Professional Documents
Culture Documents
))((5
وهنا يبرز السؤال اuهم :تُرى كيف يكسب ا>جتمع الحياة والفاعلية التأريخية؟
ونقول :إ aن اuمر مرهون بقدرة ا>جتمع على إدارة ذاته بحكمة وواقعية وتناغم
وس-م ..وهي إدارة تتطلب مشروعا ً سياسيا ً بالعمق يستطيع إنتاج دولة وسلطة
قادرة على تمثيل الكل اeنساني والوطني بحيادية ونزاهة ،وقادرة على خلق أنساق
من الرؤى وا>رتسمات على أرضية البقاء والبناء والتقدم ،وهنا فا>واطنة الديمقراطية
هي لبنة ا>شروع اeجتماعي السياسي الضامن لتمثيل ال ُكل الوطني ا>تناغم
والف ّعال ،كونها تقوم على أساس اeعتراف والتكافؤ وا>شاركة والحريات ا>سؤولة
والهادفة.
إ aن ا>شروع الحضاري الديمقراطي الذي تُش ّكل ا>واطنة الف ّعالة عموده الفقري هو
الضامن eنتاج فاعلية إجتماعية تصاعدية من خ-ل إنتاجه للسلطة الحيادية تقف
على مسافة واحدة من ال ُكل الوطني بعيدا ً عن اeقصاء والتهميش واeكراه والحجر،
وهو ا>وفر >قومات البناء والبقاء من خ-ل حله إشكاليات السلطة واeدارة العامة
للمشروع اeنساني السياسي .من هنا كان ا>جتمع الديمقراطي هو ذلك ا>جتمع
ا>تناغم في تشكي-ته الهادفة eقرار ا>صالح العامة التي تعود على مؤسساته
وأفراده بالنفع ا>باشر ،وهو ا>جتمع ا>متليء أصال ًة وسيادةً ووعيا ً لذاته وأدواره
ومسؤولياته ،وهو ا>جتمع الرافض ثقافيا ً ومعرفيا ً وعمليا ً لشرعية القوة واeحتكار
السياسي للحياة العامة ،وهو مجتمع اeختيار والقانون Sمجتمع القوة واeستبداد،
إذ Sيتأسس على الغريزة والخوف بل يقوم على الحرية ا>ُنتجة ل•ختيار والقانون
ا>ُنتج للنظام ،لذا فالحركية والفاعلية واeبداع والتقدم نتائج موضوعية للمجتمع
القائم على أساس ا>واطنة الديمقراطية.
د .ابوخولة
تثبت عديد التجارب أن اeص-ح السياسي Sيعني الكثير ولن يحالفه النجاح في
غياب اeص-ح اSجتماعي واSقتصادي .في محاضرة أخيرة لبرهان غليون،
اuستاذ بجامعة السوربون بباريس ،قال " إن معضلة اeص-ح قديمة بدأت مع
الثورة العربية ،لكن لم يكن هناك إص-ح بعدها " .من الواضح هنا أن اuستاذ
غليون قد تجاهل عملية إص-ح كبرى ونموذجية لباقي الدول العربية واeس-مية ،أS
وهي عملية اeص-ح البورقيبية لعام 1956في تونس ،والتي تواصلت في 1962مع
اعتماد برنامج حازم لتحديد النسل وإدماجه في مخططات التنمية اSقتصادية مع
توفير اeطار ا>ؤسسي له بإنشاء الديوان الوطني للتنظيم العائلي .ونتج عن عملية
اeص-ح هذه التخفيض في عدد السكان إلى قرابة 10م-ي Bحاليا ،مقابل 15لوS
تحديد النسل .وسمح هذا بنمو لدخل الفرد يفوق ضعف النمو الذي تحقق في مجمل
الدول العربية اuخرى ،مما أدى في النهاية إلى معدل دخل الفرد في تونس ،مقوم
بالقدرة الشرائية للدوSر اuمريكي )أي مضاعفة الدخل للدول التي تكون أسعارها
نصف اuسعار في أمريكا ،على سبيل ا>ثال( ،في حدود 7.2آSف دوSر ،مقابل
3.6آSف دوSر في سوريا و 4أSف دوSر في ا>غرب و 4.3آSف دوSر في اuردن و
3.9آSف دوSر في مصر )ا>صدر :تقرير التنمية البشرية لعام – 2005برنامج
اuمم ا>تحدة اeنمائي(.
بدأت عملية اeص-ح البورقيبية في شهر أغسطس 1956بصدور مجلة اuحوال
الشخصية التي منعت منعا باتا تعدد الزوجات وحددت العمر اSدني لزواج الفتيات
بـ 18سنة ،كما وفرت الحماية ال-زمة للمرأة في حالة الط-ق ،الذي تم تقييده بقرار
يصدر عن ا>حكمة.
تم اعتماد هذه اeجراءات الثورية والضرورية اقل من 5أشهر بعد حصول الدولة
على اSستق-ل التام من فرنسا في 20مارس 1956مما يعني ان العمل على
إعداد القانون كان من أولى أولويات الحبيب بورقيبة ،الذي وجه ومنذ حصول الدولة
على اSستق-ل بتكوين لجنة مختصة eعداد القانون .لكن أعضاءها فشلوا في
اeقرار بإلغاء تعدد الزوجات ،حيث حصل اتفاق على تحديد ذلك بزوجت Bعوضا عن
أربع .عندها اخذ الحبيب بورقيبة مسودة القانون واحدث التغييرات التي أراد )
أهمها إلغاء تعدد الزوجات ( ،ثم تمت ا>صادقة على ذلك في البر>ان ،وقدم بورقيبة
القانون بنفسه في خطاب مشهود للشعب ،يوم 13آب ،1956شرح فيه أبعاد
اeجراءات ا>تخذة >ستقبل تونس .ومن يومها أصبح هذا التاريخ عيدا وطنيا للمرأة
تحتفل به الب-د بأكملها ،رجا Sونساءا ً.
ما كان باeمكان اتخاذ هذه اeجراءات الثورية والحضارية التي أنقذت نصف
ا>جتمع من حالة الشلل والدونية واSستعباد لو Sشجاعة الرجل اuخ-قية
والسياسية ا>نقطعة النظير ،التي خبرها في ما بعد عرب ا>شرق عندما صدمهم
خطاب بورقيبة الشهير بمخيم أريحا ل-جئ Bالفلسطيني Bعام ،1964الذي طالب
فيه بقبول الشرعية الدولية ا>تمثلة في قرار التقسيم.
أمثال عبد الناصر وبن بلة وبومدين وحتى الحسن الثاني لم يقدروا على اتخاذ
هكذا قرارات .عبدالناصر ،على سبيل ا>ثال ،هنأ بورقيبة على انجازه هذا في لقاء
بينهما بمناسبة ج-ء القوات الفرنسية عن قاعدة بنزرت ،لكنه لم يجرؤ على اتخاذ
نفس القرارات التي كانت مصر في أمس الحاجة لها ،متذرعا أمام بورقيبة بعدم
تقبل الرأي العام لها.
إضافة إلى عامل القناعة الشخصية والشجاعة اuخ-قية والسياسية ،أهم ميزة
أفادت بورقيبة مقابل نظرائه من الحكام العرب ا#خرين ،ضعف القوى التقليدية
ا>مثلة أساسا بجامع الزيتونة ،التي وقع تهميشها تدريجيا منذ تأسيسه الحزب
الدستوري الجديد عام . 1934وهذا خ-فا للدور الكبير الذي يلعبه اuزهر في
مصر ،على سبيل ا>ثال ،الذي وقف وعلى مر العصور عائقا أمام تحرير ا>رأة ،كما
ثبت مجددا عندما عارض الشيخ الطنطاوي ا>شروع الجديد لقانون ا>رأة ،مما أدى
Sستدعائه للحضور >جلس الوزراء.
يعني هذا أهمية التغلب على قوى التخلف والظ-م في سبيل انعتاق ا>رأة العربية،
مما يتطلب تقوية ساعد القوى التنويرية في ا>جتمع ) نقابات ،أحزاب إص-حية ،
جمعيات نسوية ،( ...عوضا عن طعنها من الخلف كما يحدث حاليا في أكثر من بلد
عربي .ولعل الطريقة اuنجع لتطور هذه القوى تتمثل في إص-ح التعليم الذي يغرس
في النشئ مبادئ ا>ساواة واحترام الذات البشرية ،وإشاعة ثقافة ا>واطنة والتقدم
بدعم إع-م ذي اتجاه تحرري يتصدى eع-م قوى الظ-م الذي قوي عوده بالدعم
البترو – دوSري ال-محدود .لكن اeص-ح ممكن حتى في هذه الظروف غير ا>-ئمة.
في ا>غرب قامت القوى اuصولية بإنزال مئات اS#ف من ا>تظاهرين إلى الشوارع
منذ 1999للتصدي eصدار مدونة قوان Bاuحوال الشخصية مأخوذة في معظمها
من مدونة اuحوال الشخصية التونسية أيام حكومة ا>عارض اSشتراكي عبدالرحمن
اليوسفي .لكن ا>لك اغتنم فرصة ضعف هذه القوى بعد الحادث اeرهابي لتفجيرات
الدار البيضاء بتاريخ 16أيار ، 2003وتمكن من تمرير ا>دونة .و في الكويت،
عارضت القوى السلفية في البر>ان القرار اuميري لعام 1999بإعطاء ا>رأة حق
اSنتخاب ولم تقبل هذه القوى باuمر الواقع إ Sيوم 16أيار 2005عندما ذهبت
الحكومة الكويتية إلى البر>ان بالقانون في يد والتهديد بحل البر>ان في اليد
اuخرى .
هذه اuمثلة تعني أن اeص-ح ليس مستحي ،-عندما تتوفر العزيمة السياسية لذلك.
اليوم والحكومات العربية تقتنع بضرورة إصدار قوان Bجديدة لصيانة حقوق ا>رأة،
عليها الرجوع لعملية اeص-ح البورقيبية لعام 1956بل اعتماد مجلة اuحوال
الشخصية التونسية كأنجع واقصر الطرق لتحقيق اeص-ح ا>نشود.