Professional Documents
Culture Documents
فهذا النظر
ليججس ببدعججة ،كمججا أنججه ليججس ببدعججة النظججر فججى المعجججزات
وشججروطها ،والفججرق بيججن النججبى والمتنججبى ،وهججو مججن علججم
الصول ،فحكمه حكمه.
والثالث :ما يرجع إلى النظر فى مدركات النفوس ،من
العالم الغائب ،وأحكام التجريججد النفسججى ،والعلججوم المتعلقججة
بعجججالم الأرواح ،وذوات الملئكجججة والشجججياطين ،والنفجججوس
النسانية والحيوانية… وما أشبه ذلك.
وهو بل شك بدعة مذمومججة إن وقججع النظججر فيهججا والكلم
ما ينظر فيه وفنا ً يشتغل بتحصيله بتعلججم عليه بقصد جعله عل ً
أو رياضة ،فإنه لم ي ُْعهد مثله فى السججلف الصججالح .فل يكججون
الكلم فيه مباحًا ،فضل ً عن أن يكون مندوبا ً إليه.
ى حسن ُ
وثم أقسام أخر ،جميعها إما يرجع إلى فقه شرع ً ّ
ى وهججو قبيججح فججى
فى الشرع ،وإما إلى ابتججداع ليججس بشججرع ّ
الشرع.
وأما الجدال وجمع المحافججل للسججتدلل علججى المسججائل،
فقد مّر الكلم فيه.
وأمججا أمثلججة البههدع المكروهههة ،فعججد منهججا :زخرفججة
المساجد ،وتزويق المصجاحف ،وتلحيجن القجرآن بحيجث تتغيجر
ألفاظه عن الوضع العربى ،فإن أراد مج جّرد الفعججل مججن غيججر
اقتران أمججر آخججر ،فغيججر مس جّلم ،وإن أراد مججع اقججتران قصججد
التشريع ،فصحيح مججا قججال ،إذ البدعججة ل تكججون بدعججة إل ّ مججع
ى عنها غير بدع. اقتران هذا القصد ،فإن لم يقترن ،فهى منه ّ
وأما أمثلة البدع المباحة ،فعججد منهججا المصججافحة عقججب
صلة الصبح والعصر ،أما أنها بدع فمسّلم ،وأما أنهججا مباحججة،
ل علججى تخصججيص تلججك فممنججوع ،إذ ل دليججل فججى الشججرع يججد ّ
الوقججات بهججا ،بججل هججى مكروهججة ،إذ ُيخججاف بججدوامها إلحاقهججا
- 193 -
بالصلوات المذكورة.
سججع فجىوعجد ّ ابجن عبججد السجلم مجن البججدع المباحجة التو ُ
دم ما فيه .والحاصجل مجن جميجع مجا ُ
ذكججر الملذوذات ،وقد تق ّ
فيه قد وضح منه أن البدع ل تنقسم إلى ذلك النقسججام ،بججل
ى عنه ،إما كراهة ،وإمججا تحريم جًا ،حسججبما
هى من قبيل المنه ّ
يأتى إن شاء الله.
فصل
وممججا يتعّلججق بججه بعججض المتكل ِّفيججن :أن الصججوفية هججم
المشجججهورون باّتبجججاع السجججنة ،المقتجججدون بأفعجججال اسجججلف،
المثابرون فى أفعالهم وأقوالهم على القتداء التججام والفججرار
عما يخالف ذلك ،ولذلك جعلججوا طريقتهججم مبنيججة علججى :أكججل
الحلل ،واتباع السنة ،والخلص.
وهذا هو الحق ،ولكنهم فى كثير من المججور يستحسججنون
أشياء ،لم تأت فى كتاب ول سنة ،ول عمل بأمثالها السججلف،
فيعملون بمقتضاها ويثابرون عليهججا ،ويحكمونهججا طريقجا ً لهججم
مهيعججا ً) (1وسججنة ل تخلججف ،بججل وربمججا أوجبوهججا فججى بعججض
َ
الحوال ،فلول أن فى ذلك رخصة ،لم يصح لهم ما بنوا عليه.
والجواب :أن نقججول أو ً
ل :كججل مججا عمججل بججه المتصججوفة
ما ثبججت لججه
المعتبرون فى هذا الشأن ل يخلو :إما أن يكون م ّ
أصل فى الشريعة أم ل.
فإن كان له أصل ،فهججم خلقججاء بججه ،كمججا أن السججلف مججن
الصحابة والتابعين خلقاء بججذلك .وإن لججم يكججن لججه أصججل فججى
1
)( المهيع :الطريق الواسججع المنبسججط ،أو هججو الطريججق.
)انظر اللسان والنهاية(.
- 194 -
الشريعة ،فل عمل عليه ،لن السنة حجة علججى جميججع المججة،
وليس عمل أحجد مجن الئمجة حججة علجى السجنة ،لن السجنة
معصومة عن الخطأ وصاحبها معصوم ،وسائر المة لم تثبججت
لهجا عصجمة ،إل مجع إجمجاعهم خاصجة ،وإذا اجتمعجوا ،تضجمن
اجتمججاعهم دليل ً شججرعيا ً كمججا تقججدم التنججبيه عليججه ،فالصججوفية
مجن لججم تثبججت لججه العصججمة ،فيججوز عليهجم الخطججأ كغيرهم م ّ
والنسججيان والمعصججية كبيرتهججا وصججغيرتها ،فأعمججالهم ل تعججدو
المرين.
ولذلك قال العلماء :كل كلم منه مأخوذ أو متروك ،إل ما
كان من كلم النبى .
1
)( آل عمران.7 :
- 197 -
أحدهما :بالنص وهججو الزيججغ ،لقججوله تعججالى :فأما
الذين فى قلوبهم زيههغ ،(1)والزيججغ :هججو الميججل
عن الصراط المستقيم ،وهو ذم لهم.
والثانى :بالمعنى الذى أعطاه التقسججيم ،وهججو عججدم
الرسوخ فى العلم.
فصل
إذا ثبت هذا ،رجعنا منه إلى معنى آخر ،فنقول:
إذا تبين أن للراسخين طريقا ً يسلكونها فى اتبججاع الحججق،
وأن الزائغين على غير طريقهم ،فاحتجنا إلججى بيججان الطريججق
التى سلكها هؤلء لنتجنبها ،كمججا نّبيججن الطريججق الججتى سججلكها
الراسججخون لنسججلكها ،وقججد بيججن ذلججك أهججل أصججول الفقججه،
وبسطوا القول فيه ،ولم يبسطوا القول فى طريق الزائغين،
فهل يمكن حصر مآخذها أول؟
فنظرنا فى آية أخرى تتعلق بهم كما تتعلججق بالراسججخين،
وهججى قججوله تعججالى :وأن هههذا صههراطى مسههتقيما ً
فهههأتبعوه ول تتبعهههوا السهههبل فتفهههرق بكهههم عهههن
سههبيله ،(2)فأفججادت اليججة أن طريججق الحججق واحججدة ،وأن
للباطل طرقا ً متعججددة ل واحججدة ،وتعججد ّ
دها لججم ينحصججر بعججدد
مخصوص.
طوهكذا الحديث المفسر للية ،وهو قول ابن مسعود :خ ّ
لنا رسول الله خطًا ،فقال) :هذا سبيل الله( ثججم خججط
لنا خطوطا ً عن يمينه ويسججاره ،وقججال )هذه سههبل ،علههى
1
)( آل عمران.7 :
2
)( الأنعام.153 :
- 198 -
ن يدعو إليه().(1
كل سبيل منها شيطا ً
ددة غيججر محصججورة بعججدد،ففى الحديث أنها خطججوط متعج ّ
فلم يكن لنا سبيل إلى حصر عددها من جهججة النقججل ،ول لنججا
أيضا ً سبيل إلى حصرها مججن جهججة العقججل أو السججتقراء .أمججا
العقل ،فإنه ل يقضى بعدد دون آخر ،لنه غير راجع إلى أمججر
محصججور ،أل تججرى أن الزيججغ راجججع إلججى الجهججالت؟ ووجججوه
الجهل ل تنحصر ،فصار طلب حصرها عناء من غير فائدة.
1
)( في مقدمة صحيح مسلم ،باب :باب بيججان أن السججناد
من الدين ،وذكر بسنده إلى عبد الله بن المبججارك يقججول:
السناد من الدين ،ولول السناد لقال من شججاء مججا شججاء.
وبسنده إلى ابن سيرين ،قججال :لججم يكونججوا يسججألون عججن
السناد ،فلما وقعججت الفتنججة ،قججالوا :سججموا لنججا رجججالكم،
فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حججديثهم ،وينظججر إلججى أهججل
البدع فل يؤخذ حديثهم .وبسنده إلى محمججد بججن سججيرين،
قال :إن هذا العلم دين ،فججانظروا عمججن تأخججذون دينكججم.
)صحيح مسلم مع شرح النووي .(130 ،1/126
- 201 -
إذا كان صحيحا ً فججى الظججاهر ،وذلججك دليججل علججى الججوهم مججن
بعض الرواة أو الغلط أو النسيان ،فما الظن به إذا لم يصح.
فإن قيل :هذا كله رد على الئمة الجذين اعتمججدوا علججى
الحاديث التى لم تبلغ درجة الصحيح ،فإنهم كما نصججوا علججى
صججوا أيض جا ً علججى أن أحججاديث
اشتراط صحة السناد ،كججذلك ن ّ
الججترغيب والججترهيب ل ُيشججترط فججى نقلهججا للعتمججاد صججحة
السناد ،بل إن كان ذلك ،فبها ونعمججت ،وإل ،فل حججرج علججى
مججن نقلهججا) (1وأسججتند إليهججا ،فقججد فعلججه الئمججة كمالججك فججى
َ
"الموطأ" وابن المبارك فى "رقائقه" وأحمججد بججن حنبججل فججى
"رقائقه" وسفيان فى "جامع الخير" وغيرهم.
1
)( ذكر اللباني في مقدمة صججحيح الججترغيب )ص 47ط.
مكتبة المعججارف( كلمجا ً غايججة فججي النفاسججة ،ومفججاده :أن
قاعججدة العمججل بالضججعيف فججي فضججائل العمججال وفججي
الججترغيب والججترهيب ليسججت علججى إطلقهججا ،بججل مقيججدة
بقيدين :حديثي :كما شرط ابن حجر :أن يكون الضججعف
غير شججديد ،وأن يكججون منججدرجا ً تحججت أصججل عججام ،وأن ل
يعتقد عند العمل به ثبوته لئل ينسب إلى النبي ما لججم
يقلججه ،وذكججر معنججى قججول العلمججاء كأحمججد وابججن الصججلح
ددنا فججي السججانيد،والمنذري :إذا جاء الحلل والحرام ش ج ّ
وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في السججانيد ،وذكججر
تأثيم مسلم لمن يروي عن الضعفاء ول يبين حججالهم ولججو
فججي الججترغيب والججترهيب ،وأمهها القيههد الفقهههي :أن
يكون الحديث الضعيف قد ثبتت شرعية العمججل بمججا فيججه
بغيره بما يصلح أن يكججون دليل ً شججرعيًا .وذكججر كلم شججيخ
السلم ابن تيمية في ذلججك )الفتججاوى (68-18/65وذكججر
موافقة الشاطبي لذلك في العتصام )وهو كلمججه ههنجا(،
فراجججع كلم اللبججاني -رحمججه اللججه -لتقججف علججى هججذا
الموضوع الهام.
- 202 -
فكل ما فى هذا النوع من المنقولت راجع إلى الججترغيب
والترهيب ،وإذا جاز اعتماد مثله ،جججاز فيمججا كججان نحججوه ممججا
يرجع إليجه ،كصجلة الرغجائب ،والمعجراج ،وليلجة النصجف مجن
شججعبان ،وليلججة أول جمعججة مججن رجججب ،وصججلة اليمججان،
والأسبوع ،وصلة بر الوالدين ،ويوم عاشوراء ،وصيام رجججب،
والسابع والعشرين منججه) …(2ومججا أشججبه ذلججك ،فججإن جميعهججا
راجع إلى الترغيب فى العمل الصالح ،فالصلة علججى الجملججة
ثابت أصلها ،وكذلك الصيام وقيام الليل ،كل ذلك راجججع إلججى
خير نقلت فضيلته على الخصوص.
وإذا ثبت هذا ،فكل ما ُنقلت فضيلته فى الأحججاديث ،فهججو
من باب الترغيب ،فل يلزم فيه شهادة أهججل الحججديث بصججحة
السناد ،بخلف الحكام.
فإذًا ،هذا الوجه من السججتدلل مججن طريججق الراسججخين ل
من طريق الذين فى قلوبهم زيغ ،حيث فّرقججوا بيججن أحججاديث
الأحكججام فاشججترطوا فيهججا الصججحة ،وبيججن أحججاديث الججترغيب
والترهيب فلم يشترطوا فيها ذلك.
2
)( قال النووي في المجمججوع :الصججلة المعروفججة بصججلة
الرغائب ،وهي اثنا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلججة
أول جمعة من رجججب ،وصججلة ليلججة النصججف مججن شججعبان
مائة ركعججة ،هاتججان الصججلتان بججدعتان منكرتججان ،ول يغججتر
بججذكرهما فججي قججوت القلججوب وإحيججاء علججوم الججدين ،ول
بالحديث المججذكور فيهمججا فججإن كججل ذلججك باطججل ،.وانظججر
مجموع الفتاوى ) ،(133-23/131وانظر فيما ذكره مججن
هذه الصلوات والصوم :ضججعيف الججترغيب ) ،622ج ،(623
والمصنف لعبد الرزاق ) (7927وشعب اليمججان )،3711
،3713ج ،(3812وانظر :رسالة تججبيين العجججب فيمججا ورد
في فضل رجب للحافظ ابن حجر ،وكتابنا "عقد المرجان
في أحكام الصيام ورمضان" صوم رجب.
- 203 -
فالجواب :أن ما ذكره علماء الحديث من التساهل فججى
أحاديث الترغيب والترهيب ل ينتظم فى مسألتنا المفروضة،
وبيانه :أن العمل المتكّلم فيججه إمججا أن يكججون منصوصجا ً علججى
ل ،أو ل يكون منصوص جا ً عليججه ل جملججة ول أصله جملة وتفصي ً
ل ،أو يكون منصوصا ً عليه جملة ل تفصي ً
ل. تفصي ً
صججلوات المفروضججات، ول :ل إشكال فى صحته ،كال ّ فال ّ
والنوافل المرّتبة لسباب وغير أسباب ،وكالصيام المفججروض
أو المندوب علججى الججوجه المعججروف ،إذا ُفعل ِججت علججى الججوجه
ص عليه من غير زيادة ول نقصان ،كصججيام عاشججوراء، الذى ن ُ ّ
أو يوم عرفة ،والوتر بعد نوافل الليل ،وصلة الكسوف.
فالنص جاء فى هذه الأشججياء صججحيحا ً علججى مججا شججرطوا،
فثبت أحكامها من المفروض والسنة والسججتحباب ،فججإذا ورد
فى مثلها أحاديث ترغيب فيها وتحذير من ترك الفرض منهججا،
وليست بالغة مبلغ الصحة ،ول هى أيضا ً من الضعف بحيث ل
يقبلها أحد أو كانت موضوعة ل يصح الستشهاد بها ،فل بأس
بذكرها ،والتحذير بها والترغيب ،بعد ثبوت أصلها مججن طريججق
صحيح.
والثانى) :(1ظاهر أنه غير صحيح ،وهو عين البدعة ،لنججه
جرد الرأى المبنى على الهوى ،وهو أبعد البججدع ل يرجع إل لم ّ
وأفحشها ،كالرهباِنيججة المنفي ّججة عججن السججلم ،والخصججاء لمججن
خشى العنت ،والتعّبد بالقيام فى الشمس ،أو بالصججمت مججن
غير كلم أحد ،فالترغيب فى مثل هذا ل يصح ،إذ ل يوجد فى
ذر من مخالفته.غب فى مثله أو يح ّ الشرع ،ول أصل له ير ّ
والثالث :ربما يتوهم أنه كالول ،مججن جهججة أنججه إذا ثبججت
أصل عبججادة فججى الجملججة ،فيسججهل فججى التفصججيل نقلججه مججن
ق غير مشترط الصحة ،فمطلق التنقل بالصلة مشروع، طري ِ
فصل
)( رواه مسلم من حججديث أبججي قتججادة مرفوعجا ً )(1162 1
وأصحاب السنن.
- 206 -
ومنها :ضد هذا ،وهو ردهججم للحجاديث الججتى ججرت غيججر
موافقة لغراضهم ومذاهبهم ،ويدعون أنها مخالفة للمعقول،
وغير جارية على مقتضى الدليل ،فيجب ردها:
كالمنكرين لعذاب القبر ،والصراط ،والميزان ،ورؤية الله
عز وجل فى الخرة ،وكذلك حديث الججذباب وقتلججه ،وأن فججى
أحد جناحيه داء وفى الخججر دواء وأنججه قججدم الججذى فيججه الججداء،
وحججديث الججذى أخججذ أخججاه بطنججه فججأمره النججبى بسججقيه
العسل) …(1وما أشبه ذلك من الحاديث الصججحيحة المنقججوله
)( أما عذاب القبر :فثبت ذلك متواترا ً مججن نصججوص 1
1
)( النجم.23 :
)( كحججديث ابججى هريججرة فججى صججحيح البخججارى مرفوع جا ً 2
فص ُ
ل
صججهم علججى الكلم فججى القججرآن والسججنة تخر ُ
ّ ومنههها:
العربيين مع العروّ عن علم العربية الذى ُيفهججم بججه عججن اللججه
ورسوله:
فيفتججاتون) (1علججى الشججريعة بمججا فهمججوا ويججدينون بججه
ويخالفون الراسخين فى العلم ،وإنمججا دخلججوا فججى ذلججك مججن
جهججة تحسججين الظججن بأنفسججهم واعتقججادهم أنهججم مججن أهججل
الجتهاد والستنباط ،وليسوا كذلك:
فكما حكى عن بعضهم فى قوله سبحانه ولقد ذرأنهها
لجهنم ،(2)أى "القينا فيها" كأنه عندهم من قول العججرب:
ذرتججه الريججح ،وذلججك ل يجججوز ،لن ذرأنججا مهمججوز ،وذرتججه غيججر
مهموز ،وكذلك إذا كان من :أذرته الدابة عججن ظهرهججا ،لعججدم
الهمزة ،ولكنه رباعى ،وذرأنا ثلثى.
1
)( فيفتاتون :أى يختلقون الباطججل ،وأصججلها مهمججوز وقججد
يخفف.
2
)( الأعراف.179 :
- 210 -
ويمكن أن يكون من خفي هذا الباب مذهب الخوارج فى
زعمهم أن ل تحكيم ،استدلل ً بقوله تعالى :إن الحكم إل
لله ،(1)فإنه مبنى على أن اللفظ ورد بصججيغة العمججوم ،فل
يلحقججهِ تخصججيص ،فلججذلك أعرضججوا عججن قججول اللججه تعججالى
فابعثوا حكم ها ً مههن أهلههه وحكم ها ً مههن أهلههها ،(2)
وقوله يحكم به ذوا عدل منكم .(3)
وإل ،فلو علموا تحقيقا ً قاعدة العرب فى أن العموم ُيراد
به الخصوص ،لم يسرعوا إلى النكار ،ولقالوا فججى أنفسججهم:
م مخصوص؟ فيتأولون. لعل هذا العا ّ
وفى الموضع وجه آخر مذكور فى موضع غير هذا.
وكثيرا ً ما يوقع الجهل بكلم العججرب فججى مجججازٍ ل يرضججى
بها عاقل ،أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله.
فصل
ومنههها :انحرافهججم عججن الصججول الواضججحة إلججى اتبججاع
المتشابهات الججتى للعقججول فيهججا مواقججف ،وطلججب الخججذ بهججا
تأوي ً
ل:
وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشججتباه وإشججكال ليججس
بدليل فى الحقيقة ،حججتى يت ّججبين معنججاه ويظهججر المججراد منججه،
ويشترط فى ذلك أن ل يعارضه أصل قطعى ،فإذا لم يظهججر
معناه لجمال أو اشتراك ،أو عارضه قطعى ،كظهور تشججبيه،
1
)( الأنعام.57 :
2
)( النساء.35 :
3
)( المائدة.95 :
- 211 -
فليس بدليل ،لن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا ً فججى نفسججه،
ودال ً على غيره ،وإل احتيج إلى دليل عليججه ،فججإن د ّ
ل الججدليل
على عدم صحته ،فأحرى أن ل يكون دلي ً
ل.
ول يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الصول الكليججة ،لن
ل ،فهى فى محججل التوّقججف، الفروع الجزئية إن لم تقتض عم ً
ل ،فججالرجوع إلججى الأصججول هججو الصججراط وإن اقتضججت عم ً
المستقيم ومثجاله فججى ملججة السججلم مجذاهب الظاهريججة فجى
إثبجات الججوارح للجرب –المنجزه عجن النقجائض ،-مجن العيجن،
واليججد ،والرجججل ،والججوجه ،والمحسوسججات ،والجهججة … وغيججر
ذلجججججججججججججججججججججك مجججججججججججججججججججججن الثجججججججججججججججججججججابت
للمحدثات ].[11
ضا أن جماعججة زعمججوا أن القججرآن مخلججوق ومن المثلة أي ً
قججا بالمتشججابه ،والمتشججابه الججذى تعلقججوا بججه مججن وجهيججن:
تعل ً
عقلى –فى زعمهم -وسمعى.
فالعقلى :أن صفة الكلم من جملة الصججفات ،وذات اللججه
عندهم بريئة من التركيب جملة ،وإثبات صفات الذات قججول
بتركيب الذات ،وهو محال.
وأيضًا ،فالكلم ل ُيعقل إل بأصججوات وحججروف ،وكججل ذلججك
من صفات المحدثات ،والبارئ منزه عنها.
وبعججد هججذا الصججل يرجعججون إلججى تأويججل قججوله سججبحانه:
وكلم الله موسى تكليما ،(1)وأشباهه.
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
] [11من كتاب العلم بمخالفات الموافقات
والعتصام :6 ،5
ولما كان للشاطبى رحمه اللججه تعججالى جهججود فججى
1
)( النساء.164 :
- 212 -
حرب البدعة ،وحرب البدع مما اشتهر به السججلفيون،
ي العتقاد ،حججتى بيججنفقد انتشر بين الناس أنه سلف ّ
بعض طلبة العلم) ،(1والحقيقة الججتى تظهججر لكججل مججن
يقرأ كتابيه هذين الموافقات والعتصام أنجه
وأما السمعى ،فنحو قوله تعالى الله خالق كل شئ
،(2)والقرآن إما أن يكون شيئا ً أو لشىء ،ولشىء عدم،
والقرآن ثابت ،وإن كان شيئًا ،فقد شملته الية ،فهو إذا ً
مخلوق ،وبهذا استدل المريسى على عبد العزيز المكى.
وهاتان الشبهتان أخججذ فججى التعلججق بالمتشججابهات ،فججإنهم
قاسوا البارى على البرية ،ولم يعقلوا ما وراء ذلك.
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
أشعرى فى باب الصججفات والقججدر واليمججان وغيرهججا،
ومرجعه فى أبواب العتقاد هى كتب الشاعرة ،كمججا
سيأتى تفصيله إن شاء الله تعالى.
1
)( مثل محقق كتاب العتصام –سليم هللى -حيث قججال
فى )العتصام – (1/305حاشية:
تعليقججا ً علججى كلم للشججاطبى رحمججه اللججه تعججالى فججى
الصججفات) :فمجن تتبججع عقيججدة المصججنف رحمججه اللججه مججن
سياق كتابه وجد ما يثلججج صججدره( مججع أن الشججاطبى بعججد
هذه الحاشية بصفحة واحدة فقججط ) (1/307صججرح فيهججا
بموافقة الشاعرة فى الكلم النفسى!! وله غير هذا فى
نفس الكتاب أيضا ً كما سيأتى إن شاء الله تعججالى ،ومثججل
عثمان بن علجى بجن حسجن فجى كتجابه )منهجج السجتدلل
على مسائل العتقاد عنججد أهججل السججنة والجماعججة( حيججث
قجال ) 1/414حاشجية )) :((1أمجا فجى كتجابه )العتصجام(
فنجججده معتصججما ً بالكتججاب والسججنة ل يكججاد يخججرج عنهمججا(
وهذا الكلم فيه ما فيه كما سترى إن شاء الله تعالى.
2
)( الزمر.62 :
- 213 -
وموقف الشججاطبى رحمججه اللججه تعججالى مججن البججدع
العملية )وهى البدع فى العبادات( فججى تحججذيره منهججا
وبيان مفاسدها والتشديد على التمسك بالسججنة فيهججا
موقف جيد ،وعمل مشكور ،ولكنه مع ذلك وقججع فججى
بدع الشججاعرة والمتكلميججن العتقاديججة فججى الصججفات
والقدر وغيرها.
وأما كون الكلم هو الصوات والحروف ،فبناء على عججدم
النظر فى الكلم النفسى ،وهو مذكور فى الصول).(1
1
)( جاء في شرح العقيدة الواسطية لشججيخ السججلم ابججن
تيمية ،شرح الشيخ محمججد خليججل هججراس ،تحقيججق علججوي
ه
م اللهه ُ السجججقاف ص :150،151وأمجججا قجججوله وكلهه َ
موسى تكليما ً ] النساء [164 :وما بعدها من اليججات
التي تدل على أن الله قججد نججادى موسججى وكلمججه تكليم جًا،
وناجاه حقيقة من وراء حجاب ،وبل واسججطة ملججك ،فهججي
تججرد علججى الشججاعرة الههذين يجعلههون الكلم معنههى
قائما ً بههالنفس بل حههرف ول صههوت! فيقججال لهججم:
كيف سمع موسى هذا الكلم النفسي؟ فإن قالوا :ألقججى
الله في قلبه علما ً ضروريا ً بالمعاني التي يريد أن يكلمججه
بها ،لم يكن لموسى خصوصية فججي ذلججك .وإن قججالوا :إن
الله خلق كلما ً في الشجججرة أو فججي الهججواء ،ونحججو ذلججك،
لزم أن تكون الشجرة هي التي قججالت لموسججى :إني
أنههها رب ّهههك …وخلصهههة مهههذهب أههههل السهههنة
والجماعة في هذه المسألة :أن الله تعالى لججم يججزل
متكلما ً إذا شاء ،وأن الكلم صفة له قائمة بذاته يتكلم بها
بمشيئته وقدرته ،فهو لم يزل ول يججزال متكلم جا ً إذا شججاء،
وما تكلم الله به فهو قائم به ليس مخلوقا ً مفصول ً عنججه،
كما تقول المعتزلة ،ول لزما ً لذاته لزوم الحياة لهججا ،كمججا
تقججول الشججاعرة ،بججل هججو تججابع لمشججيئته وقججدرته .واللججه
- 214 -
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
ولم ينفرد الشاطبى رحمه الله تعججالى بهججذا المججر
بيجججن العلمجججاء ،فقجججد وقجججع فيجججه غيجججره كجججأبى بكجججر
الطرطوشججى رحمججه اللججه تعججالى ،فججإنه ألججف كتججاب
)الحوادث والبدع( فى التحذير من البدع العملية ومع
ذلك فقد وافق الشاعرة فى أصولهم ،وكأبى شامة
.....................................
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
الدمشقى رحمه الله تعالى ،فإن لججه كتججاب )البججاعث
فى إنكار البدع والحججوادث( فججى البججدع العمليججة وهججو
ي المعتقد ،والسبب فى ذلك –واللججه أعلججم -أن أشعر ّ
علماء الكلم لم يتطرقوا لمثل هذه المور ،لهججذا لججم
يفسدوها بأصولهم فلم تلتبججس علججى مججن أراد الحججق
وسعى إليججه بخلف العتقججادات كالسججماء والصججفات
والقدر واليمججان وغيرهججا ،فججإن المتكلميججن أفسججدوها
بأصولهم المبتدعججة وشججبهوا علججى كججثير مججن العلمججاء
الفضلء فيها فوافقوهم فججى أصججولهم وبججدعهم –عفججا
الله عن الجميع بمنه وكرمه.-
وقههههال فههههى كتههههابه الإعلم بمخالفههههات
الموافقات والعتصام :ص :30
1
)( طه.5 :
2
)( رواه البخجججاري )،1145ججج (7494ومسجججلم )(758
والترمججذي وأبججو داود مججن حججديث أبججي هريججرة ،وانظججر:
مختصر العلو للذهبي ص 110،116قال :وأحاديث نزول
الباري متواترة ،وانظر شرح الواسطية ص .164
- 217 -
عقيججدة الشججاعرة إذا أحججالوا لمججذهب السججلف ،وهججو
المراد بقولهم )مذهب السلف أسلم ومذهب الخلججف
أعلم وأحكم( ،فمقصودهم بمججذهب السججلف هنججا هججو
نفججس مججا ذهججب إليججه الشججاطبى وهججو إيمججان بهججذه
النصوص مع الجهل بمعانيها وجعل نصججوص الصججفات
بمنزلججة الكلم العجمججى الججذى ل يعقججل ،ونصججوص
الشاعرة فى هذا كثيرة ،فمن ذلك ما ذكججره الججرازى
فى كتابه )أساس التقديس( حيججث عقججد فصججول ً فججى
آخججر كتججابه هججذا مقججررا ً فيججه لعقيججدة السججلف فقججال:
)الفصل الرابع فى تقرير مذهب السلف ،حاصل هججذا
المذهب أن هذه المتشججابهات يجججب القطججع فيهججا أن
مراد الله منها شىء غير ظواهرها ،ثم يجججب تفجويض
معناهججا إلججى اللججه تعججالى ،ول يجججوز الخججوض فججى
تفسيرها(.
الههوجه الثههانى :أن هججذا المججذهب مججن أفسججد
المذاهب وأبعدها عن مذهب السلف ،إذ فيججه تجهيججل
لخير المة وأنهم كانوا يقرأون مال يفهمون معناه.
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى – فههى
الفتاوى .5/34 :فى أصناف المنحرفين عههن
مذهب السلف:
)وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل ،فهم كججثير
من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ،يقولون :إن
الرسول لم يعرف معانى ما أنججزل اللججه إليججه مججن
آيات الصججفات ول جبريججل يعججرف معججانى اليججات ،ول
السابقون الولجون عرفجوا ذلك،
1
)( المائدة.64 :
- 220 -
النصوص الججذى هججو أسججاس اليمججان وعمججود اليقيججن،
وأعرضوا
.....................................
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
عنه بقلوبهم ،وتعبدوا باللفاظ المجردة الججتى أنزلججت
فى ذلك ،وظنوا أنهججا أنزلججت للتلوة والتعبججد بهججا دون
تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها( .أهج.
الههوجه الثههالث :أن مججذهب السججلف إنمججا هججو
تفويض الكيفيججة دون المعنججى ،بمعنججى أنهججم يفهمجون
آيات الصفات وأحاديثهججا ويججدركون معناهججا ،فيعلمججون
معنججى السججتواء والنججزول والفوقيججة والججوجه والعيججن
والقدم ونحوها ،ويفرقججون بينهجا ،فيعلمجون أن معنججى
الوجه غير معنى العين ،وأن معنى العيججن غيججر معنججى
النزول وهكذا ،ولكنهم يفوضون كيفية هججذه الصججفات
إلى الله فل يعلمونها ،وهذا كمججا ثبججت عججن الوزاعججى
وسفيان ومالك والليث بن سعد وغيرهم من السججلف
مروها كما َ
أنهم كانوا يقولون فى نصوص الصفات) :أ ِ
جججاءت بل كيججف( فهنججا التفججويض فججى الكيججف ل فججى
المعنى ،وكما قال ربيعة بن أبى عبد الرحمن ومالججك
لمججن سججأل عججن السججتواء) :السججتواء غيججر مجهججول،
والكيف غير معقول( ،فذكر هنججا أن معنججى السججتواء
غير مجهول بل هو معلوم ،وإنما المجهول هو الكيف.
وقد قرر علماء السنة هججذا المججر فججى كججل زمججان
ومكان ،فقد قال المام عثمججان ابججن سججعيد الججدرامى
رحمه الله تعالى فى رده على بشر المريسججى) :أمججا
- 221 -
قولك إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود
فى الخلق خطأ ،فإنا ل نقول إنه خطأ بججل هججو عنججدنا
كفر ،ونحججن لتكييفهجا وتشجبيهها بمجا هججو موججود فجى
الخلججق أشججد أنفجا ً منكججم ،غيججر أنججا كمججا ل نشججبهها ول
نكيفها ل نكفر بها ول نكذب بها ول نبطلها بتأويجل
فصل
طلقات قبل النظججر ومن اتّباع المتشابهات الخذ بالم َ
فججى مقيججداتها أو فججى العمومججات مججن غيججر تأمججل ،ه جل لهججا
صصات أم ل؟ وكذلك العكس. مخ ّ
ومنههه دعججاوى أهججل البججدع علججى الأحججاديث الصججحيحة،
مناقضتها للقرآن ،أو مناقضة بعضها بعضًا ،وفساد معانيها ،أو
مخالفتها للعقول.
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
الضججلل –إلججى أن قججال -فكمججا نحججن ل نكيججف هججذه
الصجججفات ل نكجججذب بهجججا كتكجججذيبكم ،ول نفسجججرها
كتفسيركم( أهج.
- 222 -
وكلم الئمة فى هذا الباب كثير ،وكله متفق علججى
العلم بمعنى الصججفة والجهججل بكيفيتهججا ،وأن هججذا هججو
تفويض السججلف ،ل كمججا يزعججم المبتدعججة أن السججلف
كانوا يؤمنون بألفاظ ل يعلمون معانيها ،واللججه تعججالى
أعلم.
وفى الحججديث) :مثل أمههتى كمطههر ،ل ي ُههدرى أول هه
خير أم آخره؟() (1قالوا :فهججذا يقتضججى أنججه لججم يثبججت لول
هذه المة فضل على الخصوص دون آخرها ول العكس.
ثم نقل) :خير القرون قرنى ،ثههم الههذين يلههونهم،
ثم الههذين يلههونهم() (2فاقتضججى أن الوليججن أفضججل علججى
1
سن )( رواه أحمد ) (143 ،3/130من حديث أنس ،وح ّ
إسججناده محققججوا مسججند الرسججالة وقججالوا :قججوي بطرقججه
وشواهده ) (19/334وقججال الحججافظ فججي الفتججح :حججديث
حسن له طرق قد يرتقي بهججا إلججى الصججحة .ورواه كججذلك
الترمججذي ) (2869وأبججو يعلججى )،3475جج (3717وفيججه
مججتروك ،ورواه مججن حججديث عمججار أحمججد ) (4/319وابججن
حبان ) 2307موارد( والبزار )1412البحر الزخار( .ومججن
حديث عمران بن الحصين رواه البزار ) 2075مختصجره(
والطبراني في الوسط ) ،(3673ومن حججديث ابججن عمججر
رواه أبو نعيم في الحلية ) .(2/231ورواه من حديث عبد
الله بن عمرو الطبراني في الكججبير ) 65الملحججق بججالجزء
(13وابن عبد البر في التمهيججد ) ،(20/253وفججي سججنده
عبد الرحمن بججن زيججاد بججن أنعججم الفريقججي وهججو ضججعيف.
ورواه مججن حججديث أبججي نجيججد الطججبراني فججي الوسججط )
.(3660والحديث أورده اللباني في الصججحيحة ).(2286
وانظر الفتح ) (7/8ومجمع الزوائد ).(10/68
2
)( رواه البخجججاري )،6428ججج (6429ومسجججلم )،2533
(2534من حديث عمران بن الحصين ومججن حججديث ابججن
- 223 -
الطلق.
قالوا :فهذا تناقض!
م تنججاقض ول اختلف ،وذلججك أن التعججارض وكذبوا ،ليس ث ّ
إذا ظهر لبججادي الججرأى فججى المقججولت الشججرعية :فإمججا أن ل
يمكن الجمع بينهما أصل ً وإما أن يمكن:
مسعود.
أما التوفيق بين هذا الحديث والذي قبلههه :فقججال
الحافظ في الفتح ) ،7/8ج :(9واقتضججى هججذا الحججديث أن
تكون الصحابة أفضل من التابعين ،والتابعون أفضججل مججن
أتبججاع التججابعين ،لكججن هججل هججذه الفضججلية بالنسججبة إلججى
المجمججوع أو الفججراد؟ محججل بحججث ،وإلججى الثججاني نحججا
الجمهور ،والول قول ابن عبد البر ،والههذي يظهههر :أن
من قاتل مع النبي أو في زمانه بأمره ،أو أنفججق شججيئا ً
من ماله بسببه ل يعدله في الفضل أحجد بعجده كائنجا ً مجن
كان ،وأما من لم يقع له ذلك فهججو محججل البحججث .واحتججج
ابججن عبججد الججبر بحججديث "مثل أمههتي مثههل المطههر ل
يدرى أوله خير أم آخره" وهو حديث حسن له طججرق
قد يرتقى بها إلى الصحة .وروى أبو داود والترمججذي مججن
حديث أبي ثعلبة رفعه "تأتي أيام للعامل فيهن أجر
خمسين ،قيل :منهم أو منا يا رسول الله؟ قال:
بل منكههم" ،وهججو شججاهد لحججديث "مثههل أمههتي مثههل
المطر" ،واحتج ابن عبد الجبر أيضجا ً بحجديث عمجر رفعجه
"أفضل الخلق إيمانها ً قههوم فهي أصههلب الرجههال
يؤمنون بي ولم يروني" الحديث أخرجججه الطيالسججي
وغيره ،لكن إسججناده ضججعيف فل حجججة فيججه .وروى أحمججد
والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعججة قججال" :قال
أبو عبيدة :يا رسول الله ،أأحد خير منا؟ أسههلمنا
معههك ،وجاهههدنا معههك .قههال :قههوم يكونههون مههن
- 224 -
فإن لم يمكن ،فهذا الفرض بيججن قطعججى وظنججى ،أو بيججن
ظنيين ،فأما بين قطعيين ،فل يقججع فججى الشججريعة ،ول يمكججن
وقوعه ،لن تعارض القطعيين محال.
فإن وقع بين قطعى وظنى ،بطل الظنى.
وإن وقججع بيججن ظنييججن ،فهججا هنججا للعلمججاء فيججه الترجيججح،
فصل
ومنها :تحريف الدلة عن مواضعها:
بأن يرد الدليل على مناط) ،(1فيصرف عججن ذلججك المنججاط
إلى أمر آخر ،موهما ً أن المنججاطين واحججد ،وهججو مججن خفي ّججات
تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله.
م تحريججفن أن من أقّر بالسلم وبأنه يذ ّ
ويغلب على الظ ّ
ً
الكلم عن مواضعه ،ل يلجأ إليه صراحا ،إل مع اشتباه يعججرض
له ،أو جهل يصده عن الحق ،مع هوى يعميه عن أخذ الججدليل
مأخذه ،فيكون بذلك السبب مبتدعًا.
وبيججان ذلججك أن الججدليل الشججرعى إذا اقتضججى أمججرا ً فججى
ل ،فججأتى بججه المكل ّججف فججى
الجملججة ممججا يتعل ّججق بالعبججادات مث ً
الجملة أيضًا ،كذكر الله والججدعاء والنوافججل المسججتحبات ومججا
أشبهها ممجا ُيعلجم مجن الشجارع فيهجا التوسجعة ،كجان الجدليل
)( المناط :من ناط ينججوط نوط ًججا :أى عّلقججه ،قججال ابججن 1
1
)( الحزاب.21 :
- 228 -
تفلحون ،(1)بخلف سائر العبادات.
دعاء ،فإنه ذكر الله ،ومع ذلك ،فلجم يلجتزموا ومثل هذا :ال ّ
فيججه كيفيججات ،ول ّقيججدوه بأوقججات مخصوصججة –بحيججث يشججعر
باختصاص التعّبد بتلك الوقات -إل ما عّينججه الججدليل ،كالغججداة
ص الشججارع علججى إظهججاره، والعشى ،ول أظهروا منه إل ما نج ّ
كالذكر فى العيدين وشبهه) ،(2وما سوى ذلك ،فكانوا مثابرين
على إخفائه وسره ،ولججذلك قجال لهجم النججبى حيجن رفعججوا
أصواتهم )أربعوا على أنفسكم ،إنكم ل تدعون أصههم
ول غائبًا() (3وأشباهه ،فلم يظهروه فى الجماعات.
1
)( الجمعة ،10 :وكالحديث الذي رواه الترمذي )(3377
عن أبي الدرداء رضي الله عنججه قججال :قججال النججبي :أل
أنبئكم بخير أعمالكم ،وأزكاها عند مليككم ،وأرفعهججا فججي
درجاتكم ،وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ،وخير لكم
من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟
قججالوا :بلججى ،قججال :ذكججر اللججه تعججالى .ورواه ابججن ماجججة )
(3790والحاكم وأحمد ،صحيح.
2
)( إظهار التكجبير فجي العيجدين :انظجر مصجنف ابجن أبجي
شيبة ،باب التكبير إذا خرج إلى العيد :روايججات عججن عمججر
وابنه وابجن عبجاس وابجن مسجعود وعلجي وزيجد بجن ثجابت
والزهري ،قال فى الرواء ) 122 ،3/121ح :(649،650
عند ابن أبى شيبة بسند صحيح عن الزهججرى قججال" :كججان
الناس يكبرون فى العيد حين يخرجون من منازلهم حججتى
يججأتوا المصججلى ،وحججتى يخججرج المججام ،فججإذا خججرج المججام
سكتوا ،فإذا كبر كبروا .وصحح أثر ابن عمر عند ابن أبججي
شججيبة والججدارقطنى ) (180والججبيهقى ) .(3/279وانظججر
البخاري ،العيدين ،باب التكبير أيام منى.
3
)( رواه البخججاري ) (4205مسججلم ) (2704وأبججو داود )
(1528والبيهقي وابن أبي شيبة والنسائي في الكججبرى )
(7679من حديث أبي موسى الشعري.
- 229 -
دليلفكل من خججالف هججذا الصججل ،فقججد خججالف إطلق الج ّ
مججن كججان أعججرف منججه أو ً
ل ،لنججه قي ّججد فيججه بججالرأى ،وخججالف َ
بالشججججججججججريعة –وهججججججججججم السججججججججججلف الصججججججججججالح
ب أن رضى الله عنهم ،-بل كان النبى يترك العمل وهو يح ّ
يعمل به خوفا ً أن يعمل به الناس فيفرض عليهم).(4
ومن أمثلة هذا الصل التزام الدعاء بعد الصلوات بججالهيئة
الجتماعية معلنا ً بها فى الجماعات ،وسيأتى بسط ذلججك فججى
بابه إن شاء الله تعالى.
فصل
ومنها :بناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلت
دعون فيها أنها هى المقصود والمراد ،ل مججا يفهججم
ل تعقل –ي ّ
العربى منها– مسندة عندهم إلى أصل ل يعقل:
وذلججك أنهججم –فيمججا ذكججر العلمججاء -قججوم أرادوا إبطججال
ل ،وإلقاء ذلك فيما بين النججاس ،لينحججلالشريعة جملة وتفصي ً
الدين فى أيديهم ،فلم يمكنهم إلقاء ذلك صراحًا ،فيججرد ّ ذلججك
فى وجوههم وتمتد ّ إليهم أيدى الحكام ،فصرفوا أعناقهم إلى
التحيل على ما قصدوا بأنواع من الحيل ،من جملتهججا صججرف
الفهججم عججن الظججواهر ،إحالججة علججى أن لهججا بججواطن هججى
المقصودة ،وأن الظواهر غير مرادة.
فصل
وأضعف هؤلء احتجاجا ً قججوم اسججتندوا فججى أخججذ العمججال
إلى المنامات ،وأقبلوا وأعرضوا بسببها:
فيقولون :رأينا فلنا ً الرجل الصالح ،فقال لنا :اتركوا كذا،
واعملوا كذا.
ويتفق مثل هذا كثيرا ً للمترسمين برسم التصوف ،وربمججا
قججال بعضججهم :رأيججت النججبى فججى النججوم ،فقججال لججى كججذا،
وأمرنى بكذا ،فيعمل بهججا ،ويججترك بهججا ،معرض جا ً عججن الحججدود
الموضججوعة فججى الشججريعة.وهججو خطججأ ،لن الرؤيججا مججن غيججر
النبياء) (2ل ُيحكم بها شرعا ً على حال ،إل أن ُتعرض على مججا
مججلفججى أيججدينا مججن الحكججام الشججرعّية ،فججإن سججوغتها عُ ِ
بمقتضاها ،وإل ،وجب تركهجا والعجراض عنهجا ،وإنمجا فائدتهجا
البشارة والنذارة خاصة ،وأما استفادة الحكام ،فل.
فلو رأى فى النوم قائل ً يقول :إن فلنا ً سرق فاقطعه ،أو
عالم فاسأله ،أو اعمل بما يقول لك ،أو فلن زنى فحُججدَّه …
وما أشبه ذلك ،لم يصح له العمل ،حتى يقوم له الشاهد فججى
1
)( رواه البخجججاري ) (6830والجججدارمي ) (2/320وابجججن
حبججان ) (6239وعبججد الججرزاق ) (5/441مججن حججديث ابججن
عباس.
2
)( أى الرؤيا التى يراها غير النبى.
- 237 -
اليقظة ،وإل ،كان عامل ً بغير شريعة ،إذ ليس بعد رسول الله
وح ّ
ى.
وة) (1فل ينبغججى أن
ول يقججال :إن الرؤيججا مججن أجججزاء النبجج ّ
تهمل ،وأيضًا ،إن المخبر فى المنام قد يكون النبى ،وهججو
قد قال )من رآنى فى النوم ،فقد رآنههى حق هًا ،فههإن
1
)( روى أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت عن النججبي
صلى الله عليه وسلم قال :رؤيا المجؤمن ججزء مجن سجتة
وأربعين جزءا ً من النبوة :رواه البخاري ) (6987ومسججلم
) (2264وأبجججججججو داود ) (5018والترمجججججججذي )(2271
والجججدارمي ) ،(2/123ورواه مجججن حجججديث أبجججي هريجججرة
البخججاري ) (6988ومسججلم ) (2263والترمججذي )(2270
وابن ماجججة ) (3894والحججاكم ،ومججن حججديث أبججي سججعيد
البخاري ) (6989وابن ماجة ) ،(3895ومججن حججديث أبججي
رزيججن العقيلججي رواه الترمججذي ) (2278وابججن حبججان )
(6050والحججاكم ،ومججن حججديث أنججس رواه البخججاري )
(6983والترمججذي ) (2272ابججن ماجججة ) ،(3893ورواه
مسلم ) (2265وابن ماجة ) (3897من حديث ابن عمر،
ورواه البزار ) 1583زوائده( من حديث عوف بن مالججك،
ومن حججديث العبججاس ) 1582زوائده( ،ومججن حججديث ابججن
مسعود ) (1581وفي بعججض هججذه الروايججات اختلف فججي
العدد.
وقال ابن الثير في جامع الصول ) (2/518في
تفسير الحديث :كان عمر رسول الله صلى الله عليججه
وسلم في أكججثر الروايججات الصججحيحة ثلث جا ً وسججتين سججنة،
وكانت مدة نبوته منها ثلثا ً وعشرين سنة ،لنه ُبعث عنججد
استيفائه أربعين سنة ،وكان في أول عمججره يجرى الججوحي
مل َججك فججي
في المنام ،ودام كذلك نصف سججنة ،ثججم رأى ال َ
اليقظة ،فإذا نسبت المدة التي أوحى إليه فيها في النوم
- 238 -
الشيطان ل يتمثل بى() ،(2وإذا كان … فإخبججاره لججه فججى
النوم كإخباره فى اليقظة ،لنا نقول:
.1إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة ،فليست إلينا مججن
كمال الوحى ،بل جزء من أجزائه ،والجزء ل يقججوم مقججام
الكل فى جميع الوجوه ،بل إنما يقججوم مقججامه فججى بعججض
الوجوه ،وقد صرفت إلى جهججة البشججارة والنججذارة ،وفيهججا
1
منة :القوة وخصت بقوة القلججب والمقصججود ضججعيف
)( ال ُ
القلب.
- 244 -
)(2
م مججن الشججرع فيهججا ،واللججه
فى أخذها ،حسبما فُِه َ الاعتدال
أعلم.
ومن نظر إلى طرق أهل البدع فى الستدلل ،عرف أنها
ح
ل تنضبط ،لنها سيّالة ل تقف عند حد ،وعججل كججل وججهٍ يصج ّ
لكل زائغ وكافر أن يستدل علججى زيغججه وكفججره حججتى ينسججب
النحلة التى التزمها إلى الشريعة.
وكججذلك يمكججن كججل مججن اتبججع المتشججابهات ،أو حججرف
ل الآيات مال تحمله عند السلف الصالح ،أو م َ
المناطات ،أو حَ ّ
تمسك بالواهية من الأحاديث ،أو أخذ الدّلة ببادى الرأى ،لججه
ل على كل فعل أو قول أو اعتقاد وافق غرضه بآيججة أن يستد ّ
وز ذلك أص ً
ل. أو حديث ل يج ّ
دليل عليه استدلل كججل فرقججة شججهرت بالبدعججة علججى وال ّ
بدعتها بآية أو حديث ،من غير توقف –حسججبما تقججدم ذكججره،-
وسيأتى له نظائر أيضا ً إن شاء الله.
فمن طلب خلص نفسه ،تثبت حججتى يّتضججح لججه الطريججق،
ومن تساهل ،رمته أيدى الهججوى فججى معججاطب ل مخلججص لججه
منها إل ما شاء الله.
2
)( وهو أوسط القوال وأحسنها وأعدلها في حكم الرؤى
المنامية ،بين من قالوا يعمججل بهججا مطلق جًا ،ومججن أعججرض
عنها مطلقًا ،فهي كما جاء في الحديث" :لههم يبههق مههن
النبههوة إل المبشههرات ..الرؤيهها الصههالحة" رواه
البخاري ) (6990وغيره.
- 245 -
الباب الخامس
فى أحكام البدع الحقيقية والضافية والفرق
بينهما
1
)( تقدم تخريجه ص ،51وأنه رواه الشيخان ،ونزيد هنججا:
رواه النسججائي فججي المجتججبى ) (6/60وفججي الكججبرى )
(5324وابن حبان فججي المقدمججة ) ،14ج (317والججبيهقي
في السنن ) (7/77فججي النكججاح ،وفججي الشججعب )(5477
وأحمد ) ،3/241ج ،259ج ،(285كلهم مججن حججديث أنججس.
ورواه أحمججد ) (6477وابججن خزيمججة )،197ج (2024مججن
حديث عبد اللججه بججن عمججرو .ورواه الججدارمي مججن حججديث
سججعد بججن أبججي وقججاص ) .(2/133ورواه أحمججد )(4/409
- 252 -
وخّرج سعيد بججن منصججور ،وإسججماعيل القاضججي عججن أبججي
أمامة الباهلي رضي الله عنججه أنججه قججال :أحججدثتم قيججام شججهر
رمضان ولم يكتب عليكم ،إنما كتب عليكم الصججيام ،فججدوموا
علججى القيججام إذ فعلتمججوه ول تججتركوه ،فججإن أناس جا ً مججن بنججي
إسججرائيل ابتججدعوا بججدعا ً -لججم يكتبهججا اللججه عليهججم -ابتغججوا بهججا
عوها حق رعايتهججا ،فعججاتبهم اللججه بتركهججا رضوان الله ،فلم ير َ
ة ْ
عههوهُ َرأ َ
فهه ً ّ ُ فههي ُ عل َْنهها ِ
ن ات ّب َ ُذي َ ب الهه ِ
قلههو ِ ج َو َفقججالَ :
)(2
ها… الية . عو َة اب ْت َدَ ُ
هَبان ِي ّ ًوَر ْ
ة َ
م ً
ح َ
وَر ْ
َ
وهذا القول يقرب من قول بعض المفسججرين فججي قججوله:
ها يريد أنهم قصروا فيها ولججم
عاي َت ِ َ
ر َ
ق ِ
ح ّ
ها َ
و َع ْ
ما َر َ َ
ف َ
يدوموا عليها.
قال بعض نقلة التفسير :وفي هذا التأويججل لججزوم التمججام
لكل من بدأ بتطوع ونفل ،وأنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه.
وهذا القول محتاج إلججى النظججر والتأمججل ،إذا بنينججا العمججل
على وفقه ،إذ أكثر العلماء على القول الول ،فإن هذه الملة
ل بدعة فيها ،ول تحتمل القول بجواز البتججداع بحججال ،للقطججع
بالدليل أن كل بدعة ضللة -حسبما تقججدم -فالصججل أن يتبججع
الدليل ،ول عمل على خلفه.
ومع ذلك فل نخلي -بحول الله -قول أبججي أمامججة رضججي
1
)( رواه البخاري ) ،1233ج (4370ومسلم ) (834وأبججو
داود ) (1273وابن حبججان ) (1576والججدارمي والججبيهقي،
وهي :هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر
بن مخزوم المخزومية ،أم سلمة أم المؤمنين ،وهي بنت
عم خالد بن الوليد وأبي جهل بن هشام ،كانت من أجمل
النساء وأشرفهن نسبًا ،تزوجها النبي سنة أربع وقيججل
ثلث بعججد سججودة وعائشججة ،لهججا أولد صججحابيون :عمججر
وسلمة وزينب التي كجانت فجي حججر النجبي ،وأكجثرت
من الرواية عن النبي ،وهي تعد مججن فقهججاء الصججحابيات،
وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين ،عمججرت حججتى
بلغها مقتل الحسين الشهيد فوجعت لذلك وغشججي عليهججا
وحزنت عليه كثيرًا ،ولم تلبث بعده إل يسيرًا ،ماتت سججنة
اثنتين وستين رضي الله عنها) .انظر سير أعلم النبلء(.
- 256 -
قال الله تعالى فججي صججفة نججبيه : عزيز عليههه مهها
)(1
عنتههم حريههص عليكههم بههالمؤمنين رؤوف رحيههم
وقججال تعججالى :يريد اللهه بكهم اليسهر ول يريهد بكهم
العسههر (2)وقههال :يريههد اللههه أن يخفههف عنكههم
وخلق النسههان ضههعيفا ً (3)وسججمى اللججه تعججالى الخججذ
بالتشديد على النفس اعتداًء فقال تعالى :يا أيها الههذين
آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ول تعتههدوا
.(4)
ومن الحاديث كثير ،كمسألة الوصال ،ففي الحديث :عن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت" :نهههاهم النههبي عههن
ة لهم ،قالوا :إنك تواصههل ،قههال :إنههي الوصال رحم ً
منههيلسههت كهيئتكههم ،إنههي أبيههت عنههد ربههي ،يطع ُ
ويسقيني").(5
1
)( التوبة.128 :
2
)( البقرة.185 :
3
)( النساء.28 :
4
)( المائدة.87 :
5
)( رواه البخاري ) (1964ومسلم ) (1105والبيهقي من
حججديث عائشججة ،ورواه مسججلم ) (1103عججن أبججي هريججرة
نحوه ،وفيه :فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصججال واصججل بهججم
يومججا ً ثججم يومججًا ،ثججم رأوا الهلل ،فقججال :لججو تججأخر الهلل
لزدتكم ،كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا .ورواه البخججاري
) (1965،6851وابجججن حبجججان ) (3575وعبجججد الجججرزاق )
(7753والججدارمي والججبيهقي كججذلك .ورواه البخججاري )
(1961ومسلم ) (1104وابججن حبججان ) (3574والججبيهقي
مججن حججديث أنججس .ورواه البخججاري ) (1962ومسججلم )
(1102وأبو داود ) (2360مججن حججديث ابججن عمججر ولكنججه
مختصججر .ورواه البخججاري )،1963جج (1967وأبججو داود )
(2361وابججن حبججان ) (3577والججدارمي والججبيهقي مججن
- 257 -
ومن ذلك مسألة قيام النجبي بهججم فججي رمضجان ،فجإنه
تركه مخافة أن يفرض عليهم فيعجزوا عنه ،فيقعوا في الثم
والحرج ،فكان ذلك رفقا ً منه بهم.
قال القاضي أبججو الطيججب :يحتمججل أن يكججون اللججه تعججالى
أوحى إليه أنه إن واصل هذه الصلة معهم ،فرضت عليهم.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها" :إن كان رسههول
الله ليدع العمل ،وهو يحب أن يعمههل بهه ،خشههية
أن يعمل به الناس فُيفرض عليهم").(1
ومن ذلك حديث الحولء بنت تويت؛ قالت عائشججة رضججي
ي رسههول اللههه وعنههدي امههرأة الله عنها" :دخل عل ّ
فقال :من هذه؟ فقلت :امرأة ل تنام تصلي .فقال
:ل تنام الليههل! خههذوا مههن العمههل مهها تطيقههون،
فوالله ل يسأم الله حتى تسأموا").(2
فأعاد لفظ :ل تنام ،منكرا ً عليها -واللججه أعلججم -غيججر راض
فعلها ،لما خافه عليها مججن الكلججل والسججآمة ،أو تعطيججل حججق
آكد.
ونحوه حديث أنس رضي الله عنه قال" :دخههل رسههول
اللههههههههههههههههههههههههه المسههههههههههههههههههههههههجد
-وحبل ممدود بين سارتين -فقال :ما هههذا؟ قههالوا:
حبل لزينب تصلي ،فإذا كسههلت أو فههترت أمسههكت
فصل
إذا ثبت هذا ،فالدخول في عمل على نية اللتزام لججه :إن
1
)( هذا والذي قبله جزء من حججديث عبجد اللجه بجن عمججرو
المتقدم تخريجه قريبًا.
2
)( رواه مسلم ) (1162وابن خزيمة ) (2111وأبججو داود
) (2425وابن ماجة ).(1713
3
)( رواه من حديث عائشة :البخججاري ) (1969ومسججلم )
(1156وأبو داود ) (2434وابن ماجة ) (1710والنسائي
) (4/199وفججي الكججبرى ) (2487وابججن خزيمججة )(1163
وابججن حبججان ) (3637وعبججد الججرزاق ) (7859وابججن أبججي
شيبة والحاكم والبيهقي .ورواه مججن حججديث ابججن عبججاس:
البخاري ) (1971أبو داود ) :2430صحيح( وابجن ماجججة )
(1711والنسائي ) (4/199وفي الكججبرى ) (2655وابججن
أبي شيبة والحاكم والبيهقي .ورواه البخاري ) (1972من
حديث أنس.
- 263 -
كان في المعتججاد بحيججث إذا داوم عليججه أورث مل ً
ل ،ينبغججي أن
يعتقد أن هذا اللتزام مكججروه ابتججداًء ،إذ هججو مججؤد إلججى أمججور
جميعها منهي عنه:
أحدها :أن الله ورسههوله أهههدى فههي هههذا الههدين
التسهيل والتيسير :وهججذا الملججتزم يشججبه مججن لججم يقبججل
دهججا علججى مهججديها ،وهججو غيججر لئق هججديته ،وذلججك يضججاهي ر ّ
بالمملوك مع سيده ،فكيف يليق بالعبد مع ربه؟!.
والثاني :خوف التقصير أو العجز عن القيام بما
هو أولى وآكد فههي الشههرع :وقججال إخبججارا ً عججن داود
عليه السلم" :إنه كان يصوم يومها ً ويفطهر يومهًا ،ول
فّر إذا لقى") ،(1تنبيها ً على أنه لججم يضججعفه الصججيام عججن
يَ ِ
لقاء العدو فيفججر ويججترك الجهججاد فججي مججواطن تكبججده بسججبب
ضعفه.
وقيل لعبد الله بجن مسجعود رضجي اللجه عنجه :إنجك لتقجل
الصججوم! فقججال :إنججه يشججغلني عججن قججراءة القججرآن ،وقججراءة
ي منه. القرآن أحب إل ّ
ولذلك كجره مالجك إحيجاء الليجل كلجه ،وقجال :لعلجه يصجبح
مغلوبًا ،وفي رسول الله أسوة ،ثم قال :ل بأس به ما لججم
يضر بصلة الصبح.
وقد جاء في صيام يوم عرفة "أنهه يكفهر سهنتين")،(2
ثم إن الفطار فيججه للحججاج أفضججل ،لنججه قججوة علججى الوقججوف
)( وهو من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبًا. 1
2
)( رواه من حديث أبي قتادة :مسلم ) (1162والترمذي
) (749والنسججائي فججي الكججبرى ) (2806وابججن ماجججة )
(1730وابججن خزيمججة ) (2087وعبججد الججرزاق )(7828
والبيهقي وابن ابي شيبة والحججاكم .وانظججر مججا قججاله ابججن
وي للدعاء لهذا اليوم للحاج ).(8/369 حبان في التق ّ
- 264 -
والدعاء ،ولبن وهب في ذلك حكاية ،وقد جاء فججي الحججديث:
وارك عليههك حقههًا، "إن لهلههك عليههك حقههًا ،ولههز ّ
ولنفسك عليك حقًا") ،(1فإذا انقطع إلى عبججادة ل تلزمججه
فججي الصججل ،فربمججا أخججل بشججيء مججن هججذه الحقججوق .وهججذا
الحديث قد جمع التنبيه على حق الهل بججالوطء والسججتمتاع،
ومججا يرجججع إليججه ،والضججيف بالخدمججة والتججأنيس والمؤاكلججة
وغيرها ،والولد يالقيام عليهم بالكتساب والخدمة ،والنفججس
بترك إدخال المشقات عليها ،وحق الرب سججبحانه بجميججع مججا
تقججدم ،وبوظججائف أخججر ،فججرائض ونوافججل آكججد ممججا هججو فيججه،
والواجب أن يعطى لكل ذى حق حقه.
والثههالث :خههوف كراهيههة النفههس لههذلك العمههل
الملتزم :لنه قد فرض من جنججس مججا يشججق الججدوام عليججه،
فتدخل المشقة بحيث ل يقرب من وقت العمججل إل والنفججس
تشمئز منه ،وتود لو لم تعمل ،أو تتمنى لو لم تلتزم.
خّرج مسلم عن سعيد بن أبي بردة عججن أبيججه عججن جججده:
أن النججبي بعثججه ومعججاذا ً إلججى اليمججن ،فقججال" :بشرا ول
تنفرا ،ويسرا ول تعسرا ،وتطاوعا ول تختلفا").(2
)( وهو من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبا ً عنججد 1
ذلك عنها ابن أبي شيبة[ ،ومن التابعين عبد الرحمججن بججن
أبي نعم ،وعامر بن عبد الله بن الزبير ،وإبراهيم بن زيججد
التيمي ،وأبو الجوزاء كما نقله أبو نعيم فججي ترجمتججه فججي
الحلية وغيرهججم ،رواه الطججبري وغيججره .وأشججار الترمججذي
إلى مواصلة عبد الله بن الزبيججر ،دون أن يسججوق سججنده،
وذلك عقب حديث الوصال ).(778
1
)( هو :مسروق بن الجدع :المام القدوة العلم ،أبو
عائشة الوادعي الهمداني الكوفي ،حججدث عججن جمججع مججن
الصحابة ،أسلم في حياة النبي ولكنه من المخضرمين
من كبار التابعين ،قال أبو بكر الخطيب :سمي بذلك لنججه
سرق صغيرا ً ثججم وُ ِ
جججد .قججال أحمججد بججن حنبججل :قججال ابججن
عيينة :بقي مسروق بعد علقمة ل يفضل عليه أحد ،وقال
يحيى بن معين :مسروق ثقة ل يسأل عججن مثلججه ،وسججأل
عثمان بن سعيد يحيى عن مسروق وعججروة فججي عائشججة
فلم يخير .وقال علي بن المديني :ما أقدم على مسروق
أحدا ً من أصحاب عبد اللججه صججلى خلججف أبججي بكججر ولقججي
عمرا ً وعليًا ،ولم يججرو عجن عثمجان شججيئًا .وقجال العجلججي:
تجابعي ثقجة كجان أحجد أصججحاب عبجد اللجه الجذين يقجرئون
ويفتون ،وكجان يصجلي حجتى تججرم قججدماه .وعجن الشجعبي
قال :غشي على مسروق في يوم صائف ،وكانت عائشة
قد تبنته ،فسمى بنته عائشة ،وكان ليعصججي ابنتججه شججيئًا،
قال :فنزلت إليه فقالت :يا أبتاه أفطر واشرب ،قال :مججا
أردت بي يا بنية؟ قالت :الرفق ،قال :يا بنية إنمججا طلبججت
- 272 -
الخججذ بمججا هججو شججاق فججي الججدوام ،ولججم يعججدهم أحججد بججذلك
مخالفين للسنة ،بل عدوهم من السابقين ،جعلنا الله منهم.
وأيضا ً فإن النهي ليس عن العبادة المطلوبة ،بل هو عججن
الغلوّ فيها ،غلوا ً ُيدخل المشقة على العامل ،فإذا فرضنا مججن
فقدت في حقه تلك العلة ،فل ينتهض النهجي فجي حقججه ،كمجا
إذا قال الشارع" :ل يقضي القاضي وهههو غضههبان")،(1
وكانت علة النهي تشويش الفكر عن استيفاء الحجج ،اطججرد
وش ،وانتفى عند انتفججائه ،حججتى إنججه منتججف
النهي مع كل مش ّ
مع وجود الغضب اليسير ،الذي ل يمنع من اسججتيفاء الحجججج،
وهذا صحيح جارٍ على الصول.
وحال من فقدت في حقه العلة ،حججال مججن يعمججل بحكججم
ط سججائق، غلبة الخوف أو الرجاء أو المحبة ،فإن الخوف سو ٌ
والرجاء حادٍ قائد ،والمحبة سججبيل حامججل ،فالخججائف إن وجججد
المشقة ،فالخوف مما هو أشق يحمله على الصججبر علججى مججا
هو أهون ،وإن كان العمجل شجاقًا ،والراججي يعمججل وإن وججد
المشقة ،لن رجاء الراحججة التامججة يحملججه علججى الصججبر علججى
1
)( تقدم تخريجه في نفس الباب.
2
)( تقدم تخريجه في نفس الباب.
- 275 -
عيني في الصلة") ،(1فلذلك قام حتى تورمت قدماه،
ل إل وامتثججل أمججر ربججه فججي قججوله تعججالىُ :
قههم ِ الليهه َ
قليل ً (2)الية .
َ
والثالث :أن دخول المشقة وعججدمه علججى المكلججف فججي
الدوام أو غيره ليس أمرا ً منضبطًا ،بججل هججو إضججافي مختلججف
بحسججب اختلف النججاس فججي قججوة أجسججامهم ،أو فججي قججوة
عزائمهججم ،أو فججي قججوة يقينهججم ،أو نحججو ذلججك مججن أوصججاف
أجسامهم أو أنفاسهم ،فقججد يختلججف العمججل الواحججد بالنسججبة
إلى رجليججن ،لن أحججدهما أقججوى جسججمًا ،أو أقججوى عزيمججة أو
يقينا ً بالموعد ،والمشقة قد تضججعف بالنسججبة إلججى قججوة هججذه
المور وأشباهها ،وتقوى مع ضعفها.
1
ى مججن دنيججاكم الطيججب والنسججاء،حبججب إلجج ّ
)( حججديثُ " :
وجعلججت قججرة عينججي الصججلة" .رواه مججن حججديث أنججس
النسججائي فججي المجتججبى ) (7/61وفججي الكججبرى )(8887
وعبجججد الجججرزاق ) (7939والحجججاكم ) (2/160وأحمجججد )
،3/128جج (285وأبججو يعلججى ) (3530والطججبراني فججي
الوسجججط ) (5199والصجججغير ) (741والجججبيهقي )(7/78
وصححه اللباني في السنن ،وقال في تخريج المشججكاة )
(5261زيججادة "ثلث" ل أصججل لهججا فججي طججرق الحججديث،
وهي مخلة بالمعنى كما ل يخفى ]لنها تجعل حب الصلة
من أمور الدنيا[ وسججبقه إلججى ذلججك القججول العراقججي فججي
أماليه والحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ،وقد سججبق
ن القيم في الزاد ) .(1/145وجججزؤه الخيججر رواه هؤلء اب ُ
الطججبراني فججي الكججبير مججن حججديث المغيججرة بججن شججعبة )
– (20/420وصججححه فججي صججحيح الجججامع )(3093
وضججعفه السججيوطي -وانظججر الصججحيحة ) ،(1805ورواه
ابن سعد ) (1/398من حديث عائشة دون ذكججر الصججلة،
وسنده ضعيف.
2
)( المزمل.2 :
- 276 -
فنحن نقول :كل عمل يشق الججدوام علججى مثلججه بالنسججبة
إلى زيد فهو منهي عنه ،ول يشق على عمرو فل ينهى عنه.
فنحن نحمل ما داوم عليه الولون من العمال علججى أنججه
لم يكن شاقا ً عليهم ،وإن كان ما هجو أقجل منجه شجاقا ً علينجا،
ة لنجا أن نجدخل فيمجا فليس عمل مثلهجم بمجا عملجوا بجه حجج ً
دخلججوا فيججه ،إل بشججرط أن يمتججد منججاط المسججألة فيمججا بيننججا
وبينهم ،وهو أن يكون ذلك العمل ل يشق الدوام على مثله.
وليس كلمنا فججي هججذا لمشجاهدة الجميججع ،فجإن التوسججط
والخذ بالرفق هو الولى والحرى بالجميع ،وهججو الججذي دلججت
عليه الدلججة ،دون اليغججال الججذي ل يسججهل مثلججه علججى جميججع
الخلق ول أكثرهم ،إل على القليل النادر منهم.
والشججاهد لصججحة هججذا المعنججى قججوله " :إنههي لسههت
كهيئتكهههم ،إنهههي أبيهههت عنهههد ربهههي يطعمنهههي
ويسقيني") (1يريد :أنه ل يشق عليه الوصال ،ول يمنعه
عن قضاء حق الله وحقوق الخلق).(2
فعلى هذا :من رزق أنموذجا ً مما أعطيه ،فصار يوغججل
في العمل مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه فل حرج.
وأما رده على عبد الله بججن عمججرو ،فيمكججن أن يكججون
شهد بأنه ل يطيق الدوام ،ولججذلك وقججع لججه مججا كججان متوقعجًا،
1
)( تقدم أول الباب.
2
)( لكن ل ينفي هذا أنه يطعمه ربه ويسقيه حال صيامه،
لنه هكذا قال وقوله الصدق ،ول يخدش ذلك في صججومه
أبدًا ،لن هذا طعام ل كسائر الطعججام ،فهججو طعججام خججاص
من الله تعالى لنججبيه وصججفيه ،فل يأخججذ أحكججام طعججام
الدنيا .وبنحو ذلك نقل الحافظ فججي الفتججح ) (4/244عججن
بعض العلمجاء ،ونقججل عجن الجمهجور أن ذلجك ليجس علجى
الحقيقة.
- 277 -
حتى قججال" :ليتني قبلههت رخصههة رسههول اللههه ،(1)"
ويكون عمل ابججن الزبيججر وابججن عمججر وغيرهمججا فججي الوصججال
جاريا ً على انهم أعطوا حظا ً مما أعطيه رسول الله ،وهذا
بناء على أصل مذكور في كتاب الموافقات والحمد لله.
وإذا كان كذلك لم يكن في العمل المنقجول عجن السجلف
مخالفة لما سبق.
فصل
لكن يبقى النظر في تعليل النهججي ،وأنججه ُيقتضججي انتفججاؤه
عند انتفاء العلة ،وما ذكروه فيه صحيح في الجملة ،وفيه في
التفصيل نظر ،وذلك أن العلة راجعة إلى أمريججن :أحههدهما:
الخوف من النقطاع والترك إذا التزم فيما يشق فيه الدوام،
والخر :الخوف مجن التقصجير فيمجا هجو آكجد مجن حجق اللجه
وحقوق الخلق.
صل فيه أصل ً راجع جا ًأما الول :فإن رسول الله قد أ ّ
إلى قاعدة معلومة ل مظنونة ،وهي بيان أن العمل المججورث
للحرج عند الدوام منفي عن الشريعة ،كمجا أن أصجل الحجرج
عث بالحنيفية السمحة) ،(2ول سماح منفي عنها ،لنه ب ُ ِ
1
)( تقججدم تخريجججه أول البججاب مججن حججديث عبججد اللججه بججن
عمرو بن العاص.
2
)( صحيح لغيره :رواه البخججاري فججي الدب المفججرد )
(287من حديث ابججن عبججاس ،وانظججر الصججحيحة )،(881
ورواه أحمد ) (2107والطججبراني فججي الكججبير ).(11572
ورواه من حديث عائشة :أحمد ) (6/116وسنده حسججن.
ورواه من حججديث أبججي أمامججة :أحمججد ) (5/266وإسججناده
ضعيف ،والطبراني في الكبير ) .(7883ورواه من حديث
ابن عمر :البيهقي في الشججعب ) (2791والطججبراني فججي
الوسط ) .(798ورواه من حججديث رجججل :عبججد الججرزاق )
- 278 -
مع دخول الحرج .فكل من ألزم نفسه ما يلقججى فيججه الحججرج
فقد يخرج عن العتدال في حق نفسه ،وصار إدخاله للحججرج
على نفسه من تلقاء نفسه ،ل من الشارع.
لكججن لقججائل أن يقججول :إن النهججي هاهنججا معلججق بججالرفق
الراجع إلى العامل.
وإذا روعي حظ النفس ،فقد صار المر في اليغججال إلججى
العامل ،فله أن ل يمكنها من حظها ،وأن يستعملها فيمججا قججد
يشق عليها بالدوام -بناًء على القاعدة المؤصججلة فججي أصججول
الموافقات في إسقاط الحظوظ ،فل يكججون إذا ً منهي جًا -علججى
ذلك التقدير.
والجواب :أن حظوظ النفس بالنسججبة إلججى الطلججب بهججا
قد يقال :إنه من حقوق الله على العباد ،وقد يقال :إنججه مججن
حقوق العباد ،فل ينهض ما قلتم ،إذ ليس للمكلف خيرة فيه.
فكما أنه متعبد بالرفق بغيره ،كججذلك هججو مكلججف بججالرفق
بنفسه ،ودل على ذلك قوله ) :إن لنفسك عليك حقًا(
إلى آخر الحديث.
ويدل عليه أنه ل يحل للنسان أن يبيح لنفسججه ول لغيججره
دمججه ،ول قطججع طججرف مججن أطرافججه ،ول إيلمججه بشججيء مججن
اللم ،ومن فعل ذلك أِثم واستحق العقاب ،وهو ظاهر.
1
)( تقججدم تخريجججه فججي البججاب فججي الحاشججية ،وأنججه رواه
البخاري وغيره ،وقصة أبي الدرداء أشبه بقصة عبججد اللججه
جها توجيها ً مماث ً
ل. بن عمرو ،وقد و ّ
- 280 -
فصل
وَردَ الشكا ُ
ل الثاني: إذا ثبت ما تقدم َ
وهججو أن الججتزام النوافججل الججتي يشججق التزامهججا مخالفججة
للدليل ،وإذا خالفت ،فالمتعبد بها -على ذلك التقججدير -متعبججد
بما لم يشرع وهججو عيججن البدعججة ،فإمججا أن تنتظمهججا أدلججة ذم
البدعة أو ل:
فإن انتظمتها أدلة الذم ،فهو غير صحيح لمرين:
ره لعبد الله بجن عمجرو أحدهما :أن رسول الله لما ك ِ
ره ،وقال له :إني أطيق أفضل مججن ذلججك ،فقججال لججه : ما ك ِ
)(1
"ل أفضل من ذلك" تركه بع جد ُ علججى الججتزامه ،ولججول أن
عبد الله فهم منه بعد نهيججه القججرار عليججه لمججا الججتزمه ودوام
عليه ،حتى قال :ليتني قبلت رخصة رسول الله .
وكذلك ما ثبت عن غيره من وصال الصيام وأشباهه.
وإذا كان كذلك،لم يمكن أن يقال :إنها بدعة!.
)( لم يتركه علججى الججتزامه الول ،بججل تركججه -بعججد أن 1
راجعه عبد الله أكثر مججن مججرة فججي الصججيام -تركججه علججى
التزام صوم يوم ويججوم .يججدل علججى ذلججك روايججة مسججلم )
" (1159لن أكون قبلت الثلثة اليام الججتي قججال رسججول
الله أحججب إلججي مججن أهلججي ومججالي" ونحججو ذلججك عنججد
البخاري فجي بججاب :فججي كججم يقججرأ القججرآن ،ولكجن بشجأن
قججراءة القججرآن ل الصججيام .إذن فالمقصججود مججن تأسججفه
وقوله :ليتني هو ما أرشده إليه النبي من صججوم ثلثججة
أيام كل شهر ،فذلك أيسر عليه وأخف في الدوام ،ولكنه
كان يقول :إني أطيق أفضل مججن ذلججك ،فمججا زال يطلججب
من النبي المزيد حتى بلغ إلى صوم داود عليه السلم.
- 281 -
الثاني :أن العامججل بهججا دائمجا ً بشججرط الوفججاء ،إن الججتزم
الشرط فأداها علججى وجههججا ،فلقججد حصججل مقصججود الشججارع،
فارتفع النهي إذًا ،فل مخالفة للدليل ،فل ابتداع إذًا.
وإن لم يلتزم أداءهججا :فجإن كجان باختيججار فل إشججكال فججي
المخالفة المذكورة.
وإن كان لعارض مرض أو غيججره مججن العججذار :فل نسججلم
أنه مخالف ،كما ل يكون مخالفا ً في الواجب إذا عارضجه فيجه
عارض ،كالصيام للمريض والحج لغير المسججتطيع ،فل ابتججداع
إذًا.
وأما إن لم تنتظمها أدلة الذم :فقججد ثبجت أن مجن أقسجام
البدع ما ليس بمنهي عنه ،بل هو مما يتعبججد بججه ،وليججس مججن
قبيل المصالح المرسلة ،ول غيرها مما له أصل على الجملة،
وحيئنذ يشمل هذا الصل كل ملتَزم تعبدي كججان لججه أصججل أم
ل؟ ،لكن فحيث يكون له أصل على الجملة ل على التفصيل،
كتخصيص ليلة مولد النبي بالقيام فيها ،ويومه بالصججيام أو
بركعات مخصوصة ،وقيام ليلة أول جمعة مججن رجججب ،وليلججة
النصف من شعبان ،والتزام الدعاء جهرا ً بآثججار الصججلوات مججع
)(1
ي ،وعنججدانتصاب المام ،وما أشبه ذلك ممججا لججه أصججل جل ج ّ
ذلك ينخرم كل ما تقدم تأصيله.
والجواب:
عن الول :أن القرار صججحيح ،ول يمتنججع أن يجتمججع مججع
النهي الرشاد لمر خارجي ،فإن النهي لججم يكججن لجججل خلججل
1
)( تقججدم أن ذلججك لججم يثبججت ص 54رقججم ) ،(2ص 203
رقم ) .(2والمقصود من الدعاء :هو الجماعي مججع المججام
إثر المكتوبات.
- 282 -
في نفس العبادة ،ول في ركن من أركانها ،وإنما كججان لجججل
الخوف من أمر متوقع ،كما قالت عائشة رضججي اللججه تعججالى
عنهجا :إن النهجي عجن الوصجال إنمجا كجان رحمجة للمجة .وقجد
واصل رسول الله بمن تبعه في الوصال كالمنك ّججل بهججم)،(1
ولو كان منهيا ً عنه بالنسبة إليهم لما فعل.
فانظر كيف اجتمع في الشيء الواحد كونه عبادةً ومنهي جا ً
عنه ،لكن باعتبارين ،ونظيره في الفقهيات :ما يقوله جماعججة
من المحققين في البيع بعد نداء الجمعججة ،فججإنه ُنهججى عنججه ل
من جهجة كجونه بيعجًا ،بجل مجن جهجة كجونه مانعجا ً مجن حضجور
الجمعة ،فيجيزون الججبيع بعججد الوقججوع ،ويجعلججونه فاسججدا ً وإن
وجد التصريح بالنهي فيه ،للعلم بأن النهي ليججس براجججع إلججى
نفس البيع ،بل إلى أمر يجاوره).(2
1
)( تقدم في نفس الباب.
)( لقوله تعججالى فججي سججورة الجمعججة وذروا البيع، 2
1
)( ذكججر ذلججك مسججلم والبخججاري ،كمججا فججي التخريجججات
السابقة :أنه كان إذا ضعف يفطججر ويحسججب اليججام الججتي
أفطرها ويقضيها.
- 284 -
كذلك ،بل ثم قسم آخر ،وهججو أن يتركهججا بسججبب تسججبب هججو
فيه.
وأما قوله :ثبت أن من أقسام البدع ما ليس بمنهي عنه،
فليس كما قال ،وذلك أن المندوب هو من حيث هججو منججدوب
يشبه الواجب من جهة مطلق المر ،ويشبه المباح مججن جهججة
رفع الحرج على التارك ،فهو واسطة بين الطرفين ل يتخلججى
إلى واحد منهمججا ،إل أن قواعججد الشججرع شججرطت فججى ناحيججة
طا ،فشججرط طا ،كما شرطت فى ناحية تركه شججر ً العمل شر ً
العمل به أن ل يدخل به مدخل ً يؤدى إلى الحججرج يججؤدى إلججى
سا ،أو انخرام ما هو أولى منه ،وما وراء انخرام الندب فيه رأ ً
هذا موكول إلى خيرة المكلف ،فججإن دخججل فيججه فل يخلججو أن
يدخل فيه على قصد انخرام الشرط أو ل ،فججإن كججان كججذلك،
فهو القسجم الجذى يجأتى إن شجاء اللجه ،وحاصجله أن الشجارع
طالبه برفع الحرج ،وهو يطالب نفسه بوضعه ،وإدخاله علججى
نفسه وتكليفها ما ل يسججتطاع ،مججع زيججادة الخلل بكججثير مججن
الواجبات والسنن ،التي هي أولى مما دخل فيه ،ومعلججوم أن
هذه بدعة مذمومة.
ري
وإن دخججل علججى غيججر ذلججك القصججد ،فل يخلججو أن ُيج ج ِ
المندوب على مجراه أو ل:
فإن أجججراه كججذلك بججأن يفعججل منججه مججا اسججتطاع إذا وجججد
نشاطًا ،ولم يعارضه ما هو أولى مما دخل فيججه ،فهججو محججض
السنة التي ل مقججال فيهججا ،لجتمجاع الدلججة علجى صججحة ذلججك
مر فهو غير تارك ،ونهى عججن اليغججال وإدخججال ُ
العمل ،إذ قد أ ِ
الحرج فهو متحرز ،فل إشكال فججي صججحته ،وهججو كججان شججأن
السلف الول ومن بعدهم.
وإن لم يجره على مجراه ،ولكنه أدخل فيججه رأي اللججتزام
والدوام ،فذلك الرأي مكروه ابتداًء.
1
)( تقدم تخريجه أول الباب.
2
)( المائدة.88 – 87 :
- 287 -
عن ذلههك ،فرخههص لنهها بعههد ذلههك أن نههتزوج المههرأة
بالثوب إلى أجل")- ،(1يعنججي ،واللججه أعلججم ،نكججاح المتعججة
المنسوخ -ثم قرأ ابن مسعود :يا أيههها الههذين آمنههوا ل
تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .
1
)( رواه البخججاري ) (4615ومسججلم ) (1404والججبيهقي )
(7/79وابججن أبججي شججيبة ) (3/454وابججن حبججان )(4141
والطحاوي في شرح معاني الثار ).(3/24
2
)( رواه البخاري ) (5073ومسججلم ) (1402والترمججذي )
(1083والنسججائي ) (6/58وفججي الكججبرى ) (5323وابججن
ماجة ) (1848من حديث سعد بن أبي وقاص.
3
)( لنهم رضي الله عنهم كان قصدهم من ذلك النقطاع
لمور الخرة من العبادة والطاعة.
4
)( روى البخاري ) (4911وغيره ،عن ابن عباس رضججي
فر ،وقال ابن عباس :لقججدالله عنهما قال :في الحرام يك ّ
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
- 288 -
علججى نفسججه شججيئا ً ممججا أحججل اللججه لججه فليججس ذلججك التحريججم
ل ،وليشججرب إن كججان مشججروبًا، بشيء ،فليأكل إن كان مججأكو ً
وليلبججس إن كججان ملبوس جًا ،وليملججك إن كججان مملوكجًا .وكججأنه
إجمججاع منهججم منقججول عججن مالججك وأبججي حنيفججة والشججافعي
وغيرهم.
واختلفوا في الزوجججة :ومججذهب مالججك أن التحريججم طلق
كالطلق الثلث) ،(1وما سججوى ذلججك فهججو باطججل ،لن القججرآن
ة
شهد بكونه اعتداء ،حتى إنه إن حّرم علججى نفسججه وطجء أمج ِ
غيره قاصدا ً به العتق فوطؤها حلل ،وكججذلك سججائر الشججياء:
من اللباس والمسججكن والصججمت والسججتظلل والستضججحاء،
وقد تقججدم الحجديث فجي النججاذر للصججوم قائمجا ً فجي الشجمس
ساكتًا ،فإنه تحريم للجلوس والكلم والستظلل ،والنججبي
أمره بالجلوس والتكلم والستظلل).(2
قال مالك :أمره ليتم ما كان لججه فيججه طاعججة ،ويججترك مججا
كان عليه فيه معصية.
فتججأملوا كيججف جعججل مالججك تججرك الحلل معصججية! وهججو
مقتضى الية في قوله تعالى :ول تعتدوا الية.
1
)( اختلفت أقججوال العلمججاء فججي حكججم مججن حجّرم امرأتججه
عليه ،حتى بلغها القرطبي ثمانية عشججر قججو ً
ل ،وقججال ابججن
حجر :وزاد غيره عليها) .انظر نيل الوطار .(7/57
2
)( رواه البخجججججاري ) (6704وابجججججن خزيمجججججة )(2241
والججدارقطني ) (4/161وأبجو داود ) (3300وابجن ماجججة )
(2136وابن حبان ) (4385وعبد الرزاق ) (15821مججن
حديث ابن عباس.
- 289 -
فصل
ويتعلق بهذا الموضع مسائل:
.1إحداها :أن تحريم الحلل وما أشبه ذلك يتصور فججي
أوجه:
الول :التحريججم الحقيقججي ،وهججو الواقججع مججن الكفججار،
كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي) ،(1وجميع ما ذكر اللججه
تعالى تحريمه عن الكفار بالرأي المحض.
ومنه قوله تعالى :ول تقولوا لما تصف ألسههنتكم
الكههذب هههذا حلل وهههذا حههرام لتفههتروا علههى اللههه
الكذب (2)وما أشبهه من التحريم الواقع في السلم رأيججا ً
مجردًا.
الثاني :أن يكون مجرد ترك ل لغججرض ،بججل لن النفججس
تكرهه بطبعها ،أو ل تذكره حتى تستعمله ،أو ل تجد ثمنججه ،أو
تشتغل بما هو آكد ،وما أشبه ذلك.
1
)( روى البخاري بسنده ) (4623عن سعيد بن المسججيب
قال :البحيرة :التي يمنع درها للطواغيت فل يحلبها أحججد
من الناس ،والسائبة :كانوا يسججيبونها للهتهججم ل يحمججل
عليها شيء .قال :وقال أبو هريرة :قال رسججول اللججه :
رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ،كججان
أول من سيب السوائب .والوصيلة :الناقججة البكججر تبكججر
في أول نتاج البل ،ثم تثني بعججد بججأنثى ،وكججانوا يسججيبونها
لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالخرى ليس بينهما ذكججر.
والحام :فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضججى
ضرابه ودعوه للطواغيت ،وأعفوه من الحمل فلم يحمججل
عليه شيء وسموه الحامي.
2
)( النحل.116 :
- 290 -
ضججب لقججوله فيججه" :إنه لهم ومنه ترك النججبي لكججل ال ّ
)(3
يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" ،ول يسججمى مثججل
هذا تحريمًا ،لن التحريججم يسججتلزم القصججد إليججه ،وهججذا ليججس
كذلك.
الثالث :أن يمتنججع لنججذره التحريججم ،أو مججا يجججري مجججرى
النججذر مججن العزيمججة القاطعججة للعججذر ،كتحريججم النججوم علججى
الفراش سنة ،وتحريم الضرع ،وتحريم الدخار لغججد ،وتحريججم
اللّيججن مججن الطعججام واللبججاس ،وتحريججم الججوطء والسججتلذاذ
بالنساء في الجملة ،وما أشبه ذلك.
الرابع :أن يحلف على بعض الحلل أن ل يفعلججه ،ومثلججه
قد يسمى تحريمًا.
.2المسألة الثانية :أن الية التي نحججن بصججددها ينظججر
فيها على أي معنى يطلق التحريم من تلك المعاني:
أمهها الول :فل مججدخل لججه هاهنججا ،لن التحريججم تشججريع
كالتحليل ،والتشريع ليس إل لصاحب الشرع،
وأما التحريههم بههالمعنى الثههاني :فل حججرج فيججه فججي
الجملة ،لن بواعث النفوس على الشيء أو صوارفها عنججه ل
تنضبط بقانون معلوم.
وأما التحريم بالمعنى الثالث والرابع :فيحتمججل أن
يدخل في عبارة التحريم ،فيكون قوله تعالى :ل تحرمههوا
طيبات ما أحل الله لكههم قججد شججمل التحريججم بالنججذر،
3
)( رواه البخججاري ) (2575ومسججلم ) 1945ومججا بعججده(
وأبججو داود ) (3794والنسججائي ) (7/197وفججي الكججبرى )
(6653وابجججن ماججججة ) (3241وابجججن حبجججان )(5263
والبيهقي ) (9/323والدارمي من حديث ابن عبججاس عججن
خالد بن الوليد.
- 291 -
والتحريم بججاليمين ،والججدليل علججى ذلججك ذكججر الكفججارة بعججدها
بقوله تعالى :فكفارته إطعام عشرة مساكين إلخ.
.3والمسألة الثالثة :أن هذه الية يشججكل معناهججا مججع
قوله تعالى :كل الطعام كان حل ً لبني إسههرائيل إل
ما حهّرم إسهرائيل علهى نفسهه مهن قبهل أن ت َُنهزل
التوراة الية) ،(1فإن الله أخبر عن نبي من أنبيائه عليهججم
ل ،ففيه دليل لجججوازالصلة والسلم أنه حّرم على نفسه حل ً
مثله.
دم يقججرر أن ل والجواب :أنه ل دليل في الية ،لن ما تق ّ
تحريم في السلم ،فيبقى ما كججان شججرعا ً لغيرنججا منفيجا عججن
ً
شرعنا كما تقرر في الصول).(2
1
)( آل عمران.93 :
2
)( هذه مسألة أصولية مختلف فيها ،ففججي المسججودة لل
تيمية :مسألة :شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شججرعنا
بنسخه فجى أصجح الروايجتين ،وبهجا قجال الشجافعى وأكجثر
أصحابه ،وبها قالت الحنفية والمالكيججة ،والثانيججة :ل يكججون
شججرعا ً لنججا إل بججدليل واختارهججا أبججو الخطججاب وبججه قججالت
المعتزلة والشعرية ،وعن الشججافعية كالمججذهبين ،واختججار
الول أبو زيد فيما كان مذكورا ً فى القرآن ،ثججم القججائلون
بكونه شرعا ً لنا منهم من خصه بملة إبراهيجم ،وهجو قججول
بعض الشافعية ،ومنهم من خججص ذلججك بشججريعة موسججى،
ومنهم من خصه بعيسى لن شرعه آخججر الشججرائع قبلججه،
وعندنا أنه ل يختص بذلك بججل كججان متعبججدا ً بكججل مججا ثبججت
شرعا ً لى نبى كججان إلججى أن يعلججم نسججخه ،وهججذا مججذهب
المالكية .ورجح الشوكاني قول الجمهور :أنه شرع لنا ما
لم ينسخ ،وبشرط أن يثبت من طريق شرعنا كأن يثبججت
في القرآن أو ينص عليه رسولنا أو صحابي أسلم من
أهججل الكتجاب ،لن كتجب أهججل الكتجاب اعتراهججا كججثير مجن
- 292 -
.4والمسألة الرابعة :أن نقول :مما يسأل عنججه قججوله
تعالى :يا أيها النبي لم تحرم مهها أحههل اللههه لههك
الية) ،(1فإن فيها إخبارا ً بأنه عليه الصلة والسلم حّرم علججى
نفسه ما أحله الله ،وقد نزل عليججه :ل تحرمههوا طيبههات
ل مقججامما أحل الله لكم ول تعتههدوا ،ومثججل هججذا يج ج ّ
ً
النجبي عجن مقتضجى الظجاهر فيجه ،وأن يكجون منهيجا عنجه
م تفعل؟ فل بد من النظر ابتداًء ثم يأتيه ،حتى يقال له فيه :ل ِ َ
في هذه المصارف.
والجواب :أن آية التحريم إن كججانت هججي السججابقة علججى
آية العقود) ،(2فظاهر أنها مختصة بالنبي ،إذ لو أريد المججة
-على قول من قال من الصوليين -لقال) :لم تحرمججون مججا
أحل الله لكم( ؟ كما قال :يهها أيههها النههبي إذا طلقتههم
النساء ،(3)وهو بّين لن سورة التحريم قبل آية الحججزاب،
)(4
لذلك لما آلى النبي من نسائه شهرا ً بسبب هذه القصة
1
)( تقدم ص .254
2
)( رواه البخاري ) (19والنسائي ) (8/123وفي الكججبرى
) (11767وأبو داود ) (4267وابججن ماجججة ) (3980وابججن
حبان ) (5958وابن أبي شججيبة ) (7/448وأحمججد )(3/30
من حديث أبججي سجعيد الخججدري .ورواه الحجاكم )(4/458
بنحوه من حديث عبادة بن الصججامت .وشججعف :بفتحججتين،
جمع شعفة :وهي رؤوس الجبال.
3
مل.8 : )( المز ّ
- 295 -
وقال الحسن وغيره :بّتل إليه نفسك واجتهد) .(4وقال ابن
زيد :تفرغ لعبادته .هذا إلى ما جاء عن السججلف الصججالح مججن
النقطاع إلى عبادة الله ورفض أسباب الدنيا ،والتخلججي عججن
الحواضر إلى البوادي ،واتخاذ الخلوات في الجبال والججبراري،
حججتى إن بعججض الجبججال الشججامية قججد خصججها اللججه بالوليججاء
والمنقطعين إلى لبنان ونحوه ،فما وجه ذلك؟
فالجواب :أن الرهبانية إن كججانت بججالمعنى المقججرر فججي
شرائع ال َُول فل نسلم أنها في شرعنا ،لما تقججدم مججن الدلججة
على نسخها ،كانت لعارض أو لغير عارض ،إذ ل رهبانيججة فججي
السلم ،وقد رد ّ التبتل حسبما تقدم.
وإن كانت بمعنى النقطاع إلى الله حسبما شرع ،وعلججى
طب بقججوله:حد مججا انقطججع إليججه رسججول اللججه وهججو المخججا َ
وتبتل إليه تبتيل ً فهذا هججو الججذي نحججن فججي تقريججره،
وأنه السنة المتبعة والهدي الصالح والصراط المستقيم.
وليس في كلم زيد بن أسلم وغيره في معنى التبتججل مججا
ينججاقض هججذا المعنججى ،لن رفججض الججدنيا ليججس بمعنججى طججرح
اتخاذها جملة وترك الستمتاع بها ،بل بمعنى ترك الشغل بها
عما كلف النسان به من الوظائف الشرعية.
وإذا تقرر هذا ،فالفرار من العوارض بالسياحة واتخججاذ
الصوامع وسكنى الجبال والكهوف ،إن كان على شرط أن ل
يحرموا ما أحل الله من المور التي حرمها الرهبان ،بل على
حد ما كانوا عليه في الحواضر ومجججامع النججاس :ل يشججددون
على أنفسهم بمقدار ما يشق عليهم ،فل إشججكال فججي صججحة
هذه الرهبانية ،غير أنها ل تسمى رهبانية إل بنوع من المجاز،
أو النقل العرفي الذي لم يجرِ عليججه معتججاد اللغججة ،فل تججدخل
ة ابتههدعوها ل فججي في مقتضى قوله تعالى :ورهباني ً
4
)( عن مجاهد :تفسير الطبري ).(29/133
- 296 -
السم ول في المعنى.
وإن كان على التزام مججا الججتزمه الرهبججان ،فل نسججلم أنججه
في هذه الشريعة مندوب إليه ول مباح ،بل هو ممججا ل يجججوز،
لنه كالشرع بغير شريعة محمد ،فل ينتظمه معنججى قججوله
" :من رغب عن سنتي فليس مني".
وأما ما ذكره الغزالججي وغيججره مججن تفضججيله العزلججة علججى
المخالطججة ،وترجيججح العزبججة علججى اتخججاذ أهججل عنججد اعتججوار
العوارض ،فذلك يستمد من أصل آخر ل من هنا.
وبيانه أن المطلوبات الشرعية ل تخلو أن يكون المكلججف
قادرا ً علججى المتثججال فيهججا مججع سججلمته عنججد العمججل بهججا مججن
وقوعه فججي منهججي عنججه أو ل ،فججإن كججان قججادرا ً فججي مجججاري
العادات بحيث ل يعارضه مكججروه أو محججرم ،فل إشججكال فججي
كون الطلب متوجها ً عليه بقدر استطاعته ،على حد مججا كججان
السلف الصالح عليه قبل وقوع الفتن.
فإذا كانت العزلة مؤدية إلججى السججلمة فهججي الولججى فججي
أزمنججة الفتججن ،والفتججن ل تختججص بفتججن الحججروب فقججط فهججي
جاريججة فججي الجججاه والمججال وغيرهمججا مججن مكتسججبات الججدنيا،
وضابطها ما صد ّ عن طاعة اللججه ،ومثججل هججذا مججا يجججري بيججن
المندوب والمكروه ،وبين المكروهين.
معججات والجماعججات، ج ُ
وإن كانت العزلة مؤدية إلى ترك ال ُ
والتعججاون علججى الطاعججات وأشججباه ذلججك فإنهججا]موقعججة فججي
المحججرم مججن جهججة و[ أيضجا ً سججلمة مججن جهججة أخججرى ،ويقججع
التوازن بيججن المجأمورات والمنهيججات ،وكججذلك النكججاح إذا أدى
إلى العمل بالمعاصي ولم يكن في تركه معصججية كججان تركججه
أولى.
فل إشججكال إذا ً علججى هججذا التقريججر فججي كلم الغزالججي ول
غيره ممن سلك مسلكه ،لنهم بنوا علججى أصججل قطعججي فججي
- 297 -
الشرع ،محكم ل ينسخه شيء وليس من مسألتنا بسبيل.
والحاصل :أن مضمون هذا الفصججل يقتضججي أن العمججل
على الرهبانية المنفية في الية بدعة مججن البججدع الحقيقيججة ل
الضافية ،لرد ّ رسول الله لها أصل ً وفرعًا.
ثبججت بمضجمون هججذه الفصجول المتقدمجة آنفجا ً أن الحججرج
منفي عن الدين جملة وتفصيل ً -وإن كان قد ثبت أيض جا ً فججي
الصول الفقهية على وجججه مججن البرهججان أبلججغ -فلنبججن عليججه
فنقول:
قد فهم قوم من السلف الصالح وأهل النقطاع إلى اللججه
ممججن ثبتججت وليتهججم أنهججم كججانوا يشججددون علججى أنفسججهم،
ويلزمون غيرهم الشدة أيضا ً والتزام الحرج ديدنا ً في سججلوك
طريق الخرة ،وعدوا من لم يدخل تحت هذا اللتزام مقصرا ً
مطرودا ً ومحرومًا ،وربما فهمججوا ذلججك مججن بعجض الطلقججات
الشرعية ،فرشحوا بذلك ما التزموه ،فأفضى المر بهم إلججى
الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الضافية.
-فمججن ذلججك :أن يكججون للمكلججف طريقججان فججي سججلوكه
للخرة ،أحدهما سهل والخججر صججعب ،وكلهمججا فججي التوصججل
إلججى المطلججوب علججى حججد واحججد ،فيأخججذ بعججض المتشججددين
بالطريق الصعب الججذي يشججق علججى المكلججف مثلججه ،ويججترك
الطريق السهل بناء على التشديد على النفس:
كالذي يجد للطهارة ماءين :سخنا ً وبججاردا ً فيتحججرى البججارد
الشاق استعماله ،ويترك الخر ،فهذا لجم يعجط النفججس حقهجا
الذي طلبه الشارع منه ،وخالف دليججل رفججع الحججرج مججن غيججر
معنى زائد ،فالشارع لم يرض بشرعية مثله ،وقججد قججال اللججه
تعالى :ول تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ً
(1)فصار متبعا ً لهواه ،ول حجة له فججي قججوله عليججه الصججلة
1
)( النساء.29 :
- 298 -
والسلم" :أل أدلكم على مهها يمحههو اللههه بههه الخطايهها
ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء عند الكريهههات"
الحديث) ،(1من حيث كان السباغ مججع كراهيججة النفججس سججببا ً
لمحو الخطايا ورفع الدرجات ،ففيججه دليججل علجى أن للنسججان
أن يسعى في تحصيل هذا الجر بإكراه النفس ،ول يكججون إل
بتحري إدخال الكراهية عليها ،لنا نقول :ل دليل في الحججديث
على ما قلتم ،وإنما فيه أن السباغ مع وجود الكراهية ،ففيججه
أمر زائد ،كالرجل يجد ماء باردا ً في زمججان الشججتاء ول يجججده
سخنًا ،فل يمنعه شدة برده عن كمال السججباغ ،وأمججا القصججد
إلى الكراهية فليس في الحديث ما يقتضججيه ،بججل فججي الدلججة
المتقدمة ما يدل على أنه مرفوع عججن العبججاد ،ولججو سججلم أن
الحديث يقتضيه لكانت أدلة رفع الحرج تعارضه وهي قطعيججة
وخبر الواحد ظنججي ،فل تعججارض بينهمججا للتفججاق علججى تقججديم
القطعي.
ومثججل الحججديث قججول اللججه تعججالى :ذلههك بههأنهم ل
يصيبهم ظمأ ول نصب ول مخمصة الية).(2
-ومن ذلك :القتصار من المأكول على أخشججنه وأفظعججه
لمجرد التشديد ل لغججرض سججواه ،فهججو مججن النمججط المججذكور
فوقه ،لن الشرع لم يقصد إلى تعذيب النفس في التكليججف،
وهو أيضا ً مخالف لقوله عليه الصلة والسلم" :إن لنفسك
عليك حقًا").(3
وقد كان النبي يأكل الطّيب إذا وجده).(4
1
)( رواه مسلم ) (251والترمذي ) (51وابن خزيمججة )(5
وابن حبججان ) (1038والججبيهقي ) (3/62مججن حججديث أبججي
هريرة .ورواه ابن حيان ) (1039من حديث جابر.
2
)( التوبة.120 :
3
)( تقدم من حديث عبد الله بن عمرو ص .261
4
)( فكان يأكل لحم الضأن والماعز والبل ،ويتتبع الججدباء،
- 299 -
وكان يحب الحلواء والعسل).(1
ويعجبه لحم الذراع) ،(2ويستع َ
ذب له الماء) ،(3فججأين
التشديد من هذا؟!.
ول يدخل الستعمال المباح في قوله تعججالى :أذهبتههم
طيباتكم في حياتكم الدنيا (4)لن المراد به السججراف
1
)( رواه مججن حججديث زيججد ابججن ثججابت البخججاري )(7290
ومسججلم ) (781والترمججذي ) (450والنسججائي )(3/197
- 302 -
المكتوبات -كمججا تججرى -وإن كججان ذلججك فججي مسجججده عليججه
السلم أو في المسجد الحرام أو في مسجد بيت المقججدس،
حتى قالوا :إن النافلة في البيت أفضججل منهججا فججي أحججد هججذه
المساجد الثلثة بما اقتضاه ظاهر الحديث.
وجرى مججرى الفججرائض فجي الظهجار السججنن ،كالعيجدين
والخسوف والستسججقاء وشججبه ذلججك ،فبقججي مججا سججوى ذلججك
حكمة الخفاء.
فإذا اجتمع في النافلة أن تلتزم الججتزام السججنن الرواتججب،
إمججا دائم جا ً وإمججا فججي أوقججات محججدودة وعلججى وجججه محججدود،
وأقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض،
أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب فذلك ابتداع.
والدليل عليه أنججه لججم يججأت عججن رسججول اللججه ول عججن
أصحابه ول عن التججابعين لهججم بإحسججان فعججل هججذا المجمججوع
هكججذا مجموعجًا ،وإن أتججى مطلقجا ً مججن غيججر تلججك التقييججدات،
فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بججدليل الشججرع تقييججدها
رأي فججي التشججريع ،فكيججف إذا عارضججه الججدليل ،وهججو المججر
بإخفاء النوافل مث ً
ل؟.
ووجه دخول البتداع هنا :أن كل ما واظججب عليججه رسججول
اللججه مججن النوافججل وأظهججره فججي الجماعججات فهججو سججنة،
فالعمججل بالنافلججة الججتي ليسججت بسججنة علججى طريججق العمججل
بالسنة ،إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شججرعًا ،ثججم
يلزم من ذلك اعتقاد العوام فيها ومن ل علم عنده أنها سنة،
وهذا فساد عظيم ،لن اعتقاد ما ليس بسججنة سججنة ،والعمججل
بها على حد العمل بالسنة نحو من تبديل الشججريعة ،كمججا لججو
اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض ،أو بما ليججس بفججرض أنججه
.....................................
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
وفججي الججبيهقي أيضجا ً عججن أبججي مسججعود النصججاري
-رضججي اللججه عنججه -قججال :إنججي لدع الضججحى وإنججي
ي).(2
لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عل ّ
2
)( فعججل أبججي بكججر وعمججر :صههحيح :رواه الججبيهقي )
.(9/265وقججول أبججي مسججعود :صحيح :رواه الججبيهقي )
- 304 -
وهججذا فهججم مججن الصججحابة -رضججوان اللججه عليهججم-
لحكججام الشججريعة ،وأن كججل عمججل لججه حكمججه الججذي
شرعه الله ،فانتقاله إلججى حكججم أعلججى منججه ،أو أدنججى
منه ل يكون إل بأمر الشارع ،وعلى هذا العتبججار يعججد
هذا النتقال غير المشروع من البججدع الضججافية الججتي
تكاد تعد سنة محضة.
والسبب في اعتبار هذا العمل وأمثججاله مججن البججدع
الضافية ،التي تكاد تعد سنة محضة هو أن العامل له
يخرج العمل عن بابه الذي وضعه الشرع فيه ،ويضججع
له خاصية ليست مشججروعة لججه ...وهججذا زيججادة علججى
الشرع وتقييد بل دليل ،حتى مججع افججتراض أن العمججل
في ذاته صحيحا ً فإخراجه عن بابه اعتقادا ً وعمل ً مججن
باب إفساد الحكام الشرعية ،ومن باب الججتزود علججى
الشرع والتقديم بين يدي الله ورسوله.
وجميع هذا الذي ينهي عنه مججن بججاب س جد ّ الججذرائع
الموصولة إلجى البجدع ،ولجه شجواهد وأدلجة مجن فعجل
السلف -رضوان الله عليهم ،-فمججن ذلججك نهيهججم عججن
اتباع الثار:
.....................................
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
)(1
بسججنده عججن المعججرور بججن كما أخرج بججن وضججاح
:(9/265الرواء .4/355
1
)( ابن وضاح :المججام الحججافظ محججدث النججدلس مججع
بقي :أبو عبد الله محمد بججن وضججاح بججن بزيججع المروانججي،
مولى صاحب الندلس عبججدالرحمن بججن معاويججة الججداخل،
- 305 -
سججويد قججال :خرجنججا حجاججا ً مججع عمججر بججن الخطججاب،
فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتججدره النججاس
يصججلون فيججه ،قججال عمججر :مججا شججأنهم؟ فقججالوا :هججذا
مسجد صلى فيه رسول الله ،فقججال عمججر" :أيههها
الناس إنما أهلك مههن كههان قبلكههم باتبههاعهم
مثل هذا،حتى أحدثوها بيعًا ،فمن عرضت لههه
فيه صلة فليصل ،ومههن لههم تغههرض لههه فيههه
صلة فليمض.
وخ جّرج ابججن وضججاح أيض جا ً بطريقيججن أن عمججر بججن
الخطاب -رضى الله عنه ...-أمر بقطههع الشههجرة
التي بويع تحتههها النههبي ،فقطعهججا لن النججاس
كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة).(1
ولد سنة تسع وتسعين ومئة .ارتحل إلى العراق والشججام
ومصر وجمع فأوعى .قال ابججن حججزم كججان يواصججل أربعججة
أيججام ،وقججال ابججن الفرضججي كججان عالم جا ً بالحججديث بصججيرا ً
بطرقه وعلله ،كثير الحكاية عن العباد ،ورعا ً زاهدا ً صبورا ً
على نشر العلم ،متعففًا .نفع الله أهل الندلس به ،وكان
ابن الحباب يعظمه ويصف عقله وفضججله ول يقججدم عليججه
أحججدا ً غيججر أنججه ينكججر رده لكججثير مججن الحججديث ،قججال ابججن
الفرضي :كان كثيرا ً ما يقول ليس هذا من كلم النبي
في شيء ويكون ثابتا ً مججن كلمججه .قججال :ولججه خطججأ كججثير
محفوظ عنه ،ويغلججط ويصججحف ول علججم لججه بالعربيججة ول
بالفقه .توفي ابن وضاح في المحرم سججنة سججبع وثمججانين
ومئتين) .السير .(13/445
1
)( نهي عمر عن الصلة مكان النبي :رواه ابن أبي شيبة
) ،(2/151وقطعه للشجرة الججتي بويججع عنججدها :رواه ابججن
كك اللبججاني فججي " تحججذير أبججي شججيبة ) ،(2/150وشجج ّ
الساجد" ص 137في صحة هذه القصججة ،وذكججر الحججافظ
- 306 -
.....................................
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
ومججن هججذا البججاب كراهججة سججفيان الثججوري ومالججك
تخصججيص سججورة الخلص بججالقراءة دون غيرهججا فججي
الصلة ،ففي البدع لبن وضاح :أن سفيان سئل عججن
رجل يكثر قراءة قل هو الله أحد،ل يقرأ غيرها
كما يقرأها فكرهه ،وقال :إنمجا أنتجم متبعجون فجاتبعوا
الولين ،ولم يبلغنا عنهم نحو هذا ،وإنما أنزل القججرآن
ليقرأ ول يخص شيء دون شيء.
وفيه عن مالك :أنه سئل عن قججراءة قههل هههو
الله أحد مرارا ً في كل ركعججة فكججره ذلججك ،وقججال
هذا من محدثات المور التي أحدثوها.
ول يعارض هذا ما رواه مسججلم فججي صججحيحه عججن
عائشججة :أن رسججول اللججه بعججث رجل ً علججى سججرية
وكان يقرأ لصحابه في صلتهم فيختم بقججل هججو اللججه
أحد ،فلما رجعججوا ذكججر ذلججك لرسججول اللججه فقججال:
"سههلوه لي شههيء يصههنع ذلههك" ،فسههألوه
فقال :لنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقههرأ
بها ،فقال رسههول اللههه ":أخههبروه أن اللههه
يحبه").(1
1
)( النعام.108 :
- 309 -
أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه .قالوا:يهها
رسول الله هل يسب الرجههل والههديه؟ قههال:
نعم ،يسب أبا الرجل فيسب أباه وأمه").(1
فهذه أمور جائزة أو مندوب إليهججا ،ولكنهججم كرهججوا فعلهججا
خوفا ً من البدعة لن اتخاذها سنة إنما هو بأن يواظب الناس
عليها مظهريججن لهججا ،وهججذا شججأن السججنة ،وإذا جججرت مجججرى
السنن صارت من البدع بل شك.
فههإن قيههل :كيججف صججارت هججذه الشججياء مججن البججدع
الضافية ؟ والظاهر منها أنها بدع حقيقيججة! لن تلججك الشججياء
إذا عمل بها على اعتقاد أنها سنجة فهجي
ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
فجعججل سججب الرجججل لوالججدي غيججره بمنزلججة سججبه
لوالديه نفسه ،حتى ترجمه عنها بقججوله" :أن يسههب
الرجل والديه".
فعد ّ ذلججك مججن أكججبر الكبججائر ،مججع أنججه ل يمكججن أن
يقصد الرجل والديه بالسب ،ولكن سبه لوالدي الخر
صار ذريعة لسب والديه فعد سابا ً لهما.
ففي هذا الحديث عدة فوائد:
منهججا اعتبججار سججد الججذرائع ،ومنهججا أن حكججم ذريعججة
الشيء يختلف باختلف ما توصل إليججه ،وكججذلك ذرائع
البدع يكون حكمها بحسب ما توصل إليه ،فإن كججانت
توصل إلى بدعة كججبيرة فالوسججيلة كججذلك ،وإن كججانت
1
)( رواه البخاري ) (5973وابن حبان ) (411وأبججو داود )
(5141وأحمد ) ،2/164ج (216من حديث عبد اللججه بججن
عمرو.
- 310 -
توصل إلى بدعة صغيرة فالوسيلة كذلك.
وعليه فل يعتبر كل ما جاء مججن بججاب سججد الججذرائع
في مسألة البدعة من البججدع الضججافية الججتي تقججترب
من السنة المحضة ،بل قد تكون إضافية مقتربة مججن
الحقيقة ،وقد تكون حقيقية بحتة ،وإنما جججاء مججا ذكججر
سججلفا ً عنججد القسججم الثججاني مججن الضججافية مججن بججاب
التمثيل .أ.هج.
حقيقية ،إذ لم يضعها صاحب السنة رسول الله على هججذا
الوجه ،فصارت مثل ما إذا صلى الظهر على أنها غيججر واجبججة
واعتقدها عبادة فإنها بدعة من غير إشكال.
هججذا إذا نظرنججا إليهججا بمآلهججا ،وإذا نظرنججا إليهججا أول ً فهججي
مشروعة من غير نسبة إلى بدعة ًأص ً
ل.
فهههالجواب :أن السجججؤال صجججحيح ،إل أن لوضجججعها أول ً
نظرين:
أحدهما :من حيث هي مشروعة فل كلم فيها.
والثاني :من حيث صججارت كالسججبب الموضججوع لعتقججاد
البدعة أو للعمل بها على غير السججنة ،فهججي مججن هججذا الججوجه
غيججر مشججروعة ،لن وضججع السججباب للشججارع ل للمكلججف
والشارع لم يضع الصلة في مسجججد قبججاء أو بيججت المقججدس
ل -سببا ً لن تتخذ سنة فوضع المكلف لها كجذلك رأي غيجر -مث ً
مستند إلى الشرع ،فكان ابتداعًا.
وهذا معنى كونها بدعججة إضججافية ،أمججا إذا اسججتقر السججبب
وظهر عنه مسببه الذي هو اعتقاد العمل سنة ،والعمل علججى
وفقه ،فذلك بدعة حقيقية ل إضافية.
وإذا ثبججت فججي المججور المشججروعة أنهججا قججد تعججد بججدعا ً
1
)( المام مالك بن أنس :هو شججيخ السججلم حجججة المججة
إمام دار الهجرة :أبو عبد الله مالك ابججن أنججس بججن مالججك
بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الحميري ثم الصبحي
المدني حليف ابن تيججم مججن قريججش ،فهججم حلفججاء عثمججان
أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة ،مولججد مالججك علججى
الصجح فجي سجنة ثلث وتسجعين عجام مجوت أنجس خجادم
رسول الله ،طلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم
وسالم ،فأخذ عن نافع وسعيد المقججبري وعججامر بججن عبججد
الله ابن الزبير وابن المنكدر والزهري وعبدالله بن دينججار
وخلق .وعن أبي صالح عن أبي هريرة يبلججغ بججه النججبي
قال" :ليضربن الناس أكباد البل في طلب العلم
فل يجدون عالما ً أعلههم مههن عههالم المدينههة" وقججد
رواه النسجججائي ]فجججي الكجججبرى ،4291ورواه الترمجججذي
،2680وابججن حبججان :3736ضججعيف :الضججعيفة.[4833 /
قلت :كان عالم المدينة فججي زمججانه بعججد رسججول اللججه
وصاحبيه :زيد بن ثابت وعائشة ،ثم ابججن عمججر ثججم سججعيد
بن المسيب ،ثججم الزهججري ،ثججم عبيججد اللججه بججن عمججر ،ثججم
مالك .وعن ابن عيينة قال :مالك عالم أهل الحجججاز وهججو
حجججة زمانججة .وقججال الشججافعي- :وصججدق وبججر -إذا ذكججر
العلماء فمالك النجم .ابن وهججب عججن مالججك قججال دخلججت
على المنصور وكان يدخل عليه الهاشميون فيقبلون يججده
ورجلججه عصججمني اللججه مججن ذلججك .قججال يججونس سججمعت
الشافعي يقول :مالك وابن عيينه القرينججان ،ولججول مالججك
- 315 -
فيسجد لله عز وجل شكرا ً ؟ فقال ل يفعل هذا ممججا مضججى
من أمر الناس ،قيل له :إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه –
فيما يذكرون – سججد يجوم اليمامجة شجكرا ً للجه) .(1أفسجمعت
ذلك؟ قال :ما سمعت ذلك ،وأنا أرى أنهم قد كذبوا على أبي
بكر .وهذا من الضلل أن يسمع المرء الشججيء فيقججول :هججذا
شيء لم تسمعه منججي ،قججد فتججح اللججه علججى رسججول اللججه
وعلى المسلمين بعده ،أفسمعت أن أحججدا ً منهججم فعججل مثججل
وابن عيينه لذهب علم الحجججاز .عججن شججعبه قججال قججدمت
المدينة بعد موت نافع بسنة ولمالك بن أنس حلقه .أيوب
قال :لقد كان لمالك حلقة في حياة نافع .محمد بججن عبججد
الله بن عبججد الحكججم :سججمعت الشججافعي يقججول قججال لججي
محمد بن الحسن :صاحبنا أعلججم مججن صججاحبكم ،يريججد أبججا
حنيفة ومالكجًا ،ومججا كججان لصججاحبكم أن يتكلججم ،ومججا كججان
لصاحبنا أن يسكت ،فغضججبت وقلججت :نشججدتك اللججه! مججن
أعلم بالسنة مالك أو صاحبكم؟ فقال :مالك ،لكن صاحبنا
أقيججس .فقلججت :نعجم ومالجك أعلججم بكتجاب اللججه وناسجخه
ومنسوخه وبسنة رسول اللججه مججن أبججي حنيفججة ،ومججن
كان أعلم بالكتاب والسنة كان أولى بالكلم.
قال الهيثججم بججن جميججل :سججمعت مالكججا سججئل عججن ثمججان
وأربعين مسألة فأجاب في اثنتين وثلثين منها بج ل أدري.
ابن سعد :حدثنا الواقججدي قججال :مججا دعججي مالججك وشججوور
وسمع منه وقبل قوله حسد وبغوة بكل شيء ،فلما ولججي
جعفر بن سججليمان المدينججة سججعوا بججه إليججه وكججثروا عليججه
عنده ،وقالوا ل يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء ،وهو يأخججذ
بحديث رواه عن ثابت ابن الحنف في طلق المكره أنججه
ل يجوز عنده ،قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه
بما رفع إليه عنه ،فأمر بتجريده وضربه بالسياط ،وجبذت
يده حتى انخلعججت مججن كتفججه وارتكججب منججه أمججر عظيججم.
فوالله ما زال مالك بعد في رفعه وعلو .قلت :هذا ثمججرة
المحنة المحمودة أنها ترفع العبججد عنججد المججؤمنين ،وبكججل
- 316 -
هذا ؟ إذ ما قد كججان فججي النججاس وجججرى علججى أيججديهم سججمع
عنهم فيه شيء ،فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر ،لنه من أمر
النججاس الججذي قججد كججان فيهججم ،فهججل سججمعت أن أحججدا ً منهججم
سجد ؟ فهذا إجماع ،وإذا جججاءك أمججر ل تعرفججه فججدعه ،تمججام
الرواية.
وقد ظهر من العادات الجاريججة فيمججا نحججن فيججه ،أن تججرك
حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير ،ومن يرد
الله به خيرا ً يصيب منه .فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعججظ
م
واستغفر ولم يتشاغل بججذم مججن انتقججم منججه ،فججالله حكج ٌ
مقسط ،ثم يحمد الله على سلمة دينه ويعلم أن عقوبججة
الدنيا أهجون وخيجر لجه .عجن ابجن وهجب سجئل مالجك عجن
الداعي يقول يا سيدي ،فقال :يعجبني دعاء النبيججاء :ربنججا
ربنا.
قال مالك :أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل
به جبريل على محمججد لجججدله .الشججافعي يقججول :كججان
مالك إذا جاءه بعض أهل الهواء قال :أما إني علججى بينججة
ك اذهججب إلججى شججاك مثلججك مججن دينججي ،وأمججا أنججت فشججا ّ
فخاصمه.
حدثنا جعفر بن عبد الله قال :كنا عند مالك فجججاءه رجججل
فقججال يججا أبججا عبججد اللججه :الرحمههن علههى العههرش
استوى كيف استوى؟ فما وجد مالججك مججن شججيء مججا
وجد من مسألته ،فنظججر إلججى الرض وجعججل ينكججت بعججود
في يده حتى عله الرحضاء ،ثم رفع رأسه ورمججى بججالعود
وقال :الكيف منه غير معقول والستواء منه غير مجهججول
واليمان به واجب والسؤال عنججه بدعججة ،وأظنججك صججاحب
بدعة ،وأمر به فأخرج.
وقال إسجماعيل بجن أبجي أويجس :مجرض مالجك ،فسجألت
بعض أهلنا عما قال عند المججوت؟ قججالوا :تشججهد ثججم قججال
لله المر من قبل ومههن بعههد ،وتججوفي صججبيحة
- 317 -
الولين لمر ما من غير أن يعينوا فيه وجها ً مججع احتمججاله فججي
الدلة الجملية ،ووجود المظنة ،دليججل علججى أن ذلججك المججر ل
يعمل به ،وأنه إجماع منهم على تركه.
قال ابن رشد في شرح مسألة العتبية :الججوجه فججي ذلججك
أنه لم يرد مما شرع في الدين -يعني سجود الشكر -فرضا ً
ول نف ً
ل ،إذ لججم يججأمر بججذلك النججبي ول فعلججه ،ول أجمججع
1
)( رواه البخاري ) (1483والترمججذي ) (640وأبججو داود )
(1596والنسججائي ) (5/41وابججن ماجججة ) (1817وابججن
حبان ) (3287وابن خزيمة ) (2307والججبيهقي )(4/130
والدارقطني ) (2/129من حججديث ابججن عمججر .ورواه مججن
حديث جابر مسلم ) (981وأبو داود ) (1597والنسائي )
(5/41وابجججن خزيمجججة ) (2309والجججدارقطني ).(2/130
ورواه مجن حججديث معججاذ ابجن ماجججة ) (1818والججبيهقي )
.(4/131ورواه من حديث أبججي هريججرة الترمججذي )(639
وابن ماجة ).(1816
وأما أنه ل زكججاة فججي الخضججر والبقججول :فججالجمهور علججى
ذلك ،لحديث موسى بن طلحة عن معاذ مرفوعا ً أنه إنمججا
أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيججب والتمججر ،رواه
الدارقطني ) (201والحاكم ) (1/401والبيهقي )(4/128
وإن كانت أعلت بالرسال ،لكن صححها اللباني من باب
الوجادة ،وفي بعض الحاديث التصريح بججأنه ل زكججاة فججي
الخضججر .وذهججب أبججو حنيفججة وغيججره إلججى أن فججي الخضججر
الزكاة لعموم الحججديث ولعمججوم الكتججاب وآتوا حقههه
يوم حصاده .وانظر نيججل الوطججار ) (4/203والرواء
)ح (801ومصنف ابن أبي شيبة ).(2/372
- 320 -
فصل
ويمكن أن يدخل في البدع الضافية كل عمههل اشههتبه
أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه ،أم غير بدعة
فيعمل به؟ فإنا إذا اختبرناه بالحكام الشرعية وجدناه مججن
المشتبهات التي قد ندبنا إلى تركهججا حججذرا ً مججن الوقججوع فججي
المحظور) ،(1والمحظور هنا هو العمل بالبدعججة ،فججإذا ً العامججل
1
)( بقصد حديث النعمان بن بشير قججال :سججمعت رسججول
الله يقول -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيججه" : -إ ّ
ن
ن الحرام بّين ،وبينهما مشتبهات الحلل بّين ،وإ ّ
ل يعلمهن كثير من الناس ،فمن اتقى الشبهات
استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقههع فههي الشههبهات
وقع في الحرام ،كالراعي يرعههى حههول الحمههى
يوشك أن يرتع فيه ،أل وإن لكل ملك حمههى ،أل
وإن حمههى اللههه محههارمه ،أل وإن فههي الجسههد
مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلههه ،وإذا فسههدت
فسد الجسد كله أل وهههي القلههب" رواه مسججلم )
(1599والبخججججاري )،52جججج (2051وأبججججو داود )(3329
والترمججذي ) (1205والنسججائي ) (8/327وفججي الكججبرى )
(3/239وابن ماجة ) (3984وأحمد ) (4/269وابن حبان
شججججعب )(5740 ) (721والججججبيهقي ) (5/264وفججججي ال ّ
والطحاوي في مشكل الثار ) (750والججدارمي )(2/245
والطبراني فججي الوسججط ) ،2427ج .(2285وروى نحججوه
من حججديث ابججن عمججر الطججبراني فججي الوسججط )،(2889
ورواه هو ) (1756وأبو يعلى ) (1653مججن حججديث عمججار
بن ياسر .ورواه الخطيب في التاريخ ) (9/70من حججديث
جابر .ورواه الطبراني في الكججبير ) (10824مججن حججديث
ابن عبججاس .ورواه النسججائي فججي الكججبرى :وقججال :جيججد )
(3/468والججبيهقي ) (10/115مججن قججول ابججن مسججعود:
- 321 -
به ل يقطع أنه عمل ببدعة ،كما أنه ل يقطع أنه عمل بسججنة،
فصار من جهة هذا التردد غير عامل ببدعة حقيقية ،ول يقججال
أيضًا :إنه خارج عن العمل بها جملة.
وبيان ذلك أن النهي الوارد في المشتبهات إنما هو حماية
أن يقع في ذلك الممنوع الواقع فيه الشتباه ،فججإذا اختلطججت
الميتة بالذكية نهيناه عن القدام ،فإن أقججدم أمكججن عنججدنا أن
يكون آكل ً للميتة في الشججتباه ،فججالنهي الخججف إذا ً منصججرف
نحو الميتة في الشتباه ،كما انصرف إليها النهججي الشججد فججي
التحقق.
وكججذلك اختلط الرضججيعة بالجنبيججة :النهججي فججي الشججتباه
منصرف إلى الرضيعة كما انصرف إليها في التحقق ،وكذلك
سائر المشتبهات إنما ينصججرف نهججي القججدام علججى المشججتبه
إلى خصوص الممنوع المشتبه ،فإذا ً الفعل الججدائر بيججن كججونه
سنة أو بدعة إذا نهي عنه في باب الشتباه نهي عججن البدعججة
في الجملة ،فمن أقدم على منهي عنه في باب البدعة ،لنججه
محتمل أن يكون بدعة في نفس المر ،فصار من هذا الججوجه
كالعامل بالبدعة المنهي عنها ،وقججد مججر أن البدعججة الضججافية
هي الواقعة ذات وجهين.
فلذلك قيل :إن هججذا القسججم مججن قبيججل البججدع الضججافية،
ولهذا النوع أمثلة:
أحدها :إذا تعارضت الدلة على المجتهد فججي أن العمججل
الفلني مشروع يتعبد به ،أو غير مشجروع فل يتعبجد بجه ،ولجم
يتبين جمع بين الدليلين ،أو إسقاط أحججدهما بنسججخ أو ترجيججح
فصل
ومن البدع الضافية التي تقرب من الحقيقية:
أن يكون أصل العبادة مشروعًا ،إل أنها تخرج عججن أصججل
شججرعيتها بغيججر دليججل توهم جا ً أنهججا باقيججة علججى أصججلها تحججت
مقتضى الدليل ،وذلججك بججأن يقيججد إطلقهججا بججالرأي ،أو يطلججق
تقييدها ،وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حد ّ لها.
ومثال ذلك أن يقال :إن الصوم فججي الجملججة منججدوب
إليه لم يخصه الشارع بججوقت دون وقججت ،ول حجد ّ فيججه زمانجا ً
دون زمججان ،مججا عججدا مججا نهججي عججن صججيامه علججى الخصججوص
1
)( التمهيد لبن عبد البر .24/239
- 336 -
وأول من أحدث الذان والقامة في العيدين -فيمججا ذكججر
ابججن حججبيب -هشججام بججن عبججد الملججك :أراد أن ي ُجؤِْذن النججاس
بالذان بمجيء المام ،ثم بدأ بالخطبة قبل الصججلة ،كمججا بججدأ
بها مروان ،ثم أمر بالقامة بعججد فراغججه مججن الخطبججة ليججؤذن
الناس بفراغه من الخطبة ودخوله في الصلة لبعججدهم عنججه.
)قال( :ولم يرد مروان وهشام إل الجتهاد فيما رأيا ،إل أنه ل
يجوز اجتهاد في خلف رسول الله .
)قال( :وقد حدثني ابن الماجشون أنه سمع مالكا ً يقول:
"من أحدث في هذه المههة شههيئا ً لههم يكههن عليههه
سلفها ،فقد زعم أن رسول الله خان الرسههالة،
تت لكم ديَنكههم وأتمم ه ُ م أكمل ُ لن الله يقول :اليو َ
ً
م دين ها ، فمهها
)(1
م السههل َ ت لك ُ عليكم نعمتي ورضي ُ
لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون اليوم دينا".
ً
1
)( المائدة.3 :
- 337 -
محدث ،ولنه لما لم يشرع في النوافل أذان ول إقامجة علجى
حال فهمنا من الشرع التفرقة بين النفل والفرض ،لئل تكون
النوافل كالفرائض في الدعاء إليها ،فكان إحداث الدعاء إلى
ل ،وبهذه الوجه الثلثة يحصل الفججرق النوافل لم يصادف مح ً
بيججن أذان الججزوراء وبيججن مججا نحججن فيججه ،فل يصججح أن يقججاس
أحدهما على الخر ،والمثلة في هذا المعنى كثيرة.
وهذا كلججه إن فرضججنا أصججل العبججادة مشججروعًا ،فججإن كججان
أصلها غير مشروع فهي بدعة حقيقية مركبة.
فصل
فإن قيل :فالبدع الضافية هل يعتد بهججا عبججادات ،حججتى
تكون من تلك الجهة متقربا ً بها إلى اللججه تعججالى ،أم ل تكججون
كذلك؟
فإن كان الول :فل تججأثير إذا ً لكونهججا بدعججة ،ول فججائدة
في ذكره ،إذ ل يخلو من أحد المرين:
إما أن ل يعتبر بجهة البتداع في العبادة المفروضة ،فتقع
مشروعة يثاب عليها ،فتصير جهة البتداع مغتفججرة ،فل علججى
المبتدع فيها أن يبتدع.
وإما أن يعتبر بجهة البتداع ،فقججد صججار للبتججداع أثججر فججي
ترتب الثججواب ،فل يصججح أن يكججون منفيجا ً عنججه بججإطلق ،وهججو
خلف ما تقرر من عموم الذم فيه.
وإن كان الثههاني :فقججد اتحججدت البدعججة الضججافية مججع
الحقيقية بالتقسيم الذي انبنججى عليججه البججاب الججذي نحججن فججي
شرحه ول فائدة فيه.
1
)( رواه من حديث جابر أبو داود ) (2795وابججن ماجججة )
:3121ضججعيف( والججبيهقي ) ،(9/287ورواه مججن حججديث
أبي سعيد أبو يعلى والطبراني في الوسط وفي إسججناده
الحجاج بن أرطاة مدلس كما في مجمع الزوائد )،(4/22
ونقل النووي في شرح مسلم كراهية هذه اللفظججة وأنهججا
بدعة عن مالك.
2
)( هججذا فججي الستسججقاء يججوم الجمعججة :رواه البخججاري )
(1016ومسججلم ) (897وأبججو داود ) (1174والنسججائي )
- 340 -
غير أعقاب الصلوات على هيئة الجتمججاع ،لكججن فججي الفججرط
وفي بعض الحايين كسججائر المسججتحبات الججتي ل يججتربص بهججا
وقتا ً بعينه وكيفية بعينها.
وخّرج الطبري عن أبي سعيد مولى أسيد ...قال" :كان
عمر رضي الله عنه إذا صلى العشههاء أخههرج النههاس
من المسجد ،فتخلف ليلة مههع قههوم يههذكرون اللههه،
فأتى عليهم فعرفهم ،فألقى درته وجلههس معهههم،
فجعل يقول :يا فلن ! ادع اللههه لنها ،يها فلن ! ادع
الله لنا ،حتى صار الدعاء إلى غير ،فكانوا يقولون:
ظ ! ،فلههم أَر أحههدا ً مههن النههاس تلههك
ظ غليه ٌ
عمههر فه ٌ
الساعة أرقّ من عمر رضههي اللههه عنههه ل ثكلههى ول
أحدًا".
وعن سلم العلججوي قججال " :قال رجههل لنههس رضههي
اللههه عنههه يومههًا :يهها أبهها حمههزة ! لههو دعههوت لنهها
بدعوات ...فقال :اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفههي
الخرة حسنة -قال -فأعادها مرارا ً ثلثًا .فقال :يا
أبا حمزة ! لههو دعههوت؟ …فقههال مثههل ذلههك ل يزيههد
عليه".
فإذا كان المر على هذا فل إنكار فيه ،حتى إذا دخل فيججه
أمر زائد صار الدعاء فيه بتلججك الزيججادة مخالفجا ً للسججنة ،فقججد
جاء في دعاء النسان لغيره الكراهيججة عججن السججلف ،ل علججى
حكم الصالة بل بسبب ما ينضم إليججه مججن المججور المخرجججة
عن الصل.
ولنذكره هنا لجتماع أطراف المسألة في التشبيه) (1على
الدعاء بهيئة الجتماع بآثار الصلوات في الجماعات دائمًا.
1
)( تقدم تخريجه ص 84رقم ).(1
2
)( النهي عن الصلة بعد الصبح والعصر :رواه من حديث
أبي سعيد البخاري ) (586ومسججلم ) (827وابججن ماجججة )
.(1249ومججن حججديث ابججن عبججاس رواه البخججاري )(581
وابججن خزيمججة ) (2146وابججن ماجججة ) (1250والججدارمي.
ومجن حجديث أبجي هريجرة البخجاري ) (584وابجن ماججة )
.(1248وحجججديث النهجججي عجججن الصجججلة عنجججد الشجججروق
والغججروب :رواه مججن حججديث ابججن عمججر البخججاري )(582
ومسلم ) .(828ورواه من حديث عقبة بن عامر الجهنججي
- 343 -
النهي ،حتى عدوا صلة الفرض في ذلك الججوقت داخل ً تحججت
ي الصلة َ لجججل اتصججافها بأنهججا واقعججة فججي
النهي ،فباشر النه ُ
زمان مخصوص ،كما اعتبر فيها الزمان باتفاق فججي الفججرض،
فل تصلى الظهر قبل الزوال ،ول المغرب قبل الغروب.
"ونهى عليه الصلة والسلم عههن صههيام الفطههر
والضحى") ،(1والتفاق علججى بطلن الحججج فججي غيججر أشججهر
الحج.
فكل من تعبد لله تعالى بشيء من هذه العبادات الواقعة
في غير أزمانها ،تعبد ببدعة حقيقية ل إضججافية ،فل جهججة لهججا
إلى المشروع ،بل غلبت عليها جهة البتججداع ،فل ثججواب فيهججا
على ذلك التقدير.
فلو فرضنا قائل ً يقول بصججحة الصججلة الواقعججة فججي وقججت
الكراهية ،أو صحة الصوم الواقع يوم العيد ،فعلججى فججرض أن
النهي راجع إلى أمججر لججم يصججر للعبججادة كالوصججف ،بججل المججر
ك منفرد ،حسبما تبين بحول الله. منف ٌ
وعلى هذا الترتيب ينبغي أن تجري العبججادات المشججروعة
خصت بأزمان مخصوصة بالرأي المجرد ،من حيث فهمنججا إذا ُ
ً
أن للزمججان تلبس جا بالعمججال علججى الجملججة ،فصججيرورة ذلججك
مسلم ) (831والدارمي.
1
)( رواه مسلم ) (1137والبخججاري ) (1990والترمججذي )
(771وأبو داود ) (2416وابن ماجة من حديث ابن عمر.
ورواه مسججلم ) (1138والبخججاري ) (1993وابججن حبججان )
(3598مججن حججديث أبججي هريججرة .ورواه مسججلم )(827
والبخاري ) (1995 ،1991وابن حبان ) (3599وأبو داود
) (2417وابن ماجة من حديث أبي سججعيد .ورواه مسججلم
) (1139والبخاري ) (1994من حديث ابججن عمججر .ورواه
مسلم ) (1140من حديث عائشة.
- 344 -
الزائد وصفا ً فيه مخرج له عججن أصججله ،وذلججك أن الصججفة مججع
الموصوف من حيث هي صفة له ل تفارقه هي من جملته.
وذلك لنا نقول :إن الصججفة هججي عيججن الموصججوف إذا
ة أو اعتبججارًا ،ولججو فرضججنا ارتفاعهججا عنججه
كانت لزمة له حقيق ً
لرتفججع الموصججوف مججن حيججث هججو موصججوف بهججا ،كارتفججاع
النسان بارتفججاع النججاطق أو الضججاحك) ،(1فججإذا كججانت الصججفة
الزائدة علججى المشججروع علججى هججذه النسججبة ،صججار المجمججوع
منهما غير مشروع ،فارتفع اعتبار المشروع الصلي.
ومن أمثلة ذلك أيضهًا :قججراءة القججرآن بججالدارة علججى
صوت واحد ،فإن تلك الهيئة زائدة على مشججروعية القججراءة،
وكذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الزوايا.
وربما لطف اعتبار الصفة فيشك في بطلن المشروعية.
كما وقع في العتبية عن مالك فججي مسججألة العتمججاد فججي
الصلة ل يحرك رجليه ،وأن أول من أحدثه رجل قد عججرف -
قال -وقد كان مساء )أي يساء الثناء عليه( فقيل له :أفعيب
؟ قال :قد عيب عليه ذلججك ،وهججذا مكججروه مججن الفعججل ،ولججم
يذكر فيها أن الصلة باطلة وذلك لضعف وصججف العتمججاد أن
يؤثر في الصلة ،ولطفه بالنسبة إلى كمال هيئتها.
وهكذا ينبغي أن يكون النظر فججي المسججألة بالنسججبة إلججى
اتصاف العمل بما يؤثر فيه أو ل يؤثر فيه ،فإذا غلب الوصججف
على العمل كان أقرب إلى الفساد ،وإذا لججم يغلججب لججم يكججن
أقرب وبقي في حكجم النظجر ،فيجدخل هاهنجا نظجر الحتيجاط
للعبادة إذا صار العمل في العتبار من المتشابهات.
واعلموا أنه حيث قلنا :إن العمل الججزائد علججى المشججروع
يصير وصفا ً لها أو كالوصف ،فإنما يعتبر بأحد أمور ثلثة :إمججا
1
)( يقال أن النسان حيوان ناطق ضاحك.
- 345 -
بالقصد ،وإما بالعادة ،وإما بالشرع.
1
)( نحوه عند الطبراني في الكبير ،وفيه مجالد بن سعيد،
وحججديث آخججر نحججوه منقطججع وفيججه عطججاء ابججن السججائب
مختلط :مجمع الزوائد ) (1/181وانظر :سنن الججدارمي )
.(1/68وانظججر صججحيح الججترغيب لللبججاني رحمججه اللججه،
حديث ).(60
- 346 -
من الشرع القصد إلججى النهججي عنهججا ،والمنهججي عنججه ل يكججون
متعبدا ً به ،وكذلك صيام يوم العيد.