You are on page 1of 14

‫إشكالية ترسيخ الدميقراطية داخل األزحاا اليياسية ي الطط الرري‬

The problem of consolidating democracy within the political parties


in the Arab world

3
kherroubiali@yahoo.fr
2018 05 20 2018 01 02

*******
ّ :‫ملخّص‬
‫تتناول هذه الدراسة إشكالية املمارسة الديمقراطية داخل األحزاب السياسية في الوطن العربي؛‬
‫ ونظام‬،‫ذلك أن غياب الديمقراطية الداخلية للحزب ستنعكس سلبا على عالقته ببقية األحزاب األخرى‬
‫ فليس من املعقول أن يطالب الحزب‬،‫الحكم (خاصة إذا كان في السلطة) وحتى مع املجتمع بشكل عام‬
‫ خاصة إذا كان املواطن في ذاته ال يستطيع‬،‫السياس ي بالديمقراطية وهو ال يمارسها في حياته الداخلية‬
‫ فالسماح‬،‫الوثوق في أي حزب ينادي بالديمقراطية وهو ال يمارسها ضمن هياكله وال حتى في صنع قراراته‬
،‫بتعدد اآلراء واألفكار في إطار أيديولوجية الحزب يشكل عنصرا أساسيا من عناصر الديمقراطية الداخلية‬
‫والتي بدورها تساعد على تطور الحزب ونموه وتحد من االنقسامات واالنشقاقات الحزبية التي أصبحت‬
.‫ثقافة راسخة لدى األحزاب السياسية في الوطن العربي‬
‫ األحزاب السياسية؛ القرار الحزبي؛ الديمقراطية الحزبية؛ شخصنة السلطة‬:‫الكلمات املفتاحية‬
.‫الحزبية؛ القيادة الحزبية؛ االنشقاقات الحزبية‬
Abstract:
This study deals with the problem of the practice of democracy within
political parties in the Arab World. The absence of the party’s internal democracy
will have negative reflects on its relationship with other parties, the system of
government (especially if it is in power), and even with the society in general. It is
inconceivable that the political party calls for democracy without practicing it
internally, especially if the citizen himself cannot trust any party calling for
democracy, which is not exercised within its structures or even in its decision-
making. Thus, allowing multiple opinions and ideas in the party’s idiology is an
essential element of the internal democracy ; the latter helps the development and
growth of the party and halts the partisan divitions and splits that have become a
well-established culture among political parties in the arab World.
key words: political parties, party decision, partisan democracy,
personalization of party authority, partisan leederchip, party schism.
824 2018 837 824 02 09
‫مقدّمة‪ّ :‬‬
‫ساهمت مجموعة من الظروف والعوامل في توفير الشروط لظهور الحركات السياسية العقائدية‬
‫الشبيهة باألحزاب السياسية خاصة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان‪ ،‬أين ظهرت الشيعة‬
‫والخوارج وبعض الحركات األخرى‪ ،‬وهي النواة األولى للحزبية في اإلسالم‪ ،‬وقد كان ظهور األحزاب السياسية‬
‫باملعنى الحديث لألحزاب إبان الحكم العثماني منذ بداية القرن التاسع عشر مع تأسيس نواة لحركة ثقافية‬
‫وفكرية وسياسية عربية‪ ،‬وكان ذلك حتى سقوط اإلمبراطورية العثمانية عقب الحرب العاملية األولى‪ ،‬الش يء‬
‫الذي ساعد على نشأة األحزاب السياسية في العالم العربي فيما بعد‪ ،‬واألكيد أن ظروف نشأة األحزاب‬
‫السياسية العربية تختلف عن ظروف نشأة األحزاب السياسية في الدول الغربية على مستويين‪ :‬األول هو‬
‫أن األحزاب السياسية العربية نشأت كرد فعل ملمارسات التتريك إبان الحكم العثماني‪ ،‬ثم فيما بعد‬
‫نشأت كرد فعل للممارسات القمعية لالحتالل األجنبي‪ ،‬أما املستوى الثاني يتعلق بالنشأة الخارجية‬
‫لألحزاب العربية عكس األحزاب في الغرب التي نشأت في إطار العمل البرملاني‪ ،‬باإلضافة إلى أن األحزاب‬
‫السياسية في العالم العربي لم تولد من رحم الديمقراطية ولم تكن من اهتماماتها وأهدافها على الرغم من‬
‫اهتمام رواد النهضة العربية بمسألة بناء الدولة الحديثة وفق أفكار عصر التنوير األوروبي‪.‬‬
‫إشكالية الدراسة‪ :‬تتناول هذه الدراسة إشكالية غياب الديمقراطية الداخلية في األحزاب‬
‫السياسية العربية والتي أثرت بدورها على أسلوب اتخاذ القرار الحزبي‪ ،‬الش يء الذي يستدعي ويتطلب‬
‫ضرورة اإلسراع في إصالح األحزاب من الداخل وإيجاد الحلول لهذه اإلشكالية‪ ،‬وإيجاد الحلول يتطلب فهم‬
‫األسباب التي حالت دون وجود هذه الديمقراطية‪ ،‬لذلك نطرح التساؤل التالي‪ :‬ماهي معوقات ترسيخ املبدأ‬
‫الديمقراطي داخل األحزاب السياسية في العالم العربي؟ وماهي الحلول العملية لتجاوزها؟‬
‫فرضيات الدراسة‪ :‬ولإلجابة على إشكالية الدراسة نطرح الفرضيات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تغليب املشروعية التاريخية على املشروعية العقالنية ساهم في غياب الديمقراطية داخل األحزاب‬
‫السياسية العربية‪.‬‬
‫‪ -‬انعدام التماسك والتجانس ساهم في االنقسامات واالنشقاقات الحزبية داخل األحزاب السياسية‬
‫العربية‬
‫‪ -‬غياب الحوار الداخلي املبني على أساس احترام االختالف في إطار أيديولوجية الحزب ساهم في‬
‫استمرار األزمة السياسية الداخلية لألحزاب العربية‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪ :‬تهدف الدراسة للوصول إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إبراز مدى أهمية املمارسة الديمقراطية داخل األحزاب‪ ،‬والعمل على ترسيخها كسلوك سياس ي‬
‫تربوي إلعداد قادة سياسيين يعتمد عليهم في حالة وصول الحزب إلى السلطة وممارستها‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز مدى أهمية املمارسة الديمقراطية داخل األحزاب السياسية‪ ،‬باعتبارها أساس األنظمة‬
‫السياسية الديمقراطية في العصر الحديث‪.‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪825‬‬


‫ا‬
‫أول ّ‬
‫ّ‬
‫أهمية دراسة األحزاب السياسية ّ‬
‫تعتبر األحزاب السياسية ظاهرة هامة ال يمكن بأي حال من األحوال التخلي عنها في ظل النظم‬
‫السياسية الحديثة‪ ،‬على األقل في الوقت الراهن‪ ،‬لكونها استطاعت من خالل نظام األحزاب أن تؤطر‬
‫وتنظم ممارسة الشعب لحق االقتراع العام‪ ،‬وبالتالي أصبح لهذه املمارسة معناها السياس ي‪ ،‬كما منح‬
‫العمل البرملاني مضمونا سياسيا معبرا إلى حد ما عن رغبات وآمال معظم طبقات املجتمع ليشكل بذلك‬
‫املضمون الحقيقي للديمقراطية ولو شكليا‪.‬‬
‫إن إدراك طبيعة حاجات الناس وتعدد مقاصدهم‪ ،‬وتضاربها في الكثير من الحاالت يجعلنا نقر بأن‬
‫األحزاب السياسية هي أهم األساليب والطرق إليصال اآلراء للقرار‪ ،‬وللحشد والدعم وللتقوية لفكرة أو‬
‫نقدها‪ ،‬لذلك فالديمقراطية املعاصرة ال تكاد تتجسد وتعمل من دون األحزاب‪ ،‬وبالتالي فالديمقراطيات‬
‫املعاصرة ليست محكومة بآراء الناس في نهاية األمر‪ ،‬بل بآراء إيديولوجيات ممثلي وزعماء األحزاب التي‬
‫تعكس توجهات وحاجات وآراء الناس إلى حد ما‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا ّ‬
‫ّ‬
‫تحديد املصطلحات ّ‬
‫معنى الحزب السياس ي‪ :‬هو مجموعة منظمة مكونة من أعضاء يعتنقون مجموعة مشتركة من‬
‫القيم والسياسات‪ ،‬وهدفها الرئيس ي الحصول على السلطة السياسية واملناصب العليا لغرض تنفيذ‬
‫السياسات‪ ،‬ويسعى الحزب للحصول على هذه السلطة عادة بالطرق الدستورية‪ ،‬وال سيما بالتنافس في‬
‫االنتخابات العامة على الرغم من أن األحزاب الثورية أو املناهضة للنظام قد تمارس النشاط السياس ي‬
‫خارج الدستور لتحقيق أهدافها‪...‬إن ممارسة السلطة الحكومية ليست الوظيفة الوحيدة التي يسعى‬
‫الحزب السياس ي إلى أدائها‪ ،‬إنه وكالة لجميع األنصار السياسيين وأداة للتنظيم السياس ي للمجتمع وقناة‬
‫لالتصال السياس ي(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬القرار الحزبي‪:‬‬
‫إن آليات اتخاذ القرار الحزبي هي مجموع الوسائل التي يعتمدها الحزب التخاذ قراراته كافة‪ ،‬سواء‬
‫فيما يتعلق بشؤونه الداخلية أو بتجديد أسماء مرشحيه لالنتخابات‪ ،‬أو باختيار أعضائه للحكومة‪ ،‬أو‬
‫بعالقاته ومواقفه من القضايا واألحداث املختلفة‪ ،‬فعملية اتخاذ القرار داخل الحزب من أهم محركات‬
‫عمل الحزب وانطالق برامجه املختلفة‪ ،‬ولكي يكون القرار الحزبي معبرا عن تطلعات ورغبات وتوجهات‬
‫القاعدة الحزبية ال بد وأن يتقيد بمجموعة من املعايير(‪ )2‬وهي ليست على سبيل الحصر‪:‬‬
‫‪ -‬درجة التشاركية في اتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪ -‬املأسسة واالبتعاد عن النزاعات والرغبات الفردية‪.‬‬
‫‪ -‬وجود ضوابط مكتوبة يسترشد بها عند اتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪ -‬االبتعاد عن االستبداد والتسلط في اتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪826‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬
‫‪ -‬اعتماد الضوابط املوضوعية في اتخاذ القرارات الحزبية‪.‬‬
‫‪ -2‬الديمقراطية الحزبية‪:‬‬
‫تعني ضمان حرية التعبير داخل الحزب وتشجيعها‪ ،‬وإتاحة الفرصة لنمو التيارات واألطياف‬
‫داخله‪ ،‬وأخذها أشكاال معترفا بها داخليا‪ ،‬باإلضافة إلى تداول السلطة في الحزب وفق آلية انتخابات دورية‬
‫حرة ونزيهة وفعالة من القاعدة إلى القمة‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار مواضيع من قبيل تنمية الوعي‬
‫الديمقراطي‪ ،‬واالرتقاء باملمارسة الديمقراطية عبر عملية تحول ديمقراطي مستمر داخل الحزب(‪.)3‬‬
‫ا‬
‫ثالثا ّ‬
‫ّ‬
‫تحديد املشكلة ّ‬
‫إن التاريخ املحلي ملفهوم الحزب السياس ي بحد ذاته هو تارة حديث العهد وغير مرسخ وطورا‬
‫مرسخ ومجرب‪ ،‬يحدث أن يتميز موضوع الحزب السياس ي عن سائر أنماط التنظيمات الحزبية‪ ،‬أو أن‬
‫يمتزج بأنواع أخرى من التعبئة(‪.)4‬‬
‫ويرتبط تاريخ األحزاب السياسية التاريخية والرئيسية في العالم العربي إن صح التعبير ارتباطا‬
‫وثيقا بتاريخ نشوء الدولة األمة‪ ،‬ففي اململكة املغربية أو الجزائر أدت األحزاب السياسية دور حركات تحرير‬
‫وطني(حزب جبهة التحرير الوطني‪ ،‬حزب االستقالل)‪ ،‬واكتفت في حاالت أخرى بدور ثانوي داعم‬
‫للشخصيات أو الزعامات السياسية والطائفية (حزب هللا في لبنان مثال)‪ ،‬وقد أفض ى النضال الوطني‬
‫وإزالة االحتالل وبناء الوطن إلى ظروف سياسية وحزبية فريدة‪ ،‬بحيث شهد اليمن مثال (قبل التوحيد)‬
‫والعراق نماذج الحزب الواحد أو نماذج شبيهة لذلك تتخذ من تحالف األحزاب واجهة لها(‪ ،)5‬وغابت‬
‫األحزاب السياسية في هذين البلدين بسبب الحروب األهلية والتدخالت العسكرية األجنبية في بداية القرن‬
‫الواحد والعشرين‪ ،‬مع ظهور الحركات الطائفية محل األحزاب السياسية (املليشيات املسلحة الطائفية)‪،‬‬
‫وتحول الحزب السياس ي في الجزائر إلى الدولة أي (الحزب‪-‬الدولة)حتى بعد التحول من األحادية الحزبية إلى‬
‫تعدد األحزاب‪ ،‬في حين تم حظر الحياة الحزبية في البحرين مثال‪.‬‬
‫في املقابل تميز النظام التعددي في بلدان عربية أخرى بظهور تعددية حزبية محدودة يسيطر عليها‬
‫النظام امللكي في املغرب أو النظام التوافقي في لبنان (نظام عشائري)‪ ،‬كما أن تجربة العمل السري مميزة‬
‫وقد أثرت في مسار عدد من التنظيمات الحزبية(‪.)6‬‬
‫لم يتغير األمر حين انتقلت بعض الدول العربية وعلى رأسها الجزائر ومصر (انتقلت مصر من‬
‫التعددية إلى األحادية ثم العودة إلى التعددية) وسوريا‪ ،‬من نظام األحادية الحزبية (الجزائر)‪ ،‬أو نظام‬
‫الحزب القائد (سوريا) إلى نظام التعددية الحزبية‪ ،‬بعد حظر طويل على تشكيل األحزاب‪ ،‬حيث نجد أن‬
‫مؤسس ي تلك األحزاب إما كانوا طرفا رئيسيا في عهد الحزب الواحد أو جزءا مؤثرا في نظام الحكم‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن التنشئة السياسية لتلك الكوادر والزعامات الحزبية التي ظهرت بعد التحول إلى النظام التعددي‪،‬‬
‫كانت مشبعة بثقافة التسيير املركزي في كل ش يء بما في ذلك سلطة اتخاذ القرار وتقلد املناصب‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى إلى ضعف تأثيرها على املسار السياس ي العام في تلك الدول‪ ،‬وظهور األحزاب‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪827‬‬


‫الجنينية(االنقسامات الحزبية) مع كثرتها وسوء تنظيمها (الجزائر مثال بداية التسعينيات من القرن‬
‫العشرين حوالي ‪ 60‬حزبا سياسيا‪ ،‬وأكثر من ‪ 30‬حزبا في بداية القرن الواحد والعشرين)‪ ،‬فهل يمكن في‬
‫غمار تحليل تلك املشكلة بعد تحديدها الحديث عن الديمقراطية الداخلية لألحزاب السياسية العربية‪.‬‬
‫تلك األحداث كان لها تأثير مباشر على األحزاب في العالم العربي وأحاطتها بمجموعة من‬
‫الخصائص جعلت منها ظاهرة سياسية فريدة قلما نجد لها مثيال في الديمقراطيات النيابية املعاصرة‪.‬‬
‫ا‬
‫ابعا ّ‬
‫ر ّ‬
‫األحزاب السياسية ي العال العربي ّ‬
‫خصائص ّ‬
‫يمكن إجمال خصائص األحزاب السياسية في العالم العربي في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬شيوع ظاهرة التحزب على حساب الظاهرة الحزبية‪ :‬فالعمل الحزبي يفترض أن األحزاب‬
‫السياسية تمتلك فكرة القبول االحتالل األجنبي نجح إلى حد بعيد في نشر لغة التشكيك حتى يسهل عليه‬
‫عزل مناضلي الحركة الوطنية وتشتيتهم‪ ،‬فاإلقرار بمبدأ تبادل األدوار حل محله االجتهاد في نفي وجود اآلخر‬
‫املغاير في التوجه السياس ي(‪.)7‬‬
‫‪ -‬قصر عمر الكثير من األحزاب فهي تندثر مباشرة بعد تأسيسها‪ ،‬ويعود ربما السبب إلى قانون‬
‫االنتخابات‪ ،‬مع سيطرة الطابع العشائري أو النخبوي على معظم األحزاب (األردن‪ ،‬لبنان‪ ،)...،‬فلم تكن‬
‫لهذه األحزاب قواعد جماهيرية ذات وزن‪ ،‬باإلضافة إلى ضعف االنتماء املؤسس ي لها(‪ ،)8‬الش يء الذي‬
‫انعكس على نوعية الوالء السياس ي للمناضلين‪.‬‬
‫‪ -‬لعبت العالقات الشخصية دورا بارزا في تأسيس الكثير من األحزاب‪ ،‬كما كان للخالفات‬
‫الشخصية دور مهم وبارز في تفتيتها (االنشقاقات الحزبية)(‪.)9‬‬
‫‪ -‬ضعف القدرة على التعبئة وحشد الجماهير‪ ،‬وهي سمة تنبع من املميزات السابقة وتترتب عليها‪،‬‬
‫إذ إن ضعف صدقية األحزاب السياسية بسبب التصاقها بأشخاص مؤسسيها‪ ،‬وطعنها بعضها في البعض‬
‫اآلخر وانقسامها على نفسها يفقدها جانبا كبيرا من قدرتها على تحريك الجماهير‪ ،‬وفي هذا اإلطار نالحظ‬
‫أن العديد من األحزاب السياسية في العالم العربي تكتفي بترشيح عدد محدود من األعضاء في‬
‫االنتخابات(‪( )10‬أحزاب مناسبات)‪.‬‬
‫‪ -‬عدم واقعية الخطاب السياس ي لألحزاب السياسية العربية(‪ ،)11‬فبعضها له طابع عالمي (عابر‬
‫للحدود) غير مرتبط بالواقع املحلي للشعوب العربية‪ ،‬وهذا ما نالحظه على األحزاب ذات التوجهات‬
‫اإلسالمية (الحركات وأحزاب اإلسالم السياس ي بكل أطيافه)‪ ،‬وحتى األحزاب التي تدعي الوطنية وتحتكرها‬
‫لنفسها دون غيرها بعيدة كل البعد عن واقع املواطن العربي فهي تسبح في واد واملواطن في واد آخر‪ ،‬حيث‬
‫كانت األحزاب خاصة الحاكمة منها تمني الشعوب العربية بالتنمية في شتى مجاالت الحياة‪ ،‬ولكن الواقع‬
‫عكس تلك األوهام (فترة الحروب العربية اإلسرائيلية‪ ،‬والقومية العربية)‪ ،‬وفي فترات الحقة بعد التحول‬
‫السياس ي في جل البلدان العربية (الجزائر‪ ،‬مصر‪ ،‬العراق‪ ،‬األردن‪ ،‬تونس‪ ،‬املغرب‪ ،)... ،‬أصبحت األحزاب‬

‫‪828‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬


‫تتوالد بشكل رهيب‪ ،‬وأصبحت اهتماماتها الحقيقية استهداف االنتخابات والفوز باملقاعد واملناصب دون‬
‫إعارة االهتمام الحتياجات املواطنين‪ ،‬فأصبحت األحزاب وكذا املواطن في خبر كان‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف القاعدة الجماهيرية لألحزاب (املنخرطين واملناضلين) أدى إلى صعوبة في تمويل نشاطاتها‪،‬‬
‫على الرغم من أن هناك تمويل عمومي ولكن ذلك ال يكفي حتى لتمويل الحمالت االنتخابية‪ ،‬ومن جانب‬
‫آخر نلحظ أن األحزاب السياسية في املنطقة العربية تالقي صعوبات كبيرة في التوجه إلى الجماهير بخطابها‬
‫السياس ي على ضعفه وعدم واقعيته بسبب احتكار وسائل اإلعالم‪ ،‬وكذلك نجد أن األحزاب قليال منها من‬
‫يملك الصحف اإلعالمية (الورقية واإللكترونية) التي تعبر عن توجهاتها السياسية واالجتماعية والثقافية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وحتى وإن كانت تملك هذه الصحف فإنها تشكو عدم االنتظام في صدورها‪ ،‬وإما عدم‬
‫قدرتها على منافسة الصحف غير املتحزبة لقلة الخبرة وعدم وجود إعالنات وكذا ضعف املادة اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ -‬عدم جدوى البرامج االنتخابية التي تظهرها األحزاب السياسية العربية وتدافع عنها ألنها أصبحت‬
‫شكلية فارغة من محتواها السياس ي‪ ،‬ونادرا ما يتم مناقشتها من قبل الناخبين(‪.)12‬‬
‫ا‬
‫خامسا ّ‬
‫ّ‬
‫واقع املمارسة الديمقراطية داخل األحزاب العربية ّ‬
‫تظهر التقارير اإلعالمية واألبحاث والدراسات األكاديمية حجم املعاناة التي تكتنف الحياة الداخلية‬
‫لألحزاب السياسية العربية‪ ،‬التي ساهمت في فتور الحياة السياسية واملنافسة الشفافة والنزيهة في العمل‬
‫الحزبي بشكل عام‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بغياب الديمقراطية داخل األحزاب‪ ،‬ولهذه اإلشكالية أسباب عديدة‬
‫منها ما هو مرتبط بتسيير العمل الداخلي لألحزاب‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط بتدخل أطراف خارجية في عمل‬
‫الحزب‪.‬‬
‫تتجلى أزمة األحزاب السياسية في العالم العربي واملرتبطة أساسا بغياب الديمقراطية داخل‬
‫األحزاب من خالل ثالثة مستويات‪ :‬مستوى الوظيفة أوال‪ ،‬ومستوى البنية ثانيا‪ ،‬ومستوى إدارة االختالف‬
‫ثالثا(‪ ،)13‬وإن تلك األحزاب السياسية على اختالف إيديولوجيتها (يمين‪ ،‬يسار‪ ،‬وسط‪ ،)....‬تنفي وجود‬
‫تيارات سياسية داخلها (التعددية السياسية في إطار الحزب)‪ ،‬وكأن االعتراف بوجودها يعتبر مساسا‬
‫بوحدتها‪ ،‬وبالتالي قوتها التي تحاول الظهور بها أمام الرأي العام‪ ،‬ولكن هذا لم يمنع من حدوث انشقاقات‬
‫طالت معظم األحزاب السياسية العربية مثال‪ :‬في الجزائر حدثت انشقاقات وانقسامات داخل حركة‬
‫مجتمع السلم‪ ،‬حركة النهضة‪ ،‬حزب جبهة التحرير الوطني‪ ،‬حزب جبهة القوى االشتراكية‪ ،‬حزب التجمع‬
‫الوطني الديمقراطي‪...،‬إلخ‪.‬‬
‫(‪)14‬‬
‫ونتحدث عن التيارات السياسية داخل الحزب عندما تتوفر ثالثة شروط ‪:‬‬
‫ا‬
‫أول‪ -‬نتحدث عن تيار سياس ي عندما تعرض أطروحة نفسها وتغدو منافسة لألطروحة الرسمية‬ ‫ّ‬
‫املعتمدة من قبل الحزب‪ ،‬وقادرة على التعبئة بما يفيد إمكانية تغيير موازين القوى لفائدتها‪.‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪829‬‬


‫ا‬
‫ثانيا‪ -‬نتحدث عن تيار سياس ي عندما يكون أصحابه قادرين على تمرير قناعاتهم من داخل الحزب‬ ‫ّ‬
‫وليس من خارجه‪ ،‬فانعدام هذه اإلمكانية يجعل األفراد املقتنعين بفكرة معينة يعملون على تمريرها من‬
‫خارج الحزب‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ -‬نتحدث عن تيار سياس ي عندما يكون موضوع االختالف هو املستوى السياس ي والتنظيمي‬ ‫ّ‬
‫وليس املستوى األيديولوجي‪ ،‬أي مستوى املتغيرات وليس مستوى الثوابت‪ ،‬حيث تتجلى الثوابت في الهوية‬
‫األيديولوجية للحزب‪ ،‬وتتجلى املتغيرات في الخط السياس ي والخيارات التنظيمية‪.‬‬
‫إن الحديث عن التيارات السياسية داخل الحزب ال يستوي إال إذا كان على مستوى املتغيرات‬
‫وهنا نحن بصدد اإلقرار بوجود الديمقراطية الداخلية للحزب‪ ،‬ألن إدارة االختالف بهذا املعنى يعني اإلقرار‬
‫بوجود تالقح في األفكار واآلراء التي تفض ي إلى اتخاذ قرار حزبي سليم وصائب يرض ي كل التيارات املتواجدة‬
‫داخل الحزب‪ ،‬أما الحديث عن التيارات السياسية على مستوى الثوابت فال يصح وليس هو طرحا سليما‪،‬‬
‫ألننا بهذا املعنى نكون أمام أزمة بنيوية حقيقية داخل الحزب‪ ،‬ونتائجها على الحزب وخيمة وتؤدي ال محال‬
‫إلى الصراع الفكري‪ ،‬والذي يؤدي بدوره إلى تصدع داخل الحزب‪ ،‬وبالتالي حدوث انقسامات وانشقاقات‪،‬‬
‫تفض ي إلى توالد أحزاب جنينية جديدة‪.‬‬
‫وبالحديث عن الثابت واملتغير داخل الحزب‪ ،‬نطرح السؤال التالي‪ :‬ملاذا ال تعترف األحزاب‬
‫السياسية في العالم العربي بوجود تيارات سياسية داخلها‪ ،‬رغم أن موضوع االختالف يمس املتغيرات‬
‫وليس الثوابت؟ لذلك يرجع املفكر املغربي محمد ظريف تلك الحالة إلى سببين رئيسيين هما(‪:)15‬‬
‫‪ -‬غياب آليات ديمقراطية إلدارة االختالف‪ ،‬وفي مقدمتها االستخدام السيئ ملبدأ املركزية‬
‫الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -‬عدم القدرة على التمييز بين الهوية األيديولوجية كثابت والخط السياس ي كمتغير‪ ،‬وهكذا يفض ي‬
‫االختالف حول املتغيرات إلى انشقاقات حزبية‪.‬‬
‫إن الحديث عن املتغير والثابت وعدم التمييز بينهما داخل الحزب السياس ي في الوطن العربي‪ ،‬أدى‬
‫إلى انعدام الديمقراطية الحزبية‪ ،‬وبانعدامها تعرضت الكثير من األحزاب التي عدت إلى وقت قريب أحزابا‬
‫تاريخية (حزب جبهة التحرير الوطني‪ ،‬حزب االستقالل املغربي‪ ،‬حزب الوفد املصري‪ )...،‬إلى أزمات سياسية‬
‫داخلية حادة أدت إلى انهيار بعضها‪ ،‬فعدم التمييز هذا تحكمت فيه مجموعة من األسباب(‪ )16‬وتتمثل في‪:‬‬
‫‪ ‬تغليب املشروعية التاريخية على املشروعية العقالنية‪:‬‬
‫أما املشروعية التاريخية فتكتس ي جانبين أساسيين‪ :‬األول تغليب املشروعية التاريخية للتنظيم‪،‬‬
‫أما الثاني تغليب املشروعية التاريخية لألشخاص‪.‬‬
‫‪ ‬تغليب املشروعية التاريخية للتنظي ‪ّ :‬‬
‫إن األحزاب السياسية التاريخية في الوطن العربي تعتبر نفسها وصية على النشاط الحزبي وعلى‬
‫باقي التنظيمات االجتماعية األخرى‪ ،‬وهي بهذا االعتبار ال ترى عنها بديال‪ ،‬وبهذا املسلك تم قمع املنهاج‬
‫الديمقراطي وبرز التشتت والتسيب في املجال الحزبي‪ ،‬فدخلت األحزاب التاريخية واألحزاب الجديدة في‬

‫‪830‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬


‫متاهة التنابز باأللقاب والتشكيك‪ ،‬وتاه بينهما املواطن العربي الذي اقتنع بأنه إذا دل ذلك على ش يء فإنه‬
‫يدل على غياب الديمقراطية عند جميع األطراف‪.‬‬
‫‪ ‬تغليب املشروعية التاريخية لألشخاص‪ّ :‬‬
‫إن استعمال املشروعية التاريخية لألشخاص كان من أجل اإلبقاء عليهم في املسؤولية وعلى رأس‬
‫القيادة الحزبية في كل الظروف واألزمنة مستندين في ذلك على عنصري السبق الزمني وأسبقية التأسيس‪،‬‬
‫معتبرين أنفسهم وكالء على أحزابهم‪ ،‬وكل نقد أو توجيه هو بمثابة مساس بحقوق املؤسسين واملناضلين‬
‫األوائل (ما يحدث داخل حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر على سبيل املثال‪ ،)...‬وهذا ما يمكن وصفه‬
‫بخلود الزعامة‪ ،‬وال تنتهي فترة حكمه إال بوفاته أو خلعه‪ ،‬وإن النقد والتوجيه لشخص املؤسس نتيجته‬
‫حتمية هي إما التصفية الجسدية أو الطرد والفصل من الحزب‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت املناصب الحزبية مناصب مكتسبة متوارثة ال يلجها إال أصحاب املشروعية‬
‫التاريخية‪ ،‬ومن ثم أصبح الدور املركزي الذي يلعبه األمناء العامون لألحزاب السياسية يفض ي في كثير من‬
‫األحيان إلى تهميش الهيئات املقررة قانونا داخل الحزب‪ ،‬بحيث تعد هيئات للتسجيل وليست هيئات‬
‫للتقرير(‪.)17‬‬
‫‪ ‬غياب أو تغييب الحوار الداخل ‪:‬‬
‫إن ا لحديث عن وجود الحوار من عدمه داخل األحزاب السياسية في الوطن العربي ال يهم‪ ،‬ألن‬
‫الحوار الداخلي موجود ولكن تطغى عليه سلبيتان يمكن إثارتهما كما يلي‪:‬‬
‫ّأ‪ -‬السلبية األولى‪ّ :‬‬
‫هي أن الحوار الداخلي قائم على توجه سابق(‪ ،)18‬وهذا التوجه يطغى على كل االجتماعات‬
‫الحزبية‪ ،‬أي أن القرار الحزبي قد اتخذ من طرف القيادة الحزبية‪ ،‬وما الحوار إال إجراء شكلي تتبعه‬
‫القيادة الحزبية تعبيرا عن وجود الديمقراطية الحزبية‪ ،‬فهم يعلمون مسبقا نوع املواضيع التي يمكن‬
‫إثارتها من طرف املجتمعين لذلك تحاول القيادة في كل مرة قطع الطريق أمام الحاضرين في االجتماع‬
‫باستعمال كل الوسائل املمكنة لتكييف الرؤى املختلفة حسب املنهاج واملوقف املرصود مسبقا (تحديد‬
‫نقاط معينة في جدول األعمال مثال)‪.‬‬
‫ّب‪ -‬السلبية الثانية‪ّ :‬‬
‫هي أن الحوار الداخلي هو حوار قيادات ونخب ال غير(‪ )19‬تعيش زمنيا في حقب تاريخية قد مر عليها‬
‫التاريخ وأصبحت من املاض ي السحيق (تغير املجتمعات دون تغير في القيادات)‪ ،‬وأصبح أسلوب "أن أفكر‬
‫وأقرر وعلى اآلخرين أن ينفذوا" قد ولى‪ ،‬ولكن هذا األسلوب ما زال شائعا داخل األحزاب السياسية في‬
‫الوطن العربي (القيادة األوتوقراطية والبيروقراطية)‪ ،‬والنتيجة ماهي؟ اإلجابة تقودنا مباشرة إلى‬
‫االنشقاقات الحزبية واالنقسامات الداخلية‪ ،‬وانهيار األحزاب‪ ،‬وهي بطبيعة الحال ميزة أساسية في األحزاب‬
‫العربية "فهل يستقيم الظل والعود أعوج؟"‪.‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪831‬‬


‫سادسا ّ‬
‫النعكاسات السلبية لنعدام الديمقراطية داخل األحزاب السياسية ي الوطن العربي ّ‬
‫إن قدرة الحزب السياس ي على تنظيم عمليات الخالفات الكبيرة وخاصة في ظل ظروف تفجر‬
‫الخالف في االتجاهات واآلراء بين أعضاء الحزب وقواه املختلفة‪ ،‬بما ال يؤدي إلى انقسام الحزب أو وجود‬
‫أكثر من تيار يهدد حياته ووحدته‪ ،‬لهو املنطلق األساس ي لتوفر الديمقراطية الداخلية في األحزاب‪ ،‬ولكن‬
‫انعدام ذلك التماسك والتجانس داخل األحزاب السياسية في الوطن العربي أدى إلى انعكاسات ونتائج‬
‫سلبية على تلك األحزاب‪ ،‬وأسوء نتيجة هي االنقسامات واالنشقاقات الحزبية‪.‬‬
‫يوجد داخل أي حزب تيارات مختلفة‪ ،‬وهذا أمر يتسق مع طبيعة الحزب كتنظيم سياس ي‪ ،‬ومن‬
‫املنطقي أن تتنافس هذه التيارات فيما بينها‪ ،‬وتعد آليات معينة تحددها الالئحة األساسية أو استقرار‬
‫املمارسة الداخلية للحزب بحيث يتم حسمها داخل الحزب ودون أن تمتد إلى خارجه‪ ،‬وفي حالة عجز‬
‫الحزب عن توفير مثل هذه اآللية فإن الصراعات عادة ما تتفجر في شكل انشقاق‪ ،‬وينتهي األمر بخروج‬
‫املجموعة األقل تكيفا في حين يصبح الحزب األصلي أكثر اتساقا مع نفسه‪ ،‬وبالتالي أكثر قدرة على العمل‬
‫مالم يكن هذا االنشقاق من االتساع بحيث يضعف الحزب(‪.)20‬‬
‫مهما كانت أسباب ظاهرة االنقسامات الحزبية ودوافعها فقد نتج عنها حالة تضخم حزبي مما أدى‬
‫إلى شل فاعليتها‪ ،‬وحد من قوة تأثيرها على صنع القرار السياس ي‪ ،‬وفي الوقت نفسه خلق حالة من الصراع‬
‫داخل التيارات السياسية جميعها‪ ،‬وصرفها عن أداء وظائفها الحزبية‪ ،‬وأثر هذا الواقع االنقسامي سلبا‬
‫على تبلور الكيانات الحزبية ونموها‪ ،‬وسوف يشكل في حالة استمراره تهديدا ملستقبل الحياة الحزبية‬
‫بشكل عام في الوطن العربي(‪.)21‬‬
‫لقد أضحت ظاهرة الصراعات الداخلية قاسما مشتركا بين األحزاب السياسية في كل األقطار‬
‫العربية التي تعمل بنظام األحزاب‪ ،‬والتي يفتقر مؤسسوها إلى التجانس ووضوح الغايات‪ ،‬وحتى األحزاب‬
‫التي تبدي نوعا من التماسك معرضة لالهتزاز بفعل عوامل داخلية وخارجية(‪ ،)22‬وهو ما يحدث مثال داخل‬
‫حزب جبهة التحرير الوطني بعد تقلد عمار سعداني أمانة الحزب‪ ،‬وحزب التجمع الوطني الديمقراطي بعد‬
‫إعادة انتخاب أحمد أويحيى في الجزائر‪ ،‬وكذا الحزب اإلسالمي في تونس حركة النهضة‪...‬‬
‫إن االنقسامات الحزبية لم تكن حكرا على أحزاب بعينها أو على أيديولوجية معينة‪ ،‬بل مست كل‬
‫التيارات السياسية الوطنية والقومية اليسارية واإلسالمية على حد سواء‪ ،‬مثال تعرضت حركة النهضة في‬
‫الجزائر إلى انشقاق زعيم الحركة التاريخي عبد هللا جاب هللا ليؤسس حركة اإلصالح الوطني ثم تعرضت‬
‫هذه الحركة إلى انشقاق آخر قاده مؤسس الحركة‪ ،‬نفس األمر تعرضت إليه حركة مجتمع السلم بعد‬
‫انشقاق عمار غول وآخرين لتتوالد أحزاب أخرى بعد ذلك‪ ،‬هذه أمثلة وأخرى في الجزائر وغيرها من الدول‬
‫العربية على حد سواء‪ ،‬وما يمكن قوله على األحزاب السياسية في الجزائر ينطبق على األحزاب املغربية‬
‫والتونسية واملصرية واللبنانية والسودانية‪...‬إلخ‪ ،‬على اختالف ظروف وطبيعة كل منها‪ ،‬ولكن النتيجة‬

‫‪832‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬


‫واحدة وهي ضعف العمل الحزبي والحياة السياسية بشكل عام مع اختالف طفيف في درجة الضعف من‬
‫بلد على آخر‪.‬‬
‫إن االفتقار إلى تقاليد عمل واضحة ومحددة في ظل هشاشة الواقع النابع من األزمة أنتجا‬
‫سلوكيات حزبية تعادي الديمقراطية وتغري ببلوغ السلطة بأساليب غير دستورية(‪.)23‬‬
‫إن املتتبع للشأن الحزبي في الوطن العربي تسترعيه ظاهرة االنشقاقات الحزبية‪ ،‬والتي كشفت أن‬
‫النسيج الحزبي لم يصل بعد إلى الصالبة والتماسك الضروريين النطالق ديمقراطية حقيقية‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يتوفر على الليونة املطلوبة خاصة وأن عملية االنشقاق لم تتوقف‪ ،‬وال يظهر أنها ستتوقف في املستقبل‬
‫القريب(‪.)24‬‬
‫من املستحيل عمليا أن يتغنى حزب ما بالديمقراطية إذا لم يكن يمارس هذه الديمقراطية في‬
‫حياته الداخلية‪ ،‬فال يمكن أن ينمو ويتزايد نفوذه بين الجماهير إال إذا كان يسمح بتعدد اآلراء واالتجاهات‬
‫في داخله‪ ،‬وال يتأتى هذا كله إال إذا ارتقى مستوى النقاش عن تبادل التهم(‪ ،)25‬ما يحدث داخل حزب جبهة‬
‫التحرير الوطني في الجزائر من التنابز باأللقاب وتبادل التهم بين األمين العام الحالي عمار سعداني واألمين‬
‫العام السابق عبد العزيز بالخادم‪ ،‬باإلضافة إلى الحركة (التصحيحية) التي ظهرت داخل الحزب ولم‬
‫تعترف بسعداني كأمين عام للحزب العتيد‪ ،‬مما زاد من شدة الخالفات واالنقسامات التي ال ولن تؤدي إلى‬
‫استقرار الحزب في املستقبل‪.‬‬
‫إن عدم احترام املمارسات الديمقراطية الداخلية تهدد الحزب باالنقسام في أي لحظة‪ ،‬فسواء‬
‫فصلت القيادة من يعارضونها‪ ،‬أم انشق هؤالء املعارضون إلحساسهم بأن الحزب ال يقدم لهم فرصة‬
‫جدية للتأثير في سياسته‪ ،‬فإن النتيجة واحدة وهي التشرذم الذي عانته كل األحزاب والقوى الوطنية في‬
‫الساحة العربية‪ ،‬ويمكن أن تتجاوز األمور حدود التشرذم إلى حد اتخاذ إجراءات انقالبية للسيطرة على‬
‫القيادة‪...‬ويطلق كل فريق على اآلخر بعد سنوات من النضال املشترك الخيانة والعمالة والتخاذل‬
‫واالنتهازية واالنهزامية(‪.)26‬‬
‫وبإيجاز شديد االنعكاسات السلبية النعدام الديمقراطية داخل األحزاب السياسية هي(‪:)27‬‬
‫‪ -‬االنشقاقات الحزبية‬
‫‪ -‬تأسيس أحزاب جديدة‬
‫‪ -‬ضياع النخب املثقفة‪.‬‬
‫في ظل انتشار ظاهرة االنقسامات واالنشقاقات الحزبية في الوطن العربي وتناميها إلى حد اعتبارها‬
‫ميزة أساسية لدى تلك األحزاب‪ ،‬نطرح السؤال التالي‪ :‬ماهي الحلول العاجلة واملستعجلة إلصالح تلك‬
‫األحزاب‪ ،‬وبالتالي تطوير العمل الحزبي نحو تكريس العمل الديمقراطي داخل املؤسسات الحزبية العربية؟‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪833‬‬


‫سابعا ّ‬
‫ضرورة إصالح األحزاب السياسية ي الوطن العربي ّ‬
‫إن الحزب السياس ي كأي تنظيم أو كيان آخر معرض باستمرار لعملية اإلصالح‪ ،‬حيث يتجه‬
‫املدخل املؤسس ي نحو التفسيرات التي تؤكد التغيير بصورة عامة داخل الحزب لضمان االستمرارية‬
‫والديمومة(‪ ،)28‬في حين نجد أن إرساء البنى الحزبية الفعالة تتحدد بعدة عوامل من أهمها(‪:)29‬‬
‫‪ -‬ينبغي أن تتوافق املمارسات التنظيمية الحزبية مع النصوص القانونية التي تحدد القواعد‬
‫األساسية الخاصة بمسائل كاختيار املرشح والتمويل الحزبي‪ ،‬واختيار القادة‪ ،‬ولكن يبقى دائما في وسع‬
‫األحزاب إيجاد جملة من الحلول التنظيمية البديلة التي تتوافق مع ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تعكس التنظيمات واإلجراءات الحزبية البيئات املؤسساتية التي تتنافس ضمنها‬
‫األحزاب‪ ،‬وال يعتبر ذلك إال أحد العوامل املتعددة التي تؤثر على خيارات األحزاب‪.‬‬
‫‪ -‬على األحزاب السياسية خاصة الجديدة منها التي تعتمد بشكل ضعيف ومحدود على وسائل‬
‫اإلعالم خاصة املرئية منها الحفاظ على تنظيمات القاعدة الشعبية ورعايتها لتسهم في نشر رسالة الحزب‪.‬‬
‫‪ -‬إن اإلطار الثقافي والتاريخي من العوامل البيئية األخرى التي من املمكن أن تؤثر على خيارات‬
‫األحزاب التنظيمية (الدين‪ ،‬النقابات العمالية‪)...‬‬
‫‪ -‬قد يكون االلتزام األيديولوجي االعتبار األساس ي داخل األحزاب‪ ،‬حينما يتعلق األمر باتخاذ‬
‫القرارات التنظيمية‪.‬‬
‫على العموم فإن نتائج التغيير التنظيمي تتحدد من خالل ضغوطات البيئة الداخلية والخارجية‬
‫للحزب‪ ،‬ففيما يتعلق بالبعد الداخلي فإنه يشمل على الفئات والتيارات واألفراد الذين لديهم طموح في‬
‫االرتقاء إلى املناصب العليا داخل الحزب‪ ،‬أما فيما يتعلق بالبعد الخارجي فهو مرتبط بقوة الضغوطات‬
‫التي تسببها التغييرات في القوانين الخاصة باألحزاب واالنتخابات‪ ،‬ونتائج االنتخابات السلبية (الخسارة في‬
‫االنتخابات)‪.‬‬
‫من الناحية العملية تكون عملية املداوالت في أغلب األحيان األكثر انفتاحا من التصويت نفسه‪،‬‬
‫فقد تبذل لجان وضع السياسة الحزبية جهدا عظيما لتثبت أنها تصغي إلى اآلراء املختلفة‪ ،‬فتنعقد مثال‬
‫اجتماعات استشارية في أرجاء الدولة أو تستجدي التعليقات عبر االنترنيت‪ ،‬وتصبح املؤتمرات الحزبية‬
‫الوسيلة األكثر شيوعا ملنح املوافقة الرسمية على املواقف الرسمية(‪.)30‬‬
‫لذلك فإن املعايير التي من املمكن بواسطتها تطبيق الديمقراطية الداخلية لألحزاب كما حددها‬
‫روبرت دال هي كما يلي(‪:)31‬‬
‫‪ -‬معيار املشاركة‪ :‬أي املشاركة الفعالة لألعضاء داخل الحزب من خالل فسح املجال على قدر‬
‫املساواة ألعضاء الحزب في اتخاذ القرار‪.‬‬

‫‪834‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬


‫‪ -‬معيار الشفافية مع معيار املساواة ي التصويت‪.‬‬
‫ويذكر محمد الوزاني وهو من الزعماء السياسيين األوائل في املغرب إلى جانب عالل الفاس ي‬
‫مؤسس حزب االستقالل املغربي أن تأسيس األحزاب وتقعيد الديمقراطية داخلها يتحدد من خالل ثالثة‬
‫شروط(‪ :)32‬الحرية داخل الحزب‪ ،‬االنضباط الحزبي‪ ،‬وكذا تجديد الحزب‪.‬‬
‫‪ -‬أما حرية الرأي فهي حجر األساس لكل تنظيم سياس ي في إطار أيديولوجية الحزب وهيكلته‪.‬‬
‫‪ -‬أما االنضباط والحرية كما سماه بالنظام هما شيئان متالزمان داخل الحزب‪ ،‬فبغير النظام ال‬
‫يكون الحزب حزبا وال يتمكن من القيام بمأموريته‪ ،‬فالحفاظ على وحدة الحزب وامتثال األقلية‬
‫لألغلبية في إطار من الحرية الحزبية هما أساس االنضباط الحزبي‪.‬‬
‫‪ -‬أما الشرط الثالث املتعلق بتجديد الحزب فاألمر هنا يتعلق بحيوية الحزب والحفاظ عليها من‬
‫خالل تجديد هياكله باستمرار باالعتماد على األطر الكفأة مع تجنب القيادة البيروقراطية‪.‬‬
‫خاتمة‪ّ :‬‬
‫إن معوقات العمل الديمقراطي في الحياة الداخلية لألحزاب السياسية في الوطن العربي متعددة‬
‫ومتشابكة مع بعضها البعض‪ ،‬ولكن املؤكد أن البيئة العامة التي نشأت فيها هذه األحزاب أثرت بشكل‬
‫مباشر على طريقة عملها‪ ،‬حيث أن العمل السري لألحزاب في إطار األحادية الحزبية أو األنظمة الشمولية‬
‫ثم العمل في إطار التعددية املحدودة لم يسمح بترسيخ ثقافة الحوار والحرية في إبداء اآلراء واألفكار داخل‬
‫تلك األحزاب‪ ،‬األمر الذي انعكس بالسلب على العمل الحزبي بشكل عام في العالم العربي‪ ،‬لذلك كان من‬
‫الضرورة بمكان إيجاد الحلول ليستقيم السلوك السياس ي لألحزاب‪ ،‬وبالتالي العمل من أجل خلق السبل‬
‫املمكنة لترسيخ العمل الديمقراطي الداخلي‪ ،‬فال يعقل أن تطالب األحزاب بالديمقراطية وهي ال تعمل بهذا‬
‫السلوك الغائب عن قاموسها السياس ي‪ ،‬فكانت اجتهاداتنا واجتهادات غيرنا تصب من خالل هذه الدراسة‬
‫في سبيل إيجاد حلول واقتراحات تمكن األحزاب من تجاوز العقبات السالفة الذكر‪ ،‬وبالتالي تعبيد الطريق‬
‫نحو ترسيخ الحوار الداخلي لألحزاب والعمل على االرتقاء بالعمل الحزبي نحو األفضل‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الهوامش‪ّ :‬‬
‫(‪ )1‬عامر مصباح‪ ،‬مفاهيم العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ .‬الجزائر‪ :‬املكتبة الجزائرية‪ ،2005،‬ص‪.77-76‬‬
‫(‪ )2‬عبد الحي حباشنة‪ ،‬الدليل التدريبي لألحزاب السياسية األردنية‪ .‬عمان‪ :‬مركز القدس للدراسات السياسية‪ ،2014 ،‬ص‪.32‬‬
‫(‪ )3‬عبد الناصر جابي وآخرون‪ ،‬مفهوم األحزاب الديمقراطية وواقع األحزاب في البلدان العربية‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،2012،‬‬
‫ط‪ ،2‬ص‪.182‬‬
‫(‪ )4‬ميريام كاتوس‪ ،‬كرم كرم‪ ،‬العودة إلى األحزاب؟ املنطق الحزبي والتحوالت الحزبية في البلدان العربية‪ .‬بيروت‪ :‬املركز اللبناني‬
‫للدراسات‪،2010،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )5‬نفس املرجع والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )6‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪835‬‬


‫(‪ )7‬علي الدين هالل‪ ،‬نيفين مسعد‪ ،‬النظم السياسية العربية‪-‬قضايا االستمرار والتغيير‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،2014،‬ص‪.176‬‬
‫(‪ )8‬خلف صالح علي عبد هللا الجبوري‪ ،‬األحزاب السياسية واإلصالح السياس ي في األردن‪ ،‬عمان‪ :‬دار زهران‪،2016،‬ص‪.93‬‬
‫(‪ )9‬نفس املرجع والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )10‬علي الدين هالل‪ ،‬نيفين مسعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫(‪)11‬جمال عبد الحميد مسيعدين‪ ،‬األحزاب السياسية بين النظرية والتطبيق‪-‬دراسة حالة األحزاب السياسية في األردن‪ .‬عمان‪ :‬دار‬
‫الطفيلة‪،2014،‬ص‪.269‬‬
‫(‪ )12‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.270‬‬
‫(‪ )13‬محمد ضريف‪ ،‬األحزاب السياسية املغربية من سياق املواجهة إلى سياق التوافق ‪.1999-1934‬الدار البيضاء‪ :‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫‪،2001‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )14‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )15‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪13‬‬
‫(‪ )16‬محمد سعيد الشركي‪ ،‬الديمقراطية واألحزاب املغربية من الغلبة؟‪ .‬بـ بـ نـ‪ :‬بـ د نـ‪ ،‬بـ سـ نـ‪ ،‬ص‪.86-81‬‬
‫(‪ )17‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫(‪ )18‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫(‪ )19‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫(‪ )20‬بلقيس أحمد منصور‪ ،‬األحزاب السياسية والتحول الديمقراطي(دراسة تطبيقية على اليمن)‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪ ،2004 ،‬ص‪276‬‬
‫(‪ )21‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.282‬‬
‫(‪ )22‬عيس ى جوادي‪ ،‬األحزاب السياسية في الجزائر‪ .‬الجزائر‪ :‬منشورات قرطبة‪ ،‬بـ سـ نـ‪،‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )23‬نفس املرجع والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )24‬سعيد نكاوي‪ ،‬املشهد الحزبي باملغرب بين التحالف واالنشقاق‪ .‬الرباط‪ :‬دار املعرفة‪ ،2003 ،‬ص‪.40‬‬
‫(‪ )25‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )26‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )27‬محمد سعيد الشركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )28‬صباح صبحي حيدر‪ ،‬إصالح األحزاب السياسية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتب القانونية‪،2012 ،‬ص‪.103‬‬
‫(‪ )29‬سوزان سوكارو‪ ،‬األحزاب السياسية والديمقراطية من الناحيتين النظرية والعملية‪-‬تطبيق الديمقراطية داخل األحزاب‪ .‬واشنطن‪ :‬املعهد‬
‫الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية‪،2006 ،‬ص‪.www.ndi.org21-20‬‬
‫(‪ )30‬صباح صبحي حيدر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫(‪ )31‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.113-112‬‬
‫(‪ )32‬محمد شقير‪ ،‬الديمقراطية الحزبية في املغرب‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬إفريقيا الشرق‪ ،2003 ،‬ص‪ّ .157‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫‪836‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪837 824‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪09‬‬


ّ
ّ
ّ
ّ

2018 837 824 02 09 837

You might also like