You are on page 1of 29

‫البعد القيمي يف السوق اإلسالمية‬

‫د‪.‬جاسم الفارس‬
‫أستاذ االقتصاد اإلسالمي المساعد‬
‫جامعة الموصل‬

‫ليست السوق هي المؤسسة التي يتقابل فيها العرض والطلب بكل ما يمثالنه من قوى‬
‫اجتماعية ونشاطات اقتصادية وحسب‪ ،‬فهي اكبر من أن نقول ‪ ..‬إنها مجال التبادل النقدي‬
‫والسلعي وتحديد األسعار‪ ،‬هذه الرؤية التي حددتها المنطلقات الغربية لمفهوم السوق وانما هي‬
‫زيادة على ذلك‪ ،‬مجال لممارسة القيم في دائرة النشاط االقتصادي بعامة والتبادل وتحديد األسعار‬
‫بخاصة‪.‬‬
‫ذلك أن المعامالت االقتصادية تمارس في ضوء منظوم>>ة قيمي>>ة‪ ،‬وفي المنظ>>ور اإلس>>المي‬
‫ال يمكنن> >>ا تص> >>ور معامل> >>ة اقتص> >>ادية أو فعالي> >>ة اقتص> >>ادية مج> >>ردة عن القيم> >>ة‪ ،‬وال يمكنن> >>ا تص> >>ور‬
‫مؤسس> >>ة اقتص> >>ادية مج> >>ردة عن القيم> >>ة‪ ،‬ذل> >>ك أن القيم> >>ة والوج> >>ود في االقتص> >>اد اإلس> >>المي نس> >>يج‬
‫متكامل‪ ،‬وفي هذه المنطقة يتميز االقتصاد اإلسالمي عن غيره من االقتصادات‪.‬‬
‫فإذا كانت الملكية – خاصة ام عامة – مؤسسة فان الضوابط القيمية آلليات حركتها‬
‫وأهدافها هي التي تحدد طبيعة وجودها‪.‬‬
‫وإ ذا كانت (الحرية االقتصادية) نظامًا وسلوكًا فإن الضوابط القيمية هي التي تحدد‬
‫طبيعتها وأهدافها ووسائلها‪.‬‬
‫وإ ذا كانت السوق مؤسسة فإن الضوابط القيمية هي التي تحدد طبيعة وجود ذلك السوق‪.‬‬
‫في نظرية االستهالك التي أصبحت احد ثوابت االقتصاد الغربي فإن هدف المستهلك هو‬
‫تعظيم المنفعة أو اإلشباع فإذا سألنا عن ماهية هذا اإلشباع قيل لك انه ال شيء غير ما يقرره‬
‫المستهلك‪.‬‬
‫إن االقتصاد الغربي قد قبل كمّس لمة‪ ،‬وهّر ب إلينا مذهب الفردية‪ ،‬بل ونوعًا من اإلباحية‪،‬‬
‫كل ما ترغب فيه هو أمر مشروع‪ ،‬أو في األقل ليس على االقتصادي االعتراض عليه وال يمكن‬
‫مساءلة المستهلك عن القيمة األخالقية أو االجتماعية لما يريد‪.‬‬
‫حتى تقسيم عناصر اإلنتاج إلى عمل ورأس مال وارض وتنظيم‪ ،‬ليس تقسيمًا حياديًا كما‬
‫يبدو للكثيرين‪ ،‬انه يحمل موقفًا قيميًا أو عدة مواقف قيمية تتعارض مع الموقف األخالقي أو‬
‫الفلسفي لمجتمع إسالمي أو غير أوربي ‪..‬‬

‫‪44‬‬
‫فوضع العمل في نفس المستوى الذي يوضع فيه رأس المال أو الطبيعة هو موقف يحتمل‬
‫النقاش والجدل‪ .‬وكذلك إعالء (التنظيم) إلى نفس مستوى العمل اإلنساني أو الطبيعة‪ ،‬فقد أدت‬
‫أمثال هذه التصنيفات إلى مواقف نظرية وعملية قد تعد من وجهة نظر حضارة مغايرة مواقف‬
‫مستهجنة أخالقيا‪ ،‬كوصف العمل والنظر إليه على انه (رأس مال بشري) أو قبول اعتبار العمل‬
‫شيئا قابًال للتصدير‪ ،‬وحساب منافع تصديره وتكاليفه كما تحسب منافع وتكاليف أية سلعة أخرى‪.‬‬
‫ألجل ذلك كان بحثنا في البعد ألقيمي للسوق اإلسالمية في محاولة متواضعة للوقوف‬
‫على طبيعة السوق اإلسالمية‪ ،‬والكشف عن منظومتها القيمية دون الدخول في تفاصيل األسواق‬
‫المعروفة (سوق العمل‪ ،‬سوق السلع‪ ،‬سوق النقد ‪ ..‬أو صفاتها كالمنافسة أو االحتكار ‪ ..‬وإ نما‬
‫سيكون تركيزنا على البعد ألقيمي للسوق بعامة‪ .‬ولماذا تعمل السوق بهذه الطريقة أو تلك‪ ،‬وكيف‬
‫تعمل في ظل منظومة قيمية معينة‪.‬‬
‫وألجل توضيح أبعاد األطروحة رأينا أن نتناولها في محورين‪:‬‬
‫‪ -1‬المنظومة القيمية للسوق غير اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬المنظومة القيمية للسوق اإلسالمية‪.‬‬
‫وبرؤية مقارنة نعالج في كل منهما األسس األخالقية والعقدية التي توجه آليات عمل‬
‫السوقين‪.‬‬
‫واعتمدنا في هذه المعالجة المنهج العلمي اإلسالمي القائم على الجمع بين قراءة الوجود‬
‫في ضوء الوحي‪ ،‬وقراءة الوحي في ضوء الوجود‪ ،‬من اجل الكشف عن قوانين عمل السوق‬
‫اإلسالمية في ظل الهدي اإللهي الذي يهدي للتي هي أقوم مؤكدين على حقيقة وحدة المعرفة‬
‫والقيم في المنظور اإلسالمي‪ ،‬بغية اإلسهام في تصحيح عمل السوق الحرة المعاصرة في البلدان‬
‫اإلسالمية بخاصة – والعالمية بعامة‪ ،‬لتكون منسجمة مع سنن اهلل تعالى الهادفة إلى إسعاد اإلنسان‬
‫واعمار العالم‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المنظومة القيمية للسوق غير اإلسالمية‪.‬‬


‫السوق وجود‪ ،‬وللوجود قيم – فللسوق قيم – والقيمة ليست تجريدا لعناصر الوجود وال‬
‫تجميعا له‪ ،‬وإ نما هي (كلية) مكملة لكلية الوجود وموجه له في الوقت نفسه ‪ ،-‬والقيمة ليست‬
‫انشغاال فرديا بالذات‪ ،‬وإ نما هي تجاوز لما هو فردي‪ ،‬وانشغال باآلخر (الغير)‪ ،‬واآلخر الذي‬
‫تفترضه القيمة هو كل ما سواي‪ ،‬هو الذي أمامي‪ ،‬وهو الذي بعيد عني وهو الذي كان‪ ،‬وهو الذي‬
‫سيأتي كذلك‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ذلك أن القيمة قضية إنسانية تقوم على األحكام اإلنسانية التي يتمكن اإلنسان من خاللها‬
‫توجيه الوجود‪ ،‬إال أن تعدد البشر يفترض حتما تعدد القيم‪ ،‬وبغية تجاوز هذه التعددية القيمية‬
‫سعت البشرية إلى تطوير منظومة قيم تصورتها مطلقة‪ ،‬أقول تصورتها مطلقة ألنها في الحقيقة‬
‫ليست كذلك‪ ،‬وإ نما هي من حيث ما فيها من حق وخير وجمال فهي قيم عليا نسبية الن القيم‬
‫المطلقة هي تلك التي تأتي من المطلق‪ ،‬وليس من مطلق في الوجود إال اهلل عز وجل‪ ،‬وعليه فان‬
‫القيم المطلقة هي التي تعالج شؤون اإلنسانية كافة بدون تحيز لفئة على حساب فئة أخرى إال‬
‫بالحق‪ ،‬فالحرية قيمة كلية‪ ،‬وعندما تكون كذلك يكون الناس جميعا أحرارا‪ ،‬أما حرية فئة على‬
‫حساب فئة أخرى فهي ال تعدو أن تكون سقوطا أو استغالال أو امتيازات أو منافع ولّذ ات‪.‬‬
‫إن القيم المطلقة والنسبية ترتبط بالوجود‪ ،‬إذ ال حياة إال فيه ‪،‬عبر عمل اإلنسان الذي‬
‫تصنع اتجاهه(‪ ،)1‬فما المنظومة القيمية التي توجه وتنظم السوق في االقتصادات غير اإلسالمية؟‬
‫قبل تحديد عناصر هذه المنظومة القيمة البد من اإلشارة إلى أن الحديث عنها هو حديث‬
‫عن األخالق وعالقاتها بالعمل والمعرفة والنظر إذ ظلت هذه العالقة ولم تزل مدار نقاش بين‬
‫فالسفة الغرب ومناصريهم في بلدان العالم الثالث ‪ ..‬األمر الذي أنتج االتجاهات اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬اتجاه يرى أن األخالق ليست فنا أو صناعة‪ ،‬بل هي علم نظري بحت يهدف إلى فهم طبيعة‬
‫الظاهرة الخلقية‪ ،‬وأصحاب هذا االتجاه حريصون على إبراز الطابع العلمي لألخالق‪ ،‬ويؤكدون‬
‫على أن دراسة معايير السلوك أو طبيعة الحياة الخلقية أو ماهية الخير والشر وغيرها من مسائل‬
‫أخالقية‪ ،‬إنما هي الحياة الخلقية أو ماهية الخير والشر وغيرها من مسائل أخالقية‪ ،‬إنما هي عملية‬
‫(بحث) أو (نظر) وبالتالي فهم بإزاء (علم) ال بإزاء فن‪.‬‬
‫‪ -2‬اتجاه يرى انه ال شان للنظرية األخالقية بالتطبيق العملي‪ ،‬وبالتالي فانه ال مجال للحديث عن‬
‫(نظر) يؤثر على (العمل) وان التجربة كفيلة بأن تبين أن العلم بالمبادئ األخالقية ال يكفي وحده‬
‫لتوجيه صاحبه نحو طريق (الفضيلة)‪ ،‬أو لتحويله عن سبيل الشر على اقل تقدير‪)2(.‬‬
‫‪ -3‬اتجاه يرى أن القيم األخالقية قيم نسبية وان هي إال مجرد وقائع اجتماعية تقبل الوصف‬
‫والتحليل والتصنيف والقياس‪ ،‬وذهبوا إلى أن لكل شعب أخالقه الخاصة التي عملت على تحديدها‬
‫ظروف اجتماعية متعددة‪.‬‬
‫‪ -4‬اتجاه يرى أن القيم األخالقية هي قيم مطلقة تتجلى فيما تتسم به من (كلية) وضرورة‬
‫وموضوعية‪ ،‬وان جهل اإلنسان بها في وقت من األوقات ليس دليال على نسبيتها‪)3(.‬‬
‫إن السوق في االقتصادات غير اإلسالمية قد استقطبت االتجاهات الثالثة األولى‬
‫المذكورة آنفا عبر ثالثة موضوعات شكلت بنية منظومتها القيمة هي‪:‬‬
‫‪ -3‬المنفعة‬ ‫‪ -1‬األنانية ‪ -2‬اللذة‬
‫وهي في الوقت نفسه تشكل مساحة كبيرة من معالم الرأسمالية وخصائصها‪ ،‬التي منها‪-:‬‬

‫‪46‬‬
‫أ‪ -‬التوسع المتسارع للثروة واإلنتاج األقصى وإ شباع الرغبات طبقًا ألذواق األفراد‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن حرية الفرد التي ال يعوقها عائق في السعي وراء المصلحة المالية الذاتية وحيازة‬
‫األموال وإ دارتها أمور الزمة للمبادرة الفردية‪.‬‬
‫ج‪ -‬ان عمل جميع األفراد لخدمة مصالحهم الذاتية سيؤدي تلقائيًا إلى خدمة المصلحة االجتماعية‬
‫(‪)4‬‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫األنانية‬
‫إن األنانية بالمنظور الفلسفي الغربي ليست (شر محض) وإ نما هي قيمة في ذاتها‬
‫بوصفها احد مظاهر اهتمام اإلنسان بنفسه‪ .‬لقد عبر (آدم سميث)‪ ،‬ومن بعده (كانت) عن هذه‬
‫الحقيقة‪ .‬فقد كتب (آدم سميث) كتابه( نظرية المشاعر األخالقية)‪ ،‬ليبحث في أصل الدوافع‬
‫األخالقية التي تحمل المرء على الرضا عن شئ أو استنكاره‪ ،‬فكيف يحدث ان اإلنسان وهو‬
‫مخلوق تقوم تصرفاته على المصلحة الذاتية‪ ،‬يكوّن أحكاما أخالقية تبدو فيها المصلحة الذاتية‬
‫كأنها غير ذات معقول‪ .‬أو كأنما ارتفعت إلى مستوى أعلى! فكان اعتقاد سميث أن الجواب يكمن‬
‫(‪.)5‬‬
‫في قدرتنا على أن نضع أنفسنا موضع الشخص الثالث أي المراقب المحايد‬
‫غير أن االعتقاد الرئيسي الذي ذهب إليه (آدم سميث) هو أن ال شي أكثر من‬
‫(‪)6‬‬
‫األنانية يكون ضروريًا للمجتمع من اجل تحقيق نواتج اجتماعية مثلى‪.‬‬
‫( إننا ال نتوقع أن نحصل على عشائنا من نزعة الجزار أو الخباز أو صانع الخمر إلى‬
‫عمل الخير‪ ،‬ولكن من حرصهم على مصلحتهم الذاتية الخاصة بهم‪ ،‬ونحن ال نخاطب إنسانيتهم‬
‫ولكن نخاطب حبهم لذاتهم‪ ،‬وال نحدثهم عن حاجاتنا األساسية ولكن عن الفوائد العائدة عليهم‪ ،‬ال‬
‫احد ولكن المتسول يختار أن يعتمد بصورة رئيسية على نزعة مواطنيه إلى عمل الخير‪ ،‬وحتى‬
‫المتسول ال يعتمد عليهم كليًا‪ .‬إن إحساس الناس الذين يحبون الخير يزوده بكل مورد رزقة ولكن‬
‫مع إن هذا المبدأ يزودة بكل حاجات الحياة الضرورية التي له حاجة إليها‪ ،‬إال انه ال يزوده‪ ،‬وال‬
‫يمكنه ان يزوده بها في الوقت الذي تكون له حاجة إليها‪ ،‬إن القسم األكبر من حاجاته عند‬
‫االقتصاد توفر بنفس الطريقة التي توفر لبقية الناس من خالل المساومة والتفاوض و المقايضة‬
‫والشراء)(‪.)7‬‬
‫إن هذه الرؤية الفلسفية آلدم سميث تمحورت حول مشكلتين خطيرتين تناولها في كتابه‬
‫(ثروة األمم)‪:‬‬
‫المشكلة األولى‪ :‬هي الكشف عن كيف يمكن لجماعة كل فرد فيها يسعى لتحقيق مصلحته الذاتية‬
‫ال تتفكك بفعل القوة الطاردة وحدها؟ والمشكلة الثانية هي ما الشيء الذي يسترشد به كل امرئ‬
‫(‪)8‬‬
‫في العمل الخاص الذي يزاوله بحيث يكون متفقا مع حاجات المجموعة؟‬

‫‪47‬‬
‫لقد قادت هاتان المشكلتان سميث إلى صياغة قوانين السوق‪ ،‬فكانت أداته المعرفية هي‬
‫(اليد الخفية) التي بمقتضاها تسير مصالح الناس الخاصة وأهواؤهم في االتجاه األكثر اتفاقًا مع‬
‫مصلحة المجتمع‪.‬‬
‫إن قوانين السوق التي تحدث عنها أبو االقتصاد الغربي (آدم سميث) تبين لنا كيف أن‬
‫دافع المصلحة الذاتية الفردية الذاتية في بيئة من أفراد يحركهم هذا الدافع بالمثل يؤدي إلى منافسة‬
‫التي تقود بدورها إلى توفير السلع بالكميات التي يرغب فيها المجتمع‪ ،‬وباألثمان التي هو على‬
‫استعداد ألدائها‪.‬‬
‫إن المصلحة الذاتية تدفع الناس إلى العمل‪ ،‬وتدفعهم إلى تحقيق مزيد من األرباح لذلك‬
‫كانت المنافسة عامًال منظمًا لدوافع الناس إلى العمل والربح‪ ،‬فالمنتج الذي يريد أن تسود مصلحته‬
‫الذاتية سيجد منتجًا آخر قد سبقه في هذا المضمار‪ ،‬فإذا ما طالب بثمن أعلى لسلعته أو اجر اقل‬
‫لعماله‪ .‬سيجد نفسه بال مشترين‪ ،‬أو بغير أفراد يخدمونه الن هناك منتجين غيره سيطلبون سعرًا‬
‫اقل أو يدفعون أجرا أعلى انتصارًا لمصلحتهم الذاتية‪ ،‬وبنفس الطريقة تتحدد كمية المنتجات من‬
‫السلع‪.‬‬
‫فلو طلب المستهلكون قمصانًا أكثر مما يجري إنتاجه أو اقل‪ ،‬فسوف يتهافت الجمهور‬
‫على المخزون من القمصان فتصاب سوق األحذية بالركود مما يجعل أسعار القمصان تميل إلى‬
‫االرتفاع كلما زادت مشتريات المستهلكين منها على الموجود منها بالفعل‪ ،‬وتميل أسعار األحذية‬
‫إلى الهبوط حين ال يقبل الجمهور على مخازنها‪ ،‬هنا على الموجود منها بالفعل‪ ،‬وتميل أسعار‬
‫األحذية إلى الهبوط حين ال يقل الجمهور على مخازنها‪ ،‬هنا تتقدم المصلحة الذاتية لتصحيح‬
‫الميزان‪ ،‬اذ يتحرر العمال من صناعة األحذية حتى تقل مصانعها من اإلنتاج‪ .‬أو ينتقلون إلى‬
‫صناعة القفازات حيث األعمال في رواج‪ ،‬والنتيجة واضحة جدًا وهي ارتفاع إنتاج القفازات‬
‫وهبوط إنتاج األحذية‪.‬‬
‫ليست هذه مهمة السوق وقوانينه وحسب‪ ،‬وإ نما هناك قضية أخرى تتدخل السوق في‬
‫تنظيمها أال وهي قضيه (دخل) الذين يتعاونون في إنتاج تلك السلع‪ ،‬فإذا ما ارتفعت األرباح في‬
‫قطاع معين من قطاع األعمال هجم عليه رجال األعمال اآلخرون إلى أن تنخفض المنافسة من‬
‫الفائض وإ ذا كانت أجور أعمال قطاع معين أعلى من غيرها في قطاعات أخرى فان العمال‬
‫سيهجمون على هذا القطاع كذلك طمعًا في األجر العالي إلى ان تعيد يد السوق الخفية التوازن إلى‬
‫هذه القطاعات‪.‬‬
‫(‪)9‬‬

‫إن األنانية (المصلحة الذاتية) هي القيمة التي تتحرك بحرية في السوق التي تصورها آدم‬
‫سميث وبنى عليها قوانين عملها‪ .‬إن تصورات سميث هذه لم تات من فارغ‪ .‬وال القيمة التي بنى‬
‫عليها تحليله االقتصادي للسوق هي من صنعه‪ ،‬إنما هي جزء من تكوين النفس اإلنسانية‪ ،‬انه‬

‫‪48‬‬
‫الجزء الذي تؤدي سيادته على السلوك اإلنساني إلى تحويل اإلنسان إلى كائن استغاللي‬
‫بالضرورة‪ -‬شحيح‪ -‬مصلحي بالضرورة فيقوم وجوده كله على التملك والتملك فقط‪ .‬حيث‬
‫تتمحور قراراته االقتصادية وغير االقتصادية كذلك حول األشياء وكيفية امتالكها والسيطرة‬
‫عليها حتى اإلنسان يصبح موضوعًا للتملك‪ .‬ولذلك كان للعمال سوق تباع فيه قوة عملهم لقاء‬
‫العيش والحياة‪.‬‬
‫لقد حاول سميث أن يضفي المشروعية على هذا الجانب من النفس اإلنسانية‪ ،‬ويصوغ‬
‫رغباتها وأشواقها في قوانين اقتصادية تنظم آلية النشاط االقتصادي الرأسمالي وتفسرها كذلك‪.‬‬
‫إذ أن هذه اآللية االقتصادية تتحرك في ضوء منظومة قيمية ترى ان المصلحة الذاتية هي‬
‫آلية االصطفاء التي تحفز األفراد على اإلسهام في النشاط االقتصادي‪ ،‬حيث ترّخ ص للمستهلكين‬
‫استهالك ما يرغبون على وفق أذواقهم بغية تحقيق الحد األقصى لمنافعهم‪ ،‬كما ترّخ ص للمنتجين‬
‫إنتاج ما يرغبون استجابة ألذواق المستهلكين‪ .‬وذلك من خالل تجميع ما يشاءون من عناصر‬
‫اإلنتاج التي يرون أنها مالئمة لتقليص التكاليف إلى الحد األدنى أو زيادة أرباحهم إلى الحد‬
‫األقصى(‪ )10‬والوجه المادي آللية االصطفاء القيمية هي (األسعار) التي تمارس دورها العملي‬
‫في تحقيق التوازن بين العرض والطلب من خالل فرض سيطرتها على االستهالك واإلنتاج معا‪.‬‬
‫أما ما هو خارج هذه اآللية فال اعتبار له‪..‬‬
‫الّل ــذة‬
‫على الرغم من أن اللذة هي غاية ثانوية من غايات الحياة المتعددة‪ ،‬إال أنها تمتلك قوة‬
‫اسر توجه اإلنسان نحو الحصول على مزيد منها بفعل النجاحات التي يحققها في أعماله‪ .‬إن‬
‫الرغبة في الحصول على السلع والخدمات وتحقيق األرباح والنجاح في تحقيق الذات‪ -‬على سبيل‬
‫المثال‪ -‬كلها عوامل تجعل من اللذة قوة دافعة للحصول على المزيد مما ذكرنا‪ ،‬ما دامت رغبة‬
‫اإلنسان متعلقة بها‪.‬‬
‫لقد استقطبت السوق الرأسمالية لذات الحياة كافة‪ ،‬وحولتها إلى سلع أو خدمات وتمكنت‬
‫عبر اإلعالن وآليات السعر والتقدم التكنولوجي والثقافة من صياغة نمط من التلقي يقوم جوهره‬
‫على اللذة‪ ،‬حتى بات الدفاع عن اللذة دفاعًا عن الحياة‪ ،‬والدفاع عن الحياة دفاع عن اللذة‪ ،‬ذلك الن‬
‫بنية السوق الرأسمالية القيمية تقوم على رغبة الفرد في تحسين حالته االقتصادية في إطار‬
‫عالقات الحرية السائدة في تلك السوق‪.‬‬
‫إن تحقيق حالة من التطور االقتصادي متقدمة تقنيًا تحقق لذة للذين أسهموا في انجازها‪.‬‬
‫والملكية الفردية وما توفره من قوة مادية أو نفسية تحقق لذة للذين يشعرون أنهم يملكون أكثر من‬
‫غيرهم‪ .‬وأصحاب مراكز القوة االقتصادية‪ -‬سواء أكانت مؤسسة فردية أم اجتماعية‪ -‬الذين‬
‫يتمتعون بقدرة على اتخاذ القرارات يشعرون بلذة من جراء عملهم في مثل هذه المراكز تدفعهم‬

‫‪49‬‬
‫إلى مزيد من االنجاز من اجل مزيد من اإلحساس باللذة والتفوق والمستثمرين تدفعهم لذة من‬
‫جراء عملهم في مثل هذه المراكز تدفعهم إلى المزيد من االنجاز من اجل مزيد من اإلحساس‬
‫باللذة والتفوق‪ .‬والمستثمرين تدفعهم لذة اإلحساس بالتفوق والكفاءة وتحقيق األرباح إلى مزيد من‬
‫عمليات االستثمار وهكذا‪ ،‬فليس هناك من سلوك اقتصادي أو غير اقتصادي إال وللذة فيه نصيب‬
‫ولكن هناك فرق بين أن تكون اللذة هدفًا لذاته‪ ،‬وبين ان تكون إحدى نتائج العمل اإلنساني‪ -‬أو‬
‫ظاهرة تصاحبه‪.‬‬
‫وإ ذا كانت اللذة مع كثير من هذه السلوكيات لها ما يسوغها إذا كانت مصاحبة للعمل أو‬
‫نتيجة له ولإلحساس بالتقدم والنجاح‪ .‬فان الخطورة تكمن في ان تكون السوق نمطًا استهالكيًا ينبع‬
‫من اللذة ويصب فيها‪ .‬وهو الذي عليه السوق غير اإلسالمية اليوم‪ .‬هذه السوق التي كونت نمطًا‬
‫استهالكيًا يقوم على قياس قيمة اإلنسان بما في حياته من ترف وكماليات وبمقدار ما يشتري من‬
‫سلع كمالية‪ ،‬األمر الذي يولد حمى المنافسة على االستهالك لغرض االستهالك‪ ،‬سدًا لحاالت‬
‫نفسية غير منطقية مثل التمتع لغرض التمتع والتقليد والمباهاة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى مزيد من‬
‫اإلسراف تتراجع معه االدخارت والتالي تعجز عملية تكوين رأس المال وتضعف في تأدية‬
‫دورها االجتماعي‪ ،‬وهو األمر الذي نهى عنه القرآن الكريم حين ذم اللذة لغرض اللذة والتمتع‬
‫لغرض التمتع‪:‬‬
‫‪َ -‬و اَّلِذ يَن َك َفُر وا َيَتَم َّتُعوَن َو َيْأُك ُلوَن َك َم ا َتْأُكُل اَألْن َع اُم َو الَّناُر َم ْثًو ى َلُهْم ‪ ‬محمد‪12/‬‬
‫‪ُ -‬ك ُلوا َو َتَم َّتُعوا َقِليًال ِإَّنُك ْم ُم ْج ِر ُم وَن ‪ ‬المرسالت‪46/‬‬
‫‪َ -‬ذ ْر ُهْم َيْأُك ُلوا َو َيَتَم َّتُعوا َو ُي ْلِهِه ْم اَألَم ُل َفَسْو َف َيْع َلُم وَن ‪ ‬الحجر‪3/‬‬
‫وفي الوقت الذي ذم القرآن الكريم المتعة ألجل المتعة بكل ما تمثله من إسراف وهدر‬
‫للموارد والطاقات اإلنسانية‪ -‬فقد دعا القرآن الكريم في الوقت نفسه الناس إلى التمتع بالطيبات‬
‫من الرزق في إطار احترام سنة اهلل تعالى في خلقة والتي تمثل في بناء جسم اإلنسان وصحته‬
‫واستثمار الموارد االستثمار األمثل في إطار الرؤية العقالنية اإلسالمية للرشد االقتصادي التي‬
‫تقوم على السير في إطار هدى اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪َ -‬و َأْن اْس َتْغ ِف ُر وا َر َّبُك ْم ُثَّم ُتوُبوا ِإَلْي ِه ُيَم ِّتْع ُك ْم َم َتاًع ا َح َس ًنا‪ ‬هود‪3/‬‬

‫المنفعة‪:‬‬
‫إن بعض فالسفة االقتصاد الرأسمالي وجدوا في مبدأي األنانية واللذة ما يقود إلى تغليب‬
‫منفعة شخص على أخر‪ ،‬األمر الذي يعني مخالفة قوانين العدالة حسب وجهة نظرهم‪ ،‬لذلك رأى‬
‫أولئك أن يستعيضوا عن مفهوم اللذة بمفهوم آخر يقوم على مراعاة مصلحة البشرية بدال من‬
‫االقتصار على تأكيد خير الفرد‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ولما كان دعاة هذا المبدأ من المصلحين االجتماعيين‪ ،‬فقد وجدوا في مبدأ (المنفعة) ما‬
‫يحقق أهدافهم العامة‪ ،‬لذلك أطلق (بنتام) و (جون ستيورات مل) – وهما من ابرز دعاة مذهب‬
‫المنفعة – على مذهبهما اسم (أخالق المنفعة العامة) بدعوى أن العقل يقضي بأن يكون المرء انفع‬
‫بوجه عام لآلخرين بدال من أن يقتصر على البحث بصفة خاصة عن اكبر قدر ممكن من اللذة‪.‬‬
‫فهل قدمت هذه النظرية لإلنسانية الخير المرجو؟‬
‫لنستعرض أبعاد هذه النظرية قبل اإلجابة‪.‬‬
‫يذهب بنتام إلى أن الناس يطلبون اللذة حيثما يعملوا العقل‪ ،‬أي أن الناس يحكمون بأن‬
‫العقل الخير هو الذي يعود بلذة مستمرة أو الذي تزيد فيه اللذة على األلم‪ ،‬وان العقل الشرير هو‬
‫الذي يعود بألم مستمر أو الذي يزيد فيه األلم على اللذة – ولكي يحكم العقل يجب تقدير اللذات‬
‫بجميع ظروفها والموازنة بينها‪.‬‬
‫واللذات تقاس عنده من جهة الصفات الذاتية وهي الشدة والمدة أو الثبات وقرب المنال‬
‫والخصب (أي القدرة على إنتاج لذات أخرى) والنقاء (أي خلوها من األلم)‪ ،‬وتقاس ثانيا من جهة‬
‫عواقبها االجتماعية‪ ،‬وهي الخوف الذي يستولي على المواطنين من جراء الجريمة‪ ،‬والقدوة‬
‫السيئة التي تنشرها بينهم واالضطراب االجتماعي الذي تسببه‪ ،‬والقصاص الذي ينزل بالمجرم‪.‬‬
‫إن هذه العواقب هامة جدا يجب على الفرد مراعاتها الن منفعة المجموع شاملة للمنافع الفردية‬
‫ومن ثمة مقدمة عليها – ولذا كانت الغاية التي يتعين علينا السعي لتحقيقها هي (اكبر سعادة ألكبر‬
‫عدد) وهذا هو العلم الجديد الذي يأتي به (بنتام) ويسميه بالحساب الخلقي إلجادة االختبار بين‬
‫اللذات (‪.)11‬‬
‫لم يتخلص بنتام من اسر اللذة في دراسته للمنفعة‪ ،‬ال بل حول اللذة والمنفعة إلى قياس‬
‫كمي‪ ،‬فالنافع ال يكون نافعا إال بالقياس إلى شيء أخر ذي قيمة في ذاته‪ ،‬األمر الذي يعني ان‬
‫اللذات والمنافع ستكون أدوات قياس‪ ،‬األمر الذي جعل الناس في العصر الحديث عبيدا للمنفعة‪،‬‬
‫فهم يجرون وراء اللذات والمنافع دون التفكير في الغاية التي يلتمسونها من وراء تلك المنافع‬
‫واللذات وال غرو فقد أصبح إنسان العصر الحديث مفتقرا من جراء هذه الفلسفات المادية إلى‬
‫اإلحساس بالقيم‪ ،‬القيم التي تضفي على الوجود معنى(‪.)12‬‬
‫وفي محاولة لتفادي العيوب واالنتقادات التي القتها نظرية بنتام طرح (جون ستيوارت‬
‫مل) نظريته في المنفعة وهي تقوم على األسس اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬اللذة هي الشيء الوحيد الذي يعد مرغوبا فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬الدليل الوحيد ان شيئا ما مرغوبا فيه هو كون الناس يرغبون فيه بالفعل‪.‬‬
‫‪ -3‬سعادة كل شخص تمثل خيرا بالقياس إلى هذا الشخص وعلى ذلك فان السعادة العامة (خير)‬
‫بالنسبة للمجتمع‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -4‬قد يرغب الناس في موضوعات أخرى ولكنهم ال يرغبون فيها إال بوصفها وسيلة للسعادة أو‬
‫اللذة‪.‬‬
‫‪ -5‬اذا لقيت لذة ما (من بين لذتين مختلفتين) تفضيًال من جانب أولئك الذين هم على دراية بكلتا‬
‫اللذتين فان من حقنا أن نقول إن هذه اللذة أسمى – كيفيًا – من اللذة األخرى (‪.)13‬‬
‫إن (مل) في هذه المبادئ أعطى للكيف في الحصول على اللذة أهمية قصوى في حين‬
‫كان بنتام قد تجاهل هذا الكيف‪.‬‬
‫لقد مهدت أفكار بنتام ومل إلى صياغات جديدة لعلم االقتصاد‪ ،‬كان لها أثرها الواضح في‬
‫توجيه السلوك االقتصادي الرأسمالي وتحديد البنية القيمية للسوق تجلى ذلك بوضوح – على‬
‫سبيل المثال – في أطروحات (فرنسيس ادجورث) الذي افتتن بعلم االقتصاد ألنه علم يبحث في‬
‫المقادير الن كل شيء يعالج بالمقادير يمكن تحويله إلى الرياضيات‪ ،‬وعملية التحويل هذه كانت‬
‫تتطلب نبذ ذلك العالم المليء بالتوتر الذي تحدث عنه االقتصاديون األوائل‪ .‬ولعمل مثل هذه‬
‫المرآة الرياضية كان البد من تبسيط العالم‪ ،‬وكان التبسيط الذي اقترحه ادجورث يتمثل في‬
‫الفرض اآلتي‪-:‬‬
‫(كل إنسان آلة تصنع اللذة) وهو ما ينسجم مع ما طرحه بنتام وأطلق عليه االسم المذاع‬
‫وهو (حساب السعادة) وهو نظرة فلسفية ترى البشرية مكونة من عدد كثير من آالت حية لحساب‬
‫الربح والخسارة (‪.)14‬‬
‫ولم يقف األمر عند ادجورث وإ نما تعداه إلى (فون تونن) ومن ثم (ليون والراس) و‬
‫(جيفونز) ومن ثم (مارشال) و (روبنسون)‪.‬‬
‫لقد تصور هؤالء – وهم ينظرون للسوق الحرة غير اإلسالمية – إن االقتصاد ال شان له‬
‫باألخالق في حين إن معظم تحليالتهم بما فيها الرياضية انطلقت من قيم أخالقية‪ .‬لكنها قيم مادية‬
‫تكونت في إطار رؤية للعالم تقوم على عد المادة هي المكون األزلي واألساسي للكون الذي ال‬
‫تحكمه حكمة أو هدف أو أسباب نهائية‪ ،‬األمر الذي أصبحت معه المشاعر والقيم البشرية توصف‬
‫بأنها مجرد أوهام ال يوجد ما يسّو غها في الواقع لذا فان الثروة والملذات الجسدية والمسرات‬
‫الحسية هي القيم الوحيدة التي يمكن أن يسعى المرء إلى تحقيقها‪ ،‬أو هي أعظم تلك القيم‪.‬‬
‫لقد سحقت تلك القيم اإلنسان وجردته من عمقه الروحي‪ ،‬ولم تستطع اقتصاديات الرفاهية‬
‫والوفرة في أحسن الحاالت ان توفر له إشباعا روحيا يرتقي بإنسانيته إلى أعلى‪ ،‬وهي مهمة من‬
‫مهمات االقتصاد‪.‬‬
‫لقد أدى سيادة هذه الرؤى واألفكار والمذاهب إلى تكوين منظومة المفاهيم االقتصادية‬
‫الكلية التي حددت مالمح السوق غير اإلسالمية ونظمت آلياتها فكان (اإلنسان االقتصادي الرشيد)‬
‫الذي أصبح محور علم االقتصاد الحديث‪ ،‬أحد أهم تلك المفاهيم‪ ،‬وأصبح هذا اإلنسان سيد السوق‬

‫‪52‬‬
‫ومحور اهتمامها‪ ،‬وهذا اإلنسان تحركه المصلحة الذاتية التي تعد النبع الذي تصدر عنه أفعاله‪،‬‬
‫وسلوكه كله مطابقًا لما دعاه جيفونز (آلية المنفعة والمصلحة الذاتية)‪ ،‬ومسئوليته االجتماعية‬
‫الوحيدة هي أن يزيد ربحه على حد قول فريدمان‪ ،‬بل إن ادجورث يقول‪( :‬إن المبدأ األول لعلم‬
‫االقتصاد هو أن كل عامل ال تحركه إال المصلحة الذاتية)(‪.)15‬‬
‫لقد ساد مبدأ المنفعة نظريا وعمليًا الحياة الغربية‪ ،‬ومنها إلى بقية العامل شأنه شأن‬
‫المذاهب الفكرية األخرى كالبراغماتية (فلسفة الذرائع) التي سارت على خطواته‪ ،‬وسادت معه‬
‫رؤية فكرية للعالم تقوم على تجريد القيم األخالقية من طابعها المطلق وجعها نسبية وذاتية‬
‫ومشروطة بفائدتها وبقيمتها الحالية بالنسبة لألفراد وفي ظل هذا المبدأ ال يمكن ان يوجد أي‬
‫التزام بقواعد مقبولة للسلوك األخالقي‪ ،‬األمر الذي قدم المبرر المنطقي للتهافت على الثروة‬
‫المنفعة الجسدية‪ ،‬فجعل من االستهالك الغاية القصوى للحياة‪ ،‬كما جعل من تحقيق الحد األقصى‬
‫من الكسب وإ شباع الرغبات أسمى الفضائل‪ .‬وكل ما يفعله الفرد لتحقيق هذه الغاية مسوغ النه‬
‫يحقق مصلحته الخاصة وبالتالي فإنه يحقق مصلحة الجميع‪.‬‬
‫لقد طبعت هذه الفلسفة االقتصادات الرأسمالية المعاصرة بطابعها فأسهمت في االنحطاط‬
‫األخالقي الذي كان من الممكن أن يكون اقل درجة بكثير لو أن المعتقدات الدينية والقيم األخالقية‬
‫وفي مقدمة المعتقدات‬ ‫(‪)16‬‬
‫بقيت تقوم بدور المصفاة األخالقية المقبولة على الصعيد االجتماعي‬
‫الدينية التي تقوم بهذه المهمة هي المعتقدات اإلسالمية‪ ،‬ذلك ان اإلسالم هو الدين الوحيد الذي‬
‫نظر إلى اإلنسان على انه نظام كوني متميز يتكون من الفرد اإلنساني في الجماعة اإلنسانية‪،‬‬
‫ونظامه ككل نظام له أسس وقواعد يؤدي االلتزام بها إلى تحقيق األداء الصحيح الذي يحقق‬
‫غايات اإلسالم‪ .‬ومن أهم منطلقات هذا النظام هو نظام الفطرة الذي يعطي اإلنسان أبعاده‬
‫الخاصة والعامة ويحقق اإلنسان به نفسه فردًا وجماعة‪ ،‬وفي نظام الفطرة هذا يكمن الفرق بين‬
‫اإلسالم واللبرالية الغربية‪ ،‬إذ أن الفطرة تبنى على أساس نظم كونية متناسقة متداخلة لها أبعادها‬
‫الخاصة والعامة‪.‬‬
‫على آفاق هذا النظام الكوني تأسست السوق اإلسالمية الحرة‪ ،‬التي دعا اإلسالم إلى‬
‫التمسك بها‪ ،‬ومارسها المسلمون عبر التاريخ فاحترمت قوى السوق من خالل احترام ثوابت‬
‫الشريعة‪ ،‬فمنع التسعير‪ ،‬ومنع االحتكار‪ ،‬وتمّك ن العامل من ثمرة عمله وحماية حقوقه وممتلكاته‪..‬‬
‫غير أن الناس قد سحرهم النمو المتزايد للثروة والتوسع فيها‪ ،‬وسحرهم عطاء السوق الحرة‬ ‫(‪)17‬‬

‫الغربية بشكل عام‪ ،‬فانقادوا إلى تقليده وتبني طروحاته وآلياته غافلين عن حقيقة جوهره المادي‬
‫المحض وهدفه الدنيوي المحض وعن ماله األخير‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫((من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ال يبخسون(*)‬
‫أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعلمون)) هود‪/‬‬
‫‪.16-15‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المنظومة القيمية للسوق اإلسالمية‬


‫السوق اإلسالمي وجود اقتصادي واجتماعي كذلك‪ ،‬اذًا فلها قيمها التي تعطيها مالمحها وتنظم‬
‫إليه عملها‪ .‬والوجود بعامة‪ ،‬في المنظور اإلسالمي‪ ،‬تحكمه قيم ومبادئ كلية كبرى هي‪:‬‬
‫‪ -1‬التوحيد ‪ -2‬التسخير ‪ -3‬االستخالف ‪ -4‬العدالة‬

‫التوحيد‬ ‫‪‬‬
‫التوحيد على الصعيد العلمي يعني أن الكون مخلوق ومصمم ومنسق من قبل اهلل عز‬
‫وجل عن قصد وعلم وغاية تعطيه معنى وأهمية‪ ،‬وان اهلل تعالى يدبره ويرعاه‪.‬‬
‫‪ِ-‬إَّن َر َّبُك ْم الَّلُه اَّلِذ ي َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَألْر َض ِفي ِس َّتِة َأَّياٍم ُثَّم اْس َتَو ى َع َلى اْلَعْر ِش ُيَد ِّبُر األمر‬
‫َم ا ِم ْن َش ِف يٍع ِإال ِم ْن َبْع ِد ِإْذ ِنِه َذ ِلُك ْم الَّلُه َر ُّبُك ْم َفاْعُبُد وُه َأَفال َتَذ َّك ُر وَن ‪ ‬يونس‪3/‬‬
‫وان اهلل تعالى يحيط بالكون رحمة وباإلنسان‪ ،‬ومن مظاهر رحمته لإلنسان أن هداه إلى سبيل‬
‫الرشاد بالوحي المتمثل بالقرآن الكريم وبسنة الرسول محمد (صلى اهلل عليه وسلم)‪.‬‬
‫‪َ -‬و َنَّز ْلَنا َع َلْي َك اْلِك َتاَب ِتْبَياًنا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َو ُهًد ى َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُم ْس ِلِم يَن ‪ ‬النحل‪89/‬‬
‫‪َ -‬و َم ا َأْر َس ْلَناَك ِإال َر ْح َم ًة ِلْلَع اَلِم يَن ‪ ‬األنبياء‪107/‬‬
‫‪َ -‬فَم ْن اَّتَبَع ُهَد اَي َفال َيِض ُّل َو ال َيْش َقى‪ ‬طه‪123/‬‬
‫إن التوحيد هو نقطة البداية والنهاية في التكليف الرباني‪ ،‬فهو الذي يطهر النفس من‬
‫أدران الشرك وافرازاته العقائدية والعملية وبقدر ما يتعمق التوحيد في النفس تزكو وتتحقق‬
‫(‪)18‬‬
‫بثمراته من صبر وشكر وعبودية وتوكل ورضا وخوف ورجاء وإ خالص وصدق‪.‬‬

‫التسخير‬ ‫‪‬‬
‫التسخير هو أن اهلل تعالى جعل الكون بموارده المتعددة في خدمة اإلنسان‪ ،‬فليس اإلنسان‬
‫هو المالك الحقيقي لما في يديه‪ ،‬وإ نما الملك الحقيقي اهلل تعالى‪ ،‬إن اإلنسان في إطار التسخير أمين‬
‫على ملك اهلل‪ ،‬وعلى وفق الضوابط التشريعية التي تنص على اآلتي‪-:‬‬
‫إن الموارد إنما هي لمنفعة البشر‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ٍت‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِذ‬
‫‪ُ -‬هَو اَّل ي َخ َلَق َلُك ْم َم ا ي اَألْر ِض َج يًع ا ُثَّم اْس َتَو ى ِإَلى الَّس َم ا َفَس َّو اُهَّن َسْبَع َس َم اَو ا َو ُهَو‬
‫ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ‪ ‬البقرة‪29/‬‬

‫‪54‬‬
‫فهي ما يتوقف عليها بقاؤهم ويتم بها معاشهم‪ ،‬ومعنى (لكم) ألجلكم وانتفاعكم في دنياكم‬
‫باستنفاعكم بها من صالح أبدانكم بوسط أو بغير وسط‪ ،‬ودينكم باالستدالل واالعتبار والتعرف كما‬
‫(‪)19‬‬
‫يالئمها من لذات اآلخرة وأالمها‪.‬‬
‫إن الحصول على الموارد والتصرف بها إنما يكونان في ضوء هدى الشريعة التي أكدت‬ ‫‪-2‬‬
‫على تكامل مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع‪.‬‬
‫إن اإلسراف في الموارد أو التقتير في استعمالها أو هدرها وإ هالكها بالحرق واإلتالف‬ ‫‪-3‬‬
‫والظلم يعد من أشكال الفساد في األرض‪.‬‬
‫(‪)20‬‬

‫‪َ -‬و ِإَذ ا َتَو َّلى َسَع ى ِفي اَألْر ِض ِلُيْفِس َد ِفيَه ا َو ُيْه ِلَك اْلَح ْر َث َو الَّنْس َل َو الَّلُه ال ُيِح ُّب اْلَفَس اَد ‪ ‬البقرة‪/‬‬
‫‪206‬‬
‫ان التسخير مبدأ إسالمي يجعل التعاون بين البشر ضروه حضارية‪َ .‬أَلْم َتَر ْو ا َأَّن الَّلَه‬
‫َس َّخ َر َلُك ْم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَألْر ِض َو َأْسَبَغ َع َلْي ُك ْم ِنَع َم ُه َظاِه َر ًة َو َباِط َنًة َو ِم ْن الَّناِس َم ْن‬
‫ُيَج اِد ُل ِفي الَّلِه ِبَغ ْي ِر ِع ْلٍم َو ال ُهًد ى َو ال ِك َتاٍب ُم ِنيٍر ‪ ‬لقمان‪20/‬‬
‫وعلية فان تسخير الكون لإلنسان يعد عمًال مكمًال لمهمة الخالفة‪ ،‬وان قضية استثمار‬
‫الكون واالنتفاع بمرافقه‪ ،‬وتسخير مقدراته لبناء الحياة ابتداء بالتدبير والتفكر لتحصيل العلم‬
‫وانتهاء باالستثمار التطبيقي النفعي لذلك العلم‪ ،‬والرفق بالكون والحفاظ عليه من أن تناله أيدي‬
‫الفساد(‪ ،)21‬قضايا عقدية لها مكانة مهمة في تخصيص الموارد واستثمارها‪ ،‬وهي احد مهمات‬
‫السوق بعامة إسالمية كانت ام غير إسالمية‪ ،‬غير ان المنظومة القيمية السائدة في تلك السوق هي‬
‫التي تعطيها تميزها‪.‬‬

‫االستخالف‬ ‫‪‬‬
‫في االستخالف يتميز الموقف اإلسالمي من اإلنسان عن غيره من المواقف‪ ،‬اذ في‬
‫االستخالف يكون اإلنسان خليفة هلل في األرض‪.‬‬
‫‪َ  -‬و ِإْذ َقاَل َر ُّبَك ِلْلَم الِئَك ِة ِإِّني َج اِع ٌل ِفي اَألْر ِض َخ ِليَفًة ‪ ‬البقرة‪30/‬‬
‫‪َ -‬و ُهَو اَّلِذ ي َج َع َلُك ْم َخ الِئَف اَألْر ِض ‪ ‬األنعام‪165/‬‬
‫وألجل ذلك زود اهلل تعالى اإلنسان بكل اإلمكانات والخصائص الروحية والعقلية‪ ،‬كي‬
‫يتمكن من انجاز مهمته االستخالفية في األرض‪ ،‬فجعله حرًا في إرادته ومفكرًا وعاقًال وحرًا في‬
‫اختياره بين العدل والظلم‪ ،‬وبين الحق والباطل‪ ،‬وقادرا على تغير العالم والتدخل في حركة‬
‫التاريخ إذا أراد ذلك‪ ،‬ومكرمًا وفي أحسن تقويم‪.‬‬
‫‪َ -‬و َلَقْد َك َّر ْم َنا َبِن ي آَد َم َو َح َم ْلَناُهْم ِفي اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر َو َر َز ْقَناُهْم ِم ْن الَّطِّيَباِت َو َفَّض ْلَناُهْم َع َلى َك ِثيٍر‬
‫ِم َّم ْن َخ َلْقَنا َتْفِض يًال‪ ‬اإلسراء‪70/‬‬

‫‪55‬‬
‫إن اإلنسان في ظل مبدأ االستخالف مخلوق لرسالة ينبغي إدراكها‪ ،‬وأفضل عمل ينجزه‬
‫هو أن يتصرف في ظل الهدى اإللهي لتعميق عبوديته اهلل عز وجل التي هي أرقى أشكال‬
‫الحرية‪ ،‬التي تتجلى عمليًا في تأدية حقوق الناس وتعزيز رفاهيتهم وتحقيق مقاصد الشريعة التي‬
‫في ظلها تتحقق مصالح الفرد واألمة‪.‬‬
‫وفي ظل الخالفة هذه تتعزز مفاهيم وقيم عظيمة مثل األخوة التي تلغي مبدأ الحق للقوة‬
‫والكفاح من اجل المصلحة الخاصة والبقاء لألقوى‪ ،‬بل هي التضحية واإليثار والتعاون لتلبية‬
‫الحاجات األساسية للجميع ‪،‬وكذلك مفهوم الموارد هي أمانة وضعت تحت تصرف البشر‪ ،‬في‬
‫ظلها يمارس اإلنسان حقه في الملكية الخاصة في ضوء ثوابت الشريعة وضوابطها‪ .‬وكذلك في‬
‫ظل الخالفة يسود التواضع في نمط العيش فال أبهة وال ترف وال متعة ال جل المتعة الن كل هذا‬
‫يعد نمطًا من أنماط الهدر والمغاالة اللذين يقودان إلى إنفاق ترفي ال ينسجم وضوابط الشريعة‬
‫ويضر بقدرات المجتمع اإلنتاجية وتؤدي إلى طرق الكسب غير المشروع‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى‬
‫تفاوت في الدخول يتجاوز ذلك الذي تسوغه الفروق في المبادرة والمهارة والجهد والمخاطرة‪.‬‬
‫ان االستخالف يوفر لإلنسان حرية عالية مسئولة أمام اهلل عز وجل والمجتمع بقدر‬
‫(‪)22‬‬
‫اقترانها بااللتزام الحق بضوابط الشريعة وقوانينها‪.‬‬

‫العــدالة‬ ‫‪‬‬
‫إن األخوة التي هي احد أشكال تجليات مفهومي التوحيد واالستخالف ال قيمة لها في ظل‬
‫غياب العدالة عن ساحة الفعل االقتصادي واالجتماعي‪ .‬والعدالة تعد احد أهم مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫(‪)23‬‬

‫‪َ-‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك وُنوا َقَّو اِم يَن ِلَّلِه ُش َه َد اَء ِب اْلِق ْس ِط َو ال َيْج ِر َم َّنُك ْم َشَنآُن َقْو ٍم َع َلى َأال َتْع ِد ُلوا‬
‫اْع ِد ُلوا ُهَو َأْقَر ُب ِللَّتْقَو ى َو اَّتُقوا الَّلَه ِإَّن الَّلَه َخ ِبيٌر ِبَم ا َتْع َم ُلوَن ‪ ‬المائدة‪8/‬‬
‫قال الطبري في تفسير اآلية ((يا أيها الذين امنوا باهلل ورسوله محمد‪ ،‬ليكن من أخالقكم‬
‫وصفاتكم القيام هلل‪ ،‬شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم‪ ،‬وال تجوروا في أحكامكم وأفعالكم‪.‬‬
‫فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم بعدوانهم لكم‪ ،‬وال تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي‬
‫وحدودي في أوليائكم لواليتهم ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي‪ ،‬واعملوا فيه بأمري… وال‬
‫يحملنكم عداوة قوم على أال تعدلوا في حكمكم فيهم‪ ،‬وسيرتكم بينهم‪ ،‬فتجوروا عليهم من اجل ما‬
‫بينكم وبينهم من العداوة‪ ..‬والعدل عليهم اقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى‪ ،‬يعني إلى ان تكونوا‬
‫عند اهلل باستعمالكم إياه من أهل التقوى‪ ،‬وهم أهل الخوف والحذر من اهلل أن يخالفوه في شيء من‬
‫أمره ‪ ،‬أو يأتوا شيئًا من معاصيه‪ ..‬الن من كان عادًال‪ ،‬كان هلل بعدله مطيعًا‪ ،‬ومن كان هلل مطيعًا‬
‫(‪)24‬‬
‫كان ال شك من أهل التقوى…))‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫إن آيات العدل تضعنا مباشرات أمام وحدة العدالة والكفاءة‪ -‬في المنظور االقتصادي‬
‫اإلسالمي‪ -‬وهي سمة بارزة من سمات السوق اإلسالمي‪ ،‬إذ أن الكفاءة بال عدالة تقود إلى الظلم‪،‬‬
‫والعدالة بال كفاءة قد تؤدي إلى قصور في استخدام الموارد‪.‬‬
‫‪ِ‬إَّن الَّلَه َيْأُمُر ِب اْلَع ْد ِل َو اِإل ْح َس اِن َو ِإيَتاِء ِذ ي اْلُقْر َبى…‪ ‬النحل‪ 90/‬جاء في (روح المعاني) في‬
‫معنى اآلية‪( ،‬إن اهلل يأمر) أي فيما نزل عليك تبيانا لكل شيء…(بالعدل) أي بمراعاة التوسط بين‬
‫طرفي اإلفراط والتفريط‪ ،‬وهي رأس الفضائل كلها (واإلحسان) أي إحسان األعمال والعبادة أي‬
‫اإلتيان بها على الوجه الالئق… وهو إما بحسب الكيفية ‪ ..‬او بحسب الكمية (وإ يتاء ذي القربى‬
‫أي إعطاء األقارب حقهم من الصلة والبر‪ .‬وهذا داخل في العدل واإلحسان‪)25(.‬‬
‫في ظل المنظومة القيمية تمارس السوق اإلسالمية علمها في ظل تالزم صميمي بين‬
‫العدالة والكفاءة معززتين بإجراءات عملية نابعة من التشريع اإللهي الحكيم‪ ،‬المتمثل بقوانين عمل‬
‫حكيمة نتناول منها بعض الذي يعطي للسوق اإلسالمية مالمحها الواضحة‪.‬‬
‫تمثل الضوابط القيمية للسوق اإلسالمية باالتي‪-:‬‬
‫‪ -1‬اإليمان ‪ -2‬الرحمة ‪ -3‬العدل ‪ -4‬االستقامة ‪ -5‬األخوة‬
‫ومن الجدير بالذكر‪ ،‬قبل تفصيل القول في مضمون هذه الضوابط ‪،‬إن المنظومة القيمية‬
‫اإلسالمية تعمل على تعزيز آلية السوق اإلسالمية والدور الذي تلعبه (األسعار)‪ ،‬حيث تعمل على‬
‫جعل عملية تخصيص الموارد وتوزيعها خاضعة لمصفاتين بدًال من مصفاة واحدة‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في السوق غير اإلسالمية‪ ،‬فالمصفاة األخالقية تجابه مشكلة المطالب غير المحدودة على الموارد‬
‫النادرة وتهاجمها في منبعها‪ -‬وهو ضمير األفراد‪ -‬وتعمل على تغيير سلم أولويات األفراد بما‬
‫يالئم متطلبات األهداف المعيارية المتمثلة في إشباع الحاجات والعمالة الكاملة والمعدل األمثل‬
‫للنمو االقتصادي والتوزيع العادل للدخل والثروة االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫وكذلك فان هذه المنظومة تعمل على تحقيق االنسجام بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع‬
‫عن طريق تغيير تفضيالت الفرد بما يتالءم مع األولويات االجتماعية‪ ،‬واستبعاده أو تقليله من‬
‫استخدام الموارد ألغراض ال تسهم في تحقيق األهداف المعيارية‪ ،‬حتى إذا مرت الطلبات على‬
‫الموارد عبر مصفاة (أسعار السوق) فقد تصبح هذه أكثر فاعيلة في إيجاد توازن في السوق‬
‫ينسجم مع ألهداف المعيارية‪ .‬ذلك أن هذه المنظومة القيمية اإلسالمية تعطي المصلحة الشخصية‬
‫منظورًا أطول أجال حيث تمتد معها المصلحة الفردية خارج حدود الدنيا ليعبر بها إلى اآلخرة‬
‫حيث اإلنسان مسئول عن أعماله‪ ،‬األمر الذي يجعل األفراد يقومون طواعية بجعل مطالبهم من‬
‫الموارد النادرة ضمن حدود الرفاهية العامة‪ ،‬وبذلك يتحقق االنسجام بين المصلحة الذاتية للفرد‬
‫والمصلحة العامة للمجتمع عندما تكونان متعارضين‪26.‬‬
‫فما مضمون الضوابط المعززة لعمل السوق اإلسالمية؟‬

‫‪57‬‬
‫‪ -1‬اإليمان‬
‫ان اإليمان باهلل عز وجل يعد أرقى مقامات اإلنسان‪ ،‬فمنه ينبثق اإلخالص والصدق‬
‫والزاهد والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والتقوى‪27.‬‬
‫واإليمان باهلل عز وجل‪ ،‬وكذلك يعد احد أهم قوانين عمل الحياة اإلسالمية بعناصرها‬
‫المتعددة ومنها االقتصادية‪ ،‬وإ ذا كان اإليمان باهلل مطلوبًا لذاته بوصفه حقيقة عليًا‪ .‬فانه يطلب‬
‫أيضا لما يحدثه في الحياة العملية لإلنسان من آثار تنعكس عليه بالتوفيق والصالح‪ ،‬اذ ان اإليمان‬
‫يصبغ الحياة كلها بصبغته‪،‬ويضفي عليها خيرته‪.‬‬
‫‪َ‬فَم ْن اَّتَبَع ُهَد اَي َفال َيِض ُّل َو ال َيْش َقى* َو َم ْن َأْع َر َض َع ْن ِذ ْك ِر ي َفِإ َّن َلُه َم ِع يَش ًة َض نًك ا‪ ‬طه‪/‬‬
‫‪124-123‬‬
‫أي (فال يضل في الدنيا وال يشقى في اآلخرة) وان اإلعراض عن القرآن وهديه يجعل‬
‫معيشة اإلنسان المعِر ض ضّيقة شديدة (ووجه ضيق معيشة الكافر المعرض في الدنيا انه شديد‬
‫الحرص على الدنيا متهالك على ازديادها خائف من انتقاصها غالب عليه الشح بها حيث ال‬
‫غرض له سواها بخالف المؤمن الطالب لآلخرة)‪28 .‬‬
‫ذلك أن العالقة ين اإليمان وصالح الحياة عالقة تالزم (بحيث يكون تحقيق الملزوم وهو‬
‫اإليمان مفضيًا إلى تحقيق الالزم وهو صالح الحياة)‪29.‬‬
‫كما ان اإليمان باهلل تعالى وما يتبعه من إيمان بمالئكته واليوم واآلخر وكتبه ورسله‪ ،‬يورث في‬
‫النفس اإلنسان شعورًا دائمًا بالرقابة‪.‬‬
‫‪َ‬م ا َي ْلِف ُظ ِم ْن َقْو ٍل ِإال َلَدْي ِه َر ِقيٌب َع ِتيٌد ‪ ‬ق‪18/‬‬
‫‪ِ‬إَّن الَّلَه َع اِلُم َغ ْي ِب الَّس َم اَو اِت َو اَألْر ِض ِإَّنُه َع ِليٌم ِبَذ اِت الُّص ُد وِر ‪ ‬فاطر‪38/‬‬
‫إن هذه الرقابة الداخلية‪ ،‬أو يقظة الضمير المؤمن تقوم عبر المنظومة العقائدية والقيمية‬
‫والمعرفية اإلسالمية بتنظيم آلية عمل السوق اإلسالمي فال تسمح بان يأخذ اإلنسان ما ليس له إال‬
‫بالحق‪ ،‬وال تسمح بأكل مال الغير بالباطل‪ ،‬أو ان يستغل ضعف الضعيف وغفلة المسترسل أو‬
‫حاجة المضطر‪ ،‬أو أزمة الغذاء أو الدواء أو الكساء‪ ،‬وهذه الرقابة تنظم عملية تحري الحالل‬
‫الطيب من المكاسب وتجنب الحرام منها ‪)30.‬‬
‫‪ ‬ال َتْأُك ُلوا َأ اَلُك َبْي َنُك ِب اْلَباِط ِل ُتْد ُلوا ِب ا ِإَلى اْلُح َّك اِم ِلَتْأُك ُلوا َفِر يًقا ِم ْن َأ اِل الَّناِس ِب اِإل ْثِم‬
‫ْمَو‬ ‫َه‬ ‫َو‬ ‫ْم‬ ‫ْمَو ْم‬ ‫َو‬
‫َو َأْن ُتْم َتْع َلُم وَن ‪ ‬البقرة‪188/‬‬
‫جاء في تفسير القرطبي لقولة تعالى (أو تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) إشارة إلى ان‬
‫الخطاب يشمل األمة اإلسالمية مجتمعة‪،‬والمعنى أن ال يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل‬
‫في هذا المضمار القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما ال تطيب به نفس مالكه‪ ،‬او‬

‫‪58‬‬
‫حرمته الشريعة وان طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير‬
‫وغير ذلك ومنها أيضا اخذ مال الغير ال على وجه إذن الشرع‪31.‬‬
‫إن اإليمان باهلل يجعل قضية (الحالل والحرام) من أهم الثوابت التشريعية التي تتصرف‬
‫في ضوئها السوق اإلسالمية‪ ،‬ذلك أن األمة المسلمة كالجسد الواحد بكل أفرادها ومؤسساتها‬
‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية والفكرية‪.‬‬
‫والسلوك االقتصادي الصالح الرشيد في ضوء هذه الثوابت مآله الجنة‪.‬‬
‫‪َ‬م ْن َع ِم َل َس ِّيَئًة َفال ُيْج َز ى ِإال ِم ْثَلَه ا َو َم ْن َع ِم َل َص اِلًح ا ِم ْن َذ َك ٍر َأْو ُأْن َثى َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفُأْو َلِئ َك‬
‫َيْد ُخ ُلوَن اْلَج َّنَة ُيْر َز ُقوَن ِفيَه ا ِبَغ ْي ِر ِح َس اٍب ‪ ‬غافر‪40/‬‬
‫ان السوق اإلسالمية إلهية النشأة‪ ،‬روحية المفاهيم‪ ،‬صالحة العمل‪ ،‬لذلك فقد اقترنت‬
‫شواهد اإليمان بالعمل الصالح في كثير من اآليات القرآنية‪ ،‬تجسيدًا لمؤشرات القيم والجوانب‬
‫الروحية للحرية االقتصادية التي عد احد مكونات السوق اإلسالمية‪ .‬ذلك ان السوق اإلسالمية‬
‫هي احد أهم مظاهر (العمل الصالح) الذي ال يقتصر على جلب الخير النافع لإلنسان والمرضي‬
‫هلل وإ نما يتعداه إلى محاربة الشر الضار باإلنسان والمغضب هلل‪33.‬‬
‫‪َ‬م ْن َع ِم َل َص اِلًح ا ِم ْن َذ َك ٍر َأْو ُأنَثى َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُنْح ِيَيَّنُه َح َياًة َطِّيَبًة َو َلَنْج ِز َيَّنُهْم َأْج َر ُهْم ِبَأْح َس ِن َم ا‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ‪ ‬النحل‪97/‬‬
‫ومن هنا فان ضوابط اإليمان يقيد حرية ممارسة النشاط االقتصادي في السوق اإلسالمية‬
‫بكل ما هو خير ونافع‪ ،‬وفي كل ما هو حالل مباح من غير حرام‪ .‬فمظاهر الحرية االقتصادية في‬
‫اإلسالم هي أرقى أشكال االلتزام بثوابت الشريعة وإ ال أصبحت فوضى اقتصادية تبث مضارها‬
‫في المجتمع اإلسالمي‪34.‬‬
‫‪ -2‬الرحمة‬
‫هي قانون الهي ينظم عالقة اإلنسان باهلل‪ .‬وعالقة اإلنسان باإلنسان (لقد وسع ربنا كل‬
‫شيء رحمة وعلمًا‪ ،‬فبرحمته يهدي إلى سبيل سعادتهم‪ ،‬وبرحمته ينزل عليهم الشريعة الكفيلة‬
‫بتحقيق الخير والسعادة لهم في دنياهم وأخراهم‪ ،‬وبرحمته يدخل المؤمنين في جنته‪ ،‬وبرحمته‬
‫يغفر للمسيئين‪ ،‬وبرحمته يستجيب للمضطرين‪ ،‬وبرحمته يرسل لهم الرسول الذي هو رحمة‬
‫للعالمين‪ ،‬ولقد كتب اهلل على نفسه الرحمة ووصف نفسه بأنه ارحم الراحمين‪ ،‬وبأنه خير‬
‫الراحمين‪ ،‬ومن أسمائه الحسنى سبحانه الرحمن الرحيم)‪.35‬‬
‫‪َ‬و َر ُّبَك اْلَغُفوُر ُذ و الَّر ْح َم ِة َلْو ُيَؤ اِخ ُذ ُهْم ِبَم ا َك َس ُبوا َلَع َّج َل َلُهْم اْلَع َذ اَب َب ْل َلُهْم َم ْو ِع ٌد َلْن َيِج ُد وا ِم ْن‬
‫ُد وِنِه َم ْو ِئ ًال‪ ‬الكهف‪58/‬‬
‫‪َ‬و ُقْل َر ِّب اْغ ِف ْر َو اْر َح ْم َو َأْن َت َخ ْي ُر الَّر اِح ِم يَن ‪ ‬المؤمنون‪118/‬‬

‫‪59‬‬
‫ان الرحمة هي عنوان الرسالة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪َ‬و َم ا َأْر َس ْلَناَك ِإَّال َر ْح َم ًة ِلْلَع اَلِم يَن ‪ ‬األنبياء‪.107 /‬‬
‫إن الرحمة في اإلسالم تشمل دائرة الوجود كله وتجعل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫كالجسد الواحد‪ ،‬وتجعل المؤمنين مسئولين عن الرحمة بكل ذي كبد رطبة‪.‬‬
‫وبقدر ما تتجلى الرحمة في السلوك اإلنساني واالجتماعي واالقتصادي يكون اإلنسان في‬
‫مجال التنفيذ العملي لمظاهر الرحمة اإللهية‪ ،‬ومن ثم يكون في دائرة رحمة اهلل عز وجل‪.‬‬
‫(الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود‬
‫والترمذي عن عبد اهلل بن عمرو‪.‬‬
‫إن الرحمة هي أحد أهم قوانين عمل السوق اإلسالمية‪ ،‬إنها سلوك عملي لها تجلياتها في‬
‫تنظيم عالقات السوق وعناصرها المتعددة‪ ،‬إن مظاهر الرحمة العملية تتجلى في تحريم االحتكار‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل والربا والغش والميسر والسرقة والغلول والرشوة والغبن الفاحش في‬
‫البيع والشراء ألن فيه استغالال لغفلة اإلنسان عن القيمة الحقيقية للسلعة وتغريرا له حتى يدفع ثمنًا‬
‫(‪)36‬‬
‫باهظًا في سلعة ال تساوي هذا الثمن‪.‬‬
‫لنوضح على سبيل المثال اآلثار االقتصادية لالحتكار بوصفه شكال من اشكال الظلم‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫لقد حرم اإلسالم االحتكار وهو حبس السلع عن التداول في السوق حتى تغلو أثمانها‪،‬‬
‫ويزداد اإلثم هنا إذا كان االحتكار جماعيا تواطأ عليه تجار هذا النوع من البضائع‪ ،‬ومثله أن‬
‫(‪)37‬‬
‫يحتكر تاجر واحد الصنف كله لحسابه فيتحكم في السوق كما يشاء‪.‬‬
‫قال رسول (‪(( )‬من احتكر فهو خاطئ)) رواه مسلم‪.‬‬
‫االحتكار هو انشغال بالمصلحة الفردية على حساب المجتمع‪ ،‬وهو اخطر أشكال األنانية‪،‬‬
‫لذلك قامت السوق الرأسمالية على أنواع من االحتكار (االحتكار الثنائي‪ ،‬احتكار القلة‪ ،‬الكارتل‪،‬‬
‫الترست)‪ ،‬وهي معطيات تنسجم مع الفلسفة التي تحكم عمل السوق غير اإلسالمية‪.‬‬
‫إن علة تحريم االحتكار هي في رفع الضرر عن العباد لما يتضمنه من جشع وطمع وسوء خلق‪،‬‬
‫إن حبس السلع عن التداول عند الحاجة بقصد بيعها بسعر أعلى وقت الندرة يعني إحراج للرعية‬
‫ومشقة عليها‪ ،‬وهما أمران ال ينسجمان ومقاصد الشريعة التي تقوم على دفع المفاسد و األضرار‪،‬‬
‫(‪)38‬‬
‫لذلك حرم الشرع االحتكار لدفع ما ينتج عنه من أضرار اقتصادية واجتماعية ونفسية عديدة‪.‬‬
‫إن نظرة تحليلية إلى أنواع االحتكار السائدة في السوق الرأسمالية (المنافسة االحتكارية‪،‬‬
‫االحتك>>ار الت>>ام‪ ،‬االحتك>>ار الثن>>ائي‪ ،‬احتك>>ار القل>>ة‪ )..،‬تكش>>ف عن أن العام>>ل المح>>رك له>>ا ه>>و تحقي>>ق‬
‫أقص> >>ى األرب>>>اح بغض النظ>>>ر عن العوام>>>ل األخ>>>رى‪ ،‬مث>>>ل كف >>اءة اإلنت >>اج‪ ،‬واالحتياج >>ات الفعلي>>>ة‬

‫‪60‬‬
‫للمس> >>تهلكين‪ ،‬وهن> >>ا يلتقي مفه> >>وم االحتك> >>ار في الفك> >>ر االقتص> >>ادي الغ> >>ربي الح> >>ديث م> >>ع المفه> >>وم‬
‫الشرعي له وهو (كل ما يؤدي حبسه إلى األضرار بالمجتمع)‪.‬‬
‫واالحتكار سلوك مناف للرحمة‪ ،‬لذلك ال يمكن ان يظهر في السوق اإلسالمية واي شكل‬
‫يظهر لالحتكار فيها فهو مؤشر انحراف خطير عن القوانين اإللهية التي تحكمها‪ .‬ذلك ان‬
‫االحتكار يؤدي الى أضرار خطيرة بالمجتمع منها ارتفاع أسعار السلع المحتكرة‪ ،‬حيث يقوم‬
‫المحتكر بخفض حجم اإلنتاج مقابل نفس المقدار من الطلب‪ ،‬فتتجه األسعار لالرتفاع بسبب زيادة‬
‫الطلب على العرض‪ ،‬كذلك فان المحتكر يرفع السعر دون خفض اإلنتاج وذلك لزيادة إيراداته‬
‫حيث إن الطلب على السلع المحتكرة غير مرن نسبيًا بسبب عدم وجود بدائل قريبة لها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهو يضمن عدم انخفاض الطلب عند رفع السعر‪.‬‬
‫إن هذه النتيجة لالحتكار تؤدي حتما إلى ظهور التضخم‪ ،‬كما إن اتجاه المحتكر إلى‬
‫تخفيض الكمية المنتجة بغية الحصول على أعلى ربح ممكن‪ ،‬يؤدي إلى عدم االهتمام بالكفاءة‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬وضياع جزء من الناتج القومي المحتمل‪ ،‬وتعطيل جزء من العناصر اإلنتاجية ومنها‬
‫العمل‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى زيادة البطالة‪ ،‬كما أن اإلنفاق المتزايد على الدعاية واإلعالن للتأثير‬
‫على المستهلكين وإ يهامهم بإدخال تعديالت جوهرية على منتجاتها في سبيل ترويجها يضيف عبئا‬
‫جديدا على المستهلكين اذ يؤدي ذلك إلى ارتفاع األسعار تعويضا عن تلك النفقات‪ ،‬وفي هذا‬
‫ضياع جديد لموارد إنتاجية‪ .‬وال يضر االحتكار بالمستهلك فقط‪ ،‬وإ نما يضر بالمنتج إذ يضطر‬
‫هذا إلى االنسحاب من السوق تجنبًا للخسارة حين يفتقد القدرة على منافسة المحتكر‪ .‬ومن النتائج‬
‫الخطيرة األخرى لالحتكار ظهور (السوق السوداء) حيث تظهر طبقات طفيلية تستغل فرصة قلة‬
‫العرض فتحبس جزءا منها لبيعه بأسعار أعلى‪ ،‬والنتيجة النهائية لكل هذا زيادة التفاوت في توزيع‬
‫وما يسببه هذا التفاوت من مشاكل اجتماعية‪.‬‬ ‫(‪)39‬‬
‫الدخول بين أفراد المجتمع‪،‬‬
‫إن التراحم ظاهرة من ظواهر المجتمع المسلم بعامة والسوق اإلسالمية بخاصة وفي‬
‫التأمل في بعض آيات الرحمة في القرآن الكريم نجد أن اهلل عز وجل يذكر الذين تواصوا‬
‫بالمرحمة بعد الحث على الظواهر العملية التي تنبع في غالب أحوالها من منابع الرحمة المتغلغلة‬
‫في أعماق النفس اإلنسانية فيكون األمر بهذه الظواهر العملية تعميقا لخلق الرحمة في قلوب‬
‫المؤمنين‪ ،‬ثم يكون تواصي المؤمنين فيما بينهم بالمرحمة وسيلة أخرى مشجعة على ممارسة‬
‫ظواهر الرحمة على اختالفها‪ ،‬وعاملة على تعميق هذا الخلق في النفس وذلك لما لهذا الخلق‬
‫(‪)40‬‬
‫العظيم من آثار اجتماعية جليلة‪.‬‬
‫‪َ‬فاَل اْقَتَح َم اْلَعَقَبَة* َو َم ا َأْد َر اَك َم ا اْلَعَقَبُة* َفُّك َر َقَبٍة * َأْو ِإْطَع اٌم ِفي َيْو ٍم ِذ ي َم ْس َغَبٍة * َيِتيًم ا َذ ا‬
‫َم ْقَر َبٍة * َأْو ِم ْس ِك يًنا َذ ا َم ْتَر َبٍة * ُثَّم َك اَن ِم ْن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َتَو اَصْو ا ِب الَّص ْب ِر َو َتَو اَصْو ا ِب اْلَمْر َح َم ِة ‪‬‬
‫البلد‪.17-11 /‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -3‬العدل‬
‫هو التوازن بين قوى الفرد وطاقاته الروحية والمادية‪ ،‬وبين الفرد والمجتمع‪ ،‬وبين‬
‫المجتمع وغيره من المجتمعات وال سبيل إلى هذا التوازن إال بتحكيم شريعة اهلل عز وجل‪ ،‬حيث‬
‫(‪)41‬‬
‫ال انحياز طبقي وال قومي‪ ،‬وال سلطة لرأس المال‪ ،‬وال ألي شكل من أشكال النفوذ‪.‬‬
‫والعدل قيمة عليا في الحياة اإلسالمية‪ ،‬لها أثرها البالغ في صيانة الخيرات والعرض والمال‪،‬‬
‫ويعد إقامة العدل هدفا للرسل والرساالت السماوية‪ ،‬يقول تعالى… ‪َ‬لَقْد َأ ْلَنا َلَنا ِب اْل ِّيَناِت‬
‫َب‬ ‫ْر َس ُر ُس‬
‫َو َأْن َز ْلَنا َم َعُهْم اْلِك َتاَب َو اْلِم يَز اَن ِلَيُقوَم الَّناُس ِب اْلِق ْس ِط ‪ ‬الحديد‪.25 /‬‬
‫وبسبب حيوية العدل كان من الواجب التضحية بالفضائل التي تتناقض مع مقتضياته في‬
‫أي موقف‪ .‬يقول الحق تبارك وتعالى‪:‬‬
‫‪َ‬و ِإَذ ا ُقْلُتْم َفاْع ِد ُلوا َو َلْو َك اَن َذ ا ُقْر َبى‪ ‬األنعام‪.152 /‬‬
‫فالعدل هنا مقدم على صلة الرحم‪ ،‬كما انه مقدم على بر الوالدين‪ )42(،‬حيث يقول عز وجل‪:‬‬
‫‪َ‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك وُنوا َقَّو اِم يَن ِب اْلِق ْس ِط ُش َه َد اَء ِلَّلِه َو َلْو َع َلى َأنُفِس ُك ْم َأْو اْلَو اِلَدْي ِن َو اَألْقَر ِبيَن ‪‬‬
‫النساء‪.135 /‬‬
‫والعدل كما يقول المحاسبي رحمه اهلل عدالن (عدل ظاهر فيما بينك وبين الناس‪ ،‬وعدل‬
‫(‪)43‬‬
‫باطن فيما بينك وبين اهلل))‪.‬‬
‫(‪)44‬‬
‫وطريق العدل طريق االستقامة والذي على الناس لزوم العمل به‪ :‬طريق االستقامة‪.‬‬
‫والعدل في اإلسالم هو أساس قيام المجتمعات ودوامها‪ ،‬فليس الشرك هو المسوغ لسقوط‬
‫األمم‪ ،‬وإ نما غياب العدل بأشكاله المتعددة‪.‬‬
‫‪َ‬و َم ا َك اَن َر ُّبَك ِلُيْه ِلَك اْلُقَر ى ِبُظْلٍم َو َأْه ُلَه ا ُم ْص ِلُح وَن ‪ ‬هود‪.117 /‬‬
‫والمعامالت المالية في االقتصاد اإلسالمي قائمة على أساس الحق والعدل‪ ،‬فمن المعلوم‬
‫ان حب الحق احد األسس األخالقية العامة‪ ،‬فمن كان يتمتع بخلق حب الحق فانه البد ان يجد نفسه‬
‫مدفوعا بعامل خلقي لاللتزام بأحكام المعامالت المالية التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬ألنها قائمة على‬
‫الحق والعدل‪ ،‬إذ العدل يرجع في حقيقته إلى مبدأ الحق‪ ،‬فأحكام المعامالت المالية التي تفرضها‬
‫(‪)45‬‬
‫الشريعة اإلسالمية تستوجب االلتزام بها أسس األخالق العامة‪.‬‬
‫إن السوق اإلسالمية تتصرف في ضوء مفهوم العدل اإللهي‪ ،‬هذا المفهوم الذي كونته‬
‫الشريعة لدوام صالح اإلنسانية ومن مظاهر العدل في السوق اإلسالمية‪-:‬‬
‫‪ -1‬تحريم كل مصادر اإلثراء غير المشروع‪ :‬ومن أبرز أشكال هذا اإلثراء (الربا)‪ .‬لذلك حرم‬
‫الربا في اإلسالم ألنه عملية كسب نقدي وغير نقدي في صفقة من الصفقات بدون تقديم قيمة‬
‫مقابلة ومعادلة له‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪َ‬و َم ا آَتْي ُتْم ِم ْن ِر ًبا ِلَيْر ُبَو ا ِفي َأْمَو اِل الَّناِس َفال َيْر ُبوا ِع ْن َد الَّلِه َو َم ا آَتْي ُتْم ِم ْن َز َك اٍة ُتِر يُد وَن َو ْج َه‬
‫الَّلِه َفُأْو َلِئ َك ُهْم اْلُم ْض ِع ُفوَن ‪ ‬الروم‪.39 /‬‬
‫‪َ‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ال َتْأُك ُلوا الِّر َبا َأْض َع اًفا ُم َض اَع َفًة َو اَّتُقوا الَّلَه َلَع َّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ‪ ‬آل عمران‪.130/‬‬
‫وجاء في الحديث الشريف عن جابر (‪ )‬قال‪( :‬لعن رسول اهلل (‪ )‬آكل الربا وموكله‬
‫وكاتبه وشاهديه‪ .‬وقال هم سواء)‪ .‬رواه مسلم في كتاب المساقاة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن مظاهر العدل في سوق العمل توفية األجير العامل حقه‪ :‬فال يجوز ان يبذل األجير جهده‬
‫وعرقه ويحرم جزاءه وأجره‪ .‬أو ينقص منه‪ ،‬أو يؤخر عليه‪.‬‬
‫(‪)46‬‬

‫‪ِ‬إَّنا ال ُنِض يُع َأْج َر َم ْن َأْح َس َن َع َم ًال‪ ‬الكهف‪30/‬‬


‫وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه (ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‪،‬‬
‫رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع حرا فأكل ثمنه‪ ،‬ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم‬
‫يعطه أجره)‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن مظاهر العدل في السوق اإلسالمية النهي عن بيع المضطر‪ -‬بمعنى انه ال يجوز‬
‫استغالل ضرورة البائع ليشتري منه جهده وعرقه باجر بخس كما ال يجوز للعمال ان يطلبوا‬
‫فوق استحقاقهم من األجر عن طريق الضغط بواسطة االحتكار أو النقابات أو اإلضراب‬
‫(‪)47‬‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬دور الدولة في تجسيد العدل‪ .‬لقد حدد اإلسالم للدولة دورا مهما في تحقيق العدل بوصفها قوة‬
‫اقتصادية لها أثرها في السوق اإلسالمية‪ ،‬إذ من واجبها ان توفر الكفاية لكل من يعيش في‬
‫كنفها‪ ،‬مسلما أو غير مسلم‪ ،‬من أجر عمله مراعية حاجاته اإلنسانية‪ .‬وبعد تحقيق الكفاية‬
‫(‪)48‬‬
‫للعاملين عندها تفسح المجال لتمييز المجتهدين والمتقنين والمبدعين عن غيرهم‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن مظاهر العدل في السوق اإلسالمية تشريع الزكاة‪ :‬فهي تعد أهم مصادر التمويل في‬
‫الدولة اإلسالمية وأداة من أدوات الحث على اإلنتاج وتوزيع الثروة وتداولها بين أفراد‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫إن السوق اإلسالمية في ظل الزكاة وتأثيراتها االقتصادية تظل تتمتع بالحيوية والكفاءة‬
‫والنمو‪ .‬ذلك إن الزكاة بمصادرتها التلقائية لألموال المكتنزة تدريجيا تلغي االكتناز وتدفع األموال‬
‫المعطلة والصالحة للنماء للمشاركة في االستثمار‪ ،‬وهي في الوقت نفسه تشجع على االدخار كي‬
‫يتمكن المشروع من أداء الزكاة‪ ،‬وإ ال سيضطر إلى استقطاعها من رأس المال األصلي‪ ،‬ورفع‬
‫معامل االدخار بالنسبة للدخل يقود بدوره إلى مزيد من االستثمار‪.‬‬
‫كما أن الزكاة تمثل تيارا نقديا متدفقا دائم التردد بين من يملكون ومن ال يملكون مما‬
‫يجنب االقتصاد مخاطر الركود ويعمل على زيادة التشغيل‪ ،‬األمر الذي يعني انتعاشا في سوق‬
‫العمل وزيادة القوة الشرائية للعاملين‪ ،‬أي زيادة اإلنفاق االستهالكي األمر الذي يؤدي‪ -‬بفعل‬

‫‪63‬‬
‫ارتفاع الميل الحدي لالستهالك عند هؤالء‪ -‬إلى تزايد عمليات االستثمار التي تقود بدورها إلى‬
‫(‪)49‬‬
‫زيادة اإلنفاق على االستهالك‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن مظاهر العدل في السوق النقدية اإلسالمية تحريم المقامرة‪ ،‬وهي عقد صفقات اعتمادا‬
‫على الحظ وحده دون أية خبرة سابقة أو دراسة تحليلية وال فرق بين المقامرة والمضاربة‬
‫طالما لم يقصد إلى عملية بيع حقيقية بل البيع الصوري لكسب الفرق بين سوي البيع‬
‫والشراء‪.‬‬
‫وفي المقامرة نجد اعتبار القصور في العقود يجعلها غير صحيحة شرعا‪ ،‬فضال عن أنها‬
‫تؤدي إلى حبس األموال في األسواق نفسها‪ ،‬وال يستفاد منها في تمويل المشروعات كما أن‬
‫المقامرة في العمالت األجنبية تؤدي إلى رفع األسعار عن طريق اإلشاعات والدعايات‬
‫واإلعالنات الكاذبة‪ ،‬ومن خالل التحكم في األسواق عندما تجمع العمالت تحبس عند جهة معينة‬
‫محتكرة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى قلة عرض النقد فارتفاع األسعار‪.‬‬
‫وكذلك تؤدي المعامالت الصورية النتيجة نفسها‪ ،‬فإذا كان الهدف من تلك المعامالت رفع‬
‫األسعار تحدث زيادة في المعامالت الصورية‪ ،‬وإ ذا كان الهدف خفض األسعار تحدث زيادة في‬
‫المعامالت الصورية‪ .‬مما يؤدي إلى إفالس كثير من العمالء والمشروعات والبنوك‪ ،‬وهي‬
‫(‪)50‬‬
‫العوامل التي أدت إلى أزمة ‪ 1929‬الشهيرة‪ .‬وأزمة أكتوبر من عام ‪.1987‬‬
‫‪ -4‬االستقامة‬
‫تعد االستقامة قيمة عليا أخرى من قيم اإلسالم التي لها أثرها في السوق اإلسالمية‪ ،‬ولقد‬
‫أكد القرآن الكريم على ان االستقامة هي النتيجة العملية النهائية إلتباع الناس الهدى اإللهي‪.‬‬
‫‪ِ‬إْن ُهَو ِإَّال ِذ ْك ٌر ِلْلَع اَلِم يَن * ِلَم ْن َش اَء ِم ْنُك ْم َأْن َيْس َتِق يَم ‪ ‬التكوير‪.28-27/‬‬
‫وهي بهذا المعنى إجراء عملي تتوحد فيه عناصر اإلسالم الثالثة اإليمان والعلم والعمل‪.‬‬
‫فاالستقامة ال تتحقق إال في ظل إيمان حق باهلل تعالى ورسوله ‪ ‬وعلم بمعطيات القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية العقائدية واألخالقية والعلمية‪ ،‬وعمل بموجبها‪.‬‬
‫‪ِ‬إَّن اَّلِذ يَن َقاُلوا َر ُّبَنا الَّلُه ُثَّم اْس َتَقاُم وا َفال َخ ْو ٌف َع َلْي ِه ْم َو ال ُهْم َيْح َز ُنوَن ‪ ‬االحقاف‪.13 /‬‬
‫وتحقيق االستقامة يعني نقض كل أشكال الطغيان االقتصادي والسياسي واالجتماعي‪،‬‬
‫ولذلك خاطب اهلل عز وجل رسوله المصطفى بقوله‪:‬‬
‫‪َ‬فاْس َتِقْم َك َم ا ُأِم ْر َت َو َم ْن َتاَب َم َع َك َو ال َتْطَغْو ا ِإَّنُه ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر ‪ ‬هود‪.112 /‬‬
‫إن االستقامة للرسول أن يثابر على تبليغ أوامر ربه وعلى كل ما هو عليه من خلق‬
‫عظيم‪ ،‬في حين ان االستقامة للمؤمنين هي التأسي بالرسول ‪ ‬في إدارة شؤون حياتهم الخاصة‬
‫والعامة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫إن الطغيان غير وارد في حق الرسول األعظم‪ ،‬وإ نما تحذير اهلل عز وجل من الطغيان‬
‫(‪)51‬‬
‫هو للمؤمنين بعدم تجاوزهم الحدود التي رسمها لهم‪.‬‬
‫ان عمق االستقامة الروحي والعملي هو التقوى‪ ،‬والتقوى (ملكة يصدر عنها سلوك‪ .‬ولها‬
‫(‪)52‬‬
‫طريق تحصل بها‪ ،‬ولها آثار سلوكية تنبع عنها)‪.‬‬
‫ولو تدبرنا القرآن الكريم لوجدنا أن مفهوم التقوى يتوزع على ستة تعريفات تشملها‬
‫اآليات‪:‬‬
‫‪ 1-5‬من سورة البقرة‪ ،‬واآلية ‪ 177‬في السورة ذاتها‪ ،‬واآليات ‪ 17 -15‬من سورة آل عمران‪،‬‬
‫واآليات ‪ 136 -133‬من السورة ذاتها‪ ،‬واآليتان ‪ 49 -48‬من سورة األنبياء‪ ،‬واآلية ‪ 33‬من‬
‫سور الزمر‪ ،‬واآليات ‪ 19 -15‬من الذاريات‪.‬‬
‫ويشكل البعد االقتصادي (اإلنفاق) مساحة كبيرة في دائرة مفهوم التقوى (إذ أنه احد‬
‫أشكال (الِّبر) التي يدعو اهلل عز وجل إليها وهو شرط ضروري لنيل ثواب اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪َ‬و َم َثُل اَّلِذ يَن ُينِفُقوَن َأْمَو اَلُهْم اْب ِتَغ اَء َمْر َض اِة الَّلِه َو َتْثِبيًتا ِم ْن َأْنُفِس ِه ْم َك َم َثِل َج َّنٍة ِب َر ْب َو ٍة َأَص اَبَه ا‬
‫َو اِبٌل َفآَتْت ُأُك َلَه ا ِض ْع َفْي ِن َفِإ ْن َلْم ُيِص ْب َه ا َو اِبٌل َفَطٌّل َو الَّلُه ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َبِص يٌر ‪ ‬البقرة‪.265 /‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه اهلل في تفسيره اآلية‪( :‬فإذا كانت هذه الجنة التي بموضع عال‪ ،‬حيث‬
‫ال تحجب عنها الشمس والرياح‪ ،‬وقد أحاط بها مطر شديد فأخرجت ثمراتها ضعفين ما يخرج‬
‫غيرها‪ ،‬إنما كانت مستحسنة في العقل والحس فكذلك نفقة من أنفق ماله لوجه اهلل‪ ،‬ال لجزاء من‬
‫الخلق وال لشكور‪ ،‬بل بثبات من نفسه‪ ،‬وقوة على اإلنفاق‪ ،‬ال يخرج النفقة وقلبه يرجف على‬
‫خروجها‪ ،‬ويداه ترتعشان‪ ،‬ويضعف قلبه ويخور عند اإلنفاق‪ ،‬بخالف نفقة صاحب التثبيت‬
‫والقوة‪ ،‬ولما كان الناس في اإلنفاق على هذين القسمين‪ ،‬كان مثل نفقة صاحب اإلخالص والقوة‬
‫والتثبيت كمثل الوابل‪ ،‬ومثل نفقة األخر كمثل الطل‪ ،‬وهو المطر الضعيف‪ ،‬فهذا بحسب كثرة‬
‫(‪)53‬‬
‫اإلنفاق وقلته وكمال اإلخالص والقوة واليقين فيه وضعفه)‪.‬‬
‫وفي اآلية تنبيه على ان حكمة اإلنفاق تزكية للنفس عن البخل وحب المال‪ ،‬وان نفقات‬
‫(‪)54‬‬
‫هؤالء زاكية عند اهلل ال تضيع بحال وان كانت تتفاوت‪.‬‬
‫وتتجلى االستقامة سلوكا اقتصاديا إسالميا في السوق اإلسالمية من خالل الوفاء بالعقود‪،‬‬
‫وإ تقان عمليات اإلنتاج‪ ،‬واالبتعاد عن كل مظاهر الغش والكذب وإ خالف الموعد واستغالل‬
‫(‪)55‬‬
‫العمال‪.‬‬
‫‪ -5‬األخوة‬

‫‪65‬‬
‫األخوة قيمة إسالمية عليا وهي من القيم العملية الواقعية التي تنظم العالقات اإلنسانية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية وتقعدها على أسس علمية إيمانية عملية‪ ،‬وتحدد أنماط السلوك‬
‫المرغوب فيه في المواقف المختلفة‪.‬‬
‫‪ِ‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة َفَأْص ِلُح وا َبْيَن َأَخ َو ْي ُك ْم ‪ ‬الحجرات‪.10 /‬‬
‫واألخوة تعد نتيجة منطقية للتمسك بالهدى اإللهي‪.‬‬
‫‪َ‬فَأَّلَف َبْيَن ُقُلوِبُك ْم َفَأْص َبْح ُتْم ِبِنْع َم ِتِه ِإْخ َو اًنا‪ ‬آل عمران‪.103 /‬‬
‫وتستوجب األخوة في اإلسالم الوالية‪ ،‬فهي أعلى أشكال األخوة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪َ‬و اَّلِذ يَن آَو وا َو َنَص ُر وا ُأْو َلِئ َك َبْع ُض ُهْم َأْو ِلَياُء َبْع ٍض ‪ ‬األنفال‪.72 /‬‬
‫‪َ‬و اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َناُت َبْع ُض ُهْم َأْو ِلَياُء َبْع ٍض َيْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َيْن َهْو َن َع ْن اْلُم نَك ِر َو ُيِق يُم وَن‬
‫الَّص الَة َو ُيْؤ ُتوَن الَّز َك اَة َو ُيِط يُعوَن الَّلَه َو َر ُس وَلُه ُأْو َلِئ َك َس َيْر َح ُم ُهْم الَّلُه ِإَّن الَّلَه َع ِز يٌز َح ِك يٌم ‪ ‬التوبة‪/‬‬
‫‪.71‬‬
‫فالمؤمنون مسئولون مسؤولية تضامنية عن إدارة شؤون المجتمع في ظل الهدى اإللهي‪،‬‬
‫فال إثرة وال تسلط وال عدوان وال استغالل وال مصلحة خاصة تتغلب على مصلحة المجتمع‪،‬‬
‫وإ نما هناك السماحة والصدق والوفاء والتضحية واإليثار‪.‬‬
‫‪َ‬و ُيْؤ ِث ُر وَن َع َلى َأْنُفِس ِه ْم َو َلْو َك اَن ِبِه ْم َخ َص اَص ٌة ‪ ‬الحشر‪.9 /‬‬
‫(رحم اهلل عبدا سمحا إذا ما باع‪ ،‬وسمحا إذا اشترى‪ ،‬سمحا إذا اقتضى) رواه البخاري‪.‬‬
‫إن قيمة األخوة بوصفها ضابطًا شرعيًا أخالقيا للمعامالت االقتصادية اإلسالمية‪ ،‬يرتبط‬
‫ارتباطا صميميا باالستخالف الذي ينطوي على وحدة البشرية واألخوة بين الناس في إدارة‬
‫شؤون المجتمعات‪ ،‬فليس لفرد امتياز إال بمقدار علمه وتقواه‪.‬‬
‫‪ِ‬إَّن َأْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد الَّلِه َأْتَقاُك ْم ‪ ‬الحجرات‪.13 /‬‬
‫‪ُ‬قْل َهْل َيْس َتِو ي اَّلِذ يَن َيْع َلُم وَن َو اَّلِذ يَن ال َيْع َلُم وَن ‪ ‬الزمر‪.9 /‬‬
‫وفي ضوء هذا التصور لألخوة بوصفها قيمة تعمل في دائرة المعامالت االقتصادية‬
‫اإلسالمية عامة‪ ،‬والسوق خاصة‪ ،‬فان الموقف الذي يحكم العالقات االقتصادية استنادا اليها هو‬
‫موقف التضحية والتعاون المتكاملين لتلبية الحاجات األساسية للفرد والمجتمع‪ .‬وعليه فان‬
‫المنافسة في السوق اإلسالمية تكون صحيحة بقدر إدارتها في ضوء تلك القيم ويقدر تمثلها‬
‫لألهداف اإلسالمية العليا وفي مقدمتها (عمارة األرض) من اجل إقامة (العزة اإلسالمية) على‬
‫أسس مادية صلبة‪ .‬وفي مقدمة مظاهر تلك العزة الرفاهية للجميع‪.‬‬

‫الضوابط المعززة آللية السوق اإلسالمية‬

‫‪66‬‬
‫لقد وضع اإلسالم جملة من الضوابط تعزز آلية عمل السوق اإلسالمية منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬حرية االختيار والتراضي‪ ،‬وهي أساس التعامل فليس ألحد أن يحصل على مال أو سلعة إال‬
‫باختياره ورضاه في إطار ضمان حقوق المتعاملين‪.‬‬
‫روي عن الرسول (‪ )‬انه نهى عن أن يبيع المسلم على بيعة أخيه المسلم‪ .‬حيث يقول‬
‫((ال تحاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال تدابروا‪ .‬وال يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا‬
‫عباد اهلل إخوانا‪ ،‬المسلم اخو المسلم ال يظلمه وال يخذله وال يحقره‪ ،‬التقوى هاهنا ويشير إلى‬
‫صدره ثالث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على المسلم حرام‬
‫دمه وماله وعرض)) رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون مواصفات السلعة معلومة‪ :‬وهذا يعني عرض السلعة بالكيفية التي تظهر حقيقة‬
‫مواصفاتها والتأكد من مطابقتها لألسس التي يراد التعامل بها‪ .‬ويشمل هذا سلع البائع‪ ،‬ونقود‬
‫المشتري أيضا إذ البد أن تكون غير مزيفة أو مغشوشة‪ .‬وكذلك يشمل أساليب الدعاية‬
‫واإلعالن التي ينبغي أن تقوم على أسس صادقة حقيقية‪.‬‬
‫‪ -3‬منع التالعب أثناء عمليات التبادل وتوفر المعلومات الكافية عن السوق‪ :‬فقواعد المنافسة‬
‫الشريفة تقتضي عرض السلع وإ تمام عمليات التبادل على أساس من الصحة والصدق‬
‫والوضوح وعدم التالعب باألسعار فقد روي عن رسول اهلل (‪ )‬أنه قال‪:‬‬
‫((ال تلقوا الركبان وال يبيع بعضكم على بيع بعض وال تناجشوا‪ ،‬وال يبيع حاضر لباد‪ ،‬وال‬
‫تصروا الغنم‪ ،‬ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد ان يحتلبها ان رضيها امسكها‪ ،‬وان‬
‫سخطها ردها صاعا من تمر)) رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -4‬مراقبة عمليات التعامل في األسواق‪ ،‬إذ تقضي قواعد المنافسة الحرة مراقبة عمليات التبادل‬
‫وكذلك األسعار في إطار مؤسسة إسالمية عرفت بالحسبة‪.‬‬
‫(‪)56‬‬

‫كذلك فان التجسيد العملي لقيمة (األخوة) يتمثل في التكافل االجتماعي واالقتصادي‬
‫والتكافل يعني (التناصر بين أفراد المجتمع ليسد بعضهم حاجات بعض ويسند الضعفاء من‬
‫االقوياء‪ ،‬وكذلك التناصر بينهم في القيام باعباء العمل الصالح‪ ،‬فيقوي القادرون منهم على ذلك‬
‫الضعفاء فيه‪ ،‬حتى ينتهي األمر بهذا وذاك إلى ان تكون الجماعة المؤمنة بريئة من سواقط األفراد‬
‫والفئات التي تعيش على هامش الحياة‪ ،‬حرمانا من كريم العيش‪ ،‬أو عطالة عن العمل الصالح‪،‬‬
‫وينخرط الجميع في حقوق الكرامة والكفاية وفي واجبات العمل والتعمير)‪.‬‬
‫(‪)57‬‬

‫‪ -5‬االبتعاد عن المنكرات الشائعة في االسواق مثل الكذب في المرابحة واخفاء العيب‪ ،‬وبيع‬
‫المالهي واالواني المتخذة من الذهب والفضة‪ ،‬وكذلك جميع انواع العقود المؤدية إلى‬
‫التلبيسات‪.‬‬
‫(‪)58‬‬

‫‪67‬‬
‫إن اإليمان باهلل تعالى يعد شرطا ضروريا لهذا التكافل‪ ،‬إذ أن استشعار وحدانية اهلل تعالى‬
‫في خلوة اإلنسان يثمر في النفس شعورا باألخوة ازاء الناس جميعا والمؤمنين خاصة‪ ،‬فيرى‬
‫المؤمن نفسه في اآلخرين بما هم اخوة له في اإلنسانية بعامة‪ ،‬أو أخوة في اهلل بخاصة‪ ،‬يصيبه ما‬
‫يصيبهم‪ ،‬فيهب لنصرتهم مما قد يقعون فيه من مهانة وعجز وحرمان‪ ،‬وهدف نصرتهم انما‬
‫وقد عبر الرسول (‪ )‬عن‬ ‫(‪)59‬‬
‫ينصر نفسه لما استقر فيه من معاني األخوة في اهلل وفي اإلنسانية‪،‬‬
‫هذه المعاني بقوله‪(( :‬ال يؤمن احدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري في باب‬
‫عالمة اإليمان‪.‬‬
‫ان السوق اإلسالمية في ظل قيمة األخوة‪ ،‬تحقق نمطا من التكافل االقتصادي يشمل‬
‫المستهلكين والمنتجين‪ ،‬ولقد وضع القرآن الكريم أسس هذا التكافل من خالل تأكيده الدؤوب على‬
‫سد الحاجات األساسية لإلنسان المحتاج‪ ،‬وتوفير مستلزمات العمل واإلنتاج‪ ،‬من خالل الحث على‬
‫اإلنفاق الذي جعله احد أهم مقومات التقوى‪ ،‬أو من خالل الحث على سلوكيات اقتصادية محددة‪،‬‬
‫وتعزيزها بطريق المخالفة لسلوكيات مرفوضة إسالميا‪.‬‬
‫‪َ‬فاَل اْقَتَح َم اْلَعَقَبَة* َو َم ا َأْد َر اَك َم ا اْلَعَقَبُة* َفُّك َر َقَبٍة * َأْو ِإْطَع اٌم ِفي َيْو ٍم ِذ ي َم ْس َغَبٍة * َيِتيًم ا َذ ا‬
‫َم ْقَر َبٍة * َأْو ِم ْس ِك يًنا َذ ا َم ْتَر َبٍة ‪ ‬البلد‪.16-11 /‬‬
‫‪َ‬ك اَّل َب ل ال ُتْك ِر ُم وَن اْلَيِتيَم * َو ال َتَح اُّضوَن َع َلى َطَع اِم اْلِم ْس ِك يِن ‪ ‬الفجر‪18-17 /‬‬
‫إذ تبين هذه اآليات وغيرها كون اإليمان باهلل تعالى من شأنه أن يدفع المؤمن الى كفالة‬
‫وقد أجمل هذا‬ ‫(‪)60‬‬
‫إخوانه المحرومين كفالة اقتصادية فضال عن الكفالة المعنوية بالتفريج النفسي‪،‬‬
‫المعنى قوله(صلى اهلل عليه وسلم)‪(( :‬ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع))‪.‬‬
‫ويقتضي اإليمان باهلل ايضًا التكافل اإلنتاجي بين المؤمنين‪ ،‬وذلك بان يمد المؤمن أخاه‬
‫بكل ما هو في حاجة إليه ليباشر عمله اإلنتاجي‪ ،‬فيكون بذلك عونًا على العمل الصالح‪ ،‬وقد جاء‬
‫في القران الكريم ما يعزز هذه الحقيقة من خالل التشهير بالذين يكذبون بالدين‪.‬‬
‫‪َ‬أَر َأْيَت اَّلِذ ي ُيَك ِّذ ُب ِبالِّديِن * َفَذ ِلَك اَّلِذ ي َيُد ُّع اْلَيِتيَم *َو ال َيُح ُّض َع َلى َطَع اِم اْلِم ْس ِك يِن * َفَو ْي ٌل‬
‫ِلْلُم َص ِّليَن * اَّلِذ يَن ُهْم َع ْن َص الِتِه ْم َس اُهوَن * اَّلِذ يَن ُهْم ُيَر اُءوَن * َو َيْم َنُعوَن اْلَم اُع وَن ‪ ‬الماعون‪-1‬‬
‫‪.7‬‬
‫إن تداول الماعون هنا فيه داللة على ما يستعان به على األعمال المنزلية‪ ،‬وبذلك رمز‬
‫لآلالت التي يستعان بها على ما هو أوسع من ذلك في مجال اإلنتاج والتعمير‪61.‬‬
‫***‬
‫هكذا وضعنا البحث أمام وجوديين اقتصاديين (سوقين) لكل منها قيمة التي تشكل مع آلية‬
‫العمل‪ ،‬اللحمة والسدى‪ ،‬وفي إطار النسيج تتم فعالية السوقين‪ ،‬وتتحدد أنماط المنتوجات التي‬
‫تتوزع فيها‪ ،‬وتتحدد العقالنية‪ ،‬وإ ذا كانت السوق الحرة غير اإلسالمية قد أعلنت فشلها في القيام‬
‫‪68‬‬
‫بتوزيع أفضل للموارد وحل كثير من المشاكل االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فاضطرت للبحث عن‬
‫آليات توزيعية أخرى تنقذ السوق من مأزقها‪ ،‬فان السوق اإلسالمية قد أدت هذه المهمات على‬
‫خير وجه‪ ،‬وذلك الن أسسها إلهية‪ ،‬وموجهاتها الرئيسية إلهية‪ ،‬وغاياتها سعادة اإلنسان ورفاهيته‬
‫وعزته‪.‬والسوق اإلسالمية بوصفها أنموذجا اقتصاديًا فهي قابله للتحقيق ثانية في ظل قراءة‬
‫معاصرة للقرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬وفهم لعلم االقتصاد المعاصر‪.‬‬
‫إن هذه القراءة للسوق في ضوء الوحي‪ ،‬وقراءة الوحي في ضوء السوق المعاصرة‪،‬‬
‫كفيلة بحل جذري لمشاكل اإلنسانية التي تعاني من اآلثار المدمرة للسوق الحرة الرأسمالية‪ ،‬أو‬
‫السوق االحتكارية الرأسمالية‪.‬‬
‫‪َ‬و َلْو َأَّنُهْم َفَع ُلوا َم ا ُيوَع ُظوَن ِبِه َلَك اَن َخ ْي ًر ا َلُهْم َو َأَش َّد َتْثِبيًتا‪ ‬النساء‪.66/‬‬
‫هوامش البحث‬
‫القران الكريم‬ ‫‪‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬السنن األربعة‬
‫(*) ينظر لمزيد من التفاصيل كتاب (إشكالية التحّيز‪ .‬رؤية معرفية ودعوة لالجتهاد‪ ،‬ج‪2/‬‬
‫تحرير د‪ .‬عبد الوهاب المسيري‪ -‬ص‪.660‬‬
‫(‪ )1‬ينظر لمزيد من التفاصيل‪ -‬الوجود والقيمة‪ -‬سامي خرطبيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬زكريا إبراهيم‪ -‬المشكلة الخلقية‪ -‬ص‪.43-42‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه‪ -‬ص‪.77-76‬‬
‫(‪ )4‬محمد عمر شابرا‪ -‬اإلسالم والتحدي االقتصادي‪-‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )5‬روبرت هيلبرونر‪ -‬قادة الفكر االقتصادي‪ -‬ص‪.51‬‬
‫(‪ )6‬اندرو سكوتر‪ -‬علم اقتصاد السوق الحرة‪-‬ص‪.2‬‬
‫(‪ )7‬آدم سميث‪ -‬ثروة األمم‪ -‬ذكره سكوتر في علم اقتصاد السوق الحرة‪-‬ص‪.3-2‬‬
‫(‪ )8‬هيلبرونر‪ -‬مصدر سابق‪ .‬ص‪.59‬‬
‫(‪ )9‬المصر نفسه‪-‬ص‪.62-61‬‬
‫محمد عمر شابرا‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص‪.274‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫زكريا إبراهيم‪ -‬مصدر سابق‪.164-‬‬ ‫(‪)11‬‬
‫محمد عمر شابرا‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص‪.59‬‬ ‫(‪)12‬‬
‫المصدر نفسه‪ .‬ص‪.62‬‬ ‫(‪)13‬‬
‫المصدر نفسه‪ .‬ص‪.57-56‬‬ ‫(‪)14‬‬
‫المصدر نفسه‪ .‬ص‪.59‬‬ ‫(‪)15‬‬

‫‪69‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(‪)16‬‬
‫عبد الحميد احمد أبو سليمان‪ -‬البنوك اإلسالمية والتنمية‪ -‬مجلة التجديد‪ -‬ص ‪.123‬‬ ‫(‪)17‬‬
‫سعيد حوى‪ -‬المستخلص في تزكية األنفس‪ -‬ص‪.28‬‬ ‫(‪)18‬‬
‫البيضاوي‪ -‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ -‬ص‪.23‬‬ ‫(‪)19‬‬
‫المصدر نفسه‪ -‬ص‪.44‬‬ ‫(‪)20‬‬
‫عبد المجيد النجار‪ -‬دور اإلصالح العقدي في النهضة اإلسالمية‪ -‬مجلة إسالمية‬ ‫(‪)21‬‬
‫المعرفة‪ ،‬ع‪ ،1‬ص‪.70 -‬‬
‫(‪ )22-23‬محمد عمر شابرا‪ .‬مصدر سابق‪ -‬لمزيد من التفاصيل ينظر الفصل الخامس‪ -‬ص‬
‫‪.253‬‬
‫(‪ )24‬الطبري‪ -‬جامع البيان‪.142-5/141 -‬‬
‫(‪ )25‬اآللوسي‪ -‬روح المعاني‪.218-7/217 -‬‬
‫(‪ )26‬محمد عمر شابرا‪ -‬ما هو االقتصاد اإلسالمي‪ -‬ص‪.34-32‬‬
‫(‪ )27‬سعيد حوى‪ -‬المصدر السابق‪.8/276 -‬‬
‫(‪ )28‬اآللوسي‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص‪.262‬‬
‫(‪ )29‬عبد المجيد النجار‪ .‬اإليمان والعمران‪ .‬مجلة إسالمية المعرفة‪ -‬ع‪ 8/‬ص‪.79‬‬
‫(‪ )30‬يوسف القرضاوي‪ -‬دور القيم واألخالق في االقتصاد اإلسالمي‪ .‬ص‪.39-38‬‬
‫(‪ )31‬القرطبي‪ -‬الجامع ألحكام القرآن‪.1/221 -‬‬
‫(‪ )32‬غازي عناية‪ -‬ضوابط تنظيم االقتصاد في السوق اإلسالمية‪ .‬ص‪.75‬‬
‫(‪ )33‬ماجد عرسان الكيالني‪ -‬أهداف التربية اإلسالمية‪ -‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )34‬غازي عناية‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص‪.78‬‬
‫(‪ )35‬عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني‪ -‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪.1/11-‬‬
‫(‪ )36‬المصدر نفسه‪.2/119 -‬‬
‫(‪ )37‬يوسف القرضاوي‪ .‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )38‬أميرة عبد اللطيف مشهور‪ -‬االستثمار في االقتصاد اإلسالمي‪ .‬ص‪.228‬‬
‫(‪ )39‬المصدر نفسه‪ .‬ص‪ 237-236‬وينظر كذلك د‪ .‬هاشم السامرائي‪ -‬النظرية‬
‫االقتصادية‪/‬ج‪ ،1/‬ص‪ 170‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )40‬الميداني‪ -‬المصدر السابق‪.2/48 -‬‬
‫(‪ )41‬يوسف القرضاوي‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص ‪.387‬‬
‫(‪ )42‬محمد جالل سليمان صديق‪ -‬دور القيم في نجاح البنوك اإلسالمية‪ -‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )43‬ابو الحارث المحاسبي‪ -‬آداب النفوس‪ -‬ص‪.57‬‬

‫‪70‬‬
‫(‪ )44‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )45‬الميداني‪ -‬المصدر السابق‪.1/30 -‬‬
‫(‪ )46‬القرضاوي‪ -‬الصدر السابق‪.393 -‬‬
‫(‪ )47‬المصدر نفسه‪ -‬ص‪.395‬‬
‫(‪ )48‬المصدر نفسه‪ -‬ص‪.399‬‬
‫(‪ )49‬أميرة عبد اللطيف مشهور‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص‪.141-140‬‬
‫(‪ )50‬حمدي عبد العظيم‪ -‬التعامل في أسواق العمالت الدولية‪ -‬ص‪.49-48‬‬
‫(‪ )51‬البيضاوي‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص‪.307‬‬
‫(‪ )52‬سعيد حوى‪ -‬جند اهلل ثقافة وأخالقا‪ -‬ص‪.272‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪ -‬مدارج السالكين‪.1/265 -‬‬ ‫(‪)53‬‬
‫(‪ )54‬البيضاوي‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )55‬محمود البابلي‪ -‬خصائص االقتصاد اإلسالمي وضوابطه األخالقية‪ -‬ص‪.216‬‬
‫(‪ )56‬إياد محمد احمد ملكاوي‪ -‬المنافسة في األسواق بين الشريعة اإلسالمية والنظم‬
‫المعاصرة‪ -‬رسالة ماجستير‪ -‬جامعة اليرموك األردن‪ /1990 -‬ص‪ 103‬وينظر‪.‬‬
‫غازي عناية‪ -‬األصول العامة لالقتصاد اإلسالمي‪ .‬ص‪.522 -521‬‬
‫(‪ )57‬عبد المجيد النجار‪ -‬اإليمان والعمران‪ -‬ص‪.79‬‬
‫(‪ )58‬أبو حامد الغزالي‪ -‬إحياء علوم الدين‪.2/338-‬‬
‫(‪ )59‬عبد المجيد النجار‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص ‪.79‬‬
‫(‪ )60‬رواه البخاري في األدب المفرد‪ -‬باب ال يشبع دون جاره‪ .‬رقم ‪ 112‬ذكره النجار‪.‬‬
‫(‪ )61‬عبد المجيد النجار‪ -‬المصدر السابق‪ -‬ص‪.81‬‬
‫(*) للوقوف على رؤية نقدية للسوق الحرة‪ -‬يراجع كتاب علم اقتصاد السوق الحرة‪ .‬مصدر‬
‫سابق‪.‬‬

‫‪71‬‬
72

You might also like