Professional Documents
Culture Documents
شرط *
التّعريف :
-الشّرط بسكون الرّاء لغةً :إلزام الشّيء والتزامه ،ويجمع على شروط ،وبمعنى الشّرط 1
الشّريطة وجمعها الشّرائط .والشّرَط بفتح الرّاء معناه العلمة ويجمع على أشراط ومنه أشراط
السّاعة أي علماتها .
وهو في الصطلح :ما يلزم من عدمه العدم ،ول يلزم من وجوده وجود ول عدم لذاته .
وعرّفه البيضاويّ في المنهاج بأنّه :ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر ل وجوده ،ومثّل له
بالحصان ،فإنّ تأثير الزّنا في الرّجم متوقّف عليه كما ذكر السنويّ ،وأمّا نفس الزّنا فل ،لنّ
البكر قد تزني .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الرّكن :
ي الّذي
-ركن الشّيء في الصطلح :ما ل وجود لذلك الشّيء إلّ به ،وهو الجزء الذّات ّ 2
تتركّب الماهيّة منه ومن غيره بحيث يتوقّف قيامها عليه .
ن الشّرط يكون خارجا عن الماهيّة ،والرّكن يكون داخلً فيها
والفرق بينه وبين الشّرط :هو أ ّ
فهما متباينان .
ب -السّبب :
-السّبب في الصطلح :ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته . 3
فالسّبب والشّرط يلزم من عدمهما العدم .ولكنّ السّبب يلزم من وجوده الوجود ول يلزم من
وجود الشّرط الوجود ،كصلة الظّهر سببها زوال الشّمس وشرطها الطّهارة .
ج -المانع :
-ومعناه في الصطلح كما ذكر القرافيّ في الفروق :هو ما يلزم من وجوده العدم ول يلزم 4
من عدمه وجود ول عدم لذاته ،فهو بهذا المعنى عكس الشّرط لنّ الشّرط ما يلزم من عدمه
العدم ول يلزم من وجوده وجود ول عدم لذاته .
وقال ابن السّبكيّ :المانع :هو الوصف الوجوديّ الظّاهر المنضبط المعرّف نقيض الحكم كالبوّة
في القصاص .
والتّفصيل في مصطلح ( مانع ) .
تقسيمات الشّرط :
ينقسم الشّرط إلى ما يلي :
الوّل -الشّرط المحض :
-وهو ما يمتنع بتخلّفه وجود العلّة فإذا وجد وجدت العلّة فيصير الوجود مضافا إلى الشّرط 5
دون الوجوب ،مثاله اشتراط الطّهارة للصّلة واشتراط الرّهن في البيع .
ثمّ ينقسم الشّرط المحض إلى قسمين :شروط شرعيّة ،وشروط جعليّة .
فالشّروط الشّرعيّة هي الّتي اشترطها الشّارع إمّا للوجوب كالبلوغ لوجوب الصّلة وغيرها من
صحّة كاشتراط الطّهارة للصّلة .وإمّا للنعقاد كاشتراط الهليّة لنعقاد
المور التّكليفيّة ،وإمّا لل ّ
التّصرّف وصلحيّة المحلّ ولورود العقد عليه .وإمّا للّزوم كاشتراط عدم الخيار في لزوم البيع ،
وإمّا لنفاذ اشتراط الولية وما في معناها لنفاذ التّصرّف .
ويلزم من عدم أيّ شرط من هذه الشّروط عدم الحكم المشروط له فإذا فقد شرط من شروط
صحّة عدم صحّة
الوجوب لزم عدم وجوب الفعل على المكلّف ويلزم من عدم شرط من شروط ال ّ
الفعل وهكذا ،ويلزم من عدم شرط من شروط النعقاد بطلن التّصرّف بحيث ل يترتّب عليه أي
حكم .
-6وأمّا الشّروط الجعليّة فهي الشّروط الّتي يشترطها المكلّف في العقود وغيرها كالطّلق
والعتاق والوصيّة وهو نوعان شرط تعليقيّ مثل إن دخلت الدّار فأنت طالق ،وينظر تفصيله في
( تعليق ) ،وشرط تقييديّ مثل وقفت على أولدي من كان منهم طالبا للعلم .
وهذه الشّروط الجعليّة تنقسم من حيث اعتبارها إلى ثلثة أنواع :
أ -شرط ل ينافي الشّرع :بل هو مكمّل للشّروط وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض
رهنا أو كفيلً .
ب -شرط غير ملئم للمشروط :بل هو مناف لمقتضاه ،كما لو اشترط الزّوج في عقد الزّواج
أن ل ينفق على الزّوجة .
ج -شرط ل ينافي الشّرع ما شرط فيه وفيه مصلحة لحد العاقدين أو كليهما أو لغيرهما ولكنّ
العقد ل يقتضيه فل تعرف ملءمته أو عدم ملءمته للعقد وذلك كما لو باع منزلً على أن يسكنه
البائع مثلً فتر ًة معلومةً أو يسكنه فلن الجنبيّ .
وهذا الشّرط محلّ خلف .وتفصيله في الملحق الصوليّ .
القسم الثّاني :شرط هو في حكم العلل :
-وهو شرط ل تعارضه علّة تصلح أن يضاف الحكم إليها فيضاف الحكم إليه ،لنّ الشّرط 7
يتعلّق به الوجود دون الوجوب فصار شبيها بالعلل ،والعلل أصول لكنّها لمّا لم تكن عللً بذواتها
استقام أن تخلفها الشّروط ،ومثاله حفر البئر ،فعلّة السّقوط هي الثّقل لكنّ الرض مانع من
السّقوط فإزالة المانع بالحفر صار شرطا وهذه العلّة ل تصلح لضافة الحكم إليها " وهو
ن الثّقل أمر طبيعيّ والمشي مباح فل يصلحان لضافة الضّمان إليهما ،فيضاف إلى
الضّمان" ل ّ
ن صاحبه متعدّ لنّ الضّمان فيما إذا حفر في غير ملكه بخلف ما إذا أوقع نفسه .
الشّرط ل ّ
القسم الثّالث :شرط له حكم السباب :
-وهو شرط حصل بعد حصوله فعل فاعل مختار غير منسوب ذلك الفعل إلى الشّرط كما إذا 8
شرطا ،ومن حيث عدم وجود الحكم عنده ل يكون شرطا حكما .
ويفهم ممّا ذكره فخر السلم أنّه عبارة عن أوّل الشّرطين اللّذين يضاف إلى آخرهما الحكم فإنّ
ن حكم الشّرط أن يضاف الوجود إليه
ن أوّلهما شرط اسما ل حكما ،ل ّ
كلّ حكم تعلّق بشرطين فإ ّ
وذلك مضاف إلى آخرهما فلم يكن الوّل شرطا حكما بل اسما .
القسم الخامس :شرط هو بمعنى العلمة الخالصة :
-وذلك كالحصان في باب الزّنا وإنّما كان الحصان علمةً لنّ حكم الشّرط أن يمنع انعقاد 10
أن يكون المعلّق عليه أمرا معدوما على خطر الوجود أي متردّدا بين أن يكون وأن ل يكون،
وأن يكون أمرا يرجى الوقوف على وجوده ،وأن ل يوجد فاصل أجنبيّ بين الشّرط والجزاء.
وأن يكون المعلّق عليه أمرا مستقبلً بخلف الماضي فإنّه ل مدخل له في التّعليق .وأن ل يقصد
بالتّعليق المجازاة فلو سبّته بما يؤذيه فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجّز الطّلق سواء كان
الزّوج كما قالت أو لم يكن لنّ الزّوج في الغالب ل يريد إلّ إيذاءها بالطّلق ،وأن يوجد رابط
حيث كان الجزاء مؤخّرا وإلّ تنجّز ،وأن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكا للتّنجيز أي قادرا
على التّنجيز وهذا المر فيه خلف .
). 12/ ج 29 - 28/ ينظر في ( تعليق ف
ما يختصّ به الشّرط المقيّد :
يختصّ الشّرط المقيّد بأمرين :
-الوّل :كونه أمرا زائدا على أصل التّصرّف .فقد صرّح الزّركشيّ في قواعده بأنّ الشّرط 12
ما جزم فيه بالصل -أي أصل الفعل -وشرط فيه أمرا آخر .
ن الشّرط
ي في حاشيته على ابن نجيم :أ ّ
ل ويظهر ذلك ممّا قاله الحمو ّ
الثّاني :كونه أمرا مستقب ً
التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .
ي أنّ التّعليق ما دخل على أصل
هذا والفرق بين شرط التّعليق وشرط التّقييد كما ذكر الزّركش ّ
الفعل بأداته كإن وإذا ،والشّرط ما جزم فيه بالصل وشرط فيه أمرا آخر .
وقال الحمويّ :وإن شئت فقل في الفرق إنّ التّعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بإن
أوإحدى أخواتها والشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .
ما يعرف به الشّرط :
-يعرف الشّرط بصيغته بأن دخل في الكلم حرف من حروف الشّرط فكان الفعل الّذي دخل 13
عليه شرطا ،وصيغه كما ذكر المديّ في الحكام كثيرة وهي إن الخفيفة ،وإذا ،ومن ،وما ،
ومهما ،وحيثما ،وأينما ،وإذ ما ،وأمّ هذه الصّيغ " إن " الشّرطيّة .
ويعرف الشّرط أيضا بدللته أي بالمعنى بأن يكون الوّل أي من الكلم سببا للثّاني كقوله :
المرأة الّتي أتزوّج طالق ثلثا ،فإنّه مبتدأ متضمّن لمعنى الشّرط .والوّل يستلزم الثّاني ألبتّة
دون العكس ،لوقوع الوصف -وهو وصف التّزوّج -في النّكرة فيعمّ .
ولو وقع الوصف في المعيّن كما في قوله :هذه المرأة الّتي أتزوّجها طالق لما صلح دللةً على
ن الوصف في المعيّن لغو فبقي قوله :هذه المرأة طالق فيلغو في الجنبيّة ،ونصّ
الشّرط ،ل ّ
الشّرط يجمع المعيّن وغيره حتّى لو قال إن تزوّجت هذه المرأة أو امرأةً طلقت إذا تزوّج بها .
وتفصيل ذلك محلّه كتب الصول .
الثر المترتّب على تعليق الحكم بالشّرط :
-يذكر الصوليّون مسألةً هام ًة وهي أنّ تعليق الحكم بالشّرط هل يمنع السّبب عن السّببيّة 14
باطلً .
فإن كان الشّرط صحيحًا كما لو اشترط في البقرة كونها حلوبا فالعقد جائز لنّ المشروط صفة
للمعقود عليه أو الثّمن ،وهي صفة محضة ل يتصوّر انقلبها أصلً ول يكون لها حصّة من
ل أو فاسدا كما لو اشترى ناقةً على أن تضع حملها بعد
الثّمن بحال .وإن كان الشّرط باط ً
شهرين كان البيع فاسدا .
قال في الفتاوى الهنديّة :وجملة ما ل يصحّ تعليقه بالشّرط ويبطل بالشّروط الفاسدة ثلثة عشر:
البيع والقسمة والجارة والرّجعة والصّلح عن مال والبراء عن الدّين والحجر عن المأذون
وعزل الوكيل في رواية شرح الطّحاويّ وتعليق إيجاب العتكاف بالشّروط والمزارعة والمعاملة
والقرار والوقف في رواية .
ن الشّرط التّقييديّ ثلثة
هذا وقد ذهب الحنفيّة وهم الّذين يفرّقون بين الفساد والبطلن إلى أ ّ
أقسام :صحيح وفاسد وباطل .
وذهب غيرهم من الفقهاء وهم الّذين ل يفرّقون بين الفساد والبطلن ويقولون :إنّهما واحد إلى
أنّه قسمان :صحيح وباطل أو صحيح وفاسد .
الشّرط الصّحيح :
أ -ضابطه :
-ضابطه عند الحنفيّة :اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه 19
العقد أو ما يلئم مقتضاه أو اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجواز اشتراطه أو اشتراط ما جرى
عليه التّعامل .
وضابطه عند المالكيّة :اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه
العقد أو اشتراط ما ل يقتضيه العقد ول ينافيه .
وضابطه عند الشّافعيّة :اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه
العقد أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً مشروعةً للعاقد أو اشتراط العتق لتشوّف الشّارع إليه .
وضابطه عند الحنابلة :اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه
العقد أو يؤكّد مقتضاه أو اشتراط ما أجاز الشّارع اشتراطه أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً للعاقد ،
وفيما يلي تفصيل ذلك :
ب -أنواعه :
-النّوع الوّل :اشتراط صفة قائمة بمح ّل التّصرّف وقت صدوره وهذا النّوع متّفق على 20
جوازه عند الفقهاء ،فإن فات هذا الشّرط يكون للمشتري الخيار لفوات وصف مرغوب فيه
كاشتراط كون البقرة المشتراة حلوبا .
النّوع الثّاني :اشتراط ما يقتضيه العقد وجوازه أيضا محلّ اتّفاق عند الفقهاء لنّه بمثابة تأكيد ،
ن هذا الشّرط من
حلّ
ومن أمثلته ما لو اشترط في الشّراء التّسليم إلى المشتري فإنّ البيع يص ّ
مقتضيات العقد ،ومنها أيضا اشتراط الرّدّ بالعيب وردّ العوض فإنّها أمور لزمة ل تنافي العقد
بل هي من مقتضياته .
النّوع الثّالث :اشتراط ما يلئم مقتضى العقد وهذه عبارة الحنفيّة .
قال صاحب البدائع فهذا ل يقتضيه العقد ولكنّه يلئم مقتضاه فهو ل يفسد العقد وإنّما هو مقرّر
لحكم العقد من حيث المعنى مؤكّد إيّاه فيلحق بالشّرط الّذي هو من مقتضيات العقد .
وعبارة المالكيّة اشتراط ما يلئم مقتضى العقد ول ينافيه .
وعبارة الشّافعيّة والحنابلة اشتراط ما ل يقتضيه إطلق العقد لكنّه يلئمه ومحقّق مصلحةً للعاقد
ومثاله ما لو باع على أن يعطيه المشتري بالثّمن رهنا أو كفيلً والرّهن معلوم والكفيل حاضر
جاز ذلك استحسانا عند الحنفيّة وهو جائز أيضا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
النّوع الرّابع :اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجوازه .
النّوع الخامس :اشتراط ما جرى عليه التّعامل بين النّاس وقد ذكر هذا النّوع الحنفيّة سوى
زفر ،وهو ممّا ل يقتضيه العقد ول يلئم مقتضاه لكن للنّاس فيه تعامل .
ن هذا الشّرط
ل على أن يحذوها البائع أو جرابا على أن يخرزه له خفّا فإ ّ
ومثاله إذا اشترى نع ً
جائز لنّ النّاس تعاملوا به في البيع كما تعاملوا بالستصناع فسقط القياس بعدم الجواز بتعامل
النّاس .
النّوع السّادس :اشتراط البائع نفعا مباحا معلوما ،وهذا عند الحنابلة ومن أمثلته ما لو باع
دارا واشترط على المشتري أن يسكنها شهرا .
الشّرط الفاسد أو الباطل :
-هو ضربان :أحدهما :ما يفسد العقد ويبطله ،وثانيهما :ما يبقى التّصرّف معه صحيحا. 21
محظور أو اشتراط ما ل يقتضيه العقد وفيه منفعة لحد المتعاقدين أو للمعقود عليه ول يلئم
مقتضى العقد ول ممّا جرى عليه التّعامل بين النّاس ول ممّا ورد في الشّرع دليل بجوازه .
وضابطه عند المالكيّة :اشتراط أمر محظور أو أمر يؤدّي إلى غرر أو اشتراط ما ينافي مقتضى
العقد .
وضابطه عند الشّافعيّة :اشتراط أمر لم يرد في الشّرع أو اشتراط أمر يخالف مقتضى العقد أو
اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة .
وضابطه عند الحنابلة :اشتراط عقدين في عقد أو اشتراط شرطين في عقد واحد أو اشتراط ما
يخالف المقصود من العقد .
ب -أنواعه :
-لهذا الضّرب سبعة أنواع تؤخذ من ضوابطه : 23
النّوع الوّل :اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر غير يسير ،وهذا النّوع ذكره الحنفيّة والمالكيّة .
ومثاله عند الحنفيّة ما لو اشترى ناقةً على أنّها حامل لنّه يحتمل الوجود والعدم ول يمكن
الوقوف عليه للحال فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع .
ومثّل له المالكيّة بعسب فحل يستأجر على إعقاق النثى حتّى تحمل فل يصحّ لما فيه من الجهالة
ولنّه يؤدّي إلى غبن صاحب النثى إن تعجّل حملها وإلى غبن صاحب الفحل إن تأخّر الحمل .
النّوع الثّاني :اشتراط أمر محظور .
النّوع الثّالث :اشتراط أمر يخالف الشّرع .
النّوع الرّابع :اشتراط ما يخالف أو يناقض مقتضى العقد أو ينافي المقصود منه ومثاله ما لو
باع دارا بشرط أن يسكنها مدّ ًة بطل البيع ،أو شرط أن ل يبيعها .لم يصحّ ،أو تزوّج امرأةً
على أن ل تحلّ له لم يصحّ النّكاح لشتراط ما ينافيه .
النّوع الخامس :اشتراط ما يؤدّي إلى جهالة ،ومن أمثلة هذا النّوع ما لو باع شيئا بثمن إلى
نتاج النّتاج فهذا البيع ل يصحّ لما فيه من الجهالة في الجل .
النّوع السّادس :اشتراط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر أو اشتراط البائع شرطا يعلّق
عليه البيع ومثاله كما في كشّاف القناع ما لو اشترط عليه سلفا أي سلما أو قرضا بيعا أو إجارةً
أو شركةً أو صرف الثّمن أو صرف غيره أو غير الثّمن فاشتراط هذا الشّرط يبطل البيع كما
ي عنه .
صرّح الحنابلة لكونه من قبيل بيعتين في بيعة المنه ّ
والنّهي يقتضي الفساد وكقوله بعتك إن جئتني بكذا أو بعتك إن رضي فلن فل يصحّ البيع لنّ
مقتضى البيع نقل الملك حال التّبايع والشّرط هنا يمنعه .
النّوع السّابع :اشتراط ما ل يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري وليس ممّا جرى به
التّعامل بين النّاس نحو ما إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثمّ يسلّمها إليه أو أرضا
على أن يزرعها سنةً أو دا ّبةً على أن يركبها شهرا أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا أو على أن
يقرضه المشتري قرضا أو على أن يهب له هبةً أو يزوّج ابنته منه أو يبيع منه كذا ونحو ذلك
أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا أو حنطةً على أن يطحنها ونحو ذلك .
فالبيع في هذا كلّه فاسد كما صرّح الحنفيّة لنّ زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا لنّها
زيادة ل يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الرّبا والبيع الّذي فيه الرّبا أو الّذي فيه شبهة
الرّبا فاسد .
الضّرب الثّاني من ضربي الشّرط الفاسد :
ن المشترط أسقطه أو يبقى التّصرّف معه صحيحا
-هو ما يبقى التّصرّف معه صحيحا إمّا ل ّ 24
أقسام الشّرط الباطل .وضابطه عندهم اشتراط أمر يناقض المقصود من البيع أو يخلّ بالثّمن
فيه أو يؤدّي إلى غرر في الهبة ،فأنواعه على هذا ثلثة :
النّوع الوّل :اشتراط أمر ينافي المقصود من البيع كأن يشترط البائع على المشتري أن ل يبيع
ن البيع يصحّ .
ن هذا الشّرط إذا أسقطه المشترط فإ ّ
أو ل يهب ،ونحو ذلك فإ ّ
النّوع الثّاني :اشتراط أمر يخلّ بالثّمن بأن يؤدّي إلى جهالة فيه بزيادة إن كان شرط السّلف من
ن النتفاع بالسّلف من
المشتري أو نقص إن كان من البائع كبيع وشرط سلف من أحدهما ل ّ
جملة الثّمن أو المثمّن وهو مجهول فهذا الشّرط إن حذفه المشترط صحّ العقد .
النّوع الثّالث :اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر ومثاله في الهبة ما لو دفع إلى آخر فرسا ليغزو
عليه سنين وشرط الواهب أن ينفق الموهوب له عليه أي الفرس في تلك السّنين ثمّ تكون
الفرس ملكا للمدفوع له فل يجوز ذلك للغرر .
-القسم الثّاني :ما يحكم معه بصحّة التّصرّف سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه . 26
وهذا القسم يتناول الشّروط الباطلة الّتي تسقط ويصحّ معها التّصرّف عند الحنفيّة والشّروط
الباطلة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند المالكيّة والشّروط الفاسدة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند
الشّافعيّة والحنابلة ،وقد سبقت ضوابط ذلك .
وأنواعه ما يأتي :
-النّوع الوّل :ذكره الحنفيّة وهو اشتراط ما ل يقتضيه العقد ول يلئم مقتضاه ولم يرد 27
شرع ول عرف بجوازه وليس فيه منفعة لحد المتعاقدين أو للمعقود عليه من أهل الستحقاق .
ومثاله كما في البدائع لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن ل يبيع الخر نصيبه ول
ن هذا الشّرط ل منفعة فيه لحد فل يوجب الفساد وهذا
يهبه فالمزارعة جائزة والشّرط باطل .ل ّ
لنّ فساد البيع في مثل هذه الشّروط لتضمّنها الرّبا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد ل
يقابلها عوض ولم يوجد في هذا الشّرط لنّه ل منفعة فيه لحد إلّ أنّه شرط فاسد في نفسه لكنّه
ل يؤثّر في العقد فالعقد جائز والشّرط باطل .
النّوع الثّاني :ذكره المالكيّة وهو اشتراط البراءة من العيوب أو من الستحقاق ،فإذا باع
عرضا أو حيوانا على البراءة من العيوب ثمّ اطّلع المشتري على عيب قديم فيه كان له ردّه ول
عبرة بشرط البراءة .
النّوع الثّالث :اشتراط ما يخالف أو ينافي مقتضى العقد دون الخلل بمقصوده وهذا النّوع ذكره
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ومن أمثلته عند المالكيّة ما لو اشترط ربّ الوديعة على المودع ضمانها فل ضمان عليه إذا
تلفت في محلّ ل ضمان عليه فيه ،لنّ يد المودع يد أمانة فل يضمن إلّ بالتّعدّي الوديعة من
المانات فل يضمن إذا تلفت في هذه الحالة فيلغى الشّرط وتصحّ الوديعة .
ومن أمثلته عند الشّافعيّة ما لو قال :أعمرتك هذه الدّار سن ًة فعلى الجديد لو قال مع قوله :
أعمرتكها فإذا متّ عادت إليّ أو إلى وارثي فكذا هي هبة وإعمار صحيح في الصحّ وبه قطع
الكثرون كما في الرّوضة فيلغو ذكر الشّرط .
ومن أمثلته عند الحنابلة ما لو اشترط أن ل خسارة عليه أو شرط أنّه متى نفق المبيع وإلّ ردّه
فهذا الشّرط ل يبطل البيع .
النّوع الرّابع :اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة أو أمر غير مشروع كما لو باع بقرةً وشرط أن تدرّ
كلّ يوم صاعًا فإنّ ذلك ل يصحّ لعدم القدرة عليه ولعدم انضباطه .
شرع من قبلنا *
التّعريف :
-الشّرع ،والشّريعة ،والشّرعة في اللّغة :الطّريق الظّاهر الّذي يوصل منه إلى الماء ، 1
الصول .فل تختلف في أصول الدّين ،كوحدانيّة اللّه ،ووجوب إخلص العبادة له .واليمان
بالبعث ،والجنّة ،والنّار ،والملئكة ،وغير ذلك من أصول الدّين .
ك َومَا وَصّيْنَا ِبهِ
ع َلكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّى ِب ِه نُوحا وَالّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَيْ َ
قال اللّه تعالى لنبيّه { :شَرَ َ
ن أَقِيمُوا الدّينَ وَل تَ َتفَرّقُوا فِيهِ } .
إِبْرَاهِيمَ َومُوسَى وَعِيسَى أَ ْ
اختلف الشّرائع في الفروع :
-الشّرائع السّماويّة قد تختلف في الحكام الفرعيّة حسب اختلف الزّمن والبيئات ،وبسبب 3
ظروف وملبسات خاصّة بأمّة من المم فتحرّم بعض أمور على أمّة لسباب خاصّة بها .
كما حرّم على اليهود بعض أجزاء الحيوان ،قال تعالى { :وَعَلَى الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا ُكلّ ذِي
حوَايَا َأوْ مَا اخْتَ َلطَ
ظهُورُ ُهمَا َأوِ ا ْل َ
ت ُ
حمَلَ ْ
شحُومَ ُهمَا ِإلّ مَا َ
ح ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ ُ
ن الْ َبقَرِ وَا ْلغَنَمِ َ
ظفُرٍ َومِ َ
ُ
ِب َعظْمٍ } .ولكن هل نحن متعبّدون بفروع شرع من قبلنا من المم ؟ اختلف علماء الصول
والفقه في ذلك .وهل كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتعبّد قبل المبعث بشرع أحد من النبياء ؟
منهم من قال :كان يتعبّد ،ومنهم من نفى ذلك .
ن ما هو من الشّرائع السّابقة وإن ورد ما يدلّ
وبناءً على هذا الختلف الصوليّ والكلميّ فإ ّ
على إقراره فهو شرع لنا وإن ورد ما يدلّ على نسخه فليس شرعا لنا بالتّفاق .
وإن سكت شرعنا عن إقراره ونسخه فقد اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة إلى أنّه شرع لنا ،ثابت الحكم علينا ،إذا قصّه اللّه علينا
في القرآن من غير إنكار ،ول تقرير ،فل نأخذ من أحبارهم ول من كتبهم .
حجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِي َم عَلَى َقوْمهِ } ،إلى قوله { :فَ ِبهُدَا ُهمُ
ك ُ
واحتجّوا بقوله تعالى { :وَتِلْ َ
اقْتَدِهْ}.
ن اتّبِعْ مِّل َة إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا } .
ك أَ ِ
وقوله تعالى ُ { :ثمّ َأ ْوحَيْنَا إِلَيْ َ
ن شرع من قبلنا من النبياء شرع لنا ،وهي وإن لم
وقالوا :إ نّ هذه اليات وغيرها تدلّ على أ ّ
ي صلى ال عل يه و سلم فإنّ ها قد
ت كن لزم ًة ل نا بن فس ورود ها في تلك الشّري عة ق بل مب عث النّب ّ
صارت شريعةً لنا بورودها على شريعتنا ولزمنا أحكامها .بنا ًء على هذا استدلّوا بها على آراء
فقهيّة ذهبوا إليها :
ن ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ } على وجوب قتل
فقد استدلّ الحنفيّة بقوله تعالى َ { :وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَ ّ
ي ،واستدلّوا بقوله تعالى حكايةً عن نبيّ اللّه صالح عليه السلم {:قَالَ هَذِ ِه نَا َقةٌ
المسلم بال ّذمّ ّ
ن اللّه تعالى أخبر عن
ب َي ْومٍ ّمعْلُومٍ } .على جواز قسم الشّرب باليّام ،ل ّ
شرْبٌ وَ َل ُكمْ شِرْ ُ
ّلهَا ِ
نبيّه صالح بذلك ولم يعقبه بالنّسخ فصارت شريعةً لنا مبتدأةً .
سوّلَتْ َل ُكمْ أَن ُفسُ ُكمْ َأمْرا } .حكايةً
واستدلّ المالكيّة على جواز الحكم بالمارة بقوله تعالى َ { :ب ْل َ
ي اللّه يعقوب عليه الصلة والسلم ردّا على قول إخوة يوسف { :إِنّا ذَهَبْنَا َنسْتَبِقُ
عن نب ّ
وَتَ َركْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَ َأكَ َلهُ الذّئْبُ } .
وبنوا على ذلك أحكاما كثير ًة :
منها :لو وجد ميّت في دار السلم ،وهو غير مختون وعليه زنّار فل يدفن في مقابر
المسلمين ،استنادا إلى هذه المارة .
وقال الشّافعيّة في القول الصحّ عندهم :إنّ شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ،وإن ورد في
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال له » :
شرعنا ما يقرّره ،وقالوا :إ ّ
كيف تقضي؟ فأجابه :أقضي بما في كتاب اللّه ،قال :فإن لم يكن في كتاب اللّه ؟ قال :فبسنّة
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .قال :فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟
قال :أجتهد رأيي « .
ولم يذ كر شرع من قبل نا فزكّاه النّبيّ صلى ال عل يه و سلم و صوّبه ،فلو كان ذلك من مدارك
الحكام لما جاز العدول إلى الجتهاد إلّ بعد العجز عنه .
وتفصيل الموضوع وأدلّة المختلفين يرجع إليه في الملحق الصوليّ .
شرقاء *
انظر :أضحيّة
شرْك *
ِ
انظر :إشراك ،اشتراك
الشّركة *
التّعريف :
-الشّركة بكسر فسكون ،كنعمة أو بفتح فكسر ،ككلمة -ويجوز مع الفتح أيضا إسكان 1
الرّاء -اسم مصدر شرك ،كعلم :يقال :شرك الرّجل الرّجل في البيع والميراث يشركه شركا
وشركةً ،خلط نصيبه بنصيبه ،أو اختلط نصيباهما .
فالشّركة إذن :خلط النّصيبين واختلطهما ،والعقد الّذي يتمّ بسببه خلط المالين حقيقةً أو حكما
-لصحّة تصرّف كلّ خليط في مال صاحبه -يسمّى شركةً تجوّزا ،من إطلق اسم المسبّب
وإرادة السّبب .
وأمّا في الصطلح الفقهيّ :فالشّركة قسمان :شركة ملك وشركة عقد .
أمّا شركة العقد فسيأتي الكلم عليها في قسمها الخاصّ بها .
وأمّا شركة الملك فهي أن يختصّ اثنان فصاعدا بشيء واحد ،أو ما هو في حكمه .
والّذي في حكم الشّيء الواحد هو المتعدّد المختلط بحيث يتعذّر أو يتعسّر تفريقه لتتميّز أنصباؤه.
سواء في ذلك العين والدّين وغيرهما .فالدّار الواحدة ،أو الرض الواحدة ،مثلً تثبت فيها
ي سبب آخر من أسباب
شركة الملك بين اثنين إذا اشترياها أو ورثاها أو انتقلت إليهما بأ ّ
الملك ،كالهبة والوصيّة والصّدقة .
وكذلك الردبّان من القمح أو أحدهما من القمح والخر من الشّعير ،أو الكيسان من الدّنانير
سكّة الواحدة ،يخلطان معا طواعيةً أو اضطرارا كإن انفتق الكيسان المتجاوران .
ذات ال ّ
وقد أنكر بعضهم وقوع شركة الملك في الدّيون ،لنّ الدّين وصف شرعيّ في ال ّذمّة ،فل يملك
وتمليكه ممّن هو عليه ،هو في حقيقة المر ،إسقاط ل تمليك .
ق أنّه يملك ،قالوا :بدليل أنّ ما يقبضه أحد الدّائنين عن حصّته من الدّين المشترك
ولكنّ الح ّ
يكون مشتركا بين الدّائنين ،حتّى ليتعذّر التّخلّص من هذه الشّركة إلّ بإعمال الحيلة كأن يهب
المدين لقابض قدر نصيبه ما قبضه ،ويبرئه القابض من حصّته في الدّين .
أمّا غير الدّين والعين ،فكحقّ صاحبي الدّار في حفظ نحو الثّوب تلقيه فيها الرّيح فإنّه حقّ
مشترك بينهما شركة ملك ،إذ يملكه كلهما .
وليس يخالف أحد من أهل الفقه خلفا يذكر في ثبوت شركة الملك ،على هذا النّحو الّذي ذكره
الحنفيّة ،وإن لم يصرّح بعضهم باسمها بل يتعمّد كثير منهم أن يجمعوها في تعريف واحد مع
شركة العقد ،كما فعل بعض الشّافعيّة ،إذ عرّف الشّركة مطلقا بأنّها :ثبوت الحقّ في شيء
لثنين فأكثر على جهة الشّيوع .
وبعض المالكيّة إذ عرّفها كذلك بأنّها :تقرّر متموّل بين مالكين فأكثر .
تقسيم شركة الملك :
أ ّولً :إلى شركة دين ،وشركة غيره :
-أ -فشركة الدّين :أن يكون الدّين مستحقّا لثنين فأكثر :كمائة دينار في ذمّة تاجر تجزئةً 2
بدونه ،وسواء وقع العقد مشتركا منذ بدايته ،أم طرأ عليه اشتراكهما ،أم طرأ الشتراك في
المال بعد العقد .
فمثال ما كان بواسطة عقد مشترك منذ البدء ،ما لو اشترى اثنان دا ّبةً للجرّ أو الرّكوب ،أو
بضاع ًة يتّجران فيها .وكالشّراء قبول هبة شيء من ذلك ،أو غيره ،أو الوصيّة أو التّصدّق
به .ومثال ما كان بواسطة عقد طرأ اشتراكه أو اشتراكه في المال بعده ،أن يقع الشّراء أو
قبول الهبة أو الوصيّة من واحد ،ثمّ يشرك معه آخر ،فيقبل الخر الشّركة -بعوض أو بدونه
.ومثال ما كان بدون عقد ما لو خلط اثنان ماليهما ،وما لو اصطاد اثنان صيدا بشرك نصباه ،
أو أحييا أرضا مواتا .
ب -والضطراريّة ،أو الجبريّة :هي الّتي تكون دون إرادة أحد من الشّريكين أو الشّركاء :
كما لو انفتقت الكياس ،واختلط ما فيها ممّا يعسر -إن لم يتعذّر -فصل بعضه عن بعض
لتتميّز أنصباؤه ،كبعض الحبوب .
ن الخالط يملك
أمّا إذا وقع الخلط بفعل أحد الشّركاء ،دون إذن باقيهم ،فقد قال ابن عابدين :إ ّ
ما خلطه بمال نفسه ،ويكون مضمونا عليه بالمثل لتعدّيه ،أي فل شركة .
وهذا الّذي تقدّم ل خلف فيه إلّ في مثل مسألة :تملّك شخص مال غيره بمجرّد الستبداد بخلطه
بمال نفسه ،بحيث ل يتميّزان ،أو يشقّ ويعسر تمييزهما ،فقد قال الحنفيّة :إنّه يملكه بذلك
ويثبت في ذمّته للخر بدله ،وقال بذلك ابن القاسم ،ومعه جماهير المالكيّة ،والقاضي من
ي اعتمده أكثر المتأخّرين من
الحنابلة ،وقال :إنّه قياس المذهب ،وهو أحد أقوال الشّافع ّ
أصحابه ،بعد أن قيّدوه في الوجه بامتناع التّصرّف فيما ملك بالخلط ،حتّى يؤدّي بدله
لصاحبه ،لنّ الّذي ملكه كذلك ،لو كان ملكه بمعاوضة رضائيّة لم يجز له التّصرّف فيه حتّى
يرضى صاحبه بذمّته ،فأولى إذا ملكه بدون رضاه .
ي ،ويجعل المال مشتركا :كما هو أحد
ومن فقهاء المذاهب الثّلثة ،من ينكر هذا التّملّك القسر ّ
ي ،وأطال في النتصار له ،وعليه أشهب من المالكيّة ،
ي السّبك ّ
أقوال الشّافعيّ ،واختاره التّق ّ
وجماهير متأخّري الحنابلة .
أحكام شركة الملك :
ن كلّ واحد من الشّريكين أو الشّركاء في شركة الملك أجنبيّ بالنّسبة لنصيب الخر.
-الصل أ ّ 4
لنّ هذه الشّركة ل تتضمّن وكالةً ما ،ثمّ ل ملك لشريك ما في نصيب شريكه ،ول ولية له
عليه من أيّ طريق آخر .والمسوّغ للتّصرّف إنّما هو الملك أو الولية وهذا ما ل يمكن تطرّق
الخلف إليه .
ويترتّب على ذلك ما يلي :
-أ -ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التّصرّفات التّعاقديّة :كالبيع ، 5
ل ،أو
والجارة ،والعارة وغيرها ،إلّ أن يكون ذلك بإذن شريكه هذا .فإذا تعدّى فآجر ،مث ً
أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير ،فلشريكه تضمينه حصّته وهذا أيضا
ممّا ل خلف فيه .
-ب -لكلّ شريك في شركة الملك أن يبيع نصيبه لشريكه ،أو يخرجه إليه عن ملكه على 6
أيّ نحو ،ولو بوصيّة ،إ ّل أنّ المشترك ل يوهب دون قسمة ،ما لم يكن غير قابل لها .
وسيأتي استثناء حالة الضّرر .هكذا قرّره الحنفيّة .
وهو في الجملة محلّ وفاق إلّ أنّ هبة المشاع سائغة عند جماهير أهل العلم بإطلق :كما قرّره
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
والحنفيّة على أنّ هبة المشاع ل تجوز -بمعنى عدم إثبات ملك ناجز -فالهبة صحيحة ،ولكن
يتوقّف الملك على الفراز ثمّ التّسليم .
ن للشّريك أن يبيع نصيبه لغير شريكه -في غير حالة
-ج -ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أ ّ 7
الضّرر التية -بدون إذن منه ،واستثنى الحنفيّة حال ًة واحدةً :هي حالة اختلط المالين دون
شيوع ،لبقاء كلّ مال على ملك صاحبه ،وإن عسر تمييزه ،أو تعذّر :سواء كان اختلطا
عفويّا ،أم نتيجة خلط مقصود من جانب الشّركاء .ففي هذه الحالة :أي حالة اختلط المالين
دون شيوع :ل ب ّد من إذن الشّريك لشريكه ليصحّ بيعه لغيره ،ما دام المال شركةً بينهما لم
يقسم بعد .
وسرّ التّفرقة في الحكم بين هذه الحالة ،حيث تتوقّف صحّة البيع لغير الشّريك على إذنه ،وبين
غيرها ،حيث ل يوجد هذا التّوقّف ،أنّه في حالة شيوع المال بين الشّريكين بسبب إرثهما إيّاه،
أو وقوع شركتهما فيه بسبب آخر يقتضي هذا الشّيوع :كشرائهما إيّاه معا ،أو إشراك أحدهما
صاحبه فيه بحصّة شائعة يكون كلّ جزء في المال المشترك -مهما دقّ وصغر -مشتركا بين
الشّركاء ،وبيع النّصيب الشّائع جائز للشّريك ولغيره ،إذ ل مانع من تسليمه وتسلّمه فإنّ
الفراز ليس من شرائط التّسليم ،ومن ثمّ فل نزاع في صحّة بيع الحصّة الشّائعة فيما ل يقبل
القسمة ذاتا كالدّابّة ،والبيت الصّغير إلّ أنّه إذا سلّم البائع العين المشتركة كلّها ،دون إذن
شريكه ،كان كالغاصب ،والمشتري منه كغاصب الغاصب ،بالنّسبة لحصّة الشّريك الّذي لم
يبع :حتّى إذا تلفت العين كان للّذي لم يبع حقّ الرّجوع بضمان حصّته على أيّ الشّخصين شاء :
البائع أو المشتري ،ثمّ إذا رجع على المشتري ،يرجع المشتري على البائع .
أمّا النّصيب غير الشّائع في شركة الملك ،فباق على ملك صاحبه ،إلّ أنّه التبس بغيره أو
تعسّر فصله .وهذا اللتباس أو التّعسّر ل يمنع القدرة على تسليمه إلى الشّريك ،إذا باعه
إيّاه ،ولكنّه يمنع هذه القدرة وينافيها إذا باع النّصيب لجنبيّ عن الشّركة ،دون إذن شريكه ،
إذ ل يمكن تسليمه أو تسلّمه ،إلّ مخلوطا بنصيب هذا الشّريك ،فيتوقّف على إذنه .
ل بميراث أو غيره ل يجوز
ي المالكيّ في الذّخيرة :إذا كانا شريكين في حيوان مث ً
وقال القراف ّ
لحدهما أن يتصرّف إلّ بإذن شريكه :فلو باع نصيبه وسلّم الجميع للمشتري بغير إذن شريكه ،
كان ضامنا على مقتضى القواعد .لنّ أحسن أحواله أن يكون كالمودع في المانة ،وهذا إذا
وضع يد الجنبيّ يضمن لتعدّيه ،ول يلزم عدم صحّة البيع ،لعدم قدرته على التّسليم :لنّه إن
كان شريكه حاضرا ،سلم البيع له ،وتقع الخصومة بينه وبين المشتري ،أو غائبا ،رفع أمره
إلى الحاكم ،ويأذن له في البيع ووضع مال الغائب تحت يده .
حالة الضّرر :
-بيع الحصّة الشّائعة في البناء أو الغراس ،أو الثّمر أو الزّرع ،ل يجوز .ويعنون بيع 8
ي.
بإذنه ،لنّه بدون الذن يكون غصبا ،ويدخل في الذن :الذن العرف ّ
فإذا ركب الشّريك الدّابّة المشتركة ،أو حمل عليها ،بدون إذن شريكه فتلفت أو هزلت ونقصت
قيمتها ،ضمن حصّة .شريكه في حال التّلف ،وضمن نقص قيمتها في حالة الهزال .
وإذا زرع الرض المشتركة ،أو بنى فيها ،وشريكه حاضر ،دون إذن منه ،طبّقت أحكام
الغصب :فتنقسم الرض بينهما ،وعليه قلع ما وقع في نصيب شريكه ،وضمان نقص أرضه .
إلّ أن يكون الزّرع قد أدرك أو كاد ،فليس عليه حينئذ إلّ ضمان نقصان الرض ،دون قلع
الزّرع وليس للشّريك الخر أن يدفع إلى الّذي زرع الرض المشتركة نصف البذر ،على أن
يكون الزّرع بينهما لنّه بيع معدوم إن كان الزّرع لم ينبت بعد ،وإلّ فل بأس بذلك ،كما أنّه
ليس له أيضا أن يصرّ على قلع الزّرع متى كانت القسمة ممكنةً .
وهنا للشّافعيّة ضابط حسن :الشّريك أمين إن لم يستعمل المشترك ،أو استعمله مناوبةً -لنّها
إجارة فاسدة -وإلّ :فإن استعمله بإذن شريكه فعاريّة ،أو بدون إذنه فغصب .ومن الستعمال
حلب الدّابّة اللّبون .
-هـ – في حالة غيبة الشّريك أو موته ،يكون لشريكه الحاضر أن ينتفع بالمشترك انتفاعا 10
ل يضرّ به .
-و -ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا احتاج المال المشترك إلى النّفقة -سواء للتّعمير ،أم 11
لغيره -كبناء ما تخرّب ،وإصلح ما وهى ،وإطعام الحيوانات ،ولكن نشب النّزاع بين
ن المال إمّا قابل
الشّركاء :فأراد بعضهم النفاق ،وأبى الخرون -ففي الحكم تفصيل ،ل ّ
للقسمة أو غير قابل :
أ -ففي القابل للقسمة :كالدّار الفسيحة ،والحوانيت المعدّة للستغلل والحيوانات المتعدّدة ،
ل إجبار على الممتنع ،ولكن يقسم المال ليقوم بإصلح ماله والنفاق عليه من شاء ،اللّهمّ إلّ
أن يكون الممتنع ،على خلف المصلحة ،وصيّا أو ناظر وقف -كما في دار مشتركة بين
ل -فإنّه يجبر ،لنّ تصرّفه منوط بالمصلحة .
وقفين مث ً
ل للقسمة ،أجبر الشّريك على المشاركة في النّفقة ،لنّ
ب -وإن لم يكن المال المشترك قاب ً
ق شريكه في النتفاع بماله وذلك كما في نفقة دابّة واحدة ،أو كري نهر ،أو
امتناعه مفوّت لح ّ
ي ،أو سفينة ،أو حائط ل ينقسم لضيق عرصته -موضع
مرمّة قناة أو بئر ،أو إصلح آلة ر ّ
ن متأخّري الحنفيّة
بنائه -أو لحمولة عليه ،إلّ أن تكون الحمولة كلّها لغير طالب العمارة إلّ أ ّ
ن الجدار الواسع العرصة ملحق هنا بما ل ينقسم ،لتضرّر الشّريك فيه بعدم
مالوا إلى القول :بأ ّ
المشاركة في إصلحه وترميمه .
ن الشّريك إذا أصرّ على
والمالكيّة يوافقون الحنفيّة موافقةً تكاد تكون تا ّمةً ،ويزيدون أ ّ
المتناع ،فإنّ القاضي يبيع عليه حصّته كلّها لمن يقوم بالنّفقة اللزمة .ولم يجتزئوا ببيع ما
يكفي لسداد هذه النّفقة ،منعا لضرر تكثير الشّركاء ،ول بإجبار الشّريك القادر على النّفقة
وحده ،دون لجوء إلى البيع -كما لم يلجأوا إليه في الحصّة الّتي هي وقف ،ومنعوه إذا كان
ثمّت ما يغني عنه :من ريع لها متجمّع ،أو أجرة متاحة بسبب وجود راغب في الستئجار
بأجرة معجّلة مثلً -مع أنّه قد قيل عندهم بكلّ من هذا وذاك .
أمّا حيث ل يوجد ما يغني في الحصّة الموقوفة عن البيع ،فإنّها تباع كلّها -كغير الموقوفة -
منعا لكثرة اليدي ،كما استدركه النّفراويّ على بعض شرّاح خليل ،ولم يجعلوا الوقف مانعا
من البيع إلّ إذا كان المشترك جميعه وقفا ،وحينئذ يقوم الطّالب بالنّفقة اللزمة ،ثمّ يستوفي ما
يخصّ الحصّة الخرى من غلّتها .
ومع ما تقدّم فإنّ المالكيّة ل يرون إجبار الشّريك إذا امتنع عن الصلح الّذي ليس فيه نفع
محقّق :وقد مثّلوه بإصلح العيون والبار ،حتّى لقد رفضوا قول من قال منهم بالجبار إذا كان
على هذه العيون أو البار زرع ،أو شجر فيه ثمر مؤبّر .ورأوا أن يقوم بالصلح الشّريك
الّذي يريده ،ثمّ يحول بين الشّريك الممتنع وبين كمّيّة الماء الزّائدة الّتي نتجت من عمليّة
الصلح إلى أن يستوفي منه ما يخصّه من النّفقات ،ولو ظلّ كذلك الدّهر كلّه .
نعم سياق كلم المالكيّة هنا في غير الحيوان ،لكنّهم نصّوا -في موضعه -على ما يفيد أنّ
الحيوان ل يختلف حكمه :ذلك أنّهم جعلوا للقاضي السّلطة نفسها إذا كان الحيوان ملكا خاصّا ،
وامتنع مالكه عن النفاق عليه ،غاية المر أنّهم زادوا إعطاء المالك خيار ذبح ما يجوز ذبحه
من الحيوان حتّى إذا رفض هذا وذاك أيضا ناب عنه القاضي .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة في نفقة الحيوان المشترك إلى نحو ما تقدّم عن الحنفيّة والمالكيّة .
ي وأحمد قولن :
أمّا في غير الحيوان ،فلكلّ من الشّافع ّ
قول بإجبار الشّريك على التّعمير والنفاق مع شريكه ،دفعا للضّرر ،وصيانةً للملك عن
التّعطيل ،وهذا هو الّذي اعتمده الحنابلة وكثير من الشّافعيّة :كالغزاليّ وابن الصّلح .
وقول بعدم الجبار لنّ الممتنع يتضرّر بالنّفقة أيضا ،والضّرر ل يزال بالضّرر ،مع أنّه قد
يكون له عذر ،أو وجهة نظر ،ث ّم كلّ ما ليست له روح فليست له في نفسه حرمة يستحقّ
النفاق من أجلها ،ول في تعطيله إضاعة مال محرّمة شرعا ،إذ ل يعدّون التّرك من هذه
الضاعة ،بل ل ب ّد من فعل إيجابيّ :كأن يقذف الشّخص بمتاعه إلى البحر .وهذا هو الّذي
اعتمده الشّافعيّة ،وقال ابن قدامة :إنّه أقوى دليلً ،وإن كان الجوريّ من الشّافعيّة يستثني
النّبات ويلحقه بالحيوان .
ن المر يوكّل إلى القاضي :فإن لم ير من الشّريك
ومن الشّافعيّة من جمع بين القولين ،بأ ّ
الممتنع إلّ العناد أجبره ،وإلّ فل .
رجوع الشّريك على شريكه بما أنفق :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا استقلّ بالنّفقة أحد الشّريكين فيما ينقسم ،دون إذن شريكه ، 12
فمتبرّع ل رجوع له على شريكه بما أنفق -ل مثلً ول قيمةً ،لنّ له بالقسمة مندوحةً عن
ذلك .إلّ أنّهم ذكروا أنّه لو خاف تلف المال المشترك ،أو نقصانه ،إذا لم ينفق عليه لنقله من
مكانه -كما لو تعطّلت الشّاحنة بالمال المشترك في مكان مخوف ،كبادية مثلً -فإنّه ينفق
على نقله ،ويرجع بما أنفق على شريكه .
أمّا فيما ل ينقسم :فقد أطلق ابن نجيم في " الشباه " القول برجوع المنفق على شريكه ،وأنّه
-إن أمكن -يؤجّر العين ويستوفي من أجرتها مثل النّفقة الّتي أنفقها -إن كان قد أنفق بإذن
القاضي -أو قيمة ما أجراه من أوجه الصلح إن لم يكن بإذن القاضي .
والشّريك الّذي يستقلّ بالنفاق على المشترك ،دون إذن شريكه ودون إذن من القاضي ،ل
يستحقّ الرّجوع على شريكه بشيء ممّا أنفق ،عند الشّافعيّة لنّه حينئذ متبرّع ،حتّى في
موضع الجبار على المشاركة في النّفقة ،قياسا على الّذي يقضي دين غيره بغير إذنه ،وهو
كذلك أيضا عند الحنابلة ،إلّ في حالة الجبار على المشاركة ،إذا أنفق الشّريك بقصد الرّجوع
على شريكه ،بنا ًء على إحدى الرّوايتين عندهم في الّذي يقضي دون غيره بغير إذنه -أعنى
رواية استحقاقه الرّجوع .
وقال المالكيّة :لو عمّر أحد الشّركاء الرّحى المشتركة بإذن شركائه أو مع سكوتهم استحقّ
الرّجوع بحصصهم ممّا أنفقه في ذممهم ،وإن كان إنفاقه مع إبائهم فل يستحقّ الرّجوع بشيء
في ذممهم ولكن يستوفي من الغلّة ثمّ ما يفضل من الغلّة فهو لهم جميعا .
الدّين المشترك :
-هو كلّ دين وجب بسبب واحد لشريكين فأكثر .كما لو باع الشّريكان دارا مشتركةً بينهما 13
بعقد واحد دون تحديد ثمن لكلّ منهما ،أمّا لو تعدّدت الصّفقة الموجبة للدّين حقيقةً ،أو حكما
اختلف السّبب ،وانتفى الشتراك في الدّين :وذلك كالدّين الّذي استحقّ على مشتر واحد ثمنا
لعين واحدة كدار ،أو قطعة أرض يملكها اثنان ما دام كلّ منهما قد باع نصيبه بعقد مستقلّ ،
وإن أخذ على المشتري بعد ذلك صكّا واحدا بجميع الدّين .فهذا دين غير مشترك ،لنّه وجب
بسببين .ل بسبب واحد حقيق ًة وحكما ،برغم اتّحاد المبيع والمشتري والصّكّ .فل سبيل لحد
البائعين على الخر ،إذا تقاضى من الدّين شيئا .
ومن الدّين المشترك أيضا كلّ دين وجب بسبب واحد لشريكين فأكثر .وهو ما كان عوضا عن
مالين غير مشتركين ،إلّ أنّه استحقّ عنهما بصفقة واحدة :كدار لهذا ودار لذاك ،باعاهما معا
في عقد واحد بثمن إجماليّ لهما ،دون أن يميّز فيه ثمن كلّ على حدة ،ل ببيان مقدار
ن مثل
-كستّمائة لهذا وأربعمائة لذاك -ول بتحديد صفة ،كنقود فضّيّة لهذا وذهبيّة لذاك ،ل ّ
هذا التّمييز ينافي اتّحاد الصّفقة :بدليل أنّ للمشتري حينئذ أن يقبل البيع في نصيب واحد ،
ويرفضه في نصيب الخر ،معتذرا بأنّ هذا الثّمن أو ذاك الوصف ل يناسبه .
ويترتّب على عدم اتّحاد الصّفقة أن ل يكون الدّين مشتركا .إلّ أنّه في حالة التّمييز ببيان
تفاضل الستحقاقين ،إذا زال التّفاضل باستيفاء الزّيادة عاد الدّين مشتركا .
وزاد صاحب النّهاية أنّه ينبغي اشتراط أن ل يكون التّمييز في المقدار أو الصّفة قائما أصلً ،
وإن لم يتعرّض له في العقد .
قبض الدّين المشترك :
ن كلّ
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية ،وهو مقتضى مذهب المالكيّة إلى أ ّ 14
ل ،إذا قبض أحدهما منه شيئا -ولو كان المؤدّي كفيل المدين ،أو
دين مشترك بين اثنين مث ً
محالً عليه من قبله فهو مقبوض عن الدّين المشترك ،فيكون مشتركا ،وللّذي لم يقبض -
ويسمّونه الشّريك السّاكت -أن يرجع على القابض ،بنسبة حصّته في الدّين ،كما أنّ له أن
يترك للقابض ما قبض ليتملّكه ،ويرجع هو بحصّته فيه على المدين رجوعا مقيّدا بعدم التّوى ،
حتّى إذا تويت على المدين ،كأن مات مفلّسا ،عاد بها على القابض ،إذ لم يسلّم له ما كان
يرجو سلمته ،وشرط السّلمة في مثله مفهوم عرفا .
وسواء في ذلك كلّه كان الدّين دين معاوضة كألف هي ثمن دار بين الشّريكين ،أم دين إتلف ،
كما لو كانت اللف قيمة زرع لهما ضمنه قالعه أو محرقه ،أم غيرهما ،كما لو كانت ميراثا
ورثاه عن مورّث واحد ،أو بدل قرض أقرضاه من مال مشترك بينهما .
ن ما يقبضه أحد الشّريكين يعتبر مقبوضا عن الدّين المشترك ،فذلك أنّه ل يمكن أن يكون
أمّا أ ّ
مقبوضا عن حصّة القابض وحده ،إلّ إذا وقعت قسمة الدّين بين الدّائنين ،وهذا لم يحصل ،
ول يمكن أن يحصل ،لمعنيين :
ن ما في ال ّذمّة ل يمكن تمييز بعضه من بعض .وهذه هي حقيقة القسمة ،فل
-أوّلهما :أ ّ 15
دائن بعينه ،لنّه اقتضاء للدّين معنىً :كما لو سقط الدّين عن ذمّة مدينه بطريق المقاصّة بدين
له ل حق -كأن باع المد ين الدّائن ،أو آجره ،أو أقر ضه شيئا ،صالحه عن دي نه بش يء ما ،
أو رهنـه بـه رهنا فتلف عنده ،أو أتلف له الدّائن شيئا ،أو غصـبه إيّاه فهلك عنده ،أو فوّت
عليه عينا اشتراها منه شراءً فاسدا ،بتلفها أو خروجها من يده .
ومنهـا مـا يقوم مقام القباض والقضاء ،ل القبـض والقتضاء :كمـا لو سـقط الدّيـن عـن ذمّة
ن الدّينين إذا التقيا قصاصا يكون الثّاني قضا ًء للوّل ،لنّ
المدين بدين له سابق ،إذ القاعدة :أ ّ
ثمـ أتلفـه عليـك قبـل أن
الوّل كان واجـب القضاء قبله -كمـا لو اشتريـت منـه شيئا وقبضتـه ّ ،
يستوفي ثمنه .
ل ،بل هو بمثا بة التلف :كه بة الدّ ين والبراء م نه ،أو ل يس
ومن ها ما ل مقا صّة ف يه أ ص ً
بإتلف ،ولكن ل ي سلّم للمو في به ما يحتمل الشّركة ف يه :ك ما لو سقط الدّ ين عن ذمّة المرأة
ل أو
ق الق صاص بجعله بدل صلح عن جنا ية الع مد -قت ً
بجعله مهرا ل ها ،أو عن ذمّة م ستح ّ
ن الع قد في هذ ين الموضع ين و قع على ن فس الدّ ين -
غيره ،ك ما لو ش جّ المد ين موضحةً :ل ّ
فملك بعينه ،ثمّ سقط -ل على شيء في ذمّة الزّوج أو الجاني ،حتّى تقع المقاصّة ،ويصدق
ن ب ضع
أنّه قد سلّم لكلّ منه ما ما يق بل الشّر كة ،و هو ما التزماه في ذمّتيه ما :و من البيّن أ ّ
المرأة ،وسقوط القصاص عن الجاني ،كلهما ل يقبل الشّركة .
ن المنف عة لي ست من قب يل
و قد روي عن محمّد م ثل ذلك في الجارة إذا قيّدت بن فس الدّ ين ،ل ّ
المال المطلق .
وقد صرّح الحنفيّة بأنّه إذا استوفى أحد الشّريكين نصيبه في الدّين المشترك بينه وبين آخر ،
فإنـ شريكـه ل يسـتحقّ الرّجوع عليـه -بمعنـى أن يخيّر بيـن هذا الرّجوع
بأحـد هذه الوجوه ّ ،
والرّجوع على الدّ ين -إلّ في ما هو لو اقتضاه وق بض في المع نى ،ح يث ي سلّم للقا بض ش يء
يقبل الشّركة ،ل فيما هو قضاء أو إتلف .
إلّ أ نّ الرّجوع في حالة ال صّلح -وقوا مه الم سامحة والتّغا ضي -يختلف ع نه في ما عداه ممّا
يعت مد المماك سة والتّشا حّ :كالب يع والجارة :فإ نّ في حالة الب يع مثلً ،يكون للشّر يك بالنّ صف
أن يرجـع بالرّبـع على شري كه الّذي اشترى بن صيبه شيئا مـن المديـن ،وأن يلزمـه بذلك ،إذ ل
ن الظّاهر أنّه استوفى حقّه ،فإنّ شأن المشتري أن ل يدّخر
غبن فيه على المشتري ،نظرا إلى أ ّ
وسـعا فـي الحصـول على مـا يعادل أو يفوق الثّمـن الّذي يدفعـه .ول شأن للشّريـك الرّاجـع بمـا
ص بين هذا الثّمن وما يساويه
اشتراه شريكه ،لنّه إنّما اشتراه بثمن في ذمّته ،ث مّ وقع التّقا ّ
مـن الدّيـن فـي ذمّة المديـن البائع -نعـم إذا تراضيـا على أن يجعل هذا المشترى بينهمـا فذلك
ن الشّريك الرّاجع اشترى نصفه بربع الدّين الّذي استحقّه على
لهما ،وهي صفقة مستقلّة :كأ ّ
المشتري .
أمّا في حالة ال صّلح ،فإنّه إذا رجع الشّريك على شريكه الّذي صالح عن نصيبه بشيء ما ،لم
يملك إلزامـه بربـع الدّيـن ،لنّه قـد يكون أكثـر ممّا حصـل عليـه بطريـق الصـّلح ،لبنائه على
الم سامحة كما قل نا .بل يكون للشّريك ال صّالح الخيار بين إعطائه ر بع الدّ ين ،وإعطائه ن صف
الشّيء الّذي صالح عليه .
إذا أبرأ أحد الدّائنين مدينهما من بعض ح صّته في الدّين المشترك ،لم يبق له في ذمّته إ ّل باقي
ن قسمته بينهما -إذا
حصّته ،وللخر حصّته كاملةً :فإذا وقع لهما قبض شيء من الدّين ،فإ ّ
تأخّرت عن البراء -تكون على هذه النّسبة :أي نسبة ما بقي للمبرئ إلى تمام ح صّة الخر ،
أو كما يقولون :تكون القسمة على ما بقي من السّهام .
ويستوي أن يكون البراء قبل القبض أو بعده -لصحّة البراء بعد القبض .فإذا كان الدّين ألفا
مثلً ،لك ّل وا حد منه ما خم سمائة ،فأبرأ أحده ما المد ين من مائة ،ف ما ب قي لل مبرئ إنّ ما هو
أربعة أخماس ما لصاحبه ،فتكون قسمة ما يقبضه على هذه النّسبة .
صحّة ،ل نّ حقّيهما
أمّا إذا وقع هذا البراء بعد القسمة على التّساوي ،فالقسمة ماضية على ال ّ
عندها كانا متساويين ،ثمّ يرجع المدين على مبرئه بالمائة الّتي أبرئ منها وهذا موضع وفاق ،
إلّ أنّ صحّة البراء بعد القبض ممّا تفرّد به الحنفيّة .
شركة العقد *
تعريفها :
-عرّف الحنفيّة شركة العقد بأنّها :عقد بين المتشاركين في الصل والرّبح . 17
أ -الكتاب :
عمِلُوا
علَى َبعْضٍ إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ
ضهُمْ َ
ن ا ْلخُ َلطَاء لَيَ ْبغِي َبعْ ُ
ن كَثِيرا مّ ْ
قوله تعالى َ { :وإِ ّ
الصّا ِلحَاتِ َوقَلِيلٌ مّا ُهمْ } .
ن هذا إلى شركة الملك أدنى .ث مّ هو قول داود لبيان شريعته ،ول
والخلطاء هم الشّركاء .ولك ّ
يلزم اسـتمرارها .كذا قال ابـن الهمام -على خلف قاعدة الحنفيّة فـي شرع مـن قبلنـا :فلعلّه
تساهل فيه لنّه علوة في الرّدّ .
ب -السّنّة :
ي صلى ال
أولً :الحديث القدسيّ المرويّ عن أبي هريرة -رضي ال عنه -يرفعه إلى النّب ّ
ن اللّه يقول :أنا ثالث الشّريكين ،ما لم يخن أحدهما صاحبه ،فإذا خانه
عليه وسلم »:إ ّ
خرجت من بينهما « .
ي في أوّل السلم في
ي ،أنّه كان شريك النّب ّ
ثانيا :حديث السّائب بن أبي السّائب المخزوم ّ
التّجارة ،فلمّا كان يوم الفتح ،قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :مرحبا بأخي وشريكي ،ل
يداري ول يماري « .
ثالثا :حديث أبي المنهال عند أحمد » :أنّ زيد بن أرقم ،والبراء بن عازب ،كانا شريكين ،
ن ما كان بنقد فأجيزوه ،
ضةً بنقد ونسيئة ،فبلغ النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأمرهما أ ّ
فاشتريا ف ّ
وما كان بنسيئة فردّوه « وهو بمعناه عند البخاريّ وفي لفظه » :ما كان يدا بيد فخذوه وما
كان نسيئةً فردّوه « .
وف يه تقر ير صريح .وهذا م ثل وا حد من تقريرات كثيرة ل مر ية في ها على الجملة ،ل نّ أك ثر
ن التّعا مل
ع مل القوم ،في صدر الدّعوة ،كان التّجارة والمشار كة في ها ،ولذا يقول الكمال :إ ّ
ي صلى ال عل يه و سلم وهل ّم جرّا ،متّصل ل يحتاج فيه إلى إثبات حد يث
بالشّركة من لدن النّب ّ
بعينه ،وهو قول صاحب الهداية :أنّه صلى ال عليه وسلم بعث والنّاس يتعاملون بها فقرّرهم
عليها .
ج -الجماع :
فقد كان النّاس وما زالوا ،يتعاملون بها في كلّ زمان ومكان ،وفقهاء المصار شهود ،فل
يرتفع صوت بنكير .
د -المعقول :
ن شركة العنان طريق من طرق استثمار المال وتنميته ،تمسّ إليه حاجة النّاس ،قلّت
فإ ّ
أموالهم أو كثرت ،كما هو مشاهد ملموس ،حتّى لقد كادت الشّركات التّجاريّة الكبرى ،الّتي
يستحيل عادةً على تاجر واحد تكوينها ،أن تكون طابع هذا العصر الّذي نعيش فيه .هذا من
جانب ،ومن الجانب الخر ،ليس في تطبيق شركة العنان شيء ينبو بشرعيّتها :فما هي في
حقيقة المر سوى ضرب من الوكالة إذ حلّ شريك وكيل عن شريكه .
والوكالة ل نزاع في شرعيّتها إذا انفردت ،فكانت من واحد لخر ،فكذا إذا تعدّدت ،فكانت من
كلّ واحد لصاحبه :أعني أنّه وجد المقتضي وانتفى المانع -كما يقولون ،وإذا كانت تتضمّن
وكالةً في مجهول ،فهذا شيء يغتفر في ضمن الشّركة ،لنّه تبع ل مقصود ،والشّيء يغتفر
فيه تبعا ما ل يغتفر استقللً .
ص ثابت وإنّما أجازها الحنفيّة واستدلّوا
وأمّا المفاوضة من شركة الموال فليس في جوازها ن ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :فاوضوا ،فإنّه أعظم للبركة « وهو غير معروف في
بأ ّ
شيء من كتب الحديث .
ج في جوازها بالبراءة الصليّة :فالصل الجواز ،حتّى يقوم دليل المنع -ول دليل .
وقد يحت ّ
-ومنعها الشّافعيّة لتضمّنها الوكالة في مجهول ،والكفالة بمجهول لمجهول ،وكلهما باطل 19
صةً .
في شركة الوجوه خا ّ
ويستدلّ للجواز بما يلي :
صحّة ،حتّى يقوم دليل الفساد ،ول دليل .
أ ّولً :بالبراءة الصليّة :فالصل في العقود كلّها ال ّ
ي من كلّ شريك
ثانيا :أنّ الحاجة داعية إليهما ،وتصحيحهما ممكن بطريق التّوكيل الضّمن ّ
لشريكه ،ليقع تصرّف كلّ واحد والرّبح المترتّب عليه للجميع ،فل معنى للحكم ببطلنهما .
وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ شركة العمال وشركة الوجوه ،باطلتان لعدم المال المشترك فيهما
وللغرر في شركة العمال .
وذهب المالكيّة إلى بطلن شركة الوجوه لنّها من باب الضّمان بجعل ومن باب السّلف الّذي يجرّ
نفعا وسمّوها شركة الذّمم .
تقسيم شركة العقد باعتبار محلّها :
-تنقسم الشّركة بهذا العتبار إلى ثلثة أقسام : 21
بينهم بنسبة معلومة .سواء علم مقدار رأس المال عند العقد أم ل ،لنّه يعلم عند الشّراء ،
وسواء شرطوا أن يشركوا جميعا في كلّ شراء وبيع ،أم شرطوا أن ينفرد كلّ واحد بصفقاته ،
أم أطلقوا .وليس حتما أن يقع العقد بلفظ التّجارة ،بل يكفي معناها :كأن يقول الشّريكان :
اشتركنا في مالنا هذا ،على أن نشتري ونبيع ،ونقسم الرّبح مناصفةً .
-وأمّا شركة العمال :فهي :أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يتقبّلوا نوعا معيّنا من العمل 23
أو أكثر أو غير معيّن لكنّه عامّ ،وأن تكون الجرة بينهم بنسبة معلومة ،وذلك كالخياطة ،
صحّيّة أو كلّ ما يتقبّل ،فل ب ّد من التّعاقد قبل التّقبّل
والصّباغة ،والبناء ،وتركيب الدوات ال ّ
ل ،دون تعاقد سابق على الشّركة ،لم يكونوا شركاء :وعلى كلّ
فلو تقبّل ثلثة أشخاص عم ً
منهم ثلث العمل ،فإن قام بالعمل كلّه أحدهم كان متبرّعا بما زاد على الثّلث ،فل يستحقّ -
قضاءً -سوى ثلث الجرة .
ول ب ّد أيضا أن يكون التّقبّل حقّا لكلّ شريك وإن وقع التّفاق على أن يباشره منهم واحد بعينه ،
ي في المحيط :لو قال صاحب ال ّدكّان أنا أتقبّل ،ول تتقبّل
ويعمل الخر .ولذا يقول السّرخس ّ
أنت ،وأطرح عليك تعمل بالنّصف ،ل يجوز .
ومن هنا يقول ابن عابدين :الشّرط عدم نفي التّقبّل عن أحدهما ،ل التّنصيص على تقبّل كلّ
منهما ،ول على عملهما ،لنّه إذا اشتركا على أن يتقبّل أحدهما ويعمل الخر ،بل نفي ،كان
لكلّ منهما التّقبّل والعمل ،لتضمّن الشّركة الوكالة .هذا قول الحنفيّة ،ومثله في الجملة
للحنابلة ،لكنّهم أضافوا الشتراك في تملّك المباحات .
وقد نصّ الحنفيّة على أنّ شركة البدان نوعان :
النّوع الوّل :شركة مقيّدة ببعض العمال ،دون بعض ،كنجارة ،أو حدادة ،اتّفق العملن أم
اختلفا .
والنّوع الثّاني :شركة مطلقة ،لم تقيّد بذلك :كأن يتّفقا على الشتراك في أجرة ما يعملنه من
أيّ نوع .
-وأمّا شركة الوجوه :فهي أن يتعاقد اثنان فأكثر ،بدون ذكر رأس مال ،على أن يشتريا 24
نسيئةً ويبيعا نقدا ،ويقتسما الرّبح بينهما بنسبة ضمانهما للثّمن .وكذلك هي عند القاضي ،
وابن عقيل من الحنابلة ،إذ جعل الرّبح فيها على قدر الملك ،لئلّ يلزم ربح ما لم يضمن .
ولكنّ جماهيرهم جعلوا الرّبح فيها على ما تشارط الشّريكان ،كشركة العنان :لنّ فيها مثلها
عملً وغيره ،سيّما مع ملحظة تفاوت الشّريكين في المهارة التّجاريّة ،والوجاهة عند النّاس .
بل نظر ابن قدامة إلى مآل أمرها ،فأنكر خلوّها من المال .
ص بها إن شاء اللّه .
-وأمّا المضاربة :فسيأتي تعريفها وأحكامها في بحثها الخا ّ 25
أ -رأس مال الشّركة :الشّامل لكلّ مال للشّريكين صالح للشّركة " نقود " .
ب -كلّ تصرّف تجاريّ في رأس مال الشّركة .
ج -الرّبح .
د -كفالة ما يلزم كلً من الشّريكين من دين التّجارة .
هـ -أهليّة التّصرّف .
وتنقسم شركة العقد بهذا العتبار إلى قسمين :
أ -شركة مفاوضة .
ب -شركة عنان .
-وشركة المفاوضة عند الحنفيّة هي :الّتي يتوافر فيها تساوي الشّركاء في هذه المور 27
أ -مطلقة .
ب -مقيّدة .
فالمطلقة :هي الّتي لم تقيّد بشرط جعليّ أملته إرادة شريك أو أكثر :بأن تقيّد بشيء من
المتاجر دون شيء ،ول زمان دون زمان ،ول مكان دون مكان ،ول ببعض الشخاص دون
بعض إلخ كأن اشترك الشّريكان في كلّ أنواع التّجارة وأطلقا فلم يتعرّضا لكثر من هذا الطلق
ي وغيره يكون في شركة العنان .أمّا في شركة المفاوضة فل ب ّد من الطلق في
بشقّيه :الزّمان ّ
جميع أنواع التّجارات ،كما هو صريح الهداية ،وإن كان في البحر الرّائق أنّها قد تكون مقيّدةً
ي احتمال من احتمالتها ،وليس بحتم .
بنوع من أنواع التّجارات .والطلق الزّمان ّ
والمقيّدة :هي الّتي قيّدت بذلك :كالّتي تقيّد ببعض الشياء أو الزمان أو المكنة ،كأن تقيّد
بالحبوب أو المنسوجات أو السّيّارات أو البقالت ،أو تقيّد بموسم قطن هذا العام ،أو ببلد هذه
المحافظة .والتّقييد ببعض المتاجر دون بعض ،ل يتأتّى في شركة المفاوضة ،أمّا التّقييد
ببعض الوقات دون بعض فيكون فيها وفي العنان .
وتنوّع الشّركة إلى مطلقة ومقيّدة ،بما فيها المقيّدة بالزّمان ،يوجد في سائر المذاهب الفقهيّة ،
ص عليه الشّافعيّة ،أنّه يجوز تقييد تصرّف أحد الشّريكين ،وإطلق تصرّف الخر .إلّ
وممّا ين ّ
أنّه حكي عن بعض أهل الفقه أنّه ل ب ّد أن يعيّن لكلّ شريك نطاق تصرّفه ،ويحتمل كلم بعض
المالكيّة إبطال الشّركة بالتّأقيت ،وإن كان الظّاهر عندهم أيضا صحّة الشّركة مع عدم لزوم
الجل.
شركة الجبر :
-هذا نوع انفرد المالكيّة بإثباته ،وتمسّكوا فيه بقضاء عمر . 29
وحدّها بعضهم بأنّها :استحقاق شخص الدّخول مع مشتري سلعة لنفسه من سوقها المعدّ لها ،
على وجه مخصوص .
وسيتّضح باستعراض شرائطها :
فقد ذكروا لها سبع شرائط :
صةً بالسّلعة وهي :
ثلثةً خا ّ
أ -أن تشترى بسوقها المع ّد لبيعها ،ل بدار اتّفاقا ،ول بزقاق ،نافذ أو غير نافذ ،على
المعتمد .
ب -أن يكون شراؤها للتّجارة ،ويصدّق المشتري في نفي ذلك بيمينه ،إلّ أن تكذّبه قرائن
الحوال :ككثرة ما يدّعي شراءه للقنية أو العرس مثلً .
ج -أن تكون التّجارة المقصودة بالشّراء في نفس بلد الشّراء ،ل في مكان آخر ،ولو جدّ
قريب .
صةً بالشّريك المقحم :
وثلثةً خا ّ
أ -أن يحضر الشّراء .
ب -أن ل يزايد على المشتري .
ج -أن يكون من تجّار السّلعة المشتراة .
واعتمدوا أنّه ل يشترط أن يكون من تجّار هذا السّوق .
وشريطةً واحدةً في الشّاري :أن ل يبيّن لمن حضر من ال ّتجّار أنّه يريد الستئثار بالسّلعة ،ول
يقبل الشّركة فيها ،فمن شاء أن يزايد فليفعل .
فإذا توافرت هذه الشّرائط جميعها ثبت حقّ الجبار على الشّركة لمن حضر من ال ّتجّار ،مهما
طال المد ،ما دامت السّلعة المشتراة باقيةً .
ويسجن الشّاري حتّى يقبل الشّركة إذا امتنع منها .وهناك احتمال آخر بسقوط هذا الحقّ بمضيّ
سنة كالشّفعة .
أمّا الشّاري ،فليس له مع توافر الشّرائط إجبار من حضر من ال ّتجّار على مشاركته في السّلعة
لسبب ما -كتحقّق الخسارة أو توقّعها -إلّ إذا قالوا له أثناء السّوم :أشركنا ،فأجاب :بنعم
أو سكت .
والمتبادر من كلمهم تنزيل قول ال ّتجّار :أشركنا -مع إجابة بنعم -منزلة حضورهم الشّراء :
فل يضير إذن انصرافهم قبل إتمام الصّفقة .بخلف ما إذا خرج بالصّمت عن " ل ونعم " إلّ أنّ
من حقّهم حينئذ أن يحلّفوه :ما اشترى عليهم .
صيغة عقد الشّركة :
-تنعقد الشّركة باليجاب والقبول : 30
مثال ذلك في شركة العنان في الموال :أن يقول شخص لخر :شاركتك في ألف دينار
مناصفةً ،على أن نتّجر بها ويكون الرّبح بيننا مناصف ًة كذلك :ويطلق ،أو يقيّد التّجار بنوع
من أنواع التّجارة ،كتجارة المنسوجات الصّوفيّة ،أو المنسوجات مطلقا ،فيقبل الخر .
ومثاله في شركة المفاوضة في الموال :أن يقول شخص لخر -وهما حرّان بالغان مسلمان
أو ذمّيّان -شاركتك في كلّ نقودي ونقدك -ونقود هذا تساوي نقود ذاك -على أن نتّجر بها
في جميع أنواع التّجارة ،وكلّ واحد منّا كفيل عن الخر بديون التّجارة ،فيقبل الخر .
-وتقوم دللة الفعل مقام دللة اللّفظ .فلو أنّ شخصا ما أخرج جميع ما يملك من نقد ، 31
وقال لخر :أخرج مثل هذا واشتر ،وما رزق اللّه من ربح فهو بيننا على التّساوي أو لك فيه
الثّلثان ولي الثّلث ،فلم يتكلّم الخر ،ولكنّه أخذ وأعطى وفعل كما أشار صاحبه ،فهذه شركة
عنان صحيحة .
ومثل ذلك يجيء أيضا في شركة المفاوضة :كأن يخرج هذا كلّ ما يملك من النّقود ،ويقول
لصاحبه الّذي ل يملك من النّقود إ ّل مثل هذا القدر :أخرج مثل هذا ،على أن نتّجر بمجموع
المالين في جميع أنواع التّجارات ،والرّبح بيننا على سواء ،وكلّ واحد منّا كفيل عن الخر
بديون التّجارة ،فل يتكلّم صاحبه هذا ،وإنّما يفعل مثل ما أشار .هذا مذهب الحنفيّة .
-والكتفاء بدللة الفعل ،هو أيضا مذهب المالكيّة والحنابلة .إذ هم ل يعتبرون في الصّيغة 32
هنا إلّ ما يدلّ على الذن عرفا ،ولو لم يكن من قبيل اللفاظ أو ما يجري مجراها ،كالكتابة
وإشارة الخرس المفهمة .
ص المالكيّة على أنّه لو قال أحد اثنين للخر :شاركني ،فرضي بالسّكوت ،كفى ،وأنّه
ولذا ين ّ
يكفي خلط المالين ،أو الشّروع في أعمال التّجارة للشّركة .
ص الحنابلة على أنّه يكفي أن يتكلّما في الشّركة ،ثمّ يحضرا المال عن قرب ،ويشرعا
كما ين ّ
في العمل .
وعند الشّافعيّة ل تغني دللة الفعل عن اللّفظ أو ما في معناه ،لنّ الصل حفظ الموال على
أربابها ،فل ينتقل عنه إ ّل بدللة لها فضل قوّة ،حتّى لقد ضعّف الشّافعيّة وجها عندهم بانعقاد
الشّركة بلفظ " :اشتركنا " لدللته عرفا على الذن في التّصرّف ،ورأوا أن ل كفاية فيه حتّى
يقترن بالذن في التّصرّف من الجانبين ،لحتمال أن يكون إخبارا عن شركة ماضية ،أو عن
شركة ملك قائمة ل تصرّف فيها .وهم يصحّحون انعقادها شركة عنان بلفظ المفاوضة ،إذا
اقترن بنيّة العنان ،وإلّ فلغو ،إذ ل مفاوضة عندهم :وغاية ما يصلح له لفظها عندهم أن
يكون كناية عنان ،بناءً على صحّة العقود بالكنايات .
-ومثال شركة المفاوضة في التّقبّل :أن يقول شخص لخر -وكلهما من أهل الكفالة - 33
شاركتك في تقبّل جميع العمال ،أو في هذه الحرفة -خياطةً ،أو نجار ًة ،أو حدادةً ،مثلً -
على أن يتقبّل كلّ منّا العمال ،وأن أكون أنا وأنت سواءً في ضمان العمل وفي الرّبح
ل كفيل عن الخر فيما يلزمه بسبب الشّركة ،فيقبل الخر .فإذا وقع
نكً
والخسران ،وفي أ ّ
التّعاقد مع اختلل قيد ممّا ورد في هذه الصّيغة ،فالشّركة شركة عنان ،إلّ أنّه ل بدّ أن يكون
الشّريكان من أهل الوكالة كما ل يخفى .
-ومثال شركة المفاوضة في الوجوه :أن يقول شخص لخر -وكلهما من أهل الكفالة - 34
شاركتك على أن نتّجر أنا وأنت بالشّراء نسيئةً والبيع نقدا ،مع التّساوي في كلّ شيء نشتريه
وفي ثمنه وربحه ،وكفالة كلّ ما يلزم الخر من ديون التّجارة وما يجري مجراها ،فيقبل
الخر .وإذا اختلّ شيء ممّا ورد في هذه الصّيغة من قيود ،فالشّركة شركة عنان ،إ ّل أنّه ل بدّ
فيها على كلّ حال من أن يكون الشّريكان من أهل الوكالة ،وأن يكون الرّبح بينهما بنسبة
ضمانهما الثّمن ،كما سيجيء في الشّرائط بيانه .
لنـ لفظهـا علم على تمام المسـاواة فـي أمـر
وإن قال أحدهمـا لصـاحبه فاوضتـك فقبـل كفـى ّ ،
الشّركة ،فإذا ذكراه تثبت أحكامها إقامةً للّفظ مقام المعنى .
شروط شركة العقد :
الشّروط العامّة :
ص نوعا دون نوع من أنواع الشّركة الرّئيسيّة الثّلثة " شركة الموال
-وهي تلك الّتي ل تخ ّ 35
أ -قابليّة التّصرّف المتعاقد عليه للوكالة ،ليتحقّق مقصود الشّركة ،وهو الشتراك في الرّبح،
ل عن صاحبه في نصف ما تصرّف فيه ،
لنّ سبيل ذلك أن يكون كلّ واحد من الشّريكين وكي ً
ص بكلّ ربحه ،والمتصرّف عن الغير ل
وأصيلً في نصفه الخر ،وإلّ فالصيل في الكلّ يخت ّ
يتصرّف إلّ بولية أو وكالة ،والفرض أن ل ولية ،فلم يبق إ ّل الوكالة .
فالحتشاش والحتطاب والصطياد والتّكدّي ،أعمال ل تصحّ الشّركة فيها ،لعدم قبولها
الوكالة ،إذ الملك فيها يقع لمن باشر السّبب -وهو الخذ -شأن المباحات كلّها ،فقد جعل
الشّارع سبب الملك فيها هو سبق اليد .
ب -أهليّة كلّ شريك للتّوكيل والتّوكّل ،لنّه وكيل في أحد النّصفين ،أصيل في الخر ،فل
تصحّ الشّركة من الصّبيّ غير المأذون في التّجارة ،والمعتوه الّذي ل يعقل .
ن الجميع مطبقون على أنّ الشّركة تتضمّن الوكالة .
-وهذا الشّرط بشقّيه موضع وفاق .ل ّ 37
كنصفه .
فإذا ت ّم العقد على أن يكون للشّريك حصّة في الرّبح من غير بيان مقدار ،كان عقدا فاسدا ،لنّ
الرّبح هو مقصود الشّركة فتفسد بجهالته ،كالعوض والمعوّض في البيع والجارة .
وكذلك إذا علم مقدار حصّة الشّريك في الرّبح ،ولكن جهلت نسبتها إلى جملته :كمائة أو أكثر
ن هذا قد يؤدّي إلى خلف مقتضى العقد -أعني الشتراك في الرّبح -فقد ل يحصل
أو أقلّ ،ل ّ
منه إلّ ما جعل لحد الشّركاء ،فيقع ملكا خاصّا لواحد ،ل شركة فيه لسواه .
بل قالوا إنّ هذا يقطع الشّركة لنّ المشروط إذا كان هو ك ّل المتحصّل من الرّبح ،تحوّلت
الشّركة إلى قرض ممّن لم يصب شيئا من الرّبح ،أو إبضاع من الخر .
فإذا جعل للشّريك أجر معلوم المقدار من خارج مال الشّركة :كخمسين أو مائة دينار كلّ شهر ،
ن الشّركة صحيحة ،والشّرط باطل .
فقد نقلوا في الهنديّة عن المحيط أ ّ
-وهذا الشّرط موضع وفاق .وقد حكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن ل شركة مع 39
اشتراط مقدار معيّن من الرّبح -كمائة -لحد الشّريكين سواء اقتصر على اشتراط هذا المقدار
المعيّن لحدهما ،أم جعل زيادةً على النّسبة المشروطة له من الرّبح ،أم انتقص من هذه
ن ذلك في الحوال كلّها قد يفضي إلى اختصاص أحدهما بالرّبح ،وهو خلف موضوع
النّسبة ،ل ّ
الشّركة ،أو -كما عبّر الحنفيّة -قاطع لها .
ومن هذا القبيل ،ما لو شرط لحدهما ربح عين معيّنة أو مبهمة من أعيان الشّركة -كهذا
الثّوب أو أحد هذين الثّوبين -أو ربح سفرة كذلك -كهذه السّفرة إلى باريس ،أو هي أو الّتي
تليها إلى لندن -أو ربح هذا الشّهر أو هذه السّنة .
ونصّ الحنابلة على أنّ من هذا القبيل أيضا ،أن يقول أحد الشّريكين للخر :لك ربح النّصف ،
لنّه يؤدّي إلى أن يستأثر واحد بشيء من الرّبح ،زاعما أنّه من عمله في النّصف الخر .
خلفا لمن ذهب إلى أنّ ربح النّصف هو نصف الرّبح .
صةً :
النّوع الثّاني :في شركة المفاوضة خا ّ
فتنعقد عنانا إذا اختلّ شرط منه :
أ ّولً :أهليّة الكفالة :
ن كلّ واحد منهما بمنزلة الكفيل عن صاحبه
-وهذا شرط الحنفيّة في كلّ من الشّريكين ،ل ّ 40
فيما يجب من دين التّجارة أو ما يجري مجراها ،كالقتراض إذ كلّ ما يلزم أحدهما من هذا
القبيل يلزم الخر .
فمن لم تتوافر فيه شروط هذه الهليّة -من بلوغ وعقل -لم تصحّ منه شركة المفاوضة ،ولو
ن الكفالة
فعلها الصّغير بإذن وليّه ،لنّ المانع ذاتيّ ،إذ هو ليس من أهل التّبرّعات ول ّ
المقصودة هنا هي كفالة كلّ شريك جميع ما يلزم الخر من الدّيون النفة الذّكر .
ومن هنا يمنع محمّد شركة المفاوضة من المريض مرض الموت ،ومن في معناه -كالمرتدّ -
لنّ كفالته إنّما تكون في حدود ثلث تركته ،والكفالة في شركة المفاوضة غير محدودة .
وأمّا الّذين وافقوا الحنفيّة في أصل القول بشركة المفاوضة ،وخالفوهم في التّفصيل -وهم
المالكيّة والحنابلة -فلم يبنوها على الكفالة ،واكتفوا بما فيها من معنى الوكالة :فليس على
الشّريك فيها عندهم ضمان غرامات لزمت شريكه دون أن يأذن هو في أسبابها .
ثانيا :يشترط أبو حنيفة ومحمّد التّساوي في أهليّة التّصرّف :
-فتصحّ بين الحرّين الكبيرين ،اللّذين يعتنقان دينا واحدا -كمسلمين ونصرانيّين -أو ما 41
هو في حكم الدّين الواحد -كذمّيّين ،ولو كان أحدهما كتابيّا والخر مجوسيّا ،إذ الكفر كلّه ملّة
واحدة .ول تصحّ شركة المفاوضة بين ح ّر ومملوك ،ولو مكاتبا أو مأذونا في التّجارة ،ول
بين بالغ وصبيّ ،ول بين مسلم وكافر ،لختلل هذه الشّريطة ،إذ المملوك والصّبيّ محجور
عليهما ،بخلف الح ّر البالغ ،والكافر يسعه أن يشتري الخمر والخنزير ويبيعها ،ول كذلك
المسلم .
أمّا أبو يوسف فيكتفي بالتّساوي في أهليّة الوكالة والكفالة ،ول يعتدّ بتفاوت الهليّة فيما
عداهما ،ولذا فهو يصحّح شركة المفاوضة بين المسلم وال ّذمّيّ ،قياسا على المفاوضة بين
الكتابيّ والمجوسيّ ،فإنّها تصحّ برغم التّفاوت في أهليّة التّصرّف ،بعد التّساوي في أهليّة
الوكالة والكفالة ،ول يرى أبو يوسف فرقا ،إ ّل من حيث الكراهة ،فإنّه يكره الشّركة بين
المسلم والكافر ،لنّ الكافر ل يهتدي إلى وجوه التّصرّفات المشروعة في السلم ،وإن اهتدى
فإنّه ل يتحرّز من غيرها كالرّبا وما إليه ،فيتورّط المسلم بمشاركته في كلّ ما ل يحلّ .
ويرى الشّافعيّة كراهة الشّركة بين المسلم والكافر .
وأمّا المالكيّة والحنابلة ،فنفوا الكراهة بشرط أن ل يتصرّف الكافر إلّ بحضور شريكه المسلم ،
لنّ ارتكابه المحظورات الشّرعيّة في تصرّفاته للشّركة يؤمن حينئذ .ث ّم ما ل يحضره منها
شريكه المسلم ،وتبيّن وقوعه على غير وجهه من الوجهة السلميّة -كعقود الرّبا ،وشراء
الخمر والميتة -فقد نصّ الحنابلة على أنّه -مع فساده -يكون فيه الضّمان على الكافر .وما
لم يتبيّن فالصل فيه الحلّ .
واحتجّوا للجواز بأنّه صلوات ال عليه عامل أهل خيبر -وهم يهود -بنصف ما يخرج منها
وهذه شركة ،وابتاع طعاما من يهوديّ بالمدينة ،ورهنه درعه ،ومات وهي مرهونة ،وهذه
معاملة .
ك الشّريك المسلم في عمل
ول يبدو في كلم المالكيّة خلف عن هذا ،إلّ أنّهم قالوا :إذا ش ّ
شريكه الكافر بالرّبا استحبّ له التّصدّق بالرّبح ،وإذا شكّ في عمله بالخمر استحبّ له التّصدّق
بالجميع .
ثالثا :أن ل يشترط العمل على أحد الشّريكين :
-فلو شرط العمل على أحد المتفاوضين بطلت الشّركة عند الحنفيّة .لنّ هذا تصريح بما 42
ينافي طبيعة المفاوضة من المساواة فيما يمكن الشتراك فيه من أصول التّصرّفات .
وللمالكيّة شيء قريب من هذا ،إذ شرطوا -في شركة الموال مطلقا -أن يكون العمل بقدر
المالين ،أي عمل كلّ واحد من الشّريكين بقدر ماله :إن كان له النّصف في رأس المال فعليه
النّصف في العمل ،أو الثّلثان فعليه الثّلثان ،وهكذا بحيث إذا شرط خلف ذلك :كأن جعل ثلثا
العمل أو ثلثه على الشّريك بالنّصف ،كانت الشّركة فاسدةً ،والرّبح على قدر المالين ،ويرجع
كلّ من الشّريكين على الخر بما يستحقّه عنده من أجرة .أمّا إذا وقعت الزّيادة في العمل تبرّعا
من أحد الشّريكين دون أن تكون مشروطةً عليه ،فل بأس ،إذ ذلك تفضّل منه وإحسان .
شروط خاصّة بشركة الموال مطلقا :
أي سواء كانت شركة مفاوضة أم شركة عنان :
الشّرط الوّل :
أن يكون رأس المال عينا ،ل دينا :
ن التّجارة الّتي بها يحصل مقصود الشّركة وهو الرّبح ،ل تكون بالدّين .فجعله رأس
-لّ 43
والفضّة غير المضروبين .إذا جرى بها التّعامل وعلى هذا استق ّر الفقه الحنفيّ .
والعروض كلّها -وهي ما عدا النّقدين من العيان -ل تصلح رأس مال شركة ول حصّة فيه
لشريك .ولو كانت مكيلً أو موزونا أو عدديّا متقاربا ،في ظاهر الرّواية عن أبي حنيفة ،ومعه
أبو يوسف وبعض الحنابلة .
وذهب محمّد وجماهير الشّافعيّة إلى التّفرقة بين نوعين من العروض :
النّوع الوّل :المكيل والموزون والعدديّ المتقارب .
والثّاني :سائر العروض .
ي والمتقوّم ،فمنعوا انعقاد الشّركة في النّوع الثّاني بإطلق ،
وبعبارة أخرى :فرّقوا بين المثل ّ
وأجازوها في النّوع الوّل ،بعد الخلط مع اتّحاد الجنس ،ذهابا إلى أنّ هذا النّوع ليس من
العروض المحضة ،وإنّما هو عرض من وجه -لنّه يتعيّن بالتّعيين ،ثمن من وجه -لنّه
يصحّ الشّراء به دينا في ال ّذمّة ،شأن الثمان ،فناسب أن يعمل فيه بكل الشّبهين ،كلّ في
حال ،فأعمل الشّبه بالعروض قبل الخلط ،ومنع انعقاد الشّركة فيه حينئذ ،والشّبه بالثمان
ن شركة الملك تتحقّق بالخلط ،فيعتضد بها جانب شركة
بعده ،فصحّحت إذ ذاك الشّركة فيه ،ل ّ
العقد ،وإنّما قصر التّصحيح على حالة اتّحاد الجنس ،لنّ الخلط بغير الجنس -كخلط القمح
بالشّعير ،والزّيت بالسّمن -يخرج المثليّ عن مثليّته ،وهذا يؤدّي إلى جهالة الصل والرّبح
والمنازعة عند القسمة ،لمكان الحاجة إلى تقويمه إذ ذاك لمعرفة مقداره والتّقويم حزر وتخمين
،ويختلف باختلف المقوّمين ،بخلف المثليّ فإنّه يحصل مثله .
وذهب أكثر الحنابلة وبعض الشّافعيّة إلى اشتراط أن يكون رأس المال من النّقد المضروب .
بأيّة سكّة ،ويصرّح ابن قدامة من الحنابلة بأن ل تسامح في شيء من الغشّ إلّ أن يكون في
حدود القدر الضّروريّ الّذي ل غنى لصناعة النّقد عنه .
ضةً .
ح الشّركة عندهم إذا أخرج كلّ واحد من الشّركاء ذهبا أو ف ّ
وأمّا المالكيّة :فتص ّ
ضةً وأخرج الثّاني مثل ذلك .
كما تصحّ إذا أخرج أحدهما ذهبا وف ّ
وتصحّ أيضا عندهم بعين من جانب وعرض من الخر ،أو بعرض من كلّ منهما سواء اتّفقا في
الجنس أو اختلفا .
ول تصحّ عندهم بذهب من أحد الجانبين وفضّة من الجانب الخر ،ولو عجّل كلّ منهما ما
أخرجه لصاحبه ،وذلك لجتماع شركة وصرف ،ول تصحّ بطعامين وإن اتّفقا في القدر
والصّفة .وذهب ابن أبي ليلى إلى تصحيح الشّركة بالعروض مطلقا ،ويعتمد في القسمة قيمتها
عند العقد .وهي رواية عن أحمد ،اعتمدها من أصحابه أبو بكر وأبو الخطّاب ،إذ ليس في
تصحيحها بالعروض على هذا النّحو إخلل بمقصود الشّركة ،فليس مقصودها إلّ جواز تصرّف
الشّريكين في المالين ،ثمّ اقتسام الرّبح ،وهذا كما يكون بالثمان ،يكون بغيرها .
واستأنسوا لذلك باعتبار قيمة عروض التّجارة عند تقدير نصاب زكاتها .
الشّرط الثّالث :
أن يكون رأس المال حاضرا :
ي :إنّما يشترط الحضور عند
-اشترط الحنفيّة أن يكون رأس المال حاضرا ،قال الكاسان ّ 45
ن هذا كاف في حصول المقصود ،وهو التّجار ابتغاء الرّبح ،ولذا فالّذي
الشّراء ل عند العقد ل ّ
يدفع ألفا إلى آخر ،على أن يضمّ إليها مثلها ،ويتّجر ويكون الرّبح بينهما ،يكون قد عاقده
عقد شركة صحيحة ،إذا فعل الخر ذلك ،وإن كان هذا الخر ل يستطيع إشراكه في الخسارة
إلّ إذا أقام البيّنة على أنّه فعل ما اتّفقا عليه .
هكذا قرّره الكاسانيّ ،والكمال بن الهمام ،وجاراهما ابن عابدين وعبارة الهنديّة ،عن الخانيّة
وخزانة المفتين ،أنّ الشّرط هو أن يكون المال حاضرا عند العقد أو عند الشّراء .
فل تصحّ الشّركة بمال غائب في الحالين :عند العقد وعند الشّراء .
واشترط الحنابلة حضور المالين عند العقد قياسا لذلك على المضاربة ،ويرون أنّ حضور
المالين عند العقد هو الّذي يقرّر معنى الشّركة ،إذ يتيح الشّروع في تصريف أعمالها على
الفور ،ول يتراخى بمقصودها ،لكنّهم يقولون إذا عقدت الشّركة بمال غائب أو دين في ال ّذمّة ،
وأحضر المال وشرع الشّريكان في التّصرّف فيه تصرّف الشّركاء ،فإنّ الشّركة تنعقد بهذا
التّصرّف نفسه.
أمّا المالكيّة فقد فسّر الخرشيّ كلم خليل بما يفيد اشتراط حضور رأس المال ،أو ما هو بمثابة
حضوره ،إلّ أنّه قصر ذلك على رأس مال هو نقد :فذكر أنّه إذا غاب نقد أحد الشّريكين ،فإنّ
ح ،إلّ إن كانت غيبته قريب ًة ،ومع ذلك لم يقع التّفاق على البدء في أعمال
الشّركة ل تص ّ
التّجارة قبل حضوره .
فإذا كانـت غيبتـه بعيدةً ،أو قريبةً واتّفـق على الشّروع فـي التّجارة قبـل حضوره ،أو غاب
فإنـ الشّركـة حينئذ ل تكون صـحيحةً ،
ّ النّقدان كلهمـا -نقدا الشّريكيـن -ولو غيبةً قريبةً ،
ومنهـم مـن ح ّد البعـد بمسـيرة أربعـة أيّام ،ومنهـم مـن حدّه بمسـيرة عشرة أيّام ،واسـتق ّر بـه
الخرشيّ .ولكنّ الخرشيّ أشار إلى تفسير آخر ،يجعل هذا الشّرط شرط لزوم ،ل شرط صحّة .
الشّرط الرّابع :الخلط :
-ل يشترط الحنفيّة ول الحنابلة في شركة الموال خلط المالين . 46
أمّا المالكيّة ،فالصّواب أنّه عندهم ليس بشرط صحّة أصلً ،بل ول بشرط لزوم عند ابن القاسم
ومعه أكثرهم ،لنّ الشّركة تلزم عندهم -خلفا لبن رشد -بمجرّد العقد ،أي بمجرّد تمام
الصّيغة ،ولو بلفظ " :اشتركنا " أو ما يدلّ على هذا المعنى أيّة دللة :قول ّي ًة أو فعل ّيةً .وإنّما
هو شرط ضمان المال على الشّريكين :فما تلف قبله ،إنّما يتلف من ضمان صاحبه .والشّركة
ماضية في الباقي ،فما اشتري به فللشّركة وفق شروط عقدها ،إ ّل أن يكون صاحب المال
الباقي هو الّذي اشتراه بعد علمه بتلف مال شريكه ،ولم يرد شريكه مشاركته ،أو ادّعى هو
صةً ،على أنّ شرط الخلط عند المالكيّة خاصّ
أنّه إنّما اشتراه لنفسه ،فإنّه يكون لشاريه خا ّ
ن الخلط ،ليس حتما أن
بالمثليّات أمّا العروض القيميّة ،فل يتوقّف ضمانها على خلطها ،كما أ ّ
يكون حقيقيّا بحيث ل يتميّز المالن ،فيما قرّره ابن القاسم ،وجرى عليه الكثرون ،بل يكفي
ي :بأن يجعل المالن في حوز شخص واحد ،أو في حوز الشّريكين معا ،كأن
الخلط الحكم ّ
يوضع المالن منفصلين في دكّان وبيد واحد من الشّريكين مفتاح له أو يوضع كلّ مال في
حافظة على حدة ،وتسلّم الحافظتان إلى أحد الشّريكين أو إلى صرّاف محلّهما أو أيّ أمين
يختارانه .وعند الشّافعيّة :إذا لم يخلط المالن فل شركة .وكذلك إذا خلطا وبقيا متميّزين ،
لختلف الجنس كنقود بلدين بسكّتين أو نقود ذهبيّة وفضّيّة ،أو الوصف كنقود قديمة وجديدة
لنّ بقاء التّمايز يجعل الخلط كل خلط .وإذن يكون لكلّ واحد من والشّريكين ربح ماله
ووضيعته ،أي خسارته ،وإذا هلك أحد المالين قبل الخلط هلك من ضمان صاحبه فحسب ،ول
رجوع له على الخر بشيء ،وهم ل يعتدّون بالخلط بعد العقد ،وإن كان منهم من يتسامح إذا
وقع الخلط بعد العقد قبل انفضاض مجلسه :فيحتاج الشّريكان إلى تجديد الذن في التّصرّف بعد
ن المال يرثه اثنان أو يشتريانه أو يوهب لهما ،يكون
الخلط المتراخي ومن البيّن بنفسه أ ّ
بطبيعته مخلوطا أبلغ خلط ،ولو كان من العروض القيميّة .
شروط خاصّة بشركة المفاوضة في الموال :
وهي شروط إذا اختلّت كانت الشّركة عنانا :
الشّرط الوّل :
اشترط الحنفيّة المساواة في رأس المال :
-ويعتبر ابتداءً وانتهاءً فل بدّ من قيام المساواة ما دامت الشّركة في رأس المال قائمةً 47
حاضر ًة ل غائبةً -سواء أكانت أثمانا بأصل الخلقة أم بجريان التّعامل .
فإذا كان لحد الشّريكين شيء من ذلك آثر بقاءه خارج رأس المال -ولو لم يكن بيده ،كأن
كان وديعةً عند غيره -فالشّركة عنان ،ل مفاوضة لعدم صدق اسمها إذ ذاك .
ص أحد الشّريكين منه بما شاء لنّه ل
أمّا ما خرج عن هذا النّمط ،فل يضير المفاوضة أن يخت ّ
يقبل الشّركة ،فأشبه اختصاص أحدهما بزوجة أو أولد ،فليحتفظ لنفسه بما أحبّ من العروض
" بالمع نى الشّا مل للمثل يّ -على ما ف يه من نزاع محمّد -والعقار " ،أو الدّيون أو النّقود
الغائبـة -مـا دامـت كذلك -فإذا قبـض الدّيـن نقودا ،أو حضرت النّقود الغائبـة ،تحوّلت
المفاوضة إلى عنان ،لما تقدّم من اشتراط استمرار المساواة .
الشّرط الثّالث :
إطلق التّصرّف لكلّ شريك في جميع أنواع التّجارة :
-وهو شرط عند الحنفيّة .فيتّجر كلّ شريك في أيّ نوع أراد ،قلّ أو كثر ،سهل أو عسر، 49
ح الشّركة .ولكن يكفي لتحقّق هذا العمل أن يتعاقدا على التّقبّل :سواء أجعل التّقبّل لكليهما
تص ّ
أم لحدهما عمليّا ،وإن كان للخر أيضا نظريّا أي من حقّه -بمقتضى عقد الشّركة -أن يتقبّل
العمال المتّفق على تقبّل نوعها -إذ كلّ شريك بمقتضى عقد الشّركة وكيل عن شريكه في هذا
التّقبّل ،وإن لم يح سن الع مل المتقبّل -لكنّه ،ل مر ما ،ترك التّقبّل لشري كه ،فربّ ما كان ذلك
أجدى على الشّركة والشّريكين .حتّى لو أنّه شاء بعد هذا التّرك ،أن يمارس حقّه في التّقبّل ،
لم يكن لشريكه أن يمنعه ،فإذا تقبّل العمل أحد الشّريكين بعد قيام الشّركة وقام به وحده -كأن
تقبّل الثّوب للخيا طة ،وقط عه وخا طه -فال جر بي نه وب ين شري كه منا صفةً ،إن كا نت الشّر كة
مفاوضةً ،وعلى ما اتّف قا إن كا نت عنانا .ذلك أ نّ التّقبّل و قع عنه ما -إذ شطره عن الشّر يك
ال خر بطر يق الوكالة -و صار الع مل مضمونا عليه ما ب عد التّقبّل :فانفراد أحده ما به إعا نة
متبرّع بها بالنّسبة لما كان منه على شريكه ،والخراج بالضّمان .
ومـن أمثلة الشّركـة الفاسـدة الّتـي خلت مـن عمـل أحـد الشّريكيـن :شركـة قصـارة يتّفـق فيهـا
الشّريكان أن يقدّم أحدهمـا آلة القصـارة ،ويقوم الخـر بالعمـل كلّه :تقبّلً وإنجازا ،ول شأن
للوّل ب عد ،إ ّل في اقت سام الرّ بح .ولف ساد هذه الشّر كة ،تكون الجرة للعا مل ،لنّ ها ا ستحقّت
بعمله ،وعليه لصاحب اللة أجرة مثل آلته .
وقد نصّ الحنفيّة على فساد هذه الصّورة مع تصريحهم -كالحنابلة -بصحّة شركة القصارة -
وغيرها من سائر ال صّناعات -على أن يعمل الشّريكان بآلة أحدهما ،في بيت الخر ،وتكون
الجرة بينهما ،لنّها بدل عن العمل ،ل عن آلته ومكانه ،وكلّ ما في المر ،أ نّ أحدهما أعان
متبرّعا بنصف اللة ،وأعان الخر بنصف المكان ،نعم إن فسدت الشّركة قسم ما حصل لهما
على قدر أجر عملهما ،وأجر الدّار واللة ونحوهما ممّا قدّمه كلّ شريك ،ن صّ عليه الحنابلة .
-وكون الشّريك في شركة العمال ،يستحقّ ح صّته في الرّبح ،ولو لم يعمل ،هو مبدأ 51
في العمل :بحيث ل يجوز أن يشرط عليه تقديم ثلثي اللة على حين أ نّ ح صّته في العمل هي
ن ذلك يف سد الشّركة
الثّلث أو النّ صف ،دون أن يح سب ح ساب هذه الزّيادة في صلب العقد ،فإ ّ
للتّفاوت ب ين الرّ بح والع مل نظرا إلى تكملة العتباريّة ،وإن كان يم كن التّجاوز عن فرق ي سير
يتبرّع به في العقد ،أمّا التّبرّع بعد العقد ،فل ح ّد له .فكيف إذا قدّم أحد الشّريكين آلة العمل
كلّ ها مجّانا في الع قد ؟ على أ نّ غ ير سحنون و صحبه – من المالكيّة – ل يكتفون بهذا .بل
يشترطون أن تكون اللة بيـن الشّريكيـن شركـة ملك – إمّا ملك ع ين ،أو ملك منفعـة ،أو ملك
صةً
عين من جا نب وملك منفعة من ال خر – كما إذا كانت ملكا لحدهما ولكنّه أجّر لشريكه ح ّ
ص ،إلّ أنّه ما تكار يا
من ها ت ساوي ح صّته في الع مل ،أو كا نت لكلّ منه ما آلة هي ملك له خا ّ
ن ابن القاسم ليحتّم أن يكونا في ضمان
بعض هذه ببعض تلك في حدود النّسبة المطلوبة .بل إ ّ
اللة سواءً ،فل يسوغ أن تكون بينهما بملك رقبة لحدهما ،وملك منفعة للخر .
وأكثر الحنابلة يوافقون على الحكم بالفساد في حالة اشتراط العمل على واحد منهم بعينه .لكن
ص أح مد والوزاع يّ في من د فع دابّ ته إلى آ خر
صحّة ،وقال :إنّه قياس ن ّ
اختار ا بن قدا مة ال ّ
ليعمل عليها والكسب بينهما .وجرى عليه ابن تيميّة .
والشّافعيّة يطلقون القول بالفساد :سواء اشترط العمل على الجميع أم على بعض دون بعض ،
لنّ هذه أموال متمايزة فل يمكن أن تجمعها شركة صحيحة .فتطبّق أحكام الشّركة الفاسدة .
الشّرط الثّاني :
أن يكون العمل المشترك فيه يمكن استحقاقه بعقد الجارة :
-كالنّساجة والصّباغة والخياطة وكالصّياغة والحدادة والنّجارة ،وكتعليم الكتابة أو الحساب 53
أو الطّ بّ أو الهند سة أو العلوم الدبيّة -وكذلك ،على ما أف تى به المتأخّرون ا ستحسانا تعل يم
القرآن والفقه والحديث وسائر العلوم الشّرعيّة -وإن كان الصل فيها عدم صحّة الجارة عليها
كسائر القرب .
أمّا ما ل ي ستحقّ بع قد الجارة ،فل ت صحّ ف يه شر كة العمال .وهذا ينت ظم جم يع المحظورات
الشّرعيّة :كالنّياحة على الموتى ،والغاني الخليعة وقراءة القرآن بالنغام المخلّة بصحّة الداء
ل تضيع العلوم الشّرعيّة ،
-كما ينتظم جميع القرب -عدا ما استثناه المتأخّرون للضّرورة ،لئ ّ
أو تتعطّل الشّعائر الدّينيّة :كالمامة والذان وتعليم القرآن .فل يصحّ التّعاقد على إنشاء شركة
ن الشّهادة من محظورات
ح شركة الشّهود ،ل ّ
وعّاظ تعظ النّاس وتذكّرهم بالجرة ،وكذلك ل تص ّ
الشّرع إن كانـت زورا ،ومـن القربات أو الفرائض إن كانـت حقّا ،سـواء فـي ذلك التّحمّـل
والداء ،على ما هو مفصّل في موضعه .
شرط خاصّ بشركة الوجوه :
-اشترط الحنفيّة وكذلك القاضي وابن عقيل من الحنابلة :أن يكون الرّبح بين الشّريكين 54
بنسبة ضمانهما الثّمن ،وضمانهما الثّمن :إنّما هو بنسبة حصصهما فيما يشتريانه معا ،أو كلّ
على انفراد .ومقدار هذه الحصص يتبع الشّرط الّذي وقع التّشارط عليه عند عقد الشّركة .
فمن الجائز المشروع أن يتعاقدا في شركة الوجوه على أن يكون كلّ ما يشتريانه أو يشتريه
أحدهما بينهما مناصفةً ،أو على التّفاوت المعلوم أيّما كان ،كأن يكون لحدهما الثّلث أو
الرّبع ،أو أكثر من ذلك أو أقلّ ،وللخر الثّلثان أو الثّلثة الرباع إلخ .وإذ كان معلوما أنّ
شركة المفاوضة ل تكون إلّ على التّساوي في الرّبح عند الحنفيّة ،فإنّه يجب هنا أن تكون على
التّساوي في حصص المشتري وثمنه أيضا .
فإذا شرط لحد الشّريكين في الرّبح أكثر أو أقلّ ممّا عليه من الضّمان فهو شرط باطل ل أثر
له ،ويظلّ الرّبح بينهما بنسبة ضمانهما ،لنّه ل يوجد في هذه الشّركة سبب لستحقاق الرّبح
ق بالمال أو العمل أو الضّمان ،كما
سوى الضّمان ،فيتقدّر بقدره .ذلك أنّ الرّبح إنّما يستح ّ
سيجيء في الحكام ،ول مال هنا ول عمل ،فيتعيّن أن يكون الرّبح بسبب الضّمان ،وإذن
تكون قسمته بحسبه .لئلّ يلزم ربح ما لم يضمن .
لنـ
أنـ الرّبـح فـي شركـة الوجوه يكون على حسـب مـا اتّفقـا عليـه ّ ،
والمذهـب عنـد الحنابلة ّ
ـا يتفاوت كمّا ،ويختلف
ـل يتفاوت كيفا ،كمـ
ـة وجوه يتّجران ،والتّجارة عمـ
ـن شركـ
الشّريكيـ
باختلف القائميـن بـه نشاطا وخـبرةً -فالعدالة أن تترك الحرّيّـة للمتعاقديـن ليقدّرا كلّ حالة
بحسبها -حتّى إذا اقتضت التّفاوت في الرّبح ،لم يكن عليهما من حرج في التّشارط عليه وفق
ما يريان .نظيره ،لنفس هذا المدرك ،شركات العنان الخرى ،والمضاربة ،إذ يكفي فيهما أن
يكون الرّبح بين مستحقّيه بنسبة معلومة ،على التّساوي أو التّفاوت ،بالغا ما بلغ هذا التّفاوت
.
أحكام الشّركة والثار المترتّبة عليها :
أ ّولً :أحكام عامّة :
أ -الشتراك في الصل والغلّة :
-حكم شركة العقد صيرورة المعقود عليه ،وما يستفاد به مشتركا بينهما -أي العاقدين.- 55
ن للشّريكين أن يفعل ما يريانه :من قسمته ،أو بيعه وقسمة ثمنه .فإن اختلفا ،فأراد
فإ ّ
أحدهما القسمة ،وآثر الخر البيع ،أجيب طالب القسمة ،لنّها تحقّق لكلّ منهما ما يستحقّه
أصلً وربحا ،دون حاجة إلى تكلّف مزيد من التّصرّفات .ومن هنا يفارق الشّريك المضارب ،
إذ المضارب إنّما يظهر حقّه بالبيع .فإذا طلبه أجيب إليه .هكذا قرّره الحنابلة .
ن عقد الشّركة عقد لزم .
أمّا المالكيّة -عدا ابن رشد وحفيده ومن تابعهما -فعندهم أ ّ
ض المال ،أو يتمّ العمل الّذي تقبّل ،وقد استظهر بعض الحنابلة
ويستمرّ هذا اللّزوم إلى أن ين ّ
القول عندهم أيضا بلزوم شركة العمال بعد التّقبّل .
ج -يد الشّريك يد أمانة :
ن يد الشّريك يد أمانة بالنّسبة لمال الشّركة ،أيّا كان نوعها .
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 58
لنّه كالوديعة مال مقبوض بإذن مالكه ،ل ليستوفي بدله ،ول يستوثق به .
والقاعدة في المانات أنّها ل تضمن إلّ بالتّعدّي أو التّقصير ،وإذن فما لم يتعدّ الشّريك أو
يقصّر ،فإنّه ل يضمن حصّة شريكه ،ولو ضاع مال الشّركة أو تلف .
ويصدّق بيمينه في مقدار الرّبح والخسارة ،وضياع المال أو تلفه كلً أو بعضا ،ودعوى دفعه
إلى شريكه .
م -ومن النّتائج المترتّبة على أمانة الشّريك ،وقبول قوله بيمينه في مقدار الرّبح والخسارة 58
،والذّاهب والمتبقّي ،أنّه -كسائر المناء ،مثل الوصيّ وناظر الوقف -ل يلزمه أن يقدّم
حسابا مفصّلً .فحسبه أن يقول على الجمال :لم يبق عندي من رأس مال الشّركة إلّ كذا ،أو
تجشّمت من الخسارة كذا ،أو لم أصب من الرّبح إلّ كذا .فإن قبل منه فذاك ،وإلّ حلف ،ول
مزيد .
هكذا أفتى قارئ الهداية ،وأطلق الفتوى ولكنّهم قيّدوها من النّاحية القضائيّة بما إذا كان المين
معروفا بالمانة في واقع المر ،وإلّ فإنّه يطالب بالتّفصيل ويهدّده القاضي إن لم يفعل .بيد أنّه
إن أص ّر على الجمال فل سبيل عليه وراء يمينه .
ن الشّريك إذا ادّعيت عليه خيانة فالصل عدمها .
وهكذا يقول الشّافعيّة ،إذ ينصّون على أ ّ
ومن التّعدّي :مخالفة نهي شريكه ،فإنّ كلّ ما للشّريك فعله من كيفيّات التّصرّف إذا نهاه عنه
شريكه امتنع عليه ،فإذا خالفه ضمن حصّة شريكه ،كما لو قال له :ل تركب البحر بمال
التّجارة ،فركب ،أو ل تبع إلّ نقدا ،فباع نسيئةً .
وهذا هو الّذي قرّره الحنابلة :إذ يقولون :إن لم يكن للشّريك بيع النّسيئة فباعه ،كان البيع
ي موقوف ،فيكون موقوفا ،وإن
باطلً ،لنّه وقع بل إذن -إلّ إذا جرينا على أنّ بيع الفضول ّ
صحّة مع الضّمان -إلّ أنّه ضمان الثّمن ،بخلفه في قول
ي -منهم ال ّ
كان ظاهر كلم الخرق ّ
البطلن ،فإنّه ضمان القيمة ،ويحتمل أن يكون الضّمان هو ضمان القيمة على كلّ حال ،لنّه
لم يفت من المال سواها .
ومن التّعدّي أن يحمل نصيب شريكه حتّى يموت ،فإن مات دون أن يبيّن حال نصيب شريكه :
هل استوفاه شريكه ،أو ضاع ،أو تلف بتعدّ ،أو بدونه ،أم ل ؟ وهل هو عين عنده أم عند
غيره أم ديون على النّاس ؟ فإنّه إذن يكون مضمونا عليه في مال تركته ،إلّ إذا عرفه
الوارث ،وبرهن على معرفته إيّاه ،وبيّن بما ينفي ضمانه .
ل ،أن ل يبيّن حال المانة ،وكان
وهذا هو مفاد قول ابن نجيم في الشباه :ومعنى موته مجهّ ً
يعلم أنّ وارثه ل يعلمها .
وقد عبّر الشّافعيّة والحنابلة عن التّجهيل المذكور بترك اليصاء .لكنّهم فيه أشدّ من الحنفيّة :
إذ ل يعفي الشّريك من الضّمان عندهم أن يوصي إلى وارثه بما لديه لشريكه ،بل ل ب ّد أن
تكون الوصيّة إلى القاضي ،فإن لم يكن فإلى أمين مع الشهاد عليها .
أمّا المالكيّة فكالحنفيّة إلّ أنّهم يسقطون الضّمان بمضيّ عشر سنين ،ويقولون يحمل على أنّه
ر ّد المال ،إذا كان أخذه بدون بيّنة توثيق .
د -استحقاق الرّبح :
-ل يستحقّ الرّبح إلّ بالمال أو العمل أو الضّمان ،فهو يستحقّ بالمال ،لنّه نماؤه فيكون 59
والرّبح في شركة المفاوضة دائما على التّساوي كما علمناه .أمّا في شركة العنان :فالرّبح
بحسب المالين ،إذا رأى الشّريكان إغفال النّظر إلى العمل ،ولهما أن يجعل لشرط العمل قسطا
من الرّبح يستأثر به -زائدا عمّا يستحقّه في الرّبح بمقتضى حصّته في رأس المال -من شرط
عليه أن يعمل في الشّركة ،لئلّ يكون قد استحقّه بل مال ول عمل ول ضمان ،سواء أشرط
ن المناط هو
على شريكه أن يعمل أيضا أم ل ،وسواء عمل هو بمقتضى الشّرط أم ل ،ل ّ
اشتراط العمل ،ل وجوده .
ومن هنا كان سائغا في شركة العنان أن يتساوى المالن ويتفاضل الشّريكان في الرّبح ،وأن
يتفاضل المالن ويتساوى الرّبحان ،على نحو ما وضعنا ل بإطلق ،ول حين ل يتعرّض لشرط
العمل ،وإلّ فالشّرط باطل ،والرّبح بحسب المالين .
أمّا الخسارة فهي أبدا بقدر المالين لنّها جزء ذاهب من المال ،فيتقدّر بقدره .
وقال صاحب النّهر من الحنفيّة " :اعلم أنّهما إذا شرطا العمل عليهما :إن تساويا ما ًل وتفاوتا
ربحا ،جاز عند علمائنا الثّلثة ،خلفا لزفر ،والرّبح بينهما على ما شرطا ،وإن عمل أحدهما
فقط .وإن شرطاه على أحدهما :فإن شرطا الرّبح بينهما بقدر رأس مالهما جاز ،ويكون مال
الّذي ل عمل له بضاعة عند العامل ،له ربحه وعليه وضيعته ،وإن شرطا الرّبح للعامل -أكثر
من رأس ماله -جاز أيضا على الشّرط .ويكون مال الدّافع عند العامل مضاربةً ،ولو شرطا
الرّبح للدّافع -أكثر من رأس ماله -ل يصحّ الشّرط ،ويكون مال الدّافع عند العامل بضاعةً :
لكلّ واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس مالهما أبدا " .
-وقاعدة الرّبح عند المالكيّة والشّافعيّة أنّه -كالخسارة -ل بدّ أن يكون بقدر المالين ،فلو 61
وقع التّشارط على خلف ذلك كان العقد نفسه باطلً .
أمّا عند الحنابلة :فالرّبح بقدر المالين ما لم يشترط خلفه ،فيعمل بمقتضى الشّرط .
وتفرّد بعض متأخّري الحنابلة بموافقة الحنفيّة تمام الموافقة :فالرّبح عندهم بقدر المالين إلّ أن
تشترط الزّيادة لعامل فيصحّ الشّرط حينئذ .
ويضيف المالكيّة اشتراط أن يكون العمل أيضا بقدر المالين .وإلّ فسدت الشّركة :كما لو كانت
حصّة أحدهما في رأس المال مائةً ،وحصّة الخر مائتين ،وتعاقدا على التّساوي في العمل .
فإن وضعا هذه الشّركة موضع التّنفيذ ،استحقّ الشّريك بالثّلث الرّجوع على الخر بسدس
صحّة يجوز للشّريك أن يتبرّع بشيء من
عمله ،أي بأجرة مثل ذلك .نعم بعد تمام العقد على ال ّ
العمل ،أو بالعمل كلّه .
ح أن يكون من واحد
ن العمل في شركة العنان يص ّ
أمّا في المذاهب الخرى ،فهم مصرّحون بأ ّ
-على معنى أن يأذن أحد الشّريكين للخر في التّصرّف ،دون العكس -فيتصرّف المأذون في
ح أن يشترط عليه
جميع مال الشّركة ،ول يتصرّف الذن إلّ في مال نفسه -إن شاء -ول يص ّ
عدم التّصرّف في مال نفسه ،بل إنّ هذا الشّرط ليبطل العقد نفسه -لما فيه من الحجر على
المالك في ملكه -أمّا أن يتعهّد هو بأن ل يعمل ويشرط ذلك على نفسه فالحنابلة يصحّحون
اشتراط أن يكون العمل مقصورا على أحدهما :ثمّ إن جعلت له لقاء عمله زيادة في الرّبح عمّا
يستحقّه بحصّته في المال ،فإنّها تكون شركة عنان ومضاربة ،وإن جعل الرّبح بقدر المالين ،
دون زيادة ،لم تكن شركةً ،بل تكون إبضاعا ،وإن جعلت الزّيادة لغير العامل ،بطل الشّرط في
الصحّ ،أي وكانت إبضاعا أيضا ،كما هو قضيّة كلمهم إلّ أنّ في كلم ابن قدامة التّصريح
ن شركة العنان تقتضي الشتراك في العمل .
بأ ّ
أحكام مشتركة بين المفاوضة والعنان :
-أ ّولً :صحّتهما مع اختلف جنس رأس المال ووصفه : 62
ومتى اتّفق في تقدير بعض أهل الخبرة تساوي المالين ،فهذا كاف لتتحقّق الشّريطة المطلوبة .
ول يشترط الحنفيّة في المفاوضة ول في العنان اتّحاد جنس رأس المال ول وصفه .فتصحّان
مع اختلف جنس المالين -سواء قدّرا على التّساوي أم على التّفاوت ،مهما تكن درجة هذا
التّفاوت ،أم لم يقدّرا عند العقد ،وتصحّ بخلف الجنس :كدنانير من أحدهما ،ودراهم من
الخر ،وبخلف الوصف :كبيض وسود -وإن تفاوتت قيمتها .
ص ًة ،وهذا عند جماهيرهم
وصرّح المالكيّة باشتراط اتّحاد الجنس دون الوصف ،في النّقود خا ّ
خلفا لشهب وسحنون .
-ثانيا :صحّتهما مع عدم خلط المالين : 63
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة خلفا للشّافعيّة كما تقدّم .
-ثالثا :صحّتهما مع عدم تسليم المالين : 64
ل يشترط لصحّة المفاوضة أو العنان ،أن يخلّي كلّ شريك بين ماله وشريكه ،بخلف
المضاربة ،إذ تتوقّف صحّتها على تسليم المال إلى المضارب كما سيجيء .
-رابعا :لكلّ من الشّريكين أن يبيع نقدا ونسيئةً : 65
لكلّ من الشّريكين أن يبيع ويشتري مساومةً ومرابحةً وتولي ًة ومواضعةً ،وكيف رأى المصلحة
لنّ هذا عادة ال ّتجّار ،وله أن يقبض المبيع والثّمن ويقبضهما ويخاصم بالدّين ويطالب به
ويحيله ويحتال ويردّ بالعيب فيما وليه هو ،وفيما ولي صاحبه ،وأمّا البيع نسيئةً فقد ذهب
الحنفيّة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يبيع ويشتري نسيئةً لجريان عادة ال ّتجّار بهذا وذاك كيفما
اتّفق ،وليس في عقد الشّركة ما يمنع من تحكيم هذه العادة .ذلك أنّ ما تضمّنه هذا العقد من
الذن في التّصرّف ،وقع مطلقا ،كما هو المفروض .
ولو تشارطا في عقد الشّركة على أن يبيعا نقدا ل نسيئةً ،أو نسيئةً ل نقدا ،أو -في شركة
العنان -أن يبيع أحدهما نقدا والخر نسيئ ًة ،كانا على شرطهما .بل لو تراضيا على مثل هذه
القيود بعد العقد ،وجب اللتزام بذلك ،وكذا لو نهى أحدهما شريكه -في شركة العنان -أن
يبيع على نحو من النحاء بعينه -كأن نهاه أن يبيع نسيئ ًة ،أو عن أن يبيع نقدا ،لمتنع عليه
أن يفعل ما نهي عنه -حتّى لو أنّه خالف ،لكان ضامنا حصّة شريكه .
ن بيعه هذا نافذ في حصّة
ولذا أفتى ابن نجيم في الّذي يبيع نسيئةً بعد ما نهاه شريكه ،بأ ّ
نفسه ،موقوف على الجازة في حصّة شريكه :بحيث يبطل إن لم يجز .أي ث ّم يكون في الفوات
الضّمان .
وعلى وزان البيع نقدا ونسيئةً ،يقال في الشّراء نقدا ونسيئةً ،فإنّهما ل يختلفان من هذه
النّاحية ،وإن اختلفا من ناحية أخرى :إذ إنّه في المفاوضة يكون الشّراء دائما للشّركة -فيما
عدا الحاجات الخاصّة لكل الشّريكين -أمّا في شركة العنان ،فليس هو كذلك دائما ،كما
سيجيء .
نعم في فتاوى قاضي خان :أنّه لو اشترى أحد شريكي المفاوضة طعاما نسيئةً -أي بثمن
ن الثّمن يكون عليهما ،بخلف ما لو فعل ذلك أحد شريكي العنان -إذ يكون الثّمن
مؤجّل -فإ ّ
صةً ،وأنّه لو باع أحد شريكي المفاوضة طعامه بعقد سلم ،فإنّه يكون عقدا جائزا على
عليه خا ّ
شريكه .
والمالكيّة والحنابلة كالحنفيّة ،في أنّ لكلّ شريك أن يبيع ويشتري نقدا ونسيئةً ،إلّ أنّهم ل
يفرّقون بين مفاوضة وعنان .
وذهب الشّافعيّة وبعض الحنابلة إلى عدم جواز البيع نسيئةً ،لما فيه من الغرر ،وتعريض
أموال الشّركة للضّياع -ما لم يأذن سائر الشّركاء وأقوى الحتمالين عند الشّافعيّة ،إذا وقع
الذن في مطلق نسيئة أو بصيغة عموم :كبع كيف شئت -أن يحمل على الجل المتعارف ،ل
غيره كعشر سنين .
ن لكلّ من الشّريكين أن يوكّل في
-خامسا :ذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة إلى أ ّ 66
البيع والشّراء وسائر التّصرّفات :كاستئجار أجير أو دابّة أو عربة أو صانع أو بيطار لشيء من
تجارتهما ،وكالنفاق في مصالح الشّركة .على أنّه يجوز للشّريك الخر أن يعزل الوكيل الّذي
وكّله شريكه ،متى ما شاء ،شأن وكيل الوكيل .
ق التّوكيل بدون إذن شريكه ،لنّه إنّما
وذهب الشّافعيّة وأكثر الحنابلة إلى أنّه ليس للشّريك ح ّ
ارتضى تصرّفه هو .وقاعدتهم " :أنّ من ل يعمل إلّ بإذن ل يوكّل إلّ بإذن " .
-سادسا :لكلّ من الشّريكين أن يستأجر من يعمل للشّركة :سواء في إصلح مالها - 67
كعلج دوابّها ،وتركيب آلتها -أم في حراسته وحفظه ،أم في التّجار به ،أم في غير ذلك ،
ويمضي ذلك على شريكه ،لنّ عادة ال ّتجّار قد جرت بالستئجار في كلّ ما يعود نفعه على
تجاراتهم .
-سابعا :الشّريك الّذي يؤجّر نفسه لمن تكون أجرته ؟ تكون أجرته للشّركة ،ما لم يكن قد 68
ن اليداع
في عهدة حارس يستأجره لحفظه ،فلن يكون له ذلك بدون أجر أجدر وأولى .على أ ّ
من مصالح التّجارة ،إذ تتّقى به السّرقات ،وأخطار الطّريق وغير الطّريق .
أمّا غير الحنفيّة ،فل يرون للشّريك أن يودع ،إلّ إذا دعت إلى ذلك حاجة به ،إذ المال قد
يضيع باليداع .حتّى لو أنّه أودع من غير حاجة ،فضاع المال ضمنه .
-عاشرا :ذهب أبو حنيفة ومحمّد والحنابلة إلى أنّ لكلّ من الشّريكين أن يسافر بمال 71
الشّركة دون إذن شريكه إذا أمن الطّريق لنّ المفروض أنّ الشّركة أطلقت ،ولم تقيّد بمكان .
فالذن بالتّصرّف الصّادر في ضمنها لكلّ شريك هو على هذا الطلق ،إذ ل يخرج المطلق عن
شقّة أو بعيدها ،وأن
إطلقه إلّ بدليل ،ول دليل ،ويستوي بعد ذلك أن يكون السّفر قريب ال ّ
يكون المال خفيف المحمل أو ثقيله ،على خلف في كلّ من هذا وذاك .
وذهب الشّافعيّة وأبو يوسف إلى أنّه ليس للشّريك أن يسافر بمال الشّركة إلّ بإذن صريح أو
ي ،ما لو عقدت الشّركة على ظهر سفينة ،ثمّ استمرّت
عرفيّ أو ضرورة .ومن الذن العرف ّ
الرّحلة إلى المقصد .ومن الضّرورة ،جلء أهل البلد عنه لكارثة ،أو فرارا من زحف العدوّ
القاهر .فإذا خالف الشّريك ،فسافر سفرا غير مسموح به ،كان عليه ضمان حصّة شريكه -
لو ضاع المال -لكنّه لو باع شيئا مضى بيعه :دون أيّ تناف بين هذا ،وبين ثبوت ضمانه .
وكذا المالكيّة في شركة العنان .أمّا شريك المفاوضة فليس مقيّدا إلّ برعاية المصلحة .
-حادي عشر :يرى الحنفيّة أنّ لك ّل من الشّريكين أن يقايل فيما بيع من مال الشّركة : 72
سواء أكان هو البائع أم شريكه .لنّ القالة شراء في المعنى ،وهو يملك شراء ما باعه ،أو
باعه شريكه .
وهذا أيضا هو مذهب المالكيّة ،والمعتمد عند الحنابلة -ولو بنا ًء على أنّ القالة فسخ :على
أحد احتمالين -اعتبارا بالرّدّ بالعيب .إلّ أنّهم قيّدوه بالمصلحة ،كما لو خيف عجز المشتري
عن الوفاء بالثّمن ،أو تبيّن وقوع غبن على الشّركة .
-ثاني عشر :ليس لحد الشّريكين إتلف مال الشّركة أو التّبرّع به ،لنّ المقصود بالشّركة 73
التّوصّل إلى الرّبح .فما لم يكن ثمّة إذن صريح من الشّريك الخر ،ل يملك أحد الشّريكين أن
ل أو كثيرا .إذ الهبة محض تبرّع ،والقراض تبرّع
يهب ،أو يقرض من مال الشّركة ،قلي ً
ابتداءً ،لنّه إعطاء المال دون تنجّز عوض في الحال .فإذا فعل ،فل جواز لفعله على شريكه
إلّ بإذن صريح ،وإنّما ينفذ في حصّة نفسه ل غير .
ن المتأخّرين أدخلوا بعض المستثنيات على امتناع الهبة :إذ أجازوها في اللّحم
-إلّ أ ّ 74
والخبز والفاكهة ،وما يجري هذا المجرى ممّا يتهاداه النّاس ،ويتسامحون فيه .
جاء في الهنديّة " :له أن يهدي من مال المفاوضة ،ويتّخذ دعوةً منه .ولم يقدّر بشيء .
والصّحيح أنّه منصرف إلى المتعارف :وهو ما ل يعدّه ال ّتجّار سرفا " .
كما أنّهم لم يعتمدوا طريقة أبي يوسف في عدم التّفرقة بين هبة الشّريك الّذي تولّى البيع ،لثمن
ن الّذي
ما باع .أو إبرائه منه ،وبين هبة الشّريك الخر أو إبرائه .ورأوا خلفا لبي يوسف أ ّ
تولّى البيع ،لو وهب المشتري ثمن ما باعه أو أبرأه منه ،نفذ على شريكه ،ويرجع عليه
شريكه بحصّته ،كوكيل البيع إذا فعل ذلك حيث ينفذ ،ويرجع عليه موكّله .
-والحكم كذلك عند المالكيّة أيضا .إ ّل أنّهم يقيّدون البراء المسموح به بكونه حطّا من 75
بعض الثّمن ،ويطلقونه بعد ذلك ،فيستوي أن يقع من متولّي العقد أو من الشّريك الخر .كما
أنّهم يضبطون التّبرّعات المسموح بها للشّريك على العموم بما يقرّه العرف وفق ما يتناسب مع
ي إذا استألف النّاس
المركز الماليّ للشّركة .وهذا مبدأ عامّ ينتظم الهدايا ،والمآدب ،والعوار ّ
ترغيبا لهم في التّعامل مع الشّركة .
وللحنابلة نحو منه .إلّ أنّهم أقلّ توسّعا في هذا الباب ،وأكثر تقيّدا بمراعاة فائدة الشّركة .
ن العقد بينهما
-ثالث عشر :ليس لحد الشّريكين أن يؤدّي زكاة مال الخر إ ّل بإذنه :ل ّ 76
على التّجارة ،والزّكاة ليست منها .ثمّ إنّها بدون إذن ربّ المال ل تقع الموقع ،لعدم صحّتها
بدون نيّة ،فتلتحق بالتّبرّعات ،وهو ل يملك التّبرّع بمال شريكه .فإذا أذن له شريكه فذاك .
-رابع عشر :ليس لحد الشّريكين أن يخلط مال الشّركة بمال له خاصّ دون إذن شريكه : 77
لنّ الخلط يستتبع إيجاب حقوق ،وقيودا على حرّيّة التّصرّف .فل يسلّط أحد الشّريكين عليه ،
ص على ذلك الحنفيّة والحنابلة .
لئلّ يتجاوز حدود ما رضي به صاحب المال ن ّ
-تنبيه :الذن العامّ من الشّريك -كقوله لشريكه :تصرّف كما ترى -يغني غناء الذن 78
الخاصّ في كلّ ما هو من قبيل ما يقع في التّجارة كالرّهن والرتهان والسّفر ،والخلط بالمال
الخاصّ ،وشركة المال مع أجنبيّ .فمن منع شيئا من ذلك إلّ بالذن ،كفى فيه عنده الذن
العامّ.
ولكنّ هذا الذن العامّ ل غناء فيه بالنّسبة للهبة ،والقرض ،وكلّ ما يعدّ إتلفا للمال ،أو تمليكا
له بغير عوض .بل ل بدّ من الذن الصّريح في هذا النّوع من التّصرّفات ،لينفذ على الشّركة .
صرّح بهذا الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة
أحكام خاصّة بشركة المفاوضة :
ن شريكي المفاوضة شخص واحد حكما في أحكام التّجارة
-تتلخّص هذه الحكام في أ ّ 79
ن ك ّل ما اشتراه فهو للشّركة ،فذلك أنّ مقتضى عقد شركة المفاوضة المساواة في كلّ ما
أمّا أ ّ
يصحّ الشتراك فيه ،وتدخله عقود التّجارة .ومن ذلك الجارة ،لنّها شراء منفعة :فما
ص على ذلك الحنفيّة .
استأجره أحدهما فهو للشّركة أيضا .ن ّ
وأمّا استثناء الحوائج الساسيّة ،فلنّ العرف قاض باستثنائها .إذ من المعلوم أنّ هذه تبعة تقع
على عاتق كلّ شريك لخاصّة نفسه وأهله ،دون أن يتحمّل معه شريكه في ذلك غرما ،
ص بهذه الحوائج الساسيّة مشتريها -وإن
والمشروط عرفا ،كالمشروط بصريح العبارة .فيخت ّ
ض النّظر عن هذه القرينة ،ممّا ينتظمه عقد شركة المفاوضة ،إذ هي من نوع
كانت ،عند غ ّ
ما يتّجر فيه ،ويقبل الشّركة .ومن الحاجات الساسيّة -وإن كانت صالحةً للشّركة ،إذ شراء
المنافع ممّا يقبلها -بيت يستأجر للسّكنى ،وعربة أو سفينة أو طائرة أو دابّة تستأجر للرّكوب
أو الحمل من أجل المصلحة الخاصّة :كالحجّ ،وقضاء وقت الجازات بعيدا عن العمل ،وحمل
المتعة الخاصّة .
ن الحاجات الساسيّة يتحمّل مشتريها ثمنها كلّه ،لمكان اختصاصه بها ،ولذا ،لو
وفرق آخر فإ ّ
أدّى ثمنها من مال الشّركة كان لشريكه أن يرجع عليه بحصّته في هذا الثّمن .
-ويرى متأخّرو المالكيّة أنّ نفقة الشّريك المفاوض الخاصّة به شخصيّا -من أجل طعامه 81
وشرابه ،ولباسه ،وتنقّلته -تلغى مطلقا ،ول تدخل في الحساب إذا أنفقها من مال الشّركة .
سواء تساوت حصّتا الشّريكين ،ونفقاتهما ،وسعر بلديهما -إن اختلفا -أم ل .ثمّ علّلوا ذلك
بأنّها نفقات يسيرة عادةً ،أو داخلة في التّجارة .
أمّا نفقة أسرة الشّريك فيشترط للغاء حسابها أن تتقارب السرتان عدد أفراد ،ومستوىً
اجتماعيّا ،وإلّ دخلت في الحساب :فأيّهما أخذ من مال الشّركة فوق نسبة حصّته ،رجع عليه
شريكه بحصّته فيما أنفق والشّريك المفاوض مصدّق عند المالكيّة في دعوى الشّراء لنفسه
ولعياله .فيما يليق ،من الطّعام والشّراب والكسوة ،دون سائر العروض والعقار .
– ثانيا :إقرار الشّريك بدين على شريك المفاوضة : 82
ما لزم أ حد الشّريك ين في المفاو ضة من د ين التّجارة ،أو ما يجري مجرا ها .يلزم ال خر ،
ويك في إقراره بالدّ ين ليترتّب عل يه لزو مه للمقرّ بمقت ضى إقراره ،ث مّ لزو مه لشري كه بمقت ضى
كفالته .وهذا عند الحنفيّة .
ص المالكيّة على أنّ ذلك خاصّ بالقرار بالدّين أثناء قيام الشّركة .أمّا في القرار بعين
-ون ّ 83
-كودي عة ور هن -أو بد ين ل كن ب عد انتهاء الشّر كة ،فإنّ ما تلزم المقرّ ح صّته من الع ين أو
ثمـ هـو بالنّسـبة لحصـّة شريكـه مجرّد شاهـد .وللمقرّ له أن يحلف مـع هذا الشّاهـد ،
الدّيـنّ ،
ويستحقّ حصّة الشّريك أيضا .
وع ند الحنابلة ،في شر كة العنان ،قول بقبول إقرار الشّر يك بالدّ ين والع ين على الشّر كة ،ما
دامت قائم ًة ،ومنهم من اختاره فيجيء بالولى في شركة المفاوضة .
-ثالثا :حقوق العقد الّذي يتوله أحدهما في مال الشّركة ،مستوية بالنّسبة إليهما .بل 84
لنّ شركة العنان دون شركة المفاوضة ،فل محذور في أن تصحّ في ضمنها ،وتقع تبعا لها ،
كما صحّت المضاربة تبعا للشّركة مطلقا :بأن يضارب أحد الشّريكين ثالثا بمال الشّركة .وهذا
هو مذهب الصّاحبين .
ح شركة المفاوضة تبعا لشركة المفاوضة :أي ألّ يصحّ لحد
ومقتضى تعليله هذا أن ل تص ّ
شريكي المفاوضة -بدون إذن شريكه -أن يفاوض ثالثا ،لنّ الشّيء ل يستتبع مثله .وهذا
هو الّذي جرى عليه أبو يوسف .واعتمده المتأخّرون ،إلّ أنّهم فسّروا عدم صحّة المفاوضة
من المفاوض بأنّها تنعقد عنانا ،وما يخصّ الّذي أحدثها -ولو مع من تردّ شهادته له -من
ربحها ،يكون بينه وبين شريكه الوّل .
ولم ير محمّد بن الحسن مانعا من أن يفاوض المفاوض أمّا أبو حنيفة في رواية الحسن فلم
يجعل للمفاوض أن يفاوض ،ول أن يشارك شركة عنان ،لنّه في كليهما تغيير مقتضى العقد
الّذي تمّت به الشّركة الولى ،إذ يوجب للشّريك الجديد حقّا في مال الشّركة لم يكن ،وذلك ل
يجوز بدون تراضي الشّركاء .
وظاهر كلم الحنابلة وفاق أبي حنيفة .
أمّا المالكيّة فقد جعلوا للمفاوض أن يفاوض ،أو يعقد أيّة شركة أخرى -في بعض مال
الشّركة ،ل في جميعه ،ول بدّ أن يكون هذا البعض على التّعيين ل على الشّيوع ،كما لو أفرد
ي بمائة دينار مثلها ،وجعل يتّجران في المائتين
مائة دينار من مال الشّركة ،وجاء الجنب ّ
جميعا ،ول شأن لهذا الجنبيّ بسائر مال الشّركة الولى .
أحكام خاصّة بشركة العنان :
ن الشّريك الّذي ليس بيده شيء
-أ ّولً :ليس كلّ ما يشتريه أحد الشّريكين يكون للشّركة :ل ّ 88
من رأس مال الشّركة ،ل يستطيع أن يشتري لها شيئا ما بغير إذن شريكه .بل يكون ما
يشتريه حينئذ لنفسه ،أو لمن أراد أن يشتري له بطريق مشروع خارج الشّركة .ول يمكن أن
يكون للشّركة لنّه نوع من الستدانة ،واستدانة شريك العنان ل تجوز إلّ بإذن شريكه لما فيها
من تجاوز مقدار رأس المال المتّفق عليه .
ض ل يفي
كذلك الشّريك الّذي كلّ ما بيده من مال الشّركة عروض -غير نقد -أو معها نا ّ
بالثّمن ،ل تمضي للشّركة صفقته المشتراة بالنّقد -أعني الثمان -وأيضا الشّريك الّذي
يشتري للشّركة نوعا آخر غير النّوع الّذي انحصرت فيه تجارة الشّركة بمقتضى عقدها ،ل
يكون للشّركة شيء ممّا اشتراه :كالّذي يشتري أرزا ،وتجارة الشّركة إنّما هي في القطن ،أو
بالعكس .
ومعنى ذلك كلّه أنّ ما يشتريه شريك العنان بل إذن خاصّ من شريكه ل يكون للشّركة إلّ بثلث
شرائط :
أ -أن يكون بيده من مال الشّركة ما يكفي لسداد ثمن ما اشتراه .
ب -أن يكون هذا الّذي بيده ناضّا ،ل عروضا ،إذا اشترى بنقود .
ج -أن يكون ما اشتراه من جنس تجارة الشّركة .ويؤخذ ممّا أسلفنا شريطة رابعة .
د -أن ل يكون شريكه قد أذن له صراحةً في الختصاص بالسّلعة .
فإذا توافرت هذه الشّرائط الربع ،وقع الشّراء للشّركة ،ولو ادّعى الشّريك أنّه إنّما اشترى
لنفسه ،أو حتّى أشهد بذلك عند شرائه ،لنّه ل يستطيع إخراج نفسه من الوكالة دون علم
شريكه .هذا مذهب الحنفيّة .
-ول توجد مثل هذه الشّرائط في المذاهب الخرى ،عدا قول للحنابلة ،هنا وفي شركة 89
الوجوه ،يرفض ادّعاء الشّريك الشّراء لنفسه ،ولكنّهم اعتمدوا فيهما تصديقه بيمينه وهو في
ص الشّافعيّة وعلّلوه بأنّه أمين يدّعي ممكنا ل يعلم إلّ من قبله ،ولول إمكان تصريحه
العنان ن ّ
بنيّته عند الشّراء والشهاد على ذلك ،لصدّق بل يمين ،بل عبارة الشّافعيّة أنّه يصدّق في
دعوى الشّراء لنفسه ولو رابحا ،وفي دعوى الشّراء للشّركة ولو خاسرا .إلّ أنّه ل يصدّق
ن الظّاهر أنّه اشترى
عندهم في دعوى الشّراء للشّركة إذا أراد أن ير ّد حصّته وحدها بعيب ،ل ّ
لنفسه ،فل يمكّن من تفريق الصّفقة على البائع .نعم إن صدّقه البائع في دعوى الشّراء
للشّركة ،كان له عند الشّافعيّة تفريق الصّفقة ،وردّ حصّته وحدها ،لنّه -بالنّسبة إليها -
أصيل ،وبالنّسبة إلى حصّة شريكه وكيل ،فكان عقده الواحد بمثابة عقدين أمّا المالكيّة فإنّهم
يصدّقون الشّريك في دعوى الشّراء لنفسه في الشّركات عدا شركة الجبر بين الورثة .
وإنّما نصّوا عليه في شركة المفاوضة ،وقصروه فيها على ما يليق بالشّريك وأهله :من الطّعام
والشّراب واللّباس ،دون سائر العروض والعقار والحيوان .
ن الدّين الّذي يلزم أحد الشّريكين ل يؤخذ به الخر :لنّ شركة
-ثانيا :ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 90
العنان تنعقد على الوكالة ل غير ،إ ّل إذا صرّح فيها بالتّضامن -كما ذكره في الخانيّة -وإن
استظهر الكمال بن الهمام بطلن الكفالة حينئذ ،لنّها كفالة لمجهول ،والكفالة الصّريحة ل
تصحّ له .
-ومذهب الحنابلة عدم قبول إقرار شريك العنان بدين أو عين على الشّركة ،لنّه مأذون في 91
التّجارة ل غير ،والقرار ليس من التّجارة في شيء -وإنّما يقبل على نفسه في حصّته هو
وحده .هكذا أطلقوه ،من غير تفصيل بين أن يكون المال بيده أو ل -إلّ أن يكون الدّين من
توابع التّجارة ،كثمن شيء اشتري للشّركة ،وكأجرة دلل وحمّال ومخزّن وحارس ،لنّه إذن
كتسليم المبيع ،أو إقباض الثّمن .وهذا التّفصيل ليس عند الحنفيّة ،وإنّما ذكره الحنابلة ربّما
للجابة عمّا تعلّق به القاضي من الحنابلة -في ذهابه إلى قبول إقرار الشّريك على الشّركة
ن للشّريك أن يشتري ول يسلّم الثّمن في المجلس ،فلو لم يقبل إقراره
مطلقا -إذ يقول " :إ ّ
بالثّمن لضاعت أموال النّاس ،وامتنعوا من معاملته " .
وحكاه عنه صاحب النصاف ،وقال إنّه الصّواب .
ن حقوق العقد الّذي يتوله أحد الشّريكين ،قاصرة عليه ،لنّه
-ثالثا :ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 92
ما دام الفرض أن ل كفالة ،فإنّ حقوق العقد إنّما تكون للعاقد .فإذا باع أحدهما شيئا من مال
الشّركة أو آجره ،فهذا هو الّذي يقبض الثّمن أو الجرة ،ويطالب بتسليم المبيع أو العين
المؤجّرة ،ويخاصم عند الخلف :فتقام عليه البيّنة أو يقيمها .وتطلب منه اليمين أو يطلبها .
أمّا شريكه فهو والجنبيّ سواء بالنّسبة إلى هذه الحقوق :ليس له ول عليه منها شيء .
وكذلك في حالة ما إذا اشترى أحدهما شيئا للشّركة أو استأجره :فإنّه ،دون شريكه ،هو الّذي
تتوجّه عليه المطالبة بالثّمن أو الجرة ،وهو الّذي يطالب بالتّسليم ويتولّى القبض ،وتقع
الخصومة في ذلك له وعليه .ثمّ إذا دفع من مال نفسه رجع على شريكه بحصّته فيما دفع ،
لنّه وكيل هذا الشّريك فيما يخصّه من الصّفقة .
وهكذا عند الرّدّ بالعيب ،وعند الرّجوع بالستحقاق :إنّما يكون ذلك للّذي تولّى العقد أو عليه .
ول شأن للشّريك الخر فيه .
-والرّهن من مال الشّركة ،والرتهان به ،من توابع حقوق العقد ،لنّ الرّهن بمثابة 93
ص الشّافعيّة على أنّ الشّريك ل يبيع ول يشتري بالغبن الفاحش .فإن فعل صحّ العقد في
ن ّ
صةً ،وللمشتري أو البائع الخيار .إلّ أن يكون الشّريك قد اشترى بثمن في ال ّذمّة ،
نصيبه خا ّ
ص ًة ،ل للشّركة .وقالوا ليس للشّريك البيع
فيصحّ العقد في الجميع ،ويقع الشّراء للمشتري خا ّ
ل ،ثمّ ظهر هذا الرّاغب في مدّة
بثمن المثل -إذا كان ثمّ راغب بأكثر -حتّى إنّه لو باع فع ً
الخيار ،كان عليه أن يفسخ العقد وإلّ انفسخ تلقائيّا .
-مشاركة شريك العنان لغير شريكه : 96
ن الشّيء ل
ليس لحد شريكي العنان أن يشارك بغير إذن شريكه ،ل مفاوضةً ول عنانا .ل ّ
يستتبع مثله ،فكيف بما هو فوقه .لكنّه إذا كان ل يملك أن يشارك ،فإنّه يملك أن يوكّل ،فإذا
شارك بطلت الشّركة ،ولكن ل يلزم من بطلن الشّركة بطلن الوكالة الّتي في ضمنها ،إذ ل
يلزم من بطلن الخصّ بطلن العمّ .هذا عند الحنفيّة .
-وكلم الشّافعيّة والحنابلة عامّ في منع دفع شيء من مال الشّركة إلى أجنبيّ ليعمل فيه ، 97
دون إذن سائر الشّركاء -ولو كان ذلك خدمةً للشّركة ولو بل مقابل :وهو البضاع -لنّ
الرّضا في عقد الشّركة إنّما وقع قاصرا على يد الشّريك وتصرّفه هو ،دون تصرّف أحد سواه
.فهو شبيه بما لو أراد أن يخرج نفسه من الشّركة ويحلّ غيره محلّه .
أحكام شركتي العمال والوجوه :
-هاتان الشّركتان ل تخرجان عن أن تكونا مفاوضةً أو عنانا .فتطبّق فيهما أحكام 98
المفاوضة في الموال إن كانتا من قبيل المفاوضة ،وأحكام العنان في الموال إن كانتا من قبيل
العنان .وإذا أطلقت أيّتهما فهي عنان ،كما هو الصل دائما .
إلّ أنّ شركة العنان في العمال تأخذ دائما حكم شركة المفاوضة في مسألتين :
المسألة الولى :تقبّل أحد الشّريكين ملزم لهما على التّضامن كما لو كانا شخصا واحدا -وإن
لم يلزم أحدا منهما أن يعمل بنفسه ،ما لم يشرط ذلك صاحب العمل .فبدون هذا الشّرط يستوي
أن يعمله هو ،أو يعمله شريكه ،أو غيرهما -كأن يستأجرا ،هما أو أحدهما ،من يقوم به .
إذ المشروط مطلق العمل أمّا مع هذا الشّرط من صاحب العمل فيتبع الشّرط ،لكن تظلّ المسألة
ن هذا الشّرط ل يعفي من لم يؤخذ عليه من
كما هي من حيث إلزام الشّريكين على التّضامن ،فإ ّ
المطالبة ،بحكم الضّمان .
نعم هو يفيد تقييد حقّ مطالبته -ما دام ليس هو المتقبّل -بمدّة استمرار الشّركة ،وأمّا إذا
خل التّقبّل من هذا الشّرط ،فإنّ الضّمان يستم ّر بعد انحلل الشّركة .
ويترتّب على هذا الصل أنّ :
ل أيّ الشّريكين شاء .
أ -لصاحب العمل أن يطالب به كام ً
ب -لك ّل من الشّريكين أن يطالب صاحب العمل بالجرة كاملةً .
ج -تبرأ ذمّة صاحب العمل من الجرة بدفعها إلى أيّ الشّريكين شاء .
وهذا الحكم عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .
المسألة الثّانية :ما تلف ،أو تعيّب ،ممّا يعمل فيه الشّريكان ،بسبب أحدهما ،فضمانه
عليهما .ولصاحب العمل أن يطالب بهذا الضّمان أيّهما شاء ،وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة
والحنابلة .وصرّح الحنابلة بأنّ الضّمان المشترك مقيّد بكونه من غير تفريط المتسبّب فيه ،
وإلّ اقتصر الضّمان عليه .
-أمّا فيما عدا هاتين المسألتين ،فعنان شركة العمال كعنان غيرها عند الحنفيّة ،ولذا 99
ينصّون على اختلف حكم القرار في شركة العمال باختلف نوعيها من مفاوضة وعنان .ذلك
أنّه إذا أق ّر شريك العمال بدين ما من ثمن شيء مستهلك -كصابون أو أيّ منظّف آخر أو غير
منظّف -أو من أجر عمّال أو أجرة دكّان عن مدّة مضت ،وكذّبه شريكه ،فإنّه يصدّق على
ن المقرّ
شريكه إذا كانت شركة مفاوضة ،ول يصدّق إلّ ببيّنة إذا كانت شركة عنان .ذلك أ ّ
ل له ،وهو كذلك في المفاوضة ،
يلزمه إقراره ،ثمّ ل يؤخذ شريكه بهذا القرار إلّ إذا كان كفي ً
ول كفالة في العنان ،إذا أطلقت عن التّقييد بها .أمّا القرار بالدّين قبل استهلك المبيع أو قبل
انقضاء مدّة الجارة ،فماض على الشّركة بإطلق ل فرق بين عنان ومفاوضة .
كذلك لو ادّعى مدّع شيئا ممّا يعملن فيه ،كثوب ،فأقرّ به أحدهما وأنكر الخر ،ل يصدّق
المقرّ على صاحبه إلّ في المفاوضة ،خلفا لبي يوسف الّذي ترك هنا القياس إلى الستحسان
وقال :إنّ إقراره ماض على الشّركة في العنان أيضا ،إلحاقا لها بالمفاوضة في محلّ العمل ،
كما ألحقت بها في التّضامن والجرة .
والمالكيّة يقولون في شريكي العمال :إنّهما كشخص واحد .فمقتضى هذا الصل العامّ قبول
أقارير كلّ منهما ،ونفاذها عليهما بإطلق ،ل فرق بين عنان ومفاوضة ،ول بين دين وعين ،
وأمّا الحنابلة ،فإنّما يمضون عليهما إقرار أحدهما إذا كان بشيء في يده ،لنّ اليد له ،وإلّ
فل ،لنتفاء اليد .
قسمة الكسب بين شريكي العمل وتحمّلهما الخسارة :
-ذهب الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّ كسب الشّركة يكون بين الشّريكين على ما 100
شرطا في عنان شركة العمال ،دون نظر إلى اتّساق الشّرط أو عدم اتّساقه مع شرط العمل
على كل الشّريكين .وقد تقدّم تعليل ذلك ،وتوجيه مخالفته لقسمة الرّبح في شركة الوجوه .
وهذا أصل مطّرد سواء عمل الشّريكان أم أحدهما ،وسواء كان امتناع الممتنع عن العمل لعذر
ن العامل معين للخر ،والشّرط مطلق العمل .
-كسفر أو مرض -أم لغيره ،ككسل وتعال ،ل ّ
ولذا ل مانع من الستئجار عليه ،أو حتّى الستعانة المجّانيّة .فإذا لم يتعرّضا لشرط العمل
ن هذا هو الصل ،فل يعدل عنه إلّ
بنسبة معيّنة ،فهو على نسبة الرّبح الّتي تشارطاها ،ل ّ
بنصّ صريح :أمّا الخسارة الوضعيّة في شركة العمال ،فل تكون إلّ بقدر ضمان العمل -أي
ن الخسارة في شركة الموال دائما بقدر
بقدر ما شرط على كل الشّريكين من العمل -كما أ ّ
المالين ،إذ العمل هنا كالمال هناك .ولذا لو تشارطا على أن يكون على أحدهما ثلثا العمل
وعلى الخر الثّلث فحسب ،والخسارة بينهما نصفان ،فالشّرط باطل فيما يتعلّق بالخسارة ،
وهي بينهما على النّسبة الّتي تشارطاها في العمل نفسه .
وينصّ الحنابلة على أنّ حالة الطلق تحمل على التّساوي في العمل والجرة :كالجعالة ،إذ ل
مرجّح .
أمّا جماهير المالكيّة ،فيتحتّم عندهم أن يكون الرّبح بين شريكي العمال بقدر عمليهما ،ول
يتجاوز إلّ عن فرق يسير .هذا في عقد الشّركة ،أمّا بعده ،فل حرج على متبرّع إن تبرّع ،
ولو بالعمل كلّه .فإذا وقع العقد على تفاوت النّسبة بين العملين والنّسبة بين الرّبحين تفاوتا
فاحشا ،فإنّه يكون عقدا فاسدا عند المالكيّة ،ويرجع كل الشّريكين على صاحبه بما عمل عنه .
لكنّ المالكيّة يقرنون هذا التّشدّد بالتّسامح في ربح ما يعمله الشّريك ،في غير أوقات عمل
صةً ،كما فعلوا في شركة الموال .
الشّركة ،إذ يجعلونه له خا ّ
-تنبيه :ليس من شرائط شركة العمال اتّحاد نوع العمل ول مكانه عند الحنفيّة ،وهو 101
الصّحيح عند الحنابلة ،خلفا لزفر -في رواية تصحيحه شركة التّقبّل -لنّ المقصود بالشّركة
وهو تحصيل الرّبح ،يتأتّى مع اتّحاد نوع العمل ومع اختلفه كما يتأتّى مع وحدة المكان ومع
تعدّده .
-والمالكيّة وأبو الخطّاب ،من الحنابلة ،يشترطون اتّحاد نوع العمل وإن كان المالكيّة 102
ينزّلون تلزم العملين وتوقّف أحدهما على الخر ،منزلة اتّحادهما :كإعداد الخيوط ونسجها ،
وسبك الذّهب والفضّة وصياغتهما .بل منهم من يشترط تساوي الشّريكين في درجة إجادة
الصّنعة أو العمل .والسّ ّر في هذا التّشدّد كلّه ،هو الفرار من أن يأكل أحد الشّريكين ثمرة كدّ
الخر ونتاج عمله .وقد ألزمهم ابن قدامة بأنّه لو قال أحدهما :أنا أتقبّل وأنت تعمل ،صحّت
الشّركة ،مع اختلف العملين .
-أمّا اتّحاد المكان فإنّ اشتراطه هو مذهب المدوّنة .ولكنّ متأخّري المالكيّة اعتمدوا خلفه 103
،وأوّلوا ما في المدوّنة على ما إذا كان رواج العمل في المكانين ليس واحدا -حذرا من أن
ل عنه في
يأكل أحد الشّريكين كسب الخر -أو على ما إذا كان العمل في أحد المكانين مستق ً
ن الشّريكين ل يتعاونان فيما يتقبّله ك ّل منهما بمكان عمله ،أو كما يقولون :
الخر :بمعنى أ ّ
" إذا لم تجل يد أحدهما فيما هو بيد الخر " .
ونصّوا على إهدار النّظر إلى الصّنعة إذا كان المقصود هو التّجارة .
الشّركة الفاسدة :
صحّة ،كأهليّة التّوكيل والتّوكّل
-الشّركة الفاسدة :هي الّتي لم تتوافر فيها إحدى شرائط ال ّ 104
،وقابليّة المح ّل للوكالة ،وكون الرّبح بين الشّريكين بنسبة معلومة .
وقد ذكر الفقهاء أمثلةً للشّركة الفاسدة .فمن ذلك :
-أ ّولً :الشّركة في تحصيل المباحات العامّة : 105
كالشّركة في الحتطاب ،والحتشاش ،والصطياد ،واستقاء الماء ،واجتناء الثّمار الجبليّة ،
واستخراج ما في بطن الرض المباحة من نفط ،أو معدن خلقيّ كالذّهب والحديد والنّحاس أو
كنز جاهليّ ،وصنع لبن أو آجرّ من طين غير مملوك ،فهذه الشّركة فاسدة عند الحنفيّة ،لنّها
تتضمّن الوكالة ،والمحلّ هنا غير قابل للوكالة ،فإنّ الّذي تسبق يده إلى المباح يملكه ،مهما
يكن قصده ،فل يمكن توكيله في أخذه لغيره .
أمّا إذا كان الطّين -ومثله سهلة الزّجاج -مملوكا ،فاشترك اثنان على أن يشترياه ،ويطبخاه
ويبيعاه ،فهذه شركة صحيحة .
-وأمّا المالكيّة والحنابلة ،فقد صحّحوا الشّركة في تحصيل المباحات بإطلق . 106
-ثانيا :يقع كثيرا أن تكون دابّة أو عربة مشتركة بين اثنين ،فيسلّمها أحدهما إلى الخر، 107
على أن يؤجّرها ويعمل عليها ،ويكون له ثلثا الرّبح ،وللّذي ل يعمل الثّلث فحسب .وهي
شركة فاسدة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وابن عقيل والقاضي من الحنابلة ،لنّ رأس
مالها منفعة ،والمنفعة ملحقة بالعروض .
فيكون الدّخل بينهما بنسبة ملكهما ،وللّذي كان يعمل أجرة مثل عمله ،بالغةً ما بلغت .
ن العمل فيما يحمل وهو
قال ابن عابدين :ول يشبه العمل في المشترك حتّى نقول :ل أجر له ل ّ
لغيرهما .
-وهذه المسألة شبيهة بمسألة الدّابّة أو العربة تكون لواحد من النّاس ،فيدفعها إلى آخر 108
ليعمل عليها ،والجرة بينهما بنسبة معلومة يتّفقان عليها ،وقد نصّ أحمد والوزاعيّ على
صحّتها ،اعتبارا بصحّة المزارعة عندهما .وهكذا كلّ عين تنمى بالعمل فيها يصحّ دفعها
ببعض نمائها .
وهذا كلّه عند جماهير أهل العلم فاسد ،لشدّة الغرر والجهالة :فمع الحنفيّة على فساد هذا كلّه
المالكيّة والشّافعيّة ومن الحنابلة :ابن عقيل دون تردّد ،والقاضي في بعض احتمالته .
طحّان « يعني :طحن كمّيّة من الحبّ بشيء من
وقد يستأنس لهم بحديث النّهي » :عن قفيز ال ّ
طحينها ،وإذن فمثل ذلك إجارة فاسدة ،ل محمل له سوى ذلك ،فيكون الرّبح في مسألة الدّابّة
أو العربة لصاحبهما ،لنّ العوض إنّما استحقّ بالحمل الّذي وقع منهما ،وليس للعامل إلّ أجرة
مثله .
وقد كان أقرب ما يخطر بالبال لتصحيحه إلحاقه بالمضاربة ،ولكنّ المضاربة ل تكون في
العروض ثمّ هي تجارة ،والعمل هنا ليس من التّجارة في شيء .
-ثالثا :وكثيرا ما يقع أيضا في شركات البهائم ،أن يكون لرجل بقرة ،فيدفعها إلى آخر 109
ليتعهّدها بالعلف والرّعاية ،على أن يكون الكسب الحاصل بينهما بنسبة ما كنصفين .وهذه
أيضا شركة فاسدة ل تدخل في شركة الموال ،إذ ليس فيها أثمان يتّجر بها ،ول في شركة
التّقبّل ،أو الوجوه ،كما هو واضح .والكسب الحاصل إنّما هو نماء ملك أحد الشّريكين -وهو
صاحب البقر -فيكون له ،وليس للخر إ ّل قيمة علفه وأجرة مثل عمله .
ومثل ذلك دود الق ّز ،يدفعه مالكه إلى شخص آخر ،ليتعهّده علفا وخدمةً ،والكسب بينهما ،
وكذلك الدّجاجة على أن يكون بيضها نصفين -مثلً -قالوا :والحيلة أن يبيع نصف الصل أو
ثلثه مثلً بثمن معلوم ،مهما ق ّل ،فما حصل منه بعد ذلك فهو بينهما على هذه النّسبة .
-وقد عرفنا نصّ أحمد والوزاعيّ في ذلك ،وقضيّته تصحيح هذه الشّركات كلّها -شأن 110
كلّ عين تنمي بالعمل فيها -كما عرفنا أنّ جماهير أهل العلم ل يوافقونهما ،حتّى قال بعض
الشّافعيّة :على القادر أن يمنع من ذلك ،لما فيه من بالغ الضّرر .
ي ذلك أنّهم يصحّحون الشّركة بين
ن المالكيّة ذكروا هنا فرعا يشبه التّجاه الحنبل ّ
-بيد أ ّ 111
اثنين ،يأتي أحدهما بطائر ذكر ،ويأتي الخر بطائر أنثى -كلهما من نوع الطّيور الّتي يشرك
ذكورها وإناثها في الحضانة ،كالحمام -ويزوّجان هذه لهذا ،على أن تكون فراخهما بينهما
على سواء ،وعلى كلّ منهما نفقة طائره -إ ّل أن يتبرّع بها الخر -وضمانه إذا هلك .
والعلّة -كما يشعر سياقهم -أنّ هذه أعيان تنمى من غير طريق التّجارة ،فتنزّل منزلة ما
ينمى بالتّجارة .
أحكام الشّركة الفاسدة :
-أ ّولً :أنّها ل تفيد الشّريك ما تفيده الشّركة الصّحيحة من تصرّفات هكذا قرّره الحنفيّة . 112
ولمّا كانت الشّركة عند الشّافعيّة ليست عقدا مستقلً ،بل وكالة كسائر الوكالت ،فإنّهم يقولون
:تنفذ تصرّفات الشّريكين في الشّركة الفاسدة ،لبقاء الذن ،ومثله للحنابلة .
-ثانيا :ذهب الحنفيّة إلى أنّه في الشّركة الّتي لها مال يكون دخلها للعامل وحده .ففي 113
الشّركة لتحصيل شيء من المباحات العامّة ،إذا أخذه أحدهما ،ولم يعمل الخر شيئا لعانته ،
فهو للّذي أخذه ،لنّه الّذي باشر سبب الملك ،ول شيء لشريكه .وإذا أخذاه معا ،فهو بينهما
نصفين ،لنّهما اشتركا في مباشرة سبب الملك ،فإذا باعاه -وقد علمت نسبة ما حصل لكلّ
ي ككيل الماء
ي كالحطب والحشيش ،ومعيار المثل في المثل ّ
منهما ،باعتبار القيمة في القيم ّ
ووزن المعدن -فالثّمن بينهما على هذه النّسبة ،وإن جهلت النّسبة ،فدعوى كلّ واحد منهما
مصدّقة في حدود النّصف ،لنّها إذن ل تخالف الظّاهر ،إذ هما حصّله معا ،وكان بأيديهما ،
فالظّاهر أنّهما فيه سواء .
أمّا دعوى أحدهما فيما زاد على النّصف ،فل تقبل إلّ ببيّنة ،لنّها خلف الظّاهر .
ل كان أم غيره -كأن
وإذا أخذ الشّيء المباح أحدهما ،وأعانه الخر بما ل يعتبر أخذا -عم ً
قلعه ،وجمعه الخر ،أو قلعه وجمعه وربطه هو ،وحمله الخر ،أو استقى الماء ،وقدّم
الخر المزادة أو الفنطاس أو البغل أو العربة لحمله ،فهو كلّه للّذي أخذه ،وليس عليه للّذي
أعان ،بنحو ما ذكرنا ،إلّ أجرة مثله أو مثل آلته بالغةً ما بلغت ،لنّه استوفى منافعه بعقد
فاسد .
-والمالكيّة والشّافعيّة يوافقون في حالة انفراد أحد الشّريكين بالعمل .أمّا في حالة وقوع 114
مثله عند الحنفيّة ،لنّ الدّخل نماء الملك ،كما قالوه في المزارعة الفاسدة ،إذ يتبع الزّرع
البذر.
فلو عهد شخص يملك بيوتا أو عربات أو دوابّ إلى آخر ليقوم على تأجيرها ،وتكون الجرة
بينهما ،فليس لهذا الخر إلّ أجرة مثله ،والدّخل كلّه للمالك .كما أنّه لو احتاج شخص يريد
أن يبيع بضاعته في السّوق إلى عربة أو دابّة تنقلها ،فلم يقبل صاحب العربة أو الدّابّة أن
يعطيه إيّاها إ ّل بشرط أن يكون له نصف الرّبح فإنّ هذا الشّرط يكون لغوا ،والشّركة فاسدة ،
والرّبح كلّه لصاحب البضاعة ،لنّه نماء ملكه ،وليس لصاحب الدّابّة أو العربة إلّ أجرة
مثلها ،لستيفاء منافعها بعقد فاسد .
-وعند غير الحنفيّة كذلك وهو أنّ الرّبح تبع للمال . 117
ولذا يقول الشّافعيّة :لو أنّ ثلث ًة اشتركوا ،أحدهم بماله ،والثّاني بشراء سلعة بهذا المال ،
والثّالث ببيع هذه السّلعة ،على أن يكون الرّبح بينهم يكون الرّبح لصاحب المال ،وليس عليه
لكلّ من شريكيه سوى أجرة مثل عمله .
-رابعا :اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان المال من الشّريكين فالدّخل بينهما بقدر المالين كما 118
لمتنع على الشّريك الخر ،بعد علمه به ،وعلى المنكر نفسه التّصرّف في حصّة شريكه من
مال الشّركة .فإذا تصرّف فيها كان عليه ضمانها ،كالغاصب وله ربحها وعليه خسارتها ،لنّه
تصرّف بغير إذن صاحبها ،وإن كان ل يطيب له الرّبح عند أبي حنيفة ومحمّد ،فيتصدّق به .
وقد نصّ الشّافعيّة خلفا للحنابلة على البطلن بالنكار في الوكالة ،إذا كان النكار متعمّدا ول
يرمي به إلى غرض آخر -كصيانة مال الوكالة من أن تناله يد ظالم غاشم -والشّركة عندهم
ليست إ ّل وكالةً .
-ثالثا :جنون أحدهما جنونا مطبقا .وهو ل يصير مطبقا إ ّل بعد أن يستم ّر شهرا أو سنةً 123
كاملةً ،على خلف عند الحنفيّة .فل تنتهي الشّركة إلّ إذا مضت هذه المدّة بعد ابتدائه .
وإنّما تبطل الشّركة ،لنّها تعتمد الوكالة ول تنفكّ عنها ،والوكالة تبطل بالجنون المطبق ،
لسلبه الهليّة .
ص على هذا
ويعود هنا في تصرّف الشّريك الخر في حصّة المجنون ما سلف في النكار ون ّ
المبطل أيضا الشّافعيّة والحنابلة دون تقييد بمدّة .
-رابعا :موت أحدهما ،لنّ الموت مبطل للوكالة ،والوكالة الضّمنيّة جزء من ماهيّة 124
ك عنها ابتدا ًء ول بقا ًء ،ضرورة الحاجة إلى ثبوت واستمرار ولية التّصرّف لكل
الشّركة ل تنف ّ
الشّريكين عن الخر ،منذ قيام الشّركة إلى انتهائها .إلّ أنّ بطلن الشّركة في الموال
بالموت ،ل يتوقّف على علم الشّريك به ،لنّه عزل حكميّ غير مقصود ل يمكن تقديمه
وتأخيره ،إذ بمجرّد الموت ينتقل شرعا ملك مال الميّت إلى ورثته ،فل يمكن إيقاف ما نفّذه
الشّرع .
وإنّما تبطل الشّركة بالموت بالنّسبة للميّت .فإذا لم يكن له سوى شريك واحد لم يبق شيء من
الشّركة بالضّرورة ،أمّا إذا كان له أكثر من شريك ،فإنّ شركة الباقين على قيد الحياة باقية .
ونصّ على هذا المبطل أيضا الشّافعيّة والحنابلة .
-ويقرّر الشّافعيّة والحنابلة أنّ للوارث الرّشيد الخيار بين القسمة واستئناف الشّركة ،وأنّ 125
على وليّ الوارث غير الرّشيد ،أو وليّ الشّريك الّذي انتهت الشّركة بجنونه ،أن يختار من
هذين المرين أصلحهما لمحجوره .نعم إن كان على التّركة دين ،أو فيها وصيّة لغير معيّن ،
توقّف جواز استئناف الشّركة على قضائهما ،ولو من خارج التّركة ،لنّهما يتعلّقان بالتّركة
ح الشّركة فيه .
تعلّق الرّهن ،والمرهون ل تص ّ
والموصى له المعيّن بمثابة الوارث في ذلك كلّه ،ويعتبر كأحد الورثة عند التّعدّد .
وفي استئناف الشّركة يكتفي الشّافعيّة بصيغة التّقرير ،وإن كان في بعض عباراتهم ما يفيد
قصر هذا الكتفاء على ما إذا كان مال الشّركة عروضا .
-خامسا :ذهب الحنفيّة إلى أنّ القضاء بلحاق أحدهما بدار الحرب مرتدّا تنتهي به الشّركة 126
ي.
لنّه بهذا يصير من أهل دار الحرب ،والقضاء به عندهم موت حكم ّ
بل يرى أبو حنيفة أنّه بالقضاء المذكور يتبيّن أنّ هذا الموت الحكميّ كان من حين الرّدّة فإذا
بطلت الشّركة بهذا السّبب ،ثمّ عاد الشّريك مسلما ،فل جدوى بالنّسبة للشّركة ،فقد بطلت
وقضي المر .
أمّا الرّدّة بدون هذا القضاء -سواء اقترنت باللّحاق بدار الحرب أم ل -فإنّما يترتّب عليها
إيقاف الشّركة ،حتّى إذا رجع المرت ّد إلى السلم عادت سيرتها الولى ،وإن مات أو قتل ،
تبيّن بطلنها من حين الرّدّة .
-سادسا :مخالفة شروط العقد :كما لو تجاوز الشّريك حدود المكان الّذي قيّدت به إ ّل أنّ 127
البطلن يكون بمقدار المخالفة كلّيّا أو جزئيّا ،فمثال المخالفة الكلّيّة ما لو نهى أحد الشّريكين
الخر عن الخروج بالبضاعة ،فخرج بها .
ومثال المخالفة الجزئيّة :أن يبيع نسيئةً ول يجيزه شريكه ،فيبطل البيع في حصّة الشّريك ،
وينفذ في حصّة البائع ،وفي هذه الحصّة تبطل الشّركة حينئذ .
-أمّا المالكيّة فل يرتّبون على مخالفة شروط العقد ،بل وطبيعته ،إلّ إعطاء الشّريك 128
الخر حقّ ر ّد التّصرّف الّذي وقعت به المخالفة ،وتضمين المخالف ،إن ضاع المال بسبب
مخالفته .فقد نصّوا على ذلك فيما إذا استبدّ بالتّصرّف شريك العنان ،لنّها تقتضي عدم استبداد
شريك بالتّصرّف للشّركة ،دون مراجعة شريكه وكذا عند الحنفيّة وهو المفهوم من تصرّف
الشّافعيّة بإزاء بيع الشّريك نسيئةً دون إذن شريكه ،باعتباره عندهم ل يستمدّ حقّ البيع نسيئةً
من طبيعة عقد الشّركة .
-سابعا :ذكر الشّافعيّة والحنابلة من المبطلت :طروّ الحجر على أحد الشّريكين بسفه . 129
وزاد الشّافعيّة الحجر للفلس إلّ أنّه مبطل جزئيّ بالنّسبة للفلس ،بمعنى أنّه ل ينفذ من المفلّس
بعد الحجر عليه أي تصرّف سلبه الحجر إيّاه .
ومن قواعد الشّافعيّة أنّ البيع والشّراء في ال ّذمّة ينفذان من المفلّس .
ي إلّ في الوصيّة والتّدبير .فعلى هذا إذا باع المفلّس أو
أمّا السّفيه ،فل يصحّ له تصرّف مال ّ
شريكه شيئا من مال الشّركة نفذ في نصيب غير المفلّس وإذا اشترى المفلّس للشّركة في ذمّته
نفذ عليها عندهم .
السباب الخاصّة :
-أ ّولً :هلك المال في شركة الموال عند الحنفيّة :وصورته أن يهلك المالن ،أعني مال 130
كلّ من الشّريكين -سواء كان ذلك قبل الشّراء بمال الشّركة أم بعده -أو يهلك مال أحدهما قبل
الشّراء بشيء من مال الشّركة .والشّقّ الثّاني من التّرديد ل يتصوّر إلّ إذا كان مال هذا الحد
متميّزا من مال الخر ،لختلف الجنس ،أو لعدم الختلط .
أمّا إذا كان المالن من جنس واحد وقد خلطا ،فإنّ ما يهلك منهما يهلك على الشّريكين كليهما
ن الّذي هلك هو مال هذا دون ذاك -وما بقي فعلى الشّركة .
-إذ ل يمكن القطع بأ ّ
والسّرّ في بطلن الشّركة بهلك المال ،أنّه عندما يهلك مال الشّركة كلّه يكون قد هلك محلّ
العقد المتعيّن له ،والعقد يبطل بفوات محلّه ،كالبيع إذا هلك المبيع .وإنّما تعيّن الهالك هنا
ن الثمان -وإن كانت ل تتعيّن في المعاوضات لئلّ تخرج عن طبيعة الثّمنيّة ،
محلً للعقد ل ّ
وتصير سلعةً مقصود ًة بذاتها -فإنّها تتعيّن في غيرها ،كالهبة والوصيّة -من كلّ عقد ل
يكون بإزائها فيه عوض .وهذه هي طبيعة الشّركة .
فإذا بطلت الشّركة بهلك أحد المالين قبل الشّراء ،فالمال الخر خالص لصاحبه ،وما يشتريه
ص ًة ل سبيل لمن هلك ماله عليه ،ل من طريق الشّركة ،لما علم من
به بعد يكون له خا ّ
ن بطلن الشّركة يستتبع بطلنها ،
بطلنها ،ول من طريق الوكالة الّتي كانت في ضمنها ،ل ّ
وإن لم تكن بلفظ الوكالة فحينئذ يكون ما يشتريه صاحب المال الباقي مشتركا بحكم الوكالة ،
لنّ الوكالة الصّريحة ل تبطل ببطلن الشّركة .ويرجع على شريكه بحصّة من الثّمن .لكنّها
إذن شركة ملك ،إذ ل عقد شركة بينهما .
-وذهب الحنابلة إلى أنّ هلك أحد المالين على الشّركة بإطلق ،والباقي بل هلك للشّركة 131
المال ،أم في أهليّة التّصرّف ،وإذا بطلت المفاوضة بهذا أو ذاك ،انقلبت عنانا ،لعدم اشتراط
المساواة في العنان ،كما هو معلوم ،وهذا عند الحنفيّة .
ثالثا :انتهاء المدّة في الشّركة المؤقّتة وقد تقدّم أنّ التّأقيت صحيح عند سائر الفقهاء عدا
الطّحاويّ من الحنفيّة .
شروع *
التّعريف :
-الشّروع مصدر شرع .يقال :شرعت في المر أشرع شروعا ،أخذت فيه ،وشرعت في 1
الماء شروعا شربت بكفّيك أو دخلت فيه ،وشرعت المال -أي البل -أشرعه :أوردته
الشّريعة ،وشرع الباب إلى الطّابق شروعا :اتّصل به ،وطريق شارع يسلكه النّاس عا ّمةً ،
وأشرعت الجناح إلى الطّريق :وضعته .
ومنه :شرع اللّه الدّين ،أي سنّه وبيّنه ،ومنه الشّريعة وهي ما شرعه اللّه لعباده من العقائد
والحكام .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ .
الحكام المتعلّقة بالشّروع :
الشّروع في العبادات :
ن الشّروع في العبادات يتحقّق بالفعل مقرونا بالنّيّة حقيقةً أو حكما
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 2
بحسب كلّ عبادة ،فعلى سبيل المثال يكون الشّروع في الصّلة بتكبيرة الحرام مقرونةً بالنّيّة ،
والصّوم يكون الشّروع فيه بالنّيّة والمساك .
( انظر مصطلح :عبادة ،نيّة ،صلة ،صوم ،حجّ ،جهاد ،ذكر ) .
الشّروع في المعاملت :
-يتحقّق الشّروع في المعاملت :بالقول ،أو ما يقوم مقامه وينوب عنه من :المعاطاة عند 3
باتّفاق ،ول يجوز له قطعه أو النصراف عنه إلّ بعد إتمامه .
ويستثنى من ذلك حالة الضّرورة الّتي تمنع من إتمامه ،كأن ينتقض وضوء المصلّي ،أو يغمى
عليه ،أو تحيض المرأة أثناء الصّلة ،أو غير ذلك ممّا يعوق المكلّف عن التمام .
انظر مصطلح ( استئناف ،حيض ،صلة ) .
ومثل الصّلة ك ّل مفروض من :صيام أو زكاة ،أو حجّ ،إذا شرع فيه وجب إتمامه ،ويأثم
بتركه ،وقد يجلب عليه العقاب في الدّنيا ،كالكفّارة لمن أفطر متعمّدا في رمضان بدون عذر ،
ولزوم الهدي لمن أفسد حجّه أو عمرته ،وإعادتهما في العام القابل أمر لزم متعلّق بذمّته .
قال الزّركشيّ :أمّا الشّارع في فرض الكفاية ،إذا أراد قطعه فإن كان يلزم من قطعه بطلن ما
مضى من الفعل حرم كصلة الجنازة ،وإلّ فإن لم تفت بقطعه المصلحة المقصودة للشّارع ،بل
حصلت بتمامها ،كما إذا شرع في إنقاذ غريق ثمّ حضر آخر لنقاذه جاز قطعا .
نعم ذكروا في اللّقيط أنّ من التقط ليس له نقله إلى غيره ،وإن حصل المقصود ،لكن ل على
ح أنّ له القطع أيضا ،كالمصلّي في جماعة ينفرد ،وإن قلنا الجماعة فرض
التّمام ،والص ّ
ن بعضه ل يرتبط
ن قطعه له ل يجب به بطلن ما عرفه أ ّولً ،ل ّ
كفاية ،والشّارع في العلم فإ ّ
ببعض ،وفرض الكفاية قائم بغيره ،فالصّور ثلثة :
قطع يبطل الماضي فيبطل قطعا ،وقطع ل يبطله ول يفوّت الشّاهد فيجوز قطعا ،وقطع ل يبطل
أصل المقصود ،ولكن يبطل أمرا مقصودا على الجملة ،ففيه خلف .
قال الفتوحيّ من الحنابلة :يتعيّن فرض الكفاية بالشّروع فيه ،ويجب إتمامه على الظهر
ويؤخذ لزومه بالشّروع من مسألة حفظ القرآن ،فإنّه يحرم ترك الحفظ بعد الشّروع فيه على
الصّحيح من المذهب ،وفي وجه يكره .
-5أمّا ما ندب إليه الشّارع من السّنن فإن كان حجّا أو عمرةً وشرع فيهما وجب عليه التمام
حجّ وَالْ ُعمْرَ َة لِّلهِ } .وإن كان غيرهما فإتمامه بعد الشّروع
باتّفاق ،لقوله تعالى َ { :وأَ ِتمّواْ ا ْل َ
فيه محلّ خلف :
عمَا َل ُكمْ } فما
فذهب الحنفيّة إلى أنّ من شرع في نفل لزمه إتمامه لقوله تعالى { :وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
ن العمل صار حقّا للّه ،ول سبيل إلى حفظه إلّ
أدّاه وجب صيانته وحفظه عن البطال ،ل ّ
بالتزام الباقي ،فوجب التمام ضرور ًة .
فإن خرج منه بدون عذر ،لزمه القضاء ،وعليه الثم ،والعقاب على تركه ،وإن خرج منه
لعذر لزمه القضاء .فأصبحت النّافلة عندهم واجبا بعد الشّروع .
وذهب المالكيّة إلى أنّ من خرج من النّفل بعذر ،فل قضاء عليه ،ومن خرج من غير عذر ،
فعليه القضاء .
ي فيه ،ول يجب عليه القضاء إذا لم
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا شرع في النّفل لم يلزمه المض ّ
ن النّفل لمّا شرع غير لزم قبل الشّروع ،وجب أن يبقى كذلك بعد الشّروع ،لنّ
يتمّه ،ل ّ
حقيقة الشّرع ل تتغيّر بالشّروع ولو أتمّه صار مؤدّيا للنّفل ،ل مسقطا للوجوب .أمّا لو شرع
في صوم نفل فنذر إتمامه ،لزمه على الصّحيح .
ب له البقاء فيه ،وإن خرج منه ل إثم عليه ،
ن من شرع في النّفل يستح ّ
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
ول يجب عليه القضاء .
-أمّا قراءة القرآن الكريم :إذا شرع المكلّف فيها ،فيكره قطعها لمكالمة النّاس ،فل ينبغي 6
إتماما للبيع .فإن رجع الموجب في إيجابه ،قبل صدور القبول ،يكون رجوعا عن الشّروع في
البيع فإن صدر القبول قبل عود الموجب تمّ البيع .
انظر مصطلح ( إيجاب ،وبيع ) .
ثانيا :الهبة :
-يكون الشّروع في الهبة بلفظ :وهبت ،وأعطيت ،ونحلت ،ول تتمّ إلّ بالقبض عند 9
في الوقف ،ولزمه لعدم احتمال غيرهما عند جمهور الفقهاء .
وذهب أبو حنيفة :إلى أنّ الوقف ل يلزم بمجرّده ،وللواقف الرّجوع فيه ،إ ّل أن يوصي به بعد
موته فيلزم ،أو يحكم بلزومه حاكم .
وخالفه صاحباه ،فقال بلزومه ،وأنّه ينقل الملك ،ول يقف لزومه على القبض .
وقال أبو حنيفة ،وهو رواية عن أحمد :إنّه ل يلزم إلّ بالقبض ،وإخراج الوقف له عن يده .
انظر مصطلح ( وقف ) .
رابعا :الوصيّة :
-الشّروع في الوصيّة يقع بالقول أو الكتابة ،كأن يوصي لشخص معيّن أو غير معيّن وتتمّ 11
أعرتك كذا شروعا في العارة ،ويكون القبول فيها إتماما لعقد العاريّة ،فبه يتمّ العقد ،ولكلّ
من المعير والمستعير الرّجوع قبل صدور القبول ،وقبل القبض أيضا برفض أخذها ،وله
الرّجوع بعد ذلك لنّها عقد جائز من الطّرفين عند الجمهور .
( ر :إعارة ) .
الشّروع بدون إذن فيما يحتاج إلى إذن :
-الشّروع في العبادات المفروضة ل يحتاج إلى إذن ،إذ إنّ فرضيّتها على المكلّفين ل 13
شرُوق *
ُ
انظر :طلوع
شطرنج *
انظر :لعب
شَعَائر *
التّعريف :
-الشّعائر :جمع شعيرة :وهي العلمة :مأخوذ من الشعار الّذي هو العلم ،ومنه شعار 1
الحرب وهو ما يسم العساكر علم ًة ينصبونها ليعرف الرّجل رفقته .
وإذا أضيفت شعائر إلى اللّه تعالى فهي :أعلم دينه الّتي شرعها اللّه فكلّ شيء كان علما من
أعلم طاعته فهو من شعائر اللّه .
والصطلح الشّرعيّ في شعائر اللّه ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
فكلّ ما كان من أعلم دين اللّه وطاعته تعالى فهو من شعائر اللّه ،فالصّلة ،والصّوم والزّكاة
ج ومناسكه ومواقيته ،وإقامة الجماعة والجمعة في مجاميع المسلمين في البلدان والقرى
والح ّ
من شعائر اللّه ،ومن أعلم طاعته .والذان وإقامة المساجد والدّفاع عن بيضة المسلمين
شعَآئِ ِر الّلهِ } .
صفَا وَا ْلمَ ْروَةَ مِن َ
ن ال ّ
بالجهاد في سبيل اللّه من شعائر اللّه .قال تعالى { :إِ ّ
والية بعد المر بالصّلة ،والزّكاة في أكثر من آية من السّورة وبعد ذكر الصّبر والقتل في
سبيل اللّه -وهو الجهاد لقامة دين اللّه -تفيد أنّ السّعي بين الصّفا والمروة من جملة شعائر
اللّه ،أي أعلم دينه .
شعَائِرِ الّلهِ } .
جعَلْنَاهَا َلكُم مّن َ
وكذلك قوله تعالى { :وَالْبُدْنَ َ
شعَائِ َر الّلهِ فَإِ ّنهَا مِن َت ْقوَى ا ْلقُلُوبِ } ،أي معالم دين
وكذلك المراد في قوله تعالى َ { :ومَن ُي َعظّمْ َ
اللّه ،وطاعته .وتعظيمها :أداؤها على الوجه المطلوب شرعا .
وقيل :المراد منها العبادات المتعلّقة بأعمال النّسك ،ومواضعها ،وزمنها .
صةً .وتعظيمها :استسمانها .قاله ابن عبّاس .والشعار عليها :
وقيل :المراد منها الهدي خا ّ
جعل علمة على سنامها ،بأن يعلّم بالمدية ليعرف أنّها هدي فيكون ذلك علما على إحرام
صاحبها وعلى أنّه قد جعلها هديا لبيت اللّه الحرام فل يتعرّض لها .
شهْ َر ا ْلحَرَامَ } .
شعَآئِرَ الّل ِه َولَ ال ّ
ن آمَنُواْ َل ُتحِلّواْ َ
قال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
الحكم التّكليفيّ :
-يجب على المسلمين إقامة شعائر السلم الظّاهرة ،وإظهارها ،فرضا كانت الشّعيرة أم 2
شِعَار *
التّعريف :
-الشّعار من الثّياب هو ما ولي جسد النسان دون ما سواه من الثّياب .سمّي بذلك لمماسّته 1
الشّعر .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :النصار شعار والنّاس دثار « .يصفهم
وفي الحديث أنّ النّب ّ
بالمودّة والقرب .
والشّعار أيضا ما يشعر النسان به نفسه في الحرب ،وشعار العساكر ،أن يسموا لها علمةً
ينصبونها ليعرف الرّجل بها رفقته ،والشّعار أيضا علمة القوم في الحرب وهو ما ينادون به
ن شعار رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمت أمت «
ليعرف بعضهم بعضا ،وفي الحديث » :أ ّ
ي :ول أرى مشاعر الحجّ إ ّل من
.وأشعر القوم :نادوا بشعارهم .والشّعار العلمة قال الصمع ّ
هذا لنّها علمات له .
والشّعار عنـد الفقهاء العلمـة الظّاهرة المميّزة .والشّعار مـن الثّياب هـو مـا يلي شعـر الجسـد
ويكون تحت الدّثار .فالدّثار ل يلقي الجسد والشّعار بخلفه .
الحكم الجماليّ :
أ -التّشبّه بشعار الكفّار :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ نّ التّشبّه بغير المسلمين في اللّباس الّذي يميّزهم عن المسلمين 2
كالزّنّار ونحوه ،والّذي هو شعار لهم يتميّزون عن المسلمين ،يحكم بكفر فاعله ظاهرا إن فعله
في بلد ال سلم ،وكان فعله على سبيل الم يل إلى الكفّار ،أي :في أحكام الدّن يا ،إلّ إذا كان
الفعل لضرورة الحرّ أو البرد أو الخديعة في الحرب أو الكراه من العدوّ .
فلوعلم بعد ذلك أنّه لبسه ل لعتقاد حقيقة الكفر لم يحكم بكفره فيما بينه وبين اللّه تعالى ،
وذلك لما روى ابن عمر ،قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من تشبّه بقوم فهو
ن اللّباس الخاصّ بالكفّار علمة الكفر ،والستدلل بالعلمة والحكم بما دلّت عليه
منهم « .ول ّ
مقرّر في الشّرع والعقل .
ولمزيد من التّفصيل ( ر :تشبّه ،ف 4وألبسة ) .
ب -لباس ما يكون شعارا للشّهرة :
-وهو اللّباس المخالف للعادة عند أهل البلدة بحيث يشتهر لبسه عند النّاس ويشيرون إليه . 3
وهذا مكروه شرعا ،لحديث ابن عمر قال ،قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من لبس
ثوب شهرة في الدّنيا ،ألبسه اللّه ثوب مذلّة يوم القيامة ،ثمّ ألهب فيه نارا « .
ولكونه سببا إلى حمل النّاس على الغيبة .
). 136/ 6 ، 16 وللتّفصيل ( ر :ألبسة .ف
ج -استعمال آلة من شعار شربة الخمر :
-اختلف أهل العلم في المعازف ،والمعتمد عند أكثرهم أنّه يحرم استعمال آلة من شعار 4
الشّربة كطنبور وعود ،وجدك وصنج ومزمار عراقيّ وسائر أنواع الوتار والمزامير ،لنّ
اللّذّة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر ل سيّما من قرب عهده بها ،ولنّها شعار
الفسقة والتّشبّه بهم حرام ،وخرج من سمعها بغير قصد .
( و ر :سماع ،ملهي ) .
الشّعر زوائد خيطيّة تظهر على جلد النسان وغيره من الثّدييّات ويقابله الرّيش في الطّيور
والخراشيف في الزّواحف ،والقشور في السماك ،وجمعه أشعار وشعور .
ي إذا كان كثير شعر الرّأس والجسد .
ويقال :رجل أشعر وشعر وشعران ّ
ص منه ،والصّوف للضّأن ،كالشّعر للمعز ،والوبر
والصّوف ما يكون للضّأن وما أشبهه أخ ّ
للبل .
والوبر ما ينبت على جلود البل والرانب ونحوها ،والجمع أوبار ،ويقال جمل وبر وأوبر إذا
كان كثير الوبر ،والنّاقة وبرة ووبراء .
ص الجناح من بين سائره .
والرّيش ما يكون على أجسام الطّيور وأجنحتها .وقد يخ ّ
والفرو :جلود بعض الحيوان كالدّببة والثّعالب تدبغ ويتّخذ منها ملبس للدّفء وللزّينة وجمعه
فراء .
حكم شعر النسان :
ل أم منفصلً ،واستدلّوا لطهارته
-شعر النسان طاهر حيّا أو ميّتا ،سواء أكان الشّعر متّص ً 2
ي صلى ال عليه وسلم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين النّاس « .
بأنّ »:النّب ّ
ن الدميّ مكرّم لقوله
واتّفق الفقهاء على عدم جواز النتفاع بشعر الدميّ بيعا واستعمالً ،ل ّ
سبحانه وتعالى { :وَ َلقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آ َدمَ } .
فل يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلً .
شعر الحيوان الميّت :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى طهارة شعر الميتة إذا كانت طاهرةً حال الحياة . 3
وانفرد المالكيّة بالقول بطهارة شعر الخنزير لنّه طاهر حال الحياة ،وهذا إذا ج ّز جزّا ولم
ن أصوله نجسة ،وأعله طاهر .
ينتف .فإن نتف فإ ّ
صوَا ِفهَا َوَأوْبَارِهَا َوَأشْعَا ِرهَا أَثَاثا َومَتَاعا إِلَى حِينٍ } .
ن أَ ْ
واستدلّوا بقوله سبحانه وتعالى َ { :ومِ ْ
والية سيقت للمتنان ،فالظّاهر شمولها الموت والحياة .
وبحديث ميمونة -رضي ال عنها » : -أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قال في شاة ميمونة
حين مرّ بها :إنّما حرم أكلها « .وفي لفظ » :إنّما حرم عليكم لحمها ورخّص لكم في مسكها
« أي جلدها .
واستدلّوا من المعقول بأنّ المعهود في الميتة حال الحياة الطّهارة ،وإنّما يؤثّر الموت النّجاسة
فيما تحلّه الحياة ،والشّعور ل تحلّها الحياة .فل يحلّها الموت ،وإذا لم يحلّها وجب الحكم ببقاء
ي المعهود لعدم المزيل .
الوصف الشّرع ّ
ن ما ل تحلّه الحياة -لنّه ل يحسّ ول يتألّم -ل تلحقه
فالصل في طهارة شعر الميتة أ ّ
النّجاسة بالموت .
وذهب الشّافعيّة إلى نجاسة شعر الميتة إلّ ما يطهر جلده بالدّباغ ودبغ ،وكذلك الشّعر المنفصل
من الحيوان غير المأكول وهو حيّ .
ت عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } .وهو عامّ في الشّعر وغيره .والميتة
واستدلّوا لذلك بقوله تعالى { :حُ ّرمَ ْ
اسم لما فارقته الرّوح بجميع أجزائه بدون تذكية شرعيّة ،وهذه الية خاصّة في تحريم الميتة
وعامّة في الشّعر وغيره ،وهي راجحة في دللتها على الية الولى وهو قوله تعالى َ { :ومِنْ
ن قوله تعالى { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ}
صوَا ِفهَا َوَأوْبَارِهَا َوَأشْعَا ِرهَا أَثَاثًا َومَتَاعًا إِلَى حِينٍ } .ل ّ
أَ ْ
ورد لبيان المحرّمات والية الولى وردت للمتنان .
واستدلّوا من المعقول بأنّ كلّ حيوان ينجس بالموت ينجس شعره وصوفه .
شعر الميت :
أوّلً :شعر رأس الرّجل الميت :
ن حلق الشّعر
-ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز حلق شعر رأس الميت ول تسريحه ،ل ّ 4
ويسدل خلفها عند الجمهور ،وعند الحنفيّة يجعل على صدرها ويجعل ضفيرتين فوق القميص
تحت اللّفافة ،لنّه في حال حياتها يجعل وراء ظهرها للزّينة ،وبعد الموت ربّما انتشر الكفن ،
فيجعل على صدرها .
ن جعلن رأس
ودليل استحباب ضفر شعر المرأة ما روت أمّ عطيّة -رضي ال عنها » -أنّه ّ
بنت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثلثة قرون ،نقضنه ثمّ غسلنه ثمّ جعلنه ثلثة قرون « ،
وورد في رواية أخرى » :أنّهنّ ألقينها خلفها « .
والصل أن ل يفعل في الميّت شيء من جنس القرب إلّ بإذن من الشّرع محقّق ،فالظّاهر إطلع
النّبيّ صلى ال عليه وسلم على ما فعلت وتقريره له .
وجاء في رواية » :اغسلنها ثلثا أو خمسا أو أكثر من ذلك « .
ثالثا :شعر سائر البدن من الميّت كاللّحية والشّارب وشعر البط والعانة :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة في المختار إلى كراهة حلق غير ما يحرم حلقه حال الحياة . 6
الشّعر المعتاد من المقدّم إلى نقرة القفا مع مسح شعر صدغيه فما فوق العظم النّاشئ من
ن الواجب أن يمسح ما يقع عليه اسم المسح ولو قلّ فل يتقدّر
الوجه .وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
وجوبه بشيء بل يكفي فيه ما يمكن .
ن المفروض في المسح هو مسح مقدار النّاصية وهو ربع الرّأس لما روى
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم توضّأ ومسح على ناصيته وخفّيه « .
المغيرة بن شعبة » :أنّ النّب ّ
وتفصيل ذلك وبيان الدلّة ينظر في مصطلح ( وضوء ) .
نقض الوضوء بلمس الشّعر :
ن الوضوء ل ينقض بلمس الشّعر ،لنّه ل يقصد
-ذهب الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة إلى أ ّ 8
ذلك للشّهوة غالبا ،وإنّما تحصل اللّذّة وتثور الشّهوة عند التقاء البشرتين للحساس .
ويستحبّ أن يتوضّأ من لمس الشّعر والسّنّ والظّفر وفي قول عند الشّافعيّة مقابل الصحّ :
ينتقض وضوء الرّجل بلمس شعر المرأة لنّ الشّعر له حكم البدن في الحلّ بالنّكاح ووجوب
غسله بالجنابة .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الوضوء ينتقض بلمس الشّعر لمن يلت ّذ به إن قصد اللّذّة من ذكر أو أنثى
.ول ينتقض الوضوء إذا كان اللّمس بحائل خفيف أو كثيف .
وذهب الحنفيّة إلى عدم نقص الوضوء بلمس الشّعر بنا ًء على أصلهم في عدم النّقض بالمسّ
مطلقا ما لم ينزل .
غسل شعر الرّأس من الجناية :
-اتّفق الفقهاء على وجوب تعميم شعر الرّأس بالماء ظاهره وباطنه للذّكر والنثى مسترسلً 9
الغنم ،لحديث ابن عبّاس -رضي ال عنهما » : -نهي أن تباع ثمرة حتّى تطعم ول صوف
على ظهر ول لبن في ضرع « .
ولنّ الصّوف متّصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه ،ولنّ الصّوف على الظّهر قبل
الجزّ ليس بمال متقوّم في نفسه لنّه بمنزلة وصف الحيوان لقيامه به كسائر أوصافه .وهو
غير مقصود من الشّاة فل يفرد بالبيع ،ولنّه ينبت من أسفل ساعةً فساعةً فيختلط المبيع بغيره
بحيث يتعذّر التّمييز .
وذهب المالكيّة إلى جواز بيع الصّوف على ظهر الغنم بالجزز تحرّيا ،وبالوزن مع رؤية الغنم
على أن ل يتأخّر الج ّز أكثر من نصف شهر .
السّلم في الصّوف :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز بيع الصّوف سلما بالوزن ل بالجزز وذلك 13
لختلف الجزز بالصّغر والكبر -عند المالكيّة -ويجب بيان نوع الصّوف وأصله من ذكر أو
ن صوف الناث أنعم ،ويذكر لونه ووقته هل هو خريفيّ أو ربيعيّ ،وطوله وقصره
أنثى ل ّ
ووزنه ول يقبل إلّ من ّقىً من الشّعر ونحوه ،كالشّوك ويجوز اشتراط غسله .
وصل الشّعر :
ي .سواء في ذلك المزوّجة وغيرها
-يحرم وصل شعر المرأة بشعر نجس أو بشعر آدم ّ 14
والعقص هو شدّ ضفيرة الشّعر حول الرّأس كما تفعله النّساء أو يجمع الشّعر فيعقد في مؤخّرة
الرّأس .
وهو مكروه كراهة تنزيه .فلو صلّى كذلك فصلته صحيحة ،حكى ابن المنذر وجوب العادة
فيه عن الحسن البصريّ .
ودليل الكراهة ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس رضي ال عنه أنّه رأى عبد اللّه بن الحارث
يصلّي ورأسه معقوص من ورائه فقام وجعل يحلّه ،فلمّا انصرف أقبل إلى ابن عبّاس فقال :
مالك ورأسي ؟ فقال :إنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول » :إنّما مثل هذا مثل
الّذي يصلّي وهو مكتوف « وفي حديث آخر » :ذاك كفل الشّيطان « .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ..ول نكفت الثّياب والشّعر
« .والحكمة في النّهي عنه ،أنّ الشّعر يسجد مع المصلّي ولهذا مثّله في الحديث بالّذي يصلّي
وهو مكتوف .
والجمهور على أنّ النّهي شامل لكلّ من صلّى كذلك ،سواء تعمّده للصّلة أم كان كذلك قبل
الصّلة وفعلها لمعنىً آخر وصلّى على حاله بغير ضرورة .
ويدلّ له إطلق الحاديث الصّحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصّحابة ،وقال مالك :النّهي
مختصّ بمن فعل ذلك للصّلة .
وينظر بقيّة الحكام المتعلّقة بالشّعر في المصطلحات التية ( :إحرام ،وترجيل ،وتنمّص ،
وإحداد ،واختضاب ،وتسويد ،حلق ،وديات ) .
العناية بشعر النسان الحيّ :
ب ترجيل الشّعر لما رواه أبو هريرة رضي ال عنه مرفوعا » :من كان له شعر
-يستح ّ 16
فليكرمه « .
ي صلى ال عليه وسلم كان يحبّ التّرجيل فقد روت عائشة رضي ال عنها » :أنّ
ولنّ النّب ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يصغي إليّ رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجّله وأنا حائض
« .ويستحبّ التّيامن في التّرجيل ،ويسنّ الغباب فيه ،والكثار منه مكروه .
ف الدّهن ثمّ يدهن ثانيا ،وقيل يدهن
كما يستحبّ دهن الشّعر غبّا وهو أن يدهن ثمّ يترك حتّى يج ّ
يوما ويوما ل .
وللتّفصيل انظر مصطلحات ( :إدهان ،وامتشاط ،وترجيل ) .
حكم شعر الحيوان الحيّ :
-شعر الحيوان الحيّ إمّا أن يكون من مأكول اللّحم أو غير مأكول اللّحم ،وفي كلّ حالة إمّا 17
الحنفيّة الخنزير واستثنى الشّافعيّة والحنابلة الخنزير والكلب لنّ عينهما نجسة .
ن الصل عندهم أنّ كلّ حيّ طاهر .
أمّا المالكيّة فذهبوا إلى طهارة الكلب والخنزير ل ّ
ن ما أبين من
أمّا شعر المنفصل عنه ،فعند الحنفيّة والمالكيّة هو طاهر بناءً على ما تقدّم من أ ّ
حيّ فهو ميّت ،إلّ ما ل تحلّه الحياة كالشّعر .ويستثنى من ذلك ما كان نجس العين كالخنزير
عند الحنفيّة .
أمّا المالكيّة فهو طاهر عندهم إذا جزّ ،ل إذا نتف .
ينظر في تفصيل أحكام شعر الخنزير مصطلح ( :خنزير ف . ) 7
ن ما أبين من حيّ فهو ميّت .
وذهب الشّافعيّة إلى نجاسته ل ّ
ن حكمه حكم بقيّة أجزائه ،فما كان طاهرا فشعره طاهر وما كان
وعند الحنابلة على المذهب أ ّ
نجسا فشعره نجس .
ن شعر الكلب والخنزير وما تولّد منهما طاهر .
وفي رواية عن أحمد اختارها ابن تيميّة أ ّ
شِعْر *
التّعريف :
-الشّعر في اللّغة :العلم ،يقال :شعر به كنصر وكرم شعرا وشعرا إذا علم به وفطن له 1
وعقله ،وليت شعري :أي ليت علمي .وفي الحديث » :ليت شعري ما صنع فلن « أي ليت
علمي حاضر أو محيط بما صنع .
شعِ ُركُمْ أَ ّنهَا إِذَا جَاءتْ لَ
وأشعره المر وأشعره به :أعلمه إيّاه ،وفي التّنزيل َ { :ومَا ُي ْ
ُي ْؤمِنُونَ} أي :وما يدريكم .
وغلب الشّعر على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية ،وحدّه :ما تركّب تركّبا متعاضدا وكان
مق ّفىً موزونا مقصودا به ذلك .
والشّعر في الصطلح :الكلم المقفّى الموزون على سبيل القصد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النّثر :
-النّثر هو :الكلم المتفرّق من غير قافية أو وزن ،من نثر الشّيء إذا رماه متفرّقا . 2
كلمه :إذا جعل لكلمه فواصل كقوافي الشّعر ولم يكن موزونا .
ج -الرّجز :
– الرّجز :ضرب من الشّعر عند الكثر ،سمّي بذلك لتقارب أجزائه وقلّة حروفه واضطراب 4
اللّسان به .
وقيل :إنّ الرّجز ليس بشعر وإنّما هو أنصاف أبيات أو أثلث ،ولنّه يقال لقائله راجز ل
شاعر .د -الحداء :
-الحداء - :بض مّ الحاء وكسرها وتخفيف الدّال المهملتين ،يمدّ ويقصر -هو سوق البل 5
مصحوب .
الحكم التّكليفيّ :
اختلف الفقهاء في حكم تعلّم الشّعر وإنشائه وإنشاده وغير ذلك من مسائله على التّفصيل التّالي
:أ ّولً :إنشاء الشّعر وإنشاده واستماعه :
-قال ابن قدامة :ليس في إباحة الشّعر خلف ،وقد قاله الصّحابة والعلماء ،والحاجة تدعو 7
إليه لمعرفة اللّغة العربيّة ،والستشهاد به في التّفسير ،وتعرّف معاني كلم اللّه تعالى وكلم
رسوله صلى ال عليه وسلم ويستدلّ به أيضا على النّسب والتّاريخ وأيّام العرب ،يقال :الشّعر
ديوان العرب .
وقال ابن العربيّ :الشّعر نوع من الكلم ،قال الشّافعيّ :حسنه كحسن الكلم ،وقبيحه كقبيحه
:يعني أنّ الشّعر ليس يكره لذاته وإنّما يكره لمتضمّناته .
وقال النّوويّ :قال العلماء كا ّفةً :الشّعر مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه ،وهو كلم حسنه
ي صلى ال عليه وسلم الشّعر واستنشده،
حسن وقبيحه قبيح ،وهذا هو الصّواب ،فقد سمع النّب ّ
وأمر به حسّان بن ثابت رضي ال تعالى عنه في هجاء المشركين ،وأنشده أصحابه بحضرته
في السفار وغيرها ،وأنشده الخلفاء وأئمّة الصّحابة وفضلء السّلف ،ولم ينكره أحد منهم
على إطلقه ،وإنّما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه .
وقال ابن حجر :الّذي يتحصّل من كلم العلماء في حدّ الشّعر الجائز أنّه إذا لم يكثر منه في
المسجد ،وخل عن هجو وعن الغراق في المدح والكذب المحض والغزل الحرام ،فإنّه يكون
جائزا .
ونقل ابن عبد الب ّر الجماع على جوازه إذا كان كذلك ،واستدلّ بأحاديث وبما أنشد بحضرة
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أو استنشده ولم ينكره ،وقد جمع ابن سيّد النّاس مجلّدا في أسماء
ص ًة ،وأخرج
ي صلى ال عليه وسلم خا ّ
من نقل عنه من الصّحابة شيء من شعر متعلّق بالنّب ّ
البخاريّ في الدب المفرد عن عائشة رضي ال تعالى عنها أنّها كانت تقول :الشّعر منه حسن
ومنه قبيح ،خذ الحسن ودع القبيح ،ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا منها القصيدة
ي في الدب المفرد أيضا من حديث عبد اللّه بن عمرو رضي
فيها أربعون بيتا ،وأخرج البخار ّ
ال تعالى عنهما مرفوعا بلفظ » :الشّعر بمنزلة الكلم ،حسنه كحسن الكلم ،وقبيحه كقبيح
الكلم « .وروى مسلم عن عمرو بن الشّريد عن أبيه قال » :ردفت رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم يوما فقال :هل معك من شعر أميّة بن أبي الصّلت شيء ؟ قلت :نعم ،قال :هيه
فأنشدته بيتا فقال :هيه ثمّ أنشدته بيتا فقال :هيه حتّى أنشدته مائة بيت « .
قال القرطبيّ :وفي هذا دليل على حفظ الشعار والعتناء بها إذا تضمّنت الحكم والمعاني
المستحسنة شرعا وطبعا .
ي صلى ال عليه وسلم من شعر أميّة لنّه كان حكيما ،وقال صلى ال عليه
وإنّما استكثر النّب ّ
وسلم » :كاد أميّة بن أبي الصّلت أن يسلم « .
ولمّا أراد العبّاس رضي ال تعالى عنه مدح رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بأبيات من الشّعر
قال صلى ال عليه وسلم له » :هات ،ل يفضض اللّه فاك « .
ي صلى ال عليه وسلم دخل مكّة في عمرة
وعن أنس بن مالك رضي ال تعالى عنه أنّ النّب ّ
القضاء وعبد اللّه بن رواحة رضي ال تعالى عنه بين يديه يمشي وهو يقول :
خلّوا بني الكفّار عن سبيله
اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر :يا ابن رواحة ،في حرم اللّه وبين يدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ فقال
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :خلّ عنه يا عمر ،فلهي أسرع فيهم من نضح النّبل « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :إنّ من
ي بن كعب رضي ال تعالى عنه أ ّ
وروى أب ّ
الشّعر حكمةً « .
وبهذا يتبيّن أنّه ل وجه لقول من حرّم الشّعر مطلقا أو قال بكراهته .
-قال جمهور الفقهاء :فقد يكون فرضا كما نقل ابن عابدين عن الشّهاب الخفاجيّ قال : 8
معرفة شعر أهل الجاهليّة والمخضرمين -وهم من أدرك الجاهليّة والسلم -والسلميّين
روايةً ودرايةً فرض كفاية عند فقهاء السلم ،لنّ به تثبت قواعد العربيّة الّتي بها يعلم الكتاب
والسّنّة المتوقّف على معرفتهما الحكام الّتي يتميّز بها الحلل من الحرام ،وكلمهم وإن جاز
فيه الخطأ في المعاني فل يجوز فيه الخطأ في اللفاظ وتركيب المباني .
-وقد يكون مندوبا ،وذلك إذا تضمّن ذكر اللّه تعالى أو حمده أو الثّناء عليه ،أو ذكر رسوله 9
مسلم أو ذمّيّ ،أو مجاوزة الحدّ والكذب في الشّعر ،بحيث ل يمكن حمله على المبالغة ،أو
التّشبيب بمعيّن من أمرد أو امرأة غير حليلة ،أو كان ممّا يقال على الملهي .
-وقد يكون الشّعر مكروها وللمذاهب في ذلك تفصيل : 11
فعند الحنفيّة أنّ المكروه من الشّعر ما داوم عليه الشّخص وجعله صناع ًة له حتّى غلب عليه
وشغله عن ذكر اللّه تعالى وعن العلوم الشّرعيّة ،وما كان من الشّعر في وصف الخدود
والقدود والشّعور ،وكذلك تكره قراءة ما كان فيه ذكر الفسق والخمر .
وقال المالكيّة :يكره الكثار من الشّعر غير المحتاج إليه لقلّة سلمة فاعله من التّجاوز في
الكلم لنّ غالبه مشتمل على مبالغات ،روى ابن القاسم عن مالك أنّه سئل عن إنشاد الشّعر
شعْرَ َومَا يَن َبغِي َلهُ } .
فقال :ل تكثرنّ منه فمن عيبه أنّ اللّه تعالى يقول َ { :ومَا عَّلمْنَا ُه ال ّ
ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه كتب إلى أبي موسى الشعريّ أن اجمع
قال :ولقد بلغني أ ّ
الشّعراء قبلك ،وسلهم عن الشّعر ،وهل بقي معهم معرفة ،وأحضر لبيدا ذلك ،فجمعهم
فسألهم ،فقالوا :إنّا لنعرفه ونقوله ،وسأل لبيدا فقال :ما قلت بيت شعر منذ سمعت اللّه عزّ
وجلّ يقول { :الم ،ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ لَ رَيْبَ فِيهِ } .
وقال ابن العربيّ :من المذموم في الشّعر التّكلّم من الباطل بما لم يفعله المرء رغبةً في تسلية
النّفس وتحسين القول .
وقال الشّافعيّة :يكره أن يشبّب من حليلته بما حقّه الخفاء ،وذلك ما لم تتأذّ بإظهاره وإلّ
حرم .وقال الحنابلة :يكره من الشّعر الهجاء والشّعر الرّقيق الّذي يشبّب بالنّساء .
-وقد يكون الشّعر مباحا وهو الصل في الشّعر .ونصوص فقهاء المذاهب في ذلك الحكم 12
متقاربة :
قال الحنفيّة :اليسير من الشّعر ل بأس به إذا قصد به إظهار النّكات والتّشابيه الفائقة والمعاني
الرّائقة ،وما كان من الشّعر في ذكر الطلل والزمان والمم فمباح .
وقال المالكيّة :يباح إنشاد الشّعر وإنشاؤه ما لم يكثر منه فيكره ،إلّ في الشعار الّتي يحتاج
إليها في الستدلل .
وقال الشّافعيّة :يباح إنشاء الشّعر وإنشاده واستماعه ما لم يتضمّن ما يمنعه أو يقتضيه اتّباعا
للسّلف والخلف ،ولنّه صلى ال عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسّان بن ثابت وعبد
اللّه بن رواحة وكعب بن مالك رضي ال تعالى عنهم ،ولنّه صلى ال عليه وسلم استنشد من
حكَم وأمثال وتذكير بالبعث ولهذا قال
ن أكثر شعره ِ
شعر أميّة ابن أبي الصّلت مائة بيت ،أي ل ّ
ن من الشّعر حكمةً
صلى ال عليه وسلم » :كاد أن يسلم « ولقوله صلى ال عليه وسلم » :إ ّ
« .وقال ابن قدامة :ليس في إباحة الشّعر خلف ،وقد قاله الصّحابة والعلماء ،والحاجة تدعو
إليه.
ثانيا :تعلّم الشّعر :
ث على شرّ أو ما يدعو
ن تعلّم الشّعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو ح ّ
-ذهب الفقهاء إلى أ ّ 13
وسلم جوامع الكلم ،ولكنّه صلى ال عليه وسلم حجب عنه الشّعر لما كان اللّه سبحانه وتعالى
قد ادّخره له من فصاحة القرآن وإعجازه دللةً على صدقه ،كما سلب عنه الكتابة وأبقاه على
ن أنّه قوي
حكم المّيّة تحقيقا لهذه الحالة وتأكيدا ،ولئلّ تدخل الشّبهة على من أرسل إليه فيظ ّ
على القرآن بما في طبعه من القوّة على الشّعر .
ن مّبِينٌ } .
شعْ َر َومَا يَن َبغِي َلهُ إِنْ ُهوَ إِل ِذكْ ٌر وَ ُقرْآ ٌ
عّلمْنَاهُ ال ّ
قال اللّه تعالى َ { :ومَا َ
-وقد اختلف في جواز تمثّل النّبيّ صلى ال عليه وسلم بشيء من الشّعر وإنشاده حاكيا عن 15
غيره ،والصّحيح جوازه لما روى المقدام بن شريح عن أبيه قال :قلت لعائشة :أكان رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم يتمثّل بشيء من الشّعر ؟ قالت » :كان يتمثّل بشعر ابن أبي رواحة
ويتمثّل ويقول ويأتيك بالخبار من لم تزوّد « .
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :أصدق كلمة
وروى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ
قالها شاعر كلمة لبيد أل كلّ شيء ما خل اللّه باطل « .
وإصابة النّبيّ صلى ال عليه وسلم وزن الشّعر ل يوجب أنّه يعلم الشّعر ،وكذلك ما يأتي من
نثر كلمه ممّا يدخل في وزن كقوله صلى ال عليه وسلم » :هل أنت إلّ أصبع دميت وفي
سبيل اللّه ما لقيت « .
وقول صلى ال عليه وسلم » :أنا النّبيّ ل كذب أنا ابن عبد المطّلب « .
فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن الكريم كقوله تعالى { :لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّى تُنفِقُواْ ِممّا
ُتحِبّونَ}.
ن الّلهِ َوفَ ْتحٌ َقرِيبٌ } .
صرٌ مّ َ
وقوله سبحانه { :نَ ْ
جوَابِ وَقُدُورٍ رّاسِيَاتٍ } إلى غير ذلك من اليات ،وليس هذا شعرا
ن كَا ْل َ
وقوله ع ّز وجلّ َ {:وجِفَا ٍ
ول في معناه ،ول يلزم من ذلك أن يكون النّبيّ صلى ال عليه وسلم عالما بالشّعر ول شاعرا ،
ي ،ل توجب أن يكون القائل
لنّ إصابة القافيتين من الرّجز وغيره من غير قصد كما قال القرطب ّ
ن من خاط خيطا ل يكون خيّاطا ،قال أبو إسحاق
عالما بالشّعر ول يسمّى شاعرا ،كما أ ّ
شعْرَ } وما علّمناه أن يشعر ،أي ما جعلناه شاعرا ،وهذا ل
ال ّزجّاج :معنى { َومَا عَّلمْنَا ُه ال ّ
يمنع أن ينشد شيئا من الشّعر .
رابعا :إنشاد الشّعر في المسجد :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العبرة بمضمون الشّعر ،فإن كان حسنا جاز إنشاده في 16
وفيه كلفة بحيث تصحّ الجارة عليه ،وقد سئل المزنيّ عن صحّة جعل الصّداق شعرا فقال :
يجوز إن كان مثل قول القائل وهو أبو الدّرداء النصاريّ :
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى اللّه إلّ ما أرادا
يقول المرء فائدتي وزادي
وتقوى اللّه أعظم ما استفادا
الّذي يحلّ النتفاع به ،وما ل يحلّ النتفاع به ل قطع فيه ،إلّ أن يبلغ الجلد والقرطاس نصابا
وللتّفصيل ( ر :سرقة ) .
تاسعا :الحدّ بما جاء في الشّعر :
-اختلف الفقهاء فيما إذا اعترف الشّاعر في شعره بما يوجب حدّا ،هل يقام عليه الحدّ أم ل 21
؟
فذهب البعض إلى أنّه يقام عليه الحدّ بهذا العتراف .
وذهب الكثرون إلى أنّه ل يقام عليه الحدّ ،لنّ الشّاعر قد يبالغ في شعره حتّى تصل به
المبالغة إلى الكذب وادّعاء ما لم يحدث ونسبته إلى نفسه ،رغبةً في تسلية النّفس وتحسين
ي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما في قوله تعالى { :
القول ،روى عل ّ
ن َ ،وأَنّ ُهمْ َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ } قال
وَالشّعَرَاء يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ ،أَ َلمْ َترَ أَ ّن ُهمْ فِي ُكلّ وَادٍ َيهِيمُو َ
:أكثر قولهم يكذبون فيه ،وعقّب ابن كثير بقوله :وهذا الّذي قاله ابن عبّاس رضي ال عنه
هو الواقع في نفس المر ،فإنّ الشّعراء يتبجّحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ول عنهم ،
فيتكثّرون بما ليس لهم .
وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه سمع شعرا للنّعمان بن عديّ بن نضلة يعترف فيه بشرب
ط ،وما فعلت شيئا ممّا قلت ،وما
الخمر ،فلمّا سأله قال :واللّه يا أمير المومنين ما شربتها ق ّ
ذاك الشّعر إلّ فضل ًة من القول ،وشيء طفح على لساني ،فقال عمر :أظنّ ذلك ،ولكن واللّه
ل أبدا وقد قلت ما قلت ،فلم يذكر أنّه حدّه على الشّراب وقد ضمّنه شعره ،لنّ
ل تعمل لي عم ً
الشّعراء يقولون ما ل يفعلون ولكن ذمّه عمر رضي ال عنه ولمه على ذلك وعزله به .
عاشرا :التّكسّب بالشّعر :
-ذهب بعضه الفقهاء إلى أنّ التّكسّب بالشّعر من المكاسب الخبيثة ومن السّحت الحرام ، 22
لنّ ما يدفع إلى الشّاعر إنّما يدفع إليه عاد ًة لقطع لسانه ،والشّاعر الّذي يكون كذلك إنّما هو
شيطان لما في الصّحيح عن أبي سعيد الخدريّ -رضي ال تعالى عنه -قال » :بينا نحن
نسير مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد ،فقال صلى ال عليه وسلم :
خذوا الشّيطان « .قال القرطبيّ :قال علماؤنا :وإنّما فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم هذا مع
هذا الشّاعر لما علم من حاله ،فلعلّه كان ممّن قد عرف أنّه اتّخذ الشّعر طريقا للتّكسّب ،فيفرط
في المدح إذا أعطي ،وفي الهجو وال ّذمّ إذا منع ،فيؤذي النّاس في أموالهم وأعراضهم ،ول
ن من كان على مثل هذه الحالة ،فكلّ ما يكتسبه بالشّعر حرام ،وكلّ ما يقوله من
خلف في أ ّ
ذلك حرام عليه ،ول يحلّ الصغاء إليه ،بل يجب النكار عليه ،فإن لم يمكن ذلك لمن خاف
من لسانه قطعا تعيّن عليه أن يداريه بما استطاع ،ويدافعه بما أمكن ،ول يحلّ له أن يعطي
شيئا ابتداءً ،لنّ ذلك عون على المعصية ،فإن لم يجد بدّا من ذلك أعطاه بنيّة وقاية العرض ،
فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقةً .
ي صلى ال عليه وسلم كان يعطي الشّعراء ولمن يخاف لسانه ،
ي أنّ النّب ّ
ي الحنف ّ
وذكر الحصكف ّ
ونقل ابن عابدين ما ورد عن عكرمة مرسلً قال :أتى شاعر النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :
» يا بلل ،اقطع عنّي لسانه فأعطاه أربعين درهما « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه
وقال عديّ بن أرطاة لعمر بن عبد العزيز :يا أمير المومنين ،إ ّ
وسلم قد مدح وأعطى وفيه أسوة لكلّ مسلم ،قال :ومن مدحه ؟ قال :عبّاس بن مرداس
السّلميّ فكساه حّلةً قطع بها لسانه .
أمّا الشّاعر الّذي يؤمن شرّه ،ول يعطى مداراةً له وقطعا للسانه ،فالظّاهر أنّ ما يدفع إليه
ي صلى ال عليه وسلم دفع بردته إلى كعب بن زهير رضي ال عنه لمّا امتدحه
حلل ،لنّ النّب ّ
بقصيدته المشهورة .
ولمّا استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه الشّعراء كما كانوا يفدون على الخلفاء قبله ،
فأقاموا ببابه أيّاما ل يأذن لهم بالدّخول ،حتّى قدم عديّ بن أرطاة وكانت له مكانة ،فتعرّض له
جرير وطلب شفاعته ،فاستأذن لهم ،فلم يأذن إلّ لجرير ،فلمّا مثل بين يديه قال له :اتّق اللّه
ول تقل إلّ حقّا ،فمدحه بأبيات ،فقال عمر :يا جرير ،لقد ولّيت هذا المر وما أملك إلّ
ثلثمائة ،فمائة أخذها عبد اللّه ،ومائة أخذتها أمّ عبد اللّه ،يا غلم :أعطه المائة الثّالثة ،
ب مال كسبته إليّ .
فقال :واللّه يا أمير المؤمنين ،إنّها لح ّ
حادي عشر :شهادة الشّاعر :
-ذهب الفقهاء إلى قبول شهادة الشّاعر الّذي ل يرتكب بشعره محرّما أو ما يخلّ بالمروءة، 23
شَعِير *
التّعريف :
-الشّعير جنس من الحبوب معروف واحدته شعيرة ،وهو نبات عشبيّ حبّيّ دون البرّ في 1
الغذاء .
الحكام الّتي تتعلّق بالشّعير :
وردت أحكام الشّعير في مواضع مختلفة منها :
الزّكاة :
-فالشّعير من الحبوب الّتي تجب فيها الزّكاة إذا بلغت النّصاب بإجماع الفقهاء لقوله تعالى : 2
ن آمَنُواْ أَن ِفقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا َكسَبْ ُتمْ َو ِممّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّنَ الَرْضِ } .الية .
{ يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :ل تأخذوا الصّدقة إلّ من هذه الربعة :الشّعير والحنطة
والزّبيب والتّمر « .
ولقوله صلى ال عل يه و سلم » :في ما سقت ال سّماء والعيون أو كان عثريّا الع شر و ما سقي
بالنّضح نصف العشر « .
وذ هب الشّافعيّة إلى أنّه ل يض مّ الشّع ير إلى غيره كالقمح وال سّلت لنّها أجناس ثلثة مختلفة .
ن الشّعير يض مّ إلى ال سّلت ،فهما عندهم صنفان من جنس واحد ول يض مّ
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
إلى القمح .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّعير والسّلت والقمح أصناف من جنس واحد يضمّ بعضه إلى بعض
لتكميل النّصاب .
ول ترد هذه المسألة عند أبي حنيفة لنّه ل يشترط النّصاب في الخارج من الرض لوجوب
الزّكاة ،بل تجب الزّكاة عنده في القليل والكثير .
). 102 راجع التّفاصيل في مصطلح ( :زكاة ف
زكاة الفطر :
ن الشّعير من الحبوب الّتي يجوز أن تؤدّى منها زكاة الفطر وأنّ
-أجمع الفقهاء على أ ّ 3
المجزئ منه هو صاع لقول ابن عمر رضي ال عنهما » :فرض رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحرّ والذّكر والنثى والصّغير
والكبير من المسلمين ،وأمر بها أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلة « .
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي ال عنه قال » :كنّا نعطيها -أي زكاة الفطر -في زمان النّبيّ
صلى ال عليه وسلم صاعا من طعام ،أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ،أو صاعا من
زبيب « .الحديث .
راجع التّفصيل في مصطلح ( :زكاة الفطر ) .
في البيع :
-ل يدخل في مطلق بيع الرض ما هو مزروع فيها من الشّعير والحنطة وسائر الزّروع وكلّ 4
ما يؤخذ بقلع أو قطع دفعةً واحدةً ،لنّه ليس للدّوام فأشبه منقولت الدّار .
التّفاصيل في مصطلح ( :بيع ) .
في الرّبا :
ن الشّعير من الموال الرّبويّة الّتي يحرم بيعها بمثلها إلّ بشرط الحلول
-أجمع الفقهاء على أ ّ 5
شِغَار *
التّعريف :
-الشّغار بكسر الشّين لغةً :نكاح كان في الجاهليّة ،وهو أن يزوّج الرّجل آخر امرأةً على 1
أن يزوّجه الخر امرأ ًة أخرى بغير مهر ،وصداق كلّ منهما بضع الخرى .
وخصّ بعضهم به القرائب فقال :ل يكون الشّغار إلّ أن تنكحه وليّتك على أن ينكحك وليّته .
وسمّي شغارا إمّا تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في القبح ،قال الصمعيّ :الشّغار الرّفع فكأنّ
كلّ واحد منهما رفع رجله للخر عمّا يريد .
وإمّا لخلوّه عن المهر لقولهم :شغر البلد إذا خل .وشاغر الرّجل الرّجل أي زوّج كلّ واحد
ن بضع كلّ واحدة صداق الخرى ول مهر سوى ذلك ،وكان سائغا في
صاحبه حريمته ،على أ ّ
الجاهليّة .
ن مهر كلّ
والشّغار في الصطلح :أن يزوّج الرّجل وليّته على أن يزوّجه الخر وليّته على أ ّ
منهما بضع الخرى .وهذا تعريفه عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة .
وقال الحنابلة :الشّغار أن يزوّجه وليّته على أن يزوّجه الخر وليّته ،سواء جعل مهر كلّ
منهما بضع الخرى أو سكت عن المهر أو شرطا نفيه .
وقال المالكيّة :صريح الشّغار أن يقول زوّجتك مولّيتي على أن تزوّجني مولّيتك ول يذكران
مهرا .وأمّا إن قال :زوّجتك مولّيتي بكذا مهرا على أن تزوّجني وليّتك بكذا فهو وجه الشّغار ،
لنّه شغار من وجه دون وجه ،فمن حيث إنّه سمّى لكلّ واحدة مهرا فليس بشغار ،ومن حيث
إنّه شرط تزوّج إحداهما بالخرى فهو شعار .
الحكم التّكليفيّ :
أورد الفقهاء أحكام الشّغار في كتاب النّكاح والصّداق ولكونهم اختلفوا في تعريفه الشّرعيّ
وبعض مسائله التّفصيليّة ،نذكر تفصيل الحكم في كلّ مذهب على حدة :
ن نكاح الشّغار :هو أن يزوّج الرّجل الرّجل حريمته على أن يزوّجه
-ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 2
الخر حريمته -ابنته أو أخته أو أمته -على أن يكون بضع كلّ واحدة منهما صداقا للخرى ل
مهر سوى ذلك .
وهذا النّكاح عندهم صحيح لنّه مؤبّد أدخل فيه شرط فاسد -وهو أن يكون بضع ك ّل واحدة
منهما صداقا للخرى -والنّكاح ل يبطله الشّروط الفاسدة ،كما إذا تزوّجها على أن يطلّقها أو
نحو ذلك .
وتكون التّسمية فاسد ًة لنّ البضع ليس بمال ،فل يصلح أن يكون مهرا بل يجب لكلّ منهما مهر
المثل كما لو تزوّجها على خمر أو خنزير .
والنّهي عن نكاح الشّغار الوارد في حديث ابن عمر رضي ال عنهما » :نهى رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم أن تنكح المرأة بالمرأة ليس لواحدة منهما مهر « محمول عندهم على الكراهة .
ويشترط لتحقّق معنى الشّغار أن يجعل بضع كلّ منهما صداقا للخرى مع القبول من الخر فإن
لم يقل ذلك ول معناه ،بل قال :زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك ،فقبل الخر أو قال :على
أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الخر بل زوّجه بنته ولم يجعلها صداقا ،لم يكن
شغارا وإنّما نكاحا صحيحا باتّفاق .
-وذهب المالكيّة إلى أنّ صريح الشّغار هو أن يقول الرّجل للرّجل :زوّجني بنتك أو أختك أو 3
أمتك على أن أزوّجك بنتي أو أختي مع جعل تزويج كلّ منهما مهرا للخرى .فهذا النّكاح فاسد
يفسخ قبل البناء وبعد البناء أبدًا ،ولكلّ منهما بعد البناء صداق المثل .
وإن سمّى لواحدة منهما مهرا دون الخرى كأن يقول :زوّجني بنتك بمائة من الدّنانير مثلً على
أن أزوّجك بنتي فالنّكاح فاسد أيضا ،ويفسخ نكاح من لم يسمّ لها صداق قبل البناء وبعد البناء
أبدا ،ولها بعد البناء صداق مثلها .أمّا المسمّى لها الصّداق فيفسخ نكاحها قبل البناء ويمضي
بعد البناء بالكثر من المسمّى وصداق المثل ،ويسمّى هذا النّكاح بمركب الشّغار عندهم .
وإن سمّى لكلّ واحدة منهما مهرا كأن يقول :زوّجني بنتك ونحوها بمائة من الدّنانير مثلً على
شرط أن أزوّجك ابنتي أو أختي أو أمتي بمائة من الدّنانير أو أقلّ أو أكثر فهذا النّكاح فاسد كذلك
يفسخ قبل البناء ويمضي بعد البناء بالكثر من المسمّى وصداق المثل ،ويسمّى هذا النّوع وجه
الشّغار .
-وذهب الشّافعيّة إلى أنّ نكاح الشّغار -وهو قول الرّجل للرّجل زوّجتك بنتي أو نحوها على 4
أن تزوّجني بنتك أو نحوها وبضع كلّ واحدة منهما صداق الخرى ،فيقبل الخر ذلك كأن يقول
:تزوّجت بنتك وزوّجتك بنتي على ما ذكرت -باطل للحديث الصّحيح عن ابن عمر رضي ال
عنهما قال » :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الشّغار ،والشّغار أن يزوّج الرّجل
ابنته على أن يزوّجه الخر ابنته وليس بينهما صداق « .
ولمعنى الشتراك في البضع حيث جعله مورد النّكاح وصداقا لخرى فأشبه تزويج واحدة من
اثنين .
وقال بعضهم :علّة البطلن ،التّعليق والتّوقّف الموجود في هذا النّكاح ،وقيل لخلوّه من المهر
.فإن لم يجعل البضع صداقا بأن سكت عنه كقوله :زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك فالصحّ
صحّة لعدم التّشريك في البضع ولنّه ليس فيه إ ّل شرط عقد في عقد وذلك ل يفسد النّكاح
ال ّ
ويجب لكلّ واحدة منهما مهر المثل .
ح النّكاح
فعلى هذا لو قال :زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك وبضع ابنتك صداق لبنتي ص ّ
الوّل وبطل النّكاح الثّاني .
ح الثّاني .
ولو قال :وبضع ابنتي صداق لبنتك بطل الوّل وص ّ
ح النّكاح في الصّور المذكورة لما فيها من
وعلى الوجه الثّاني -وهو مقابل الصحّ -ل يص ّ
معنى التّعليق والتّوقّف .
ولو سمّيا مالً مع جعل البضع صداقا كأن يقول :زوّجتك بنتي بألف من الدّنانير مثلً على أن
تزوّجني بنتك بألف كذلك وبضع كلّ واحدة منهما صداق للخرى ،أو يقول :زوّجتك بنتي على
ح بطلن هذا
أن تزوّجني بنتك ويكون بضع كلّ واحدة منهما وألف درهم صداقا للخرى ،فالص ّ
النّكاح لوجود التّشريك فيه .
وكذا إذا سمّيا لحداهما مهرا دون الخرى كأن يقول :زوّجتك بنتي بألف درهم على أن تزوّجني
ح بطلنه أيضا لوجود معنى التّشريك فيه .
بنتك وبضع كلّ واحدة منهما صداق للخرى فالص ّ
وعلى الوجه الثّاني -وهو مقابل الصحّ -يصحّ النّكاح في هذه الصّور لنّه ليس على تفسير
صورة الشّغار ولنّه لم يخل عن المهر .
ومن صور الشّغار عند الشّافعيّة أن يقول :زوّجتك ابنتي على أن تزوّج ابني ابنتك وبضع كلّ
واحدة منهما صداق الخرى .
ل ابنته وصداق البنت بضع المطلّقة فزوّجه على ذلك ،
ولو طلّق امرأته على أن يزوّجه زيد مث ً
صحّ التّزويج بمهر المثل ،لفساد المسمّى ووقع الطّلق على المطلّقة .
ن الشّغار -وهو أن يزوّج شخص وليّته لشخص على أن يزوّجه الخر
-5وذهب الحنابلة إلى أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم » :نهى عن الشّغار « .
وليّته -نكاح فاسد ،لما ورد من أنّ النّب ّ
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :ل جلب ول جنب ول شغار في السلم « .
ح ،ك ما لو قال :بع ني ثو بك على أن
ولنّه ج عل كلّ وا حد من العقد ين سلفا في ال خر فلم ي ص ّ
ن صداق كلّ واحدة منهما بضع الخرى ،أو لم يقل
أبيعك ثوبي .ول فرق بين أن يقول :على أ ّ
ذلك بأن سكتا ع نه أو شر طا نف يه ،وكذا لو جعل ب ضع كلّ واحدة منه ما ودرا هم معلومةً مهرا
للخرى .
قالوا :وليس فساد نكاح الشّغار من قبل التّسمية الفاسدة ،بل من جهة أنّه وقفه على شرط
فاسد ،أو لنّه شرط تمليك البضع لغير الزّوج ،فإنّه جعل تزويجه إيّاها مهرا للخرى فكأنّه
ملّكه إيّاها بشرط انتزاعها منه .
فإن سمّيا لكلّ واحدة منهما مهرا كأن يقول :زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك ومهر كلّ
واحدة منهما مائة درهم ،أو قال :ومهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون درهما أو أقلّ أو أكثر
صحّ النّكاح بالمسمّى ،وهو المذهب كما هو منصوص المام أحمد ،لنّه لم يحصل في هذا
العقد تشريك وإنّما حصل فيه شرط فاسد فبطل الشّرط وصحّ النّكاح .
وقال الخرقيّ :هذا النّكاح باطل للنّهي الّذي ورد في الحديث الصّحيح عن نكاح الشّغار ،ولنّه
ح.
شرط نكاح إحداهما لنكاح الخرى فلم يص ّ
ن في نكاحها تسميةً
ح نكاح من سمّي لها ،ل ّ
وإن سمّيا المهر لحداهما دون الخرى ص ّ
وشرطا .فصحّت التّسمية وبطل الشّرط دون الخرى الّتي لم يس ّم لها مهر فنكاحها باطل ،لنّه
خل من صداق سوى نكاح الخرى .
وقال أبو بكر بفساد النّكاحين لنّه فسد في إحداهما فيفسد في الخرى .
راجع التّفاصيل في مصطلح ( :نكاح ،مهر ،صداق ) .
شغل ال ّذمّة *
انظر ( :اشتغال ال ّذمّة ،ذمّة) .
شَفَاعة *
التّعريف :
-الشّفاعة في اللّغة :من شفع إلى فلن في المر شفعا ،وشفاع ًة طالبه بوسيلة ،أو ذمام . 1
أو هي التّوسّط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيويّة أو أخرويّة أو إلى خلص من مضرّة
كذلك .
أو هي سؤال التّجاوز عن الذّنوب من الّذي وقع الجناية في حقّه .
ي طلب منه أن يشفّع فشفّعته أي قبلت شفاعته .
واستشفع بفلن إل ّ
-والشّفاعة إن كانت إلى اللّه فهي الدّعاء للمشفوع له ،ففي الثر » :من دعا لخيه بظهر 2
أو ج ّر منفعة إلى مستحقّ ليس في جرّها ضرر ول ضرار ،فهذه مرغوب فيها مأمور بها ،قال
اللّه تعالى { :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَال ّت ْقوَى } .
حسَ َنةً َيكُن ّل ُه نَصِيبٌ
ع ًة َ
شفَا َ
شفَعْ َ
وللشّفيع نصيب في أجرها وثوابها قال اللّه تعالى { :مّن َي ْ
مّ ْنهَا} ويندرج فيها دعاء المسلم لخيه المسلم عن ظهر الغيب .
سيّئة :
الشّفاعة ال ّ
ق أو
-ب -الشّفاعة السّيّئة هي :أن يشفع في إسقاط حدّ بعد بلوغه السّلطان أو هضم ح ّ 5
إعطائه لغير مستحقّه ،وهو منهيّ عنه لنّه تعاون على الثم والعدوان .قال تعالى َ { :ولَ
عةً سَيّ َئ ًة َيكُن
شفَا َ
شفَعْ َ
َتعَاوَنُواْ عَلَى الِ ْثمِ } وللشّفيع في هذا كفل من الثم .قال تعالى َ { :ومَن َي ْ
ّلهُ ِك ْفلٌ مّ ْنهَا } الية .
ن الشّفاعة الحسنة هي :ما كانت فيما استحسنه الشّرع ،وال سّيّئة فيما كرهه
والضّابط العامّ :أ ّ
وحرّمه .
والشّفاعة تكون في الخرة وفي الدّنيا :
أوّلً :الشّفاعة في الخرة :
-أجمع أهل السّنّة ،والجماعة على وقوع الشّفاعة في الخرة ووجوب اليمان بها .لصريح 6
أوّلهـا :مختصـّة بنبيّنـا صـلى ال عليـه وسـلم وهـي :الراحـة مـن هول الموقـف ،وتعجيـل
الحساب ،وهي :الشّفاعة العظمى .
ثانيها :في إدخال قوم الجنّة بغير حساب ،وهذه أيضا خاصّة بنبيّنا صلى ال عليه وسلم .
ثالثها :الشّفاعة لقوم استوجبوا النّار فيشفع فيهم نبيّنا ،ومن شاء اللّه تعالى .
رابع ها :في من د خل النّار من المذ نبين :ف قد جاءت الحاد يث بإخراج هم من النّار بشفا عة نبيّ نا
صلى ال عليه وسلم والملئكة وإخوانهم من المؤمنين .
خامسها :في زيادة الدّرجات في الجنّة لهلها .
-8ويجوز للنسان أن يسأل اللّه أن يرزقه شفاعة الحبيب محمّد صلى ال عليه وسلم .
وقال النّوويّ في شرح صحيح مسلم :قال القاضي عياض " :قد عرف بالنّقل المستفيض سؤال
السّلف الصّالح -رضي ال عنهم -شفاعة نبيّنا صلى ال عليه وسلم ورغبتهم فيها ،وعلى
هذا ل يلتفت إلى من قال :إنّه يكره أن يسأل النسان اللّه تعالى :أن يرزقه شفاعة نبيّنا صلى
ال عليه وسلم لكونها ل تكون إلّ للمذنبين ،لنّ الشّفاعة قد تكون لتخفيف الحساب ،وزيادة
الدّرجات .ث ّم كلّ عاقل :معترف بالتّقصير محتاج إلى العفو غير معتدّ بعمله مشفق من أن
يكون من الهالكين .ويلزم هذا القائل أل يدعو بالمغفرة ،والرّحمة لنّها لصحاب الذّنوب " .
ثانيا :الشّفاعة في الدّنيا :
أ -الشّفاعة في الحدّ :
-ل خلف بين الفقهاء في تحريم الشّفاعة في حدّ من حدود اللّه بعد بلوغه إلى الحاكم 9
لقوله صلى ال عليه وسلم لسامة لمّا كلّمه في شأن المخزوميّة الّتي سرقت » :أتشفع في حدّ
من حدود اللّه ؟ .ثمّ قام فاختطب ثمّ قال :إنّما أهلك الّذين من قبلكم :أنّهم كانوا إذا سرق فيهم
الشّريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ ،وأيم اللّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد
سرقت لقطعت يدها « .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :من حالت شفاعته دون ح ّد من حدود اللّه فقد ضادّ اللّه « .
ولنّ الحدّ إذا بلغ الحاكم وثبت عنده وجب إقامته والسّعي لترك واجب أمر بالمنكر ،واستظهر
بعض الحنفيّة جواز الشّفاعة عند الرّافع له بعد وصولها إلى الحاكم وقبل الثّبوت عنده .
ن الشّرط والحرس
وقال المالكيّة :وكذلك ل تجوز الشّفاعة إذا بلغ الحدّ الشّرط والحرس ل ّ
بمنزلة الحاكم .
أمّا قبل بلوغه إلى من ذكر فتجوز الشّفاعة فيه لما ورد أنّ الزّبير بن العوّام مرّ عليه بسارق
فتشفّع له ،قالوا :أتشفع لسارق ؟ قال :نعم ،ما لم يؤت به إلى المام ،فإذا أتي به إلى المام
فل عفا اللّه عنه إن عفا عنه .
قال المالكيّة :إلّ إذا كان المشفوع فيه من الشرار الّذين مردوا على ارتكاب المعاصي الّتي
توجب الحدّ ،فل يجوز الشّفاعة فيه .
ب -الشّفاعة في التّعازير :
-أمّا التّعازير :فيجوز فيها الشّفاعة بلغت الحاكم أم ل ،بل يستحبّ . 10
كانت الشّفاعة لطلب محظور ،أو إسقاط حقّ أو معونة على ظلم ،أو تقديمه في ولية على
غيره ممّن هو أولى بها منه ،فقبولها حرام بالتّفاق ،وإن كانت لرفع مظلمة عن المشفوع له
ق له أو توليته وليةً يستحقّها ،فإن شرط الهديّة على المشفوع له فقبولها حرام
أو إيصال ح ّ
أيضا .وإن قال المشفوع له :هذه الهديّة جزاء شفاعتك فقبولها حرام كذلك .أمّا إن لم يشرط
الشّافع ولم يذكر المهدي أنّها جزاء فإن كان يهدى له قبل الشّفاعة .
فقال الشّافعيّة :ل يكره له القبول ،وإلّ كره إلّ أن يكافئه عليها فإن كافأه عليها لم يكره .
وقال الحنابلة :ل يجوز للشّافع أخذ هديّة بحال من الحوال ،لنّها كالجرة ،والشّفاعة الحسنة
من المصالح العامّة فيحرم أخذ شيء في مقابلها .أمّا الباذل فله أن يبذل في ذلك ما يتوصّل به
إلى حقّه .وهو المنقول عن السّلف والئمّة .
الستشفاع إلى اللّه تعالى بأهل الصّلح :
-الستشفاع بالعمال الصّالحة وبالنّبيّ صلى ال عليه وسلم وبأهل الصّلح هو من التّوسّل، 13
شَفْع *
انظر ( :نوافل ،تطوّع ) .
شُفْعَة *
التّعريف :
-الشّفعة بضمّ الشّين وسكون الفاء اسم مصدر بمعنى التّملّك ،وتأتي أيضا اسما للملك 1
ي.
المشفوع كما قال الفيّوم ّ
وهي من الشّفع الّذي هو ضدّ الوتر ،لما فيه من ضمّ عدد إلى عدد أو شيء إلى شيء ،يقال :
شفع الرّجل الرّجل شفعا إذا كان فردا فصار له ثانيا وشفع الشّيء شفعا ضمّ مثله إليه وجعله
زوجا .
وفي الصطلح عرّفها الفقهاء بأنّها :تمليك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه .أو هي
حقّ تملّك قهريّ يثبت للشّريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البيع الجبريّ :
-البيع الجبريّ في اصطلح الفقهاء هو :البيع الحاصل من مكره بحقّ ،أو البيع عليه نيابةً 2
ق وجب عليه ،أو لدفع ضرر ،أو لتحقيق مصلحة عامّة .
عنه ،ليفاء ح ّ
ي أعمّ من الشّفعة .
فالبيع الجبر ّ
ب -التّولية :
-التّولية في الصطلح هي :بيع ما ملكه بمثل ما قام عليه ،وكلّ من بيع التّولية والشّفعة 3
من الشّافعيّة -إن ترتّب على ترك الشّفعة معصية -كأن يكون المشتري مشهورا بالفسق
والفجور -فينبغي أن يكون الخذ بها مستحبّا بل واجبا إن تعيّن طريقا لدفع ما يريده المشتري
من الفجور .
واستدلّوا من السّنّة بحديث جابر بن عبد اللّه -رضي ال عنهما -قال » :قضى رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم ،فإذا وقعت الحدود ،وصرّفت الطّرق ،فل
شفعة « وفي رواية أخرى قال جابر -رضي ال عنه » : -قضى رسول ال صلى ال عليه
وسلم بالشّفعة في كلّ شركة لم تقسم ربعة أو حائط ،ل يحلّ له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه فإن
شاء أخذ وإن شاء ترك ،فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحقّ به « .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :جار الدّار أحقّ بالدّار « .
وعن سمرة عن النّب ّ
وقال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على إثبات الشّفعة للشّريك الّذي لم يقاسم فيما بيع من أرض
أو دار أو حائط .
حكمة مشروعيّة الشّفعة :
-لمّا كانت الشّركة منشأ الضّرر في الغالب وكان الخلطاء كثيرا ما يبغي بعضهم على بعض 5
شرع اللّه سبحانه وتعالى رفع هذا الضّرر بأحد طريقين :
أ -بالقسمة تارةً وانفراد كلّ من الشّريكين بنصيبه .
ب -وبالشّفعة تارةً أخرى وانفراد أحد الشّريكين بالجملة إذا لم يكن على الخر ضرر في ذلك .
ق به من الجنبيّ وهو يصل إلى غرضه من
فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أح ّ
ي ويزول عنه ضرر الشّركة
العوض من أيّهما كان فكان الشّريك أحقّ بدفع العوض من الجنب ّ
ول يتضرّر البائع لنّه يصل إلى حقّه من الثّمن وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الحكام
المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد .كما قال ابن القيّم .
وحكمة مشروعيّة الشّفعة كما ذكر الشّافعيّة ،دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق
وغيرها كمنور ومصعد وبالوعة في الحصّة الصّائرة إليه ،وقيل ضرر سوء المشاركة .
أسباب الشّفعة :
-اتّفق الفقهاء على ثبوت الشّفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في نفس العقار المبيع ما لم 6
يقسم .
واختلفوا في التّصال بالجوار وحقوق المبيع فاعتبرهما الحنفيّة من أسباب الشّفعة خلفا
لجمهور الفقهاء ،وتفصيل ذلك فيما يلي :
الشّفعة للشّريك على الشّيوع :
-اتّفق الفقهاء على جواز الشّفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في ذات العقار المبيع ما دام 7
الوّل :ذهب مالك في إحدى روايتيه ،والشّافعيّ في الصحّ والحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنّ
كلّ ما ل ينقسم -كالبئر ،والحمّام الصّغير ،والطّريق -ل شفعة فيه .
لنّ إثبات الشّفعة فيما ل ينقسم يضرّ بالبائع لنّه ل يمكنه أن يتخلّص من إثبات الشّفعة في
نصيبه بالقسمة وقد يمتنع المشتري لجل الشّفيع فيتضرّر البائع وقد يمتنع البيع فتسقط الشّفعة
فيؤدّي إثباتها إلى نفيها .
-التّجاه الثّاني :ذهب الحنفيّة ،ومالك في الرّواية الثّانية ،والشّافعيّة في الصّحيح والحنابلة 9
.
أمّا الشّركة في ملك المنفعة فل تثبت فيها الشّفعة عند الجمهور ،وفي قول لمالك للشّريك في
المنفعة المطالبة بالشّفعة أيضا .قال الشّيخ عليش " :ل شفعة لشريك في كراء ،فإن اكترى
شخصان دارا مثلً ث ّم أكرى أحدهما نصيبه من منفعتها فل شفعة فيه لشريكه على أحد قولي
مالك ،وله الشّفعة فيه على قوله الخر " .
واشترط بعض المالكيّة للشّفعة في الكراء أن يكون ممّا ينقسم وأن يشفع ليسكن .
شفعة الجار المالك والشّريك في حقّ من حقوق المبيع :
-اتّفق الفقهاء كما سبق على ثبوت شفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في ذات المبيع ما 11
للجار الملصق والشّريك في حقّ من حقوق المبيع ،فسبب وجوب الشّفعة عندهم أحد شيئين :
الشّركة أو الجوار .
ثمّ الشّركة نوعان :
أ -شركة في ملك المبيع .
ب -شركة في حقوقه ،كالشّرب والطّريق .
ي " :الشّفعة واجبة للخليط في نفس المبيع ،ثمّ للخليط في حقّ المبيع كالشّرب
قال المرغينان ّ
والطّريق ،ثمّ للجار .
واستدلّ هؤلء بحديث عمرو بن الشّريد قال " :وقفت على سعد بن أبي وقّاص ،فجاء المسور
ي صلى ال عليه وسلم فقال
ي إذ جاء أبو رافع مولى النّب ّ
بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكب ّ
:يا سعد ،ابتع منّي بيتي في دارك .فقال سعد :واللّه ما أبتاعهما فقال المسور :واللّه
لتبتاعنهما ،فقال سعد :واللّه ل أزيدك على أربعة آلف منجّمةً أو مقطّعةً ،قال أبو رافع :لقد
أعطيت بها خمسمائة دينار ولول أنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول » :الجار
أحقّ بسقبه « ما أعطيتكها بأربعة آلف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إيّاه " .
ق بسبب الجوار ،واستدلّوا بحديث جابر قال :قال
ففي هذا الحديث دليل على أنّ الشّفعة تستح ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :الجار أحقّ بشفعته ينتظر به وإن كان غائبا ،إذا كان طريقهما
واحدا « .
وعن الشّريد بن سويد قال :قلت يا رسول اللّه » :أرضي ليس لحد فيها شركة ول قسمة إلّ
الجوار ،فقال :الجار أحقّ بسقبه « .
واستدلّوا من المعقول بأنّه إذا كان الحكم بالشّفعة ثبت في الشّركة لفضائها إلى ضرر المجاورة
لنـ المقصـود دفـع ضرر المتأذّي بسـوء المجاورة
فحقيقـة المجاورة أولى بالثّبوت فيهـا ،وهذا ّ
على الدّوام وضرر التّأذّي ب سوء المجاورة على الدّوام باتّ صال أ حد الملك ين بال خر على و جه ل
يتأتّى الفصل فيه .
والنّاس يتفاوتون في المجاورة حتّى يرغب في مجاورة بعض النّاس لحسن خلقه ويرغب عن
جوار البعض لسوء خلقه ،فلمّا كان الجار القديم يتأذّى بالجار الحادث على هذا الوجه ثبت له
حقّ الملك بالشّفعة دفعا لهذا الضّرر .
شروط الشّفعة بالجوار :
-يرى الحنفيّة أنّ الجوار سبب للشّفعة ولكنّهم لم يأخذوا بالجوار على عمومه ،بل 13
اشترطوا لذلك أن تتحقّق الملصقة في أيّ جزء من أيّ ح ّد من الحدود ،سواء امتدّ مكان
الملصقة حتّى عمّ الح ّد أم قصر حتّى لو لم يتجاوز .
فالملصق للمنزل والملصق لقصى الدّار سواء في استحقاق الشّفعة لنّ ملك كلّ ح ّد منهم
متّصل بالبيع .
ن المعتبر في
أمّا الجار المحاذي فل شفعة له بالمجاورة سواء أكان أقرب بابا أم أبعد ،ل ّ
الشّفعة هو القرب واتّصال أحد الملكين بالخر وذلك في الجار الملصق دون الجار المحاذي فإنّ
بين الملكين طريقا نافذا .
ن عائشة
وقال شريح :الشّفعة بالبواب ،فأقرب البواب إلى الدّار أحقّ بالشّفعة .لما ورد أ ّ
رضي ال عنها قالت » :يا رسول اللّه إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي ؟ قال :إلى أقربهما منك
بابا « .
ن سوء المجاورة ل يتحقّق إذا لم يكن ملك
ول تثبت الشّفعة أيضا عند الحنفيّة للجار المقابل .ل ّ
أحدهما متّصلً بملك الخر ول شركة بينهما في حقوق الملك .
وحقّ الشّفعة يثبت للجار الملصق ليترفّق به من حيث توسّع الملك والمرافق ،وهذا في الجار
الملصق يتحقّق لمكان جعل إحدى الدّارين من مرافق الدّار الخرى .
ول يتحقّق ذلك في الجار المقابل لعدم إمكان جعل إحدى الدّارين من مرافق الدّار الخرى بطريق
نافذ بينهما .
ولكن تثبت الشّفعة للجار المقابل إذا كانت الدّور كلّها في سكّة غير نافذة ،لمكان جعل بعضها
من مرافق البعض بأن تجعل الدّور كلّها دارا واحدةً .
ول تثبت الشّفعة إلّ للجار المالك ،فل تثبت لجار السّكنى ،كالمستأجر والمستعير ،لنّ
المقصود دفع ضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام وجوار السّكنى ليس بمستدام ،وضرر
التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام ،باتّصال أحد الملكين بالخر على وجه ل يتأتّى الفصل فيه .
الشّفعة بين ملك الطّبقات :
ق لهم الخذ بالشّفعة بسبب الجوار .
م -ملك الطّبقات عند الحنفيّة متجاورون فيح ّ 13
وإن لم يأخذ صاحب العلوّ السّفل بالشّفعة حتّى انهدم العلوّ فعلى قول أبي يوسف بطلت الشّفعة ،
لنّ التّصال بالجوار قد زال ،كما لو باع الّتي يشفع بها قبل الخذ .
وعلى قول محمّد تجب الشّفعة ،لنّها ليست بسبب البناء بل بالقرار وحقّ القرار باق .
سكّة فبيع الوسط تثبت الشّفعة للعلى
وإن كانت ثلثة أبيات بعضها فوق بعض وباب كلّ إلى ال ّ
ق التّعلّي
والسفل وإن بيع السفل أو العلى ،فالوسط أولى ،بما له من حقّ القرار ،لنّ ح ّ
يبقى على الدّوام ،وهو غير منقول فتستحقّ به الشّفعة كالعقار .
ولو كان سفل بين رجلين عليه علوّ لحدهما مشترك بينه وبين آخر فباع هو السّفل والعلوّ كان
ن كلّ واحد منهما شريك في نفس المبيع
العلوّ لشريكه في العلوّ والسّفل لشريكه في السّفل ،ل ّ
ق الخر أو شريك في الحقّ إذا كان طريقهما واحدا .
في حقّه وجار في ح ّ
ولو كان السّفل لرجل والعلوّ لخر فبيعت دار بجنبها فالشّفعة لهما .
أركان الشّفعة :
-أركان الشّفعة ثلثة : 14
ن سبب الستحقاق جواز الملك ،والسّبب إنّما ينعقد سببا عند وجود الشّرط ،
المشفوع فيه .ل ّ
والنعقاد أمر زائد على الوجود .
قال الكاسانيّ :ل شفعة له بدار يسكنها بالجارة والعارة ول بدار باعها قبل الشّراء ول بدار
جعلها مسجدا ول بدار جعلها وقفا .
وقد روي عن مالك جواز الشّفعة في الكراء كما سبق .
الشّرط الثّاني :بقاء الملكيّة لحين الخذ بالشّفعة :
-يجب أن يبقى الشّفيع مالكا للعقار المشفوع به حتّى يمتلك العقار المشفوع فيه بالرّضاء أو 16
ملك وبعضه وقف وبيع الملك فل شفعة للوقف ،ل لقيّمه ول للموقوف عليه .
واشترط الفقهاء جميعا ألّ يتضمّن التّملّك بالشّفعة تفريق الصّفقة لنّ الشّفعة ل تقبل التّجزئة .
وينبني على ذلك أنّه إذا كان المبيع قطعةً واحدةً والمشتري واحدا فل يجوز للشّفيع أن يطلب
بعض المبيع ويترك البعض الخر ،أمّا إذا كانت القطعة واحدةً ،وكان المشتري متعدّدا فيجوز
للشّفيع أن يطلب نصيب واحد أو أكثر أو يطلب الكلّ ،ول يعتبر هذا تجزئ ًة للشّفعة ،لنّ كلّ
واحد من الشّركاء مستقلّ بملكيّة نصيبه تمام الستقلل .وإذا كانت القطع متعدّدةً والمشتري
واحدا أخذ كلّ شفيع القطعة الّتي يشفع فيها ،فإن تعدّد المشترون أيضا فلكلّ شفيع أن يأخذ
نصيب بعضهم أو يأخذ الكلّ ويقدّر لكلّ قطعة ما يناسبها من الثّمن إن لم يكن مقدّرا في العقد .
المشفوع منه :
-وتجوز الشّفعة على أيّ مشتر للعقار المبيع سواء أكان قريبا للبائع أم كان أجنبيّا عنه . 18
معناه .
ن الخذ بالشّفعة يكون بمثل ما ملك
فل تثبت الشّفعة في الهبة والصّدقة والميراث والوصيّة ل ّ
فإذا انعدمت المعاوضة تعذّر الخذ بالشّفعة .
ن الشّفعة تثبت في كلّ ملك انتقل بعوض أو بغير عوض كالهبة لغير
وحكي عن مالك في رواية أ ّ
الثّواب ،والصّدقة ،ما عدا الميراث فإنّه ل شفعة فيه باتّفاق .ووجه هذه الرّواية أنّها اعتبرت
الضّرر فقط .
واختلف الفقهاء في المهر وأرش الجنايات والصّلح وبدل الخلع وما في معناها :
ي إلى عدم ثبوت الشّفعة في هذه الموال لنّ
فذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية صحّحها المرداو ّ
النّصّ ورد في البيع فقط وليست هذه التّصرّفات بمعنى البيع ،ولستحالة أن يتملّك الشّفيع بمثل
ما تملّك به هؤلء .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية أخرى إلى ثبوت الشّفعة في هذه التّصرّفات قياسا
ن الصّحيح
ص الحنابلة على أ ّ
على البيع بجامع الشتراك في المعاوضة مع لحوق الضّرر ثمّ ن ّ
عندهم أنّه إذا ثبتت الشّفعة في هذه الحال فيأخذه الشّفيع بقيمته وفي قول :بقيمة مقابله .
الهبة بشرط العوض :
-ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة -إلى أنّه 20
إذا كانت الهبة بشرط العوض ،فإن تقابضا وجبت الشّفعة ،لوجود معنى المعاوضة عند
التّقابض عند الحنفيّة ورأي للشّافعيّة ،وإن قبض أحدهما دون الخر فل شفعة عند أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمّد ،وعند زفر تجب الشّفعة بنفس العقد وهو الظهر عند الشّافعيّة .
الشّفعة مع شرط الخيار :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إن كان الخيار للبائع وحده أو للبائع والمشتري معا فل شفعة حتّى 21
يجب البيع ،لنّهم اشترطوا لجواز الشّفعة زوال ملك البائع عن المبيع .
وإذا كان الخيار للمشتري فقال الحنفيّة :تجب الشّفعة لنّ خياره ل يمنع زوال المبيع عن ملك
البائع وحقّ الشّفعة يقف عليه .
وعند المالكيّة :ل تجب الشّفعة ،لنّه غير لزم .لنّ بيع الخيار منحلّ على المشهور ،إلّ بعد
مضيّه ولزومه فتكون الشّفعة .
وأمّا الشّافعيّة فقد قالوا :إن شرط الخيار للمشتري وحده فعلى القول بأنّ الملك له ففي أخذه
بالشّفعة قولن :
ن المشتري لم يرض بلزوم العقد وفي الخذ إلزام وإثبات للعهدة عليه .
الوّل :المنع ،ل ّ
والثّاني :وهو الظهر يؤخذ ،لنّه ل حقّ فيه إلّ للمشتري والشّفيع سلّط عليه بعد لزوم الملك
واستقراره فقبله أولى .
وعند الحنابلة :ل تثبت الشّفعة قبل انقضاء الخيار كما قال المالكيّة .
لنـ شرط الخيار للشّفيـع شرط
وقال الحنفي ّة :ولو شرط البائع الخيار للشّفيـع فل شفعـة له ّ ،
لنفسه وأنّه يمنع وجوب الشّفعة ،فإن أجاز الشّفيع البيع جاز ول شفعة ،لنّ البيع تمّ من جهته
فصار كأنّه باع ابتدا ًء .وإن فسخ البيع فل شفعة له لنّ ملك البائع لم يزل ،والحيلة للشّفيع في
ي المدّة فتكون له الشّفعة .
ذلك ألّ يفسخ ول يجيز حتّى يجيز البائع أو يجوّز البيع بمض ّ
الشّفعة في بعض أنواع البيوع :
أ -البيع بالمزاد العلنيّ :
ي فمقتضى صيغ الفقهاء أنّهم ل يمنعون الشّفعة فيه لنّهم
-إذا بيع العقار بالمزاد العلن ّ 22
ذكروا شروطا للشّفعة إذا تحقّقت ثبتت الشّفعة للشّفيع ولم يستثنوا البيع بالمزايدة .
ب -ما بيع ليجعل مسجدا :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو قول أبي بكر من الحنابلة إلى أنّه إذا اتّخذ المشتري الدّار 23
مسجدا ث ّم حضر الشّفيع كان له أن ينقض المسجد ويأخذ الدّار بالشّفعة في ظاهر الرّواية .
ن المسجد يتحرّر عن حقوق العباد فيكون بمنزلة
وروي عن أبي حنيفة أنّه ليس له ذلك ،ل ّ
ق المرتهن ل يمنع حقّ الرّاهن
إعتاق العبد .وحقّ الشّفيع ل يكون أقوى من حقّ المرتهن ثمّ ح ّ
فكذلك حقّ الشّفيع ل يمنع صحّة جعل الدّار مسجدا .
ن للشّفيع في هذه البقعة حقّا مقدّما على حقّ المشتري ،وذلك يمنع صحّة
ووجه ظاهر الرّواية أ ّ
جعله مسجدا ،لنّ المسجد يكون للّه تعالى خالصا ،أل ترى أنّه لو جعل جزءا شائعا من داره
مسجدا أو جعل وسط داره مسجدا لم يجز ذلك ،لنّه لم يصر خالصا للّه تعالى فكذلك ما فيه حقّ
الشّفعة إذا جعله مسجدا ،وهذا لنّه في معنى مسجد الضّرار لنّه قصد الضرار بالشّفيع من
حيث إبطال حقّه فإذا لم يصحّ ذلك كان للشّفيع أن يأخذ الدّار بالشّفعة ويرفع المشتري بناءه
المحدث .
المال الّذي تثبت فيه الشّفعة :
ن العقار وما في معناه من الموال الثّابتة تثبت فيه الشّفعة .
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 24
القول الوّل :ل تثبت في المنقول وهو قول الحنفيّة والشّافعيّة ،والصّحيح من مذهبي المالكيّة
والحنابلة .
ن النّبيّ صلى ال عليه وآله وسلم »
واستدلّوا على ذلك بحديث جابر -رضي ال عنه -أ ّ
قضى بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم ،فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فل شفعة « .
ووجه الدّللة من هذا الحديث أنّ وقوع الحدود وتصريف الطّرق إنّما يكون في العقار دون
المنقول .
ي صلى ال عليه وآله وسلم قال » :ل شفعة إلّ في
عن أبي هريرة -رضي ال عنه -أنّ النّب ّ
دار أو عقار « ،وهذا يقتضي نفيها عن غير الدّار والعقار ممّا ل يتبعهما وهو المنقول ،وأمّا
ما يتبعهما فهو داخل في حكمها .
ن الشّفعة إنّما شرعت لدفع الضّرر ،والضّرر في العقار يكثر جدّا فإنّه يحتاج الشّريك
قالوا :ول ّ
إلى إحداث المرافق ،وتغيير البنية وتضييق الواسع وتخريب العامر وسوء الجوار وغير ذلك
ص بالعقار بخلف المنقول .
ممّا يخت ّ
وقالوا أيضا :الفرق بين المنقول وغيره أنّ الضّرر في غير المنقول يتأبّد بتأبّده وفي المنقول ل
يتأبّد فهو ضرر عارض فهو كالمكيل والموزون .
-القول الثّاني :تثبت الشّفعة في المنقول وهو رواية عن مالك وأحمد . 26
ي صلى ال عليه
ي عن جابر -رضي ال عنه -أنّ النّب ّ
واستدلّوا على ذلك بما رواه البخار ّ
وسلم » قضى بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم « .
قالوا :إنّـ الرّسـول صـلى ال عليـه وآله وسـلم أثبـت الشّفعـة فـي كلّ مـا لم يقسـم وهذا يتناول
ن " ما " من صيغ العموم فتثبت الشّفعة في المنقول كما هي ثابتة في العقار
العقار والمنقول .ل ّ
.وقالوا :ول نّ الضّرر بالشّركة فيما ل ينقسم أبلغ من الضّرر بالعقار الّذي يقبل القسمة فإذا
كان الشّارع مريدا لدفع الضّرر الدنى فالعلى أولى بالدّفع .
مراحل طلب الخذ بالشّفعة :
-على الشّفيع أن يظهر رغبته بمجرّد علمه بالبيع بما يسمّيه الفقهاء طلب المواثبة ،ثمّ 27
يؤكّد هذه الرّغبة ويعلنها ويسمّى هذا طلب التّقرير والشهاد ،فإذا لم تتمّ له الشّفعة تقدّم
للقضاء بما يسمّى بطلب الخصومة والتّملّك .
أ -طلب المواثبة :
-وقت هذا الطّلب هو وقت علم الشّفيع بالبيع ،وعلمه بالبيع قد يحصل بسماعه بالبيع 28
بالبيع وسكت عن الطّلب مع القدرة عليه بطل حقّ الشّفعة في رواية الصل .
وروي عن محمّد أنّه على المجلس كخيار المخيّرة وخيار القبول ما لم يقم عن المجلس أو
ن هذا أصحّ
يتشاغل عن الطّلب بعمل آخر ل تبطل شفعته وله أن يطلب ،وذكر الكرخيّ أ ّ
ن حقّ الشّفعة ثبت نظرا للشّفيع دفعا للضّرر عنه فيحتاج إلى
الرّوايتين ،ووجه هذه الرّواية أ ّ
التّأمّل أنّ هذه الدّار هل تصلح بمثل هذا الثّمن وأنّه هل يتضرّر بجوار هذا المشتري فيأخذ
ح بدون العلم بالبيع ،والحاجة إلى التّأمّل شرط
بالشّفعة ،أم ل يتضرّر به فيترك .وهذا ل يص ّ
المجلس في جانب المخيّرة ،والقبول ،كذا هاهنا .
ووجه رواية الصل ما روي أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قال » :الشّفعة كحلّ العقال «
ق يثبت على خلف القياس ،إذ الخذ بالشّفعة تملّك مال معصوم بغير إذن مالكه لخوف
ولنّه ح ّ
ضرر يحتمل الوجود والعدم فل يستقرّ إلّ بالطّلب على المواثبة .
واستثنى الحنفيّة القائلون بوجوب المواثبة حالت يعذر فيها بالتّأخير كما إذا سمع بالبيع في حال
سماعه خطبة الجمعة أو سلّم على المشتري قبل طلب الشّفعة ونحو ذلك .
وكذلك إذا كان هناك حائل بأن كان بينهما نهر مخوف ،أو أرض مسبعة ،أو غير ذلك من
الموانع ،ل تبطل شفعته بترك المواثبة إلى أن يزول الحائل .
-وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّفعة ليست على الفور بل وقت وجوبها متّسع ،واختلف قول 30
مالك في هذا الوقت هل هو محدود أم ل ؟ فمرّ ًة قال :هو غير محدود وأنّها ل تنقطع أبدا ،إلّ
أن يحدث المبتاع بناءً أو تغييرا كثيرا بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت ،ومرّ ًة حدّد هذا الوقت
ن الخمسة العوام ل
بسنة ،وهو الشهر كما يقول ابن رشد وقيل أكثر من السّنة وقد قيل عنه إ ّ
تنقطع فيها الشّفعة .
ن الشّفعة يجب طلبها على الفور لنّها حقّ ثبت لدفع الضّرر فكان
-والظهر عند الشّافعيّة أ ّ 31
على الفور كالرّ ّد بالعيب ،وهو موافق لرواية الصل والصّحيح من مذهب الحنابلة ،ومقابل
الظهر ثلثة أقوال :
ن حقّ الشّفعة مؤقّت بثلثة أيّام بعد المكنة ،فإن طلبها إلى ثلث كان على حقّه ،وإن
أحدها :أ ّ
مضت الثّلث قبل طلبه بطلت .
والقول الثّاني :تمتدّ مدّ ًة تسع التّأمّل في مثل ذلك الشّقص .
ن حقّ الشّفعة ممتدّ على التّأبيد ما لم يسقطه أو يعرّض بإسقاطه .
والثّالث :أ ّ
وقد استثنى بعض الشّافعيّة عشر صور ل يشترط فيها الفور هي :
أ -لو شرط الخيار للبائع أو لهما فإنّه ل يؤخذ بالشّفعة ما دام الخيار باقيا .
ن له التّأخير لنتظار إدراك الزّرع حصاده على الصحّ .
ب-إّ
ج -إذا أخبر بالبيع على غير ما وقع من زيادة في الثّمن فترك ثمّ تبيّن خلفه فحقّه باق .
د -إذا كان أحد الشّفيعين غائبا فللحاضر انتظاره وتأخير الخذ إلى حضوره .
هـ – إذا اشترى بمؤجّل .
ن لي الشّفعة وهو ممّن يخفى عليه ذلك .
و -لو قال :لم أعلم أ ّ
ز -لو قال العامّيّ :لم أعلم أنّ الشّفعة على الفور ،فإنّ المذهب هنا وفي الرّ ّد بالعيب قبول
قوله .
ص عليه البويطيّ فقال :وإن كان في يد
ح -لو كان الشّقص الّذي يأخذ بسببه مغصوبا كما ن ّ
رجل شقص من دار فغصب على نصيبه ثمّ باع الخر نصيبه ثمّ رجع إليه فله الشّفعة ساعة
رجوعه إليه ،نقله البلقينيّ .
ق الوليّ على التّراخي قطعا ،
ط -الشّفعة الّتي يأخذها الوليّ لليتيم ليست على الفور ،بل ح ّ
حتّى لو أخّرها أو عفا عنها لم يسقط لجل اليتيم .
ي -لو بلغه الشّراء بثمن مجهول فأخّر ليعلم ل يبطل ،قاله القاضي حسين .
ق الشّفعة على الفور إن طالب بها ساعة يعلم بالبيع
نحّ
-والصّحيح في مذهب الحنابلة :أ ّ 32
ن الشّفعة على
ص عليه أحمد في رواية أبي طالب ،وحكي عنه رواية ثانية أ ّ
وإلّ بطلت ،ن ّ
التّراخي ل تسقط ما لم يوجد منه ما يدلّ على الرّضى من عفو أو مطالبة بقسمة ونحو ذلك .
وإن كان للشّفيع عذر يمنعه الطّلب مثل أن ل يعلم بالبيع فأخّر إلى أن علم وطالب ساعة علم أو
علم الشّفيع بالبيع ليلً فأخّر الطّلب إلى الصّبح أو أخّر الطّلب لشدّة جوع أو عطش حتّى يأكل
ويشرب ،أو أخّر الطّلب محدث لطهارة أو إغلق باب أو ليخرج من الحمّام أو ليقضي حاجته ،
أو ليؤذّن ويقيم ويأتي بالصّلة بسننها ،أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها ونحوه ،كمن علم
ن العادة تقديم هذه
وقد ضاع منه مال فأخّر الطّلب يلتمس ما سقط منه لم تسقط الشّفعة ،ل ّ
الحوائج ونحوها على غيرها فل يكون الشتغال بها رضا بترك الشّفعة ،كما لو أمكنه أن يسرع
في مشيه أو يحرّك دابّته فلم يفعل ومضى على حسب عادته ،وهذا ما لم يكن المشتري حاضرا
عند الشّفيع في هذه الحوال ،فتسقط بتأخيره ،لنّه مع حضوره يمكنه مطالبته من غير اشتغال
عن أشغاله إلّ الصّلة فل تسقط الشّفعة بتأخير الطّلب للصّلة وسننها ،ولو مع حضور
ن العادة تأخير الكلم عن الصّلة ،وليس على الشّفيع تخفيف
المشتري عند الشّفيع ،ل ّ
الصّلة ،ول القتصار على أقلّ ما يجزئ في الصّلة .
الشهاد على طلب المواثبة :
-الشهاد ليس بشرط لصحّة طلب المواثبة فلو لم يشهد صحّ طلبه فيما بينه وبين اللّه ، 33
وإنّما الشهاد للظهار عند الخصومة على تقدير النكار ،لنّ من الجائز أنّ المشتري ل يصدّق
الشّفيع في الطّلب أو ل يصدّقه في الفور ويكون القول قوله فيحتاج إلى الظهار بالبيّنة عند
القاضي على تقدير عدم التّصديق ،ل أنّه شرط صحّة الطّلب ،هذا عند الحنفيّة والشّافعيّة .
قال الشّافعيّة إن كان للشّفيع عذر يمنع المطالبة ،فليوكّل في المطالبة أو يشهد على طلب
الشّفعة ،فإن ترك المقدور عليه منها بطل حقّه في الظهر .
وعند الحنابلة :تسقط الشّفعة بسيره إلى المشتري في طلبها بل إشهاد ،ول تسقط إن أخّر
ن الحنابلة يشترطون الشهاد لصحّة الطّلب .
طلبه بعد الشهاد ،أي إ ّ
ويصحّ الطّلب بكلّ لفظ يفهم منه طلب الشّفعة كما لو قال :طلبت الشّفعة أو أطلبها أو أنا
طالبها ،لنّ العتبار للمعنى .
ب -طلب التّقرير والشهاد :
-هذه المرحلة من المطالبة اختصّ بذكرها الحنفيّة فقالوا :يجب على الشّفيع بعد طلب 34
فإن كان في يد البائع فالشّفيع بالخيار إن شاء طلب من البائع ،وإن شاء طلب من المشتري
وإن شاء طلب عند المبيع .
ن كلّ واحد منهما خصم البائع باليد والمشتري بالملك ،فصحّ
أمّا الطّلب من البائع والمشتري فل ّ
الطّلب من كلّ واحد منهما .
ق متعلّق به ،فإن سكت عن الطّلب من أحد المتبايعين وعند
وأمّا الطّلب عند المبيع فلنّ الح ّ
المبيع مع القدرة عليه بطلت شفعته لنّه فرّط في الطّلب .
وإن كان في يد المشتري فإن شاء طلب من المشتري وإن شاء عند المبيع ،ول يطلب من
البائع لنّه خرج من أن يكون خصما لزوال يده ول ملك له فصار بمنزلة الجنبيّ .
هذا إذا كان قادرا على الطّلب من المشتري أو البائع أو عند المبيع .
والشهاد على طلب التّقرير ليس بشرط لصحّته وإنّما هو لتوثيقه على تقدير النكار كما في
طلب المواثبة .وتسمية المبيع وتحديده ليست بشرط لصحّة الطّلب والشهاد في ظاهر الرّواية ،
ح إلّ بعد العلم والعقار ل يصير معلوما إلّ
وروي عن أبي يوسف أنّه شرط ،لنّ الطّلب ل يص ّ
بالتّحديد فل يصحّ الطّلب والشهاد بدونه .
ي أنّه لوأتى بلفظ يدلّ
-واختلفت عبارات مشايخ الحنفيّة في ألفاظ الطّلب ،وصحّح الكاسان ّ 36
على الطّلب أيّ لفظ كان يكفي ،نحو أن يقول :ادّعيت الشّفعة أو سألت الشّفعة ونحو ذلك ممّا
ن الحاجة إلى الطّلب ،ومعنى الطّلب يتأدّى بكلّ لفظ يدلّ
يدلّ على الطّلب ،قال الكاسانيّ :ل ّ
عليه ،سواء أكان بلفظ الطّلب أم بغيره ،ومن صور هذا الطّلب ما ذكر في الهداية والكنز ،
وهي أن يقول الشّفيع :إنّ فلنا اشترى هذه الدّار وأنا شفيعها ،وقد كنت طلبت الشّفعة وأطلبها
الن فاشهدوا على ذلك .
-وأمّا حكم هذا الطّلب عند الحنفيّة فهو استقرار الحقّ ،فالشّفيع إذا أتى بطلبين صحيحين 37
-طلب المواثبة وطلب التّقرير -استق ّر الحقّ على وجه ل يبطل بتأخير المطالبة أمام القاضي
بالخذ بالشّفعة أبدا حتّى يسقطها بلسانه ،وهو قول أبي حنيفة وإحدى الرّوايتين عن أبي
يوسف ،وفي رواية أخرى قال :إذا ترك المخاصمة إلى القاضي في زمان يقدر فيه على
المخاصمة بطلت شفعته ،ولم يؤقّت فيه وقتا ،وروي عنه أنّه قدّره بما يراه القاضي ،وقال
محمّد وزفر ،إذا مضى شهر بعد الطّلب ولم يطلب من غير عذر بطلت شفعته ،وهو رواية عن
أبي يوسف أيضا وبه أخذت المجلّة .
ن حقّ الشّفعة ثبت لدفع الضّرر عن الشّفيع ول يجوز دفع الضّرر عن
وجه قول محمّد وزفر :أ ّ
النسان على وجه يتضمّن الضرار بغيره ،وفي إبقاء هذا الحقّ بعد تأخير الخصومة أبدا
إضرار بالمشتري ،لنّه ل يبني ول يغرس خوفا من النّقض والقلع فيتضرّر به ،فل ب ّد من
التّقدير بزمان ،وقدّر بالشّهر لنّه أدنى الجال ،فإذا مضى شهر ولم يطلب من غير عذر فقد
فرّط في الطّلب فتبطل شفعته .
ن الحقّ متى ثبت لنسان ل
ن الحقّ للشّفيع قد ثبت بالطّلبين والصل أ ّ
ووجه قول أبي حنيفة ،أ ّ
يبطل إلّ بإبطاله ولم يوجد لنّ تأخير المطالبة منه ل يكون إبطالً ،كتأخير استيفاء القصاص
وسائر الدّيون .
ج -طلب الخصومة والتّملّك :
-طلب الخصومة والتّملّك هو طلب المخاصمة عند القاضي ،فيلزم أن يطلب الشّفيع ويدعى 38
منهم بأن كانوا جميعا من رتبة واحدة -أي شركاء مثلً -فذهب المالكيّة ،والشّافعيّة ،في
الظهر ،والحنابلة على الصّحيح من المذهب إلى أنّه إذا تعدّد الشّفعاء وزّعت الشّفعة عليهم
بقدر الحصص من الملك ،ل على عدد الرّءوس .ووجه ذلك عندهم ،أنّها مستحقّة بالملك
فقسّط على قدره كالجرة والثّمن .
وذهب الحنفيّة والشّافعيّة في قول :والحنابلة في قول ،إلى أنّها تقسم على عدد الرّءوس ل
على قدر الملك .
ووجه ذلك أنّ السّبب في موضوع الشّركة أصل الشّركة ،وقد استويا فيه فيستويان في
الستحقاق .
-وكما يقسم المشفوع فيه على الشّركاء بالتّساوي عند الحنفيّة ،يقسم أيضا على الجيران 41
بالتّساوي بصرف النّظر عن مقدار المجاورة ،فإذا كان لدار واحدة شفيعان جاران جوارهما
على التّفاوت بأن كان جوار أحدهما بخمسة أسداس الدّار وجوار الخر بسدسها ،كانت الشّفعة
بينهما نصفين لستوائهما في سبب الستحقاق ،وهو أصل الجوار .
فالقاعدة عند الحنفيّة هي أنّ العبرة في السّبب أصل الشّركة ل قدرها ،وأصل الجوار ل قدره ،
وهذا يعمّ حال انفراد السباب واجتماعها .
ثانيا :عند اختلف سبب الشّفعة :
ن أسباب الشّفعة إذا اجتمعت يراعى فيها التّرتيب بين الشّفعاء فيقدّم
-ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 42
القوى فالقوى ،فيقدّم الشّريك في نفس المبيع على الخليط في حقّ المبيع ،ويقدّم الخليط في
حقّ المبيع على الجار الملصق لما روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال :
» الشّريك أحقّ من الخليط والخليط أحقّ من غيره « ولنّ المؤثّر في ثبوت حقّ الشّفعة هو دفع
ضرر الدّخيل وأذاه ،وسبب وصول الضّرر والذى هو التّصال ،والتّصال على هذه المراتب ،
فالتّصال بالشّركة في عين المبيع أقوى من التّصال بالخلط ،والتّصال بالخلط أقوى من
التّصال بالجوار ،والتّرجيح بقوّة التّأثير ترجيح صحيح .فإن سلّم الشّريك وجبت للخليط .
وإن اجتمع خليطان يقدّم الخصّ على العمّ ،وإن سلّم الخليط وجبت للجار لما قلنا ،وهذا على
ظاهر الرّواية ،وروي عن أبي يوسف أنّه إذا سلّم الشّريك فل شفعة لغيره .
فعلى ظاهر الرّواية ليس للمتأخّر حقّ إلّ إذا سلّم المتقدّم ،فإن سلّم فللمتأخّر أن يأخذ بالشّفعة ،
ق التّقدّم .
ن للشّريك ح ّ
لنّ السّبب قد تقرّر في حقّ الكلّ إلّ أ ّ
ولكن بشرط أن يكون الجار طلب الشّفعة مع الشّريك إذا علم بالبيع ليمكنه الخذ إذا سلّم
الشّريك ،فإن لم يطلب حتّى سلّم الشّريك فل يحقّ له بعد ذلك .
والشّافعيّة والحنابلة ل يثبتون الشّفعة إلّ للشّريك في الملك .
أمّا المالكيّة فل يتأتّى التّزاحم عندهم لنّهم وإن وافقوهم في ذلك ،إلّ أنّهم ذهبوا مذهبا آخر
فجعلوها للشّركاء في العقار دون ترتيب إذا ما كانوا في درجة واحدة ،وذلك عندما يكون كلّ
شريك أصلً في الشّركة ل خلفا فيها عن غيره .أمّا إذا كان بعضهم خلفا في الشّركة عن غيره
دون بعض فل تكون لهم على السّواء وإنّما يقدّم الشّريك في السّهم المباع بعضه على الشّريك
في أصل العقار ،ويظهر ذلك في الورثة ،فإذا كانت دار بين اثنين فمات أحدهما عن جدّتين ،
وزوجتين ،وشقيقتين ،فباعت إحدى هؤلء حظّها من الدّار كانت الشّفعة أ ّولً لشريكتها في
ل -أولى بما تبيع صاحبتها
السّهم دون بقيّة الورثة والشّريك الجنبيّ ،فتكون الجدّة -مث ً
-وهي الجدّة الخرى -لشتراكهما في السّدس ،وهكذا .
وعند المالكيّة أيضا ،إن أعار شخص أرضه لقوم يبنون فيها أو يغرسون فيها ففعلوا ثمّ باع
أحدهم حظّه من البناء أو الشّجر قدّم الشّخص المعير على شركاء البائع في أخذ الحظّ المبيع
بقيمة نقضه منقوضا أو بثمنه الّذي بيع به فالخيار له عند ابن الحاجب ،هذا في العارة
المطلقة ،وأمّا المقيّدة بزمن معلوم ولم ينقض فقال ابن رشد :إن باع أحدهم حظّه قبل انقضاء
ب الرض إن باعه على البقاء ،وإن باعه
أمد العارة على البقاء فلشريكه الشّفعة ول مقال لر ّ
على النّقض قدّم ربّ الرض .
ب الرض أخذه
فإذا بنى رجلن في عرصة رجل بإذنه ،ثمّ باع أحدهما حصّته من النّقض فلر ّ
بالق ّل من قيمته مقلوعا أو من الثّمن الّذي باعه به ،فإن أبى فلشريكه الشّفعة للضّرر إذ هو
أصل الشّفعة .
ثالثا :مزاحمة المشتري الشّفيع لغيره من الشّفعاء :
-إذا كان المشتري شفيعا ،فإنّه يزاحم غيره من الشّفعاء بقوّة سببه ويزاحمونه كذلك بقوّة 43
ن استحقاق التّملّك وقع على المشتري فيجعل كأنّه اشترى منه .
صحيح ،ل ّ
ثمّ إذا أخذ الدّار من يد البائع يدفع الثّمن إلى البائع وكانت العهدة عليه ،ويستردّ المشتري
الثّمن من البائع إن كان قد نقد .
وإن أخذها من يد المشتري دفع الثّمن إلى المشتري ،وكانت العهدة عليه ،لنّ العهدة هي من
الرّجوع بالثّمن عند الستحقاق فيكون على من قبضه .
وروي عن أبي يوسف ،أنّ المشتري إذا كان نقد الثّمن ولم يقبض الدّار حتّى قضي للشّفيع
بمحضر منهما أنّ الشّفيع يأخذ الدّار من البائع وينقد الثّمن للمشتري والعهدة على المشتري ،
وإن كان لم ينقد دفع الشّفيع الثّمن إلى البائع ،والعهدة على البائع .
-وشرط جواز القضاء بالشّفعة عند الحنفيّة :حضور المقضيّ عليه ،لنّ القضاء على 46
الغائب ل يجوز ،فإن كان المبيع في يد البائع فل ب ّد من حضور البائع والمشتري جميعا ،لنّ
كلّ واحد منهما خصم ،أمّا البائع فباليد ،وأمّا المشتري فبالملك فكان كلّ واحد منهما مقضيّا
ل يكون قضاءً على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر .
عليه فيشترط حضورهما لئ ّ
وأمّا إن كان في يد المشتري فحضور البائع ليس بشرط ،ويكتفى بحضور المشتري لنّ البائع
خرج من أن يكون خصما لزوال ملكه ويده عن المبيع فصار كالجنبيّ ،وكذا حضور الشّفيع أو
وكيله شرط جواز القضاء له بالشّفعة ،لنّ القضاء على الغائب كما ل يجوز ،فالقضاء للغائب
ل يجوز أيضا ،ثمّ القاضي إذا قضى بالشّفعة يثبت الملك للشّفيع ول يقف ثبوت الملك له على
التّسليم ،لنّ الملك للشّفيع يثبت بمنزلة الشّراء ،والشّراء الصّحيح يوجب الملك بنفسه .
-ووقت القضاء بالشّفعة ،هو وقت المنازعة والمطالبة بها فإذا طالبه بها الشّفيع يقضي له 47
القاضي بالشّفعة ،سواء أحضر الثّمن أم ل في ظاهر الرّواية ،وللمشتري أن يحبس الدّار حتّى
ق حبس المبيع لستيفاء الثّمن ،فإن أبى أن ينقد حبسه
يستوفي الثّمن من الشّفيع وللبائع ح ّ
ق واجب عليه ،فيحبسه ول ينقض الشّفعة ،
القاضي ،لنّه ظهر ظلمه بالمتناع من إيفاء ح ّ
وإن طلب أجلً أجّله يوما أو يومين أو ثلث ًة ،لنّه ل يمكنه النّقد للحال فيحتاج إلى مدّة يتمكّن
فيها من النّقد فيمهله ول يحبسه ،فإن مضى الجل ولم ينقد حبسه .
وقال محمّد :ل ينبغي للقاضي أن يقضي بالشّفعة حتّى يحضر الشّفيع المال ،فإن طلب أجلً
أجّله يوما أو يومين أو ثلثة أيّام ولم يقض له بالشّفعة ،فإن قضى بالشّفعة ثمّ أبى الشّفيع أن
ينقد حبسه .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّفيع يملك الشّقص بأحد أمور ثلثة :
أ -حكم الحاكم له .
ب -دفع ثمن من الشّفيع للمشتري .
ج -الشهاد بالخذ ولو في غيبة المشتري ،وقيل ل ب ّد أن يكون بحضوره .
وقال الشّافعيّة :ل يشترط في التّملّك بالشّفعة حكم الحاكم ،ول إحضار الثّمن ،ول حضور
المشتري ول رضاه ،ول بدّ من جهة الشّفيع من لفظ ،كقوله :تملّكت ،أو اخترت الخذ
بالشّفعة ،أو أخذته بالشّفعة ،وما أشبهه ،وإلّ فهو من باب المعاطاة .ولو قال :أنا مطالب
بالشّفعة ،لم يحصل به التّملّك على الصحّ ،وبه قطع المتولّي .ولذلك قالوا :يعتبر في التّملّك
بها ،أن يكون الثّمن معلوما للشّفيع ،ولم يشترطوا ذلك في الطّلب .
ثمّ ل يملك الشّفيع بمجرّد اللّفظ ،بل يعتبر معه أحد أمور :
الوّل :أن يسلّم العوض إلى المشتري ،فيملك به إن استلمه ،وإلّ فيخلى بينه وبينه ،أو يرفع
المر إلى القاضي حتّى يلزمه التّسليم .قال النّوويّ :أو يقبض عنه القاضي .
الثّاني :أن يسلّم المشتري الشّقص ويرضى بكون الثّمن في ذمّة الشّفيع ،إلّ أن يبيع ،ولو
رضي بكون الثّمن في ذمّته ،ولم يسلّم الشّقص ،فوجهان :
أحدهما :ل يحصل الملك ،لنّ قول المشتري وعد .
وأصحّهما :الحصول ،لنّه معاوضة ،والملك في المعاوضات ل يقف على القبض .
الثّالث :أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقّه بالشّفعة ،ويختار التّملّك ،فيقضي القاضي له
بالشّفعة ،فوجهان :
أحدهما :ل يحصل الملك حتّى يقبض عوضه ،أو يرضى بتأخّره ،وأصحّهما :الحصول .
وإذا ملك الشّفيع الشّقص بغير الطّريق الوّل ،لم يكن له أن يتسلّمه حتّى يؤدّي الثّمن ،وأن
يسلّمه المشتري قبل أداء الثّمن ول يلزمه أن يؤخّر حقّه بتأخير البائع حقّه .وإذا لم يكن الثّمن
حاضرا وقت التّملّك ،أمهل ثلثة أيّام .فإن انقضت ولم يحضره فسخ الحاكم تملّكه ،هكذا قاله
ابن سريج والجمهور .وقيل :إذا قصّر في الداء ،بطل حقّه .وإن لم يوجد ،رفع المر إلى
الحاكم وفسخ منه .
ن الشّفيع يملك الشّقص بأخذه بكلّ لفظ يد ّل على أخذه ،بأن يقول قد أخذته
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
بالثّمن أو تملّكته بالثّمن أو اخترت الخذ بالشّفعة ،ونحو ذلك إذا كان الثّمن والشّقص
معلومين ،ول يفتقر إلى حكم حاكم .
وقال القاضي وأبو الخطّاب :يملكه بالمطالبة ،لنّ البيع السّابق سبب ،فإذا انضمّت إليه
المطالبة كان كاليجاب في البيع انض ّم إليه القبول .
ص والجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرّدّ بالعيب .
ق الشّفعة ثبت بالنّ ّ
واستدلّوا بأنّ ح ّ
وعلى هذا فإنّه إذا قال قد أخذت الشّقص بالثّمن الّذي تمّ عليه العقد ،وهو عالم بقدره وبالمبيع
ن الشّقص يؤخذ قهرا والمقهور
صحّ الخذ ،وملك الشّقص ول خيار للشّفيع ول للمشتري ،ل ّ
ل خيار له .والخذ قهرا ل خيار له أيضا .
وإن كان الثّمن أو الشّقص مجهولً لم يملكه بذلك ،لنّه بيع في الحقيقة ،فيعتبر العلم
بالعوضين كسائر البيوع ،وله المطالبة بالشّفعة ،ثمّ يتعرّف مقدار الثّمن من المشتري أو من
غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أنّ له الخذ مع جهالة الشّقص بناءً على بيع الغائب .
البناء والغراس في المال المشفوع فيه :
-اختلف الفقهاء فيما إذا بنى المشتري في الرض المشفوع فيها أو غرس فيها ،ثمّ قضي 48
للشّفيع بالشّفعة ،وسبب الختلف على ما قال ابن رشد هو تردّد تصرّف المشفوع عليه العالم
بوجوب الشّفعة عليه بين شبهة تصرّف الغاصب وتصرّف المشتري الّذي يطرأ عليه الستحقاق
وقد بنى في الرض وغرس وذلك أنّه وسط بينهما .
فمن غلب عليه شبه الستحقاق لم يكن له أن يأخذ القيمة ،ومن غلب عليه شبه التّعدّي كان له
أن يأخذه بنقضه أو يعطيه قيمته منقوضا .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا بنى المشتري في الرض المشفوع فيها أو غرس ،ثمّ قضي للشّفيع
بالشّفعة فهو بالخيار ،إن شاء أخذها بالثّمن والبناء والغرس بقيمته مقلوعا ،وإن شاء أجبر
المشتري على قلعهما ،فيأخذ الرض فارغةً .وهذا هو جواب ظاهر الرّواية .
ووجه ظاهر الرّواية :أنّه بنى في محلّ تعلّق به حقّ متأكّد للغير من غير تسليط من جهة من له
ق المشتري ،لنّه يتقدّم
ن حقّه أقوى من ح ّ
الحقّ فينقض كالرّاهن إذا بنى في المرهون ،وهذا ل ّ
عليه ،ولهذا ينقض بيعه وهبته وتصرّفاته .
وروي عن أبي يوسف ،أنّه ل يجبر المشتري على القلع ويخيّر الشّفيع بين أن يأخذ بالثّمن
وقيمة البناء والغرس وبين أن يترك ،ووجه ذلك عنده أنّه محقّ في البناء ،لنّه بناه على أنّ
الدّار ملكه ،والتّكليف بالقلع من أحكام العدوان وصار كالموهوب له والمشتري شراءً فاسدا ،
ن في إيجاب القيمة دفع أعلى الضّررين
وكما إذا زرع المشتري فإنّه ل يكلّف القلع ،وهذا ل ّ
بتحمّل الدنى فيصار إليه .
ن الستحسان عدم قلعه ،لنّ له نهايةً معلومةً ويبقى بالجر وليس
أمّا الزّرع فالقياس قلعه ولك ّ
فيه كثير ضرر .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا أحدث المشتري بنا ًء أو غرسا أو ما يشبه ذلك في الشّقص قبل قيام
الشّفيع ،ثمّ قام الشّفيع بطلب شفعته فل شفعة إلّ أن يعطى المشتري قيمة ما بنى وما غرس .
وللمشتري الغلّة إلى وقت الخذ بالشّفعة لنّه في ضمانه قبل الخذ بها والغلّة بالضّمان .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا بنى المشتري أو غرس أو زرع في الشّقص المشفوع ثمّ علم الشّفيع
فله الخذ بالشّفعة وقلع بنائه وغرسه وزرعه مجّانا ل بحقّ الشّفعة ،ولكن لنّه شريك وأحد
الشّريكين إذا انفرد بهذه التّصرّفات في الرض المشتركة كان للخر أن يقلع مجّانا .
وإن بنى المشتري وغرس في نصيبه بعد القسمة والتّمييز ثمّ علم الشّفيع لم يكن له قلعه
مجّانا ،لنّه بنى في ملكه الّذي ينفذ تصرّفه فيه فل يقلع مجّانا .
فإن اختار المشتري قلع البناء أو الغراس فله ذلك ول يكلّف تسوية الرض .لنّه كان متصرّفا
في ملكه ،فإن حدث في الرض نقص فالشّفيع إمّا أن يأخذه على صفته ،وإمّا أن يترك ،فإن
لم يختر المشتري القلع ،فللشّفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الرض بأجرة وبين تملّكه بقيمته
يوم الخذ ،وبين أن ينقضه ويغرم أرش النّقص .
ولو كان قد زرع فيبقى زرعه إلى أن يدرك فيحصده ،وليس للشّفيع أن يطالبه بالجرة على
المشهور عندهم .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا بنى المشتري أو غرس أعطاه الشّفيع قيمة بنائه أو غرسه ،إ ّل أن
يشاء المشتري أن يأخذ بناءه وغراسه ،فله ذلك إذا لم يكن في أخذه ضرر .لنّه ملكه ،فإذا
قلعه فليس عليه تسوية الحفر ول نقص الرض ،ذكره القاضي ،لنّه غرس وبنى في ملكه ،
وما حدث من النّقص إنّما حدث في ملكه ،وذلك ل يقابله ثمن .
ي ،أنّ عليه ضمان النّقص الحاصل بالقلع ،لنّه اشترط في قلع الغرس
وظاهر كلم الخرق ّ
والبناء عدم الضّرر ،وذلك لنّه نقص دخل على ملك غيره لجل تخليص ملكه فلزمه ضمانه ،
لنّ النّقص الحاصل بالقلع إنّما هو في ملك الشّفيع .فأمّا نقص الرض الحاصل بالغرس والبناء
فل يضمنه .
فإن لم يختر المشتري القلع فالشّفيع بالخيار بين ثلثة أشياء :
أ -ترك الشّفعة .
ب -دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الرض .
ج -قلع الغرس والبناء ويضمن له ما نقص بالقلع .
وإن زرع في الرض فللشّفيع الخذ بالشّفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ،لنّ
ن الشّفيع اشترى الرض وفيها زرع
ضرره ل يبقى ول أجرة عليه لنّه زرعه في ملكه ،ول ّ
للبائع مبقىً إلى الحصاد بل أجرة كغير المشفوع ،وإن كان في الشّجر ثمر ظاهر أثمر في ملك
المشتري فهو له مبقىً إلى الجذاذ كالزّرع .
استحقاق المشفوع فيه للغير :
-اختلف الفقهاء في عهدة الشّفيع أهي على المشتري أم على البائع .يعني إذا أخذ الشّفيع 49
الشجار الّتي كانت مغروسةً في الرض المشفوعة فإنّ الشّفيع يأخذ العرصة أو الرض بحصّتها
من الثّمن بأن يقسم الثّمن على قيمة العرصة أو الرض وقيمة البناء أو الشّجر وما خصّ
العرصة أو الرض منه يدفعه الشّفيع وتكون النقاض والخشاب للمشتري .
وإذا تخرّبت الدّار المشفوعة أو جفّت أشجار البستان المشفوع بل تعدّي أحد عليها يأخذها
الشّفيع بالثّمن المسمّى ،فإن كان بها أنقاض أو خشب وأخذه المشتري تسقط حصّته من الثّمن
بأن يقسم الثّمن على قيمة الدّار أو البستان يوم العقد وقيمة النقاض والخشب يوم الخذ ،وإذا
تلف بعض الرض المشفوعة بغرق أو نحوه سقطت حصّة التّالف من أصل الثّمن ،وللشّفيع أن
يأخذ الرض مع الثّمر والزّرع بالثّمن الوّل إذا كان متّصلً ،فأمّا إذا زال التّصال ثمّ حضر
الشّفيع فل سبيل للشّفيع عليه وإن كانت عينه قائمةً سواء أكان الزّوال بآفة سماويّة أم بصنع
ن حقّ الشّفعة في هذه الشياء إنّما ثبت معدولً به عن القياس معلولً
المشتري أو الجنبيّ ،ل ّ
بالتّبعيّة وقد زالت التّبعيّة بزوال التّصال فير ّد الحكم فيه إلى أصل القياس .
وذهب المالكيّة إلى أنّه ل يضمن المشتري نقص الشّقص إذا طرأ عليه بعد الشّراء بل سبب منه
وإنّما بسبب سماويّ أو تغيّر سوق أو كان بسبب منه ولكنّه فعله لمصلحة كهدم لمصلحة من
غير بناء ،وسواء علم أنّ له شفيعا أم ل .فإن هدم ل لمصلحة ضمن ،فإن هدم وبنى فله
قيمته على الشّفيع قائما لعدم تعدّيه وتعتبر يوم المطالبة وله قيمة النّقص الوّل منقوضا يوم
الشّراء .وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن تعيّبت الدّار المشترى بعضها أخذ الشّفيع بكلّ الثّمن أو ترك
كتعيّبها بيد البائع ،وكذا لو انهدمت بل تلف لشيء منها ،فإن وقع تلف لبعضها فبالحصّة من
الثّمن يأخذ الباقي .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إن تلف الشّقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه .لنّه ملكه
تلف في يده ،ثمّ إن أراد الشّفيع الخذ بعد تلف بعضه أخذ الموجود بحصّته من الثّمن سواء
أكان التّلف بفعل اللّه تعالى أم بفعل آدميّ ،وسواء أتلف باختيار المشتري كنقضه للبناء أم بغير
اختياره مثل أن انهدم .
ثمّ إن كانت النقاض موجودةً أخذها مع العرصة بالحصّة وإن كانت معدومةً أخذ العرصة وما
بقي من البناء وهو قول الثّوريّ والعنبريّ ،ووجهه أنّه تعذّر على الشّفيع أخذ الجميع وقدر
على أخذ البعض فكان له بالحصّة من الثّمن كما لو تلف بفعل آدميّ سواه أو لو كان له شفيع
آخر .أو نقول :أخذ بعض ما دخل معه في العقد ،فأخذه بالحصّة كما لو كان معه سيف .
وأمّا الضّرر فإنّما حصل بالتّلف ول صنع للشّفيع فيه والّذي يأخذه الشّفيع يؤدّي ثمنه فل يتضرّر
المشتري بأخذه .
ن استحقاقه للشّفعة كان حال عقد البيع وفي تلك
وإنّما قالوا بأخذ النقاض وإن كانت منفصلةً ل ّ
الحال كان متّصلً اتّصالً ليس مآله إلى النفصال وانفصاله بعد ذلك ل يسقط حقّ الشّفعة .وإن
نقضت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل انشقاق الحائط وانهدام البناء ،وشعث الشّجر فليس له
ن هذه المعاني ل يقابلها الثّمن بخلف العيان .
إلّ الخذ بجميع الثّمن أو التّرك .ل ّ
ميراث الشّفعة :
ق الشّفعة :
-اختلف الفقهاء في ميراث ح ّ 51
أ ّولً :ترك أحد الطّلبات الثّلثة في وقته وهي طلب المواثبة ،وطلب التّقرير والشهاد ،وطلب
الخصومة والتّملّك إذا ترك على الوجه المتقدّم .
ثانيا :إذا طلب الشّفيع بعض العقار المبيع وكان قطعةً واحدةً والمشتري واحدا ،لنّ الشّفعة ل
تقبل التّجزئة .
ثالثا :موت الشّفيع عند الحنفيّة قبل الخذ بها رضا ًء أو قضا ًء سواء أكانت الوفاة قبل الطّلب أم
بعده .ول تورث عنه عندهم .
رابعا :البراء والتّنازل عن الشّفعة :فالبراء العامّ من الشّفيع يبطلها قضا ًء مطلقا ل ديان ًة إن
لم يعلم بها .
وقد تكلّم الفقهاء في التّنازل عن الشّفعة بالتّفصيل كالتّالي :
-إذا تنازل الشّفيع عن حقّه في طلب الشّفعة سقط حقّه في طلبها ،والتّنازل هذا إمّا أن 53
يكون صريحا وأمّا أن يكون ضمنيّا .فالتّنازل الصّريح نحو أن يقول الشّفيع :أبطلت الشّفعة أو
أسقطتها أو أبرأتك عنها ونحو ذلك ،لنّ الشّفعة خالص حقّه فيملك التّصرّف فيها استيفاءً
وإسقاطا كالبراء عن الدّين والعفو عن القصاص ونحو ذلك سواء علم الشّفيع بالبيع أم لم يعلم
بشرط أن يكون بعد البيع .
أمّا التّنازل الضّمنيّ فهو أن يوجد من الشّفيع ما يدلّ على رضاه بالبيع وثبوت الملك للمشتري ،
ق الشّفعة إنّما يثبت له دفعا لضرر المشتري فإذا رضي بالشّراء أو بحكمه فقد رضي
لنّ ح ّ
بضرر جواره فل يستحقّ الدّفع بالشّفعة .
وانظر مصطلح ( إسقاط ) .
التّنازل عن الشّفعة قبل البيع :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنازل الشّفيع عن حقّه في طلب الشّفعة قبل بيع العقار 54
المشفوع فيه لم يسقط حقّه في طلبها بعد البيع ،ل نّ هذا التّنازل إسقاط للح قّ ،وإسقاط الح قّ
قبل وجوبه ووجود سبب وجوبه محال .
وقد روي عن أحمد ما يدلّ على أنّ الشّفعة تسقط بالتّنازل عنها قبل البيع ،فإنّ إسماعيل بن
ي صلى ال عليه وسلم » :من كان بينه وبين أخيه
سعيد قال :قلت لحمد :ما معنى قول النّب ّ
ربعة فأراد بيعها فليعرضها عليه « .وقد جاء في الحديث » :ول يحلّ له إلّ أن يعرضها عليه
« إذا كانت الشّفعة ثابتةً له ؟ فقال :ما هو ببعيد من أن يكون على ذلك وألّ تكون له الشّفعة ،
وهذا قول الحكم والثّوريّ وأبي عبيد وأبي خيثمة وطائفة من أهل الحديث .
واحتجّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن
يبيع حتّى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك « .
ق به « ،فمفهومه أنّه إذا باعه
وقوله صلى ال عليه وسلم » :فإذا باع ولم يؤذنه فهو أح ّ
بإذنه ل حقّ له .
ولنّ الشّفعة تثبت في موضع الوفاق على خلف الصل لكونه يأخذ ملك المشتري من غير
رضائه ،ويجبره على المعاوضة به لدخوله مع البائع في العقد الّذي أساء فيه بإدخال الضّرر
على شريكه ،وتركه الحسان إليه في عرضه عليه وهذا المعنى معدوم هاهنا فإنّه قد عرضه
عليه ،وامتناعه من أخذه دليل على عدم الضّرر في حقّه ببيعه وإن كان فيه ضرر فهو أدخله
على نفسه فل يستحقّ الشّفعة كما لو أخّر المطالبة بعد البيع .
التّنازل عن الشّفعة مقابل تعويض أو صلح عنها :
-اختلف الفقهاء في جواز التّنازل عن الشّفعة مقابل تعويض يأخذه الشّفيع : 55
حكم الحاكم له بها ،فإن ترك الشّفيع طلب الشّفعة أو باع حصّته الّتي يشفع بها بعد طلب
الشّفعة وقبل تملّكه المشفوع فيه بالقضاء أو الرّضا يسقط حقّه في الشّفعة لنّه يعدّ تنازلً منه
عن حقّه في طلبها قبل الحكم .
أمّا إذا كان التّنازل بعد الحكم له بها أو بعد رضاء المشتري بتسليم الشّفعة فليس له التّنازل ،
لنّه بذلك يكون ملك المشفوع فيه والملك ل يقبل السقاط .
مساومة الشّفيع للمشتري :
-المساومة تعتبر تناز ًل عن الشّفعة فإذا سام الشّفيع الدّار من المشتري سقط حقّه في 57
ن المساومة طلب تمليك بعقد جديد وهو دليل الرّضا بملك المتملّك .
الشّفعة ل ّ
ق الشّفعة ممّا يبطل بصريح الرّضا فيبطل بدللة الرّضا أيضا ،والمساومة تعتبر تنازلً
ولنّ ح ّ
بطريق الدّللة .
شَفَة *
التّعريف :
-الشّفة في اللّغة واحدة الشّفتين ،وهما طبقا الفم من النسان ،وأصلها شفهة ،لنّ 1
تصغيرها شفيهة .وقيل :أصلها شفو .قال الفيّوميّ نقلً عن الزهريّ :تجمع الشّفة على
شفهات وشفوات ،والهاء أقيس ،والواو أعمّ .
ول تكون الشّفة إلّ من النسان ،أمّا سائر الحيوانات فتستعمل فيها كلمات أخرى ،كالمشفر
لذي الخفّ ،والجحفلة لذي الحافر ،والمنسر والمنقار لذي الجناح ،وهكذا .
وفي الصطلح تطلق الشّفة على معنيين :
الوّل :المعنى اللّغويّ ،أي :طبقة الفم من النسان ،وقد حدّها بعض الفقهاء بهذا المعنى أنّها
في عرض الوجه إلى الشّدقين ،وقيل ما يرتفع عند انطباق الفم .وفي الطّول إلى ما يستر
اللّثة .والثّاني :شرب بني آدم والبهائم بالشّفاه دون سقي الزّرع .قال ابن عابدين :هذا أصله
.والمراد استعمال بني آدم لدفع العطش أو للطّبخ أو الوضوء أو الغسل أو غسل الثّياب ،
ق البهائم الستعمال للعطش ونحوه ممّا يناسبها .
ونحوها ،والمراد به في ح ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
الشّرب :
-الشّرب لغةً :نصيب من الماء ،وشرعا :نوبة النتفاع بالماء سقيا للزّراعة والدّوابّ ، 2
المشتركة ،وحقوق الرتفاق ،وقد قسم أكثر الفقهاء المياه باعتبار الشّرب إلى أربعة أقسام ،
قال الموصليّ الحنفيّ :
المياه أنواع :الوّل ماء البحر ،وهو عامّ لجميع الخلق النتفاع به بالشّفة وسقي الراضي
وشقّ النهار ،ل يمنع أحد من شيء من ذلك كالنتفاع بالشّمس والهواء .
والثّاني :الودية والنهار العظام كجيحون وسيحون والنّيل والفرات ودجلة .فالنّاس مشتركون
فيه في الشّفة وسقي الراضي ونصب الرحيّة والدّوالي إذا لم يض ّر بالعامّة .
والثّالث :ما يجري في نهر خاصّ لقرية ،فلغيرهم فيه شركة في الشّفة ،وهو الشّرب والسّقي
للدّوابّ ،ولهم أخذ الماء للوضوء وغسل الثّياب والطّبخ ل غير .والبئر والحوض حكمهما حكم
ص.
النّهر الخا ّ
والرّابع :ما أحرز في جبّ ونحوه ،فليس لحد أن يأخذ منه شيئا بدون إذن صاحبه ،وله
بيعه ،لنّه ملكه بالحراز ،ولو كانت البئر أو العين أو النّهر في ملك رجل كان له منع من يريد
الشّرب من الدّخول في ملكه إن كان يجد غيره بقربه في أرض مباحة .فإن لم يجد فإمّا أن
يتركه يأخذ بنفسه ،أو يخرج الماء إليه ،فإن منعه وهو يخاف العطش على نفسه أو مطيّته
فله أن يقاتله بالسّلح .وفي المحرز بالناء يقاتله بغير سلح .
ومثله ما ذكره سائر الفقهاء مع تفصيل وخلف في بعض الفروع ،ينظر في مصطلح ( شرب ،
ومياه ) .
شَفِيع *
انظر :شفعةً
شَقّ *
انظر :قبر
شُكْر *
التّعريف :
-الشّكر :مصدر شكرته وشكرت له أشكر شكرا وشكورا وشكرانا . 1
وهو عند أهل اللّغة :العتراف بالمعروف المسدى إليك ونشره والثّناء على فاعله .ول يكون
إلّ في مقابلة معروف ونعمة .وشكر النّعمة مقابل كفرها .قال اللّه تعالى في حكاية قول لقمان
حمِيدٌ } .
ن الّلهَ غَنِيّ َ
سهِ َومَن َكفَرَ فَإِ ّ
شكُ ُر لِ َن ْف ِ
شكُرْ فَإِ ّنمَا َي ْ
َ { :ومَن َي ْ
والشّكر :هو ظهور أثر النّعمة على اللّسان والقلب والجوارح بأن يكون اللّسان مقرّا بالمعروف
مثنيا به ،ويكون القلب معترفا بالنّعمة ،وتكون الجوارح مستعملةً فيما يرضاه المشكور .على
حدّ قول الشّاعر :
أفادتكم النّعماء منّي ثلث ًة
يدي ولساني والضّمير المحجّبا
والشّكر للّه في الصطلح :صرف العبد النّعم الّتي أنعم اللّه بها عليه في طاعته .أو فيما خلقت
له .وشكـر اللّه للعبـد معناه أنّه يزكـو عنده القليـل مـن العمـل فيضاعـف لعامله الجزاء .وفـي
الحد يث » :أ نّ رجلً رأى كلبا يأ كل الثّرى من الع طش ،فأ خذ الرّ جل خفّه فج عل يغرف له به
حتّى أرواه ،فشكر اللّه له ،فأدخله الجنّة « ،ولذا كان من أوصافه تعالى " :الشّكور " كما في
قوله تعالى { :وَالّل ُه شَكُو ٌر حَلِيمٌ } .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المدح :
ي وغيره حتّى أنّ من رأى لؤلؤةً ذات حسن
-المدح لغةً :حسن الثّناء .والمدح يكون للح ّ 2
فوصفها بالحسن فقد مدحها ،والمدح على الحسان يكون قبله أو بعده ،ول يكون الشّكر إلّ
بعده .
ب -الحمد :
-الحمد :هو الثّناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله على قصد التّعظيم ،ونقيض الحمد 3
أ -إنّ اللّه تعالى أثنى في كتابه على أهل الشّكر ووصف بذلك بعض خواصّ خلقه ،فقال
ن ا ْل ُمشْ ِركِينَ ،شَاكِرا لَ ْن ُع ِمهِ } .
ن ُأ ّمةً قَانِتا لِّلهِ حَنِيفا وَ َلمْ َيكُ مِ َ
تعالى { :إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَا َ
شكُورا } .
وقال عن نوح عليه السلم { :إِ ّنهُ كَانَ عَبْدا َ
ن ُأمّهَا ِت ُكمْ
جكُم مّن ُبطُو ِ
ب -إنّه تعالى جعله الهدف من تفضّله بالنّعم ،قال تعالى { :وَالّلهُ َأخْ َر َ
شكُرُونَ } .
سمْعَ وَالَبْصَا َر وَالَفْئِدَةَ َلعَّل ُكمْ َت ْ
ج َعلَ َل ُكمُ ا ْل ّ
ن شَيْئا َو َ
لَ َتعْ َلمُو َ
شكُرُونَ } .
سخّرْنَاهَا َلكُ ْم َلعَّلكُمْ َت ْ
وقال في شأن تسخيره النعام { :كَذَلِكَ َ
ج -إنّه تعالى وعد الشّاكرين بأحسن الجزاء فقال َ { :وسَ َنجْزِي الشّاكِرِينَ } وبيّن أنّه تعالى
وإن كان يحبّ الشّاكرين إلّ أنّه ل يعود عليه شيء من نفع شكرهم بل نفعه لهم ،قال تعالى { :
حمِيدٌ } .
ي َ
سهِ َومَن َكفَرَ َفإِنّ الّل َه غَنِ ّ
شكُرُ لِ َن ْف ِ
شكُرْ فَإِ ّنمَا َي ْ
َومَن َي ْ
شكَرْ ُتمْ لَزِيدَ ّن ُكمْ وَلَئِن َكفَرْ ُتمْ
د -إنّه جعله سببا للمزيد من النّعم ،فقال َ { :وإِذْ تَأَذّنَ رَ ّب ُكمْ لَئِن َ
إِنّ عَذَابِي َلشَدِيدٌ } .
هـ – إنّه تعالى سمّى نفسه شاكرا شكورا ،بأن يقبل العمل القليل ويثني على فاعله ،قال
ع خَيْرا َفإِنّ الّل َه شَاكِ ٌر عَلِيمٌ } .
طوّ َ
تعالىَ { :ومَن َت َ
شكُورٌ } .
غفُورٌ َ
حسْنا إِنّ الّل َه َ
حسَ َنةً نّزِ ْد َلهُ فِيهَا ُ
ف َ
وقال َ { :ومَن َيقْتَرِ ْ
ن عِبَا ِديَ
شكْرا وَقَلِي ٌل مّ ْ
عمَلُوا آ َل دَاوُودَ ُ
و -قلّة المتّصفين بكثرة الشّكر ،كما قال تعالى { :ا ْ
ص اللّه تعالى .
الشّكُورُ } قال ابن القيّم :قلّة أهل الشّكر في العالمين يدلّ على أنّهم خوا ّ
ز -ما ورد من دعاء ال صّالحين أن يلهم هم اللّه تعالى ش كر نع مه ع ند رؤيت ها كقول سليمان :
ي وَعَلَى وَالِ َديّ } .
ت عَلَ ّ
ن َأشْكُ َر ِن ْعمَتَكَ الّتِي أَنْ َعمْ َ
{ رَبّ َأوْزِعْنِي أَ ْ
ب اجعلني لك شكّارا « .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :ر ّ
وورد أ ّ
وأو صى من يحبّه أن ي ستعين باللّه على شكره فقال » :يا معاذ واللّه إنّي لحبّك ..أو صيك يا
معاذ ،ل تدعنّ في دبر كلّ صلة تقول :اللّهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك « .
شكُورٍ } في أربعة
ن اللّه تعالى قرن الشّكر بال صّبر فقال { :إِنّ فِي ذَِل كَ ليَا تٍ ّلكُ ّل صَبّا ٍر َ
ح-إّ
مواضع من القرآن ،فالشّكر على النّعم أو زوال النّقم ،وال صّبر عند زوال النّعم أو حلول البلء
.ولنّ الصّبر على الطّاعة عين الشّكر عليها .
وقد روي في الحديث » :اليمان نصفان فنصف في الصّبر ونصف في الشّكر « .
وروي عن الشّعبيّ موقوفا .
ما يكون عليه الشّكر :
وهو ثلثة أنواع :
-الوّل :الشّكر للّه تعالى على نعمه الّتي أنعم بها على الشّاكر ،والعبد في كلّ أحواله إنّما 7
هو في نعم اللّه تعالى ،وقد نبّه إلى ذلك بقوله َ { :ومَا ِبكُم مّن ّن ْع َمةٍ َفمِنَ الّلهِ } وكثير من آيات
القرآن واردة في تعداد تلك النّعم بالتّفصيل ،وفي لفت النظار إلى وجوه اللّطف فيها ،وإلى
ن اللّه تعالى إنّما وضعها ليبتلي بها النسان هل يشكر أم يكفر .
العتبار بها ،وبيان أ ّ
فمن ذلك نعمة خلق الرض فراشا والسّماء بنا ًء والشّمس ضياءً والقمر نورا وتقدير القوات في
الرض وإنزال المطر من السّماء شرابا وإنبات الزّرع فيها وسائر ما يصلح عليه بدن النسان ،
وخلق النعام وما جعله فيها للنّاس من منافع من لحمها ولبنها وأصوافها وأوبارها وأشعارها
وركوبها والتّجمّل بها .
ومن ذلك نعمة خلق النسان في أحسن تقويم وخلق السماع والبصار والفئدة لتكون وسائل
للدراك ،وتعليم النسان البيان .
ومن ذلك نعمة إرسال الرّسل وإنزال الكتب والدّللة على طرق اليمان .وهذه كلّها نعم عامّة لم
يخصّ بها مؤمن من كافر .
ق والتّيسير للعمل الصّالح ،لنّ ذلك
ومنها نعم خاصّة وأعظمها التّوفيق لليمان والهتداء للح ّ
سبب للخلص من العذاب في الخرة والتّحصيل لنعم اللّه فيها .
قال الحليميّ :وأولى النّعم بالشّكر نعمة اللّه تعالى على العبد باليمان والرشاد إلى الحقّ ،
والتّوفيق لقبوله ،لنّه هو الغرض الّذي ليس بتابع لما سواه ،وكلّ غرض سواه فهو تابع له ،
والتّيسير له نعمة عظيمة تقتضي الشّكر لها بالنتهاء عن المعاصي وإتباع اليمان حقوقه ،لنّ
اليمان باللّه عهد بينه وبين العبد ولكلّ عهد وفاء .وكلّ عبادة تتلو اليمان من فعل شيء فهو
شكر لنعم اللّه تعالى ،والتّيسير لكلّ شيء من ذلك نعمة يجب شكرها بالقلب واللّسان .
-8النّوع الثّاني :الشّكر على دفع النّقم سواء اندفعت عنه أو عن نحو ولده أو عموم المسلمين
وذلك كذهاب مرض أو انحسار طاعون أو عدوّ ،ونحوهما ممّا يخشى ضرره كغرق أو حريق
شكُورٌ } .
حمْدُ لِّل ِه الّذِي أَذْهَبَ عَنّا ا ْلحَ َزنَ إِنّ رَبّنَا َل َغفُورٌ َ
ومنه قول أهل الجنّة { :ا ْل َ
ي صلى ال عليه وسلم ليلة أسري به أتي بقدحين من
واحتجّ النّوويّ لذلك بحديث » :أنّ النّب ّ
خمر ولبن فنظر إليهما ،فأخذ اللّبن ،فقال له جبريل :الحمد للّه الّذي هداك للفطرة ،لو أخذت
الخمر لغوت أمّتك « .
ن أن يحمد اللّه تعالى على العافية ،لما ورد » :أنّ
وإذا رأى السّليم مبتلىً في عقله وبدنه ،س ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم سجد لرؤية زمن « .
ن السّليم يقول » :الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلك به « .
وورد أ ّ
النّوع الثّالث :الشّكر عند المكروهات من البلوى والمصائب واللم :
ي صلى ال عليه وسلم قال » :إذا مات ولد
-وهو مشروع ،لحديث أبي موسى أنّ النّب ّ 9
العبد قال اللّه لملئكته :قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون :نعم ،فيقول :قبضتم ثمرة فؤاده ؟
فيقولون :نعم .فيقول :ماذا قال عبدي ؟ فيقولون :حمدك واسترجع ،فيقول اللّه :ابنوا
لعبدي بيتا في الجنّة ،وسمّوه بيت الحمد « .
ووجه الشّكر عليها ما فيها من تكفير الخطايا ورفع الدّرجات ،وما في الصّبر عليها من الجر .
وقال ابـن القي ّم فـي توجيـه ذلك :يكون الشّكـر كظما للغيـظ الّذي أصـابه ،وسـترا للشّكوى ،
ورعاي ًة للدب ،وسلوكا لمسلك العلم ،لنّه شاكر للّه شكر من رضي بقضائه .
ولذا صرّح الحنابلة أنّه يسنّ للمريض إن سئل عن حاله أن يحمد اللّه تعالى إذا أراد الشّكوى
إلى طبيب .قالوا :لحديث ابن مسعود مرفوعا » :إذا كان الشّكر قبل الشّكوى فليس بشاك « .
قال البهوت يّ :وكان أحمد أ ّولً يحمد اللّه فقط فلمّا دخل عليه عبد الرّحمن طبيب ال سّنّة وحدّثه
الحديث عن بشر بن الحارث صار إذا سأله قال :أحمد اللّه إليك ،أجد كذا وكذا .
ما يتحقّق به شكر اللّه تعالى :
-يتحقّق شكر اللّه تعالى على النّعمة بأمور : 10
أوّلها :معرفة النّعمة ،بأن يعرف أنّها نعمة ،ويعرف قدرها ويعرف وجه كونها نعمةً
ويستحضرها في الذّهن ويميّزها ،إذ كثير من النّاس تحسن إليه وهو ل يدري .
ي صلى ال عليه وسلم إلى معرفة قدر النّعم بقوله » :انظروا إلى من هو أسفل
وقد نبّه النّب ّ
منكم ول تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن ل تزدروا نعمة اللّه عليكم « .
ن النّعم منه ،لم يتصوّر
والثّاني :معرفة أنّها من اللّه تعالى ،فمن لم يقرّ باللّه ،أو لم يقرّ بأ ّ
شكره له ،وإذا عرف أنّها من اللّه أحبّه عليها .
ن وصولها إليه بغير استحقاق من
والثّالث :قبول النّعمة بإظهار الفقر والحاجة إليها ،ومعرفة أ ّ
العبد ول بذل ثمن بل بمحض فضل اللّه تعالى .
ن كتمانها كفران لها ،والثّناء إمّا عامّ
والرّابع :الثّناء على المنعم بها ،وعدم كتمانها فإ ّ
كوصفه تعالى بالجود والكرم والب ّر والحسان ،وإمّا خاصّ وهو التّحدّث بتلك النّعمة وإسناد
التّفضّل بها إلى المنعم بها ،وحمده عليها ،قال اللّه تعالى َ { :وَأمّا بِ ِن ْع َمةِ رَبّكَ َفحَدّثْ } .
ي صلى ال عليه وسلم » :التّحدّث بنعمة اللّه شكر وتركها كفر « .
وقال النّب ّ
والخامس :ترك استعمالها فيما يكرهه المنعم بها ،والعمل بما يرضيه فيها .
وال سّادس :فعل الطّاعات شكرا على النّعم ،كما يشير إليه قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا النّا سُ اعْبُدُواْ
سمَاء بِنَاء }
جعَ َل َلكُ مُ الَ ْر ضَ فِرَاشا وَال ّ
ن ،الّذِي َ
ن مِن قَبْ ِلكُ مْ َلعَّلكُ مْ تَ ّتقُو َ
رَ ّبكُ مُ الّذِي خَ َل َقكُ مْ وَالّذِي َ
...الية .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قام حتّى تفطّرت قدماه .فقيل يا
وورد عن المغيرة بن شعبة » :أ ّ
رسول اللّه :أتتكلّف هذا وقد غفر لك ؟ قال :أفل أكون عبدا شكورا « .
– وض ّد شكر النّعم الكفران بها ،وهو غير الكفر المخرج عن الملّة ،ويسمّيه العلماء " كفر 11
ليرضى عن العبد أن يأكل الكلة فيحمده عليها ،أو يشرب الشّربة فيحمده عليها « وفيه :
» الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر « .
و قد ورد في ال سّنّة ا ستحباب أذكار ب صيغ معيّ نة في ها التّحم يد ع ند ح صول ن عم معيّ نة ولمعر فة
ذلك ينظر مصطلح ( :تحميد ،وذكر ) .
ويكون الشّكر على ذلك أيضا بفعل قربة من القرب ،وقد ذكر بعض الشّافعيّة من ذلك أن يصلّي
ركعتين أو يتصدّق مع سجود الشّكر أو دونه .
ي ل يجوز التّقرّب إلى اللّه بصلة بنيّة الشّكر .
وقال القليوب ّ
ومن ذلك أن يذبح ذبيحةً أو يصنع دعوةً ،وقد ذكر الفقهاء الدّعوات الّتي تصنع لما يتجدّد من
النّعم كالوكيرة الّتي تصنع للمسكن المتجدّد ،والنّقيعة الّتي تصنع لقدوم الغائب ،والحذّاق وهو
ما يصنع عند ختم الصّبيّ القرآن .
ومذهب الحنابلة ،وهو الرّاجح من مذهب الشّافعيّة ،أنّ هذه الدّعوات مستحبّة .
قال ابن قدامة :وليس لهذه الدّعوات -يعني ما عدا وليمة العرس والعقيقة -فضيلة تختصّ
بها ،ولكن هي بمنزلة الدّعوة لغير سبب حادث ،فإذا قصد بها فاعلها شكر نعمة اللّه عليه ،
وإطعام إخوانه ،وبذل طعامه ،فله أجر ذلك إن شاء اللّه .
وانظر مصطلح ( :دعوة ) .
وإذا نذر النسان أن يصنع القربة عند تجدّد النّعمة واندفاع النّقمة فذلك نذر تبرّر ،وحكمه
وجوب الوفاء به .
انظر مصطلح ( :نذر ) .
ن عند تجدّد النّعم واندفاع النّقم ممّا له وقع أن يسجد للّه تعالى عند حصول ذلك من
وممّا يس ّ
حيث ل يحتسب النسان وهذا قول الجمهور خلفا للمالكيّة .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :سجود الشّكر ) .
ثانيا :شكر العباد على المعروف :
-شكر المنعم أمر لم يختلف العقلء في استحسانه .وكلّ منعم عليه ينبغي له الشّكر لمن 13
أوله تلك النّعمة ولو كانت قليل ًة لحديث » :من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر
النّاس لم يشكر اللّه « .
وحديث » :إنّ أشكر النّاس للّه أشكرهم للنّاس « .
ي عنهم فالعبد أولى بأن يشكر لمن أحسن إليه ،
وإذا كان اللّه تعالى شكر المحسنين وهو غن ّ
شكُرْ لِي
وقد أمر اللّه تعالى بالشّكر للوالدين وقرن ذلك بالشّكر له لعظم فضلهما فقال { :أَنِ ا ْ
وَ ِلوَالِدَيْكَ } .
ي صلى ال عليه وسلم :
والشّكر بالفعل هو الصل ،بأن يجزي بالمعروف معروفا ،قال النّب ّ
» من أولي نعمةً فليشكرها ،فإن لم يقدر فليظهر ثنا ًء حسنا « .
قال الحليميّ :وهذا يد ّل على أنّ الشّكر المذكور في هذا الحديث أريد به الشّكر بالفعل ولول ذلك
ل كان الشّكر إحسانا مكان
لم يقل » :فإن لم يقدر فليظهر ثناءً حسنا « فإذا كانت النّعمة فع ً
إحسان ،فإن لم يتيسّر قام الذّكر الحسن والثّناء والبشر مقامه .
وروي عن أنس -رضي ال عنه -قال » :إنّ ناسا من المهاجرين قالوا :يا رسول اللّه ،ما
رأينا قوما أحسن مواساةً في قليل ول أحسن بذلً من كثير منهم ،لقد كفونا المؤنة ،وأشركونا
في المهنة ،لقد خشينا أن يذهبوا بالجر كلّه ،فقال :أما ما دعوتهم وأثنيتم عليهم مكافأ ًة أو
شبه المكافأة « .
وفي الحديث » :من صنع إليه معروف فقال لفاعله :جزاك اللّه خيرا فقد أبلغ في الثّناء « .
ومثله ما في الحديث أيضا » :من صنع إليكم معروفا فكافئوه ،فإن لم تجدوا ما تكافئونه
فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه « .
ن من أثنى فقد شكر ،
وفي رواية » :من أعطي عطا ًء فوجد فليجز به ،ومن لم يجد فليثن فإ ّ
ومن كتم فقد كفر « .
استدعاء الشّكر من المنعم عليه :
-إنّه وإن كان الشّكر على المعروف مستحبّا إلّ أنّ طلب مسدي المعروف أن يشكر عليه 14
صةً فيما من شأنه أن يعمل للّه ،ولذلك أثنى اللّه تعالى على من يحسن إلى
خلف الولى ،وخا ّ
طعَامَ عَلَى حُ ّب ِه ِمسْكِينا
ط ِعمُونَ ال ّ
الضّعفاء دون أن ينتظر منهم شكرا أو جزاءً قال تعالى { :وَ ُي ْ
شكُورا } .
جزَاء وَل ُ
جهِ الّلهِ ل نُرِي ُد مِنكُمْ َ
ط ِع ُمكُمْ ِل َو ْ
وَيَتِيما َوَأسِيرا ،إِ ّنمَا ُن ْ
قال مجا هد و سعيد بن جبير :أ ما واللّه ما قالوه بأل سنتهم ول كن علم اللّه به من قلوب هم فأث نى
عليهم به ليرغب في ذلك راغب ولو أحبّ أن يحمد على المعروف لم يحرم .
ي عند مروان بن الحكم ،فلمّا خرجا من عنده
وقد ورد أنّ زيد بن ثابت شهد لبي سعيد الخدر ّ
ق؟
قال له :أول تحمدني على ما شهدت الح ّ
قال الرّازيّ :الحسان إلى الغير إمّا أن يكون للّه تعالى وحده ،وإمّا أن يكون لغير اللّه تعالى ،
إمّا طلبا لمكافأة ،أو طلبا لحمد أو ثناء .وتار ًة يكون للّه تعالى ولغيره .
والنّوع الوّل هو المقبول عند اللّه تعالى ،والخير هو الشّرك .أ هـ .
وليس هو الشّرك المخرج عن الملّة بل هو الشّرك في القصد وهو يحبط العمل الّذي أشرك به ،
دون غيره ،لنّ اللّه تعالى ل يقبل إلّ ما كان له خالصا .وأمّا إذا عمله طلبا للمكافأة أو الحمد
ن ذلك يكون رياءً .
فله ما طلب ،وليس ذلك حراما إلّ أن يظهر أنّه للّه ويبطن خلف ذلك ،ل ّ
فإن أحبّ أن يشكر على ما لم يفعل من الخير لم يكن ذلك حراما خلفا لما يتبادر من قول اللّه
حسَبَ ّن ُهمْ
حمَدُواْ ِبمَا َل ْم َيفْعَلُواْ َفلَ َت ْ
ن ِبمَا أَتَواْ وّ ُيحِبّونَ أَن ُي ْ
ن الّذِينَ َيفْ َرحُو َ
حسَبَ ّ
تعالى { :لَ َت ْ
ِب َمفَازَةٍ مّنَ ا ْلعَذَابِ وَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فقد نزلت في المنافقين .
شَكّ *
تعريفه :
ك في المر وتشكّك إذا تردّد فيه بين
ك لغةً :نقيض اليقين وجمعه شكوك .يقال ش ّ
-الشّ ّ 1
لغةً -على العلم الحاصل عن نظر واستدلل ولهذا ل يسمّى علم اللّه يقينا .
وهو عند علماء الصول :العتقاد الجازم المطابق للواقع الثّابت .فاليقين ض ّد الشّكّ .فيقال
ن العلم اعتقاد الشّيء على ما هو به على سبيل الثّقة .
ك وعلم ل ّ
شكّ وتيقّن ول يقال ش ّ
ب -الشتباه :
-الشتباه هو مصدر اشتبه ،يقال :اشتبه الشّيئان وتشابها ،إذا أشبه كلّ واحد منهما 3
الخر ،كما يقال :اشتبه عليه المر أي اختلط والتبس لسبب من السباب أهمّها الشّكّ ،فالعلقة
ك سببا هامّا من أسباب الشتباه .
بينهما -إذا -سببيّة حيث يعدّ الشّ ّ
كما قد يكون الشتباه سببا للشّكّ .
ج -الظّنّ :
ن مصدر ظنّ من باب قتل وهو خلف اليقين ،ويطلق عند الصوليّين على الطّرف
-الظّ ّ 4
وهو ما عبّر عنه الحمويّ -نقلً عن متأخّري الصوليّين -حيث قال :الوهم تجويز أمرين
أحدهما أضعف من الخر .
والمتأكّد أنّه ل يرتقي لحداث اشتباه إذ " ل عبرة للتّوهّم " .وبناءً على ذلك ذكر الفقهاء أنّه ل
يثبت حكم شرعيّ استنادا على وهم ،ول يجوز تأخير الشّيء الثّابت بصورة قطعيّة بوهم طارئ.
ك باعتبار حكم الصل الّذي طرأ عليه :
أقسام الشّ ّ
-ينقسم الشّكّ -إجمالً -بهذا العتبار إلى ثلثة أقسام : 6
ك طرأ على أصل حرام مثل أن يجد المسلم شا ًة مذبوحةً في بلد يقطنه مسلمون
القسم الوّل :ش ّ
ومجوس فل يحلّ له الكل منها حتّى يعلم أنّها ذكاة مسلم ،لنّ الصل فيها الحرمة ووقع الشّكّ
في الذّكاة المطلوبة شرعا ،فلو كان معظم سكّان البلد مسلمين جاز القدام عليها والكل منها
ل بالغالب المفيد للحلّيّة .
عم ً
القسم الثّاني :شكّ طرأ على أصل مباح كما لو وجد المسلم ما ًء متغيّرا فله أن يتطهّر منه مع
احتمال أن يكون تغيّر بنجاسة ،أو طول مكث ،أو كثرة ورود السّباع عليه ونحو ذلك استنادا
ن اللّه تعالى لم يكلّف المؤمنين تجشّم البحث للكشف عن
إلى أنّ الصل طهارة المياه .مع العلم أ ّ
ن عمر بن الخطّاب -رضي ال تعالى
طهارته أو نجاسته تيسيرا عليهم ،حيث ورد في الثر أ ّ
عنه -خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص -رضي ال عنه -حتّى وردوا حوضا فقال
عمرو بن العاص لصاحب الحوض :يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السّباع ؟ فقال عمر :يا
صاحب الحوض ل تخبرنا ،فإنّا نرد على السّباع ،وترد علينا .
وفيه أيضا :أنّ عمر بن الخطّاب نفسه كان مارّا مع صاحب له فسقط عليهما شيء من ميزاب ،
فقال صاحبه :يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس ؟ فقال عمر :يا صاحب الميزاب ل
تخبرنا ،ومضى .
فإن اشتبه عليه ماء طاهر وماء نجس تحرّى ،فما أدّاه اجتهاده إلى طهارته توضّأ به .
ك ل يعرف أصله مثل التّعامل مع شخص أكثر ماله حرام دون تمييز لهذا من
القسم الثّالث :ش ّ
ذاك لختلط النّوعين معا اختلطا يصعب تحديده ،فمثل هذا الشّخص ل تحرم مبايعته ول
ص الفقهاء على
التّعامل معه لمكان أن يكون المقابل حللً طيّبا ،ولكن رغم هذا الحتمال فقد ن ّ
كراهة التّعامل معه خوفا من الوقوع في الحرام .
ب تركه بل يستحبّ فعله
كما نصّوا على أنّ " المشكوك في وجوبه ل يجب فعله ول يستح ّ
احتياطا " .
أقسام الشّكّ بحسب الجماع على اعتباره وإلغائه :
ن الشّكّ بهذا العتبار ينقسم أيضا إلى ثلثة أقسام :
-ذكر القرافيّ أ ّ 7
وقد قيل :إنّها تدخل في جميع أبواب الفقه ،والمسائل المخرّجة عنها من عبادات ومعاملت
تبلغ ثلثة أرباع علم الفقه .
شكّ في الميراث :
ال ّ
-الميراث استحقاق وكلّ استحقاق ل يثبت إ ّل بثبوت أسبابه وتوفّر شروطه وانتفاء موانعه ، 9
شروطها .
وأركان أيّ عبادة من العبادات يراد بها فرائضها الّتي ل ب ّد منها إذ ل فرق بين الرّكن والفرض
إلّ في الحجّ حيث تتميّز الركان فيه على الواجبات والفروض بعدم جبرها بالدّم .
فمن شكّ في ركن من أركان العبادة أو في فرض من فرائضها ،هل أتى به أم ل ؟ فإنّه يبني
على اليقين المحقّق عنده ،ويأتي بما شكّ فيه ،ويسجد بعد السّلم سجدتين لحتمال أن يكون
قد فعل ما شكّ فيه ،فيكون ما أتى به بعد ذلك محض زيادة ،وقال ابن لبابة :يسجد قبل السّلم
ن هنا قولن داخل المذهب المالكيّ :منهم من اعتبرها كالشّكّ ومنهم من
،وفي غلبة الظّ ّ
اعتبرها كاليقين .
وفيما تقدّم يقول الشّيخ ابن عاشر -صاحب المرشد المعين : -
ك في ركن بنى على اليقين
من ش ّ
وليسجدوا البعديّ لكن قد يبين .
قال الشّيخ محمّد بن أحمد ميّارة :ويقيّد كلم صاحب هذا النّظم بغير الموسوس أو كالمستنكح
ك هل صلّى ثلثا أو
ك فيه ،وشكّه كالعدم ويسجد بعد السّلم ،فإذا ش ّ
لنّ هذا ل يعتدّ بما ش ّ
أربعا بنى على الربع وسجد بعد السّلم .
ن الشّكّ على قسمين :
وإجمالً فإ ّ
مستنكح :أي يعتري صاحبه كثيرا وهو كالعدم لكنّه يسجد له بعد السّلم ،وغير مستنكح :وهو
الّذي يأتي بعد مدّة وحكمه وجوب البناء على اليقين ،وأنّ السّهو أيضا على قسمين :مستنكح
وغير مستنكح .
راجع مصطلح ( :سهو ) من الموسوعة الفقهيّة .
ن المنصوص لمالك أنّه يسلّم
وإنّ من شكّ في جلوسه هل كان في الشّفع أو في الوتر ؟ فإ ّ
ويسجد لسهوه ،ثمّ يوتر بواحدة لحتمال أن يكون أضاف ركعة الوتر إلى ركعتي الشّفع من غير
سلم فيصير قد صلّى الشّفع ثلثا ،ومن هنا طولب بالسّجود بعد السّلم ،وأنّ هذه المسألة –
أي مسألة الشّكّ في الرّكن – تتّفق في الحكم مع مسألة التّحقّق من الخلل بركن ففي الولى
يلغى الشّكّ ويبنى على اليقين مع السّجود بعد السّلم ،وفي الثّانية يجبر الرّكن ويقع السّجود
بعد السّلم .
وإنّ الّذي يجمع هذا كلّه هو قولهم :الشّكّ في النّقصان كتحقّقه .ولذلك قال الونشريسيّ في
ك أصلّى ثلثا أم أربعا ؟ أتى برابعة أو شكّ في بعض أشواط
شرح هذه القاعدة :ومن ثمّ لو ش ّ
الطّواف أو السّعي أو شكّ هل أتى بالثّالثة أم ل ؟ بنى في جميع ذلك على اليقين .
وتتمّم هذه القاعدة قاعدة أخرى نصّها :الشّكّ في الزّيادة كتحقّقها .كالشّكّ في حصول التّفاضل
في عقود الرّبا ،والشّكّ في عدد الطّلق ونحو ذلك .
الشّكّ في السّبب :
-السّبب لغةً :هو الحبل أو الطّريق ثمّ استعير من الحبل ليد ّل على كلّ ما يتوصّل به إلى 11
أمّا المانع في الصطلح فقد عرّف بقولهم :هو ما يلزم من أجل وجوده العدم -أي عدم
الحكم -ول يلزم من أجل عدمه وجود ول عدم .كقتل الوارث لمورّثه عمدا وعدوانا فإنّه يعدّ
مانعا من الميراث ،وإن تحقّق سببه وهو القرابة أو الزّوجيّة أو غيرهما .
فإذا وقع الشّكّ في المانع فهل يؤثّر ذلك في الحكم ؟ انعقد الجماع على أنّ " الشّكّ في المانع ل
ك الحاصل في ارتداد زيد قبل وفاته أم
ن الشّكّ ملغىً بالجماع .ومن ثمّ ألغي الشّ ّ
أثر له " أي إ ّ
ل؟ وصحّ الرث منه استصحابا للصل الّذي هو السلم .كما ألغي الشّكّ في الطّلق ،بمعنى
ك هنا ل تأثير له وأنّ الواجب
شكّ الزّوج هل حصل منه الطّلق أم ل ؟ وقد سبق أنّ الشّ ّ
ن الشّكّ هنا كان من قبيل الشّكّ في حصول المانع وهو
استصحاب العصمة الثّابتة قبل الشّكّ ،ل ّ
ك في الحدث عند تناول الشّكّ في
ملغىً وسيأتي التّفريق بين هذه المسألة وبين مسألة الشّ ّ
الطّهارة .
وعلى هذا النّحو أيضا ألغي الشّكّ في العتاق والظّهار وحرمة الرّضاع وما إليها .
قال الخطّابيّ -في خصوص الرّضاع : -هو من الموانع الّتي يمنع وجودها وجود الحكم ابتداءً
وانتهاءً ،فهو يمنع ابتداء النّكاح ويقطع استمراره -إذا طرأ عليه -فإذا وقع الشّكّ في
ن الحوط التّنزّه عن ذلك وقد
حصوله لم يؤثّر بناءً على قاعدة " الشّكّ ملغىً " وقد يقال :إ ّ
ذكروا أنّه ل ينبغي للشّخص أن يقدم إلّ على فرج مقطوع بحلّيّته .
الشّكّ في الطّهارة :
ب عليه الوضوء ،وإعادة
ك في الطّهارة يج ّ
ن من تيقّن الحدث وش ّ
-أجمع الفقهاء على أ ّ 14
الصّلة إن صلّى لنّ ال ّذمّة مشغولة فل تبرأ إلّ بيقين ،فإن تيقّن الطّهارة وشكّ في الحدث فل
ن الوضوء ل ينقض بالشّكّ عندهم لحديث عبد اللّه بن زيد
وضوء عليه عند جمهور الفقهاء ل ّ
ي صلى ال عليه وسلم الرّجل يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلة ؟ فقال
قال » :شكي إلى النّب ّ
– صلى ال عليه وسلم : -ل ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا « .
ك في الحدث فعليه
وقال المالكيّة -في المشهور من المذهب : -من تيقّن الطّهارة ثمّ ش ّ
ك في أحد المتقابلين يوجب الشّكّ في
الوضوء وجوبا -وقيل :استحبابا -لما تقرّر من أنّ الشّ ّ
الخر ،إلّ أن يكون مستنكحا ،وعلى هذا يحمل الحديث .
ك في السّابق منهما
وذكر الفقهاء في هذا الباب أيضا أنّ من تيقّن الطّهارة والحدث معا وش ّ
فعليه أن يعمل بضدّ ما قبلهما :فإن كان قبل ذلك محدثا فهو الن متطهّر ،لنّه تيقّن الطّهارة
ك في انتقاضها ،حيث ل يدري هل الحدث الثّاني قبلها أو بعدها ؟ وإن كان
بعد ذلك الحدث وش ّ
متطهّرا وكان يعتاد التّجديد فهو الن محدث لنّه متيقّن حدثا بعد تلك الطّهارة وشكّ في زواله
حيث ل يدري هل الطّهارة الثّانية متأخّرة عنه أم ل ؟ .
ي ومن سلك سبيله
قال ابن عبد البرّ :مذهب الثّوريّ وأبي حنيفة وأصحابه والوزاعيّ والشّافع ّ
البناء على الصل حدثا كان أو طهارةً ،وهو قول أحمد بن حنبل ،وإسحاق وأبي ثور
ن من أيقن
والطّبريّ ،وقال مالك :إن عرض له ذلك كثيرا فهو على وضوئه ،وأجمع العلماء أ ّ
ن عليه الوضوء فرضا وهذا يدلّ على أنّ
ن شكّه ل يفيد فائدةً وأ ّ
بالحدث وشكّ في الوضوء فإ ّ
الشّكّ عندهم ملغىً ،وأنّ العمل عندهم على اليقين ،وهذا أصل كبير في الفقه فتدبّره وقف عليه
.ومن هذا القبيل ما جاء عن الفقهاء من أنّ المرأة إذا رأت دم الحيض ولم تدر وقت حصوله
ن حكمها حكم من رأى منيّا في ثوبه ولم يعلم وقت حصوله ،أي عليها أن تغتسل وتعيد
فإ ّ
الصّلة من آخر نومة ،وهذا أقلّ القوال تعقيدا وأكثرها وضوحا .
ن حكم الحيض المشكوك فيه كحكم الحيض المتيقّن في ترك
وضابطه ما قاله ابن قدامة من أ ّ
العبادات .
والمراد بالشّكّ في هذا الموضع -مطلق التّردّد -كما سبق في مفهومه عند الفقهاء سواء أكان
على السّواء أم كان أحد طرفيه أرجح .
الشّكّ في الصّلة :
أ -الشّكّ في القبلة :
ك في جهة الكعبة فعليه أن يسأل عنها العالمين بها من أهل المكان إن وجدوا وإلّ
-من ش ّ 15
فعليه بالتّحرّي والجتهاد لما رواه عامر بن ربيعة -رضي ال تعالى عنه -قال » :كنّا مع
النّبيّ صلى ال عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة ،فصلّى كلّ رجل منّا على
جهُ الّلهِ } « .
حياله فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنّبيّ صلى ال عليه وسلم فنزل { فَأَيْ َنمَا ُتوَلّواْ فَ َثمّ َو ْ
ي بن أبي طالب رضي ال عنه -هي جهة قصده .
وقبلة المتحرّي -كما ورد عن عل ّ
والصّلة الواحدة لجهة القصد هذه تجزئ المصلّي وتسقط عنه الطّلب لعجزه ،ويرى ابن عبد
ن الفضل له أن يصلّي لكلّ جهة من الجهات الربع أخذا بالحوط ،وذلك إذا كان شكّه
الحكم أ ّ
دائرا بينها أمّا إذا انحصر شكّه في ثلث جهات فقط مثلً فإنّ الرّابعة ل يصلّي إليها ،وقد اختار
ن المعتمد الوّل عند جمهور المالكيّة وغيرهم .
اللّخميّ ما فضّله ابن عبد الحكم ،ولك ّ
ب -الشّكّ في دخول الوقت :
ن الصل عدم دخوله ،
ك في دخول الوقت لم يصلّ حتّى يغلب على ظنّه دخوله ل ّ
-من ش ّ 16
ك فعليه العادة وإن وافق الوقت ،لعدم صحّة صلته مثلما هو المر فيمن
فإن صلّى مع الشّ ّ
اشتبهت عليه القبلة فصلّى من غير اجتهاد .
ج -الشّكّ في الصّلة الفائتة :
-من فاتته صلة من يوم ما ،ول يدري أيّ صلة هي فعليه أن يعيد صلة يوم وليلة حتّى 17
وقال مالك والشّافعيّ :يبني على اليقين ول يجزئه التّحرّي ،وروي مثل ذلك عن الثّوريّ
والطّبريّ ،واحتجّوا لذلك :
ي صلى ال عليه وسلم قال » :إذا شكّ أحدكم في
ي :أنّ النّب ّ
أ ّولً :بحديث أبي سعيد الخدر ّ
ك وليبن على ما استيقن ثمّ يسجد سجدتين
صلته فلم يدر كم صلّى أثلثا أم أربعا ؟ فليطرح الشّ ّ
قبل أن يسلّم .فإن كان صلّى خمسا ،شفعن له صلته ،وإن كان صلّى إتماما لربع كانتا
ترغيما للشّيطان « .
وثانيا :بالقاعدتين الفقهيّتين اللّتين في معنى الحاديث المشار إليها وغير ها ممّا يوجب البناء
على اليقين .وهما :
ك".
القاعدة الولى " :اليقين ل يزيله الشّ ّ
ك في النّقصان كتحقّقه " .
والثّانية " :والشّ ّ
وقال أبو حنيفة إذا كان الشّكّ يحدث له لوّل مرّة بطلت صلته ولم يتح ّر وعليه أن يستقبل صلةً
جديدةً .وإن كان الشّكّ يعتاده ويتكرّر له يبني على غالب ظنّه بحكم التّحرّي ويقعد ويتشهّد بعد
كلّ ركعة يظنّها آخر صلته لئلّ يصير تاركا فرض القعدة ،فإن لم يقع له ظنّ بنى على القلّ ،
وقال الثّوريّ -في رواية عنه : -يتحرّى سواء كان ذلك أوّل مرّة أو لم يكن .
وقال الوزاعيّ :يتحرّى ،قال :وإن نام في صلته فلم يدر كم صلّى ؟ استأنف .
ك أجزأه سجدتا السّهو عن التّحرّي ،
وقال اللّيث بن سعد :إن كان هذا شيئا يلزمه ول يزال يش ّ
وعن البناء على اليقين ،وإن لم يكن شيئا يلزمه استأنف تلك الرّكعة بسجدتيها .
ك على وجهين :اليقين والتّحرّي ،فمن رجع إلى اليقين ألغى الشّكّ
وقال أحمد بن حنبل :الشّ ّ
وسجد سجدتي السّهو قبل السّلم ،وإذا رجع إلى التّحرّي سجد سجدتي السّهو بعد السّلم .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :إنّ
ودليله حديث أبي هريرة -رضي ال تعالى عنه -أ ّ
أحدكم إذا قام يصلّي جاء الشّيطان فلبّس عليه حتّى ل يدري كم صلّى ،فإذا وجد ذلك أحدكم
فليسجد سجدتين وهو جالس « .
وحجّة من قال بالتّحرّي في هذا الموضوع حديث ابن مسعود -رضي ال تعالى عنه -قال :
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إذا شكّ أحدكم في صلته فليتح ّر الّذي يرى أنّه الصّواب
ثمّ -يعني -يسجد سجدتين . «
ل ؟ حيث كان يؤدّي ما عليه متفرّقا من غير ضبط ،فتمّ إفتاؤه بلزوم العادة حيث لم يغلب على
ظنّه دفع قدر معيّن ،وهذا الحكم هو مقتضى القواعد لنّ الزّكاة ثابتة في ذمّته بيقين فل يخرج
عن العهدة بالشّكّ .
ك في مصرف الزّكاة :
ج -الشّ ّ
ن من دفعت إليه مصرف من مصارفها ولم يتحرّ ،
ك في أ ّ
-إذا دفع المزكّي الزّكاة وهو شا ّ 21
أو تحرّى ولم يظهر له أنّه مصرف ،فهو على الفساد إلّ إذا تبيّن له أنّه مصرف .بخلف ما
إذا دفعت باجتهاد وتحرّ لغير مستحقّ في الواقع كالغنيّ والكافر .
). 233/ 23 ج 189 - 188 ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ( :زكاة ف
شكّ في الصّيام :
ال ّ
أ -الشّكّ في دخول رمضان :
ك المسلم في دخول رمضان في اليوم الموالي ليومه ولم يكن له أصل يبني عليه مثل
-إذا ش ّ 22
أن يكون ليلة الثّلثين من شعبان ولم يحل دون رؤية الهلل سحب ول غيوم ومع ذلك عزم أن
ن النّيّة
ح نيّته ول يجزئه صيام ذلك اليوم ل ّ
يصوم غدا باعتباره أوّل يوم من رمضان لم تص ّ
قصد تابع للعلم الحاصل بطرقه الشّرعيّة وحيث انتفى ذلك فل يصحّ قصده وهو رأي حمّاد
وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وابن المنذر لنّ الصّائم لم يجزم النّيّة بصومه من رمضان فلم
يصحّ كما لو لم يعلم إلّ بعد خروجه .
وكذلك لو بنى على قول المنجّمين وأهل المعرفة بالحساب لم يصحّ صومه وإن كثرت إصابتهم
ي يجوز البناء عليه فكان وجوده كعدمه .
لنّه ليس بدليل شرع ّ
ح إذا نواه من اللّيل -وكان المر كما قصد -لنّه نوى الصّيام
وقال الثّوريّ والوزاعيّ :يص ّ
ح كاليوم الثّاني .
من اللّيل فص ّ
ي ما يوافق المذهبين .
وروي عن الشّافع ّ
ب الشّكّ في دخول شوّال :
ح النّيّة ليلة الثّلثين من رمضان رغم أنّ هناك احتما ًل في أن يكون من شوّال ،لنّ
-تص ّ 23
الصل بقاء رمضان وقد أمرنا بصومه بالقرآن والسّنّة لكن إذا قال المكلّف :إن كان غدا من
رمضان فأنا صائم وإن كان من شوّال فأنا مفطر فل يصحّ صومه على رأي بعضهم لنّه لم
يجزم بنيّة الصّيام والنّيّة قصد جازم ،وقيل :تصحّ نيّته لنّ هذا شرط واقع والصل بقاء
رمضان .
ج -الشّكّ في طلوع الفجر :
ك الصّائم في طلوع الفجر فالمستحبّ ألّ يأكل لحتمال أن يكون الفجر قد طلع ،
-إذا ش ّ 24
فيكون الكل إفسادا للصّوم ولذلك كان مدعوّا للخذ بالحوط لقوله صلى ال عليه وسلم » :دع
ما يريبك إلى ما ل يريبك « .
ولو أكل وهو شاكّ ،فل قضاء عليه عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّ فساد الصّوم محلّ
ك.
شكّ والصل استصحاب اللّيل حتّى يثبت النّهار وهذا ل يثبت بالشّ ّ
وقال المالكيّة :من أكل شاكّا في الفجر فعليه القضاء مع الحرمة رغم أنّ الصل بقاء اللّيل ،
هذا بالنّسبة لصوم الفرض ،أمّا صوم النّفل فقد سوّى بعضهم بينه وبين الفرض في القضاء
والحرمة وفرّق بينهما جماعة في الحرمة حيث قالوا بالكراهية .
د -الشّكّ في غروب الشّمس :
ن الصل بقاء النّهار ،
كلّ
ك الصّائم في غروب الشّمس ل يصحّ له أن يفطر مع الشّ ّ
-لو ش ّ 25
ولو أفطر على شكّه دون أن يتبيّن الحال بعد ذلك فعليه القضاء اتّفاقا .والحرمة متّفق عليها
كذلك .
ك في الغروب فمختلف
وعدم الكفّارة في الكل مع الشّكّ في الفجر متّفق عليه ،أمّا الكل مع الشّ ّ
في وجوب الكفّارة ف يه ،والمشهور عدم ها ،فإن أف طر معتقدا بقاء اللّ يل أو ح صول الغروب ث مّ
ك فعليه القضاء بل حرمة .
طرأ الشّ ّ
الشّكّ في الحجّ :
شكّ في نوع الحرام :
أ -ال ّ
ك الحاجّ هل أحرم بالفراد أو بالتّمتّع أو بالقران وكلّ ذلك قبل الطّواف فعند أبي
-إذا ش ّ 26
حنيفة ومالك يصرفه إلى القران لجمعه بين النّسكين وهو مذهب الشّافعيّ في الجديد .
وعند الحنابلة له صرفه إلى أيّ نوع من أنواع الحرام المذكورة ،والمنصوص عن أحمد جعله
عمر ًة على سبيل الستحباب ،وقال الشّافعيّ في القديم :يتحرّى فيبني على غالب ظنّه لنّه من
شرائط العبادة فيدخله التّحرّي كالقبلة .
وسبب الخلف مواقف الئمّة من فسخ الحجّ إلى العمرة ،فهو جائز عند الحنابلة ،وغير جائز
عند غيرهم .
ن إدخال الحجّ على العمرة بعد
ك بعد الطّواف فإنّ صرفه ل يجوز إ ّل إلى العمرة ل ّ
وأمّا إن ش ّ
الطّواف مع ركعتيه غير جائز .
شكّ في دخول ذي الحجّة :
ب -ال ّ
ك النّاس في هلل ذي الحجّة فوقفوا بعرفة إن أكملوا عدّة ذي القعدة ثلثين يوما ثمّ
-لو ش ّ 27
شهد الشّهود أنّهم رأوا الهلل ليلة كذا ،وتبيّن أن يوم وقوفهم كان يوم النّحر فوقوفهم صحيح
وحجّتهم تامّة عند الئمّة الربعة .
وذلك لما ورد أنّه -عليه الصلة والسلم -قال » :الصّوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون
والضحى يوم تضحّون « .
وأضاف الحنفيّة أ نّ الح كم المذكور المتمثّل في صحّة الوقوف كان ا ستحسانا ل قيا سا .أمّا إذا
تـبيّن أنّهـم وقفوا فـي اليوم الثّامـن فل يجزيهـم وقوفهـم عنـد أكثـر أهـل العلم ،وهـو قول مالك
ي وأبي حنيفة وصاحبيه .
واللّيث والوزاع ّ
والفرق بين الصّورتين :أنّ الّذين وقفوا يوم النّحر فعلوا ما تعبّدهم اللّه به على لسان نبيّه
صلى ال عليه وسلم من إكمال العدّة دون اجتهاد بخلف الّذين وقفوا في الثّامن فإنّ ذلك
باجتهادهم وقبولهم شهادة من ل يوثق به .
شكّ في الطّواف :
ال ّ
ك الحاجّ في عدد أشواط الطّواف بنى على اليقين ،قال ابن المنذر :وعلى هذا أجمع
-إذا ش ّ 28
كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم لنّها عبادة متى شكّ فيها وهو فيها بنى على اليقين كالصّلة .
ك في النّقصان كتحقّقه .وإن أخبره ثقة بعد طوافه رجع إليه إذا كان عد ًل ،وإن شكّ
ولنّ الشّ ّ
ك في عدد الرّكعات بعد فراغه من الصّلة
في ذلك بعد فراغه من الطّواف لم يلتفت إليه كما لو ش ّ
.
ك في طوافه بعد ما ركع ركعتي الطّواف فليعد ليتمّ طوافه على اليقين ثمّ
وفي الموطّأ :من ش ّ
ليعد الرّكعتين لنّه ل صلة لطواف إلّ بعد إكمال السّبع .
ك في شرط العبادة قبل الفراغ
ح طوافه ذلك لنّه ش ّ
وإذا شكّ في الطّهارة وهو في الطّواف لم يص ّ
ك في الطّهارة أثناء الصّلة .
منها فأشبه ما لو ش ّ
شكّ في الذّبائح :
ال ّ
-من التبست عليه المذكّاة بالميتة حرمتا معا لحصول سبب التّحريم الّذي هو الشّكّ . 29
وكذلك لو رمى المسلم طريدةً بآلة صيد فسقطت في ماء وماتت والتبس عليه أمرها ،فل تؤكل
ك في المبيح .
للشّ ّ
ك في ذابحها ل
ولو وجدت شاة مذبوحة ببلد فيه من تحلّ ذبيحته ومن ل تحلّ ذبيحته ووقع الشّ ّ
تحلّ إلّ إذا غلب على أهل البلد من تحلّ ذبيحتهم .
شكّ في الطّلق :
ال ّ
-شكّ الزّوج في الطّلق ل يخلو من ثلث حالت : 30
الحالة الولى :أن يكون الشّكّ في وقوع أصل التّطليق ،أي شكّ هل طلّقها أم ل ؟ فل يقع
الطّلق في هذه الحالة بإجماع المّة ،واستدلّوا لذلك بأنّ النّكاح ثابت بيقين فل يزول بالشّكّ
ع ْلمٌ } .
ك ِبهِ ِ
س لَ َ
لقوله تعالى َ { :ولَ َتقْفُ مَا لَيْ َ
الحالة الثّانية :أن يقع الشّكّ في عدد الطّلق -مع تحقّق وقوعه -هل طلّقها واحدةً أو اثنتين
أو ثلثا ؟ لم تحلّ له – عند المالكيّة ،والخرقيّ من الحنابلة ،وبعض الشّافعيّة – إلّ بعد زوج
ل بقوله عليه الصلة والسلم » :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك «
آخر لحتمال كونه ثلثا .عم ً
ويحكم بالق ّل عند أبي حنيفة والشّافعيّ وأحمد ،فإذا راجعها حلّت له على رأي هؤلء .
الحالة الثّالثة :أن يقع الشّكّ في صفة الطّلق كأن يتردّد مثلً في كونها بائنةً أو رجع ّيةً ،وفي
هذه الحالة يحكم بالرّجعيّة لنّها أضعف الطّلقين فكان متيقّنا بها .
وذكر الكاسانيّ -في هذا المعنى -أنّ الرّجل لو قال لزوجته :أنت طالق أقبح طلق فهو
رجعيّ عند أبي يوسف لنّ قوله :أقبح طلق يحتمل القبح الشّرعيّ وهو الكراهية الشّرعيّة ،
ويحتمل القبح الطّبيعيّ وهو الكراهية الطّبيعيّة ،والمراد بها أن يطلّقها في وقت يكره الطّلق
ي لنّ المطلّق
فيه طبعا ،فل تثبت البينونة فيه بالشّكّ ،وهو بائن عند محمّد بن الحسن الشّيبان ّ
قد وصف الطّلق بالقبح ،والطّلق القبيح هو الطّلق المنهيّ عنه ،وهو البائن ،ولذلك يقع
بائنا .
الشّكّ في الرّضاع :
-الحتياط لنفي الرّيبة في البضاع متأكّد ويزداد المر تأكيدا إذا كان مختصّا بالمحارم . 31
ن الصل عدم الرّضاع في الصّورة
فلو شكّ في وجود الرّضاع أو في عدده بنى على اليقين ،ل ّ
الولى وعدم حصول المقدار المحرّم في الصّورة الثّانية إلّ أنّها تكون من الشّبهات وتركها أولى
لقوله -عليه الصلة والسلم » : -من اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه « .
ي أنّ الشّكّ فيما يقرب من هذا الموضوع وما ناظره قد يع ّد -في بعض الحالت -
ويرى القراف ّ
ل ما لو شكّ الرّجل في أجنبيّة وأخته
من السباب الّتي تدعو إلى الحكم بالتّحريم ،من ذلك مث ً
من الرّضاع حرمتا عليه معا .
شكّ في اليمين :
ال ّ
ك في أصل اليمين هل وقعت أو ل :كشكّه في وقوع الحلف أو الحلف
-إمّا أن يكون الشّ ّ 32
ثلث ماله أكثر ممّا ذكر : -إنّ له الثّلث من جميع المال والتّسمية الّتي سمّى باطلة لنّها خطأ ،
والخطأ ل ينقض الوصيّة ول يكون رجوعا فيها ،ووافقه أبو يوسف في هذا الرّأي لنّه لمّا
أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصيّة صحيحة حيث إنّ صحّتها ل تتوقّف على بيان المقدار الموصى
به فتقع الوصيّة صحيحةً بدونه .
شكّ في الدّعوى ،أو محلّها ،أو محلّ الشّهادة :
ال ّ
-أ -لو ادّعى شخص دينا على آخر وشكّ المدين في قدره ينبغي لزوم إخراج القدر 35
المتيقّن .
قال الحمويّ :قيل :الظّاهر أنّه ليس على سبيل الوجوب وإنّما هو على سبيل التّورّع والخذ
بالحوط لنّ الصل براءة ال ّذمّة .
ك دائرا
والمراد بالقدر المتيقّن -في هذه الحالة وما ماثلها -هو أكثر المبلغين :فإذا كان الشّ ّ
بين عشرة وخمسة فالمتيقّن العشرة لدخول الخمسة فيها ،وبهذا العتبار يكون الكثر بالنّسبة
إلى القلّ متيقّنًا دائما رغم وقوع الشّكّ فيهما .
ن المدين في هذه الحالة عليه أن يرضي خصمه ول يحلف خشية أن يقع
وذكر بعض الفقهاء :أ ّ
في الحرام ،وإن أص ّر خصمه على إحلفه حلف إن كان أكبر ظنّه أنّه مبطل ،أمّا إذا ترجّح
عنده أنّ صاحب الدّعوى محقّ فإنّه ل يحلف .
ب -لو اشترى أحد حيوانا أو متاعا ث ّم ادّعى أنّ به عيبا وأراد ردّه واختلف أهل الخبرة فقال
ن السّلمة هي الصل
بعضهم :هو عيب وقال بعضهم :ليس بعيب ،فليس للمشتري الرّ ّد ل ّ
المتيقّن فل يثبت العيب بالشّكّ .
ج -لو ادّعت المرأة عدم وصول النّفقة والكسوة المقرّرتين لها في مدّة معيّنة فالقول لها ،لنّ
الصل المتيقّن بقاؤها في ذمّة الزّوج وأمّا دعواه فمشكوك فيها ول يزول يقين بشكّ .
ل فإنّه يجوز له أن يشهد على عليّ ،
د -إذا كان إنسان يعلم أنّ عليّا مدين لعمر بألف دينار مث ً
ك في جانب اليقين السّابق .
وإن خامره الشّكّ في وفائها أو في البراء عنها إذ ل عبرة بالشّ ّ
الشّكّ في الشّهادة :
ل -فيما أعلم أو فيما أظنّ ،
-لو قال الشّاهد :أشهد بأنّ لفلن على فلن مائة دينار -مث ً 36
وهو أن تجيء به لكثر من سنتين وإنّما كان كذلك لنّ الطّلق قبل الدّخول يوجب انقطاع النّكاح
ل بيقين وما زال بيقين ل يثبت إلّ بيقين مثله فإذا
بجميع علئقه فكان النّكاح من كلّ وجه زائ ً
جاءت بولد لق ّل من ستّة أشهر من يوم الطّلق فقد تيقّنّا أنّ العلوق وجد في حال الفراش وإنّه
وطئها وهي حامل منه إذ ل يحتمل أن يكون بوطء بعد الطّلق لنّ المرأة ل تلد لقلّ من ستّة
أشهر فكان من وطء وجد على فراش الزّوج وكون العلوق في فراشه يوجب ثبوت النّسب منه .
فإذا جاءت بولد لستّة أشهر فصاعدا لم يستيقن بكونه مولودا على الفراش لحتمال أن يكون
ل بيقين فل يثبت مع الشّكّ .
بوطء بعد الطّلق والفراش كان زائ ً
ب -إذا ادّعى إنسان نسب لقيط ألحق به ،لنفراده بالدّعوى ،فإذا جاء آخر بعد ذلك وادّعاه
ك الّذي أحدثته دعوى الثّاني -لنّه حكم له به فل يزول
فلم يزل نسبه عن الوّل -رغم الشّ ّ
بمجرّد الدّعوى ،إلّ إذا شهد القائفون بأنّه للثّاني فالقول قولهم لنّ القيافة تعتبر بيّنةً في إلحاق
النّسب .وإذا ادّعى اللّقيط اثنان فألحقه القائفون بهما صحّ ذلك شرعا وكان ابنهما يرثهما ميراث
ابن ويرثانه ميراث أب واحد ،وهذا الرّأي يروى عن عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالب وهو
قول أبي ثور .
وقال أصحاب الرّأي يلحق بهما بمجرّد الدّعوى للثار الكثيرة الواردة في ذلك .
ك ينتفع به المتّهم :
شّال ّ
-اتّفق الفقهاء على أنّه :تدرأ الحدود بالشّبهات .والصل في ذلك عن عائشة أمّ المؤمنين 38
-رضي ال تعالى عنها -قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :ادرءوا الحدود عن
المسلمين ما استطعتم ،فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله فإنّ المام أن يخطئ في العفو خير من
أن يخطئ في العقوبة « ،وفي حديث آخر » :ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا « .
وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :تعافوا الحدود
فيما بينكم فما بلغني من حدّ فقد وجب « .
وهذه القاعدة توجب أ ّولً :اعتماد اليقين -ما أمكن -في نسبة الجريمة إلى المتّهم .
ن الشّكّ -مهما كانت نسبته ومهما كان محلّه ومهما كان طريقه -ينتفع به المتّهم
وثانيا :أ ّ
ن في إقامة الحدّ ،ومع
ن الدّليل يقوم -هناك -مفيدا للظّ ّ
فيدرأ عنه الح ّد ،يقول الشّاطبيّ :فإ ّ
ذلك فإذا عارضته شبهة وإن ضعفت -غلب -حكمها ودخل صاحبها في مرتبة العفو .
ل أحبّ إلى
وثالثا :الخطأ في العفو أفضل شرعا من الخطأ في العقوبة حيث إنّ تبرئة المجرم فع ً
اللّه ورسوله من معاقبة البريء .
وهذا المبدأ نجد تطبيقاته مبثوثةً في أقضية الصّحابة -رضي ال عنهم -وأقضية التّابعين
وفتاوى المجتهدين ،من ذلك ما حكم به عمر بن الخطّاب -رضي ال تعالى عنه -في قضيّة
المغيرة بن شعبة والي البصرة الّذي اتّهم بالزّنا مع امرأة أرملة كان يحسن إليها ،فاستدعى
ن الشّاهد الرّابع الّذي
الخليفة الوالي وشهود التّهمة فشهد ثلثة برؤية تنفيذ الجريمة ،ولك ّ
يكتمل به النّصاب قال :لم أر ما قال هؤلء بل رأيت ريبةً وسمعت نفسا عاليا ،ول أعرف ما
وراء ذلك ،فأسقط عمر التّهمة عن المغيرة وحفظ له براءته وطهارته ،وعاقب الشّهود الثّلثة
عقوبة القذف .
وعمر نفسه لم يقم حدّ السّرقة عام الرّمادة لنّه جعل من المجاعة العامّة قرينةً على الضطرار ،
والضطرار شبهة في السّرقة تمنع الحدّ عن السّارق بل تبيح له السّرقة في حدود الضّرورة .
ن من أخذ من مال أبيه خفي ًة ظنّا منه أنّه يباح له ذلك ل حدّ عليه ،وأنّ من
وقد ذكر الئمّة أ ّ
جامع المطلّقة ثلثا في العدّة ظنّا منه أنّ ذلك يباح له ل حدّ عليه أيضا .
ن ما يعرف بشبهة العقد يدرأ الحدّ بها ،فل حدّ -في رأيه -على
ونقل عن أبي حنيفة القول بأ ّ
من وطئ محرّمةً بعد العقد عليها وإن كان عالما بالحرمة :كوطء امرأة تزوّجها بل شهود مثلً،
وفي رأي الصّاحبين عليه الحدّ -إذا كان عالما بالحرمة -وهو المعتمد .
الشّكّ ل تناط به الرّخص :أو الرّخص ل تناط بالشّكّ :
ي الدّين السّبكيّ فرّعوا عليها الفروع
-هو لفظ قاعدة فقهيّة ذكرها السّيوطيّ نقلً عن تق ّ 39
التّالية :
أ -وجوب غسل القدمين لمن شكّ في جواز المسح على الخفّين أو على الجوربين وما إلى
ذلك.
ك في غسل إحدى رجليه وأدخلهما في الخفّين -مع ذلك -ل يباح له المسح
ب -من ش ّ
عليهما.
ك في جواز القصر .ويمكن أن يكون ذلك في صور عديدة .
ج -وجوب التمام لمن ش ّ
شَلَل *
التّعريف :
ل أي أصيب بالشّلل أو يبس فبطلت حركته ،أو
-الشّلل لغةً :مصدر شلّ العضو يشلّ شل ً 1
وقدّره المالكيّة والحنابلة بأن يكون اللّمس لشهوة .وكذا عندهم ينتقض الوضوء بمسّ الفرج .
وسوّوا بين أن يكون العضو الملموس أو الملموس به صحيحا أو أشلّ .
على تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( :حدث ) .
ب -صلة الشلّ :
-يأتي المريض أو المصاب بالشّلل بأركان الصّلة الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء لنّ 3
المقطوع رجلً أو لسانا أشلّ لعدم التّماثل وإن رضي الجاني فتجب حكومة عدل إلّ إذا كان
ن اليد أو الرّجل الشّلء ل نفع فيها سوى
المقطوع أذنا أو أنفا أشلّ فتجب دية العضو كاملةً .ل ّ
الجمال فل يؤخذ بها ما فيه نفع كالصّحيحة .
). 43 وينظر التّفصيل في ( ديات ف
هـ – أخذ العضو الشلّ بالصّحيح :
– اتّفق الفقهاء على أنّه يؤخذ العضو الصّحيح بالصّحيح . 6
عضو الذّكر فل يعدّ من عيوب النّكاح ،لنّه ل يفوّت الستمتاع ول يخشى تعدّيه .
ص أو إجماع أو
ن الفسخ إنّما يثبت بن ّ
قال ابن قدامة :فلم يفسخ به النّكاح كالعمى والعرج ،ول ّ
قياس ول شيء هنا .
ولمزيد من التّفصيل في مسألة العنّين راجع مصطلح ( :عنّين ونكاح ) .
شِمَال *
انظر :يمين
شَمّ *
التّعريف :
شمّ في اللّغة :مصدر شممته أشمّه ،وشممته أشمّه شمّا .
-ال ّ 1
وفي حديث قصّة ماعز السلميّ » :فقام رجل فاستنكهه « :أي شمّ نكهته ورائحة فمه .
الحكم التّكليفيّ :
شمّ لجل الخصومات الواقعة في
ق الشّهود المأمورين بال ّ
شمّ قد يكون واجبا وذلك في ح ّ
-ال ّ 3
روائح المشموم حيث يقصد الرّ ّد بالعيب أو يقصد منع الرّدّ إذا حدث العيب عند المشتري .
وكما في شمّ الشّهود فم السّكران لمعرفة رائحة الخمر .
وقد يكون الشّ ّم حراما أو مكروها كش ّم الطّيب للمحرم بالحجّ أو العمرة عند من يقولون بذلك .
وقد يكون مباحا كشمّ الزّهور والرّياحين المباحة والطّيب المباح .إلّ إذا كان طيبا تطيّبت به
امرأة أجنبيّة فيحرم تعمّد شمّه .
شمّ الصّائم الطّيب ونحوه :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لو أدخل الصّائم إلى حلقه البخور وشمّ رائحته أفطر لمكان 4
التّحرّز عنه .وإذا لم يصل إلى حلقه ل يفطر .أمّا لو شمّ هواءً فيه رائحة الورد ونحوه ممّا ل
جسم له فل يفطر عند الحنفيّة .
وكرهه المالكيّة .
كما يكره عند الشّافعيّة شمّ الرّياحين ونحوها نهارا للصّائم لنّه من التّرفّه ولذلك يسنّ له تركه .
وعند الحنابلة إذا كان الطّيب مسحوقا كره شمّه لنّه ل يؤمن من شمّه أن يجذبه نفسه للحلق ،
ولذلك ل يكره شمّ الورد والعنبر والمسك غير المسحوق .
شمّ المحرم الطّيب :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى كراهة شمّ الطّيب للمحرم .ول فرق عند المالكيّة بين الطّيب 5
شمّه فإنّه يقتصّ من الجاني بمثل ما فعل ،فإن ذهب بذلك شمّه فقد استوفى المجنيّ عليه حقّه ،
ش ّم بواسطة أهل الخبرة في ذلك ،فإن لم يمكن
شمّ فعل بالجاني ما يذهب ال ّ
وإن لم يذهب ال ّ
إذهاب الشّمّ إ ّل بجناية سقط القود ووجبت الدّية .
وهذا عند المالكيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة .
شمّ فلم يكن
وعند الحنفيّة تجب الدّية لنّه ل يمكن أن يضرب الجاني ضربا يذهب به حاسّة ال ّ
استيفاء المثل ممكنا فل يجب القصاص وتجب الدّية .وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة .
شمّ نتيجة ضرب أو جرح وقع خطأً ،أو كان الضّرب عمدا لكن كان
وإن كان إبطال حاسّة ال ّ
شمّ من المنخرين ،لنّه
الجرح ممّا ل يمكن القصاص فيه فتجب الدّية كامل ًة إذا كان إبطال ال ّ
ص بمنفعة فكان فيها الدّية كسائر الحواسّ ،قال ابن قدامة :ول نعلم في هذا خلفا
حاسّة تخت ّ
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :وفي المشا ّم الدّية « .
ولنّ في كتاب عمرو بن حزم عن النّب ّ
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة .ومقابل الصّحيح عند
الشّافعيّة :تجب فيه حكومة لنّه ضعيف النّفع .
شمّ وجب بقسطه من الدّية إذا
شمّ من أحد المنخرين ففيه نصف الدّية .وإن نقص ال ّ
وإذا زال ال ّ
أمكن معرفته وإلّ فحكومة يقدّرها الحاكم بالجتهاد .
ش للطّيّب
شمّ امتحن في غفلته بالرّوائح الحادّة الطّيّبة والمنتنة ،فإن ه ّ
ومن ادّعى زوال ال ّ
وعبس لغيره فالقول قول الجاني بيمينه لظهور كذب المجنيّ عليه .وإن لم يتأثّر بالرّوائح
ي عليه .
الحادّة ولم يبن منه ذلك ،فالقول قول المجن ّ
زاد الشّافعيّة :ويحلف لظهور صدقه ،ول يعرف إلّ من قبله .
ي عليه نقص شمّه فالقول قوله مع يمينه عند الشّافعيّة والحنابلة لنّه ل يتوصّل
وإن ادّعى المجن ّ
إلى معرفة ذلك إلّ من جهته فقبل قوله فيه ،ويجب له من الدّية ما تخرجه الحكومة .
وإن ذهب شمّه ثمّ عاد قبل أخذ الدّية سقطت وإن كان بعد أخذها ردّها لنّا تبيّنّا أنّه لم يكن
ذهب .وإن رجي عود شمّه إلى مدّة انتظر إليها .
شمّ وحده .
هذا إذا ذهب ال ّ
ن الشّمّ في
أمّا إن قطع أنفه فذهب بذلك شمّه فعليه ديتان كما نصّ عليه الشّافعيّة والحنابلة ل ّ
غير النف فل تدخل أحدهما في الخر .
شمّ في النف كالبصر مع العين .
وقال المالكيّة :فيهما دية واحدة فيندرج ال ّ
إثبات شرب المسكر بشمّ الرّائحة :
-اختلف الفقهاء في إثبات الشّرب الّذي يجب به الحدّ بشمّ رائحة الخمر في فم الشّارب . 8
شنداخ *
انظر :إملك ،دعوة
شهَادَة *
َ
التّعريف :
-من معاني الشّهادة في اللّغة :الخبر القاطع ،والحضور والمعاينة والعلنية ،والقسم ، 1
والقرار ،وكلمة التّوحيد ،والموت في سبيل اللّه .يقال :شهد بكذا إذا أخبر به وشهد كذا إذا
حضره ،أو عاينه إلى غير ذلك .
وقد يعدّى الفعل -شهد -بالهمزة ،فيقال :أشهدته الشّيء إشهادا ،أو باللف ،فقال :
شاهدته مشاهدةً ،مثل عاينته وزنا ومعنىً .
ص ْمهُ } .
شهْرَ فَلْيَ ُ
شهِ َد مِنكُمُ ال ّ
ومن الشّهادة بمعنى الحضور :قوله تعالى َ { :فمَن َ
قال القرطبيّ في تفسير هذه الية :وشهد بمعنى حضر .
ن إِنَاثا
حمَ ِ
جعَلُوا ا ْلمَل ِئ َكةَ الّذِينَ ُهمْ عِبَادُ ال ّر ْ
ومن الشّهادة بمعنى المعاينة :قوله تعالى َ { :و َ
شهَادَ ُتهُ ْم وَ ُيسْأَلُونَ } .قال الرّاغب الصفهانيّ في شرح معناها :وقوله :
شهِدُوا خَ ْل َق ُهمْ سَ ُتكْتَبُ َ
َأ َ
شهِدُوا خَ ْلقَ ُهمْ } ،يعني مشاهدة البصر .
{ َأ َ
شهَادَاتٍ بِالّلهِ إِ ّنهُ
شهَادَةُ َأحَدِ ِهمْ أَرْبَ ُع َ
ومن الشّهادة بمعنى القسم أو اليمين :قوله تعالى َ { :ف َ
ن الصّادِقِينَ } .قال ابن منظور :الشّهادة معناها اليمين هاهنا .
َلمِ َ
شهِدْنَا ِإلّ ِبمَا عَ ِلمْنَا } .
ومن الشّهادة بمعنى الخبر القاطع :قوله تعالى َ { :ومَا َ
واستعمالها بهذا المعنى كثير .
سهِمْ بِا ْلكُفْرِ } أي مقرّين فإنّ
ومن الشّهادة بمعنى القرار :قوله تعالى { :شَاهِدِينَ عَلَى أَن ُف ِ
الشّهادة على النّفس هي القرار .
وتطلق الشّهادة أيضا على كلمة التّوحيد وهي قولنا :ل إله إلّ اللّه ،وتسمّى العبارة :أشهد أن
ل إله إلّ اللّه وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله بالشّهادتين .
ومعناهما هنا متفرّع عن مجموع المعنيين -الخبار والقرار ، -فإن معنى الشّهادة هنا هو
ن المعنى هو :
العلم والبيان لمر قد علم والقرار العتراف به ،وقد نصّ ابن النباريّ على أ ّ
أعلم أن ل إله إلّ اللّه ،وأبيّن أن ل إله إلّ اللّه ،وأعلم وأبيّن أنّ محمّدا مبلّغ للخبار عن اللّه
ع ّز وجلّ .
وسمّي النّطق بالشّهادتين بالتّشهّد ،وهو صيغة " تفعّل " من الشّهادة .
وقد يطلق التّشهّد على التّحيّات الّتي تقرأ في آخر الصّلة .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يعلّمهم التّشهّد كما يعلّمهم
جاء في حديث ابن مسعود » :أ ّ
القرآن « .
شهَادَةِ } أخرج ابن أبي حاتم عن
ومن الشّهادة بمعنى العلنية :قوله تعالى { :عَا ِلمُ ا ْلغَيْبِ وَال ّ
ابن عبّاس أنّه قال في معنى هذه الية :السّرّ والعلنية .
علَ ْيهِم
ك مَ َع الّذِينَ أَ ْن َعمَ الّلهُ َ
ومن الشّهادة بمعنى الموت في سبيل اللّه :قوله تعالى { :فَُأوْلَـئِ َ
شهَدَاء وَالصّا ِلحِينَ } .فهو شهيد قد رزقه اللّه الشّهادة ،جمعه
مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَال ّ
شهداء.
وفي الصطلح الفقهيّ :استعمل الفقهاء لفظ الشّهادة في الخبار بحقّ للغير على النّفس ،
وبيان ذلك في مصطلح ( :إقرار ) .
واستعملوا اللّفظ في الموت في سبيل اللّه وبيانه في مصطلح ( :شهيد ) .
واستعملوه في القسم كما في اللّعان ،وبيانه في ( :اللّعان ) .
ق للغير على الغير في مجلس القضاء ،وهو
كما استعمل الفقهاء لفظ الشّهادة في الخبار بح ّ
موضوع البحث في هذا المصطلح .
واختلفوا في تعريف الشّهادة بهذا المعنى :
ق بلفظ الشّهادة في مجلس القضاء .
فعرّفها الكمال من الحنفيّة بأنّها :إخبار صدق لثبات ح ّ
وعرّفها الدّردير من المالكيّة :بأنّها إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه .
ق للغير على الغير بلفظ أشهد .
وعرّفها الجمل من الشّافعيّة بأنّها :إخبار بح ّ
ي من الحنابلة بأنّها :الخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت .
وعرّفها الشّيبان ّ
ن الشّاهد يخبر عن ما
وتسميتها بالشّهادة إشارة إلى أنّها مأخوذة من المشاهدة المتيقّنة ،ل ّ
شاهده والشارة إليها بحديث ابن عبّاس -رضي ال عنهما -قال » :ذكر عند رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم الرّجل يشهد بشهادة ،فقال لي :يا ابن عبّاس ل تشهد إ ّل على ما يضيء
لك كضياء هذه الشّمس وأومأ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيده إلى الشّمس « .
ق في ما اختلف فيه .
وتسمّى " بيّن ًة " أيضا ،لنّها تبيّن ما التبس وتكشف الح ّ
وهي إحدى الحجج الّتي تثبت بها الدّعوى .
ألفاظ ذات صلة :
القرار :
-القرار عند جمهور الفقهاء :الخبار عن ثبوت حقّ للغير على المخبر . 2
الدّعوى :
ق قبل الغير أو دفع الخصم عن حقّ
-الدّعوى :قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب ح ّ 3
نفسه .
فيجمع كلً من القرار والدّعوى والشّهادة ،أنّها إخبارات .
والفرق بينها :أنّ الخبار إن كان عن حقّ سابق على المخبر ،ويقتصر حكمه عليه فإقرار ،
وإن لم يقتصر ،فإمّا أن ل يكون للمخبر فيه نفع ،وإنّما هو إخبار عن حقّ لغيره على غيره
فهو الشّهادة ،وإمّا أن يكون للمخبر نفع فيه لنّه إخبار بحقّ له فهو الدّعوى ،انظر :
). 67/ 6 الموسوعة الفقهيّة مصطلح ( :إقرار
البيّنة :
-البيّنة :عرّفها الرّاغب بأنّها :الدّللة الواضحة عقل ّيةً أو محسوسةً . 4
جلٌ
ن من ّرجَا ِل ُكمْ فَإِن ّلمْ َيكُونَا َرجُلَيْنِ َف َر ُ
شهِيدَيْ ِ
شهِدُواْ َ
أمّا الكتاب :فقوله تعالى { :وَاسْ َت ْ
شهَدَاء } .
ن ال ّ
ن مِ َ
ضوْ َ
وَامْ َرأَتَانِ ِممّن تَرْ َ
وقوله َ { :وَأشْهِدُوا َذ َويْ عَ ْد ٍل مّنكُمْ } .
شهَادَةَ } .
وقوله َ { :ولَ َتكْ ُتمُواْ ال ّ
وأمّا السّنّة :فأحاديث كثيرة منها حديث وائل بن حجر -رضي ال تعالى عنه -أنّ النّبيّ صلى
ال عليه وسلم قال له » :شاهداك أو يمينه « .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :البيّنة
وحديث عبد اللّه بن عبّاس -رضي ال عنهما -أنّ النّب ّ
على المدّعي واليمين على المدّعى عليه « والبيّنة هي الشّهادة .
وقد انعقد الجماع على مشروعيّتها لثبات الدّعاوى .
ن الحاجة داعية إليها لحصول التّجاحد بين النّاس ،فوجب الرّجوع إليها .
أمّا المعقول :فل ّ
أركان الشّهادة :
-أركان الشّهادة عند الجمهور خمسة أمور : 7
بمقتضاها .لنّها إذا استوفت شروطها مظهرة للحقّ والقاضي مأمور بالقضاء بالحقّ .
شروط الشّهادة :
-للشّهادة نوعان من الشّروط : 10
تحمّل الشّهادة عبارة عن فهم الحادثة وضبطها ،ول يحصل ذلك إلّ بآلة الفهم والضّبط ،وهي
العقل .
-أن يكون بصيرا ،فل يصحّ التّحمّل من العمى عند الحنفيّة . 12
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة إلى صحّة تحمّله فيما يجري فيه التّسامع
إذا تيقّن الصّوت وقطع بأنّه صوت فلن .
-أن يكون التّحمّل عن علم ،أو عن معاينة للشّيء المشهود به بنفسه ل بغيره :لحديث 13
ابن عبّاس رضي ال عنهما قال » :ذكر عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الرّجل يشهد
بشهادة ،فقال لي :يا ابن عبّاس ،ل تشهد إلّ على ما يضيء لك كضياء هذه الشّمس وأومأ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيده إلى الشّمس « .
ول يتمّ ذلك إلّ بالعلم ،أو المعاينة ،إلّ فيما تصحّ فيه الشّهادة بالتّسامع ،كالنّكاح ،والنّسب ،
والموت ،وغير ذلك ممّا نصّ عليه الفقهاء .أمّا ما سوى ذلك فتشترط فيه المعاينة .
ونصّ الفقهاء على أنّه ل يجوز للشّاهد أن يشهد بما رآه من خطّ نفسه إلّ إذا تذكّر ذلك وتيقّن
ن الخطّ يشبه الخطّ ،والختم يشبه الختم ،كثيرا ما يقع التّزوير ،فل معوّل إلّ على
منه ،ل ّ
التّذكّر .
وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى جواز شهادته على ما يجده من خطّ نفسه .
وعن أحمد في ذلك روايتان .
وهذه المسألة مبنيّة على مسألة القاضي يجد في ديوانه شيئا ل يحفظه ،كإقرار رجل أو شهادة
شهود ،أو صدور حكم منه وقد ختم بختمه ،فإنّه ل يقضي بذلك عند أبي حنيفة ،وعندهما
يقضي به .
-ول يشترط للتّحمّل :البلوغ ،والحرّيّة ،والسلم ،والعدالة ،حتّى لو كان الشّاهد وقت 14
وسواء أذهب عقله بجنون أو سكر وذلك لنّه ليس بمحصّل ول تحصل الثّقة بقوله ،ولنّه ل
يأثم بكذبه في الجملة ،ول يتحرّز منه .
ج -الح ّريّة :
-فل تجوز شهادة من فيه رقّ عند جمهور الفقهاء ،كسائر الوليات ،إذ في الشّهادات 18
نفوذ قول على الغير ،وهو نوع ولية ،ولنّ من فيه رقّ مشتغل بخدمة سيّده فل يتفرّغ لداء
الشّهادة .
وذهب الحنابلة إلى قبول شهادته في كلّ شيء إلّ في الحدود والقصاص .
). 81 ص 23 قج
وانظر مصطلح ( :ر ّ
د -البصر :
ح شهادة العمى عند الحنفيّة مطلقا .
-فل تص ّ 19
وذهب مالك إلى صحّة شهادته إذا عرفت إشارته ويرى الحنابلة قبول شهادة الخرس إذا أدّاها
بخطّه .
ز -العدالة :
-ل خلف بين الفقهاء في اشتراط عدالة الشّهود لقوله تعالى َ { :وَأشْهِدُوا َذ َويْ عَ ْدلٍ 22
لما رواه مالك عن الزّهريّ :مضت السّنّة بأن ل شهادة للنّساء في الحدود والقصاص .
ك -عدم التّهمة :
-للتّهمة أسباب منها : 26
أ -أن يجرّ بشهادته إلى نفسه نفعا أو يدفع ضرّا ،فل تقبل شهادة الوارث لمورّثه بجرح قبل
اندماله ،ول الضّامن للمضمون عنه بالداء ،ول البراء ،وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل
تقبل شهادة أحد الزّوجين للخر وخالف في هذا الشّافعيّة .
ب -البعضيّة :فل تقبل شهادة أصل لفرعه ،ول فرع لصله ،وتقبل شهادة أحدهما على
الخر.
ج -العداوة :فل تقبل شهادة عدوّ على عدوّه ،والمراد بالعداوة هنا ،العداوة الدّنيويّة ل
الدّينيّة ،فتقبل شهادة المسلم على الكافر ،والسّنّيّ على المبتدع ،وكذا من أبغض الفاسق
لفسقه ل تر ّد شهادته عليه والعداوة الّتي تر ّد بها الشّهادة أن تبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمته ويفرح
لمصيبته ،ويحزن لمسرّته ،وذلك قد يكون من الجانبين وقد يكون من أحدهما ،فيخصّ بردّ
شهادته على الخر ،وتقبل شهادة العد ّو لعدوّه إذ ل تهمة .
د -أن يدفع بالشّهادة عن نفسه عار الكذب ،فإن شهد فاسق ور ّد القاضي شهادته ثمّ تاب
بشروط التّوبة فشهادته المستأنفة مقبولة بعد ذلك ،ولو أعاد تلك الشّهادة الّتي ردّت لم تقبل .
هـ – الحرص على الشّهادة بالمبادرة من غير تقدّم دعوى ،وذلك في غير شهادة الحسبة .
و – العصبيّة :فل تقبل شهادة من عرف بها وبالفراط في الحميّة كتعصّب قبيلة على قبيلة وإن
لم تبلغ رتبة العداوة .نصّ على ذلك الحنابلة .
واستدلّوا لشتراط عدم التّهمة بقوله صلى ال عليه وسلم » :ل تجوز شهادة خائن ول خائنة
ول ذي غمر على أخيه ،ول تجوز شهادة القانع لهل البيت « .
ثانيا :ما يرجع من شروط الداء إلى الشّهادة نفسها :
ومن ذلك :
-أ -اشتراط وجود الدّعوى في الشّهادة على حقوق العباد من المدّعي أو نائبه .أمّا 27
الشّهادة على حقوق اللّه تعالى فل يشترط فيها وجود الدّعوى على رأي جمهور الفقهاء .
ب -موافقتها للدّعوى -كما سيرد تفصيله . -
ج -العدد في الشّهادة فيما يطّلع عليه الرّجال .
د -اتّفاق الشّاهدين -كما سيرد تفصيله . -
هـ – تعذّر حضور الصل – وهذا في الشّهادة على الشّهادة -كما سيأتي .
و -أن تؤدّى بل فظ الشّهادة بأن يقول :أش هد بكذا وهذا قول الجمهور ،والظ هر ع ند المالكيّة
أنّه يك في ما يد ّل على ح صول علم الشّا هد كأن يقول :رأ يت كذا أو سمعت كذا ول يشترط أن
يقول :أشهد .
ثالثا :ما يرجع من شروط الداء إلى المشهود به :
يشترط في المشهود به :
ن شرط صحّة قضاء
-أ -أن يكون معلوما ،فإن كانت الشّهادة بمجهول فل تقبل .وذلك ل ّ 28
أ -من الشّهادات ما ل يقبل فيه أقلّ من أربعة رجال ،ل امرأة بينهم وذلك في الزّنا ،لقوله
شهَدَاء } الية .
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ
تعالى { :وَالّذِينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
شهَدَاء } الية .
وقوله تعالى َ { :لوْل جَاؤُوا عَلَ ْيهِ ِبأَرْ َب َعةِ ُ
شهِدُواْ عَلَ ْيهِنّ أَرْبَع ًة مّنكُمْ } .
حشَ َة مِن ّنسَآ ِئ ُكمْ فَاسْ َت ْ
ن ا ْلفَا ِ
وقوله تعالى { :وَاللّتِي يَأْتِي َ
ل أأمهله
وعن أبي هريرة » :أنّ سعد بن عبادة قال يا رسول اللّه إن وجدت مع امرأتي رج ً
حتّى آتي بأربعة شهداء ؟ قال :نعم « .
ب – نصّ الحنابلة على أنّه إذا ادّعى من عرف بغنىً أنّه فقير لخذ زكاة فل ب ّد من شهادة ثلثة
رجال ،يشهدون له .لحديث قبيصة » :حتّى يقوم ثلثة من ذوي الحجا من قومه :لقد أصابت
فلنا فاقة « .
ج -ومنها ما يقبل فيه شاهدان ل امرأة فيهما ،وهو ما سوى الزّنى من الحدود والقصاص ،
كالقطع في السّرقة ،وحدّ الحرابة ،والجلد في الخمر ،وهذا باتّفاق الفقهاء .
ن ما يطّلع عليه الرّجال غالبا ،ممّا ليس بمال ول يقصد منه مال :
وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ
كالنّكاح ،والطّلق ،والرّجعة ،واليلء ،والظّهار ،والنّسب ،والسلم ،والرّدّة ،والجرح ،
والتّعديل ،والموت والعسار ،والوكالة ،والوصاية ،والشّهادة على الشّهادة ،ونحو ذلك ،
فإنّه يثبت عندهم بشهادة شاهدين ل امرأة فيهما .
ودليلهم في ذلك أنّ اللّه تعالى نصّ على شهادة الرّجلين في الطّلق والرّجعة والوصيّة .
شهِدُوا َذ َويْ
ن ِب َمعْرُوفٍ َأوْ فَارِقُو ُهنّ ِب َمعْرُوفٍ َوَأ ْ
سكُوهُ ّ
فأمّا الطّلق والرّجعة فقوله تعالى { :فَ َأ ْم ِ
عَ ْدلٍ مّن ُكمْ } .
وأمّا الوصيّة فقوله { :إِذَا حَضَرَ َأحَ َدكُ ُم ا ْل َموْتُ حِينَ ا ْلوَصِ ّي ِة اثْنَانِ َذوَا عَ ْدلٍ مّن ُكمْ } .
ي صلى ال عليه وسلم قال في النّكاح » :ل نكاح إلّ بوليّ وشاهدي عدل « .
وأنّ النّب ّ
ي أنّه قال :مضت السّنّة بأنّه ل تجوز شهادة النّساء في الحدود ول في
وروى مالك عن الزّهر ّ
النّكاح والطّلق .
وقيس عليها ما شاركها في الشّرط المذكور .
د -وقال الحنفيّة :ما يقبل فيه شاهدان ،أو شاهد وامرأتان هو ما سوى الحدود والقصاص
ق مالً أم غير مال ،كالنّكاح والطّلق والعتاق والوكالة والوصاية .
سواء أكان الح ّ
جلٌ وَامْ َرأَتَانِ ِممّن
ن من ّرجَا ِل ُكمْ فَإِن ّلمْ َيكُونَا َرجُلَيْنِ َف َر ُ
شهِيدَيْ ِ
شهِدُواْ َ
ودليله قوله تعالى { :وَاسْ َت ْ
شهَدَاء } .
ن ال ّ
ن مِ َ
ضوْ َ
تَرْ َ
وقصـر الجمهور قبول شهادة الرّجليـن أو الرّجـل والمرأتيـن على مـا هـو مال أو بمعنـى المال ،
كالبيـع ،والقالة ،والحوالة ،والضّمان ،والحقوق الماليّة ،كالخيار ،والجـل ،وغيـر ذلك .
وأجازوا فيه أن يثبت بشاهد واحد ويمين المدّعي .
ودليلهم في ذلك » :أنّه صلى ال عليه وسلم قضى بيمين وشاهد « .
ن القاضي إذا قضى بالشّا هد واليمين ل
ولم يجز الحنفيّة القضاء بالشّاهد واليم ين وذهبوا إلى أ ّ
ينفذ قضاؤه ،لنّ الثار الّتي وردت في هذا الشّأن ل تثبت عندهم .
هـ – ومنها ما تقبل فيه شهادة النّساء منفردات ،وهو الولدة والستهلل والرّضاع ،وما ل
يجوز أن يطّلع عليه الرّجال الجانب من العيوب المستورة .
ولكنّهم اختلفوا في العدد الّذي تثبت به هذه المور من النّساء على خمسة أقوال :
الوّل :ذهب الحسن البصريّ إلى أنّه تقبل في الولدة شهادة القابلة وحدها ،ول تقبل شهادة
غير القابلة إلّ مع غيرها .وهو مرويّ عن ابن عبّاس ،ورواية عن أحمد .
الثّاني :ذهب أبو حنيفة إلى أنّه تقبل في ذلك شهادة امرأة واحدة مسلمة حرّة عدلة قابلةً كانت
أو غيرها ،إ ّل ولدة المطلّقة فل تقبل فيها شهادة الواحدة استدللً بما روي عن حذيفة -رضي
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أجاز شهادة القابلة « .
ال عنه » : -أ ّ
وبما روي عن عمر وعليّ -رضي ال تعالى عنهما -أنّهما أجازا شهادتها .
الثّالث :ذهب مالك ،والحكم ،وابن شبرمة وابن أبي ليلى ،وأحمد في إحدى روايتيه إلى أنّه
ن مقام
تقبل في ذلك شهادة امرأتين ول يشترط أكثر من ذلك ،لنّهنّ لمّا قمن في انفراده ّ
الرّجال ،وجب أن يقمن في العدد مقام الرّجال ،وأكثر عدد الرّجال اثنان ،فاقتضى أن يكون
أكثر عدد النّساء اثنتين .
ي أنّه تقبل ثلث نسوة ،ول يقبل أق ّل منهنّ ،وهو مرويّ
الرّابع :هو ما حكي عن عثمان البتّ ّ
عن أنس .
ن اللّه ضمّ شهادة المرأتين إلى الرّجل في الموضع الّذي ل ينفردن فيه فوجب أن
واستدلّ لذلك بأ ّ
يستبدل الرّجل بالمرأة في الموضع الّذي ينفردن فيه فيصرن ثلثا .
الخامس :ذهب الشّافعيّ وعطاء إلى أنّه ل يقبل في ذلك أق ّل من أربع نسوة .
ن اللّه ع ّز وج ّل حيث أجاز الشّهادة انتهى بأقلّها إلى شاهدين ،أو شاهد
قال الشّافعيّ :ل ّ
وامرأتين ،فأقام الثّنتين مقام رجل ،حيث أجازهما فإذا أجاز المسلمون شهادة النّساء فيما يغيب
عن الرّجال لم يجز واللّه أعلم أن يجيزوها إلّ على أصل حكم اللّه ع ّز وجلّ في الشّهادات ،
فيجعلون كلّ امرأتين تقومان مقام رجل ،وإذا فعلوا لم يجز إلّ أربع ،وهكذا المعنى في كتاب
اللّه -عزّ ذكره -وما أجمع عليه المسلمون .
و -ومنها ما تقبل فيه شهادة شاهد واحد ،فتقبل شهادة الشّاهد الواحد العدل بمفرده في إثبات
رؤية هلل رمضان استدللً بحديث ابن عمر -رضي ال عنهما -قال » :تراءى النّاس
ي صلى ال عليه وسلم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه « .
الهلل ،فأخبرت النّب ّ
ي صلى ال عليه
ي إلى النّب ّ
وبحديث ابن عبّاس -رضي ال عنهما -أنّه قال » :جاء أعراب ّ
ن محمّدا رسول
وسلم فقال :إنّي رأيت الهلل ،فقال :أتشهد أن ل إله إلّ اللّه ؟ وأتشهد أ ّ
اللّه ؟ قال :نعم ،قال :يا بلل أذّن في النّاس أن يصوموا غدا « .
وهو أحد قولي الشّافع يّ والمشهور عن أحمد ،وبه قال الحنفيّة :إن كان بال سّماء علّة من غيم
أو غبار ونحو ذلك .
ويرى المالكيّة والحنابلة أنّه تقبل شهادة الطّبيب الواحد في الشّجاج ،والبيطار في عيوب
الدّوابّ.
وقيّده المالكيّة بما إذا كان بتكليف من المام .
وقيّده الحنابلة بما إذا لم يوجد غيره .
حكم الشهاد :
-فرّق الفقهاء في وجوب الشهاد على العقود بين عقود النّكاح وغيرها : 30
فذهب جمهورهم إلى أنّ الشهاد على عقد النّكاح واجب وشرط في صحّته ،لقوله صلى ال
عليه وسلم » :ل نكاح إلّ بوليّ وشاهدي عدل « .
وذهب مالك إلى أنّ الشهاد غير واجب إذا تمّ العلن .
ضحّاك ،وسعيد بن
أمّا عقود البيوع ،فقد ذهب أبو موسى الشعريّ ،وابن عمر ،وال ّ
ن الشهاد واجب .
المسيّب ،وجابر بن زيد ،ومجاهد إلى أ ّ
قال عطاء َ :أشْهِد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم أو أقلّ من ذلك ،
شهِ ُدوْاْ إِذَا تَبَا َيعْتُمْ } .
ن اللّه ع ّز وجلّ يقول َ { :وَأ ْ
فإ ّ
وذهب كثير من الصّحابة والتّابعين ،وجمهور الفقهاء والمفسّرين ،إلى أنّ المر في قوله
تعالىَ { :وَأشْهِ ُد ْواْ إِذَا تَبَا َيعْ ُتمْ } للنّدب وليس للوجوب ،لورود الية الّتي بعدها وهي قوله { :
ضكُم َبعْضا َفلْ ُيؤَدّ الّذِي اؤْ ُتمِنَ َأمَانَ َتهُ } .فدلّ ذلك على أنّ المر فيها محمول على
ن َأمِنَ َبعْ ُ
فَإِ ْ
ي صلى ال عليه وسلم جمله واستثنى ظهره
الستحباب .ولما ورد عن جابر » :أنّه باع النّب ّ
إلى المدينة « .فدلّ ظاهر الحديث أنّه لم يشهد .
ي صلى ال عليه وسلم وأشهد ،وباع في أحيان أخرى واشترى ،ورهن درعه عند
وقد باع النّب ّ
يهوديّ ،ولم يشهد .
ولو كان الشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرّهن لخوف المنازعة .
ق ،وأمّا ما كثر فربّما
قال ابن عطيّة " :والوجوب في ذلك قلق ،أمّا في الدّقائق فصعب شا ّ
يقصد التّاجر الستئلف بترك الشهاد ،وقد يكون عاد ًة في بعض البلد ،وقد يستحى من العالم
والرّجل الكبير الموقّر فل يشهد عليه ،فيدخل ذلك كلّه في الئتمان ،ويبقى المر بالشهاد ندبا
لما فيه من المصلحة في الغلب ما لم يقع عذر يمنع منه " .
مستند علم الشّاهد :
شهِدَ بِا ْلحَقّ
-الصل في الشّهادة أن تكون عن مشاهدة وعيان ،لقوله تعالى { :إِل مَن َ 31
سماعا فاشيا من أهل العدالة وغيرهم أنّ هذه الدّار -مثلً -صدقة على بني فلن " ،أي :ل
بدّ من الجمع بين العدول ،وغير العدول في المنقول عنهم .ويرى بعضهم أنّ عليهم أن يقولوا
" :إنّا لم نزل نسمع من الثّقات ،أو سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل " .
وهو رأي مرجوح عندهم ،لنّ حصر مصدر سماعهم في الثّقات والعدول يخرجها من السّماع
إلى النّقل وهو موضوع آخر .
قال ابن فرحون :ول يكون السّماع بأن يقولوا " :سمعنا من أقوام بأعيانهم " يسمّونهم أو
يعرفونهم ،إذ ليست -حينئذ -شهادة تسامع بل هي شهادة على شهادة ،فتخرج عن حدّ
شهادة السّماع .
وظاهر المدوّنة الكتفاء بقولهم " :سمعنا سماعا فاشيا " .دون احتياج إلى إضافة " من الثّقات
وغيرهم " حيث ل عبرة بذكر كالنّسب ،والملك ،والموت ،والوقف .فيجوز للشّاهد أن يشهد
بها معتمدا على التّسامع .
الشّهادة بالسّماع والتّسامع :
الشّهادة بالتّسامع عند التّحقيق تنقسم إلى ثلث مراتب باعتبار درجة العلم الحاصل بها :
المرتبة الولى :
-تفيد علما جازما مقطوعا به وهي المعبّر عنها :بشهادة السّماع المتواتر كالسّماع بوجود 33
مكّة والمدينة وبغداد والقاهرة والقيروان ونحوها من المدن القديمة الّتي ثبت القطع بوجودها
سماعا عند كلّ من لم يشاهدها مشاهدةً مباشرةً فهذه عند حصولها تكون -من حيث وجوب
القبول والعتبار -بمنزلة الشّهادة إجماعا .
المرتبة الثّانية :
-تفيد ظنّا قويّا يقرب من القطع وهي المعبّر عنها :بالستفاضة من الخلق الغفير : 34
ن نافعا مولى ابن عمر وأنّ عبد الرّحمن بن القاسم من أوثق من أخذ عن المام
كالشّهادة بأ ّ
مالك ،وأنّ أبا يوسف يعتبر الصّاحب الوّل لبي حنيفة ،وقد ذهب الفقهاء إلى قبول هذه المرتبة
ووجوب العمل بمقتضاها من ذلك قولهم :إذا رؤي الهلل رؤي ًة مستفيض ًة من جمّ غفير وشاع
أمره بين أهل البلد لزم الفطر أو الصّوم من رآه ،ومن لم يره دون احتياج إلى شهادة عند
الحاكم ودون توقّف على إثبات تعديل نقلته .
ومن هذا القبيل أيضا استفاضة التّعديل والتّجريح عند الحكّام ،والمحكومين :
فمن النّاس من ل يحتاج الحاكم إلى السّؤال عنه لستفاضة عدالته عنده سماعا ،ومنهم من ل
يسأل عنه لشتهار جرحته ،وإنّما يطالب بالكشف عمّن لم يشتهر ل بهذه ول بتلك .
ن ابن أبي حازم شهد عند قاضي المدينة فقال له
وقد تناقل الفقهاء ،وأصحاب التّراجم ،أ ّ
ن عدالة ابن
القاضي :أمّا السم فاسم عدل ولكن من يعرف أنّك ابن أبي حازم ؟ فدلّ هذا على أ ّ
أبي حازم ل تحتاج إلى السّؤال عنها ،وهي مشهورة عند القاضي وغيره من النّاس مع أنّه ل
يعرف شخصه .
المرتبة الثّالثة :
-تفيد ظنّا قويّا دون الظّنّ المذكور في العدول في المنقول عنهم خلفا لما يراه مطرّف 35
أحدها :للقاضي عبد الوهّاب الّذي يروي أنّها مختصّة بما ل يتغيّر حاله ،ول ينتقل الملك فيه ،
كالموت ،والنّسب ،والوقف ،ونصّ على قولين في النّكاح .
الثّانية :لبن رشد الجدّ :حكى فيها أربعة أقوال :
تقبل في كلّ شيء ،ل تقبل في شيء ،تقبل في كلّ شيء ما عدا النّسب ،والقضاء والنّكاح
والموت ،إذ من شأنها أن تستفيض استفاضةً يحصل بها القطع ل الظّنّ ،ورابع القوال عكس
السّابق ،ل تقبل إلّ في النّسب والقضاء ،والنّكاح والموت .
والثّالثة :لبن شاس ،وابن الحاجب ،وجمهور الفقهاء قالوا :إنّها تجوز في مسائل معدودة ،
أوصلها بعضهم إلى عشرين ،وبعضهم إلى إحدى وعشرين ،وبعضهم إلى اثنتين وثلثين
وأنهاها أحدهم إلى تسع وأربعين .منها :النّكاح ،والحمل ،والولدة ،والرّضاع ،والنّسب ،
والموت ،والولء ،والحرّيّة ،والحباس ،والضّرر ،وتولية القاضي وعزله ،وترشيد
السّفيه ،والوصيّة ،وفي الصّدقات ،والحباس الّتي تقادم أمرها ،وطال زمانها ،وفي السلم
والرّدّة ،والعدالة ،والتّجريح ،والملك للحائز .
أمّا بقيّة الئمّة فقد أجمعوا على صحّة شهادة التّسامع في النّسب والولدة للضّرورة ،قال ابن
المنذر :أمّا النّسب ،فل أعلم أحدًا من أهل العلم منع منه ،ولو منع ذلك لستحالت معرفة
الشّهادة به ،إذ ل سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ول تمكن المشاهدة فيه ،ولو اعتبرت المشاهدة
لما عرف أحد أباه ول أمّه ول أحدا من أقاربه .
واختلفوا فيما وراء ذلك :فقال الحنابلة وبعض أصحاب الشّافعيّ :تجوز -بالضافة إلى
المسألتين الوليين -في تسعة أشياء :النّكاح ،والملك المطلق ،والوقف ومصرفه ،والموت ،
والعتق ،والولء ،والولية ،والعزل ،معلّلين رأيهم بأنّ هذه الشياء تتعذّر الشّهادة عليها
غالبا بمشاهدتها أو مشاهدة أسبابها ،فلو لم تقبل فيها الشّهادة بالتّسامع لدّى ذلك إلى الحرج
والمشقّة ،وتعطيل الحكام وضياع الحقوق .
ي :أنّها ل تقبل في الوقف ،والولء ،والعتق
ويرى البعض الخر من أصحاب الشّافع ّ
ن الشّهادة ممكنة فيها بالقطع حيث إنّها شهادة على عقد كبقيّة العقود .
والزّوجيّة ،ل ّ
وقال أبو حنيفة :ل تصحّ إلّ في النّكاح والموت والنّسب ،ول تقبل في الملك المطلق ،لنّ
الشّهادة فيه ل تخرج عن كونها شهاد ًة بمال ،وما دام المر كذلك فهو شبيه بالدّين ،والدّين ل
تقبل فيه شهادة السّماع ،وأمّا صاحباه فقد نصّا على قبولها في الولء مثل عكرمة مولى ابن
عبّاس .
شهادة التّوسّم :
-قال ابن فرحون :التّوسّم مأخوذ من الوسم وهو التّأثير بحديدة في جلد البعير يكون علمةً 38
مرض ،أو عذر من العذار ،فيشهد على شهادته شاهدين تتوفّر فيهما الصّفات الّتي تؤهّلهما
للشّهادة ،ويطلب منهما تحمّلها والدلء بها أمام القضاء ،فيقوم هذان الشّاهدان مقامه ،في
نقل تلك الشّهادة إلى مجلس القضاء بلفظها المخصوص في التّحمّل والداء ،لنّ الحاجة تدعو
إلى ذلك فل تقبل الشّهادة على الشّهادة إلّ عند تعذّر شهود الصل باتّفاق الفقهاء .
ويشترط الشّافعيّة والحنابلة دوام تعذّر شهود الصل إلى حين صدور الحكم ،فمتى أمكنت شهادة
الصول قبل الحكم وقف الحكم على سماعها ،ولو بعد سماع شهادة الفروع ،لنّه قدر على
الصل فل يجوز الحكم بالبدل .
وممّا يجيز للشّاهد أن يشهد على شهادته أن يخاف الموت فيضيع الحقّ .هذا على وجه العموم،
وإن كانت آراء الفقهاء متباينةً فيما يجوز من الشّهادة على الشّهادة وما ل يجوز .
ن الشّهادة على الشّهادة جائزة في
فقد ذهب مالك ،وأبو ثور ،وهو أحد قولي الشّافعيّ :إلى أ ّ
سائر المور ما ًل أو عقوبةً .
وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّها :جائزة في كلّ حقّ ل يسقط بشبهة ،فل تقبل فيما يندرئ
بالشّبهات كالحدود والقصاص .
قال الحنفيّة وإنّما قلنا بذلك استحسانا .
وجه القياس أنّها عبادة بدنيّة وليست حقّا للمشهود له والنّيابة ل تجزئ في العبادة البدنيّة ،
ووجه الستحسان أنّ الحاجة ماسّة إليها ،إذ شاهد الصل قد يعجز عن أداء الشّهادة لمرض أو
موت أو بعد مسافة ،فلو لم تجز الشّهادة على الشّهادة أدّى إلى ضياع الحقوق ،وصار كتاب
القاضي إلى القاضي .
وذهب الشّافعيّة إلى :جواز تحمّل الشّهادة على الشّهادة وأدائها ،وإلى قبول الشّهادة على
ن الصل
ن الحاجة تدعو إليها ،ل ّ
ي عَ ْدلٍ مّن ُكمْ } ول ّ
شهِدُوا َذ َو ْ
الشّهادة لعموم قوله تعالى َ { :وَأ ْ
ن الشّهادة حقّ لزم ،فيشهد عليها كسائر الحقوق ،ولنّها طريق يظهر الحقّ
قد يتعذّر ،ول ّ
كالقرار فيشهد عليها ،لكنّها إنّما تقبل في غير عقوبة مستحقّة للّه تعالى ،وغير إحصان ،
كالقارير ،والعقود ،والنّسوخ ،والرّضاع ،والولدة ،وعيوب النّساء .سواء في ذلك حقّ
ق اللّه تعالى كالزّكاة ،وتقبل في إثبات عقوبة الدميّ على المذهب كالقصاص ،وحدّ
الدميّ وح ّ
القذف .
أمّا العقوبة المستحقّة للّه تعالى كالزّنى ،وشرب الخمر ،فل تقبل فيها الشّهادة على الشّهادة
على الظهر .
-وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه :إذا شهد شاهد واحد على شهادة أحد الشّاهدين ،وشهد 43
آخر على شهادة الشّاهد الثّاني ،لم يجز ذلك ،لنّه إثبات قول بشهادة واحد .خلفا للحنابلة
فإنّهم يجوّزون الشّهادة على هذه الصّورة .
وإن شهد شاهدان على شهادة شاهد ،ثمّ شهدا على شهادة الشّاهد الثّاني في القضيّة نفسها ،
فقد ذهب الحنفيّة والحنابلة -وهو قول عند الشّافعيّة -إلى جواز ذلك .
مستدلّين بقول عليّ -رضي ال تعالى عنه : -ل يجوز على شهادة رجل إ ّل شهادة رجلين .
والقول الثّاني :عند الشّافعيّة :أنّه يشترط لكلّ من الصلين اثنان ،لنّ شهادتهما على واحد
قائمة مقام شهادته ،فل تقوم مقام شهادة غيره .
-ول يصحّ تحمّل شهادة مردود الشّهادة ،لسقوطها . 44
من قبول شهادة الفرع لسقوط شهادة الصل .ولو حدث الفسق أو الرّدّة بعد الشّهادة وقبل
الحكم امتنع الحكم .
السترعاء في الشّهادة على الشّهادة :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط السترعاء في الشّهادة على الشّهادة ،والسترعاء هو : 46
طلب الحفظ ،أي :بأن يقول شاهد الصل لشاهد الفرع :اشهد على شهادتي واحفظها ،فللفرع
ولمن سمعه يقول ذلك ،أن يشهد على شهادته ولو لم يخصّه بالسترعاء ،واستثنوا من ذلك
ما إذا سمع شاهد الفرع الصل شهادة الشّاهد الصل أمام القاضي ،فإنّه يجوز له أن يشهد على
شهادته وإن لم يسترعه .
ق بأن يقول :أشهد
واستثنى الشّافعيّة والحنابلة أيضا ما إذا سمع الفرع الصل يذكر سبب الح ّ
أنّ لفلن على فلن ألفا من ثمن مبيع أو كقرض أو غير ذلك .
وذهب الحنفيّة إلى عدم اشتراطه ،لنّ من سمع إقرار غيره حلّ له الشّهادة وإن لم يقل له
اشهد.
-ويؤدّي شاهد الفرع شهادته على الصّفة الّتي تحمّلها من غير زيادة ول نقص ،فإن سمعه 47
اضطرارا ،كالطّلق والوقف والهبة ،والتّزويج ونحو ذلك ،وصورتها أن يكتب المسترعى كتابا
سرّا ،بأنّه إنّما يفعل هذا التّصرّف لمر يتخوّفه على نفسه ،أو ماله ،وأنّه يرجع فيما عقد عند
أمنه ممّا يتخوّفه ويشهد على ذلك شهود السترعاء .
وقد أورد صاحب تبصرة الحكّام أمثلةً لما يقوله المسترعي ،في وثيقة السترعاء فيما تجوز
فيه شهادة السترعاء .فقال نقلً عن ابن العطّار :يصدّق المسترعى في الحبس -يعني الوقف
-فيما يذكره من الوجوه الّتي يتوقّعها ويكتب في ذلك :أشهد فلن شهود هذا الكتاب بشهادة
استرعاء ،واستخفاء للشّهادة :أنّه متى عقد في داره بموضع كذا تحبيسا على بنيه أو على
أحد من النّاس فإنّما يفعله لمر يتوقّعه على نفسه ،أو على ماله المذكور ،وليمسكه على نفسه
ويرجع فيما عقد فيه عند أمنه ممّا تخوّفه ،وأنّه لم يرد بما عقده فيه وجه القربة ،ول وجه
الحبس بل لما يخشاه وأنّه غير ملتزم لما يعقده فيه من التّحبيس وأشهد عليه بذلك في تاريخ
كذا وكذا .
وممّا ذكروه أيضا أنّه إذا خطب من هو قاهر لشخص بعض بناته فأنكحه المخطوب إليه ،
وأشهد شهود السترعاء سرّا :أنّي إنّما أفعله خوفا منه وهو ممّن يخاف عداوته .
وأنّه إن شاء اختارها لنفسه لغير نكاح فأنكحه على ذلك فهو نكاح مفسوخ أبدا .
وإذا بنى ظالم أو من يخاف شرّه غرف ًة محدثةً بإزاء دار رجل وفتح بابا يطّلع منه على ما في
ن سكوته عنه لخوفه منه على نفسه
داره على وجه الستطالة لقدرته ،وجاهه ،فيشهد الرّجل أ ّ
أن يضرّه أو يؤذيه ،وأنّه غير راض بذلك وأنّه قائم عليه بحقّه متى أمكنه ،وتشهد البيّنة
لمعرفتهم وأنّ المحدث لذلك ممّن يتّقى شرّه ،وينفعه ذلك متى قام بطلب حقّه .
وفي أحكام ابن سهل :من له دار بينه وبين أخيه فباع أخوه جميعها ممّن يعلم اشتراكهما فيها
وله سلطان ،وقدرة ،وخاف ضرره إذا تكلّم في ذلك ،فاسترعى أنّ سكوته عن الكلم في
نصيبه وفي الشّفعة في نصيب أخيه لما يتوقّعه من تحامل المشتري عليه ،وإضراره به ،وأنّه
غير تارك لطلبه متى أمكنه .فإذا ذهبت التّقيّة ،وقام من فوره بهذه الوثيقة أثبتها ،وأثبت
الملك ،والشتراك ،وأعذر إلى أخيه وإلى المشتري ،قضي له بحقّه وبالشّفعة .
ما يجوز السترعاء فيه :
-قال ابن فرحون من المالكيّة :يجوز السترعاء في التّصرّفات الّتي هي من باب التّطوّع : 49
كالطّلق ،والتّحبيس والهبة ،قال المالكيّة :ول يلزمه أن يفعل شيئا من ذلك ،وإن لم يعلم
السّبب إلّ بقوله ،مثل أن يشهد أنّي إن طلّقت فإنّي أطلّق خوفا من أمر أتوقّعه من جهة كذا ،
أو حلف بالطّلق وكان أشهد أنّي إن حلفت بالطّلق فإنّما هو لجل إكراه ونحو ذلك فهذا وما
ذكرناه معه ل يشترط فيهما معرفة الشّهود والسّبب المذكور .
ول يجوز السترعاء في البيوع مثل أن يشهد قبل البيع أنّه راجع في البيع وأنّ بيعه لمر
ق للمبتاع إلّ أن
ن المبايعة خلف ما تطوّع به .وقد أخذ البائع فيه ثمنا ،وفي ذلك ح ّ
يتوقّعه ،ل ّ
يعرف الشّهود الكراه على البيع أو الخافة فيجوز السترعاء إذا انعقد قبل البيع وتضمّن العقد
شهادة من يعرف الخافة والتّوقّع الّذي ذكره .
الرّجوع عن الشّهادة :
ن الشّاهدين إن رجعا عن شهادتهما ،فل يخلو رجوعهما أن يكون قبل
-ذهب الفقهاء إلى أ ّ 50
ن الحقّ إنّما
قضاء القاضي أو بعده ،فإن رجعا عن شهادتهما قبل الحكم سقطت شهادتهما ،ل ّ
يثبت بالقضاء ،والقاضي ل يقضي بكلم متناقض ،ول ضمان عليهما ،لنّهما لم يتلفا شيئا
على المدّعي ،ول على المدّعى عليه .
-وإن رجعا بعد الحكم وقبل التّنفيذ : 51
فإن كان في حدّ أو قصاص لم يجز الستيفاء والتّنفيذ ،لنّ هذه الحقوق تسقط بالشّبهة ،
والرّجوع شبهة ظاهرة ،فلم يجز الستيفاء لقيام الشّبهة .
ن القضاء قد تمّ ،وليس هذا ممّا يسقط بالشّبهة حتّى
وإن كان مالً أو عقدا استوفى المال ل ّ
يتأثّر بالرّجوع ،فل ينتقض الحكم .وعلى الشّهود ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لقرارهم على
أنفسهم بسبب الضّمان ،ول يرجعون على المحكوم له .
-أمّا إن رجع الشّهود بعد تنفيذ الحكم : 52
فإنّه ل ينقض الحكم ،ول يجب على المشهود له ر ّد ما أخذه ،لنّه يحتمل أن يكونا صادقين ،
ويحتمل أن يكونا كاذبين ،وقد اقترن الحكم والستيفاء بأحد الحتمالين ،فل ينقض برجوع
محتمل ،وعلى الشّاهدين أن يضمنا ما أتلفاه بشهادتهما .
فإن كان ما شهدا به يوجب القتل ،أو الحدّ ،أو القصاص :نظر ،فإن قال تعمّدنا ليقتل
بشهادتنا ،وجب عليهما القود عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة ،وبه قال ابن أبي ليلى
ي وأبو عبيد وابن شبرمة .
والوزاع ّ
ي -رضي ال عنه -على رجل أنّه سرق فقطعه ،ثمّ
ن رجلين شهدا عند عل ّ
لما روى الشّعبيّ أ ّ
أتياه برجل آخر فقال :إنّا أخطأنا بالوّل ،وهذا السّارق ،فأبطل شهادتهما على الخر ،
وضمّنهما دية يد الوّل ،وقال :لو أعلم أنّكما تعمّدتما لقطعتكما .
ولنّهما ألجآه إلى قتله بغير حقّ ،فلزمهما القود كما لو أكرهاه على قتله .
وذهب الحنفيّة ،وجمهور المالكيّة :إلى أنّه ل قود عليهما ،لنّهما لم يباشرا التلف ،فأشبها
سكّين ،إذا تلف بهما شيء ،وعليهما الدّية .
حافر البئر ،وناصب ال ّ
وإن قال الشّهود :أخطأنا ،أو جهلنا كانت عليهم الدّية في أموالهم مخفّفةً مؤجّلةً ،ول تتحمّل
العاقلة عنهما شيئا ،لنّ العاقلة ل تحمل العتراف .
وإن قالوا :تعمّدنا الشّهادة ولم نعلم أنّه يقتل وهم يجهلون قتله وجبت عليهم دية مغلّظة ،لما
فيه من العمد ،ومؤجّلة لما فيه من الخطأ .
فإن قالوا :أخطأنا ،وجبت دية مخفّفة ،لنّه خطأ ول تحمله العاقلة لنّها وجبت باعترافهم .
فإن اتّفقوا على أنّ بعضهم تعمّد وبعضهم أخطأ وجب على المخطئ قسطه من الدّية المخفّفة ،
وعلى المتعمّد قسطه من الدّية المغلّظة ،ول يجب عليهم القود لمشاركة المخطئ .
وإن اختلفوا ،فقال بعضهم :تعمّدنا كلّنا ،وقال بعضهم أخطأنا كلّنا ،وجب على المقرّ بعمد
الجميع القود ،وعلى المق ّر بخطأ الجميع قسطه من الدّية المخفّفة .
رجوع بعض الشّهود :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّه إذا رجع أحد الشّاهدين بعد الحكم وبعد استيفائه في شهادة 53
نصابها شاهدان ضمن نصف المال أو نصف الدّية ،والعبرة لمن بقي ل لمن رجع .
ولو رجع واحد من أصل أربعة شهود في شهادة نصابها شاهدان أيضا ،فل شيء عليه لبقاء
نصاب الشّهادة قائما .
وكذا لو رجع اثنان منهم فل شيء عليهما ،لبقاء النّصاب .
ولو رجع ثلثة منهم فعليهم نصف المال ،لبقاء شاهد واحد ،وهو شطر الشّهادة فيتحمّلون
شطر المال .
ل وامرأتين غرمت الرّاجعة ربع المال .
ولو رجعت امرأة وكان النّصاب رج ً
ولو شهد عشر نسوة ورجل واحد ،فرجع ثمان منهنّ فل شيء عليهنّ ،لبقاء نصاب الشّهادة .
ولو رجع تسع منهنّ غرمن ربع المال ..وهكذا .
ن كلّ موضع وجب الضّمان فيه على الشّهود بالرّجوع وجب أن يوزّع
وذهب الحنابلة :إلى أ ّ
بينهم على عددهم قلّوا أو كثروا .
قال المام أحمد في رواية إسحاق بن منصور عنه :إنّه إذا شهد بشهادة ثمّ رجع وقد أتلف مالً
فإنّه ضامن بقدر ما كانوا في الشّهادة ،فإن كانوا اثنين فعليه النّصف ،وإن كانوا ثلثةً فعليه
الثّلث ،وعلى هذا لو كانوا عشر ًة فعليه العشر ،وسواء رجع وحده أو رجعوا جميعا ،وسواء
رجع الزّائد عن القدر الكافي في الشّهادة أو من ليس بزائد ،فلو شهد أربعة بالقصاص ،فرجع
واحد منهم ،وقال :عمدنا إلى قتله ،فعليه القصاص ،وإن قال :أخطأنا فعليه ربع الدّية ،وإن
رجع اثنان فعليهما القصاص ،أو نصف الدّية .
وإن شهد ستّة بالزّنى على محصن فرجم بشهادتهم ثمّ رجع واحد فعليه القصاص أو سدس
الدّية ،وإن رجع اثنان فعليهما القصاص أو ثلث الدّية .
الختلف في الشّهادة :
-الشّهادة إذا وافقت الدّعوى قبلت ،وإن خالفتها لم تقبل ; لنّ تقدّم الدّعوى في حقوق 54
العباد شرط قبول الشّهادة ،وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها .
وينبغي اتّفاق الشّاهدين فيما بينهما لتكمل الشّهادة .
فإن شهد أحدهما أنّه غصبه دينارا ،وشهد الخر أنّه غصبه ثوبا :فل تكمل الشّهادة على واحد
من هذين .
-ويعتبر اتّفاق الشّاهدين في اللّفظ والمعنى عند أبي حنيفة .وذهب صاحباه أبو يوسف 55
» :البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه« وهي الرّواية المشهورة عن أحمد لقوله
ى عليه ،فجعل جنس البيّنة في جانب
ولنّ المدّعي هو الّذي يدّعي ما في يد غيره وذو اليد مدّع ً
المدّعي ،وهو الّذي يدّعي ما في يد غيره ،وهو الخارج ،فتقبل بيّنته وتر ّد بيّنة اليد ،ولنّها
أكثر إثباتا ،لنّها تثبت الملك للخارج ،وبيّنة ذي اليد ل تثبته ،لنّ الملك ثابت له باليد ،وإذا
كانت أكثر إثباتا كانت أقوى .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة :إلى ترجيح بيّنة ذي اليد ،لنّ البيّنتين متعارضتان ،فتبقى اليد دليلً
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم اختصم إليه رجلن
على الملك ،ودليلهم على ذلك ما روي » :أ ّ
في دابّة أو بعير ،فأقام كلّ واحد منهما البيّنة بأنّها له نتجها ،فقضى بها رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم للّذي هي في يده « .
-ب -أمّا إذا كان الشّيء في يد غيرهما : 59
فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه ينظر :إن :لم يؤرّخا وقتا ،قضي بالشّيء بينهما نصفين لستوائهما
في السّبب ،وكذا إذا أرّخا وقتا بعينه .وإذا أرخت إحداهما تاريخا أسبق من الثّانية :فالسبق
أولى ،لنّهما يعتبران خارجين ،لوجودها عند غيرهما ،فينطبق عليهما وصف " المدّعي "
فتسمع بيّنتهما ،ويحكم للسبق ،لنّ السبق يثبت الملكيّة في وقت ل ينازعه فيه أحد .
وذهب المالكيّة إلى أنّه :إن تعذّر ترجيح إحدى البيّنتين بوجه من المرجّحات ،والحال أنّ
المتنازع فيه في يد غيرهما :سقطتا ،لتعارضهما ،وبقي المتنازع فيه بيد حائزه .وفي ذلك
صور متعدّدة .
وذهب الشّافعيّة :إلى أنّه إذا ادّعى كلّ منهما عينا وهي في يد ثالث ،وهو منكر ولم ينسبها
لحدهما ،وأقام كلّ منهما بيّنةً ،وكانتا مطلّقتي التّاريخ أو متّفقتيه ،أو إحداهما مطلقةً
والخرى مؤرّخةً :سقطت البيّنتان ،لتناقض موجبيهما ول مرجّح ،ويحلف صاحب اليد لكلّ
منهما يمينا .وفي قول :تستعمل البيّنتان ،وتنزع العين ممّن هي في يده ،وعلى هذا تقسم
بين المدّعيين مناصفةً في قول ،وفي قول آخر يقرع بينهما ،ويرجّح من خرجت قرعته .
وفي قول ثالث :توقف حتّى يبين المر أو يصطلحا على شيء .
وذهب الحنابلة :إلى أنّه إن أنكر الثّالث دعوى المدّعيين ،فقال :ليست لهما ول لحدهما :
أقرع بين المدّعيين ،وإن كان لحدهما بيّنة :حكم له بها ،وإن كان لكلّ من المدّعيين بيّنة :
تعارضتا لتساويهما في عدم اليد ،فتسقطان لعدم إمكان العمل بإحداهما .
-ج -أمّا إذا كان الشّيء في يدهما معا : 60
فقد ذهب الحنفيّة إلى التّفصيل :فإن لم تؤرّخا تاريخا ،وكذا إذا أرّختا تاريخا معيّنا وكان
تاريخهما سوا ًء :قضي لكلّ واحد منهما بالنّصف الّذي في يد الخر ،لنّ كلّ واحد بالنّسبة لهذا
النّصف خارج فهو مدّع والبيّنة للمدّعي .
وإن أرّخت إحداهما دون الخرى :قضي بينهما نصفين عند أبي حنيفة ومحمّد ،ول عبرة
بالتّاريخ للحتمال ،وعند أبي يوسف هو لصاحب التّاريخ .
وذهب الشّافعيّة :إلى بقاء العين في أيديهما كما كانت على الصّحيح ،وهو تساقط البيّنتين ،إذ
ليس أحدهما بأولى بها من الخر ،وقيل :تجعل بينهما على قول القسمة ،ول يجيء القول
بالوقف ،إذ ل معنى له ،وفي القرعة وجهان .
وذهب الحنابلة :إلى أنّ المتنازعين إن كان لكلّ منهما بيّنة وتساوت البيّنتان من كلّ وجه :
ن كلً منهما تنفي ما تثبته الخرى ،فل يمكن العمل بهما ،ول بإحداهما
تعارضتا وتساقطتا ،ل ّ
فتتساقطان ،ويصير المتنازعان كمن ل بيّنة له ،فيتحالفان ،ويتناصفان ما بأيديهما .
وذهب بعض المالكيّة :إلى ترجيح إحداهما بزيادة العدالة في البيّنة الصليّة ل المزكّية ،وفي
رأي بعضهم ترجّح بزيادة العدد إذا أفادت الكثرة العلم ،بحيث تكون الكثرة جمعا يستحيل
تواطؤهم على الكذب .
-وإن كانتا في ملك مقيّد بسببه : 61
وذلك بأن يذكر الملك عن طريق الرث مثلً أو عن طريق الشّراء أو النّتاج .
ففي الرث يقضى به للخارج ،إلّ إذا كانت إحداهما أسبق ،فيقضى به للسبق .
أمّا إذا كانا خارجين ،بأن كان الشّيء عند غيرهما ،فيقسم الشّيء بينهما ،أو يقضى به
للسبق إذا ذكرا تاريخا .
وفي الشّراء :إذا ادّعى كلّ واحد منهما الشّراء من صاحبه ول تاريخ لهما ،وكذا إن أرّخا
وتاريخهما سواء ،تعارضتا وسقطتا ،ويترك الشّيء للّذي في يده .
أمّا إذا كان أحدهما أسبق :فإنّه يقضى له ،وإذا ادّعيا الشّراء من شخص آخر يقضى لهما
بالشّيء نصفين .
وفي النّتاج :بأن يذكر أنّ هذه النّاقة نتجت عنده ،أي :ولدت في ملكه ،فيكون صاحب اليد
أولى إذا لم يؤرّخا ،أو أرّخا وقتا واحدا ،لنّ النّتاج ل يتكرّر .
ن رجلين اختصما في ناقة ،فقال :كلّ واحد منهما :نتجت هذه النّاقة عندي .
لما روي » :أ ّ
وأقاما بيّن ًة فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم للّذي هي في يده « .
أمّا ما يتكرّر سببه ،كالبناء ،والنّسج ،والصّنع ،والغرس :فبيّنة الخارج أولى .
أمّا إذا ذكر أحدهما الملك والخر النّتاج :فبيّنة النّتاج أولى لنّها تثبت أوّليّة الملك لصاحبه .
وجاء في مجلّة الحكام العدليّة ما يلي :
أ -إذا ادّعى أحد الشّخصين الملك بالستقلل وادّعى الخر الملك بالشتراك في مال ،والحال
ل منهما متصرّف أي ذو يد :فبيّنة الستقلل أولى .
أنّ ك ً
ب -ترجّح بيّنة التّمليك على بيّنة العاريّة .
ج -ترجّح بيّنة البيع على بيّنة الهبة والرّهن والجارة وترجّح بيّنة الجارة على بيّنة الرّهن .
صحّة على بيّنة مرض الموت .
د -ترجّح بيّنة ال ّ
هـ -ترجّح بيّنة العقل على بيّنة الجنون أو العته .
و -ترجّح بيّنة الحدوث على بيّنة القدم .
كثرة العدد وقوّة عدالة الشّاهد :
-إذا أقام ك ّل واحد من المتداعيين بيّنةً على ما ادّعاه ولم يكن بين البيّنتين من المرجّحات 62
سوى كثرة إحداهما على الخرى بأن كانت الولى عشرة شهود وكانت الثّانية شاهدين فقط ،أو
ترجّحت إحداهما بزيادة العدالة بأن كانت أظهر زهدا وأوفر تحرّجا من الخرى .
فهل تترجّح إحداهما على الخرى ؟ .
ذهب بعض الفقهاء من المالكيّة إلى ترجيحها بزيادة العدد وقوّة العدالة .
وذهب الحنفيّة والحنابلة ،وهو المذهب عند الشّافعيّة ،وقول جمهور المالكيّة :إلى أنّه ل يغلّب
الحكم بالبيّنة الزّائدة في العدد والعدالة وإنّما هما سواء ،لنّ اللّه تعالى نصّ على عدد الشّهادة
ن من ّرجَا ِل ُكمْ } وبقوله َ { :وَأشْهِدُوا َذ َويْ عَ ْد ٍل مّنكُمْ } .
شهِيدَيْ ِ
شهِدُواْ َ
بقوله { :وَاسْ َت ْ
ص من الجتهاد في الزّيادة والنّقصان ،ولنّه لمّا جاز القتصار على الشّاهدين مع
فمنع النّ ّ
وجود من هو أكثر ،وعلى قبول العدل مع من هو أعدل ،دلّ على أنّه ل تأثير لزيادة العدد
وقوّة العدالة .
شهادة البداد :
-البداد :هم المتفرّقون ،واحدهم بدّ ،من التّبديد ،لنّ الشّهود شهدوا في ذلك متفرّقين ، 63
واحد هنا وآخر في موضع آخر ،وواحد اليوم وواحد غدا ،وواحد على معنىً ،وواحد على
معنىً آخر .
قال المالكيّة :الّذين انفردوا ببيان أحكام هذه الشّهادة :تجوز شهادة البداد في النّكاح ،وهي
أن ل يجتمع الشّهود على شهادة الوليّ والزّوج ،بل إنّما عقدوا وتفرّقوا ،وقال كلّ واحد
لصاحبه " :أشهد من لقيت " هكذا فسّروه بناءً على المشهور من المذهب ،أنّ الشّهادة ليست
شرطا في صحّة العقد .
ي ،واثنان على الزّوج ،واثنان على
فتتمّ عندهم بشهادة ستّة شهود :منهم اثنان على الول ّ
الزّوجة إن كانت ثيّبا .وفي البكر ذات الب تتمّ بأربعة :منهم شاهدان على الزّوج وشاهدان
على الوليّ .
وأمّا إن أشهد كلّ واحد منهم الشّهود الّذين أشهدهم صاحبه مرّ ًة بعد مرّة فليست شهادة أبداد .
ص ما شهد به
قال ابن الهنديّ :شهادة البداد ل تعمل شيئا ،إذا شهد كلّ واحد منهم بغير ن ّ
ص واحد .
صاحبه ،وإن كان معنى جميع شهاداتهم واحدا ،حتّى يتّفق منهم شاهدان على ن ّ
لكن في المذهب خلف فيما قاله ابن الهنديّ ،ففي أحكام ابن سهل سئل مالك عن شاهدين شهد
أحدهما في منزل أنّه مسكن هذا ،وشهد آخر أنّه حيزه ،فقال خصمه :قد اختلفت شهادتهما .
فقال مالك :مسكنه وحيزه شهادة واحدة ل تفترق .
شهادة الستخفاء أو الستغفال :
-المستخفي هو الّذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع قراره ول يعلم به ،كأن يجحد 64
الحقّ علنيةً ويق ّر به سرّا ،فيختبئ شاهدان في موضع ل يعلم بهما المقرّ ليسمعا إقراره ،
وليشهدا به من بعد ،فشهادتهما مقبولة عند جمهور الفقهاء ورواية عن أحمد .
ن الحاجة تدعو إليه .
وقيّده المالكيّة بما إذا كان المشهود عليه غير مخدوع ول خائن ل ّ
ن اللّه
وذهب بعضهم وهي الرّواية الثّانية عن أحمد :إلى أنّه ل تسمع شهادة المستخفي ،ل ّ
جسّسُوا }
تعالى يقول { :وَل َت َ
شهادة الزّور :
-شهادة الزّور من الكبائر .ول يجوز العمل بها ول تقبل شهادته فيما بعد لحديث أبي بكرة 65
ي صلى ال عليه وسلم » :أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ثلثا قالوا :بلى يا رسول اللّه
قال :قال النّب ّ
.قال :الشراك باللّه ،وعقوق الوالدين -وجلس وكان متّكئا -فقال :أل وقول الزّور .قال :
فما زال يكرّرها حتّى قلنا :ليته سكت « .
ولنّ فيها رفع العدل ،وتحقيق الجور .
فإذا أقرّ شخص أنّه شهد بزور أو قامت البيّنة على ذلك ،قال أبو حنيفة :يشهّر به في
السّوق ،إن كان من أهل السّوق أو في قومه أو محلّته بعد صلة العصر في مكان يجتمع فيه
النّاس ،ويقال :إنّا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذّروا النّاس منه .
ول يحبس ول يعزّر بالضّرب لتحقّق القصد وهو النزجار .
وكان شريح يشهّره ول يضربه .
وقال أبو يوسف ومحمّد :نوجعه ضربا ونحبسه .
وعند الشّافعيّة :للمام أن يعزّر شاهد الزّور بالضّرب أو الحبس أو الزّجر ،وإن رأى أن يشهّر
أمره فعل لما روي عن عمر -رضي ال عنه -أنّه ضرب شاهد الزّور أربعين سوطا وسخّم
وجهه أي :سوّده .
ولنّ هذه كبيرة يتعدّى ضررها إلى العباد ،وليس فيها حدّ مقدّر فيعزّر .
وذهب المالكيّة والحنابلة :إلى تعزيره وضربه وأن يطاف به في المجالس .
وعلى كلّ حال إذا ثبت زوره ردّت شهادته ،ونبّه النّاس على حقيقته .
ي على شهادته كان باطلً لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :اذكروا
ن الحكم المبن ّ
وتبيّن أ ّ
الفاسق بما فيه ليحذره النّاس « .
والمسلمون وأهل ال ّذمّة في حكم شهادة الزّور سواء ،لقيام الهليّة في حقّهم جميعا فيما تعلّق
بشهادة الزّور .
وإذا تاب شاهد الزّور ومضت على ذلك مدّة ظهرت فيها توبته ،وتبيّن صدقه وعدالته :قبلت
ي.
شهادته عند الحنابلة وبه قال أبو حنيفة والشّافع ّ
ن ذلك ل يؤمن منه .
وقال مالك :ل تقبل شهادته أبدا ،ل ّ
شهادة الحسبة :
-يقصد بها أن يؤدّي الشّاهد شهاد ًة تحمّلها ابتدا ًء ل بطلب طالب ول بتقدّم دعوى . 66
شهادة السترعاء *
انظر :استرعاء
شهادة الزّور *
التّعريف :
-شهادة الزّور :مركّب إضافيّ يتكوّن من كلمتين هما :الشّهادة ،والزّور . 1
أمّا الشّهادة في اللّغة ،فمن معانيها :البيان ،والظهار ،والحضور ،ومستندها المشاهدة إمّا
بالبصر أو بالبصيرة .
وأمّا الزّور فهو الكذب والباطل ،وقيل :هو شهادة الباطل ،يقال :رجل زور وقوم زور :أي
مموّه بكذب .
وشهادة الزّور عند الفقهاء :هي الشّهادة بالكذب ليتوصّل بها إلى الباطل من إتلف نفس ،أو
أخذ مال ،أو تحليل حرام أو تحريم حلل .
الحكم التّكليفيّ :
ن شهادة الزّور من أكبر الكبائر وأنّها محرّمة شرعا ،قد نهى
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 2
ن ا َلوْثَانِ
اللّه تعالى عنها في كتابه مع نهيه عن الوثان فقال اللّه تعالى { :فَاجْتَنِبُوا ال ّرجْسَ مِ َ
ن النّبيّ صلى ال عليه
وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ } ،وقد روي عن خريم بن فاتك السديّ » :أ ّ
وسلم صلّى صلة الصّبح فلمّا انصرف قام قائما ،فقال :عدلت شهادة الزّور الشراك باللّه ثلث
مرّات ث ّم تل هذه الية { :وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ حُ َنفَاء لِّلهِ غَيْ َر ُمشْ ِركِينَ ِبهِ } « .
وروى أبو بكرة -رضي ال عنه -عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال { :أل أنبّئكم بأكبر
الكبائر ؟ قلنا :بلى يا رسول اللّه ،قال ثلثا :الشراك باللّه ،وعقوق الوالدين – وكان متّكئا –
فقال :أل وقول الزّور ،وشهادة الزّور ،أل وقول الزّور ،وشهادة الزّور فما زال يقولها حتّى
قلت :ل يسكت « .
وروي عن ابن عمر -رضي ال عنهما -عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :لن تزول
قدما شاهد الزّور حتّى يوجب اللّه له النّار « .
فمتى ثبت عند القاضي أو الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره باتّفاق الفقهاء ،مع
اختلفهم في كيفيّة التّعزير ،وسيأتي آراء الفقهاء فيها .
بم تثبت شهادة الزّور ؟
ن شهادة الزّور ل تثبت إلّ بالقرار ،لنّه ل تتمكّن تهمة الكذب
– ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 3
في إقراره على نفسه ،أو بأن يشهد بما يقطع بكذبه :بأن يشهد على رجل بفعل في الشّام في
ن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق ،أو يشهد بقتل رجل وهو حيّ ،أو
وقت ،ويعلم أ ّ
أنّ هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلثة أعوام وسنّها أقلّ من ذلك ،أو يشهد على رجل أنّه فعل
شيئا في وقت وقد مات قبل ذلك ،أو لم يولد إ ّل بعده وأشباه هذا ممّا يتيقّن بكذبه ويعلم تعمّده
-ول تثبت بالبيّنة ،لنّها نفي لشهادته ،والبيّنة حجّة للثبات دون النّفي ،وقد 4 لذلك .
تعارضت البيّنتان فل يعزّر في تعارض البيّنتين ،أو ظهور فسقه أو غلطه في الشّهادة ،لنّ
الفسق ل يمنع الصّدق ،والتّعارض ل يعلم به كذب إحدى البيّنتين بعينها ،والغلط قد يعرض
خطَأْتُم ِبهِ
للصّادق العدل ول يتعمّده فيعفى عنه .وقد قال اللّه تعالى { :وَلَيْسَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَاحٌ فِيمَا َأ ْ
وَ َلكِن مّا َت َعمّدَتْ قُلُو ُب ُكمْ } .
قال الشّيرازيّ من الشّافعيّة وابن فرحون من المالكيّة :تثبت شهادة الزّور من ثلثة أوجه :
أحدها :أن يقرّ أنّه شاهد زور .
والثّاني :أن تقوم البيّنة أنّه شاهد زور .
والثّالث :أن يشهد ما يقطع بكذبه .
وإذا ثبت ذلك بالبيّنة فعليه العقوبة سواء أكان ذلك قبل الحكم أم بعده .
كيفيّة عقوبة شاهد الزّور :
-لمّا كانت الشّريعة لم تقدّر عقوبةً محدّدةً لشاهد الزّور فإنّ هذه العقوبة هي التّعزير ،وقد 5
اختلف الفقهاء في عقوبة شاهد الزّور من حيث تفصيلت هذه العقوبة ل من حيث مبدأ عقاب
شاهد الزّور بالتّعزير ،إذ أنّه ل خلف عند الفقهاء في تعزيره إذا ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه
شهد بزور عمدا عزّره وجوبا وشهّر به ،روي ذلك عن عمر -رضي ال عنه -وبه قال
ي وابن أبي ليلى .
شريح وسالم بن عبد اللّه والوزاع ّ
واختلفوا في كيفيّة التّعزير ،فقال الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة :تأديب شاهد الزّور
مفوّض إلى رأي الحاكم إن رأى تعزيره بالجلد جلده ،وإن رأى أن يحبسه ،أو كشف رأسه
ي :ل يبلغ
وإهانته وتوبيخه فعل ذلك ،ول يزيد في جلده على عشر جلدات ،وقال الشّافع ّ
بالتّعزير أربعين سوطا .
وأمّا كيفيّة التّشهير به بين النّاس :فإنّ الحاكم يوقفه في السّوق إن كان من أهل السّوق ،أو
محلّة قبيلته إن كان من أهل القبائل ،أو في مسجده إن كان من أهل المساجد ،ويقول الموكّل
به :إنّ الحاكم يقرأ عليكم السّلم ويقول :هذا شاهد زور فاعرفوه .
ي صلى ال عليه وسلم عن
-6ول يسخّم وجه -أي يسوّده -لنّه مثلة ،وقد نهى النّب ّ
المثلة ،ول يركبه مقلوبا ،ول يكلّف الشّاهد أن ينادي على نفسه ،وفي الجملة ليس في هذا
تقدير شرعيّ فللحاكم أن يفعل ممّا يراه ،ما لم يخرج إلى مخالفة نصّ أو معنى نصّ .
-7وقال أبو يوسف ومحمّد وبعض المالكيّة :إذا ثبت عند القاضي أو الحاكم عن رجل أنّه شهد
بالزّور عوقب بالسّجن والضّرب ،ويطاف به في المجالس ،لما روي عن عمر -رضي ال
عنه -أنّه ضرب شاهد زور أربعين سوطا وسخّم وجهه .
وعن الوليد بن أبي مالك أنّ عمر رضي ال عنه كتب إلى عمّاله بالشّام :إذا أخذتم شاهد الزّور
فاجلدوه بضرب أربعين سوطا ،وسخّموا وجهه وطوّفوا به حتّى يعرفه النّاس ،ويحلق رأسه
ويطال حبسه ،لنّه أتى كبير ًة من الكبائر للحديث السّابق .
س مِنَ ا َلوْثَانِ
وقد قرن اللّه تعالى بين شهادة الزّور وبين الشّرك ،فقال { :فَاجْتَنِبُوا ال ّرجْ َ
وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ } ،ولنّ هذه الكبيرة يتعدّى ضررها إلى العباد بإتلف أنفسهم وأعراضهم
وأموالهم .
م -وقال أبو حنيفة :إذا أق ّر الشّاهد أنّه شهد زورا :يشهّر به في السواق إن كان سوقيّا ، 7
أو بين قومه إن كان غير سوقيّ ،وذلك بعد صلة العصر في مكان تجمّع النّاس ،ويقول
المرسل معه :إنّا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه ،وحذّروه النّاس ،ول يعزّر بالضّرب أو
الحبس ،لنّ شريحا كان يشهّر شاهد الزّور ول يعزّره ،وكان قضاياه ل تخفى عن أصحاب
ن المقصود هو التّوصّل إلى
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولم ينقل أنّه أنكر عليه منكر ،ول ّ
النزجار ،وهو يحصل بالتّشهير ،بل ربّما يكون أعظم عند النّاس من الضّرب ،فيكتفى به ،
والضّرب وإن كان مبالغةً في الزّجر لكنّه يقع مانعا عن الرّجوع فوجب التّخفيف نظرا إلى هذا
الوجه .
وذكر الزّيلعيّ نقلً عن الحاكم أبي محمّد الكاتب :أنّ هذه المسألة على ثلثة أوجه :
أحدها :أن يرجع على سبيل التّوبة والنّدامة ،فإنّه ل يعزّر بإجماع أئمّة الحنفيّة .
والثّاني :أن يرجع من غير توبة ،وهو مصرّ على ما كان منه فإنّه يعزّر بإجماعهم .
والثّالث :أن ل يعلم رجوعه بأيّ سبب فإنّه على الختلف الّذي ذكرنا .
القضاء بشهادة الزّور :
-ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وأبو يوسف ومحمّد وزفر من 8
الحنفيّة وإسحاق وأبو ثور :إلى أنّ قضاء الحاكم بشهادة الزّور ينفذ ظاهرا ل باطنا ،لنّ
شهادة الزّور حجّة ظاهرا ل باطنا فينفذ القضاء كذلك لنّ القضاء ينفذ بقدر الحجّة ،ول يزيل
ي له
شيئا عن صفته الشّرعيّة ،سواء العقود من النّكاح وغيره والفسوخ ،فل يحلّ للمقض ّ
بشهادة الزّور ما حكم له به من مال أو بضع أو غيرهما ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :إنّما
ي ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض ،فأقضي له على
أنا بشر ،وإنّكم تختصمون إل ّ
ق أخيه شيئا فل يأخذه فإنّما أقطع له قطعةً من النّار « .
نحو ما أسمع ،فمن قضيت له من ح ّ
وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية :ينفذ قضاء بشهادة الزّور ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ
ل ،والقاضي غير عالم بزورهم ،لقول عليّ -رضي ال عنه -لمرأة أقام
حيث كان المحلّ قاب ً
ي -رضي ال عنه -فقالت له :لم
عليها رجل بيّن ًة على أنّه تزوّجها ،فأنكرت فقضى له عل ّ
تزوّجني ؟ أما وقد قضيت عليّ فجدّد نكاحي ،فقال :ل أجدّد نكاحك ،الشّاهدان زوّجاك ،فلو لم
ينعقد النّكاح بينهما باطنا بالقضاء لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها .
ن الفقهاء أجمعوا على أنّه
-9وأمّا في الملك المرسلة -أي الّتي لم يذكر لها سبب معيّن -فإ ّ
ينفذ ظاهرا ل باطنا ،لنّ الملك ل بدّ له من سبب وليس بعض السباب بأولى من البعض
لتزاحمها فل يمكن إثبات السّبب سابقا على القضاء بطريق القتضاء .
تضمين شهود الزّور :
ل ،ولزم نقضه وبطلن ما
ن الشّهود شهدوا بالزّور ،تبيّن أنّ الحكم كان باط ً
-متى علم أ ّ 10
حكم به ،ويضمن شهود الزّور ما ترتّب على شهادتهم من ضمان .فإن كان المحكوم به مالً :
ر ّد إلى صاحبه ،وإن كان إتلفا :فعلى الشّهود ضمانه ،لنّهم سبب إتلفه .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة وأشهب من المالكيّة :إلى وجوب القصاص على شهود الزّور إذا
شهدوا على رجل بما يوجب قتله ،كأن شهدوا عليه بقتل عمد عدوان أو بردّة أو بزنىً وهو
محصن ،فقتل الرّجل بشهادتهما ،ثمّ رجعا وأقرّا بتعمّد قتله ،وقال :تعمّدنا الشّهادة عليه
بالزّور ليقتل أو يقطع :فيجب القصاص عليهما ،لتعمّد القتل بتزوير الشّهادة ،لما روى
ي -رضي ال عنه -على رجل بالسّرقة فقطعه ثمّ عادا فقال
ن رجلين شهدا عند عل ّ
الشّعبيّ :أ ّ
:أخطأنا ،ليس هذا هو السّارق ،فقال عليّ :لو علمت أنّكما تعمّدتما لقطعتكما ،ول مخالف له
في الصّحابة فيكون إجماعا ،وإنّهما تسبّبا إلى قتله أو قطعه بما يفضي إليه غالبا فلزمهما
كالمكره .وبه قال ابن شبرمة ،وابن أبي ليلى ،والوزاعيّ ،وأبو عبيد .
-وكذلك الحكم إذا شهدوا زورا بما يوجب القطع قصاصا ،فقطع أو في سرقة لزمهما 11
القطع ،وإذا سرى أثر القطع إلى النّفس فعليهما القصاص في النّفس ،كما يجب القصاص على
القاضي إذا قضى زورا بالقصاص ،وكان يعلم بكذب الشّهود .
وتجب عليهما الدّية المغلّظة إذا قال :تعمّدنا الشّهادة عليه ،ولم نعلم أنّه يقتل بهذا ،وكانا ممّا
يحتمل أن يجهل ذلك .وتجب الدّية في أموالهما لنّه شبه عمد ول تحمله العاقلة ،لنّه ثبت
باعترافهما والعاقلة ل تحمل العتراف .
-وإن رجع شهود القصاص أو شهود الح ّد بعد الحكم بشهادتهم وقبل الستيفاء ،لم يستوف 12
ن المحكوم به عقوبة ل سبيل إلى جبرها إذا استوفيت بخلف المال ،ولنّ
القود ول الحدّ ،ل ّ
رجوع الشّهود شبهة لحتمال صدقهم ،والقود والحدّ يدرآن بالشّبهة ،فينقض الحكم ،ول غرم
على الشّهود بل يعزّرون .
ن الواجب بالعمد أحد شيئين وقد سقط أحدهما فتعيّن الخر ،
ووجبت دية قود للمشهود له ،ل ّ
ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدّية على الشّهود .
ن القتل بشهادة
وذهب الحنفيّة والمالكيّة عدا أشهب :إلى أنّ الواجب هو الدّية ل القصاص ،ل ّ
الزّور قتل بالسّبب ،والقتل تسبّبا ل يساوي القتل مباشر ًة ،ولذا قصر أثره ،فوجبت به الدّية ل
القصاص .
م -ويجب حدّ القذف على شهود الزّور إذا شهدوا بالزّنى ويقام عليهم الحدّ سواء تبيّن 12
مدّة تظهر فيها توبته ،وتبيّن صدقه فيها وعدالته ،قبلت شهادته .
ك َوأَصْ َلحُواْ } .
ن تَابُواْ مِن َبعْدِ ذَلِ َ
لقوله تعالى ِ { :إلّ الّذِي َ
ي صلى ال عليه وسلم قال » :التّائب من الذّنب كمن ل ذنب له « .
ولنّ النّب ّ
ولنّه تائب من ذنبه ،فقبلت توبته كسائر التّائبين .
ومدّة ظهور التّوبة عندهم سنة ،لنّه ل تظهر صحّة التّوبة في مدّة قريبة ،فكانت أولى المدد
بالتّقدير سنةً ،لنّه تمرّ فيها الفصول الربعة الّتي تهيج فيها الطّبائع وتتغيّر فيها الحوال .
ي من الحنفيّة :مدّة ظهور التّوبة عند بعض الحنفيّة ستّة أشهر ،ثمّ قال :
وقال البابرت ّ
والصّحيح أنّه مفوّض إلى رأي القاضي .
وقال المالكيّة :إن كان ظاهر الصّلح حين شهد بالزّور ل تقبل له شهادة بعد ذلك لحتمال بقائه
على الحالة الّتي كان عليها ،وإن كان غير مظهر للصّلح حين الشّهادة ففي قبولها بعد ذلك إذا
ظهرت توبته قولن .
شهادتان *
انظر :إسلم ،تلقين
شهْر *
َ
التّعريف :
-الشّهر :الهلل ،سمّي به لشهرته ووضوحه ،ث ّم سمّيت اليّام به .وجمعه :شهور 1
وأشهر ،وهو مأخوذ من الشّهرة وهي :النتشار ووضوح المر ،ومنه شهرت المر أشهره
شهرا وشهرةً فاشتهر أي :وضح ،وكذلك أشهرته وشهّرته تشهيرا .
وأوّل الشّهر :من اليوم الوّل إلى السّادس عشر .وآخر الشّهر منه إلى الخر إلّ إذا كان تسعةً
ن أوّله حينئذ إلى وقت الزّوال من الخامس عشر ،وما بعده آخر الشّهر .
وعشرين يوما ،فإ ّ
ورأس الشّهر :اللّيلة الولى مع اليوم .
وغرّة الشّهر :إلى انقضاء ثلثة أيّام .
واختلفوا في الهلل فقيل :إنّه كالغرّة ،والصّحيح أنّه أوّل يوم ،وإن خفي فالثّاني .
وسلخ الشّهر :اليوم الخير منه .
شهُورِ
وفي الشّرع :المراد بالشّهر عند الطلق :الشّهر الهلليّ .قال اللّه تعالى { :إِنّ عِدّ َة ال ّ
سمَاوَات وَالَ ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َب َعةٌ حُ ُرمٌ } .
ق ال ّ
شهْرا فِي كِتَابِ الّل ِه َي ْومَ خَلَ َ
عشَ َر َ
عِن َد الّلهِ اثْنَا َ
ن الشهر الحرم معتبرة بالهلّة .
ولم يختلف النّاس في أ ّ
ن الواجب تعليق الحكام من العبادات وغيرها ،إنّما يكون
قال القرطبيّ :هذه الية تدلّ على أ ّ
بالشّهور والسّنين الّتي تعرفها العرب ،دون الشّهور الّتي تعتبرها العجم والرّوم والقبط ،وإن
لم تزد -شهور سنواتهم -على اثني عشر شهرا لنّها مختلفة العداد :منها ما يزيد على
ثلثين يوما ،ومنها ما ينقص .وشهور العرب ل تزيد على ثلثين يوما ،وإن كان منها ما
ينقص .والّذي ينقص ليس يتعيّن له شهر ،وإنّما تفاوتها في النّقصان والتّمام على حسب
اختلف سير القمر في البروج .وورد في كتب الشّافعيّة استثناء من هذا الصل في بعض
المسائل ،كالشهر السّتّة المعتبرة في أقلّ الحمل ،يريدون بالشّهر فيها ثلثين يوما ول يعنون
به الشّهر الهلليّ .
الحكام المتعلّقة بالشّهر :
أشهر الحجّ :
ن أشهر الحجّ هي :شوّال ،وذو القعدة ،وعشر من ذي الحجّة .
-يرى جمهور الفقهاء أ ّ 2
وذهب المالكيّة إلى أنّ أشهر الحجّ هي :شوّال وذو القعدة وذو الحجّة .
). 49/ 5 وللتّفصيل ر ( :أشهر الحجّ ف 4 - 1ج
الشهر الحرم :
شهُو ِر عِن َد الّلهِ اثْنَا
ن عِدّ َة ال ّ
-الشهر الحرم :هي الّتي ورد ذكرها في قول اللّه تعالى { :إِ ّ 3
بالهلّة .
وإن لم ينطبق العقد على أوّل الشّهر تمّم المنكسر بالعدد من الخير ،ويحسب الثّاني بالهلّة .
بهذا يقول الشّافعيّة والصّاحبان من الحنفيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة ،وهو ما يؤخذ من
عبارات المالكيّة في باب العدّة .
ويرى أبو حنيفة والشّافعيّ في رواية -نقلها عنه ابن قدامة -وأحمد في رواية :أنّه يستوفى
الجميع بالعدد ،لنّ الشّهر الوّل يكمل باليّام من الثّاني ،فيصير أوّل الثّاني باليّام ،فيكمل
بالثّالث وهكذا .
والظّاهر أنّ هذا الخلف يجري في كلّ ما يعتبر بالشهر ،كعدّة وفاة ،وصوم شهري كفّارة ،
ن هذه المسائل تساوي ما تقدّم معنىً .
ومدّة خيار ،وأجل ثمن وسلم ل ّ
ش ْهرُ الحرام *
ال ّ
انظر :الشهر الحرم
ش ْهرُ رمضان *
َ
انظر :رمضان
شهْرَة *
ُ
انظر :تسامح ،ألبسة
ش ْهوَة *
َ
التّعريف :
-الشّهوة لغةً :اشتياق النّفس إلى الشّيء ،والجمع :شهوات .وشيء شهيّ ،مثل لذيذ ، 1
للوضوء ،وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى :أنّه ينتقض الوضوء بمباشرة فاحشة استحسانا ،
وهي مسّ فرج أو دبر بذكر منتصب بل حائل يمنع حرارة الجسد ،أو مع وجود حائل رقيق ل
يمنع الحرارة.
وكما ينتقض وضوء الرّجل ينتقض وضوء المرأة كما في القنية .
وقال محمّد بن الحسن :ل ينتقض الوضوء إلّ بخروج المذي ،وهو القياس .
ووجه الستحسان :أنّ المباشرة الفاحشة ل تخلو عن خروج المذي غالبا ،والغالب كالمتحقّق .
وفي مجمع النهر :قوله - :أي محمّد : -أقيس ،وقولهما :أحوط .
ن لمس المتوضّئ البالغ لشخص يلتذّ بمثله عاد ًة -من ذكر أو
-وذهب المالكيّة إلى :أ ّ 3
أنثى -ينقض الوضوء ولو كان الملموس غير بالغ ،أو كان اللّمس لظفر أو شعر أو من فوق
حائل كثوب ،وظاهر المدوّنة سواء كان الحائل خفيفا يحسّ اللمس معه بطراوة البدن ،أم كان
كثيفا ،وتأوّلها بعض المالكيّة بالخفيف ،ومحلّ الخلف بين الخفيف والكثيف ما لم يقبض ،فإن
قبض على شيء من الجسم نقض اتّفاقا .
ومحلّ النّقض :إن قصد التّلذّذ بلمسه ،وإن لم تحصل له لذّة حال لمسه ،أو وجدها حال اللّمس
وإن لم يكن قاصدا لها ابتداءً .فإن لم يقصد ولم تحصل له لذّة فل نقض ولو وجدها بعد اللّمس
.والملموس -إن بلغ ووجد اللّذّة أو قصدها -بأن مالت نفسه لن يلمسه غيره فلمسه :
انتقض وضوءه ،لنّه صار في الحقيقة لمسا وملموسا ،فإن لم يكن بالغا فل نقض ،ولو قصد
ووجد .وأمّا القبلة في الفم فتنقض الوضوء مطلقا ،سواء قصد المقبّل اللّذّة أو وجدها ،أم
ل ،لنّها مظنّة اللّذّة بخلفها في غير الفم .وسواء في النّقض :المقبّل والمقبّل ،ولو وقعت
بإكراه أو استغفال .
ول ينتقض الوضوء بلذّة من نظر أو فكر ولو أنعظ ،ول بلمس صغيرة ل تشتهى أو بهيمة .
-وذهب الشّافعيّة إلى أنّ التقاء بشرتي الرّجل والمرأة ينقض الوضوء ،ول فرق في ذلك 4
بين أن يكون بشهوة أو إكراه ،أو نسيان ،أو يكون الرّجل ممسوح الذّكر ،أو خصيّا ،أو
عنّينا ،أو المرأة عجوزا شوهاء أو كافر ًة .
واللّمس عندهم :الحسّ باليد ،والمعنى فيه أنّه مظنّة ثوران الشّهوة ،ومثله في ذلك باقي
ف لنّ
ص ببطن الك ّ
صور اللتقاء فألحقت به ،بخلف نقض الوضوء بمسّ الفرج ،فإنّه يخت ّ
المسّ إنّما يثير الشّهوة ببطن الكفّ ،واللّمس يثيرها به وبغيره .
والمراد بالرّجل :الذّكر إذا بلغ حدّا يشتهي ل البالغ .
وبالمرأة :النثى إذا صارت مشتهاةً ل البالغة .
ول ينتقض الوضوء بلمس المحرم له بنسب أو رضاع أو مصاهرة ،ولو بشهوة في الظهر ،
لنّها ليست مظنّة الشّهوة بالنّسبة إليه ،كالرّجل .ومقابل الظهر ينتقض الوضوء لعموم قوله
تعالى َ { :أوْ َل َمسْ ُتمُ ال ّنسَاء } .
ل كان أو امرأةً كاللمس في نقض وضوئه في الظهر ،لستوائهما في لذّة
والملموس رج ً
اللّمس.
ول نقض بلمس الصّغيرة أو الصّغير إذا لم يبلغ كلّ منهما حدّا يشتهى عرفا .ول بلمس الشّعر
أو السّنّ أو الظّفر في الصحّ .
ن من النّواقض للوضوء مسّ بشرة الذّكر بشرة أنثى لشهوة ،لقوله
-5وذهب الحنابلة إلى أ ّ
تعالى َ { :أوْ َل َمسْ ُتمُ ال ّنسَاء } .
وأمّا كون اللّمس ل ينقض إلّ إذا كان لشهوة فللجمع بين الية والخبار .لنّه روي عن عائشة
ي صلى ال عليه وسلم ليلةً من الفراش فالتمسته ،
-رضي ال عنها -قالت » :فقدت النّب ّ
فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان « .ونصبهما دليل على أنّه كان
ي صلى ال عليه وسلم ورجلي
يصلّي ،وروي عنها أيضا أنّها قالت » :كنت أنام بين يدي النّب ّ
في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي « .
ن المسّ ليس بحدث في نفسه ،وإنّما هو داع
والظّاهر أنّ غمزه رجليها كان من غير حائل .ول ّ
إلى الحدث ،فاعتبرت الحالة الّتي يدعو فيها إلى الحدث ،وهي حالة الشّهوة .
س بشرتها بشرته لشهوة ،لنّها ملمسة تنقض الوضوء فاستوى فيها الذّكر
وينقض الوضوء م ّ
والنثى كالجماع .
س النّاقض للوضوء :أن يكون من غير حائل ،لنّه مع الحائل لم يلمس
ويشترط في الم ّ
بشرتها ،أشبه ما لو لمس ثيابها لشهوة ،والشّهوة ل توجب الوضوء بمجرّدها .
ول ينقض مسّ الرّجل الطّفلة ،ول مسّ المرأة الطّفل .أي :من دون سبع سنوات ،ول
ينتقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوةً ،لنّه ل نصّ فيه .
ن ما ينتقض بالتقاء
وقال ابن قدامة :وينتقض وضوء الملموس إذا وجدت منه الشّهوة ،ل ّ
البشرتين ل فرق فيه بين اللمس والملموس .
ول ينتقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر ،ول بلمس شعر وظفر وسنّ ول المسّ
به ،لنّه في حكم المنفصل ،ول مسّ عضو مقطوع لزوال حرمته ،ول ينتقض وضوء رجل
مسّ أمرد ولو بشهوة ،لعدم تناول الية له .ولنّه ليس محلً للشّهوة شرعا .
ول ينتقض الوضوء بمسّ الرّجلِ الرّجلَ ،ول بمسّ المرأ ِة المرأةَ ولو بشهوة .
وتفصيل ما تقدّم في مصطلح ( :وضوء ) .
الشّهوة وأثرها في الصّوم :
أ -النزال بنظر أو فكر :
ن إنزال المنيّ أو المذي عن نظر وفكر ل يبطل الصّيام ،
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى :أ ّ 6
ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة أنّه :إذا اعتاد النزال بالنّظر ،أو كرّر النّظر فأنزل يفسد الصّيام .
ن إنزال المنيّ بالنّظر المستديم يفسد الصّوم ،لنّه إنزال بفعل
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى :أ ّ
يتلذّذ به ،ويمكن التّحرّز منه .
وأمّا النزال عن فكر فيفسد الصّوم عند المالكيّة ،وعند الحنابلة ل يفسده لنّه ل يمكنه التّحرّز
عنه .
ب -النزال عن قبلة أو مسّ أو معانقة :
-7ل خلف بين الفقهاء في أنّ إنزال المنيّ باللّمس أو المعانقة أو القبلة يفسد الصّوم ،لنّه
إنزال بمباشرة فأشبه النزال بالجماع دون الفرج .
أمّا إذا حصل من القبلة والمعانقة واللّمس إنزال مذي فل يفسد الصّوم عند الحنفيّة والشّافعيّة ،
ويفسده عند المالكيّة والحنابلة ،لنّه خارج تخلّله الشّهوة خرج بالمباشرة فأفسد الصّوم كالمنيّ.
وتفصيله في مصطلح ( :صوم ) .
الشّهوة وأثرها في الحجّ والعمرة :
أ -الجماع :
-إذا وقع الجماع قبل الوقوف بعرفة فسد حجّه بإجماع العلماء وإذا وقع الجماع بعد الوقوف 8
بعرفة وقبل التّحلّل الوّل فسد حجّه وعليه بدنة عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة
والحنابلة . -
وذهب الحنفيّة إلى عدم فساد الحجّ وعليه أن يهدي بدن ًة .
ن الجماع إذا وقع بعد التّحلّل الوّل ل يفسد الحجّ .
واتّفق الفقهاء على أ ّ
). 193 - 191/ 2 وقد سبق تفصيله في مصطلح ( إحرام :الموسوعة
ب -مقدّمات الجماع :
-اللّمس بشهوة والتّقبيل والمباشرة بغير جماع ،يجب على من فعل شيئا منها الدّم ،سواء 9
أنزل أم لم ينزل ،وحجّه صحيح على تفصيل وخلف سبق في مصطلح ( :إحرام :الموسوعة
). 193 - 192/ 2
ب -إذا كانت المرأة ذات محرم فقد اختلف الفقهاء فيما يجوز نظر البالغ بل شهوة من محرمه
النثى :
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز النّظر إلى ما يظهر غالبا كالرّقبة والرّأس والكفّين والقدمين ،
ولم يجز الحنابلة النّظر إلى ما زاد على ذلك .
وزاد الحنفيّة جواز النّظر إلى الصّدر والسّاقين والعضدين ،ولم يجيزوا النّظر إلى ظهرها
وبطنها ،لنّه أدعى للشّهوة .
وتوسّع الشّافعيّة فأجازوا النّظر إلى جميع جسدها إ ّل ما بين سرّتها وركبتها ،وأجازوا النّظر
إلى السّرّة والرّكبة ،لنّهما ليستا بعورة بالنّسبة لنظر المحرم .
أمّا المالكيّة فلم يجيزوا النّظر إلّ إلى وجهها ويديها دون سائر جسدها .
هذا وقد اتّفقوا على حرمة النّظر بشهوة إلى محرمه النثى .
ج -إذا كانت المرأة أجنب ّيةً حرّ ًة فل يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقا ،أو مع خوف الفتنة بل
خلف بين الفقهاء .
ي إلى سائر بدن الجنبيّة الحرّة إلّ الوجه والكفّين
وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يجوز نظر الجنب ّ
ن النّظر إلى مواضع الزّينة
ن َيغُضّوا ِمنْ أَبْصَا ِر ِهمْ } .إلّ أ ّ
لقوله تبارك وتعالى { :قُل لّ ْل ُم ْؤمِنِي َ
ظهَرَ مِ ْنهَا }
ن إِل مَا َ
ص فيه بقوله تعالى { :وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُ ّ
الظّاهرة وهي الوجه والكفّان خ ّ
والمراد من الزّينة مواضعها ،ومواضع الزّينة الظّاهرة :الوجه والكفّان ،فالكحل زينة الوجه
والخاتم زينة الكفّ ،ولنّها تحتاج إلى البيع والشّراء والخذ والعطاء ،ول يمكنها ذلك عاد ًة إلّ
بكشف الوجه والكفّين ،فيح ّل لها الكشف ،وهذا قول أبي حنيفة ،وروى الحسن عن أبي حنيفة
أنّه يحلّ النّظر إلى القدمين .
والمالكيّة كالحنفيّة في جواز النّظر إلى وجه الجنبيّة وكفّيها .أمّا النّظر إلى القدمين فل يجوز
عندهم .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يحرم نظر بالغ عاقل مختار ،ولو شيخا أو عاجزا عن الوطء أو مخنّثا
-وهو المتشبّه بالنّساء -إلى عورة أجنبيّة حرّة كبيرة -وهي من بلغت حدّا تشتهى فيه
ن َيغُضّوا ِمنْ أَبْصَا ِر ِهمْ } والمراد بالعورة :ما عدا
للنّاظر بل خلف لقوله تعالى { :قُل لّ ْل ُم ْؤمِنِي َ
الوجه والكفّين .
وكذا يحرم عندهم :النّظر إلى الوجه والكفّين عند خوف فتنة تدعو إلى الختلء بها لجماع أو
مقدّماته بالجماع كما قال إمام الحرمين .
وكذا يحرم عند الشّافعيّة النّظر إلى الوجه والكفّين عند المن من الفتنة فيما يظهر له من نفسه
من غير شهوة على الصّحيح ،كذا في المنهاج للنّوويّ .
ووجّهه إمام الحرمين باتّفاق المسلمين على منع النّساء من الخروج سافرات الوجوه ،وبأنّ
ن أَبْصَارِ ِهمْ }
النّظر مظنّة الفتنة ومحرّك للشّهوة ،وقد قال تعالى { :قُل لّ ْل ُم ْؤمِنِينَ َيغُضّوا مِ ْ
واللئق بمحاسن الشّريعة سدّ الباب والعراض عن تفاصيل الحوال كالخلوة بالجنبيّة .
والوجه الثّاني عند الشّافعيّة :أنّه ل يحرم ،ونسبه إمام الحرمين لجمهور الشّافعيّة ،ونسبه
الشّيخان للكثرين ،وقال السنويّ في المهمّات :إنّه الصّواب لكون الكثرين عليه ،وقال
البلقينيّ :التّرجيح بقوّة المدرك ،والفتوى على ما في المنهاج .
وذهب الحنابلة إلى تحريم نظر الرّجل إلى جميع بدن الجنبيّة من غير سبب في ظاهر كلم
أحمد .وقال القاضي :يحرم عليه النّظر إلى ما عدا الوجه والكفّين ،لنّه عورة ،ويباح له
النّظر إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة .
هذا وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام ،سواء أكانت محرما أم أجنب ّيةً
عدا زوجته ومن تحلّ له .
ي إذا كان بشهوة .
وكذا يحرم نظر الجنبيّة إلى الجنب ّ
اللّمس بشهوة :
ن المسّ أبلغ من النّظر في إثارة الشّهوة ،وما حلّ
-متى حرم النّظر حرم المسّ بشهوة ،ل ّ 12
نظره من ذكر أو أنثى حلّ لمسه إذا أمن الشّهوة على نفسه وعليها ،وإن لم يأمن ذلك أو شكّ
فل يحلّ له النّظر واللّمس .
س وجهها وكفّيها وإن أمن الشّهوة ،لنّه أغلظ من النّظر .
أمّا الجنبيّة فل يحلّ م ّ
وتفصيله في مصطلح ( :لمس ومسّ ) .
أثر الشّهوة في النّكاح :
ن حرمة المصاهرة تثبت بالزّنى .
-ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى :أ ّ 13
س بشهوة .
والفعل ،ويقصدون بالفعل :الوطء ومقدّماته ،ومقدّمات الوطء ل تخلو عن م ّ
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الرّجعة ل تحصل بالفعل كالوطء ومقدّماته .بل ل ب ّد فيها من القول
قياسا على عقد الزّواج فإنّه ل يصحّ إ ّل بالقول الدّالّ عليه .
وتفصيل الخلف فيه في مصطلح ( :رجعة ) .
كسر الشّهوة :
-من أراد الزّواج ولم يستطع ،يكسر شهوته بالصّوم لقوله عليه الصلة والسلم » :يا 16
شهِيد *
َ
التّعريف :
شهَادَةُ
-الشّهيد لغةً :الحاضر .والشّاهد ،العالم الّذي يبيّن ما علمه ،ومنه قوله تعالى َ { : 1
حسَبَنّ الّذِينَ قُ ِتلُواْ فِي سَبِيلِ الّل ِه َأمْوَاتا َب ْل َأحْيَاء عِندَ رَ ّبهِمْ
اليات منها :قوله تعالى َ { :ولَ َت ْ
حقُواْ ِبهِم مّنْ خَ ْل ِف ِهمْ َألّ
ن ِبمَا آتَا ُهمُ الّل ُه مِن فَضْ ِل ِه وَ َيسْتَ ْبشِرُونَ بِالّذِينَ َلمْ يَ ْل َ
يُ ْرزَقُونَ ،فَ ِرحِي َ
ن الّلهَ َل يُضِي ُع َأجْرَ
ضلٍ َوأَ ّ
ن بِ ِن ْعمَ ٍة مّنَ الّل ِه وَفَ ْ
ن َ ،يسْتَ ْبشِرُو َ
خوْفٌ عَلَ ْي ِهمْ َولَ ُهمْ َيحْزَنُو َ
َ
ن ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِرَ ِة َومَن
ن َيشْرُو َ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } .وقوله تعالى { :فَلْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِي ِل الّلهِ الّذِي َ
عظِيما } .
سوْفَ ُنؤْتِيهِ َأجْرا َ
ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ الّلهِ فَ ُيقْ َتلْ أَو َيغْلِبْ َف َ
ي صلى ال عليه
ويشهد بهذه المنزلة الحاديث الصّحيحة منها :ما روى أنس بن مالك عن النّب ّ
ب أن يرجع إلى الدّنيا وله ما على الرض من شيء إلّ
وسلم قال » :ما أحد يدخل الجنّة يح ّ
الشّهيد يتمنّى أن يرجع إلى الدّنيا فيقتل عشر مرّات لما يرى من الكرامة « .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :يشفع الشّهيد
وما روى أبو الدّرداء -رضي ال عنه عن النّب ّ
في سبعين من أهل بيته « .
وفي حديث آخر » :للشّهيد عند اللّه ستّ خصال ،يغفر له في أوّل دفعة ،ويرى مقعده من
الجنّة ،ويجار من عذاب القبر ،ويأمن من الفزع الكبر ،ويوضع على رأسه تاج الوقار ،
الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها ،ويزوّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور ،ويشفع في
سبعين من أقاربه « .
أقسام الشّهيد :
-الشّهيد على ثلثة أقسام : 3
الوّل شهيد الدّنيا والخرة ،والثّاني شهيد الدّنيا ،والثّالث شهيد الخرة .
فشهيد الدّنيا والخرة هو الّذي يقتل في قتال مع الكفّار ،مقبلً غير مدبر ،لتكون كلمة اللّه هي
العليا ،وكلمة الّذين كفروا هي السّفلى ،دون غرض من أغراض الدّنيا .
ل أتى النّبيّ صلى ال عليه
ففي الحديث عن أبي موسى -رضي ال عنه -قال » :إنّ رج ً
وسلم فقال مستفهما :الرّجل يقاتل للمغنم ،والرّجل يقاتل للذّكر ،والرّجل يقاتل ليرى مكانه ،
فمن في سبيل اللّه ؟ قال عليه الصلة والسلم :من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا ،فهو في
سبيل اللّه « .
أمّا شهيد الدّنيا :فهو من قتل في قتال مع الكفّار وقد غلّ في الغنيمة ،أو قاتل ريا ًء ،أو
لغرض من أغراض الدّنيا .
وأمّا شهيد الخرة :فهو المقتول ظلما من غير قتال ،وكالميّت بداء البطن ،أو بالطّاعون ،أو
بالغرق ،وكالميّت في الغربة ،وكطالب العلم إذا مات في طلبه ،والنّفساء الّتي تموت في
طلقها ،ونحو ذلك .
واستثني من الغريب العاصي بغربته ،ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه
عدم السّلمة ،أو ركوبه لتيان معصية من المعاصي ،ومن الطّلق الحامل بزنىً .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :الشّهداء
فعن أبي هريرة -رضي ال عنه -أ ّ
خمسة :المطعون ،والمبطون ،والغرق ،وصاحب الهدم ،والشّهيد في سبيل اللّه « .
وعن أنس بن مالك -رضي ال عنه -عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :الطّاعون
شهادة لكلّ مسلم « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :من قتل دون ماله فهو شهيد « .
وفي حديث أ ّ
غسل الشّهيد والصّلة عليه :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّ شهيد المعترك ل يغسّل ،خلفا لما ذهب إليه الحسن 4
أثر جراحة أو دم ،ل يغسّل لقوله صلى ال عليه وسلم في شهداء أحد » :زمّلوهم بكلومهم
ودمائهم ول تغسّلوهم « ،ولم ينقل خلف في هذا إلّ ما روي عن الحسن ،وسعيد بن المسيّب
ن ك ّل مسلم مات بسبب قتال
.واختلفوا في غير من ذكر ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى :أ ّ
الكفّار حال قيام القتال ل يغسّل ،سواء قتله كافر ،أو أصابه سلح مسلم خطأً ،أو عاد إليه
سلحه ،أو سقط عن دابّته ،أو رمحته دابّة فمات ،أو وجد قتيلً بعد المعركة ولم يعلم سبب
موته ،سواء كان عليه أثر دم أم ل ،ول فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة ،والح ّر والعبد ،
والبالغ والصّبيّ .
وقال الحنفيّة :يغسّل كلّ مسلم قتل بالحديد ظلما وهو طاهر بالغ ،ولم يجب عوض ماليّ في
قتله ،فإن كان جنبا أو صبيّا ،أو وجب في قتله قصاص ،فإنّه يغسّل ،وإن وجد قتيلً في مكان
المعركة ،فإن ظهر فيه أثر لجراحة ،أو دم في موضع غير معتاد كالعين فل يغسّل .
ولو خرج الدّم من موضع يخرج الدّم عادةً منه بغير آفة في الغالب كالنف ،والدّبر والذّكر
فيغسّل .
والصل عندهم في غسل الشّهيد :أنّ كلّ من صار مقتولً في قتال أهل الحرب أو البغاة ،أو
قطّاع الطّريق ،بمعنىً مضاف إلى العدوّ كان شهيدا ،سواء بالمباشرة أو التّسبّب ،وكلّ من
صار مقتولً بمعنىً غير مضاف إلى العد ّو ل يكون شهيدا .فإن سقط من دابّته من غير تنفير
من العدوّ أو انفلتت دابّة مشرك وليس عليها أحد فوطئت مسلما ،أو رمى مسلم إلى العدوّ
فأصاب مسلما ،أو هرب المسلمون فألجأهم العدوّ إلى خندق ،أو نار ،أو جعل المسلمون
الحسك حولهم ،فمشوا عليها ،في فرارهم ،أو هجومهم على الكفّار فماتوا يغسّلون ،وكذا إن
صعد مسلم حصنا للعدوّ ليفتح الباب للمسلمين ،فزلّت رجله فمات ،يغسّل .
وقال الحنابلة :ل يغسّل الشّهيد سواء كان مكلّفا أو غيره إ ّل إن كان جنبا أو امرأةً حائضا أو
نفساء طهرت من حيضها ،أو نفاسها ،وإن سقط من دابّته أو وجد ميّتا ول أثر به ،أو سقط
من شاهق في القتال أو رفسته دابّة فمات منها ،أو عاد إليه سهمه فيها ،فالصّحيح في
المذهب في ذلك كلّه أنّه :يغسّل ،إذا لم يكن ذلك من فعل العدوّ ،ومن قتل مظلوما ،بأيّ سلح
قتل ،كقتيل اللّصوص ونحوه يلحق بشهيد المعركة ،فل يغسّل في أصحّ الرّوايتين عن أحمد .
وقال الشّافعيّة ،والمالكيّة :يغسّل من قتله اللّصوص أو البغاة .أمّا من مات في غير ما ذكر
من الّذين ورد فيهم أنّهم شهداء :كالغريق ،والمبطون ،والمرأة الّتي ماتت في الولدة ،وغير
ذلك فإنّهم شهداء في الخرة ،ولكنّهم يغسّلون باتّفاق الفقهاء .
إزالة النّجاسة عن الشّهيد :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى :أنّه إذا كان على الشّهيد نجاسة غير دم الشّهادة 6
تغسل عنه ،وإن أدّى ذلك إلى إزالة دم الشّهادة ،لنّها ليست من أثر العبادة ،وفي قول عند
الشّافعيّة ،ول تغسل النّجاسة إذا كانت تؤدّي إلى إزالة دم الشّهادة .
ن النّجاسة تغسل عن الشّهيد عند الحنفيّة .
وسبق أ ّ
موت الشّهيد بجراحه في المعركة :
-المُرْ َتثّ :وهو من جرح في القتال ،وقد بقيت فيه حياة مستقرّة ثمّ مات يغسّل وإن قطع أنّ 7
الصّحابة نقلوا قتلهم في واقعة أحد إلى المدينة ،فنادى منادي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
بالمر بر ّد القتلى إلى مصارعهم .
فقد قال جابر » :فبينما أنا في ال ّنظّارين إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ،
ن النّبيّ صلى ال عليه
فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا ،إذ لحق رجل ينادي ،أل إ ّ
وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت :فرجعنا بهما فدفنّاهما حيث
قتل . « ..
دفن أكثر من شهيد في قبر واحد :
-يجوز دفن الرّجلين أو الثّلثة في القبر الواحد ،فإنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان 10
يجمع بين الرّجلين من قتلى أحد في قبر واحد ،ثمّ يقول » :أيّهم أكثر أخذًا للقرآن ؟ فإذا أشير
له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد ،وقال :أنا شهيد على هؤلء يوم القيامة ،وأمر بدفنهم في
دمائهم ،ولم يصلّ عليهم ولم يغسّلهم « .
ودفن عبد اللّه بن عمرو بن حرام وعمرو بن جموح في قبر واحد ،لما كان بينهما من
المحبّة ،إذ قال عليه الصلة والسلم » :ادفنوا هذين المتحابّين في الدّنيا في قبر واحد « .
). 14 وتفصيله في مصطلح ( دفن ف
شُورَى *
التّعريف :
-الشّورى لغةً :يقال :شاورته في المر واستشرته :راجعته لرى رأيه فيه ،واستشاره : 1
طلب منه المشورة .وأشار عليه بالرّأي .وأشار يشير إذا وجّه الرّأي ،وأشار إليه باليد :
أومأ .اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الرّأي :
-الرّأي :العقل والتّدبير والعتقاد ،ورجل ذو رأي أي :بصيرة وحذق بالمور . 2
ب -النّصيحة :
-النّصيحة :الخلص والصّدق والمشورة والعمل . 3
الوّل :الوجوب :وينسب هذا القول للنّوويّ ،وابن عطيّة ،وابن خويز منداد ،والرّازيّ .
ع َزمْتَ فَ َت َوكّ ْل عَلَى الّل ِه إِنّ الّل َه ُيحِبّ
واستدلّوا بقوله تعالى َ { :وشَاوِ ْر ُهمْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا َ
ا ْلمُ َتوَكّلِينَ} وظاهر المر في قوله تعالى َ { :وشَاوِ ْر ُهمْ } يقتضي الوجوب .
والمر للنّبيّ صلى ال عليه وسلم بالمشاورة ،أمر لمّته لتقتدي به ول تراها منقصةً ،كما
مدحهم سبحانه وتعالى في قولهَ { :وَأمْرُ ُهمْ شُورَى بَيْ َن ُهمْ } .
قال ابن خويز منداد :واجب على الولة مشاورة العلماء فيما ل يعلمون ،وما أشكل عليهم من
أمور الدّين ،ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب ،ووجوه النّاس فيما يتعلّق بالمصالح ،ووجوه
الكتّاب والوزراء والعمّال ،فيما يتعلّق بمصالح البلد وعمارتها .
قال ابن عطيّة :والشّورى من قواعد الشّريعة ،وعزائم الحكام ،ومن ل يستشير أهل العلم
والدّين فعزله واجب وهذا ممّا ل اختلف فيه .
ول يصحّ اعتبار المر بالشّورى لمجرّد تطييب نفوس الصّحابة ،ولرفع أقدارهم ،لنّه لو كان
معلوما عندهم أنّ مشورتهم غير مقبولة وغير معمول عليها مع استفراغهم للجهد في استنباط
ما شوروا فيه ،لم يكن في ذلك تطييب لنفوسهم ول رفع لقدارهم ،بل فيه إيحاشهم وإعلمهم
بعدم قبول مشورتهم .
الثّاني :النّدب :وينسب هذا القول لقتادة ،وابن إسحاق ،والشّافعيّ ،والرّبيع .
واستدلّوا بأنّ المعنى الّذي من أجله أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يشاور أصحابه في مكائد
الحروب ،وعند لقاء العدوّ ،هو تطييب لنفوسهم ،ورفع لقدارهم ،وتألّفهم على دينهم ،وإن
كان اللّه قد أغناه عن رأيهم بوحيه .
ق عليهم ،فأمر اللّه تعالى نبيّه صلى ال
ولقد كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في المر ش ّ
عليه وسلم أن يشاورهم ليعرفوا إكرامه لهم فتذهب أضغانهم .فالمر في الية محمول على
النّدب كما في قوله صلى ال عليه وسلم » :البكر تستأمر « ولو أجبرها الب على النّكاح جاز
.لكنّ الولى أن يستأمرها ،ويستشيرها تطييبا لنفسها ،فكذا هاهنا .
حكم الشّورى في حقّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
ن من الخصائص
ي صلى ال عليه وسلم أ ّ
-ذكر الفقهاء في سياق عدّهم لخصائص النّب ّ 5
الواجبة في حقّه المشاورة في المر مع أهله وأصحابه لقوله تعالى َ { :وشَاوِرْ ُهمْ فِي ا َلمْرِ }
ووجه اختصاصه صلى ال عليه وسلم بوجوب المشاورة -مع كونها واجبةً على غيره من
أولي المر -أنّه وجب عليه ذلك مع كمال علمه ومعرفته .
والحكمة في مشورته صلى ال عليه وسلم لصحابه :أن يستنّ بها الحكّام بعده ،ل ليستفيد
منهم علما أو حكما .فقد كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم غنيّا عن مشورتهم بالوحي ،كما أنّ
في استشارتهم تطييبا لقلوبهم ،ورفعا لقدارهم ،وتألّفا لهم على دينهم .
قال أبو هريرة -رضي ال عنه : -ما رأيت من النّاس أحدا أكثر مشورةً لصحابه من رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم .
ص ،إذ
-واتّفق الفقهاء على أنّ مح ّل مشاورته صلى ال عليه وسلم ل تكون فيما ورد فيه ن ّ 6
موته -أو في حياته بإذنه -أحدهم كما جعل عمر -رضي ال عنه -المر شورى بين ستّة
من الصّحابة وهم :عليّ والزّبير وعثمان وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وطلحة
-رضي ال عنهم -وارتضوا بالتّشاور بينهم على أن تكون الخلفة لعثمان من بينهم .
وعقد المامة بهذه الطّريقة داخل في الستخلف إ ّل أنّه يكون لواحد بعينه ،وهنا يكون في عدد
محصور يعيّن الخليفة من بينهم بالتّشاور .
والشّورى ليست شرطا في عقد المامة .
ويجوز للمام أن ينفرد بعقد البيعة لمن أدّاه اجتهاده إلى صلحيّته ما لم يكن والدا ول ولدا .
واختلف العلماء في اشتراط رضا أهل الختيار به :
فمن العلماء من ذهب إلى أنّ رضا أهل الختيار شرط في لزوم بيعته لنّها حقّ يتعلّق بالمّة فلم
تلزمهم بيعته إلّ برضا أهل الختيار منهم .
ن بيعة عمر -رضي ال عنه -لم
ومنهم من ذهب إلى عدم اعتبار رضا أهل الختيار ،ل ّ
تتوقّف على رضا الصّحابة ،ولنّ المام أحقّ بها ،فكان اختياره فيها أمضى .
أمّا إذا كان ولدا أو والدا فللعلماء في انفراد المام بعقد البيعة له دون استشارة ثلثة مذاهب :
المذهب الوّل :
ل صحّ منه
ل يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لحدهما حتّى يشاور فيه أهل الختيار ،فإذا رأوه أه ً
ن عقد البيعة تزكية تجري مجرى الشّهادة ،وتقليده على المّة يجري
حينئذ عقد البيعة له ،ل ّ
مجرى الحكم ،وهو ل يجوز أن يشهد لوالد ول لولد ،ول يحكم لواحد منهما للتّهمة العائدة إليه
بما جبل من الميل إليه .
المذهب الثّاني :
يجوز أن ينفرد بذلك ،لنّ أمره نافذ للمّة فيغلب حكم المنصب على حكم النّسب ،ول تجد
التّهمة طريقا للطّعن في أمانته ،فصار كأنّه عهد بالمامة إلى غير ولده ووالده .
المذهب الثّالث :
ن الميل إلى الولد أكثر وأقوى من الميل إلى
يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده ول يجوز لولده ل ّ
الوالد .
شوْرة *
َ
التّعريف :
ضمّ :الهيئة
-الشّورة في اللّغة :الحسن والجمال ،والهيئة ،واللّباس .وقيل :الشّورة بال ّ 1
والجمال ،والشّورة بالفتح :اللّباس ،ففي الحديث » :أنّه أقبل رجل وعليه شورة حسنة « .
ض ّم :الجمال والحسن ،كأنّه من الشّور وهو عرض الشّيء
قال ابن الثير :الشّورة بال ّ
وإظهاره .ويقال لها أيضا :الشّارة وهي الهيئة ،وفي حديث ابن اللّتبيّة أنّه جاء بشوار كثير
قال ابن الثير :الشّوار متاع البيت وفي الصطلح :الشّورة متاع البيت ،من فراش وغطاء ،
ولباس.
اللفاظ ذات الصّلة :
الجهاز :
-الجهاز هو :ما تزفّ به المرأة إلى بيت الزّوجيّة من متاع ،أو يملّكها إيّاه زوجها . 2
يحتاج إليه النسان في حياته من المتاع :كالفراش ،والغطاء ،وسائر الدوات الّتي تحتاج
إليها :كآلة الطّحن ،والطّبخ كالقدر ،وآنية الشّرب ،وغير ذلك ممّا ل يستغني عنه النسان ،
وهو ما عبّر عنه المالكيّة بالشّورة .وهذا مح ّل اتّفاق بين الفقهاء .
ن بِا ْل َمعْرُوفِ } .
سوَتُهُ ّ
ن َو ِك ْ
قال اللّه تعالى { :وَعلَى ا ْل َموْلُو ِد َلهُ رِزْ ُقهُ ّ
والية في الرّزق والكسوة ،ويقاس عليهما ما يحتاج إليه من المتاع .
والتّفصيل في ( :نفقة ) .
انتفاع الزّوج بشورة زوجته :
-قال جمهور الفقهاء :ليس للزّوج النتفاع بما تملكه الزّوجة من متاع كالفراش ،والواني، 4
وغيرها بغير رضاها ،سواء ملّكها إيّاه هو ،أم ملكته من طريق آخر ،وسواء قبضت
الصّداق ،أم لم تقبضه .
ق التّصرّف فيما تملكه بما أحبّت من الصّدقة ،والهبة ،والمعاوضة ،ما لم يعد ذلك
ولها ح ّ
عليها بضرر .
وقال المالكيّة :إن قبضت الزّوجة صداقها فللزّوج التّمتّع بشورتها فيلبس من الثّياب ما يجوز له
لبسه ،وله النّوم على فراشها ،والنتفاع بسائر الدوات الّتي تملكها ،ولو بغير رضاها .
سواء تمتّع بالشّورة معها أو وحده وتمتّعه بشورتها حقّ له ،فله منعها من التّصرّف بها بما
ق التّمتّع بها .
يزيل الملك ،كالمعاوضة ،والهبة والصّدقة ،لنّ ذلك من شأنه أن يفوّت عليه ح ّ
أمّا إذا لم تقبض صداقها وإنّما تجهّزت من مالها فليس له عليها إلّ الحجر عن التّصرّف بما
يزيل الملك ،فله أن يمنعها من بيعها ،وهبتها ،والتّصدّق بها ،والتّبرّع بأكثر من الثّلث .
والتّفصيل في ( :نفقة ) .
شوْط *
َ
انظر :طواف ،سعي
شوّال *
َ
التّعريف :
شوّال :هو أحد شهور السّنة القمريّة العربيّة ،الّذي يلي رمضان ،وهو
-شوّال ،ويقال :ال ّ 1
ذلك :
فذهب الكثرون :إلى أنّه ل يثبت بأق ّل من شاهدين عدلين ،وقال آخرون :يثبت بشهادة رجل
وامرأتين ،وقال البعض :يثبت بشهادة رجل واحد .
وإذا كانت السّماء مصحيةً فقد رأى البعض أنّه ل بدّ من الرّؤية المستفيضة .
وانظر مصطلح ( :رويّة الهلل ) .
المنفرد برؤية هلل شوّال :
-إذا انفرد واحد برؤية هلل شوّال ،لم يجز له الفطر إلّ أن يحصل له عذر يبيح الفطار 4
كالسّفر ،أو المرض ،أو الحيض ،لحديث أبي هريرة يرفعه » :الصّوم يوم تصومون ،
والفطر يوم تفطرون ،والضحى يوم تضحّون « .
ي صلى ال عليه وسلم » :الفطر يوم يفطر
وعن عائشة -رضي ال عنها -قالت :قال النّب ّ
النّاس ،والضحى يوم يضحّي النّاس « .
وقال الحنفيّة :فإن أفطر فعليه قضاء اليوم بل كفّارة ،وإن كان الرّائي المام أو القاضي ،ل
يخرج إلى المصلّى ،ول يأمر النّاس بالخروج ،ول يفطر الرّائي سرّا ول جهرا .
وقال المالكيّة والحنابلة :إن كان بمفازة ليس بقربه بلد وليس في جماعة :يبني على يقين
رؤيته فيفطر ،لنّه ل يتيقّن مخالفة الجماعة .
وقال الشّافعيّة :إذا رأى شخص هلل شوّال وحده لزمه الفطر ،ويندب أن يكون سرّا لقوله
صلى ال عليه وسلم » :وأفطروا لرؤيته « .
شيْب *
َ
انظر :شعر ،اختضاب
شيْطَان *
َ
انظر :جنّ
شُيُوع *
التّعريف :
-الشّيوع مصدر شاع -يقال :شاع يشيع شيعا ،وشيعانا وشيوعا :إذا ظهر وانتشر . 1
يقال :شاع الخبر شيوعا فهو شائع إذا :ذاع ،وانتشر ،وأشاعه إشاع ًة أطاره وأذاعه
وأظهره .وفي هذا قولهم :نصيب فلن شائع في جميع الدّار ،أي :متّصل بكلّ جزء منها
ومشاع فيها ليس بمقسوم .
ول يخرج المعنى في اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الخلط :
-الخلط :تداخل الشياء بعضها في بعض ،وقد يمكن التّمييز بعد ذلك كالحيوان ،وقد ل 2
فأكثر على وجه الشّيوع .وعبّر عنها صاحب المغني بأنّها اجتماع في استحقاق أو تصرّف .
الحكم التّكليفيّ :
س أمنهم واستقرارهم ،حتّى
-أ -يحرم إشاعة أسرار المسلمين ،وأمورهم الدّاخليّة ممّا يم ّ 4
ل يعلم العداء مواضع الضّعف فيهم ،فيستغلّوها أو قوّتهم فيتحصّنوا منهم .
ب -كما يحرم إشاعة ما يمسّ أعراض النّاس وأسرارهم الخاصّة ،قال اللّه تعالى { :إِنّ الّذِينَ
ن آمَنُوا َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالخِرَةِ } .
شةُ فِي الّذِي َ
ح َ
ُيحِبّونَ أَن َتشِيعَ ا ْلفَا ِ
انظر ( :إشاعة ،وإفشاء السّرّ ) .
حكم ثبوت الجريمة بالشّيوع في النّاس :
-إن شاع في النّاس :أنّ فلنا سرق متاع فلن ،أو زنى بفلنة ،ل يقام الحدّ عليه بمجرّد 5
فلن هو لوث ،فيجوز لورثته أن يحلفوا أيمان القسامة على من قتل مورّثهم استنادا إلى شيوع
ذلك على ألسنة النّاس .
بيع المشاع :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز بيع جزء مشاع في دار كالثّلث ونحوه ،وبيع صاع من 7
الشّركاء منتفع قبل القسمة بنصيب غيره ،فإذا طلب من الحاكم أن يمكّنه من النتفاع بنصيبه ،
ويمنع الغير من النتفاع به ،يجب على الحاكم إجابة طلبه ،إلّ إذا بطلت المنفعة المقصودة في
المقسوم بالقسمة .
فإن كانت المنفعة المقصودة منه تفوت بالقسمة ،فل يجاب طلبهم القسمة عند الجمهور ،ول
يمكّنون من ذلك ولو تراضيا عليه إذا كانت المنفعة تبطل كلّ ّيةً ،لنّه سفه ،وإتلف مال بل
ضرورة .
ن القاضي ل يمنع من أقدم
وقال الحنفيّة :إن اقتسموا بالتّراضي ل يمنع القاضي من ذلك ،ل ّ
على إتلف ماله بالحكم .
والتّفصيل في مصطلح ( :قسمة ) .
زكاة المشاع :
-إذا ملك اثنان فأكثر من أهل الزّكاة نصاب مال ممّا تجب فيه الزّكاة ملكا مشاعا كأن ورثاه ، 9
الباقي للرّاهن أو لغيره ،إذ ل ضرر على الشّريك ،لنّه يتعامل مع المرتهن كما كان يتعامل مع
الرّاهن ،وقبضه بقبض الجميع ،فيكون بالتّخلية في غير المنقول ،وبالنّقل في المنقول ،وإلى
هذا ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وقال الحنفيّة :ل يصحّ رهن المشاع ،لعدم كونه مميّزا ،وموجب الرّهن :الحبس الدّائم ما
بقي الدّين ،وبالمشاع يفوت الدّوام ،لنّه ل ب ّد من المهايأة فيصير كأنّه قال :رهنتك يوما دون
يوم .ول فرق بين أن يكون الشّيوع مقارنا أو طارئا ،رهن من شريكه أو من غيره ،لنّ
الشّريك يمسكه يوما رهنا ،ويوما يستخدمه .
انظر ( :رهن ) .
هبة المشاع :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى جواز هبة المشاع سواء في ذلك ما أمكن قسمته ،وما لم 11
ورد عن ابن عمر -رضي ال عنهما » : -أنّ عمر بن الخطّاب أصاب أرضا بخيبر ،فأتى
النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها فقال :يا رسول اللّه ،إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب
ط أنفس عندي منه ،فما تأمر به ؟ قال :إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها .قال :
مالً ق ّ
فتصدّق بها عمر « أنّه ل يباع ،ول يوهب ،ول يورث ،وتصدّق بها في الفقراء ،وفي
القربى ،وفي الرّقاب ،وفي سبيل اللّه ،وابن السّبيل ،والضّيف .
ولنّه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع ،وكالعرصة يجوز بيعها
ن الوقف تحبيس الصل ،وتسبيل المنفعة ،وهذا يحصل في المشاع
فجاز وقفها كالمفرزة ،ول ّ
كحصوله في المفرز .
ح وقف المشاع فيما يقبل القسمة ،أمّا ما ل يقبل القسمة فيصحّ
وقال محمّد من الحنفيّة :ل يص ّ
وقفه اتّفاقا .
انظر ( :وقف ) .
الملك المشاع في عقار :
-إذا ملك اثنان فأكثر عقارا ملكا مشاعا ،وباع أحدهما نصيبه لجنبيّ ،ثبت للخر حقّ 14
صَائِل *
انظر ( :صيال ) .
صَابِئة *
التّعريف :
-الصّابئة لغةً :جمع الصّابئ . 1
والصّابئ :من خرج من دين إلى دين .يقال :صبأ فلن يصبأ :إذا خرج من دينه ،وتقول
العرب :صبأت النّجوم إذا طلعت .
وقد ورد ذكر الصّابئة في القرآن الكريم مع أهل الملل في ثلثة مواضع ،منها :قوله تعالى :
ع ِم َل صَالِحا
ن بِالّل ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ وَ َ
ن آمَ َ
ن مَ ْ
ن الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَى وَالصّابِئِي َ
{ إِ ّ
حزَنُونَ } .
علَ ْي ِهمْ َولَ ُهمْ َي ْ
خوْفٌ َ
فَ َل ُهمْ َأجْرُ ُه ْم عِندَ رَ ّب ِهمْ َولَ َ
-وقد اختلف العلماء في تعريف الصّابئة على أقوال هي : 2
أ -أنّهم قوم كانوا على دين نوح -عليه السلم -نقله الرّاغب في مفرداته .
ونقل ابن منظور عن اللّيث :هم قوم يشبه دينهم دين النّصارى ،إلّ أنّ قبلتهم نحو مهبّ
الجنوب ،يزعمون أنّهم على دين نوح وهم كاذبون .
ي عن الخليل .
ونقل قريبا منه القرطب ّ
ب -أنّهم صنف من النّصارى ألين منهم قولً .وهو مرويّ عن ابن عبّاس وبه قال أحمد في
رواية .
ج -وقال السّ ّديّ وإسحاق بن راهويه :هم طائفة من أهل الكتاب لنّهم يقرؤون الزّبور ،وبه
قال أبو حنيفة .
د -قال مجاهد والحسن وابن أبي نجيح :هم قوم تركّب دينهم بين اليهوديّة والمجوسيّة .
هـ -وقيل :هم بين اليهود والنّصارى .
و -وقال سعيد بن جبير :هم قوم بين النّصارى والمجوس .
ز -وقال الحسن أيضا وقتادة :هم قوم يعبدون الملئكة ،ويصلّون إلى القبلة ،ويقرؤون
الزّبور ،ويصلّون الخمس .رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنّهم
يعبدون الملئكة ،ونقل القرطبيّ :أنّهم موحّدون يعتقدون تأثير النّجوم .
ي.
ح -وقيل :إنّهم قوم كانوا يقولون :ل إله إلّ اللّه ،وليس لهم عمل ول كتاب ول نب ّ
ط -وقال الصّاحبان من الحنفيّة :إنّهم ليسوا من أهل الكتاب ،لنّهم يعبدون الكواكب ،وعابد
الكوكب كعابد الوثن .
ي -وقال أحمد في رواية ثانية :إنّهم قوم من اليهود ،لنّهم يسبتون .
مذاهب الفقهاء في حقيقة الصّابئة :
اختلف الفقهاء في حقيقة دين الصّابئة أهم من أهل الكتاب أم ل ،على أقوال :
-القول الوّل :أنّهم من أهل الكتاب ،وهذا قول أبي حنيفة وأحمد ،وقد جعلهم أبو حنيفة 3
من أهل الكتاب ،لنّهم يقرؤون الزّبور ،ول يعبدون الكواكب ،ولكن يعظّمونها كتعظيم
المسلمين للكعبة في الستقبال إليها .
وأمّا أحمد فقال في رواية :هم من النّصارى ،لنّهم يدينون بالنجيل واستدلّ لذلك بما نقل عن
ابن عبّاس ،وقال في رواية أخرى :هم من اليهود لنّهم يسبتون ،واستدلّ لذلك بما روي عن
عمر أنّه قال :إنّهم يسبتون .
القول الثّاني :أنّهم ليسوا من أهل الكتاب .
قال القرطبيّ من المالكيّة :الّذي تحصّل من مذهبهم فيما ذكره بعض علمائنا :أنّهم موحّدون ،
يعتقدون تأثير النّجوم ،وأنّها فعّالة ،قال :ولهذا أفتى أبو سعيد الصطخريّ ،القاهر باللّه
بكفرهم ،حين سأله عنهم ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد بن الحسن فيهم ،لنّهم يعبدون
الكواكب ،وعابد الكواكب كعابد الوثن .
-القول الثّالث :وهو للشّافعيّة ،فقد تردّدوا فيهم . 4
قال النّوويّ :المذهب أنّهم إن خالفوا النّصارى في أصل دينهم فليسوا منهم ،وإلّ فهم منهم .
قال :وهكذا نصّ عليه -أي نصّ عليه الشّافعيّ ، -وقيل :فيهم قولن :قال :وهذا إذا لم
يكفّرهم اليهود والنّصارى ،فإن كفّروهم لم يقرّوا قطعا .أي :لنّهم ل يكونون من أهل الكتاب
.والمراد بأصل دينهم على ما في شرح المنهاج للمحلّيّ :عيسى والنجيل ،وما عدا ذلك فروع
،أي :إن كانوا يتّبعون عيسى -عليه السلم -ويؤمنون بالنجيل فهم من النّصارى ولو
خالفوا النّصارى في الفروع ،ما لم تكفّرهم النّصارى بالمخالفة في الفروع فإن كفّروهم فليسوا
منهم .وفي نهاية المحتاج :لو خالفوا النّصارى في أصل دينهم ولو احتمالً كأن نفوا الصّانع
أو عبدوا كوكبا حرم نساؤهم علينا .
ن الصّابئة فرقتان متميّزتان ل تدخل إحداهما في الخرى وإن توافقتا في
-5القول الرّابع :أ ّ
السم :
أ -الفرقة الولى :هم الصّابئة الحرّانيّون -وسمّاهم ابن النّديم والشّهرستاني :الحرنانيين -
وهم :قوم أقدم من النّصارى كانوا في زمن إبراهيم -عليه السلم -يعبدون الكواكب السّبعة ،
ن الفلك حيّ ناطق .
ويضيفون التّأثير إليها ،ويزعمون أ ّ
قال الجصّاص من الحنفيّة :وهذه الفرقة تسمّت بالصّابئة ،وهم الفلسفة الحرّانيّون الّذين
بناحية حرّان ،وهم عبدة أوثان ،ول ينتمون إلى أحد من النبياء ،ول ينتحلون شيئا من كتب
اللّه ،فهؤلء ليسوا أهل كتاب .
ن لهم سبعة هياكل بأسماء الزّهرة والمرّيخ والمشترى وزحل وغيرهما .
وذكرهم المسعوديّ وأ ّ
وذكر أشياء من أحوالهم في زمانه .
وكذلك ذكرهم الشّهرستانيّ وأطنب في بيان اعتقاداتهم وأحوالهم .
وذكرهم ابن النّديم في فهرسته ،وذكر قراهم وأحوالهم ومعابدهم ،ونقل عن المؤلّفين النّصارى
أنّهم لم يكن اسمهم الصّابئة ،وأنّ المأمون مرّ بديار مضر فتلقّاه النّاس ،وفيهم جماعة من
الحرنانيين ،فأنكر المأمون زيّهم .فلمّا علم أنّهم ليسوا يهودا ول نصارى ول مجوسا أنظرهم
إلى رجوعه من سفرته ،وقال :إن أنتم دخلتم في السلم ،أو في دين من هذه الديان الّتي
ذكرها اللّه في كتابه ،وإ ّل أمرت بقتلكم .ورحل عنهم إلى أرض الرّوم ،وهي رحلته الّتي مات
فيها .فمنهم من أسلم ،ومنهم من تنصّر ،وبقي منهم شرذمة على دينهم ،احتالوا بأن سمّوا
أنفسهم الصّابئة ،ليسلموا ويبقوا في ال ّذمّة .وهذا يقتضي أنّ هذه الطّائفة لم يكن اسمهم
الصّابئة أ ّولً ،وأنّهم تسمّوا بذلك في آخر عهد المأمون .
وأفاد البيرونيّ :أنّ هذه النّحلة هي نحلة فلسفة اليونانيّين الّتي كانوا عليها قبل النّصرانيّة ،
وأنّ من فلسفتها :فيثاغورس ،وأغاذيمون ،وواليس ،وهرمس ،وكانت لهم هياكل بأسماء
الكواكب ،وأنّ اليونانيّين ،ومن بعدهم الرّومان ،كانوا على هذه النّحلة ،ثمّ لمّا غلبت
النّصرانيّة على بلد الرّوم واليونان وتنصّر أهل هذه النّحلة ،بقي عليها من أهل المشرق بقايا ،
هـ وهم ليسوا من 228 ولم يكن اسمهم الصّابئة ،وإنّما تسمّوا بذلك في عصر المأمون سنة
الصّابئة في الحقيقة ،بل حقيقة الصّابئة هم الفرقة الثّانية .
ب -والفرقة الثّانية :هم طائفة من أهل الكتاب لهم شبه بالنّصارى .
قال الجصّاص :وهؤلء بنواحي كسكر والبطائح -من أرض العراق -وهم مع كونهم من
ن النّصارى فرق كثيرة ،منهم :
النّصارى إ ّل أنّهم مخالفون لهم في كثير من ديانتهم ،ل ّ
المرقونيّون ،والريوسيّة ،والمارونيّة .والفرق الثّلث من النّسطوريّة ،والملكيّة ،واليعقوبيّة
يبرؤون منهم ويجرّمونهم .وهم ينتمون إلى يحيى وشيث .قال :والنّصارى تسمّيهم يوحانسيّة
.أ هـ .
قال الجصّاص :فمذهب أبي حنيفة في جعله الصّابئة من أهل الكتاب محمول على هؤلء .
وأمّا البيرونيّ فيرى :أنّ هذه الفرقة الثّانية أصلها اليهود الّذين أسرهم بختنصّر ،وأجلهم من
أرض فلسطين إلى بابل من أرض العراق ،فلمّا أذن لهم كورش بالعودة إلى فلسطين تخلّف
بالعراق منهم طائفة وآثروا القامة في بابل ،ولم يكونوا في دينهم بمكان معتمد ،فسمعوا
أقاويل المجوس وصبوا إلى بعضها ،فامتزج مذهبهم من المجوسيّة واليهوديّة .قال :وهؤلء
هم الصّابئون بالحقيقة ،وإن كان السم أشهر بالفرقة الولى ،وكذا ميّز بين الفرقتين الرّمليّ
من الشّافعيّة ،وابن تيميّة من الحنابلة ،وابن القيّم ،وقال ابن الهمام :قيل في الصّابئة
الطّائفتان ،وهذه الفرقة الثّانية الّتي قال البعض إنّهم من النّصارى يسمّون " المندائيّين " ومنهم
الن بقايا في جنوب العراق ،وقد صدرت عنهم دراسات حديثة كشفت بعض ما عندهم ،ومنها
ما كتبه بعض كتّابهم ،وبعض من يعايشهم من المسلمين ،وترجمت بعض كتاباتهم الدّينيّة إلى
اللّغة العربيّة ،وفيها :أنّهم يؤمنون باللّه واليوم الخر ،وبالملئكة ،وببعض النبياء ،منهم :
آدم ،وشيث ،ونوح ،وزكريّا ،ويحيى -عليهم السلم -ول يؤمنون بموسى ،ول
بالمسيح ،ول التّوراة ،ول النجيل ،ويؤمنون بالتّعميد .ولهم عبادات يعبدون اللّه بها :من
صلوات ،وزكاة ،وصوم ،وأعياد دينيّة ،ويغتسلون كلّ يوم مرّتين ،أو ثلثا ،ولذلك قد
يسمّون المغتسلة ،ويسمّون اللّه على الذّبائح .
وأضاف ابن تيميّة فرقةً ثالثةً ،كانت قبل التّوراة والنجيل ،كانوا موحّدين ،قال :فهؤلء هم
ن آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَى وَالصّابِئِينَ
الّذين أثنى اللّه تعالى عليهم بقوله تعالى { :إِنّ الّذِي َ
خوْفٌ عَلَ ْي ِهمْ َولَ ُهمْ
ع ِملَ صَالِحا َفَل ُهمْ َأجْرُ ُهمْ عِندَ رَ ّب ِهمْ َو َل َ
ن بِالّل ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ
مَنْ آمَ َ
َيحْزَنُونَ} قال :فهؤلء كالمتّبعين لملّة إبراهيم -عليه السلم -إمام الحنفاء قبل نزول التّوراة
والنجيل ،هم الّذين أثنى عليهم اللّه تعالى .
ن الحرّانيّين المشركين لم يكونوا يتسمّون
على أنّ هذا التّقسيم للصّابئة إلى فرقتين ،ودعوى أ ّ
ك -وإن درج عليها بعض المؤرّخين
الصّابئة حتّى كان عهد المأمون ،دعوى هي موضوع ش ّ
وبعض الفقهاء -فإنّ كتب الحنفيّة ،تنسب إلى أبي حنيفة :أنّ الصّابئة الّذين يعظّمون الكواكب
السّبعة ليسوا مشركين ،بل هم أهل الكتاب ،لنّهم ل يعبدون تلك الكواكب ،بل يعظّمونها
كتعظيم المسلمين الكعبة ،وأنّ صاحبيه قال :بل هم كعبّاد الوثان وأبو حنيفة كان قبل المأمون
هـ .وكلمه وكلم صاحبيه منصبّ على الحرّانيّين ، 218 والمأمون سنة 150 فإنّه توفّي سنة
فإنّهم هم الّذين كانوا يعبدون الكواكب السّبعة ،ممّا يدلّ على أنّهم كانوا في زمانه مسمّين باسم
الصّابئة .ونصوص المؤرّخين مضطربة ،بعضها يد ّل على أنّهم فرقتان ،وبعضها على أنّهم
فرقة واحدة .
الحكام المتعلّقة بالصّابئة :
-ينطبق على الصّابئة الحكام الّتي تنطبق على الكفّار عا ّمةً :كتحريم نكاح الصّابئ للمسلمة، 6
الكتاب ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :لخرجن اليهود والنّصارى من جزيرة العرب ،
حتّى ل أدع إلّ مسلما « .
وحديث عائشة :آخر ما عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :ل يترك في جزيرة العرب
دينان « وفي المراد بجزيرة العرب خلف ،وتفصيل ينظر في مصطلح ( :أرض العرب ) .
وأمّا في خارج الجزيرة العربيّة من سائر بلد السلم :فقد اختلف في إقرار الصّابئة فيها على
أقوال :
فذهب أبو حنيفة إلى جواز إقرارهم فيها ،وأخذ الجزية منهم بنا ًء على أنّهم نصارى ،وأنّ
تعظيمهم للكواكب ليس من باب العبادة لها .
وقال صاحباه :ل تؤخذ منهم الجزية لنّهم يعبدون الكواكب كعبادة المشركين للصنام .
ن الجزية يجوز أن تضرب على كلّ كافر ،
وقال المالكيّة :بجواز إقرارهم كذلك بناءً منهم على أ ّ
ي.
كتابيّا كان أو غير كتاب ّ
وذهب الشّافعيّة :إلى أنّ الصّابئة يجوز أن تعقد لهم ال ّذمّة بالجزية ،على القول بأنّهم من
النّصارى ،إن وافقوهم في أصل دينهم ،ولو خالفوهم في فروعه ،ولم تكفّرهم النّصارى .أمّا
إن كفّرتهم اليهود والنّصارى لمخالفتهم في الفروع ،فقد قيل :يجوز أن يقرّوا بالجزية وإن لم
ن مبنى تحريم النّكاح ،الحتياط ،بخلف الجزية .
تجز مناكحتهم ،ل ّ
وهذا التّردّد عند الشّافعيّة ،إنّما هو في الصّابئة المشابهة للنّصارى -وهم المسمّون
المندائيّين ، -أمّا الصّابئة عبّاد الكواكب :فقد جزم الرّمليّ بأنّ الخلف ل يجري فيهم ،وأنّهم ل
يقرّون ببلد السلم .قال :ولذلك أفتى الصطخريّ والمحامليّ -الخليفة القاهر -بقتلهم ،لمّا
استفتى فيهم الفقهاء ،فبذلوا له مالً كثيرا فتركهم .
ص أحمد على أنّهم جنس من النّصارى :
والمعتمد عند الحنابلة :أنّ الجزية تؤخذ منهم ،لن ّ
ن الفلك حيّ ناطق ،
وروي عنه :أنّهم جنس من اليهود ،قالوا :وروي عنه :أنّهم يقولون :إ ّ
وإنّ الكواكب السّبعة آلهة فهم كعبدة الوثان ،أي :فل تؤخذ منهم .
ورجّح ابن القيّم القول الوّل ،قال :هذه المّة -يعني الصّابئة -فيهم :المؤمن باللّه وأسمائه
وصفاته وملئكته ورسله واليوم الخر ،وفيهم الكافر ،وفيهم الخذ من دين الرّسل ما وافق
عقولهم ،واستحسنوه فدانوا به ورضوه لنفسهم ،وعقد أمرهم أنّهم يأخذون بمحاسن ما عند
أهل الشّرائع بزعمهم ،ول يتعصّبون لملّة على ملّة ،والملل عندهم نواميس لمصالح العالم ،
فل معنى لمحاربة بعضهم بعضا ،بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النّفوس ،وتتهذّب به
الخلق .قال :وبالجملة فالصّابئة أحسن حالً من المجوس .فأخذ الجزية من المجوس تنبيه
ن المجوس من أخبث المم دينا ومذهبا ،ول
على أخذها من الصّابئة بطريق الولى ،فإ ّ
يتمسّكون بكتاب ول ينتمون إلى ملّة ،فشرك الصّابئة إن لم يكن أخفّ منه فليس بأعظم منه .ا
هـ .
دية الصّابئ :
ي ،كدية المسلم سواء ،ويدخل في ذلك الصّابئة إن كانوا
ن دية ال ّذمّ ّ
-ذهب الحنفيّة إلى أ ّ 8
بنا ًء على أنّهم ل يعبدون الكواكب ،وإنّما يعظّمونها كتعظيم المسلمين للكعبة .
وقال صاحباه :هم من الزّنادقة والمشركين ،فل تحلّ نساؤهم ول ذبائحهم .
ي على القول بحقيقة أمرهم ،فلو اتّفق على تفسيرهم اتّفق
قال ابن الهمام :الخلف بينهم مبن ّ
الحكم فيهم .
وذهب المالكيّة إلى تحريم ذبائح الصّابئة لشدّة مخالفتهم للنّصارى .
وقال الشّافعيّة :إن خالف الصّابئة النّصارى في أصل دينهم -أي اليمان بعيسى والنجيل -
حرمت ذبائحهم ونساؤهم على المسلمين ،أمّا إن لم يخالفوهم في ذلك فل تحرم ذبائحهم
ونساؤهم علينا ،ما لم تكفّرهم النّصارى ،فإن كفّرهم النّصارى حرمت نساؤهم وذبائحهم ،كما
يحرم على المسلم ذبيحة المبتدع إن كانت بدعته مكفّرةً .
وهذا الحكم المتردّد فيه هو غير الصّابئة عبّاد الكواكب ،وهم الحرّانيّة ،فإنّ هؤلء مجزوم
بكفرهم ،فل تحلّ مناكحتهم ول ذبائحهم قو ًل واحدا ،ول يجري فيهم الخلف المتقدّم .
وفي رواية عند الحنابلة :الصّابئة من اليهود ،وفي أخرى :هم من النّصارى .فعلى هاتين
الرّوايتين :يجوز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم .وفي رواية ثالثة :أنّهم يعبدون الكواكب ،فهم
كعبدة الوثان .
وقف الصّابئة :
-قال ابن الهمام :الصّابئة إن كانوا دهر ّي ًة أي :يقولون { :مَا ُيهْ ِلكُنَا إِل الدّهْرُ } فهم 10
ح من أوقاف
صنف من الزّنادقة ،وإن كانوا يقولون :بقول أهل الكتاب صحّ من أوقافهم ما يص ّ
ح على الفقراء ل على
ح من ذلك أن يكون قربةً عندنا وعندهم فيص ّ
أهل ال ّذمّة ،والّذي يص ّ
ب َيعِهم مثلً .
صَابُون *
التّعريف :
-الصّابون :هو الّذي يغسل به الثّياب معروف . 1
ونقل عن ابن دريد وغيره :أنّه ليس من كلم العرب وهو مركّب من أحماض دهنيّة وبعض
القلويّات ،وتستعمل رغوته في التّنظيف والغسل .
ما يتعلّق بالصّابون من أحكام :
أوّلً :استعمال الصّابون المعمول من زيت نجس :
-يرى الحنفيّة في القول المختار عند هم :أ نّ ال صّابون الم صنوع من الزّ يت النّ جس أو 2
المتنجّس طاهـر ،فيجوز اسـتعماله والمعاملة بـه ،قال فـي الدّ ّر :ويطهـر زيـت تنجّس بجعله
ش بماء ن جس ل بأس بالخ بز ف يه ،وكط ين تنجّس فج عل
صابونا ،به يف تى للبلوى ،كتنّور ر ّ
م نه كوز ب عد جعله على النّار ،وقال ا بن عابد ين :هذه الم سألة قد فرّعو ها على قول محمّد ،
وعليه الفتوى للبلوى ،واختاره أكثر المشايخ خلفا لبي يوسف .
والعلّة عند محمّد هي التّغيّر وانقلب الحقيقة ،ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصّابون ،
فيدخل فيه كلّ ما كان فيه تغيّر وانقلب حقيقة ومثله ما في الفتح لبن الهمام .
وأجاز الشّافعيّة كذلك النتفاع بالصّابون المعمول من زيت نجس ،لكنّهم لم يصرّحوا بطهارته ،
فقد جاء في أسنى المطالب نقلً عن المجموع :يجوز اتّخاذ الصّابون من الزّيت النّجس قال
ي :ويجوز استعماله في بدنه وثوبه ،كما صرّحوا بذلك .
الرّمل ّ
ن الصل عندهم أنّه ل يطهر من
ثمّ قال :ثمّ يطهّرهما ويفهم منه :أنّه ما زال نجسا ،وذلك ل ّ
نجس العين إلّ شيئان :خمر تخلّلت ،وجلد نجس بالموت إذا دبغ .
أمّا المالكيّة :فقد فرّقوا بين النّجس والمتنجّس فقالوا :بجواز النتفاع بمتنجّس ،ل بنجس في
غير مسجد وأكل آدميّ ،فيستصبح عندهم بالزّيت المتنجّس في غير المسجد ،ويعمل منه
الصّابون ،وينتفع به في سائر وجوه النتفاع .
والظّاهر من كلمهم :عدم جواز النتفاع بالصّابون المعمول من النّجس كشحم الميتة ،وإن
صرّح بعضهم بجواز الستصباح بشحم الميتة إذا تحفّظ منه .
وقال الحنابلة :ل تطهر نجاسة باستحالة ول بنار ،فالصّابون المعمول من زيت نجس نجس ،
ودخان النّجاسة وغبارها نجس .وهذا ظاهر المذهب عندهم .
قال ابن قدامة :ويستخرج أن تطهر النّجاسات بالستحالة قياسا على الخمر إذا انقلبت ،وجلود
الميتة إذا دبغت .
ثانيا :الوضوء بماء الصّابون :
ن ماء الصّابون إذا ذهبت رقّته وصار ثخينا ل يجوز التّوضّؤ به ،وإذا
-ذهب الحنفيّة :إلى أ ّ 3
بقيت رقّته ولطافته جاز قال ابن الهمام في تعليل الجواز :المخالط المغلوب ل يسلب الطلق ،
فوجب ترتيب حكم المطلق على الماء الّذي هو كذلك ،أي :جواز الوضوء به .
ي صلى ال عليه وسلم يوم الفتح من قصعة فيها أثر العجين « ،والماء بذلك
وقد » اغتسل النّب ّ
يتغيّر ،ولم يعتبر المغلوبيّة .
والصل عند الشّافعيّة :أنّه إذا اختلط بالماء شيء يمكن حفظه منه -غير التّراب والملح -
كالزّعفران ،والتّمر ،والدّقيق ،فتغيّر أحد أوصافه ،فإنّه ل يجوز الوضوء به ،لنّه زال عنه
إطلق اسم الماء .لكنّهم ذكروا في صفة التّغيّر :أنّه إن كان يسيرا ،بأن وقع فيه قليل من
ل ،بحيث ل يضاف إليه فوجهان :
زعفران ،فاصفرّ قليلً أو صابون أو دقيق فابيضّ قلي ً
الصّحيح منهما :أنّه طهور لبقاء اسم الماء ،قال النّوويّ :وهو المختار .
ومثله ما عند الحنابلة حيث قالوا :وما سقط في الماء من الباقلّ ،والحمّص ،والورد ،
والزّعفران وغيره من الطّاهرات ،وكان يسيرا ،فلم يوجد له طعم ول لون ول رائحة كثيرة
حتّى ينسب الماء إليه توضّأ به .
وهذا إذا كان الصّابون معمولً من زيت طاهر .أمّا إذا كان مصنوعا من غير طاهر ،فكذلك
الحكم عند من يقول بطهارته كالحنفيّة ومن معهم ،أمّا من يقول :إنّ النّجس ل يطهر
باستحالته فل يجوز التّوضّؤ به ( .ر :ف . ) 2
والظّاهر عند المالكيّة :أنّهم ل يجوّزون التّوضّؤ بماء الصّابون مطلقا ،سواء كان طاهرا أو
نجسا .حيث قالوا :ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه شيء طاهر ،فذلك الماء طاهر في نفسه
غير مطهّر لغيره ،فل يتوضّأ به ،ويستعمل في العادات .
وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :طهارة ومياه ) .
ثالثا :استعمال المحرم للصّابون :
ل عن الفتح :
-صرّح الحنفيّة :بأنّه ل بأس باستعمال المحرم الصّابون ،قال ابن عابدين نق ً 4
لو غسل بالصّابون والحرض ل رواية فيه ،وقالوا :ل شيء فيه ،لنّه ليس بطيب ول يقتل
-أي الهوامّ -ثمّ قال :ومقتضى التّعليل عدم وجوب الدّم والصّدقة اتّفاقا ،ولذا قال في
الظّهيريّة :وأجمعوا أنّه ل شيء عليه .
ن المحرم
وهذا هو المفهوم من كلم سائر الفقهاء في الصّابون العاديّ ،الّذي ل يعتبر طيبا ،ل ّ
إنّما يمنع من استعمال الطّيب ،ولم نجد لهم نصّا في الموضوع .
وينظر في مصطلحي ( :تطيّب وإحرام ) .
صَاع *
التّعريف :
ضمّ -لغةً :مكيال يكال به ،وهو أربعة أمداد .
-الصّاع والصّواع -بالكسر وبال ّ 1
وقال الدّاوديّ :معياره ل يختلف أربع حفنات بكفّي الرّجل الّذي ليس بعظيم الكفّين ول صغيرها
.وقيل :هو إناء يشرب فيه .
ول يخرج اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المدّ :
ضمّ :كيل ،وهو رطلن عند أهل العراق ،ورطل وثلث عند أهل الحجاز .
-المُدّ بال ّ 2
وقال الفيروز آبادي :قيل :المدّ هو ملء كفّي النسان المتوسّط إذا ملهما وم ّد يده بهما ،وبه
سمّي مدّا .
وفي الصطلح :اتّفق الفقهاء على أنّ الم ّد يساوي ربع الصّاع ،فالم ّد من أجزاء الصّاع ،كما
ن المدّ والصّاع من وحدات الكيال الّتي تعلّقت بها كثير من الحكام الفقهيّة
اتّفقوا على أ ّ
المشهورة .
ب -الوسق :
ي صلى ال عليه وسلم
-الوَسق والوِسق :مكيلة معلومة ،وهو ستّون صاعا بصاع النّب ّ 3
فرقان .
ن الفرق ثلثة آصع ،
وفي الصطلح :قال أبو عبيد :ل اختلف بين النّاس أعلمه في ذلك أ ّ
ل
وهي ستّة عشر رط ً
هـ – الرّطل :
– الرّطل :معيار يوزن به ،وهو بالبغداديّ اثنتا عشرة أوق ّيةً ،فيساوي مثقالً . 6
قال الرّافع يّ :قال الفقهاء :وإذا أطلق الرّ طل في الفروع ،فالمراد به ر طل بغداد يّ ،والرّ طل
مكيال أيضا .
الحكام المتعلّقة بالصّاع :
مقدار الصّاع :
ن الصّاع :خمسة أرطال
-اختلف الفقهاء في مقدار الصّاع ،فذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 7
والحنابلة :إنّ الواجب في صدقة الفطر -عن كلّ إنسان -صاع من البرّ أو الشّعير أو دقيقهما
أو التّمر ،أو الزّبيب ،فهم يرون عدم التّفريق بين جميع الصناف الّتي يخرج منها زكاة
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
الفطر ،لما روى ابن عمر -رضي ال عنهما » : -أ ّ
فرض زكاة الفطر من رمضان على النّاس صاعا من تمر ،أو صاعا من شعير على كلّ حرّ
وعبد ،ذكر وأنثى من المسلمين « .
ولما روى أبو سعيد الخدريّ -رضي ال عنه -قال » :كنّا نخرج إذ كان فينا رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم زكاة الفطر ،عن كلّ صغير وكبير ،ح ّر أو مملوك صاعا من طعام ،أو
صاعا من أقط ،أو صاعا من شعير ،أو صاعا من تمر ،أو صاعا من زبيب « .
ن الواجب إخراج صاع معاير بالصّاع الّذي كان
وقد نقل عن أبي الفرج الدّارميّ والبندنيجيّ :أ ّ
يخرج به زمن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وذلك الصّاع موجود ،ومن لم يجده وجب عليه
الستظهار بأن يخرج ما يتيقّن أنّه ل ينقصه عنه .
ن الواجب في صدقة الفطر نصف صاع من حنطة وسويقه ،أو صاع من شعير
وقال الحنفيّة :إ ّ
أو تمر ،لما روى ثعلبة بن صعير العذريّ أنّه قال :خطبنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
فقال » :أدّوا عن ك ّل حرّ وعبد نصف صاع من برّ أو صاعا من تمر ،أو صاعا من شعير « .
وهو ما ذهب إليه سعيد بن المسيّب ،وعطاء ،وطاوس ،ومجاهد ،وعمر بن عبد العزيز ،
وعروة بن الزّبير ،وسعيد بن جبير .
ي :أنّ عشرةً من الصّحابة -رضي ال عنهم -منهم أبو
وذكر الشّيخ أبو منصور الماتريد ّ
بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعليّ -رضي ال عنهم -رووا عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
في صدقة الفطر نصف صاع من ب ّر ،واحتجّ بروايتهم .
ن قيمة
واختلفت الرّواية عن أبي حنيفة في الزّبيب ،فذكر في الجامع الصّغير :نصف صاع ،ل ّ
الزّبيب تزيد عن قيمة الحنطة في العادة ،ث ّم اكتفى من الحنطة بنصف صاع ،فمن الزّبيب
أولى .وروى الحسن ،وأسد بن عمرو ،عن أبي حنيفة :صاعا من زبيب ،وهو قول أبي
يوسف ومحمّد ،ووجه هذه الرّواية ما روي عن أبي سعيد الخدريّ أنّه قال » :كنّا نخرج زكاة
الفطر إذ كان فينا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صاعًا من تمر ،أو صاعًا من زبيب « .
ولنّ الزّبيب ل يكون مثل الحنطة في التّغذّي ،بل يكون أنقص منها ،كالشّعير والتّمر ،فكان
التّقدير فيه بالصّاع ،كما في الشّعير والتّمر .
ويجوز عند الحنفيّة :أداء صدقة الفطر في الفطرة الواحدة من جنسين أو أكثر ،فلو أدّى نصف
صاع شعير ،ونصف صاع تمر ،أو نصف صاع شعير وربع صاع من حنطة جاز .
وهناك خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :زكاة الفطر ) .
وقال الشّافعيّة :ل يجزئ في الفطرة الواحدة صاع من جنسين ،سواء كان الجنسان متماثلين
أو أحدهما ممّا يجب والخر أعلى منه ،كما ل يجزئ في كفّارة اليمين أن يكسو خمسةً ويطعم
خمسةً ،لنّه مأمور بصاع ب ّر ،أو شعير ،أو غيرهما .
وقال الحنابلة :لو جمع صاعا من التّمر ،والزّبيب ،والب ّر ،والشّعير ،والقط ،وأخرجه أجزأه
كما لو كان خالصا من أحدهما .
ولم نعثر للمالكيّة على نصّ في ذلك .
صبْح *
انظر :الصّلوات الخمس المفروضة ،وأوقات الصّلة .
ص ْبرَة *
ُ
التّعريف :
-الصّبرة في اللّغة :الكومة من طعام أو غيره ،جمعها صُبَر ،كغرفة وغرف ،يقال : 1
صةً ،
صبرت المتاع :إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض .وقيل :هي الكومة من الطّعام خا ّ
سواء أكانت مجهولة الكيل أو الوزن أم معلومتهما ،وقيل :ما جمع من الطّعام بل كيل ول
وزن.
وفي الصطلح :قال سليمان الجمل :أطلقها الفقهاء على كلّ متماثل الجزاء .
اللفاظ ذات الصّلة :
-الجزاف -مثلّث الجيم -وهو بيع ما يكال ،أو يوزن ،أو يع ّد جملةً بل كيل ،ول وزن ، 2
من الحنطة جاز ،وإن لم يعرف صيعانها ،لنّ غرر الجهالة ينتفي بالمشاهدة .
كما يجوز بيع صاع من صبرة وبيع صبرة :كلّ صاع بدرهم ،وأراد في الصّورة الثّانية شراء
جميعها ،سواء أكانت معلومة الصّيعان أم ل ،لنّها إن كانت معلومة الصّيعان كانت معلومة
الجملة والتّفصيل .وإن كانت مجهولة الصّيعان كانت مجهولة الجملة ،معلومة التّفصيل ،
وجهل الجملة وحده ل يضرّ .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء ،وقال أبو حنيفة :إن باع صبر ًة :كلّ صاع بدرهم صحّ في
صاع ،قال :لنّ الثّمن مجهول وذلك مفسد للعقد ،غير أنّ القلّ معلوم فيجوز فيه للتّيقّن به ،
وما عداه مجهول فيفسد ،ويثبت له الخيار لتفرّق الصّفقة عليه .
وقال صاحباه :يجوز في الكلّ ،لنّ المبيع معلوم بالشارة ،والمشار إليه ل يحتاج إلى معرفة
مقداره لجواز بيعه .أمّا إذا كاله في المجلس جاز بالجماع لزوال المانع قبل تقرّر الفساد .
شروط جواز بيع الصّبرة جزافا :
-يشترط في جواز بيع الصّبرة جزافا ما يلي : 4
أ -أن ل يغشّ بائع الصّبرة ،بأن يجعلها على دكّة أو ربوة ،أو يجعل الرّديء منها أو المبلول
في باطنها ،لحديث » :من غشّنا فليس منّا « فإذا وجد ذلك ،فإن علم أحد العاقدين ذلك بطل
العقد ،لمنع ذلك تخمين القدر فيكثر الغرر ،هذا إذا لم ير قبل الوضع فيه ،فإن رأى الصّبرة
ن أنّ المحلّ مستو
قبل الوضع صحّ البيع لحصول التّخمين ،وإن جهل كلّ منهما ذلك :بأن ظ ّ
فظهر خلفه خيّر من لحقه النّقص ،بين الفسخ ،والمضاء .
ب -أن تكون متساوية الجزاء .فإن اختلفت أجزاؤها لم يصحّ البيع .
ج -أن يرى المبيع جزافا حال العقد ،أو قبله إذا استم ّر على حاله إلى وقت العقد دون تغيّر .
د -أن يجهل المتبايعان معا قدر الكيل أو الوزن ،فإن كان أحدهما يعلم القدر دون الخر فل
يصحّ .
هـ – أن تستوي الرض الّتي يوضع عليها المبيع ،فإن لم تكن مستويةً ففيها التّفصيل
السّابق .ر :مصطلح ( :بيع الجزاف ) .
بيع الصّبرة إ ّل صاعا :
-إن باع الصّبرة إلّ صاعا ،فإن كانت معلومة الصّيعان صحّ البيع ونزّل على الشّيوع ،فإن 5
ح ،لنّه
كانت عشرة آصع كان المبيع تسعة أعشارها ...أمّا إن كانت مجهولة الصّيعان فل يص ّ
صلى ال عليه وسلم » نهى عن بيع الثّنيا « ،وزاد التّرمذيّ » :إلّ أن يعلم « .
ولنّ المبيع هو :ما وراء الصّاع ،وهو مجهول لنّه خالطه أعيان أخرى ،ول يكفي مجرّد
التّخمين ،بل ل بدّ من إحاطة العيان بجميع جوانب المبيع ،وهذا لم يوجد وإن باع نصف
الصّبرة المشاهدة ،أو ثلثها ،أو غير ذلك من أجزائها المعلومة صحّ البيع بل خلف .وإن
قال :بعتك بعض هذه الصّبرة ،أو نصيبا منها ،أو جزءا منها ،ما شئت ،ونحو هذا من
العبارات الّتي ليس فيها قدر معلوم ،فالبيع باطل للغرر .
بيع صبرة بشرط أن يزيده صاعا أو ينقصه :
-إن باع صبر ًة :كلّ صاع بدرهم على أن يزيده أو ينقصه صاعا لم يصحّ ،لنّه إن أراد 6
صبغ *
انظر :اختضاب
صبيّ *
انظر :صغر
صحابيّ *
انظر :قول الصّحابيّ
حبَة *
صُ ْ
التّعريف :
-الصّحبة في اللّغة :الملزمة والمرافقة ،والمعاشرة .يقال :صحبه يصحبه صحبةً ، 1
ص من الصّحبة .
صةً فهي أخ ّ
في السّفر خا ّ
ب -الصّداقة :
-الصّداقة ،والمصادقة :المخالّة :بمعنىً واحد ،يقال :صادقته مصادق ًة وصداقةً : 3
ص من الصّحبة .
خاللته ،والصّداقة أخ ّ
الحكام المتعلّقة بالصّحبة :
ما تثبت به الصّحبة :
-اختلف أهل العلم فيما تثبت به الصّحبة ،وفي مستحقّ اسم الصّحبة . 4
ي.
أ -التّواتر بأنّه صحاب ّ
ب -ث ّم الستفاضة ،والشّهرة ،القاصرة عن التّواتر .
ج -ثمّ بأن يروى عن أحد من الصّحابة أنّ فلنا له صحبة ،أو عن أحد التّابعين بناءً على
قبول التّزكية عن واحد .
د -ثمّ بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة :أنا صحابيّ ،أمّا الشّرط الوّل :وهو
العدالة فجزم به المديّ وغيره ،لنّ قوله :أنا صحابيّ ،قبل ثبوت عدالته يلزم من قبول قوله
:إثبات عدالته ،لنّ الصّحابة كلّهم عدول فيصير بمنزلة قول القائل :أنا عدل ،وذلك ل يقبل .
ي صلى
ي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النّب ّ
وأمّا الشّرط الثّاني :وهو المعاصرة فيعتبر بمض ّ
ال عليه وسلم ،لقوله صلى ال عليه وسلم في آخر عمره لصحابه » :أرأيتكم ليلتكم هذه ؟
ن على رأس مائة سنة منها ل يبقى ممّن هو على ظهر الرض أحد « .
فإ ّ
ن ذلك كان قبل موته صلى ال عليه وسلم بشهر « .
وزاد مسلم من حديث جابر » :أ ّ
عدالة من ثبتت صحبته :
-اتّفق أهل السّنّة :على أنّ جميع الصّحابة عدول ،ولم يخالف في ذلك إلّ شذوذ من 6
المبتدعة .
وهذه الخصّيصة للصّحابة بأسرهم ،ول يسأل عن عدالة أحد منهم ،بل ذلك أمر مفروغ منه ،
لكونهم على الطلق معدّلين بتعديل اللّه لهم وإخباره عن طهارتهم ،واختياره لهم بنصوص
القرآن ،قال تعالى { :كُن ُتمْ خَيْ َر ُأ ّمةٍ ُأخْ ِرجَتْ لِلنّاسِ } الية .
قيل :اتّفق المفسّرون على أنّ الية واردة في أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
شهَدَاء عَلَى النّاسِ } .
جعَلْنَاكُ ْم ُأ ّمةً َوسَطا لّ َتكُونُواْ ُ
وقال ع ّز من قائل َ { :وكَذَلِكَ َ
ن َم َعهُ َأشِدّاء عَلَى ا ْلكُفّارِ } الية .
حمّدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَالّذِي َ
وقال تعالى ّ { :م َ
وفي نصوص السّنّة الشّاهدة بذلك كثرة ،منها حديث :أبي سعيد المتّفق على صحّته :أنّ
ن أحدكم أنفق
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :ل تسبّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لو أ ّ
مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ،ول نصيفه « .
وقال صلى ال عليه وسلم » :اللّه ،اللّه في أصحابي ل تتّخذوهم غرضا بعدي ،فمن أحبّهم
فبحبّي أحبّهم ،ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ،ومن آذاهم فقد أذاني ،ومن أذاني فقد أذى
اللّه ،ومن آذى اللّه فيوشك أن يأخذه « .
ن المّة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة ،ومن لبس الفتن منهم
قال ابن الصّلح :ثمّ إ ّ
ن بهم ،ونظرا إلى ما تمهّد لهم
فكذلك ،بإجماع العلماء الّذين يعتدّ بهم في الجماع ،إحسانا للظّ ّ
ن اللّه سبحانه وتعالى أتاح الجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة .
من المآثر ،وكأ ّ
وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم ،ول يحتاجون مع تعديل اللّه ورسوله لهم إلى تعديل
أحد من النّاس ،ونقل ابن حجر عن الخطيب في " الكفاية " أنّه لو لم يرد من اللّه ورسوله فيهم
شيء ممّا ذكرناه لوجبت الحال الّتي كانوا عليها من الهجرة ،والجهاد ،ونصرة السلم ،
وبذل المهج والموال ،وقتل الباء ،والبناء ،والمناصحة في الدّين ،وقوّة اليمان واليقين :
القطع بتعديلهم ،والعتقاد بنزاهتهم ،وأنّهم كا ّف ًة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدّلين
الّذين يجيئون من بعدهم ،ثمّ قال :هذا مذهب كافّة العلماء ،ومن يعتمد قوله ،وروى بسنده
إلى أبي زرعة الرّازيّ قال " :إذا رأيت الرّجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم فاعلم أنّه زنديق " ،ذلك أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم حقّ ،والقرآن حقّ ،وما
جاء به حقّ ،وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصّحابة ،وهؤلء يريدون أن يجرّحوا شهودنا ،ليبطلوا
الكتاب والسّنّة ،والجرح بهم أولى ،وهم زنادقة .
إنكار صحبة من ثبتت صحبته بنصّ القرآن :
-اتّفق الفقهاء على تكفير من أنكر صحبة أبي بكر -رضي ال عنه -لرسول اللّه صلى ال 7
بأن يصف بعضهم ببخل ،أو جبن ،أو قلّة علم ،أو عدم الزّهد ،ونحو ذلك ،فل يكفر باتّفاق
الفقهاء ،ولكنّه يستحقّ التّأديب .
أمّا إن رماهم بما يقدح في دينهم أو عدالتهم كقذفهم :فقد اتّفق الفقهاء على تكفير من قذف
ي صلى ال عليه وسلم بما برّأها
الصّدّيقة بنت الصّدّيق :عائشة -رضي ال عنهما -زوج النّب ّ
اللّه منه ،لنّه مكذّب لنصّ القرآن .
ب أحد
أمّا بقيّة الصّحابة فقد اختلفوا في تكفير من سبّهم ،فقال الجمهور :ل يكفر بس ّ
الصّحابة ،ولو عائشة بغير ما برّأها اللّه منه ويكفر بتكفير جميع الصّحابة أو القول بأنّ
ن ذلك تكذيب لما
الصّحابة ارتدّوا جميعا بعد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أو أنّهم فسقوا ،ل ّ
ن مضمون هذه المقالة
نصّ عليه القرآن في غير موضع من الرّضا عنهم ،والثّناء عليهم ،وأ ّ
:أنّ نقلة الكتاب ،والسّنّة كفّار ،أو فسقة ،وأنّ هذه المّة الّتي هي خير أمّة أخرجت ،
ن هذه المّة ش ّر المم ،
وخيرها القرن الوّل كان عامّتهم كفّارا ،أو فسّاقا ،ومضمون هذا :أ ّ
وأنّ سابقيها هم أشرارها ،وكفر من يقول هذا ممّا علم من الدّين بالضّرورة .
وجاء في فتاوى قاضيخان :يجب إكفار من كفّر عثمان ،أو عليّا ،أو طلحة ،أو عائشة ،وكذا
ب الشّيخين أو يلعنهما .
من يس ّ
صِحّة *
التّعريف :
ح والصّحاح ضدّ السّقم ،وهي أيضا :ذهاب المرض .
صّصحّة في اللّغة :وال ّ
-ال ّ 1
صحّة في البدن :حالة طبيعيّة تجري أفعاله معها على المجرى الطّبيعيّ ،وقد استعيرت
وال ّ
صحّة للمعاني فقيل :صحّت الصّلة إذا أسقطت القضاء ،وصحّ العقد إذا ترتّب عليه أثره ،
ال ّ
وصحّ القول إذا طابق الواقع ،والصّحيح الحقّ :وهو خلف الباطل .
صحّة عند الصوليّين من أقسام الحكم الوضعيّ .
وفي الصطلح :ال ّ
( ر :مصطلح حكم ف . ) 4
صحّة :
واختلف الصوليّون في تعريف ال ّ
صحّة عبارة عمّا وافق الشّرع وجب القضاء أو لم يجب ،ويشمل
ن ال ّ
فذهب الجمهور إلى أ ّ
عندهم العبادات والعقود .
صحّة في العبادات :اندفاع وجوب القضاء .
ن ال ّ
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ففي تعريف الحنفيّة زيادة قيد ،إذ هي عندهم :موافقة أمر الشّارع على وجه يندفع به القضاء
.وفي المعاملت ترتّب أثرها وهو ما شرعت من أجله ،كحلّ النتفاع في عقد البيع ،
والستمتاع في عقد النّكاح .
وتظهر ثمرة الخلف بين التّعريفين فيمن صلّى ظانّا أنّه متطهّر ،ث ّم تبيّن أنّه محدث ،فتكون
صلته صحيحةً عند الجمهور ،لنّه وافق المر المتوجّه عليه في الحال ،وأمّا القضاء فوجوبه
صحّة وتكون هذه الصّلة غير صحيحة عند الحنفيّة لعدم
ق منه اسم ال ّ
بأمر متجدّد ،فل يشت ّ
اندفاع القضاء .
صحّة ل تتحقّق إلّ بتحقيق المقصود الدّنيويّ من التّكليف وهو في العبادات
ووجه قولهم إنّ ال ّ
تفريغ ال ّذمّة ،وفي المعاملت بتحقيق الغراض المترتّبة على العقود ،والفسوخ ،كملك الرّقبة
في البيع ،وملك المتعة في النّكاح ،وملك المنفعة في الجارة ،والبينونة في الطّلق .
وما لم يوصل إلى المقاصد الدّنيويّة يسمّى بطلنا وفسادا .
وعند الفقهاء :الصّحيح في العبادات والمعاملت ما اجتمع أركانه وشرائطه حتّى يكون معتبرا
في حقّ الحكم .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجزاء :
-الجزاء لغةً الكفاية والغناء . 2
واصطلحا :موافقة أمر الشّارع بأن يكون الفعل مستجمعا ما يتوقّف عليه من الشّروط عند
صحّة والجزاء مترادفان في الستعمال ،
الجمهور ،وزاد الحنفيّة أن يندفع بفعله القضاء ،فال ّ
صحّة .
إلّ أنّ الجزاء أثر من آثار ال ّ
وللتّفصيل انظر مصطلح ( :إجزاء ف . ) 1،2
ب -البطلن :
-البطلن لغةً الضّياع والخسران . 3
واصطلحا :فعل بعض -وقيل كلّ -ما دخل وقته قبل خروجه ،واجبا كان أو مندوبا .
د -القضاء :
-القضاء لغةً :الداء . 5
واصطلحا :ما فعل بعد خروج وقت أدائه استدراكا لما سبق لفعله مقتض .
( ر :مصطلح أداء ف . ) 1
صحّة .
صحّة ،أنّهما يأتيان وصفا لل ّ
والصّلة بين كلّ من الداء والقضاء وبين ال ّ
ما يتعلّق بالصّحّة من أحكام :
-أهليّة النسان لداء التّكاليف الشّرعيّة تتعلّق بقدرتين :قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل ، 6
صَحِيح *
انظر :صحّة
صَدَاق *
انظر :مهر
صَدَاقة *
التّعريف :
-الصّداقة في اللّغة :مشتقّة من الصّدق في الودّ والنّصح ،يقال :صادقته مصادقةً 1
ب -الرّفقة :
صةً
-الرّفقة هي :الصّحبة في السّفر خا ّ 3
إلّ أنّ الحنفيّة والمالكيّة قالوا :يشترط لقبول شهادة الصّديق لصديقه :ألّ تكون الصّداقة بينهما
متناهي ًة ،بحيث يتصرّف كلّ منهما في مال الخر ،وأن يبرز في العدالة ،وزاد المالكيّة :
اشتراط ألّ يكون في عياله ،يأكل معهم ويسكن عندهم كأنّه من أفرادهم .
( ر :مصطلح شهادة ) .
صَدَقة *
التّعريف :
-الصّدقة بفتح الدّال لغةً :ما يعطى على وجه التّقرّب إلى اللّه تعالى ل على وجه المكرمة . 1
عنهما :من حديث طويل أنّ عمر تصدّق بمال له على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
وكان يقال له :ثمغ ...فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :تصدّق بأصله ،ل يباع ول
يوهب ،ول يورث ،ولكن ينفق ثمره « .
-وقد تطلق الصّدقة :على كلّ نوع من المعروف ،ومن ذلك قول النّبيّ صلى ال عليه 3
الخرة فصدقة ،وإذا كان للمواصلة والوداد فهبة ،وإن قصد به الكرام فهديّة .فك ّل واحد من
هذه اللفاظ قسيم للخر .والعطيّة شاملة للجميع .
ب -العاريّة :
-العاريّة :إباحة أو تمليك منفعة عين مع بقاء العين لصاحبها بشروط مخصوصة . 5
أ -صدقة مفروضة من جهة الشّرع على الموال ،وهي زكاة المال ،وتنظر أحكامها في
مصطلح ( :زكاة ) .
ب -صدقة على البدان ،وتنظر أحكامها في مصطلح ( :زكاة الفطر ) .
ج -صدقة يفرضها الشّخص على نفسه ،وهي الصّدقة الواجبة بالنّذر ،وتنظر أحكامها في:
( نذر ) .
د -الصّدقات المفروضة حقّا للّه تعالى ،كالفدية ،والكفّارة ،وتنظر أحكامها في مصطلح :
( فدية وكفّارة ) .
هـ -صدقة التّطوّع ،ونبيّن أحكامها فيما يلي :
الحكم التّكليفيّ :
-الصّدقة مسنونة ،ورد النّدب إليها في كثير من آيات القرآن الكريم ،وكثير من الحاديث 8
فقد ورد في حديث التّرمذيّ » :وللخازن مثل ذلك « أي :من الجر ،أي :إنّهما سواء في
المثوبة ،كلّ واحد منهما له أجر كامل ،كما قال ابن العربيّ ،أو معناه المشاركة في الجر
مطلقا ،لنّ المشارك في الطّاعة مشارك في الجر ،وإن كان أحدهما أكثر من الخر ،كما
حقّقه النّوويّ .
تصدّق الزّوجة من مالها بأكثر من الثّلث :
ن المرأة
-ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة -إلى أ ّ 13
وأهليّة التّبرّع ،فيصحّ التّصدّق على الصّغير ،والمجنون ،والمحجور عليه بسفه ،أو إفلس
أو غيرهما ،لنّ الصّدقة عليهم نفع محض لهم ،فل تحتاج إلى إذن الولياء .
وحيث إنّ الصّدقة تمليك بل عوض لثواب الخرة ،فهناك أشخاص ل تصحّ عليهم الصّدقة ،
وآخرون تصحّ عليهم ،وقد فصّل الفقهاء هذا الموضوع كالتّالي :
أ -الصّدقة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
-يرى جمهور الفقهاء من المالكيّة ،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،والصّحيح عند الحنابلة : 15
ن التّصدّق عليهم ،ولهم أخذها ،ولو كانوا ممّن تجب نفقته على
صرّح بعضهم :بأنّه يس ّ
المتصدّق ،فعن أبي مسعود -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
» إذا أنفق الرّجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة « .
وقال صلى ال عليه وسلم » :الصّدقة على المسكين صدقة ،وعلى ذي الرّحم ثنتان :صدقة
وصلة « .
قال الشّافعيّة :دفع الصّدقة لقريب أقرب فأقرب رحما ولو كان ممّن تجب عليه نفقته أفضل من
ن امرأتين
دفعها لغير القريب ،وللقريب غير القرب للحديث المتقدّم ،ولخبر الصّحيحين » :أ ّ
أتيتا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالتا لبلل :سل لنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم هل
يجزئ أن نتصدّق على أزواجنا ويتامى في حجورنا ؟ فقال :نعم لهما أجران :أجر القرابة ،
وأجر الصّدقة « .
هذا وقد رتّب الشّافعيّة من يفضّل عليهم الصّدقة فقالوا :هي في القرب فالقرب ،وفي الشدّ
منهم عداوةً أفضل منها في غيره ،وذلك ليتألّف قلبه ،ولما فيه من مجانبة الرّياء وكسر
النّفس ،وألحق بهم الزواج من الذّكور والناث ،ثمّ الرّحم غير المحرم ،كأولد العمّ والخال .
ثمّ في القرب فالقرب رضاعا ،ثمّ مصاهر ًة ،ثمّ ول ًء ،ثمّ جوارا ،وقدّم الجار الجنبيّ على
قريب بعيد عن دار المتصدّق ،بحيث ل تنقل إليه الزّكاة ،ولو كان ببادية .
ومثله ما عند الحنابلة .
د -التّصدّق على الفقراء والغنياء :
ن الصّدقة تعطى للفقراء والمحتاجين ،وهذا هو الفضل ،كما صرّح به الفقهاء .
-الصل أ ّ 18
تمليك لجل الثّواب ،وهل يثاب الشّخص بالنفاق على الكفّار ؟ .
فقال الحنابلة :وهو المشهور عند الشّافعيّة ،والمنقول عن محمّد في السّير الكبير :إنّه يجوز
دفع صدقة التّطوّع للكفّار مطلقا ،سواء أكانوا من أهل ال ّذمّة أم من الحربيّين ؟ مستأمنين أم
سكِينا وَيَتِيما َوأَسِيرا }
طعَامَ عَلَى حُ ّبهِ ِم ْ
غير مستأمنين ،وذلك لعموم قوله تعالى { :وَ ُيطْ ِعمُونَ ال ّ
.قال ابن قدامة :ولم يكن السير يومئذ إلّ كافرا .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :في كلّ كبد رطبة أجر « .
وقد ورد في حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي ال عنهما -قالت » :قدمت عليّ أمّي وهي
مشركة في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فاستفتيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
قلت :إنّ أمّي قدمت وهي راغبة ،أفأصل أمّي ؟ قال :نعم ،صلي أمّك « .
ولنّ صلة الرّحم محمودة في كلّ دين ،والهداء إلى الغير من مكارم الخلق .
وفرّق الحصكفيّ في الدّرّ بين ال ّذمّيّ وغيره فقال :وجاز دفع غير الزّكاة وغير العشر والخراج
إلى ال ّذمّيّ -ولو واجبا -كنذر وكفّارة وفطرة خلفا لبي يوسف .
ي ولو مستأمنا فجميع الصّدقات ل تجوز له .
وأمّا الحرب ّ
ي من الشّافعيّة حيث قال :قضيّة إطلق حلّ الصّدقة للكافر ،أنّه ل
ويقرب منه ما ذكره الشّربين ّ
ي من أنّ :
ي والوجه ما قاله الذرع ّ
فرق بين الحربيّ وغيره ،وهو ما في البيان عن الصّيمر ّ
هذا فيمن له عهد ،أو ذمّة أو قرابة أو يرجى إسلمه ،أو كان بأيدينا بأسر ونحوه .فإن كان
حربيّا ليس فيه شيء ممّا ذكر فل .
ثالثا :المتصدّق به :
ن الصّدقة تمليك بل
-المتصدّق به هو :المال الّذي يعطى للفقير وذي الحاجة ،وحيث إ ّ 20
عوض لجل ثواب الخرة ،فينبغي في المال المتصدّق به أن يكون من الحلل الطّيّب ،ول
يكون من الحرام أو ممّا فيه شبهة ،كما ينبغي أن يكون المتصدّق به مالً جيّدا ،ل رديئا ،حتّى
يحصل على خير البرّ وجزيل الثّواب .
وقد بحث الفقهاء هذه الحكام ،وحكم التّصدّق من الموال الرّديئة والحرام كالتّالي :
التّصدّق بالمال الحلل والحرام والمال المشتبه فيه :
-لقد حثّ السلم أن تكون الصّدقة من المال الحلل والطّيّب ،وأن تكون ممّا يحبّه 21
المتصدّق .
فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم » :ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب ،ول يقبل اللّه إلّ الطّيّب ،إلّ أخذها الرّحمن بيمينه ،
وإن كانت تمرةً فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل ،كما يربّي أحدكم فلوّه أو
فصيله « والمراد بالطّيّب هنا الحلل ،كما قال النّوويّ .
وعنه أيضا :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أيّها النّاس إنّ اللّه طيّب ل يقبل إلّ
س ُل كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ
طيّبًا ،وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ،فقال { :يَا أَ ّيهَا ال ّر ُ
ت مَا
عمَلُوا صَالِحا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ } وقال { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُو ْا مِن طَيّبَا ِ
وَا ْ
ب ،ومطعمه
َرزَقْنَا ُكمْ } ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يم ّد يديه إلى السّماء يا ربّ يا ر ّ
حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،وغذّي بالحرام ،فأنّى يستجاب لذلك } .
قال النّوويّ :وهذا الحديث أحد الحاديث الّتي هي من قواعد السلم ومباني الحكام ...وفيه
الحثّ على النفاق من الحلل ،والنّهي عن النفاق من غيره .وفيه أنّ المشروب والمأكول
والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حللً خالصا ل شبهة فيه .
وحذّر الحسينيّ في كفاية الخيار من أخذ مال فيه شبهة للتّصدّق به ،ونقل عن ابن عمر قوله :
ي أن أتصدّق بمائة ألف درهم ثمّ بمائة ألف درهم حتّى بلغ
لن أردّ درهما من حرام أحبّ إل ّ
ستّمائة ألف .
ب أن يختار الرّجل أحلّ ماله ،وأبعده عن الحرام والشّبهة فيتصدّق به ،كما
وعلى هذا فيستح ّ
حرّره النّوويّ .
وإذا كان في عهدة المكلّف مال حرام ،فإن علم أصحابه وجب ردّه إليهم ،وإن لم يعلم أصحابه
يتصدّق به .
ن المال المتصدّق به من النّجس أو الحرام كالغصب ،
أمّا الخذ أي :المتصدّق عليه فإن عرف أ ّ
ب له أن ل يأخذه ول يأكل منه .ومع ذلك فقد أجاز أكثر الفقهاء
أو السّرقة ،أو الغدر ،فيستح ّ
أخذه له مع الكراهة .
يقول ابن عابدين :إذا كان عليه ديون ومظالم ل يعرف أربابها ،وأيس من معرفتهم ،فعليه
التّصدّق بقدرها من ماله ،وإن استغرقت جميع ماله .
وقال ابن الهمام :يؤمر بالتّصدّق بالموال الّتي حصلت بالغدر ،كالمال المغصوب .
قال الجمل من الشّافعيّة :لو تصدّق أو وهب أو أوصى بالنّجس صحّ على معنى نقل اليد ،ل
التّمليك .
ن من بيده نحو غصوب ،أو رهون ،أو أمانات ،ل يعرف أربابها ،وأيس
وصرّح الحنابلة :بأ ّ
من معرفتهم ،فله الصّدقة بها منهم ،أي :من قبلهم .وقال بعضهم :يجب عليه التّصدّق .
وكذلك الحكم في الدّيون الّتي جهل أربابها عند الحنابلة .
أمّا الموال الّتي فيها شبهة فالولى البتعاد عنها ،ولهذا قال النّوويّ في التّصدّق بما فيه
شبهة :إنّه مكروه .
قد ورد في الحديث من قوله صلى ال عليه وسلم » :الحلل بيّن ،والحرام بيّن ،وبينهما
مشبّهات ل يعلمها كثير من النّاس ،فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقع في
الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه « .
التّصدّق بالجيّد والرّديء :
ب في الصّدقة أن يكون المتصدّق به أي :المال المعطى من أجود مال المتصدّق
-يستح ّ 22
وأحبّه إليه ،قال اللّه تعالى { :لَن تَنَالُواْ الْبِ ّر حَتّى تُن ِفقُواْ ِممّا ُتحِبّونَ َومَا تُن ِفقُواْ مِن شَيْءٍ فَِإنّ
الّلهَ ِب ِه عَلِيمٌ } .
قال القرطبيّ :والمعنى لن تكونوا أبرارا حتّى تنفقوا ممّا تحبّون ،أي :نفائس الموال
وكرائمها ،وكان السّلف -رضي ال عنهم -إذا أحبّوا شيئا جعلوه للّه تعالى .
فقد ورد في حديث متّفق عليه » :أنّ أبا طلحة كان أكثر النصار بالمدينة ما ًل من نخل ،وكان
أحبّ أمواله إليه بيرحاء ،وكانت مستقبلة المسجد ،وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يدخلها
ويشرب من ماء فيها طيّب ،قال أنس -راوي الحديث -فلمّا أنزلت هذه الية { :لَن تَنَالُواْ
الْبِ ّر حَتّى تُنفِقُواْ ِممّا ُتحِبّونَ } قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :يا
رسول اللّه إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول { :لَن تَنَالُواْ الْبِ ّر حَتّى تُن ِفقُواْ ِممّا ُتحِبّونَ } وإنّ أحبّ
أموالي إليّ بيرحاء ،وإنّها صدقة للّه ،أرجو برّها وذخرها عند اللّه فضعها يا رسول اللّه حيث
أراك اللّه قال :فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :بخ ذلك مال رابح « .
ل تصدّقت
وكان عمر بن عبد العزيز يشتري أعدالً من سكّر ويتصدّق بها ،فقيل له :ه ّ
سكّر أحبّ إليّ فأردت أن أنفق ممّا أحبّ .
بقيمتها؟ قال :لنّ ال ّ
والمراد بالية حصول كثرة الثّواب بالتّصدّق ممّا يحبّه .ول يلزم أن يكون المال المتصدّق به
كثيرا ،ويستحبّ التّصدّق ولو بشيء نزر ،قال اللّه تعالى َ { :فمَن َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَرّ ٍة خَيْرا َيرَهُ }
وفي الحديث الصّحيح » :اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة « .
ونهى اللّه سبحانه وتعالى عن التّصدّق بالرّديء من المال ،قال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ
ن الَرْضِ َو َل تَ َي ّممُواْ ا ْلخَبِيثَ مِ ْنهُ تُن ِفقُونَ وَ َلسْتُم
ت مَا َكسَبْتُمْ َو ِممّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّ َ
أَن ِفقُواْ مِن طَيّبَا ِ
حمِيدٌ } أي :ل تتصدّقوا بالصّدقة من المال
ن الّلهَ غَنِيّ َ
بِآخِذِيهِ ِإلّ أَن ُت ْغمِضُواْ فِيهِ وَاعْ َلمُواْ أَ ّ
الخبيث ،ول تفعلوا مع اللّه ما ل ترضونه لنفسكم .
ن الية في صدقة التّطوّع حيث قال :لو كانت في الفريضة لما قال :
ورجّح ابن العربيّ :أ ّ
{ وَ َلسْتُم بِآخِذِيهِ } لنّ الرّديء والخبيث ل يجوز أخذه في الفرض بحال ،ل مع تقدير الغماض
ول مع عدمه ،وإنّما يؤخذ مع عدم الغماض في النّفل .
ي :والظّاهر من قول براء ،والحسن ،وقتادة ،أنّ الية في التّطوّع ،ندبوا إليه
وقال القرطب ّ
أن ل يتطوّعوا إلّ بممتاز جيّد وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم في رجل علّق قنو حشف في
المسجد » :لو شاء ربّ هذه الصّدقة تصدّق بأطيب منها « .
وقال » :إنّ ربّ هذه الصّدقة يأكل الحشف يوم القيامة « .
التّصدّق بكلّ ماله :
ب أن تكون الصّدقة بفاضل عن كفايته ،وكفاية من يمونه ،وإن تصدّق بما ينقص
-يستح ّ 23
مؤنة من يمونه أثم .ومن أراد التّصرّف بماله كلّه ،وهو يعلم من نفسه حسن التّوكّل والصّبر
عن المسألة فله ذلك ،وإلّ فل يجوز .
ويكره لمن ل صبر له على الضّيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التّامّة .
وهذا ما صرّح به فقهاء الحنفيّة وقال المالكيّة :إنّ النسان ما دام صحيحا رشيدا له التّبرّع
بجميع ماله على كلّ من أحبّ .
قال في الرّسالة :ول بأس أن يتصدّق على الفقراء بماله كلّه للّه .
لكن قال النّفراويّ :محلّ ندب التّصدّق بجميع المال أن يكون المتصدّق طيّب النّفس بعد الصّدقة
ن ما يرجوه في المستقبل مماثل لما تصدّق به في
بجميع ماله ،ل يندم على البقاء بل مال .وأ ّ
الحال ،وأن ل يكون يحتاج إليه في المستقبل لنفسه ،أو لمن تلزمه نفقته ،أو يندب النفاق
عليه ،وإ ّل لم يندب له ذلك بل يحرم عليه إن تحقّق الحاجة لمن تلزمه نفقته ،أو يكره إن
تيقّن الحاجة لمن يندب النفاق عليه ،لنّ الفضل أن يتصدّق بما يفضل عن حاجته ومؤنته ،
ومؤنة من ينفق عليه .
ويقول ابن قدامة :الولى أن يتصدّق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدّوام لقوله
عليه الصلة والسلم » :خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً ،وابدأ بمن تعول « ولنّ نفقة
من يمونه واجبة والتّطوّع نافلة ،وتقديم النّفل على الفرض غير جائز .
فإن كان الرّجل ل عيال له ،فأراد الصّدقة بجميع ماله وكان ذا مكسب ،أو كان واثقا من نفسه
يحسن التّوكّل والصّبر على الفقر والتّعفّف عن المسألة فحسن ،وروي عن عمر -رضي ال
عنه -قال » :أمرنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن نتصدّق فوافق ذلك مالً عندي ،
فقلت :اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ،فجئت بنصف مالي ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم :ما أبقيت لهلك ؟ قلت :مثله .قال :وأتى أبو بكر بك ّل ما عنده فقال له رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم :ما أبقيت لهلك ؟ قال :أبقيت لهم اللّه ورسوله ،فقلت ل أسابقك إلى شيء
بعده أبدا « .
قال ابن قدامة :فهذا كان فضيلةً في حقّ أبي بكر الصّدّيق -رضي ال عنه -لقوّة يقينه ،
وكمال إيمانه ،وكان أيضا تاجرا ذا مكسب ،فإن لم يوجد في المتصدّق أحد هذين كره له
التّصدّق بجميع ماله .
ي صلى ال عليه وسلم » :يأتي أحدكم بما يملك ،ويقول هذه صدقة ،ثمّ يقعد
فقد قال النّب ّ
يستكفّ النّاس ،خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً « ،ولنّ النسان إذا أخرج جميع ماله ل
يأمن فتنة الفقر ،وشدّة نزاع النّفس إلى ما خرج منه فيندم ،فيذهب ماله ،ويبطل أجره ،
ويصير كلً على النّاس .
ن ما يحتاج إليه لعياله ودينه ل يجوز له أن
واتّفق قول الشّافعيّة مع سائر الفقهاء في :أ ّ
يتصدّق به ،وإن فضل عن ذلك شيء ،فهل يستحبّ أن يتصدّق بجميع الفاضل ؟ فيه عندهم
أوجه ،أصحّها :إن صبر على الضّيق فنعم ،وإلّ فل بل يكره ذلك ،قالوا :وعليه تحمل
الخبار المختلفة الظّاهر .
رابعا :ال ّنيّة :
-الصّدقة قربة ،لنّها تمليك بل عوض ،لجل ثواب الخرة ،فل بدّ فيها من النّيّة ،وقد 24
والشّافعيّة ،والحنابلة ،وإن كانت تصحّ ويثاب عليها في العلن ،قال اللّه تعالى { :إِن تُبْدُواْ
خفُوهَا وَ ُتؤْتُوهَا الْ ُفقَرَاء َف ُهوَ خَيْ ٌر ّل ُكمْ وَ ُيكَفّ ُر عَنكُم مّن سَيّئَا ِتكُمْ وَالّلهُ
الصّدَقَاتِ فَ ِن ِعمّا هِيَ َوإِن ُت ْ
ن خَبِيرٌ } .
ِبمَا َت ْعمَلُو َ
وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي ال عنه -مرفوعا » :سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم ل
ظلّ إلّ ظلّه « وذكر منهم » رجلً تصدّق أخفى حتّى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه « .
ولما روي أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :صنائع المعروف تقي مصارع السّوء ،
وصدقة السّ ّر تطفئ غضب الرّبّ ،وصلة الرّحم تزيد في العمر « .
ولنّ السرار بالتّطوّع يخلو عن الرّياء والمنّ ،وإعطاء الصّدقة سرّا يراد به رضا اللّه سبحانه
وتعالى وحده .
ونقل عن ابن عبّاس -رضي ال عنهما -قوله :صدقة السّرّ في التّطوّع أفضل من صدقة
العلنية بسبعين ضعفا .
ن الحال في الصّدقة يختلف بحال المعطي لها والمعطى إيّاها
ي :والتّحقيق فيه أ ّ
قال ابن العرب ّ
والنّاس الشّاهدين لها .
أمّا المعطي فله فائدة إظهار السّنّة وثواب القدوة ،وآفتها الرّياء ،والمنّ ،والذى .
ن السّرّ أسلم له من احتقار النّاس له ،أو نسبته إلى أنّه أخذها مع الغنى
وأمّا المعطى إيّاها فإ ّ
وترك التّعفّف .
وأمّا حال النّاس فالسّرّ عنهم أفضل من العلنية لهم ،من جهة أنّهم ربّما طعنوا على المعطي
ن هذا اليوم
لها بالرّياء ،وعلى الخذ لها بالستغناء ،ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصّدقة .لك ّ
قليل ويقول الخطيب :إن كان المتصدّق ممّن يقتدى به ،وأظهرها ليقتدى به من غير رياء ول
سمعة ،فهو أفضل .
ن إظهارها أفضل كصلة الفرض وسائر الفرائض .
أمّا صدقة الفرض فل خلف أ ّ
ترك المنّ والذى :
-يحرم المنّ والذى بالصّدقة ،ويبطل الثّواب بذلك ،فقد نهى اللّه تعالى عن المنّ والذى ، 26
ن وَالذَى
وجعلهما مبطلين للصّدقات حيث قال { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ تُ ْبطِلُواْ صَ َدقَا ِتكُم بِا ْلمَ ّ
كَالّذِي يُنفِقُ مَا َلهُ رِئَاء النّاسِ } .
وحثّ سبحانه وتعالى المنفقين في سبيل اللّه بعدم إتباع ما أنفقوا منّا ول أذىً فقال { :الّذِينَ
ن مَا أَن َفقُواُ مَنّا َولَ أَذىً ّل ُهمْ َأجْرُ ُه ْم عِندَ رَ ّب ِهمْ َولَ
ن َأمْوَا َل ُهمْ فِي سَبِيلِ الّل ِه ُثمّ لَ يُتْ ِبعُو َ
يُنفِقُو َ
خوْفٌ عَلَ ْي ِهمْ َولَ ُهمْ َيحْزَنُونَ } .
َ
ن المنّ والذى في الصّدقة حرام يبطل الثّواب .
ول خلف بين الفقهاء ،في أ ّ
قال القرطبيّ :عبّر تعالى عن عدم القبول وحرمان الثّواب بالبطال .
وقال الشّربينيّ :المنّ بالصّدقة حرام مبطل للجر للية السّابقة ،ولخبر مسلم » :ثلثة ل
يكلّمهم اللّه يوم القيامة ،ول ينظر إليهم ول يزكّيهم ،ولهم عذاب أليم .قال :فقرأها رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم ثلث مرار .قال أبو ذرّ :خابوا وخسروا ،من هم يا رسول اللّه ؟
قال :المسبل ،والمنّان ،والمنفق سلعته بالحلف الكاذب « .
وجعله البهوتيّ من الكبائر فقال :ويحرم المنّ بالصّدقة وغيرها ،وهو من الكبيرة ويبطل
الثّواب بذلك .
ن السّيّئات ل تبطل الحسنات ،
وهل تبطل المعصية الطّاعة ؟ فيه خلف .قال القرطبيّ :العقيدة أ ّ
ول تحبطها .فالمنّ والذى في صدقة ل يبطل صدق ًة أخرى
التّصدّق في المسجد :
-اختلف الفقهاء في حكم التّصدّق في المسجد ،وأكثرهم على جوازه مع الكراهة ،وبعضهم 27
الثّواب ،وقد حصل ،وإنّما الرّجوع يكون عند تمكّن الخلل فيما هو المقصود كما يقول
السّرخسيّ .
ي أو فقير في أن ل رجوع فيها ،كما صرّح به فقهاء
ويستوي أن تكون الصّدقة على غن ّ
الحنفيّة.
وعمّم المالكيّة الحكم فقالوا :كلّ ما يكون لثواب الخرة ل رجوع فيها ،ولو من والد لولده
لكنّهم قالوا :للوالد أن يعتصر ما وهبه لبنه وذلك بشروط تذكر في ( :هبة ) .
ونصوص الشّافعيّة والحنابلة تتّفق مع سائر الفقهاء في عدم صحّة رجوع المتصدّق في صدقته
أمّا الرّجوع في الهبة فتذكر أحكامها في مصطلح ( :هبة ) .
صدقة الفطر *
انظر :زكاة الفطر
صَدِيد *
التّعريف :
-في اللّغة :صديد الجرح :ماؤه الرّقيق المختلط بالدّم قبل أن يغلظ فإن غلظ سمّي مِدّةً 1
تستخبثه .
انتقاض الوضوء به :
-اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بخروج الصّديد من الجرح ،فعند المالكيّة والشّافعيّة : 4
ل ينتقض الوضوء بخروج الصّديد من الجرح ،لنّ النّجاسة الّتي تنقض الوضوء عندهم هي :
ما خرجت من السّبيلين فقط ،أمّا ما يخرج من غير ذلك فل ينقض الوضوء .
ي صلى ال عليه وسلم حرسا المسلمين في
واستدلّوا بما ورد » :أنّ رجلين من أصحاب النّب ّ
غزوة ذات الرّقاع ،فقام أحدهما يصلّي ،فرماه رجل من الكفّار بسهم فنزعه وصلّى ودمه
ي صلى ال عليه وسلم به ولم ينكره « .
يجري ،وعلم النّب ّ
وعند الحنفيّة :ينتقض الوضوء بخروج النّجس من الدميّ الحيّ ،سواء كان من السّبيلين أو
ي -رضي ال عنه -أنّه قال » :دخل رسول اللّه
من غير السّبيلين ،لحديث أبي أمامة الباهل ّ
صلى ال عليه وسلم على صفيّة فقرّبت له عرقا فأكل فأتى المؤذّن فقال :الوضوء الوضوء ،
فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّما علينا الوضوء فيما يخرج وليس علينا فيما يدخل
« ،علّق الحكم بكلّ ما يخرج ،أو بمطلق الخارج من غير اعتبار المخرج ،إلّ أنّ خروج الطّاهر
ليس بمراد فبقي خروج النّجس مرادا .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال { :من أصابه قيء ،
وعن عائشة -رضي ال عنها -أ ّ
أو رعاف ،أو قلس ،أو مذي ،فلينصرف فليتوضّأ ،ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل
يتكلّم « ،والحديث حجّة في وجوب الوضوء بخروج النّجس من غير السّبيلين .
وعنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش لمّا استحيضت » :توضّئي فإنّه دم
عرق انفجر « ،أمرها بالوضوء وعلّل بانفجار دم العرق ل بالمرور على المخرج ،وعن تميم
الدّاريّ عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :الوضوء من كلّ دم سائل « .
والخبار في هذا الباب وردت مورد الستفاضة ،حتّى ورد عن الصّحابة أنّهم قالوا مثل ذلك ،
ي ،وابن مسعود ،وابن عبّاس .
منهم عمر ،وعثمان ،وعل ّ
-5وعلى ذلك إن سال الصّديد على رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء لوجود الحدث وخروج
النّجس ،وهو انتقال النّجس من الباطن إلى الظّاهر ،لكنّه ل ينقض إلّ إذا سال وهذا عند أبي
حنيفة وصاحبيه ،فلو ظهر الصّديد على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثا ،لنّه إذا لم يسل
كان في محلّه إلّ أنّه كان مستترا بالجلدة ،وانشقاقها يوجب زوال السّترة ل زوال الصّديد عن
محلّه ،ول حكم للنّجس ما دام في محلّه ،فإذا سال عن رأس الجرح فقد انتقل عن محلّه فيعطى
له حكم النّجاسة .
ن الحدث الحقيقيّ عنده هو
وعند زفر :ينتقض الوضوء سواء سال عن محلّه أم لم يسل ،ل ّ
ي الحيّ ،وقد ظهر ،ولنّ ظهور النّجس اعتبر حدثا في السّبيلين ،
ظهور النّجس من الدم ّ
سال عن رأس المخرج أو لم يسل ،فكذا في غير السّبيلين .
-6والحنابلة كالحنفيّة في أنّ الصل انتقاض الوضوء بخروج النّجس من البدن ،سواء كان من
ن الّذي ينقض عندهم هو
السّبيلين أم من غير السّبيلين ،واستدلّوا بما استدلّ به الحنفيّة ،إلّ أ ّ
الكثير من ذلك دون اليسير ،قال القاضي :اليسير ل ينقض روايةً واحدةً وهو المشهور عن
الصّحابة -رضي ال عنهم ،قال ابن عبّاس في الدّم :إذا كان فاحشا فعليه العادة ،وابن أبي
أوفى بزق دما ثمّ قام فصلّى ،وابن عمر عصر بثرةً فخرج دم وصلّى ولم يتوضّأ ،قال أحمد :
عدّة من الصّحابة تكلّموا فيه .
وحدّ الكثير الّذي ينقض الوضوء في نصّ أحمد :هو ما فحش في نفس ك ّل أحد بحسبه ،واحتجّ
بقول ابن عبّاس :الفاحش ما فحش في قلبك ،قال الخلل :إنّه الّذي استقرّ عليه قوله ،قال
في الشّرح :لنّ اعتبار حال النسان بما يستفحشه غيره فيه حرج فيكون منفيّا ،وقال ابن
عقيل :إنّما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط النّاس ،ولو استخرج كثيره بقطنة نقض أيضا ،
لنّ الفرق بين ما خرج بنفسه أو بمعالجة ل أثر له في نقض الوضوء وعدمه ،وقد نقل عن
أحمد أنّه سئل :كم الكثير ؟ فقال :شبر في شبر ،وفي موضع قال :قدر الكفّ فاحش ،وفي
موضع قال :الّذي يوجب الوضوء من ذلك إذا كان مقدار ما يرفعه النسان بأصابعه الخمس من
القيح والصّديد والقيء فل بأس به ،فقيل له :إن كان مقدار عشرة أصابع ؟ فرآه كثيرا .
صلة من تنجّس ثوبه أو بدنه بالصّديد :
-من المقرّر أنّ من شروط الصّلة :طهارة الثّوب ،والبدن ،والمكان من النّجاسة ،فإذا 7
أصاب البدن أو الثّوب شيء من الصّديد فإنّه في الجملة يعفى عن اليسير وتجوز الصّلة به ،
لنّ النسان غالبا ل يسلم من مثل هذا ،ولنّه يشقّ التّحرّز منه ،وهذا باتّفاق الفقهاء .
-8لكنّهم اختلفوا في قدر اليسير المعفوّ عنه فهو عند الحنفيّة غير زفر قدر الدّرهم وما دونه ،
ن قليل النّجاسة وكثيرها سواء .
فإن زاد لم تجز الصّلة به ،وقال زفر :ل يعفى عنه ،ل ّ
وكذلك عند المالكيّة يعفى عمّا دون الدّرهم ،أمّا قدر الدّرهم فقد قيل :إنّه من الكثير وقيل :إنّه
من القليل .
ن النسان ل
وعند الشّافعيّة قيل :يعفى عن القليل والكثير على الرّاجح ما لم يكن بفعله ،ل ّ
يخلو منها غالبا ،فلو وجب الغسل في كلّ مرّة لشقّ عليه ذلك ،أمّا ما خرج منها بفعله فيعفى
عن قليله فقط ،وقيل :يعفى عن اليسير فقط ،وهو القدر الّذي يتعافاه النّاس في العادة ،وعند
الحنابلة :اليسير المعفوّ عنه هو الّذي لم ينقض الوضوء ،أي :ما ل يفحش في النّفس .
صَدِيق *
انظر :صداقة
صرافة *
انظر :صرف
صرَد *
ُ
انظر :أطعمة
صرَع *
َ
انظر :جنون
صرْف *
َ
التّعريف :
-الصّرف في اللّغة :يأتي بمعان ،منها :ر ّد الشّيء عن الوجه ،يقال :صرفه يصرفه 1
على غير منافع ،كما قال المالكيّة أو :هو معاوضة ماليّة تفيد ملك عين أو منفعة على التّأبيد ،
كما عرّفه الشّافعيّة ،أو :هو مبادلة المال بالمال تمليكا وتملّكا كما عرّفه الحنابلة .
وبهذا المعنى يشمل البيع الصّرف ،والسّلم ،والمقايضة ،والبيع المطلق .
فالصّرف قسم من البيع بهذا المعنى .
أمّا البيع بالمعنى الخصّ فهو في الجملة :عقد معاوضة على غير منافع ،أحد عوضيه غير
ذهب ول فضّة .
وبهذا المعنى يكون البيع قسيما للصّرف ،وبما أنّ هذا القسم أشهر أنواع البيوع سمّي بالبيع
المطلق
ب -الرّبا :
-الرّبا لغةً :الزّيادة ،وفي الصطلح عرّفه بعض الفقهاء بأنّه :فضل خال عن عوض 3
ي مشروط لحد المتعاقدين في المعاوضة ،والصّلة بينهما أنّ الصّرف إذا اختلّت
بمعيار شرع ّ
شروطه يدخله الرّبا .
ج -السّلم :
-السّلم هو :بيع شيء مؤجّل بثمن معجّل . 4
د -المقايضة :
-المقايضة هي :بيع العين بالعين ،أي :مبادلة مال بمال غير النّقدين . 5
افتراقهما .
قال ابن المنذر :أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنّ المتصارفين إذا افترقا قبل أن
يتقابضا ،أنّ الصّرف فاسد .
والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم » :الذّهب بالذّهب مثلً بمثل يدا بيد ،والفضّة
ل بمثل يدا بيد « .
بالفضّة مث ً
وقوله صلى ال عليه وسلم » :بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد « .
وقد نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن بيع الذّهب بالورق دينا ،ونهى أن يباع غائب بناجز ،
وقال صلى ال عليه وسلم » :الذّهب بالورق ربا إلّ هاء وهاء « .
-8والفتراق المانع من صحّة الصّرف هو افتراق العاقدين بأبدانهما عن مجلسهما ،فيأخذ هذا
في جهة ،وهذا في جهة أخرى ،أو يذهب أحدهما ويبقى الخر ،حتّى لو كانا في مجلسهما لم
يبرحا عنه لم يكونا مفترقين وإن طال مجلسهما ،لنعدام الفتراق بالبدان ،وكذا إذا قاما عن
صرّاف فتقابضا عنده ،ولم
مجلسهما فذهبا معا في جهة واحدة إلى منزل أحدهما أو إلى ال ّ
يفارق أحدهما صاحبه ،جاز عند جمهور الفقهاء ،لنّ المجلس هنا كمجلس الخيار ،كما حرّره
الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وذكر الحنفيّة صورا أخرى أيضا ل تعتبر افتراقا بالبدان ،فيصحّ
فيها الصّرف كما إذا نام العاقدان في المجلس ،أو أغمي عليهما أو على أحدهما أو نحو ذلك
ول ب ّد في التّقابض من القبض الحقيقيّ ،فل تكفي الحوالة وإن حصل القبض بها في المجلس .
-9وهذا الشّرط أي :التّقابض معتبر في جميع أنواع الصّرف ،سواء أكان بيع الجنس بجنسه،
كبيع الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة ،أو بغير جنسه كبيع الذّهب بالفضّة .
أمّا المالكيّة فقد منعوا التّأخير في الصّرف مطلقا ،وقالوا :يحرم صرف مؤخّر إن كان التّأخير
طويلً ،كما يحرم إن كان قريبا من كل العاقدين ،أو من أحدهما مع فرقة بدن .
ويمنع التّأخير عندهم ولو كان غلب ًة ،كأن يحول بينهما عدوّ أو سيل أو نحو ذلك .
وقال ابن جزيّ :إن تفرّقا قبل التّقابض غلبةً فقولن :البطال والتّصحيح أمّا التّأخير اليسير
بدون فرقة بدن ففيه قولن :مذهب المدوّنة كراهته ،ومذهب الموّازيّة والعتبيّة جوازه .
قال الدّردير :وأمّا دخول الصّيرفيّ حانوته لتقليب الدّراهم فقيل :بالكراهة ،وقيل :بالجواز .
وكذلك دخوله الحانوت ليخرج منه الدّراهم .
صرّاف دنانير بدراهم ،ويقول
وفي مواهب الجليل للحطّاب :سئل مالك عن الرّجل يصرف من ال ّ
له :اذهب بها فزنها عند الصّرّاف ،وأره وجوهها وهو قريب منه فقال :أمّا الشّيء القريب
فأرجو أن ل يكون به بأس ،وهو يشبه عندي ما لو قاما إليه جميعا .
ونقل عن ابن رشد :أستخفّ ذلك للضّرورة الدّاعية ،إذ غالب النّاس ل يميّزون النّقود ،ولنّ
ي صلى ال عليه
التّقابض قد حصل بينهما قبل ذلك .فلم يكونا بفعلهما هذا مخالفين لقول النّب ّ
وسلم » :الذّهب بالورق ربا إلّ هاء وهاء « ولو كان هذا المقدار ل يسامح فيه في الصّرف
ن حَرَجٍ } .
ن مِ ْ
ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّي ِ
لوقع النّاس بذلك في حرج شديد ،واللّه تعالى يقول َ { :ومَا َ
الوكالة بالقبض :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّه تصحّ الوكالة بالقبض في الصّرف ،فلو وكّل المتصارفان 10
من يقبض لهما ،أو وكّل أحدهما من يقبض له ،فتقابض الوكيلن ،أو تقابض أحد
المتصارفين ووكيل الخر قبل تفرّق الموكّلين ،أو قبل تفرّق الموكّل والعاقد الثّاني الّذي لم يوكّل
جاز العقد ،وصحّ القبض ،لنّ قبض الوكيل كقبض موكّله .
وإن افترق الموكّلن ،أو الموكّل والعاقد الثّاني قبل القبض ،بطل الصّرف ،افترق الوكيلن أو
ل فالمعتبر في الفتراق المخلّ للصّرف هو افتراق العاقدين ل الوكيلين فإذا عقد ووكّل غيره في
ح.
القبض ،وقبض الوكيل بحضرة موكّله في مجلس العقد ص ّ
وهذا عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند المالكيّة . -
والقول الثّاني عند المالكيّة وهو المشهور :أنّه إن وكّل غيره في القبض بطل الصّرف ،ولو
قبض بحضرة موكّله ،لنّه مظنّة التّأخير .
قبض بعض العوضين :
-إذا حصل التّقابض في بعض الثّمن دون بعضه وافترقا بطل الصّرف فيما لم يقبض باتّفاق 11
الفقهاء ،واختلفوا فيما حصل فيه التّقابض ،ولهم فيه اتّجاهان :
الوّل :صحّة العقد فيما قبض وبطلنه فيما لم يقبض .وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفيّة
والشّافعيّة ،وهو قول عند المالكيّة ووجه عند الحنابلة .
الثّاني :بطلن العقد في الكلّ ،وهو قول عند المالكيّة ووجه آخر عند الحنابلة .
وفيما يلي بعض المثلة والفروع الّتي ذكروها :
-أ -ذكر الحنفيّة أنّه :لو باع إناء فضّة ،وقبض بعض ثمنه ،وافترقا ،صحّ فيما قبض 12
والناء مشترك بينهما ،وبطل فيما لم يقبض ،سواء أباعه بفضّة أم بذهب ،لنّه صرف وهو
يبطل بالفتراق قبل القبض ،فيتقدّر الفساد بقدر ما لم يقبض ،ول يشيع لنّه طارئ .
ول يكون هذا تفريق الصّفقة أيضا ،لنّ التّفريق من جهة الشّرع باشتراط القبض ،ل من جهة
العاقد ،كما حرّره الزّيلعيّ .
وقال البابرتيّ في تعليله :تفريق الصّفقة قبل تمامها ل يجوز ،وهاهنا الصّفقة تامّة ،فل يكون
مانعا .
-ب -ذكر المالكيّة أنّه إن انعقد بينهما الصّرف على أن يتأخّر منه شيء فسخ ،وإن عقدا 13
على المناجزة ثمّ أخّر أحدهما عن صاحبه بشيء منه انتقض الصّرف فيما وقعت فيه النّظرة
باتّفاق .فإن كانت النّظرة في أقلّ من صرف دينار انتقض صرف دينار ،وإن كان أكثر من
صرف دينار انتقض صرف دينارين ،وإن كان في أكثر من دينارين انتقض صرف ثلثة
دنانير ،وهكذا أبدا ،وما وقع فيه التّناجز على اختلف كما ذكره الحطّاب .
ومثله ذكره ابن رشد الحفيد ،ثمّ قال :ومبنى الخلف في الصّفقة الواحدة يخالطها حرام
وحلل ،هل تبطل الصّفقة كلّها أو الحرام منها فقط ؟
-ج -وذكر الشّافعيّة أنّه لو اشترى دينارا بعشرة دراهم من فضّة ،وأقبض للبائع منها 14
خمسةً وتفرّقا بعد قبض الخمس فقط لم يبطل فيما قابلها .ويبطل في باقي المبيع .
ولو استقرض من البائع خمسةً غيرها في المجلس ،وأعادها له في المجلس جاز .بخلف ما
ن العقد يبطل فيهما على المعتمد .
لو استقرض منه تلك الخمسة فأعادها له ،فإ ّ
ي من الحنابلة أنّه إن قبض البعض في السّلم والصّرف ،ثمّ افترقا قبل
-د -وذكر البهوت ّ 15
تقابض الباقي بطل العقد فيما لم يقبض فقط لفوات شرطه .
وذكر ابن قدامة أنّه :لو صارف رجلً دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلّ خمسة دراهم لم يجز
أن يفترقا قبل قبض العشرة كلّها .فإن قبض الخمسة وافترقا بطل الصّرف في نصف الدّينار .
وهل يبطل في ما يقابل الخمسة المقبوضة ؟ على وجهين :بنا ًء على تفريق الصّفقة .
ثانيا :الخلوّ عن الخيار :
-يرى جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المذهب -أنّ الصّرف ل يصحّ مع 16
ن القبض في هذا
خيار الشّرط .فإن شرط الخيار فيه لكل العاقدين أو لحدهما فسد الصّرف ،ل ّ
صحّة والخيار يمنع انعقاد العقد في حقّ الحكم ،فيمنع
العقد شرط صحّة ،أو شرط بقائه على ال ّ
ي.
صحّة القبض كما قال الكاسان ّ
ح في الصّرف خيار الشّرط ،لنّه يمنع ثبوت الملك أو تمامه ،وذلك يخلّ
قال ابن الهمام ،ل يص ّ
بالقبض المشروط ،وهو القبض الّذي يحصل به التّعيين .
لكنّ الحنفيّة قالوا :إذا أسقط الخيار في المجلس يعود العقد إلى الجواز ،لرتفاعه قبل تقرّره
خلفا لزفر .
وقال الحنابلة :ل يبطل الصّرف بتخاير ،أي :باشتراط الخيار فيه كسائر الشّروط الفاسدة في
البيع ،فيصحّ العقد ويلزم بالتّفرّق .
وهذا كلّه في خيار الشّرط ،بخلف خيار الرّؤية والعيب ،فإنّه ل يمنع الملك فل يمنع تمام
ن العقد ينعقد
ن الحنفيّة قالوا :ل يتصوّر في النّقد وسائر الدّيون خيار رؤية ،ل ّ
القبض .إلّ أ ّ
على مثلها ل عينها ،حتّى لو باعه هذا الدّينار بهذه الدّراهم ،لصاحب الدّينار أن يدفع غيره .
وكذا لصاحب الدّراهم .
ثالثا :الخلوّ عن اشتراط الجل :
-اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّه ل يجوز في الصّرف إدخال الجل للعاقدين أو لحدهما 17
فإن اشترطاه لهما ،أو لحدهما فسد الصّرف ،لنّ قبض البدلين مستحقّ قبل الفتراق ،والجل
يفوّت القبض المستحقّ بالعقد شرعا ،فيفسد العقد .
وذكر الحنفيّة أنّه إن اشترط الجل ث ّم أبطل صاحب الجل أجله قبل الفتراق ،فنقد ما عليه ثمّ
افترقا عن تقابض ،ينقلب العقد جائزا عندهم ،خلفا لزفر .
رابعا :التّماثل :
ص بنوع خاصّ من الصّرف ،وهو بيع أحد النّقدين بجنسه .
-وهذا الشّرط خا ّ 18
فإذا بيع الذّهب بالذّهب ،أو الفضّة بالفضّة ،يجب فيه التّماثل في الوزن .وإن اختلفا في
الجودة ،والصّياغة ونحوهما .وهذا باتّفاق الفقهاء .وسواء أكانت الزّيادة من جنسه أم من
جنس آخر أو من غيرهما .
زاد الحنفيّة :ول اعتبار به عددا .والشّرط التّساوي في العلم ،ل بحسب نفس المر فقط ،فلو
لم يعلما التّساوي ،وكان في نفس المر متحقّقا لم يجز إلّ إذا ظهر في المجلس .
والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم » :ل تبيعوا الذّهب بالذّهب إلّ مثلً بمثل ول تبيعوا
ل بمثل ،ول تشفّوا بعضها على بعض ،ول تبيعوا منهما غائبا بناجز «
الفضّة بالفضّة إلّ مث ً
وسيأتي تفصيله في أنواع الصّرف .
أنواع الصّرف :
-من المثلة والصّور الّتي ذكرها الفقهاء في باب الصّرف والحكام الّتي تتعلّق بكلّ صورة، 19
وهي بين العين بمثلها عددا ،حيث قالوا :تجوز المبادلة في الذّهب والفضّة بمثلهما إن تساويا
عددا ووزنا ،وجازت الزّيادة في مبادلة القليل من أحد النّقدين بشروط :
أ -أن تقع تلك المعاقدة على وجه المبادلة دون البيع .
ب -أن تكون الدّراهم أو الدّنانير الّتي وقعت المبادلة فيها معدودةً ،أي :يتعامل بها عددا ل
وزنا .
ج -أن تكون الدّراهم أو الدّنانير المبدّلة قليلةً دون سبعة .
د -أن تكون الزّيادة في أحد البدلين في الوزن ل في العدد ،فل بدّ أن يكون واحدا بواحد ،ل
واحدا باثنين .
هـ – أن تكون الزّيادة في كلّ دينار أو درهم السّدس فأقلّ .
قال الصّاويّ :هذا الشّرط ذكره ابن شاس ،وابن الحاجب ،وابن جماعة لكن قال في العباب :
أكثر الشّيوخ ل يذكرون هذا الشّرط ،وقد جاء لفظ " السّدس " في المدوّنة ،وهو يحتمل للتّمثيل
والشّرطيّة .
ومثله ما ذكره الدّسوقيّ .
و -أن تقع على وجه المعروف ،أي :يقصد المعروف ،ل على وجه المبايعة والمغالبة .
قال الدّسوقيّ :ول ب ّد في جواز المبادلة من كون الدّراهم أو الدّنانير مسكوكةً .
سكّة أو ل يشترط ؟ قولن :والمعتمد عدم اشتراط اتّحادهما .
وهل يشترط اتّحاد ال ّ
وذكر بعضهم أنّ ما يتعامل به عددا من غير المسكوك حكمه حكم المسكوك .واعتمده الصّاويّ
-المسألة الثّانية : 24 .
المسافر تكون معه العين غير مسكوكة ،ول تروج معه في المحلّ الّذي يسافر إليه ،فيجوز له
سكّة وإن لزم عليه الزّيادة ،لنّ
دفعها للسّكّاك ليدفع له بدلها مسكوكا ،ويجوز له دفع أجرة ال ّ
الجرة زيادة ،وعلى كونها عرضا تفرض مع العين عينا .
وإنّما أجيزت للضّرورة ،لعدم تمكّن المسافر من السّفر عند تأخيره لضربها .
-المسألة الثّالثة : 25
الشّخص يكون معه الدّرهم الفضّة ،ويحتاج إلى نحو الغذاء ،فيجوز له أن يدفعه لنحو الزّيّات
ضةً ،حيث كان ذلك على وجه البيع ،أو عوض كراء
ويأخذ ببعضه طعاما ،وبالنّصف الخر ف ّ
بعد تمام العمل ،لوجوب تعجيل الجميع ،وكون المدفوع درهما فأق ّل ل أكثر ،وأن يكون
سكّة ،وأن
المأخوذ والمدفوع مسكوكين ،وأن يجري التّعامل بالمدفوع والمأخوذ ولو لم تتّحد ال ّ
يتّحدا في الرّواج ،وأن يتعجّل الدّرهم ومقابله من عين وما معها وهذا في المبادلة .
-أمّا المراطلة :وهي بيع عين بمثله أي :ذهب بذهب أو فضّة بفضّة وزنا بصنجة أو 26
ل.
كفّتين فيشترط فيها التّساوي ،ول تغتفر فيها الزّيادة ولو قلي ً
-وتجوز المراطلة عند المالكيّة إن كان أحد النّقدين كلّه أجود من جميع مقابله ،كدنانير 27
مغربيّة تراطل بدنانير مصريّة أو إسكندريّة ،والفرض أنّ المغربيّة أجود من المصريّة ،وهي
أجود من السكندريّة ،أو يكون بعضه أجود والبعض الخر مساو لجميع الخر في الجودة ،ل
أن يكون بعض أحدهما أدنى من الخر ،وبعضه أجود منه ،كسكندريّة ومغربيّة تراطل
بمصريّة ،فل يجوز لدوران الفضل بين الجانبين .
النّوع الثّاني :بيع أحد النّقدين بالخر :
-اتّفق الفقهاء على جواز بيع أحد النّقدين بالخر متفاضلً في الوزن والعدد ،أو متساويا ، 28
كما اتّفقوا على جواز بيع أحدهما بالخر جزافا ،بأن لم يعلم أحد العاقدين أو كلهما قدر ووزن
البدلين ،وذلك لعدم المجانسة ،وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :بيعوا الذّهب بالذّهب
كيف شئتم يدا بيد « .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد « .
لكن يشترط في هذا النّوع من الصّرف أيضا التّقابض في المجلس قبل الفتراق ،لحرمة ربا
النّساء في جميع أنواع الصّرف ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :الذّهب بالورق ربا إلّ هاء
وهاء « .
قال ابن الهمام :معنى قوله " :ربا " أي :حرام واستثنى حالة التّقابض من الحرام بحصر الحلّ
فيها ،فينتفي الحلّ في كلّ حالة غيرها ،فيدخل في عموم المستثنى حالة التّفاضل والتّساوي
والمجازفة ،فيحلّ كلّ ذلك .
وهذا هو النّوع الوحيد الّذي يسمّيه المالكيّة بالصّرف .
القسم الثّالث :بيع النّقد بالنّقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر :
-إذا باع نقدا بنقد غير جنسه ومع أحدهما أو كليهما متاع ،كأن باع ذهبا بفضّة وثوب ،أو 29
ح العقد،
سيفا محّلىً بذهب بفضّة ،أو بها ومعها متاع آخر ،وحصل التّقابض في المجلس ص ّ
ل أو متساويا ،لنّه من النّوع الثّاني في الحقيقة ،لختلف الجنسين ،
مجازف ًة كان أو متفاض ً
فيجوز فيه التّفاضل والمجازفة بشرط التّقابض في المجلس قبل الفتراق .
-أمّا إذا باع نقدا مع غيره بنقد من جنسه ،كفضّة بفضّة ومعها شيء ،كدرهمين بدرهم 30
ومدّ عجوة ،أو كسيف محّلىً بالذّهب أو فضّة بثمن جنسه فقد اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّه ل يجوز بيع نقد بجنسه ومع أحدهما أو كليهما
شيء آخر ،فل يجوز بيع مدّ ودرهم بدرهمين ،أو بيع درهم وثوب .كما ل يجوز بيع شيء
محّلىً بذهب أو فضّة كسيف أو مصحف بجنس حليته .
وهذه المسألة معروفة بمسألة " :م ّد عجوة " .
واستدلّوا بما رواه فضالة بن عبيد قال » :أتي النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو بخيبر بقلدة
فيها خرز وذهب وهو من الغنائم تباع ،فأمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالذّهب الّذي في
القلدة فنزع وحده ،ثمّ قال لهم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :الذّهب بالذّهب وزنا بوزن
ي صلى ال عليه وسلم » :ل حتّى تميّز بينهما « .
« ،وفي رواية قال النّب ّ
ن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما
واستدلّوا من جهة المعنى بأ ّ
على الخر على قدر قيمة الخر في نفسه ،فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض
فيؤدّي ذلك إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة .
وقال الحنفيّة ،وهو رواية عند الحنابلة ،يجوز بيع نقد مع غيره بنقد من جنسه بشرط أن يزيد
الثّمن -أي النّقد المفرد -على النّقد المضموم إليه .وإلّ بأن تساوى النّقدان ،أو كان النّقد
المفرد أقلّ بطل البيع ،لتحقّق التّفاضل المحرّم .وكذا إذا لم يدر الحال ،لحتمال المفاضلة
والرّبا.
فمن باع سيفا محّلىً بثمن أكثر من الحلية ،وكان الثّمن من جنس الحلية جاز ،وذلك لمقابلة
ض ًة .
الحلية بمثلها ذهبا كانت أم ف ّ
صحّة لم يحمل على الفساد .
والزّيادة بالنّصل والحمائل والجفن .والعقد إذا أمكن حمله على ال ّ
وإن باعه بأقلّ من قدر الحلية أو مثله ل يجوز ،لنّه ربا .ولنّه قبض قدر الحلية قبل
الفتراق ،لنّه صرف ،فل بدّ من قبض البدلين في المجلس .
ولو اشتراه بعشرين درهما ،والحلية عشرة دراهم فقبض منها عشرةً فهي في حصّة الحلية
صحّة .
ل لتصرّفه على ال ّ
وإن لم يعيّنها ،حم ً
صحّة ،وقد يراد بالثنين أحدهما ،كقوله تعالى :
وكذا إذا قال خذها من ثمنهما ،لنّ قصده ال ّ
{ َيخْ ُرجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْلؤُ وَا ْلمَ ْرجَانُ } .
فإن افترقا ل عن قبض بطل البيع فيهما إن كانت الحلية ل تتخلّص إلّ بضرر كجذع في سقف ،
وإن كانت تتخلّص بغير ضرر جاز في السّيف وبطل في الحلية .
ضةً بفضّة أو ذهبا بذهب وأحدهما أقلّ ومع
-ومن هذا الباب ما ذكر الحنفيّة أنّه لو تبايعا ف ّ 31
أقلّهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الذّهب فإنّه يجوز من غير كراهة ،وإن لم تبلغ فيجوز مع
الكراهة .
أمّا إذا لم يكن له قيمة كالتّراب فل يجوز البيع لتحقّق الرّبا ،إذ الزّيادة ل يقابلها عوض .
ن في بيعه بصنفه بيع ذهب وعرض
-أمّا المالكيّة فالصل عندهم في بيع المحلّى المنع ،ل ّ 32
بذهب ،أو بيع فضّة وعرض بفضّة لكن رخّص فيه للضّرورة بشروط ثلثة وهي :
-أن تكون تحليته مباحا ،كسيف ومصحف . 1
-وأن تكون الحلية قد سمّرت على المحلّى بأن يكون في نزعها فساد أو غرم دراهم . 2
-وأن تكون الحلية قدر الثّلث فأقلّ ،لنّه تبع ،وهل يعتبر الثّلث بالقيمة أو بالوزن ؟ خلف . 3
باع جملةً من الدّراهم والدّنانير بدراهم أو بدنانير ،أو بجملة من الدّراهم والدّنانير بطل العقد .
واعتبر الشّافعيّة والحنابلة هذه المسألة فرع مسألة " :مدّ عجوة " ،وقالوا في علّة بطلنه إنّ
اشتمال أحد طرفي العقد أو كليهما على مالين مختلفين توزيع ما في الخر عليهما اعتبارا
بالقيمة ،وهذا يؤدّي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة كما تقدّم .والجهل بالمماثلة حقيقة
ن التّوزيع هو مقتضى العقد ،كما في بيع شقص مشفوع
المفاضلة في باب الرّبا قالوا :إ ّ
وسيف بألف .وقيمة الشّقص مائة والسّيف خمسون ،فإنّ الشّفيع يأخذ الشّقص بثلثي القيمة ،
ولول التّوزيع لما صحّ ذلك .
ن العقد إذا كان له مقتضىً حمل
ي :ول يترك التّوزيع وإن أدّى إلى بطلن البيع ،فإ ّ
قال السّبك ّ
عليه ،سواء أدّى إلى فساد العقد أو إلى صلحه ،كما إذا باع درهما بدرهمين ،ولمّا كان
ن أحد
مقتضى العقد مقابلة جميع الثّمن للثّمن حمل عليه وإن أدّى إلى فساده ،ولم يحمل على أ ّ
ح العقد .
الدّرهمين هبة والخر ثمن ليص ّ
وصرّح المالكيّة بعدم جواز صرف ذهب وفضّة من جانب بمثلهما من جانب آخر .فقالوا :ل
يجوز أن يباع دينار ودرهم بدينار ودرهم ،لعدم تحقّق المماثلة باحتمال رغبة أحدهما في دينار
الخر ،فيقابله بديناره وبعض درهمه ،ويصير باقي درهمه في مقابلة درهم الخر .قالوا :إنّ
قاعدة المذهب سدّ الذّرائع فالفضل المتوهّم كالمحقّق ،وتوهّم الرّبا كتحقّقه ،فل يجوز أن يكون
مع أحد النّقدين أو مع كلّ منهما غير نوعه .
-وقال الحنفيّة عدا زفر ،صحّ بيع درهمين ودينار بدرهم ودينارين ،ويجعل كلّ جنس 34
مقابلً بخلف جنسه ،فيكون في الحقيقة بيع درهمين بدينارين ،وبيع درهم بدينار ،وهما
ح العقد .
جنسان مختلفان ،ول يشترط التّساوي فيهما ،فيص ّ
وقالوا في توجيه صحّة هذا العقد إنّ في صرف الجنس إلى خلفه تصحيح العقد ،وإلى جنسه
ن العقد يقتضي
صحّة أولى ،ول ّ
فساده ،ول معارضة بين الفاسد والصّحيح ،فحمل العقد على ال ّ
مطلق المقابلة من غير أن يتعرّض لمقيّد ،ل مقابلة الكلّ بالكلّ بطريق الشّيوع ،ول مقابلة
الفرد من جنسه ول من خلف جنسه فيحمل على المقيّد المصحّح عند تعذّر العمل بالطلق .
ن المقابلة المطلقة تحمل الفرد بالفرد ،كما في مقابلة الجنس بالجنس وإنّه
قال في الهداية :إ ّ
طريق متعيّن لتصحيحه ،فيحمل عليه تصحيحا لتصرّفه .
ي في توجيهه :إنّهما قصدا الصّلة ظاهرا ،فيحمل عليه تحقيقا لقصدهما ودفعا
وقال الموصل ّ
لحاجتهما .
-ونظير هذه المسألة ما إذا باع أحد عشر بعشرة دراهم ودينار فيجوز عند الحنفيّة وتكون 35
العشرة بمثلها ،والدّينار بالدّرهم ،لنّ شرط البيع في الدّراهم التّماثل وهو موجود ظاهرا ،إذ
الظّاهر من حال البائع إرادة هذا النّوع من المقابلة حملً على الصّلح ،وهو القدام على العقد
الجائز دون الفاسد ،فبقي الدّرهم بالدّينار ،وهو جائز أيضا ،لنّهما جنسان ،ول يعتبر
التّساوي بينهما .
النّوع الخامس :الصّرف على ال ّذمّة أو في ال ّذمّة :
لهذا النّوع من الصّرف عدّة صور :
-الولى :أن تشتري من رجل دراهم بدينار في مجلس ،ثمّ استقرضت أنت دينارا من رجل 36
آخر إلى جانبك ،واستقرض هو الدّراهم من رجل إلى جانبه ،فدفعت إليه الدّينار وقبضت
الدّراهم .
ح الصّرف إذا تقابضا في المجلس لنّ
فذهب الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،إلى أنّه :ص ّ
القبض في المجلس يجري مجرى القبض عند العقد .
ح الصّرف عندهم إذا كان نقد أحدهما حاضرا واستقرض الخر .
وكذلك يص ّ
وقال المالكيّة :إن تسلّفا فالعقد فاسد ،لنّ تسلّفهما مظنّة الطّول المخلّ بالتّقابض ،وإن تسلّف
أحدهما وطال فكذلك ،وإن لم يطل جاز عند ابن القاسم ،ولم يجزه أشهب .
قال الحطّاب :ولقّبت المسألة بالصّرف على ال ّذمّة .
-الصّورة الثّانية :أن يكون لرجل في ذمّة رجل ذهب وللخر عليه دراهم مثلً ،فاصطرفا 37
فإذا كان لرجل على آخر عشرة دراهم دين ،فباعه الّذي عليه العشرة دينارا بالعشرة الّتي
عليه ،ودفع الدّينار إليه فهو جائز .
وتقع المقاصّة بين العشرتين بنفس العقد ،ول تحتاج إلى موافقة أخرى .
ووجه الجواز أنّه جعل ثمنه دراهم ل يجب قبضها ،ول تعيّنها بالقبض ،لنّ التّعيين للحتراز
عن الرّبا ،أي :ربا النّسيئة ،ول ربا في دين سقط ،وإنّما الرّبا في دين يقع الخطر في
عاقبته.
أمّا إذا باع المدين الدّينار بعشرة مطلقة أي :بغير ذكر " دين عليه " ودفع البائع الدّينار
للمشتري فيصحّ ذلك إذا توافقا على مقاصّة العشرة بالعشرة استحسانا عند الحنفيّة .
والقياس أنّه ل يجوز ،وهو قول زفر ،لكونه تصرّفا في بدل الصّرف قبل قبضه ،ووجه
الستحسان أنّه بالتّقابض انفسخ العقد الوّل وانعقد صرف آخر مضاف إلى الدّين .
هذا ،وقد صرّح الحنفيّة بأنّه إذا كان الدّينان من جنسين أو متفاوتين في الوصف أو مؤجّلين أو
أحدهما حا ًل والخر مؤجّلً أو أحدهما غّل ًة والخر صحيحا فل تقع المقاصّة إلّ إذا تقاصّا أي :
اتّفقا على المقاصّة ،كما نقله ابن عابدين عن الذّخيرة .وإذا اختلف الجنس وتقاصّا ،كما لو
كان له عليه مائة درهم وللمديون مائة دينار عليه تصير الدّراهم قصاصا بمائة من قيمة
الدّنانير ،ويبقى لصاحب الدّنانير على صاحب الدّراهم ما بقي منها .
-أمّا المالكيّة فقد فصّلوا في الموضوع وقالوا :إن وقع صرف دين بدين فإن تأجّل الدّينان 39
عليهما ،بأن كان لحدهما على الخر دنانير مؤجّلة وللخر عليه دراهم كذلك ،سواء اتّفق
الجلن أم اختلفا ،وتصارفا قبل حلولهما بأن أسقط كلّ واحد منهما ما له على الخر في نظير
إسقاط الخر ما له عليه فإنّه ل يجوز لنّه يكون من بيع الدّين كما قال ابن رشد .
كذلك ل يجوز إن تأجّل من أحدهما وحلّ الخر .قال البيّ في وجه عدم الجواز :إنّ الحقّ في
أجل دين النّقد للمدين وحده ،وليس للدّائن أخذه قبل أجله بغير رضا المدين .فإن تأجّل فقد
اشترى كلّ منهما ما عليه على أن ل يستحقّه حتّى يحلّ أجله ،فيقضيه من نفسه فقد تأخّر قبض
كلّ منهما ما اشتراه بالصّرف عن عقده بمدّة الجل ،وإن تأجّل من أحدهما فقد اشترى المدين
ي أجله ،فيقضيه من نفسه ،فقد
ق قبضه إلّ بعد مض ّ
المؤجّل ما هو عليه على أنّه ل يستح ّ
تأخّر قبضه عن صرفه بمدّة الجل .
هذا في الصّرف الّذي يكون عندهم بين دينين من نوعين ذهب وفضّة .ونظيره ما قالوه في
المقاصّة الّتي تكون بين دينين متّحدي النّوع والصّنف وتفصيل أحكام المقاصّة في مصطلحها .
-الصّورة الثّالثة :اقتضاء أحد النّقدين من الخر ،بأن كان لك على آخر دراهم فتأخذ منه 40
دنانير ،أو كانت عليه دنانير فتأخذ منه دراهم بسعر يومها .
وهذا جائز عند الحنفيّة والحنابلة ،وهو مذهب الشّافعيّة في الجديد ،بشرط قبض البدل في
المجلس .
وذلك لحديث ابن عمر -رضي ال عنهما -قال » :أتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم في بيت
حفصة ،فقلت يا رسول اللّه رويدك أسألك ،إنّي أبيع البل بالبقيع ،فأبيع بالدّنانير وآخذ
الدّراهم ،وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ،وآخذ هذه من هذه ،وأعطي هذه من هذه ،فقال رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم :ل بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء « .
وهذا يدلّ على جواز الستبدال عن الثّمن الثّابت في ال ّذمّة .
ل.
قال ابن قدامة :وتوقّف أحمد فيما إن كان المقضيّ في ال ّذمّة مؤجّ ً
ي لنّ
وقال القاضي وهذا يحتمل وجهين :أحدهما المنع ،وهو قول مالك ومشهور قولي الشّافع ّ
ما في ال ّذمّة ل يستحقّ قبضه ،فكان القبض ناجزا في أحدهما ،والنّاجز يأخذ قسطا من الثّمن .
والخر الجواز وهو قول أبي حنيفة ،لنّه ثابت في ال ّذمّة بمنزلة المقبوض ،فكأنّه رضي
بتعجيل المؤجّل .
ل لجل تأجيل
قال ابن قدامة :والصّحيح الجواز إذا قضاه بسعر يومها ،ولم يجعل للمقضيّ فض ً
ما في ال ّذمّة .
النّوع السّادس :صرف الدّراهم والدّنانير المغشوشة :
-اتّفق الفقهاء في الجملة على جواز المعاملة بالدّراهم والدّنانير المغشوشة إن راجت نظرا 41
للعرف ،أمّا إذا بيعت بعضها ببعض مصارف ًة فقد فصّلوا صورها وأحكامها على النّحو التّالي :
ن ما غلب ذهبه أو فضّته حكمهما حكم الذّهب والفضّة الخالصين ،وذلك لنّ
قال الحنفيّة :إ ّ
النّقود ل تخلو عن قليل غشّ للنطباع ،فل يصحّ بيع الخالص به ،ول بيع بعضه ببعض إلّ
متساويا وزنا .
ح بيعه بالخالص إن كان
وما غلب عليه الغشّ منهما ففي حكم العروض اعتبارا للغالب ،فص ّ
الخالص أكثر ممّا في المغشوش ،ليكون قدره بمثله والزّائد بالغشّ .ويجوز كذلك صرفه
ضةً كلّ واحد منهما إلى
بجنسه متفاضلً وزنا وعددا بصرف الجنس لخلفه ،أي :بأن يصرف ف ّ
ش الخر ،وذلك بشرط التّقابض قبل الفتراق ،لنّه صرف في البعض لوجود الفضّة أو
غ ّ
الذّهب من الجانبين ،ويشترط في -الغشّ أيضا ، -لنّه ل تمييز إلّ بضرر .
وإن كان الخالص مثل المغشوش ،أو أق ّل منه ،أو ل يدرى فل يصحّ البيع للرّبا في الوّلين ،
ولحتماله في الثّالث ،وللشّبهة في الرّبا حكم الحقيقة .
وهذا النّوع ،أي :الغالب الغشّ ل يتعيّن بالتّعيين إن راج ،لثمنيّته حينئذ ،لنّه بالصطلح
صار أثمانا ،فما دام ذلك الصطلح موجودا ل تبطل الثّمنيّة .وإن لم يرج تعيّن بالتّعيين
كالسّلعة ،لنّها في الصل سلعة وإنّما صارت أثمانا بالصطلح ،فإذا تركوا المعاملة بها رجعت
ح المبايعة والستقراض بما يروج من الغالب الغشّ وزنا وعددا ،أو
إلى أصلها .قالوا :وص ّ
بهما عملً بالعرف .أمّا المتساوي غشّه وفضّته ،أو ذهبه فكغالب الفضّة أو الذّهب في التّبايع
والستقراض ،فلم يجز إلّ الوزن بمنزلة الدّراهم الرّديئة إ ّل إذا أشار إليهما ،فيكون بيانا لقدرها
ووصفها .
أمّا في الصّرف فحكم متساوي الغشّ والفضّة أو الذّهب حكم ما غلب غشّه فيصحّ بيعه بجنسه
بصرف الجنس إلى خلف جنسه ،أي :بأن يصرف ما في كلّ منهما من الغشّ إلى ما في الخر
من الفضّة .
ل عن الخانيّة :إن
قال ابن عابدين :وظاهره جواز التّفاضل -هنا أيضا -لكن قال الزّيلعيّ نق ً
ض ًة ل يجوز التّفاضل ،وظاهره أنّه أراد به فيما إذا بيعت بجنسها .
كان نصفها صفرا ونصفها ف ّ
ق الصّرف احتياطا .
ن كلّها فضّة في ح ّ
ووجهه أنّ فضّتها لمّا لم تصر مغلوبةً جعلت كأ ّ
-وذهب المالكيّة :إلى جواز بيع نقد مغشوش ،كدنانير فيها فضّة أو نحاس ،أو دراهم 42
فيها نحاس بمغشوش مثله مراطلةً أو مبادل ًة .قال الحطّاب :ظاهره ولو لم يتساو غشّهما ،
وهو ظاهر كلم ابن رشد .وجاز بيع نقد مغشوش بخالص من الغشّ على القول الرّاجح من
كلم المدوّنة وغيرها .
والظهر عند ابن رشد خلفه ،أي :منع بيع النّقد المغشوش بالنّقد الخالص من الغشّ ،ونقل
البيّ عن التّوضيح بعد ذكر الخلف :أنّهم إنّما تكلّموا في المغشوش الّذي ل يجري بين النّاس
.ويؤخذ من كلمهم جواز بيع المغشوش بصنفه الخالص إذا كان يجري بين النّاس .
ش به بأن يدّخره
ويشترط لجواز بيع المغشوش :أن يباع لمن يكسره ليصيّغه حليّا ،أو ل يغ ّ
لعاقبة مثلً .
ويكره بيعه لمن ل يؤمن غشّه به :كالصّيارفة ،وفسخ بيعه ممّن يعلم أنّه يغشّ به إن كان
قائما وقدّر عليه إلّ أن يفوت المغشوش .
ل كان أم كثيرا ،لنّه
-أمّا الشّافعيّة فقالوا :الغشّ المخالط في الموزون ممنوع مطلقا ،قلي ً 43
يظهر في الوزن ويمنع التّماثل .فل تباع فضّة خالصة بمغشوشة ،ول فضّة مغشوشة بفضّة
مغشوشة .
ي :ل يجوز بيع الخالصة بالمغشوشة ،وإن ق ّل الغشّ ،سواء أكان الغشّ ممّا قيمته
قال السّبك ّ
ش ممّا قيمته باقية فبيع الخالصة
باقية أم ل ،ل خلف بين الصحاب في ذلك ،لنّه إن كان الغ ّ
بالمغشوشة هو بيع فضّة بفضّة وشيء ،فصار كمسألة " مدّ عجوة " .
ولنّ الفضّة هي المقصودة ،وهي مجهولة غير متميّزة ،فأشبه بيع تراب الصّاغة واللّبن
المشوب بالماء .
وأمّا المغشوشة بغشّ ل قيمة له باقية فللجهل بالمماثلة ،أو تحقّق المفاضلة ،فل يجوز بيعها
بالخالصة ،ول بالمغشوشة مثلها .
ي عن صاحب التّحفة في المغشوشة :أنّه يكره أخذها وإمساكها إذا كان النّقد الّذي
ونقل السّبك ّ
ن ذلك يتضمّن تغرير النّاس فلو كان جنس النّقد مغشوشا فل كراهة .
في أيدي النّاس خالصا ،ل ّ
ل مستهلكا بحيث ل يأخذ حظّا من
قال السّبكيّ :وأفاد الرّويانيّ -أيضا -أنّ الغشّ لو كان قلي ً
الورق فل تأثير له في إبطال البيع ،لنّ وجوده كعدمه .وقد قيل :يتعذّر طبع الفضّة إذا لم
يخالطها خلط من جوهر آخر ..قلت :وذلك صحيح ،وقد بلغني أنّ بعض البلد في هذا الزّمان
-زمان السّبكيّ -ضربت الفضّة خالص ًة فتشقّقت ،فجعل فيها في كلّ ألف درهم مثقالً من
ذهب فانصلحت ،لكنّ مثل هذا إذا بيع ل يظهر في الميزان ما معه من الغشّ .
وك ّل ما ذكر في الفضّة يأتي في الذّهب حرفا بحرف .
-وفصّل الحنابلة في بيع الثمان المغشوشة بمثلها بين ما يكون الغشّ فيه متساويا ومعلوم 44
المقدار وما يكون الغشّ فيه غير متساو أو غير معلوم المقدار فقالوا بجواز بيع المغشوش
بمثله في الوّل وعدم جوازه في الثّاني .
قال البهوتيّ :الثمان المغشوشة إذا بيعت بغيرها ،أي :بأثمان خالصة من جنسها لم يجز ،
للعلم بالتّفاضل ،وإن باع دينارا أو درهما مغشوشا بمثله ،والغشّ في الثّمن والمثمّن متفاوت ،
أو غير معلوم المقدار لم يجز ،لنّ الجهل بالتّساوي كالعلم بالتّفاضل .
وإن علم التّساوي في الذّهب الّذي في الدّينار ،وعلم تساوي الغشّ الّذي فيهما جاز بيع أحدهما
بالخر ،لتماثلهما في المقصود وهو الذّهب ،وفي غيره ،أي :الغشّ وليست من مسألة " مدّ
عجوة " ،لكون الغشّ غير مقصود ،فكأنّه ل قيمة له كالملح في الخبز .
ن النّقود تتعيّن بالتّعيين في العقود فيثبت الملك في أعيانها ،
والمشهور في مذهب الحنابلة :أ ّ
فعلى هذا إذا تبايعا ذهبا بفضّة فوجد أحدهما بما قبضه غشّا من غير جنس المبيع مثل :أن يجد
الدّراهم رصاصا ،أو نحاسا ،أو فيها شيء من ذلك فالصّرف باطل ،لنّه باعه غير ما سمّى
له .وإذا كان العيب من جنسه مثل :كون الفضّة سوداء ،أو خشنةً ،أو سكّتها غير سكّة
السّلطان فالعقد صحيح ،والمشتري مخيّر بين المساك وبين فسخ العقد .
النّوع السّابع :الصّرف بالفلوس :
-الفلوس هي النّحاس ،أو الحديد المضروب الّذي يتعامل بها .فهي المسكوك من غير 45
الجامع وابن عقيل والشّيرازيّ وصاحب المستوعب وغيرهم إلى :أنّه ل ربا في فلوس يتعامل
بها عددا ولو كانت نافقةً ،لخروجها عن الكيل والوزن ،وعدم ال ّنصّ والجماع في ذلك كما قال
البهوتيّ ،ولنّ علّة حرمة الرّبا في الذّهب والفضّة الثّمنيّة الغالبة الّتي يعبّر عنها -أيضا -
بجوهريّة الثمان ،وهي منتفية عن الفلوس وإن راجت ،كما قال الشّافعيّة .
واعتبر الشّافعيّة الفلوس من العروض وإن كانت نافقةً .ووجّهه الحنفيّة :بأنّ علّة الرّبا هي
القدر مع الجنس ،وهو الكيل أو الوزن المتّفق عند اتّحاد الجنس والمجانسة وإن وجدت هاهنا
ن الفلوس تباع بالعدد ،وهذا إذا وقع البيع بأعيانها .
فلم يوجد القدر ل ّ
وعلى ذلك فيجوز بيع الفلوس بعضها ببعض متفاضلً ،كما يجوز بيع بيضة ببيضتين ،وجوزة
بجوزتين ،وسكّين بسكّينين ،ونحو ذلك إذا كان يدا بيد .
هذا ،وقد فصّل الحنفيّة في الموضوع فقالوا :يجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما عند أبي
حنيفة وأبي يوسف إذا لم يكن كلهما أو أحدهما دينا ،لنّ الثّمنيّة في حقّهما تثبت
باصطلحهما ،إذ ل ولية للغير عليها ،فتبطل باصطلحهما ،وإذا بطلت الثّمنيّة تتعيّن
بالتّعيين ،ول يعود وزنيّا لبقاء الصطلح على العدّ .
وقال محمّد :ل يجوز لنّ الثّمنيّة تثبت باصطلح الكلّ فل تبطل باصطلحهما ،وإذا بقيت أثمانا
ل تتعيّن ،فصار كما إذا كانا بغير أعيانهما كبيع الدّرهم بالدّرهمين .
قال ابن الهمام :صور بيع الفلس بجنسه أربع :
الولى :أن يبيع فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما فل يجوز ،لنّ الفلوس الرّائجة أمثال
متساوية -قطعا -لصطلح النّاس على سقوط قيمة الجودة منها ،فيكون أحدهما فضلً خاليا
مشروطا في العقد وهو الرّبا .
الثّانية :أن يبيع فلسا بعينه بفلسين بغير عينهما فل يجوز -أيضا -وإلّ أمسك البائع الفلس
المعيّن وقبضه بعينه منه مع فلس آخر ،لستحقاقه فلسين في ذمّته ،فيرجع إليه عين ماله ،
ويبقى الفلس الخر خاليا عن العوض .
الثّالثة :أن يبيع فلسين بأعيانهما بفلس بغير عينه فل يجوز كذلك ،لنّه لو جاز لقبض
المشتري الفلسين ،ودفع إليه أحدهما مكان ما استوجب عليه ،فيبقى الخر فضلً بل عوض
ق بعقد البيع ،وهذا إذا رضي بتسليم المبيع قبل قبض الثّمن .
استح ّ
الرّابعة :أن يبيع فلسا بعينه بفلسين بعينهما ،فيجوز خلفا لمحمّد .
التّجاه الثّاني :
-ذهب المالكيّة في الرّاجح عندهم -وهو رواية عند الحنابلة ،جزم بها أبو الخطّاب في 47
خلفه ،وهو قول محمّد من الحنفيّة -إلى :أنّه ل يجوز بيع الفلوس بعضها ببعض متفاضلً
ول نسا ًء ،ول بيعها بالذّهب أو الفضّة نسا ًء .
ففي المدوّنة :أرأيت إن اشتريت خاتم فضّة أو ذهب أو تبر ذهب بفلوس فافترقنا قبل أن
نتقابض؟ قال :ل يجوز لنّ مالكا قال :ل يجوز فلس بفلسين ول تجوز الفلوس بالذّهب
والفضّة ول بالدّنانير نظر ًة .
ونقل ابن وهب عن يحيى بن سعيد وربيعة أنّهما كرها الفلوس بالفلوس بينهما فضل أو نظرة ،
وقال :إنّها صارت س ّكةً مثل سكّة الدّنانير والدّراهم وحمل بعضهم الكراهة على التّحريم .
ن الفلوس أثمان فل يجوز بيعها بجنسها
واستدلّ الحنفيّة لقول محمّد بعدم الجواز -أيضا -بأ ّ
متفاضلً ،كالدّراهم والدّنانير ،ودللة الوصف عبارة عمّا تقدّر به ماليّة العيان ،وماليّة
العيان كما تقدّر بالدّراهم والدّنانير تقدّر بالفلوس -أيضا -فكانت أثمانا ،والثّمن ل يتعيّن
بالتّعيين عند الحنفيّة فالتحق التّعيين فيهما بالعدم .فل يجوز بيع فلس بفلسين بأعيانهما ،كما
ل يجوز بغير أعيانهما .ولنّها إذا كانت أثمانا فالواحد يقابل الواحد ،فبقي الخر فضل مال ل
ي.
يقابله عوض في عقد المعاوضة ،وهذا تفسير الرّبا ،كما حرّره الكاسان ّ
وقال ابن تيميّة :الظهر المنع من ذلك ،فإنّ الفلوس النّافقة يغلب عليها حكم الثمان ،وتجعل
معيارا لموال النّاس .ولهذا ينبغي للسّلطان أن يضرب لهم فلوسا تكون بقيمة العدل في
معاملتهم من غير ظلم لهم .
هذا ،وتفصيل التّعامل بالفلوس وأحكامها في مصطلح ( :فلوس ) .
ظهور عيب أو نقص في بدل الصّرف :
ن الصّرف ل يقبل خيار الشّرط لنّ الخيار يمنع ثبوت الملك أو تمامه،
-لقد سبق القول :بأ ّ 48
والدّنانير تتعيّن بالتّعيين بمعنى أنّه يثبت الملك بالعقد فيما عيّناه ،ويتعيّن عوضا فيه ،فل يجوز
استبداله كما في سائر العواض ،وإن خرج مغصوبا بطل العقد ،وهذا لنّ الدّراهم والدّنانير
عوض في عقد فيتعيّن بالتّعيين كسائر العواض ،ولنّ للمتبايعين غرضا في التّعيين ،فل بدّ
أن يكون له أثر ،ولهذا لو اشترى ذهبا بورق بعينهما فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا من جنسه
فله الخيار بين أن ير ّد أو يقبل ،وليس له البدل كما سبق .
وقال الحنفيّة وكذا الحنابلة في رواية :إنّ الثمان النّقديّة ل تتعيّن بالتّعيين أي :إنّ البدلين في
الصّرف ل يتعيّنان بالتّعيين ،فلو تبايعا دراهم بدينار جاز أن يمسكا ما أشارا إليه في العقد
ويؤدّيا بدله قبل الفتراق .
وذلك لنّ الثّمن في اللّغة اسم لما في ال ّذمّة كما نقل عن الفرّاء ،فلم يكن محتملً للتّعيين
بالشارة ،ولهذا يجوز إطلق الدّراهم والدّنانير في الصّرف بغير الشارة .
وعلى ذلك يجوز إبدالها ،ول يبطل العقد بخروجها مغصوبةً .