You are on page 1of 14

Dirasat: Human and Social Sciences, Volume 49, No.

5, Supplement 1, 2022

Dismantling Strategy in Post-Structural Criticism and Undermining Mechanisms


Farouk Soltani*
University of Msila, Algeria

Abstract
Received: 13/10/2019 Deconstructionism that (Jacques Derrida) looked at in the 1960S is a strategy for reading and
Revised: 26/4/2020 undermining texts. Deconstructionism has emerged at the postmodernism stage as an anti-
Accepted: 11/8/2021 revolutionary reaction against structural approaches; this is because Derrida's
Published: 30/11/2022
deconstructionism appears as an extension of post-structural criticism, which is based on
*
releasing the texts from the mental constants and disrupting the system that is based on, and it
Corresponding author:
undermines the cultural patterns on which modern literary discourse is based on, which makes
farouk.soltani@univ-msila.dz
its meaning has multiple and different indications from reading to another and from one context
to another. Deconstructionism is based on her study of literary texts on a group of undermining
Citation: Soltani, F. . Dismantling mechanisms which try to talk about in this article titled: dismantling strategy in post-structural
Strategy in Post-Structural Criticism criticism and undermining mechanisms.
and Undermining Keywords: Deconstructionism, Arab criticism, dismantling mechanisms
Mechanisms. Dirasat: Human and
Social Sciences, 49(5), 395–408.
https://doi.org/10.35516/hum.v49i5.3
485

‫استراتيجية التفكيك في نقد ما بعد البنيوية وآليات التقويض‬


* ‫فاروق سلطاني‬
‫ الجزائر‬،‫جامعة املسيلة‬
ّ
‫ملخـص‬
ّ
© 2022 DSR Publishers/ The University ‫ وقد ظهرت‬،‫تمثل التفكيكية التي نظر إليها (جاك دريدا) في ستينيات القرن املاض ي استراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها‬
of Jordan.
)‫ ذلك أن التفكيكية لدى (جاك دريدا‬،‫كردة فعل مناهضة وثائرة على املناهج البنيوية‬ّ ‫التفكيكية في مرحلة ما بعد الحداثة‬
This article is an open access article ،‫تتمظهر كامتداد لنقد ما بعد البنيوية الذي يقوم على تحرير النص من الثوابت العقلية وخلخلة النظام الذي يقوم عليه‬
distributed under the terms and
conditions of the Creative Commons ‫ مما يجعل معناه يحتمل داللة متعددة ومختلفة من‬،‫وهي تقوض األنساق الثقافية التي تقوم عليها النصوص الحداثية‬
Attribution (CC BY-NC) license ‫ التي‬،‫قراءة ألخرى ومن سياق آلخر؛ حيث ترتكز التفكيكية في دراستها للنصوص األدبية على جملة من اآلليات التقويضية‬
https://creativecommons.org/licenses/b .‫سنتناولها من خالل هذا املقال املوسوم بـاستراتيجية التفكيك في نقد ما بعد البنيوية وآليات التقويض‬
y-nc/4.0/
.‫ آليات التفكيك‬،‫ العربي‬/‫ في النقد الغربي‬،‫ التفكيكية‬:‫الكلمات الدالة‬

395
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫انفتح النقد األدبي في مرحلة ما بعد الحداثة على جملة من النظريات النقدية الجديدة‪ ،‬التي تختلف في األسس واملبادئ النقدية عما كان سائدا‬
‫همشته املناهج الحداثية السابقة‪،‬‬ ‫توجه النقد في مرحلة ما بعد البنيوية إلى االنفتاح على القارئ الذي ّ‬ ‫في النقد الحداثي (السياقي‪ /‬النسقي)‪ ،‬حيث ّ‬
‫فصار للقارئ دور في قراءة النصوص وتأويل معناها‪ ،‬الذي يختلف من قراءة ألخرى‪ ،‬ألن القارئ في مرحلة ما بعد الحداثة ينظر إلى النص كنتاج‬
‫إبداعي غير مطلق الداللة‪ ،‬ما يجعله يستدعي قراءات جديدة‪ ،‬تفكك بنياته‪ ،‬وتقوض أنساقه الثقافية‪ ،‬حتى تعطيه معنا مختلفا ومتجددا مع كل‬
‫قراءة جديدة للنص في حالة تبلور مبدأ النهائية الداللة الذي يهدف إليه نقد ما بعد البنيوية‪.‬‬
‫تأتي مرحلة ما بعد الحداثة كسياق معرفي له خصوصيته النقدية‪ ،‬التي تمتزج فيها املظاهر االجتماعية باملظاهر الثقافية إلى درجة ال يمكن‬
‫واملتعددة التي تختلط فيها املظاهر االجتماعية باملظاهر الثقافية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفصل بينها‪ ،‬حيث تعرف هذه املرحلة أنها "مجموع الظروف والشروط املختلفة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فال يمكن التمييز بين ما هو اجتماعي وما هو ثقافي فتنهار املسافة بين النظرية وموضوعها‪ ،‬ويتعذر الفصل بين النظرية التأويلية والواقع االجتماعي‬
‫الذي تحاول النظرية إدراكه وتوصيفه" (الرويلي ميغان‪ ،‬البازغي سعد‪ ،2002 ،‬ص ‪)222‬‬
‫يؤرخ للنظريات النقدية التي ظهرت في مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬وهو يرتكز على جملة من املبادئ النقدية‬ ‫يتجسد نقد ما بعد البنيوية كمصطلح ّ‬
‫يتوجه النقد في هذه املرحلة إلى‬ ‫التي لها مرجعيتها االبستيمولوجية املستمدة من النظريات الفلسفية املتراكمة عبر تاريخ الفكر اإلنساني‪ ،‬حيث ّ‬
‫الثورة على مقوالت الفكر الحداثي‪ ،‬التي أعلت من نسق التمركز املنطقي في النص‪ ،‬ويهدف نقد ما بعد البنيوية إلى إرساء مبادئ نقدية جديدة‬
‫قائمة على التشتيت والنقض والتشظي الداللي‪ ،‬ألن مرحلة نقد ما بعد البنيوية جاءت "لتقلب مقوالت الحداثة وفرضياتها تماما‪ ،‬ليس هنالك ثابت‬
‫متحيزا أوجه النشاط الثقافي البشري‪ ،‬كما ال وجود لثقافة عالية نخبوية وأخرى دونية جماهيرية‪ ،‬بل‬ ‫يفسر تفسيرا ّ‬ ‫املتحول‪ ،‬وليس ثمة عقل ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحكم‬
‫كل ما هنالك هو تشكيل مستمر ال يمكن تبريره أو تفسيره باإلحالة على نموذج متعال" (الرويلي ميغان‪ ،‬البازغي سعد‪ ،2002 ،‬صفحة ‪)222‬‬
‫يعد نقد ما بعد البنيوية منعرجا حاسما في التاريخ النقدي‪ ،‬لكونه ظهر في ظروف خاصة‪ ،‬إذ يتزامن ظهوره مع مرحلة النضج واالزدهار التي‬ ‫ّ‬
‫ّميزت النقد البنيوي‪ ،‬وهو ما يجعل مرحلة نقد ما بعد البنيوية "التي ظهرت في منتصف ستينيات القرن املاض ي أي في عز الرواج البنيوي‪ ،‬ليست‬
‫تعبر عن مراجعة البنيوية لنفسها‬ ‫قطيعة في املسار البنيوي‪ ،‬إنما هي في أقص ى تقدير نقطة انعطاف باملفهوم الرياض ي في منحى الدالة البنيوية‪ّ ،‬‬
‫وتأملها في مسار تطورها" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)021‬‬ ‫ّ‬
‫هذه الظروف جعلت نقد ما بعد البنيوية نقدا يحمل معالم الثورة والتمرد على النقد البنيوي‪ ،‬وهي مفارقة نقدية صاغت لنقد ما بعد البنيوية‬
‫خصوصيته النقدية التي تميزه عن باقي النظريات النقدية الحداثية‪ ،‬وقد تمثلت تفكيكية (جاك دريدا) كأهم نظريات نقد ما بعد البنيوية‪ ،‬بع ّدها‬
‫تثور ضد املناهج البنيوية ومبادئها العقلية‪.‬‬
‫نسعى في هذا املقال النقدي إلى البحث عن األسس الفكرية التي تأسست عليها استراتيجية التفكيك في نقد ما بعد (البنيوية‪ /‬الحداثة)‪ ،‬كما‬
‫نسعى فيه إلى تبيان املبادئ النقدية التي تقوم عليها التفكيكية في دراسة النصوص‪ ،‬محاولين اإلجابة عن التساؤالت التالية‪:‬‬
‫هل يمكن أن تكون استراتيجية التفكيك نظرية كاملة يمكن االستناد عليها في دراسة النص أدبي؟‪.‬‬
‫أم أنها من خالل دراستها للنص األدبي تسعى إلى تغطية النقائص النقدية التي تفتقدها في أسسها النظرية؟‪.‬‬
‫ما هي اآلليات النقدية التي تعتمد عليها التفكيكية في تحليل النص؟‬
‫‪ 1‬رصد مفاهيمي ملصطلح التفكيكية‪:‬‬
‫‪ 01‬مفهوم التفكيكية لغة‪:‬‬
‫تتناول املعاجم اللغوية العربية مفهوم "التفكيك" بداللة مختلفة من موضع آلخر‪ ،‬حيث جاء في معجم "لسان العرب" (البن منظور) في مادة‬
‫َ َ َ َ‬
‫اب املخ ُت ِوم‪ :‬ت َفك َك خات ُم ُه‬
‫َْ‬ ‫الش ْي َء َفا ْن َف َك ب َم ْن َزلة َ‬
‫ل َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ُ َ َ ْ ُ َّ‬
‫الكت ِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫"فكك" أن مفهوم التفكيك يحمل داللة‪ :‬الفصل والخالص‪ ،‬يقو ‪" :‬فكك الليث‪ ،‬يقال فككت‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ َّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ُّ ُ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ّ َ َ َّ ْ َ َ ُ ُ ُ َ ا‬
‫كما تفكك الحنكي ِن‪ :‬فصل بينهما‪ ،‬وفككت الش يء‪ :‬خلصته‪ ،‬وكل مشت ِبكي ِن فصلتهما‪ :‬فككتهما‪ ،‬وكذ ِلك التف ِكيك ِابن س ِي ِد ِه فك الش يء يفكه فكا‪،‬‬
‫ص ُه" (ابن منظور‪ ،0111 ،‬مادة فكك‪ ،‬ص ‪)503‬‬ ‫الر ْه َن َي ُف ُك ُه َف اكا َو َف َت َك ُه‪ ،‬ب َم ْع َنى‪َ :‬خ َل َ‬
‫ص َل ُه‪َ ،‬و َف َك َّ‬‫َف ِا ْن َف َك‪َ :‬ف َ‬
‫ِ‬
‫يحمل التفكيك في موضع آخر داللة الزوال واالنفراج‪ ،‬يقول (ابن منظور)‪" :‬يفك فيتفكك أي يتزايل وينفرج" (ابن منظور‪ ،0111 ،‬مادة فكك‪ ،‬ص‬
‫‪)502‬‬
‫وردت لفظة التفكيك في "القاموس املحيط" (للفيروز آبادي) في مادة (فكك)‪ ،‬وقد جاءت داللة التفكيك في زمن املاض ي بمعنى‪ :‬الفصل والخالص‪،‬‬
‫ص ُه" (آبادي الفيروز مجد الدين‪ ،2001 ،‬مادة فكك‪ ،‬ص ‪)0220‬‬ ‫وكا‪َ :‬خ َل َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ُ َ َّ ْ ُ َ َّ َ ُ ُ ا‬
‫يقول (الفيروز آبادي)‪" :‬فكه‪ :‬فصله‪ ،‬والرهن فك وفك‬
‫في حين أن داللة التفكيك في الزمن املضارع جاءت بمعنى‪ :‬التالش ي‪ ،‬إذا كان الش يء غير متماسك‪ ،‬يقول (الفيروز آبادي)‪"َ :‬و َي َت َف َّك ُك‪ :‬إ َذا َل ْم َي ُكنْ‬
‫ِ‬
‫اس ٌك" (آبادي الفيروز مجد الدين‪ ،2001 ،‬مادة فكك‪ ،‬ص ‪)0220‬‬ ‫به َت َم ُ‬
‫ِِ‬

‫‪396‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫َ‬
‫وردت لفظة التفكيك في "املعجم الوسيط" في (باب الفاء)‪ ،‬وقد حملت داللته في الزمن املاض ي معنى الفصل واالستبدال بين الشيئين‪" :‬ف َّك‬
‫بد َل ق ْط َع َة َكب َير اة م ْن َها بق َطع َ‬ ‫ص َل َأ ْج َز َاء ُه‪َ ،‬و ُي َق ُ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ُ َ‬
‫ود‪ :‬ا ْس َت َ‬ ‫الش ْي َء َف اكا‪َ :‬ف َ‬
‫َ‬
‫ص ِغ َيرة" (مجمع اللغة العربية‪ ،2003 ،‬ص ‪)211‬‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬فكك اآللة َون ْح َوها‪َ ،‬وفك النق ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ال َت َف َّك َك ْت َش ْخص َي ُة ُف َالن‪َ :‬‬
‫ض ُع َف ْت‪َ ،‬وفال ٌن َي َت َفك ُك‬ ‫أما داللة التفكيك في الزمن املضارع فوردت بمعنى الضعف واالضطراب‪"َ :‬ت َف َّك َك‪ِ :‬ا ْن َف َك‪َ :‬و ُي َق ُ‬
‫ِ‬
‫َ ْ ََ َ َ ْ َ‬
‫ضط ِر ُب ِف ِيه َما" (مجمع اللغة العربية‪ ،2003 ،‬ص ‪)211‬‬ ‫ِفي مش ِي ِه وكال ِم ِه‪ :‬ي‬
‫نتوصل إلى أن داللة التفكيك من الناحية اللغوية كما وردت في املعاجم تدل على الفصل والضعف والتالش ي‪ ،‬مما يعني أن التفكيك ضد‬
‫الوحدة النصية‪ ،‬ألنه يعمل على تشتيت تركيبه وخلخلة نظامه‪ ،‬كما أنه يأخذ داللة جديدة كلما تغير السياق الذي وظفت فيه اللفظة‪.‬‬
‫تأخذ لفظة التفكيك في "قاموس مصطلحات النقد األدبي املعاصر" داللة فعل القراءة املتجددة للنص‪ ،‬التي يأخذ فيها القارئ دورا في إعادة‬
‫بناء معنا جديد للنص‪ ،‬بحيث يكون هذا املعنى قابال للتجديد من قراءة ألخرى‪ ،‬ومن سياق آلخر‪ ،‬وبهذا املفهوم يتطلب "تفكيك النص ‪Déconstruire‬‬
‫‪ du texte‬قراءة النص األدبي قراءة واسعة‪ ،‬قراءة متغيرة حسب املرحلة التاريخية والثقافية التي يعيشها القارئ‪ ،‬ومعنى النص وفق هذا املفهوم هو‬
‫معنى ال نهائي‪ ،‬معنى مفتوح يرتبط بالزمن أو التاريخ الذي يعيشه القارئ‪ ،‬ووظيفة القارئ هنا ليست اكتشاف النص بل إعادة كتابته" (حجازي‬
‫سمير سعيد‪ ،2000 ،‬ص ‪)22‬‬
‫كما تتحدد داللة التفكيك في "معجم املصطلحات األدبية املعاصرة" بأنه عملية نقدية معقدة‪ ،‬يقوم خاللها القارئ برفض األفكار اليقينية التي‬
‫يرتكز عليها النص‪ ،‬ويشك فيها جملة وتفصيال‪ ،‬ثم يخضع النص للتشريح من أجل استنباط األفكار املتناقضة فيه‪ ،‬حيث تتم هذه العملية عبر ثالثة‬
‫مراحل متداخلة‪ ،‬تتجلى كالتالي‪:‬‬
‫"‪ )0‬يقوم التفكيك عند (دريدا) على تحليل سيميولوجي؛ لتكوين أيديولوجي موروث‪.‬‬
‫‪ )2‬تجزؤ لعناصر النص إلى وحداته الصغرى والكبرى‪.‬‬
‫‪ )5‬عملية فهم لتركيب العمل األدبي" (علوش سعيد‪ ،0113 ،‬ص ‪)021‬‬
‫نستنتج بأن التفكيكية تقوم على استراتيجية متداخلة املراحل في أثناء قراءة النص‪ ،‬وهي بهذه العملية تعيد بعث مكانة القارئ في النقد األدبي‪،‬‬
‫بعدما همشته املناهج النقدية الحداثية‪ ،‬إذ شجعت التفكيكية القارئ على ممارسة فعل القراءة املتجددة للنص‪ ،‬بحيث ال يقتصر دوره على قراءة‬
‫النص‪ ،‬واكتشاف معانيه‪ ،‬بل صار دوره قائما على إعادة بناء معنا جديد للنص‪ ،‬يكون قابال للتغير مع كل قراءة جديدة‪ ،‬ويتغير بتغير سياق القراءة‬
‫من فترة تاريخية إلى أخرى‪.‬‬
‫‪11‬مفهوم التفكيكية اصطالحا‪:‬‬
‫ّ‬
‫يثير مصطلح التفكيك (‪ )Déconstruction‬جدال واسعا في الساحة النقدية؛ لكونه مصطلحا ال يثبت على مقابل له يمكن أن يتمثل داللته‬
‫اإليجابية التي نظر لها (جاك دريدا)‪ ،‬إذ يظل "مفهوم التفكيك وخصوصا أسلوبه معرضين بطبيعتهما إلى إساءة الفهم وإلى اإلنكار" (كريستوفر‬
‫نوريس‪ ،0111 ،‬ص ‪ ،)021‬ألن النقاد عند تلقيهم األولي ملصطلح التفكيك؛ يتشكل لديهم مفهوم سلبي عن التفكيك‪ ،‬فيرتهن موقفهم من املصطلح‬
‫إلى الجدل واإلنكار‪ ،‬مما يضطرهم إلى االجتهاد إليجاد مصطلحات يمكن أن تالمس داللة التفكيك التي نظر لها (جاك دريدا)‪ ،‬وهو وضع نقدي‬
‫يصاحبه الغموض والجدل حول ماهية مصطلح التفكيك‪.‬‬
‫ظهرت التفكيكية كاستراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها في مرحلة ما بعد الحداثة (‪ ،)Post-modernisme‬وتمثلت أفكارها الثائرة على النقد‬
‫البنيوي‪ ،‬وهي تمثل منعرجا حاسما في تاريخ نقد ما بعد البنيوية )‪ ،(Post-structuralisme‬حيث اجتهد النقاد في ترجمة املصطلح‪ ،‬وسعوا إليجاد‬
‫مصطلح مقابل للتفكيكية وفق داللتها التي وضعها (جاك دريدا)‪ ،‬وقد خلص النقاد إلى اإلقرار بصعوبة تحقيق ذلك مخافة الوقوع في فخ الداللة‬
‫ّ‬
‫السلبية للمصطلح‪ ،‬التي من شأنها أن تؤثر على استيعاب الداللة اإليجابية للمصطلح‪ ،‬وفي هذا السياق يقول (دريدا)‪" :‬عثرت عليها في قاموس "ليتيره‬
‫‪ "lettré‬وكانت مؤدياتها النحوية واللغوية والبالغية مربوطة فيه بأداء مكائني‪ ،‬وبدا لي هذا االلتقاء مفرحا‪ ،‬وشديد التالؤم مع ما كنت أريد على األقل‬
‫ّ‬
‫أن أملح إليه‪ ،‬سمح لي باقتباس بعض فقرات من ليتريه‪ /Déconstruction ،‬فعل التفكيك‪ /‬مفردة نحوية‪ ،‬تشويش بناء كلمات عبارة‪ ،‬لومار ‪...Lemare‬‬
‫‪ :Déconstruire‬تفكيك األجزاء كل موحد‪ ،‬تفكيك قطع ماكنة لنقلها إلى مكان آخر‪ ،‬مصطلح نحوي تفكيك األبيات وإحالتها شبيهة بالنثر عن طريق‬
‫إلغاء الوزن‪ ،‬في طريقة الجمل ما قبل املفهومية‪ ،‬يبدأ أيضا بالترجمة‪ ،‬وتكمن إحدى مزاياها في عدم االحتياج للتفكيك أبدا‪ ،‬لومار‪se ،‬‬
‫‪ :Déconstruire‬التفكك والتخلع‪ ،‬فقدان الش يء بنيته" (ينظر‪ :‬دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)31‬‬
‫ّ‬ ‫إن (جاك دريدا) من خالل هذا القول ّ‬
‫يبين مدى استحالة الوصول ملصطلح مقابل للتفكيكية يمكنه أن يتمثل الداللة الحقيقية التي تقوم‬
‫عليها التفكيكية؛ وهو ما يجعلها مصطلحا غامضا‪ ،‬يشوبه كثير من اللبس‪.‬‬
‫ينفي (جاك دريدا) نفيا قاطعا أن يكون ملفهوم التفكيك داللة سلبية كما يتصورها املتلقي‪ ،‬عندما يتلقى املتلقي اللفظة ألول مرة‪ ،‬إذ يؤكد‬
‫(دريدا) بأن للتفكيك مفهوما إيجابيا؛ فهو يرى بأن التفكيك "هو حركة تأكيد نعم أصلية ‪ oui originaire‬ليست ساذجة‪ ،‬أو دوغمائية أو إذعان‬

‫‪397‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫أعمى‪ ،‬متفائلة‪ ،‬واثقة‪ ،‬إيجابية" (معرف مصطفى‪ ،2002 ،‬ص ‪)053‬‬


‫يرى الناقد (يوسف وغليس ي) بأن مفهوم التفكيكية يتحدد من خالل مقابلها األجنبي بلفظ (‪ ،)Déconstruction‬حيث يظهر بأنه لفظ مركب‬
‫من أربع أجزاء‪ ،‬يحمل كل جزء لغوي فيه داللة معينة‪ ،‬تتجلى كالتالي‪:‬‬
‫"‪ 0‬السابقة )‪ :)dé‬وهي سابقة التينية تتصدر كثيرا من التراكيب الفرنسية‪ ،‬بمعنى النفي واالنتهاء والقطع والتوقيف والتفكيك والنقض‪.‬‬
‫‪ 2‬كلمة (‪ :)con‬وهي كلمة مرادفة لسوابق أخرى (‪ ،)com،col ،co‬تتصدر كلمات كثيرة‪ ،‬ال تخرج معانيها عن الربط والترابط واملعية (‪.)avec‬‬
‫‪ 5‬كلمة (‪ :)struct‬بمعنى البناء‪.‬‬
‫‪ 2‬الالحقة (‪ :)ion‬وهي الحقة مماثلة لالحقة (‪ ،)tion‬تدل كلتاهما على شكل من أشكال النشاط والحركة (‪.)actoin‬‬
‫وبتركيب دالالت هذه القطع املجزأة‪ ،‬تدل كلمة (‪ )déconstruction‬على (حركة نقض ترابط البناء)" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪.)011‬‬
‫إن مصطلح التفكيكية ينطوي على دال مركب وغامض الداللة‪ ،‬لذلك يقر (جاك دريدا) بأنه من غير املمكن إيجاد مصطلح يترجم مفهوم‬
‫يعد التفكيك استراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها‪.‬‬ ‫التفكيكية بالرؤية التي تشكلت لديه‪ ،‬حينما ُّ‬
‫يستمر الجدل بين النقاد حول ماهية التفكيكية بين كونها منهجا أو نقدا؛ وهي القضية التي يفصل فيها (جاك دريدا) حينما يعترف بأنها ليست‬
‫منهجا وال نقدا وال حتى عملية أو فعال‪ ،‬يقول‪" :‬ليس التفكيك منهجا وال يمكن تحويله إلى منهج‪ ،‬خصوصا إذا ما أكدنا في هذه املفردة على الداللة‬
‫ّ‬
‫اإلجرائية أو التقنية‪ ،‬صحيح أنه في بعض األوساط الجامعية الثقافية‪ ...‬ليس يكفي القول إن التفكيك ال يمكن أن يختزل أدواته املنهجية إلى‬
‫مجموعة من القواعد واإلجراءات القابلة للنقل‪ ،‬ليس يكفي القول إن كل حدث تفكيكي يظل فريدا أو بأية حال متوقعا‪ ،‬بأقرب ما يمكن‪ ،‬من ش يء‬
‫نحدد أيضا ّأن التفكيك ليس حتى فعال أو عملية" (دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)20‬‬ ‫أو لغة خاصة أو توقيع‪ ،‬يجب أن ّ‬
‫الواضح أن (جاك دريدا) من خالل هذا اإلفصاح أنه يقدم حكما فاصال يزيل به كل لبس يتمحور حول ماهية التفكيكية؛ فهو يتجاوز ذلك‬
‫ألنها في نظره تحمل خاصية اإلنجازية‬ ‫الغموض املفاهيمي بجعل التفكيكية استراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها؛ وهي أكثر من كونها عملية نقدية؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنني أعني التفكيكية‪ ،‬لكن ملاذا لم ّ‬
‫أعبر عن ذلك مباشرة‪ ،‬دون ضياع للوقت؟ إنني أدعو إلى الحق‬ ‫ال التقريرية‪ ،‬يقول‪" :‬وعندما أقول أكثر من نقدية‬
‫في التفكيك كحق ال مشروط في طرح أسئلة نقدية‪ ،‬ليس فقط على تاريخ مفهوم اإلنسان‪ ،‬بل أيضا على تاريخ مفهوم النقد ذاته وعلى صيغة وسلطة‬
‫السؤال‪ ،‬وعلى الصيغة التساؤلية للفكر‪ ،‬وهو ما يقتض ي الحق في القيام به تأكيديا ‪ affirmativement‬وإنجازيا" (دريدا جاك‪ ،2005 ،‬ص ‪)002‬‬
‫لذلك فالتفكيكية عند (جاك دريدا) تأتى كحق مشروع في طرح ال متناه من األسئلة؛ التي من شأنها أن تفك شفرة النص‪ ،‬وتخلخل نظامه‪،‬‬
‫مجسد كمقاربة للنقض أكثر من كونها عملية نقدية أو تنظيرية‪.‬‬ ‫وتساعد في تقويضه على نحو إنجازي ّ‬
‫يؤكد "جاك دريدا" بأن التفكيكية في ماهيتها ال يمكن لها أن تكون نقدا؛ بل هي تتجاوزه على نحو أكبر‪ ،‬وهكذا فهي لم تأت كمقاربة تختص‬
‫بدراسة األدب‪ ،‬بقدر ما أتت كاستراتيجية لقراءة الفكر الغربي وتقويضه‪ ،‬ملا تنتهجه من أسلوب تقويض ي‪ ،‬يقوم على الشك والتشتيت والنقض‬
‫وتشظي الداللة‪ ،‬حيث يؤكد (هيليز ميللر) هذا الطرح في إقراره بأن األعمال التفكيكية (لجاك دريدا) هي باألساس "نظرية وفلسفية وأن النسيج‬
‫األسلوبي ألعماله ال يمكن أن يوصف باألدبي‪ ،‬فحافزه ونقطة انطالقه ليس بكل تأكيد األدب وإنما الفكر الفلسفي" (دريدا جاك‪ ،2001 ،‬ص ‪)02‬‬
‫يتفق الناقد (ديفيد بشبندر) مع رأي (جاك دريدا) الذي يرفض فيه أن تكون التفكيكية مقاربة نقدية لألدب‪ ،‬في حين أنه يقر بأن التفكيكية‬
‫مقاربة فلسفية مناقضة للمبادئ العقلية التي قام عليها النقد الحداثي‪ ،‬وهي ليست بديال للبنيوية بمجدر أنها ظهرت حديثا في نقد ما بعد البنيوية‪،‬‬
‫أو ألنها تقارب النص مقاربة داخلية مثلما تفعل البنيوية مع اختالف متضاد في املبادئ النقدية بين النظريتين‪ ،‬وفي هذا الشأن يعطي الناقد (دييفيد‬
‫بشبندر) تعريفا للتفكيك فيقول‪" :‬إن التفكيك ‪ deconstruction‬باملعنى الحقيقي‪ ،‬مقاربة فلسفية للنصوص أكثر مما هي أدبية‪ ،‬إنه نظرية بعد‬
‫بعده نظرية أحدث زمنيا‪ ،‬ولكنها تدل باألحرى على أنه يعتمد‬ ‫البنيوية ‪ ،Post-Structuralist‬وال تدل (بعد ‪ )Post‬على أن التفكيك يحل محل البنيوية ّ‬
‫على البنيوية كنظام تحليلي سابق" (ديفيد بشبندر‪ ،0112 ،‬ص ‪)53‬‬
‫تتجلى التفكيكية عند (جاك دريدا) كاستراتيجية لقراءة النص وتقويضه؛ وهي تهدف إلى اكتشاف ما يحمله النص من تناقض بين املعنى‬
‫التمرد على املفاهيم التقليدية للفكر الغربي‪ ،‬وتثور على الثوابت العقلية (العقل‪ ،‬اللوغوس‪ ،‬اللغة) التي قامت‬‫ّ‬ ‫الصريح واملضمر؛ وهي تحمل معالم‬
‫عليها البنيوية‪ ،‬وبهذا املفهوم تصبح التفكيكية "طريقة لفضح األوهام واألخطاء الشائعة واكتشاف املتناقضات في األفكار واملعاني واالتجاهات‬
‫والتنقيب في النصوص والخطابات‬ ‫والنبش ّ‬‫البناء‪ ،‬واستعمالها آلية للحفر ّ‬
‫واملعتقدات‪ ،‬وتعرية األوهام اإليديولوجية‪ ،‬وتشغيلها أداة للحوار واالختالف ّ‬
‫وآلية منهجية إلعادة قراءة التاريخ‪ ،‬وقراءة الهامش في تقابله مع املركز‪ ،‬وهي بمثابة نوع من سيسيولوجيا الحياة اليومية التي تزخر بالدالالت‬
‫والعالمات" (حمداوي جميل‪ ،2000 ،‬ص ‪)002‬‬
‫إن املنطلق النقدي الذي تنطلق منه التفكيكية في قراءة النص وتقويضه يبدأ من داخل النص ذاته؛ فهي في مقاربتها للنص ال تهتم بالسياقات‬
‫الخارج نصية؛ التي أسهمت في تشكل النص في صورته النهائية؛ بل إن التفكيكية تقارب النص مقاربة داخلية‪ ،‬تستهلها بالشك في املرتكزات املنطقية‬

‫‪398‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫التي يقوم عليها‪ ،‬ثم تقوم بخلخلة نظامه النص ي‪ ،‬حتى تلحق به التشتيت والتصدع في البنيات الهشة فيه‪ ،‬مما يسمح بإيجاد "البنية غير املتجانسة‬
‫للنص‪ ،‬والعثور على توترات أو تناقضات داخلية يقرأ النص من خاللها نفسه‪ ،‬ويفك ذاته ‪ se déconstruit‬في النص نفسه قوى متنافرة تأتي‬
‫لتقويضه‪ ،‬ويكون على استراتيجية التفكيك أن تعمل على إبرازها" (بنعبد العالي عبد السالم‪ ،0110 ،‬ص ‪)52‬‬
‫إن التفكيكية هي استراتيجية نقدية لقراءة النصوص وتقويضها‪ ،‬ويتجلى ذلك في تمردها على الفكر الحداثي الغربي‪ ،‬الذي كرس من مركزية‬
‫الثنائيات (الذات‪/‬اآلخر‪ ،‬الرجل‪/‬املرأة‪ ،‬الصوت‪ /‬الكتابة‪ ،‬املركز‪/‬الهامش)‪ ،‬حيث تثور التفكيكية على هذه املرتكزات املنطقية‪ ،‬وتعمل على هدمها‬
‫داخل النص‪ ،‬وبهذا يصبح التفكيك "عملية تشريح للنص من أجل هدم املقوالت الثابتة‪ ،‬وتقويض البنيات الثنائية والتشكيك في فعاليتها الفلسفية‬
‫واإلجرائية" (حمداوي جميل‪ ،2000 ،‬ص ‪)52‬‬
‫ّ‬
‫يتضح من خالل هذا بأن عملية تفكيك النص تتم عن طريق الكشف عن التناقض الحاصل بين املعنى املصرح به واملعنى املضمر عنه في‬
‫النص‪ ،‬إذ يرى (جاك دريدا) بأن املعنى الظاهر في النص ليس هو املعنى الحقيقي؛ بل املعنى الحقيقي يكمن فيما يخفيه النص من معاني مضمرة‪،‬‬
‫تتناقض في داللتها مع املعنى الظاهر منه‪ ،‬ويقر (جاك دريدا) بأن عملية توليد املعنى املضمر للنص تظل متجددة مع كل قراءة جديدة للنص‪ ،‬وأن‬
‫النص الحقيقي لديه هو النص الذي يعطينا معنى ال نهائي باستمرار‪.‬‬
‫‪ 1‬املرجعيات الفلسفية التي أسست الستراتيجية التفكيك‪:‬‬
‫‪ 11‬تأثر التفكيكية في أفكار (ميشال فوكو‪ ،‬هايدجر‪ ،‬ديكارت)‪:‬‬
‫بأن التفكيكية استمدت مرجعياتها النقدية من فلسفة الشك التي أسس لها كل من (هايدغر وميشال فوكو وديكارت) في سياقات‬ ‫يرى النقاد ّ‬
‫مرد هذه املثاقفة النقدية إلى ظهور التفكيكية في سياق عصر الشك الديكارتي‪ ،‬الذي ساد أوربا صرحا من الزمن‪ ،‬مما يجعل‬ ‫مختلفة؛ حيث يرتبط ّ‬
‫عالقة التأثير والتأثر بين النظريتين موجودة فعال‪ ،‬ألنه "من الناحية التاريخية‪ ،‬ال نستطيع دراسة التفكيك في عزلة عن شك العصر‪ ،‬لقد ظهرت‬
‫التفكيكية في بداية دورة جديدة لثنائية اليقين والشك" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)220‬‬
‫كان لهذا التواتر السياقي دور في انغماس التفكيكية من بعض مبادئ فلسفة الشك التي نظر لها هؤالء الفالسفة‪ ،‬حيث استطاع (جاك دريدا)‬
‫أن يتفاعل مع أفكار (ميشال فوكو‪ ،‬وهايدجر وديكارت وآخرين)‪ ،‬إلى أن أفاد منها‪ ،‬وسعى إلى تكييفها مع تفكيكيته‪ ،‬وفي هذا الشأن يقول‪" :‬ومن بين‬
‫ّ‬
‫ما أدين به (لفوكو)‪ ،‬كونه جعلني بفضل كتابه الهائل الذي مكنني من تجاوز قراءتي الساذجة للتأمالت‪ ،‬أستشعر إلى أي حد يستطيع الفعل‬
‫يترسخ كذاكرة ديكارتية‪ ،‬إذا ما فهمنا هذه األخيرة كما أقرها (ديكارت) نفسه‪ ،‬أي كما حاولت‬‫الفلسفي‪ ،‬أن يكون ديكارتيا في ماهيته ومشروعه وأن ّ‬
‫توضيحه" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)25‬‬
‫إن تأثر (جاك دريدا) وتفاعله مع أفكار (ميشال فوكو) ساعده على أن يرتقي بالفكر النقدي من مرحلة السذاجة إلى مرحلة التفكير العميق‪،‬‬
‫وهو ما جسده في ما بعد بقراءته التقويضية للفكر الغربي‪.‬‬
‫ّ‬
‫يعترف (جاك دريدا) بتأثره في أفكار (هايدجر)؛ لكونه فيلسوفا نظر لنهاية الفكر امليتافيزيقي في الفلسفة الغربية‪ ،‬وأسهم في التأسيس للفكر‬
‫ّ‬
‫والتحدث عنه بمفردات تقييمية أو كمية‪،‬‬ ‫الوجودي‪ ،‬يقول (جاك دريدا)‪" :‬إن ديني (لهايدجر) هو من الكبر‪ ،‬بحيث سيصعب أن نقوم هنا بجرده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أوجز املسألة بالقول إنه هو من قرع قواميس نهاية امليتافيزيقا‪ ،‬وعلمنا أن نسلك معها سلوكا استراتيجيا يقوم بالتموضع داخل الظاهرة وتوجيه‬
‫ضربات متوالية لها من الداخل‪ ،‬أي أن نقطع شوطا من امليتافيزيقا‪ ،‬وأن نطرح عليها أسئلة تظهر أمامها من تلقاء نفسها عجزها عن اإلجابة‪،‬‬
‫وتفصح عن تناقضها الجواني" (دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)25‬‬
‫يقر (جاك دريدا) بأن املنطلق األساس ي الذي ألهمه في التنظير لتفكيكيته هي األفكار الفلسفية الوجودية التي وضعها (هايدجر)‪ ،‬حيث تتجلى‬
‫ّ‬
‫منهجية (هايدجر) ذاته‪ ،‬فهذا التأثر‬ ‫معالم هذا التأثر في القراءة التقويضية‪ ،‬التي تنتهجها التفكيكية في نقض النص‪ ،‬وهي استراتيجية مستوحاة من‬
‫"أشد استراتيجيات (دريدا) أصالة في تحقيق تعليقه للمفاهيم وتعطيلها‪ ،‬إنما تنبع مباشرة من ممارسة (هايدجر) نفسه للنصوص‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هو إقرار بأن‬
‫ويطلق على هذه الطريقة اسم وضع الكلمات تحت املحور الذي يقولون له بالفرنسية ‪ ،Sons Return‬وتتمثل داللته في عبور تلك الكلمات من خالل‬
‫النص‪ ،‬ثم تحذير القارئ بعد ذلك حتى ال يأخذ تلك الكلمات أو يقبلها بقيمتها السطحية الفلسفية" (كريستوفر نوريس‪ ،0111 ،‬ص ‪)032‬‬
‫ّ‬ ‫تأثر (جاك دريدا) في فلسفة (هايدجر) عند هذا املطاف فقط‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫توسع إلى درجة تمثله لبعض املصطلحات التي تقوم عليها‬ ‫ولم يتوقف‬
‫التفكيكية‪ ،‬وهي باألساس مصطلحات أوجدها (هايدجر)‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬مصطلحا (النقض ‪ )destruction‬و(التفكيك ‪ ،)Déconstruction‬فيظهر بأن‬
‫ّ‬
‫"مصطلح التفكيك الذي صكه (دريدا) لترجمة عبارة هايدجر في كتابه الوجود والزمان ‪0125‬م‪ ،‬ال يقصد به كما يقول (ديكومب) الهدم والتخريب‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإنما إعادة ترتيب عناصر الخطاب على طريقة أهل النحو؟ ذلك أن مقطع النفي ‪ de‬يراد به هنا خلخلة تركيب الجملة لبيان الطابع االتفاقي لبحث‬
‫العالقة بين التركيب اللغوي ومرجعيته‪ ...‬ولعل (ديكومب) يقصد ما آل إليه هذا املفهوم على يد (دريدا) من معاني نقض اللوغوس وإبراز التناقضات‬
‫الخفية التي يقوم عليها خطاب األنطولوجيا الغربية" (عطية أحمد عبد الحليم‪ ،2000 ،‬ص ‪)011-011‬‬

‫‪399‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫فعلى الرغم من التناص الحاصل بين املصطلحين عند الناقدين؛ إال ّأن هنالك بعض االختالف الذي يفصل في املاهية التي تقوم عليها التفكيكية‬
‫ّ‬
‫عند كل من (جاك دريدا) و (هايدجر)‪ ،‬ذلك أن التفكيكية عند (جاك دريدا) ال تحمل داللة الهدم والتخريب باملعنى السلبي‪ ،‬وإنما هي تعني نقض‬
‫النص وإعادة تركيبه بداللة جديدة ال نهائية‪.‬‬
‫يظهر تأثر (جاك دريدا) في فلسفة (هايدجر) في اقتباسه لبعض املصطلحات مثل‪ :‬استخدامه ملصطلح التدمير‪ ،‬وهو مصطلح محوري في فلسفة‬
‫(هايدجر)‪ ،‬على الرغم من أن (جاك دريدا) استبدل هذا املصطلح في األخير بمصطلح التفكيك؛ إال أن مستوى التداخل بينهما ظهر في "استخدام‬
‫تحول‬‫(دريدا) في الطبعة الفرنسية األولى لكتابه ‪ de la grammatologie‬لكلمة التدمير املحورية في فلسفة (هايدجر) بدال من كلمة التفكيك التي ّ‬
‫إليها دريدا فيما بعد‪ ،‬والواقع أن بعض األفكار األساسية لتفكيك (دريدا) مثل املعرفة واللغة‪ ،‬الحضور والغياب‪ ،‬ال نهائية الداللة‪ ،‬رفض الثوابت‬
‫والقراءات املتعددة‪ ،‬وغياب املركز الثابت للمعرفة‪ ،‬والتناص‪ ،‬وفوق هذا وذاك مفهوم التدمير ذاته‪ ،‬تتطابق مع فلسفة (هايدجر) التأويلية بصورة‬
‫تتخطى حدود املصادفة أو تواتر الفكر" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)225‬‬
‫ّإنه ملن املهم تبيان املرجعية الفلسفية التي استمدت منها تفكيكية (جاك دريدا) بعض معاملها النقدية‪ ،‬وهذا التأصيل جد مهم في تبيان أنّ‬
‫لتفكيكية (دريدا) مرجعياتها الفلسفية التي قامت عليها‪ ،‬حتى وصلت ملا هي عليه اآلن‪ ،‬فعلى الرغم من قيمة هذا الطرح الذي يحاول ربط التفكيكية‬
‫مجرد تفاعل فلسفي‬ ‫عند (جاك دريدا) بأفكار (وميشال فوكو‪ ،‬هايدجر‪ ،‬وديكارت)؛ إال ّأن هذا الطرح ال يخلو من املغاالة؛ لكونه ال يعد أن يكون ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وفكري يرتكز على عاملي التأثر والتأثير بين النظريتين‪ ،‬وهذا ال يعني بأن تأثر التفكيكية في تلك الفلسفات السابقة هو ظاهرة ثقافية سلبية‪ ،‬تستدعي‬
‫إذابة التفكيكية ومبادئها النقدية تحت لواء الفلسفات األملانية‪ ،‬فلو كان األمر كذلك‪ ،‬فما هو املانع من أن تصبح التفكيكية جزأ من الفلسفة‬
‫تقدمه الفلسفات األملانية السابقة؟‪.‬‬‫األملانية؟‪ ،‬كذلك فما هو العامل املميز إذن في أن تنفرد التفكيكية كاستراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها عما ّ‬
‫إن هذا الطرح املنطقي يثبت وجود فوارق منهجية بين التفكيكية والفلسفات األخرى‪ ،‬التي كان (جاك دريدا) متأثرا فيها‪ ،‬وفي هذا الشأن يكشف‬
‫(إدوارد سعيد) عن بعض الفوارق النقدية التي تبين اختالف التفكيكية عن أفكار (هايدجر‪ ،‬وفوكو‪ ،‬وديكارت) من ناحية املبادئ النقدية واملنهجية‬
‫"إن (جاك دريدا) ال يولي اهتمامه إال لقراءة النص وحسب‪ ،‬وأن النص ليس أكثر هما فيه بالنسبة للقارئ‪ ،‬فلما‬ ‫عند مقاربة النص تفكيكيا‪ ،‬يقول‪ّ :‬‬
‫كان (دريدا) يرى أهمية النص تكمن في وضعه الحقيقي بما معناه بمنتهى البساطة أنه عنصر نص ي دون أي أساس في أرض الواقع‪ ...‬فإن (فوكو)‬
‫يرى أن أهمية النص تستقر في عنصر قوة مفاده استحقاق جازم للنص في أرض الواقع‪ ،‬حتى لو كانت تلك القوة خفية أو ضمنية وهكذا فإن نقد‬
‫(دريدا) يدخلنا في قلب النص‪ ،‬في حين أن نقد (فوكو) يدخل بنا في النص ويخرجنا منه" (عطية أحمد عبد الحليم‪ ،2000 ،‬ص ‪)020‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يرى بعض النقاد بأن تأثر التفكيكية في أفكار (فوكو‪ ،‬هايدجر‪ ،‬ديكارت) هو أمر منطقي‪ ،‬ناجم عن املثاقفة النقدية بين النظريتين؛ ولكنه في‬
‫الوقت نفسه ال يجب أن يحمل هذا التأثر مفهوم التبعية النقدية املطلقة؛ التي من شأنها القضاء على خصوصية التفكيك لصالح باقي الفلسفات‬
‫خاصة منها فلسفة (هايدجر)‪ ،‬وفي هذا الشأن يكشف الناقد (محمد علي الكردي) بأن مصطلح النقض من املصطلحات التي مستها املثاقفة النقدية‬
‫بين الناقدين‪ ،‬يقول‪" :‬هذا النقض ال يجب أن يفهم بمعنى السلب‪ ،‬أي في صورة نبذ للتراث األنطولوجي؛ بل على العكس إننا بصدد كشف اإلمكانات‬
‫النقض ال يرمي إلى دفن املاض ي في العدم إذ الغرض منه إيجابي‪ ،‬وتظل وظيفته النقدية‬ ‫اإليجابية لهذا التراث‪ ،‬وهو ما يعني دوما تبيين حدوده‪ ...‬إن ّ‬
‫مضمرة وغير معلنة" (ينظر‪ :‬عطية أحمد عبد الحليم‪ ،2000 ،‬ص ‪)010 -011‬‬
‫ّإن هذا التقارب في األفكار بين النظريتين‪ ،‬والسعي الحثيث للنقاد من أجل اكتشاف الفوارق املوجودة بين تفكيكية (جاك دريدا) و باقي‬
‫ّ‬
‫الفلسفات؛ هو الذي يزيد التفكيكية من غموض في الساحة النقدية‪ ،‬ويدفع النقاد لتتبع مرجعياتها الفلسفية من أجل فهمها والتمكن من تمثل‬
‫آلياتها في مقاربة مختلف النصوص‪ ،‬ذلك ّأن التفكيكية كاستراتيجية لقراءة النصوص وتقويضها‪ ،‬تقوم على انتهاج قراءة تقويضية تكشف بها عن‬
‫التناقض الذي يحفل بداللة النص‪ ،‬فهذه القراءة التقويضية تثير الشك في اليقينيات النصية‪ ،‬ثم تعتمد بعد ذلك على "أسلوب تحليلي واستراتيجية‬
‫بعده نشاطا لغويا متعدد الطبقات‪ ،‬ويقوم الناقد التفكيكي باختراق الكلمات في سياقها النص ي قبل أن يقبل‬ ‫نصية قائمة على التعامل مع النص ّ‬
‫مسلمات فلسفية أو عقلية‪ ،‬إن منهجية (دريدا) قائمة على تحرير اللغة من داللتها ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدالالت املرافقة ال ّ‬
‫املقيدة بقواعد النحو ووضعها في إطار‬ ‫بعدها‬
‫تحليلي من الفكر والرؤية الشعرية" (عطية أحمد عبد الحليم‪ ،2000 ،‬ص ‪)005‬‬
‫كل هذا الحراك النقدي الذي أثارته التفكيكية في الساحة النقدية هو دليل على غموضها املفاهيمي‪ ،‬ودليل آخر على أهميتها النقدية في نقد‬
‫ما بعد البنيوية‪ ،‬فهذا الوضع النقدي املتأزم هو الذي جعل التفكيكية واحدة من "أكثر اإلفرازات البنيوية األوروبية إثارة للدهشة وأخطر مدرسة‬
‫نقدية جديدة في السبعينات‪ ،‬في نظر بعض املالحظين‪ ...‬فقد اتخذ هذا التيار الجديد مبدأ اعتباطية العالمة اللغوية عند دوسوسير كأحد منطلقاته‪،‬‬
‫مهما من الشك الفلسفي من عند (نيتشه) و(هايدجر)‪ ،‬وكانت نتيجة هذا أن أصبح الدال منفصال عن املدلول‪ ،‬وبمعنى آخر لم‬ ‫وأضاف له قسطا ا‬
‫يعد باإلمكان إعطاء النصوص معنى محددا"( (ينظر‪ :‬بن سويكي يمينة‪ ،2001 ،‬ص ‪)02‬‬
‫نتوصل إلى ّأن التفكيكية التي نظر لها (جاك دريدا) أفادت كثيرا من أفكار (ميشال فوكو‪ ،‬هايدجر‪ ،‬ديكارت)‪ ،‬حتى صارت على ما هي عليه اآلن‪،‬‬

‫‪400‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫حيث تعد التفكيكية استراتيجية نقدية ثائرة على كل املقوالت الحداثية للنص؛ فهي تشك في أفكاره اليقينية‪ ،‬ثم تقوم بتقويضه وخلخلة نظامه‪،‬‬
‫حتى يصبح معنى النص متشظيا مع كل قراءة جديدة‪.‬‬
‫‪ 11‬ظهور التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية ومعالم النجاح‪:‬‬
‫يرجع النقاد تاريخ ظهور التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية إلى السياق العلمي األكاديمي؛ الذي أشرفت فيه جامعة جون هوبكتر بتاريخ‬
‫أكتوبر ‪ 0122‬على تنظيم "ندوة اتخذت من اللغات النقدية وعلوم اإلنسان موضوعا لها‪ ،‬وقد شارك فيها نجوم املشهد النقدي العالمي املعاصر‬
‫(روالن بارت)‪( ،‬تزفيتان تودوروف)‪( ،‬لوسيان غولدمان)‪( ،‬جورج بولي)‪( ،‬جاك دريدا)‪( ،‬جاك الكان)" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)052‬‬
‫إن ظهور التفكيكية في هذا السياق بالذات يزيد من خصوصيتها الثائرة على املناهج البنيوية‪ ،‬ذلك أن ظهور التفكيكية يتزامن مع ازدهار‬
‫البنيوية في الساحة النقدية؛ إال أن التفكك النقدي الذي عرفته البنيوية في سياق ما خدم التفكيكية أكثر؛ ألن النقاد الذين كانوا في بداياتهم‬
‫بنيويين‪ ،‬سرعان ما تمردوا على البنيوية وانشقوا منها‪ ،‬ثم انضموا إلى التفكيكية‪ ،‬إلدراكهم أن املشروع النقدي الذي قامت عليه البنيوية صار‬
‫قاصرا على مقاربة النص مقاربة محايثة‪ ،‬وألنهم وجدوا في التفكيكية نزعة ثورية تتناسب مع أفكارهم املتمردة على البنيوية‪ ،‬حيث تهدف التفكيكية‬
‫تأسس عليها كخطاب ميتافيزيقي‪ ،‬مثل الحقيقة والعقل‪ ،‬والهوية والحضور‬ ‫إلى "قراءة الفكر الغربي قراءة شاملة وإعادة النظر في املفاهيم التي ّ‬
‫واألصل‪...‬الخ‪ ،‬وهينقد للتمركز العرقي ‪ ethnocentrisme‬الغربي املدعم من طرف تمركزات أخرى‪ ،‬مثل تمركز العقل ‪ logocentrisme‬وتمركز الصوت‬
‫‪ phonocentrisme‬وتمركز القضيب ‪( "phallocentrisme‬دريدا جاك‪ ،2005 ،‬ص ‪)5-2‬‬
‫فنشأة التفكيكية لها خصوصية ديناميكية نابعة من صلب البنيوية ذاتها؛ فهي تثور على مبادئها العقلية واملنطقية‪ ،‬وتسعى إلى تقويض ثوابتها‬
‫النصية التي أعلت من مركزية العقل واللغة واللوغوس والنظام‪...‬الخ‪ ،‬بمقابل ذلك انفتحت التفكيكية على الهوامش النصية‪ ،‬واهتمت بالبحث عن‬
‫البنية املضطربة في النص‪ ،‬وعملت على تقويل النص ما لم يقله‪ ،‬حتى يتحرر النص من القصدية‪ ،‬وينفتح على ال نهائية الداللة‪.‬‬
‫يعد ظاهرة نقدية مدهشة‪ ،‬تستدعي‬ ‫إن ظهور وازدهار التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ثم انتشارها بعد ذلك في باقي دول العالم‪ّ ،‬‬
‫البحث عن امليكانزمات التي ساعدت على نجاح التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية مقارنة بظهورها املحتشم في أوربا في بداية نشأتها على يد‬
‫(جاك دريدا)‪ ،‬حيث يرجع الفضل في نجاحها إلى الدور الذي لعبه الفضاء األكاديمي األمريكي في التعريف بالتفكيكية‪ ،‬وإشاعة الوعي لدى النقاد‬
‫النخب األكاديمية على تلقي تفكيكية (جاك دريدا)‪ ،‬وقد تطور تأثرهم‬ ‫تجسد في إقبال عدد كبير من ّ‬ ‫بضرورة تمثلها في الدراسات النقدية‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫ّ‬
‫إلى درجة تكوين فرق نقدية أكاديمية تتمثل فكرها التفكيكي‪ ،‬فنجد من بين تلك املدارس النقدية التي تمثلت التفكيكية "مدرسة يال ‪yale‬‬
‫‪ school/école de yalle‬بزعامة (بول دي مان) (‪( ،)01010115‬جي هيلمز ميللر) من مواليد ‪ ،0121‬و(جيفري هارتمان) من مواليد ‪ ،0121‬و(هارولد‬
‫بلوم) من مواليد ‪ ،0150‬على الرغم من إشكالية انتماء التفكيكي لهذا األخير الذي طاملا عد أصحابه هم التفكيكية وأنه هو النقد‪ ،‬وأن هنالك‬
‫مسافة بينه وبين تفكيكية يال" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)051‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن هذه املدرسة النقدية على حداثة ظهورها في الساحة النقدية األنجلو سكسونية؛ إال أنها استطاعت أن تحقق نجاحا نقديا‪ ،‬وانتشارا واسعا‬
‫في مختلف جامعات العالم‪ ،‬وهذا راجع باألساس إلى توفر الظروف املالئمة في الواليات املتحدة األمريكية؛ وهو العامل الذي ساعد على نجاح‬
‫التفكيكية فيها‪ ،‬فقد استطاعت التفكيكية بثورتها على البنيوية أن تعيد إحياء الحركية النقدية في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬بعدما كانت راكدة‬
‫في منذ خمسينيات القرن املاض ي‪ ،‬فقد "ظهرت التفكيكية في الواليات املتحدة في مناخ من عدم الرضا على الوضع الذي كان سائدا‪ ،‬فمع خروج‬
‫النقد الجديد إلى الساحة في النصف الثاني من الخمسينيات واملقاومة القومية لتيار البنيوية بتركيبتها الجديدة التي ركزت على قهر الذات‪ ،‬ذات‬
‫املبدع واملتلقي‪ ،‬وذلك بإحالل اللغة كقوة قهر جبرية جديدة محل العقل‪ ،‬سادت األوساط النقدية حالة من الجمود من ناحية‪ ،‬وعدم الرضا وتوقع‬
‫الجديد من ناحية أخرى‪ ،‬وكان التفكيك هو اإلجابة واملخرج وهكذا انتشرت األفكار التفكيكية بسرعة لم تتحقق ألي مشروع نقدي سابق" (حمودة‬
‫عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)235‬‬
‫كان للمبادئ النقدية التي تقوم عليها التفكيكية دور في إقبال النقاد على تلقي هذه االستراتيجية الجديدة في الساحة النقدية األمريكية‪ ،‬فقد‬
‫ساعد املزاج الثقافي السائد في الواليات املتحدة على نجاح التفكيكية وانتشارها‪ ،‬ألن النقاد وجدوا في املبادئ التفكيكية ما يطمحون إليه من ثورة‬
‫ليمحو مواقف الرفض والعدائية التي‬ ‫َ‬ ‫وتمرد على الفكر الحداثي عامة والبنيوي خاصة‪ ،‬إذ أن نجاح التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية جاء‬
‫ّ‬
‫واجهت التفكيكية في فرنسا‪ ،‬مما "اضطر أصحابه إلى الهجرة إلى تربة أخرى حينما اكتشفت أن التفكيك في حقيقته ينسف التوحد ويلغي التجانس؛‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتعدد الالنهائي لتفسير النص‪ ،‬وهكذا هاجر التفكيكيون الجدد وعلى رأسهم (جاك دريدا) إلى مناخ ثقافي مختلف يقوم على التعددية‬ ‫ألنه ينادي‬
‫الثقافية ويحتفي بها‪ ،‬ونقصد به املناخ الثقافي األمريكي‪ ،‬وقد احتفت أمريكا باملهاجرين الجدد ورحبت جامعاتها بالتفكيك" (حمودة عبد العزيز‪،‬‬
‫‪ ،0111‬ص ‪)023‬‬
‫إن نجاح التفكيكية في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬فتح لها باب التطور واالنتشار إلى مختلف بقاع العالم‪ ،‬وهو نجاح استطاعت من خالله‬

‫‪401‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫َ‬
‫تمحو به معالم اإلخفاق الذي لحقها في بداية نشأتها في الساحة النقدية األوروبية وبصفة خاصة في فرنسا‪.‬‬ ‫التفكيكية أن‬
‫‪ 12‬تلقي التفكيكية في النقد العربي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫رجع النقاد ظهور التفكيكية في النقد العربي إلى الثمانينيات من القرن املاض ي‪ ،‬حيث كان ظهورها متأخرا مقارنة بنشأتها في فرنسا‪ ،‬وانتشارها‬ ‫ي ِ‬
‫ّ‬ ‫في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬إذ ّ‬
‫يقدر النقاد مدة هذا التأخر في النقد العربي بأكثر من ‪ 20‬سنة عن النقد الغربي‪ ،‬حيث كان انتقال "التفكيكية إلى‬
‫ّ‬
‫الخطاب النقدي العربي املعاصر انتقاال محتشما ومتأخرا نسبيا كالعادة‪ ،‬فقد سبق لنا في مقام علمي مغاير أن ّأرخنا بسنة ‪0113‬م لبداية التفكيكية‬
‫العربية تاريخ صدور أول تجربة نقدية عربية تصدع بانتمائها الصريح إلى أبجديات القراءة التفكيكية التشريحية‪ ،‬وهي تجربة الناقد (عبدهلل الغذامي)‬
‫في كتابه الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية ‪ déconstruction‬قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)051‬‬
‫يرى النقاد أن سبب هذا التأخر راجع إلى جملة من العراقيل املوضوعية‪ ،‬املتعلقة بتبعية النقد العربي للنقد الغربي‪ ،‬وصعوبة اللحاق بما‬
‫ينتجه من مناهج نقدية معاصرة؛ فهذه الظروف أحدثت هوة في تلقي املناهج النقدية الغربية‪ ،‬مما تنعكس على تأخر تلقي النقد العربي للتفكيكية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من النقد الغربي؛ لكونه ظل ّ‬
‫واملتجددة‪ ،‬وملا كانت هذه اإلبداالت تصل إلينا‬ ‫"يوجه النقد األدبي العربي‪ ،‬ويفرض عليه في كل مرة إبداالته الخاصة‬
‫ّ‬
‫متأخرة كنا مضطرين إلى مالحقتها ومواصلة متابعة اإلبداالت الجديدة على إيقاع متواتر خارجي عنا‪ ،‬وتستدعي هذه املالحقة االستعجال في االنتقال‬
‫رغم عدم إنجاز املطلوب إنجازه مع أي إبدال‪ ،‬فنجد أنفسنا في النهاية أمام تراكمات عديدة‪ ،‬لكن محصلتها هزيلة أو تكرارية‪ ،‬ويؤدي هذا في أغلب‬
‫يتحقق في الغرب ناقصا وجزئيا" (يقطين سعيد‪ ،‬دراج فيصل‪ ،2005 ،‬ص ‪)50-50‬‬ ‫األحيان إلى جعل مالحقتنا ملا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على الرغم من تأخر النقد العربي في تلقي التفكيكية؛ إال أن هنالك نقادا استطاعوا تمثل التفكيكية من خالل ما اطلعوا عليه من الكتب‬
‫املترجمة حول أعمال (جاك دريدا)‪ ،‬فسعوا إلى إفادة النقد العربي بها من خالل ما ترجم من كتب ألهم رواد التفكيكية‪ ،‬وفي هذا الصدد يعدد‬
‫ّ‬
‫(يوسف وغليس ي) أهم النقاد العرب الذين تمثلوا التفكيكية في أعمالهم النقدية‪ ،‬حيث استطاع الناقد ( عبدهللا الغذامي) فتح الباب لنقاد جدد‬
‫سعوا ملسايرة مسار التفكيكية في النقد الغربي‪ ،‬فكانت "تلك التجربة حافزا منهجيا قويا لظهور تجارب سعودية أخرى‪ ،‬جعلتنا نقرر باطمئنان ريادة‬
‫طيب‪ ،‬عرفت بتنظيراتها النقدية وإسهاماتها الجادة في‬ ‫الخطاب النقدي السعودي املعاصر للتفكيكية على املستوى العربي بأسماء ذات صيت عربي ّ‬
‫النقد خصوصا‪ ،‬أمثال‪( :‬عابد خزندار)‪ ،‬و(سعد البازغي)‪ ،‬و(ميجان الرويلي) (الذي أصدر عام ‪0122‬م كتابا في هذا الشأن سماه "قضايا نقدية ما‬
‫بعد بنيوية‪ -‬سيادة الكتابة نهاية الكتابة"‪ ،‬يتقاطع عنوانه الفرعي تقاطعا عمديا مع مبحث (جاك دريدا) الشهير عن "نهاية الكتاب وبداية الكتابة‪:‬‬
‫‪ ،)"la fin du livre et le commencement de l’écriture‬إضافة إلى أسماء عربية قليلة أخرى‪ ،‬يمكن أن نذكر منها‪( :‬علي حرب)‪( ،‬وبسام قطوس)‬
‫و(عبد امللك مرتاض)‪ ،‬هذه صورة تقريبية عامة للخارطة النقدية التفكيكية" (وغليس ي يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)010-051‬‬
‫انصرف النقاد بعد هذه التجارب النقدية إلى ترجمة املصطلح‪ ،‬فاجتهدوا في البحث عن املصطلح العربي املقابل للتفكيكية‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن (جاك دريدا) ذاته يؤكد على صعوبة‪ -‬إن لم نقل استحالة‪ -‬وجود مصطلح يحتوي داللة التفكيك التي نظر لها‪ ،‬وفي هذا الشأن ُي ْق ِّد ُم الناقد‬
‫(يوسف وغليس ي) على إحصاء الجهود العلمية التي يقوم بها النقاد العرب في وضع مصطلحات مرادفة لتفكيكية (جاك دريدا) (ينظر‪ :‬وغليس ي‬
‫يوسف‪ ،2000 ،‬ص ‪)013-010‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫إن هذا التأثر املتأخر للنقاد العرب بالتفكيكية‪ ،‬ال يعد عيبا‪ ،‬بقدر ما يعد مكسبا نقديا ثمينا‪ ،‬قد َم اإلضافة الجديدة للنقد العربي‪ ،‬فهو أفضل‬
‫حاال من الجهل بها‪ ،‬وعدم االطالع عليها‪ ،‬وبذلك استطاع النقاد أن يستفيدوا من التفكيكية في مقارباتهم النقدية للنصوص األدبية‪ ،‬حيث يمكن‬
‫أن نلخص املسار الذي َم َّر عليه النقد العربي في تلقي التفكيكية "بثالث طرق‪ :‬تم أولها بااللتقاء باألرضية املعرفية التي شكلت أسس نزعة التفكيك‬
‫ممثال ذلك في مفهوم "الحداثة"‪ ،‬وجاء ثانيها في الترجمة املباشرة‪ ،‬وكان ثالثها في تبني النزعة التفكيكية في قراءة نصوص األدب العربي‪ ،‬وهو ما سيتم‬
‫التركيز عليه خاصة ما قدمه (عبد الفتاح كيليطو)" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0055‬‬
‫إذا كان هناك نقادا انشغلوا بالجانب املفاهيمي للتفكيكية تارة‪ ،‬وترجمة مصطلحاتها تارة أخرى‪ ،‬فإن هناك نقادا اجتهدوا في تطبيق التفكيكية‬
‫على النصوص األدبية بمختلف سياقاتها وأنواعها (شعرا‪ /‬نثرا)‪ ،‬حيث نجد الناقد (عبد الفتاح كيليطو) من النقاد الذين بادروا في قراءة األدب‬
‫العربي القديم تفكيكيا‪ ،‬حيث ارتكزت قراءته التفكيكية "على أسس مستمدة من الطروحات املتنوعة والثرية للتفكيكية‪ ،‬وتأتي أهمية هذا العمل‬
‫أن (كيليطو) ال يكشف عن أصول هذه الطريقة في قراءة األدب العربي القديم والتعامل معه" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0053‬‬
‫ََ ٌ‬ ‫ُ‬
‫َي ْنظ ُر الناقد (عبد الفتاح كيليطو) إلى النص على أنه بناء لغوي غير مستقل عن باقي األنواع األدبية األخرى؛ بل هو ُمؤلف إبداعي "يشمل جميع‬
‫تعد أدبية‪ -‬أي يجب أن ال ينظر إلى األنواع على حدة وإنما النص األدبي كيفما كان نوعه" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪،)0051‬‬ ‫األنواع التي ُّ‬
‫يتضح بأن النص األدبي ليس مستقال عن باقي األنواع األدبية التي يبدعها األدباء‪ ،‬بل هنالك همزة وصل وترابط بين النصوص األدبية‪ ،‬فكل‬
‫بعده أحد املبادئ النقدية التي تبحث فيها التفكيكية‪،‬‬ ‫خصوصية أدبية للنص تذوب لصالح وحدة األدب‪ ،‬وفي هذا املعنى تلميح ضمني للتناص األدبي‪ّ ،‬‬
‫حيث يتيح التناص تحديد ظاهرة التقليد أو اإلبداع عند األديب‪ ،‬وعلى هذا األساس تتم مقاربة النص تفكيكيا عبر البحث في التكرارات التي حملها‬

‫‪402‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫النص ومدى ترابطها مع نصوص سابقة "ذلك أن أي نص ال ينطوي على كلمات مفتاحية تشع عند تكرارها باملعنى املوحد للنص‪ ،‬وإنما ينطوي‬
‫النص على تكرار يؤدي إلى تعديل املعنى وتحويره وبعثرته وتشتته‪ ،‬فالذات الكاتبة ال تستطيع السيطرة املطلقة على كلماتها عند كتاباتها لها‪ ،‬ألن كل‬
‫كتابة تحمل أثرا من معنى ماض أو قادم‪ ،‬مما يجعلها تقول أكثر مما أراد كاتبها أن يقول" (دريدا جاك‪ ،2001 ،‬ص ‪.)22‬‬
‫فهذا الشتات النص ي هو ما يسمح للناقد بتقويل النص ما لم يقله كاتبه‪ ،‬وذلك بواسطة تحميله قراءات متعددة تتولد عنها دالالت ال نهائية‬
‫للنص‪.‬‬
‫يرى الناقد (عبد الفتاح كيليطو) أن العملية اإلبداعية في األدب العربي القديم تميل إلى التقليد في أسلوب الكتابة األدبية‪ ،‬فحسبه أغلب‬
‫َُ ُ‬
‫الشعراء القدماء يميلون للكتابة على نفس املنهاج الخطابي في األدب‪ ،‬وعلى هذا األساس يرفض الناقد (عبد الفتاح كيليطو) إطالق مصطلح املؤِلف‬
‫على الشعراء‪ ،‬بل األصح لديه هو مصطلح املحاكي‪ -‬أي أن كل أديب ما يحاكي في نصه األدبي الطريقة التي أبدع بها األدباء السابقون كتابة نصوصهم‬
‫األدبية‪ ،‬وبهذا املفهوم يصبح النص الالحق مترابطا مع النص السابق مهما كان نوعه األدبي‪ ،‬ويفسر (كيليطو) ذلك بأن "كل مؤلف إنما يحاول أن‬
‫ينسجم مع نمط الخطاب الجمعي ليكون صوته مسموعا‪ ،‬فال بد له من أن يضم صوته إلى صوت الجوقة‪ ،‬ومن ثم فليس هنالك مؤلف وإنما‬
‫محاك‪ ،‬وقارئ باستمرار لنمط الخطاب" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0051‬‬
‫يتضح من خالل هذا املوقف الذي يبديه الناقد (عبد الفتاح كيليطو) بأن العملية اإلبداعية التي سادت في األدب العربي القديم تتناقض مع‬
‫ما تقوم عليه التفكيكية من انفتاح على اإلبداع املتجدد للنص‪ ،‬ألن التفكيكية أتاحت للقارئ دورا في إعادة كتابة النص بداللة جديدة وال نهائية‪،‬‬
‫حيث تصبح كل قراءة جديدة للنص إساءة للقراءة السابقة‪ ،‬وبهذا فالعملية اإلبداعية في منظور نقد ما بعد الحداثة قائمة على التجدد املستمر‪،‬‬
‫وهو املبدأ التفكيكي الذي استعان به (عبد الفتاح كيليطو) في قراءته لنصوص األدب العربي القديم‪ ،‬حيث توصل بأن العملية اإلبداعية فيه تميل‬
‫للتقليد الجمعي "وعلى أساس ذلك فالشاعر الجاهلي عندما كان يقف على الطلل‪ ،‬إنما هو مؤلف فعلي ال مؤلف حق‪ ،‬ألنه في وقوفه هذا إنما ينصت‬
‫للشعراء الذين سبقوه‪ ،‬إنما ينصت كما فعل عنترة إلى تقليد شعري‪ ،‬ترسخ بهيئة خطاب القصيدة الجاهلية‪ ،‬وكذلك األمر في كثير من كتابات‬
‫الجاحظ وما ينسبه إلى غيره من مؤلفات" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0051‬‬
‫كما ينتهج الناقد (عبد الفتاح كيليطو) مقاربة تفكيكية على نص "ألف ليلة وليلة"‪ ،‬فهو يحاول من خاللها تشريح النص‪ ،‬والبحث في األحداث‬
‫الهامشية منه‪ ،‬بعيدا عن مركزية الوقائع السردية‪ ،‬ثم يقوم الناقد بتقويض داللته‪ ،‬بعدما تمكن من خلخلة وحدته بواسطة طرح سلسلة ال نهائية‬
‫من األسئلة التفكيكية‪ ،‬فيكشف النص عما لم يقله من معاني مضمرة تخفي وراء معناه الظاهر‪ ،‬وبذلك يصبح النص حرا من القصد‪ ،‬ومتشظيا‬
‫في الداللة‪ ،‬إذ يصف الناقد "قراءته بقوله‪ :‬وبصفة تدريجية ستسعى قراءتي لكتاب "الليالي" ال إلى تجريده من أسراره (بواسطة ما ال أدري من شبكة‬
‫تأويليه)‪ ،‬بل إلى إطالعه على سره الخاص‪ ،‬وذلك دون املس بكل احتماالت معناه" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0012‬‬
‫لقد استطاع الناقد (عبد الفتاح كيليطو) أن ينتهج التفكيكية كاستراتيجية لقراءة النص األدبي العربي القديم وتقويضه‪ ،‬فكانت مقاربته‬
‫النقدية محاكاة لتفكيكية (جاك دريدا)؛ وهذا االجتهاد التطبيقي يعد إضافة ممتازة للنقد العربي‪ ،‬حيث استطاع الناقد (عبد الفتاح كيليطو) من‬
‫خالله تفكيكيته أن يقدم دراسات نقدية مختلفة في داللتها عما تناوله باقي النقاد في دراساتهم النقدية السابقة‪ ،‬فما قدمه الناقد "(كليطو) من‬
‫قراءات لألدب العربي القديم يثير قارئه بما تكشفه القراءة‪ ،‬وما تعمل على زعزعته مما هو في عداد الثابت واملستقر واليقيني‪ ،‬لتتفتح آفاقه على‬
‫أبعاد داللية لم يؤسس النص على أساسها" (عبابنة سامي محمد‪ ،2003 ،‬ص ‪)0015_0012‬‬
‫من خالل تتبعنا ملسار تلقي النقد العربي للتفكيكية‪ ،‬نتوصل إلى أن التلقي املتأخر لها لم يشكل عائقا في مسايرة النقد العربي للنقد الغربي‪،‬‬
‫حيث تعد التجربة النقدية للناقد (عبد الفتاح كيليطو) بادرة نقدية ملهمة‪ ،‬أسهمت في زيادة إقبال النقاد واألكاديميين على انتهاج التفكيكية‬
‫كاستراتيجية نقدية لقراءة وتقويض النصوص بمختلف أنواعها وسياقاتها‪ ،‬فهذه التجارب النقدية العديدة دليل على تجاوز النقد العربي ملرحلة‬
‫الغموض املفاهيمي الذي صاحبه عند تلقيه البكر للتفكيكية‪.‬‬
‫‪ 2‬آليات التحليل في النظرية التفكيكية‪:‬‬
‫‪ 21‬الثورة على النقد البنيوي ومبادئه‪:‬‬
‫تنتهج التفكيكية في مقاربتها للنصوص األدبية جملة من اآلليات التقويضية؛ التي تستمد استراتيجيتها اإلجرائية من كونها نظرية نقدية مناهضة‬
‫للنقد البنيوي؛ الذي سعى إلى علمنة (علمية) النص األدبي بمقاربته النسقية‪ ،‬لذلك تتمثل أولى معالم آليات التفكيكية في الثورة على البنيوية‪،‬‬
‫يعد التفكيك "حركة ضد البنيوية‪ ،‬وهو يدين بجانب من نجاحه لهذا اللبس‪ ،‬كان األمر يتعلق بحل بفك بنزع رواسب البنيات‪ ،‬جميع‬ ‫(فجاك دريدا) ُّ‬
‫ضروب البنيات اللغوية وتمركزية لوغوسية وتمركزية صوتية‪ ،‬بما أن البنيوية كانت خاضعة يومها بخاصة إلى نماذج لغوية‪ ،‬نماذج علم اللغة أو‬
‫األلسنة املدعو بالبنيوي‪ ،‬الذي كان يسمى كذلك سوسيريا" (دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)31‬‬
‫إن مبدأ الثورة على البنيوية نابع من إدراك التفكيكيين للثغرات التي قامت عليها البنيوية‪ ،‬ألن التفكيكية ضمت في تركيبتها نقادا كانوا في‬

‫‪403‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫بداية مسارهم النقدي بنيويين‪ ،‬ثم انشقوا عنها‪ ،‬وانتقلوا إلى التفكيكية‪ ،‬وهم يحملون موقفا عدائيا ضد البنيوية‪ ،‬ألنهم أدركوا فشل املشروع‬
‫النقدي الذي تأسست عليه البنيوية‪ ،‬وهو مقاربة النص مقاربة محايثة‪ ،‬حتى يكون له معنى أحادي وقصدي‪ ،‬ال يقبل التأويل‪ ،‬لذلك جاءت‬
‫التفكيكية لتتجاوز تلك النقائص النقدية التي وقعت فيها البنيوية‪ ،‬وتعويضها بانفتاح النص على القارئ‪ ،‬وتحرر معناه من القصدية‪ ،‬حيث يرتكز‬
‫ذلك على هدم املبادئ النقدية البنيوية في صورة تقديسها لسلطة (العقل‪ ،‬اللغة‪ ،‬اللوغوس‪ ،‬ورفض التاريخ)‪ ،‬كما تعمل التفكيكية على الشك في‬
‫اليقينيات العقلية للنص‪ ،‬وزعزعة نظامه‪ ،‬وخلق حالة من الالنظام فيه‪ ،‬ثم االنتقال به من االنسجام إلى التشتيت "بمعنى أنه إذا كانت البنيوية‬
‫السردية والسيموطيقا تبحثان عن كل مظاهر االنسجام الداللي‪ ،‬وتسعيان إلى إبراز التشاكل العضوي داخل النص أو الخطاب من أجل إزالة‬
‫محوال النص أو الخطاب إلى عالم من ال انسجام‬ ‫ليقوض فكرة االنسجام ّ‬ ‫الغموض وااللتباس مع تسهيل عملية القراءة الفعلية‪ ،‬فإن دريدا جاء ّ‬
‫والصراع الداخلي الذاتي‪ ،‬فيتصارع النص مع نفسه عن طريق آليات التفكيك والتقويض والتشتيت وكشف مواطن التضاد واالختالف والتناقض"‬
‫(حمداوي جميل‪ ،2000 ،‬ص ‪)20‬‬
‫إن التفكيكية بريادة (جاك دريدا) استطاعت بآليتها النقدية الثائرة على مبادئ النقد البنيوي أن تقلب موازين النص وتخلخل قواعده املنطقية‪،‬‬
‫ليصبح في حالة من الالاستقرار والالثبات‪ ،‬فالتفكيكية كما يشبهها أحد النقاد في تعاملها مع النص األدبي "كالثور الهائج أطلقه عصر الشك الشامل‬
‫مقدس" (عبد العزيز حمودة‪ ،0111 ،‬ص ‪)250‬‬ ‫من مربطه يحطم كل ش يء‪ ،‬فال ش يء معتمد وال ش يء موثوق وال ش يء ّ‬
‫معينة كما فعلت البنيوية‪ ،‬وترفض أن يبقى النص محافظا على تماسكه البنائي وفق‬ ‫إن التفكيكية ترفض أن يكون النص خاضعا لقوانين ّ‬
‫نظام معين‪ ،‬لذلك فهي تسعى إلى خلق الفوض ى في النص من خالل إشاعة مبدأي الشك والنقض اللذين تتميز بهما؛ وهو ما يجعل التفكيكية نظرية‬
‫للهدم والتشتيت والتقويض‪.‬‬
‫‪ 21‬القراءة التقويضية‪:‬‬
‫تعد التفكيكية امتدادا لنظريات نقد ما بعد الحداثة‪ ،‬وهي من النظريات النقدية التي ركزت على سلطة القارئ في قراءة النص وتأويل معناه‪،‬‬
‫بخالف املناهج النسقية التي اكتفت بسلطة اللغة عند مقاربة النص مقاربة محايثة‪ ،‬وبذلك فالتفكيكية في تركيزها على القارئ‪ ،‬لم تخرج عما‬
‫قدمته نظريات التلقي في مرحلة نقد ما بعد البنيوية؛ فهي منحت للقارئ دورا في توليد داللة النص باستمرار‪ ،‬وهو ما يجعل املعنى متجددا ومختلفا‬
‫من قراءة ألخرى‪ ،‬ومن سياق آلخر‪ ،‬لذلك فالتفكيكية "على سبيل املثال هي أيضا دراسة حتمية لنظريات التلقي‪ ،‬والنقد قائم على استجابة القارئ‪،‬‬
‫ولن ندخل هنا في مجال التفرقة بين املسميين أو أيهما يتسع لآلخر‪ ،‬إن أهم محاور التفكيك يرتكز على األهمية الجديدة التي يكتسبها القارئ والدور‬
‫األساس ي الذي يلعبه في تفسير النص" (عبد العزيز حمودة‪ ،0111 ،‬ص ‪)252‬‬
‫إن القراءة التي يتمثلها القارئ التفكيكي ليست قراءة عادية تذوقية؛ بل هي قراءة تفرض على القارئ انتهاج أسلوب تقويض ي‪ ،‬يقوم على‬
‫اكتشاف التناقض الذي يحمله النص بين املعنى الظاهر واملعنى الضمني‪ ،‬فالتفكيكية عند نقضها للنص تبدأ بالبحث "داخله عما لم يقله على‬
‫نحو صريح واضح املسكوت عنه وهي تعارض منطق النص الواضح املعلن‪ ،‬وإدعاءاته الظاهرة‪ ،‬باملنطق الكامن في النص‪ ،‬كما أنها تبحث عن النقطة‬
‫التي يتجاوز فيها النص القوانين واملعايير التي وضعها نفسه‪ ،‬فهي عملية تعرية للنص وكشف أو هتك كل أسراره‪ ،‬وتقطيع أوصاله وصوال إلى أساسه‬
‫الذي يستند إليه" (يقطين سعيد‪ ،‬دراج فيصل‪ ،2005 ،‬ص ‪)203‬‬
‫ينظر (جاك دريدا) إلى النص على أنه يعيش حالة من الالتوازن بين املعنى الظاهر واملضمر‪ ،‬وهو وضع نقدي متأزم يستدعي القراءة التقويضية‪،‬‬
‫بعدها استراتيجية لقراءة النصوص ونقضها‪ ،‬حيث تتم "عملية التفكيك على مرحلتين‪ :‬يقوم الكاتب بالتعمق في النص حتى يصل إلى االفتراضات‬ ‫ّ‬
‫الكامنة فيه وإلى املنظومات القيمية واملعرفية التي يستند لها وإلى افتراضاته األصولية وأساسه امليتافيزيقي الكامن‪ ،‬أما املرحلة الثانية فهي حين‬
‫يبدأ الناقد في اكتشاف عنصر ممالئ في النص تفصيالت هامشية‪ ،‬مصطلحات غير مهمة متكررة‪ ،‬إشارات عابرة‪ ،‬فيأخذ الناقد التفكيكي ويظل‬
‫يعمق فيها ويحملها باملعاني حتى يبين احتواء الكل الثابت املتجاور على تفاصيل تقويض من كليته وثباته وتجاوزه " (عطية أحمد عبد الحليم‪،‬‬
‫‪ ،2000‬ص ‪)050‬‬
‫تكمن قيمة القراءة التقويضية في التفكيكية في كونها تكشف عن الحقيقة التي لم يقلها النص‪ ،‬وهي حقيقة مضمرة ومتناقضة مع املعنى‬
‫الظاهر للنص‪ ،‬وهو ما يستدعي التقويض للوصول إلى تشظي املعنى‪.‬‬
‫‪ 22‬ال نهائية املعنى‪:‬‬
‫إذا كان النقد البنيوي ومناهجه يرى في أن للنص معنى أحاديا ال يقبل التأويل‪ ،‬وذلك ألن العالقة بين الدال واملدلول في العالمة اللغوية قصدية‬
‫ال اعتباطية‪ ،‬فإن النظرية التفكيكية بريادة (جاك دريدا) تخالف هذا املبدأ‪ ،‬وتسعى إلى تقويضه‪ ،‬بمنطلق أن (جاك دريدا) يخالف نظرية (دي‬
‫ّ‬
‫سوسير)‪ ،‬حيث يكمن هذا االختالف والتعارض في أن (جاك دريدا) يقر بأسبقية الكتابة على الصوت خالفا (دي سوسير)‪ ،‬الذي ُي َن ِظ ُر ألسبقية‬
‫الصوت على الكتابة‪ ،‬كما ّأن (جاك دريدا) يعطي أولوية للمدلول على حساب الدال‪ ،‬وأسبقية الضمني على الظاهر‪ ،‬ألن (جاك دريدا) يرى أن‬

‫‪404‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫الظاهر (دال) خادع على الدوام‪ ،‬وهو ش يء سطحي ال غير‪ ،‬في حين أن الحقيقة هي التي تختفي ضمنه (مدلول)‪ ،‬وحجة (دريدا) في الدفاع عن هذا‬
‫ّ‬
‫تتصدر اإلشارة جملة وتبرز القيمة الشاعرية للنص‪ ،‬ويقوم‬ ‫املوقف تتجلى في مبدأ األثر ‪Trace‬؛ وهو "التشكيل الناتج عن الكتابة‪ ،‬وذلك يتم عندما‬
‫فتتحول الكتابة لتصبح القيمة األولى هنا‪ ،‬وتتجاوز حالتها القديمة من كونها حدثا ثانويا يأتي بعد النطق‪ ،‬وليس له‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بتصدر الظاهرة‬ ‫النص‬
‫من وظيفة إال أن يدل على النطق ويحيل إليه‪ ،‬إن الكتابة تتجاوز هذه الحالة لتلغي النطق‪ ،‬وتحل محله وبذلك تسبق حتى اللغة‪ ،‬وتكون اللغة‬
‫نفسها تولدا ينتج عن النص‪ ،‬وبذا تدخل الكتابة في محاورة مع اللغة فتظهر سابقة على اللغة ومتجاوزة لها‪ ،‬ومن ثم فهي تستوعب اللغة‪ ،‬فتأتي‬
‫ّ‬
‫كخلفية لها بدال من كونها إفصاحا ثانويا متأخرا" (الغذامي عبد هللا محمد‪ ،0111 ،‬ص ‪)33‬‬
‫أن النص يحمل معنى ال متناهيا؛‬ ‫استطاع (جاك دريدا) من خالل آلية تعدد املعنى أن ُي ْح ِد َث نقلة في املفاهيم السوسيرية؛ التي ّ‬
‫أقر من خاللها ّ‬
‫ألنه يحتمل قراءات متعددة‪ ،‬فكل قراءة فيه تولد معنى جديدا يختلف عن السابق‪ ،‬دون أن يكون هنالك ثبات في املعنى‪ ،‬حيث ّ‬
‫"إن التغيير الجوهري‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتمثل في ّ‬
‫التعديل الذي حدث للعالقة بين طرفي العالمة وهما الدال واملدلول واللذان يمثالن معا‬ ‫الذي طرأ على نظرة ما بعد البنيوية إلى اللغة‪،‬‬
‫وحدة العالمة اللغوية‪ ،‬وقلنا أيضا إن ذلك التغيير يتمثل في بعد املسافة بين الدال ومدلوله أو في ضعف العالقة بينهما‪ ...‬وتتسع مساحة الشك ‪/‬‬
‫يتحقق فيها اللعب الحر للمدلوالت‪ ،‬وتتحقق‬‫الفجوة حتى تختفي العالقة بين الدال ومدلوله وال تبقى في النهاية إال الفجوة بين االثنين‪ ،‬الفجوة التي ّ‬
‫ال نهائية الداللة أو املعنى‪ ،‬وحيث تصبح كل قراءة إساءة قراءة" (ينظر‪ :‬حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)502-505‬‬
‫ّ‬
‫إن النص عند (جاك دريدا) غير ثابت على قراءة واحدة‪ ،‬وهكذا فهو ال يستقر على معنى واحد‪ ،‬بل هو في يعيش في حالة من التشتت املستمر‪،‬‬
‫وتجدد املعاني بالنسبة للنص الواحد‪ ،‬أو القارئ الواحد من سياق آلخر‪ ،‬وهذا الوضع يتشكل عندما تقوم التفكيكية بهدم‬ ‫تجدد القراءات‪ّ ،‬‬ ‫نتيجة ّ‬
‫مركز النص‪ ،‬وعزله عن السياقات الخارجية التي تتحكم في معناه‪ ،‬وعليه يكون النص متحررا من الضوابط والقوانين املركزية‪ ،‬فال تصبح عالمته‬
‫ومتحررة‪ ،‬حتى تكتسب دالالت متعددة والنهائية‪ ،‬ألن العالمة في منظور التفكيك "تكتسب صفة اإلغالق‬ ‫ّ‬ ‫مقيدة ومغلقة‪ ،‬بل تصير منفتحة‬ ‫اللغوية ّ‬
‫والنهائية والذاتية بحكم عالقتها بمركز خارجي هو النظام العام للغة الذي يؤسس شرعيتها ويمكنها من تحقيق الداللة‪ ،‬غياب املركز الذي أعلنه‬
‫دريدا إذن أفقد العالمة انغالقها ونهائيتها وشرعيتها وقدرتها على الداللة‪ ،‬وسوف نرى في السنوات التالية مباشرة كيف سيؤدي فتح العالمة الذي‬
‫أحدثه غياب املركز املرجعي الثابت إلى تحويل اللغة إلى سلسلة ال نهائية من الدالالت" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)552‬‬
‫إن (جاك دريدا) من خالل تفكيكيته يرى بأنه يكمن تحرير النص من القصدية بانتهاج القراءة املتجددة للنص‪ ،‬حيث تصبح كل قراءة جديدة‬
‫هدما للقراءة السابقة‪ ،‬وهكذا تصبح داللة النص متشظية أي معناها يكون مختلفا وال نهائيا عندما تتحرر الدوال من املركز الذي كان يحكمها‪.‬‬
‫‪ 23‬االختالف واإلرجاء والتأجيل‪:‬‬
‫يح للنص اكتساب معاني متعددة وال نهائية‪ ،‬ألن كل قراءة‬ ‫ُي ْرج ُع (جاك دريدا) تعدد داللة النص إلى مبدأ (االختالف ‪)Différance‬؛ فهو ُيت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جديدة للنص تحمل معنى جديدا‪ ،‬حيث يعطي (جاك دريدا) لهذا املبدأ أهمية كبيرة في تفكيكيته‪ ،‬لكون أهميته تتحدد بماهية مصطلح (االختالف‬
‫‪ )Différance‬ذاته‪ ،‬وهو مبدأ نقدي أثار جدال واسعا بين النقاد‪ ،‬وال تتضح خصوصية هذا املصطلح (االختالف ‪ )Différance‬إال في حالته املكتوبة‪،‬‬
‫حيث "ولد هذا املصطلح من فعلين هما‪ :‬فعل اإلرجاء والتأجيل واالنحالل‪ ،‬كأن تحل مجلسا أو اجتماعا‪ ،‬ثم فعل االختالف حسب املفهوم األلسني‬
‫البنيوي‪ ،‬وهو فعل ينطوي على البعد واالفتراق والبين‪ ،‬لكن دريدا في اشتقاقه هذا قد صاغ ما يمكن أن يكون اسم الفاعل بإضافة حرف األلف‬
‫‪ A‬في اللغة الفرنسية بدال عن حرف ‪ E‬الذي يكتب بهذا االختالف العادي‪ ،‬ومغزى (دريدا) من هذا ّأن اختالف األلف عن حرف ‪ E‬ال يظهر في اللفظ‬
‫الفرنس ي وإنما يظهر فقط في الكتابة" (الرويلي ميجان‪ ،‬البازغي سعد‪ ،2002 ،‬ص ‪)002-003‬‬
‫سعى النقاد إلى فهم وترجمة خصوصية هذا املصطلح؛ الذي يظهر تفرده في طريقة كتابة كلمة (االختالف‪ ،)Différance/‬وهو تميز يراه (جاك‬
‫دريدا) حكرا على املصطلح ذاته‪ ،‬يقول‪" :‬أعتقد أن قلقك حول ترجمة هذه املفردة ّيتجه إلى صميم املشكل‪ ،‬فهي ليست غير قابلة للترجمة إلى‬
‫ّ‬
‫العربية فحسب‪ ،‬وإنما حتى اإلنجليزية وسواها من اللغات وحتى إلى الفرنسية بمعنى ما‪ ،‬من حيث ّإنها تتعارض مع الكلمات املتجذرة من امليراث‬
‫الالتيني كما ّأنها في اقتصادها نفسه غير قابلة لإلبدال بمفردة أخرى" (دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)35‬‬
‫يتفق النقاد بأن ترجمة مصطلح (االختالف ‪ )Différance‬إلى لغة أخرى من شأنه أن ينحرف عن الداللة األصل التي صاغها (جاك دريدا)‪ ،‬فهم‬
‫يبررون ذلك‪ :‬بأن ترجمة مصطلح االختالف يوقع النقاد في مطب "ترجمة معوقة للقراءة‪ ،‬ومحددة للرحابة الداللية للمصطلح ذاته التي تحيط أيضا‬
‫بمعاني الفرق والتميز والتفاضل واالستكمال‪...‬الخ‪ ،‬وفضال عن ذلك ال يجدر باملترجم أن يترجم لفظا بلفظين أو ثالثة معادلة له‪ ،‬وإال تراخى معجمه‬
‫وسالت ترجمته وخصوصا في مجال ترجمته لنص مثل نص دريدا‪ ،‬تكثر فيه املصطلحات املزدوجة الداللة‪ ،‬وقد كان من املمكن (لدريدا) ذاته أن‬
‫يجعل مصطلحاته مزدوجة اللفظ‪ ،‬ولكنه آثر دمجها في مصطلح واحد" (دريدا جاك‪ ،2001 ،‬ص ‪)02‬‬
‫يتضح من خالل هذا أنه يتوجب على املترجم أن يتجنب حصر مصطلحات التفكيك بمصطلحات أحادية الداللة‪ ،‬نظرا ملا تتيحه التفكيكية‬
‫من ممكنات داللية يميزها التفاضل والتجدد الداللي املستمر‪ ،‬كما يتوجب على املترجم أن يحذر الترجمة املزدوجة للمصطلحات التفكيكية‪ ،‬ألن‬

‫‪405‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ‫استراتيجية التفكيك‪...‬‬

‫(جاك دريدا) نفسه فضل الدمج األحادي للمصطلحات‪ ،‬وتخلى عن الترجمة االزدواجية‪ ،‬لذلك على املترجم أن يجتهد في إيجاد مصطلح دقيق‬
‫وأحادي يكون بمقدوره استيعاب الداللة املتشظية التي تقوم عليها التفكيكية‪ ،‬إال أن هذا األمر شبه مستحيل ومتناقض مع ما يؤمن به (جاك‬
‫دريدا) من استحالة إيجاد ترجمة مقابلة للتفكيك في مختلف اللغات‪.‬‬
‫استمد مصطلح (االختالف ‪ )Différance‬ميزته الفريدة من تركيبته اللغوية التي خالف بها (جاك دريدا) الكتابة األصل (‪ ،)Différence‬وهو‬
‫تمايز يبدو واضحا بين األحرف ‪ ance‬و ‪ ،ence‬في حين أن مفهوم االختالف يتحدد لدى (جاك دريدا) كش يء ديناميكي ال يرتبط في اختالفه باألشياء‬
‫األخرى املقابلة له‪ ،‬فهو اختالف منبعث من داللة الش يء ذاته أي بين الش يء األصل وباقي نواسخه‪ ،‬ومثال ذلك (سافر= انتقل شخص من مكان إلى‬
‫آخر) وفقا ملعناها‪ ،‬فإنها ستفتح املجال لتكون هنالك قراءات متعددة تعطي معنى مختلفا‪ ،‬لكنه ال يخرج عن دائرة مدلول االنتقال من مكان آلخر‬
‫مثل (الهجرة‪ ،‬الرحلة‪ ،‬املغادرة‪ ،‬الغربة‪ ،‬االرتحال‪ ،‬الحرقة) وهي كلها ألفاظ تحمل معنى االنتقال بألفاظ مختلفة ومتعددة‪ ،‬دون أن تكون هذه‬
‫األلفاظ ذات عالقة ضدية مع املعنى األول‪ ،‬حيث يرينا (جاك دريدا) "بمحاكاة دياكلتية نوعا ما أن األصلي ال يكون أصليا إال باالستناد إلى النسخة‬
‫التالية له‪ ،‬التي يسود الزعم أنها تأتي لتنسخه وتكرره‪ ،‬ضامنة له بذلك حيازة تسمية األصلي أو األصل‪ ،‬ال يكون األول أوال إال باالستناد‪ ،‬استنادا‬
‫مؤسسا‪ ،‬أي يقيم في جوهر األول نفسه بما هو أول نقول االستناد إلى الثاني الذي يدعم ذلك األول في أوليته" (دريدا جاك‪ ،2000 ،‬ص ‪)50‬‬
‫يرى (جاك دريدا) أن مبدأ اإلرجاء يكون مصحوبا باالنتظار ومنتجا لاللتباس في الوقت نفسه‪ ،‬ألن إرجاء املعنى يتطلب من القارئ انتظار جملة‬
‫من املمكنات الداللية التي يتيحها النص عند قراءته‪ ،‬إال أن طول االنتظار يولد التباسا لدى القارئ‪ ،‬ولتقريب املعنى يناقش (جاك دريدا) فلسفيا‬
‫قصيدة "العملة الزائفة" (لبولدير) "حيث اتخذ (دريدا) من هذه القصيدة منطلقا ملناقشة قضية "العطاء" أو "الهبة" فلسفيا‪ ،‬متسائال‪ :‬هل ثمة‬
‫عطاء حقيقي؟‪ ،‬كل عطاء ينتظر و على نحو ضمني املقابل‪ ،‬وهذا يعني أن كل عطاء هو أشبه َّ‬
‫بالد ْي ِن‪ ،‬في حين أن الهبة الحقيقية تنفي منطق التبادل‬
‫أو انتظار العاقبة‪ ،‬فهذا االنتظار لرد العطاء يجعل الهبة موقوتة أو مرجأة بانتظار صاحبها ملعادلها‪ ،‬وهنا يصبح الزمن شرطا إلمكان العطاء أو‬
‫التبادل‪ ،‬وبهذا يصبح مفهوم الهبة ذاته ملتبسا" (دريدا جاك‪ ،2001 ،‬ص ‪)25‬‬
‫يتضح من خالل هذا أن (االختالف واإلرجاء والتأجيل) هي مبادئ مترابطة في ما بينها على نحو يصعب الفصل بينها‪ ،‬كما نتوصل بأن (جاك‬
‫دريدا) يخالف في مبدأ االختالف واإلرجاء ما قدمه (دي سوسير) حول الثنائيات الضدية‪ ،‬فاالختالف لديه يتحدد من خالل طبيعة األصل مع باقي‬
‫نواسخه‪ ،‬وعليه يختلف املعنى باستمرار‪ ،‬ألن املدلول يكون في حالة من اإلرجاء املستمر‪ ،‬فال يثبت على داللة واحدة ومستقرة‪ ،‬فهو في حالة من‬
‫املراوغة والتأجيل املستمر بصورة ال نهائية‪.‬‬
‫‪ 23‬الحضور والغياب‪:‬‬
‫إن التفكيكية ترفض أن يكون هنالك سلطة مركزية خارج النص‪ ،‬تتحدد من خاللها داللة النص وتثبت معناه‪ ،‬وهذه السلطة تتمثل في‬
‫ميتافيزيقا الحضور‪ ،‬التي تعني "وجود سلطة أو مركز حي يعطي الكلمات والكتابات واألفكار واألنساق معناها ويؤسس مصداقيتها‪ ،‬حيث ّإن اللغة‬
‫خارج النص األدبي أو داخله تكتسب مصداقيتها من إحالتها إلى املركز أو تلك السلطة الخارجية" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)550‬‬
‫تسعى التفكيكية إلى خلخلة النص تقويضه‪ ،‬حتى يكون النص هشا‪ ،‬ويصبح معناه متحررا‪ ،‬فتزول قصدية داللته لتحمل معنى مختلفا‬
‫ومتجددا من قراءة ألخرى‪ ،‬استنادا لتحرير الدوال من املركز الخارجي الذي تقوم عليه‪ ،‬الذي يتجسد عبره مبدأ الحضور والغياب‪ ،‬ويتم ذلك عبر‬
‫الشك "في وجود مركز‪ ،‬أي مركز مرجعي خارجي يعطي األشياء شرعيتها ويمكن اللغة من الداللة وبدال من التقاليد التي يجب أن تدمر بعد أن حجبت‬
‫الكينونة والنظام الخارجي الذي لم يعد له وجود في ظل غيبية املركز القادر على تثبيت األشياء تؤكد استراتيجية التفكيك استحالة الحضور‪،‬‬
‫فحضور ذلك املركز املحوري الخارجي داخل النص أو اللغة يرتبط دائما بالغياب‪ ،‬وتصبح املراوغة ‪ indeterminacy‬والغموض ‪ ambigüité‬واالنتشار‬
‫‪ dissémination‬والبينصية وال نهائية الداللة هي أبرز سمات النص" (حمودة عبد العزيز‪ ،0111 ،‬ص ‪)550‬‬
‫تقوم التفكيكية عند تقويضها لسلطة الحضور بعزل النص عن القوة الخارجية التي يرتكز عليها‪ ،‬فيصبح النص متحررا‪ ،‬لغياب املرجع الخارجي‬
‫ّ‬
‫الذي كان يستند عليه‪ ،‬وعليه تصبح عالمته اللغوية مشتتة‪ ،‬ومعناه متعددا‪ ،‬ألنه يغيب ويحضر من قراءة ألخرى تبعا ملبدأ (االختالف ‪،)Différance‬‬
‫ألن االختالف يقوم "على فلسفة الحضور والغياب‪ ،‬بمعنى أن الدوال تحمل مدلوالت تتعدد باالختالف‪ ،‬فيحضر هذا املعنى‪ ،‬ويغيب ذاك‪ ،‬وبهذا‬
‫تتناسل االختالفات وتتعدد املدلوالت توالدا وتالشيا وتأجيال وتشتيتا‪ ،‬ويعني كل هذا أن ثمة وحدات تحضر ووحدات تغيب في الوقت نفسه‪ ،‬ويؤكد‬
‫هذا انبناء فلسفة التفكيك على فلسفة التقويض‪ ،‬وآليات تشتيت املعاني وبعثرتها" (حمداوي جميل‪ ،2000 ،‬ص ‪)22 -25‬‬
‫يسعى (جاك دريدا) من خالل مبدأ الحضور والغياب إلى زعزعة استقرار النص وخلخلة نظامه‪ ،‬من خالل تقويض مركزه‪ ،‬وهو ما يحدث صدعا‬
‫داخل بنية النص‪ ،‬ويجعل معناه متحررا ومنتشرا‪ ،‬حيث يعد هذا املبدأ من أهم املبادئ التي تقوم عليها التفكيكية عند قراءة النصوص وتقويضها‪،‬‬
‫ويسمح غياب مبدأ الحضور بتحرر معنى النص بصورة ال نهائية ومتجددة من قراءة ألخرى‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫ّ‬
‫دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،21‬العدد ‪ ،3‬ملحق ‪2022 0‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫إن التفكيكية تعد مقاربة نقدية معقدة في قراءة النصوص وتقويضها‪ ،‬فهي تقوم في املرة األولى بالتشكيك في اليقينيات املنطقية التي يتمثلها‬
‫الفكر الغربي‪ ،‬ثم تقوم بخلخلة النص عبر البحث في البنية الهشة واملضطربة فيه‪ ،‬ثم بعد ذلك تقوض داللة النص من خالل تبيان التناقض‬
‫القائم بين املعنى الظاهر واملعنى املضمر‪ ،‬حيث يمثل املعنى املضمر من منظور التفكيكية املعنى الحق للنص‪ ،‬وهو قابل للتجديد باستمرار مع تجدد‬
‫فعل القراءة‪.‬‬
‫‪ -‬التفكيكية تقوم باألساس على سرمدية املعنى الذي ال نهائية له‪ ،‬فكل معنى جديد هو متولد عن قراءة متجددة وكل قراءة إساءة ملعنى قديم‬
‫وإنتاج ملعنى آخر باستمرار‪.‬‬
‫تقوم التفكيكية على جملة من اآلليات النقدية التي خالف من خاللها دريدا لسانيات (دي سوسير) حول العالمة اللغوية واملعنى‪ ،‬ذلك أن‬
‫ألن (جاك‬‫(جاك دريدا) يرى في أن األسبقية للمكتوب على الصوت‪ ،‬وأن املعنى متعدد وال نهائي‪ ،‬وال يمكن أن يكون هنالك معنى أحادي للنص‪ّ ،‬‬
‫دريدا) يركز على املدلول على حساب الدال أي يهتم باملضمر على حساب الظاهر‪ ،‬ويرى بأن املعنى قابل للتجديد بصورة ال نهائية مع تجدد فعل‬
‫القراءة‪.‬‬
‫إن التفكيكية شجعت على ممارسة فعل القراءة املتجددة للنص‪ ،‬وعملت على تحرير النص من القصدية التي ارتكزت عليها البنيوية في النقد‬
‫الحداثي‪ ،‬فقد أعادت التفكيكية للقارئ دوره في قراءة النص‪ ،‬بعدما همشته املناهج السابقة‪ ،‬فلم يعد دور القارئ لدى التفكيكية يقتصر على‬
‫تفسير النص‪ ،‬بل صار دوره يرتكز على ممارسة فعل القراءة املتجددة للنص‪ ،‬من أجل إعادة كتابته بمعنى ال نهائي‪ ،‬حيث تكون كل قراءة جديدة‬
‫لديه إساءة لقراءة سابقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن الرؤية النقدية التي تبالغ في نسبة التفكيكية للنقد األملاني‪ ،‬هي رؤية قاصرة ألنها تغفل دور املثاقفة النقدية (تأثر وتأثير)‪ ،‬التي استطاع من‬
‫بعدها واحدة من أهم النظريات النقدية إثارة للجدل في ما بعد البنيوية‪ ،‬ملا حملته من مبادئ‬ ‫خاللها (جاك دريدا) أن ُي ْخر َج التفكيكية إلى العلن‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫النقدية األمريكية‪.‬‬ ‫نقدية تقويضية‪ ،‬وهي نفس الرؤية النقدية التي دفعت بالتفكيكية إلى االنتقال من الساحة النقدية األوربية إلى الساحة‬
‫إن التلقي املتأخر للنقد العربي للتفكيكية أفضل بكثير من عدم تأثره فيها‪ ،‬ألنه رغم التأخر في تلقيها نقديا‪ ،‬إال أن النقاد سرعان ما تجاوبوا‬
‫مع النقد التفكيكي ترجمة وتنظيرا‪ ،‬وفي الجانب التطبيقي الذي ينتهج فيه النقاد التفكيكية كمقاربة لقراءة النصوص األدبية العربية وتقويضها‬
‫نلمس وجود تقدم تصاعدي في إقبال النقاد على تطبيق التفكيكية‪ ،‬رغم أن بعض النقاد العرب ما يزالون منشغلين بالنقد الحداثي النسقي في‬
‫صورة النقد البنيوي‪ ،‬وهو ما عطل مسايرة النقد العربي للنقد الغربي في قضية انتهاج التفكيكية كمقاربة نقدية لقراءة األدب العربي بكل مراحله‬
‫وأنواعه وتقويض بناءه النص ي‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫آبادي‪ ،‬ف‪ .)2001( .‬القاموس املحيط‪ ،‬تحقيق شامي محمد‪ ،‬جابر زكرياء أحمد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الحديث‪.‬‬
‫ابن‪ ،‬م‪ .)0111( .‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،5‬تصحيح أمين عبد الوهاب‪ ،‬محمد الصادق العبيدي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫بن سويكي‪ ،‬ي‪ .)2001( .‬استراتيجية الخطاب النقدي عند عبدهللا الغذامي‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪.‬‬
‫بنعبد العالي‪ ،‬ع‪ .)0110( ،‬أسس الفكر الفلسفي املعاصر‪ ،‬ط‪ ،0‬املغرب‪ ،‬دار توبقال‪.‬‬
‫حجازي‪ ،‬س‪ .)2000( .‬قاموس مصطلحات النقد األدبي املعاصر‪ ،‬ط‪ ،0‬القاهرة‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪.‬‬
‫حمداوي‪ ،‬ج‪2000( .‬م)‪ .‬نظريات النقد األدبي والبالغة في مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬املغرب‪ ،‬شبكة ألوكة‪.‬‬
‫ن‬
‫حمودة‪ ،‬ع‪0111( .‬م)‪ .‬املرايا املحدبة من البنيوية إلى التفكيك‪ ،‬الكويت‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة والفنو واآلداب‪.‬‬
‫دريدا‪ ،‬ج‪2000( .‬م)‪ .‬الكتابة واالختالف‪ ،‬ط‪ ،2‬ترجمة‪ :‬كاظم جهاد‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬دار توبقال للنشر‪.‬‬
‫دريدا‪ ،‬ج‪ .)2001( .‬علم الكتابة‪ ،‬ط‪ ،2‬ترجمة‪ :‬مغيث أنور‪ ،‬طلبة منى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪.‬‬
‫دريدا‪ ،‬ج‪2005( .‬م)‪ .‬استراتيجية تفكيك امليتافيزيقا حول الجامعة والسلطة والعنف والعقل والجنون واالختالف والترجمة واللغة‪ ،‬ترجمة‪ :‬الخطابي عز‬
‫الدين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬إفريقيا الشرق‪.‬‬
‫ديفيد‪ ،‬ب‪ .)0112( .‬نظرية األدب املعاصر قراءة الشعر‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد املقصود عبد الكريم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫الرويلي‪ ،‬م‪ .‬البازغي‪ ،‬س‪2002( .‬م)‪ .‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬ط‪ ،5‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪.‬‬
‫عبابنة‪ ،‬س‪ .)2003( .‬التفكيكية وقراءة األدب العربي القديم عبد الفتاح كيليطو أنموذجا‪ ،‬املجلد ‪ ،22‬ملحق‪ ،0‬الجامعة األردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬مجلة دراسات‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪.‬‬
‫عطية‪ ،‬أ‪2000( .‬م)‪ .‬جاك دريدا والتفكيك‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الفرابي‪.‬‬
‫علوش‪ ،‬س‪ .)0113( .‬معجم املصطلحات األدبية املعاصرة عرض وتقديم وترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫فاروق سلطاني‬ ...‫استراتيجية التفكيك‬

.‫ الهيئة املصرية العامة للكتاب‬،‫ مصر‬،2‫ ط‬،‫ الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية‬.)‫م‬0111( .‫ ع‬،‫الغذامي‬
.‫ دار املريخ‬،‫ اململكة العربية السعودية‬،‫ الرياض‬،‫ صبري محمد حسن‬:‫ ترجمة‬،‫ التفكيكية النظرية واملمارسة‬.)‫م‬0111( ،‫ ن‬،‫كريستوفر‬
.‫ مكتبة الشروق الدولية‬،‫ القاهرة‬،‫ القاموس الوسيط‬.)2003( .‫ ل‬،‫مجمع‬
‫ أطروحة لنيل‬،‫ الجزائر‬،‫ جامعة وهران‬،‫ اللغة وفلسفة التواصل بين فينولوجية هوسيرل وتفكيكية دريدا مقاربة تحليلية وصفية‬.)2002( .‫ م‬،‫معرف‬
.‫شهادة الدكتوراه علوم في الفلسفة‬
.‫للنشر والتوزيع‬ ‫جسور‬ ‫ دار‬،‫ الجزائر‬،‫ املحمدية‬،5‫ ط‬،‫ وتطبيقاتها العربية‬،‫ تاريخها وروادها‬،‫ مناهج النقد األدبي مفاهيمها وأسسها‬.)‫م‬2000( .‫ ي‬،‫وغليس ي‬
.‫ دار الفكر‬،‫ سوريا‬،‫ دمشق‬،0‫ ط‬،‫ آفاق نقد عربي معاصر‬.)‫م‬2005( .‫ ف‬،‫ دراج‬.‫ س‬،‫يقطين‬

References
Ababneh, S. (2015). Deconstructing and reading ancient Arabic literature, Abdel-Fattah Kelaito as a model, Volume 42,
Appendix 1, University of Jordan, Jordan, Journal of Humanities and Social Sciences Studies.
Abadi, F. (2008). The surrounding dictionary, Shami Muhammad investigation, Jaber Zakaria Ahmed, Cairo, Dar Al-Hadith
Alloush, S. (1985). A Dictionary of Contemporary Literary Terms Presented, presented and translated, Beirut, Dar Al-Kitab Al-
Libnani.
Al-Ruwaili, M. Bazghi, S. (2002). Literary Critic Handbook, Casablanca, Morocco, Arab Cultural Center.
Al-Thaghami, P. (1998 AD). Sin and penance from structuralism to the anatomical, 4th edition, Egypt, Egyptian General Book
Authority.
Attia, A. (2010). Jacques Derrida and Disassembly, Beirut, Lebanon, Dar Al-Farabi.
Ben Soueki, y. (2008). The strategy of critical speech by Abdullah Al-Ghazami, University of Mentouri, Constantine, memo
to obtain a master's degree.
Bin Abd Al-Aali, A., (1991). The foundations of contemporary philosophical thought, Morocco, Dar Toubkal.
Christopher, N., (1989 AD). Theoretical deconstruction and practice, translation: Sabri Muhammad Hassan, Riyadh, Saudi
Arabia, Dar Al-Merreikh.
Complex, l. (2005). The Intermediate Dictionary, Cairo, Shorouk International Library.
David, b. (1996). Theory of Contemporary Literature Reading poetry, translation: Abdel-Maksoud Abdel-Karim, Cairo, the
Egyptian General Book Authority.
Derrida, C. (2000 AD). Writing and difference, 2nd edition, translation: Kazem Jihad, Casablanca, Morocco, Toubkal
Publishing House.
Derrida, C. (2008). The science of writing, 2nd edition, translation: Magith Anwar, Mona students, Cairo, the National Center
for Translation.
Derrida, C. (2013 AD). The strategy of dismantling metaphysics about university, power, violence, reason, madness, difference,
translation and language, translation: Khattabi Izz al-Din, Casablanca, Morocco, East Africa.
Glissey, J. (2010). Literary criticism approaches, concepts and foundations, history and pioneers, and its Arab applications, 3rd
floor, Muhammadiyah, Algeria, Dar Jusour for publication and distribution.
Hamdawi, C. (2011 AD). Theories of literary criticism and rhetoric in postmodernism, Morocco, Aluka Network.
Hammouda, P. (1998 AD). Convex mirrors from structuralism to deconstruction, Kuwait, High Council for Culture, Arts and
Letters.
Hegazy, S. (2001). Dictionary of Contemporary Literary Criticism, First Edition, Cairo, Arab Horizons House.__ Hamdawi, c.
(2011 AD). Theories of literary criticism and rhetoric in postmodernism, Morocco, Aluka Network.
Id, M. (2014). Language and the philosophy of communication between Husserl's physiology and Derrida's deconstructive
analytical and descriptive approach, University of Oran, Algeria, thesis for a doctorate in science philosophy.
Pumpkin, S. Phrage, F. (2003 AD). Prospects for Contemporary Arab Criticism, Damascus, Syria, Dar Al-Fikr.
Son, M. (1999). Tongue of the Arabs, 3rd edition, Correction of Amin Abd al-Wahhab, Muhammad al-Sadiq al-Ubaidi, Beirut,
Heritage Revival House.

408

You might also like