Professional Documents
Culture Documents
المقطع السابع مناهج المسح الاثاري
المقطع السابع مناهج المسح الاثاري
مقدمة:
تختلف المناهج فكل العلوم االجتماعية ،اإلنسانية و علوم المادة حسب طبيعة موضوع الدراسة .فعلم اآلثار
ال يستثني هذه القاعدة العملية من اجل الوصول إلى الحقيقة العلمية التي تسعى إليها كل األنشطة البحثية.
فالمناهج لعلم اآلثار المستخدمة في عملية المسح قد تختلف هي كذلك حسب طبيعة الموقع و أهداف
العملية .نحاول من خالل هذا المقطع أن نتطرق إلى أهم هذه المناهج و طرق تطبيقها في الميدان.
منهج المسح األثري:
يختلف منهج المسح األثري حسب طبيعة كل منطقة ،فالمسح في المناطق الحضرية ليس كالمسح في
المناطق الريفية أو الساحلية أو البحرية ،فلكل منطقة خصوصياتها يجب أن تراعى ،فالمسح في المناطق
الحضرية كالمدن والقرى والتجمعات السكنية أمر صعب ألسباب تقنية .فأرضية المدينة مثال تغطي
المخلفات القديمة لها ،ولن يبق الشيء الكثير من تلك المخلفات ظاهرة كما هو الحال في المناطق الريفية،
فيلزم علينا البحث من خالل المسح عن آثار مطمورة فوقها بنايات حديثة ومستغلة.
فالبحث في المصادر التاريخية والجغرافية حول المدينة مثال يصبح أكثر من الضروري للتعرف على
مختلف المراحل التي مرت بها المنطقة عبر الحقبات التاريخية .في الكثير من عمليات الحفر لآلبار ،في
المناطق العمرانية ،يتم استخراج تربة ممزوجة بمخلفات أثرية يستعان بها في التعرف على طبيعة اآلثار
المدفونة من بقايا فخارية أو نقود أثرية .كما يتوجب على أعضاء فرقة البحث التجول الدقيق عبر كامل
أجزاء المدين والسير في جميع دروبها ،بهذه الطريقة يمكن التمييز بين المعالم األثرية والمباني الحديثة،
من جهة و بين المواد المستعملة في بناء القديم من حيث األصل و النوع .فقد حدث في الكثير من الحاالت
أن اإلنسان استعمال مواد بناء جلبها من مكان آخر ،وتوجد أمثلة عديدة عن هذه الحالة في الجامع األموي
بدمشق وجامع القيروان وجامع قرطبة ،حيث استعملت فيهم أعمدة قديمة رومانية وبيزنطية.
وفي الجزائر أمثلة كثيرة لهذه الظاهرة منها جسر باب القنطرة الذي أعاد تشييده صالح باي بحجارة جلبها
من معالم أثرية قديمة.
وإذا كان المسح في المناطق الحضرية صعبا فانه في المناطق الريفية سهل إلى حدا ما ،ذلك إن مواقع
أثرية كثيرة في مثل هذه المناطق تكون بارزة إلى العيان ،وعادة ما تكثر شقف الفخار فوق سطحها ،أو
1
* السداسي الثاني * * مدخل إلى علم اآلثار* *جامعة التموين المتواصل*
تظهر منها بعض الجزاء كاألسوار أو األعمدة ،وغالبا ما تتوضع آثار المدن في شكل تلل يكبر حجمها
ويصغر حسب كبر المدينة أو صغره.
أما إذا كانت المعالم األثرية غير واضحة فيمكن أن تكون مدفونة على عمق كبير نتيجة لتراكم كميات
كبيرة من الرواسب ،وفي هذه الحالة يجب علينا أن نستعين بالجيوفيزياء والكيمياء وغيرها.
وفي المناطق الساحلية أو المائية تزداد عملية المسح صعوبة وتعقيدا ،وهي تتطلب االستعانة بخبراء في
هذا المجال ،كعلماء البحر وغواصين مع استعمال أجهزة و وسائل التصوير الفوتوغرافي والماجنتومتر
وغيرها.
اإلجراءات الميدانية في عملية المسح األثري:
الدراسة التحضيرية:
ا -تحديد المنطقة :و هو تحديد المكان المعني بعملية المسح األثري فيه ،و تخضع هذه العملية الى عدة
اعتبارات ،منها التعرف على تاريخ منطقة ما أو وضع برامج تنموية لحماية المواقع والمعالم األثرية
وترقيتها ،وقد تختار أماكن معينة لسباب مختلفة كمشاريع كبرى كشق الطرق أو بناء سدود ،فتضطر
الدولة إلى برمجة عملية مسح إنقاذي فيها قبل البدء في األشغال.
ب -جمع المعلومات:تجمع المعلومات حول المنطقة المعنية بالمسح من المصادر التاريخية والجغرافية
التي تعرضت لتاريخها أو وصفها عبر مختلف الفترات والعصور ،والدراسات الحديثة التي أقيمت حولها،
والحفريات التي أجريت فيها ،ويفيدنا البحث البيبليوغرافي في جمع معلومات جد هامة تاريخية وأثرية
ومعرفة أسماء المدن واألماكن القديمة والحديثة .في الجزائر ،توجد أسماء بعض األماكن تشير إلى أن
المنطقة أثرية مثل كلمة " خربة "وهي مستعملة كثيرا،مثال " خربة أولد بوزيان بسيدي الحسني" والية
"تيارت" فهذه المنطقة تحوي خرائب رومانية الزالت بقاياها ماثلة إلى اليوم.
ولمعرفة الجانب الجغرافي و الجيولوجي للمنطقة يمكن االستعانة بالخرائط ا لجيولوجية والطبوغرافية و
الصور الجوية ،ولهذه األخيرة فائدة كبيرة في الكشف عن المواقع األثرية المطمورة وتحديد حيزها
ومخططها.
كما تعتبر معلومات أهل المنطقة من أهم المصادر التي ال يمكننا االستغناء عنها ،ويحدث كثيرا أن يكتشف
أهل المنطقة اثأرا أثناء قيامهم بأشغال الحفر المختلفة ،ويعثرون على تحف ينقلونها من مواقعها األصلية
إلى مقر سكناهم أو بيعها ،وقد تكون لديهم معلومات حول مواقع كانت و واضحة معالمها وظاهرة ثم بعد
مدة ولعوامل طبيعية أو بشرية اختفت.
2
* السداسي الثاني * * مدخل إلى علم اآلثار* *جامعة التموين المتواصل*
-2الدراسة الميدانية:
ا -تخطيط المنطقة :بعد تحديد حيز المسح وانطلقا من الخرائط الطبوغرافية والصور الجوية تقسم المنطقة
إلى مربعات ،وتسهل عملية التخطيط في المناطق السهلية أكثر من غيرها لبساطها ووضوح الرؤية فيها،
وقد تقسم هذه المساحة بدورها إلى شبكة من المربعات تتراوح أطوالها بين 30و 50متر مربع ،ولما يتم
العثور على موقع اثري كبير كآثار مدينة واسعة يمكن تقسيمها إلى مربعات اصغر ،لما تتطلبه من رسم
ورفع معماري ومسح اثري مكثف ،ويتحكم في تحديد مقاسات المربعات عدة عوامل ،منها طبيعة
المنطقة ،وعدد أفراد البعثة وإمكانياتها ،وكثافة المواقع األثرية ،فكلما كانت هذه األخيرة كثيرة كلما توجب
تصغير المربعات ،لما تتطلبه العملية من تدقيق وتركيز.
ب -المعاينة الميدانية :وتتم عملية المعاينة بتوزيع أفراد البعثة على مربع أو أكثر حسب عددهم،
ويصطفون متجولين في استقامة واحدة على طول المستطيل ،في المرتفعات والمنخفضات ،من أعماق
الوديان إلى أعالي الجبال ،مع التدقيق في مالحظة البقايا والمخلفات األثرية المتواجدة على سطح األرض.
3