You are on page 1of 10

‫أدب الهامش‬

‫السداسي السادس‪ /‬أدب عربي‬

‫د‪.‬موالي البودخيلي سيدي عبد الرحيم‬

‫أدب الهامش‪ ...‬نغمة للغناء وأخرى للبكاء‬

‫‪http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=17311‬‬

‫ش‪88‬اع تعب‪88‬ير «أدب اله‪88‬امش ‪/‬المهمش‪88‬ين» ‪ Marginated Literature‬في الس‪88‬نوات األخ‪88‬يرة‬


‫ش‪88 8‬يوعًا واس‪88 8‬عًا‪ ،‬وتبع ‪ً8 8‬ا ل‪88 8‬ذلك انتش‪88 8‬رت فك‪88 8‬رة التهميش منطلق‪88 8‬ة من ديناميكي‪88 8‬ة التخلي والنب‪88 8‬ذ‪ ،‬وهي‬
‫بالضرورة تختلف عن فعل التجاهل واستراتيجية الع‪88‬زل‪ .‬وينبغي اإلق‪88‬رار بص‪88‬عوبة تحدي‪88‬د مفه‪88‬وم ج‪88‬امع‬
‫لـ"أدب الهامش" لتعدد جوانب هذا الهامش‪ (:‬الهامش االجتماعي والهامش السياس‪88‬ي واله‪88‬امش الثق‪88‬افي‬
‫والهامش الديني والهامش اإليديولوجي)‪ ،‬غير أنه يمكن إيراد عدة تعريفات منها‪ :‬هو األدب الذي نش‪88‬أ‬
‫في العتم‪88‬ة‪ ،‬بعي‪88‬دا عن األض‪88‬واء‪ .‬أو ه‪88‬و األدب ال‪88‬ذي ال ُيحتفى ب‪88‬ه‪ .‬أو ه‪88‬و األدب المختل‪88‬ف عن األدب‬
‫المألوف‪.‬‬

‫(( لكن الحقيقة أن بعض األذكياء ُض حك عليهم‪ ،‬وليس معنى ذلك أن كل من ُيض‪88‬حك علي‪88‬ه فه‪88‬و‬
‫ذكي‪ .‬لق‪88 8‬د ض‪88 8‬حكوا على كول‪88 8‬ومبس وض‪88 8‬حكوا على فولت‪88 8‬ون وض‪88 8‬حكوا على األخ‪88 8‬وين رايت‪ .‬ولكنهم‬
‫ضحكوا أيضا على بوزو المهرج!)) كارل ساغان‪.‬‬

‫(( الشائع ال يجذبنا حتى يعشش في داخلنا‪ )).‬رالف والدو اميرسون‬

‫مقدمــة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫إن سفينة النجاة تن‪88‬وء بك‪88‬ثرة األدب‪88‬اء بمختل‪88‬ف مش‪88‬اربهم‪ ..‬وليس من اإلنص‪88‬اف تس‪88‬ليط األض‪88‬واء‬
‫على أدباء دون آخرين‪ ،‬وكأن اإلبداع الحقيقي تحتكره طائفة فقط‪ ،‬وتلك نظرة قاصرة تماما تحتاج إلى‬
‫انفتاح على الطاقات المبدع‪8‬ة في مختل‪8‬ف أم‪8‬اكن وجوده‪8‬ا‪ ،‬ورص‪8‬د الظ‪8‬واهر الفني‪8‬ة واألفك‪8‬ار المختلف‪8‬ة‪..‬‬
‫وذلك يستدعي بالضرورة السهر على تهيئة األرضية المناسبة للتلقي المحترف واالنفت‪88‬اح على كتاب‪88‬ات‬
‫تعيش في اله‪88‬امش ونق‪88‬ل الق‪88‬ارئ إلى األم‪88‬اكن الرحب‪88‬ة لألدب وتحف‪88‬يز ذهني‪88‬ة الق‪88‬ارئ المح‪88‬ترف للتلقي‬
‫اإليجابي والتناسل م‪8‬ع عناص‪8‬ر الدهش‪8‬ة واالنبه‪8‬ار والص‪8‬دمة والتفاع‪8‬ل العض‪8‬وي م‪8‬ع تل‪8‬ك العناص‪8‬ر ال‪8‬تي‬
‫تلب‪88‬د س‪88‬ماء الس‪88‬احة األدبي‪88‬ة بغي‪88‬وم كثيف‪88‬ة لعله‪88‬ا على وش‪88‬ك الهط‪88‬ول بأمط‪88‬ار غزي‪88‬رة ت‪88‬أتي بثم‪88‬ر ناض‪88‬ج‬
‫وفاكهة طيبة تغري القارئ المحترف بقوة االنجذاب نحو تفاصيلها الش‪88‬هية! و من هن‪88‬ا ف‪88‬إن التس‪88‬اؤالت‬
‫الجديرة بالطرح‪ :‬هل ُيعُّد األدب والفن انعكاًس ا لواق‪8‬ع الحي‪88‬اة في المجتم‪88‬ع م‪88‬ع وج‪8‬ود رؤي‪88‬ة وداف‪8‬ع نح‪8‬و‬
‫التغي‪88‬ير لألفض‪88‬ل‪ ،‬أم أن كليهم‪88‬ا يخ‪88‬اطب الغرائ‪88‬ز لتوف‪88‬ير ق‪88‬در من اإلش‪88‬باع له‪88‬ا بطريق‪88‬ة أو ب‪88‬أخرى؟ وه‪88‬ل‬
‫األدب والفن تصوير لحياة النخبة والطبق‪8‬ات الحاكم‪8‬ة والمس‪8‬يطرة في المجتمع‪8‬ات ومحاول‪8‬ة حم‪8‬ل قيمه‪8‬ا‬
‫إلى الجم‪88‬اهير العريض‪88‬ة‪ ،‬أم أن كليهم‪88‬ا ناف‪88‬ذتان تس‪88‬تطيع من خاللهم‪88‬ا آالم المجتم‪88‬ع وأحالم‪88‬ه أن ُتط‪88‬ل‬
‫منهم‪88‬ا على الواق‪88‬ع‪ ،‬أم أن لك‪88‬ل طبق‪88‬ة فنونه‪88‬ا وآدابه‪88‬ا ولغته‪88‬ا ال‪88‬تي تختل‪88‬ف به‪88‬ا وتميزه‪88‬ا عن الطبق‪88‬ات‬
‫األخرى‪ ،‬فهناك أدب الطبقة الراقية‪ ،‬وهناك أدب الطبقة المهمشة أو ما ُيسمى بـ ‪":‬أدب القاع‪/‬الهامش؟"‬

‫مفهـوم أدب المركز‪:‬‬

‫ه ‪88‬و األدب ال ‪88‬ذي يحظى بـ " الرعاي ‪88‬ة الس ‪88‬امية " فتق ‪88‬ام ل ‪88‬ه المهرجان ‪88‬ات واألماس ‪88‬ي وي ‪88‬درج في‬
‫المناهج التربوية‪..‬و إجماال هو األدب الرسمي المتداول‪.‬‬

‫مفهـوم أدب الهامـش‪:‬‬

‫ش‪88‬اع تعب‪88‬ير «أدب اله‪88‬امش ‪/‬المهمش‪88‬ين» ‪ Marginated Literature‬في الس‪88‬نوات األخ‪88‬يرة‬


‫ش‪88 8‬يوعًا واس‪88 8‬عًا‪ ،‬وتبع ‪ً8 8‬ا ل‪88 8‬ذلك انتش‪88 8‬رت فك‪88 8‬رة التهميش منطلق‪88 8‬ة من ديناميكي‪88 8‬ة التخلي والنب‪88 8‬ذ‪ ،‬وهي‬
‫بالضرورة تختلف عن فعل التجاهل واستراتيجية الع‪88‬زل‪ .‬وينبغي اإلق‪88‬رار بص‪88‬عوبة تحدي‪88‬د مفه‪88‬وم ج‪88‬امع‬
‫لـ"أدب الهامش" لتعدد جوانب هذا الهامش‪ (:‬الهامش االجتماعي والهامش السياس‪88‬ي واله‪88‬امش الثق‪88‬افي‬
‫والهامش الديني والهامش اإليديولوجي)‪ ،‬غير أنه يمكن إيراد عدة تعريفات منها‪ :‬هو األدب الذي نش‪88‬أ‬
‫‪2‬‬
‫في العتم‪88‬ة‪ ،‬بعي‪88‬دا عن األض‪88‬واء‪ .‬أو ه‪88‬و األدب ال‪88‬ذي ال ُيحتفى ب‪88‬ه‪ .‬أو ه‪88‬و األدب المختل‪88‬ف عن األدب‬
‫المألوف‪.‬‬

‫وعرفه أحد الكّتاب المغاربة بقوله‪" :‬هو كل أدب ال يعترف بالقوالب الجاهزة التي يفرضها لوبي‬
‫الثقافة في بالدنا‪ ،‬سواء على مستوى معالجة المواضيع واإلشكاليات الراهنة التي تف‪88‬رض نفس‪88‬ها على‬
‫المبدع‪ ،‬أو على مستوى تقنيات الكتابة اإلبداعية ذاتها‪ ،‬فيخرج المبدع على األعراف والتقاليد الس‪88‬ائدة‬
‫في الكتابة‪".‬‬

‫و يقابل أدب الهامش عن‪8‬دنا (أدُب الض‪8‬واحي) ال‪8‬ذي يقص‪8‬د ب‪8‬ه أدُب الكّت اب ال‪8‬ذين يقطن‪8‬ون خ‪8‬ارج‬
‫العاصمة التي ُينظ‪88‬ر إليه‪88‬ا على أنه‪88‬ا هي المرك‪88‬ز‪.‬ومن هن‪88‬ا ف‪88‬إن أدب اله‪88‬امش يع‪88‬ني أيض‪88‬ا ك‪88‬ل أدب ُينتج‬
‫خارج المركز العاصمي!‬

‫من الصعلكة إلى التهميش‪:‬‬

‫فكرة التهميش ليست وليدة العصر الحالي‪ ،‬بل هي قديمة و متجذرة في مختلف الحضارات عبر‬
‫سياقها التاريخي‪ ،‬ذلك أن أفكار القمع والقهر واالس‪8‬تغالل ال‪8‬تي تح‪8‬دثت عنه‪8‬ا البش‪8‬رية تش‪8‬ير ض‪8‬منا إلى‬
‫فك‪8‬رة التهميش‪ .‬وفي مج‪8‬ال الدراس‪88‬ات األدبي‪88‬ة ف‪8‬إن ك‪8‬ل ح‪8‬ديث عن ش‪88‬عر الص‪88‬عاليك في العص‪88‬ر الج‪8‬اهلي‬
‫يكون مقترنا بهذه الفكرة‪ .‬وقد اختار مجموعة من الش‪8‬عراء الج‪8‬اهليين وعلى رأس‪8‬هم الش‪8‬نفرى‪ ،‬وتأب‪8‬ط‬
‫ش ‪88‬را والُّس ليك بن الس ‪88‬لكة‪ ،‬الص ‪88‬علكة والعيش في اله ‪88‬امش (من منظ ‪88‬ور إيج ‪88‬ابي) عن طواعي ‪88‬ة‪ ،‬فه ‪88‬ذا‬
‫الشنفرى يكشف عن هذه الرغبة حين قال‪:‬‬

‫َأقيمـوا َبنـي ُأّم ـي ُص ـدوَر َم ِط َّيُك ـم َفِإ نّـي ِإلـى َقـوٍم ِس واُك م َألَم يُل‬

‫َفَقد ُح َّم ـت الحاجـاُت و الَليـُل ُم قمِـٌر َو ُش ـَّدت ِلِط ّياٍت َم طايا َو َأُر حـُل‬

‫َو في اَألرِض َم نـأى ِللَك ريـِم َع ِن اَألذى َو فيها ِلَم ن خاَف الِق لـى ُم َتَعـَّز ُل‬

‫َلَعمُر َك ما في اَألرِض ضيٌق َع لى ِامرٍئ َس رى راِغ بًا َأو راِه بًا وَ هَو َيعِق ُل‬

‫َو لـي دوَنُك ـم َأهَلـوَن سيـٌد َع َم َّلـٌس َو َأرَقطُـ ُز هلوٌل َو َع رفاُء َج يـَأُل‬
‫‪3‬‬
‫وهن‪88‬اك من ي‪88‬رى أن فك‪88‬رة التهميش ك‪88‬انت في ض‪88‬وء الحرك‪88‬ة الثقافي‪88‬ة كله‪88‬ا‪ ،‬وه‪88‬ذا م‪88‬ا يتض‪88‬ح في‬
‫حديث جابـر عص‪8‬فور‪ ،‬إذ يتح‪8‬دث عن "إرادة اإلب‪8‬داع" ـ عن‪8‬د إدوار الخ‪8‬راط ـ وي‪8‬رى أنه‪8‬ا‪" :‬تتح‪8‬دى س‪8‬لطة‬
‫الكتابة المهيمنة‪ ،‬باحثًة عن نغمته‪8‬ا الخاص‪8‬ة وس‪8‬ط رك‪8‬اِم الم‪8‬ألوف والمعت‪8‬اد‪ ،‬بعي‪8‬دًا عن غواي‪8‬ة المرك‪8‬ز‪،‬‬
‫حيث أن اله‪88‬وامش ال‪88‬تي ال تع‪88‬رف س‪88‬وى اإلبح‪88‬ار ص‪88‬وب المجه‪88‬ول ال‪88‬ذي يظ‪88‬ل في حاج‪ٍ88‬ة إلى كش‪88‬ف"‬
‫فالسلطة هنا ليس‪88‬ت س‪88‬لطة الدول‪8‬ة‪ ،‬ولكنه‪88‬ا س‪88‬لطة الكتاب‪88‬ة الكالس‪88‬يكية الرومانس‪88‬ية التقليدي‪88‬ة‪ ،‬فك‪8‬ل كتاب‪88‬ة‬
‫إبداعية تخرج عن النسق المألوف تعتبر (كتابة هامشية)‪.‬‬

‫يعد كتاب" سوسيولوجيا الغزل العربي‪ ،‬الشعر العذري أنموذج‪ً8‬ا" للب‪8‬احث التونس‪8‬ي الط‪8‬اهر ل‪8‬بيب‪،‬‬
‫نموذجا هام‪8‬ا الس‪8‬تخدام فك‪8‬رة التهميش اس‪8‬تخدامًا واعي‪ً8‬ا في تحلي‪8‬ل الظ‪8‬واهر األدبي‪8‬ة‪ .‬الكت‪8‬اب يق‪8‬وم على‬
‫مالحظ‪88‬ة الوض‪88‬ع الهامش‪88‬ي له‪88‬ذه الفئ‪88‬ة (فئ‪88‬ة الع‪88‬ذريين)‪ .‬ق‪88‬راءة الط‪88‬اهر ل‪88‬بيب للغ‪88‬زَل الع‪88‬ذري ك‪88‬انت من‬
‫منظ‪88‬ور أن ه‪88‬ذه الجماع‪ٍ8‬ة المهمش‪ٍ8‬ة ع‪88‬برت عن رؤيته‪88‬ا للع‪88‬الم من وض‪88‬ع التهميش ال‪88‬ذي وج‪88‬دت نفس‪88‬ها‬

‫فيه‪ .‬وفريق آخ‪8‬ر ي‪8‬رى أن فك‪8‬رة التهميش ك‪8‬انت في ض‪8‬وء الحرك‪8‬ة الثقافي‪8‬ة كله‪8‬ا تض‪8‬ع اله‪8‬امش وض‪8‬عًا‬
‫يتعل ‪88‬ق بمجم ‪88‬ل الثقاف ‪88‬ة‪ ،‬يفس ‪88‬ر التط ‪88‬ور بالص ‪88‬راع التقلي ‪88‬دي الجم ‪88‬الي الض ‪88‬مني بين األش ‪88‬كال المهّم ش ‪88‬ة‬
‫واألش‪88‬كال التقليدي‪88‬ة الحاكم‪88‬ة أو المهيمن‪88‬ة ‪ .‬وعلى محم‪88‬ل آخ‪88‬ر ق‪88‬د يك‪88‬ون أدب المهمش‪88‬ين ه‪88‬و الش‪88‬كل‬
‫األدبي‪ ،‬بمع‪88‬نى "األدب الح‪88‬داثي" أو "م‪88‬ا بع‪88‬د الح‪88‬داثي الجدي‪88‬د"‪ ،‬أو بمع‪88‬نى "األدب المتم‪88‬رد" على مح‪88‬ددات‬
‫الن‪88‬وع األدبي‪ ،‬أو بمع‪88‬نى الخص‪88‬ائص الجمالي‪88‬ة المس‪88‬تحدثة غ‪88‬ير المألوف‪88‬ة‪ .‬وعن‪88‬دما ننظ‪88‬ر إلي‪88‬ه بوص‪88‬فه‬
‫الش‪88‬كل أو الن‪88‬وع ونض‪88‬عه في س‪88‬ياق ص‪88‬راعات التط‪88‬ور‪ ،‬نك‪88‬ون ق‪88‬د خرجن‪88‬ا بالموض‪88‬وع إلى أف‪88‬ق الثقاف‪88‬ة‬
‫الواس ‪88‬ع‪ .‬وب ‪88‬ديهي يمكن أن نعي‪َ88‬د التعب ‪88‬ير عن أي مص ‪88‬طلح من المص ‪88‬طلحات الثالث ‪88‬ة األخ‪88‬يرة بعب ‪88‬ارات‬
‫المص‪88‬طلحين اآلخ‪88‬رين؛ فمن الس‪88‬هل مثًال أن نق‪88‬وَل إن الش‪88‬كل الح‪88‬داثي أو م‪88‬ا بع‪88‬د الح‪88‬داثي يحق‪88‬ق لألدب‬
‫خروجًا عن محددات الن‪8‬وع‪ ،‬وه‪8‬و يج‪8‬اوز التقالي‪8‬د الجمالي‪8‬ة الس‪8‬ائدة‪ .‬ويمكن النظ‪8‬ر إلى الش‪8‬عر الص‪8‬وفي‬
‫على أنِه إنتاج جماعٍة مارست التهميش على اعتبار أن الهامشيَة تعني الخروَج عن السياقات الس‪88‬ائدة‬
‫جميعًا‪ ،‬وتحرير الوعي منها‪ .‬ولعل أوضح صورة ألدب الهامش الذي أنتجته جماعٌة مهمشٌة هو األدب‬
‫الش‪88‬عبي ال‪88‬ذي ي‪88‬راه النق‪88‬اد نت‪88‬اج جماع ‪ٍ8‬ة ش‪88‬عبيٍة مهمش ‪ٍ8‬ة تش‪88‬كل جمالي ‪ً8‬ا رؤيته‪88‬ا للع‪88‬الم‪ ،‬وتص‪88‬نع أبطاله‪88‬ا‬
‫األسطوريين من بعض أفرادها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أدباء الهامش‪..‬انتفاضة ومحاولة التسلق إلى المركز‪:‬‬

‫أقيم في السنة الماضية ملتقى أدبٌّي بإحدى مدن الداخل الجزائ‪88‬ري س‪88‬مي"ع‪88‬رس اله‪88‬امش"‪ ،‬قص‪88‬د‬
‫إسماع صوت "الجزائ‪8‬ر العميق‪8‬ة"‪ ،‬كم‪8‬ا تس‪8‬مى ك‪8‬ل الم‪8‬دن الجزائري‪8‬ة‪ ،‬م‪8‬ا ع‪8‬دا العاص‪8‬مة ال‪8‬تي تح‪8‬ولت إلى‬
‫مرك‪88‬ز كب‪88‬ير في‪88‬ه ك‪88‬ل وس‪88‬ائل اإلعالم والدعاي‪88‬ة الثقافي‪88‬ة‪ ،‬بمقاب‪88‬ل اله‪88‬امش ال‪88‬ذي ال يمتل‪88‬ك ش‪88‬يئا من تل‪88‬ك‬
‫األضواء وبقي كّتاب‪8‬ه في ظ‪8‬ل النس‪8‬يان يك‪8‬اد ص‪8‬وتهم ال ُيس‪8‬مع ح‪8‬تى "ول‪8‬و كتب‪8‬وا الروائ‪8‬ع األدبي‪8‬ة"‪ ،‬مثلم‪8‬ا‬
‫يؤك‪88‬د بعض المالحظين‪ .‬وق‪88‬د ظه‪88‬ر مص‪88‬طلح "أدب اله‪88‬امش" في الجزائ‪88‬ر من‪88‬ذ س‪88‬نين وك‪88‬ان يع‪88‬ني "أدب‬
‫المهمشين" المتمردين على المنظوم‪88‬ة الرس‪88‬مية مثلم‪88‬ا ه‪88‬و مع‪8‬روف في آداب وفن‪88‬ون الش‪88‬عوب األخ‪8‬رى‪.‬‬
‫وك‪88‬انت أول محاول‪88‬ة لالحتف‪88‬اء ب‪88‬ذلك ال‪88‬زخم سلس‪88‬لة "نص‪88‬وص اله‪88‬امش" الش‪88‬عرية ال‪88‬تي أص‪88‬درتها "رابط‪88‬ة‬
‫كّت اب االختالف" نهاي‪88‬ة تس‪88‬عينيات الق‪88‬رن الماض‪88‬ي وص‪88‬در عنه‪88‬ا كث‪88‬ير من النص‪88‬وص الش‪88‬عرية لش‪88‬عراء‬
‫كانوا مهمشين في المنظومة الشعرية الرسمية قب‪88‬ل ذل‪88‬ك‪ .‬لكن مفه‪88‬وم اله‪88‬امش تغّي ر في نظ‪88‬ر كث‪88‬ير من‬
‫الكّت اب عن‪88‬دما ح‪88‬دثت تح‪88‬والت في المش‪88‬هد األدبي‪ ،‬وافت‪88‬ك هامش‪88‬يو الجزائ‪88‬ر العاص‪88‬مة مكان‪88‬ة لهم تحت‬
‫األضواء وتم االعتراف بهم‪ .‬وعندما وجدت فئ‪88‬ة من كّت اب الض‪88‬واحي الجزائري‪88‬ة نفس‪88‬ها بعي‪88‬دة عن تل‪8‬ك‬
‫األض‪88‬واء أص‪88‬بحت تنس‪88‬ب نفس‪88‬ها إلى اله‪88‬امش‪ ،‬ومن بين كّت اب اله‪88‬امش المع‪88‬روفين‪ ،‬الش‪88‬اعر أب‪88‬و بك‪88‬ر‬
‫زمال الذي ضاق ذرعا من حي‪8‬ف اله‪8‬امش وض‪8‬نكه فع‪8‬رض إح‪8‬دى كليتي‪8‬ه لل‪8‬بيع قب‪8‬ل نح‪8‬و س‪8‬ت س‪8‬نوات‪،‬‬
‫وبغض النظ‪88‬ر عن هدف‪88‬ه من ه‪88‬ذا الس‪88‬لوك فإن‪88‬ه أح‪88‬دث فرقع‪88‬ة إعالمي‪88‬ة ح‪88‬اول بوس‪88‬اطتها كس‪88‬ر ط‪88‬وق‬
‫الهامش الذي حاصره ليخطو خطوة أخرى في محاولة للتسلق إلى المركز حيث أصدر كتاب‪88‬ا بعن‪88‬وان‪" :‬‬
‫الص‪88‬وت المف‪8‬رد‪ ،‬ش‪88‬عريات جزائري‪88‬ة" وه‪88‬و عن‪88‬وان يت‪88‬دثر بحي‪88‬اة اله‪88‬امش ‪،‬الكت‪88‬اب " انطولوجي‪88‬ا ش‪88‬عرية "‬
‫تضم ثمانية عشر شاعرا كلهم محس‪8‬وبين على اله‪8‬امش‪ ،‬أمث‪8‬ال عب‪8‬د اهلل الهام‪8‬ل وميل‪8‬ود خ‪8‬يزار ونجيب‬
‫أنزار وعمار مري‪88‬اش وأحم‪88‬د عب‪88‬د الك‪8‬ريم وعلي مغ‪8‬ازي وأحم‪88‬د دلب‪88‬اني وغ‪8‬يرهم‪...‬وق‪8‬د أش‪88‬ار في كتاب‪88‬ه‬
‫إلى حي‪88‬اة اله‪88‬امش وثورت‪88‬ه و طموحات‪88‬ه حين ذك‪88‬ر أن الص‪88‬وت المف‪88‬رد ي‪88‬أتي " من حيث تنهض الحي‪88‬اة‬
‫بعيدا عن التراجيديات واألهوال والخيبات‪ ،‬يأتي من نداء األص‪8‬ابع والجم‪8‬ر‪ ،‬من جه‪8‬ات الص‪8‬دفة واللعب‬
‫المتظل‪88‬ل بالطفول‪88‬ة‪ ،‬ال ي‪88‬ذهب إال ليع‪88‬ود س‪88‬اطعا‪ ،‬ومتنبئ‪88‬ا ب‪88‬الحيرة‪ ،‬وممعن‪88‬ا في الع‪88‬راء‪ ..‬ال وح‪88‬ده‪ ..‬إن‪88‬ه‬
‫يتبطن الكل وييمم وجهه شطر النار كي ال يحترق بل ليضيء العتم‪88‬ات‪ ،‬ويخص‪88‬ب نرجس‪88‬يته‪ ،‬ويخرجه‪88‬ا‬
‫نهائيا من حيز اليتم إلى متون الوجود واالنتماء‪ ".‬كاتب آخر من كّت اب اله‪8‬امش‪ ،‬الش‪8‬اعر رض‪8‬ا دي‪8‬داني‬
‫‪5‬‬
‫الذي م‪88‬ا زال يمتهن التعليم في إح‪8‬دى الم‪88‬دن الص‪88‬غيرة القريب‪88‬ة من مدين‪88‬ة عناب‪88‬ة‪ ،‬ورغم أن تجربت‪88‬ه في‬
‫الكتابة بدأت في ثمانينيات الق‪88‬رن الماض‪88‬ي إال أن‪88‬ه لم يتمكن من إص‪88‬دار مجموع‪88‬ة ش‪88‬عرية إال م‪88‬ع مطل‪88‬ع‬
‫األلفية الجديدة‪ ،‬واختار لها عنوانا معبرا هو "هيبة الهامش"‪.‬‬

‫يعتبر رضا ديداني كتابة الضواحي بأنها "مهمشة جغرافيا"‪ ،‬ويؤكد ص‪88‬راحة أن "كّت اب الض‪88‬واحي‬
‫أصدق من كّتاب المركز لع‪8‬دة اعتب‪8‬ارات‪ ،‬منه‪8‬ا أنهم يعايش‪8‬ون الواق‪8‬ع الحقيقي‪ ،‬ويحتك‪8‬ون بش‪8‬كل مباش‪8‬ر‬
‫م ‪88‬ع األش ‪88‬ياء الطبيعي ‪88‬ة‪ ،‬وأن الواق ‪88‬ع الي ‪88‬ومي في الض ‪88‬واحي أك ‪88‬ثر واقعي ‪88‬ة وال زي ‪88‬ف في ‪88‬ه بعكس كتاب ‪88‬ة‬
‫المركز"‪ .‬وفي الوقت الذي يؤكد فيه ديداني أنه اس‪8‬تغنى عن العاص‪8‬مة‪ ،‬واس‪8‬تطاع بس‪8‬بب وج‪8‬وده ط‪8‬ويال‬
‫في الهامش الشعري وفي مدن الضواحي أن يرى "أصواتا أدبية مهم‪88‬ة ج‪88‬دا لم تس‪88‬تطع إس‪88‬ماع ص‪88‬وتها‬
‫للمركز وللعالم ألن األبواب مسدودة في وجهها ولم تجد أي منفذ للظهور‪".‬‬

‫ولئن رضي الشاعر رضا ديداني بالبقاء بعيدا عن أض‪8‬واء العاص‪8‬مة‪ ،‬ف‪8‬إن ش‪8‬اعرا آخ‪8‬را نش‪8‬أ في‬
‫الهامش الشعري هو الطيب لسلوس‪ ،‬المحسوب على ما يسمى بـ "جيل التسعينيات األدبي" وقد صدرت‬
‫ل‪8‬ه مجموعت‪88‬ه الش‪88‬عرية الوحي‪88‬دة "هيروغليفي‪88‬ا" من‪88‬ذ ح‪8‬والي أرب‪88‬ع س‪88‬نوات‪ ،‬ك‪8‬ان من ض‪88‬حايا لعب‪88‬ة ه‪88‬امش‬
‫الضواحي والمركز‪ .‬فرغم تمّي ز صوته الشعري الحداثي وعمقه الفلسفي إال أنه بقي في الظل ال يعرف‪88‬ه‬
‫إال القلي ‪88‬ل من المهتمين بالش ‪88‬أن الش ‪88‬عري الجزائ ‪88‬ري‪ ،‬مم ‪88‬ا اض ‪88‬طره للهج‪88‬رة إلى العاص ‪88‬مة في ظ‪88‬روف‬
‫ص ‪88‬عبة ج ‪88‬دا‪ ،‬وتمكن من طباع ‪88‬ة ديوان ‪88‬ه األول "هيروغليفي ‪88‬ا" س ‪88‬نة ‪ ،2003‬ويتب ‪88‬وأ مكان ‪88‬ة في المش ‪88‬هد‬
‫الشعري الجزائري المعاصر‪ .‬وقد نشر كثيرا من النصوص والمقاالت في منابر عربية معروفة انطالق‪88‬ا‬
‫من المرك‪88‬ز العاص‪88‬مي ال‪88‬ذي ج‪88‬اءه مكره‪88‬ا‪ ،‬ف‪88‬برأي الش‪88‬اعر الطيب لس‪88‬لوس أن هن‪88‬اك إجحاف‪88‬ا كب‪88‬يرا فيم‪88‬ا‬
‫يخص كّت اب الض‪88‬واحي‪ ،‬فالمعلوم‪88‬ة المتعلق‪88‬ة بنش‪88‬اط الس‪88‬احة الثقافي‪88‬ة تص‪88‬ل مت‪88‬أخرة‪ ،‬على عكس كّت اب‬
‫المرك‪88‬ز العاص‪88‬مي ال‪88‬ذين كث‪88‬يرا م‪88‬ا تت‪88‬اح لهم ف‪88‬رص غ‪88‬ير مت‪88‬وفرة لغ‪88‬يرهم ويمتلك‪88‬ون س‪88‬الح المعلوم‪88‬ة‪،‬‬
‫فتحدث بالتالي انتقائية في اختيار األسماء‪ ،‬وفي النهاية هم ضحايا العمل العص‪88‬بوي؛ فك‪88‬اتب الض‪88‬واحي‬
‫قد يورطه كاتب آخر من المركز العاصمي بسبب نقص المعلومة بالنسبة لألول‪ ،‬ثم هناك نقص المنابر‬
‫األدبي‪88‬ة في الض‪88‬واحي ال‪88‬تي تجع‪88‬ل ظه‪88‬ور كّت اب هن‪88‬اك ش‪88‬يئا ص‪88‬عبا‪ ،‬وك‪88‬اتب الض‪88‬واحي ال‪88‬ذي تغيب عن‪88‬ه‬
‫المعلومة‪ ،‬تغيب عنه بالتالي أدوات النش‪8‬ر وراهني‪8‬ة النش‪8‬ر‪ ،‬فق‪8‬د يبقى كتاب‪8‬ه في انتظ‪8‬ار النش‪8‬ر أك‪8‬ثر من‬

‫‪6‬‬
‫خمس سنوات مثال ومع ذلك يعتقد بأن كتابه جديد‪ .‬وكث‪88‬ير من كّت اب الض‪88‬واحي تج‪8‬اوزوا س‪88‬ن األربعين‬
‫ومع ذلك يحشرون في خانة الكّتاب الجدد الناشئين‪ .‬ويعتقد لسلوس أنه على كاتب الضواحي أن يعم‪88‬ل‬
‫على الحصول على المعلوم‪8‬ة الص‪8‬حيحة في حينه‪8‬ا ح‪8‬تى يك‪8‬ون مواكب‪8‬ا لألح‪8‬داث‪ ،‬وذل‪8‬ك ق‪8‬د يتم ب‪8‬الوجود‬
‫الدائم في المركز العاصمي (مثلما فعل هو) وقد يكون حضورا عن ُبعد بطرق أخرى‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 2008‬أقيمت عكاظي‪8‬ة الش‪8‬عر الع‪8‬ربي في الجزائ‪8‬ر في إط‪8‬ار ب‪8‬رامج "الجزائ‪8‬ر عاص‪8‬مة‬
‫الثقافة العربي‪88‬ة"‪ .‬ورغم حض‪88‬ور بعض ش‪88‬عراء الض‪88‬واحي إلى ج‪88‬انب ش‪88‬عراء ج‪88‬اءوا من البل‪88‬دان العربي‪88‬ة‬
‫وآخرين من المركز العاصمي إال أن بعض كّتاب الضواحي وجدوا أنفسهم مرة أخرى في الهامش!‬

‫أم‪88‬ا الك‪88‬اتب ش‪88‬رف ال‪88‬دين ش‪88‬كري‪ ،‬وه‪88‬و من مدين‪88‬ة بس‪88‬كرة ‪ ،‬فق‪88‬د أص‪88‬در بيان‪88‬ا لّخ ص في‪88‬ه لعب‪88‬ة‬
‫اله‪88‬امش والمرك‪88‬ز تحت اس‪88‬م "بي‪88‬ان غنائي‪88‬ة اله‪88‬امش" ق‪88‬ال في‪88‬ه‪" :‬س‪88‬وف يواص‪88‬ل الش‪88‬عر م‪88‬رة ُأخ‪88‬رى ق‪88‬ول‬
‫الكالم‪ .‬وللمرك‪88‬ز الجمي‪88‬ل أن يتب‪88‬ارى في نس‪88‬ياننا‪ ،‬نحن ـ المهَّم ش‪88‬مين ـ ولله‪88‬امش التلي‪88‬د أن يتب‪88‬ارى في‬
‫تق‪88‬ديم ض‪88‬حاياه‪ ،‬الض‪88‬حية تل‪88‬و الض‪88‬حية‪ ،‬وأن ي‪88‬برع أك‪88‬ثر في اختالق الك‪88‬ورس الن‪َّ88‬داب وأن يمتن‪88‬ع عن‬
‫التفكير ال‪8‬ذكي من أج‪8‬ل ال‪8‬دفاع أو من أج‪8‬ل إص‪8‬الح األوض‪8‬اع‪ ،‬فاالرتق‪8‬اء واح‪8‬د‪ :‬مرك‪ٌ8‬ز مهَّم ش‪ ،‬وه‪8‬امش‬
‫مركزي‪ ،‬طالم‪88‬ا أَّن العمل‪88‬ة المتداول‪88‬ة بين الط‪88‬رفين س‪88‬تظُّل موَّح دة ح‪َّ88‬د الَّش به‪ :‬الكالم‪ ".‬وفي ه‪88‬ذا الس‪88‬ياق‬
‫أصدر الكاتب شرف ال‪8‬دين ش‪88‬كري كتاب‪88‬ا بعن‪88‬وان "اله‪88‬وامش الكوني‪88‬ة‪ ،‬ت‪88‬أمالت في حي‪88‬اة معدم‪88‬ة "‪ ،‬تح‪8‬دث‬
‫في‪88‬ه عن فلس‪88‬فة اله‪88‬امش المنتفض‪ ،‬الطم‪88‬وح لإلطاح‪88‬ة ب‪88‬المركز‪ ..‬وهك‪88‬ذا يبقى الص‪88‬راع والس‪88‬جال بين‬
‫المرك‪88‬ز واله‪88‬امش في ق‪88‬الب ج‪88‬دلي وك‪88‬ل ط‪88‬رف ي‪88‬تربص ب‪88‬اآلخر‪ ،‬يق‪88‬ول ش‪88‬رف ال‪88‬دين ش‪88‬كري‪ " :‬س‪88‬وف‬
‫يواصل الش‪88‬عر توس‪88‬يع اله‪88‬وة بين اله‪88‬امش ال‪8‬ذي لن يص‪88‬ير مرك‪8‬زا‪ ،‬واله‪88‬امش ال‪8‬ذي يبتغي االعتالء إلى‬
‫المركز والمركز الذي نسي الهامش والهامش الذي نسي المركز‪"...‬‬

‫بعض الش‪88‬عراء قنع‪88‬وا بحي‪88‬اة اله‪88‬امش‪ ،‬منهم من قض‪88‬ى نحب‪88‬ه ومنهم من ينتظ‪88‬ر‪" ،‬حمي‪88‬د كّش اد "‬
‫سلطان المهّم شين رحل قبل نحو شهرين‪ ،‬كان يعشق الهامش إلى حد التض‪88‬حية في س‪88‬بيله بك‪88‬ل ش‪88‬يء‪،‬‬
‫حتى بـ"الخبزة" مثلما حدث له أكثر من مرة وغادر المؤسسة التي كان يعم‪88‬ل فيه‪88‬ا مكره‪88‬ا‪ .‬أم‪88‬ا الش‪88‬اعر‬
‫عثمان لوصيف الذي أصدر ست عشرة مجموعة شعرية ومجموعة نثرية‪ ،‬فيبدو أن‪88‬ه ق‪88‬د اس‪88‬تمرأ حي‪88‬اة‬
‫الهامش واستسلم لها بعد أن فهم " اللعبة " وراح يرقب الوضع بعيني " المتغابي" ‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫حاضر‬

‫لكنه يتبّد ى‬

‫موغال‪..‬في عتمات الغياب‬

‫عارف‬

‫لكنه يتغابى‪..‬‬

‫من رأى‪..‬أسطورة في ثياب ؟‬

‫ويضيف‪:‬‬

‫قال‪:‬‬

‫سري‪ ..‬في النبوغ‬

‫سطوعي‬

‫في األغاني‪..‬حكمتي في التغابي‬

‫الشاعر علي مغازي سعى للخروج من الهامش فأصدر مجموعته الش‪8‬عرية األولى لكن‪8‬ه بقي في‬
‫الظل (والظل ال يختل‪88‬ف عن اله‪88‬امش ) بع‪88‬د أن عنونه‪88‬ا بـ ‪ " :‬في جه‪88‬ة الظ‪88‬ل " ويت‪88‬وق إلى الخ‪88‬روج من‬
‫جهة الظل‪ ،‬وأذكر أنه لما أهدى لي مجموعته الشعرية كتب لي فيها ‪ .. ":‬على أمل أن نلتقي ذات ي‪88‬وم‬
‫خارج جهة الظل" ويبدو أنه يسعى الستكمال ذاته حين يقول‪:‬‬

‫ذلك‬

‫هو أنا‬

‫ليس أكثر‪...‬‬

‫ليس أقل‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫وليس تماما‪...‬‬

‫أدب اله‪88‬امش في المغ‪88‬رب ق‪88‬دم ص‪88‬ورة مختلف‪88‬ة لمجتم‪88‬ع متع‪88‬دد الزواي‪88‬ا يرك‪88‬ز على التفاص‪88‬يل وال‬
‫يقف منها موق‪8‬ف المتف‪8‬رج‪ ،‬تفاص‪8‬يل س‪8‬اخرة مبكي‪8‬ة ين‪8‬دى له‪8‬ا الج‪8‬بين‪ ،‬لكنه‪8‬ا ص‪8‬ادقة‪ ،‬موج‪8‬ودة بالفع‪8‬ل‪،‬‬
‫ليس من مسؤوليته معالجتها أو البحث عن حلول آنية له‪8‬ا‪ ،‬إن‪8‬ه يبرزه‪8‬ا فق‪8‬ط‪ .‬في ه‪8‬ذا المس‪8‬توى يمكن‬
‫اعتب ‪88‬ار أدب اله ‪88‬امش في المغ ‪88‬رب ص ‪88‬ورة ص ‪88‬ادقة ورائع ‪88‬ة ألدب تمت معاملت ‪88‬ه م ‪88‬دة طويل ‪88‬ة بكث ‪88‬ير من‬
‫االزدراء والتهكم‪.‬‬

‫من الصعب حصر المبدعين المغاربة الذين يمكن إدراجهم في الهامش‪،‬لكن س‪88‬أكتفي بثالث‪88‬ة وهم‬
‫على التوالي‪ :‬محمد شكري‪ ،‬محمد زفزاف‪ ،‬محمد منيب‪.‬‬

‫يكفي أن نقرأ “الخبز الحافي”لمحم‪88‬د ش‪88‬كري لنع‪88‬رف واقع‪88‬ا جدي‪88‬دا مغ‪88‬ايرا‪ ،‬تاريخ‪88‬ا آخ‪88‬ر مس‪88‬كوت‬
‫عنه‪ .‬تاريخ يستنكف المؤرخون عن تدوينه‪ ،‬ربم‪88‬ا العتق‪88‬ادهم أن المهمش‪88‬ين ال يص‪88‬نعون الت‪88‬اريخ‪ ،‬فه‪88‬ل‬
‫من الع‪8‬ار أن يص‪8‬نع الض‪8‬عفاء الت‪8‬اريخ؟ وتحض‪8‬رني مقول‪8‬ة " نيتش‪8‬ه " ال‪8‬تي مفاده‪8‬ا أن الق‪8‬وة هي مهزل‪8‬ة‬
‫التاريخ‪ ،‬الحرب تصنعها الق‪8‬وة والس‪88‬الم يص‪88‬نعه الض‪88‬عف! ليس مهّم ا من يص‪88‬نع الت‪88‬اريخ‪ ،‬ولكن ش‪88‬كري‬
‫صنع تاريخا جديدا للمغ‪8‬رب‪ ،‬ال تهم الفائ‪8‬دة ال‪8‬تي جناه‪8‬ا أو حققه‪8‬ا‪ ،‬ك‪8‬ل م‪8‬ا يهم أن ش‪8‬كري ك‪8‬ان مختلف‪8‬ا‪،‬‬
‫كتب م‪88‬ا عج‪88‬ز الجمي‪88‬ع عن كتابت‪88‬ه‪ ،‬وه‪88‬ذا يكفي‪88‬ه‪ .‬بعض‪88‬هم ش‪88‬كك في إمكاني‪88‬ة أن يكتب ش‪88‬كري قص‪88‬ة أو‬
‫رواية‪ ،‬وقبل هذا تم التشكيك في الشعر الجاهلي الذي ال يزال كالطود الشامخ‪.‬‬

‫شكري كان ذكيا جدا‪ ،‬اس‪88‬تطاع أن يوظ‪8‬ف طاقات‪88‬ه الخاص‪88‬ة‪ ،‬ال ي‪88‬دخل مج‪8‬اال يعتق‪8‬د أن‪88‬ه يجهل‪8‬ه‪ ،‬ال‬
‫يصف أماكن ال يعرفها‪ ،‬ال يتحدث بلغة يجهل قواع‪8‬دها‪ ،‬لش‪8‬كري رحم‪8‬ه اهلل قاع‪8‬دة ذهبي‪8‬ة هي‪ " :‬اس‪8‬تغل‬
‫طاقتك و إمكاناتك‪ ".‬حتى إنتاج الجمل السردية في كتابات شكري تكاد تتب‪88‬ع نهج‪88‬ا واح‪88‬دا‪ ،‬نس‪88‬قا واح‪88‬دا‪،‬‬
‫لونا واحدا‪ ،‬وهنا قمة التميز عند شكري‪.‬‬

‫رواي‪88‬ة "الخ‪88‬بز الح‪88‬افي" ليس‪88‬ت س‪88‬يرة ذاتي‪88‬ة فحس‪88‬ب‪ ،‬ب‪88‬ل هي س‪88‬يرة مجتم‪88‬ع بأكمل‪88‬ه‪ ،‬ص‪88‬ورة األب‬
‫تبعث على التقزز ولكنها أصيلة في زمن الجوع والقهر‪ ،‬اآلن لم يعد الخبز ه‪88‬و المح‪88‬رك الوحي‪88‬د‪ ،‬ولكن‬
‫الخبز الحافي يبقى منقوشا في الذاكرة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫محم‪88‬د زف‪88‬زاف ك‪88‬اتب م‪88‬دهش بروايات‪88‬ه‪" :‬بيض‪88‬ة ال‪88‬ديك”‪ " ،‬قب‪88‬ور في الم‪88‬اء"‪ " ،‬األفعى والبح‪88‬ر"‪،‬‬
‫"الثعلب الذي يظهر ويختفي" روائع ال يمكن نسيانها‪ .‬وم‪8‬ا يم‪8‬يز ه‪8‬ذين ال‪8‬رجلين ه‪8‬و الص‪8‬دق م‪8‬ع النفس‬
‫ومع القارىء‪.‬‬

‫أم‪88‬ا محم‪88‬د م‪88‬نيب فع‪88‬رف بالش‪88‬عر؛ العالق‪88‬ات اإلنس‪88‬انية المهمش‪88‬ة و المس‪88‬كوت عنه‪88‬ا‪ ،‬خاص‪88‬ة في‬
‫عالقة الرجل بالمرأة نجدها حاضرة بقوة في أشعار هذا الرجل‪ ،‬قليل من التص‪88‬ريح وكث‪88‬ير من التلميح‪،‬‬
‫ولكن حين نقرأ أشعار محمد منيب نلمس كل أشكال الهامش وزواياه‪.‬‬

‫الخاتمـــــــة‪:‬‬

‫لع‪88‬ل المث‪88‬ير للس‪88‬خرية والرث‪88‬اء أن كث‪88‬يرا من أعم‪88‬ال كّت اب اله‪88‬امش عن‪88‬دنا وج‪88‬دت ص‪88‬دى واس‪88‬عا‬
‫لمناقش ‪88 8‬ة مض ‪88 8‬امينها في دول غربي ‪88 8‬ة في ال ‪88 8‬وقت ال ‪88 8‬ذي ال ُي لتفت إليه ‪88 8‬ا عن ‪88 8‬دنا‪ ..‬والواق ‪88 8‬ع فالحي ‪88 8‬اة‬
‫طبق‪88‬ات ‪:‬طبق‪88‬ة ال تض‪88‬ل وال تش‪88‬قى وطبق‪88‬ة تمزقه‪88‬ا الهم‪88‬وم واله‪88‬واجس ورغم ذل‪88‬ك ال يفارقه‪88‬ا األم‪88‬ل في‬
‫األحالم وفي اليقظ‪88 8‬ة‪،‬ه‪88 8‬ذه الطبق‪88 8‬ة وإ ن ك‪88 8‬انت تعيش في اله‪88 8‬امش إال أن أفراده‪88 8‬ا يص‪88 8‬نعون الحي‪88 8‬اة‪،‬‬
‫ويصنعون نغمة للغناء تارة وأخرى للبكاء تارة أخرى ثم يخرجون من الحياة دون أن يش‪88‬عر بهم أح‪88‬د‪،‬‬
‫بعد أن كانوا أكثر إقباال على الحياة وحملوا على ظهورهم همومها واألمل المزه‪88‬ر يش‪88‬رق في نفوس‪88‬هم‬
‫بقدوم غد أفضل‪.‬‬

‫‪10‬‬

You might also like