالت االجتماعية أن يشمل ً‬

‫مبسط‪.‬‬
‫بتركيباته المعقدة لتحليله وتفسيره بشكل ّ‬

‫المنهجية وأسلوب جمع البيانات‪:‬‬

‫تم اختيار المنهج الوصفي إلجراء البحث الميداني لهذه الدراسة‪ ،‬وذلك لمالئمته للمشكلة البحثية المطروحة‪،‬‬

‫وألنه يتيح الوصول لتفاصيل دقيقة في حياة المبحوثين‪ ،‬ويعطي الفرصة للباحث أن يكتشف واقعهم على ما هو‬

‫عليه بالفعل بأبعاده اإلنسانية واالجتماعية دون اختزاله لمجموعة من البيانات الرقمية‪ .‬وبهذا يقترب هذا البحث من‬

‫ماعيا للواقع‬
‫وتفسير اجت ً‬
‫ًا‬ ‫تحليال‬
‫ً‬ ‫أسلوب علم االنثروبولوجيا االجتماعية ولكنه ال يقف عندها بل يسعى إلى تقديم‬

‫المرصود‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وكانت أداة جمع البيانات المستخدمة هي المالحظة بالمشاركة‪ ،‬حيث قضى الباحث مدة خمسة أشهر خالل‬

‫ومتطو ًعا في الجمعيتين‪ ،‬ويقيم بشكل مستمر في القرية‪ ،‬حيث سمح له القائمون‬
‫ّ‬ ‫صيف عام ‪ 4779‬بصفته باحثًا‬

‫على إدارة الجمعيتين أن يسكن في ذات المبنى الذي يضم مقريهما‪ ،‬وذلك لعدم وجود أمان لإلقامة باإليجار في‬

‫أيضا إلتاحة أقصى درجة ممكنة من المعايشة بين الباحث وكل ما يدور داخل الجمعيتين‪.‬‬
‫القرية‪ ،‬و ً‬

‫وأثناء هذه الفترة كان الباحث يقوم بتدوين مالحظاته بشكل يومي مع تخصيص وقت دوري للتفكير في هذه‬

‫المالحظات‪ ،‬لمحاولة اإلجابة على الفروض البحثية األولية التي تم صياغتها‪ ،‬ومحاولة توجيه البحث نحو أفق‬

‫جديد‪ ،‬عن طريق إعادة صياغة الفروض البحثية باستمرار مع اكتشاف الباحث ألمور جديدة في المجتمع المحلي‪،‬‬

‫وثبوت عدم جدوى بعض األفكار التي كانت لديه من قبل‪ .‬ويعتبر هذا التطويع المستمر لتوجهات البحث أحد‬

‫مميزات أسلوب المالحظة بالمشاركة‪ ،‬حيث أن طول مدة تواجد الباحث وسط مجتمع الدراسة يتيح له إعادة توجيه‬

‫البحث ليكون أكثر عمقًا وأكثر صدقًا في التعبير عن الواقع‪.‬‬

‫وتحتم هذه الوسيلة البحثية على الباحث أن يهتم بوضعه داخل مجتمع الدراسة‪ ،‬حيث يجب أن يكون قر ًيبا من‬

‫ظا‪ .‬وبهذا‬
‫المبحوثين بشكل كاف ليقوم بالمشاركة‪ ،‬وفي ذات الوقت أن يحفظ مسافة كافية تتيح له أن يكون مالح ً‬

‫يتمكن الباحث من الجمع بين وجهة النظر الداخلية حيث يقترب ويتعاطف مع أعضاء المجتمع المحلي وبين وجهة‬

‫شخصا قاد ًما من بيئة أخرى‪ .‬ويتوقف جودة مخرجات البحث على إمكانية‬
‫ً‬ ‫النظر الخارجية نتيجة لكون الباحث‬

‫الباحث ونجاحه في الوصول إلى التوازن المطلوب بين هذين الموقفين‪.‬‬

‫بدء من اختيار المكان‬


‫وللوصول إلى ذلك كان على الباحث أن يمر بمراحل متعددة من إعداد وتنفيذ الدراسة ً‬

‫المناسب لها‪ ،‬حيث وقع االختيار على هاتين الجمعيتين بقرية العزب بمركز إسنا بعد زيارة عدة قرى وعدة جمعيات‬

‫لم تكن كلها مالئمة لطبيعة البحث‪ .‬قام الباحث بعد ذلك باإلعداد للدراسة الميدانية‪ .‬وكان أهم هدف في المرحلة‬

‫التعرف على األشخاص المحوريين ومصادر المعلومات داخل المجتمع ومحاولة كسب ثقتهم وصداقتهم‪،‬‬
‫األولى هو ّ‬

‫التعرف‬
‫أيضا من خاللهم ثم ّ‬
‫إذ أنه من خالل الحديث معهم تم الحصول على جزء كبير من البيانات المطلوبة‪ ،‬و ً‬

‫على أشخاص آخرين قادرين على إعطاء وجهات نظر متباينة لإلجابة على األسئلة البحثية‪ ،‬وكل ذلك في إطار‬

‫‪12‬‬
‫يوجه الباحث أسئلة مباشرة مثلما يحدث في االستبيان باستخدام المقابلة‬
‫المالحظة بالمشاركة‪ ،‬أي دون أن ّ‬

‫الشخصية‪ ،‬بل يحاول الباحث أن يلتفت إلى األحداث والمواقف واألحاديث المطروحة وتوجيهها بشكل غير مباشر‬

‫لخدمة أهداف البحث‪.‬‬

‫يدا من الثقة مما أتاح له المساهمة اإليجابية في عمل الجمعيات‪ ،‬وبالتالي‬


‫ومع الوقت قام الباحث بكسب مز ً‬

‫أيضا كسب ثقة سكان‬


‫كانت فرصة أكبر للوصول إلى تفاصيل دقيقة عن أسلوب عملها وما يدور في أروقتها‪ ،‬و ً‬

‫القرية مما م ّكن الباحث من سماع بعض اآلراء في موضوعات ال يتطرق إليها الناس بسهولة ألحد من خارج‬

‫مجتمعهم المحلي‪.‬‬

‫وفي نهاية مدة البحث تم اللجوء لبعض أدوات جمع البيانات المكملة ألداء المالحظة بالمشاركة‪ ،‬حيث تم إجراء‬

‫ومسجلة مع بعض القادة المحليين‪ ،‬مثل العمدة ورئيس المجلس الشعبي ورئيس الوحدة المحلية‬
‫ّ‬ ‫حوارات مفتوحة‬

‫أيضا بناء قاعدة‬


‫ورئيس الوحدة الحزبية بالقرية‪ ،‬لمعرفة نظرتهم وعالقاتهم مع الجمعيات محل الدراسة‪ .‬وقد تم ً‬

‫موضحا بها انتماءاتهم العائلية والجغرافية وأوضاعهم االقتصادية لتكون مكملة‬


‫ً‬ ‫بيانات للمتعاملين مع الجمعية‬

‫للبيانات التي تم جمعها وتدوينها بالمالحظة المباشرة‪.‬‬

‫ومع انتهاء فترة جمع البيانات بدأت مرحلة التحليل والكتابة والذي سيتم عرض نتائجها فيما يلي‪ ،‬مع سماح‬

‫الباحث لنفسه باستخدام ضمير المتكلم «أنا» وذلك لسببين‪ :‬أوًال‪ ،‬ألن منهجية الدراسة واستخدام المالحظة بالمشاركة‬

‫وثانيا‪ ،‬من الناحية األخالقية‪ ،‬يؤكد استخدام‬


‫ً‬ ‫فاعال في مجريات البحث ومسئوًال عن نتائجه‪.‬‬
‫ً‬ ‫تجعل الباحث طرفًا‬

‫أيضا‬
‫الضمير «أنا» على احترام األشخاص اآلخرين الذين تم التعامل معهم أثناء إجراء الدراسة مما يحتم ذكرهم ً‬

‫بأسمائهم‪ ،‬ولو المستعارة‪ ،‬وبصفتهم اإلنسانية وليس بصفتهم مجرد مصادر للمعلومات‪.‬‬

‫ما هو الجديد الذي تقدمه هذه الدراسة؟‬

‫أيضا من‬
‫تعتبر هذه الدراسة رائدة من ثالث نوا ٍح‪ :‬من حيث موضوعها ومن حيث اإلطار النظري المستخدم و ً‬

‫يتميز هذا البحث بأنه يتناول القرية والجمعيات بشكل‬


‫حيث أسلوب جمع البيانات المتّبع‪ .‬من حيث الموضوع ّ‬

‫‪13‬‬
‫تعمق أو‬
‫متوازن‪ ،‬في حين أن الدراسات السابقة التي تم الوصول إليها إما ترّكز على القرية متناولة الجمعيات دون ّ‬

‫محور لها دون إعطاء الحجم الكافي ألهمية دراسة اإلطار االجتماعي للقرية‪ .‬أما في‬
‫ًا‬ ‫بالعكس تتخذ من الجمعيات‬

‫دراستنا هذه فقد تناولنا القرية والجمعيتين كوجهين لعملة واحدة‪ ،‬كل منهم يعكس واقع اآلخر‪ ،‬يتأثر به ويؤثر فيه‪.‬‬

‫أما من ناحية اإلطار النظري فيكمن التجديد الذي تقدمه هذه الدراسة في كونها تجمع ما بين علم اجتماع‬

‫وخصوصا في استخدام مفهوم التشكيالت االجتماعية‪ ،‬وهو‬


‫ً‬ ‫التنمية وعلم اجتماع المنظمات في توازن وتناغم بينهما‬

‫نسبيا ثبت مالئمته لموضوع البحث ومالئمته لتناول البحث من زاوية ممارسة السلطة‪.‬‬
‫مفهوم حديث ً‬

‫أخير تعتبر هذه الدراسة رائدة من حيث اعتمادها على المنهج الوصفي واستخدامها ألسلوب المالحظة‬
‫و ًا‬

‫متعمق‪ .‬ومن هذا المنطلق‬


‫ّ‬ ‫بالمشاركة كأداة لجمع البيانات‪ ،‬وهي بذلك تقدم دراسة حالة لجمعيتين في قرية بشكل‬

‫ومكملة لالتجاه السائد الذي يعتمد على اختيار عينة من وسط عدد كبير من الجمعيات‬
‫ّ‬ ‫تعتبر هذه الدراسة مختلفة‬

‫إحصائيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كمية تعتمد على جمع البيانات بواسطة استمارات االستبيان وتحليلها‬
‫إلجراء د ارسات ّ‬

‫أما هذا البحث فيعطي نتائجه في صورة أمثلة واقعية للتشكيالت االجتماعية المرصودة وألسلوب ممارسة السلطة‬

‫في القرية‪ ،‬وألسلوب عمل الجمعيتين‪ ،‬مع تحليل لهذه المواقف لمحاولة فهم وتفسير سلوكيات واختيارات األطراف‬

‫أيضا سلوكيات واختيارات الجمعيتين كمنظمات تعمل في إطار مؤسسي أوسع‪ .‬وبهذا‬
‫الفاعلة في الجمعيتين‪ ،‬و ً‬

‫وشامال لوضع الجمعيات العاملة في مجال تنمية المجتمع المحلي في القرية‬


‫ً‬ ‫عاما‬
‫تصور ً‬
‫ًا‬ ‫تعطي نتائج هذه الدراسة‬

‫المصرية في هذه المرحلة التاريخية‪ ،‬بعرض مجموعة من العناصر التي قد تبدو للوهلة األولى متناثرة ولكنها في‬

‫حقيقة األمر مرتبطة لتشكل واقع حياة هذه الجمعيات‪.‬‬

‫االدعاء بأن‬
‫االدعاء بأن قرية العزب بحري تمثّل مجموع قرى صعيد مصر أو ّ‬
‫وان كان من غير الممكن ّ‬

‫الجمعيتين محل الدراسة تمثالن جمعيات تنمية المجتمع المحلي في الريف المصري‪ ،‬إذ أن طبيعة الدراسة وهي‬

‫عينة ممثلة‬
‫دراسة حالة ونوع البيانات الوصفية وأداة جمع البيانات باستخدام المالحظة بالمشاركة ال تتيح اختيار ّ‬

‫إحصائيا‪ ،‬وبالتالي ال يمكن تعميم النتائج على نطاق أوسع‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإن دراسات الحالة الوصفية مثل‬
‫ً‬

‫‪14‬‬
‫هذه تتيح معرفة دقيقة ومتعمقة يمكن أن تساهم في طرح أسئلة بحثية تساهم في فهم الواقع في حاالت ومناطق‬

‫أخرى بوجود مواطن للتشابه واالختالف مع مراعاة خصوصية كل حالة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الجزء األول‪ :‬موضع الدراسة‬

‫الفصل األول‪ :‬قرية العزب بحري‬

‫موضح في المقدمة‪ ،‬موضع الدراسة هو ثنائي‪ ،‬القرية والجمعية األهلية‪ ،‬وفي الواقع هما جمعيتان‬
‫ّ‬ ‫مثلما هو‬

‫أهليتان وليستا واحدة‪ .‬وقبل الخوض في نتائج الدراسة علينا أن نتساءل عن خصائص هذه القرية وخصائص‬

‫الجمعيتين‪ ،‬وهو ما سوف يتم تناوله في الفصلين األول والثاني‪.‬‬

‫ولنبدأ باكتشاف قرية العزب بحري‪ .‬هل هي قرية عادية مثل باقي القرى؟ أجل‪ .‬هل لها ما يميزها عن القرى‬

‫أيضا‪ .‬يهدف هذا الفصل إلى عرض خصائص هذه القرية من ثالث وجهات نظر متباينة‪ :‬وجهة‬
‫األخرى؟ بالتأكيد ً‬

‫نظر سكان القرية أنفسهم‪ ،‬وجهة نظر الباحث عن طريق المالحظة بالمشاركة‪ ،‬ووجهة نظر مصادر المعلومات‬

‫أيضا خليط بين العرض الموضوعي والتجربة‬


‫المكتوبة‪ .‬جزء من هذا العرض خليط من وجهات النظر هذه‪ ،‬وهو ً‬

‫الشخصية‪.‬‬

‫التقسيم اإلداري‪:‬‬

‫معا الوحدة المحلية القروية بالعزب‪ ،‬وأما القرية األخرى فهي قرية‬
‫يكونان ً‬
‫تعتبر قرية العزب بحري إحدى قريتين ّ‬

‫العزب قبلي‪ .‬وتعتبر قرية العزب بحري القرية األم‪ ،‬حيث أن مقر الوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلي يقع بها‪،‬‬

‫أيضا أكبر من جارتها القبلية من حيث المساحة وعدد السكان‪.‬‬


‫وهي ً‬

‫‪16‬‬
‫علما بأن هذه المدينة هي عاصمة مركز إسنا وهو المركز الجنوبي‬
‫وتقع قرية العزب بحري شمال مدينة إسنا‪ً ،‬‬

‫جنوبا‪ ،‬وهو أقرب مسافة من األقصر التي أصبحت‬


‫شماال وأسوان ً‬
‫ً‬ ‫لمحافظة قنا‪ ،‬وهو يقع ما بين محافظتي األقصر‬

‫محافظة مستقلة عن قنا وهي المحافظة التابع لها هذا المركز‪.‬‬

‫تنقسم قرية العزب بحري لعدد من العزب‪ ،‬وهذا هو سبب تسميتها بهذا االسم‪ .‬وهذه العزب هي الناصرية‪ ،‬وهي‬

‫تقع في الشمال‪ ،‬ثم الفوارس في الوسط‪ ،‬وبعدها حمردام في الجنوب ثم تتوالي بعدها العزب التابعة لقرية العزب‬

‫جنوبا‪.‬‬
‫قبلي ً‬

‫بيانات عامة‪:‬‬

‫تم الحصول على ثالثة مصادر للبيانات عن قرية العزب بحري‪ .‬المصدر األول هو مجموعة من البيانات‬

‫اإلحصائية الصادرة عن جهاز بناء وتنمية القرية المصرية‪ ،‬والتي تم جمعها عام ‪ 4777‬بالتعاون بين موظفي‬

‫الجهاز وموظفي الوحدة المحلية‪ .‬المصدر الثاني هو عبارة عن كتيب صغير مكتوب بخط اليد ومتاح في الوحدة‬

‫المحلية تم جمع بياناته بواسطة موظفين‪ ،‬وهم في األغلب من غير المتخصصين‪ ،‬وذلك عام ‪ .4774‬أما المصدر‬

‫الثالث فهو دليل التنمية البشرية لمحافظة قنا الصادر عام ‪ 4772‬عن برنامج األمم المتحدة للتنمية وو ازرة التخطيط‬

‫والتنمية المحلية‪ ،‬والذي يضم إحصائيات عن كافة قرى المحافظة وهي تخص عام ‪.4772‬‬

‫فدانا أرض زراعية والباقي مناطق سكنية‬


‫فدانا‪ ،‬منها ‪ً 4260‬‬
‫تبلغ المساحة اإلجمالية للعزب بحري ‪ً 2424‬‬

‫وخدمات‪ .‬ويبلغ تعداد سكان القرية ‪ 46777‬نسمة‪ ،‬وهو عدد أكبر من المتوسط لكنه معتاد في الريف المصري‪،‬‬

‫سنويا‪ ،‬وهو بذلك يتطابق مع نظيره على‬


‫ً‬ ‫كما بلغ معدل الزيادة السكانية في الفترة من ‪ 4669‬إلى ‪٪4.2 4772‬‬

‫المستوى القومي عن الفترة نفسها‪.‬‬

‫وتشير إحصائيات جهاز بناء وتنمية القرية المصرية أن نسبة السكان دون سن العشرين في العزب بحري تبلغ‬

‫‪ ٪22‬في حين أن ‪ ٪47‬من السكان هم من كبار السن‪ ،‬أي سن ‪ 97‬وما فوق‪ .‬ويذكر المصدر نفسه أن عدد‬

‫مبالغا فيه‪ ،‬في حين أنه يجعل متوسط عدد أفراد األسرة الواحدة ‪2‬‬
‫ً‬ ‫األسر في القرية يبلغ ‪ 2244‬أسرة‪ ،‬وهو رقم يبدو‬

‫‪17‬‬
‫أف ارد فقط وهو رقم أقل من المتوقع وأقل مما تم مالحظته في أرض الواقع‪ ،‬ولكن عدم وجود مصادر أخرى لهذا‬

‫البيان ال يتيح إمكانية نفي أو إثبات صحته‪.‬‬

‫وبمراجعة بيانات دليل التنمية البشرية لمحافظة قنا نجد أن لقرية العزب بحري مؤشرات متقاربة لمثيالتها في‬

‫ريف مركز إسنا وريف محافظة قنا من حيث دليل التنمية البشرية ومكوناته المختلفة‪ ،‬وأن هذه المؤشرات أقل من‬

‫معا) والتي هي بدورها أقل من مثيالتها على مستوى الجمهورية‪ .‬ويمكننا أن‬
‫مثيالتها في الصعيد (الريف والحضر ً‬

‫عموما‪ ،‬وهي تتشارك مع باقي القرى في‬


‫ً‬ ‫نعتبر العزب بحري قرية يمكن مقارنتها بباقي قرى محافظة قنا والصعيد‬

‫انخفاض معدالت التنمية بالمقارنة مع إجمالي الجمهورية وبالمقارنة مع ريف الوجه البحري‪.‬‬

‫قرية لها تاريخ‪:‬‬

‫المكونة لها‪ ،‬إال أنني سمعت ما‬


‫ّ‬ ‫برغم أنني لم أجد أي مصدر مكتوب عن تاريخ القرية أو عن تاريخ العزب‬

‫سنا وبعض الشباب الشغوفين بجمع المعلومات عن تاريخ قريتهم وعن‬


‫يحكيه األهالي‪ ،‬وباألخص من هم أكبر ً‬

‫تاريخ العزبة والعائلة التي ينتمون إليها‪ .‬وان افتقرت هذه المصادر الشفهية للدقة وان كان ال يوجد دالئل للتفرقة بين‬

‫الصواب منها والخرافي‪ ،‬إال أن أهمية هذا التاريخ يكمن في كونه يساهم في تكوين شخصية وهوية أبناء القرية تؤثر‬

‫في حاضرهم وفي نظرتهم للمستقبل‪.‬‬

‫يرجع تسمية عزبة الناصرية بهذا االسم نسبة للشيخ نصر‪ ،‬وهو أحد أولياء اهلل الصالحين الذي يعتقد أنه سكن‬

‫هذا المكان منذ ‪ 277‬أو ‪ 277‬سنة‪ .‬وبالرغم من أن مولد الشيخ نصر يتم االحتفال به في هذه العزبة كل عام‬

‫احتفاال بالعزبة نفسها‪ ،‬حيث تكثر الذبائح ومظاهر االحتفال من غناء وألعاب ومسابقات خيل مثل أغلب‬
‫ً‬ ‫ويعتبر‬

‫تفسير لكون هذا المولد يتم تحديد تاريخه بحسب التقويم الميالدي‬
‫ًا‬ ‫الموالد المرتبطة بأولياء المسلمين‪ ،‬إال أنني لم أجد‬

‫أيضا أن مقام الشيخ نصر ليس في عزبة الناصرية ولكن‬


‫وليس التقويم الهجري كما هو متّبع في العادة‪ .‬والغريب ً‬

‫أحفادا لهذا الشيخ‬


‫ً‬ ‫في قرية أخرى تبعد عنها بعدة كيلومترات‪ ،‬ولكن ذلك ال يمنع أهالي العزبة من التفاخر بكونهم‬

‫صاحب السيرة الصالحة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وبالنسبة لعزبة الفوارس فإن ما سمعته عن تاريخها يرجع لحقبة أقدم‪ ،‬حيث ُيقال إن إحدى القبائل هاجرت من‬

‫مدينة فاس بالمغرب واستقرت في صعيد مصر في بداية العصر اإلسالمي‪ ،‬وان تسمية العزبة بالفوارس مقتبس عن‬

‫أثر في كتب التاريخ‪،‬‬


‫كلمة فاس‪ .‬وتعتبر هذه القصة جزًء من معتقد لدى الكثيرين من أهالي الصعيد‪ ،‬وان لم أجد له ًا‬

‫ددا من القبائل‪ ،‬وعددهم ‪ 07‬أو ‪ 02‬حسب الرواة‪ ،‬جاء أغلبهم من شبه الجزيرة العربية‬
‫هذا المعتقد مفاده أن ع ً‬

‫وبعضهم من المغرب العربي واستوطنوا الصعيد بعد دخول العرب مصر‬

‫أما العزبة الثالثة‪ ،‬حمردام‪ ،‬فسمعت قصتين عن سبب تسميتها بهذا االسم‪ .‬األولى ترجع إلى سبب تاريخي‪،‬‬

‫حيث يقال أنه كانت هناك حادثة قتل مروعة من زمن بعيد في هذا المكان‪ ،‬لذا ارتبط اسم العزبة بالدم األحمر‬

‫المسال على أرضها‪ .‬أما الثانية فترجع االسم لحمرة بشرة مكان هذه العزبة‪ ،‬بالرغم من أني لم ألحظ أي اختالف في‬

‫لون البشرة بين سكان هذه العزبة وسكان العزب األخرى‪.‬‬

‫وفي العصر الحديث كانت العائلة المالكة وبعض اإلقطاعيين يمتلكون أراضي شاسعة في هذه الناحية‪ ،‬وكان‬

‫الكثير من السكان يعملون لديهم‪ .‬وبعد صدور قوانين اإلصالح الزراعي في خمسينات وستينات القرن العشرين‪،‬‬

‫تحول الكثير منهم إلى منتفعين من أراضي اإلصالح الزراعي‪.‬‬

‫وكانت قرية العزب في الماضي قري ة واحدة لها عمدة واحد إلى أن تم تقسيمها إلى قريتين‪ ،‬العزب بحري والعزب‬

‫قبلي‪ ،‬عام ‪ ،4664‬مع إنشاء الوحدة المحلية القروية بالعزب والمجلس الشعبي المحلي بها‪ .‬صاحب هذه التحوالت‬

‫خصوصا فيما يخص البنية التحتية‪.‬‬


‫ً‬ ‫اإلدارية في هذه القرية عملية تنمية ونهضة كبيرة‪،‬‬

‫البنية التحتية‪:‬‬

‫احتياجا على مستوى محافظة قنا‪.‬‬


‫ً‬ ‫عند إنشاء الوحدة المحلية عام ‪ ،4664‬كانت العزب تعتبر من المناطق األكثر‬

‫استفادت القريتان‪ ،‬العزب بحري والعزب قبلي‪ ،‬من استثمارات ضخمة ضخها البرنامج القومي للتنمية الريفية‬

‫أيضا الخطة العاجلة في استكمال مرافق القرية منذ بداية‬


‫المتكاملة «شروق» منذ بدايته عام ‪ ،4662‬كما ساهمت ً‬

‫األلفية الجديدة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫تصل شبكات مياه الشرب والكهرباء إلى أكثر من ‪ ٪67‬من منازل العزب بحري‪ ،‬في حين أن المنازل الباقية‬

‫هي في األغلب المنازل المبنية بدون تصاريح‪ .‬بالنسبة للتربية والتعليم‪ ،‬توجد في القرية مدرستان ابتدائي ومدرسة‬

‫أيضا مدرسة ثانوية زراعية‪ ،‬وذلك باإلضافة لمعهد أزهري ابتدائي واعدادي‪ .‬وفي‬
‫واحدة إعدادي وأخرى ثانوي عام و ً‬

‫عام ‪ 4779‬تم افتتاح قصر ثقافة في القرية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لقطاع الصحة‪ ،‬يوجد في القرية وحدة صحية في عزبة الناصرية تخدم العزب الثالث‪ ،‬كما يوجد عدد‬

‫من الصيدليات بلغ أربعة وبعض العيادات الخاصة‪ ،‬ولكن في جميع األحوال يذهب أهالي القرية إلى مدينة إسنا أو‬

‫مدينة األقصر بغرض استشارة أطباء أخصائيين في حاالت األمراض المستعصية‪.‬‬

‫يوجد بالقرية مكتب بريد وسنترال تليفون سعة ‪ 4777‬خط منهم ‪ 4477‬خط مستخدمين بالفعل‪ .‬لدى أغلب‬

‫منازل القرية جهاز تلفزيون مزود بوصلة الستقبال القنوات الفضائية‪ ،‬وهي غير قانونية‪ ،‬في حين أنه ال يوجد في‬

‫القرية منفذ لبيع الصحف والمطبوعات‪ ،‬بعكس قرى أخرى محيطة‪.‬‬

‫وال يوجد بالقرية وحدة بيطرية وانما تقدم المدرسة الثانوية الزراعية بعض الخدمات البيطرية المحدودة‪ .‬كما تفتقر‬

‫القرية لوجود مجزرة لذبح العجول فيضطر األهالي للذهاب للمدينة لهذا الغرض‪ .‬وكذلك ال يوجد في القرية سوق‬

‫أسبوعي إذ يعتمد األهالي على سوق مدينة إسنا‪.‬‬

‫األنشطة اًلقتصادية ومكانة الزراعة‪:‬‬

‫يعتبر أهالي العزب بحري قريتهم ضمن القرى الفقيرة‪ .‬وتؤكد ذلك اإلحصائيات حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد‬

‫من الناتج المحلي اإلجمالي في القرية أقل من ‪ 4777‬دوالر أمريكي (بحساب القوة الشرائية المعادلة) وفق تقرير‬

‫التنمية البشرية‪ ،‬مقارنةً بنظيره على المستوى القومي الذي تعدى ‪ 2777‬دوالر في العام نفسه‪ .‬وال تعد هذه القرية‬

‫استثناء إذ أن الفقر في الدخل يلمس قرى الصعيد بوجه عام‪.‬‬

‫ويذكر المصدر نفسه أن القوة العاملة في القرية تبلغ حوالي ‪ ٪42‬من السكان‪ ،‬مما يعني أن هؤالء يعولون‬

‫ويقدر دليل التنمية البشرية نسبة البطالة في‬


‫الباقي من السكان البالغ نسبتهم ‪ ٪09‬وأغلبهم من األطفال والشباب‪ّ .‬‬

‫‪20‬‬
‫نسبيا نتيجة لصعوبة حساب معدل البطالة في الريف بسبب وجود العمالة العائلية‬
‫القرية بـ‪ ،٪2.2‬وهي نسبة قليلة ً‬

‫في مجال الزراعة‪.‬‬

‫وتعد الزراعة النشاط االقتصادي الرئيسي في قرية العزب بحري ويعمل بها أغلب السكان‪ ،‬ثم يأتي بعدها صيد‬

‫طويال يطل على نهر النيل‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك يعمل بعض أهالي القرية‪ ،‬وهم‬
‫ً‬ ‫ساحال‬
‫ً‬ ‫األسماك حيث أن للقرية‬

‫تعليما‪ ،‬في وظائف حكومية وخدمية‪ .‬أما أهم الحاصالت الزراعية في هذه المنطقة فهي قصب السكر والذرة‬
‫ً‬ ‫األكثر‬

‫الشامية والخضروات والفاكهة وأهمها الطماطم والمانجو‪.‬‬

‫وتعاني الزراعة في العزب بحري‪ ،‬مثل حال الريف المصري بشكل عام‪ ،‬من تفتت الحيازات الزراعية حيث بلغ‬

‫عددها ‪ 4277‬حيازة‪ ٪92 ،‬منها مساحتها أقل من فدان واحد‪ .‬وال يتم تسويق المحاصيل الزراعية المنتجة بالكامل‬

‫مخصصا لالستهالك الذاتي ألسر المزارعين‪.‬‬


‫ً‬ ‫إذ أن جزًء منها يكون‬

‫خصوصا لخلق فرص عمل للشباب من المتعطلين‪.‬‬


‫ً‬ ‫ومن ثم تحتاج اقتصاديات القرية إلى تنويع األنشطة‪،‬‬

‫أفكار جديدة لمهن وخدمات تجيب على احتياجات جديدة في القرية‪ ،‬فمنهم من يفتح‬
‫ًا‬ ‫بعض هؤالء الشباب يبتكرون‬

‫خصوصا حفالت‬
‫ً‬ ‫محال لتصفيف الشعر أو للهواتف المحمولة أو لكي المالبس أو دي جي إلحياء الحفالت‬
‫ً‬

‫ٍ‬
‫كاف للنهوض بأحوال القرية‬ ‫الزفاف‪ .‬وان كان هؤالء الشباب أمثلة ناجحة ألقرانهم‪ ،‬إال أن هذا االتجاه غير‬

‫االقتصادية بشكل عام‪.‬‬

‫توزيع الثروات بين السكان‪:‬‬

‫وفق بيانات مركز المعلومات بالوحدة المحلية‪ ،‬يبلغ نسبة األسر الفقيرة ومحدودة الدخل ‪ ٪22‬من إجمالي‬

‫صيادا أو األسر التي تعتمد في‬


‫ً‬ ‫األسر‪ ،‬وهي األسر التي ال يملك عائلها حيازة زراعية بل يعمل باليومية أو يعمل‬

‫دخلها على اإلعالنات‪ .‬ووفق المصدر نفسه‪ ،‬تبلغ نسبة األسر متوسطة الدخل ‪ ٪6‬والغنية ‪ ٪2‬وعلى األسر التي‬

‫تمتلك حيازة كبيرة (أكثر من ‪ 2‬أفدنة) أو التي يعمل عائلها في مهن حرة‪ .‬وان كانت دقة هذه األرقام غير مؤكدة‪،‬‬

‫يعا متوازًنا‪.‬‬
‫إال أنها تشير إلى أن توزيع الموارد والثروات ليس توز ً‬

‫‪21‬‬
‫وال تظهر هذه الفوارق على أسلوب معيشة السكان للوهلة األولى‪ ،‬إذ أن الحياة في القرية تميل إلى البساطة في‬

‫الملبس والمأكل بغض النظر عن مستوى دخل األسرة‪ .‬أما االختالفات فتظهر في أثاث البيوت‪ ،‬إذ أن وجود السجاد‬

‫حلي ذهبية‪ .‬أما أهم ما يظهر عدم توازن‬


‫أيضا تظهر فيما تلبسه بعض النساء من ّ‬
‫واألثاث الفاخر دليل على الغنى و ً‬

‫خصوصا بغرض تجهيز لوازم زواج أحد‬


‫ً‬ ‫توزيع الدخول بين األسر فهو احتياج البعض لالقتراض بشكل متكرر‬

‫األبناء أو تغطية نفقات عالج أحد أفراد األسرة‪ .‬ولذلك تظهر أشكال مختلفة من التضامن بين األغنياء والفقراء وبين‬

‫الفقراء وبعضهم لمواجهة هذه الظروف‪.‬‬

‫العالقة بين الرجال والنساء في القرية‪:‬‬

‫نوعا من التعقيد‪ ،‬إذ أن للمرأة سلطة كبيرة في اتخاذ الق اررات داخل‬
‫يشوب العالقة بين الرجال والنساء في القرية ً‬

‫مثاال على ذلك إن أغلب أهل القرية لهم اسمان‪ ،‬اسم‬


‫المنزل‪ ،‬ولكن ليس لها الحق في امتداد دورها لخارج المنزل‪ً .‬‬

‫اختارته األم وهو المستخدم في المنزل ومع األقارب‪ ،‬واسم اختاره األب وهو المسجل في السجالت الرسمية والذي‬

‫يكتشفه الطفل يوم دخوله المدرسة‪.‬‬

‫وقد الحظت أن تمكين المرأة يتم من خالل ثالثة أساليب‪ :‬التعليم والعمل خارج المنزل وغياب الزوج‪ .‬المتعلمات‬

‫ويتمكن من الحصول عليها‪ ،‬والعامالت خارج المنزل يحصلن على دخل يساهمن به في‬
‫ّ‬ ‫في القرية يعرفن حقوقهن‬

‫أخير األرامل‬
‫ميزانية األسرة‪ ،‬فيكون لهن قدر أكبر من السلطة في اتخاذ الق اررات التي تخصهن وتخص أسرهن‪ ،‬و ًا‬

‫خصوصا من تعملن لتوفير سبل الحياة ألطفالهن لكونهن من فئة المرأة المعيلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫والمطلقات‪،‬‬

‫أحيانا بال شهادة قيد ميالد من األساس‪ ،‬إذ أن‬


‫وهناك الكثير من نساء القرية ليس لديهن بطاقة شخصية‪ ،‬بل و ً‬

‫الكثير من اآلباء كانوا يعتقدون أن بناتهم لن يحتجن للخروج من المنزل والتعامل مع أي جهة رسمية وبذلك يعتقدون‬

‫أن ال حاجة لهن للحصول على وثائق شخصية‪ .‬أما خالل فترة إجراء الدراسة فكانت تعمل الكثير من الجهات‪،‬‬

‫وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة والجمعيات األهلية‪ ،‬على حث النساء على الحصول على هذه الوثائق‪ ،‬بل وعلى‬

‫أيضا في الكشوف االنتخابية‪.‬‬


‫القيد ً‬

‫‪22‬‬
‫العالقات بين األجيال‪:‬‬

‫يتمتع كبار السن بقدر كبير من االحترام والتقدير من جانب الشباب‪ ،‬وذلك وفقًا للعادات والتقاليد الراسخة‪ .‬يقدم‬

‫علما بأن كبار السن‪ ،‬وهم قليلو العدد‪ ،‬يتحكمون‬


‫الكبار نصائحهم للشباب‪ ،‬وهي أقرب من األوامر عن النصائح‪ً ،‬‬

‫في مقدرات شريحة كبيرة من الشباب بما فيها الق اررات المتعلقة بحياة الشباب الخاصة‪ .‬يستثنى من ذلك الشباب‬

‫وخصوصا َم ْن منهم ابن ألبوين متعلمين وهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية‬
‫ً‬ ‫الحاصلون على قسط أوفر من التعليم‬

‫في اختيار الوظيفة وشريك الحياة‪.‬‬

‫مظاهر التد ّين ومكانة رجال الدين‪:‬‬

‫جميع سكان العزب بحري من المسلمين‪ ،‬فيما عدا عدد قليل من سكان عزبة الناصرية من المسيحيين‪ .‬ولمحاولة‬

‫تقدير نسبة المسيحيين علمت أن عدد التالميذ المسيحيين في إحدى مدارس القرية االبتدائية والذي بلغ ‪ 47‬من بين‬

‫اسما‬
‫مقي ًدا‪ ،‬أي حوالي ‪ ٪4‬من اإلجمالي‪ ،‬وفي دليل التليفونات الخاص بسنترال القرية وجدت ‪ً 42‬‬
‫‪ 272‬تلمي ًذا ّ‬

‫لمسيحيين و‪ 20‬يمكن أن يكون لمسيحيين أو لمسلمين‪ ،‬أي ما بين ‪ ٪4‬و‪ ٪2‬من إجمالي المشتركين‪ .‬ولعدم وجود‬

‫كنيسة في القرية‪ ،‬يذهب مسيحيو العزب بحري للكنيسة في قرية مجاورة‪.‬‬

‫تدين األهالي للوسطي ة واالعتدال‪ ،‬إذ أنهم يواظبون على الصالة والصوم مع نبذ جميع أشكال التطرف‬
‫ويميل ّ‬

‫الديني واألفكار المغالى فيها‪ ،‬وهي جميعها أفكار دخيلة على مجتمع القرية مصدرها إما اإلعالم أو القادمون من‬

‫المدينة‪ .‬كما لم أجد في القرية أي تواجد للجماعات اإلسالمية أو اإلخوان المسلمين‪ .‬وفي المقابل ينتمي عدد كبير‬

‫من السكان إلحدى الحركات الصوفية وهي األسرة الدندراوية‪ ،‬وهي حركة تأسست في الصعيد في القرن التاسع‬

‫عشر تدعو لالعتدال وللبعد عن السياسة‪ .‬أتباع هذه األسرة الصوفية كثيرون في القرية وهم من الشخصيات المؤثرة‬

‫على الحياة العامة ولهم نشاط واضح في العمل الخيري وفي المجال الديني‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫يدعي البعض السحر والقدرة على شفاء األمراض المستعصية‪.‬‬
‫وتظل في القرية بعض العادات الخرافية حيث ّ‬

‫أيضا اهتمام كبير بزيارة أضرحة األولياء‪ ،‬وهي كلها عادات يحاول أئمة المساجد وأتباع األسرة الدندراوية‬
‫وهناك ً‬

‫الحد منها ولكن دون جدوى لتأصل تلك العادات في أذهان الناس‪.‬‬

‫غالبا‬
‫ويكن لهم الناس الكثير من االحترام‪ .‬وألهمية تأثيرهم‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫ويتمتع األئمة ورجال الدين بمكانة هامة في القرية‬

‫وغالبا ما يتم التأثير على قرار تعيينهم من قبل و ازرة‬


‫ً‬ ‫عين و ازرة األوقاف األئمة في قرى غير محل مسكنهم‪،‬‬
‫ما تُ ّ‬

‫ال داخلية لمنع زيادة نفوذ األئمة‪ ،‬وذلك وفق ما قاله لي بعض من األئمة أنفسهم‪ .‬ويرجع سبب ذلك في رأيهم إلى‬

‫حرص جهاز أمن الدولة في ذلك الوقت على تالفي أي إمكانية لتكوين جماعات متطرفة أو جماعات دينية ذات‬

‫توجهات سياسية‪.‬‬

‫مكانة العمدة والخفراء‪:‬‬

‫محصور بين عائلتين من عزبة‬


‫ًا‬ ‫ظل منصب العمودية على قرية العزب‪ ،‬قبل تقسيمها إلى بحري وقبلي‪،‬‬

‫شاغر حتى قامت و ازرة‬


‫ًا‬ ‫الناصرية‪ ،‬وذلك منذ القرن التاسع عشر وحتى عام ‪ ،4602‬حيث ظل بعدها المنصب‬

‫الداخلية بتعيين عمدة لقرية العزب بحري‪ ،‬من عائلة من هاتين العائلتين‪ ،‬عام ‪ .4779‬وبسبب طول المدة التي ظل‬

‫شاغر وتعيين العمدة الجديد خالل العام الذي تمت فيه الدراسة‪ ،‬ال يمكن الحديث عن مكانة هذا‬
‫ًا‬ ‫فيها المنصب‬

‫المنصب وأهميته في القرية‪.‬‬

‫ويبلغ عدد الخفراء في القرية ‪ ،97‬وهم تحت قيادة شيخ الخفر وتحت سلطة العمدة‪ .‬ويتمتع منصب شيخ الخفر‬

‫بمكانة هامة فهو من القادة الطبيعيين وله تأثير هام في المجتمع المحلي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫اًلتجاهات السياسية‪:‬‬

‫للممارسة السياسية في القرية أبعاد كثيرة‪ ،‬فبجانب العمل العام هناك االنتماء العائلي الذي يظهر بوضوح في‬

‫االنتخابات‪ ،‬حيث يدلي الناخبون بأصواتهم ليس لمرشح حزب أو تيار في المقام األول بل للمرشح الذي استقرت‬

‫عليه العائلة التي ينتمي لها‪.‬‬

‫من إجمالي السكان البالغ عددهم ‪ ،46777‬هناك ‪ 9077‬مسجل في الكشوف االنتخابية‪ ،‬أي ‪ ٪22‬من‬

‫السكان‪ .‬من هؤالء‪ ،‬أدلى حوالي ‪ 4277‬ناخب بأصواتهم في االنتخابات التشريعية التي انعقدت في عام ‪،4772‬‬

‫أي أن نسبة اإلقبال قاربت الـ‪ ،٪27‬وهي نسبة‪ ،‬وان بدت ضعيفة‪ ،‬أكبر من مثيلتها على مستوى الجمهورية‪.‬‬

‫التواجد الحزبي الوحيد في العزب بحري وقت إجراء الدراسة كان للحزب الوطني الديمقراطي الذي له وحدة حزبية‬

‫قاعدية تضم في عضويتها حوالي ‪ 277‬من أبناء القرية الذين ينتخبون ممثلين عنهم يمثلون الحزب في القرية‪.‬‬

‫عنصر من‬
‫ًا‬ ‫هؤالء يتطلعون في األغلب لتقلد مناصب سياسية‪ .‬ويمثل الحصول على بطاقة العضوية في الحزب‬

‫ثانويا‪ ،‬إذ‬
‫عناصر المكانة ويمكن استخدامه إلعطاء االنطباع بأن حائزه شخص مضطلع‪ .‬ولكن يظل هذا العنصر ً‬

‫أن المكانة األكبر هي التي يعطيها االنتماء العائلي‪.‬‬

‫وتقوم الوحدة الحزبية باقتراح أسماء المرشحين النتخابات المجلس الشعبي المحلي‪ ،‬وذلك بالتنسيق بين العائالت‬

‫معا الختيار‬
‫حيث جرت العادة أن تكون العائالت الكبيرة ممثلة كل واحدة بعضو‪ ،‬في حين تنضم العائالت األصغر ً‬

‫من يمثلها‪ ،‬وذلك في العزب الثالث التي تتكون منها القرية‪ .‬وفي أغلب األحيان يتم التوصل التفاقيات بين العائالت‬

‫قبل موعد االنتخابات ليفوز المرشحون بالتزكية‪ ،‬دون اللجوء لصناديق االقتراع‪.‬‬

‫المعين‬
‫ّ‬ ‫ومن غير الواضح كيف يتم التنسيق الفعلي بين المجلس الشعبي المنتخب والوحدة المحلية ذات الرئيس‬

‫والوحدة الحزبية‪ ،‬إذ أني أجريت مقابالت شخصية مع القائمين على هذه الجهات الثالث‪ .‬وفي كل مرة يحاول من‬

‫يحاورني أن يعطيني االنطباع بأنه في يده هو السلطة الفعلية وأنه يسعى للتنسيق مع اآلخرين‪ .‬وفي نهاية الحوار‬

‫‪25‬‬
‫مع بعض من أعضاء اللجنة الحزبية‪ ،‬أفصح لي أحدهم أنه «يجب أن نعطي لمن هم فوقنا االنطباع أن كل شيء‬

‫على ما يرام‪ ،‬مع أنه الواقع عكس ذلك‪ ،‬وعليهم بدورهم أن يعطوا االنطباع نفسه لمن فوقهم»‪.‬‬

‫الهوية واًلنتماء المكاني والعائلي‪:‬‬

‫أهم ركنين من أركان الهوية بالنسبة ألهالي العزب بحري هما االنتماء المكاني إلى العزبة واالنتماء إلى العائلة‪،‬‬

‫وهما اإلجابتان على أهم سؤالين يمكن طرحهما للتعارف على أي فرد من أبناء هذه القرية‪ .‬وبحسب االنتماء‬

‫المكاني يتم افتراض بعض الصفات العامة التي يتم إلصاقها بسكان كل عزبة‪ ،‬وبحسب االنتماء العائلي يمكن‬

‫بناء على السمعة التي تتمتع بها عائلته‪.‬‬


‫تحديد المكانة االجتماعية للشخص ً‬

‫مثال أن أهالي‬
‫في مخيلة أبناء كل عزبة بعض االفتراضات التي تحط من قيمة أبناء العزب األخرى‪ ،‬فيظنون ً‬

‫اهتماما بالتعليم‪ ،‬وأن‬


‫ً‬ ‫حمردام أغنياء لبخلهم والنخراطهم في عمليات نصب‪ ،‬وأن أهالي الفوارس أقل ذكاء وأقل‬

‫أهالي الناصرية يتصفون بالغرور والتعقيد دون داع‪ .‬ومع وضع هذه االفتراضات المسيئة لآلخرين‪ ،‬يتمكن أهالي‬

‫حسنا عن أنفسهم‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬هذه االفتراضات السيئة ال تمنع أهالي العزب‬
‫ً‬ ‫تصور‬
‫ًا‬ ‫كل عزبة من وضع‬

‫خصوصا في عالقتهم مع من هم من خارج القرية‪.‬‬


‫ً‬ ‫المتجاورة من أن يتضامنوا مع بعضهم البعض‬

‫وتنقسم عالقات القرابة في القرية إلى مستويين‪ .‬ينقسم أهالي كل عزبة إلى عائالت‪ ،‬يسمونها أحيانها قبائل‪.‬‬

‫ولكن علينا أال نأخذ المعنى بما هو متعارف عليه في علم االجتماع عن التنظيم القبلي ألن الواقع أقرب للتنظيم‬

‫القروي‪ .‬وفي المستوى الثاني‪ ،‬ينقسم أبناء كل عائلة إلى مجموعات أصغر تسمى بالبيوت‪ ،‬بمعنى أوالد العمومة‬

‫وليس بم عنى األسر سواء البسيطة أو المركبة‪ ،‬إذ أن المنتمين إلى بيت واحد ال يسكنون تحت سقف واحد‪ .‬يعتقد‬

‫جدا مشترًكا في‬


‫جدا مشترًكا من عهد بعيد وغير محدد‪ ،‬في حين يحدد أبناء كل بيت ً‬
‫أبناء العائلة الواحدة أن لهم ً‬

‫الجيل الرابع أو أبعد وحتى الجيل السابع‪ .‬يمكن تقدير عدد المنتمين لعائلة واحدة في المتوسط بحوالي ‪4777‬‬

‫شخص‪ ،‬في حين أن أبناء البيت الواحد يمكن أن يكونوا في حدود ‪.477‬‬

‫‪26‬‬
‫تنقسم عزبة حمردام إلى أربع عائالت‪ ،‬مقابل سبع في الفوارس‪ ،‬في حين أن العدد في الناصرية ال يوجد إجماع‬

‫عليه‪ ،‬وهو في حدود عشر أو خمس عشرة حسب الروايات المختلفة‪ .‬توجد عائلة واحدة نصفها في عزبة والنصف‬

‫اآلخر في العزبة المجاورة‪ ،‬وهي عائلة الشرفات الموزعة بين عزبة الفوارس وعزبة الناصرية‪.‬‬

‫جدا مشترًكا‪ .‬ومثال على ذلك عائلتا «الخماسي الكبير»‬


‫تدعي لنفسها ً‬
‫ومن الجدير بالذكر أن بعض العائالت ال ّ‬

‫عددا‪ ،‬ليس بينهم‬


‫في عزبة الفوارس و«الخمسة» في الناصرية‪ .‬في الحالتين تتكون العائلة من خمس عائالت أصغر ً‬

‫صالت قرابة واضحة‪ ،‬ولكنهم اتحدوا من عهد بعيد في كيانات أكبر لكي يكون لها ثقل في مجتمع القرية‪ .‬يشير‬

‫كبير من‬
‫جانبا ًا‬
‫ذلك إلى أن الوظيفة االجتماعية للعائلة أكثر أهمية من الواقع التاريخي لها‪ ،‬فهي الكيان الذي يحدد ً‬

‫هوية الفرد ويعطي فرصة لالعتماد على أشكال متعددة من التضامن والتعاون داخل هذا الكيان مع اإلحساس‬

‫خصوصا في حالة وجود أشخاص لهم تأثير وسطوة‪.‬‬


‫ً‬ ‫بالعزوة‪،‬‬

‫ويحكي األهالي أنه في الماضي كان يسكن أبناء العائلة الواحدة متجاورين وكانت الوجبات التي يأكلونها‬

‫مشتركة‪ .‬ومع زيادة العدد واتساع رقعة السكن أصبح السكان موزعين بشكل عشوائي ولكن مع االحتفاظ بمناطق‬

‫تركيز جغرافي لكل عائلة‪ .‬ولكل عائلة أو مجموعة من البيوت داخل العائلة الواحدة مندرة مشتركة الستقبال‬

‫خصوصا أن‬
‫ً‬ ‫الضيوف والتجمعات واالحتفاالت‪ ،‬ويتم اإلشراف واإلنفاق على المندرة بالمساهمة بين المشتركين فيها‪،‬‬

‫أحيانا‬
‫ً‬ ‫المندرة تعتبر الواجهة لهذه العائلة أو لمجموعة البيوت التي تسمى المندرة على اسمهم‪ .‬وتكون المندرة مشتركة‬

‫مثال في الناصرية حيث يوجد مندرة تجمع عائلتين واحدة مسيحية وأخرى‬
‫بين أكثر من عائلة‪ ،‬مثلما هو الحال ً‬

‫مسلمة‪.‬‬

‫وال ُيقبل أهل القرية على التنقيب لمعرفة األصول واألعراق لكل عائلة‪ ،‬برغم وجود بعض المخطوطات في حوزة‬

‫بعضهم (لم أتمكن من االطالع على أي منها)‪ .‬في الغالب يرجع ذلك إلى الرغبة في عدم إثارة أي مشاكل أو فتن‬

‫مثال أصولها من العبيد‪ ،‬مما يجعل المنتمين إليها في موضع حرج‪ ،‬أو أن عائلة‬
‫إذا تم اكتشاف أن عائلة كانت ً‬

‫مسلمة كانت من أصول مسيحية مما يثير الفتنة بين المسيحيين والمسلمين في القرية‪ .‬لتجنب كل ذلك‪ ،‬هناك اتفاق‬

‫معين‪.‬‬
‫غير معلن على عدم الخوض في أصول العائالت والبيوت أبعد من حد ّ‬

‫‪27‬‬
‫تكثر الزيجات المشتركة بين أبناء العائالت المختلفة داخل كل عزبة‪ .‬في هذه الحالة ينتمي األبناء لعائلة أبيهم‪،‬‬

‫ويظلوا على عالقة قوية بعائلة أمهم‪ ،‬وبالتالي يخلقون شبكة مترابطة من عالقات النسب داخل كل عزبة‪ .‬يندر‬

‫الزواج بين العزب المختلفة ومع من هم خارج القرية‪ ،‬برغم من أن ذلك بدأ يتغير في السنوات القليلة الماضية‪.‬‬

‫وبالطبع يمكن أن تحدث مشاكل بين العائالت أو بين البيوت‪ ،‬ولكن من المالحظ أن المشاكل تحدث في الغالب‬

‫بين األقارب داخل البيت الواحد بسبب االختالف على الميراث وحيازة األراضي وحق الري‪ .‬في هذه الحالة يقوم‬

‫سنا ومشهود لهم بالحكمة والحياد وحسن السيرة بتكوين لجان‬


‫مجموعة من القادة الطبيعيين في القرية ممن هم أكبر ً‬

‫ونادر ما يضطر المتخاصمون لتصعيد األمر إلى‬


‫ًا‬ ‫صلح عرفية للوساطة بين المتنازعين والوصول لحلول ودية‪.‬‬

‫الشرطة أو القضاء حيث يفضل الجميع أن يكون الحل من الداخل‪.‬‬

‫*******‬

‫قدم هذا الفصل مقدمة ع امة عن قرية العزب‪ ،‬تلك القرية التابعة لمركز إسنا والمطلة على النيل ذات السكان‬
‫ّ‬

‫البالغ عددهم ‪ 46777‬نسمة‪ .‬هذه المقدمة المختصرة هدفها هو فقط إعداد الطريق لما سيأتي في الفصول التالية‬

‫حتى يتمكن القارئ من فهم اإلطار العام الذي تدور فيه الدراسة‪ .‬وقد تم التركيز في هذا الفصل على توضيح‬

‫عناصر مختلفة لتحديد الهوية وتقسيم السلطة والمكانة النسبية داخل هذا المجتمع المحلي‪ ،‬وهي العناصر التي سيتم‬

‫تناولها فيما بعد للوقوف على تأثيرها داخل الجمعيات‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الجمعيتان‬

‫تم إجراء البحث في جمعيتين من جمعيات تنمية المجتمع المح لي بقرية العزب‪ ،‬وهما جمعية تنمية المجتمع‬

‫شديدا كما‬
‫ً‬ ‫طا‬
‫المحلي بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬وهما جمعيتان مرتبطتان ارتبا ً‬

‫سيتضح في هذا الفصل‪ .‬وقبل الخوض في تفاصيل الوضع الحالي للجمعيتين‪ ،‬يتعين علينا سرد ملخص عن‬

‫تاريخهما بغرض المساعدة على فهم واقعهما‪ ،‬كما يتخلل هذا السرد تقديم لبعض الشخصيات والمنظمات التي أثّرت‬

‫أو ما زالت تؤثر على تطور الجمعيتين وعلى واقعهما‪.‬‬

‫اًلستعراض التاريخي‪:‬‬

‫يمتد عرض تاريخ الجمعيتين خالل الفترة من عام ‪ 4664‬وحتى عام ‪ ،4779‬وهو الذي تم فيه جمع البيانات‪.‬‬

‫وقد اخترت تقسيم هذه الفترة إلى سبع مراحل وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪1‬ـ المرحلة التحضيرية‪ 1991 :‬ـ ‪:1991‬‬

‫ملح لدى البعض منهم لتوفير دار حضانة لرعاية‬


‫بدأت القصة عندما الحظ أهالي العزب بحري وجود احتياج ّ‬

‫األطفال دون سن المدرسة إذا كانت األم تعمل خارج المنزل‪ .‬في ذلك الوقت لم يكن هناك سبيل إال إرسال األطفال‬

‫إلى حضانة في إحدى القرى المجاورة‪ .‬ولكن ظهرت مشكلة االنتقاالت من والى الحضانة‪ .‬لذلك سعى بعض‬

‫األهالي لتنظيم وسيلة مواصالت عبارة عن ميكروباص به مشرفة لنقل األطفال‪ ،‬وكان الشيخ موسى سالمة من‬

‫المجموعة التي أخذت على عاتقها هذه المبادرة‪.‬‬

‫ولكن واجهت هذ ه المبادرة بعض الصعوبات التنظيمية التي أدت إلى التفكير في إنشاء دار حضانة داخل‬

‫القرية‪ .‬وألن شروط و ازرة التربية والتعليم كان من الصعب تحقيقها إلنشاء الحضانة‪ ،‬تم االتفاق على عمل كتّاب يتبع‬

‫‪29‬‬
‫المسجد‪ ،‬وبالتالي ال يخضع لرقابة الو ازرة‪ .‬ظلت هذه الحضانة عاملة في شكل الكتّاب من عام ‪ 4662‬وحتى‬

‫شكال آخر‪.‬‬
‫تطورت األمور لتأخذ ً‬
‫‪ 4662‬في منزل أحد أهالي القرية إلى أن ّ‬

‫‪1‬ـ مرحلة التأسيس ‪:1991‬‬

‫برغم المرونة الشديدة لكون الحضانة كتَ ًابا ملحقًا بالجامع‪ ،‬إال أنه في المقابل لم يسمح هذا الوضع بتلقي أي‬

‫دعم مادي أو فني من الدولة لهذا العم ل الخدمي الناشئ‪ .‬وفي ذات الوقت كانت القرية تشهد حالة ازدهار صاحبت‬

‫إنشاء الوحدة المحلية بالعزب وبدايات برنامج «شروق» للتنمية الريفية‪ .‬وفي هذا اإلطار أخذ الشيخ موسى (انظر‬

‫بطاقة التعارف رقم ‪ )4‬بزمام المبادرة إلنشاء جمعية أهلية مسجلة لدى مديرية الشئون االجتماعية وفق قانون عام‬

‫‪ 4692‬للجمعيات‪.‬‬

‫وكان إنشاء هذه الجمعية‪ ،‬والتي تحمل اسم «جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس»‪ ،‬نتيجة لرغبة األهالي‬

‫أنفسهم في ديناميكية قاعدية متجهة ألعلى (‪ .)bottom-up‬وبرغم من أن الفكرة في األساس كانت إنشاء جمعية‬

‫تحمل اسم العزب بحري وال تقتصر على إحدى العزب بعينها‪ ،‬إال أن بعض مسئولي الوحدة المحلية المنشأة حديثًا‬

‫أيضا إلشهار جمعية تحمل اسم القرية‪ ،‬لذلك استقر رأي الشيخ موسى ومن معه‬
‫في ذلك الوقت كانوا يخططون ً‬

‫على تسمية جمعيتهم نسبة إلى عزبة الفوارس التي يأتي منها غالبية المؤسسين‪ .‬وفيما بعد لم َتر الجمعية األخرى‬

‫النور والتي كان سيتم إنشاؤها باسم العزب بحري‪.‬‬

‫وكان أول نشاط لجمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس هو استمرار دار الحضانة‪ ،‬والتي أصبحت حضانة‬

‫أهلية معترف بها‪ .‬أتاح وجود جمعية أهلية مشهرة العديد من الفرص التي سمحت بتطور العمل األهلي الناشئ في‬

‫المرحلة الالحقة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫* بطاقة تعارف ‪ :1‬الشيخ موسى سالمة‪:‬‬

‫يعتبر الشيخ موسى من الشخصيات المعروفة والمشهود لها في القرية‪ .‬وهو في األربعينات من عمره ومتوسط‬

‫القامة‪ .‬وألنه قليل المكوث في المنزل‪ ،‬يصعب االتصال به هناك ويحسن االتصال به باستخدام المحمول‪ .‬يبدأ يومه‬

‫متأخر في المساء‪ ،‬وهو يقطع كل يوم مسافات كبيرة على دراجته البخارية الحمراء‪ .‬في‬
‫ًا‬ ‫باك ًار في الصباح وينتهي‬

‫أحيان كثيرة‪ ،‬عندما كنت أريد الحديث معه‪ ،‬كنت أراقب الشارع من الشباك وانتظر أن يمر حتى أناديه فيتوقف‬

‫لنتبادل أطراف الحديث‪.‬‬

‫دعيت‬
‫ُ‬ ‫كثير ما‬
‫يسكن الشيخ موسى في منزله مع زوجته وأوالده الخمسة في عزبة الفوارس‪ ،‬وهو منزل مضياف‪ً ،‬ا‬

‫فيه لتناول وجبة الغذاء أو العشاء‪ .‬ويعتبر الشيخ موسى حلقة وصل بين عزبة الفوارس التي يقطنها والتي منها‬

‫عائلة أمه «العطارين»‪ ،‬وعزبة الناصرية التي ينتمي إلى إحدى عائالتها إذ أن والده‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬من عائلة النجارين‬

‫وهي إحدى عائالت الناصرية‪.‬‬

‫وتتعدد أنشطة الشيخ موسى فهو موظف في إدارة الشباب‪ ،‬ولكنه منتدب للعمل في تسجيل وتنقية الجداول‬

‫االنتخابية في الوحدة المحلية وهو عمل تابع لو ازرة الداخلية‪ .‬وهو‪ ،‬مثل أغلب الموظفين في هذه المنطقة‪ ،‬يعمل‬

‫أيضا‬
‫أيضا كمزارع حيث يزرع مساحة من األرض في األراضي الجديدة المستصلحة في الظهير الصحراوي‪ ،‬وهو ً‬
‫ً‬

‫دكانا للمواد الغذائية والبقالة في عزبة الفوارس يساعده فيه باقي أفراد أسرته‪.‬‬
‫يدير ً‬

‫المدرة للدخل‪ ،‬يتمتع الشيخ موسى بحس اجتماعي عالي يجعله نشطًا في مجاالت‬
‫ّ‬ ‫باإلضافة لهذه األنشطة‬

‫الع مل األهلي والخيري‪ ،‬فهو يشترك باستمرار في اللجان العرفية لحل النزاعات ويسعي في أعمال الخير لرعاية‬

‫خصوصا ألنه ممثل لألسرة الدندراوية‪ ،‬وهي الحركة الصوفية التي سبق الحديث عنها‪ ،‬في القرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫األرامل واأليتام‪،‬‬

‫أيضا عضو مؤسس‬


‫أيضا رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس وعضو مؤسس فيها‪ ،‬و ً‬
‫وهو ً‬

‫أيضا في جمعيات أهلية وتعاونية زراعية أخرى‪.‬‬


‫ونشط في جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب‪ ،‬وله نشاطات ً‬

‫‪31‬‬
‫وكان الشيخ موسى من أهم من سعوا إلى إنشاء المعهد األزهري في القرية‪ ،‬وهو الذي راسل أحد رجال األعمال‬

‫المعروف عنه رعايته للمشروعات الدينية‪ ،‬وكللت هذه المبادرة بالنجاح إذ أن رجل األعمال وافق على التبرع بجميع‬

‫النفقات الالزمة لبناء وتأسيس هذا المعهد‪ ،‬والذي تم إنشاؤه بالفعل في عزبة حمردام‪.‬‬

‫‪3‬ـ مرحلة التقاء المبادرات الداخلية والخارجية‪ 1991 :‬ـ ‪:1991‬‬

‫كانت إحدى مميزات إنشاء الجمعية هو فتح الباب للمشاركة في مشروعات تنموية وخدمية متعددة‪ ،‬حيث شهد‬

‫عام ‪ 4662‬بداية برنامج شروق للتنمية الريفية المتكاملة والذي اعتمد بشكل كبير على مبدأ التنمية بالمشاركة‬

‫الشعبية‪ .‬وفي هذا اإلطار طلب البرنامج من الوحدات المحلية تكوين فرق ولجان تضم العديد من الجهات المشاركة‬

‫ئيسا‬
‫ومنهم رؤساء مجالس إدارات بعض الجمعيات األهلية‪ .‬وكان الشيخ موسى سالمة أحد المشاركين بصفته ر ً‬

‫لمجلس إدارة جمعية الفوارس التي كانت في ذلك الوقت حديثة اإلنشاء‪.‬‬

‫أيضا مبنى من‬


‫ومن االقتراحات التي وافق عليها البرنامج بناء عدد من المباني في القرية منها مبنى السنترال‪ ،‬و ً‬

‫مقر ثابتًا لجمعية تنمية المجتمع بالفوارس يضم نشاط الحضانة وأنشطة أخرى‪ .‬وتم تخصيص قطعة‬
‫طابقين ليكون ًا‬

‫أرض على الطريق األسفلتي الذي يصل بين عزبتي الفوارس والناصرية بجوار عدد من المباني‪ ،‬منها مبنى الوحدة‬

‫االجتماعية وعدد من المدارس ومبنى الوحدة المحلية‪ ،‬وتم بالفعل بناء مقر الجمعية وهو المقر الحالي والثابت لها‪.‬‬

‫‪1‬ـ مرحلة اًلستقرار وتنوع األنشطة‪ 1991 :‬ـ ‪:1222‬‬

‫في الوقت الذي كانت فيه الوحدة المحلية تقوم بتنفيذ مشروع مد شبكة مياه الشرب في القرية عن طريق وضع‬

‫مواسير رئيسية في الشوارع‪ ،‬كان مطلوب من األهالي األخذ على عاتقهم دفع نفقات توصيل المواسير الفرعية‬

‫المتصلة بالمنازل‪ .‬وفي الوقت ذاته كانت هيئة كير الدولية (بطاقة تعارف رقم ‪ )4‬تبحث عن جمعيات أهلية محلية‬

‫في أنحاء مختلفة في الصعيد إلقامة مشروع لتوصيل مياه الشرب‪ .‬وقد استغلت جمعية الفوارس هذه الفرصة للتعاون‬

‫‪32‬‬
‫مع هيئة كير في هذا المشروع الذي أتاح لمئات األسر من غير القادرين أن يتم تغطية نفقات توصيالت المياه من‬

‫المواسير الرئيسية إلى منازلهم‪.‬‬

‫وكان لهذا المشروع أثره البالغ على الجمعية التي ساهمت في تنمية القرية وتلبية احتياجات األهالي الفعلية‪ .‬وألن‬

‫هيئة كير ت هتم بتنمية قدرات ومهارات العاملين والمسئولين عن الجمعيات األهلية التي تتعامل معها‪ ،‬استطاع عدد‬

‫كبير من أهالي القرية ممن كان لديهم روح المبادرة للمشاركة في الجمعية أن يصقلوا مهاراتهم في مجال التنمية من‬

‫خالل حضور تدريبات وورش عمل مختلفة‪.‬‬

‫مشروعا آخر اشتركت فيه وهو يتعلق بالتنمية الزراعية‪ .‬وبالرغم من‬
‫ً‬ ‫وبعد ذلك اقترحت هيئة كير على الجمعية‬

‫أن هذا المشروع لم يكن له ميزانية ضخمة إال أن أهميته كانت كبيرة‪ ،‬إذ أنه أتاح للجمعية وللمزارعين فرصة لزيادة‬

‫الوعي بأهمية قطاع الزراعة بالنسبة لهم والوعي بإمكانيات التطوير والتحديث التي يمكن استغاللها لتعظيم األهمية‬

‫االقتصادية لهذا النشاط الحيوي والمحوري في هذه المنطقة‪ .‬وكان هذا المشروع بادرة للتعاون المستمر مع هيئة كير‬

‫في مشروعات زراعية أخرى الحقة‪.‬‬

‫وفي الفترة نفسها‪ ،‬وبعد االستقرار في المقر الجديد للجمعية‪ ،‬بدأت العالقات الودية تزيد مع مسئولي الوحدة‬

‫االجتماعية في المبنى المجاور‪ .‬وألن مبنى الوحدة االجتماعية ضيق‪ ،‬طلب المسئولون من جمعية الفوارس الموافقة‬

‫على استخدام جزًء من مبناها لمشروع تنمية المرأة الريفية‪ .‬وبهذا ربحت الوحدة مساحة عمل إضافية في حين ربحت‬

‫وبناء على ذلك االتفاق‪ ،‬بدأ الموظف المسئول‬


‫ً‬ ‫يز لدورها في القرية ولوضعها أمام الجهات الحكومية‪.‬‬
‫الجمعية تعز ًا‬

‫مقر لمكتبه ولعمله‪ .‬ولحسن‬


‫عن مشروع المرأة الريفية‪ ،‬األستاذ أمين (بطاقة تعارف رقم ‪ )2‬في اتخاذ الجمعية ًا‬

‫مدير إدارًيا لها‪ ،‬تم االتفاق على أن يقوم األستاذ أمين‬


‫عالقته بالجمعية التي كانت تحتاج لشخص يشغل منصب ًا‬

‫بهذا الدور أثناء وجوده في الجمعية ومع مباشرته لمشروع تنمية المرأة الريفية من موقعه الجديد‪ ،‬وهو اتفاق يخلط ما‬

‫بين ما هو رسمي وما هو غير رسمي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫بطاقة تعارف ‪ :1‬هيئة كير الدولية‪:4‬‬

‫بدأت هذه المنظمة كمبادرة من شعوب الواليات المتحدة األمريكية وكندا لمساندة الشعوب األوربية في أزمة‬

‫الغذاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية تحت اسم «‪Remittances CARE – Cooperative for American‬‬

‫‪ ، »to Europe‬ثم تطورت لتصبح منظمة دولية تهتم بالمساعدات اإلنسانية والتنمية في مختلف أنحاء العالم‬

‫وأصبح اسمها «‪ »Cooperative for Relief and Assistance Everywhere‬دون تغيير اسمها المختصر‪.‬‬

‫عاما على بدء نشاطها في هذا البلد‪ .‬وتقوم المنظمة اآلن‬


‫وفي مصر احتفلت هيئة كير عام ‪ 4772‬بمرور ‪ً 27‬‬

‫بعدة مشروعات تنموية في مجاالت التعليم والصحة والتنمية الزراعية وغيرها‪ ،‬حيث تتركز هذه المشروعات في‬

‫احتياجا للتنمية‪ .‬يتم تمويل هذه المشروعات جز ًئيا من خالل هيئة كير الدولية‪،‬‬
‫ً‬ ‫محافظات الصعيد ألنها األكثر‬

‫والجزء اآلخر منح من هيئات أخرى مثل المعونة األمريكية والمفوضية األوروبية‪.‬‬

‫بطاقة تعارف ‪ :3‬أستاذ أمين مصطفى أنور‪:‬‬

‫يسكن األستاذ أمين في قرية مجاورة للعزب‪ ،‬وهو من عائلة ثرية‪ ،‬في األربعينات من عمره‪ ،‬متزوج وأب لطفلين‪.‬‬

‫جيدا‬
‫متكلما ً‬
‫ً‬ ‫أيضا روح مرحة تجعله‬
‫من الحديث معه يتبين أنه شخص مثقف ومتفتح العقل ولديه ذكاء اجتماعي و ً‬

‫خصوصا أن‬
‫ً‬ ‫محبوبا من قبل المحيطين به‪ .‬وبرغم من أنه ميسور الحال‪ ،‬إال أنه غير متعال على الناس‬
‫ً‬ ‫وشخصا‬
‫ً‬

‫عمله في الوحدة االجتماعية وفي الجمعية يجعله يتعامل مع الكثير من الفقراء والمعدمين‪.‬‬

‫وهو مسئول عن مشروع تنمية المرأة الريفية التابع لوحدة التضامن االجتماعي حيث يوقع كل يوم في دفتر‬

‫أيضا‬
‫الحضور واالنصراف‪ .‬أما مقر عمله فهو مبنى جمعية الفوارس التي تستضيف المشروع‪ .‬يقوم األستاذ أمين ً‬

‫بدور مدير الجمعية أثناء تواجده فيها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يشارك األستاذ أمين أخاه في زراعة محصول قصب‬

‫السكر في األرض التي تملكها عائلتهما‪.‬‬

‫‪ 4‬موقع الكتروني‪www.careinternational.org, www.care.org.eg :‬‬

‫‪34‬‬
‫‪5‬ـ فترة من النزاعات العابرة‬

‫مع انتهاء مشروع توصيل مياه الشرب ظهرت مشكلة إذ أن أحد أبناء القرية‪ ،‬وهو يعمل في وظيفة علمية‬

‫وبناء عليه‬
‫ً‬ ‫تهما تتعلق بذمتهم المالية‪.‬‬
‫مرموقة في مدينة قنا‪ ،‬تقدم بشكوى ضد الجمعية اتّهم فيه مجلس إدارتها ً‬

‫مجلسا مؤقتًا حتى يتم النظر في القضية والحكم فيها‪ .‬أظهرت‬


‫ً‬ ‫ار بحل مجلس اإلدارة وتعيين‬
‫أصدر المحافظ قرًا‬

‫التحقيقات أن الناحية الفنية للمشروع بال مخالفات‪ ،‬ولكن الناحية المالية خالفت القانون‪ ،‬إذ أن المقاولة تم إسنادها‬

‫باألمر المباشر دون اإلعالن عن مناقصة في الجريدة الرسمية‪.‬‬

‫ويحكي الشيخ موسى هذه الفترة بكل ثقة واصفًا صاحب الشكوى بأنه من «أعداء النجاح» وأن اتهامه باطل‪.‬‬

‫وهذا ما ظهر فيما بعد إذ أن الشيخ موسى راجع نصوص القانون واللوائح‪ ،‬وتبين له أن ميزانية المشروع كانت تقل‬

‫عن الحد األدنى الذي يوجب اإلعالن عن مناقصة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلجراء الذي اتخذه مجلس اإلدارة بإسناد المشروع‬

‫قانونيا ال خالف عليه‪ .‬ولذلك تمت تبرئة أعضاء مجلس اإلدارة وعودتهم‬
‫ً‬ ‫اءا‬
‫لمقاول باألمر المباشر كان إجر ً‬

‫لمناصبهم‪.‬‬

‫ولعبور األزمة والرجوع لحالة أكثر قوة‪ ،‬قرر المجلس عقد جمعية عمومية وانتخابات كانت نتيجتها عودة أغلب‬

‫هاما في هذه المرحلة إذ أنه‬


‫دور ً‬
‫أعضاء مجلس اإلدارة‪ .‬وقد لعب األستاذ محمود فتح اهلل (بطاقة تعريف رقم ‪ً )2‬ا‬

‫مقدم الشكوى‪ ،‬حيث قام األستاذ محمود بحشد آراء عائلته‬


‫من عائلة البكري‪ ،‬وهي العائلة ذاتها التي ينتمي إليها ّ‬

‫لمنع الشاكي من التأثير السلبي على مجريات الجمعية لكي تساند العائلة مجلس اإلدارة المنتخب‪.‬‬

‫يبدو لي أن هذا النزاع سببه صراع على القيادة بين من يعتمدون على مستوى تعليمي وعلمي كمصدر للمكانة‬

‫عضوا في الجمعية‪ ،‬بل‬


‫ً‬ ‫االجتماعية وبين من يعتمدون على دورهم في العمل العام‪ .‬وبرغم من أن الشاكي كان‬

‫فعليا إما لعدم رغبته أو لضيق‬


‫اما لمكانته العلمية‪ ،‬إال أنه لم يكن مشارًكا ً‬
‫ويحمل رقم (‪ )4‬في سجل العضوية احتر ً‬

‫وقته‪ .‬هل كان يقصد من هذه الشكوى محاولة إلثبات نفسه ودوره في مجتمع القرية كشخص مؤثر برغم أنه ال‬

‫مبهما لم أتمكن من فك شفرته‪.‬‬


‫أمر ً‬‫يسكن في القرية إال وقت اإلجازات؟ تبقى الدوافع الحقيقية لهذا العمل ًا‬

‫‪35‬‬
‫بطاقة تعارف ‪ :1‬األستاذ محمود فتح اهلل بكري‪:‬‬

‫توجه إلى القاهرة حيث عمل كمحام لمدة تقارب العشر سنوات في مكتب‬
‫درس األستاذ محمود الحقوق ثم َ‬

‫شاغرا‪ ،‬أخطره بعض أقاربه بذلك‬


‫ً‬ ‫مرموق وحيث تزوج وأنجب واستقر به الحال‪ .‬وعندما أصبح منصب مأذون القرية‬

‫لعله يرغب فيه‪ .‬وبعد تفكير قرر األستاذ محمود ترك العاصمة والعودة إلى مسقط رأسه‪ ،‬حيث أنه وجد نفسه أسعد‬

‫حاال وسط أهله وفي عمله كمأذون من عيشه في مدينة كبيرة ومزدحمة مثل القاهرة‪.‬‬
‫ً‬

‫قام األستاذ محمود بتأجير شقة في عزبة الناصرية حتى يتمكن من بناء من ًزال في عزبته األصلية عزبة الفوارس‪.‬‬

‫وألنه مأذون العزب الثالث‪ ،‬فإن سكنه في عزبة غير عزبة عائلته يعتبر ميزة له حيث تم َكن من التقارب من‬

‫أيضا ألنه يتمتع بحس اجتماعي ولباقة في الحديث‪ ،‬أصبح األستاذ‬


‫الجميع‪ .‬وألن عمله يحتم عليه دخول البيوت‪ ،‬و ً‬

‫محمود من القادة الطبيعيين في القرية حيث يطلب منه الناس المشورة والوساطة في حل النزاعات‪.‬‬

‫ويكرس جزًء‬
‫وألن مواعيد عمله تتميز بالمرونة‪ ،‬فإنه يزرع قطعة من األرض المستصلحة في الظهير الصحراوي ّ‬

‫أمينا للجنة الزراعة‬


‫كبير من وقته للنشاط األهلي‪ ،‬فهو عضو في جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس‪ ،‬وكان فيه ً‬
‫ًا‬

‫ئيسا لمجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬وذلك منذ تأسيسها عام ‪ .4774‬وألنه‬
‫ثم أصبح ر ً‬

‫درس ال حقوق‪ ،‬فهو يقوم بدوره بكل دقة وتفاني ويهتم بجميع التفاصيل فيما يخص الدفاتر والتقارير‪ ،‬مما ينعكس‬

‫باإليجاب على عمل هذه الجمعية‪.‬‬

‫‪1‬ـ مرحلة التخصص واشهار جمعية شقيقة‪1221 :‬‬

‫مع استمرار الجمعية في النمو وزيادة المشروعات وتنوعها‪ ،‬تم إنشاء لجان مختلفة لالهتمام بكل نوع من أنواع‬

‫األنشطة‪ ،‬ومنها لجنة الزراعة‪ .‬ومع استمرار التعاون مع هيئة كير الدولية في مشروعات للتنمية الزراعية‪ ،‬بدا‬

‫اضحا إمكانية تقسيم األنشطة إلى نوعين‪ :‬نشاط زراعي وأنشطة غير زراعية مثل الحضانة وغيرها‪ .‬في هذه‬
‫و ً‬

‫المرحلة اقترح مسئولو هيئة كير على جمعية الفوارس تحويل لجنة الزراعة إلى جمعية مستقلة لتبقى الجمعية‬

‫األصلية متخصصة في مجال التنمية االجتماعية بالمفهوم الواسع‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وهذا هو ما حدث بالفعل في عام ‪ ،4774‬حيث تم إشهار جمعية تحت اسم «جمعية تنمية المجتمع الزراعي‬

‫أحيانا «الجمعية الزراعية»‪ ،‬وهي بالطبع غير الجمعيات التعاونية الزراعية‪ .‬وهي تتخذ من‬
‫ً‬ ‫بالعزب بحري‪ ،‬ويسمونها‬

‫مقر لها‪ .‬أما أعضاء مجلس إداراتها فأغلبهم ممن كانوا أعضاء لجنة الزراعة في‬
‫حجرة في مبنى جمعية الفوارس ًا‬

‫جمعية الفوارس‪ ،‬ورئيس مجلس اإلدارة هو األستاذ محمود فتح اهلل مأذون القرية‪ .‬وبهذا يمكننا استنتاج أن العالقة‬

‫بين الجمعيتين أكثر من عالقة جيرة أو صداقة‪ ،‬ويمكننا أن نصف الجمعية الزراعية بأنها الشقيقة الصغرى لجميعه‬

‫الفوارس‪.‬‬

‫‪1‬ـ مرحلة التوسع واًلحتراف‪ :‬منذ ‪1221‬‬

‫مع إنشاء الجمعية الزراعية‪ ،‬أتاح التخصص للجمعيتين أن تصقال مهاراتهما وحرفيتهما وتوسيع قاعدة أنشطتهم‪.‬‬

‫بدأت كل جمعية في إيجاد تمويل لمشروعات جديدة إذا أن جمعية الفوارس حصلت على تمويل من الصندوق‬

‫االجتماعي للتنمية لعمل مشروع كسح مياه الصرف من البيارات‪ ،‬وهو على خلفية خبرتها في مشروع توصيل مياه‬

‫الشرب من قبل‪ .‬أما الجمعية الزراعية فدخلت في شراكة هيئة كير للقيام بمشروع للزراعة اآلمنة والنظيفة‪ ،‬ثم مشروع‬

‫مصنعا لألسمدة العضوية (الكمبوست)‪.‬‬


‫ً‬ ‫للزراعات التصديرية وثالث إلنشاء‬

‫ولم ِ‬
‫يعن التخصص أن تقتصر كل جمعية على مجالها فقط‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ظل لجمعية الفوارس نشاط‬

‫مشروعا للقروض‬
‫ً‬ ‫زراعي يتمثل في اشتراكها في مشروع الزراعة اآلمنة‪ .‬كما بدأت جمعية تنمية المجتمع الزراعي‬

‫الصغيرة للمرأة بتمويل من الصندوق االجتماعي للتنمية‪ .‬وفي عام ‪ ،4772‬اشتركت الجمعيتان مع ‪ 6‬جمعيات‬

‫أخرى في المحافظة إلنشاء االتحاد النوعي لجمعيات التنمية العاملة في مجال التنمية الزراعية في محافظة قنا‪ ،‬وهو‬

‫األول من نوعه على مستوى الجمهورية‪.‬‬

‫أهداف الجمعيتين‪:‬‬

‫للجمعيتين مجموعة من األهداف بعضها مشترك‪ ،‬منها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة‪ .‬من األهداف غير‬

‫المعلنة للجمعيتين تكوين قاعدة شعبية منظمة وقادرة على توصيل صوت أبناء القرية للجهات األخرى‪ ،‬الحكومية‬

‫‪37‬‬
‫وغير الحكومية‪ ،‬وذلك لالستفادة مما يتاح من فرص للتنمية تفيد المجتمع المحلي‪ .‬ألعضاء مجلس إدارة الجمعيتين‬

‫هدف غير معلن وهو زيادة مكانتهم االجتماعية داخل القرية عن طريق المساهمة في العمل األهلي من خالل‬

‫الجمعيتين‪.‬‬

‫ولجمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس عدد من األهداف المعلنة‪ ،‬وهي أهداف عامة وطموحة‪ .‬تهدف هذه‬

‫الجمعية إلى اآلتي‪ )4 :‬تنمية المجتمع المحلي عن طريق عمل مشروعات اقتصادية لزيادة دخل األسر في مجاالت‬

‫زراعية وغير زراعية‪ )4 .‬توفير خدمات ثقافية وعلمية ودينية وتنظيم حمالت توعية ودورات تدريبية‪ )2 .‬توفير‬

‫خدمات ومساعدات اجتماعية لألسر ولألطفال عن طريق دار الحضانة وفصول محو األمية وما إلى ذلك من‬

‫أنشطة‪.‬‬

‫أما جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري فهي تهدف إلى اآلتي‪ )4 :‬تحسين مستوى معيشة األفراد‪.‬‬

‫‪ )4‬مساعدة صغار المزارعين على الوصول إلى المصدرين‪ )2 .‬فتح أسواق جديدة للحاصالت الزراعية في‬

‫الداخل والخارج‪ )2 .‬تقديم النصائح الفنية للمزارعين وتوجيههم نحو الزارعات الجديدة والطرق الحديثة‪)2 .‬‬

‫تدريب الفتيات على معامالت ما بعد الحصاد‪ )9 .‬رفع المستوى الثقافي للمرأة الريفية لتأخذ وضعها في‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫أنشطة ومشروعات تقوم بها الجمعيتان‪:‬‬

‫يمكن تقسيم أنشطة ومشروعات الجمعيتين المتعددة بحسب اإلمكانيات المستغلة والتمويل المخصص لها إلى‬

‫أنشطة ومشروعات كبيرة الحجم‪ ،‬وأخرى متوسطة الحجم وأخرى مستقبلية وغير ذلك من األنشطة كاآلتي‪:‬‬

‫أنشطة ومشروعات كبيرة الحجم‪:‬‬

‫‪ -1‬يعد مشروع كسح بيارات الصرف الصحي أهم مشروعات جمعية الفوارس‪ .‬ظهر االحتياج عندما‬

‫مزودة بمياه الشرب عن طريق المواسير‪ ،‬مما أدى إلى زيادة استهالك المياه‪ ،‬فلم تعد‬
‫أصبحت المنازل ّ‬

‫‪38‬‬
‫البيارات القديمة تكفي للتخلص من مياه الصرف‪ ،‬فقد ارتفع منسوب المياه الجوفية وزادت نسبة التلوث‬

‫فيها‪ .‬وفي انتظار تنفيذ مشروع للصرف الصحي المغطى تم عمل مشروع الكسح والذي تم من خالله‬

‫جررين تديرهما الجمعية ليتم‬


‫مجمعة في شوارع القرية ويتم تفريغها دورًيا بواسطة ّا‬
‫حفر وعزل بيارات ّ‬

‫بعيدا عن القرية في منطقة صحراوية‪ .‬تكلّف المشروع حوالي ‪ 277.777‬جنيه‬


‫إلقاء مياه الصرف ً‬

‫مصري بتمويل من الصندوق االجتماعي للتنمية وهو معمول به منذ عام ‪ .4772‬يتم كسح البيارات‬

‫أحيانا من قرى مجاورة‪ .‬ويمكن لألسر‬


‫أيضا من الناصرية وحمردام و ً‬
‫من عزبة الفوارس في األساس و ً‬

‫أن تدفع اشت ار ًكا شهرًيا مقابل هذه الخدمة أو أن تدفع للسائق مقابل النقلة‪ ،‬وذلك لتغطية نفقات الوقود‬

‫والصيانة وأجور السائقين والعاملين‪.‬‬

‫‪ -2‬أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ ،‬فإن أكبر مشروع لديها هو مشروع تدوير المخلفات‬

‫الزراعية وانتاج السماد العضوي والذي تم إنشاؤه تحت رعاية هيئة كير الدولية وبتمويل من الوكالة‬

‫األمريكية للتنمية ومن سفارة الواليات المتحدة بإجمالي تمويل حوالي ‪ 277.777‬جنيه مصري‪ .‬وينتج‬

‫هذا المشروع الكمبوست منذ عام ‪ 4772‬ويتخذ قطعة أرض في الظهير الصحراوي مملوكة ألحد‬

‫مقر له‪ ،‬وهي تبعد عن القرية حوالي ‪ 47‬دقيقة بالسيارة‪ .‬يتم استخدام‬
‫أعضاء مجلس إدارة الجمعية ًا‬

‫السماد المنتج إما لصالح المزارعين أعضاء الجمعية الذين يزرعون زراعات آمنة وزراعات تصديرية‪،‬‬

‫واما يتم تسويقه في المنطقة حيث يقل سعره عن نظيره المنتج في مناطق بعيدة‪.‬‬

‫أنشطة ومشروعات متوسطة الحجم‪:‬‬

‫‪2‬ـ اشتركت الجمعيتان في مشروع الزراعة اآلمنة في الفترة من عام ‪ 4772‬وحتى عام ‪ ،4779‬بالتعاون‬

‫تضمن هذا المشروع تعريف المزارعين بأساليب الزراعة اآلمنة والزراعة‬


‫ّ‬ ‫مع هيئة كير الدولية‪.‬‬

‫العضوية وحثهم على تطوير الطرق المستخدمة للحفاظ على البيئة وعلى سالمة المنتج‪ .‬وكان من‬

‫نتائج هذا المشروع وصول أكثر من ‪ 47‬مزرعة في العزب بحري إلى ممارسة الزراعة العضوية‬

‫بالفعل‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪2‬ـ وبالتزامن مع مشروع الزراعة اآلمنة‪ ،‬اشتركت جمعية تنمية المجتمع الزراعي منذ عام ‪ 4772‬في‬

‫أيضا بالتعاون مع هيئة كير‪ .‬يهدف هذا المشروع إلى زيادة دخل صغار المزارعين‬
‫مشروع الشمس‪ً ،‬‬

‫عن طريق مساندتهم بالدعم الفني والمالي الالزم لتوجيه منتجاتهم للتصدير‪ .‬كان تزامن هذا المشروع‬

‫مع مشروع الزراعة اآلمنة وتوفر السماد العضوي الذي تنتجه الجمعية أتاح لعدد من المنتجين في‬

‫القرية‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬أن ينجحوا في تصدير جزًء من محصولهم‪.‬‬

‫‪2‬ـ من المشروعات المهمة للجمعيتين مشروعات القروض الصغيرة الدوارة للمرأة‪ .‬حصلت جمعية الفوارس‬

‫على رأس مال لهذا المشروع عندما طلبت من المنتفعين من توصيل مياه الشرب سداد جزٍء من تكلفة‬

‫التوصيل على عدة أقساط‪ ،‬بهدف إرساء مشروع للقروض الدوارة بشكل مستديم‪ .‬قدمت هذه الجمعية‬

‫قرضا خالل الفترة من ‪ 4774‬وحتى ‪ 4779‬بفائدة قدرها ‪ ٪2‬حيث يتم تسديد المبلغ على ‪44‬‬
‫‪ً 222‬‬

‫طا‪.‬‬
‫قس ً‬

‫مشروعا للقروض الدوارة عام ‪ 4772‬بتمويل من الصندوق‬


‫ً‬ ‫بدأت جمعية تنمية المجتمع الزراعي هي األخرى‬

‫االجتماعي للتنمية استفادت منه‪ ،‬حتى عام ‪ 426 ،4779‬مقترضة بمبلغ ‪ 977‬جنيه مصري لكل قرض يتم سداده‬

‫على ‪ 47‬أشهر بفائدة قدرها ‪ .٪47‬وبرغم أن قيمة الفائدة في هذا المشروع تبدو كبيرة‪ ،‬إال أنها أقل من مثيلتها في‬

‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إقباال‬
‫البنوك‪ ،‬مما يجعل عليها ً‬

‫أيضا ألن‬
‫يهدف توجيه هذه القروض للمرأة‪ ،‬وليس للرجل‪ ،‬إلى محاولة تمكين المرأة الريفية وتحسين أوضاعها‪ ،‬و ً‬

‫التجربة أثبتت أن القروض المعطاة للنساء يتم سدادها بانتظام أكبر من القروض التي يستفاد منها الرجال‪ .‬يرجع‬

‫ذلك ألسباب تتعلق بطبيعة العالقات بين الرجال والنساء في المجتمع الريفي كما سيتم تناول ذلك في فصل الحق‪.‬‬

‫وغالبا ما يكون الضامن للمرأة زوجها أو والدها‪ ،‬إذ يشترط المشروع أن يكون الضامن موظفًا له مرتب ثابت‪ .‬وفي‬
‫ً‬

‫أغلب األحيان يكون القرض بهدف عمل مشروع عائلي‪ ،‬إما مشروع إنتاجي أو بغرض االستهالك للتجهيز للزواج‬

‫أو لتغطية نفقات العالج‪ .‬وبرغم من أن المشروع ال يسمح بإعطاء القروض إال لغرض اإلنتاج‪ ،‬إال أنه يتم‬

‫التغاضي عن هذا الشرط في أغلب األحيان‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ 9‬ـ تعد دار الحضانة هي النشاط المؤسس التي بدأت معه قصة الجمعيتين‪ .‬يلتحق بهذه الحضانة حوالي ‪47‬‬

‫طفال ممن تعمل أمهاتهم خارج المنزل‪ .‬هؤالء األمهات هن في الغالب سيدات متعلمات وموظفات‪ ،‬لذا‬
‫ً‬

‫مبكر وأال ينتظرن االلتحاق بالصف األول االبتدائي كما هو حال أغلب‬
‫ًا‬ ‫يهتممن بأن يتعلم أبنائهن‬

‫األطفال‪ .‬يدفع األهالي اشت ار ًكا شهرًيا يتيح للجمعية دفع مرتبات لمشرفتين على الحضانة وتغطية النفقات‬

‫األخرى لهذا النشاط‪.‬‬

‫ومدربة‬
‫ّ‬ ‫مشغال للحياكة لفتيات القرية حيث وفرت الجمعية الماكينات‬
‫ً‬ ‫‪0‬ـ بدأت جمعية الفوارس عام ‪4777‬‬

‫يلق هذا المشروع النجاح المنتظر ألن الحياكة لم تعد تجذب الفتيات في ظل‬
‫لتعليم الفتيات‪ .‬ولكن لم َ‬

‫يتبق من هذا النشاط أثناء وجودي في الجمعية إال‬


‫وجود المالبس الجاهزة في األسواق بأسعار زهيدة‪ .‬لم َ‬

‫حائكة واحدة من الناصرية طلبت من الجمعية مساعدتها بإتاحة الفرصة لها الستخدام ماكينات الجمعية‬

‫لتفصيل المالبس‪ ،‬حيث تمدها الجمعية بالقماش والخيوط‪ ،‬وترد هي للجمعية قيمتها بعد أن تبيع‬

‫المالبس وتزيد عليها ‪ ٪42‬من األرباح تدخل خزينة الجمعية في حين تحتفظ هي بالـ‪ ٪02‬الباقية‪.‬‬

‫أنشطة غير هيكلية‪:‬‬

‫‪2‬ـ باإلضافة للمشروعات السابقة ذات الهيكل الواضح‪ ،‬تقوم الجمعيتان بأنشطة وبأدوار أخرى هامة في‬

‫نادر ما يتم تسليط الضوء عليها أو أخذها في االعتبار برغم فائدتها للمجتمع‪ .‬في هذا‬
‫القرية ًا‬

‫اإلطار يمكن ذكر أهمية دور مقر الجمعيتين كمكان للتواصل وتبادل اآلراء‪ .‬يعلم أهل القرية أنهم‬

‫يستطيعون القدوم للجمعية لطلب المساعدة أو المشورة في حل مشكالتهم أو معرفة اإلجراءات التي‬

‫أحيانا يأتي لمقر الجمعيتين رجال ونساء يريدون أن يساعدهم أحد على كتابة‬
‫ً‬ ‫عليهم أن يتّبعوها‪.‬‬

‫خطاب رسمي يريدون أن يخاطبوا به جهة من الجهات‪ ،‬أو يأتون لعرض مشكلة تعترضهم ويريدون‬

‫من األستاذ أمين أو الشيخ موسى أو األستاذ محمود إبداء رأيهم بصفتهم أهل للثقة‪.‬‬

‫‪6‬ـ يتم من حين آلخر تنظيم بعض األنشطة عند ظهور حاجة لذلك‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قامت‬

‫تهم األهالي‪.‬‬
‫الجمعيتان بإقامة ندوات للتوعية عن مرض أنفلون از الطيور أو عن موضوعات أخرى ّ‬

‫‪41‬‬
‫مشروعات مستقبلية‪:‬‬

‫سويا‪ ،‬وبمشاركة االتحاد النوعي للجمعيات العاملة في مجال التنمية الزراعية‪،‬‬


‫‪47‬ـ تخطط الجمعيتان ً‬

‫إلقامة مشروع لتبطين المساقي لدى المزارعين بتمويل من منظمة مبادرة حوض النيل‪ .‬يهدف هذا‬

‫أيضا ترشيد الوقت والتكلفة الالزمة للري عن طريق تبطين‬


‫المشروع للحد من الفاقد من مياه الري و ً‬

‫المساقي الموجودة داخل أراضي المزارعين المستفيدين من هذا المشروع بالطوب واألسمنت‪.‬‬

‫‪44‬ـ حصلت جمعية تنمية المجتمع الزراعي عام ‪ 4779‬على الموافقة من قبل الجهة الممولة لالشتراك في‬

‫مشروع ‪ EurepGAP‬والذي يتيح للمزارعين المحليين اإلنتاج وفقًا لشروط االتحاد األوروبي لكي‬

‫يتمكنوا من التصدير لألسواق األوروبية‪ .‬يهدف المشروع إلى توفير الدعم الفني واإلمكانيات المادية‬

‫المطلوبة والتي ال يستطيع المزارع الصغير توفيرها وحده‪ .‬ومما أثار دهشتي هو أن الممول الرئيسي‬

‫لهذا المشروع هو الوكالة األمريكية للتنمية‪ ،‬وليس المفوضية األوروبية‪.‬‬

‫‪44‬ـ تبحث جمعية الفوارس عن جهات لتمويل مشروع تزمع إقامته لنشر تكنولوجيا المعلومات في القرية‪.‬‬

‫تهدف هذه الفكرة إلى إنشاء قاعة مزودة بأجهزة كمبيوتر متصلة باإلنترنت‪ ،‬بحيث يكون هذا المكان‬

‫مساء ألن األهالي يضطرون للذهاب‬


‫ً‬ ‫صباحا ومقهى لإلنترنت‬
‫ً‬ ‫مركز للتدريب على الحاسب اآللي‬
‫ًا‬

‫إلى المدينة للحصول على هذه الخدمة‪.‬‬

‫اإلمكانيات المادية والميزانية‪:‬‬

‫الئما للعمل‪ ،‬إذ أن جمعية الفوارس تمتلك المبنى‬


‫جوا م ً‬
‫تمتلك الجمعيتان أدوات وامكانيات تتيح لها توفير ً‬

‫وتتشارك الجمعيتان في تجهيزه‪ .‬لدى جمعية الفوارس جهاز تليفون وتلفزيون للحضانة‪ ،‬باإلضافة لعدد من المراوح‬

‫وبوتاجاز وثالجة يقدر ثمنهم ‪ 9777‬جنيه وماكينتين خياطة قيمتهما ‪ 47.777‬جنيه‪ .‬أما جمعية تنمية المجتمع‬

‫الزراعي فهي تمتلك جهاز كمبيوتر وطابعة وجهاز تليفون وفاكس يقدر قيمتهم بـ‪ 9427‬جنيهًا‪ .‬جميع هذه التجهيزات‬

‫يتم مشاركتها بين الجمعيتين وهما بذلك متكاملتان‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك تمتلك كل جمعية بعض المعدات المستخدمة في المشروعات المختلفة منها ج ارران‬

‫ومقطورتان كسح لمشروع الصرف بجمعية الفوارس قيمتهم ‪ 469.777‬جنيه‪ ،‬وجرار ومقطورة ومفرمة وبعض‬

‫المعدات األخرى لمشروع تدوير المخلفات الزراعية بجمعية تنمية المجتمع الزراعي قيمتهم ‪ 464.777‬جنيه‪.‬‬

‫أما بالنسبة للميزانيات فبلغت في جمعية الفوارس ‪ 22.777‬جنيه عام ‪ ،4772‬منها ‪ 24.277‬لمشروع الكسح‬

‫وحده‪ ،‬في حين بلغت ميزانية جمعية تنمية المجتمع الزراعي في العام نفسه ‪ 46.777‬جنيه منها ‪ 42.777‬جنيه‬

‫تخص مشروع تدوير المخلفات الزراعية الذي بدأت حساباته في منتصف ذلك العام‪.‬‬

‫فريق العمل في الجمعيتين‪:‬‬

‫يعمل عدد من األشخاص داخل مقر الجمعيتين وهم متواجدون فيه بشكل يومي‪ .‬في الدور األرضي يعمل أستاذ‬

‫أمين وهو مسئول عن أغلب األمور اليومية في جمعية الفوارس‪ .‬تساعده على ذلك المهندسة هالة وهي مهندسة‬

‫شابة تحصل على شهادة جامعية على مستوى القرية‪ .‬وجود‬


‫زراعية متزوجة وتعيش في عزبة الفوارس‪ ،‬وهي أول ّ‬

‫رسميا فهي تعمل في الجمعية التعاونية الزراعية‪ .‬تقول المهندسة هالة‬


‫ً‬ ‫المهندسة هالة في الجمعية وجود تطوعي‪ ،‬أما‬

‫أنه ال يسند لها عمل في الجمعية التعاونية ألن عدد الموظفين أكبر من المطلوب وألنها المرأة الوحيدة العاملة‬

‫هناك‪ ،‬لذلك هناك اتفاق ضمني وغير معلن أن تذهب المهندسة للجمعية التعاونية للتوقيع في مسجل الحضور‬

‫واالنصراف‪ ،‬وال مانع من أن تقضي يومها في العمل األهلي في الجمعيات بشكل تطوعي‪ .‬تساعد المهندسة هالة‬

‫في استالم أقساط القروض الدوارة من السيدات‪ ،‬ويساعدها في ذلك كونها امرأة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن المهندسة‬

‫هالة عضو في مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪.‬‬

‫شابة من‬
‫أما في الدور األول‪ ،‬فتوجد أم كلثوم‪ ،‬وهي مسئولة القروض في جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ ،‬وهي ّ‬

‫الفوارس متخرجة في كلية الخدمة االجتماعية‪ .‬باإلضافة لعملها في تحصيل األقساط وتسليم القروض‪ ،‬ترد أم كلثوم‬

‫على التليفون وتقوم بالتعامالت المالية مع البنك بخصوص مشروع القروض‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وخالل العام الدراسي يزيد التواجد النسائي في المقر بوجود نبيلة وفاطمة اللتين تشرفان على الحضانة‪ .‬األولى‬

‫درست في مدرسة ثانوية صناعية تخصص حياكة‪ ،‬وهي من الناصرية‪ ،‬والثانية درست في مدرسة ثانوية تجارية‬

‫وهي من حمردام‪.‬‬

‫مدير لمشروع تدوير المخلفات الزراعية‪ ،‬وهو مهندس زراعي من‬


‫أما خارج المقر فيعمل المهندس منصف ًا‬

‫الفوارس وزوج المهندسة هالة‪ .‬يعمل معه في هذا المشروع مدحت كسائق للجرار‪ ،‬وهو من الناصرية‪ .‬أما بالنسبة‬

‫لمشروع كسح مياه الصرف التابع لجمعية الفوارس‪ ،‬فيعمل به سائقان هما زايد وعبد الرحيم‪ ،‬األول من قرية العزب‬

‫أيضا على‬
‫قبلي والثاني من الناصرية‪ ،‬كما يعمل معها عامالن هما عبد الرحمن وسيد وهما من الفوارس ويعمالن ً‬

‫حراسة مقر الجمعيتين أثناء الليل حيث يتناوبان البيات فيه‪.‬‬

‫شخصا يعملون في الجمعيتين‪ .‬ثمانية منهم يعملون في جمعية الفوارس‪ ،‬منهم‬


‫ً‬ ‫في اإلجمالي‪ ،‬هناك أحد عشر‬

‫اثنان بدون أجر من الجمعية وهما األستاذ أمين وهو موظف في الوحدة االجتماعية والمهندسة هالة وهي موظفة في‬

‫الجمعية التعاونية‪ ،‬أما جمعية تنمية المجتمع الزراعي فيعمل بها ثالثة أشخاص‪ .‬داخل مقر الجمعيتين يعمل خمسة‬

‫أشخاص منهم أربع سيدات‪ ،‬في حين يعمل ستة أشخاص في المشروعات القائمة خارج المقر وجميعهم من الرجال‪.‬‬

‫مجلس إدارة الجمعيتين‪:‬‬

‫وفقًا لما ينص عليه قانون الجمعيات‪ ،‬يتكون مجلس إدارة كل جمعية من عدد فردي من األعضاء‪ .‬في‬

‫الجمعيتين محل الدراسة يتكون مجلس اإلدارة من عدد سبعة أفراد‪ ،‬منهم سيدة واحدة هي المهندسة هالة في مجلس‬

‫اضعا‪ ،‬إال أنه يعتبر طفرة اجتماعية لم تكن‬


‫إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ .‬وان بدا هذا التمثيل النسائي متو ً‬

‫متاحة في الماضي‪.‬‬

‫نادر ما تكون‬
‫يجتمع مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي مرة كل شهرين أو ثالثة في مقر الجمعية‪ً .‬ا‬

‫دائما على جدول األعمال وعلى الق اررات وتعطي رأيها‬


‫ليال‪ ،‬ولكنها تطّلع ً‬
‫المهندسة هالة حاضرة ألن االجتماع يكون ً‬

‫نهار في الجمعية‪ .‬تمتاز هذه االجتماعات بالجدية واالنتظام وذلك ألن األستاذ محمود رئيس مجلس‬
‫أثناء تواجدها ًا‬

‫‪44‬‬
‫ظم‪ ،‬وألن أعضاء المجلس بينهم عالقات صداقة خارج إطار الجمعية مما يسهّل عملهم‬
‫اإلدارة هو شخص من ّ‬

‫كفريق‪.‬‬

‫وقد أتيحت لي الفرصة أثناء تواجدي لحضور أحد هذه االجتماعات‪ ،‬والذي حضره األعضاء الذكور في‬

‫المجلس جميعهم باإلضافة إلى المهندس منصف والذي عرض على المجلس تطورات مشروع تدوير المخلفات‪،‬‬

‫حاميا حول أفضل ما يمكن عمله في المرحلة القادمة فيما يخص تسويق السماد العضوي‪ .‬وبعد‬
‫وكان بعدها النقاش ً‬

‫أيضا‬
‫ذلك تمت مناقشة رغبة عضو مجلس اإلدارة الذي يستضيف هذا المشروع في أرضه في عدم االستمرار‪ ،‬وهنا ً‬

‫حاميا لمحاولة إيجاد بدائل‪ .‬أما الجانب األخير من االجتماع فكان أغلبه عرض لألخبار والموافقة على‬
‫ً‬ ‫كان النقاش‬

‫ما يتم في الجمعية وبعض الق اررات األقل أهمية والتي تستدعي نقاشات طويلة‪.‬‬

‫نادر وبصفة غير منتظمة في منزل أحد‬


‫أما مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس‪ ،‬فهو يجتمع ًا‬

‫ودائما ما تكون نسبة الحضور محدودة‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن محاضر اجتماعات مجلس اإلدارة يتم‬
‫ً‬ ‫األعضاء‪،‬‬

‫كتابتها بانتظام لعرضها على جهات التضامن االجتماعي بحسب القانون‪ .‬ثالثة فقط من أعضاء المجلس السبعة‬

‫يترددون على الجمعية بانتظام لمباشرة أعمالها‪ .‬من األربعة الباقين التقيت باثنين بالصدفة واالثنين اآلخرين لم أجد‬

‫أي فرصة للقائهم خالل األشهر التي قضيتها في القرية‪.‬‬

‫الجمعية العمومية وأعضاء الجمعيتين‪:‬‬

‫عضوا منهم ‪ 99‬من النساء بنسبة ‪ ،٪44‬في حين‬


‫ً‬ ‫بلغ أعضاء جمعية الفوارس في أغسطس ‪ 4779‬عدد ‪272‬‬

‫عضوا كنت أنا آخرهم‪ ،‬ومنهم ‪ 42‬من السيدات بنسبة ‪.٪44‬‬


‫ً‬ ‫بلغت عضوية جمعية تنمية المجتمع الزراعي ‪472‬‬

‫أثناء تواجدي انعقد اجتماع الجمعية العمومية لجمعية تنمية المجتمع الزراعي وكنت من الحاضرين‪ .‬تم‬

‫االجتماع في فناء المقر حيث وضعت الحصائر لهذا الغرض‪ .‬من إجمالي أعضاء الجمعية‪ ،‬كان قد دفع االشتراك‬

‫أيضا بعض األطفال بصحبة والديهم‪.‬‬


‫فردا وهم من لهم حق الحضور‪ ،‬حضر منهم ‪ 42‬فقط‪ .‬حضر ً‬
‫السنوي ‪ً 26‬‬

‫‪45‬‬
‫وتم تأجيل االجتماع لمدة ساعة لعدم اكتمال النصاب القانوني‪ ،‬تم تقديم أثنائها الشاي والحلوى وتجاذب الحاضرون‬

‫أطراف الحديث بشكل ودي‪.‬‬

‫بدأ االجتماع الفعلي بتالوة القرآن‪ ،‬وبعدها أسرد األستاذ محمود‪ ،‬رئيس مجلس اإلدارة‪ ،‬تقرير مجلس اإلدارية عن‬

‫العام المنتهي‪ .‬طرح الحاضرون بعض األسئلة اإليضاحية ولكن لم يكن هناك نقاش بمعنى الكلمة‪ .‬أسرد بعدها‬

‫األستاذ محمود خطة المجلس للعام التالي وقام بعرض ملخص للميزانية‪ .‬لم يكن هناك أي انتخابات أو ق اررات يتم‬

‫أخذها أثناء الجمعية العمومية‪ ،‬بل كانت فقط إجراء قانوني واضفاء للشرعية على ق اررات مجلس اإلدارة التي يتم‬

‫اتخاذها على مدار العام‪.‬‬

‫*******‬

‫أتاح هذا الفصل للقراء معرفة مبدئية بالجمعيتين محل الدراسة‪ ،‬بعد أن تم التعارف على القرية في الفصل‬

‫السابق‪ ،‬وذلك قبل الخوض في نتائج البحث المباشرة من خالل التشكيالت االجتماعية المختلفة في الفصول التالية‪.‬‬

‫ومن الجدير بالتوضيح أن هذا البحث يتناول الجمعيتين كوحدة واحدة وذلك لوجود عالقات تاريخية وحالية تجعلنا‬

‫نعتبرهما قاعدة أهلية واحدة تعمل في تنسيق واضح بين األطراف الفاعلة في الجمعيتين وان كانت كل جمعية‪،‬‬

‫بحسب القانون‪ ،‬مستقلة وقائمة بذاتها‪ .‬ويمكن تقدير العدد الكلي للمتعاملين والمستفيدين من الجمعيتين بحوالي ‪277‬‬

‫إلى ‪ 277‬أسرة‪ ،‬أي ما يوازي ‪ 4777‬إلى ‪ 4277‬فرد من أبناء المجتمع المحلي سيتم دراستهم من خالل التشكيالت‬

‫االجتماعية في الفصول التالية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية الداخلية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية المكانية‬

‫يقصد بالتشكيالت االجتماعية المكانية العالقات الناتجة عن االنتماء الجغرافي للجمعيات ولألطراف الفاعلة فيها‬

‫معينة‪ :‬عزبة أو قرية أو نطاق أوسع‪ .‬يبدو أن مؤسسي الجمعيتين كانوا على وعي بأهمية البعد المكاني‪،‬‬
‫إلى منطقة ّ‬

‫أيضا على االنتماء إلى نطاق أوسع وهو مركز إسنا‬


‫لذا اختاروا أن ينشئوا الجمعيتين تنتميان للقرية ككل مع التأكيد ً‬

‫تعقيدا إذ أن التقسيم المكاني به الكثير من المرونة ويتأثر‬


‫ً‬ ‫مثلما هو موضح في الئحة كل جمعية‪ .‬ولكن الواقع أكثر‬

‫بالكثير من العوامل‪.‬‬

‫اًلنتماء المكاني‪:‬‬

‫يوضح االنتماء المكاني ألعضاء الجمعية العمومية لكل جمعية جزًء من هويتها المكانية‪ .‬بالنسبة ألعضاء‬

‫جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس‪ ،‬وعددهم ‪ ،272‬منهم ‪ 492‬من عزبة الفوارس نفسها‪ ،‬أي ‪ ،٪20.2‬مقابل‬

‫عضوا من الناصرية بنسبة ‪ ٪6.9‬و‪ 0‬أعضاء من حمردام بنسبة ‪ ،٪4.2‬في حين يوجد عضوان فقط من خارج‬
‫ً‬ ‫‪46‬‬

‫العزب بحري منهما األستاذ أمين‪.‬‬

‫عضوا من عزبة‬
‫ً‬ ‫أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬والبالغ عددهم ‪ ،474‬فمنهم ‪22‬‬

‫عضوا من الناصرية بنسبة ‪ ٪44.2‬و‪ 2‬فقط من حمردام‪ ،‬أي ‪ ،٪2‬في حين أن ‪42‬‬
‫ً‬ ‫الفوارس بنسبة ‪ ٪20‬و‪44‬‬

‫عضوا‪ ،‬أي ‪ ،٪40.2‬ينتمون إلى خارج القرية‪ ،‬بعضهم من القرى المجاورة والبعض اآلخر من مدينة إسنا نفسها‪.‬‬
‫ً‬

‫‪47‬‬
‫واذا عرفنا أن سكان العزب الثالث يبلغ عددهم بالتوالي ‪ 44777‬نسمة للناصرية و‪ 2477‬الفوارس و‪4277‬‬

‫متناسبا مع هذه النسبة‪ ،‬إذ أن توزيع أعضاء‬


‫ً‬ ‫لحمردام بنسبة ‪ ،2:4:4‬نجد أن توزيعهم في عضوية الجمعيتين ليس‬

‫جمعية الفوارس على العزب الثالث هو ‪ 2:29:4‬وتوزيع أعضاء جمعية تنمية المجتمع الزراعي ‪ 9:42:4‬وبهذا‬

‫تحتل عزبة الفوارس مركز الصدارة في الحالتين‪.‬‬

‫أيضا صدارة أهل الفوارس إذ أن أعضاء مجلس اإلدارة السبعة‬


‫كما نجد أن عضوية مجلس اإلدارة يعكس ً‬

‫جميعهم من الفوارس إال إذا اعتبرنا رئيسها الشيخ موسى ذا انتماء مزدوج للفوارس و للناصرية (راجع بطاقة التعارف‬

‫به في الفصل السابق) ويمثلون ستة من األعضاء السبعة في مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي والسابع‪،‬‬

‫األستاذ كرم محمود‪ ،‬من الناصرية‪.‬‬

‫أما بالنسبة للعاملين‪ ،‬فنجد أن توزيع انتمائهم المكاني ال يخضع لالتجاه نفسه إذ أن تمثيل المنتمين إلى عزبة‬

‫اضحا‪ .‬من العاملين في الجمعيتين‪ ،‬والبالغ عددهم ‪ 2 ،44‬فقط ينتمون إلى عزبة الفوارس و‪2‬‬
‫الفوارس ليس و ً‬

‫ينتمون إلى العزبتين المجاورتين الناصرية وحمردام‪ ،‬في حين أن ‪ 4‬منهم ينتميان إلى قرى أخرى غير قرية العزب‬

‫بحري‪.‬‬

‫التوزيع المكاني لألنشطة والمشروعات‪:‬‬

‫يمكن تقسيم األنشطة والمشروعات في الجمعيتين بحسب التوزيع المكاني إلى ثالثة أنواع‪ :‬األنشطة ذات النطاق‬

‫الجغرافي المحدود‪ ،‬واألنشطة ذات النطاق الجغرافي المتوسط‪ ،‬واألنشطة ذات النطاق الجغرافي الفضفاض‪.‬‬

‫‪1‬ـ أنشطة ذات نطاق جغرافي محدود‪:‬‬

‫يقتصر النطاق الجغرافي لمشروعين من مشروعات جمعية الفوارس على أهالي عزبة الفوارس وهما مشروع‬

‫توصيل مياه الشرب ومشروع القروض الدوارة للمرأة‪ .‬في حالة المشروعين‪ ،‬كان من الممكن أن يشمال منتفعين من‬

‫خارج هذه العزبة ألنهما يتعلقان باحتياجات عامة لدى سكان هذه الناحية وليس سكان هذه العزبة دون غيرهم‪ .‬يمكن‬

‫‪48‬‬
‫إرجاع اقتصار هذين المشروعين على عزبة الفوارس إلى قرار ضمني من مجلس إدارة الجمعية يمكن تفسيره‬

‫بالرجوع لالنتماء المكاني ألعضاء المجلس‪.‬‬

‫‪1‬ـ أنشطة ذات نطاق جغرافي متوسط‪:‬‬

‫تتميز هذه المجموعة من األنشطة والمشروعات أنها تضم مستفيدين في مناطق جغرافية مختلفة‪ ،‬ولكن مع‬

‫تمثيل أكبر لسكان عزبة معينة وهي عزبة الفوارس‪ .‬ثالثة مشروعات يمكن وضعها في هذه المجموعة وهم مشروع‬

‫كسح بيارات الصرف الصحي ودار الحضانة التابعين لجمعيه الفوارس‪ ،‬ومشروع القروض الدوارة للمرأة التابع‬

‫لجمعية تنمية المجتمع الزراعي‪.‬‬

‫جميع المشتركين في مشروع الكسح والذين يدفعون اشت ار ًكا شهرًيا هم من سكان الفوارس‪ ،‬أما سكان العزب‬

‫مبلغا أكبر‪ .‬يتم تقسيم العمل في هذا المشروع بحيث يعمل جرار‬
‫األخرى فيدفعون أجرة الكسح بالنقلة‪ ،‬مما يمثل ً‬

‫بمقطورة لكسح بيارات منازل عزبة الفوارس والجرار اآلخر يهتم بالمناطق األخرى‪.‬‬

‫ونادر ما‬
‫ًا‬ ‫أما بالنسبة لدار الحضانة‪ ،‬فنجد أن أغلب األطفال فيها ينتمون ألسر عزبة الفوارس وعزبة حمردام‪،‬‬

‫يأتيها أطفال من أسر الناصرية‪ .‬يرجع ذلك ألن أطفال أسر الناصرية غالب ما يذهبون للحضانة التابعة لجمعية‬

‫تنمية المجتمع بالناصرية لقرب المسافة بالنسبة لهم‪.‬‬

‫المشروع الثالث ذو النطاق الجغرافي المتوسط هو مشروع القروض الدوارة التابع لجمعية تنمية المجتمع‬

‫الزراعي‪ ،‬حيث ‪ ٪22‬من المستفيدات منه ينتمين إلى عزبة الناصرية و‪ ٪24‬إلى عزبة الفوارس و‪ ٪2‬إلى عزبة‬

‫حمردام‪ ،‬أي أن المستفيدات من عزبة الفوارس يفوقن نسبة سكان هذه العزبة بالمقارنة بإجمالي سكان القرية‪.‬‬

‫‪3‬ـ أنشطة ذات نطاق جغرافي فضفاض‪:‬‬

‫يمكن تصنيف أربعة مشروعات على أنها ذات نطاق جغرافي فضفاض‪ ،‬أي أن المشتركين فيها ينتمون إلى‬

‫مناطق متفرقة دون أغلبية واضحة لسكان عزبة أو قرية معينة‪ .‬هذه المشروعات جميعها هي مشروعات التنمية‬

‫الزراعية‪ .‬يرجع ذلك ألن هذه المشروعات تتطلب أن يكون المزارعون المشاركون فيها لديهم بعض اإلمكانيات‬

‫‪49‬‬
‫المادية‪ ،‬ولديهم مساحة من األرض مناسبة لتطبيق نظم متطورة للزراعة اآلمنة وللزراعة التصديرية‪ .‬ينتمي بعض‬

‫هؤالء المزارعين لقرى مجاورة‪ ،‬وبعضهم يسكن مدينة إسنا‪ ،‬والبعض اآلخر لم يتم االستدالل على انتمائهم المكاني‪،‬‬

‫حيث أن األشخاص الذين أمدوني بالمعلومات لم يكونوا على علم بذلك‪ ،‬ألنهم لم يهتموا أن يسألوا عن هذه‬

‫التفاصيل عند قبول مشاركة بعض المزارعين في مشروعات الجمعية‪.‬‬

‫تأثير المؤسسين‪:‬‬

‫العامل األول الذي يفسر التشكيالت االجتماعية المكانية من حيث تكوين مجالس اإلدارات والعاملين واألعضاء‬

‫والمستفيدين من الجمعيتين يكمن في تأثير المؤسسين واالختيارات التي اتخذها هؤالء منذ بدايات كل جمعية‪،‬‬

‫خصوصا جمعية الفوارس التي تم تأسيسها من ِقَبل مجموعة من األفراد المنتمين لعزبة الفوارس والذين كانوا يسعون‬
‫ً‬

‫ألن تكون الجمعية في خدمة القرية ككل‪ .‬يشعر عدد كبير من سكان عزبتي الناصرية وحمردام أن ليس لهم مكان‬

‫خصوصا ألن اسم الجمعية‬


‫ً‬ ‫في الجمعية ألنهم لم يشاركوا في مرحلة التأسيس ولم يكن لهم تمثيل قوي في البداية‪،‬‬

‫المنشأة ي شير بوضوح لتبعيتها لعزبة الفوارس‪ .‬ويبدو أن االنتماء المزدوج لرئيس مجلس إدارة الجمعية الشيخ موسى‬

‫إلى عزبة الناصرية من ناحية عائلة أبيه والى عزبة الفوارس من ناحية عائلة أمه‪ ،‬لم يساعد على إفساح مكان كاف‬

‫وغالبا ما يرجع ذلك لكون الشيخ موسى يسكن الفوارس حيث تتركز أنشطته وعالقاته االجتماعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ألبناء الناصرية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬فإن ظروف نشأتها وتأثير مؤسسيها جعال من‬

‫التشكيالت االجتماعية المكانية فيها متباينة مع سابقتها‪ .‬منذ البداية سعى مؤسسو هذه الجمعية إلى إشراك سكان‬

‫العزب األخرى‪ ،‬بالرغم من كون أغلبهم من سكان الفوارس وكون هذه الجمعية متأثرة بالتشكيالت االجتماعية‬

‫المكانية التي ورثتها عن جمعية الفوارس‪ .‬إن اختيار مجال محدد لعمل هذه الجمعية‪ ،‬أي مجال التنمية الزراعية‪ ،‬له‬

‫أثر واضح في رغبة المؤسسين في إفساح مجال أوسع لمشاركة المهتمين بهذا النشاط على مستوى إطار مكاني‬

‫أوسع‪ ،‬وقد انعكس ذلك على اختيار اسم الجمعية وارتباطه باسم القرية وليس إلحدى العزب بعينها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫تأثير شبكات العالقات اًلجتماعية‪:‬‬

‫زمنيا في‬
‫إن كان تأثير المؤسسين مرتبطًا بمرحلة إنشاء كل جمعية‪ ،‬فإن شبكات العالقات االجتماعية تأتي ً‬

‫تبين أن‬
‫المرحلة الالحقة للتأسيس لتكمل تأثيرها على التشكيالت االجتماعية المكانية‪ .‬من خالل مصادر متعددة‪ّ ،‬‬

‫األعضاء والمنتفعين القادمين من عزب أو قرى أخرى أغلبهم مرتبطون بعالقات اجتماعية مع أشخاص داخل‬

‫الجمعية هم الذين دعوهم للمشاركة‪.‬‬

‫نجد على سبيل المثال‪ ،‬أن جميع أعضاء جمعية الفوارس المنتمين لعزبة حمردام هم أحد أعز أصدقاء الشيخ‬

‫عددا من أعضاء‬
‫أيضا أن ً‬
‫موسى واخوته‪ ،‬وأن فاطمة‪ ،‬مشرفة الحضانة من عزبة حمردام‪ ،‬هي ابنة أحدهم‪ .‬نجد ً‬

‫جمعية تنمية المجتمع الزراعي والقادمين من قرى بعيدة‪ ،‬هم مدرسون في المدرسة الثانوية الزراعية بالقرية دعاهم‬

‫عددا‬
‫أيضا أن ً‬
‫مدرسا في هذه المدرسة‪ .‬نجد ً‬
‫ً‬ ‫أحد أعضاء إدارة الجمعية للمشاركة في الجمعية‪ ،‬وهو زميل لهم يعمل‬

‫كبير من النساء العضوات في جمعية الفوارس والمنتميات لعزبة الناصرية يحملن أرقام عضوية متتابعة‪ ،‬دليل على‬
‫ًا‬

‫دخولهن الجمعية مجتمعات‪ .‬وبالبحث اكتشفت أنهن شاركن في ورشة الخياطة بالجمعية‪ ،‬وبالتالي يخلق ترابطهن‬

‫شبكة عالقات اجتماعية‪.‬‬

‫غياب تأثير النشاط الزراعي والري‪:‬‬

‫في البداية كنت قد وضعت فرضية بأن النشاط الزراعي عامل مؤثر في التشكيالت االجتماعية المكانية عن‬

‫طريق ظهور أنشطة متعلقة بمحصول معين أو بأسلوب زراعي معين‪ ،‬يتبناه مزارعون متجاورون أو من منطقة‬

‫واحدة‪ ،‬وبالمثل نظام الري‪ ،‬إذ افترضت أن المزارعين المتشاركين في مساقي مشتركة يمكنهم أن يشاركوا في‬

‫معين حول هذه المساقي‪ ،‬إال أن هذين الفرضين لم يثبتا صحتهما‬


‫مشروعات وأنشطة مشتركة في نطاق جغرافي ّ‬

‫أيضا مشاركة المزارعين في‬


‫ألن اختيار المحصول المزروع وأسلوب الزراعة المتّبع هو في األغلب اختيار فردي‪ ،‬و ً‬

‫أيضا اختيار فردي في المقام األول دون وجود رؤية واضحة إلدخال البعد‬
‫أنشطة الجمعيتين ومشروعاتهما هو ً‬

‫المكاني كعنصر من عناصر إعداد المشروعات التي تقوم بها الجمعية أو كمعيار الختيار المشاركين فيها‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫*******‬

‫تُظهر التشكيالت االجتماعية المكانية البعد االجتماعي للتوزيع الجغرافي لألشخاص المتعاملين مع الجمعيتين‬

‫ولألنشطة والمشروعات الموجودة‪ .‬تؤثر طبيعة كل نشاط وكل مشروع على تحديد اإلطار الجغرافي المناسب‬

‫الحيز‬
‫لتطبيقه‪ .‬كما يحدد صانعو القرار في الجمعيتين‪ ،‬بحسب انتماءاتهم المكانية‪ ،‬توجهات كل جمعية في اختيار ّ‬

‫يتغير مع‬
‫الحيز المكاني ليس له إطار واحد ثابت بل يتمتع بقدر من المرونة ويمكن أن ّ‬
‫المكاني لكل نشاط‪ .‬هذا ّ‬

‫الوقت بفعل التأثيرات االجتماعية عليه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية العائلية‬

‫يأتي الدور هنا للحديث عن االنتماءات العائلية‪ ،‬وهي امتداد لالنتماءات المكانية السابق ذكرها‪ ،‬حيث أن كل‬

‫عزبة تنقسم إلى عائالت‪ ،‬ثم تنقسم كل عائلة إلى بيوت‪ .‬سوف أقتصر في هذا الفصل على تحليل وعرض‬

‫التشكيالت االجتماعية العائلية على مستوى عائالت العزب الثالث المكونة لقرية العزب بحري دون األخذ في‬

‫أمر غير ٍ‬
‫مجد‪ .‬وبالمثل سوف أقتصر‬ ‫االعتبار المنتمين للقرى األخرى لقلة عددهم‪ ،‬مما يجعل تقسيمهم لعائالت ًا‬

‫على مستوى العائالت وليس البيوت للسبب نفسه‪ ،‬إذ أن محاولة تقسيم االنتماء إلى بيوت آلت ألعداد متناهية في‬

‫أمر ال يكفي معه الوصول الستنتاجات‪ .‬يعتمد هذا الفصل بشكل أساسي على ملف البيانات‬
‫الصغر تجعل تحليلها ًا‬

‫الكمية الذي أعددته بمساعدة مسئولي الجمعية والذي يضم البيانات األساسية لكل األشخاص المتعاملين مع‬

‫الجمعية‪.‬‬

‫تمثيل العائالت في مجالس اإلدارة‪:‬‬

‫هناك الكثير من األنماط التي يمكن أن تتخذها الجمعيات لتمثيل العائالت في مجالس إدارتها‪ .‬يمكن للجمعية‬

‫أن تتجاهل البعد العائلي ويتم اختيار أعضاء المجلس بشكل فردي‪ ،‬أو على العكس االهتمام بتمثيل كل عائلة‬

‫أيضا أن تنشئ عائلة جمعية تحمل اسمها ويكون جميع أعضاء مجلسها من المنتمين‬
‫بعضو في المجلس‪ .‬ويمكن ً‬

‫لهذه العائلة‪.‬‬

‫اختارت جمعية الفوارس منذ نشأتها أن يتم تمثيل كل عائلة من عائالت الفوارس بعضو في مجلس اإلدارة‪ :‬كل‬

‫عضو من األعضاء السبعة ينتمي لعائلة من العائالت السبع في هذه العزبة‪ ،‬وهو شخص عليه إجماع من عائلته‬

‫تحيز الجمعية لعائلة دون األخرى‪ .‬أما في‬


‫كي يمثلها بحيث ال يجوز فيما بعد أن يشكو أحد أهل العزبة من ّ‬

‫‪53‬‬
‫التطبيق‪ ،‬فإن أربعة من األعضاء السبعة نشاطهم في الجمعية ضعيف أو معدوم‪ ،‬مما يؤدي بنا أن نصف تمثيل‬

‫عائالتهم في المجلس بالتمثيل الشرفي أو الرمزي دون أن يكون له أي مردود إجرائي في اتخاذ الق اررات‪.‬‬

‫أما جمعية تن مية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬فهي اختارت منذ تأسيسها أال تضع االنتماء العائلي في‬

‫عضوا من أحد عائالت عزبة الناصرية‪ ،‬في‬


‫ً‬ ‫أولويات معايير اختيار أعضاء مجلس إدارتها‪ .‬كانت النتيجة أن هناك‬

‫حين هناك ستة من الفوارس‪ ،‬منهم ثالثة من عائلة واحدة‪ ،‬وهي ليست العائلة التي ينتمي لها رئيس المجلس ولكنها‬

‫عائلة والدته‪ ،‬وثالثة من عائالت أخرى في العزبة‪ .‬األعضاء الثالثة المنتمون لعائلة واحدة‪ ،‬وهي عائلة الغرايب‪ .‬ال‬

‫يمكن إرجاع سبب وجودهم في المجلس فقط لتمثيل هذه العائلة ألن منهم المهندسة هالة‪ ،‬وهي تمثل العنصر‬

‫مدرسا بالمدرسة الثانوية‬


‫ً‬ ‫النسائي‪ ،‬واألستاذ عبد القادر‪ ،‬وهو مهندس زراعي حاصل على درجة الماجستير ويعمل‬

‫أخير األستاذ بالل‬


‫الزراعية‪ ،‬وهو بالتالي يمثل خبرة علمية ومهنية مهمة لمجال عمل الجمعية في مجال الزراعة‪ ،‬و ًا‬

‫فضل‪ ،‬وهو من كبار عائلة الغرايب وفي ذات الوقت من المهتمين بالعمل التطوعي‪ ،‬إذ أنه الوحيد الذي يجمع بين‬

‫عضوية مجلس إدارة الجمعيتين‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أنه هناك جمعية أحادية العائلة‪ ،‬وهي جمعية العطارين لتنمية المجتمع النسائي بالفوارس‪.‬‬

‫هذه الجمعية جميع أعضائها من عائلة العطارين‪ ،‬ثلثهم من النساء وثلثهم من الرجال‪ ،‬وهي مشهرة عام ‪4772‬‬

‫برعاية الشيخ موسى‪ .‬يقول الشيخ موسى أن اقتصار هذه الجمعية على عائلة العطارين‪ ،‬وهي العائلة التي تنتمي‬

‫لها والدته‪ ،‬ليس معناه أال تكون الجمعية في خدمة الجميع‪ ،‬لكن وجود جميع زمام األمور في عائلة واحدة يسهّل من‬

‫عملية اتخاذ الق اررات ويحول دون تدخل العناصر غير المرغوب فيها‪ .‬وبهذا نجد أنه بعد تجربة التمثيل المكافئ‬

‫لجميع األسر في جمعية الفوارس‪ ،‬تم إنشاء هذه الجمعية بواسطة الشخص نفسه‪ ،‬الشيخ موسى‪ ،‬لتكون على‬

‫النقيض ممثلة ألسرة واحدة‪ ،‬مما يتيح التكامل بين الجمعيات واختيار األنشطة المناسبة وعملها في إطار الجمعية‬

‫التي تتيح لها تشكيالتها االجتماعية العائلية أقصى درجات النجاح واليسر في التطبيق‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫جمعية تنمية المجتمع بالفوارس والسعي نحو التوازن‪:‬‬

‫بالرغم من تمثيل كل عائالت الفوارس في مجلس اإلدارة‪ ،‬وهو أمر تمكنت الجمعية من التحكم فيه‪ ،‬إال أن ذلك‬

‫لم يتحقق على مستوى عضوية الجمعية‪ .‬حوالي ربع أعضاء الجمعية من المنتمين لعزبة الفوارس ينتمون لعائلة‬

‫عددا في العزبة‪ ،‬ويأتي بعدها عائلتا العطارين والشرفات حيث تمثل كل واحدة‬
‫الخماسي الكبير‪ ،‬وهي أكبر العائالت ً‬

‫كبير من‬
‫عددا ًا‬
‫منهما خمس أعضاء الجمعية‪ .‬يرجع الوجود القوي لعائلة العطارين وجود الشيخ موسى حيث أن ً‬

‫األعضاء المنتمين لهذه العائلة هم أوالد أخواله وأسرهم‪ .‬وبالمثل يمكن إرجاع الوجود القوي لعائلة الشرفات لوجود‬

‫أيضا أن العائالت األخرى‪ ،‬وان كانت أقل‬


‫عضو نشط بها جلب جميع أوالده وأحفاده للعضوية‪ .‬ومن المالحظ ً‬

‫تمثيال‪ ،‬يغلب على أعضائها عالقات اإلخوة أو أوالد العمومة‪.‬‬


‫ً‬

‫عددا في‬
‫أما بالنسبة للمنتفعين من أنشطة ومشروعات الجمعية‪ ،‬نجد أن عائلة الخماسي الكبير‪ ،‬وهي األكبر ً‬

‫العزبة‪ ،‬تحتل المرتبة األولى في مشروعي توصيل مياه الشرب وكسح بيارات الصرف‪ .‬أما مشروع القروض الصغيرة‬

‫للمرأة‪ ،‬فنجد عائلتي البركي والشرفات في المقدمة‪ ،‬وليس الخماسي الكبير‪ ،‬وهما عائلتان أغلب أبنائهما من ميسوري‬

‫غالبا ما يرجع ذلك لثقة الجمعية في أبناء هاتين العائلتين في سداد أقساط هذه القروض ولذلك يتصدران هذه‬
‫الحال‪ً .‬‬

‫المشروع‪.‬‬

‫جمعية تنمية المجتمع الزراعي والسعي نحو الحيادية‪:‬‬

‫ينعكس تكوين مجلس إدارة هذه الجمعية على تمثيل العائالت في عضويتها‪ ،‬برغم محاولة هذه الجمعية عدم‬

‫أخذ االنتماء العائلي في أولوياتها في قبول أعضاء جمعيتها العمومية‪ .‬تتصدر القائمة عائلة الغرايب حيث ينتمي‬

‫إليها حوالي ُخمس أعضاء الجمعية‪ .‬يرجع ذلك لوجود ثالثة منها في مجلس اإلدارة وهم قد دعوا بعض أقاربهم‬

‫أعضاء في الجمعية‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن عائلة البركي‪ ،‬وهي التي ينتمي لها رئيس مجلس إدارة‬
‫ً‬ ‫ليكونوا‬

‫اضعا عن طريق األستاذ محمود وزوجته وثالثة من إخوته‪.‬‬


‫تمثيال متو ً‬
‫ً‬ ‫الجمعية‪ ،‬ممثلة‬

‫‪55‬‬
‫أعدادا‬
‫ً‬ ‫أما بالنسبة لألنشطة‪ ،‬فسيتم االقتصار على مشروع القروض الصغيرة للمرأة ألن األنشطة األخرى تضم‬

‫صغيرة من المنتفعين مما يحول دون إمكانية التقسيم بحسب االنتماء العائلي لضآلة العدد من كل عائلة‪ .‬نجد أن‬

‫المنتفعات من القروض الدوارة تتصدرهن عائلة الشرفات‪ ،‬مثلما هو الحال في المشروع المشابه بجمعية الفوارس‪.‬‬

‫تمثيال‬
‫ً‬ ‫أيضا في مشروع القروض بجمعية الفوارس‪ ،‬نجدها ممثلة‬
‫ولكن عائلة البركي‪ ،‬والتي كانت في مركز الصدارة ً‬

‫اضعا في مشروع القروض بجمعية تنمية المجتمعي الزراعي‪ .‬يمكن إرجاع ذلك ألن هذه العائلة ينتمي إليها‬
‫متو ً‬

‫يميز أفراد عائلته‪ ،‬فيتعمد أن يكون تمثيلها ضعيفًا‬


‫رئيس مجلس إدارة الجمعية والذي يخشى أن يقول البعض أنه ّ‬

‫بالرغم من إقبال أبناء هذه العائلة على القروض المقدمة من الجمعية األخرى‪ .‬أما عائالت الناصرية وحمردام‪ ،‬فإنهم‬

‫أيضا أن بين المنتفعين من المشروعات المنتمين لعائلة واحدة الكثيرين من‬


‫موزع‪ .‬من الجدير بالذكر ً‬
‫ممثلون بشكل ّ‬

‫األخوات وأبناء العم‪ ،‬مما يدل على أن انتشار المعلومات في إطار األسرة هو أحد أنجح وسائل انتشار المعلومات‬

‫في هذا المجتمع‪.‬‬

‫استراتيجيات العائالت تجاه الجمعيات‪:‬‬

‫أيضا تناول التشكيالت االجتماعية العائلية من ناحية توجهات واستراتيجيات كل عائلة فيما يختص‬
‫يمكن ً‬

‫بالجمعيات‪ .‬هذه التوجهات هي مزيج من الق اررات المعلنة لبعض األطراف الفاعلة واالختيارات الضمنية التي يمكن‬

‫الكشف عنها من التحليل على أرض الواقع‪.‬‬

‫تتمتع عائلة الشرفات بمكانة اجتماعية واقتصادية مرتفعة في عزبة الفوارس‪ .‬ليس لدى هذه العائلة الكثير لتكسبه‬

‫تمثيال يليق بها ويقبل أبنائها على االستفادة من‬


‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬لذا فهي تبقى ممثلة‬
‫من الجمعيتين‪ ،‬ولكنها ال تريد أن تخسر ً‬

‫المشروعات التي تهمهم في الجمعيتين مثل القروض الصغيرة للمرأة‪.‬‬

‫أما عائلة الخماسي الكبير‪ ،‬فهي متأثرة بكونها أكبر عائلة في العزبة من حيث عدد المنتمين لها‪ .‬ينعكس هذا‬

‫خصوصا التي تستهدف ذوي‬


‫ً‬ ‫التفوق العددي على درجة تمثيلها في الجمعيتين وفي مختلف األنشطة والمشروعات‪،‬‬

‫الدخل المحدود مثل توصيل مياه الشرب وكسح بيارات الصرف الصحي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫يشجع أبناء‬
‫تتمتع عائلة العطارين بمكانة متوسطة في العزبة‪ ،‬إال أن وجود الشيخ موسى ونشاطه في الجمعيات ّ‬

‫هذه العائلة على المشاركة في النشاط األهلي‪ .‬وان كانت هذه العائلة ليست ضمن أكثر المنتفعين من األنشطة‬

‫والمشروعات المختلفة‪ ،‬إال أنها تربح الكثير من المكانة بفضل انخراط أبنائها في هذا العمل‪.‬‬

‫تتشابه عائلتا البركي والغرايب مع عائلة العطارين في كون بعض أعضائها نشيطين في الجمعيتين‪ ،‬إال أن‬

‫عموما بالعمل األهلي باستثناء األستاذ محمود رئيس مجلس إدارة جمعية المجتمع‬
‫ً‬ ‫عائلة البركي ليست مهتمة‬

‫الزراعي وبعض أقرباؤه‪.‬‬

‫جيدا في عضوية الجمعية العمومية ومجلس اإلدارة في الجمعيتين‪ ،‬إال أن‬


‫تمثيال ً‬
‫ً‬ ‫أما عائلة الغرايب‪ ،‬فهي ممثلة‬

‫استفادة أبنائها من بعض األنشطة والمشروعات تبقى محدودة‪.‬‬

‫أما عن العائلتين الباقيتين في الفوارس وعائالت الناصرية وحمردام‪ ،‬فمن الصعب الوصول لتحديد توجهاتها‬

‫واستراتيجياتها تجاه الجمعيتين‪ ،‬إن كان لها توجهات خاصة‪ ،‬لضعف وجودها على الساحة مقارنة بعائالت الفوارس‬

‫الخمس المذكورة سالفًا‪ .‬من الالفت لالنتباه فقط أن العائلتين الكبيرتين في الناصرية‪ ،‬واللتين تتنازعان منصب‬

‫غالبا ألنهم لم يعوا بأهمية العمل‬


‫عموما‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫العمودية عبر التاريخ‪ ،‬ليس لهما اهتمام بالجمعيتين وال بالعمل األهلي‬

‫سياسيا من االنخراط فيه‪.‬‬


‫ً‬ ‫األهلي وبما يمكنه أن يكسبوه‬

‫*******‬

‫ألن البناء العائلي عنصر مهم في حياة الريفيين في مصر‪ ،‬فإن انعكاس ذلك على الجمعيات من خالل‬

‫التشكيالت االجتماعية العائلية أمر غاية في األهمية‪ .‬ولكن هذا الموضوع يتمتع بالكثير من الحساسية‪ ،‬لذلك لم‬

‫أتمكن من الحديث عنه بانفتاح مع أهالي العزب بحري إال بعد أن اجتزت مرحلة بناء الثقة بشكل كاف‪ ،‬حيث أنهم‬

‫يفضلون الحديث عما يجمعهم أكثر مما يفرقهم‪ .‬أعتقد أنه لن يروق لهم عرض ومقارنة تمثيل العائالت في‬

‫الجمعيتين وتوجهاتها بهذا الشكل‪ ،‬فهم يفضلون أن يبقى ذلك في طي الكتمان‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫عنصر أساسًيا في دراسة الجمعيات من هذا النوع‪ ،‬حيث أن توزيع المسئولين‬
‫ًا‬ ‫ولكن يبقى البعد العائلي‬

‫واألعضاء والمنتفعين بحسب انتمائهم العائلي ال يخضع للصدفة‪ ،‬بل لعدد من العوامل الضمنية والمعلنة من جانب‬

‫الجمعيات التي تسعى ألن تتواكب مع التشكيالت االجتماعية العائلية في القرية‪ ،‬وتالفي إمكانية ظهور تضاد بين‬

‫غالبا ألنه في حالة وجود أي تضاد‪ ،‬لن يكون ذلك في صالح الجمعية لكونها‬
‫مصلحة الجمعية والتركيب العائلي‪ً ،‬‬

‫حركة اجتماعية جديدة وغير راسخة في المجتمع المحلي بالمقارنة بالنظام االجتماعي العائلي‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية اًلقتصادية‬

‫بحسب األرقام واإلحصائيات‪ ،‬نجد أن الفقر منتشر بين سكان قرية العزب بحري حيث النشاط الزراعي هو‬

‫تصنف الوحدة‬
‫النشاط االقتصادي الرئيسي‪ ،‬وحيث أن ‪ ٪92‬من الحيازات الزراعية تقل مساحتها عن فدان واحد‪ّ .‬‬

‫المحلية أسر العزب بحري بحسب الحالة االقتصادية إلى ‪ ٪22‬أسر فقيرة‪ ،‬وهي التي يعمل عائلها باألجرة في مجال‬

‫الزراعة أو صيد األسماك أو التي تعتمد على اإلعانات أو المعاشات‪ ،‬و‪ ٪6‬أسر متوسطة وفقط ‪ ٪2‬أسر غنية‬

‫ويقدر دليل التنمية البشرية متوسط دخل الفرد في السنة في هذه‬


‫وهي التي تملك حيازة مساحتها ‪ 2‬أفدنة أو أكثر‪ّ .‬‬

‫القرية بأقل من ‪ 4777‬دوالر أمريكي‪.‬‬

‫أما عندما طلبت من أبناء القرية أن يقترحوا معايير لتقسيم األسر بحسب الحالة االقتصادية‪ ،‬فكان هناك شبه‬

‫إجماع على تقسيمها إلى أسر ميسورة الحال وأسر متوسطة وأسر محتاجة‪ .‬ميسورو الحال هم من ليس لديهم قلق‬

‫بخصوص المستقبل لوجود أمالك أو مدخرات كافية‪ ،‬إما لديهم ‪ 2‬أفدنة أو أكثر في القرية أو ‪ 47‬أفدنة أو أكثر في‬

‫األراضي الجديدة أو لديهم عمل تجاري مربح أو يجمعون بين أكثر من نشاط اقتصادي‪ ،‬وهم بالتالي ال يحتاجون‬

‫لالقتراض من اآلخرين في أي ظرف من الظروف‪ .‬أما المتوسطون فهم أغلبية أسر القرية الذين يعيشون بكفاف‬

‫محليا دون زيادة يدخروها ودون عجز يجعلهم يستدينون إال في الظروف‬
‫ً‬ ‫يومهم بحسب مستوى المعيشة السائد‬

‫القصوى‪ ،‬مثل المرض أو زواج أحد األبناء‪ ،‬وفي هذه الحالة يضطرون لالقتراض ويسددون الحقًا‪ .‬في حين أن‬

‫األسر المحتاجة هي التي ال يكفي دخلها نفقات توفير حياة كريمة ألبنائها‪ ،‬وهم بالتالي يحتاجون لمساعدة من‬

‫جانب الدولة أو من جانب باقي أهل القرية‪ ،‬واذا اقترضوا فال يوجد ضمان ٍ‬
‫كاف إلمكانياتهم في سداد الديون‪ .‬تضم‬

‫األسر المحتاجة األرامل وكبار السن والعمال الزراعيين الذين ال حيازة لهم‪.‬‬

‫لم يتمكن من سألتهم من تقدير الدخل المتوسط لكل فئة من الفئات الثالث أو نسبة كل فئة بالنسبة إلجمالي‬

‫سكان القرية‪ ،‬وهي معلومات ال يمكن تقديرها بسهولة على أي حال بل يجب إجراء بحوث جادة للوصول إليها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫كليا عن‬
‫ولكن من الجدير بالذكر أن هذه الفئات الثالث المقترحة‪ ،‬ميسوري الحال والمتوسطين والمحتاجين‪ ،‬تختلف َ‬

‫التصنيف الرسمي السالف ذكره‪ ٪2 ،‬أغنياء و‪ ٪6‬متوسطون و‪ ٪22‬فقراء‪ ،‬وذلك ألن وجهة النظر الخارجية تقارن‬

‫سكان القرية بمستويات الدخل والمعيشة على مستوى مصر والعالم فيظهر أغلب أبناء القرية فقراء بحسب هذه‬

‫تعقيدا‪ ،‬وبالتالي تسمح بتوزيع األسر‬


‫ً‬ ‫المعايير‪ ،‬أما من وجهة النظر الداخلية ألبناء القرية فهناك معايير أخرى أقل‬

‫وفق منحنى يمكن تخيله أقرب لمنحنى التوزيع الطبيعي‪.‬‬

‫الحالة اًلقتصادية لمجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع بالفوارس وألعضائها‪:‬‬

‫يمكن تصنيف خمسة من أعضاء مجلس إدارة جمعية الفوارس السبعة على أنهم من المتوسطين‪ ،‬وهم جميعهم‬

‫ممن يجمع بين عدد من األنشطة االقتصادية باإلضافة إلى النشاط الزراعي‪ .‬أما االثنان الباقيان فهما مزارعان‬

‫إيجابيا في أنشطة الجمعية‪ .‬يبدو أن هذا التشكيل يحمل‬


‫ً‬ ‫يمكن اعتبارهما من المحتاجين‪ ،‬وهما ممن ال يساهمون‬

‫رغبة ضمنية من الجمعية من أن يكون هناك تمثيل‪ ،‬ولو رمزي‪ ،‬للمحتاجين داخل تكوينها‪.‬‬

‫أما أعضاء الجمعية العمومية لهذه الجمعية‪ ،‬فيمكن اعتبار ‪ ٪44‬منهم من ميسوري الحال و‪ ٪99‬من‬

‫تمثيال من المحتاجين‪،‬‬
‫ً‬ ‫طبيعيا فيما عدا أن ميسوري الحال أكثر‬
‫ً‬ ‫المتوسطين و‪ ٪44‬من المحتاجين‪ .‬يبدو هذا التوزيع‬

‫مما يدعو للدهشة‪ .‬وبمقارنة هذه الفئات مع االنتماء الجغرافي لهؤالء األعضاء لم يتبين وجود فروق بين أبناء العزب‬

‫المختلفة مما يستدعي التعليق‪ .‬أما بالمقارنة مع االنتماء العائلي فيتبين أن العائالت ذات المكانة االجتماعية‬

‫المرتفعة‪ ،‬نسبة الميسورين منها واألعضاء في الجمعية‪ ،‬أكبر من المتوسط مثل عائلة الشرفات‪ ،‬مما يؤكد صحة‬

‫البيانات وتوافقها مع ما تم مشاهدته‪.‬‬

‫الحالة اًلقتصادية لمجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي وألعضائها‪:‬‬

‫أربعة من أعضاء مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي السبعة يمكن اعتبارهم من المتوسطين‪ ،‬والثالثة‬

‫الباقون من ميسوري الحال‪ ،‬منهم أحد كبار المزارعين‪ .‬يشير هذا التوزيع لرغبة الجمعية في جذب األشخاص الذي‬

‫‪60‬‬
‫لديهم قابلية أكبر للتطوير‪ ،‬وهي بالتالي تميل ناحية ميسوري الحال وليس المحتاجين في اختيارها لمن يساهمون في‬

‫صنع الق اررات‪.‬‬

‫أيضا على أعضاء الجمعية العمومية حيث أن حوالي نصفهم من المتوسطين والنصف اآلخر من‬
‫وينعكس ذلك ً‬

‫احدا فقط يمكن اعتباره من المحتاجين‪ .‬كما يزداد تمثيل الميسورين بين األعضاء‬
‫فردا و ً‬
‫ميسوري الحال‪ ،‬في حين أن ً‬

‫القادمين من خارج عزبة الفوارس ومن خارج قرية العزب بحري‪ ،‬مما يؤكد الطابع االنتقائي لهذه الجمعية‪.‬‬

‫أيضا في جمعية تنمية المجتمع الزراعي هو ستة‬


‫ومن الجدير بالذكر أن االشتراك السنوي في جمعية الفوارس و ً‬

‫سنويا‪ ،‬وهو مبلغ رمزي‪ .‬لذلك ال يجب اعتبار ذلك عائقًا أمام العضوية إذ أن قرار العضوية أو عدمها‬
‫ً‬ ‫جنيهات‬

‫يرجع لعوامل أخرى‪ ،‬سواء من جانب العضو أو الجمعية‪ ،‬وفق التشكيالت االجتماعية المختلفة وليس وفق مبلغ‬

‫االشتراك السنوي‪.‬‬

‫أنشطة لميسوري الحال‪:‬‬

‫لكل نشاط أو مشروع فئة مستهدفة مختلفة بحسب طبيعة النشاط وتوجهات الجمعية‪ .‬هناك أنشطة تستهدف في‬

‫المقام األول ميسوري الحال‪ ،‬ومنها مشروعات التنمية الزراعية التي يمثل ميسورو الحال غالبية المستفيدين منها‪.‬‬

‫يشارك في هذه المشروعات المزارعون الذين لديهم حيازة ورأسمال كافيان لتطبيق أنظمة متطورة في الزراعة إلنتاج‬

‫محصول ذا جودة عالية وقابل للتصدير‪ .‬ومن المالحظ أن المزارعين المشاركين في هذه المشروعات من عزبة‬

‫الفوارس أغلبهم من المتوسطين‪ ،‬بعكس المشاركين من خارج هذه العزبة‪ .‬هذه النوعية من المشروعات تفترض أن‬

‫مشاركة كبار المزارعين سوف تفتح الطريق فيما بعد لمشاركة المزارعين األصغر‪ ،‬وبذلك تعم الفائدة على المجتمع‬

‫ككل‪ ،‬إذ أن صغار المزارعين وحدهم لن يتمكنوا من إنجاح هذه المشروعات في مرحلة بدايتها لضعف إمكانياتهم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أنشطة للمتوسطين‪:‬‬

‫برغم أنه للوهلة األولى يمكن أن نتوقع أن يكون أغلب المنتفعين من مشروع توصيل مياه الشرب ومن كسح‬

‫بيارات الصرف الصحي من المحتاجين‪ ،‬إال أن نصيب األغلبية كان لصالح المتوسطين‪ ،‬حيث يمثلون ‪ ٪07‬في‬

‫األول و‪ ٪09‬في الثاني‪ .‬ولكن في المشروعين نجد أن مشاركة المحتاجين أكبر من مشاركة ميسوري الحال‪.‬‬

‫كبير‬
‫عبئا ًا‬
‫أثناء تواجدي في القرية في صيف سنة ‪ 4779‬حدثت زيادة في أسعار الوقود بواقع ‪ ،٪27‬مما ش ّكل ً‬

‫على جمعية الفوارس لزيادة تكاليف تشغيل الج اررات في مشروع كسح بيارات مياه الصرف الصحي‪ ،‬كان رد فعل‬

‫الجمعية التلقائي هو زيادة قيمة االشتراكات في هذا المشروع وقيمة الكسح بالنقلة بنسبة ‪ ٪27‬لتجنب الخسارة‬

‫خصوصا أن أسعار أغلب السلع والخدمات زادت في‬


‫ً‬ ‫تذمر بعض األهالي من هذا القرار لكن دون جدوى‪،‬‬
‫المالية‪ّ .‬‬

‫وقت واحد‪ .‬أثناء هذه األحداث كان مسئولو الجمعية يفكرون في كيفية استمرار هذا المشروع المهم دون خسارة‬

‫مالية‪ ،‬وفي الوقت ذاته كيفية تجنب تحميل محدودي الدخل أعباء إضافية‪.‬‬

‫القروض الصغيرة‪ :‬نموذج للتشكيالت اًلجتماعية اًلقتصادية‪:‬‬

‫ُي َعد مشروعا القروض الصغيرة للمرأة من أكثر األنشطة التي ترتبط بالتشكيالت االجتماعية االقتصادية ألنها‬

‫أحيانا لالقتراض من األقارب واألصدقاء‬


‫ً‬ ‫تتعلق بمشكلة الفقر ونقص السيولة لدى بعض الناس‪ .‬يلجأ البعض‬

‫أيضا إحساس المقترض بالخجل‬


‫ألسباب مختلفة‪ ،‬ولكن تواجههم مشاكل ندرة المقرضين بسبب انتشار الفقر و ً‬

‫الضط ارره لطلب المساعدة‪ .‬أما االقتراض من البنوك‪ ،‬فهو أمر معقّد بالنسبة للكثير من الريفيين‪ .‬لذلك تمثّل‬

‫مناسبا لهذه المشكلة إذ أن التعامل مع الجمعية‪ ،‬بصفتها جهة‬


‫ً‬ ‫حال‬
‫مشروعات القروض الصغيرة في الجمعيات ً‬

‫وليست أفراد‪ ،‬يزيل الخجل‪ ،‬وألن اإلجراءات المطلوبة سهلة وبسيطة‪ .‬يحتاج المقترض فقط لوجود ضامن له مرتب‬

‫إيصاال عند سداد كل قسط من أقساط القرض‪ ،‬مما يوفر‬


‫ً‬ ‫ثابت‪ ،‬حيث يقوم المقترض والضامن بتوقيع العقد واستالم‬

‫عامل أمان للجمعية وللمقترض‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫أيضا المشروع التي تديره‬
‫تهدف هذه المشروعات لدى جمعية الفوارس ولدى جمعية تنمية المجتمع الزراعي و ً‬

‫الوحدة االجتماعية من داخل مقر الجمعية إلى تشجيع األنشطة اإلنتاجية‪ .‬أغلب هذه المشروعات تهدف لتربية‬

‫أيضا مشروعات تجارية‬


‫الدواجن‪ ،‬والتي تم استبدالها بتربية الماعز وقت ظهور مرض أنفلون از الطيور‪ ،‬وهناك ً‬

‫صغيرة ومشروعات صيد أسماك ومشروعات أخرى‪ ،‬مثل محل لتصفيف الشعر الذي فتح أبوابه في القرية بفضل‬

‫قرضين من إحدى الجمعيات‪ .‬وبرغم عدم سماح اللوائح باالستفادة من هذه القروض ألغراض غير إنتاجية‪ ،‬إال أن‬

‫نصف القروض تقر ًيبا تذهب بالفعل ألغراض استهالكية لتغطية نفقات زواج األبناء أو للعالج عندما يستدعي‬

‫المرض السفر لألقصر أو القاهرة‪ .‬في هذه الحالة يتغاضى مسئولو الجمعيتين عن هذا الشرط ويسمحون لطالب‬

‫القرض الحصول عليه‪ ،‬لكن ال يتم ذكر الغرض الحقيقي بل يتم كتابة العقد كأن الغرض من القرض هو عمل‬

‫مشروع تربية دواجن أو ماعز‪ ،‬ويتم إدراج دراسة جدوى منقولة من ملفات أخرى‪.‬‬

‫ملحة إذا كانت مرتبطة بظروف طارئة تمر بها األسرة‪،‬‬


‫وألن القروض المطلوبة ألغراض غير إنتاجية لها صفة ّ‬

‫أيضا أولوية غير معلنة يتم إعطائها‬


‫ً‬ ‫غالبا ما يعطوها األولوية بدافع إنساني‪ .‬هناك‬
‫ً‬ ‫فإن مسئولي الجمعيتين‬

‫للمقترضين ممن يزكيهم أحد أعضاء مجلس اإلدارة‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون تدخل هذا العضو بمثابة ضامن إضافي‪،‬‬

‫ألنه في حالة عدم انتظام المقترض ُيطلب من عضو مجلس اإلدارة الذي زكاه بالتدخل‪.‬‬

‫وتقوم أم كلثوم‪ ،‬الموظفة المسئولة عن مشروع القروض الصغيرة بجمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ ،‬بدور هام في‬

‫تنظيم وادارة هذا المشروع‪ .‬باإلضافة لقيامها بترتيب الملفّات والدفاتر واإليصاالت والجوانب المالية للقروض‪ .‬تقوم أم‬

‫كلثوم بدور الوسيط بين طالبي القروض وبين اللجنة المش ّكلة من بعض أعضاء مجلس اإلدارة والتي من حقها أن‬

‫توافق أو ترفض منح القرض‪ .‬تحاول أم كلثوم أن تقنع البعض باالنتظار بعض الوقت للحصول على القرض‬

‫أسبابا ملحة لطلب القرض‪.‬‬


‫ً‬ ‫أحيانا أن تقنع لجنة القروض بإعطاء األولوية ألحد األسر التي تعلم أن لديهم‬
‫ً‬ ‫وتحاول‬

‫وفي حالة تأ خر أحد المقترضين عن سداد القسط لمدة أسبوع أو أسبوعين بعد التاريخ المحدد‪ ،‬تقوم أم كلثوم‬

‫أحيانا بالذهاب لهم الستعجال السداد‪ .‬لذلك نالحظ أن نسبة المتأخرين والمتعثرين في مشروع‬
‫باالتصال بالمتأخرين و ً‬

‫القروض الصغيرة بجمعية تنمية المجتمع الزراعي أقل من مثيلتها في جمعية الفوارس‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن‬

‫‪63‬‬
‫المعلومات تنتقل من جمعية ألخرى‪ ،‬فال يسمح للمتعثر أو المتأخر في السداد لدى جمعية أن يقترض من الجمعية‬

‫األخرى لتسديد ما عليه من أقساط‪.‬‬

‫وبتحليل الحالة االقتصادية للمقترضات من كل جمعية يتبين أن الفئة المستهدفة ليست واحدة في الحالتين‪ ،‬ليس‬

‫فقط من ناحية االنتماء الجغرافي‪ ،‬حيث ذكرنا أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع بالفوارس هن في الغالب‬

‫من سكان عزبة الفوارس‪ ،‬في حين أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع الزراعي ال يقتصرن على سكان عزبة‬

‫أيضا من الناحية االقتصادية‪ ،‬نجد أن في جمعية الفوارس‪ ٪94 ،‬من المقترضات هن من فئة‬
‫ً‬ ‫بعينها‪ ،‬لكن‬

‫المحتاجين و‪ ٪22‬من المتوسطين وفقط ‪ ٪ 4‬من ميسوري الحال‪ ،‬في حين أن المقترضات من جمعية تنمية المجتمع‬

‫الزراعي منهن ‪ ٪44‬فقط من فئة المحتاجين و‪ ٪02‬من المتوسطين و‪ ٪42‬من ميسوري الحال‪ .‬هذا التوزيع يفسر‬

‫أيضا يؤكد‬
‫جز ًئيا سبب انتظام سداد األقساط في جمعية تنمية المجتمع الزراعي أكثر منه في جمعية الفوارس‪ ،‬وهو ً‬

‫وجود تباين في توجهات كل جمعية تجاه التشكيالت االجتماعية االقتصادية‪.‬‬

‫*******‬

‫كما هو الحال في كل المجتمعات أو أغلبها‪ ،‬ال يتساوى الجميع من حيث الدخل والثروة‪ .‬كذلك في حالة‬

‫ا لمتعاملين مع الجمعيتين محل الدراسة‪ ،‬هناك توزيعات مختلفة بحسب الحالة االقتصادية فيما بين أعضاء مجلس‬

‫اإلدارة وأعضاء الجمعية العمومية والمنتفعين من كل نشاط في الجمعيتين‪ .‬في ذلك يظهر في الجمعيتين وجود‬

‫احتياجا وفي المقابل‬


‫ً‬ ‫أغلبية من المتوسطين‪ ،‬مع توجه خاص لجمعية تنمية المجتمع بالفوارس ناحية من هم أكثر‬

‫توجه خاص لجمعية تنمية المجتمع الزراعي ناحية ميسوري الحال‪.‬‬


‫ّ‬

‫وجودا أكبر للمحتاجين مما هو في الواقع؟ هل يمكن أن نستنتج أن الجمعيتين ال تؤديان‬


‫ً‬ ‫هل يجب أن نتوقع‬

‫تياجا؟ في رأيي أن اإلجابة هي بالنفي على‬


‫دورهما بشكل كاف في مكافحة الفقر وفي االهتمام بمن هم أشد اح ً‬

‫السؤالين‪ .‬أواًل ‪ ،‬نرى أن التشكيالت االجتماعية االقتصادية مثل واضح للجدل الموجود في علم اجتماع التنمية حيث‬

‫احتياجا للتنمية‪ ،‬برغم صعوبة العمل‬


‫ً‬ ‫دائما هناك مفاضلة بين التوجه الداعي لالهتمام بأفقر الفقراء ألنهم األكثر‬
‫ً‬

‫فقر‬
‫معهم بسبب التكاليف الباهظة وضعف إمكانياتهم في المشاركة‪ ،‬وبين التوجه الداعي لالهتمام بمن هم أقل ًا‬

‫‪64‬‬
‫نجاحا أكبر لعمليات التنمية‪ ،‬وفيما بعد سوف تنعكس اآلثار اإليجابية لهذه التنمية على المجتمع‬
‫ً‬ ‫ألنهم يضمنون‬

‫ككل‪ ،‬بما فيه أفقر الفقراء‪ .‬في الواقع‪ ،‬ال يوجد تضاد بين هذين التوجهين إذ تحاول الجمعيتان بأنشطتها المختلفة أن‬

‫يكون هناك توازن بينهما‪.‬‬

‫وثانيا ‪ ،‬ال يجب أن ننسى أن تصنيف الناس إلى فئات وتسمية البعض باألغنياء واآلخرين بالفقراء أمر نسبي‬
‫ا‬

‫بحسب المعايير التي يفترضها كل تصنيف‪ .‬فإذا رجعنا لوجهة النظر الخارجية التي يصنف وفقها ‪ ٪22‬من سكان‬

‫العزب بحري على أنهم من الفقراء‪ ،‬سنجد أنه حتى من يعتبرهم أهل القرية من المتوسطين هم في نهاية األمر يمكن‬

‫دائما بأفقر‬
‫تصنيفهم ضمن الفقراء‪ .‬وبالتالي يمكن أن نؤكد أن الجمعيتين تهتمان بالفقراء‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬ولكن ليس ً‬

‫فئة من هؤالء الفقراء‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬بعض التشكيالت اًلجتماعية الداخلية األخرى‬

‫أواًل‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية بين الرجال والنساء‪:5‬‬

‫عموما‪ ،‬مما يمكن أن ينعكس على الجمعيات وعلى األنشطة التي‬


‫ً‬ ‫للرجال وللنساء أدوار مختلفة في المجتمع‬

‫مهما في فهم ما يجري داخل‬


‫عنصر ً‬
‫ًا‬ ‫تقوم بها‪ .‬وكذلك أشكال العالقات المتبادلة بين الرجال والنساء يمكن أن تكون‬

‫الجمعيات‪ .‬هذا ما نحاول الوصول إليه فيما يلي‪:‬‬

‫سيدة في مجلس إدارة‪:‬‬

‫لوجود المهندسة هالة في عضوية مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري أهمية خاصة‬

‫بصفتها ممثلة عن نساء القرية‪ .‬هذا التواجد يمكن إرجاعه إلى رغبة هيئة كير الدولية‪ ،‬مثلها مثل الكثير من الجهات‬

‫المانحة‪ ،‬في تشجيع الجمعيات التي تتعامل معها على وجود تمثيل أكبر للسيدات داخلها‪ ،‬وذلك ضمن استراتيجيات‬

‫تمكين المرأة ولضمان أن تكون هناك أنشطة وخدمات تستفيد منها نساء المجتمع المحلي‪.‬‬

‫بدأت المهندسة هالة نشاطها في الجمعيتين قبل أن تتزوج ولم تضطر بعد الزواج إلى التقليل من مزاولة النشاط‬

‫أيضا في جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ .‬بذلك أصبح‬


‫خصوصا أن زوجها‪ ،‬المهندس منصف‪ ،‬يعمل هو ً‬
‫ً‬ ‫األهلي‪،‬‬

‫فرديا‪ .‬يساعدها على ذلك ظروف عملها التابع لو ازرة الزراعة حيث أن‬
‫اختيار ً‬
‫ًا‬ ‫اختيار أسرًيا وليس فقط‬
‫ًا‬ ‫العمل األهلي‬

‫مقر عملها هو الجمعية التعاونية بالقرية والتي يسمح لها رؤسائها بشكل ودي بأن توقّع على سجالت الحضور‬

‫واالنصراف وأن ت ّكرس وقتها للجمعيات األهلية‪ ،‬وهي بهذا تضمن مرتبها ومعاشها الحكومي وتزاول نشاطها األهلي‬

‫ضا الحديث عن "النوع االجتماعي"‪ ،‬لكني فضلّت هنا أن استخدم تعبير "بين الرجال والنساء" للتذكير بأن الموضوع ال يتعلق‬ ‫‪5‬يمكن أي ً‬
‫بالرجل والمرأة بشكل عام ولكن بالرجال والنساء الذين تعاملت معهم في هذه القرية وفي الجمعيات‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫بحرية‪ .‬ولكن تبقى المهندسة ه الة حالة فريدة في القرية ألن السيدات الالتي أتممن دراستهن الجامعية نادرات‪ ،‬وهي‬

‫الوحيدة في مجال الزراعة وهو مجال عمل الجمعية التي انضمت لمجلس إدارتها‪.‬‬

‫أمر يحول دون‬


‫ولكن في واقع األمر يبقى وجودها كسيدة واحدة في مجلس إدارة هذه الجمعية مع ستة رجال ًا‬

‫دائما على دراية بجدول أعمال هذه االجتماعات وبنتائجها وتعطي‬


‫تواجدها في اجتماعات مجلس اإلدارة‪ ،‬وان كانت ً‬

‫مساء وهو الوقت الذي تكرسه ألسرتها ولمنزلها‪ .‬وبالرغم من‬


‫ً‬ ‫خصوصا ألنها تعقد‬
‫ً‬ ‫رأيها قبل وبعد هذه االجتماعات‪،‬‬

‫عدم مشاركتها في هذه االجتماعات‪ ،‬إال أنه هناك مجال آخر ال غنى عنها فيه وهو استقبال ضيوف الجمعية‪،‬‬

‫خصوصا القادمين من الجهات المانحة أو من جمعيات أخرى‪ ،‬حيث يتم التأكيد على أهمية تمثيلها للعنصر‬
‫ً‬

‫اجتماعيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫النسائي داخل الجمعية وتقديم ذلك على أنه أحد الدالئل على تطور الجمعية والتقدم الذي أحرزته‬

‫العاملين‪ ،‬رجال ونساء‪:‬‬

‫عدديا عن الرجال باستثناء‬


‫ً‬ ‫كما ذكرت من قبل‪ ،‬هناك أربع سيدات يعملن في مقر الجمعيتين‪ ،‬وهن بذلك يتفوقن‬

‫من يعملون خارج مقر الجمعية في مشروع السماد العضوي وكسح بيارات مياه الصرف الصحي‪ .‬من السيدات‬

‫األربع‪ ،‬اثنتان تهتمان باألطفال من خالل الحضانة واثنتان تهتمان بالسيدات من خالل مشروعي القروض الصغيرة‬

‫للمرأة‪ ،‬وبالتالي ال يدخل في نطاق المطلوب منهن التعامل المباشر مع الرجال‪ ،‬ولكن بطبيعة الحال يتم التعامل مع‬

‫الرجال والسيدات بشكل يومي ودون أدنى حساسيات من الطرفين‪ .‬ويعد وجود أكثر من سيدة في مقر الجمعية‬

‫مساعدا على إبعاد أي حرج من التعامل مع المترددين على الجمعيتين من الرجال‪.‬‬


‫ً‬ ‫عامال‬
‫ً‬

‫الرجال والنساء في العضوية‪:‬‬

‫تبلغ العضوية النسائية حوالي ‪ ٪44‬في جمعية تنمية المجتمع الزراعي (‪ 42‬عضوة من إجمالي ‪ )472‬و‪٪44‬‬

‫في جمعية الفوارس (‪ 99‬عضوة من إجمالي ‪ .)244‬وهي أرقام يتم تقديمها من قبل القائمين على الجمعيتين‬

‫بصفتها إنجازات اجتماعية تدعو لإلعجاب والثناء من قبل الزائرين‪ .‬ولكن في حقيقة األمر هذا التواجد النسائي ال‬

‫اجدا رمزًيا لعدم مشاركة أي سيدة في اجتماعات الجمعية العمومية وبالتالي ليس لهن صوت فعلي‪.‬‬
‫يتعدى كونه تو ً‬

‫‪67‬‬
‫وبالنظر عن قرب في سجالت العضوية اكتشفت أن أغلبية العضوات‪ ،‬باستثناء من اشتركن من الناصرية بعد‬

‫مشروع المشغل‪ ،‬هن قريبات بعض الرجال النشيطين في العمل األهلي الذي يدعون أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم‬

‫وبناتهم للعضوية بغرض زيادة عدد العضوية النسائية اإلجمالية وزيادة مكانة الشخصية داخل الجمعية‪ .‬ويكمن‬

‫أ همية زيادة عدد العضوية النسائية في الجمعيتين إلرضاء الجهات المانحة‪ ،‬الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬وزيادة‬

‫الفرص للحصول على تمويل للمشروعات المختلفة التي تشترط أن يكون فيها مكون يتعلق بدور ومكانة المرأة في‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫رجال ونساء منتفعون‪:‬‬

‫هناك نشاطان لهما طابع نسائي واضح هما مشغل الحياكة والقروض الصغيرة للمرأة‪ .‬يرجع الطابع النسائي‬

‫خصوصا مالبس السيدات واألطفال‪ ،‬تقوم بها سيدات‪ .‬كان يعمل مشغل‬
‫ً‬ ‫للمشغل إلى طبيعة المهنة‪ ،‬إذ أن الحياكة‪،‬‬

‫جمعية الفوارس وقت إجراء الدراسة على نطاق محدود عن طريق سيدة واحدة كما ذكرنا من قبل‪.‬‬

‫أما القروض الصغيرة فهي تستهدف المرأة بحسب اختيار الكثير من الجهات المانحة التي تسعى ألن تكون‬

‫اجتماعيا عن طريق تحسين أحوالها االقتصادية‪.‬‬


‫ً‬ ‫القروض الصغيرة أداة لتمكين المرأة‬

‫للتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء أهمية كبيرة في إدارة هذه المشروعات ألن القروض يجب أن تحصل‬

‫وغالبا من أسرة المقترضة‪،‬‬


‫ً‬ ‫عليها سيدات‪ ،‬في حين أن الضامن ذا الراتب الثابت هو في كل األحوال من الرجال‬

‫وبالتالي يربط العقد الخاص بالقرض بين الرجال والنساء في عالقة عمل بدونها ال يتم الحصول على القرض‪ .‬هذا‬

‫النظام يساعد على انتظام سداد األقساط ألن الرجل لن يرضى أن يتم استدعاء زوجته أو ابنته المقترضة من قبل‬

‫الشرطة في حال بالغ الجمعية عن تأخر السداد‪ .‬وفي بعض األحيان يصعب تحديد المنتفع الحقيقي من القرض‪،‬‬

‫مثال حصلت فتاة على قرض وكان الضامن هو أباها‬


‫إن كانت المرأة أو الضامن أو األسرة ككل‪ .‬ففي أحد الحاالت ً‬

‫شابة في سن ابنته‪.‬‬
‫والغرض الحقيقي هو تغطية نفقات زواج األب زيجة ثانية من ّ‬

‫‪68‬‬
‫أيضا بالمشاركة في تسهيل إصدار بطاقات الرقم القومي للسيدات في القرية عن طريق‬
‫وقد قامت الجمعيتان ً‬

‫التنسيق مع السجل المدني الذي سمح بانتقال موظفيه إلى مقر الجمعية لتصوير السيدات الراغبات في استصدار‬

‫اضحا في تشجيع نساء القرية وفي المساعدة على ملء االستمارات‬


‫البطاقة‪ .‬وفي هذا اإلطار كان دور الجمعيتين و ً‬

‫خصوصا للسيدات غير المتعلمات‪.‬‬


‫ً‬

‫أيضا الجمعيتان بأال تقتصر أنشطتها األخرى على الرجال فقط وتسعى لالهتمام باألسر التي تعولها‬
‫كما تهتم ً‬

‫سيدات‪ .‬تمثل هذه الفئة ‪ ٪47‬من المشتركين في مشروع كسح مياه الصرف الصحي و‪ ٪49‬في مشروع توصيل‬

‫مياه الشرب‪ .‬نتيجة لغياب إحصائيات عن نسبة المرأة المعيلة في هذه القرية ال يمكن مقارنة نسب تواجدهن في‬

‫هذين المشروعين بنسبتهن في المجتمع‪ ،‬إال أن إمكانية استفادتهن من الجمعيتين تشير لوجود درجة من الوعي‬

‫اقتصاديا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اجتماعيا و‬
‫ً‬ ‫بأهميتهن وبأهمية رعايتهن‬

‫جمعيتان نسائيتان‪:‬‬

‫أثناء تواجدي في القرية قابلت المسئولين عن جمعيتين لهما طابع نسائي وهما جمعية العطارين لتنمية المجتمع‬

‫النسائي بالفوارس التي سبق ذكرها‪ ،‬وجمعية تنمية المرأة الريفية بعزبة حامد‪ ،‬وهي كائنة في قرية العزب قبلي‪ .‬في‬

‫الحالتين يغلب على السيدات واآلنسات القائمات على هاتين الجمعيتين أنهن أتممن دراسات جامعية وأنهن سبق لهن‬

‫أيضا‬
‫العمل أو التطوع في جمعيات أهلية أخرى قبل أن يقررن البدء في إنشاء جمعية نسائية‪ .‬ومن العناصر الهامة ً‬

‫في هؤالء السيدات حالتهن الزوجية‪ ،‬فأغلبيتهن مطلقات أو غير متزوجات‪ ،‬في حين أن المتزوجات يقل اهتمامهن‬

‫بالنشاط األهلي بناء على رغبة أزواجهن أو لضيق الوقت وكثرة األعباء المنزلية‪.‬‬

‫ويتضح الطابع النسائي لهذه الجمعيات في مجاالت اهتمامهن باألمومة والطفولة وصحة المرأة والتدبير المنزلي‬

‫وغيرها من المجاالت‪ ،‬ولكنها ال تقتصر على ذلك بل تسعى لتنويع أنشطتها‪.‬‬

‫تختلف هاتان الجمعيتان من حيث تواجد العنصر الذكوري فيهما‪ .‬في جمعية عزبة حامد ال يتم قبول األعضاء‬

‫من الرجال‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يوجد أي تأثير مباشر منهم على ق اررات وتوجهات الجمعية‪ .‬في المقابل‪ ،‬هناك عدد من‬

‫‪69‬‬
‫الرجال في عضوية جمعية العطارين وهم ممثلون في مجلس اإلدارة‪ ،‬ومنهم الشيخ موسى‪ ،‬مما يجعل اليد العليا في‬

‫مقدرات هذه الجمعية النسائية ليست بالضرورة في يد السيدات‪.‬‬

‫*******‬

‫يمكن استخالص وجود عدد من العوامل التي تساعد أو تضبط من تواجد السيدات في الجمعيتين‪ ،‬بعضها‬

‫عوامل داخلية وبعضها من خارج المجتمع‪ .‬من العوامل الداخلية التي تشجع على تواجد النساء في العمل األهلي‬

‫ظهور مجموعة ممن اجتزن مراحل متقدمة من التعليم والالتي أصبح لديهن تطلعات كبيرة مقارنة بغير المتعلمات‬

‫أيضا وجود سيدات أصبحن ربات ألسرهن نتيجة لظروف معينة مثل الطالق‬
‫وباألجيال السابقة‪ .‬ومن هذه العوامل ً‬

‫أو وفاة الزوج أو هجرة الرجال لدوافع اقتصادية‪ ،‬مما يسمح لتلك السيدات بالمزيد من االستقاللية االجتماعية والقدرة‬

‫على التفاعل مع المجتمع‪ .‬أما العوامل الداخلية المهبطة فهي تتعلق ببعض العادات والتقاليد الموروثة التي تضع‬

‫إطار ضيقًا لمشاركة المرأة في المجتمع وال تسمح لها أن تتعداه‪.‬‬


‫ًا‬

‫أيضا ما يشجع على ممارسة المرأة للعمل األهلي ومنها ما ُينقص من دورها في‬
‫أما العوامل الخارجية فمنها ً‬

‫الجمعيات‪ .‬من أهم العوامل المشجعة دخول أفكار تقدمية بتشجيع من بعض الجهات الحكومية ومن بعض الجهات‬

‫المانحة للجمعيات‪ ،‬والتي تدعو لتمكين المرأة ولزيادة تمثيلها في المنظمات االجتماعية واألنشطة االقتصادية والحياة‬

‫السياسية‪ .‬من هذه الجهات جهاز بناء وتنمية القرية المصرية من خالل برنامج شروق‪ ،‬وو ازرة التضامن االجتماعي‬

‫أيضا الصندوق االجتماعي للتنمية وجهات دولية مثل هيئة كير‪ .‬أما العوامل‬
‫من خالل مشروعات المرأة الريفية‪ ،‬و ً‬

‫الخارجية المهبطة فتتمثل في بعض األفكار السلفية التي يدعو إليها بعض الريفيين العائدين من المدن المصرية أو‬

‫من بعض البالد العربية حيث عاشوا فترة قبل رجوعهم واستقرارهم من جديد في القرية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية الدينية‪:‬‬


‫ا‬

‫من الممكن تناول دور الدين في التنمية من حيث األفكار الدينية السائدة في المجتمع ونظرة الناس لواقعهم‬

‫ولمستقبلهم وكيفية تأثير تلك األفكار على العملية التنموية‪ .‬أما ما يهمنا في هذا البحث فهو التركيز على التشكيالت‬

‫‪70‬‬
‫االجتماع ية الدينية‪ ،‬أي العالقات المتبادلة بين الناس التي تقوم على االنتماء الديني‪ ،‬سواء بين مسلمين ومسيحيين‬

‫أيضا العالقات مع‬


‫أو بين من يتبعون تيارات دينية مختلفة مثل أتباع الطرق الصوفية أو الجماعات اإلسالمية‪ ،‬و ً‬

‫المؤسسات الدينية والقائمين عليها‪ ،‬وتأثير كل ذلك على الجمعيتين محل الدراسة‪.‬‬

‫مسيحيون ومسلمون في الجمعيتين‪:‬‬

‫ال يوجد بين أعضاء جمعية الفوارس أو بين المنتفعين من أنشطتها أي مسيحي‪ ،‬في حين يوجد عضوان فقط‬

‫من المسيحيين في جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ ،‬أحدهما شارك في أحد مشروعات التنمية‬

‫الزراعية‪ ،‬باإلضافة لسيدة واحدة حصلت على قرض من هذه الجمعية‪ .‬وجود مسيحيين‪ ،‬وان كان تمثيلهم ضعيفًا‪،‬‬

‫تماما‪ .‬يبدو أن ندرة وجودهم في هاتين الجمعيتين راجعة في األصل‬


‫ينفي احتمال وجود رغبة لتهميشهم‪ ،‬واال لغابوا ً‬

‫للتشكيالت االجتماعية المكانية والعائلية ألن عزبة الفوارس‪ ،‬وهي التي ينتمي إليها معظم أعضاء ومنتفعي‬

‫الجمعيتين‪ ،‬ال يوجد بين سكانها مسيحيون‪ ،‬والعائلة المسيحية الوحيدة في الناصرية تمثيلها ضعيف في جمعية تنمية‬

‫تماما‪.‬‬
‫المجتمع الزراعي في حين أن هناك عائالت مسلمة من هذه العزبة غير ممثلة ً‬

‫األسرة الدندراوية‪:‬‬

‫لهذه الطريقة الصوفية الكثير من األتباع والمريدين في القرية‪ ،‬بعضهم أعضاء نشيطون في الجمعيتين وعلى‬

‫رأسهم الشيخ موسى‪ ،‬رئيس مجلس إدارة جمعية الفوارس والذي يمثّل األسرة الدندراوية في القرية‪ .‬تعتمد العالقات‬

‫المتبادلة بين الجمعيتين واألسرة الدندراوية على العالقات الشخصية دون أن يكون لها أي إطار مؤسسي‪ .‬يمكن‬

‫كبير من الناس ال يسعهم مقر‬


‫عددا ًا‬
‫للجمعيتين استخدام ساحة األسرة الدندراوية في القرية لعقد اجتماعات تضم ً‬

‫الجمعية‪ .‬ومن ناحية أخرى يمكن للقائمين على األسرة الدندراوية استخدام جهاز الحاسب اآللي والطابعة الخاصين‬

‫بالجمعية لكتابة المراسالت‪.‬‬

‫أيضا عالقات رمزية بين الطرفين‪ ،‬إذ أن هذه الحركة الصوفية تدعو ألعمال‬
‫وبجانب ذلك التعاون العملي هناك ً‬

‫أيضا أن تأثير هذه الطريقة‬


‫البر والتقوى واإلحسان والتي يطبقها بعض أتباعها من خالل نشاطها األهلي‪ .‬يبدو لي ً‬

‫‪71‬‬
‫الصوفية التي تدعو لعدم االنخراط في األنشطة السياسية تدفع الشيخ موسى واألستاذ محمود وغيرهم لالهتمام‬

‫بالعمل األهلي وتفضيله على العمل السياسي برغم أن لهما مقومات شخصية تمكنهم من الحصول على مناصب‬

‫سياسية إن أرادوا ذلك‪.‬‬

‫العالقات مع المؤسسات الدينية‪:‬‬

‫هناك عالقات شخصية طيبة بين مسئولي الجمعيتين وبين أئمة المساجد في القرية ومسئولي المعهد األزهري‪.‬‬

‫يعتبر الشيخ موسى أحد أهم من سعوا لبناء المعهد األزهري‪ ،‬كما أن أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية الفوارس يعمل‬

‫إماما بالقرية ويتبع و ازرة األوقاف‪ .‬بمقتضى هذه العالقات يتاح لألمة ولمسئولي المعهد االستفادة من إمكانيات‬
‫ً‬

‫أيضا هذه المؤسسات‬


‫الجمعية لكتابة الخطابات على الحاسب اآللي واستخدام الطابعة والفاكس‪ .‬تساعد الجمعيات ً‬

‫الدينية من خالل جمع تبرعات لصالحها بإيصاالت من أحد الجمعيات لتالفي الصعوبات اإلدارية التي يضعها‬

‫األمن واألوقاف على جمع التبرعات النقدية‪ ،‬وتقوم الجمعية بعد ذلك بشراء الالزم للمسجد وتسليمه في صورة تبرع‬

‫عيني‪ .‬هذا العمل ليس به أي شبهة غير قانونية‪ ،‬وهو في ذات الوقت يوفّر على المساجد مشقة الحصول على‬

‫الموافقات والتأشيرات الالزمة لجمع التبرعات ويزيد من مكانة الجمعية كوسيط في فعل الخير دون أن تتحمل ميزانية‬

‫الجمعية أعباء إضافية‪.‬‬

‫*******‬

‫وان كان البعد الديني غير واضح من أول وهلة في التشكيالت االجتماعية داخل الجمعيتين‪ ،‬إال أنه ال يجب‬

‫إغفاله كأحد العناصر التي تفسر جزًء من سلوك األطراف الفاعلة والسلوك المنظم للجمعيتين‪ .‬هذه التشكيالت‬

‫االجتماعية الدينية تتعلق بالعالقات المتبادلة بين األفراد وفق انتماءاتهم الدينية مثل المساجد والمعهد الديني‪ ،‬حيث‬

‫تتيح هذه العالقات بعض الفوائد المعنوية والمادية لكل طرف‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ثالثاا‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية السياسية‪:‬‬

‫يحظر قانون الجمعيات األهلية أن يكون لها أي نشاط سياسي‪ ،‬ولذلك يفصل القائمون على الجمعيتين بين‬

‫عملهم األهلي وبين أي انتماء حزبي أو آراء سياسة‪ ،‬كما أنه ال يوجد في قرية العزب بحري أي تواجد حزبي إال‬

‫للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وقتها من خالل وجود وحدة حزبية في القرية‪ .‬أثناء إجراء مقابلة شخصية مع‬

‫مسئولي الوحدة الحزبية‪ ،‬أشاد رئيس الوحدة وأمينها بالعالقات الطيبة مع الجمعيات األهلية‪ ،‬ومنهم الجمعيتان محل‬

‫الدراسة‪ .‬ولكن هذه العالقات ال تتعدى اإلطار الشكلي وليس لها أي مردود عملي على أرض الواقع‪ .‬أما من وجهة‬

‫نظر الجمعيتين‪ ،‬فإن مسئوليهما يلزمون الصمت في تحديد أي موقف سياسي تجاه الوحدة الحزبية في القرية أو‬

‫تجنبا للدخول فيما يمكنه أن يهدد وضعهم في العمل األهلي‬


‫تجاه السياسة بشكل عام‪ ،‬مثلهم مثل أغلب أبناء القرية‪ً ،‬‬

‫الذي يجب فصله‪ ،‬بحسب القانون‪ ،‬عن أي اتجاهات سياسية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الجزء الثالث‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية الخارجية‬

‫الفصل السابع‪ :‬هيئة كير الدولية‪ ،‬خبراء التنمية‬

‫من خالل معرفتنا بتاريخ الجمعيتين‪ ،‬يتبين لنا بوضوح أهمية الدور الذي لعبته هيئة كير الدولية منذ السنوات‬

‫األولى لجمعية الفوارس‪ .‬وفي ذات الوقت علينا أن نؤكد أن بداية العمل األهلي وانتشار هذه الجمعية كان سابقًا‬

‫على تدخل هيئة كير الذي بدأ عدة سنوات بعد إشهار الجمعية من خالل مشروع توصيل مياه الشرب‪ .‬جاء بعد‬

‫اسعا أدى إلى إنشاء لجنة متخصصة في الزراعة‬


‫مجاال و ً‬
‫ً‬ ‫ذلك مشروع التنمية الزراعية الذي فتح أمام الجمعية‬

‫تحولت مع الوقت إلى جمعية مستقلة وهي جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪.‬‬

‫أيضا عالقات‬
‫أساسيا للجمعيتين‪ ،‬حيث ما زالت تجمعهم عالقات عمل و ً‬
‫ً‬ ‫عبر السنوات ظلت هيئة كير شري ًكا‬

‫ودية يجدر بنا تحليلها ومحاولة فهم نتائجها من خالل هذا الفصل‪ .‬هدف هذا الفصل هو تحليل التشكيالت‬

‫االجتماعية الكائنة بين الجمعيتين وهيئة كير باالعتماد على المالحظات التي تم الوصول إليها خالل فترة البحث‬

‫مع إضافة أمثلة حية بقدر اإلمكان‪.‬‬

‫أغلب التعامل بين الجمعيتين وهيئة كير يتم عبر المكتب اإلقليمي لهذه الهيئة الموجود في مدينة قنا‪ .‬يعمل في‬

‫هذا المكتب مجموعة من الموظفين أغلبهم من الشباب ما بين سن ‪ 42‬و‪ 27‬سنة من خريجي الجامعات وهم‬

‫يجيدون اإلنجليزية وبعضهم درس الزراعة وبعضهم من خريجي كليات التجارة أو اآلداب‪ .‬جميع الموظفين في هذا‬

‫المكتب هم من أبناء المدينة‪ ،‬إما قنا أو األقصر‪ ،‬وهم بذلك يقومون بدور الوسيط بين مسئولي الجمعيات األهلية‬

‫من أبناء الريف بهذه المحافظة‪ ،‬وبين العاملين في المكتب الرئيسي لهيئة كير في القاهرة‪ ،‬وهم أبناء العاصمة‬

‫باإلضافة لعدد من الموظفين األجانب‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اًلتصاًلت واللقاءات‪:‬‬

‫تتم االتصاالت بين هيئة كير والجمعيتين عبر وسائل مختلفة أهمها المكالمات التليفونية باستخدام الهاتف‬

‫األرضي إلحدى الجمعيتين أو المحمول الخاص بالشيخ موسى أو األستاذ محمود‪ .‬في بعض األحيان يتم تبادل‬

‫أبدا‪ .‬كما يتم تبادل الزيارات مرة أو مرتين شهرًيا‪،‬‬


‫رسائل مكتوبة عبر الفاكس‪ ،‬في حين أن البريد ال يتم استخدامه ً‬

‫حيث يذهب البعض إلى مكتب قنا أو يأتي بعض العاملين في هيئة كير إلى مقر الجمعيتين في زيارات عمل‬

‫لمناقشة أحد المشروعات ولمتابعة ما يستجد‪.‬‬

‫أغلب هذه االتصاالت تتم بواسطة الشيخ موسى أو األستاذ محمود بصفتهما رئيسي مجلسي إدارة الجمعيتين‪،‬‬

‫وذلك ألن لديهما اإلجابات على األسئلة التي يمكن أن يطرحها موظفو هيئة كير وألن لهما السلطة التخاذ الق اررات‬

‫التي تستوجب السرعة‪ .‬في بعض الحاالت تتم االتصاالت مع آخرين في الجمعيتين مثل المهندس منصف فيما‬

‫يخص مشروع تدوير المخلفات الزراعية أو المهندس عبد القادر أسامة بخصوص الزراعات العضوية واآلمنة‪.‬‬

‫يجا من عالقات الصداقة الودية وعالقات العمل‪.‬‬


‫مع مرور الوقت‪ ،‬توطدت العالقات بين الطرفين وأصبحت مز ً‬

‫ينعكس ذلك على الحوار الذي يدور أثناء الزيارات حيث يمكن التطرق إلى األخبار العائلية واألمور الشخصية دون‬

‫إيجابيا على نوعية عالقات العمل‪.‬‬


‫ً‬ ‫أيضا إلى خلق جو من الثقة المتبادلة الذي ينعكس‬
‫تردد‪ ،‬مما يؤدي ً‬

‫هيئة كير واًلنفتاح على العالم‪:‬‬

‫تتمثل العالقة مع هيئة كير فرصة للجمعيتين لالنفتاح على العالم الخارجي‪ ،‬وهو أمر غاية في األهمية‬

‫للجمعيات المهتمة بالتنمية المحلية لكي تتخطى اإلطار المحلي الضيق للقرية وتتفاعل مع المستويات األعلى‪ ،‬أي‬

‫أيضا العالمي‪ .‬هذا االنفتاح يأتي بواسطة األطراف الفاعلة في‬


‫مستوى المركز والمحافظة والمستوى القومي و ً‬

‫الجمعيات بشكل فردي‪ ،‬إذ أن منهم من يتردد على المدينة ويتابع األخبار المحلية والقومية والعالمية عبر الصحف‬

‫دور مختلفًا في هذا االنفتاح‪ ،‬فهي تعمل بشكل‬


‫واإلذاعة والتليفزيون فيأتون بالجديد للجمعيات‪ .‬ولكن لهيئة كير ًا‬

‫تخصصا فيما يتعلق بعمل الجمعيات‪.‬‬


‫ً‬ ‫مؤسسي متخصص فيكون االنفتاح على العالم من خالل التعامل معها أكثر‬

‫‪75‬‬
‫يمكن إرجاع الكثير من األفكار المستحدثة في الجمعيتين إلى العالقة مع كير‪ ،‬منها الزراعة العضوية والزراعة‬

‫أيضا فكرة تدوير المخلفات الزراعية إلنتاج السماد العضوي‪ .‬في هذه المجاالت ال يقتصر دور‬
‫الموجهة للتصدير و ً‬
‫ّ‬

‫أيضا المساعدة على تطبيقها وضمان فرصة أكبر إلنجازها بأقل قدر ممكن من‬
‫كير على إدخال األفكار ولكن ً‬

‫فرصا للتدريب على يد متخصصين وزيارات ألماكن رائدة في هذه‬


‫ً‬ ‫المخاطرة‪ .‬لهذا الغرض توفر كير للجمعيات‬

‫نظاما للمتابعة لضمان النجاح على المدى المتوسط والبعيد‪.‬‬


‫أيضا ً‬
‫المجاالت و ً‬

‫وألن كير تتعامل مع عدد كبير من جمعيات تنمية المجتمع المحلي‪ ،‬فهي تنظم اجتماعات دورية تضم‬

‫الجمعيات المشاركة في مشروع معين أو المهتمة بمجال ما على مستوى كل محافظة أو عدد من المحافظات‬

‫المتجاورة‪ .‬هذه اللقاءات تمثل فرصة إضافية لالنفتاح‪ ،‬ليس فقط على هيئة كير ولكن على الجمعيات العاملة في‬

‫القرى والمراكز والمحافظات المجاورة‪ .‬بهذا تنمو عالقات تعارف وتبادل معلومات وخبرات وأفكار بين مسئولي هذه‬

‫الجمعيات‪ ،‬وهي عالقات لم يكن لها أن تتحقق إن لم يكن هناك لقاءات منظمة تتيح فرصة للقاء‪ .‬ينتج عن ذلك‬

‫مقارنة مسئولي الجمعيات لما يقومون به مع ما يقوم به اآلخرون لمحاولة إظهار تفوقهم‪ ،‬مما ينعكس باإليجاب‬

‫وزعت إحدى الجمعيات على جميع المشاركين‬


‫بوجه عام على تطور األوضاع في الجمعيات‪ .‬على سبيل المثال‪ّ ،‬‬

‫في لقاء من هذه اللقاءات مطوية ملونة للتعريف بأنشطة الجمعية‪ ،‬لذلك طلب مني األستاذ محمود عمل مطوية‬

‫لجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري التي يرأس مجلس إدارتها مع التأكيد على رغبته في أن تكون «أفضل‬

‫من مطوية الجمعية الفوالنية»‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن هيئة كير تتكفل بجميع تكاليف تنظيم اللقاءات ضمن ميزانية المشروعات التي تتم هذه‬

‫االجتماعات في إطارها‪ .‬يتضمن ذلك تكاليف االنتقال بين القرية ومحل اللقاء ووجبة غذاء لجميع المشاركين في‬

‫شكل مبلغ نقدي مع وضع المسافة في االعتبار‪ ،‬إذ أن القادمين من قرى أبعد عن مكان اللقاء يحصلون على مبلغ‬

‫مبلغا من‬
‫أيضا كير بدعوة بعض ممثلي الهيئات الحكومية المتعلقة بموضوع اللقاء وتدفع لهم ً‬
‫أكبر من المال‪ .‬تتكفل ً‬

‫المال يتوافق مع منصب الضيف‪ .‬باإلضافة إلى ذلك توفر هيئة كير أدوات كتابية لجميع المشاركين لكتابة‬

‫أيضا وجبة غذاء ساخنة في مطعم الفندق‪ ،‬إذا انعقد اللقاء في فندق أو وجبة سريعة إذا‬
‫مالحظاتهم أثناء االجتماع و ً‬

‫انعقد االجتماع في مكان أخر‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫يهدف هذا السخاء من جهة كير تشجيع الحضور لهذه االجتماعات دون تحميل ميزانيات الجمعيات ما ال طاقة‬

‫ماديا‪ .‬وفي ذات الوقت‪ ،‬لهذا‬


‫لها به‪ ،‬ودون أن يكون التمويل عائقًا أمام البعض فيقتصر الحضور على القادرين ً‬

‫النظام عيوبه إذ أن أحد مسئولي هيئة كير قال لي أن غياب هذه الحوافز يمكن أن يؤدي إلى عدم الحضور‬

‫الموسعة التي تهدف لتوصيل‬


‫ّ‬ ‫خصوصا في االجتماعات‬
‫ً‬ ‫وبالتالي فشل هذه اللقاءات‪ .‬ومن جانب المشاركين‪،‬‬

‫المعلومات للمزارعين وليس فقط لمسئولي الجمعيات‪ ،‬قال لي البعض أنهم مهتمون بالجانب السياحي والترفيهي للقاء‬

‫أكثر من المحتوى الجاد المراد توصيله من خالل االجتماع‪.‬‬

‫وفي بعض األحيان تلعب كير دور الوسيط في التعارف بين أحد الجمعيات وأحدى الهيئات المانحة‪ ،‬مثل‬

‫هيئات التعاون الدولي الراغبة في منح تمويل إلقامة مشروعات تنمية محلية بالتعاون مع جمعيات أهلية جادة‪ .‬في‬

‫هذه الحالة يتوقف دور كير عند التعارف بين الطرفين اللذين يدخالن في عالقة شراكة ثنائية ال تكون كير طرفًا‬

‫فيها‪ .‬يمكن إعطاء مثال على ذلك‪ ،‬التمويل الذي حصلت عليه جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري من‬

‫السفارة األمريكية بالقاهرة لصالح مشروع تدوير المخلفات الزراعية‪.‬‬

‫أسباب نجاح هيئة كير في عملها مع الجمعيات‪:‬‬

‫في رأيي‪ ،‬يرجع نجاح هيئة كير في عملها مع الجمعيات إلى عدة أسباب يمكن عرضها كاألتي‪:‬‬

‫أواًل ‪ ،‬يحرص العاملون في هيئة كير على تنمية عالقات الثقة على المدى الطويل مع الجمعيات‪ .‬في البداية‪،‬‬

‫غالبا ما يكون مسئولو الجمعيات حذرين في تعاملهم مع أي جهة مانحة‪ ،‬إذ أنهم ال يدركون في البداية األسباب‬
‫ً‬

‫خصوصا إذ كانت الجهة في األصل أجنبية مثل هيئة كير‪ .‬مع‬


‫ً‬ ‫الحقيقية للتمويل الذي يمكنهم أن يحصلوا عليه‪،‬‬

‫الوقت والتعامل تحل الثقة محل الشكوك فيتمكن الطرفان من التعامل بشكل سوي‪.‬‬

‫هاما كوسيط بين مسئولي الجمعيات المحلية في‬


‫دور ً‬
‫ثانيا‪ ،‬يلعب العاملون في المكاتب اإلقليمية لهيئة كير ًا‬
‫ا‬

‫القرى وبين العاملين في المكتب الرئيسي للهيئة في القاهرة‪ .‬جميع موظفي كير في مكتب قنا هم من أبناء مدينة قنا‬

‫أو مدينة األقصر‪ ،‬وهم بذلك ينتمون ألهل الصعيد ويعرفون العادات والتقاليد السائدة وبالطبع يتحدثون بلهجة‬

‫‪77‬‬
‫األهالي‪ .‬جميع هذه العوامل تساعد على التقارب مع مسئولي الجمعيات دون أن يشعر هؤالء باالغتراب أو بأي‬

‫صعوبة في التعامل والتفاهم‪.‬‬

‫ثالثاا ‪ ،‬تتمتع كير بسمعة طيبة بين القائمين على الجمعيات األهلية في مصر بوجه عام‪ ،‬وهي سمعة مكتسبة‬

‫عبر السنوات الطويلة نتيجة المشروعات المتعددة التي ساهمت فيها هذه الهيئة‪ .‬مع هيئة كير‪ ،‬يعرف مسئولو‬

‫جمعيات تنمية المجتمع المحلي أن فرص نجاح المشروعات المقترحة شبه مؤكدة وأن الوعود والتصريحات التي‬

‫المستجدين في العمل األهلي‪ ،‬تقوم هيئة كير بدعوة‬


‫ّ‬ ‫يحصلون عليها سوف يتم الوفاء بها‪ .‬ولتنمية هذه السمعة لدى‬

‫البعض لزيارة مشروعات تحت التنفيذ في قرى أخرى داخل أو خارج حدود المحافظة للتعرف على األمثلة الناجحة‪،‬‬

‫والتحدث مع مسئولي الجمعيات التي لها سابق خبرة مع هيئة كير‪ .‬في هذا الشأن يبدو أن العاملين في هيئة كير‬

‫لهم قدرة كبيرة على اإلقناع‪.‬‬

‫أخير‪ ،‬أحد أهم عوامل نجاح كير هو تقديمها أفكار مستحدثة مالئمة الحتياجات البيئة المحلية ولألطراف‬
‫اا‬

‫المعنية المستعدة لألخذ على عاتقها مسئولية التنمية‪ ،‬وفي الوقت ذاته تقديمها التمويل الالزم لتنفيذ هذه األفكار‪.‬‬

‫دون هذا التوازن بين تقديم األفكار واألموال سوف يحدث خلل في المنظومة‪ ،‬إذ أن األفكار وحدها لن تتعدى النوايا‬

‫الطيبة دون أن يكون لها مردود مؤكد على أرض الواقع‪ ،‬واألموال وحدها يمكن استغاللها في أغراض غير مثمرة إن‬

‫ظف لتحقيق أهداف تنموية حقيقية‪ .‬يبدو لي أن مسئولي كير ومسئولي الجمعيات فهموا أهمية هذا التوازن‪،‬‬
‫لم تو ّ‬

‫مما ينعكس باإليجاب على العالقات بين الطرفين وبالتالي على نجاح المجهود المبذول‪.‬‬

‫وسطاء بين التضامن الدولي والتنمية المحلية‪:‬‬

‫أغلب التمويل الذي توفره هيئة كير في مشروعاتها مع الجمعيات مصدره هيئات التعاون الدولي‪ ،‬مثل المعونة‬

‫األمريكية والمفوضية األوروبية وغيرها من الهيئات التابعة لحكومات الدول الغنية أو المنظمات الدولية‪ .‬هذه الهيئات‬

‫تمول‬
‫باستطاعتها تمويل مشرعات تنمية قومية بشكل مباشر بالتعاون مع الحكومة المصرية‪ ،‬ولكنها ال تستطيع أن ّ‬

‫أيضا أن تدخل في‬


‫مشروعات تنمية محلية في القرى أو المدن دون شركاء على المستوى المحلى‪ ،‬وهي ال تستطيع ً‬

‫‪78‬‬
‫عالقة مباشرة مع هؤالء الشركاء‪ .‬لكي يتم التواصل بين هذه الهيئات األجنبية الكبيرة وبين جمعيات تنمية المجتمع‬

‫العاملة على المستوى المحلي‪ ،‬أمام كل جهة مانحة اختياران‪ :‬إما أن تنشئ لها شبكة في المكاتب اإلقليمية تمثلها‬

‫في المحافظات والمراكز لتتعامل مع الشركاء المحليين‪ ،‬أو أن تعتمد على جهة تنموية وسيطة لها شبكة مكاتب‬

‫وشبكة عالقات فاعلة‪ .‬بالطبع يمثل االختيار الثاني ميزة اقتصادية وعملية ال يمكن تجاهلها‪.‬‬

‫دور الوسيط الذي تلعبه كير ال يتعلق فقط بالجوانب الثقافية واللغوية للتقارب بين هذين المجتمعين شديدي‬

‫أيضا تلعب دور الوسيط المؤسسي بين نوعين من المنظمات‪ ،‬يختلفان في الحجم وأسلوب العمل‬
‫االختالف‪ ،‬ولكنها ً‬

‫اختالفًا يجعلهما غير قابلين للتعامل المباشر‪ .‬وبالنظر للتنظيم الداخلي لهيئة كير نجد أن المكتب الرئيسي في‬

‫القاهرة يتعامل موظفوه مع الهيئات المانحة‪ ،‬في حين أن التعامل المباشر مع الجمعيات يتم من خالل المكاتب‬

‫اإلقليمية‪ ،‬أي أن داخل تنظيم هيئة كير مستويان مختلفان لتسهيل دور الوسيط الذي تقوم به‪.‬‬

‫للقيام بهذا الدور تحتاج كير ألن تظهر بمظهر مالئم أمام الجهات المانحة‪ ،‬وهي بالتالي تهتم بإظهار جوانب‬

‫تعاونا من جانب الجمعيات‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬أثناء وجودي في القرية جاء‬
‫ً‬ ‫النجاح في مشروعاتها‪ ،‬مما يستدعي‬

‫أحد ممثلي هيئة المعونة األمريكية لزيارة الجمعية وتفقّد المشروعات المختلفة التي تتعاون فيها كير‪ ،‬بغرض اإلعداد‬

‫أيضا دور الوسيط‪ .‬من أجل اإلعداد لهذه الزيارة‪ ،‬حضر للجمعية عدد من‬
‫لمشروع مستقبلي سوق تلعب كير فيه ً‬

‫تحسبا ألن يطلب الضيف رؤية هذه‬


‫ً‬ ‫موظفي المكتب اإلقليمي لقنا لترتيب الملفات في الحاسب اآللي للجمعية‬

‫الملفات‪ ،‬مع إضافة بعض الملفات التي يمكن أن يسأل عنها هذا الضيف‪ .‬ناقش موظفو كير مع مسئولي الجمعية‬

‫األسلوب األمثل الستقبال هذا الضيف الهام‪ ،‬ومن هم األشخاص الذي يجب تواجدهم وما إلى ذلك من تفاصيل‪.‬‬

‫موسع‪ ،‬نجد أن هيئة كير ليست إال حلقة في سلسلة طويلة أحد أطرافها هم‬
‫واذا قمنا بتحليل دور الوساطة بشكل ّ‬

‫المنتفعون من مشروعات التنمية في القرى والمدن المصرية‪ ،‬والطرف األخر هم دافعو الضرائب في الدول التي‬

‫ينتمي إليها وكاالت التنمية‪ .‬في هذه السلسلة يتم تخصيص جزًء من إيراد الضرائب في بعض الدول الغنية لبند‬

‫التعاون الدولي والتنمية‪ ،‬والذي تقوم بإدارته هيئات متخصصة تابعة لهذه الحكومات‪ ،‬وهي بالتالي وسيط بين دافعي‬

‫الضرائب وباقي السلسلة‪ .‬هذه الهيئات تتعامل مع منظمات وسيطة مثل هيئة كير‪ ،‬وهي في ذات الوقت منظمة‬

‫‪79‬‬
‫أيضا فرع من منظمة دولية‪ .‬ثم تتعامل هيئة كير والمنظمات الوسيطة المشابهة‬
‫مصرية خاضعة للقوانين المصرية و ً‬

‫مع جمعيات تنمية محلية تلعب دور الوسيط هي األخرى مع المستوى األدنى‪ ،‬وهو المواطن المستفيد من التمويل‬

‫الذي يتم استخدامه في مشروعات التنمي ة‪ .‬في هذه السلسلة الطويلة من المهم أن تقوم كل حلقة بدورها بكفاءة‬

‫وبفاعلية ودون إهدار للموارد ودون فساد إداري واال لن يصل للمستفيد النهائي إال الفتات الباقية‪.‬‬

‫نتائج التشكيالت اًلجتماعية مع هيئة كير‪:‬‬

‫التوازن بين العمل على المستوى المحلي واًلنفتاح على العالم‪:‬‬

‫الطابع المحلي لجمعية تنمية المجتمع بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري ال شك فيه‪،‬‬

‫ولكنهما ال تستطيعان أن تؤديا دورهما بكفاءة إن لم يكن لهما فرصة للتفاعل مع اإلطار االقتصادي واالجتماعي‬

‫الواسع‪ .‬التعامل مع هيئة كير يوفّر هذا االنفتاح على العالم كما رأينا من قبل‪ ،‬مما يتيح التوازن بين االنتماء والعمل‬

‫على المستوى المحلى للقرية والتفاعل مع المستوى القومي والعالمي‪ .‬بفضل العالقة مع كير‪ ،‬يزور مسئولو‬

‫أيضا زائرين من المحافظة والعاصمة‬


‫أحيانا يذهب بعضهم خارج مصر ويستقبلون ً‬
‫الجمعيتين األقصر وقنا والقاهرة و ً‬

‫أيضا‬
‫أيضا من األجانب‪ .‬بفضل هذه العالقة يذهب جزء من محصول مزارعي هذه الناحية إلى األسواق العالمية‪ً .‬‬
‫و ً‬

‫أيضا في‬
‫بفضل هذه العالقة أصبح للجمعيتين مصدر فخر بأن هناك من يتحدث عنهما في األقصر وقنا والقاهرة و ً‬

‫بروكسل وواشنطن‪.‬‬

‫كير‪ ،‬راعي أو شريك للجمعيتين‪:‬‬

‫يتأرجح وضع كير بالنسبة للجمعيتين ما بين الراعي الذي يوفّر كل شيء‪ :‬التمويل واألفكار والتدريب والمتابعة‪،‬‬

‫وبين الشريك الذي يتعامل مع شريكه في عالقة تكافؤ‪ .‬وان كان لدى كير العديد من العوامل التي تجعلها في موقع‬

‫احتياجا لهيئة كير من‬


‫ً‬ ‫تفوق وتعالي بالنسبة للجمعيات المحلية‪ ،‬مما يمكن أن يعطي االنطباع أن الجمعيات أكثر‬

‫احتياج الهيئة لهذه الجمعيات‪ .‬ولكن الواقع غير ذلك‪ ،‬لسبب بسيط وهو أن هيئة كير ليس لديها أي إمكانية للعمل‬

‫‪80‬‬
‫داع‬
‫جيدا‪ ،‬فهي ال تحاول أن تفرض هيمنتها على الجمعيات بغير ٍ‬
‫على المستوى المحلى وحدها‪ .‬وألنها تعي ذلك ً‬

‫بالرغم من م وقعها المتفوق‪ ،‬بل تحاول أن تقيم عالقة مع جمعيات موجودة من قبل مثل جمعية الفوارس وتساعدها‬

‫على أن تتطور وتتراكم خبراتها في مجال التنمية‪ ،‬وتساعد على إنشاء جمعيات جديدة مثل جمعية تنمية المجتمع‬

‫الزراعي بالعزب بحري لكي تصبح هذه الجمعيات شركاء استراتيجيين على المدى الطويل‪ .‬من الدالئل على أن‬

‫هيئة كير ال تحاول فرض سيطرتها أنها تسعى لتنمية العالقات بين الجمعيات وهيئات أخرى دون أن تكون كير‬

‫فاعال في هذه العالقات‪.‬‬


‫طرفًا ً‬

‫ما بين عمل الهواة والمحترفين‪:‬‬

‫إذا قارننا ما بين مسئولي الجمعيات والعاملين فيها من ناحية وموظفي هيئة كير من الناحية األخرى‪ ،‬لوجدنا أن‬

‫المجموعة األولى أغلبها من المتطوعين غير المتخصصين في العمل األهلي‪ ،‬في حين أن المجموعة الثانية تضم‬

‫نخبة من ذوي الكفاءة والخبرة في مجاالت التنمية‪ .‬من نتائج العالقة بين كير والجمعيات العمل على رفع كفاءة‬

‫مسئولي الجمعيات والعاملين فيها ليكونوا أقرب للمحترفين منهم للهواة‪ .‬يتم ذلك من خالل تقديم عدد من الدورات‬

‫أيضا من خالل اهتمام كير بالبناء المؤسسي للجمعيات‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬هناك فريق عمل من موظفي‬
‫التدريبية و ً‬

‫كير مسئول عن مساعدة الجمعيات على تطوير كيانها‪ ،‬من خالل وضع خطط إستراتيجية وتحديد األهداف‬

‫واألولويات وعمل تقييم دوري لألنشطة وتحديد هيكل وظيفي وتوضيح دور األطراف الفاعلة داخل كل جمعية‪،‬‬

‫واالهتمام بوجود أرشيف مرتب لكل مشروع وما إلى ذلك من األدوات المساعدة على جعل عمل الجمعيات أكثر‬

‫مهنية‪.‬‬

‫امتدادا للطابع المهني الذي تضفيه هذه العالقة على الجمعيتين‪ ،‬نجد أن هيئة كير‬
‫من نتائج العالقة مع كير‪ ،‬و ً‬

‫أيضا دور الرقيب والمتابع بالنسبة لألنشطة التي يتم تمويلها من خاللها‪ .‬لجميع هذه األنشطة هناك خطط‬
‫تلعب ً‬

‫ومواعيد تنفيذ يجب االلتزام بها مع كتابة تقارير واإلجابة على أسئلة استبيان بشأنها‪ .‬يخصص األستاذ محمود‬

‫تذمر‪ ،‬برغم أن هذه التقارير‬


‫والشيخ موسى وغيرهما في الجمعيتين جزًء من وقتهم لهذا العمل المكتبي الجاد دون أي ّ‬

‫ليس لها مردود مباشر بالنسبة لهم‪ ،‬غير حفظ العالقة الطيبة مع موظفي كير الذين يتابعون هذا العمل وال يترددون‬

‫‪81‬‬
‫في إعطاء مالحظتهم في جو من الثقة والود‪ ،‬فهذه العالقة الطيبة تجعل الجانب اإلداري يمر دون شد وجذب من‬

‫الطرفين‪.‬‬

‫الحث على استخدام وسائل تكنولوجية متطورة‪:‬‬

‫معدات ووسائل تقنية حديثة للجمعيتين لم يكن لهما أن تحصال عليها وحدهما‪،‬‬
‫أدى التعاون مع كير إلى توفير ّ‬

‫إذ أن خطي التليفون والحاسب اآللي والطابعة والفاكس المتاحين في مقر الجمعيتين تم شرائهم بتمويل من هيئة‬

‫أيضا زيادة كفاءة العمل اإلداري‬


‫كير‪ .‬هذه األدوات هدفها بالطبع تسهيل االتصال والعمل بين الجمعيتين وكير و ً‬

‫والمكتبي‪.‬‬

‫من نتائج ذلك اكتساب مسئولي الجمعيتين والعاملين مهارات لم تكن لديهم من قبل مع زيادة قابليتهم الستغالل‬

‫متاحا لدى الجهات‬


‫ً‬ ‫أيضا في خدمة اآلخرين‪ .‬هذا المستوى التكنولوجي ليس‬
‫هذه المهارات في خدمة الجمعيتين و ً‬

‫المعدات لدى الجمعيتين‬


‫ّ‬ ‫األخرى في القرية‪ ،‬ال لدى الجمعيات األخرى وال لدى الهيئات التابعة للدولة‪ .‬وجود هذه‬

‫أحيانا استخدام الفاكس أو الحاسب اآللي أو التليفون‬


‫ً‬ ‫يؤثر على عالقتهما بالجهات األخرى‪ ،‬إذ يطلب البعض‬

‫الخاصين بالجمعية ألغراض تتعلق بجهات أخرى كما سوف نرى في الفصلين القادمين‪.‬‬

‫تمكين المرأة‪:‬‬

‫أيضا هيئة كير‬


‫مثلما تحث هيئة كير الجمعيات على تبني وسائل تكنولوجية متطورة ألسباب عملية‪ ،‬تحث ً‬

‫الجمعيات على إ عطاء مساحة أكبر لدور المرأة‪ .‬تعكس رؤية هيئة كير الرأي السائد لدى هيئات التنمية والتعاون‬

‫مؤشر لتطوير المجتمعات‪ .‬ولذلك تدعو كير الجمعيات على زيادة‬


‫ًا‬ ‫الدولي‪ ،‬والتي تعتبر تمثيل المرأة في العمل العام‬

‫عدد السيدات في سجالت عضويتها‪ ،‬وبقدر اإلمكان إدخال بعضهن في مجالس اإلدارة‪ .‬في هذا الصدد وجدت أن‬

‫أيضا على كل إحصائيات الجمعيات التي توضح عدد‬


‫أحيانا من الحقيقة‪ .‬ينعكس ذلك ً‬
‫ً‬ ‫األرقام والمظاهر أهم‬

‫أيضا على رغبة الجمعيتين في أن يكون هناك أكبر عدد ممكن من السيدات في‬
‫السيدات في كل بند‪ .‬ينعكس ذلك ً‬

‫أجنبيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قادما من القاهرة أو كان‬
‫خصوصا إن كان الضيف ً‬
‫ً‬ ‫استقبال الضيوف‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫ال يعني ذلك أن تمكين المرأة في الجمعيتين هو فقط لعبة أرقام ومظاهر‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬التقدم الذي تحقق‬

‫مجاال للشك‪ .‬وهو يتمثل في وجود المهندسة هالة وجميع العامالت في مقر الجمعيتين‬
‫ً‬ ‫على أرض الواقع ال يدع‬

‫نسائيا ال يمكن إغفاله عند دخول المبنى‪ .‬ولكن علينا أن نالحظ أن وضع المرأة كما تم‬
‫ً‬ ‫والالتي يعطين طاب ًعا‬

‫مناقشته تحت عنوان‪ ،‬التشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء‪ ،‬ليس له قدر كبير من األهمية بالنسبة للعالقة بين‬

‫كير والجمعيتين‪ ،‬بل األولوية لألرقام والمظاهر التي يمكن توصيلها إلى مكتب كير في القاهرة ومن ثم إلى الجهات‬

‫المانحة‪ ،‬إلقناعهم بأن الجمعيات المستفيدة من المنح تأخذ في اعتبارها المطلوب من ناحية وضع المرأة‪.‬‬

‫*******‬

‫تناول هذا الفصل التشكيالت االجتماعية بين هيئة كير والجمعيتين محل الدراسة‪ .‬مما تم عرضه يمكن أن‬

‫نستخلص أنه لتحليل وفهم العالقات بين الطرفين يجب أن نأخذ في االعتبار الجانب المؤسسي للعالقة‪ ،‬ولكن يجب‬

‫أال نغفل أن هذه العالقة تتم عبر أشخاص هم موظفو كير ومسئولو الجمعيات والعاملين فيها‪ ،‬مما يضفي جانب‬

‫ئيسيا للجمعيتين لالنفتاح على العالم ولعمل‬


‫مصدر ر ً‬
‫ًا‬ ‫إنساني يضاف إلى الجانب المؤسسي‪ .‬تمثل هذه العالقة‬

‫التوازن المطلوب بين المستوى المحلي للقرية واإلطارين القومي والعالمي‪ .‬هيئة كير تعتبر جهة تمويل لألنشطة‬

‫أيضا مصدر للتطوير في األفكار والممارسات‪.‬‬


‫التنموية للجمعيتين ولكنها ً‬

‫‪83‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬وزارة التضامن اًلجتماعي‪ ،‬بين المرونة والبيروقراطية‬

‫تعتبر و ازرة التضامن االجتماعي‪ ،‬بحسب القانون‪ ،‬الجهة الحكومية التي تتولى اإلشراف والمتابعة للجمعيات‬

‫األهلية في مصر‪ .‬منذ إشهار أي جمعية تبدأ عالقة متبادلة طويلة األجل مع مختلف األجهزة التابعة لهذه الو ازرة‪.‬‬

‫يهدف هذا الفصل لتحليل هذه العالقة ما بين جمعية تنمية المجتمع المحلي بالفوارس وجمعية تنمية المجتمع‬

‫الزراعي بالعزب بحري من ناحية وجهات التضامن االجتماعي من الناحية األخرى‪ ،‬وهذه الجهات تشمل الوحدة‬

‫االجتماعية بالعزب وادارة التضامن االجتماعي بمركز إسنا ومديرية التضامن االجتماعي بمحافظة قنا‪ .‬في الوقت‬

‫نموذجا لتحليل العالقة بين المجتمع المدني والدولة على المستوى المؤسسي األهلي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذاته تمثل هذه العالقة‬

‫عالقة ذات إطار قانوني‪:‬‬

‫تخضع الجمعيات األهلية للقانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 4774‬والى الئحته التنفيذية رقم ‪ 402‬لسنة ‪ ،4774‬واللذان‬

‫يشمالن قواعد التعامل بين الجمعيات والجهات اإلدارية المختصة التي تضمن أن ق اررات الجمعيات غير مخالفة‬

‫للقانون أو لنظامها األساسي (مادة ‪ 42‬من القانون)‪ .‬تحصل الجهات اإلدارية على صورة من محاضر اجتماعات‬

‫الجمعية العمومية‪ ،‬ومن حق هذه الجهات إرسال موظفين إلى مقر الجمعية لالطالع على سجالتها‪ .‬تشمل المراجعة‬

‫هاما يتعلق بالميزانية السنوية والحسابات الختامية للجمعية مما يضمن متابعة مالية لألنشطة‬
‫جانبا ً‬
‫ً‬ ‫واإلشراف‬

‫المختلفة‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 44‬من القانون أنه "يجوز ندب العاملين بالدولة للعمل في الجمعيات لتقديم المعاونة ألداء رسالتها‬

‫وذلك بناء على طلب الجمعية‪ .‬ويصدر بالندب لمدة سنة قابلة للتجديد قرار من الوزير أو المحافظ المختص بحسب‬

‫األحوال"‪ .‬كما توضح الالئحة التنفيذية في مادتها رقم ‪ 26‬أن الندب يتم في حالة "إذا رغبت الجمعية في االستعانة‬

‫أيضا إن التجديد يتم "بناء على طلب الجمعية"‪.‬‬


‫بأحد العاملين المدنيين بالدولة" و ً‬

‫‪84‬‬
‫العالقات مع الوحدة اًلجتماعية‪:‬‬

‫تمثل الوحدة االجتماعية بالعزب و ازرة التضامن االجتماعي على مستوى الوحدة المحلية‪ ،‬ومقرها هو مبنى‬

‫صغير ومتهالك يحتاج لإلحالل والتجديد بشكل عاجل‪ ،‬ويقع على بعد أمتار قليلة من مقر الجمعيتين من ناحية‬

‫ومن مبنى الوحدة المحلية من الناحية األخرى‪ .‬يضطر المستفيدون من الوحدة في الكثير من األحيان االنتظار‬

‫خارج المبنى المكون من حجرتين لضيق المساحة‪ ،‬إذ عادةً ما يوجد جمهور في الساحة الخارجية المحيطة بالمبنى‪.‬‬

‫فعليا والنصف اآلخر‬


‫وعامال نصفهم له مكتب ويعمل ً‬
‫ً‬ ‫تتكون قوة العمل في الوحدة من أكثر من ‪ 42‬موظفًا‬

‫يعتبر عمالة زائدة عن الحاجة‪ ،‬وهم يرتبون مع زمالئهم أمور التوقيع في دفاتر الحضور واالنصراف دون تواجد‬

‫نظر لشيوعه في الكثير من المصالح الحكومية التي اضطرت لتعيين شباب‬


‫مثير للدهشة ًا‬
‫فعلي‪ .‬ال يبدو هذا األمر ًا‬

‫الخريجين للحد من مشكلة البطالة دون أن يكون هناك احتياج فعلي لموظفين إضافيين وال إمكانية فعلية لتشغيلهم‪،‬‬

‫عاما إذا حضر جميع الموظفين‪.‬‬


‫إذ أنه من المتوقع أن يحدث ارتبا ًكا ً‬

‫أغلب الموظفين في مقر الوحدة االجتماعية بالعزب هم من الرجال معظمهم من غير سكان الوحدة المحلية‪.‬‬

‫يفضل الجانب األكبر من هؤالء الموظفين لبس الجالبية‪ ،‬وهو أمر محظور عليهم رغبة من الدولة في الحفاظ على‬
‫ّ‬

‫هيبة الموظفين أمام الجمهور‪ ،‬لذلك يحتفظ كل موظف ببنطلون وقميص بشكل احتياطي لكي يلبسهما في حالة‬

‫قدوم متابعين من اإلدارة أو المديرية‪.‬‬

‫تهتم الوحدة االجتماعية بعدد من األعمال أهمها توزيع اإلعانات والمعاشات بحسب الكشوف وتلقي الطلبات من‬

‫األهالي المستحقين إلضافتهم على هذه الكشوف وحذف من يجب حذفهم منها‪ .‬وبرغم ما يترتب على هذه المهام‬

‫من صعوبات تتعلق بالتعامل مع الجمهور‪ ،‬إال أن الموظفين يحافظون في أغلب األحيان على جو من الهدوء إذ‬

‫يقومون بعملهم دون ضغوط نفسية وعصبية‪ .‬بجانب ذلك هناك بعض المهام األخرى للوحدة مثل متابعة الجمعيات‬

‫أيضا إدارة مشروع المرأة الريفية‪.‬‬


‫األهلية المشهرة داخل نطاق الوحدة المحلية بالعزب و ً‬

‫‪85‬‬
‫عالقة الجيرة مع الجمعيتين‪:‬‬

‫لم ِ‬
‫تأت الجيرة بين الجمعيتين والوحدة االجتماعية نتيجة للمصادفة‪ .‬يرجع ذلك إلى أن مقر جمعية الفوارس تم‬

‫بناؤه على أرض من أمالك الدولة تم الموافقة على تخصيصها لصالح الجمعية لتتمكن من االستفادة من اإلعانة‬

‫المالية ضمن مشروع شروق‪ .‬في ذلك الوقت وافقت الوحدة االجتماعية على تخصيص جزًء من األرض التابعة لها‬

‫والمحيطة بمبناها لصالح الجمعية حيث صدر قرار من الوحدة المحلية بالعزب بهذا الشأن‪.‬‬

‫بمرور الوقت أدت هذه الجيرة لنمو العالقات المؤسسية والشخصية بين موظفين الوحدة االجتماعية والقائمين‬

‫أيضا المشاركة في استخدام المساحات ومشاركة‬


‫على الجمعيتين‪ ،‬وهي عالقات يحكمها حسن الجوار وتشمل ً‬

‫الموارد البشرية وتبادل المنفعة‪.‬‬

‫‪ )1‬المشاركة في استخدام المساحات‪:‬‬

‫بسبب ضيق المساحة في مبنى الوحدة االجتماعية المتهالك الكائن بجانب مبنى الجمعيتين وهو مبنى جديد‬

‫مكون من طابقين‪ ،‬طلبت الوحدة االجتماعية من جمعية الفوارس السماح لها باستخدام حجرة في مبناها يتم‬
‫ّ‬

‫تخصيصها لمشروع تنمية ا لمرأة الريفية‪ .‬منذ ذلك الحين تم الموافقة على ذلك وتم وضع الفتة على الجدار الخارجي‬

‫أيضا مثال آخر على المشاركة‬


‫لمبنى الجمعية يشير إلى وجود مقر هذا المشروع التابع للوحدة االجتماعية‪ .‬هناك ً‬

‫ار خالل صيف عام ‪ 4779‬بعدم السماح‬


‫في استخدام المساحات‪ ،‬فقد أصدرت و ازرة التضامن االجتماعي قرًا‬

‫لموظفي الوحدات االجتماعية بتسليم أموال المعاشات في مقار الوحدات بل في منازل المستفيدين‪ ،‬مما أثار غضب‬

‫وخصوصا ما يترتب عليه من مسئولية التنقل في منزل آلخر‬


‫ً‬ ‫الموظفين ألن هذا القرار يتضمن زيادة أعباء عملهم‬

‫ضمنيا بين موظفي الوحدة االجتماعية والقائمين على‬


‫ً‬ ‫وهم حاملون مبلغ كبير من األموال‪ .‬لهذا السبب تم االتفاق‬

‫شاغر أثناء اإلجازة الصيفية كحل وسط يرضي‬


‫ًا‬ ‫الجمعيتين أن يتم توزيع األموال في مقر الحضانة الذي كان‬

‫الموظفين ويتماشى مع قرار الو ازرة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ )1‬المشاركة في الموارد البشرية‪:‬‬

‫لدى الوحدة االجتماعية ضعف عدد الموظفين المطلوب ألداء مهامها كما ذكرنا‪ ،‬في حين أن الجمعيتين ال‬

‫تقومان بتعيين عاملين إال في حدود احتياجها الفعلي‪ .‬في هذا السياق كان من الممكن أن تطلب كل جمعية من‬

‫الوحدة االجتماعية انتداب موظف أو اثنين للعمل بها حيث يظل راتبه األساسي تتكفل به الدولة‪ ،‬في حين تدفع له‬

‫الجمعية فقط الحوافز والبدالت بحسب المنصوص عليه في القانون‪ .‬وبالرغم من وجود هذه اإلمكانية إال أن‬

‫الموظفين اللذين لهما عالقة رسمية بجمعية الفوارس ليسا منتدبين في هذا اإلطار‪.‬‬

‫األستاذ أمين‪ ،‬موظف لدى الوحدة االجتماعية‪ ،‬له مكتب في جمعية الفوارس حيث يقوم بمهام المدير دون أن‬

‫وفكرت الجمعية في طلب‬


‫رسميا لقب المدير‪ .‬منذ البداية كان يجمع األستاذ أمين والشيخ موسى عالقة طيبة ّ‬
‫ً‬ ‫يحمل‬

‫انتدابه بها ولكنها في ذلك الوقت لم يكن لديها اإلمكانيات الكافية لدفع الحوافز والبدالت‪ .‬وعندما بدأ مشروع تنمية‬

‫طا يرضي جميع األطراف‪ ،‬حيث أن األستاذ أمين تم اختياره كمسئول عن المشروع‬
‫حال وس ً‬
‫المرأة الريفية تم توافر ً‬

‫رسميا إلى مقر المشروع الذي يشغل حجرة في مقر الجمعية‪.‬‬


‫ً‬ ‫وبالتالي ظل في قوة العمل بالوحدة مع انتقال مكتبه‬

‫في هذا اإلطار يستطيع األستاذ أمين أن يوقّع في سجل الحضور واالنصراف الخاص بالوحدة االجتماعية ويقضي‬

‫أيضا الحوافز والبدالت مدفوعة من الدولة دون تغيير‪ ،‬وهو وضع‬


‫ساعات العمل في الجمعية‪ .‬بهذا يظل راتبه و ً‬

‫رسمي وقانوني يشمل في ذات الوقت جانب كبير من المرونة في التعامل‪.‬‬

‫عاديا‬
‫نظر لكونه المدير وليس موظفًا ً‬
‫أما األستاذ أحمد مدير الوحدة االجتماعية‪ ،‬فال يمكن انتدابه في الجمعية ًا‬

‫في الوحدة‪ .‬وإليجاد صفة رسمية تربطه بجمعية الفوارس تم صياغة عقد بينه وبين الجمعية يؤدي األستاذ أحمد‬

‫مبلغا شهرًيا تحت بند «حوافز»‪ ،‬وهو مبلغ يحتفظ به لنفسه‪ ،‬باإلضافة لمبلغ‬
‫بموجبه خدمات للجمعية التي تدفع له ً‬

‫يساوي نصف مرتبه الرسمي ويتعهد هو بالتنازل عنه للجمعية تحت بند «تبرع شخصي»‪ .‬بهذا الشكل ال يقلل هذا‬

‫مدير وفي الوقت ذاته ال يشكل وجوده تكلفة باهظة لميزانية‬


‫العقد من مكانة األستاذ أحمد االجتماعية بصفته ًا‬

‫الجمعية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن الخدمات التي يقدمها األستاذ أحمد للجمعية ال تتعدى مراجعة الدفاتر والسجالت اإلدارية‬

‫والمالية‪ .‬هذه المراجعة تتم بشكل معتاد بحسب القانون‪ ،‬إذ أن كل جمعية ترسل نسخة من سجالتها للوحدة‬

‫االجتماعية‪ .‬ولكن الفارق الذي ينتج عن وجود هذا العقد بين الجمعية ومدير الوحدة االجتماعية هو أن هذه‬

‫المراجعة تتم في هذا اإلطار بشكل ودي ومبدئي داخل الجمعية‪ ،‬حيث يقترح األستاذ أحمد التعديالت المطلوبة ويتم‬

‫إدراج التعديالت قبل أن ترسل الجمعية للوحدة الدفاتر والسجالت بشكل رسمي‪ ،‬وبهذا ال توجد أي مالحظات‬

‫مبلغا شهرًيا في شكل حوافز لألستاذ أحمد مقابل قدر من راحة البال في العالقة‬
‫الحقة‪ .‬بهذا تتكفل الجمعية بدفع ً‬

‫رسميا بدون أخطاء وال مالحظات حيث يتم إرسالها‬


‫ً‬ ‫مع جهة اإلشراف‪ ،‬حيث أن ق ارراتها ودفاترها وسجالتها تظل‬

‫بعد ذلك إلى اإلدارة في إسنا ومديرية التضامن االجتماعي في قنا في شكلها النهائي‪.‬‬

‫‪ )3‬تبادل المنفعة‪:‬‬

‫في ظل ضغط النفقات بالنسبة ألجهزة الدولة ال تمتلك الوحدة االجتماعية ال هاتف وال فاكس وال حاسب آلي‪،‬‬

‫وجميع هذه األجهزة متوافرة في مقر الجمعيتين في المبنى المجاور‪ .‬ومع حسن العالقات الودية بين موظفي الوحدة‬

‫والمسئولين في الجمعيتين‪ ،‬يستطيع موظفو الوحدة االجتماعية استخدام هذه األدوات‪ ،‬وهم يفعلون ذلك بالفعل ولكن‬

‫أيضا‬
‫دون إفراط وال إهدار‪ .‬ال يقتصر تبادل المنفعة على المشاركة في استخدام األدوات المكتبية واألجهزة فقط‪ ،‬بل ً‬

‫تم االتفاق بين الشيخ موسى رئيس مجلس إدارة جمعية الفوارس واألستاذ أحمد على أن تقوم الجمعية بتركيب خط‬

‫هاتف إضافي باسمها‪ ،‬يتم توصيله بسلك خارجي إلى مبنى الوحدة االجتماعية‪ ،‬وأن تتكفل الوحدة االجتماعية‬

‫بنفقات التركيب والفاتورة الشهرية تحت بند «مصروفات نثرية» يتم دفعها كتبرع للجمعية والتي سوف تسددها بدورها‬

‫لهيئة االتصاالت‪ .‬يهدف هذا االتفاق إلى تالفي صعوبة الموافقة على تركيب هاتف باسم الوحدة االجتماعية‪ ،‬حيث‬

‫شخصيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن الجهات الحكومية ال تستطيع تركيبه إال بموافقة الوزير‬

‫‪88‬‬
‫إدارة التضامن اًلجتماعي بإسنا‪:‬‬

‫في المستوى اإلداري األعلى من الوحدة االجتماعية نجد إدارة التضامن االجتماعي بمركز إسنا‪ ،‬وهي الجهة‬

‫التي يتم تسجيل الجمعيات لديها عند إشهارها‪ ،‬وهي التي تتلقى جميع صور محاضر اجتماعات الجمعية العمومية‬

‫والكشوف والسجالت الخاصة بالجمعيات من الوحدات االجتماعية لمراجعتها قبل إرسالها للمستوى األعلى وهو‬

‫مديرية التضامن االجتماعي على مستوى محافظة قنا‪ .‬فيما يلي محاولة لتحليل العالقة بين الجمعيتين محل الدراسة‬

‫وادارة التضامن االجتماعي‪.‬‬

‫‪ )1‬الهيمنة الرمزية‪:‬‬

‫بحسب قانون الجمعيات والئحته التنفيذية في مادتها رقم ‪ ،49‬على كل جمعية أن تصدر السجالت والدفاتر‬

‫والملفات الخاصة بها وأن تقوم بختمها من الجهة المختصة قبل استعمالها على أن تكون مرقمة ومختومة بخاتم‬

‫الجمعي ة‪ .‬في هذا الصدد تصر إدارة إسنا أال تكتفي الجمعيات بوضع أسمائها وأرقام إشهارها على جميع مستنداتها‬

‫الرسمية‪ ،‬بل يجب عليها أن تستهل كل المستندات بعبارة «مديرية التضامن االجتماعي بقنا» ثم «إدارة إسنا‬

‫ار لجميع الجمعيات بتغيير‬


‫االجتماعية» قبل وضع اسم ورقم إشهار الجمعية‪ .‬بل وقد أرسل مدير هذه اإلدارة قرًا‬

‫أختامها إلضافة المديرية واإلدارة في الخاتم مع اسم الجمعية ورقم إشهارها وشعارها إن كان لها شعار‪ .‬بحسب هذه‬

‫أيضا دليل على‬


‫الرؤية تعتبر إدارة إسنا أن الجمعيات «تابعة» لها‪ ،‬بالرغم من أن رقم وتاريخ إشهار كل جمعية هو ً‬

‫أن ل ها وضعها القانوني المستقل كجهة اعتبارية تندرج تحت إطار المجتمع المدني وهي بذلك غير تابعة ألجهزة‬

‫مبهما يخلط ما بين االعتراف باستقالليتها ومحاولة‬


‫الدولة‪ .‬يمكننا إذن اعتبار موقف إدارة إسنا من الجمعيات موقفًا ً‬

‫ماديا‪.‬‬
‫شكال ً‬
‫أيضا ً‬
‫الهيمنة عليها هيمنة رمزية في المقام األول ولكنها تأخذ ً‬

‫سنويا يوازي ‪ ٪4‬من دخلها إلى إدارة إسنا‬


‫مبلغا ً‬
‫وذلك ألن على كل جمعية مشهرة في مركز إسنا أن تقوم بدفع ً‬

‫االجتماعية مقابل مجهودات موظفي اإلدارة القائمين على المتابعة واإلشراف على هذه الجمعيات‪ .‬وفي واقع األمر‬

‫‪89‬‬
‫يتم توزيع حصيلة هذه المبالغ التي يتم جمعها من الجمعيات على شكل حوافز على موظفي المديرية واإلدارة‬

‫والوحدات االجتماعية التابعة لو ازرة التضامن االجتماعي‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن هذه المساهمة المالية ليست متضمنة في قانون الجمعيات وال الالئحة التنفيذية بل تستند‬

‫على قرار بذلك األمر‪ .‬ومن الواض ح أن الجمعيتين محل الدراسة‪ ،‬مثلهما مثل جميع الجمعيات األخرى‪ ،‬ليس لديهما‬

‫مجال لرفض الخضوع لهذا القرار‪ ،‬إذ أن الميزانية السنوية للجمعية لن يتم اعتمادها من قبل جهة اإلشراف إذا لم‬

‫مبلغا يوازي ‪ ٪4‬من الدخل يتم سداده لإلدارة‪.‬‬


‫تتضمن ً‬

‫وال يقتصر األمر على هذا المبلغ إذ أن مدير اإلدارة عرض على عدد من رؤساء مجالس إدارة الجمعيات‬

‫النشطة مثل األستاذ محمود رئيس جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري أن يتبرعوا بشكل ودي بمبلغ ما‬

‫مبلغا من المال‬
‫لتمويل شراء حاسب آلي لإلدارة لتطوير أسلوب العمل بها‪ .‬لم يكن لدى األستاذ محمود إال أن يخرج ً‬

‫إلعطائه لمدير اإلدارة دون إيصال‪ ،‬وقد تم تسجيل ذلك في سجالت الجمعية تحت بند «مصروفات نثرية»‪.‬‬

‫اإلشراف المالي‪:‬‬

‫يمثل اإلشراف المالي أحد أهم جوانب العالقة بين الجمعيتين واإلدارة االجتماعية‪ .‬أثناء تواجدي في العزب‬

‫استقبلت الجمعيتان أكثر من مرة زيارة موظف أو موظفين من اإلدارة لمراجعة الدفاتر والحسابات الختامية لكل‬

‫مساء‪ .‬في كل مرة يعرض‬


‫ً‬ ‫أحيانا أخرى كانت تحدث‬
‫أحيانا كانت هذه الزيارات في أوقات العمل الرسمية و ً‬
‫ً‬ ‫جمعية‪.‬‬

‫الشيخ موسى أو األستاذ محمود على الموظفين دعوة للغذاء أو العشاء في المنزل‪ ،‬كان الموظفون يقبلون الدعوة أو‬

‫يرفضونها دون حرج‪.‬‬

‫برغم أن الحسابات الختامية يتم إعدادها بعناية بواسطة محاسبين متطوعين من العزبة ثم يتم عرضها على‬

‫محاسب قانوني متخصص في إسنا قبل عرضها على موظفي اإلدارة‪ ،‬إال أن هؤالء يجدون أخطاء ومالحظات‬

‫ويطلبون بعض التعديالت‪ .‬هذه التعديالت يتم توصيلها بشكل شفهي لألستاذ محمود أو الشيخ مرسى دون كتابة‬

‫‪90‬‬
‫مذكرة أو تقرير بذلك‪ .‬لم يتردد الموظفان في تذكير الشيخ موسى بأن جمعية الفوارس لم تدفع بعد مبلغ الـ‪ ٪4‬لإلدارة‬

‫في السنة المنتهية طالبين منه أن يقوم بذلك دون إبطاء‪.‬‬

‫وان كانت عالقة اإلشراف المالي تتم في إطار ودي دون أن يقوم أحد الطرفين بعمل شد وجذب مع الطرف‬

‫األخر‪ ،‬فإن ذلك يصب في مصلحة الطرفين‪ .‬من مصلحة الجمعيتين أن تظهر لإلدارة حسن النوايا لتتحاشى التشدد‬

‫والصرامة في التعامل الذي يمكن للموظفين انتهاجهما إن أرادوا ذلك‪ .‬ومن مصلحة موظفي اإلدارة اإلبقاء على‬

‫فمثال قام أحد موظفي اإلدارة‬


‫أيضا يستطيعون تبادل المنافع‪ً ،‬‬
‫ماديا و ً‬
‫العالقات الطيبة مع الجمعيات حيث يستفيدون ً‬

‫باالتصال بالجمعية ذات يوم يطلب أن يقوم أحدهم بتسجيل اسمه في سجل الزيارات مع توقيع يشبه توقيعه ألنه‬

‫كان يرغب في التغيب عن عمله ذلك اليوم دون أن يتم اقتطاع اليوم من رصيد إجازاته‪ ،‬فقام باستصدار خطاب‬

‫خط سير وكأنه ذاهب لزيارة الجمعية‪.‬‬

‫مديرية التضامن اًلجتماعي بقنا‪:‬‬

‫ال توجد عالقة وطيدة بين الجمعيتين من جهة ومديرية التضامن االجتماعي بقنا من الجهة األخرى بشكل‬

‫مباشر‪ ،‬وذلك ألن جميع المراسالت تمر أوًال بإدارة إسنا إذ أنه من غير الجائز أن تخاطب أحد الجمعيات المديرية‬

‫بشكل مباشر‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن أحد مزايا االتحاد النوعي للجمعيات األهلية العاملة في مجال التنمية الزراعية‬

‫بقنا والذي ساهمت الجمعيتان في تأسيسه مع عدد من الجمعيات على مستوى المحافظة‪ ،‬هو أنه يتيح التعامل مع‬

‫بديال للجمعيات‪ ،‬يمكنها من خالله أن تنقل‬


‫مدخال ً‬
‫ً‬ ‫المديرية دون المرور بإدارة إسنا‪ .‬أصبح وجود االتحاد هناك‬

‫وجهات نظرها بشكل جماعي ومباشر للمديرية في قنا‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مثال للتشكيالت اًلجتماعية مع جهات التضامن اًلجتماعي‪:‬‬

‫قصة تخصيص قطعة أرض‪:‬‬

‫مثلما حدث مع جمعية الفوارس في التسعينات عندما تم تخصيص قطعة أرض من أمالك الدولة كانت تابعة‬

‫للوحدة االجتماعية لبناء مقر الجمعية عليها‪ ،‬ترغب جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري في الحصول على‬

‫أيضا ضمن الفناء المحيط بمبنى الوحدة االجتماعية‪ .‬تم بالفعل الحصول على الموافقات‬
‫قطعة أرض مجاورة وهي ً‬

‫الالزمة لتخصيص أرض مساحتها ‪227‬م‪.4‬‬

‫أيضا‬
‫حقيقيا من الوحدة االجتماعية ومن إدارة إسنا و ً‬
‫ً‬ ‫وتشجيعا‬
‫ً‬ ‫حيبا‬
‫ومن الجدير بالذكر أن طلب الجمعية القى تر ً‬

‫من إدارة الوحدة المحلية‪ .‬وصل هذا الترحيب والتشجيع إلى حد أن مدير الوحدة االجتماعية طلب من األستاذ‬

‫محمود أ ن يكتب بنفسه صيغة خطاب الموافقة الذي يريده‪ .‬ويتطلب تخصيص األرض موافقات من عدة جهات مثل‬

‫أيضا الصحة والبيطرة باإلضافة إلى المجلس الشعبي المحلي ومجلس‬


‫إدارة الزراعة والري واإلسكان واآلثار و ً‬

‫المحافظة ليصل إلى المحافظ ذاته الذي يصدر القرار النهائي من مكتبه‪ .‬ولمخاطبة جميع هذه الجهات كان من‬

‫يوضح فيه موافقته ويذكر مجاالت عمل الجمعية ويشهد بجديتها‬


‫خطابا ّ‬
‫ً‬ ‫الطبيعي أن يكتب مدير الوحدة االجتماعية‬

‫وفاعليتها وأهمية الدور الذي تقوم به‪ ،‬ليقوم األستاذ محمود بإرفاق هذا الخطاب بطلبات الموافقات المختلفة لتسهيل‬

‫الموافقة‪.‬‬

‫*******‬

‫كيف يمكننا تحليل التشكيالت االجتماعية بين الجمعيتين وجهات التضامن االجتماعي؟ يبدو لي أنه يمكن‬

‫تلخيص ذلك في عدد من النقاط‪:‬‬

‫‪ )4‬فرض أسلوب عمل بيروقراطي‪.‬‬

‫‪ )4‬تبادل المنفعة واستخدام المساحات‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ )2‬المرونة والعالقات الودية بين الموظفين التابعين للتضامن االجتماعي والمسئولين عن الجمعيتين‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬ينتج عن عملية المتابعة واإلشراف اإلداري والمالي نوع من البيروقراطية المفروضة‪ ،‬فاستخدام أسلوب‬

‫معين في العمل المكتبي وكتابة التقارير ومحاضر االجتماعات والدفاتر والسجالت ليس بالضرورة هو األسلوب‬
‫ّ‬

‫أحيانا بكتابة محاضر اجتماعات لمجلس‬


‫ً‬ ‫الذي يناسب الجمعيات‪ .‬في هذا السياق يقوم المسئولون عن الجمعيتين‬

‫اإلدارة دون أن يجتمع المجلس أو يقوم المسئولون بتعديل التاريخ على أحد األوراق الصادرة عن الجمعية‪ .‬أما‬

‫بالنسبة ألسلوب كتابة سجالت اإليرادات والمصروفات والدفاتر المالية للجمعية فتصر إدارة إسنا على فرض‬

‫خصوصا فيما يتعلق بالمشروعات التي تشترط فيها الجهة‬


‫ً‬ ‫األسلوب الذي اعتاد عليه الموظفون‪ ،‬مما يشكل صعوبة‬

‫يدونوا هذه السجالت مرتين أو أن‬


‫أسلوبا آخر لكتابة السجالت‪ ،‬فيضطر القائمون على الجمعية إما أن ّ‬
‫ً‬ ‫الممولة‬

‫يتوصلوا لحل يرضي جميع األطراف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ألن مبنى الوحدة االجتماعية بالعزب ومقر الجمعيتين متجاوران وألن لكل منهما مميزات مختلفة يمكنه أن‬
‫ا‬

‫يقدمها لألخر‪ ،‬فيتم تبادل المنفعة بشكل تلقائي وبال روتين‪ .‬تتبع الوحدة االجتماعية أرض فضاء واسعة وهي ال‬

‫تعترض على تخصيص جزء منها للجمعيتين‪ ،‬وفي ذات الوقت ترحب الجمعية باستضافة مشروع المرأة الريفية في‬

‫حجرة داخل مبناها لضيق المساحة في مبنى الوحدة االجتماعية‪ .‬يعمل في الوحدة عدد مبالغ فيه من الموظفين وهي‬

‫ال تمانع أن يقوم بعضهم بأعمال داخل الجمعية مقابل حافز مادي بسيط دون اللجوء لالنتداب‪ .‬تمتلك الجمعيتان‬

‫وسائل وأجهزة غير متاحة لدى موظفي الوحدة االجتماعية وهي ال تتردد في السماح لهم باستخدامها‪.‬‬

‫ثالثاا ‪ :‬جميع هذه العالقات المؤسسية‪ ،‬سواء في أشكالها القانونية أو غير الرسمية‪ ،‬في أشكالها الواضحة أو غير‬

‫المعلنة‪ ،‬تتم في إطار من المرونة والعالقات الودية بين الموظفين والمسئولين في الجمعيتين وفي جهات التضامن‬

‫االجتماعي‪ .‬جميع الحلول الوسطية التي يتم التوصل إليها في مناخ يخلو من الشد والجذب ودون إثارة مشاكل ال‬

‫داعي لها‪ ،‬ترجع إلى الصداقة التي تجمع األطراف عبر سنوات وخبرات من التعاون والعمل المشترك والوعي بأن‬

‫التضاد في المصالح ليس له نفع ألي من األطراف‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬التشكيالت اًلجتماعية الخارجية األخرى‬

‫بعد أن استعرضنا التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع الجهات التابعة لو ازرة التضامن االجتماعي‪ ،‬يهدف‬

‫هذا الفصل إلى تحليل التشكيالت االجتماعية الخارجية األخرى‪ ،‬أي العالقات المتبادلة ما بين الجمعيتين من جهة‬

‫وعدد من المنظمات من جهة ثانية‪ .‬هذه المنظمات تشمل جمعيات تنمية المجتمع المحلي الموجودة في نطاق‬

‫أيضا أجهزة الدولة والحكم المحلي مثل‬


‫أيضا خارجها‪ ،‬مثل الجمعيات التعاونية الزراعية ومراكز الشباب‪ ،‬و ً‬
‫العزب و ً‬

‫أيضا القطاع الخاص‪.‬‬


‫الوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلي وعدد من الجهات المانحة المصرية واألجنبية و ً‬

‫الجمعيات األهلية داخل وخارج نطاق الوحدة المحلية‪:‬‬

‫بحسب البيانات المتاحة‪ ،‬هناك حوالي ‪ 47‬جمعيات لتنمية المجتمع مشهرة في نطاق الوحدة المحلية بالعزب‪.‬‬

‫أثناء تواجدي في الجمعيتين محل الدراسة الحظت وجود أشكال مختلفة للعالقة بين الجمعيتين والجمعيات األخرى‬

‫أيضا بعض العالقات‬


‫مرور بعالقات تنافسية أو تعاونية مختلفة‪ .‬هناك ً‬
‫ًا‬ ‫تتراوح ما بين التجاهل التام والتعاون الوطيد‬

‫يميز هذه‬
‫المتبادلة بين الجمعيتين مع جمعيات أخرى خارج نطاق الوحدة المحلية‪ .‬فيما يلي نستعرض أهم ما ّ‬

‫التشكيالت االجتماعية‪.‬‬

‫أواًل‪ :‬جمعيات مجهولة أو يتم تجاهلها‪:‬‬

‫يقدر بحوالي ‪ ،47‬إال أنه خالل فترة تواجدي في الجمعيتين لم‬


‫برغم وجود عدد من الجمعيات األهلية بالعزب ّ‬

‫يتم التطرق لحوالي نصف هذه الجمعيات وال مرة واحدة سواء للحديث عنها بالسلب أو اإليجاب‪ .‬يبدو أن هذه‬

‫الجمعيا ت ال تمثل أي موضع اهتمام بالنسبة لمسئولي جمعية الفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب‬

‫بحري‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬سألت عن جمعية عزبة سالم في قرية العزب قبلي التي كنت أرى الفتتها على الطريق‬

‫أتلق إجابة تفيد وجود عالقة تعارف ولو سطحية مع الجمعيتين محل الدراسة‪.‬‬
‫المؤدي لمدينة إسنا‪ ،‬ولكني لم َ‬

‫‪94‬‬
‫في بعض األحيان كان يتطرق الحديث إلى «الجمعيات العطالنة» أو التي «ال تعمل»‪ ،‬وهو حديث يخلو من‬

‫دائما ما يؤول هذا الحديث‬


‫أي تقدير وال يذكر أسماء هذه الجمعيات وال أسماء المسئولين عنها فذلك ليس ذا أهمية‪ً .‬‬

‫إلى المقارنة بين «الجمعيات النشطة»‪ ،‬أي الجمعية التي ينتمي إليها المتحدث‪ ،‬والجمعيات األخرى التي تعاني من‬

‫الخمول والكسل أو النزاعات الشخصية وانعدام الرؤية‪ .‬في النهاية يخدم هذا الحديث زيادة التقدير الشخصي‬

‫والمكانة االجتماعية لجمعية الفوارس وجمعية تنمية المجتمع الزراعي والمسئولين عنهما‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الجمعية الخصم‪:‬‬


‫ا‬

‫يمكنني وصف العالقة بين الجمعيتين محل الدراسة وجمعية تنمية المجتمع المحلي بالناصرية بأنها عالقة‬

‫خصومة وتنافس‪ .‬ال يمكن تجاهل هذه الجمعية إذ أن مقرها يقع بالقرب من مقر الجمعيتين وأن رئيس مجلس‬

‫شخصيا من رئيسي مجلس إدارة الجمعيتين ومن العاملين بهما‪ .‬ويرجع التنافس والخصومة لعدة‬
‫ً‬ ‫إدارتها معروف‬

‫أسباب كما يلي‪:‬‬

‫خصوصا لقرب المسافة بين‬


‫ً‬ ‫أواًل‪ :‬وجود دار حضانة في جمعية الناصرية يتنافس مع حضانة جمعية الفوارس‪،‬‬

‫موقع الحضانتين‪ .‬تشمل المنافسة عدد األطفال المترددين على كل حضانة والسمعة الطيبة التي تتمتع بها ورأي‬

‫أولياء أمور هؤالء األطفال‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬وجود مشروع مشغل حياكة في جمعية الناصرية مشابه لمشغل جمعية الفوارس‪ .‬وبالرغم من أن المشغلين‬
‫ا‬

‫كبيرا‪ ،‬يفتخر مسئولو جمعية الفوارس بأن مشغلهم ما زال يعمل ولو على نطاق ضيق‪ .‬يزيد على‬
‫نجاحا ً‬
‫ً‬ ‫ال يجدان‬

‫حاليا في مشغل جمعية الفوارس هي ابنة عم رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية‪،‬‬
‫ذلك أن الحائكة التي تعمل ً‬

‫وكانت تعمل من قبل في جمعية الناصرية ولكنها لم تستمر‪ .‬يمكن تحليل انضمام هذه الحائكة لجمعية الفوارس‬

‫أيضا رغبتهم في إظهار نجاح جمعيتهم حيث‬


‫على أنه يمثل رغبة مسئولي هذه الجمعية في استمرار هذا النشاط و ً‬

‫فشلت الجمعية األخرى‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ثالثاا‪ :‬يرجع أحد مصادر التنافس لكون رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية موظفًا في الوحدة المحلية القروية‪،‬‬

‫والتي تبدو أنها شجعت على إقامة جمعية الناصرية بعد نجاح جمعية الفوارس‪ ،‬لرغبتهم في إيجاد توازًنا في القرية‬

‫أخير يظهر هذا التنافس بشكل واضح عندما طلب رئيس مجلس إدارة جمعية الناصرية‬
‫من حيث نشاط الجمعيات‪ .‬و ًا‬

‫يتعمد‬
‫أكثر من مرة الحصول على قرض باسم زوجته من جمعية تنمية المجتمع الزراعي بالعزب بحري‪ .‬في كل مرة ّ‬

‫انطباعا‬
‫ً‬ ‫مسئولو هذه الجمعية في إظهار ترددهم في اإلجابة على طلبه ثم يوافقون على إعطائه القرض بما يعطي‬

‫بتفوق الجمعية لدرجة أن رئيس جمعية أخرى يأتي بنفسه ليكون أحد المنتفعين‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬الجمعية اًلبنة‪:‬‬

‫تُعد جمعية العطارين لتنمية المجتمع النسائي في موضع بنوة بالنسبة لجمعية الفوارس‪ .‬باإلضافة لما ناقشناه‬

‫بالنسبة لهذه الجمعية عندما تطرقنا للتشكيالت االجتماعية العائلية والتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء‪،‬‬

‫يمكننا مالحظة أن جمعية العطارين تتمتع بمساندة جمعية الفوارس لها‪ ،‬إذ أنها تعتمد على خبرتها الطويلة‬

‫واإلمكانيات المتاحة لديها مما يعطي هذه الجمعية النسائية مميزات غير متاحة لغيرها من الجمعيات الناشئة‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬جمعيات صديقة‪:‬‬


‫را‬

‫تربط الجمعيتان محل الدراسة عالقات صداقة مع عدد من الجمعيات األخرى‪ .‬ومن المالحظ أن جميع هذه‬

‫الجمعيات الصديقة ال يشمل نطاق عملها قرية العزب بحري إذ أن جميعها تعمل في قرى أخرى‪ .‬في أغلب األحيان‬

‫تكون هذه العالقات ن اتجة عن عالقات شخصية بين المسئولين أو العاملين دون أن تكون هناك عالقات مؤسسية‪.‬‬

‫فرصا لتبادل الخبرات والمعلومات التي يستفيد منها جميع األطراف‪ .‬من أمثلة هذه الجمعيات‬
‫ً‬ ‫وتعد هذه العالقات‬

‫الصديقة‪ ،‬الجمعية النسائية بعزبة حامد والتي يسود فيها عالقات طيبة بين المسئوالت عنها وبين المهندسة هالة‬

‫والشيخ موسى‪ ،‬وجمعية تنمية المجتمع بالمطاعنة والتي يرأس مجلس إدارتها إمام جامع الناصرية ويعتبر من أقارب‬

‫أيضا جمعية الدير التي تقوم بإدارة مشروع قروض دوارة مماثل‬
‫األستاذ أمين وهو من العناصر النشطة بها‪ ،‬و ً‬

‫‪96‬‬
‫لمشروع جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ ،‬مما أدى لوجود عالقة زمالة وتعاون بين أم كلثوم مسئولة القروض في هذه‬

‫الجمعية مع الموظفين القائمين على هذا المشروع في جمعية الدير‪.‬‬

‫المجتمع المدني المحلي‪:‬‬

‫هناك عدد ال بأس به من منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي في الوحدة المحلية القروية بالعزب‪.‬‬

‫يندرج في هذه الفئة جمعيتان تعاونيتان زراعيتان‪ ،‬واحدة للعزب بحري واألخرى للعزب قبلي ومركزي شباب‪ .‬هناك‬

‫أيضا جمعية تعاونية زراعية لمنتفعي اإلصالح الزراعي مقرها قرية المطاعنة المجاورة والتي يمتد نطاق عملها‬
‫ً‬

‫ليشمل بعض مزارعي اإلصالح الزراعي بالعزب‪.‬‬

‫بالرغم من أن نشاط جمعية تنمية المجتمع الزراعي وجمعية الفوارس في مجال الزراعة وتنميتها في القرية‪،‬‬

‫مجاال للعمل المشترك مع الجمعيات التعاونية الزراعية‪ ،‬إال أن هذا التعاون لم يتحقق على أرض الواقع‪.‬‬
‫ً‬ ‫والذي يتيح‬

‫يرجع ذلك لنظام عمل التعاونيات الزراعية التي يغلب عليه الطابع الحكومي وكأنها مكتب محلي لو ازرة الزراعة‪،‬‬

‫حيث أن جميع موظفيها يتبعون الو ازرة وحيث أن أغلب نشاطها هو بيع األسمدة والمبيدات وادارة الحيازات الزراعية‪،‬‬

‫دون أن يوجد بها هامش من االبتكار في مشروعات زراعية أخرى‪ .‬تعتبر المهندسة هالة أحد همزات الوصل القليلة‬

‫بين الج معيتين األهليتين محل الدراسة والجمعية التعاونية الزراعية كما ذكرنا من قبل‪ .‬ولكن هذه العالقة لم تترجم‬

‫في شكل تعاون مؤسسي من أي نوع‪.‬‬

‫أما مع الجمعية التعاونية لإلصالح الزراعي بالمطاعنة فقد توجد بعض العالقات حيث أن رئيسها هو شقيق‬

‫األستاذ أمين مدير جمعية الفوارس‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يسعى الشيخ موسى‪ ،‬وهو عضو في هذه الجمعية التعاونية‬

‫بصفته مزارًعا لقطعة أرض تابعة لإلصالح الزراعي‪ ،‬إلى الحصول على تمثيل منصف في مجلس إدارتها‪ .‬في هذا‬

‫السياق قام الشيخ موسى بتنظيم ندوة توعية حول موضوع الري المتطور بالتعاون بين جمعية الفوارس والجمعية‬

‫التعاونية لإلصالح الزراعي والتي انعقدت في مقر هذه الجمعية التعاونية‪ ،‬مما أدى لظهور الشيخ موسى بشكل جيد‬

‫‪97‬‬
‫تمهيدا إلعالن رغبته في الترشيح لمجلس اإلدارة‪ .‬تنظيم ندوة من هذا النوع هو بالطبع نشاط مؤسسي‪ ،‬ولكنه ال‬
‫ً‬

‫يتضمن إمكانية التعاون على المدى الطويل‪.‬‬

‫جهات الحكم المحلي‪:‬‬

‫خصوصا في‬
‫ً‬ ‫متبادال‪،‬‬
‫ً‬ ‫اما‬
‫تجمع الجمعيتان بالمجلس الشعبي المحلي وبإدارة الوحدة المحلية عالقات مودة واحتر ً‬

‫ظل وجود أعضاء في الجمعيتين من أعضاء المجلس الشعبي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك هناك عالقات تبادل منفعة جديرة‬

‫أحيانا للدهشة‪.‬‬
‫ً‬ ‫بالدراسة والتحليل‪ ،‬وهي تدعو‬

‫ال يتردد مسئولو المحليات في إظهار تشجيعهم للجمعيتين ومساندتهم لهما‪ .‬على سبيل المثال عندما طلب‬

‫األستاذ محمود موافقة الوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلي على تخصيص قطعة أرض لبناء مقر مستقل‬

‫لجمعية تنمية المجتمع الزراعي عليها‪ ،‬طلب منه المسئولون أن يقوم هو بنفسه بكتابة الرد بالصيغة التي يرغبها‬

‫على جهاز كمبيوتر الجمعية مع وضع اسم الوحدة المحلية والمجلس الشعبي‪ ،‬وقام هؤالء المسئولون بالتوقيع بالفعل‬

‫على هذه األوراق دون الحاجة لمناقشة محتواها‪.‬‬

‫يرجع هذا المناخ في العالقة المتساهلة لكون بعض أنشطة الجمعيتين المهمة تندرج في إطار المنفعة العامة في‬

‫مجاالت كان من المتوقع أن تقوم بها اإلدارة المحلية مثل توصيل مياه الشرب وادارة الصرف الصحي‪ .‬قيام‬

‫الجمعيات األهلية بهذه األنشطة يصب في مصلحة المجلس الشعبي المحلي وادارة الوحدة المحلية ألنها بذلك‬

‫تحصل على حلول مجانية لمشاكل كان من الممكن أن تقع على عاتقها‪.‬‬

‫وفعالة في القرية هو مصدر فخر لمسئولي المحليات‬


‫أيضا من الناحية المعنوية‪ ،‬وجود جمعيات أهلية نشيطة ّ‬
‫و ً‬

‫ودليل على أن القرية تسير في الطريق الصحيح نحو التنمية‪ .‬لذلك يسعى المسئولون إلظهار مساندتهم للعمل‬

‫األهلي سواء كانت هذه المساندة فعلية أو فقط معنوية‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫أما بالنسبة للجمعيتين‪ ،‬فإن تشجيع الجهات المحلية يعد ميزة كبيرة لتسهيل اإلجراءات البيروقراطية التي يمكن‬

‫أن تعطل األنشطة والمشروعات المختلفة‪ ،‬إذا دخلت الجمعيتان في نمط عالقات شد وجذب أو مواجهة مع مسئولي‬

‫هذه الجهات‪.‬‬

‫الجهات الحكومية المتخصصة‪:‬‬

‫مثال إدارة الري‪:‬‬

‫في إطار اإلعداد لمشروع تبطين المساقي‪ ،‬من البديهي أن تبرم الجمعيتان اتفاقًا مع إدارة الري بإسنا بصفتها‬

‫الجهة الحكومية المسئولة عن كل ما يتعلق بالترع والمساقي‪ .‬وللوصول إلى اتفاق يتيح التعاون الرسمي بين‬

‫توفير للوقت‪ ،‬تم إيجاد صيغة أخرى‬


‫ًا‬ ‫طويال‪ .‬ولكن‬
‫ً‬ ‫الجمعيتين وبين إدارة الري‪ ،‬يجب المرور بإجراءات تتطلب وقتًا‬

‫للتعاون على الهامش ما بين اإلجراءات الرسمية وغير الرسمية‪.‬‬

‫كامال مع الشيخ موسى ومع‬


‫يوما ً‬
‫الدليل على ذلك هو قدوم أحد مهندسي إدارة الري بسيارة تتبع الو ازرة وأمضى ً‬

‫آخرين كنت منهم‪ ،‬لزيارة األراضي التي سوف يشملها المشروع وأخذ القياسات المطلوبة لعمل دراسة الجدوى‬

‫للمشروع‪ .‬في آخر اليوم استخدم المهندس جهاز كمبيوتر الجمعية لعمل الحسابات المطلوبة وكتابة التقرير الذي تم‬

‫إرساله في ذات اليوم إلى هيئة كير‪.‬‬

‫جميع ما تم عمله في ذلك اليوم يشير إلى أن المهندس في مهمة رسمية من قبل اإلدارة التي يتبعها‪ .‬وذلك فيما‬

‫عدا أن يومها كان أول مايو‪ ،‬أي عيد العمال وهو إجازة رسمية‪ .‬معنى ذلك أن هذه المهمة ليست رسمية بالكامل‪،‬‬

‫بل هي تمهيد للمشروع الذي سوف يتخذ الشكل الرسمي في وقت الحق‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الشرطة والجهات األمنية‪:‬‬

‫يعي المسئولون عن الجمعيتين أن كل ما يتم عمله داخل الجمعيتين معروف لدى جهاز أمن الدولة ولدى‬

‫مدون فيه كل ما يتعلق بعمله األهلي‪ .‬بالرغم من أني ال‬


‫الشرطة‪ ،‬ويظنون أن لكل واحد منهم ملفًا لدى أمن الدولة ّ‬

‫أستطيع إثبات صحة هذا االعتقاد‪ ،‬إال أن هذه الفكرة المسيطرة على األذهان لها حيثيات يجب أخذها في االعتبار‬

‫أثناء دراسة الجمعيتين‪.‬‬

‫الجانب المرئي من هذه العالقة مع أمن الدولة والشرطة هو وجوب إخطارهما في حالة زيارة شخصية أجنبية‬

‫أيضا في حالة قبول تمويل من جهة أجنبية يجب على‬


‫للقرية‪ ،‬حيث تبعث الشرطة حراسة خاصة لغير المصريين‪ً .‬‬

‫كل جمعية أخذ موافقة األمن‪ .‬وبالمثل من أجل قبول وجودي في القرية أثناء وقت الدراسة كان أول إجراء قام به‬

‫األستاذ محمود هو اصطحابي من محطة القطار إلى مكتب أمن الدولة إلعطائهم صورة من خطاب صادر من‬

‫جامعة القاهرة التي كنت أعمل لديها في هذا الوقت إلخطارهم بطبيعة وجودي في القرية‪.‬‬

‫أيضا بعض المعتقدات بأن‬


‫جميع هذه اإلجراءات هي في الغالب خليط من القوانين واللوائح الواجب إتباعها و ً‬

‫هناك جهات خفية تراقب تحركات الجميع وتعلم بكل األمور التي تحدث في الحياة اليومية‪ .‬ويزيد على ذلك رغبة‬

‫الجميع في تجنب المشاكل المحتملة‪ .‬وفي بعض األحيان يعتبر البعض أن الشعور بأنهم مراقبون من جهات األمن‬

‫هو أحد العناصر التي تدل على أهميتهم وأهمية ما يقومون بعمله‪ ،‬واال لماذا يستوجبون المراقبة؟‬

‫جهات التمويل المحلية‪:‬‬

‫في الوقت الحالي‪ ،‬أصبح الصندوق االجتماعي للتنمية هو الجهة المحلية الرئيسية التي تقوم بتمويل مشروعات‬

‫الجمعيتين محل الدراسة‪ ،‬مثل مشروع كسح مياه الصرف الصحي في جمعية الفوارس ومشروع القروض الدوارة في‬

‫جمعية تنمية المجتمع الزراعي‪ .‬باإلضافة ألهمية التمويل في حد ذاته الستمرار نشاط الجمعيتين‪ ،‬يمثل الصندوق‬

‫االجتماعي بالنسبة للجمعيتين ميزتين رئيسيتين لضمان استقاللهما‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫أواًل ‪ :‬بالنسبة للعالقة مع هيئة كير ومع جهات التمويل األجنبية‪ ،‬إن وجود جزء من أنشطة الجمعيتين يعمل‬

‫يبين للجميع أن والء الجمعيتين ليس للخارج بل أنهما يشغالن‬


‫بالتعاون مع الصندوق‪ ،‬وهو جهة تحت إدارة مصرية‪ّ ،‬‬

‫موقعا في خريطة التنمية بحسب خطة الدولة‪ .‬من شأن ذلك زيادة مكانة الجمعيتين وتحسين سمعتها وسمعة‬
‫ً‬

‫المسئولين عنهما ألنهم قادرون على إحداث توازن ما بين التمويل المحلى واألجنبي للصالح العام للقرية ولسكانها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يتميز الصندوق االجتماعي للتنمية بأنه يتبع مجلس الوزراء وال يتبع و ازرة التضامن االجتماعي‪ .‬يعطي‬
‫ا‬

‫خاصا لألنشطة التي يقوم الصندوق بتمويلها‪ ،‬والتي ال يستطيع موظفو الجهات التابعة لو ازرة التضامن‬
‫ً‬ ‫طابعا‬
‫ً‬ ‫ذلك‬

‫االجتماعي في اإلدارة والمديرية اإلشراف عليها بشكل كامل مثلما يحاولون عمله مع األنشطة األخرى للجمعيات‪.‬‬

‫هذا الوضع يسمح للجمعيتين بأن تظه ار استقاللهما النسبي بالنسبة لجهات التضامن االجتماعي‪ ،‬عندما تظهر وجود‬

‫أنشطة ال يمكن لموظفي التضامن التدخل في تفاصيلها الداخلية‪.‬‬

‫جهات التمويل األجنبية‪:‬‬

‫باإلضافة إلى هيئة كير الدولية‪ ،‬استفادت الجمعيتان من التمويل من جهات أخرى مثل الوكالة األمريكية للتنمية‬

‫الدولية والسفارة األمريكية بالقاهرة ومبادرة حوض النيل‪ .‬جميع هذه الجهات قامت باالتصال بالجمعيتين بمبادرة من‬

‫هيئة كير التي قامت بدور الوسيط‪ .‬هذا التنوع في مصادر التمويل له أهمية بالنسبة للجمعيتين‪ ،‬فهو دليل على‬

‫نجاحهما ووصولهما لمستوى جيد‪ .‬في مقر جمعية تنمية المجتمع الزراعي يمكن للزوار مشاهدة صور توقيع السفير‬

‫األمريكي بنفسه على تمويل مشروع السماد العضوي مع ممثلين عن الجمعية‪ ،‬وذلك يعد مصدر فخر لمسئولي‬

‫الجمعية التي وصلت بذلك للعالمية‪.‬‬

‫القطاع الخاص‪:‬‬

‫تربط بين جمعية تنمية المجتمع الزراعي والقطاع الخاص عالقات تعامل من خالل مشروعات التنمية الزراعية‪،‬‬

‫هاما في‬
‫دور ً‬
‫خصوصا مشروع السماد العضوي ومشروعات الزراعات التصديرية‪ .‬في هذا المجال تلعب الجمعية ًا‬
‫ً‬

‫توفير السماد العضوي كأحد مستلزمات اإلنتاج وفي توفير فرص للتسويق من خالل التصدير‪ .‬أما عملية اإلنتاج‬

‫‪101‬‬
‫دور في العالقة مع مزارع‬
‫في حد ذاتها فهي شأن المزارعين وال تتدخل فيها الجمعية‪ .‬يلعب المهندس منصف ًا‬

‫خصوصا المزارع الكبيرة‪ ،‬فهو يحاول تسويق السماد العضوي لديها ويضيف على ذلك بعض‬
‫ً‬ ‫القطاع الخاص‪،‬‬

‫ممثال عن‬
‫ً‬ ‫خبير في هذا المجال وبصفته‬
‫اإلرشادات التقنية الخاصة بالزراعة العضوية والزراعات اآلمنة بصفته ًا‬

‫الجمعية‪ .‬هذا الدور يوفر للجمعية فرصة لتسويق منتجها من السماد العضوي لدى القطاع الخاص ويستفيد منه‬

‫المهندس منصف كدخل إضافي له مقابل الخبرة التي يقدمها ألصحاب هذه المزارع‪.‬‬

‫أما بالنسبة لجمعية الفوارس‪ ،‬فهي ال تدخل في عالقات مباشرة مع القطاع الخاص إال في حدود ضيقة‪ .‬يبدو‬

‫جنبا إلى جنب أدى إلى تخصص واحدة في الخدمات االجتماعية والعالقة مع األهالي وتوفير‬
‫أن وجود الجمعيتين ً‬

‫الخدمات لهم‪ ،‬واألخرى في الجوانب االقتصادية والعالقة مع المزارعين ومع القطاع الخاص بحسب قواعد السوق‪.‬‬

‫يحدث التعاون الوطيد بين الجمعيتين توازًنا ما بين التنمية االجتماعية من الناحية الخدمية والتنمية االقتصادية‪ ،‬وهذا‬

‫التوازن يخدم الصالح العام ويعطي قوة للجمعيتين‪.‬‬

‫*******‬

‫في نهاية هذا الفصل والذي عرضنا فيه جوانب مختلفة من التشكيالت االجتماعية التي تتعامل مع جهات‬

‫مختلفة من داخل وخارج المجتمع المحلي‪ ،‬مثل الجمعيات األهلية األخرى ومنظمات المجتمع المدني وجهات الحكم‬

‫المحلى والجهات الحكومية المتخصصة والجهات األمنية وجهات التمويل المحلية واألجنبية والقطاع الخاص‪ ،‬يمكننا‬

‫أن نستخلص بعض النقاط الهامة‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬يحكم بعض هذه التشكيالت االجتماعية الرغبة في إحداث توازنات تضمن االستقالل النسبي للجمعيتين‪،‬‬

‫مثل التوازن ما بين مصادر التمويل المحلية واألجنبية واالستقالل النسبي بالنسبة لجهات التضامن االجتماعي‪،‬‬

‫أيضا يحكم بعض هذه التشكيالت االجتماعية‬


‫والتوازن ما بين الجوانب االجتماعية والجوانب االقتصادية للتنمية‪ً .‬‬

‫زيادة مكانة الجمعيتين ومكانة المسئولين والعاملين فيها داخل المجتمع المحلي‪ .‬يبدو أن الصورة واالنطباع العام‬

‫الذي تتمتع به الجمعيتان والمسئولون عنهما أمر ذو أهمية كبيرة‪ .‬بعض هذه التشكيالت االجتماعية يمكن تحليله‬

‫من خالل المصالح المشتركة والمصالح المتبادلة بين الجمعيتين والجهات التي تتعامل معها‪ .‬في هذه العالقات‬

‫‪102‬‬
‫أحيانا يظل ذلك على هامش‬
‫ً‬ ‫تمتزج المصالح المادية والمعنوية دون أن يكون ذلك في إطار رسمي واضح بل‬

‫اإلطار الرسمي الجامد الذي يحكم العالقات بحسب القوانين واللوائح‪ .‬باإلضافة إلى جميع هذه العناصر يجب‬

‫اإلشارة ألهمية العالقات الشخصية التي تجمع مسئولي الجمعيتين بالقائمين على الجهات المختلفة‪ ،‬إذ أن هذه‬

‫العالقات تساعد على تفسير الكثير من مظاهر هذه التشكيالت االجتماعية‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الخاتمة‬

‫تكمن أهمية هذه الرسالة في أنها أتاحت رؤية متعمقة ومتكاملة للجمعيات األهلية في الريف المصري‬

‫عن طريق دراسة حالة لجمعيتي ن في قرية من قرى صعيد مصر‪ .‬وهي في ذلك اعتمدت على األسلوب الوصفي‬

‫أسلوبا حديثًا في علم االجتماع‪.‬‬


‫ً‬ ‫وهو نادر االستخدام في الدراسات التي تعني بالريف المصري‪ ،‬بالرغم من أنه ليس‬

‫يتطلب هذا األسلوب الكثير من الوقت والمجهود‪ ،‬ولكنه أثبت جدواه في تحقيق األهداف المرجوة من هذه الدراسة‪.‬‬

‫وقد أتاح هذا األسلوب الوصول لبعض البيانات والمعلومات التي يجب معايشتها للتمكن من مشاهدتها والتي‬

‫يصعب الوصول إليها بغير ذلك‪ .‬والجدير بالذكر أنه لم يتم العثور على أي دراسة سابقة للمنظمات الريفية المصرية‬

‫تمت بأسلوب جمع البيانات باستخدام المالحظة بالمشاركة‪ .‬وال يجب اعتبار استخدام هذا األسلوب كنوع من االنتقاد‬

‫لألسلوب السائد‪ ،‬والذي يعتمد على تحديد عدد كبير من المتغيرات ووضعها في شكل أسئلة لعمل استمارة استبيان‬

‫إحصائيا للوصول إلى تمييز المتغيرات‬


‫ً‬ ‫تحليال‬
‫ً‬ ‫لتطبيقها على عينة ممثلة لمجتمع الدراسة‪ ،‬مما يتيح تحليل البيانات‬

‫بعيدا عن شبهة االنتقاد‪ ،‬حاولنا من خالل هذه‬


‫معنويا وبالتالي نفي أو إثبات فرضيات البحث‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫طا‬
‫المرتبطة ارتبا ً‬

‫مكمال لما هو سائد‪.‬‬


‫ً‬ ‫مدخال‬
‫ً‬ ‫الدراسة عرض أسلوب مختلف يتيح التجديد ويمكنه أن يشكل‬

‫وعلى جانب آخر‪ ،‬فإن استخدام اإلطار النظري الذي يجمع بين علم اجتماع التنمية وعلم اجتماع‬

‫المنظمات‪ ،‬مع اللجوء لمفهوم رصد وتحليل عناصر وظواهر اجتماعية شديدة التنوع داخل وخارج المجتمع المحلي‪،‬‬

‫منها االقتصادية والجغرافية والمؤسسية وغيرها‪ ،‬ساهم في وضع صورة عامة ذات جوانب متعددة تتكامل مع بعضها‬

‫البعض‪.‬‬

‫*******‬

‫أتاحت دراسة التشكيالت االجتماعية التي تم عرضها في الفصول السابقة فهم بعض السلوكيات الخاصة‬

‫باألطراف الفاعلة وبعض االستراتيجيات داخل الجمعيتين فيما يتعلق ببعض الجوانب أهمها أربعة‪ :‬معايير اختيار‬

‫‪104‬‬
‫أيضا األعضاء فيها‪ ،‬معايير اختيار األنشطة والمشروعات‪ ،‬معايير تحديد المستفيدين من‬
‫العاملين في الجمعية و ً‬

‫أخير معايير تحديد الوسائل والنظم المستخدمة في إدارة كل جمعية واألنشطة المختلفة‪.‬‬
‫هذه األنشطة و ًا‬

‫أيضا األعضاء المسجلين فيها‬


‫أواًل‪ :‬يمكننا أن نستخلص أن معايير اختيار العاملين والموظفين في كل جمعية و ً‬

‫تتم وفقًا لعدد من التشكيالت االجتماعية أهمها التشكيالت االجتماعية العائلية والمكانية‪ .‬يعني ذلك أن تواجد أفراد‬

‫من عائالت مختلفة ومن عزب مختلفة وفقًا لتوزيع متباين هو أمر له دالالت خاصة لفهم التوازنات االجتماعية في‬

‫كل جمعية‪ .‬يضاف إلى ذلك أن تواجد النساء بين العاملين وفي سجالت العضوية يتعلق بالتشكيالت االجتماعية‬

‫أيضا بالتشكيالت االجتماعية مع هيئة كير‪ ،‬وهو بذلك أمر ال يخضع‬


‫بين الرجال والنساء في المجتمع المحلي و ً‬

‫للصدفة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نجد أن اختيار األنشطة والمشروعات في كل جمعية يتم وفقًا لعدد من التشكيالت االجتماعية‪ .‬على سبيل‬
‫ا‬

‫توجه الجمعيتين ناحية عدد من مشروعات التنمية الزراعية يمكن ربطه بالتشكيالت االجتماعية‬
‫المثال يتضح لنا أن ّ‬

‫تشجع على إقامة‬


‫االقتصادية ذات المكون الزراعي العام وبالتشكيالت االجتماعية مع هيئة كير الدولية التي ّ‬

‫مشروعات في هذا المجال‪ .‬أما مشروعات القروض الصغيرة والدوارة التي تستهدف المرأة الريفية فهي مرتبطة‬

‫بالتشكيالت االجتماعية بين الرجال والنساء والتشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التضامن االجتماعي‬

‫المهتمة بوجود أنشطة تتعلق بتمكين المرأة الريفية‪.‬‬

‫ثالثاا ‪ :‬فيما يتعلق بتحديد المستفيدين من كل مشروع من مشروعات الجمعيتين‪ ،‬نجد أن التشكيالت االجتماعية‬

‫تفسر لنا أسباب تواجد أبناء بعض العائالت أكثر من عائالت أخرى وتواجد أهالي أحد العزب‬
‫العائلية والمكانية ّ‬

‫أيضا أن التشكيالت االجتماعية االقتصادية والتشكيالت االجتماعية مع‬


‫بنسبة أكبر من أهالي العزب األخرى‪ .‬نجد ً‬

‫هيئة كير ومع جهات التمويل األخرى ترتبط بتوجيه بعض المشروعات ناحية «المحتاجين»‪ ،‬وبعض المشروعات‬

‫األخرى ناحية «المتوسطين» أو « ميسوري الحال»‪ .‬أما عن تواجد النساء ضمن المستفيدين فهو يخضع لعدد كبير‬

‫من التشكيالت االجتماعية وهي التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التمويل المحلية واألجنبية ومع‬

‫جهات التضامن االجتماعي‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫أيضا أن أساليب إدارة الجمعيتين واألنشطة المختلفة تتعلق بعدد من‬
‫ً‬ ‫أخيرا‪ :‬يمكننا أن نستخلص‬
‫ابعا و ا‬
‫را‬

‫تشجع‬
‫التشكيالت االجتماعية‪ .‬يتضح لنا أن التشكيالت االجتماعية مع هيئة كير ومع جهات التمويل المختلفة ّ‬

‫الجمعيتين على تبني وسائل حديثة واستخدام التكنولوجيا‪ ،‬في حين أن التشكيالت االجتماعية مع الهيئات الحكومية‬

‫تشجع على تبني الوسائل البيروقراطية في اإلدارة مثلما هو متبع في هذه الجهات‪.‬‬
‫ومنها التضامن االجتماعي ّ‬

‫*******‬

‫وفي النهاية يمكن استخالص أربع نقاط كنتائج لهذه الدراسة وفي ذات الوقت كدعوة إلجراء بحوث الحقة‬

‫لتعميق فهمنا لجمعيات تنمية المجتمع المحلي العاملة في الريف المصري‪.‬‬

‫أواًل‪ :‬أنه ال يوجد تضاد بين دور الدولة ودور القطاع األهلي في التنمية كما يبدو ذلك للوهلة األولى‪ .‬أظهرت‬

‫سبال‬
‫هذه الدراسة أنه برغم وجود أدلة ظاهرية تدل على وجود اختالفات في بعض وجهات النظر‪ ،‬إال أن هناك ً‬

‫أشكاال غير متوقعة‪ ،‬بل وتدعو للدهشة‪.‬‬


‫ً‬ ‫أحيانا يأخذ‬
‫ً‬ ‫متعددة تتيح التنسيق والتعاون الفعلي‪ ،‬وذلك‬

‫ثانيا‪ :‬أظهرت هذه ال دراسة عدم وجود تضاد بين التنمية المبنية على تقديم الخدمات االجتماعية والتنمية المبنية‬
‫ا‬

‫توجهين متباينين كل منهما لها تخصصها‪ ،‬ولكنها‬


‫على االنفتاح االقتصادي‪ ،‬وهو ما يتمثل في وجود جمعيتين ذات ّ‬

‫وعضويا باألخرى‪ .‬يتطلب وجود هذين التوجهين وجود توازن بينهما مما يحقق التنمية المتكاملة دون‬
‫ً‬ ‫يخيا‬
‫مرتبطة تار ً‬

‫منافسة أو تضاد‪.‬‬

‫ثالثاا ‪ :‬أنه ال يمكن فهم وتحليل العمل التنموي وأسلوب عمل الجمعيات األهلية دون الرجوع إلى دور األفراد‬

‫القائمين على هذا العمل األهلي‪ ،‬أي رؤساء وأعضاء مجالس اإلدارة والعاملين في هذه الجمعيات وجميع من‬

‫يساهم ون في عملية اتخاذ الق اررات‪ .‬أظهرت هذه الدراسة أن الجوانب الشخصية والمكونات الفردية لها أهمية كبيرة‬

‫في عملية التنمية‪ ،‬إذ أن األطراف الفاعلة يمثلون حلقات الوصل بين المؤسسات بعضها البعض ويمثلون دور‬

‫الوسيط مع المجتمع المحلى‪ .‬لذلك ال يجوز الفصل بين الجوانب المؤسسية والجوانب الشخصية في هذه المنظمات‬

‫الريفية بل يجب محاولة فهم طبيعة تداخلها‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫أخير‪ :‬إن التنمية ليست ثورة على الماضي وعلى النظم االجتماعية السائدة بل هي خليط من الثوابت‬
‫ابعا و اا‬
‫را‬

‫سلبيا‪ ،‬بل هي دعوة لتغيير نظرتنا تجاه‬


‫أمر ً‬‫االجتماعية ومن المتغيرات والمستحدثات‪ .‬ال يجب اعتبار ذلك ًا‬

‫المجتمعات األهلية لمحاولة فهم كيفية جمع هذه المنظمات الريفية لعناصر اإلدارة الحديثة وعناصر من العادات‬

‫أيضا دعوة لتغيير نظرتنا تجاه التنمية المحلية والتي ال يمكن‬


‫خاصا بها و ً‬
‫ً‬ ‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫والتقاليد والتراث المحلي‪ ،‬إليجاد‬

‫فضا لألوضاع الحالية ومحاولة استبدال هذه األوضاع بما هو مرغوب بل يجب اعتبارها كمحاولة لقبول‬
‫اعتبارها ر ً‬

‫الواقع كما هو من أجل تغييره في االتجاه المرغوب‪.‬‬

‫‪107‬‬

You might also like