You are on page 1of 155

‫نفسى أو شيطانى‪ ،‬أو ما أشبه ذلك من أحكامها‪ .

‬فهذا النظر‬
‫ليججس ببدعججة‪ ،‬كمججا أنججه ليججس ببدعججة النظججر فججى المعجججزات‬
‫وشججروطها‪ ،‬والفججرق بيججن النججبى والمتنججبى‪ ،‬وهججو مججن علججم‬
‫الصول‪ ،‬فحكمه حكمه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ما يرجع إلى النظر فى مدركات النفوس‪ ،‬من‬
‫العالم الغائب‪ ،‬وأحكام التجريججد النفسججى‪ ،‬والعلججوم المتعلقججة‬
‫بعجججالم الأرواح‪ ،‬وذوات الملئكجججة والشجججياطين‪ ،‬والنفجججوس‬
‫النسانية والحيوانية… وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وهو بل شك بدعة مذمومججة إن وقججع النظججر فيهججا والكلم‬
‫ما ينظر فيه وفنا ً يشتغل بتحصيله بتعلججم‬ ‫عليه بقصد جعله عل ً‬
‫أو رياضة‪ ،‬فإنه لم ي ُْعهد مثله فى السججلف الصججالح‪ .‬فل يكججون‬
‫الكلم فيه مباحًا‪ ،‬فضل ً عن أن يكون مندوبا ً إليه‪.‬‬
‫ى حسن‬ ‫ُ‬
‫وثم أقسام أخر‪ ،‬جميعها إما يرجع إلى فقه شرع ً‬ ‫ّ‬
‫ى وهججو قبيججح فججى‬
‫فى الشرع‪ ،‬وإما إلى ابتججداع ليججس بشججرع ّ‬
‫الشرع‪.‬‬
‫وأما الجدال وجمع المحافججل للسججتدلل علججى المسججائل‪،‬‬
‫فقد مّر الكلم فيه‪.‬‬
‫وأمججا أمثلججة البههدع المكروهههة‪ ،‬فعججد منهججا‪ :‬زخرفججة‬
‫المساجد‪ ،‬وتزويق المصجاحف‪ ،‬وتلحيجن القجرآن بحيجث تتغيجر‬
‫ألفاظه عن الوضع العربى‪ ،‬فإن أراد مج جّرد الفعججل مججن غيججر‬
‫اقتران أمججر آخججر‪ ،‬فغيججر مس جّلم‪ ،‬وإن أراد مججع اقججتران قصججد‬
‫التشريع‪ ،‬فصحيح مججا قججال‪ ،‬إذ البدعججة ل تكججون بدعججة إل ّ مججع‬
‫ى عنها غير بدع‪.‬‬ ‫اقتران هذا القصد‪ ،‬فإن لم يقترن‪ ،‬فهى منه ّ‬
‫وأما أمثلة البدع المباحة‪ ،‬فعججد منهججا المصججافحة عقججب‬
‫صلة الصبح والعصر‪ ،‬أما أنها بدع فمسّلم‪ ،‬وأما أنهججا مباحججة‪،‬‬
‫ل علججى تخصججيص تلججك‬ ‫فممنججوع‪ ،‬إذ ل دليججل فججى الشججرع يججد ّ‬
‫الوقججات بهججا‪ ،‬بججل هججى مكروهججة‪ ،‬إذ ُيخججاف بججدوامها إلحاقهججا‬
‫‪- 193 -‬‬
‫بالصلوات المذكورة‪.‬‬
‫سججع فجى‬‫وعجد ّ ابجن عبججد السجلم مجن البججدع المباحجة التو ُ‬
‫دم ما فيه‪ .‬والحاصجل مجن جميجع مجا ُ‬
‫ذكججر‬ ‫الملذوذات‪ ،‬وقد تق ّ‬
‫فيه قد وضح منه أن البدع ل تنقسم إلى ذلك النقسججام‪ ،‬بججل‬
‫ى عنه‪ ،‬إما كراهة‪ ،‬وإمججا تحريم جًا‪ ،‬حسججبما‬
‫هى من قبيل المنه ّ‬
‫يأتى إن شاء الله‪.‬‬

‫فصل‬
‫وممججا يتعّلججق بججه بعججض المتكل ِّفيججن‪ :‬أن الصججوفية هججم‬
‫المشجججهورون باّتبجججاع السجججنة‪ ،‬المقتجججدون بأفعجججال اسجججلف‪،‬‬
‫المثابرون فى أفعالهم وأقوالهم على القتداء التججام والفججرار‬
‫عما يخالف ذلك‪ ،‬ولذلك جعلججوا طريقتهججم مبنيججة علججى‪ :‬أكججل‬
‫الحلل‪ ،‬واتباع السنة‪ ،‬والخلص‪.‬‬
‫وهذا هو الحق‪ ،‬ولكنهم فى كثير من المججور يستحسججنون‬
‫أشياء‪ ،‬لم تأت فى كتاب ول سنة‪ ،‬ول عمل بأمثالها السججلف‪،‬‬
‫فيعملون بمقتضاها ويثابرون عليهججا‪ ،‬ويحكمونهججا طريقجا ً لهججم‬
‫مهيعججا ً)‪ (1‬وسججنة ل تخلججف‪ ،‬بججل وربمججا أوجبوهججا فججى بعججض‬
‫َ‬
‫الحوال‪ ،‬فلول أن فى ذلك رخصة‪ ،‬لم يصح لهم ما بنوا عليه‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن نقججول أو ً‬
‫ل‪ :‬كججل مججا عمججل بججه المتصججوفة‬
‫ما ثبججت لججه‬
‫المعتبرون فى هذا الشأن ل يخلو‪ :‬إما أن يكون م ّ‬
‫أصل فى الشريعة أم ل‪.‬‬
‫فإن كان له أصل‪ ،‬فهججم خلقججاء بججه‪ ،‬كمججا أن السججلف مججن‬
‫الصحابة والتابعين خلقاء بججذلك‪ .‬وإن لججم يكججن لججه أصججل فججى‬
‫‪1‬‬
‫)( المهيع‪ :‬الطريق الواسججع المنبسججط‪ ،‬أو هججو الطريججق‪.‬‬
‫)انظر اللسان والنهاية(‪.‬‬
‫‪- 194 -‬‬
‫الشريعة‪ ،‬فل عمل عليه‪ ،‬لن السنة حجة علججى جميججع المججة‪،‬‬
‫وليس عمل أحجد مجن الئمجة حججة علجى السجنة‪ ،‬لن السجنة‬
‫معصومة عن الخطأ وصاحبها معصوم‪ ،‬وسائر المة لم تثبججت‬
‫لهجا عصجمة‪ ،‬إل مجع إجمجاعهم خاصجة‪ ،‬وإذا اجتمعجوا‪ ،‬تضجمن‬
‫اجتمججاعهم دليل ً شججرعيا ً كمججا تقججدم التنججبيه عليججه‪ ،‬فالصججوفية‬
‫مجن لججم تثبججت لججه العصججمة‪ ،‬فيججوز عليهجم الخطججأ‬ ‫كغيرهم م ّ‬
‫والنسججيان والمعصججية كبيرتهججا وصججغيرتها‪ ،‬فأعمججالهم ل تعججدو‬
‫المرين‪.‬‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬كل كلم منه مأخوذ أو متروك‪ ،‬إل ما‬
‫كان من كلم النبى ‪.‬‬

‫‪- 195 -‬‬


‫الباب الرابع‬
‫فى مأخذ أهل البدع بالستدلل‬

‫‪- 196 -‬‬


‫دعى الججدخول فيهججا والكججون‬ ‫ممججن يج ّ‬
‫كل خارج عن السنة ّ‬
‫مجن أهلهجا لبجد ّ لجه مجن تكّلجف فجى السجتدلل بأدلتهجا علجى‬
‫حها دعواهم‪.‬‬‫ذب أّطرا ُ‬ ‫خصومات مسائلهم‪ ،‬وإل ك ّ‬
‫إل أن هؤلء –كما يتبيّن بعد‪ -‬لم يبلغوا مبلغ الناظرين فيها‬
‫بإطلق‪ :‬إما لعدم الرسججوخ فجى معرفججة كلم العججرب والعلجم‬
‫بمقاصدها‪ ،‬وإما لعججدم الرسججوخ فججى العلججم بقواعججد الأصججول‬
‫التى مججن جهتهججا تسججتنبط الأحكججام الشججرعية‪ ،‬وإمججا للمريججن‬
‫جميعًا‪ ،‬فبالحرى أن تصير مآخذهم للدلة مخالفة لمأخججذ مججن‬
‫قين للمرين‪.‬‬ ‫دمهم من المحق ّ‬ ‫تق ّ‬
‫قرر هذا‪ ،‬فل بد من التنبيه على تلججك المآخججذ‪ ،‬لكججى‬
‫وإذا ت ّ‬
‫ذر وتتقى‪ ،‬وبالله التوفيق‪ ،‬فنقول‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫تُ ْ‬
‫قال الله سبحانه وتعالى‪ :‬فأما الذين فى قلههوبهم‬
‫زيغ فيتبعون ما تشههابه منههه ابتغههاء الفتنههة وابتغههاء‬
‫تأويله ‪.(1)‬‬
‫وذلك أن هذه اليجة شجملت قسجمين همجا أصجل المشجى‬
‫على طريق الصواب أو على طريق الخطأ‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الراسخون فى العلم‪ ،‬وهم الثابتو القدام فى علم‬
‫صججل‬ ‫ذرا ً إل علججى مججن ح ّ‬
‫الشريعة‪ ،‬ولما كان ذلك متع ج ّ‬
‫المرين المتقدمين‪ ،‬لم يكن بد من المعرفة بهما معجا ً‬
‫مّنة النسانية‪ ،‬وإذ ذاك يطلق‬ ‫على حسب ما تعطين ال ُ‬
‫عليه )أنه راسخ فى العلم( ومقتضى الية مدحه‪ ،‬فهو‬
‫إذا ً أهل للهداية والستنباط‪.‬‬
‫والقسم الثانى‪ :‬من ليس براسخ فى العلم‪ ،‬وهججو الججزائغ‪،‬‬
‫فحصل له من الية وصفان‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫)( آل عمران‪.7 :‬‬
‫‪- 197 -‬‬
‫أحدهما‪ :‬بالنص وهججو الزيججغ‪ ،‬لقججوله تعججالى‪ :‬فأما‬
‫الذين فى قلوبهم زيههغ ‪ ،(1)‬والزيججغ‪ :‬هججو الميججل‬
‫عن الصراط المستقيم‪ ،‬وهو ذم لهم‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬بالمعنى الذى أعطاه التقسججيم‪ ،‬وهججو عججدم‬
‫الرسوخ فى العلم‪.‬‬

‫فصل‬
‫إذا ثبت هذا‪ ،‬رجعنا منه إلى معنى آخر‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫إذا تبين أن للراسخين طريقا ً يسلكونها فى اتبججاع الحججق‪،‬‬
‫وأن الزائغين على غير طريقهم‪ ،‬فاحتجنا إلججى بيججان الطريججق‬
‫التى سلكها هؤلء لنتجنبها‪ ،‬كمججا نّبيججن الطريججق الججتى سججلكها‬
‫الراسججخون لنسججلكها‪ ،‬وقججد بيججن ذلججك أهججل أصججول الفقججه‪،‬‬
‫وبسطوا القول فيه‪ ،‬ولم يبسطوا القول فى طريق الزائغين‪،‬‬
‫فهل يمكن حصر مآخذها أول؟‬
‫فنظرنا فى آية أخرى تتعلق بهم كما تتعلججق بالراسججخين‪،‬‬
‫وهججى قججوله تعججالى‪ :‬وأن هههذا صههراطى مسههتقيما ً‬
‫فهههأتبعوه ول تتبعهههوا السهههبل فتفهههرق بكهههم عهههن‬
‫سههبيله ‪ ،(2)‬فأفججادت اليججة أن طريججق الحججق واحججدة‪ ،‬وأن‬
‫للباطل طرقا ً متعججددة ل واحججدة‪ ،‬وتعججد ّ‬
‫دها لججم ينحصججر بعججدد‬
‫مخصوص‪.‬‬
‫ط‬‫وهكذا الحديث المفسر للية‪ ،‬وهو قول ابن مسعود‪ :‬خ ّ‬
‫لنا رسول الله ‪ ‬خطًا‪ ،‬فقال‪) :‬هذا سبيل الله( ثججم خججط‬
‫لنا خطوطا ً عن يمينه ويسججاره‪ ،‬وقججال )هذه سههبل‪ ،‬علههى‬
‫‪1‬‬
‫)( آل عمران‪.7 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الأنعام‪.153 :‬‬
‫‪- 198 -‬‬
‫ن يدعو إليه()‪.(1‬‬
‫كل سبيل منها شيطا ً‬
‫ددة غيججر محصججورة بعججدد‪،‬‬‫ففى الحديث أنها خطججوط متعج ّ‬
‫فلم يكن لنا سبيل إلى حصر عددها من جهججة النقججل‪ ،‬ول لنججا‬
‫أيضا ً سبيل إلى حصرها مججن جهججة العقججل أو السججتقراء‪ .‬أمججا‬
‫العقل‪ ،‬فإنه ل يقضى بعدد دون آخر‪ ،‬لنه غير راجع إلى أمججر‬
‫محصججور‪ ،‬أل تججرى أن الزيججغ راجججع إلججى الجهججالت؟ ووجججوه‬
‫الجهل ل تنحصر‪ ،‬فصار طلب حصرها عناء من غير فائدة‪.‬‬

‫وأما الستقراء‪ ،‬فغير نافع أيضا ً فى هذا المطلب‪ ،‬لنا لما‬


‫نظرنا فى طرق البدع من حيث نبت جت‪ ،‬وجججدناها تججزداد علججى‬
‫اليججام‪ ،‬ول يججأتى زمججان إل وغريبججة مججن غججرائب السججتنباط‬
‫تحدث‪ ،‬إلى زماننا هججذا‪ ،‬وإذا كججان كججذلك‪ ،‬فيمكججن أن يحججدث‬
‫بعد زماننا استدللت أخر ل عهد لنا بها فيمججا تقججدم‪ ،‬ل سججيما‬
‫عند كثرة الجهل‪ ،‬وقلة العلم‪ ،‬وبعد الناظرين فيه عججن درجججة‬
‫الجتهاد‪ ،‬فل يمكن إذا ً حصرها من هذا الججوجه‪ ،‬ول يقججال إنهججا‬
‫ترجع إلى مخالفججة طريججق الحججق‪ ،‬فججإن وجججوه المخالفججات ل‬
‫تنحصر أيضًا‪ ،‬فثبت أن تتبع هذا الوجه عنججاء‪ ،‬لكنججا نججذكر مججن‬
‫ذلك أوجها ً كلية ُيقاس عليها ما سواها‪.‬‬
‫فمنههها‪ :‬اعتمججادهم علججى الحججاديث الواهيججة الضججعيفة‬
‫والمكذوب فيهججا علججى رسججول اللججه ‪ ‬والججتى ل يقبلهججا أهججل‬
‫صججججججججناعة الحججججججججديث فججججججججى البنججججججججاء عليهججججججججا‪:‬‬
‫كحديث الكتحال يوم عاشوراء‪ ،‬وإكرام الديك البيض‪ ،‬وأكججل‬
‫الباذنجان بنية‪ ،‬وأن النبى صلى الله علية وسلم تواجد وأهججتّز‬
‫‪1‬‬
‫)( صحيح‪ :‬رواه الدارمي )‪ (1/67‬وسعيد بججن منصججور )‬
‫‪ (5/112‬والحججاكم )‪ (2/261‬وأحمججد )‪ (4142‬والججبزار )‬
‫‪ (1677‬والنسججائي فججي الكججبرى )‪ ،(11175‬ورواه مججن‬
‫حديث جابر ابن ماجة )‪ (11‬وابن أبي عاصم )‪ (16‬وأحمد‬
‫)‪ (3/397‬وصححه في السنن‪ ،‬وفيه‪ :‬مجالد بن سعيد‪.‬‬
‫‪- 199 -‬‬
‫عند السججماع حججتى سججقط الججرداء عججن منكججبيه… ومججا أشججبه‬
‫ذلك)‪.(1‬‬
‫فإن أمثال هذه الحاديث –على مججا هججو معلججوم‪ -‬ل ينبنججى‬
‫عليها حكم‪ ،‬ول ُتجَعل أص جل ً فججى التشججريع أبججدًا‪ ،‬ومججن جعلهججا‬
‫كذلك‪ ،‬فهو جاهل أو مخطئ فى نقل العلم‪ ،‬فلم ُينقل الخججذ‬
‫مججن يعتمججد بججه فججى طريقججة العلججم ول طريقججة‬ ‫بشججئ منهججا ع ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( وهى موضوعات تجدها مفصلة فى كتب الموضوعات‬
‫وما اشتهر على ألسنة الناس‪.‬‬
‫حديث الكتحال يوم عاشوراء‪ :‬موضوع‪ :‬الضجججعيفة‬
‫)‪ (642‬والجامع )‪ (5467‬وهو عند الججبيهقي فججي الشججعب‬
‫شعب اليمان )‪ (3797‬من طريججق جويججبر عججن الضججحاك‬
‫عن ابن عباس مرفوعًا‪ :‬من اكتحل بالثمد يوم عاشججوراء‬
‫لم يرمد أبدًا‪ .‬قال‪ :‬وجويجبر ضجعيف‪ ،‬و الضجحاك لجم يلجق‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫وحديث الديك البيض‪ :‬روى الججبيهقي فججي الشججعب )‬
‫‪ ،5176‬ج ‪ (5177‬من طريق علججي اللهججبي ثنججا محمججد بججن‬
‫المنكدر عن ججابر بجن عبججد اللججه قجال‪ :‬أمجر رسجول ‪:‬‬
‫باتخاذ الديك البيض‪ .‬قال‪ :‬هذا بهذا السججناد منكججر‪ ،‬تفججرد‬
‫به اللهبي‪ ،‬وروى فيه بإسناد مرسل و هو به أشبه‪ .‬وانظر‬
‫أحججاديث أخججري فججي ضججعيف الجججامع )‪(3030 :3024‬‬
‫والضعيفة )‪.(3618‬‬
‫ُ‬
‫وأما الباذنجان‪ :‬فحديث‪ :‬الباذنجان لما أكل لججه‪ .‬وهججذا‬
‫باطججل ل أصججل لججه‪ .‬قججال ابججن القيججم فججي زاد المعججاد )‬
‫‪ :(4/267‬الحديث الموضججوع المختلججق‪ ،‬وهججذا الكلم ممججا‬
‫ُيسججتقبح نسججبته إلججى آحججاد العقلء‪ ،‬فضججل ً عججن النبيججاء‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬المصنوع للقججاري والللججئ المصججنوعة للسججيوطي‬
‫وكشف الخفاء للعلجوني والمقاصد الحسنة للسخاوي‪.‬‬
‫وأما حديث السماع‪ :‬فحكم عليه اللباني بالوضججع فججي‬
‫الضعيفة )‪ ،(558‬وانظر حاشية صحيح الترغيب )‪.(1/59‬‬
‫‪- 200 -‬‬
‫السلوك‪.‬‬
‫وإنما أخذ بعض العلمجاء بالحججديث الحسجن‪ ،‬للحججاقه عنججد‬
‫بعض المحججدثين بالصججحيح‪ ،‬لن سججنده ليججس فيججه مججن يعججاب‬
‫بجرحة متفق عليها‪ ،‬وكججذلك أخججذ مججن أخججذ منهججم بالمرسججل‬
‫ليس إل مججن حيججث ألحججق بالصججحيح فججى أن المججتروك ذكججره‬
‫كالمذكور والمَُعدّل‪.‬‬
‫ولو كان من شأن أهججل السججلم الججذّابين عنججه الخججذ مججن‬
‫الحاديث بكل ما جاء عن كل مججن جججاء‪ ،‬لججم يكججن لنتصججابهم‬
‫للتعديل والتجريح معنى‪ ،‬مع أنهم قد أجمعججوا علججى ذلججك‪ ،‬ول‬
‫صل فلذلك جعلججوا السججناد مججن‬ ‫كان لطلب السناد معنى يتح ّ‬
‫الدين)‪.(1‬‬
‫ن النججبى‬
‫نأ ّ‬
‫والحاديث الضعيفة السناد ل يغلب على الظ ّ‬
‫‪ ‬قالها‪ ،‬فل يمكن أن يسند إليها حكم‪ ،‬فما ظنك بالأحججاديث‬
‫المعروفة الكذب؟ نعم‪ ،‬الحامل علججى اعتمادهججا فججى الغججالب‬
‫دم من الهوى المتّبع‪.‬‬
‫إنما هو ما تق ّ‬
‫وهذا كله على فرض أل يعارض الحديث أصل من أصججول‬
‫الشريعة‪ ،‬وأما إذا كان له معارض‪ ،‬فجأحرى أل يؤخججذ بججه‪ ،‬لن‬
‫الخذ به هدم لأصل من أصول الشريعة‪ ،‬والجماع على منعه‬

‫‪1‬‬
‫)( في مقدمة صحيح مسلم‪ ،‬باب ‪:‬باب بيججان أن السججناد‬
‫من الدين‪ ،‬وذكر بسنده إلى عبد الله بن المبججارك يقججول‪:‬‬
‫السناد من الدين‪ ،‬ولول السناد لقال من شججاء مججا شججاء‪.‬‬
‫وبسنده إلى ابن سيرين‪ ،‬قججال‪ :‬لججم يكونججوا يسججألون عججن‬
‫السناد‪ ،‬فلما وقعججت الفتنججة‪ ،‬قججالوا‪ :‬سججموا لنججا رجججالكم‪،‬‬
‫فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حججديثهم‪ ،‬وينظججر إلججى أهججل‬
‫البدع فل يؤخذ حديثهم‪ .‬وبسنده إلى محمججد بججن سججيرين‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن هذا العلم دين‪ ،‬فججانظروا عمججن تأخججذون دينكججم‪.‬‬
‫)صحيح مسلم مع شرح النووي ‪.(130 ،1/126‬‬
‫‪- 201 -‬‬
‫إذا كان صحيحا ً فججى الظججاهر‪ ،‬وذلججك دليججل علججى الججوهم مججن‬
‫بعض الرواة أو الغلط أو النسيان‪ ،‬فما الظن به إذا لم يصح‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا كله رد على الئمة الجذين اعتمججدوا علججى‬
‫الحاديث التى لم تبلغ درجة الصحيح‪ ،‬فإنهم كما نصججوا علججى‬
‫صججوا أيض جا ً علججى أن أحججاديث‬
‫اشتراط صحة السناد‪ ،‬كججذلك ن ّ‬
‫الججترغيب والججترهيب ل ُيشججترط فججى نقلهججا للعتمججاد صججحة‬
‫السناد‪ ،‬بل إن كان ذلك‪ ،‬فبها ونعمججت‪ ،‬وإل ‪ ،‬فل حججرج علججى‬
‫مججن نقلهججا)‪ (1‬وأسججتند إليهججا‪ ،‬فقججد فعلججه الئمججة كمالججك فججى‬
‫َ‬
‫"الموطأ" وابن المبارك فى "رقائقه" وأحمججد بججن حنبججل فججى‬
‫"رقائقه" وسفيان فى "جامع الخير" وغيرهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( ذكر اللباني في مقدمة صججحيح الججترغيب )ص ‪ 47‬ط‪.‬‬
‫مكتبة المعججارف( كلمجا ً غايججة فججي النفاسججة‪ ،‬ومفججاده‪ :‬أن‬
‫قاعججدة العمججل بالضججعيف فججي فضججائل العمججال وفججي‬
‫الججترغيب والججترهيب ليسججت علججى إطلقهججا‪ ،‬بججل مقيججدة‬
‫بقيدين‪ :‬حديثي‪ :‬كما شرط ابن حجر‪ :‬أن يكون الضججعف‬
‫غير شججديد‪ ،‬وأن يكججون منججدرجا ً تحججت أصججل عججام‪ ،‬وأن ل‬
‫يعتقد عند العمل به ثبوته لئل ينسب إلى النبي ‪ ‬ما لججم‬
‫يقلججه‪ ،‬وذكججر معنججى قججول العلمججاء كأحمججد وابججن الصججلح‬
‫ددنا فججي السججانيد‪،‬‬‫والمنذري‪ :‬إذا جاء الحلل والحرام ش ج ّ‬
‫وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في السججانيد‪ ،‬وذكججر‬
‫تأثيم مسلم لمن يروي عن الضعفاء ول يبين حججالهم ولججو‬
‫فججي الججترغيب والججترهيب‪ ،‬وأمهها القيههد الفقهههي‪ :‬أن‬
‫يكون الحديث الضعيف قد ثبتت شرعية العمججل بمججا فيججه‬
‫بغيره بما يصلح أن يكججون دليل ً شججرعيًا‪ .‬وذكججر كلم شججيخ‬
‫السلم ابن تيمية في ذلججك )الفتججاوى ‪ (68-18/65‬وذكججر‬
‫موافقة الشاطبي لذلك في العتصام )وهو كلمججه ههنجا(‪،‬‬
‫فراجججع كلم اللبججاني ‪-‬رحمججه اللججه‪ -‬لتقججف علججى هججذا‬
‫الموضوع الهام‪.‬‬
‫‪- 202 -‬‬
‫فكل ما فى هذا النوع من المنقولت راجع إلى الججترغيب‬
‫والترهيب‪ ،‬وإذا جاز اعتماد مثله‪ ،‬جججاز فيمججا كججان نحججوه ممججا‬
‫يرجع إليجه‪ ،‬كصجلة الرغجائب‪ ،‬والمعجراج‪ ،‬وليلجة النصجف مجن‬
‫شججعبان‪ ،‬وليلججة أول جمعججة مججن رجججب‪ ،‬وصججلة اليمججان‪،‬‬
‫والأسبوع‪ ،‬وصلة بر الوالدين‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬وصيام رجججب‪،‬‬
‫والسابع والعشرين منججه)‪ …(2‬ومججا أشججبه ذلججك‪ ،‬فججإن جميعهججا‬
‫راجع إلى الترغيب فى العمل الصالح‪ ،‬فالصلة علججى الجملججة‬
‫ثابت أصلها‪ ،‬وكذلك الصيام وقيام الليل‪ ،‬كل ذلك راجججع إلججى‬
‫خير نقلت فضيلته على الخصوص‪.‬‬
‫وإذا ثبت هذا‪ ،‬فكل ما ُنقلت فضيلته فى الأحججاديث‪ ،‬فهججو‬
‫من باب الترغيب‪ ،‬فل يلزم فيه شهادة أهججل الحججديث بصججحة‬
‫السناد‪ ،‬بخلف الحكام‪.‬‬
‫فإذًا‪ ،‬هذا الوجه من السججتدلل مججن طريججق الراسججخين ل‬
‫من طريق الذين فى قلوبهم زيغ‪ ،‬حيث فّرقججوا بيججن أحججاديث‬
‫الأحكججام فاشججترطوا فيهججا الصججحة‪ ،‬وبيججن أحججاديث الججترغيب‬
‫والترهيب فلم يشترطوا فيها ذلك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)( قال النووي في المجمججوع‪ :‬الصججلة المعروفججة بصججلة‬
‫الرغائب‪ ،‬وهي اثنا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلججة‬
‫أول جمعة من رجججب‪ ،‬وصججلة ليلججة النصججف مججن شججعبان‬
‫مائة ركعججة‪ ،‬هاتججان الصججلتان بججدعتان منكرتججان‪ ،‬ول يغججتر‬
‫بججذكرهما فججي قججوت القلججوب وإحيججاء علججوم الججدين‪ ،‬ول‬
‫بالحديث المججذكور فيهمججا فججإن كججل ذلججك باطججل‪ ،.‬وانظججر‬
‫مجموع الفتاوى )‪ ،(133-23/131‬وانظر فيما ذكره مججن‬
‫هذه الصلوات والصوم‪ :‬ضججعيف الججترغيب )‪ ،622‬ج ‪،(623‬‬
‫والمصنف لعبد الرزاق )‪ (7927‬وشعب اليمججان )‪،3711‬‬
‫‪ ،3713‬ج ‪ ،(3812‬وانظر‪ :‬رسالة تججبيين العجججب فيمججا ورد‬
‫في فضل رجب للحافظ ابن حجر‪ ،‬وكتابنا "عقد المرجان‬
‫في أحكام الصيام ورمضان" صوم رجب‪.‬‬
‫‪- 203 -‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن ما ذكره علماء الحديث من التساهل فججى‬
‫أحاديث الترغيب والترهيب ل ينتظم فى مسألتنا المفروضة‪،‬‬
‫وبيانه‪ :‬أن العمل المتكّلم فيججه إمججا أن يكججون منصوصجا ً علججى‬
‫ل‪ ،‬أو ل يكون منصوص جا ً عليججه ل جملججة ول‬ ‫أصله جملة وتفصي ً‬
‫ل‪ ،‬أو يكون منصوصا ً عليه جملة ل تفصي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫تفصي ً‬
‫صججلوات المفروضججات‪،‬‬ ‫ول‪ :‬ل إشكال فى صحته‪ ،‬كال ّ‬ ‫فال ّ‬
‫والنوافل المرّتبة لسباب وغير أسباب‪ ،‬وكالصيام المفججروض‬
‫أو المندوب علججى الججوجه المعججروف‪ ،‬إذا ُفعل ِججت علججى الججوجه‬
‫ص عليه من غير زيادة ول نقصان‪ ،‬كصججيام عاشججوراء‪،‬‬ ‫الذى ن ُ ّ‬
‫أو يوم عرفة‪ ،‬والوتر بعد نوافل الليل‪ ،‬وصلة الكسوف‪.‬‬
‫فالنص جاء فى هذه الأشججياء صججحيحا ً علججى مججا شججرطوا‪،‬‬
‫فثبت أحكامها من المفروض والسنة والسججتحباب‪ ،‬فججإذا ورد‬
‫فى مثلها أحاديث ترغيب فيها وتحذير من ترك الفرض منهججا‪،‬‬
‫وليست بالغة مبلغ الصحة‪ ،‬ول هى أيضا ً من الضعف بحيث ل‬
‫يقبلها أحد أو كانت موضوعة ل يصح الستشهاد بها‪ ،‬فل بأس‬
‫بذكرها‪ ،‬والتحذير بها والترغيب‪ ،‬بعد ثبوت أصلها مججن طريججق‬
‫صحيح‪.‬‬
‫والثانى)‪ :(1‬ظاهر أنه غير صحيح‪ ،‬وهو عين البدعة‪ ،‬لنججه‬
‫جرد الرأى المبنى على الهوى‪ ،‬وهو أبعد البججدع‬ ‫ل يرجع إل لم ّ‬
‫وأفحشها‪ ،‬كالرهباِنيججة المنفي ّججة عججن السججلم‪ ،‬والخصججاء لمججن‬
‫خشى العنت‪ ،‬والتعّبد بالقيام فى الشمس‪ ،‬أو بالصججمت مججن‬
‫غير كلم أحد‪ ،‬فالترغيب فى مثل هذا ل يصح‪ ،‬إذ ل يوجد فى‬
‫ذر من مخالفته‪.‬‬‫غب فى مثله أو يح ّ‬ ‫الشرع‪ ،‬ول أصل له ير ّ‬
‫والثالث‪ :‬ربما يتوهم أنه كالول‪ ،‬مججن جهججة أنججه إذا ثبججت‬
‫أصل عبججادة فججى الجملججة‪ ،‬فيسججهل فججى التفصججيل نقلججه مججن‬
‫ق غير مشترط الصحة‪ ،‬فمطلق التنقل بالصلة مشروع‪،‬‬ ‫طري ِ‬

‫)( وهو غير المنصوص عليه ل جملة ول تفصي ً‬


‫ل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫ب فى صلة ليلة النصججف مججن شججعبان)‪ ،(2‬فقججد‬
‫فإذا جاء ترغي ٌ‬
‫عضده أصل الترغيب فى صلة النافلة‪ ،‬وكذلك إذا ثبت أصل‬
‫صيام‪ ،‬ثبت صيام السابع والعشرين من رجب … ومججا أشججبه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وليجس كمجا توهمجوا‪ ،‬لن الصجل إذا ثبجت فجى الجملججة ل‬
‫يلزم إثباته فى التفصيل‪ ،‬فججإذا ثبججت مطلججق الصججلة‪ ،‬ل يلججزم‬
‫منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ي ُن َججصّ عليهججا‬
‫على الخصوص‪ ،‬وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام‪ ،‬ل يلججزم منججه‬
‫اثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك‪ ،‬حججتى‬
‫ت بالتفصيل بدليل صحيح‪ ،‬ثم ينظر بعد ذلك فججى أحججاديث‬ ‫ُيثب َ‬
‫الترغيب والترهيب بالنسبة إلى ذلك العمججل الخججاص الثججابت‪،‬‬
‫بالدليل الصحيح‪.‬‬
‫ذكر فى السؤال من ذلججك‪ ،‬إذ ل ملزمججة بيججن‬ ‫وليس فيما ُ‬
‫ثبوت التنفل الليلججى والنهججارى فججى الجملججة وبيججن قيججام ليلججة‬
‫النصف من شعبان بكذا وكذا ركعة يقرأ فى كججل ركعججة منهججا‬
‫بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة‪ ،‬ومثله صيام اليججوم‬
‫الفلنى من الشهر الفلنى‪ ،‬حتى تصير تلك العبادة مقصججودة‬
‫على الخصوص‪ ،‬ليس فى شىء من ذلك ما يقتضججيه مطلججق‬
‫شرعية التنفل بالصلة أو الصيام‪.‬‬
‫دليل على ذلك أن تفضيل يوم من اليام أو زمان مججن‬ ‫وال ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من حكما شرعيا فيججه علججى الخصججوص‪،‬‬ ‫الزمنة بعبادة ما يتض ّ‬
‫ً‬
‫كما ثبت لعاشججوراء –مثل‪ -‬أو لعرفججة أو لشججعبان مزي ّججة علججى‬
‫مطلق التنفل بالصيام‪ ،‬فإن ثبت له مزي ّججة علججى الصججيام فججى‬
‫مطلق اليام‪ ،‬فتلك المزّية اقتضت مرتبة فى الأحكججام أعلججى‬
‫مججن غيرهججا‪ ،‬بحيججث ل ُتفهججم مججن مطلججق مشججروعية صججيام‬
‫‪2‬‬
‫)( تقدم ص ‪ (2) 54‬أن الوارد في فضل الصلة في هذه‬
‫الليلججة ل يصججح‪ ،‬وانظججر تفصججيل ذلججك فججى كتابنججا‪" :‬عقججد‬
‫المرجان في أحكام الصيام ورمضان" باب صوم شعبان‪.‬‬
‫‪- 205 -‬‬
‫النافلججة‪ ،‬لن مطلججق المشججروعية يقتضججى أن الحسججنة فيججه‬
‫بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف فججى الجملججة‪ ،‬وصججيام يججوم‬
‫عاشوراء يقتضى أنه يكفر السنة التى قبله)‪ ،(1‬فهججو أمججر زائد‬
‫على مطلق المشروعية‪ ،‬ومساقه يفيد له مزّية فججى الرتبججة‪،‬‬
‫وذلك راجع إلى الحكم‪.‬‬
‫ة فجى نججوع مجن‬ ‫ص يقتضجى مرتبج ً‬ ‫فإذًا‪ ،‬فهذا الترغيب الخا ّ‬
‫ة‪ ،‬فلّبد من رجوع إثبات الحكم إلى الحججاديث‬ ‫المندوب خاص ً‬
‫الصججحيحة‪ ،‬بنججاء علججى قججولهم‪" :‬إن الحكججام ل تثبججت إل مججن‬
‫طريق صحيح"‪ ،‬والبدع المستدل عليها بغير الصحيح لبد فيها‬
‫من الزيججادة علججى المشججروعات‪ ،‬كالتقييججد بزمججان أو عججدد أو‬
‫كيفّية ما‪ ،‬فيلزم أن تكججون أحكججام تلججك الزيججادات ثابتججة بغيججر‬
‫الصحيح‪ ،‬وهو ناقض لما أسسه العلماء‪.‬‬
‫ول ُيقال‪ :‬إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقججط‪،‬‬
‫كم من غير دليل‪ ،‬بل الحكام خمسة‪ ،‬فكما‬ ‫لنا نقول‪ :‬هذا تح ّ‬
‫ب‬‫ل يثبجججت الوججججوب إل بالصجججحيح‪ ،‬فكجججذلك ل يثبجججت النجججد ُ‬
‫والكراهة والباحة إل بالصحيح‪ ،‬فإذا ثبت الحكججم‪ ،‬فاستسججهل‬
‫أن يثبت فى أحجاديث الججترغيب والجترهيب‪ ،‬ول عليجك‪ ،‬فعلجى‬
‫كل تقدير‪ :‬كججل مججا رغججب فيججه إن ثبججت حكمججه ومرتبتججه فججي‬
‫المشروعات من طريق صحيح فالترغيب فيججه بغيججر الصججحيح‬
‫رط الصحة‬ ‫مغتفر‪ ،‬وإن لم يثبت إل من حديث الترغيب فاشت ِ‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫دثين فجججى‬
‫وأصجججل هجججذا الغلجججط عجججدم فهجججم كلم المحججج ّ‬
‫الموضعين‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬

‫فصل‬
‫)( رواه مسلم من حججديث أبججي قتججادة مرفوعجا ً )‪(1162‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأصحاب السنن‪.‬‬
‫‪- 206 -‬‬
‫ومنها‪ :‬ضد هذا‪ ،‬وهو ردهججم للحجاديث الججتى ججرت غيججر‬
‫موافقة لغراضهم ومذاهبهم‪ ،‬ويدعون أنها مخالفة للمعقول‪،‬‬
‫وغير جارية على مقتضى الدليل‪ ،‬فيجب ردها‪:‬‬
‫كالمنكرين لعذاب القبر‪ ،‬والصراط‪ ،‬والميزان‪ ،‬ورؤية الله‬
‫عز وجل فى الخرة‪ ،‬وكذلك حديث الججذباب وقتلججه‪ ،‬وأن فججى‬
‫أحد جناحيه داء وفى الخججر دواء وأنججه قججدم الججذى فيججه الججداء‪،‬‬
‫وحججديث الججذى أخججذ أخججاه بطنججه فججأمره النججبى ‪ ‬بسججقيه‬
‫العسل)‪ …(1‬وما أشبه ذلك من الحاديث الصججحيحة المنقججوله‬

‫)( أما عذاب القبر‪ :‬فثبت ذلك متواترا ً مججن نصججوص‬ ‫‪1‬‬

‫السنة‪ ،‬ورويت أحاديثه عن جمع من الصحابة‪ ،‬فمن بينها‪:‬‬


‫حديث أنس عند البخاري )‪ (1338‬وحديث ابن عباس في‬
‫ي القبرين عند البخاري )‪ (1361‬ومسلم وغيرهمججا‪،‬‬ ‫صاحب ّ‬
‫وحديث الججبراء عنججد أحمججد )‪ (4/287‬وأبججي داود )‪:4753‬‬
‫صحيح(‪ ،‬وهو حديث طويل ونفيس‪ .‬واستنبطه طائفة من‬
‫العلماء من قوله تعالى ‪‬النار يعرضون عليها غدوا ً‬
‫وعشيا ً ويوم تقههوم السههاعة أدخلههوا آل فرعههون‬
‫أشد العذاب ‪ ،‬وانظر‪ :‬معارج القبول )‪.(2/97‬‬
‫وأما الصراط‪ :‬فعنججد البخججاري )‪ (6573‬بججاب‪ :‬الصججراط‬
‫جسر جهنم‪ ،‬ومسلم )‪ (183 ،182‬من حديث أبي هريرة‪،‬‬
‫ومن حديث أبي سعيد‪ .‬وانظر‪ :‬معارج القبول )‪.(2/186‬‬
‫وأمهها الميههزان‪ :‬فثبججت فججي الكتججاب فججي قججوله تعججالى‬
‫‪‬ونضههع المههوازين القسههط ليههوم القيامههة ‪ ‬و‬
‫‪‬والههوزن يههومئذ الحههق فمههن ثقلههت مههوازينه‬
‫فههأولئك هههم المفلحههون ‪ ‬و ‪‬فأمهها مههن ثقلههت‬
‫موازينه فهو في عيشة راضية ‪ .‬ومججن الحججاديث‪:‬‬
‫حديث أنس عند الترمذي )‪ :2433‬صحيح( وعائشججة عنججد‬
‫أبي داود )‪ :4755‬ضعيف(‪ ،‬وحديث آخجر عجن أبجي داود )‬
‫‪ :4799‬صحيح(‪ .‬وانظر‪ :‬معارج القبول )‪.(2/183‬‬
‫وأما الرؤية‪ :‬ففججي الكتججاب ‪‬وجوه يههومئذ ناضههرة‬
‫‪- 207 -‬‬
‫نقل العدول‪.‬‬
‫وربما قدحوا فى الرواة من الصحابة والتابعين رضى الله‬
‫تعالى عنهم ومن اتفق الئمة مججن المحججدثين علججى عججدالتهم‬
‫وإمامتهم؛ كل ذلك ليردوا به على من خالفهم فى المذهب‪.‬‬
‫دوا فتاويهم وقبحوها فى أسججماع العامججة‪ ،‬لينفججروا‬
‫وربما ر ّ‬
‫المة عن أتباع السنة وأهلها‪ ،‬وذهبت طائفة إلججى نفجى أخبججار‬
‫الآحاد جملة‪ ،‬والقتصار على ما استحسنته عقولهم فى فهججم‬
‫القرآن‪.‬‬
‫ففججى هججؤلء وأمثججالهم قججال رسججول اللججه ‪) ‬ل ألفين‬
‫أحدكم متكئا ً على أريكته‪ ،‬يأتيه المر من أمرى مما‬
‫ت عنه‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أدرى‪ ،‬مهها وجههدنا‬ ‫أمرت به أو نهي ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫فى كتاب الله اتبعناه( ‪ ،‬وهذا وعيد شديد تضمنه النهى‬
‫لحق بمن ارتكب رد ّ السنة‪.‬‬
‫وربما احتج طائفة من نابتة المبتدعججة علججى رد الحججاديث‬

‫إلى ربها نههاظرة ‪ ‬و ‪‬للههذين أحسههنوا الحسههنى‬


‫وزيهههادة ‪ ‬و ‪‬كل إنههههم عهههن ربههههم يهههومئذ‬
‫لمحجوبون ‪ .‬والحجاديث فجي الرؤيجة متجواترة‪ ،‬فمنهجا‬
‫حديث أبي هريرة عند البخججاري )‪ (6573‬ومسججلم )‪،182‬‬
‫‪ (183‬ومن حديث أبي سججعيد‪ ،‬وعنججد مسججلم مججن حججديث‬
‫صججهيب )‪ (181‬وأبججي موسججى )‪ .(180‬وانظججر‪ :‬معججارج‬
‫القبول )‪.(1/198‬‬
‫وأما حديث الذبابة‪ :‬رواه البخاري )‪ (3320‬وأبو داود )‬
‫‪ :3839‬صحيح( وأحمد وابن ماجججة وابججن حبججان والحججاكم‬
‫من حديث أبي هريرة‪ ،‬وانظر الصحيحة )‪.(38‬‬
‫وأما حديث العسل‪ :‬فرواه البخاري )‪ (5684‬ومسججلم‬
‫)‪ (2217‬من حديث أبي سعيد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( صحيح‪ :‬وتقدم ص ‪ ،87‬ص ‪.114‬‬
‫‪- 208 -‬‬
‫ذم الظن فى القرآن‪ ،‬كقوله تعالى‬ ‫بأنها إنما تفيد الظن‪ ،‬وقد ُ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫غِنى من ال َ‬‫‪‬إن يتبعون إل الظن وإن الظن ل ي ُ ْ‬
‫شيئا ً ‪ …(1)‬ومجا ججاء فجى معنجاه‪ ،‬حجتى أحلجوا أشجياء ممجا‬
‫حرمها الله تعالى على لسججان نجبيه ‪ ،‬وليجس تحريمهججا فجى‬
‫القرآن نصًا‪ ،‬وإنما قصدوا من ذلك أن يثبجت لهجم مجن أنظجار‬
‫عقولهم ما استحسنوا‪.‬‬
‫أيضجا ً غيجر مجا‬ ‫)‪(2‬‬
‫والظن المجراد فجى اليجة وفجى الحجديث‬
‫زعموا‪ ،‬وقد وجدنا له محال ثلثة‪:‬‬
‫ن فججى أصججول الججدين‪ ،‬فججإنه ل يغنججى عنججد‬ ‫أحههدها‪ :‬الظ ج ّ‬
‫العلمججاء‪ ،‬لحتمججاله النقيججض عنججد الظججان‪ ،‬بخلف الظججن فججى‬
‫الفروع‪ ،‬فإنه معمول بججه عنججد أهججل الشججريعة‪ ،‬للججدليل الججدال‬
‫على عمله‪ ،‬فكان الظن مججذموما ً إل مجا تعّلجق بجالفروع منجه‪،‬‬
‫وهذا صحيح ذكره العلماء فى هذا الموضع‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬أن الظن هنا هججو ترجيججح أحججد النقيضججين علججى‬
‫جح‪ ،‬ول شك أنه مذموم هنا‪ ،‬لنججه مججن‬ ‫الخر من غير دليل مر ّ‬
‫التحكّم‪ ،‬ولذلك اتبع فى الية بهوى النفججس فججى قججوله ‪‬إن‬
‫يتبعون إل الظن ما تهوى النفس ‪ ،(3)‬ولججذلك أثبججت‬
‫ذمه‪ ،‬بخلف الظن الذى أثاره دليججل‪ ،‬فججإنه غيججر مججذموم فججى‬
‫عمِجل‬
‫الجملة‪ ،‬لنججه خججارج عججن اتبججاع الهججوى‪ ،‬ولججذلك أثبججت و ُ‬
‫بمقتضاه حيث يليق العمل بمثله‪ ،‬كالفروع‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن الظن على ضربين‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫)( النجم‪.23 :‬‬
‫)( كحججديث ابججى هريججرة فججى صججحيح البخججارى مرفوع جا ً‬ ‫‪2‬‬

‫)إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث( البخارى‬


‫)‪ 10/484‬فتح( ومسلم ‪.2563‬‬
‫‪3‬‬
‫)( النجم‪.23 :‬‬
‫‪- 209 -‬‬
‫ظن يستند إلى أصل قطعى‪ ،‬وهذه هى الظنون المعمول‬
‫بها فى الشريعة أينما وقعت‪ ،‬لنها استندت إلى أصل معلوم‪،‬‬
‫فهى من قبيل المعلوم جنسه‪.‬‬
‫وظن ل يستند إلى قطعى‪ ،‬بل إما مستند إلى غير شججىء‬
‫ل‪ ،‬وهو مذموم –كما تقدم‪ ،-‬وإما مسجتند إلجى ظجن مثلجه‪،‬‬ ‫أص ً‬
‫فذلك الظن إن اسججتند أيضجا ً إلججى قطعججى‪ ،‬فكججالول‪ ،‬أو إلججى‬
‫ظنى‪ ،‬رجعنا إليه‪ ،‬فلبد أن يستند إلى قطعى‪ ،‬وهججو محمججود‪،‬‬
‫أو إلى غير شىء‪ ،‬وهو مذموم‪.‬‬

‫فص ُ‬
‫ل‬
‫صججهم علججى الكلم فججى القججرآن والسججنة‬ ‫تخر ُ‬
‫ّ‬ ‫ومنههها‪:‬‬
‫العربيين مع العروّ عن علم العربية الذى ُيفهججم بججه عججن اللججه‬
‫ورسوله‪:‬‬
‫فيفتججاتون)‪ (1‬علججى الشججريعة بمججا فهمججوا ويججدينون بججه‬
‫ويخالفون الراسخين فى العلم‪ ،‬وإنمججا دخلججوا فججى ذلججك مججن‬
‫جهججة تحسججين الظججن بأنفسججهم واعتقججادهم أنهججم مججن أهججل‬
‫الجتهاد والستنباط‪ ،‬وليسوا كذلك‪:‬‬
‫فكما حكى عن بعضهم فى قوله سبحانه ‪‬ولقد ذرأنهها‬
‫لجهنم ‪ ،(2)‬أى "القينا فيها" كأنه عندهم من قول العججرب‪:‬‬
‫ذرتججه الريججح‪ ،‬وذلججك ل يجججوز‪ ،‬لن ذرأنججا مهمججوز‪ ،‬وذرتججه غيججر‬
‫مهموز‪ ،‬وكذلك إذا كان من‪ :‬أذرته الدابة عججن ظهرهججا‪ ،‬لعججدم‬
‫الهمزة‪ ،‬ولكنه رباعى‪ ،‬وذرأنا ثلثى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( فيفتاتون‪ :‬أى يختلقون الباطججل‪ ،‬وأصججلها مهمججوز وقججد‬
‫يخفف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الأعراف‪.179 :‬‬
‫‪- 210 -‬‬
‫ويمكن أن يكون من خفي هذا الباب مذهب الخوارج فى‬
‫زعمهم أن ل تحكيم‪ ،‬استدلل ً بقوله تعالى‪ :‬إن الحكم إل‬
‫لله ‪ ،(1)‬فإنه مبنى على أن اللفظ ورد بصججيغة العمججوم‪ ،‬فل‬
‫يلحقججهِ تخصججيص‪ ،‬فلججذلك أعرضججوا عججن قججول اللججه تعججالى‬
‫‪‬فابعثوا حكم ها ً مههن أهلههه وحكم ها ً مههن أهلههها ‪،(2)‬‬
‫وقوله ‪‬يحكم به ذوا عدل منكم ‪.(3)‬‬
‫وإل‪ ،‬فلو علموا تحقيقا ً قاعدة العرب فى أن العموم ُيراد‬
‫به الخصوص‪ ،‬لم يسرعوا إلى النكار‪ ،‬ولقالوا فججى أنفسججهم‪:‬‬
‫م مخصوص؟ فيتأولون‪.‬‬ ‫لعل هذا العا ّ‬
‫وفى الموضع وجه آخر مذكور فى موضع غير هذا‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما يوقع الجهل بكلم العججرب فججى مجججازٍ ل يرضججى‬
‫بها عاقل‪ ،‬أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله‪.‬‬

‫فصل‬
‫ومنههها‪ :‬انحرافهججم عججن الصججول الواضججحة إلججى اتبججاع‬
‫المتشابهات الججتى للعقججول فيهججا مواقججف‪ ،‬وطلججب الخججذ بهججا‬
‫تأوي ً‬
‫ل‪:‬‬
‫وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشججتباه وإشججكال ليججس‬
‫بدليل فى الحقيقة‪ ،‬حججتى يت ّججبين معنججاه ويظهججر المججراد منججه‪،‬‬
‫ويشترط فى ذلك أن ل يعارضه أصل قطعى‪ ،‬فإذا لم يظهججر‬
‫معناه لجمال أو اشتراك‪ ،‬أو عارضه قطعى‪ ،‬كظهور تشججبيه‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الأنعام‪.57 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النساء‪.35 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المائدة‪.95 :‬‬
‫‪- 211 -‬‬
‫فليس بدليل‪ ،‬لن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا ً فججى نفسججه‪،‬‬
‫ودال ً على غيره‪ ،‬وإل احتيج إلى دليل عليججه‪ ،‬فججإن د ّ‬
‫ل الججدليل‬
‫على عدم صحته‪ ،‬فأحرى أن ل يكون دلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ول يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الصول الكليججة‪ ،‬لن‬
‫ل‪ ،‬فهى فى محججل التوّقججف‪،‬‬ ‫الفروع الجزئية إن لم تقتض عم ً‬
‫ل‪ ،‬فججالرجوع إلججى الأصججول هججو الصججراط‬ ‫وإن اقتضججت عم ً‬
‫المستقيم ومثجاله فججى ملججة السججلم مجذاهب الظاهريججة فجى‬
‫إثبجات الججوارح للجرب –المنجزه عجن النقجائض‪ ،-‬مجن العيجن‪،‬‬
‫واليججد‪ ،‬والرجججل‪ ،‬والججوجه‪ ،‬والمحسوسججات‪ ،‬والجهججة … وغيججر‬
‫ذلجججججججججججججججججججججك مجججججججججججججججججججججن الثجججججججججججججججججججججابت‬
‫للمحدثات ]‪.[11‬‬
‫ضا أن جماعججة زعمججوا أن القججرآن مخلججوق‬ ‫ومن المثلة أي ً‬
‫قججا بالمتشججابه‪ ،‬والمتشججابه الججذى تعلقججوا بججه مججن وجهيججن‪:‬‬
‫تعل ً‬
‫عقلى –فى زعمهم‪ -‬وسمعى‪.‬‬
‫فالعقلى‪ :‬أن صفة الكلم من جملة الصججفات‪ ،‬وذات اللججه‬
‫عندهم بريئة من التركيب جملة‪ ،‬وإثبات صفات الذات قججول‬
‫بتركيب الذات‪ ،‬وهو محال‪.‬‬
‫وأيضًا‪ ،‬فالكلم ل ُيعقل إل بأصججوات وحججروف‪ ،‬وكججل ذلججك‬
‫من صفات المحدثات‪ ،‬والبارئ منزه عنها‪.‬‬
‫وبعججد هججذا الصججل يرجعججون إلججى تأويججل قججوله سججبحانه‪:‬‬
‫‪‬وكلم الله موسى تكليما ‪ ،(1)‬وأشباهه‪.‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫]‪ [11‬من كتاب العلم بمخالفات الموافقات‬
‫والعتصام ‪:6 ،5‬‬
‫ولما كان للشاطبى رحمه اللججه تعججالى جهججود فججى‬
‫‪1‬‬
‫)( النساء‪.164 :‬‬
‫‪- 212 -‬‬
‫حرب البدعة‪ ،‬وحرب البدع مما اشتهر به السججلفيون‪،‬‬
‫ي العتقاد‪ ،‬حججتى بيججن‬‫فقد انتشر بين الناس أنه سلف ّ‬
‫بعض طلبة العلم)‪ ،(1‬والحقيقة الججتى تظهججر لكججل مججن‬
‫يقرأ كتابيه هذين الموافقات والعتصام أنجه‬
‫وأما السمعى‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪‬الله خالق كل شئ‬
‫‪ ،(2)‬والقرآن إما أن يكون شيئا ً أو لشىء‪ ،‬ولشىء عدم‪،‬‬
‫والقرآن ثابت‪ ،‬وإن كان شيئًا‪ ،‬فقد شملته الية‪ ،‬فهو إذا ً‬
‫مخلوق‪ ،‬وبهذا استدل المريسى على عبد العزيز المكى‪.‬‬
‫وهاتان الشبهتان أخججذ فججى التعلججق بالمتشججابهات‪ ،‬فججإنهم‬
‫قاسوا البارى على البرية‪ ،‬ولم يعقلوا ما وراء ذلك‪.‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫أشعرى فى باب الصججفات والقججدر واليمججان وغيرهججا‪،‬‬
‫ومرجعه فى أبواب العتقاد هى كتب الشاعرة‪ ،‬كمججا‬
‫سيأتى تفصيله إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( مثل محقق كتاب العتصام –سليم هللى‪ -‬حيث قججال‬
‫فى )العتصام – ‪ (1/305‬حاشية‪:‬‬
‫تعليقججا ً علججى كلم للشججاطبى رحمججه اللججه تعججالى فججى‬
‫الصججفات‪) :‬فمجن تتبججع عقيججدة المصججنف رحمججه اللججه مججن‬
‫سياق كتابه وجد ما يثلججج صججدره( مججع أن الشججاطبى بعججد‬
‫هذه الحاشية بصفحة واحدة فقججط )‪ (1/307‬صججرح فيهججا‬
‫بموافقة الشاعرة فى الكلم النفسى!! وله غير هذا فى‬
‫نفس الكتاب أيضا ً كما سيأتى إن شاء الله تعججالى‪ ،‬ومثججل‬
‫عثمان بن علجى بجن حسجن فجى كتجابه )منهجج السجتدلل‬
‫على مسائل العتقاد عنججد أهججل السججنة والجماعججة( حيججث‬
‫قجال )‪ 1/414‬حاشجية )‪) :((1‬أمجا فجى كتجابه )العتصجام(‬
‫فنجججده معتصججما ً بالكتججاب والسججنة ل يكججاد يخججرج عنهمججا(‬
‫وهذا الكلم فيه ما فيه كما سترى إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الزمر‪.62 :‬‬
‫‪- 213 -‬‬
‫وموقف الشججاطبى رحمججه اللججه تعججالى مججن البججدع‬
‫العملية )وهى البدع فى العبادات( فججى تحججذيره منهججا‬
‫وبيان مفاسدها والتشديد على التمسك بالسججنة فيهججا‬
‫موقف جيد‪ ،‬وعمل مشكور‪ ،‬ولكنه مع ذلك وقججع فججى‬
‫بدع الشججاعرة والمتكلميججن العتقاديججة فججى الصججفات‬
‫والقدر وغيرها‪.‬‬
‫وأما كون الكلم هو الصوات والحروف‪ ،‬فبناء على عججدم‬
‫النظر فى الكلم النفسى‪ ،‬وهو مذكور فى الصول)‪.(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( جاء في شرح العقيدة الواسطية لشججيخ السججلم ابججن‬
‫تيمية‪ ،‬شرح الشيخ محمججد خليججل هججراس‪ ،‬تحقيججق علججوي‬
‫ه‬
‫م اللهه ُ‬ ‫السجججقاف ص ‪ :150،151‬وأمجججا قجججوله ‪‬وكلهه َ‬
‫موسى تكليما ً ‪] ‬النساء‪ [164 :‬وما بعدها من اليججات‬
‫التي تدل على أن الله قججد نججادى موسججى وكلمججه تكليم جًا‪،‬‬
‫وناجاه حقيقة من وراء حجاب‪ ،‬وبل واسججطة ملججك‪ ،‬فهججي‬
‫تججرد علججى الشججاعرة الههذين يجعلههون الكلم معنههى‬
‫قائما ً بههالنفس بل حههرف ول صههوت! فيقججال لهججم‪:‬‬
‫كيف سمع موسى هذا الكلم النفسي؟ فإن قالوا‪ :‬ألقججى‬
‫الله في قلبه علما ً ضروريا ً بالمعاني التي يريد أن يكلمججه‬
‫بها‪ ،‬لم يكن لموسى خصوصية فججي ذلججك‪ .‬وإن قججالوا‪ :‬إن‬
‫الله خلق كلما ً في الشجججرة أو فججي الهججواء‪ ،‬ونحججو ذلججك‪،‬‬
‫لزم أن تكون الشجرة هي التي قججالت لموسججى‪ :‬إني‬
‫أنههها رب ّهههك ‪ …‬وخلصهههة مهههذهب أههههل السهههنة‬
‫والجماعة في هذه المسألة‪ :‬أن الله تعالى لججم يججزل‬
‫متكلما ً إذا شاء‪ ،‬وأن الكلم صفة له قائمة بذاته يتكلم بها‬
‫بمشيئته وقدرته‪ ،‬فهو لم يزل ول يججزال متكلم جا ً إذا شججاء‪،‬‬
‫وما تكلم الله به فهو قائم به ليس مخلوقا ً مفصول ً عنججه‪،‬‬
‫كما تقول المعتزلة‪ ،‬ول لزما ً لذاته لزوم الحياة لهججا‪ ،‬كمججا‬
‫تقججول الشججاعرة‪ ،‬بججل هججو تججابع لمشججيئته وقججدرته‪ .‬واللججه‬
‫‪- 214 -‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫ولم ينفرد الشاطبى رحمه الله تعججالى بهججذا المججر‬
‫بيجججن العلمجججاء‪ ،‬فقجججد وقجججع فيجججه غيجججره كجججأبى بكجججر‬
‫الطرطوشججى رحمججه اللججه تعججالى‪ ،‬فججإنه ألججف كتججاب‬
‫)الحوادث والبدع( فى التحذير من البدع العملية ومع‬
‫ذلك فقد وافق الشاعرة فى أصولهم‪ ،‬وكأبى شامة‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫الدمشقى رحمه الله تعالى‪ ،‬فإن لججه كتججاب )البججاعث‬
‫فى إنكار البدع والحججوادث( فججى البججدع العمليججة وهججو‬
‫ي المعتقد‪ ،‬والسبب فى ذلك –واللججه أعلججم‪ -‬أن‬ ‫أشعر ّ‬
‫علماء الكلم لم يتطرقوا لمثل هذه المور‪ ،‬لهججذا لججم‬
‫يفسدوها بأصولهم فلم تلتبججس علججى مججن أراد الحججق‬
‫وسعى إليججه بخلف العتقججادات كالسججماء والصججفات‬
‫والقدر واليمججان وغيرهججا‪ ،‬فججإن المتكلميججن أفسججدوها‬
‫بأصولهم المبتدعججة وشججبهوا علججى كججثير مججن العلمججاء‬
‫الفضلء فيها فوافقوهم فججى أصججولهم وبججدعهم –عفججا‬
‫الله عن الجميع بمنه وكرمه‪.-‬‬
‫وقههههال فههههى كتههههابه الإعلم بمخالفههههات‬
‫الموافقات والعتصام‪ :‬ص ‪:30‬‬

‫سبحانه نادى موسى بصوت‪ ،‬ونججادى آدم وحججواء بصججوت‪،‬‬


‫ويتكلم بالوحي بصوت‪ ،‬ولكججن الحججروف والصججوات الججتي‬
‫تكلم الله بها صججفة لججه غيججر مخلوقججة‪ ،‬ول تشججبه أصججوات‬
‫المخلوقين وحروفهم‪ ،‬كما أن علم الله القائم بذاته ليس‬
‫مثل علم عباده‪ ،‬فإن الله ل يماثل المخلوقين فججي شججيء‬
‫من صفاته‪ .‬وانظر‪ :‬معارج القبول )‪.(1/158‬‬
‫‪- 215 -‬‬
‫يظهر جليا ً واضحا ً من كلم الشججاطبى رحمججه اللججه‬
‫تعججالى عنججد تعرضججه لمججذهب السججلف فججى نصججوص‬
‫الصفات ومدحه له وحثه على اتباعه أنججه إنمججا يقصججد‬
‫به مذهب التفويض –تفويض المعنى والكيفيججة‪ ،-‬وهججو‬
‫أن نصوص الصججفات ل تعقججل معانيهججا ول يفهججم منهججا‬
‫شىء‪ ،‬بل هى بمنزلججة الكلم الأعجمججى‪ ،‬لججذلك جعججل‬
‫نصوص الصفات من قسم المتشابه الحقيقى)‪.(1‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫وقال فى )الموافقات( ‪- 3/328‬فى مسههألة‬
‫تسليط التأويل على المتشابه‪:-‬‬
‫)فإن كان –أى المتشابه‪ -‬من الضافى)‪ (2‬فلبد منه‬
‫–إلى أن قال‪ -‬وأما إن كان مججن الحقيقججى فغيججر لزم‬
‫تأويله … وأيضا ً فإن السلف الصججالح والتججابعين ومججن‬
‫‪1‬‬
‫)( قسججم الشججاطبى رحمججه اللججه تعججالى المتشججابه إلججى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫متشابه حقيقى‪ :‬وقال فيه‪ :‬إنججه لججم ُيجعججل لنججا سججبيل‬
‫إلى فهم معناه ول نصب –أى الشارع‪ -‬دليل ً علججى المججراد‬
‫منه‪ ،‬فججإذا نظججر المجتهججد فججى أصججول الشججريعة وتقصججاها‬
‫وجمع أطرافها لم يجد فيها ما يحكم له معناه ول ما يججدل‬
‫على مقصوده ومغزاه‪.‬‬
‫ومتشابه إضافى‪ :‬وهو الذى حصل بيججانه فججى الشججريعة‪،‬‬
‫ولكن الناظر قصر فى الجتهاد‪ ،‬فكان التشابه هنا بالنسججبة‬
‫لنظججر المجتهججد لإلججى وضججع الشججريعة‪ .‬انظججر )الموافقججات(‬
‫‪ 3/315‬وما بعدها‪.‬‬
‫)( وهو يعنى بهذا نصوص الصفات كما يظهر واضحا ً من‬ ‫‪2‬‬

‫سياق كلمه كله فراجعه هناك‪.‬‬


‫‪- 216 -‬‬
‫بعدهم من المقتدين بهم لم يعرضوا لهذه الشياء ول‬
‫تكلموا فيها بما يقتضى تعييججن تأويججل مججن غيججر دليججل‬
‫وهم السوة والقدوة(‪ .‬أهج‪.‬‬
‫وقال فى )الموافقات( ‪:4/137‬‬
‫)إن وجد فى الشريعة مجمل أو مبهججم المعنججى أو‬
‫مججا ل يفهججم‪ ،‬فل يصججح أن يكلججف بمقتضججاه –إلججى أن‬
‫قال‪ -‬ويجتنب النظر فيه إن كان من غير أفعال العباد‬
‫كقججججوله تعججججالى ‪‬الرحمههههن علههههى العههههرش‬
‫اسههتوى ‪ ،(1)‬وفججى الحججديث )ينههزل ربنهها إلههى‬
‫سماء الدنيا()‪ (2‬وأشباه ذلك‪ ،‬هذا معنى ل يتعلق بججه‬
‫تكليف(‪ .‬أهج‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والكلم على هذه النصههوص مههن ثلثههة‬
‫وجوه‪:‬‬
‫الهوجه الول‪ :‬أن مججا ذكججره مججن كججون نصججوص‬
‫الصفات من المتشابه الحقيقجى‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫الججذى ل يفهججم منججه شججىء ول يعقججل لججه معنججى‪ ،‬وأن‬
‫الصحابة والسلف كانوا ل يخوضون فى معانيهججا وهججم‬
‫جاهلون بهججذه المعججانى هججى عقيججدة المفوضججة وهججى‬

‫‪1‬‬
‫)( طه‪.5 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪،1145‬ججج ‪ (7494‬ومسجججلم )‪(758‬‬
‫والترمججذي وأبججو داود مججن حججديث أبججي هريججرة‪ ،‬وانظججر‪:‬‬
‫مختصر العلو للذهبي ص ‪ 110،116‬قال‪ :‬وأحاديث نزول‬
‫الباري متواترة‪ ،‬وانظر شرح الواسطية ص ‪.164‬‬
‫‪- 217 -‬‬
‫عقيججدة الشججاعرة إذا أحججالوا لمججذهب السججلف‪ ،‬وهججو‬
‫المراد بقولهم )مذهب السلف أسلم ومذهب الخلججف‬
‫أعلم وأحكم(‪ ،‬فمقصودهم بمججذهب السججلف هنججا هججو‬
‫نفججس مججا ذهججب إليججه الشججاطبى وهججو إيمججان بهججذه‬
‫النصوص مع الجهل بمعانيها وجعل نصججوص الصججفات‬
‫بمنزلججة الكلم العجمججى الججذى ل يعقججل‪ ،‬ونصججوص‬
‫الشاعرة فى هذا كثيرة‪ ،‬فمن ذلك ما ذكججره الججرازى‬
‫فى كتابه )أساس التقديس( حيججث عقججد فصججول ً فججى‬
‫آخججر كتججابه هججذا مقججررا ً فيججه لعقيججدة السججلف فقججال‪:‬‬
‫)الفصل الرابع فى تقرير مذهب السلف‪ ،‬حاصل هججذا‬
‫المذهب أن هذه المتشججابهات يجججب القطججع فيهججا أن‬
‫مراد الله منها شىء غير ظواهرها‪ ،‬ثم يجججب تفجويض‬
‫معناهججا إلججى اللججه تعججالى‪ ،‬ول يجججوز الخججوض فججى‬
‫تفسيرها(‪.‬‬
‫الههوجه الثههانى‪ :‬أن هججذا المججذهب مججن أفسججد‬
‫المذاهب وأبعدها عن مذهب السلف‪ ،‬إذ فيججه تجهيججل‬
‫لخير المة وأنهم كانوا يقرأون مال يفهمون معناه‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه الله تعالى – فههى‬
‫الفتاوى‪ .5/34 :‬فى أصناف المنحرفين عههن‬
‫مذهب السلف‪:‬‬
‫)وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل‪ ،‬فهم كججثير‬
‫من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف‪ ،‬يقولون‪ :‬إن‬
‫الرسول ‪ ‬لم يعرف معانى ما أنججزل اللججه إليججه مججن‬
‫آيات الصججفات ول جبريججل يعججرف معججانى اليججات‪ ،‬ول‬
‫السابقون الولجون عرفجوا ذلك‪،‬‬

‫‪- 218 -‬‬


‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫وكججذلك قججولهم فججى أحججاديث الصججفات‪ :‬إن معناهججا ل‬
‫يعلمه إل الله‪ ،‬مججع أن الرسججول ‪ ‬تكلججم بهججا ابتججداًء‪،‬‬
‫فعلى قولهم تكلم بكلم ل يعرف معناه( أهج‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫)والصنف الثالث‪ :‬أصججحاب التجهيججل الججذين قججالوا‪:‬‬
‫نصوص الصفات ألفاظ ل نعقل معانيها ول نججدرى مججا‬
‫أراد الله ورسوله منهججا‪ ،‬ولكججن نقرأهججا ونعلججم أن لهججا‬
‫تأويل ً ل يعلمه إل الله‪ ،‬وهى عندنا بمنزلة ‪‬كهيعص‬
‫‪ ،(1)‬و ‪‬حم ‪ .‬عسق ‪ 2 ، ‬المص ‪ (3)‬فلو ورد‬
‫) (‬

‫علينا منها ما ورد لم نعتقد فيها تمثيل ً ول تشبيها ً ولججم‬


‫نعرف معناه وننكر على من تججأوله ونكججل علمججه إلججى‬
‫الله‪ ،‬وظن هؤلء أن هذه طريقة السججلف‪ ،‬وأنهججم لججم‬
‫يكونجججوا يعرفجججون حقجججائق السجججماء والصجججفات‪ ،‬ول‬
‫يفهمون معنججى قججوله ‪‬خلقت بيههدى ‪ ،(4)‬وقججوله‬
‫‪‬والرض جميع ها ً قبض هته يههوم القيامههة ‪،(5)‬‬
‫وقججوله ‪‬الرحمن علههى العههرش اسههتوى ‪،(6)‬‬
‫وأمثال ذلك من نصوص الصفات‪ ،‬وبنوا هذا المججذهب‬
‫على أصلين‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫مريم‪.1 :‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الشورى‪.2 ،1 :‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫العراف‪.1 :‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫ص‪.75 :‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الزمر‪.67 :‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫طه‪.5 :‬‬ ‫)(‬
‫‪- 219 -‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫أحدهما‪ :‬أن هذه النصوص من المتشابه‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬أن للمتشابه تأويل ً ل يعلمه إل الله‪.‬‬
‫فنتج من هذين الصلين اسججتجهال السججابقين مججن‬
‫المهاجرين والنصار وسججائر الصججحابة والتججابعين لهججم‬
‫بإحسججان‪ ،‬وأنهججم كججانوا يقججرأون ‪‬الرحمههن علههى‬
‫العههههههرش اسههههههتوى ‪ ‬و ‪‬بههههههل يههههههدا ُ‬
‫ه‬
‫مبسوطتان ‪ (1)‬ويروون )ينههزل ربنهها كههل ليلههة‬
‫إلى سماء الدنيا) ول يعرفججون معنججى ذلججك ول مججا‬
‫أريت‪ ،‬ولزم قولهم أن الرسول ‪ ‬كان يتكلججم بججذلك‬
‫ول يعلججم معنججاه‪ ،‬ثججم تناقضججوا أقبججح تنججاقض فقججالوا‪:‬‬
‫تجرى على ظواهرهججا وتأويلهججا بمججا يخججالف الظججواهر‬
‫باطل‪ ،‬ومع ذلك فلها تأويل ل يعلمججه إل اللججه‪ ،‬فكيججف‬
‫يثبتججون لهججا تججأويل ً ويقولججون تجججرى علججى ظواهرهججا‪،‬‬
‫ويقولون الظاهر منها غير مراد‪ ،‬والرب منفججرد بعلججم‬
‫تأويلها؟ وهل فى التناقض أقبح من هذا؟‬
‫وهججؤلء غلطججوا فججى المتشججابه‪ ،‬وفججى جعججل هججذه‬
‫النصوص من المتشابه‪ ،‬وفى كون المتشججابه ل يعلججم‬
‫معنجججاه إل اللجججه‪ ،‬فجججأخطئوا فجججى المقجججدمات الثلث‪،‬‬
‫واضطرهم إلى هذا التخلججص مججن تججأويلت المبطليججن‬
‫وتحريفات المعطلين‪ ،‬وسدوا علججى نفوسججهم البججاب‪،‬‬
‫وقالوا ل نرضى بالخطأ ول وصول لنجا إلجى الصجواب‪،‬‬
‫فهججؤلء تركججوا المججأمور بججه والتججذكر والعقججل لمعججانى‬

‫‪1‬‬
‫)( المائدة‪.64 :‬‬
‫‪- 220 -‬‬
‫النصوص الججذى هججو أسججاس اليمججان وعمججود اليقيججن‪،‬‬
‫وأعرضوا‬

‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫عنه بقلوبهم‪ ،‬وتعبدوا باللفاظ المجردة الججتى أنزلججت‬
‫فى ذلك‪ ،‬وظنوا أنهججا أنزلججت للتلوة والتعبججد بهججا دون‬
‫تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها(‪ .‬أهج‪.‬‬
‫الههوجه الثههالث‪ :‬أن مججذهب السججلف إنمججا هججو‬
‫تفويض الكيفيججة دون المعنججى‪ ،‬بمعنججى أنهججم يفهمجون‬
‫آيات الصفات وأحاديثهججا ويججدركون معناهججا‪ ،‬فيعلمججون‬
‫معنججى السججتواء والنججزول والفوقيججة والججوجه والعيججن‬
‫والقدم ونحوها‪ ،‬ويفرقججون بينهجا‪ ،‬فيعلمجون أن معنججى‬
‫الوجه غير معنى العين‪ ،‬وأن معنى العيججن غيججر معنججى‬
‫النزول وهكذا‪ ،‬ولكنهم يفوضون كيفية هججذه الصججفات‬
‫إلى الله فل يعلمونها‪ ،‬وهذا كمججا ثبججت عججن الوزاعججى‬
‫وسفيان ومالك والليث بن سعد وغيرهم من السججلف‬
‫مروها كما‬ ‫َ‬
‫أنهم كانوا يقولون فى نصوص الصفات‪) :‬أ ِ‬
‫جججاءت بل كيججف( فهنججا التفججويض فججى الكيججف ل فججى‬
‫المعنى‪ ،‬وكما قال ربيعة بن أبى عبد الرحمن ومالججك‬
‫لمججن سججأل عججن السججتواء‪) :‬السججتواء غيججر مجهججول‪،‬‬
‫والكيف غير معقول( ‪ ،‬فذكر هنججا أن معنججى السججتواء‬
‫غير مجهول بل هو معلوم‪ ،‬وإنما المجهول هو الكيف‪.‬‬
‫وقد قرر علماء السنة هججذا المججر فججى كججل زمججان‬
‫ومكان‪ ،‬فقد قال المام عثمججان ابججن سججعيد الججدرامى‬
‫رحمه الله تعالى فى رده على بشر المريسججى‪) :‬أمججا‬
‫‪- 221 -‬‬
‫قولك إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود‬
‫فى الخلق خطأ‪ ،‬فإنا ل نقول إنه خطأ بججل هججو عنججدنا‬
‫كفر‪ ،‬ونحججن لتكييفهجا وتشجبيهها بمجا هججو موججود فجى‬
‫الخلججق أشججد أنفجا ً منكججم‪ ،‬غيججر أنججا كمججا ل نشججبهها ول‬
‫نكيفها ل نكفر بها ول نكذب بها ول نبطلها بتأويجل‬

‫ومدار الغلط فى هذا الفصل إنما هو علججى حججرف واحججد‪،‬‬


‫وهججو الجهججل بمقاصججد الشججرع‪ ،‬وعججدم ضججم أطراف جه بعضججها‬
‫ببعض‪ ،‬فإن مأخذ الأدلة عند الئمة الراسخين إنمججا هججو علججى‬
‫أن تؤخذ الشججريعة كالصججورة الواحججدة بحسججب مججا ثبججت مججن‬
‫صججها‪،‬‬
‫كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها‪ ،‬وعامّها المرتب على خا ّ‬
‫سججر ببّينهجا‪،‬‬
‫ومطلقها المحمول علججى مقيججدها‪ ،‬ومجملهجا المف ّ‬
‫إلى ما سوى ذلك من مناحيها‪.‬‬

‫فصل‬
‫طلقات قبل النظججر‬ ‫ومن اتّباع المتشابهات الخذ بالم َ‬
‫فججى مقيججداتها أو فججى العمومججات مججن غيججر تأمججل‪ ،‬ه جل لهججا‬
‫صصات أم ل؟ وكذلك العكس‪.‬‬ ‫مخ ّ‬
‫ومنههه دعججاوى أهججل البججدع علججى الأحججاديث الصججحيحة‪،‬‬
‫مناقضتها للقرآن‪ ،‬أو مناقضة بعضها بعضًا‪ ،‬وفساد معانيها‪ ،‬أو‬
‫مخالفتها للعقول‪.‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫الضججلل –إلججى أن قججال‪ -‬فكمججا نحججن ل نكيججف هججذه‬
‫الصجججفات ل نكجججذب بهجججا كتكجججذيبكم‪ ،‬ول نفسجججرها‬
‫كتفسيركم( أهج‪.‬‬
‫‪- 222 -‬‬
‫وكلم الئمة فى هذا الباب كثير‪ ،‬وكله متفق علججى‬
‫العلم بمعنى الصججفة والجهججل بكيفيتهججا‪ ،‬وأن هججذا هججو‬
‫تفويض السججلف‪ ،‬ل كمججا يزعججم المبتدعججة أن السججلف‬
‫كانوا يؤمنون بألفاظ ل يعلمون معانيها‪ ،‬واللججه تعججالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وفى الحججديث‪) :‬مثل أمههتى كمطههر‪ ،‬ل ي ُههدرى أول هه‬
‫خير أم آخره؟()‪ (1‬قالوا‪ :‬فهججذا يقتضججى أنججه لججم يثبججت لول‬
‫هذه المة فضل على الخصوص دون آخرها ول العكس‪.‬‬
‫ثم نقل‪) :‬خير القرون قرنى‪ ،‬ثههم الههذين يلههونهم‪،‬‬
‫ثم الههذين يلههونهم()‪ (2‬فاقتضججى أن الوليججن أفضججل علججى‬
‫‪1‬‬
‫سن‬ ‫)( رواه أحمد )‪ (143 ،3/130‬من حديث أنس‪ ،‬وح ّ‬
‫إسججناده محققججوا مسججند الرسججالة وقججالوا‪ :‬قججوي بطرقججه‬
‫وشواهده )‪ (19/334‬وقججال الحججافظ فججي الفتججح‪ :‬حججديث‬
‫حسن له طرق قد يرتقي بهججا إلججى الصججحة‪ .‬ورواه كججذلك‬
‫الترمججذي )‪ (2869‬وأبججو يعلججى )‪،3475‬جج ‪ (3717‬وفيججه‬
‫مججتروك‪ ،‬ورواه مججن حججديث عمججار أحمججد )‪ (4/319‬وابججن‬
‫حبان )‪ 2307‬موارد( والبزار )‪1412‬البحر الزخار(‪ .‬ومججن‬
‫حديث عمران بن الحصين رواه البزار )‪ 2075‬مختصجره(‬
‫والطبراني في الوسط )‪ ،(3673‬ومن حججديث ابججن عمججر‬
‫رواه أبو نعيم في الحلية )‪ .(2/231‬ورواه من حديث عبد‬
‫الله بن عمرو الطبراني في الكججبير )‪ 65‬الملحججق بججالجزء‬
‫‪ (13‬وابن عبد البر في التمهيججد )‪ ،(20/253‬وفججي سججنده‬
‫عبد الرحمن بججن زيججاد بججن أنعججم الفريقججي وهججو ضججعيف‪.‬‬
‫ورواه مججن حججديث أبججي نجيججد الطججبراني فججي الوسججط )‬
‫‪ .(3660‬والحديث أورده اللباني في الصججحيحة )‪.(2286‬‬
‫وانظر الفتح )‪ (7/8‬ومجمع الزوائد )‪.(10/68‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪،6428‬ججج ‪ (6429‬ومسجججلم )‪،2533‬‬
‫‪ (2534‬من حديث عمران بن الحصين ومججن حججديث ابججن‬
‫‪- 223 -‬‬
‫الطلق‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فهذا تناقض!‬
‫م تنججاقض ول اختلف‪ ،‬وذلججك أن التعججارض‬ ‫وكذبوا‪ ،‬ليس ث ّ‬
‫إذا ظهر لبججادي الججرأى فججى المقججولت الشججرعية‪ :‬فإمججا أن ل‬
‫يمكن الجمع بينهما أصل ً وإما أن يمكن‪:‬‬

‫مسعود‪.‬‬
‫أما التوفيق بين هذا الحديث والذي قبلههه‪ :‬فقججال‬
‫الحافظ في الفتح )‪ ،7/8‬ج ‪ :(9‬واقتضججى هججذا الحججديث أن‬
‫تكون الصحابة أفضل من التابعين‪ ،‬والتابعون أفضججل مججن‬
‫أتبججاع التججابعين‪ ،‬لكججن هججل هججذه الفضججلية بالنسججبة إلججى‬
‫المجمججوع أو الفججراد؟ محججل بحججث‪ ،‬وإلججى الثججاني نحججا‬
‫الجمهور‪ ،‬والول قول ابن عبد البر‪ ،‬والههذي يظهههر‪ :‬أن‬
‫من قاتل مع النبي ‪ ‬أو في زمانه بأمره‪ ،‬أو أنفججق شججيئا ً‬
‫من ماله بسببه ل يعدله في الفضل أحجد بعجده كائنجا ً مجن‬
‫كان‪ ،‬وأما من لم يقع له ذلك فهججو محججل البحججث‪ .‬واحتججج‬
‫ابججن عبججد الججبر بحججديث "مثل أمههتي مثههل المطههر ل‬
‫يدرى أوله خير أم آخره" وهو حديث حسن له طججرق‬
‫قد يرتقى بها إلى الصحة‪ .‬وروى أبو داود والترمججذي مججن‬
‫حديث أبي ثعلبة رفعه "تأتي أيام للعامل فيهن أجر‬
‫خمسين‪ ،‬قيل‪ :‬منهم أو منا يا رسول الله؟ قال‪:‬‬
‫بل منكههم"‪ ،‬وهججو شججاهد لحججديث "مثههل أمههتي مثههل‬
‫المطر"‪ ،‬واحتج ابن عبد الجبر أيضجا ً بحجديث عمجر رفعجه‬
‫"أفضل الخلق إيمانها ً قههوم فهي أصههلب الرجههال‬
‫يؤمنون بي ولم يروني" الحديث أخرجججه الطيالسججي‬
‫وغيره‪ ،‬لكن إسججناده ضججعيف فل حجججة فيججه‪ .‬وروى أحمججد‬
‫والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعججة قججال‪" :‬قال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أأحد خير منا؟ أسههلمنا‬
‫معههك‪ ،‬وجاهههدنا معههك‪ .‬قههال‪ :‬قههوم يكونههون مههن‬
‫‪- 224 -‬‬
‫فإن لم يمكن‪ ،‬فهذا الفرض بيججن قطعججى وظنججى‪ ،‬أو بيججن‬
‫ظنيين‪ ،‬فأما بين قطعيين‪ ،‬فل يقججع فججى الشججريعة‪ ،‬ول يمكججن‬
‫وقوعه‪ ،‬لن تعارض القطعيين محال‪.‬‬
‫فإن وقع بين قطعى وظنى‪ ،‬بطل الظنى‪.‬‬
‫وإن وقججع بيججن ظنييججن‪ ،‬فهججا هنججا للعلمججاء فيججه الترجيججح‪،‬‬

‫بعدكم يؤمنون بي ولههم يرونههي" وإسججناده حسججن‪،‬‬


‫وقد صححه الحاكم‪ .‬واحتج بأن السبب فججي كججون القججرن‬
‫الول خير القرون‪ ،‬أنهم كانوا غرباء فججي إيمججانهم‪ ،‬لكججثرة‬
‫الكفججار حينئذ وصججبرهم علججى أذاهججم وتمسججكهم بججدينهم‪،‬‬
‫قججال‪ :‬فكججذلك أواخرهججم إذا أقججاموا الججدين وتمسججكوا بججه‪،‬‬
‫وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتججن كججانوا‬
‫أيضا ً عند ذلك غرباء‪ ،‬وزكت أعمججالهم فججي ذلججك الزمججان‪،‬‬
‫كما زكت أعمال أولئك‪ .‬ويشججهد لججه مججا رواه مسججلم عججن‬
‫أبي هريرة رفعه "بدأ السلم غريبا ً وسيعود غريبا ً‬
‫كما بدأ فطوبى للغرباء" وقججد تعقججب كلم ابججن عبججد‬
‫البر‪ ،‬بأن كلمه أن يكججون فيمجن يجأتي بعججد الصججحابة مجن‬
‫يكون أفضل من بعض الصحابة‪ ،‬وبذلك صججرح القرطججبي‪،‬‬
‫لكن كلم ابن عبد البر ليس على الطلق في حق جميججع‬
‫الصججحابة‪ ،‬فججأنه صججرح فججي كلمججه باسججتثناء أهججل بججدر‬
‫والحديبيججة‪ .‬نعههم والههذي ذهههب إليههه الجمهههور‪ :‬أن‬
‫فضيلة الصحبة ل يعدلها عمل‪ ،‬لمشاهدة رسول اللججه ‪،‬‬
‫وأما من اتفججق لججه الججذب عنججه والسججبق إليججه بججالهجرة أو‬
‫النصرة‪ ،‬وضبط الشرع المتلقى عنججه وتبليغججه لمججن بعججده‬
‫فأنه ل يعدله أحد ممن يأتي بعده‪ ،‬لنه ما من خصلة مججن‬
‫الخصال المذكورة إل للذي سبق بها مثل أجر مججن عمججل‬
‫بها من بعده‪ ،‬فظهر فضلهم‪ .‬ومحصل النزاع‪ :‬يتمخججض‬
‫فيمن لم يحصل له إل مجرد المشاهدة كمججا تقججدم‪ ،‬فججإن‬
‫جمع بين مختلف الحاديث المذكورة كان متجهًا‪ ،‬على أن‬
‫‪- 225 -‬‬
‫والعمل بالرجح متعيّن‪ ،‬وإن أمكن الجمع فقججد اتفججق النّظّ جار‬
‫على إعمججال وجججه الجمججع‪ ،‬وإن كججان لججه وجججه ضججعيف‪ ،‬فججإن‬
‫الجمع أولى عندهم‪ ،‬وإعمال الدلة أولى من إهمال بعضها‪.‬‬
‫فهؤلء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الصل رأسًا‪ ،‬إما جهل ً به‪،‬‬
‫أو عنادًا‪.‬‬
‫فإذا ثبت هذا‪ ،‬فقوله )خير القرون قرنى( هو الصججل‬
‫فى الباب‪ ،‬فل يبلغ أحدنا مبلغ الصحابة رضى الله عنهم‪ ،‬ومججا‬
‫سواه يحتمل التأويل على حال أو زمان أو فى بعض الوجوه‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ص فيججه علججى‬
‫وأمججا قججوله‪) :‬فطههوبى للغربههاء( ‪ ،‬ل ن ج ّ‬
‫التفضيل المشار إليه‪ ،‬بل هو دليل على جزاء حسججن‪ ،‬ويبقججى‬
‫النظر فى كونه مثل جزاء الصحابة أو دونه أو فوقه محتمجل‪،‬‬
‫فليس فى الحديث عليه دليل‪ ،‬فلبد من حملججه علججى محكججم‬
‫الصل الول ول إشكال‪.‬‬

‫حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم ل يدل على‬


‫أفضججلية غيججر الصججحابة علججى الصججحابة‪ ،‬لن مجججرد زيججادة‬
‫الجر ل يستلزم ثبوت الفضلية المطلقججة‪ ،‬وأيض جا ً فججالجر‬
‫إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله فججي ذلججك العمججل‪،‬‬
‫فأما ما فججاز بججه مججن شججاهد النججبي ‪ ‬مججن زيججادة فضججيلة‬
‫المشججاهدة فل يعججدله فيهججا أحججد‪ ،‬فبهججذه الطريججق يمكججن‬
‫تأويل الحاديث المتقدمة‪ ،‬وأما حججديث أبججي جمعججة‪ :‬فلججم‬
‫تتفق الرواة على لفظه‪ ،‬فقد رواه بعضهم بلفظ الخيريججة‬
‫كما تقدم‪ ،‬ورواه بعضهم بلفظ "قلنا يهها رسههول اللههه‬
‫هل من قههوم أعظههم منهها أجههرًا"؟ الحججديث أخرجججه‬
‫الطبراني وإسناد هذه الروايججة أقججوى مججن إسججناد الروايججة‬
‫المتقدمججة‪ ،‬وهججي توافججق حججديث أبججي ثعلبججة‪ ،‬وقججد تقججدم‬
‫الجواب عنه والله أعلم‪ .‬وانظر التمهيد )‪.(20/250‬‬
‫‪1‬‬
‫)( صحيح‪ :‬تقدم أول الكتاب ص ‪.20‬‬
‫‪- 226 -‬‬
‫فجميججع مججا ذكججر فججى هججذا الفصججل راجججع إلججى إسججقاط‬
‫دم استشججهادنا عليججه أنججه‬
‫الأحاديث بالرأى المذموم الججذى تق ج ّ‬
‫من البدع المحدثات‪.‬‬

‫فصل‬
‫ومنها‪ :‬تحريف الدلة عن مواضعها‪:‬‬
‫بأن يرد الدليل على مناط)‪ ،(1‬فيصرف عججن ذلججك المنججاط‬
‫إلى أمر آخر‪ ،‬موهما ً أن المنججاطين واحججد‪ ،‬وهججو مججن خفي ّججات‬
‫تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله‪.‬‬
‫م تحريججف‬‫ن أن من أقّر بالسلم وبأنه يذ ّ‬
‫ويغلب على الظ ّ‬
‫ً‬
‫الكلم عن مواضعه‪ ،‬ل يلجأ إليه صراحا‪ ،‬إل مع اشتباه يعججرض‬
‫له‪ ،‬أو جهل يصده عن الحق‪ ،‬مع هوى يعميه عن أخذ الججدليل‬
‫مأخذه‪ ،‬فيكون بذلك السبب مبتدعًا‪.‬‬
‫وبيججان ذلججك أن الججدليل الشججرعى إذا اقتضججى أمججرا ً فججى‬
‫ل‪ ،‬فججأتى بججه المكل ّججف فججى‬
‫الجملججة ممججا يتعل ّججق بالعبججادات مث ً‬
‫الجملة أيضًا‪ ،‬كذكر الله والججدعاء والنوافججل المسججتحبات ومججا‬
‫أشبهها ممجا ُيعلجم مجن الشجارع فيهجا التوسجعة‪ ،‬كجان الجدليل‬

‫)( المناط‪ :‬من ناط ينججوط نوط ًججا‪ :‬أى عّلقججه‪ ،‬قججال ابججن‬ ‫‪1‬‬

‫فارس‪ :‬النون والواو والطاء أصل صحيح يدل على تعليق‬


‫شىء بشىء‪ .‬أهج وعند الفقهاء الأصوليين المنججاط‪ :‬العلججة‬
‫لن الحكم لما تعلق بها صار كالشىء المتعلق بغيره‪.‬‬
‫‪- 227 -‬‬
‫عاضدا ً لعلمه من جهتين‪ :‬من جهَججة معنججاه‪ ،‬ومججن جهججة عمججل‬
‫السلف الصالح به‪.‬‬
‫فإن أتى المكلججف فججى ذلججك المججر بكيفيججة مخصوصججة أو‬
‫زمجججان مخصجججوص أو مكجججان مخصجججوص أو مقارنجججا ً لعبجججادة‬
‫مخصوصججة‪ ،‬والججتزم ذلججك بحيججث صججار متخّيل أن الكيفيججة أو‬
‫دليل‬
‫ل الج ّ‬‫الزمان أو المكجان مقصجود شجرعا ً مجن غيجر أن يجد ّ‬
‫عليه‪ ،‬كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه‪.‬‬
‫م الجتمججاع‬ ‫فإذا ندب الشرع مثل ً إلى ذكر الله‪ ،‬فالتزم قو ّ‬
‫ت واحججد‪ ،‬أو فججى وقججت معلججوم‬ ‫عليه على لسان واحد وبصججو ِ‬
‫مخصوص عن سائر الوقات‪ ،‬لم يكججن فججى نججدب الشججرع مججا‬
‫ل علججى‬ ‫ل علججى هججذا التخصججيص الملت َججزم‪ ،‬بججل فيججه مججا يججد ّ‬
‫يد ّ‬
‫فهِججم‬ ‫ً‬
‫خلفه‪ ،‬لن التزام المور غير اللزمة شججرعا شججأنها أن ت ُ ْ‬
‫التشريع‪ .‬وخصوصجا ً مججع مججن يقتججدى بججه فججى مجججامع النججاس‬
‫كالمسججاجد‪ ،‬فإنهججا إذا ظهججرت هججذا الظهججار ووضججعت فججى‬
‫المساجد كسائر الشعائر الججتى وضججعها رسججول اللججه ‪ ‬فججى‬
‫المساجد وما أشبهها –كججالذان وصججلة العيججدين والستسججقاء‬
‫م منها بل شك أنها سججنن‪ ،‬إذا لججم تفهججم منهججا‬ ‫والكسوف‪ُ ،-‬فهِ َ‬
‫دليل المستدل به‪ ،‬فصججارت‬ ‫الفرضية‪ ،‬فأحرى أن ل يتناولها ال ّ‬
‫عا محدثة بذلك‪.‬‬ ‫من هذه الجهة بد ً‬
‫ك التزام ِ السججلف الصججالح لتلججك الشججياء أو‬ ‫وعلى ذلك تر ُ‬
‫عدم العمل بها‪ ،‬وهم كانوا أحق بها وأهلها لو كانت مشروعة‬
‫دب إليججه الشججرع نججدْبا ً‬
‫على مقتضى القواعد‪ ،‬لن الذكر قد ن َج َ‬
‫فى مواضع كثيرة‪ ،‬حتى إنه لم ُيطلب فججى تكججثير عبججادة مججن‬
‫العبادات ما طلب من التكثير من الذكر‪ ،‬كقوله تعججالى ‪‬يهها‬
‫أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكههرا ً كههثيرا ً ‪ ،(1)‬وقججوله‬
‫‪‬وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كههثيرا ً لعلكههم‬

‫‪1‬‬
‫)( الحزاب‪.21 :‬‬
‫‪- 228 -‬‬
‫تفلحون ‪ ،(1)‬بخلف سائر العبادات‪.‬‬
‫دعاء‪ ،‬فإنه ذكر الله‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فلجم يلجتزموا‬ ‫ومثل هذا‪ :‬ال ّ‬
‫فيججه كيفيججات‪ ،‬ول ّقيججدوه بأوقججات مخصوصججة –بحيججث يشججعر‬
‫باختصاص التعّبد بتلك الوقات‪ -‬إل ما عّينججه الججدليل‪ ،‬كالغججداة‬
‫ص الشججارع علججى إظهججاره‪،‬‬ ‫والعشى‪ ،‬ول أظهروا منه إل ما نج ّ‬
‫كالذكر فى العيدين وشبهه)‪ ،(2‬وما سوى ذلك‪ ،‬فكانوا مثابرين‬
‫على إخفائه وسره‪ ،‬ولججذلك قجال لهجم النججبى ‪ ‬حيجن رفعججوا‬
‫أصواتهم )أربعوا على أنفسكم‪ ،‬إنكم ل تدعون أصههم‬
‫ول غائبًا()‪ (3‬وأشباهه‪ ،‬فلم يظهروه فى الجماعات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الجمعة‪ ،10 :‬وكالحديث الذي رواه الترمذي )‪(3377‬‬
‫عن أبي الدرداء رضي الله عنججه قججال‪ :‬قججال النججبي ‪ :‬أل‬
‫أنبئكم بخير أعمالكم‪ ،‬وأزكاها عند مليككم‪ ،‬وأرفعهججا فججي‬
‫درجاتكم‪ ،‬وخير لكم من إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخير لكم‬
‫من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟‬
‫قججالوا‪ :‬بلججى‪ ،‬قججال‪ :‬ذكججر اللججه تعججالى‪ .‬ورواه ابججن ماجججة )‬
‫‪ (3790‬والحاكم وأحمد‪ ،‬صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إظهار التكجبير فجي العيجدين‪ :‬انظجر مصجنف ابجن أبجي‬
‫شيبة‪ ،‬باب التكبير إذا خرج إلى العيد‪ :‬روايججات عججن عمججر‬
‫وابنه وابجن عبجاس وابجن مسجعود وعلجي وزيجد بجن ثجابت‬
‫والزهري‪ ،‬قال فى الرواء )‪ 122 ،3/121‬ح ‪:(649،650‬‬
‫عند ابن أبى شيبة بسند صحيح عن الزهججرى قججال‪" :‬كججان‬
‫الناس يكبرون فى العيد حين يخرجون من منازلهم حججتى‬
‫يججأتوا المصججلى‪ ،‬وحججتى يخججرج المججام‪ ،‬فججإذا خججرج المججام‬
‫سكتوا‪ ،‬فإذا كبر كبروا‪ .‬وصحح أثر ابن عمر عند ابن أبججي‬
‫شججيبة والججدارقطنى )‪ (180‬والججبيهقى )‪ .(3/279‬وانظججر‬
‫البخاري‪ ،‬العيدين‪ ،‬باب التكبير أيام منى‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (4205‬مسججلم )‪ (2704‬وأبججو داود )‬
‫‪ (1528‬والبيهقي وابن أبي شيبة والنسائي في الكججبرى )‬
‫‪ (7679‬من حديث أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫‪- 229 -‬‬
‫دليل‬‫فكل من خججالف هججذا الصججل‪ ،‬فقججد خججالف إطلق الج ّ‬
‫مججن كججان أعججرف منججه‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ ،‬لنججه قي ّججد فيججه بججالرأى‪ ،‬وخججالف َ‬
‫بالشججججججججججريعة –وهججججججججججم السججججججججججلف الصججججججججججالح‬
‫ب أن‬ ‫رضى الله عنهم‪ ،-‬بل كان النبى ‪ ‬يترك العمل وهو يح ّ‬
‫يعمل به خوفا ً أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)‪.(4‬‬
‫ومن أمثلة هذا الصل التزام الدعاء بعد الصلوات بججالهيئة‬
‫الجتماعية معلنا ً بها فى الجماعات‪ ،‬وسيأتى بسط ذلججك فججى‬
‫بابه إن شاء الله تعالى‪.‬‬

‫فصل‬
‫ومنها‪ :‬بناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلت‬
‫دعون فيها أنها هى المقصود والمراد‪ ،‬ل مججا يفهججم‬
‫ل تعقل –ي ّ‬
‫العربى منها– مسندة عندهم إلى أصل ل يعقل‪:‬‬
‫وذلججك أنهججم –فيمججا ذكججر العلمججاء‪ -‬قججوم أرادوا إبطججال‬
‫ل‪ ،‬وإلقاء ذلك فيما بين النججاس‪ ،‬لينحججل‬‫الشريعة جملة وتفصي ً‬
‫الدين فى أيديهم‪ ،‬فلم يمكنهم إلقاء ذلك صراحًا‪ ،‬فيججرد ّ ذلججك‬
‫فى وجوههم وتمتد ّ إليهم أيدى الحكام‪ ،‬فصرفوا أعناقهم إلى‬
‫التحيل على ما قصدوا بأنواع من الحيل‪ ،‬من جملتهججا صججرف‬
‫الفهججم عججن الظججواهر‪ ،‬إحالججة علججى أن لهججا بججواطن هججى‬
‫المقصودة‪ ،‬وأن الظواهر غير مرادة‪.‬‬

‫فقههالوا‪ :‬كججل مججا ورد فججى الشججرع مججن الظججواهر فججى‬


‫‪4‬‬
‫ص حديث عائشة عند البخاري )‪ (1128‬ومسججلم‬ ‫)( هذا ن ّ‬
‫)‪ (718‬وأبججو داود )‪ (1293‬وعبججد الججرزاق )‪ (4867‬وابججن‬
‫خزيمة )‪ (2104‬وابجن حبجان )‪ (312‬والجبيهقي والنسجائي‬
‫في الكبرى‪.‬‬
‫‪- 230 -‬‬
‫التكاليف والحشر والنشر والمور اللهية‪ ،‬فهى أمثلة ورمججوز‬
‫إلى بواطن‪.‬‬
‫ولهججم مججن هججذا الإفججك كججثير مججن الأمججور اللهيججة وأمججور‬
‫التكليف وأمور الخرة‪ ،‬وكله حوم على إبطال الشريعة جملة‬
‫ل‪ ،‬إذ هججم ثنويججة ودهريججة وإباحيججة‪ ،‬منكججرون للنبججوة‬ ‫وتفصججي ً‬
‫والشرائع والحشر والنشر والجنة والنججار والملئكججة‪ ،‬بججل هججم‬
‫منكرون للربوبية‪ ،‬وهم المسمون بالباطنية‪.‬‬
‫ولكن لبد ّ من نكتة مختصرة فى الرد عليهم‪.‬‬
‫فل يخلو أن يكون ذلك عندهم‪:‬‬
‫إما من جهة دعوى بالضرورة‪ ،‬وهو محال‪ ،‬لن الضججرورى‬
‫هو ما يشترك فيه العقلء علما ً وإدراكًا‪ ،‬وهذا ليس كذلك‪.‬‬
‫وإمججا مججن جهججة المججام المعصججوم‪ ،‬فسججماعهم منججه لتلججك‬
‫التأويلت‪.‬‬
‫فنقول لمن زعم ذلك‪ :‬ما الذى دعاك إلى تصديق المججام‬
‫المعصجججوم دون محمجججد ‪ ‬مجججع المعججججزة وليجججس لمامجججك‬
‫معجزة؟! فالقرآن يدل على أن المراد ظاهره‪ ،‬ل ما زعمت‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬ظاهر القرآن رموز إلى بواطن فهمها المججام‬
‫المعصوم ولم يفهمها الناس فتعلمناها منه‪ .‬قيل لهم‪ :‬من أى‬
‫جهة تعلمتموها منه؟‬
‫أبمشججاهدة قلبججه بججالعين؟ أو بسججماع منججه؟ فلبججد ّ مججن‬
‫الستناد إلى السماع بالذن‪ ،‬فُيقجال‪ :‬فلعججل لفظجه ظجاهر لجه‬
‫باطن لم تفهمه ولم يطلعك عليه‪ ،‬فل يوثق بمججا فهمججت مججن‬
‫ظاهر لفظه!‬
‫فإن قال‪ :‬صرح بالمعنى وقال‪ :‬ما ذكرته ل رمز فيه‪ ،‬أو‬
‫والمراد ظاهره‪ .‬قيل له‪ :‬وبماذا عرفت قوله لك‪ :‬إنجه ظجاهر‪،‬‬

‫‪- 231 -‬‬


‫أنه ل رمز فيه‪ ،‬بل أنه كما قال‪ ،‬إذ يمكن أن يكون لججه بججاطن‬
‫لما تفهمه أيض جًا‪ ،‬فل يججزال المججام يصججرح بججاللفظ والمججذهب‬
‫يدعو إلى أن له فيه رمزًا‪.‬‬
‫ولو فرضنا أن المججام أنكججر البججاطن‪ ،‬فلعججل تحججت إنكججاره‬
‫رمز لم تفهمه أيضًا‪ ،‬حتى لو حلف بالطلق الظاهر على أنججه‬
‫لم يقصد إل الظاهر‪ ،‬لحتمل أن يكون فججى طلقججه رم جٌز هججو‬
‫باطنه وليس مقتضى الظاهر‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬ذلك يؤدى إلى حسم باب التفهيجم‪ .‬قيجل لجه‪:‬‬
‫فأنتم حسججمتموه بالنسججبة إلججى النججبى ‪ ،‬فججإن القججرآن دائر‬
‫علججى تقريججر الوحدانيججة‪ ،‬والجنججة‪ ،‬والنججار‪ ،‬والحشججر‪ ،‬والنشججر‪،‬‬
‫والنبياء‪ ،‬والوحى‪ ،‬والملئكة‪ ،‬مؤكدا ً ذلك كله بالقسججم‪ ،‬وأنتججم‬
‫تقولون‪ :‬إن ظاهره غير مراد‪ ،‬وإن تحته رمزًا! فإن جاز ذلججك‬
‫عندكم بالنسبة إلى النبى ‪ ‬لمصلحة وس جّر لججه فججى الرمججز‪،‬‬
‫جاز بالنسبة إلى معصومكم أن ي ُظ ِْهر لكججم خلف مججا يضججمر‬
‫لمصلحة وسّر له فيه‪ ،‬وهذا ل محيص لهم عنه‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫رحمههه اللههه‪" :‬ينبغججى أن يعججرف‬ ‫قههال أبههو حامههد‬
‫‪1‬‬
‫)( الغزالي‪ :‬الشيخ المام البحر‪ ،‬حجة السلم أعجوبججة‬
‫الزمان زين الدين‪ ،‬أبو حامد محمد ابن محمد بججن محمججد‬
‫بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي‪ ،‬صججاحب التصججانيف‬
‫والذكاء المفرط‪ ،‬مولججده سججنة خمسججين وأربججع مئة‪ .‬لزم‬
‫إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة‪ ،‬ومهر فججي‬
‫الكلم والجججدل حججتى صججار عيججن المنججاظرين‪ ،‬وأخججذ فججي‬
‫تأليف الصول والفقججه والكلم والحكمجة‪ ،‬وأدخلججه سججيلن‬
‫ذهنه في مضايق الكلم ومججزال القججدام‪ ،‬وللججه سججر فججي‬
‫خلقججه‪ ،‬ألججف كتججاب الحيججاء وكتججاب الربعيججن‪ ،‬وكتججاب‬
‫القسججطاس‪ ،‬وكججانت خاتمججة أمججره إقبججاله علججى طلججب‬
‫الحديث ومجالسة أهله‪ ،‬ومطالعة الصحيحين‪ ،‬ولججو عججاش‬
‫لسبق الكل في ذلك الفن بيسير مججن اليججام‪ ،‬وممججا نقججم‬
‫‪- 232 -‬‬
‫النسان أن رتبة هذه الفرقة هى أخسّ مجن رتبججة كججل فرقججة‬
‫مججن فججرق الضججلل‪ ،‬إذ ل تجججد فرقججة تنقججض مججذهبها بنفججس‬
‫المذهب سججوى هججذه الججتى هججى الباطنيججة‪ ،‬إذ مججذهبها إبطججال‬
‫النظر وتغيير اللفاظ عن موضوعاتها بدعوى الرمز‪ ،‬وكل مججا‬
‫يتصور أن تنطق به ألسنتهم‪ ،‬فإما نظجر أو نقجل‪ ،‬أمجا النظجر‪،‬‬
‫وزوا أن ي ُججراد بججاللفظ غيججر‬
‫فقد أبطلوه‪ ،‬وأما النقججل‪ ،‬فقججد ج ج ّ‬
‫صم‪ ،‬والتوفيق بيد الله"‪.‬‬ ‫موضوعه‪ ،‬فل يبقى لهم معت َ َ‬
‫عليه ما ذكر من اللفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب‬
‫كيمياء السعادة والعلوم‪ ،‬وشرح بعض الصججور والمسججائل‬
‫بحيث ل توافق مراسم الشرع وظججواهر مججا عليججه قواعججد‬
‫الملة‪ ،‬قلت‪ :‬ما نقمججه عبججد الغججافر علججى أبججي حامججد فججي‬
‫الكيمياء فله أمثاله في غضون تواليفه‪ ،‬حتى قال أبو بكججر‬
‫بججن العربججي‪ :‬شججيخنا أبججو حامججد بلججع الفلسججفة وأراد أن‬
‫يتقيأهم فمجا اسججتطاع‪ .‬ومجن معجججم أبججي علججي الصججدفي‬
‫تأليف القاضي عياض له قال‪ :‬والشيخ أبو حامد ذو النباء‬
‫الشنيعة والتصانيف العظيمة‪ ،‬غل فججي طريقججة التصججوف‪،‬‬
‫وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعيججة فججي ذلججك‪ ،‬وألججف فيججه‬
‫تواليفه المشهورة‪ ،‬أخذ عليججه فيهججا مواضججع‪ ،‬وسججاءت بججه‬
‫ظنون أمة‪ ،‬والله أعلم بسره‪ ،‬ونفذ أمر السججلطان عنججدنا‬
‫بالمغرب‪ ،‬وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها‪ ،‬قلجت‪ :‬مجا‬
‫زال العلماء يختلفون‪ ،‬ويتكلم العالم في العالم باجتهججاده‪،‬‬
‫وكل منهم معذور مأجور‪ ،‬ومن عاند أو خرق الجماع فهو‬
‫مأزور‪ ،‬وإلى الله ترجع المججور‪ .‬قججد ألججف الرجججل فججي ذم‬
‫الفلسفة كتاب التهافت‪ ،‬وكشف عوارهم‪ ،‬ووافقهججم فججي‬
‫مواضع ظنا ً منه أن ذلك حق أو موافق للملججة‪ ،‬ولججم يكججن‬
‫له علججم بالثججار ول خججبرة بالسججنن النبويججة القاضججية علججى‬
‫العقل‪ .‬حبب إليه إدمان النظر في كتججاب رسججائل إخججوان‬
‫الصفا‪ ،‬وهو داء عضال‪ ،‬وجرب مرد‪ ،‬وسم قتال‪ ،‬ولول أن‬
‫أبججا حامججد مججن كبججار الذكيججاء‪ ،‬وخيججار المخلصججين لتلججف‪،‬‬
‫فالحذار الحججذار مججن هججذه الكتججب‪ .‬وقججال أبججو عمججرو بججن‬
‫‪- 233 -‬‬
‫وذكر ابن العربى فى "العواصم")‪ (1‬مأخذا ً آخججر فججى الججرد‬
‫عليهم أسهل من هذا –وقال‪" :‬إنهم ل قبل لهم به"‪ ،-‬وهو أن‬
‫يسّلط عليهم فى كل ما يدعونه السججؤال بجج "لِجمَ ؟" خاصججة‪،‬‬
‫سقط فى يده‪.‬‬ ‫جهت عليه منهم‪ُ ،‬‬‫فكل من وُ ّ‬
‫صور المذهب كاف فى ظهور بطلنه‪ ،‬إل أنه مع ظهججور‬ ‫وت ّ‬
‫فساده وُبعده عن الشرع قد اعتمده طوائف وبنوا عليه بدعا ً‬

‫الصلح‪ :‬فصل‪ :‬لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي حامد‪:‬‬


‫منها قوله في المنطق هو مقدمججة العلججوم كلهججا‪ ،‬ومججن ل‬
‫يحيط به فل ثقة له بمعلججوم أصج ً‬
‫ل‪ ،‬قججال‪ :‬فهججذا مججردود إذ‬
‫كل صحيح الذهن منطقي بالطبع‪ ،‬وكم من إمام مججا رفججع‬
‫بالمنطق رأسًا‪ ،‬فأما كتاب المضنون بجه علججى غيججر أهلجه‪:‬‬
‫فمعاذ الله أن يكون لجه‪ ،‬شجاهدت علجى نسججخة بجه بخجط‬
‫القاضي كمال الدين محمد بن عبججدالله الشججهرزوري أنججه‬
‫موضوع على الغزالججي‪ ،‬وأنججه مخججترع مججن كتججاب مقاصججد‬
‫الفلسججفة‪ ،‬وقججد نقضججه الرجججل بكتججاب التهججافت‪ .‬أورد‬
‫المازري أشياء مما نقده على أبي حامد في الحيججاء‪ ،‬ثججم‬
‫إن المازري أثنى على أبي حامججد فججي الفقججه‪ ،‬وقججال‪ :‬هججو‬
‫بالفقه أعججرف منججه بأصججوله‪ ،‬وأمججا علججم الكلم الججذي هججو‬
‫أصول الدين‪ ،‬فإنه صنف فيه وليس بججالمتبحر فيهججا‪ .‬قججال‬
‫أبو بكر الطرطوشججي‪ :‬شججحن أبججو حامججد الحيججاء بالكججذب‬
‫على رسول الله صلى الله عليججه وسججلم‪ ،‬فل أعلججم كتاب جا ً‬
‫علججى بسججيط الرض أكججثر كججذبا ً منججه‪ .‬صججنف البسججط‬
‫والوسيط والوجيز والخلصة والحياء‪ ،‬وألف المستصججفى‬
‫فججي أصججول الفقججه والمنخججول واللبججاب‪ ،‬والمنتحججل فججي‬
‫الجدل وتهافت الفلسججفة‪ ،‬ومحججك النظججر ومعيججار العلججم‪،‬‬
‫وشرح السماء الحسججنى ومشججكاة النججوار‪ ،‬والمنقججذ مججن‬
‫الضلل‪ .‬قيل إنه ألف المنخول فرآه أبججو المعججالي فقججال‪:‬‬
‫دفنتنججي وأنججا حججي فهل صججبرت‪ ،‬الن كتابججك غطججى علججى‬
‫كتابي‪ .‬قلت‪ :‬الغزالي إمام كبير وما من شرط العالم أنججه‬
‫‪- 234 -‬‬
‫فاحشة‪.‬‬
‫فصل‬
‫ومنههها‪ :‬رأى قججوم تغججالوا فججى تعظيججم شججيوخهم‪ ،‬حججتى‬
‫ألحقوهم بما ل يستحقونه‪.‬‬

‫ل يخطئ‪ .‬أما الحياء ففيه من الحججاديث الباطلججة جملججة‪،‬‬


‫وفيه خير كثير لول ما فيه مججن آداب ورسججوم وزهججد مججن‬
‫طرائق الحكمجاء ومنحرفججي الصججوفية‪ ،‬نسججأل اللججه علمجا ً‬
‫نافعجًا‪ ،‬تجدري مجا العلجم النجافع؟ هجو مجا نجزل بجه القجرآن‬
‫وفسره الرسول صلى الله عليججه وسججلم قججول ً وفعل ً ولججم‬
‫يأت نهي عنه‪ ،‬قال عليه السججلم‪ :‬مججن رغججب عججن سججنتي‬
‫فليس مني‪ .‬توفي يوم الثنين رابع عشر جمادى الخججرة‬
‫سججنة خمججس وخمججس مئة ولججه خمججس وخمسججون سججنة‪،‬‬
‫ودفجن بمقججبرة الطجابران قصججبة بلد طججوس فرحجم اللجه‬
‫المام أبا حامد فأين مثله فججي علججومه وفضججائله ولكججن ل‬
‫ندعي عصمته من الغلط والخطججأ ول تقليجد فجي الصججول‬
‫)السير ‪.(9/323‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ابن العربي‪ :‬المام العلمججة الحججافظ‪ ،‬القاضججي أبججو‬
‫بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي‬
‫الندلسي الشججبيلي المججالكي صججاحب التصججانيف‪ ،‬مولججده‬
‫سنة ثمان وستين وأربع مئة‪ ،‬وكان أبججوه أبججو محمججد مججن‬
‫كبار أصحاب أبي محمد بن حججزم الظججاهري‪ ،‬بخلف ابنججه‬
‫القاضي أبي بكر فإنه منافر لبن حزم محط عليه بنفججس‬
‫ثائرة‪ ،‬تفقه بالمام أبي حامد الغزالي‪ ،‬والفقيججه أبججي بكججر‬
‫الشاشي‪ ،‬والعلمة الديب أبي زكريا التججبريزي وجماعججة‪،‬‬
‫صنف كتاب عارضة الحوذي في شرح جامع أبي عيسججى‬
‫الترمذي‪ ،‬وفسر القججرآن المجيججد‪ ،‬فججأتى بكججل بججديع‪ ،‬ولججه‬
‫كتاب كوكب الحديث والمسلسلت‪ ،‬وكتاب الصناف فججي‬
‫‪- 235 -‬‬
‫فالمقتصد فيهم يزعم أنججه ل ولججى للججه أعظججم مججن فلن‪،‬‬
‫وربما أغلقوا باب الولية دون سائر المة إل هذا المذكور‪.‬‬
‫ولججول الغلججو فججى الججدين والتكججالب علججى نصججر المججذهب‪،‬‬
‫والتهالك فى محبة المبتدع‪ ،‬لما وسع ذلك عقججل أحججد‪ ،‬ولكججن‬
‫مههن كههان قبلكههم شههبرا ً‬‫سنن َ‬ ‫عن َ‬ ‫النججبى ‪ ‬قججال )لتتب ُ‬
‫بشبر‪ ،‬وذراعا ً بذراع…( الحديث ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فهؤلء غلوا كما غلت النصارى فى عيسى عليججه السججلم‪،‬‬


‫ن مريم ‪ ،(2) ‬وفى‬ ‫ح اب ُ‬ ‫حيث قالوا ‪‬إن الله ُ‬
‫هو المسي ُ‬
‫الحديث‪) :‬ل تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن‬

‫الفقه‪ ،‬وكتاب أمهات المسائل‪ ،‬وكتاب نزهة الناظر‪ .‬كججان‬


‫القاضي أبو بكر ممن يقال إنه بلججغ رتبججة الجتهججاد‪ ،‬حججدث‬
‫ببغججداد بيسججير‪ ،‬وصججنف فججي الحججديث والفقججه والصججول‬
‫وعلوم القرآن والدب والنحو والتواريخ‪ .‬ولججم أنقججم علججى‬
‫القاضجججي رحمجججه اللجججه إل إقجججذاعه فجججي ذم ابجججن حجججزم‬
‫واستجهاله له‪ ،‬وابن حزم أوسع دائرة مججن أبججي بكججر فججي‬
‫العلوم‪ ،‬وأحفظ بكثير‪ ،‬وقد أصاب في أشياء وأجاد‪ ،‬وزلق‬
‫في مضايق كغيره من الئمة‪ ،‬والنصاف عزيز‪ .‬قججال ابججن‬
‫بشكوال‪ :‬توفي ابن العربي بفاس فججي شججهر ربيججع الخججر‬
‫سنة ثلث وأربعين وخمس مئة )السير ‪ (20/197‬قلت‪:‬‬
‫وهو صاحب كتاب العواصم من القواصم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (7320‬ومسججلم )‪ (2669‬مججن حججديث‬
‫أبي سعيد‪ ،‬والترمذي )‪ (2180‬وابن أبي شججيبة )‪(7/479‬‬
‫مججن حججديث أبججي واقججد الليججثي‪ ،‬والحججاكم )‪ (4/455‬مججن‬
‫حديث ابن عباس‪ ،‬وأحمد )‪ (5/340‬والطبراني )‪(6/186‬‬
‫مججن حججديث سججهل بججن سججعد‪ ،‬وانظججر مجمججع الججزوائد )‬
‫‪.(7/261‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المائدة‪.72 :‬‬
‫‪- 236 -‬‬
‫مريم‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬عبد الله ورسوله()‪.(1‬‬
‫ومن تأمل هذه الصناف‪ ،‬وجد لها مججن البججدع فججى فججروع‬
‫الشريعة كججثيرًا‪ ،‬لن البدعججة إذا دخلججت فججى الصججل‪ ،‬سججهلت‬
‫مداخلتها الفروع‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأضعف هؤلء احتجاجا ً قججوم اسججتندوا فججى أخججذ العمججال‬
‫إلى المنامات‪ ،‬وأقبلوا وأعرضوا بسببها‪:‬‬
‫فيقولون‪ :‬رأينا فلنا ً الرجل الصالح‪ ،‬فقال لنا‪ :‬اتركوا كذا‪،‬‬
‫واعملوا كذا‪.‬‬
‫ويتفق مثل هذا كثيرا ً للمترسمين برسم التصوف‪ ،‬وربمججا‬
‫قججال بعضججهم‪ :‬رأيججت النججبى ‪ ‬فججى النججوم‪ ،‬فقججال لججى كججذا‪،‬‬
‫وأمرنى بكذا‪ ،‬فيعمل بهججا‪ ،‬ويججترك بهججا‪ ،‬معرض جا ً عججن الحججدود‬
‫الموضججوعة فججى الشججريعة‪.‬وهججو خطججأ‪ ،‬لن الرؤيججا مججن غيججر‬
‫النبياء)‪ (2‬ل ُيحكم بها شرعا ً على حال‪ ،‬إل أن ُتعرض على مججا‬
‫مججل‬‫فججى أيججدينا مججن الحكججام الشججرعّية‪ ،‬فججإن سججوغتها عُ ِ‬
‫بمقتضاها‪ ،‬وإل‪ ،‬وجب تركهجا والعجراض عنهجا‪ ،‬وإنمجا فائدتهجا‬
‫البشارة والنذارة خاصة‪ ،‬وأما استفادة الحكام‪ ،‬فل‪.‬‬
‫فلو رأى فى النوم قائل ً يقول‪ :‬إن فلنا ً سرق فاقطعه‪ ،‬أو‬
‫عالم فاسأله‪ ،‬أو اعمل بما يقول لك‪ ،‬أو فلن زنى فحُججدَّه …‬
‫وما أشبه ذلك‪ ،‬لم يصح له العمل‪ ،‬حتى يقوم له الشاهد فججى‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪ (6830‬والجججدارمي )‪ (2/320‬وابجججن‬
‫حبججان )‪ (6239‬وعبججد الججرزاق )‪ (5/441‬مججن حججديث ابججن‬
‫عباس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أى الرؤيا التى يراها غير النبى‪.‬‬
‫‪- 237 -‬‬
‫اليقظة‪ ،‬وإل‪ ،‬كان عامل ً بغير شريعة‪ ،‬إذ ليس بعد رسول الله‬
‫‪ ‬وح ّ‬
‫ى‪.‬‬
‫وة)‪ (1‬فل ينبغججى أن‬
‫ول يقججال‪ :‬إن الرؤيججا مججن أجججزاء النبجج ّ‬
‫تهمل‪ ،‬وأيضًا‪ ،‬إن المخبر فى المنام قد يكون النبى ‪ ،‬وهججو‬
‫قد قال )من رآنى فى النوم‪ ،‬فقد رآنههى حق هًا‪ ،‬فههإن‬

‫‪1‬‬
‫)( روى أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت عن النججبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬رؤيا المجؤمن ججزء مجن سجتة‬
‫وأربعين جزءا ً من النبوة‪ :‬رواه البخاري )‪ (6987‬ومسججلم‬
‫)‪ (2264‬وأبجججججججو داود )‪ (5018‬والترمجججججججذي )‪(2271‬‬
‫والجججدارمي )‪ ،(2/123‬ورواه مجججن حجججديث أبجججي هريجججرة‬
‫البخججاري )‪ (6988‬ومسججلم )‪ (2263‬والترمججذي )‪(2270‬‬
‫وابن ماجججة )‪ (3894‬والحججاكم‪ ،‬ومججن حججديث أبججي سججعيد‬
‫البخاري )‪ (6989‬وابن ماجة )‪ ،(3895‬ومججن حججديث أبججي‬
‫رزيججن العقيلججي رواه الترمججذي )‪ (2278‬وابججن حبججان )‬
‫‪ (6050‬والحججاكم‪ ،‬ومججن حججديث أنججس رواه البخججاري )‬
‫‪ (6983‬والترمججذي )‪ (2272‬ابججن ماجججة )‪ ،(3893‬ورواه‬
‫مسلم )‪ (2265‬وابن ماجة )‪ (3897‬من حديث ابن عمر‪،‬‬
‫ورواه البزار )‪ 1583‬زوائده( من حديث عوف بن مالججك‪،‬‬
‫ومن حججديث العبججاس )‪ 1582‬زوائده(‪ ،‬ومججن حججديث ابججن‬
‫مسعود )‪ (1581‬وفي بعججض هججذه الروايججات اختلف فججي‬
‫العدد‪.‬‬
‫وقال ابن الثير في جامع الصول )‪ (2/518‬في‬
‫تفسير الحديث‪ :‬كان عمر رسول الله صلى الله عليججه‬
‫وسلم في أكججثر الروايججات الصججحيحة ثلث جا ً وسججتين سججنة‪،‬‬
‫وكانت مدة نبوته منها ثلثا ً وعشرين سنة‪ ،‬لنه ُبعث عنججد‬
‫استيفائه أربعين سنة‪ ،‬وكان في أول عمججره يجرى الججوحي‬
‫مل َججك فججي‬
‫في المنام‪ ،‬ودام كذلك نصف سججنة‪ ،‬ثججم رأى ال َ‬
‫اليقظة‪ ،‬فإذا نسبت المدة التي أوحى إليه فيها في النوم‬
‫‪- 238 -‬‬
‫الشيطان ل يتمثل بى()‪ ،(2‬وإذا كان … فإخبججاره لججه فججى‬
‫النوم كإخباره فى اليقظة‪ ،‬لنا نقول‪:‬‬
‫‪ .1‬إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة‪ ،‬فليست إلينا مججن‬
‫كمال الوحى‪ ،‬بل جزء من أجزائه‪ ،‬والجزء ل يقججوم مقججام‬
‫الكل فى جميع الوجوه‪ ،‬بل إنما يقججوم مقججامه فججى بعججض‬
‫الوجوه‪ ،‬وقد صرفت إلى جهججة البشججارة والنججذارة‪ ،‬وفيهججا‬

‫– وهي نصف سنه‪ -‬إلى مدة نبوته –وهي ثلث وعشججرون‬


‫سنة‪ -‬كانت نصف جزء من ثلثججة وعشججرين جججزءًا‪ ،‬وذلججك‬
‫جزء من ستة وأربعين جزءًا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (6993‬ومسججلم )‪ (2266‬والترمججذي )‬
‫‪ (2280‬وأبو داود )‪ (5023‬ومالك في الموطأ في الرؤيججا‬
‫من حديث أبي هريرة‪ ،‬وهو عند البخاري من حججديث أبججي‬
‫سججعيد )‪ (6997‬ومججن حججديث أنججس )‪ ،(6994‬وعنججده )‬
‫‪ (6996‬ومسججلم )‪ (2267‬مججن حججديث أبججي قتجادة‪ ،‬وعنججد‬
‫مسلم )‪ (2268‬من حديث جابر‪ ،‬وعند الترمججذي )‪(2276‬‬
‫من حديث ابن مسعود‪.‬‬
‫وقال الحههافظ فههي الفتههح‪ :‬كججان محمججد يعنججي ابججن‬
‫سيرين‪ :‬إذا قص عليججه رجججل أنججه رأى النججبي صججلى اللججه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬صف لي الججذي رأيتججه‪ ،‬فججان وصججف لججه‬
‫صفة ل يعرفها‪ ،‬قال‪ :‬لم تره‪ .‬وسنده صحيح‪ ،‬ووجدت لججه‬
‫ما يؤيده‪ :‬فججأخرج الحججاكم مججن طريججق عاصججم بججن كليججب‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬قلت لبججن عبججاس‪ :‬رأيججت النججبي صججلى‬
‫الله عليه وسلم في المنام‪ ،‬قال‪ :‬صفه لي‪ ،‬قججال‪ :‬ذكججرت‬
‫الحسن بن علي فشبهته به‪ ،‬قال‪ :‬قد رأيته‪ .‬وسنده جيججد‪،‬‬
‫ويعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسججلم‪ :‬مججن‬
‫رآني في المنام فقجد رآنجي‪ ،‬فجإني أرى فجي كجل صجورة‪.‬‬
‫وفي سنده صالح مولى التوأمة‪ ،‬وهججو ضججعيف لختلطججه‪.‬‬
‫وانظر الفتح والقوال الكجثيرة الجتي ذكرهجا الحجافظ فجي‬
‫‪- 239 -‬‬
‫كاف‪.‬‬
‫‪ .2‬وأيضًا‪ ،‬فإن الرؤيا هى جزء من )أجزاء( النبوة‪ ،‬من‬
‫شرطها أن تكون صججالحة مججن الرجججل الصججالح‪ ،‬وحصججول‬
‫ظر فيه‪ ،‬فقد تتوفر وقد ل تتوفر‪.‬‬‫الشروط مما ي ُن ْ َ‬

‫‪ .3‬وأيضججًا‪ ،‬فهججى منقسججمة إلججى الحلججم –وهججو مججن‬


‫الشججيطان‪ ،-‬وإلججى حججديث النفججس)‪ ،(1‬وقججد تكججون سججبب‬
‫هيجان بعض أخلط‪ ،‬فمتى تتعّين الصالحة حتى يحكم بهججا‬
‫ونترك غير الصالحة؟!‬
‫ويلزم أيضا ً على ذلك أن يكججون تجديججد وحججى بحكججم بعججد‬
‫النبى ‪ ،‬وهو منهى عنه بالجماع‪.‬‬
‫"يحكى أن شريك بن عبد الله القاضججى دخججل يومجا ً علججى‬
‫م يججا‬ ‫المهدى فلما رآه‪ ،‬قال‪ :‬علىّ بالسيف والنطع)‪ .(2‬قال‪ِ :‬‬
‫ول َ‬

‫معنى هذه الرؤية‪ .‬والله أعلم‪.‬‬


‫)( روى مسلم )‪ (2263‬من حديث أبي هريججرة مرفوعججا ً‬ ‫‪1‬‬

‫"والرؤيا ثلثة‪ :‬فرؤيا الصالحة بشههرى مههن اللههه‪،‬‬


‫ورؤيا تحزين مهن الشههيطان‪ ،‬ورؤيهها ممها يحهدث‬
‫المههرء نفسههه"‪ ،‬ورواه البخججاري )‪ (7017‬وأبججو داود )‬
‫‪ (5019‬والترمججذي )‪،2270‬جج ‪ ،(2280‬وفججي البججاب مججن‬
‫حديث أبي قتادة عند مسلم )‪ (2261‬وأبججو داود )‪(5021‬‬
‫والترمذي )‪ ،(2277‬ومن حديث عوف بن مالك عند ابججن‬
‫حبان )‪ (6042‬وابن أبي شيبة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( شريك القاضي‪ :‬هو شججريك بججن عبججد اللججه العلمججة‬
‫الحافظ القاضي‪ ،‬أبو عبد الله النخعي‪ ،‬أحججد العلم علججى‬
‫ليجن مجا فججي حججديثه‪ ،‬توقجف بعجض الئمججة عجن الحتججاج‬
‫بمفاريده‪ ،‬قال ابن المبججارك‪ :‬شججريك أعلججم بحججديث بلججده‬
‫من الثوري‪ ،‬فججذكر هججذا لبججن معيججن فقججال‪ :‬ليججس يقججاس‬
‫بسفيان أحد لكن شريك أروى منه فججي بعججض المشججايخ‪،‬‬
‫‪- 240 -‬‬
‫أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬رأيت فججى منججامى كأنججك تطججأ بسججاطى‬
‫مجن عّبرهجا‪ ،‬فقجال‬‫ت رؤياى على َ‬ ‫وأنت معرض عنى‪ ،‬فقصص ُ‬
‫لى‪ :‬يُظهر لك طاعة ويُضمر معصية‪ .‬فقال له شججريك‪ :‬واللججه‬
‫ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليججه السججلم‪ ،‬ول أن معججبرك‬
‫ُيوسف الصديق عليه السلم‪ ،‬فبالحلم الكاذبة تُضرب أعناق‬
‫المؤمنين؟ فاستحيى المهدى‪ ،‬وقال‪ :‬اخرج عنى‪ ،‬ثججم صججرفه‬
‫وأبعده"‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬وقال الجوزجججاني‪ :‬سججييء‬
‫الحفظ مضطرب الحديث مائل‪ ،‬قلت‪ :‬فيه تشججيع خفيججف‬
‫على قاعدة أهل بلده‪ ،‬وكان من كبار الفقهاء‪ ،‬وبينه وبين‬
‫المام أبي حنيفة وقائع‪ ،‬مولده في سنة خمس وتسعين‪،‬‬
‫ولججي قضججاء الكوفججة‪ ،‬مججات بالكوفججة فججي أول شججهر ذي‬
‫القعججدة سججنة سججبع عججاش اثنججتين وثمججانين سججنة )السججير‬
‫‪.(8/200‬‬
‫المهدي‪ :‬الخليفة أبو عبد الله‪ ،‬محمد بن المنصججور أبججي‬
‫جعفر عبد الله بن محمججد بججن علججي الهاشججمي العباسججي‪،‬‬
‫كان جوادا ً ممداحا ً معطاًء محببا ً إلى الرعيججة‪ ،‬قصججابا فججي‬
‫الزنادقة‪ ،‬باحثا ً عنهم‪ ،‬مليح الشكل‪ .‬ولمججا مججات المنصججور‬
‫قام بأخذ البيعة للمهدي الربيع بن يونس الحججاجب‪ ،‬وقيججل‬
‫إنه أثني عليه بالشجاعة‪ ،‬فقال‪ :‬لم ل أكون شجججاعًا! ومججا‬
‫خفت أحدا ً إل الله تعالى‪ ،‬قال داود بن رشيد‪ :‬هاجت ريح‬
‫سوداء‪ ،‬فسمعت سلما ً الحججاجب يقججول‪ :‬فجعنججا أن تكججون‬
‫القيامة‪ ،‬فطلبت المهدي في اليوان فلم أجده‪ ،‬فججإذا هججو‬
‫في بيت ساجد على التراب‪ ،‬يقججول‪ :‬اللهججم ل تشججمت بنججا‬
‫أعداءنا من المم‪ ،‬ول تفجع بنا نبينا‪ ،‬اللهم إن كنت أخذت‬
‫العامة بذنبي فهذه ناصجيتي بيججدك‪ ،‬فمجا أتجم كلمججه حججتى‬
‫أنجلت‪ .‬وكان مسججتهترا ً بمججولته الخيججزران‪ ،‬وكججان غارق جا ً‬
‫كنحوه من الملوك في بحر اللذات‪ ،‬واللهو والصيد‪ ،‬ولكنه‬
‫خائف من الله‪ ،‬معاد لولى الضججللة حنججق عليهججم‪ ،‬تملججك‬
‫عشر سنين وشهرا ً ونصججفًا‪ ،‬وعججاش ثلثججا وأربعيججن سججنة‪،‬‬
‫‪- 241 -‬‬
‫وأما الرؤيا التى يخبر فيها رسول الله ‪ ‬الرائى بالحكم‪،‬‬
‫فلبججد مججن النظججر فيهججا أيض جًا‪ ،‬لنججه إذا أخججبر بحكججم موافججق‬
‫لشريعته‪ ،‬فالعمل بمجا اسجتقر‪ ،‬وإن أخجبر بمخجالف‪ ،‬فمحجال‪،‬‬
‫لنه عليه السلم ل ينسخ بعد مججوته شججريعته المسججتقرة فججى‬
‫حياته‪ ،‬لن الدين ل يتوقف استقراره بعد موته علججى حصججول‬
‫المرائى النومية‪ ،‬لن ذلك باطججل بالجمججاع‪ ،‬فمججن رأى شججيئا ً‬
‫من ذلك‪ ،‬فل عمججل عليججه‪ ،‬وعنججد ذلججك نقججول‪ :‬إن رؤيججاه غيججر‬
‫صحيحة‪ ،‬إذ لو رآه حقًا‪ ،‬لم يخبره بما يخالف الشرع‪.‬‬
‫لكن يبقى النظر فى معنججى قججوله ‪) ‬من رآنههى فههى‬
‫النوم فقد رآنى( وفيه تأويلن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما ذكره ابن رشد)‪ ،(1‬إذ سئل عجن حجاكم شجهد‬

‫ومات بما سبذان في المحججرم سججنة تسججع وسججتين ومئة‪،‬‬


‫وبويع ابنه الهادي )السير ‪ .(7/400‬والّنطع‪ :‬وهجو بفتجح‬
‫أو كسر النون‪ ،‬مع فتح أو سكون الطاء‪ ،‬هو القطعجة مجن‬
‫الجلد المدبوغ يفرش‪ ،‬وقد يجعل عليها الطعججام وغيججره‪،‬‬
‫وههنا أراد أن يضرب عنقججه علججى هججذا النطججع المبسججوط‬
‫تحته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ابههن رشههد‪ :‬المججام العلمججة شججيخ المالكيججة قاضججي‬
‫الجماعة بقرطبة‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بججن‬
‫رشد القرطبي المالكي‪ ،‬قال ابججن بشججكوال‪ :‬كججان فقيه جا ً‬
‫ما فيه علججى جميججع أهججل عصججره‪،‬‬ ‫عالما ً حافظا ً للفقه مقد ً‬
‫عارفا ً بالفتوى بصيرا ً بأقوال أئمة المالكية‪ ،‬نافذا ً في علم‬
‫الفرائض والصول‪ ،‬من أهل الرياسة في العلم والبراعججة‬
‫والفهججم‪ ،‬مججع الججدين والفضججل والوقججار والحلججم والسججمت‬
‫الحسن‪ ،‬والهدي الصالح‪ ،‬ومن تصانيفه‪ :‬كتاب المقججدمات‬
‫لوائل كتب المدونة‪ ،‬وكتججاب البيججان والتحصججيل لمججا فججي‬
‫المستخرجة من التوجيه والتعليل‪ ،‬واختصججار المبسججوطة‪،‬‬
‫واختصار مشججكل الثججار للطحججاوي‪ ،‬عججاش سججبعين سججنة‪،‬‬
‫‪- 242 -‬‬
‫عنده عدلن مشهوران بالعدالة فى قضية‪ ،‬فلما نام الحججاكم‪،‬‬
‫ذكر أنه رأى النبى ‪ ،‬وقال له‪ :‬تحكم بهذه الشهادة؟! فإنهجا‬
‫باطلة؟‬
‫ل له أن يترك العمل بتلك الشجهادة‪ ،‬لن‬ ‫فأجاب بأنه ل يح ّ‬
‫ذلك إبطال لحكام الشريعة بالرؤيا‪ ،‬وذلك باطججل ل يصججح أن‬
‫يعتقد‪ ،‬إذ ل يعلم الغيب من ناحيتها إل النبيجاء الجذين رؤيجاهم‬
‫وحى‪ ،‬ومن سواهم‪ ،‬إنما رؤياهم جزء من ستة وأربعين جزءا ً‬
‫من النبوة‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وليس معنى قوله‪) :‬مههن رآنههى فقههد رآنههى‬
‫حقًا(‪ :‬أن كل من رأى فى منججامه أنججه رآه فقججد رآه حقيقججة‪،‬‬

‫ومات في ذي القعدة سنة عشججرين وخمججس مئة‪ .‬قلججت‪:‬‬


‫وحفيده هو فيلسجوف زمجانه‪ ،‬وللقاضجي عيجاض سجؤالت‬
‫لبن رشد مؤلف نفيس )السير ‪.(19/501‬‬
‫ابن رشد الحفيد‪ :‬العلمة فيلسوف الوقت‪ ،‬أبو الوليججد‬
‫محمد بن أبي القاسم أحمد بن شيخ المالكية‪ :‬أبي الوليد‬
‫محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬مولججده قبججل‬
‫مججوت جججده بشججهر سججنة عشججرين وخمججس مئة‪ ،‬عججرض‬
‫الموطأ على أبيه‪ ،‬وبرع في الفقه‪ ،‬وأخذ الطب عججن أبججي‬
‫مروان بن حزبول‪ ،‬وكان يفزع إلى فتياه في الطججب كمججا‬
‫يفزع إلى فتياه في الفقججه‪ ،‬مججع وفججور العربيججة‪ ،‬ولججه مججن‬
‫التصانيف‪ :‬بداية المجتهد في الفقه‪ ،‬والكليات في الطب‪،‬‬
‫ومختصر المستصفى في الصججول ومؤلججف فججي العربيججة‪،‬‬
‫وولي قضاء قرطبة فحمدت سيرته‪ .‬ولمججا كججان المنصججور‬
‫صاحب المغججرب بقرطبججة اسججتدعى ابججن رشججد واحججترمه‬
‫كثيرًا‪ ،‬ثججم نقججم عليججه بعججد يعنججي لجججل الفلسججفة‪ .‬ومججات‬
‫محبوسا ً بداره بمراكش في أواخر سنة أربع‪ ،‬وقال غيججره‬
‫مات فججي صججفر وقيججل ربيججع الول سججنة خمججس )السججير‬
‫‪.(21/307‬‬
‫‪- 243 -‬‬
‫بدليل أن الرائى قد يراه مججرات علججى صججور مختلفججة‪ ،‬ويججراه‬
‫الججرائى علجى صجفة وغيججره علجى صجفة أخججرى‪ ،‬ول يججوز أن‬
‫تختلف صور النبى ‪ ‬ول صفاته‪ ،‬وإنما معنججى الحججديث‪ :‬مججن‬
‫ت عليها‪ ،‬فقد رآنى‪ ،‬إذ ل يتمثججل‬ ‫خلق ُ‬‫رآنى على صورتى التى ُ‬
‫الشيطان بى‪ ،‬إذ لم يقل‪ :‬من رأى أنه رآنى فقد رآنى‪ ،‬وإنمججا‬
‫قال‪ :‬من رآنى فقد رآنى‪ ،‬وأنججى لهججذا الججرائى الججذى رأى أنججه‬
‫رآه على صورة أنه رآه عليها‪ ،‬وإن ظن أنه رآه‪ ،‬ما لججم يعلججم‬
‫أن تلك الصورة )صورته( بعينها؟! وهذا ما ل طريق لحد إلى‬
‫معرفته"‪.‬‬
‫فهذا ما نقل ابن رشد‪ ،‬وحاصله يرجع إلى أن المرئى قججد‬
‫يكون غير النبى ‪ ‬وإن اعتقد الرائى أنه هو‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬يقججول علمججاء التعججبير‪ :‬إن الشججيطان قججد يججأتى‬
‫النائم فى صورة ما من معارف الرائى وغيرهم‪ ،‬فيشير إلججى‬
‫رجل آخر‪ :‬هذا فلن النبى‪ ،‬وهذا الملك الفلنى‪ ،‬أو من أشججبه‬
‫هؤلء ممن ل يتمثل الشيطان به‪ ،‬فيوقع اللبس على الججرائى‬
‫بذلك وله علمجة عنجدهم‪ ،‬وإذا كجان كجذلك‪ ،‬أمكجن أن يكلمجه‬
‫ذلججك المشججار إليججه بججالمر والنهججى غيججر المججوافقين للشججرع‪،‬‬
‫فيظن الرائى أنججه مججن قبججل النججبى ‪ ،‬ول يكججون كججذلك‪ ،‬فل‬
‫يوثق بما يقول له أو يأمر أو ينهى‪.‬‬
‫جججرد الرؤيججا حججتى يعرضججها علججى العلججم‪،‬‬
‫نعججم ل يحكججم بم ّ‬
‫لمكان اختلط أحد القسمين بالخر علججى الجملججة‪ ،‬فليسججتدل‬
‫منة)‪.(1‬‬
‫بالرؤيا فى الحكام إل ضعيف ال ُ‬
‫نعم يأتى المرئى تأنيسا ً وبشارة ونذارة خاصججة‪ ،‬بحيججث ل‬
‫يقطعججون بمقتضججاها حكمججًا‪ ،‬ول يبنججون عليهججا أصجج ً‬
‫ل‪ ،‬وهججو‬

‫‪1‬‬
‫منة‪ :‬القوة وخصت بقوة القلججب والمقصججود ضججعيف‬
‫)( ال ُ‬
‫القلب‪.‬‬
‫‪- 244 -‬‬
‫)‪(2‬‬
‫م مججن الشججرع فيهججا‪ ،‬واللججه‬
‫فى أخذها‪ ،‬حسبما فُِه َ‬ ‫الاعتدال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ومن نظر إلى طرق أهل البدع فى الستدلل‪ ،‬عرف أنها‬
‫ح‬
‫ل تنضبط‪ ،‬لنها سيّالة ل تقف عند حد‪ ،‬وعججل كججل وججهٍ يصج ّ‬
‫لكل زائغ وكافر أن يستدل علججى زيغججه وكفججره حججتى ينسججب‬
‫النحلة التى التزمها إلى الشريعة‪.‬‬
‫وكججذلك يمكججن كججل مججن اتبججع المتشججابهات‪ ،‬أو حججرف‬
‫ل الآيات مال تحمله عند السلف الصالح‪ ،‬أو‬ ‫م َ‬
‫المناطات‪ ،‬أو حَ ّ‬
‫تمسك بالواهية من الأحاديث‪ ،‬أو أخذ الدّلة ببادى الرأى‪ ،‬لججه‬
‫ل على كل فعل أو قول أو اعتقاد وافق غرضه بآيججة‬ ‫أن يستد ّ‬
‫وز ذلك أص ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫أو حديث ل يج ّ‬
‫دليل عليه استدلل كججل فرقججة شججهرت بالبدعججة علججى‬ ‫وال ّ‬
‫بدعتها بآية أو حديث‪ ،‬من غير توقف –حسججبما تقججدم ذكججره‪،-‬‬
‫وسيأتى له نظائر أيضا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫فمن طلب خلص نفسه‪ ،‬تثبت حججتى يّتضججح لججه الطريججق‪،‬‬
‫ومن تساهل‪ ،‬رمته أيدى الهججوى فججى معججاطب ل مخلججص لججه‬
‫منها إل ما شاء الله‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)( وهو أوسط القوال وأحسنها وأعدلها في حكم الرؤى‬
‫المنامية‪ ،‬بين من قالوا يعمججل بهججا مطلق جًا‪ ،‬ومججن أعججرض‬
‫عنها مطلقًا‪ ،‬فهي كما جاء في الحديث‪" :‬لههم يبههق مههن‬
‫النبههوة إل المبشههرات‪ ..‬الرؤيهها الصههالحة" رواه‬
‫البخاري )‪ (6990‬وغيره‪.‬‬
‫‪- 245 -‬‬
‫الباب الخامس‬
‫فى أحكام البدع الحقيقية والضافية والفرق‬
‫بينهما‬

‫ولبد قبل النظر فى ذلججك مججن تفسججير البدعججة الحقيقيججة‬


‫والضافية‪ ،‬فنقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫ل عليها دليل شرعى‪،‬‬ ‫إن البدعة الحقيقية هى التى لم يد ّ‬
‫ل مججن كتججاب‪ ،‬ول سججنة‪ ،‬ول إجمججاع‪ ،‬ول قيججاس‪ ،‬ول اسججتدلل‬
‫معتبر عند أهل العلم‪ ،‬ل فى الجملة ول فى التفصيل‪ ،‬ولذلك‬
‫سميت بدعة –كما تقدم ذكره‪ ،-‬لنها شىء مخترع على غيججر‬
‫مثال سابق‪.‬‬
‫وأما البدعة الإضافية‪ ،‬فهى التى لها شائبتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬لها من الدلة متعلق‪ ،‬فل تكون من تلك الجهة‬
‫بدعة‪.‬‬
‫والخرى‪ :‬ليس لها متعلق إل مثل ما للبدعة الحقيقية‪.‬‬
‫أى أنها بالنسبة إلى إحدى الجهججتين سججنة؛ لنهججا مسججتندة‬
‫إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الخججرى بدعججة؛ لنهججا مسججتندة‬
‫إلى شبهة ل إلى دليل‪ ،‬أو غير مستندة إلى شىء‪.‬‬
‫دليل عليها من جهة‬ ‫والفرق بينهما من جهة المعنى‪ :‬أن ال ّ‬
‫الصل قائم‪ ،‬ومن جهة الكيفيات أو الحوال أو التفاصججيل لججم‬
‫يقم عليها‪ ،‬مججع أنهججا محتاجججة إليججه‪ ،‬لن الغججالب وقوعهججا فججى‬
‫التعب ُّديات ل فى العادات المحضة‪ ،‬كما سيأتى ذكره إن شججاء‬
‫الله‪.‬‬
‫ثم نقول بعد هذا‪:‬‬
‫إن الحقيقية لما كانت أكثر وأعم وأشهر فى الناس ذكرًا‪،‬‬
‫وافترقت الفرق‪ ،‬وكان الناس شيعا ً وجرى من أمثلتها ما فيه‬

‫‪- 246 -‬‬


‫الكفاية‪ ،‬وهججى أسججبق إلججى فهججم العلمججاء‪ ،‬تركنججا الكلم فيمججا‬
‫يتعّلق بها من الحكام‪.‬‬
‫ص بحكم دون الضافية‪ ،‬بل هما معا ً‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فقّلما تخت ّ‬
‫يشتركان فى أكثر الحكام التى هى مقصود هججذا الكتججاب أن‬
‫ُتشرح فيه‪ ،‬بخلف الضافية‪ ،‬فإن لها أحكاما ً خاصججة وشججرحا ً‬
‫خاصا ً –وهو المقصججود فججى هججذا البججاب‪ ،‬إل أن الضججافية أول ً‬
‫على ضربين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يقججرب مججن الحقيقججة‪ ،‬حججتى تكججاد البدعججة تعججد‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫يعدّ سنةّ محضة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والخر‪ :‬يبعد منها‪ ،‬حتى يكاد‬
‫ولما انقسمت هذا النقسام‪ ،‬صار من الكيد الكلم علججى‬
‫كل قسم على حدِته‪ ،‬فلنعقججد فججى كججل واح جدٍ منهمججا فصججول ً‬
‫بحسججججججججججججب مججججججججججججا يقتضججججججججججججيه‪ ،‬وبججججججججججججالله‬
‫التوفيق ]‪.[12‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫]‪ [12‬قال سعد بن ناصر الغامدي فههى كتههاب‬
‫حقيقة البدعههة وأحكامههها‪) ،‬ج ‪ 2‬ص ‪- 7‬‬
‫‪:(9‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬هذا هو شأن كججل بدعججة‪ ،‬إذ ْ ل‬
‫دليججل عليهججا ول أصججل لهججا‪ ،‬فكيججف توصججف بالبدعججة‬
‫دها بهذا الوصف؟!‪.‬‬
‫الحقيقية وح ّ‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫والجواب عن هذا التساؤل‪ :‬أنه ما من مبتدع‬
‫دعي‬ ‫في دين الله إل وهو يتعلق في بدعته بدليل ي ّ‬
‫استنادها إليه‪ ،‬ول يستطيع ترك التعلق بالدلة‪ ،‬لئل‬
‫‪- 247 -‬‬
‫ينسب إليه مضادة الشريعة أو الخروج عليها صراحة‪،‬‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى حتى تثبت صلحية‬
‫هذه البدعة للتعبد والتقرب بها‪ ،‬ول يمكن له ذلك ما‬
‫لم يساندها بأدلة يزعم أنها تعتمد عليها‪ ،‬والدلة التي‬
‫يستدل بها المبتدع على بدعته تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسهههم الول‪ :‬أدلهههة غيهههر معتهههبرة‪ ،‬وههههي‬
‫صنفان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أدلة غير شرعية فاسدة الصججل والدللججة‪،‬‬
‫ويدخل في هججذا الصججنف أدلججة أهججل الهججواء‪ ،‬كججالرأي‬
‫والنظر‪ ،‬والذوق والكشف ونحو ذلك‪ ،‬ومن أمثلة هججذا‬
‫الصنف‪ :‬التحسججين والتقبيججح عنججد المعتزلججة‪ ،‬والججرؤى‬
‫والكشوف الشيطانية عند المتصوفة‪ ،‬وعصمة الئمججة‬
‫عند الرافضة‪.‬‬
‫الصههنف الثههاني‪ :‬أدلجججة شجججرعية غيجججر ثابتجججة‪،‬‬
‫كالحاديث المتفق على أنها ضججعيفة أو موضججوعة‪ ،‬أو‬
‫ل أصججل لهججا‪ ،‬وغيججر ذلججك مججن أقسججام ومسججميات‬
‫الضعيف‪ ،‬فما انبنى على هذا الصنف فهو مججن البججدع‬
‫الحقيقية‪ ،‬أما إن كان ثبوتها أو ضعفها مختلفا ً فيه بين‬
‫العلماء المعتبرين‪ ،‬فالحديث عنها في البدع الضافية‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أدلة معتبرة شرعًا‪:‬‬
‫وهذه ينظر في استدلل المبتدع بها‪ ،‬فإن كان لججه‬
‫نوع شبهة فججي اسججتدلله‪ ،‬كججأن يكجون للبدعججة شججائبة‬
‫تعلق بهججا الججدليل‪ ،‬فهججذا مججن قسججم البججدع الضججافية‪،‬‬
‫وسيأتي بيانه‪..‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫‪- 248 -‬‬
‫وإن كان المستدل بالدليل الشرعي الثابت ل وجه‬
‫لستدلله‪ ،‬ل في نفس المر‪ ،‬ول بحسججب الظججاهر‪ ،‬ل‬
‫في الجملة‪ ،‬ول في التفصججيل‪ ،‬وليسججت هنججاك شججائبة‬
‫تعلق بين الججدليل والبدعجة‪ ،‬ول شججبهة اتصجال بينهمججا‪،‬‬
‫فهذا من قسم البدع الحقيقية‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬
‫ما رواه مسلم فججي مقدمججة صججحيحه عججن سججفيان‬
‫]الثوري رحمه الله[ قججال‪ :‬سججمعت رجل ً سججأل جججابرا ً‬
‫ن لههي‬ ‫ض حههتى يههأذ َ‬ ‫ح الر َ‬ ‫ن أبههر َ‬
‫عن قججوله‪:‬فل ْ‬
‫َ‬
‫كمين‪‬‬ ‫أبي أو َيحك ُ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫حهها ِ‬‫خيُر ال َ‬‫هو َ‬
‫ه لي و ُ‬ ‫م الل ُ‬
‫فقججال جججابر‪ :‬لججم يجيججء تأويججل هججذه‪ ،‬قججال سججفيان‪:‬‬
‫وكججذب‪ .‬فقلنججا لسججفيان‪ :‬ومججا أراد بهججذا؟ فقججال‪ :‬إن‬
‫الرافضة تقول إن عليا ً فججي السججحاب‪ ،‬فل تخججرج مججع‬
‫من خرج من ولججده حججتى ينججادي منججاد ٍ مججن السجماء –‬
‫يريد عليًا‪ -‬أنه ينادي‪ :‬أخرجججوا مجع فلن‪ .‬يقجول جججابر‪:‬‬
‫فذا تأويل هذه الية‪ .‬وكذب‪ ،‬كانت في إخججوة يوسججف‬
‫‪.(2)‬‬
‫‪1‬‬
‫)( يوسف‪.80 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغججوث الجعفججي أبججو‬
‫عبججد اللججه‪ :‬روى عججن أبججي الطفيججل وعكرمججة وعطججاء‬
‫وطاوس‪ ،‬وعنه شعبة والثوري والحسن بن حي وشججريك‪،‬‬
‫كذبه ابن معين وابن القطان وابن مهدي‪ ،‬وقال عنججه أبججو‬
‫حنيفة‪ :‬ما لقيت فيمن لقيججت أكججذب مججن جججابر الجعفججي‪،‬‬
‫وقال عنه الحاكم أبو أحمد‪ :‬ذاهب الحديث‪ ،‬كججان رافضججيا ً‬
‫سبائيا ً من أصحاب عبد الله بن سبأ‪ ،‬وكان يججؤمن برجعججة‬
‫ي‪ ،‬وذكر عن الثوري تأويله لقوله تعالى ‪‬فلن أبرح‬ ‫عل ّ‬
‫الرض ‪ .‬مات سنة ‪128‬هج‪) .‬انظر ترجمته في تهججذيب‬
‫التهججذيب لبججن حجججر‪ ،‬وتججأويله الفاسججد السججاقط لليججة –‬
‫‪- 249 -‬‬
‫فص ٌ‬
‫ل‬
‫قال الله سججبحانه فجي شججأن عيسججى عليججه السججلم ومججن‬
‫ة‬
‫م ً‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ف ً‬ ‫عوهُ َرأ ْ َ‬ ‫ن ات ّب َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫في ُ‬ ‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬‫اتبعه‪َ  :‬‬
‫غههاء‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل اب ْت ِ َ‬ ‫ههه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ههها َ‬ ‫مهها كت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة اب َْتههدَ ُ‬ ‫هَبان ِّيهه ً‬
‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫فآ‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ّ ِ‬‫ق‬ ‫ه‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫وا‬
‫َ ِ‬ ‫ض‬‫ْ‬ ‫ر‬
‫ن ‪.(1)‬‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫آ ِمُنوا من ْهم أ َ‬
‫قو َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ٌ ّ ُ ْ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ثي‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫و‬‫َ ْ َ‬‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ج‬‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫والرهبانية‪ :‬بمعنججى اعججتزال الخلججق فججي السججياحة فججي‬
‫الجبال‪ ،‬وإطراح الدنيا ولذاتها من النسججاء وغيججر ذلججك‪ ،‬ومنججه‬
‫لزوم الصوامع والديارات ‪ -‬على ما كان عليججه أمججر النصججارى‬
‫قبل السلم ‪ -‬مع التزام العبادة‪ ،‬وعلى هذا التفسججير جماعججة‬
‫من المفسرين‪.‬‬
‫غاء‬
‫ويحتمل أن يكون الستثناء في قوله تعالى‪ِ :‬إل ّا اب ْت ِ َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه ‪ ‬متصل ً ومنفص ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫وا ِ‬
‫ض َ‬
‫ر ْ‬
‫ِ‬
‫فإذا بنينا علههى التصههال‪ :‬فكججأنه يقججول‪ :‬مججا كتبناهججا‬
‫عليهم إل على هذا الوجه‪ ،‬الذي هو العمل بها ابتغجاء رضجوان‬
‫الله‪ ،‬فالمعنى أنها مما كتبت عليهججم ‪-‬أي ممججا شججرعت لهججم‪-‬‬
‫ههها‬
‫عاي َت ِ َ‬
‫ر َ‬
‫ق ِ‬
‫حهه ّ‬
‫ها َ‬
‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫ما َر َ‬ ‫لكن بشرط قصد الرضوان‪َ  .‬‬
‫ف َ‬
‫‪ :‬يريد أنهم تركوا رعايتها حين لم يؤمنوا برسول اللججه ‪،‬‬

‫وليس هو بأشنع ما تخرصت به الرافضة‪ ،‬بل لهججم أمثججال‬


‫ذلك وأعظم وأدهى وأمر‪ ،‬وانظر فضائحهم وسوآتهم في‬
‫كتاب‪ :‬أصول وتاريخ الفرق السلمية جمع وترتيب الشيخ‬
‫مصطفى بن محمد ص ‪ -280 : 125‬وكذب الجعفي هذا‬
‫رواه مسلم في مقدمة صحيحه‪ 1/150 :‬ط‪ .‬قرطبججة مججع‬
‫شرح النووي(‪ ،‬وانظر أصججول وتاريججخ الفججرق السججلمية )‬
‫‪.(244 ،172‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الحديد‪.27 :‬‬
‫‪- 250 -‬‬
‫وهو قول طائفة من المفسرين‪ ،‬لن قصد الرضوان إذا كججان‬
‫شرطا ً في العمل بما شرع لهم‪ ،‬فمن حقهجم أن يتبعجوا ذلجك‬
‫القصد‪ ،‬فإلى أين سججار بهججم سججاروا‪ ،‬وإنمججا شججرع لهججم علججى‬
‫شرط أنه إذا ُنسخ بغيججره رجعججوا إلججى مججا ُأحكججم وتركججوا مججا‬
‫ُنسخ‪ ،‬وهجو معنجى ابتغجاء الرضجوان علجى الحقيقجة‪ ،‬فجإذا لجم‬
‫يفعلوا‪ ،‬وأصروا على الول كان ذلججك اتباع جا ً للهججوى ل اتباع جا ً‬
‫للمشروع‪ ،‬واتباع المشروع هججو الججذي يحصججل بججه الرضججوان‪،‬‬
‫وقصد الرضوان بذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬‫هه ْ‬‫جَر ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫هه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫من ُههوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫فآت َي َْنا ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قججال تعججالى‪َ  :‬‬
‫ن ‪ ،‬فالذين آمنوا هم الججذين اتبعججوا‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬
‫فا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وك َِثيٌر ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫الرهبانية ابتغاء رضوان الله‪ ،‬والفاسقون‪ :‬هم الخارجون عججن‬
‫الدخول فيها بشرطها إذ لم يؤمنوا برسول الله ‪.‬‬
‫إل أن هججذا التقريججر يقتضججي‪ :‬أن المشججروع لهججم يسججمى‬
‫ابتداعًا‪ ،‬وهو خلف ما دل عليه َ‬
‫حد ّ البدعة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أنججه يسججمى بدعججة مججن حيججث أخلججوا بشججرط‬
‫شرط عليهم فلم يقوموا به‪ .‬وإذا كانت العبججادة‬ ‫المشروع‪ :‬إذ ُ‬
‫مشروطة بشرط‪ ،‬فيعمل بها دون شججرطها‪ ،‬لججم تكججن عبججادة‬
‫خججل قصججدا ً بشججرط مججن‬‫م ِ‬
‫علججى وجههججا‪ ،‬وصججارت بدعججة‪ ،‬كال ُ‬
‫شروط الصلة‪ ،‬مثل اسججتقبال القبلججة أو الطهججارة أو غيرهججا‪،‬‬
‫فحيث عرف بذلك وعلمججه فلججم يلججتزمه‪ ،‬ودأب علججى الصججلة‬
‫دون شرطها‪ ،‬فذلك العمل مججن قبيججل البججدع‪ ،‬فيكججون ترهّججب‬
‫النصارى صحيحا ً قبل بعث محمد رسول الله ‪ ،‬فلمججا ُبعججث‬
‫وجب الرجوع عن ذلك كله إلى ملته‪ ،‬فالبقاء عليه مع نسخه‬
‫بقاء على ما هو باطل بالشرع‪ ،‬وهو عين البدعة‪.‬‬
‫وإذا بنينا علههى أن السههتثناء منقطههع ‪-‬وهججو قججول‬
‫فريججق مججن المفسججرين‪ -‬فججالمعنى‪ :‬مججا كتبناهججا عليهججم أصج ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ولكنهججم ابتججدعوها ابتغججاء رضججوان اللججه‪ ،‬فلججم يعملججوا بهججا‬
‫بشرطها‪ :‬وهو اليمان برسول اللججه ‪ ،‬إذ بعججث إلججى النججاس‬
‫‪- 251 -‬‬
‫كافة‪ ،‬وإنما سميت بدعة على هذا الوجه لمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يرجع إلى أنها بدعة حقيقية ‪-‬كمججا تقججدم‪-‬‬
‫لنها داخلة تحت حد البدعة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يرجع إلى أنها بدعة إضههافية‪ ،‬لن ظججاهر‬
‫القرآن دل على أنها لم تكن مذمومة في حقهم بإطلق‪ ،‬بججل‬
‫لنهم أخلوا بشرطها‪ ،‬فمن لم يخل منهم بشرطها‪ ،‬وعمل بها‬
‫قبل بعججث النججبي ‪ ‬حصججل لججه فيهججا أجججر‪ ،‬حسججبما دل عليججه‬
‫َ‬
‫م ‪ ،‬أي أن من‬ ‫ه ْ‬
‫جَر ُ‬
‫مأ ْ‬‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫مُنوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫فآت َي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قوله‪َ  :‬‬
‫عمل بها في وقتها‪ ،‬ثم آمن بالنبي ‪ ‬بعد بعثه وّفيناه أجره‪.‬‬
‫وإنما قلنا‪ :‬إنها في هذا الوجه إضججافية‪ ،‬لنهججا لججو كججانت‬
‫حقيقية لخالفوا بها شرعهم الذي كانوا عليه‪ ،‬لن هذا حقيقججة‬
‫البدعة‪ ،‬فلم يكن لهم بها أجر‪ ،‬بججل كججانوا يسججتحقون العقججاب‬
‫لمخالفتهم لوامر الله ونواهيه‪ ،‬فدل على أنهم ربما فعلوا ما‬
‫كانوا جائزا ً لهم فعله‪ ،‬فل تكون بدعتهم حقيقيججة‪ ،‬لكنججه ينظججر‬
‫على أي معنى ُأطلق عليها لفظ البدعة‪ ،‬وسيأتي بعججد ُ بحججول‬
‫الله‪.‬‬
‫وعلى كل تقدير‪ :‬فهذا القول ل يتعلق بهذه المة منججه‬
‫حكم‪ ،‬لنه ُنسخ في شريعتنا‪ ،‬فل رهبانية في السججلم‪ ،‬وقججال‬
‫النبي ‪) :‬من رغب عن سنتي فليس مني()‪.(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم تخريجه ص ‪ ،51‬وأنه رواه الشيخان‪ ،‬ونزيد هنججا‪:‬‬
‫رواه النسججائي فججي المجتججبى )‪ (6/60‬وفججي الكججبرى )‬
‫‪ (5324‬وابن حبان فججي المقدمججة )‪ ،14‬ج ‪ (317‬والججبيهقي‬
‫في السنن )‪ (7/77‬فججي النكججاح‪ ،‬وفججي الشججعب )‪(5477‬‬
‫وأحمد )‪ ،3/241‬ج ‪ ،259‬ج ‪ ،(285‬كلهم مججن حججديث أنججس‪.‬‬
‫ورواه أحمججد )‪ (6477‬وابججن خزيمججة )‪،197‬ج ‪ (2024‬مججن‬
‫حديث عبد اللججه بججن عمججرو‪ .‬ورواه الججدارمي مججن حججديث‬
‫سججعد بججن أبججي وقججاص )‪ .(2/133‬ورواه أحمججد )‪(4/409‬‬
‫‪- 252 -‬‬
‫وخّرج سعيد بججن منصججور‪ ،‬وإسججماعيل القاضججي عججن أبججي‬
‫أمامة الباهلي رضي الله عنججه أنججه قججال‪ :‬أحججدثتم قيججام شججهر‬
‫رمضان ولم يكتب عليكم‪ ،‬إنما كتب عليكم الصججيام‪ ،‬فججدوموا‬
‫علججى القيججام إذ فعلتمججوه ول تججتركوه‪ ،‬فججإن أناس جا ً مججن بنججي‬
‫إسججرائيل ابتججدعوا بججدعا ً ‪-‬لججم يكتبهججا اللججه عليهججم‪ -‬ابتغججوا بهججا‬
‫عوها حق رعايتهججا‪ ،‬فعججاتبهم اللججه بتركهججا‬ ‫رضوان الله‪ ،‬فلم ير َ‬
‫ة‬ ‫ْ‬
‫عههوهُ َرأ َ‬
‫فهه ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫فههي ُ‬ ‫عل َْنهها ِ‬
‫ن ات ّب َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ب الهه ِ‬
‫قلههو ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫فقججال‪َ  :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ها… ‪ ‬الية ‪.‬‬ ‫عو َ‬‫ة اب ْت َدَ ُ‬
‫هَبان ِي ّ ً‬‫وَر ْ‬
‫ة َ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫وَر ْ‬
‫َ‬
‫وهذا القول يقرب من قول بعض المفسججرين فججي قججوله‪:‬‬
‫ها ‪ ‬يريد أنهم قصروا فيها ولججم‬
‫عاي َت ِ َ‬
‫ر َ‬
‫ق ِ‬
‫ح ّ‬
‫ها َ‬
‫و َ‬‫ع ْ‬
‫ما َر َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫يدوموا عليها‪.‬‬
‫قال بعض نقلة التفسير‪ :‬وفي هذا التأويججل لججزوم التمججام‬
‫لكل من بدأ بتطوع ونفل‪ ،‬وأنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه‪.‬‬
‫وهذا القول محتاج إلججى النظججر والتأمججل‪ ،‬إذا بنينججا العمججل‬
‫على وفقه‪ ،‬إذ أكثر العلماء على القول الول‪ ،‬فإن هذه الملة‬
‫ل بدعة فيها‪ ،‬ول تحتمل القول بجواز البتججداع بحججال‪ ،‬للقطججع‬
‫بالدليل أن كل بدعة ضللة ‪-‬حسبما تقججدم‪ -‬فالصججل أن يتبججع‬
‫الدليل‪ ،‬ول عمل على خلفه‪.‬‬
‫ومع ذلك فل نخلي ‪ -‬بحول الله ‪ -‬قول أبججي أمامججة رضججي‬

‫والطحججاوي )‪ (1240 :1238‬والطججبراني فججي الكججبير )‬


‫‪ (2186‬عن مجاهد من حديث رجل من النصار‪ ،‬والبزار‬
‫)‪ 724‬كشف( عججن مجاهججد عججن ابججن عبججاس‪ .‬ورواه عبججد‬
‫الرزاق )‪ (10374‬عن سعيد بن المسيب‪ .‬وعججن الحسججن‬
‫مرسل ً )‪.(20568‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ذكره السيوطي فججي الججدر المنثججور‪ ،‬وعججزاه لعبججد بججن‬
‫حميد وسعيد بن منصور وابن مردويججه وابججن نصججر‪ ،‬وابججن‬
‫جرير! ولم أجده عنده‪.‬‬
‫‪- 253 -‬‬
‫الله عنه من نظر صججحيح علججى وفججق الججدليل الشججرعي‪ ،‬وإن‬
‫كان فيه بعد بالنسبة إلى ظاهر المججر‪ ،‬وذلججك أنججه ع جد ّ عمججل‬
‫عمر رضي اللججه عنججه فججي جمججع النججاس فججي المسجججد علججى‬
‫قاريء واحد في رمضان بدعججة‪ ،‬لقججوله حيججن دخججل المسجججد‬
‫وهججم يصججلون‪" :‬نعمهت البدعههة هههذه ‪ ،‬والهتي ينهامون‬
‫عنها أفضل")‪.(1‬‬
‫وقد مر أنه إنما سماها بدعة باعتبارٍ ما‪ ،‬وأن قيام المججام‬
‫بالناس في المسجججد فججي رمضججان سججنة‪ ،‬عمججل بهججا صججاحب‬
‫السنة رسول الله ‪ ،‬وإنما تركها خوفا ً من الفجتراض‪ ،‬فلمجا‬
‫انقضى زمن الوحي زالت العلة فعاد العمل بهجا إلججى نصججابه‪،‬‬
‫إل أن ذلك لم يتأت لبي بكر رضي اللججه عنججه زمججان خلفتججه‪،‬‬
‫لمعارضة ما هو أولى بالنظر فيه)‪ ،(2‬وكذلك صدر خلفة عمجر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬حتى تأّتى النظر فوقع منججه‪ ،‬لكنججه صججار فججي‬
‫ظاهر المر كجأنه أمجٌر لجم يججر بجه عمجل مجن تقجدمه دائمجًا‪،‬‬
‫فسجماه بجذلك السججم‪ ،‬ل أنججه أمجٌر علججى خلف مجا ثبجت مجن‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سبق تخريجه وبيان معناه‪ ،‬انظر‪ :‬ص ‪.178 ،44 ،40‬‬
‫)( أما خشية النبي ‪ ‬مججن فججرض صججلة النافلججة عليهججم‬ ‫‪2‬‬

‫فتقدم تخريجه ص ‪.178 ،44‬‬


‫وأمججا انشججغال أبججي بكججر رضججي اللججه عنججه فبسججبب قتججاله‬
‫لمجانعي الزكجاة‪ ،‬وحربجه للمرتجدين‪ ،‬وكجانت مجدة خلفتجه‬
‫ليست طويلة فقد بلغت‪ :‬سنتان وثلثة أشهر‪ ،‬لنججه تججولى‬
‫الخلفة عقب وفاة النبي ‪ ‬ليوم الثنين الثاني عشر من‬
‫ربيع الول من السنة الحادية عشر مججن الهجججرة‪ ،‬وتججوفي‬
‫لثمان بقين من جمادى الخرة سججنة ثلث عشججرة‪ ،‬وكججان‬
‫عمره ثلثا ً وستين سنة‪ ،‬للسن الججذي تججوفي فيججه صججاحبه‬
‫وحبيبه وخليله ‪ ،‬وقد جمع الله بينهمججا فججي التربججة كمججا‬
‫جمع بينهما في الحياة‪ ،‬فرضي الله عنه وأرضججاه‪ ،‬وصججلى‬
‫الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫‪- 254 -‬‬
‫فكأن أبا أمامججة رضججي اللججه عنججه‪ ،‬اعتججبر فيججه نظججر تججرك‬
‫العمل به فسماه إحداثًا‪ ،‬موافقججة لتسججمية عمججر رضججي اللججه‬
‫عنه‪ ،‬ثم أمر بالمداومة عليه بناًء على ما فهم من هججذه اليججة‬
‫من أن ترك الرعاية هو ترك دوامهم على التزام عمل ليججس‬
‫بمكتوب بل هو مندوب‪ ،‬فلم يوفوا بمقتضى ما الججتزموه‪ ،‬لن‬
‫الخذ في التطوعات غير اللزمة‪ ،‬ول السنن الراتبة يقع على‬
‫وجهين‪:‬‬
‫أحههدهما‪ :‬أن تؤخههذ علههى أصههلها فيمهها اسههتطاع‬
‫النسان‪ :‬فتارة ينشط لهججا وتجارة ل ينشججط‪ ،‬أو يمكنججه تججارة‬
‫بحسب العادة ول يمكنججه أخججرى لمزاحمججة أشججغال ونحججوه…‬
‫ومججا أشججبه ذلججك‪ ،‬كالرجججل يكججون لججه اليججوم مججا يتصججدق بججه‬
‫فيتصدق‪ ،‬ول يكون له ذلك غدًا‪ ،‬أو يكون له إل أنججه ل ينشججط‬
‫للعطاء‪ ،‬أو يرى إمساكه أصلح في عججادته الجاريججة لججه……أو‬
‫غير ذلك من المور الطارئة للنسان‪.‬‬
‫فهذا الوجه ل حرج على أحد فججي تججرك التطوعججات كلهججا‪،‬‬
‫م لجوم أو عتججب‪ ،‬لجم يكجن تطوعجًا‪،‬‬ ‫ول لوم عليه‪ ،‬إذ لو كان َثج ّ‬
‫وهو خلف الفرض‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تؤخذ مأخذ الملتزمات‪ :‬كالرجججل يتخججذ‬
‫لنفسه وظيفة راتبة من عمل صالح في وقت من الوقات‪.‬‬
‫فهذا الوجه أخججذت فيجه التطوعجات مأخججذ الواجبجات مجن‬
‫وجه‪ ،‬لنه لما نوى الججدؤوب عليهججا فججي السججتطاعة‪ ،‬أشججبهت‬
‫الواجبات والسنن الراتبة‪.‬‬
‫وهذا المعنى هو المفهوم من قوله ‪ ‬في الركعججتين بعججد‬
‫العصر‪ ،‬حين صججلهما فسججئل عنهمججا فقججال‪" :‬يا ابنههة أبههي‬
‫ت عن الركعتين بعد العصر‪ ،‬أتى ناس من‬ ‫أمية‍‪ ،‬سأل ِ‬
‫عبد القيس بالسلم مههن قههومهم‪ ،‬فشههغلوني عههن‬

‫‪- 255 -‬‬


‫الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان")‪ ،(1‬لنه سئل‬
‫عن صلته لهما بعد ما نهى عنهما‪ ،‬فإنه ‪ ‬كان يصليهما بعججد‬
‫الظهججر كالنوافججل الراتبججة‪ ،‬فلمججا فاتتججاه صججلهما بعججد وقتهمججا‬
‫كالقضاء لهما حسبما يقضى الواجب‪.‬‬
‫فصار إذا ً لهذا النوع من التطوع حالة بين حججالتين‪ ،‬إل أنججه‬
‫راجع إلى خيرة المكّلف بحسب مججا فهمنججا مججن الشججرع‪ .‬وإذا‬
‫كان كذلك‪ ،‬فقد فهمنا من مقصود الشرع أيضا ً الخذ بالرفق‬
‫والتيسير‪ ،‬وأن ل يلزم المكلف ما لعله يعجججز عنججه‪ ،‬أو يحججرج‬
‫بالتزامه‪ ،‬فإن ترك اللتزام إن لم يبلغ مبلغ النذر الذي يكججره‬
‫ابتداًء‪ ،‬فهو يقرب من العهد الذي يجعله النسججان بينججه وبيججن‬
‫ربه‪ ،‬والوفاء بالعهد مطلوب فججي الجملججة‪ ،‬فصججار الخلل بججه‬
‫مكروهًا‪.‬‬
‫والدليل على صحة الخذ بالرفق‪ ،‬وأنه الولى والحججرى ‪-‬‬
‫وإن كان الدوام على العمل أيضا ً مطلوبا ً عتيدا ً ‪ -‬في الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ ،1233‬ج ‪ (4370‬ومسلم )‪ (834‬وأبججو‬
‫داود )‪ (1273‬وابن حبججان )‪ (1576‬والججدارمي والججبيهقي‪،‬‬
‫وهي‪ :‬هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر‬
‫بن مخزوم المخزومية‪ ،‬أم سلمة أم المؤمنين‪ ،‬وهي بنت‬
‫عم خالد بن الوليد وأبي جهل بن هشام‪ ،‬كانت من أجمل‬
‫النساء وأشرفهن نسبًا‪ ،‬تزوجها النبي ‪ ‬سنة أربع وقيججل‬
‫ثلث بعججد سججودة وعائشججة‪ ،‬لهججا أولد صججحابيون‪ :‬عمججر‬
‫وسلمة وزينب التي كجانت فجي حججر النجبي ‪ ،‬وأكجثرت‬
‫من الرواية عن النبي‪ ،‬وهي تعد مججن فقهججاء الصججحابيات‪،‬‬
‫وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين‪ ،‬عمججرت حججتى‬
‫بلغها مقتل الحسين الشهيد فوجعت لذلك وغشججي عليهججا‬
‫وحزنت عليه كثيرًا‪ ،‬ولم تلبث بعده إل يسيرًا‪ ،‬ماتت سججنة‬
‫اثنتين وستين رضي الله عنها‪) .‬انظر سير أعلم النبلء(‪.‬‬
‫‪- 256 -‬‬
‫قال الله تعالى فججي صججفة نججبيه ‪: ‬عزيز عليههه مهها‬
‫)‪(1‬‬
‫عنتههم حريههص عليكههم بههالمؤمنين رؤوف رحيههم ‪‬‬
‫وقججال تعججالى‪ :‬يريد اللهه بكهم اليسهر ول يريهد بكهم‬
‫العسههر ‪ (2)‬وقههال‪ :‬يريههد اللههه أن يخفههف عنكههم‬
‫وخلق النسههان ضههعيفا ً ‪ (3)‬وسججمى اللججه تعججالى الخججذ‬
‫بالتشديد على النفس اعتداًء فقال تعالى‪ :‬يا أيها الههذين‬
‫آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ول تعتههدوا‬
‫‪.(4)‬‬
‫ومن الحاديث كثير‪ ،‬كمسألة الوصال‪ ،‬ففي الحديث‪ :‬عن‬
‫عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪" :‬نهههاهم النههبي ‪ ‬عههن‬
‫ة لهم‪ ،‬قالوا‪ :‬إنك تواصههل‪ ،‬قههال‪ :‬إنههي‬ ‫الوصال رحم ً‬
‫منههي‬‫لسههت كهيئتكههم‪ ،‬إنههي أبيههت عنههد ربههي‪ ،‬يطع ُ‬
‫ويسقيني")‪.(5‬‬
‫‪1‬‬
‫)( التوبة‪.128 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البقرة‪.185 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( النساء‪.28 :‬‬
‫‪4‬‬
‫)( المائدة‪.87 :‬‬
‫‪5‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (1964‬ومسلم )‪ (1105‬والبيهقي من‬
‫حججديث عائشججة‪ ،‬ورواه مسججلم )‪ (1103‬عججن أبججي هريججرة‬
‫نحوه‪ ،‬وفيه‪ :‬فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصججال واصججل بهججم‬
‫يومججا ً ثججم يومججًا‪ ،‬ثججم رأوا الهلل‪ ،‬فقججال‪ :‬لججو تججأخر الهلل‬
‫لزدتكم‪ ،‬كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا‪ .‬ورواه البخججاري‬
‫)‪ (1965،6851‬وابجججن حبجججان )‪ (3575‬وعبجججد الجججرزاق )‬
‫‪ (7753‬والججدارمي والججبيهقي كججذلك‪ .‬ورواه البخججاري )‬
‫‪ (1961‬ومسلم )‪ (1104‬وابججن حبججان )‪ (3574‬والججبيهقي‬
‫مججن حججديث أنججس‪ .‬ورواه البخججاري )‪ (1962‬ومسججلم )‬
‫‪ (1102‬وأبو داود )‪ (2360‬مججن حججديث ابججن عمججر ولكنججه‬
‫مختصججر‪ .‬ورواه البخججاري )‪،1963‬جج ‪ (1967‬وأبججو داود )‬
‫‪ (2361‬وابججن حبججان )‪ (3577‬والججدارمي والججبيهقي مججن‬
‫‪- 257 -‬‬
‫ومن ذلك مسألة قيام النجبي ‪ ‬بهججم فججي رمضجان‪ ،‬فجإنه‬
‫تركه مخافة أن يفرض عليهم فيعجزوا عنه‪ ،‬فيقعوا في الثم‬
‫والحرج‪ ،‬فكان ذلك رفقا ً منه بهم‪.‬‬
‫قال القاضي أبججو الطيججب‪ :‬يحتمججل أن يكججون اللججه تعججالى‬
‫أوحى إليه أنه إن واصل هذه الصلة معهم‪ ،‬فرضت عليهم‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها‪" :‬إن كان رسههول‬
‫الله ‪ ‬ليدع العمل‪ ،‬وهو يحب أن يعمههل بهه‪ ،‬خشههية‬
‫أن يعمل به الناس فُيفرض عليهم")‪.(1‬‬
‫ومن ذلك حديث الحولء بنت تويت؛ قالت عائشججة رضججي‬
‫ي رسههول اللههه ‪ ‬وعنههدي امههرأة‬ ‫الله عنها‪" :‬دخل عل ّ‬
‫فقال‪ :‬من هذه؟ فقلت‪ :‬امرأة ل تنام تصلي‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬ل تنام الليههل! خههذوا مههن العمههل مهها تطيقههون‪،‬‬
‫فوالله ل يسأم الله حتى تسأموا")‪.(2‬‬
‫فأعاد لفظ‪ :‬ل تنام‪ ،‬منكرا ً عليها ‪-‬واللججه أعلججم‪ -‬غيججر راض‬
‫فعلها‪ ،‬لما خافه عليها مججن الكلججل والسججآمة‪ ،‬أو تعطيججل حججق‬
‫آكد‪.‬‬
‫ونحوه حديث أنس رضي الله عنه قال‪" :‬دخههل رسههول‬
‫اللههههههههههههههههههههههههه ‪ ‬المسههههههههههههههههههههههههجد‬
‫‪-‬وحبل ممدود بين سارتين‪ -‬فقال‪ :‬ما هههذا؟ قههالوا‪:‬‬
‫حبل لزينب تصلي‪ ،‬فإذا كسههلت أو فههترت أمسههكت‬

‫حديث أبي سعيد الخدري‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪ (1128‬ومسجججلم )‪ (718‬أبجججو داود )‬
‫‪ (1293‬وابن حبان )‪ (313‬ومالك في الموطأ‪ ،‬في صججلة‬
‫الضحى‪ ،‬وأحمد )‪ (6/178‬والبيهقي )‪.(3/50‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (785‬والنسائي )‪ (3/218‬وابن حبججان )‬
‫‪،359‬جج ‪ (2586‬وأحمد )‪ (6/247‬وعبد الججرزاق )‪(20566‬‬
‫والطبراني في الكبير )‪ (564‬والبيهقي )‪.(3/17‬‬
‫‪- 258 -‬‬
‫به‪ ،‬فقال‪ :‬حّلوه‪ ،‬ليصل أحدكم نشاطه‪ ،‬فههإذا كسههل‬
‫أو فتر قعد")‪.(1‬‬
‫وعن عبد الله بججن عمججرو رضججي اللججه عنهم جا قججال‪" :‬بلغ‬
‫النههبي ‪ ‬أنههي أصههوم أسههرد‪ ،‬وأصههلي الليههل‪ ،‬فإمهها‬
‫ي‪ ،‬وإما لقيته‪ :‬فقال‪ :‬ألم ُأخَبر أنك تصههوم‬ ‫أرسل إل ّ‬
‫ل تفطههر‪ ،‬وتصههلي الليههل؟ فل تفعههل‪ ،‬فههإن لعينههك‬
‫حظًا‪ ،‬ولنفسك حظًا‪ ،‬ولهلههك حظهًا‪ ،‬فصههم وأفطههر‬
‫وصل ونم …" الحديث)‪.(2‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال‪" :‬جاء ثلثة رهههط إلههى‬
‫بيوت أزواج النبي ‪ ‬يسألون عن عبههادة النههبي ‪،‬‬
‫فلما أخبروا كأنهم تقاّلوها‪ .‬فقالوا‪ :‬وأين نحن مههن‬
‫النبي ‪‬؟ وقد غفر الله له ما تقدم مههن ذنبههه ومهها‬
‫تأخر‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬أما أنا فإني أصلي الليل أبههدًا‪،‬‬
‫وقال الخههر‪ :‬إنههي أصههوم الههدهر ول أفطههر‪ ،‬وقههال‬
‫الخههر‪ :‬إنههي أعههتزل النسههاء فل أتههزوج أبههدًا‪ ،‬فجههاء‬
‫رسول الله ‪ ‬فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم كههذا وكههذا؟!‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (1150‬ومسججلم )‪ (784‬وأبججو داود )‬
‫‪ (1312‬والنسائي في المجتبى )‪ (3/218‬وفي الكججبرى )‬
‫‪ (1306‬وابن ماجة )‪ (1371‬وابن خزيمججة )‪ (1180‬وابججن‬
‫حبان )‪ (2492‬وأحمد )‪ (3/101‬والطبراني فججي الوسججط‬
‫)‪ ،(8890‬وانظر الختلف في الفتججح‪ ،‬هججل هججي زينججب أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬أم أختها حمنة بنت جحش‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪ (1980 :1975‬ومسجججلم )‪(1159‬‬
‫والنسائي في المجتججبى )‪ (217 :4/209‬وفججي الكججبرى )‬
‫‪ (2698‬وابججن حبججان )‪ (3638‬والججبزار )‪،2341‬جج ‪2346‬‬
‫البحر الزخار( والججبيهقي فججي السججنن فججي الصججيام‪ ،‬وفججي‬
‫الشجججعب )‪ (3878‬والطجججبراني فجججي الوسجججط )‪(8997‬‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫‪- 259 -‬‬
‫أمهها واللههه إنههي لخشههاكم للههه وأتقههاكم لههه‪ ،‬لكنههي‬
‫أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني")‪.(1‬‬
‫والحاديث في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬وهي بجملتها تدل على‬
‫الخذ في التسهيل والتيسير‪ ،‬وإنما يتصور ذلججك علججى الججوجه‬
‫الول من عدم اللتزام‪ ،‬وإن تصور مع اللتزام فعلى جهة مججا‬
‫ل يشق الدوام فيه حسبما نفسره الن‪.‬‬
‫فأما إن التزم أحد ذلك التزامًا‪ ،‬فعلى وجهين‪:‬‬
‫إما على جهة النذر‪ ،‬وذلك مكروه ابتداًء‪:‬‬
‫أل ترى إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال‪" :‬أخذ‬
‫رسول الله ‪ ‬يوما ً ينهانا عن النههذر‪ ،‬يقههول‪ :‬إنههه ل‬
‫يردّ شيئًا‪ ،‬وإنما يستخرج بههه مههن الشههحيح")‪ .(2‬وإنمججا‬
‫ورد هذا الحديث –والله أعلم‪ -‬تنبيًها علججى عججادة العججرب فججى‬
‫ى صججوم كججذا‪ ،‬وإن‬ ‫أنها كانت تنذر‪ ،‬إن شفى الله مريضى فعل ّ‬
‫ى صججدقة كججذا‪ ،‬فيقججول ل‬ ‫قدم غائبى‪ ،‬أو إن أغنانى اللججه فعل ج ّ‬
‫در اللججه لججه الصججحة‪ ،‬أو‬‫يغنى من قدر اللججه شججيًئا‪ ،‬بججل مججن قج ّ‬
‫المرض‪ ،‬أو الغنى أو الفقججر‪ ،‬أو غيجر ذلججك‪ ،‬فالنجذر لجم يوضجع‬
‫سبًبا لذلك‪ ،‬كما وضعت صلة الرحججم سججبًبا فججى الزيججادة فججى‬
‫العمر مثل ً على الوجه الذى ذكره العلماء‪ ،‬بججل النججذر وعججدمه‬
‫فى ذلك سواء‪ ،‬ولكن الله يستخرج به مججن البخيججل بشججرعية‬
‫الوفاء به لقوله تعالى‪ :‬وأفوا بعهههد اللههه إذا عاهههدتم‬
‫‪ () 1‬تقدم قريبًا‪.‬‬
‫‪ () 2‬رواه البخاري )‪ ،6608‬ج ‪ (6692‬ومسلم )‪ (1639‬وأبججو‬
‫داود )‪ (3287‬والترمذي )‪ (2087‬والنسائي في المجتججبى‬
‫)‪ (7/16‬وفي الكبرى )‪ (4744‬والدارمي )‪ (2/185‬وعبججد‬
‫الرزاق )‪ (15846‬والبيهقي في السنن في النجذور‪ ،‬وفجي‬
‫الشعب )‪ .(4350‬ورواه الشيخان بنحوه من حججديث أبججي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫‪- 260 -‬‬
‫‪ (1)‬وقوله ‪) :‬من نذر أن يطيع الله فليطعه()‪ (2‬وبه‬
‫قال جماعة من العلماء كمالك والشافعى‪.‬‬
‫ووجه النهي‪ :‬أنججه مجن بججاب التشججديد علججى النفججس‪ ،‬وهججو‬
‫الذي تقدم الستشهاد على كراهته‪.‬‬
‫وإما على جهة اللتزام غير النذري‪ ،‬فكأنه نوع من‬
‫الوعد‪ ،‬والوفاء بالعهد مطلوب‪ ،‬فكأنه أوجب علججى نفسججه مججا‬
‫لم يوجبه عليه الشرع‪ ،‬فهو تشديد أيضًا‪ ،‬وعليه يأتي ما تقدم‬
‫من حديث الثلثة الذين أتججوا يسججألون عججن عبججادة النججبي ‪:‬‬
‫لقولهم‪ :‬أين نحن من النبي ‪‬؟…إلخ‪ ،‬وقال أحدهم‪ :‬أمججا أنججا‬
‫فأفعل كذا… إلخ‪.‬‬
‫ونحوه وقع في بعججض الروايججات‪" :‬أن رسول اللههه ‪‬‬
‫ُأخبر أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول‪:‬‬
‫لقومن الليل ولصومن النهار ما عشههت")‪ ،(3‬وليججس‬
‫صم من الشهر‬ ‫بمعنى النذر‪ ،‬إذ لو كان كذلك لم يقل له‪ُ " :‬‬
‫ف بنججذرك‪ ،‬لنججه ‪‬‬
‫ثلثة أيام‪ ،‬صههم كههذا"‪ ،‬ولقججال لججه‪ :‬أو ِ‬
‫)‪(4‬‬
‫قال‪" :‬من نذر أن يطيع الله فليطعه" ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( النحل‪.91 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( صججحيح أخرجججه البخججارى فججى كتججاب "اليمججان" بججاب‬
‫"النججذور فججى الطاعججة" )‪/11‬حججديث )‪ (6696‬ص‪(584:‬‬
‫ومالك فى الموطأ كتججاب "النججذور واليمججان" بججاب "مججا ل‬
‫يجوز مججن النججذور" )‪ (2/476‬كلهمججا مججن حججديث عائشججة‬
‫رضى الله عنها‪.‬‬
‫)( تقدم قريبًا‪ ،‬وهذه رواية النسائي‪ ،‬وابججن حبججان )‪(352‬‬ ‫‪3‬‬

‫وأوسط الطبراني )‪.(3859‬‬


‫‪4‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (6696‬وأبججو داود )‪ (3289‬والنسججائي‬
‫في المجتبى )‪ (7/17‬وفي الكبرى )‪ (4748‬وابن ماجججة )‬
‫‪ (2126‬والترمجججذي )‪ (1526‬والجججدارمي )‪ (2/184‬وابجججن‬
‫خزيمة )‪ (2241‬وابن حبان )‪ (4389‬والبيهقي في السنن‬
‫‪- 261 -‬‬
‫فأما اللتزام بالمعنى النذري فل بد مججن الوفججاء بججه‬
‫وجوبا ً ل ندبا ً ‪-‬على ما قاله العلماء‪ -‬وجاء في الكتاب والسجنة‬
‫ما يدل عليه‪ ،‬وهو مذكور في كتب الفقه‪ ،‬فل نطيل به‪.‬‬
‫وأما المعنى الثاني‪ ،‬فالدلججة تقتضججي الوفججاء بججه فججي‬
‫الجملة‪ ،‬ولكن ل تبلغ مبلغ اليجججاب وإن بلغججت مبلججغ العتججاب‬
‫على الترك ‪-‬حسبما دلت عليه الدلججة فججي مأخججذ أبججي أمامججة‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬للقيام في المسجد جماعة‪ -‬كان ذلك بصورة‬
‫النوافل الراتبة المقتضية للدوام في القصججد الول‪ ،‬فججأمرهم‬
‫ف بعهججده فيصججير‬ ‫بالدوام حتى ل يكونوا كمن عاهد ثم لم يججو ِ‬
‫معاتبًا‪ ،‬لكن هذا القسم على وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن يكون في نفسه مما ل يطاق‪ ،‬أو ممججا‬
‫فيه حرج أو مشقة فادحة‪ ،‬أو يؤدي إلى تضييع ما هججو أولججى‪،‬‬
‫فهذه هي الرهبانية الججتي قججال فيهججا النججبي ‪" :‬من رغههب‬
‫عن سنتي فليههس منههي"‪ ،‬وسججيأتي الكلم فججي ذلججك إن‬
‫شاء الله‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن ل يكون في الدخول فيه مشججقة ول‬
‫حرج‪ ،‬ولكنه عند الدوام عليه تلحق بسببه المشججقة والحججرج‪،‬‬
‫أو تضييع ما هو آكد‪ ،‬فهاهنججا أيض جا ً يقججع النهججي ابتججداًء‪ ،‬وعليججه‬
‫دلت الدلة المتقدمة‪ .‬وجاء في بعض روايات مسلم تفسججير‬
‫ي‪ ،‬وقججال لججي النججبي ‪:‬‬ ‫دد علج ّ‬ ‫تف ُ‬
‫ش ّ‬ ‫دد ُ‬
‫ذلك‪ ،‬حيث قال‪ :‬فش ّ‬
‫مر"‪.‬‬ ‫ع ُ‬
‫"إنك ل تدري لعلك يطول بك ُ‬
‫فتأملوا! كيف اعتبر في التزام ما ل يلزم ابتداًء‪ ،‬أن يكون‬
‫بحيث ل يشق الدوام عليه إلى الموت!‪‍ .‬‬
‫ت إلههى الههذي قههال رسههول اللههه ‪،‬‬
‫"قال‪ :‬فصر ُ‬
‫)‪ ،(9/231‬وفي الشعب )‪ (4349‬والطبراني في الوسط‬
‫)‪ (6364‬ومالججك فججي الموطججأ فججي النججذور‪ ،‬والشججافعي )‬
‫‪ (2/74‬وأحمد )‪ (6/36‬من حديث عائشة‪.‬‬
‫‪- 262 -‬‬
‫ة نههبي اللههه‬
‫فلمهها كههبرت وِددت أننههي قبلههت رخصهه َ‬
‫‪.(1)"‬‬
‫وعلى ذلك المعنى ينبغي أن ُيحمل قججوله ‪ ‬فججي حججديث‬
‫أبي قتادة رضججي اللججه عنججه‪" :‬كيف بمههن يصههوم يههومين‬
‫ويفطر يومًا؟ قال‪ :‬ويطيق أحد ذلك؟‪ ،‬ثم قال فههي‬
‫صوم يوم وإفطار يوم‪ :‬وددت أني طُ ه ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫وقت ذلههك"‬
‫فمعناه ‪-‬والله أعلم‪ -‬وددت أني طوقت الدوام عليه‪ ،‬وإل فقد‬
‫كان يواصل الصيام ويقول‪" :‬إني لست كهيئتكههم ‪ ،‬إنههي‬
‫أبيت عند ربي ه يطعمني ويسقيني"‪.‬‬
‫وفي الصحيح‪" :‬كان يصوم حتى نقههول‪ :‬ل يفطههر‪،‬‬
‫ويفطر حتى نقول‪ :‬ل يصوم")‪.(3‬‬

‫فصل‬
‫إذا ثبت هذا‪ ،‬فالدخول في عمل على نية اللتزام لججه‪ :‬إن‬
‫‪1‬‬
‫)( هذا والذي قبله جزء من حججديث عبجد اللجه بجن عمججرو‬
‫المتقدم تخريجه قريبًا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (1162‬وابن خزيمة )‪ (2111‬وأبججو داود‬
‫)‪ (2425‬وابن ماجة )‪.(1713‬‬
‫‪3‬‬
‫)( رواه من حديث عائشة‪ :‬البخججاري )‪ (1969‬ومسججلم )‬
‫‪ (1156‬وأبو داود )‪ (2434‬وابن ماجة )‪ (1710‬والنسائي‬
‫)‪ (4/199‬وفججي الكججبرى )‪ (2487‬وابججن خزيمججة )‪(1163‬‬
‫وابججن حبججان )‪ (3637‬وعبججد الججرزاق )‪ (7859‬وابججن أبججي‬
‫شيبة والحاكم والبيهقي‪ .‬ورواه مججن حججديث ابججن عبججاس‪:‬‬
‫البخاري )‪ (1971‬أبو داود )‪ :2430‬صحيح( وابجن ماجججة )‬
‫‪ (1711‬والنسائي )‪ (4/199‬وفي الكججبرى )‪ (2655‬وابججن‬
‫أبي شيبة والحاكم والبيهقي‪ .‬ورواه البخاري )‪ (1972‬من‬
‫حديث أنس‪.‬‬
‫‪- 263 -‬‬
‫كان في المعتججاد بحيججث إذا داوم عليججه أورث مل ً‬
‫ل‪ ،‬ينبغججي أن‬
‫يعتقد أن هذا اللتزام مكججروه ابتججداًء‪ ،‬إذ هججو مججؤد إلججى أمججور‬
‫جميعها منهي عنه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن الله ورسههوله أهههدى فههي هههذا الههدين‬
‫التسهيل والتيسير‪ :‬وهججذا الملججتزم يشججبه مججن لججم يقبججل‬
‫دهججا علججى مهججديها‪ ،‬وهججو غيججر لئق‬ ‫هججديته‪ ،‬وذلججك يضججاهي ر ّ‬
‫بالمملوك مع سيده‪ ،‬فكيف يليق بالعبد مع ربه؟!‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬خوف التقصير أو العجز عن القيام بما‬
‫هو أولى وآكد فههي الشههرع‪ :‬وقججال ‪ ‬إخبججارا ً عججن داود‬
‫عليه السلم‪" :‬إنه كان يصوم يومها ً ويفطهر يومهًا‪ ،‬ول‬
‫فّر إذا لقى")‪ ،(1‬تنبيها ً على أنه لججم يضججعفه الصججيام عججن‬
‫يَ ِ‬
‫لقاء العدو فيفججر ويججترك الجهججاد فججي مججواطن تكبججده بسججبب‬
‫ضعفه‪.‬‬
‫وقيل لعبد الله بجن مسجعود رضجي اللجه عنجه‪ :‬إنجك لتقجل‬
‫الصججوم! فقججال‪ :‬إنججه يشججغلني عججن قججراءة القججرآن‪ ،‬وقججراءة‬
‫ي منه‪.‬‬ ‫القرآن أحب إل ّ‬
‫ولذلك كجره مالجك إحيجاء الليجل كلجه‪ ،‬وقجال‪ :‬لعلجه يصجبح‬
‫مغلوبًا‪ ،‬وفي رسول الله ‪ ‬أسوة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل بأس به ما لججم‬
‫يضر بصلة الصبح‪.‬‬
‫وقد جاء في صيام يوم عرفة "أنهه يكفهر سهنتين")‪،(2‬‬
‫ثم إن الفطار فيججه للحججاج أفضججل‪ ،‬لنججه قججوة علججى الوقججوف‬
‫)( وهو من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبًا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫)( رواه من حديث أبي قتادة‪ :‬مسلم )‪ (1162‬والترمذي‬
‫)‪ (749‬والنسججائي فججي الكججبرى )‪ (2806‬وابججن ماجججة )‬
‫‪ (1730‬وابججن خزيمججة )‪ (2087‬وعبججد الججرزاق )‪(7828‬‬
‫والبيهقي وابن ابي شيبة والحججاكم‪ .‬وانظججر مججا قججاله ابججن‬
‫وي للدعاء لهذا اليوم للحاج )‪.(8/369‬‬ ‫حبان في التق ّ‬
‫‪- 264 -‬‬
‫والدعاء‪ ،‬ولبن وهب في ذلك حكاية‪ ،‬وقد جاء فججي الحججديث‪:‬‬
‫وارك عليههك حقههًا‪،‬‬ ‫"إن لهلههك عليههك حقههًا‪ ،‬ولههز ّ‬
‫ولنفسك عليك حقًا")‪ ،(1‬فإذا انقطع إلى عبججادة ل تلزمججه‬
‫فججي الصججل‪ ،‬فربمججا أخججل بشججيء مججن هججذه الحقججوق‪ .‬وهججذا‬
‫الحديث قد جمع التنبيه على حق الهل بججالوطء والسججتمتاع‪،‬‬
‫ومججا يرجججع إليججه‪ ،‬والضججيف بالخدمججة والتججأنيس والمؤاكلججة‬
‫وغيرها‪ ،‬والولد يالقيام عليهم بالكتساب والخدمة‪ ،‬والنفججس‬
‫بترك إدخال المشقات عليها‪ ،‬وحق الرب سججبحانه بجميججع مججا‬
‫تقججدم‪ ،‬وبوظججائف أخججر‪ ،‬فججرائض ونوافججل آكججد ممججا هججو فيججه‪،‬‬
‫والواجب أن يعطى لكل ذى حق حقه‪.‬‬
‫والثههالث‪ :‬خههوف كراهيههة النفههس لههذلك العمههل‬
‫الملتزم‪ :‬لنه قد فرض من جنججس مججا يشججق الججدوام عليججه‪،‬‬
‫فتدخل المشقة بحيث ل يقرب من وقت العمججل إل والنفججس‬
‫تشمئز منه‪ ،‬وتود لو لم تعمل‪ ،‬أو تتمنى لو لم تلتزم‪.‬‬
‫خّرج مسلم عن سعيد بن أبي بردة عججن أبيججه عججن جججده‪:‬‬
‫أن النججبي ‪ ‬بعثججه ومعججاذا ً إلججى اليمججن‪ ،‬فقججال‪" :‬بشرا ول‬
‫تنفرا‪ ،‬ويسرا ول تعسرا‪ ،‬وتطاوعا ول تختلفا")‪.(2‬‬

‫)( وهو من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم قريبا ً عنججد‬ ‫‪1‬‬

‫الشججيخين وغيرهمججا‪ ،‬وجججاء مثججل هججذا القججدر الججذي ذكججره‬


‫المصججنف مججن حججديث سججلمان مججع أبججي الججدرداء‪ :‬رواه‬
‫البخجججاري )‪ (1968‬والترمجججذي )‪ (2413‬وابجججن خزيمجججة )‬
‫‪ (2144‬مججن حججديث أبججي جحيفججة‪ .‬وقججد روي مججن قصججة‬
‫عثمان بن مظغون‪ :‬رواه أبججو داود )‪ :1369‬صججحيح( مججن‬
‫حديث عائشة‪ ،‬وابن حبان )‪ (316‬من حديث أبي موسى‪،‬‬
‫والدارمي )‪ (2/133‬من حديث سعد بن أبي وقاص‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (3038‬ومسلم )‪ (1733‬وابن حبججان )‬
‫‪ (5373‬وأبو عوانة )‪ (6559‬وعبججد الججرزاق )‪ (5959‬مججن‬
‫طريق أبي بردة‪ :‬وهججو ابججن أبججي موسججى الشججعري‪ ،‬روى‬
‫‪- 265 -‬‬
‫وعنجججه‪" :‬أن النههبي ‪ ‬كههان إذا بعههث أحههدا ً مههن‬
‫أصحابه في بعههض أمههره قههال‪ :‬بشههروا ول تنفههروا‪،‬‬
‫ويسههروا ول تعسههروا")‪ ،(1‬وعججن بريججدة السججلمي‪" :‬أن‬
‫النبي ‪ ‬رأى رجل ً يصلي‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ فقلههت‪:‬‬
‫هذا فلن‪ ،‬فذكرت مههن عبههادته وصههلته‪ ،‬فقههال‪ :‬إن‬
‫خير ديِنكم أيسُره")‪.(2‬‬
‫وهذا يشعر بعدم الرضا بتلك الحالججة‪ ،‬وإنمججا ذلججك مخافججة‬
‫الكراهيججة للعمججل‪ ،‬وكراهيججة العمججل مظنججة للججترك الججذي هججو‬
‫عن أبيه‪ ،‬ورواه الدارمي )‪ (1/73‬مججن حججديث ابججن عمججر‪:‬‬
‫أرسل رسول الله ‪ ‬معاذا ً وأبا موسى إلى اليمن‪...‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (1732‬من حججديث أبججي موسججى‪ ،‬ورواه‬
‫بنحوه هو )‪ (1734‬والبخاري )‪ (69‬والنسائي في الكججبرى‬
‫)‪ (5890‬من حديث أنس‪ ،‬ونحوه عند ابن أبي شججيبة مججن‬
‫حديث ابن عباس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ضعيف السناد‪ :‬فيه رجاء بن أبججي رجججاء مجهججول‬
‫الحال‪ ،‬رواه أحمججد )‪ (4/338‬والبخججاري فججي كتججابه الدب‬
‫المفرد )‪ ،(341‬وحسنه اللباني في تخريج الدب المفرد‪،‬‬
‫وكذلك في الصججحيحة )‪ ،(1635‬وضججعفه محققججوا مسججند‬
‫الرسالة )‪ – 31/313‬ح ‪ (18976‬لجهالججة رجججاء‪ ،‬وقججالوا‪:‬‬
‫وقججوله‪" :‬إن خيججر دينكججم أيسججره" حسججن لغيججره‪ .‬يعنججي‬
‫لشواهده‪ .‬وعند أحمد شاهد لهذه الجملة من حديث أبججي‬
‫قتادة عن العرابي )‪ (3/479‬وصججحح إسججناده ابججن حجججر‬
‫في الفتح‪ :‬اليمان‪ ،‬باب الدين يسر‪ ،‬وعند الطججبراني فججي‬
‫الصججغير )‪ (1068‬مججن حججديث أنججس‪ .‬وكججرر هججذه الجملججة‬
‫مرتين في الدب وعند أحمد‪ ،‬وعنده‪ :‬فأثنيت عليه خيججرًا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اسكت ل تسمعه فتهلكه‪ ،‬ثم ذكججر الحججديث‪ .‬وعنججد‬
‫البخاري‪ :‬فأخذت أطريه‪ ،..‬والحديث رواه أيضا ً الطججبراني‬
‫فججي الكججبير )‪/20‬ح ‪ ،( 705‬ورواه مججن طريججق أخججرى )‬
‫‪/18‬ح ‪ ،(573‬وانظر‪ :‬مجمع الزوائد )‪.(3/308 ،1/61‬‬
‫‪- 266 -‬‬
‫مكروه لمن ألزم نفسه‪ ،‬لجل نقض العهد‪.‬‬
‫وههو الهوجه الرابهع‪ :‬وهججو الججذي دل عليججه قججول اللججه‬
‫ههها ‪ ‬علججى التفسججير‬ ‫عاي َت ِ َ‬
‫ر َ‬
‫ق ِ‬
‫حه ّ‬
‫ههها َ‬
‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫مهها َر َ‬ ‫تعججالى‪َ  :‬‬
‫ف َ‬
‫المذكور‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬الخوف من الدخول تحههت الغلههو فههي‬
‫الدين‪ :‬فإن الغلو هو المبالغة في المر‪ ،‬ومجاوزة الحد فيججه‬
‫بل‬ ‫إلى حيز السراف‪ ،‬قال الله عز وجل‪ :‬يا أه َ‬
‫ل الكتا ِ‬
‫غلوا في ديِنكم ‪.(1)‬‬‫تَ ْ‬
‫وعن ابججن عبججاس رضججي اللججه عنهمججا‪ ،‬قججال‪" :‬قال لههي‬
‫رسول الله ‪ ،‬غداة العقبة‪ :‬اجمع لي حصيات مههن‬
‫حصى الحذف‪ ،‬فلما وضعتهن في يده قال‪ :‬بأمثههال‬
‫هؤلء‪ ،‬بأمثال هؤلء‪ ،‬إياكم والغلو في الدين‪ ،‬فإنما‬
‫هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين")‪.(2‬‬
‫والدلة في هذا المعنى كجثيرة‪ ،‬جميعهجا راججع إلجى أنجه ل‬
‫حرج في الدين‪ ،‬والحرج كما ينطلججق)‪ (3‬علججى الحججرج الحججالي‬
‫‪-‬كالشروع في عبادة شاقة في نفسججها‪ -‬كججذلك ينطلججق علججى‬
‫الحرج المآلي إذ كان الحرج لزما ً مع الدوام‪ ،‬كقصة عبد الله‬
‫بن عمرو رضي الله عنهما‪ ،‬وغير ذلك ‪ -‬ممججا تقججدم ‪ -‬مججع أن‬
‫الدوام مطلوب حسبما اقتضاه قول أبججي أمامججة رضججي اللججه‬
‫ههها ‪،‬‬‫عاي َت ِ َ‬
‫ر َ‬
‫ق ِ‬
‫حه ّ‬
‫ها َ‬
‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫ما َر َ‬ ‫عنججه فججي قججوله تعججالى‪َ  :‬‬
‫ف َ‬
‫‪1‬‬
‫)( المائدة‪.77 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( صحيح‪ :‬رواه النسائي )‪ (5/268‬وابن ماجة )‪(3029‬‬
‫وأحمد )‪ (1/215‬وابن حبان )‪ (3871‬والججبيهقي )‪(5/127‬‬
‫والحججاكم )‪ (1/446‬وابججن خزيمججة )‪ (2867‬وأبججو يعلججى )‬
‫‪ (2427‬والطججبراني فججي الكججبير )‪ ،(12747‬ورواه فججي‬
‫الوسط )‪ (2210‬من حديث ابن عباس عن الفضل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( كذا فى الصل‪ ،‬ولعلها‪" :‬يطلق" أو "ينطبق"‪.‬‬
‫‪- 267 -‬‬
‫وقججوله ‪" :‬أحههب العمههل إلههى اللههه مهها داوم عليههه‬
‫صهاحبه وإن قهل")‪ (1‬فلججذلك "كهان ‪ ‬إذا عمهل عمل ً‬
‫أثبته")‪ ،(2‬حتى قضججى ركعججتى مجا بيججن الظهججر والعصججر بعججد‬
‫العصر)‪.(3‬‬
‫فالحاصل أن هذا القسم‪ ،‬الذي هججو مظنججة للمشججقة عنججد‬
‫الدوام‪ ،‬مطلوب الترك لعلة أكثرية‪ ،‬ففهججم عنججد تقريججره أنهججا‬
‫إذا فقدت‪ ،‬زال طلب الترك‪ ،‬وإذا ارتفججع طلججب الججترك‪ ،‬رجججع‬
‫إلى أصل العمل‪ ،‬وهو طلب الفعل‪.‬‬
‫فالداخل فيه على التزام شرطه‪ ،‬داخل في مكروه ابتداءً‬
‫من وجه‪ ،‬لمكان عدم الوفاء بالشججرط‪ ،‬وفجي المنجدوب إليجه‬
‫حمل ً على ظاهر العزيمججة علججى الوفججاء‪ ،‬فمججن حيججث النججدب‪:‬‬
‫أمره الشارع بالوفاء‪ ،‬ومن حيث الكراهية‪ :‬كره له أن يججدخل‬
‫فيه‪.‬‬
‫وحيجن صجارت الكراهجة هجي المقدمججة‪ ،‬كجان دخجوله فجي‬
‫العمل لقصد القربة يشبه الججدخول فيججه بغيججر أمججر‪ ،‬فأشههبه‬
‫المبتدع الداخل فههي عبههادة غيههر مههأمور بههها‪ ،‬فقههد‬
‫يستسهل بهههذا العتبههار إطلق البدعههة عليههها كمهها‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (783‬وأبججو داود )‪ (1368‬وابججن حبججان )‬
‫‪ (2444‬والنسائي )‪ (3/222‬وفي الكججبرى )‪ ،(838‬ورواه‬
‫البخجججاري )‪ (6097‬والترمجججذي )‪ (2856‬وابجججن خزيمجججة )‬
‫‪ (1283‬كلهججم مججن حججديث عائشججة‪ ،‬وفججي بعججض هججذه‬
‫الروايات‪ :‬أحب العمل إلى الله‪ ،‬وفي بعضها‪ :‬إلى رسججول‬
‫الله‪ ،‬وفي بعضها الجمع بيججن دوام العمججل وإن قججل وبيججن‬
‫إثبججاته‪ .‬ورواه النسججائي )‪ (3/222‬وفججي الكججبرى )‪(1359‬‬
‫مججن حججديث أم سججلمة‪ ،‬ورواه ابججن ماجججة )‪ (4240‬مججن‬
‫حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر تخريجه في الذي قبله‪.‬‬
‫)( تقدم تخريجه قريبًا‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 268 -‬‬


‫استسهله أبو أمامة رضي الله عنه‪.‬‬
‫ومن حيث كان العمل مأمورا ً به ابتججداًء قبججل النظججر فججي‬
‫المآل‪ ،‬أو مع قطع النظر عن المشقة‪ ،‬أو مججع اعتقججاد الوفججاء‬
‫بالشرط‪ ،‬أشبه صاحبه من دخل في نافلة قصدا ً للتعبججد بهججا‪،‬‬
‫وذلك صحيح جارٍ على مقتضى أدلة الندب‪ ،‬ولججذلك ُأمججر بعججد‬
‫الدخول فيه بالوفاء‪ ،‬كان نذرًا‪ ،‬أو التزام جا ً بججالقلب غيججر نججذر‪،‬‬
‫ولو كان بدعة داخلة في حد البدعة‪ ،‬لم يؤمر بالوفاء‪ ،‬ولكججان‬
‫عمله باط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأيضا ً فإذا كان الداخل مأمورا ً بالدوام‪ ،‬لزم من ذلججك أن‬
‫يكون الدخول طاعة بل ل بد‪ ،‬لن المباح ‪-‬فضل ً عن المكروه‬
‫والمحرم‪ -‬ل يؤمر بالدوام عليه‪ ،‬ول نظير لذلك في الشريعة‪،‬‬
‫وعليجججه يجججدل قجججوله ‪" :‬مهههن نهههذر أن يطيهههع اللهههه‬
‫فليطعه")‪ ،(1‬ولن اللججه مججدح مججن أوفججى بنججذره فججي قججوله‬
‫ر ‪ (2)‬في معججرض المججدح وترتججب‬ ‫ن بالن ّذْ ِ‬
‫سبحانه‪ُ :‬يوفو َ‬
‫الجزاء الحسن‪.‬‬
‫وفي آية الحديد‪ :‬فآتينا الذين آمنوا منهم أجَرهم‬
‫‪ ،(3)‬ول يكون الجر إل على مطلوب شرعًا‪.‬‬
‫فتأملوا هذا المعنى! فهو الذي يجري عليه عمججل السججلف‬
‫الصالح رضي الله عنهم بمقتضى الدلة‪ ،‬وبججه يرتفججع إشججكال‬
‫التعارض الظاهر لبادي الرأي‪ ،‬حتى تنتظم اليات والحججاديث‬
‫سَير من تقدم‪ ،‬والحمد لله‪.‬‬
‫و ِ‬
‫غير أنه يبقى بعدها إشكالن قوّيان‪ ،‬وبالنظر في الججواب‬
‫عنهما ينتظم معنججى المسججألة علججى تمججامه‪ ،‬فنعقججد فججي كججل‬
‫إشكال فص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تقدم تخريجه في هذا الباب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النسان‪.7 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الحديد‪.27 :‬‬
‫‪- 269 -‬‬
‫فصل‬
‫‪ ‬الشكال الول‪:‬‬
‫إن ما تقدم من الدلة على كراهية اللتزامات التي يشق‬
‫دوامها معارض بما دل على خلفه‪:‬‬
‫فقججد "كههان رسههول اللههه ‪ ‬يقههوم حههتى تههورمت‬
‫قدماه‪ ،‬فيقال له‪ :‬أو ليس قد غفر الله لك ما تقدم‬
‫مههن ذنبههك ومهها تههأخر؟ فيقههول‪ :‬أفل أكههون عبههدا ً‬
‫شكورًا"‪.‬‬
‫"ويظل اليوم الطويل في الحر الشديد صائمًا"‪.‬‬
‫"وكان ‪ ‬يواصل الصيام ويبيت عند ربه يطعمههه‬
‫ويسقيه")‪ (1‬ونحو ذلك مجن اجتهججاده فجي عبجادة ربجه‪ ،‬وفجي‬

‫)( أما قيامه ‪ :‬فرواه من حديث المغيرة‪ :‬البخاري )‬ ‫‪1‬‬

‫‪ (4836‬ومسججلم )‪ (2819‬والترمججذي )‪ (412‬والنسججائي )‬


‫‪ (3/219‬وفي الكبرى )‪ (1325‬وابن ماجة )‪ (1419‬وابن‬
‫خزيمة )‪ (1182‬وابن حبان )‪ (311‬وعبد الرزاق )‪(4746‬‬
‫والججبيهقي‪ .‬ومججن حججديث عائشججة‪ :‬رواه البخججاري )‪(4837‬‬
‫ومسلم )‪ .(2820‬وذكججر الهيثمججي فججي المجمججع )‪(2/271‬‬
‫أنججه رواه عججن أنججس أبججو يعلججى والججبزار والطججبراني فججي‬
‫الوسط‪ ،‬وعن ابن مسعود في الوسط‪ ،‬وعن أبي هريرة‬
‫البزار‪ ،‬وعن النعمان بن بشير الوسط‪ ،‬وعن أبي جحيفججة‬
‫الطبراني فججي الكججبير‪ .‬ورواه كججذلك ابججن ماجججة )‪(1420‬‬
‫وابن خزيمة )‪ (1184‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫وأما صيامه في الحر الشديد‪ :‬فرواه من حديث أبي‬
‫الدرداء‪ :‬مسلم )‪ (1122‬وأبو داود )‪ (2409‬وابن ماجة )‬
‫‪- 270 -‬‬
‫رسول الله ‪ ‬أسوة حسنة‪ ،‬ونحن مأمورون بالتأسي به‪.‬‬
‫فإن أبيتم هذا الدليل بسبب أنه ‪ ‬كججان مخصوص جا ً بهججذه‬
‫القضية‪ ،‬ولذلك كان ربه يطعمججه ويسججقيه‪ ،‬وكججان يطيججق مججن‬
‫العمل ما ل تطيقه أمته‪ ،‬فما قولكم فيما ثبت مججن ذلججك عججن‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬وأئمججة المسججلمين العججارفين بتلججك الدلججة‬
‫التي استدللتم بها على الكراهية؟‬
‫حتى أن بعضهم قعد من رجليه من كثرة التبتل‪ ،‬وصججارت‬
‫جبهة بعضهم كركبة البعير من كثرة السجود‪.‬‬
‫وجاء عن عثمان بن عفججان رضجي اللججه عنججه أنججه كججان إذا‬
‫صلى العشاء أوتر بركعة يقرأ فيها القرآن كله)‪.(1‬‬
‫وكم من رجل صلى الصبح بوضوء العشاء‪ ،‬كذا كذا سنة‪،‬‬
‫وسرد الصيام كذا وكذا سنة‪ ،‬وكانوا هججم العججارفين بالسججنة ل‬
‫يميلون عنها لحظة‪.‬‬
‫وروي عن ابن عمر وابن الزبيجر رضجي اللجه عنهجم أنهمجا‬
‫كانا يواصلن الصيام)‪.(2‬‬

‫‪ (1663‬والطحاوي )‪ (2/68‬والبيهقي )‪ (4/245‬وأحمد )‬


‫‪.(5/194‬‬
‫وأما وصاله‪ :‬فتقدم في نفس الباب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه عبد الرزاق )‪ (5952‬والبيهقي فججي السججنن فججي‬
‫الصلة‪ ،‬باب‪ :‬الوتر بركعججة‪ ،‬وفججي الشججعب )‪ ،(2183‬كمججا‬
‫رواه فججي السججنن والشججعب )‪ (2184‬عججن تميججم الججداري‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي الدنيا في "التهجد" عن سججعيد بججن جججبير )‬
‫‪.(205 -198‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نقججل الحججافظ فججي الفتججح )‪ :(4/240‬روى أبججي شججيبة‬
‫]قي باب‪ :‬من رخص في الوصال للصائم[ بإسناد صججحيح‬
‫عنه ]عبد الله بن الزبير[ أنه كججان يواصججل خمسججة عشججر‬
‫يومًا‪ ،‬وذهب إليه من الصحابة أيضا أخت أبي سعيد ]روى‬
‫‪- 271 -‬‬
‫وأجاز مالك ‪-‬وهو إمام في القتداء ‪ -‬صجيام الجدهر‪ ،‬يعنجي‬
‫إذا أفطر أيام العيد‪.‬‬
‫وعن انس بن مالك رضي اللججه عنججه‪ ،‬أن امججرأة مسججروق‬
‫قالت‪ :‬كانت يصلي حتى تورمت قدماه‪ ،‬فربما جلست خلفججه‬
‫أبكي مما أراه يصنع بنفسه)‪.(1‬‬
‫والثار في هذا المعنى كثيرة عن الولين‪ ،‬وهي تدل على‬

‫ذلك عنها ابن أبي شيبة[‪ ،‬ومن التابعين عبد الرحمججن بججن‬
‫أبي نعم‪ ،‬وعامر بن عبد الله بن الزبير‪ ،‬وإبراهيم بن زيججد‬
‫التيمي‪ ،‬وأبو الجوزاء كما نقله أبو نعيم فججي ترجمتججه فججي‬
‫الحلية وغيرهججم‪ ،‬رواه الطججبري وغيججره‪ .‬وأشججار الترمججذي‬
‫إلى مواصلة عبد الله بن الزبيججر‪ ،‬دون أن يسججوق سججنده‪،‬‬
‫وذلك عقب حديث الوصال )‪.(778‬‬
‫‪1‬‬
‫)( هو‪ :‬مسروق بن الجدع‪ :‬المام القدوة العلم‪ ،‬أبو‬
‫عائشة الوادعي الهمداني الكوفي‪ ،‬حججدث عججن جمججع مججن‬
‫الصحابة‪ ،‬أسلم في حياة النبي ‪ ‬ولكنه من المخضرمين‬
‫من كبار التابعين‪ ،‬قال أبو بكر الخطيب‪ :‬سمي بذلك لنججه‬
‫سرق صغيرا ً ثججم وُ ِ‬
‫جججد‪ .‬قججال أحمججد بججن حنبججل‪ :‬قججال ابججن‬
‫عيينة‪ :‬بقي مسروق بعد علقمة ل يفضل عليه أحد‪ ،‬وقال‬
‫يحيى بن معين‪ :‬مسروق ثقة ل يسأل عججن مثلججه‪ ،‬وسججأل‬
‫عثمان بن سعيد يحيى عن مسروق وعججروة فججي عائشججة‬
‫فلم يخير‪ .‬وقال علي بن المديني‪ :‬ما أقدم على مسروق‬
‫أحدا ً من أصحاب عبد اللججه صججلى خلججف أبججي بكججر ولقججي‬
‫عمرا ً وعليًا‪ ،‬ولم يججرو عجن عثمجان شججيئًا‪ .‬وقجال العجلججي‪:‬‬
‫تجابعي ثقجة كجان أحجد أصججحاب عبجد اللجه الجذين يقجرئون‬
‫ويفتون‪ ،‬وكجان يصجلي حجتى تججرم قججدماه‪ .‬وعجن الشجعبي‬
‫قال‪ :‬غشي على مسروق في يوم صائف‪ ،‬وكانت عائشة‬
‫قد تبنته‪ ،‬فسمى بنته عائشة‪ ،‬وكان ليعصججي ابنتججه شججيئًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فنزلت إليه فقالت‪ :‬يا أبتاه أفطر واشرب‪ ،‬قال‪ :‬مججا‬
‫أردت بي يا بنية؟ قالت‪ :‬الرفق‪ ،‬قال‪ :‬يا بنية إنمججا طلبججت‬
‫‪- 272 -‬‬
‫الخججذ بمججا هججو شججاق فججي الججدوام‪ ،‬ولججم يعججدهم أحججد بججذلك‬
‫مخالفين للسنة‪ ،‬بل عدوهم من السابقين‪ ،‬جعلنا الله منهم‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن النهي ليس عن العبادة المطلوبة‪ ،‬بل هو عججن‬
‫الغلوّ فيها‪ ،‬غلوا ً ُيدخل المشقة على العامل‪ ،‬فإذا فرضنا مججن‬
‫فقدت في حقه تلك العلة‪ ،‬فل ينتهض النهجي فجي حقججه‪ ،‬كمجا‬
‫إذا قال الشارع‪" :‬ل يقضي القاضي وهههو غضههبان")‪،(1‬‬
‫وكانت علة النهي تشويش الفكر عن استيفاء الحجج‪ ،‬اطججرد‬
‫وش‪ ،‬وانتفى عند انتفججائه‪ ،‬حججتى إنججه منتججف‬
‫النهي مع كل مش ّ‬
‫مع وجود الغضب اليسير‪ ،‬الذي ل يمنع من اسججتيفاء الحجججج‪،‬‬
‫وهذا صحيح جارٍ على الصول‪.‬‬
‫وحال من فقدت في حقه العلة‪ ،‬حججال مججن يعمججل بحكججم‬
‫ط سججائق‪،‬‬ ‫غلبة الخوف أو الرجاء أو المحبة‪ ،‬فإن الخوف سو ٌ‬
‫والرجاء حادٍ قائد‪ ،‬والمحبة سججبيل حامججل‪ ،‬فالخججائف إن وجججد‬
‫المشقة‪ ،‬فالخوف مما هو أشق يحمله على الصججبر علججى مججا‬
‫هو أهون‪ ،‬وإن كان العمجل شجاقًا‪ ،‬والراججي يعمججل وإن وججد‬
‫المشقة‪ ،‬لن رجاء الراحججة التامججة يحملججه علججى الصججبر علججى‬

‫الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسججين ألجف سجنة‪.‬‬


‫قال أبو نعيم‪ :‬مات سنة اثنتين وسججتين‪ ،‬وقججال يحيججى بججن‬
‫بكيججر وابججن سججعد وابججن نميججر‪ :‬مججات سججنة ثلث وسججتين‪.‬‬
‫)انظر السير ‪ 4/63‬وقد ذكر قصة امرأته وبكاءهججا لحججاله‬
‫عند صلته(‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه من حديث أبي بكرة‪ :‬البخاري )‪ (7158‬ومسججلم‬
‫)‪ (1717‬وأبو داود )‪ (3588‬الترمذي )‪ (1334‬والنسججائي‬
‫)‪ (8/237‬وفججي الكججبرى )‪ (5983‬وابججن ماجججة )‪(2316‬‬
‫وابججن حبججان )‪ (5063‬والشججافعي )‪ (1/378‬والججبيهقي )‬
‫‪ (10/105‬وأحمججد )‪ (5/36‬وابججن أبججي شججيبة‪ .‬ورواه أبججو‬
‫يعلججى )كمججا فججي مجمججع الججزوائد ‪ (4/197‬مججن حججديث أم‬
‫سلمة‪.‬‬
‫‪- 273 -‬‬
‫محججب يعمججل ببججذل المجهججود شججوقا ً إلججى‬
‫بعججض التعججب‪ ،‬وال ُ‬
‫المحبوب‪ ،‬فيسهل عليه الصعب‪ ،‬ويقرب عليه البعيد‪ ،‬فيججوهن‬
‫قوى‪ ،‬ول يرى أنه أوفى بعهد المحبة‪ ،‬ول قام بشكر النعمة‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫مته‪.‬‬
‫س ول يرى أنه قضى َنه َ‬ ‫وَيعصُر النفا َ‬
‫وإذا كان كذلك صح الجمع بين الدلة‪ ،‬وجاز الججدخول فججي‬
‫العمل التزاما ً مع اليغال فيه‪ :‬إما مطلقًا‪ ،‬وإما مع ظن انتفاء‬
‫العلة‪ ،‬وإن دخلججت المشججقة فيمججا بعججد‪ ،‬إذا صججح مججن العامججل‬
‫الدوام على العمل‪ ،‬ويكون ذلك جاري جا ً علججى مقتضججى الدلججة‬
‫وعمل السلف الصالح‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن ما تقدم من أدلة النهي صحيح صريح‪ ،‬وما‬
‫نقل عن الولين يحتمل ثلثة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن ُيحمل على أنهم إنمججا عملججوا علججى التوسججط‪،‬‬
‫الذي هو مظنة الدوام‪ ،‬فلم يلزموا أنفسهم بمججا لعلججه يججدخل‬
‫عليهم المشقة حتى يججتركوا بسججببه مججا هججو أولججى‪ ،‬أو يججتركوا‬
‫العمل‪ ،‬أو يبغضوه لثقله على أنفسهم‪ ،‬بججل الججتزموا مججا كججان‬
‫على النفوس سهل ً في حقهم‪ ،‬فإنما طلبوا اليسر ل العسججر‪،‬‬
‫وهو الذي كان حال رسول الله ‪ ،‬وحججال مججن تقججدم النقججل‬
‫عنه من المتقدمين‪ ،‬بناء على أنهم إنما عملوا بمحض السججنة‬
‫والطريقة العامة لجميع المكلفين‪ .‬وهذه طريقة الطبري في‬
‫الجواب‪.‬‬
‫وما تقدم في السؤال مما يظهر منه خلف ذلك‪ ،‬فقضججايا‬
‫أحوال يمكن حملهججا علججى وجججه صججحيح‪ ،‬إذا ثبججت أن العامججل‬
‫ممن يقتدى به‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يحتمل أن يكونججوا عملججوا علججى المبالغججة فيمججا‬
‫استطاعوا‪ ،‬لكن ل على جهة اللتزام‪ ،‬ل بنذر ول غيججره‪ ،‬وقججد‬
‫يدخل النسان في أعمال يشق الججدوام عليهججا ول يشججق فججي‬
‫الحال‪ ،‬فيغتنم نشاطه في حالة خاصة‪ ،‬غير نججاظر فيهججا فيمججا‬

‫‪- 274 -‬‬


‫يأتي‪ ،‬ويكون جاريا ً فيه على أصل رفججع الحججرج‪ ،‬حججتى إذا لججم‬
‫يستطعه تركه ول حرج عليه‪ ،‬لن المندوب ل حرج في تركججه‬
‫في الجملة‪.‬‬
‫ويشعر بهذا المعنى ما في هذا الحديث عن عائشة رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫"كان رسول الله يصوم حههتى نقههول‪ :‬ل يفطههر‪،‬‬
‫ويفطر حتى نقول‪ :‬ل يصههوم‪ ،‬ومهها رأيتههه اسههتكمل‬
‫صيام شهر قط إل رمضان")‪ (1‬الحديث‪.‬‬
‫ول يعترض على هذا المأخذ بقوله ‪: ‬‬
‫"أحب العمل إلى الله مهها دام عليههه صههاحبه وإن‬
‫قل"‪" ،‬وإنه كههان عملههه دائم هًا")‪ ،(2‬لنججه محمججول علججى‬
‫العمل الذي يشق فيه الدوام ‪.‬‬
‫وأما ما نقل عنهم من إدارة صلة الصبح بوضججوء العشججاء‬
‫وقيام جميع الليججل‪ ،‬وصججيام الججدهر ……ونحججوه‪ ،‬فيحتمججل أن‬
‫يكون على الشججرط المججذكور‪ ،‬وهججو أن ل يلججتزم ذلججك‪ ،‬وإنمججا‬
‫يدخل في العمل حال ً يغتنم نشاطه‪ ،‬فإذا أتى زمان آخر وجد‬
‫فيه النشاط أيضا ً ‪-‬وإذا لم يخل بما هججو أولججى‪ -‬عمججل كججذلك‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وفججي كججل حالججة‬‫فيتفق أن يدوم له هذا النشاط زمانا ً طوي ً‬
‫هو في فسحه الترك‪ ،‬لكنججه ينتهججز الفرصججة مججع الوقججات‪ ،‬فل‬
‫بعد في أن يصحبه النشاط إلججى آخججر العمججر‪ ،‬فيظنججه الظججان‬
‫التزاما ً وليس بالتزام‪.‬‬
‫وهذا صحيح‪ ،‬ول سيما مع سائق الخوف أو حادي الرجججاء‬
‫ت قههرة‬‫عل َه ْ‬ ‫أو حامججل المحبججة‪ ،‬وهججو معنججى قججوله ‪" :‬و ُ‬
‫ج ِ‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم تخريجه في نفس الباب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تقدم تخريجه في نفس الباب‪.‬‬
‫‪- 275 -‬‬
‫عيني في الصلة")‪ ،(1‬فلذلك قام ‪ ‬حتى تورمت قدماه‪،‬‬
‫ل إل‬ ‫وامتثججل أمججر ربججه فججي قججوله تعججالى‪ُ  :‬‬
‫قههم ِ الليهه َ‬
‫قليل ً ‪ (2)‬الية ‪.‬‬
‫َ‬
‫والثالث‪ :‬أن دخول المشقة وعججدمه علججى المكلججف فججي‬
‫الدوام أو غيره ليس أمرا ً منضبطًا‪ ،‬بججل هججو إضججافي مختلججف‬
‫بحسججب اختلف النججاس فججي قججوة أجسججامهم‪ ،‬أو فججي قججوة‬
‫عزائمهججم‪ ،‬أو فججي قججوة يقينهججم‪ ،‬أو نحججو ذلججك مججن أوصججاف‬
‫أجسامهم أو أنفاسهم‪ ،‬فقججد يختلججف العمججل الواحججد بالنسججبة‬
‫إلى رجليججن‪ ،‬لن أحججدهما أقججوى جسججمًا‪ ،‬أو أقججوى عزيمججة أو‬
‫يقينا ً بالموعد‪ ،‬والمشقة قد تضججعف بالنسججبة إلججى قججوة هججذه‬
‫المور وأشباهها‪ ،‬وتقوى مع ضعفها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ى مججن دنيججاكم الطيججب والنسججاء‪،‬‬‫حبججب إلجج ّ‬
‫)( حججديث‪ُ " :‬‬
‫وجعلججت قججرة عينججي الصججلة"‪ .‬رواه مججن حججديث أنججس‬
‫النسججائي فججي المجتججبى )‪ (7/61‬وفججي الكججبرى )‪(8887‬‬
‫وعبجججد الجججرزاق )‪ (7939‬والحجججاكم )‪ (2/160‬وأحمجججد )‬
‫‪،3/128‬جج ‪ (285‬وأبججو يعلججى )‪ (3530‬والطججبراني فججي‬
‫الوسجججط )‪ (5199‬والصجججغير )‪ (741‬والجججبيهقي )‪(7/78‬‬
‫وصححه اللباني في السنن‪ ،‬وقال في تخريج المشججكاة )‬
‫‪ (5261‬زيججادة "ثلث" ل أصججل لهججا فججي طججرق الحججديث‪،‬‬
‫وهي مخلة بالمعنى كما ل يخفى ]لنها تجعل حب الصلة‬
‫من أمور الدنيا[ وسججبقه إلججى ذلججك القججول العراقججي فججي‬
‫أماليه والحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف‪ ،‬وقد سججبق‬
‫ن القيم في الزاد )‪ .(1/145‬وجججزؤه الخيججر رواه‬ ‫هؤلء اب ُ‬
‫الطججبراني فججي الكججبير مججن حججديث المغيججرة بججن شججعبة )‬
‫–‬ ‫‪ (20/420‬وصججححه فججي صججحيح الجججامع )‪(3093‬‬
‫وضججعفه السججيوطي‪ -‬وانظججر الصججحيحة ) ‪ ،(1805‬ورواه‬
‫ابن سعد )‪ (1/398‬من حديث عائشة دون ذكججر الصججلة‪،‬‬
‫وسنده ضعيف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المزمل‪.2 :‬‬
‫‪- 276 -‬‬
‫فنحن نقول‪ :‬كل عمل يشق الججدوام علججى مثلججه بالنسججبة‬
‫إلى زيد فهو منهي عنه‪ ،‬ول يشق على عمرو فل ينهى عنه‪.‬‬
‫فنحن نحمل ما داوم عليه الولون من العمال علججى أنججه‬
‫لم يكن شاقا ً عليهم‪ ،‬وإن كان ما هجو أقجل منجه شجاقا ً علينجا‪،‬‬
‫ة لنجا أن نجدخل فيمجا‬ ‫فليس عمل مثلهجم بمجا عملجوا بجه حجج ً‬
‫دخلججوا فيججه‪ ،‬إل بشججرط أن يمتججد منججاط المسججألة فيمججا بيننججا‬
‫وبينهم‪ ،‬وهو أن يكون ذلك العمل ل يشق الدوام على مثله‪.‬‬
‫وليس كلمنا فججي هججذا لمشجاهدة الجميججع‪ ،‬فجإن التوسججط‬
‫والخذ بالرفق هو الولى والحرى بالجميع‪ ،‬وهججو الججذي دلججت‬
‫عليه الدلججة‪ ،‬دون اليغججال الججذي ل يسججهل مثلججه علججى جميججع‬
‫الخلق ول أكثرهم‪ ،‬إل على القليل النادر منهم‪.‬‬
‫والشججاهد لصججحة هججذا المعنججى قججوله ‪" :‬إنههي لسههت‬
‫كهيئتكهههم‪ ،‬إنهههي أبيهههت عنهههد ربهههي يطعمنهههي‬
‫ويسقيني")‪ (1‬يريد ‪ :‬أنه ل يشق عليه الوصال‪ ،‬ول يمنعه‬
‫عن قضاء حق الله وحقوق الخلق)‪.(2‬‬
‫فعلى هذا‪ :‬من رزق أنموذجا ً مما أعطيه ‪ ،‬فصار يوغججل‬
‫في العمل مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه فل حرج‪.‬‬
‫وأما رده ‪ ‬على عبد الله بججن عمججرو‪ ،‬فيمكججن أن يكججون‬
‫شهد بأنه ل يطيق الدوام‪ ،‬ولججذلك وقججع لججه مججا كججان متوقعجًا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تقدم أول الباب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( لكن ل ينفي هذا أنه يطعمه ربه ويسقيه حال صيامه‪،‬‬
‫لنه هكذا قال وقوله الصدق‪ ،‬ول يخدش ذلك في صججومه‬
‫أبدًا‪ ،‬لن هذا طعام ل كسائر الطعججام‪ ،‬فهججو طعججام خججاص‬
‫من الله تعالى لنججبيه وصججفيه ‪ ،‬فل يأخججذ أحكججام طعججام‬
‫الدنيا‪ .‬وبنحو ذلك نقل الحافظ فججي الفتججح )‪ (4/244‬عججن‬
‫بعض العلمجاء‪ ،‬ونقججل عجن الجمهجور أن ذلجك ليجس علجى‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪- 277 -‬‬
‫حتى قججال‪" :‬ليتني قبلههت رخصههة رسههول اللههه ‪،(1)"‬‬
‫ويكون عمل ابججن الزبيججر وابججن عمججر وغيرهمججا فججي الوصججال‬
‫جاريا ً على انهم أعطوا حظا ً مما أعطيه رسول الله ‪ ،‬وهذا‬
‫بناء على أصل مذكور في كتاب الموافقات والحمد لله‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك لم يكن في العمل المنقجول عجن السجلف‬
‫مخالفة لما سبق‪.‬‬

‫فصل‬
‫لكن يبقى النظر في تعليل النهججي‪ ،‬وأنججه ُيقتضججي انتفججاؤه‬
‫عند انتفاء العلة‪ ،‬وما ذكروه فيه صحيح في الجملة‪ ،‬وفيه في‬
‫التفصيل نظر‪ ،‬وذلك أن العلة راجعة إلى أمريججن‪ :‬أحههدهما‪:‬‬
‫الخوف من النقطاع والترك إذا التزم فيما يشق فيه الدوام‪،‬‬
‫والخر‪ :‬الخوف مجن التقصجير فيمجا هجو آكجد مجن حجق اللجه‬
‫وحقوق الخلق‪.‬‬
‫صل فيه أصل ً راجع جا ً‬‫أما الول‪ :‬فإن رسول الله ‪ ‬قد أ ّ‬
‫إلى قاعدة معلومة ل مظنونة‪ ،‬وهي بيان أن العمل المججورث‬
‫للحرج عند الدوام منفي عن الشريعة‪ ،‬كمجا أن أصجل الحجرج‬
‫عث بالحنيفية السمحة)‪ ،(2‬ول سماح‬ ‫منفي عنها‪ ،‬لنه ‪ ‬ب ُ ِ‬
‫‪1‬‬
‫)( تقججدم تخريجججه أول البججاب مججن حججديث عبججد اللججه بججن‬
‫عمرو بن العاص‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( صحيح لغيره‪ :‬رواه البخججاري فججي الدب المفججرد )‬
‫‪ (287‬من حديث ابججن عبججاس‪ ،‬وانظججر الصججحيحة )‪،(881‬‬
‫ورواه أحمد )‪ (2107‬والطججبراني فججي الكججبير )‪.(11572‬‬
‫ورواه من حديث عائشة‪ :‬أحمد )‪ (6/116‬وسنده حسججن‪.‬‬
‫ورواه من حججديث أبججي أمامججة‪ :‬أحمججد )‪ (5/266‬وإسججناده‬
‫ضعيف‪ ،‬والطبراني في الكبير )‪ .(7883‬ورواه من حديث‬
‫ابن عمر‪ :‬البيهقي في الشججعب )‪ (2791‬والطججبراني فججي‬
‫الوسط )‪ .(798‬ورواه من حججديث رجججل‪ :‬عبججد الججرزاق )‬
‫‪- 278 -‬‬
‫مع دخول الحرج‪ .‬فكل من ألزم نفسه ما يلقججى فيججه الحججرج‬
‫فقد يخرج عن العتدال في حق نفسه‪ ،‬وصار إدخاله للحججرج‬
‫على نفسه من تلقاء نفسه‪ ،‬ل من الشارع‪.‬‬
‫لكججن لقججائل أن يقججول‪ :‬إن النهججي هاهنججا معلججق بججالرفق‬
‫الراجع إلى العامل‪.‬‬
‫وإذا روعي حظ النفس‪ ،‬فقد صار المر في اليغججال إلججى‬
‫العامل‪ ،‬فله أن ل يمكنها من حظها‪ ،‬وأن يستعملها فيمججا قججد‬
‫يشق عليها بالدوام ‪-‬بناًء على القاعدة المؤصججلة فججي أصججول‬
‫الموافقات في إسقاط الحظوظ‪ ،‬فل يكججون إذا ً منهي جًا‪ -‬علججى‬
‫ذلك التقدير‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن حظوظ النفس بالنسججبة إلججى الطلججب بهججا‬
‫قد يقال‪ :‬إنه من حقوق الله على العباد‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إنججه مججن‬
‫حقوق العباد‪ ،‬فل ينهض ما قلتم‪ ،‬إذ ليس للمكلف خيرة فيه‪.‬‬
‫فكما أنه متعبد بالرفق بغيره‪ ،‬كججذلك هججو مكلججف بججالرفق‬
‫بنفسه‪ ،‬ودل على ذلك قوله ‪) :‬إن لنفسك عليك حقًا(‬
‫إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫ويدل عليه أنه ل يحل للنسان أن يبيح لنفسججه ول لغيججره‬
‫دمججه‪ ،‬ول قطججع طججرف مججن أطرافججه‪ ،‬ول إيلمججه بشججيء مججن‬
‫اللم‪ ،‬ومن فعل ذلك أِثم واستحق العقاب‪ ،‬وهو ظاهر‪.‬‬

‫‪ .(238‬ورواه من حججديث جججابر‪ :‬الخطيججب البغججدادي فججي‬


‫تاريخه )‪ .(7/209‬ورواه من حديث أبي بن كعججب بلفججظ‪:‬‬
‫الحنفية المسلمة ل اليهوديججة ول النصججرانية… وأن النججبي‬
‫أقرأه ذلك على أنه قججرآن‪ :‬الترمججذي )‪ (3793‬والحججاكم )‬
‫‪ (2/224‬وأحمججد )‪ (5/131‬ولكججن ضججعفه اللبججاني فججي‬
‫السنن‪ ،‬بينما حسن إسناده محققوا مسند الرسالة لجججل‬
‫عاصم بن بهدلججة )‪ (35/130‬وصججححه الترمججذي والحججاكم‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪- 279 -‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬إنه من حق العبججد‪ ،‬وراجججع إلججى خيرتججه‪ ،‬فليججس‬
‫ذلك على الطلق‪ ،‬إذ قد تبين في الصججول أن حقججوق العبججاد‬
‫ليست مجردة من حق الله‪.‬‬
‫وأمها الثههاني‪ :‬فججإن الحقججوق المتعلقججة بججالمكلف علججى‬
‫أصناف كثيرة‪ ،‬وأحكامها تختلف حسبما تعطيه أصول الدلة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أنه إذا تعججارض علججى المكلججف حقجان‪ ،‬ولججم‬
‫يمكن الجمع بينهما‪ ،‬فل بد من تقديم ما هو آكد في مقتضججى‬
‫دم‬‫الججدليل‪ ،‬فلججو تعججارض علججى المكلججف واجججب ومنججدوب لقج ّ‬
‫الواجب على المندوب‪ ،‬وصار المندوب في ذلك الججوقت غيججر‬
‫مندوب‪ ،‬بل صار واجب الترك عقل ً أو شرعًا‪ ،‬من بججاب مججا ل‬
‫يتججم الججواجب إل بججه‪ ،‬وإذا صججار واجججب الججترك‪ ،‬فكيججف يصججير‬
‫العامل به إذ ذاك متعّبدا ً لله به؟!‪.‬‬
‫ويدخل فيه ما في حديث سلمان مع أبججي الججدرداء رضججي‬
‫الله عنهما)‪ ،(1‬إذ كججان الججتزام قيججام الليججل مانعجا ً لججه مججن أداء‬
‫حقوق الزوجججة‪ ،‬مججن السججتمتاع الججواجب عليججه فججي الجملججة‪،‬‬
‫وكذلك التزام صيام النهار‪.‬‬
‫ومثله لو كان التزام صلة الضحى أو غيرها مججن النوافججل‬
‫مخل ً بقيامه على مريضججه‪ ،‬المشججرف‪ ،‬أو القيججام علججى إعانججة‬
‫أهله بالقوت‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫فالحاصل أن كل من ألزم نفسه شججيئا ً يشججق عليججه‪ ،‬فلججم‬
‫ده‪.‬‬‫يأت طريق البر على ح ّ‬

‫‪1‬‬
‫)( تقججدم تخريجججه فججي البججاب فججي الحاشججية‪ ،‬وأنججه رواه‬
‫البخاري وغيره‪ ،‬وقصة أبي الدرداء أشبه بقصة عبججد اللججه‬
‫جها توجيها ً مماث ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫بن عمرو‪ ،‬وقد و ّ‬
‫‪- 280 -‬‬
‫فصل‬
‫وَردَ الشكا ُ‬
‫ل الثاني‪:‬‬ ‫‪ ‬إذا ثبت ما تقدم َ‬
‫وهججو أن الججتزام النوافججل الججتي يشججق التزامهججا مخالفججة‬
‫للدليل‪ ،‬وإذا خالفت‪ ،‬فالمتعبد بها ‪-‬على ذلك التقججدير‪ -‬متعبججد‬
‫بما لم يشرع وهججو عيججن البدعججة‪ ،‬فإمججا أن تنتظمهججا أدلججة ذم‬
‫البدعة أو ل‪:‬‬
‫فإن انتظمتها أدلة الذم‪ ،‬فهو غير صحيح لمرين‪:‬‬
‫ره لعبد الله بجن عمجرو‬ ‫أحدهما‪ :‬أن رسول الله ‪ ‬لما ك ِ‬
‫ره‪ ،‬وقال له‪ :‬إني أطيق أفضل مججن ذلججك‪ ،‬فقججال لججه ‪:‬‬ ‫ما ك ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫"ل أفضل من ذلك" تركه بع جد ُ علججى الججتزامه ‪ ،‬ولججول أن‬
‫عبد الله فهم منه بعد نهيججه القججرار عليججه لمججا الججتزمه ودوام‬
‫عليه‪ ،‬حتى قال‪ :‬ليتني قبلت رخصة رسول الله ‪.‬‬
‫وكذلك ما ثبت عن غيره من وصال الصيام وأشباهه‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك‪،‬لم يمكن أن يقال‪ :‬إنها بدعة!‪.‬‬

‫)( لم يتركه‪ ‬علججى الججتزامه الول‪ ،‬بججل تركججه ‪-‬بعججد أن‬ ‫‪1‬‬

‫راجعه عبد الله أكثر مججن مججرة فججي الصججيام‪ -‬تركججه علججى‬
‫التزام صوم يوم ويججوم‪ .‬يججدل علججى ذلججك روايججة مسججلم )‬
‫‪" (1159‬لن أكون قبلت الثلثة اليام الججتي قججال رسججول‬
‫الله ‪ ‬أحججب إلججي مججن أهلججي ومججالي" ونحججو ذلججك عنججد‬
‫البخاري فجي بججاب‪ :‬فججي كججم يقججرأ القججرآن‪ ،‬ولكجن بشجأن‬
‫قججراءة القججرآن ل الصججيام‪ .‬إذن فالمقصججود مججن تأسججفه‬
‫وقوله‪ :‬ليتني هو ما أرشده إليه النبي ‪ ‬من صججوم ثلثججة‬
‫أيام كل شهر‪ ،‬فذلك أيسر عليه وأخف في الدوام‪ ،‬ولكنه‬
‫كان يقول‪ :‬إني أطيق أفضل مججن ذلججك‪ ،‬فمججا زال يطلججب‬
‫من النبي المزيد حتى بلغ إلى صوم داود عليه السلم‪.‬‬
‫‪- 281 -‬‬
‫الثاني‪ :‬أن العامججل بهججا دائمجا ً بشججرط الوفججاء‪ ،‬إن الججتزم‬
‫الشرط فأداها علججى وجههججا‪ ،‬فلقججد حصججل مقصججود الشججارع‪،‬‬
‫فارتفع النهي إذًا‪ ،‬فل مخالفة للدليل‪ ،‬فل ابتداع إذًا‪.‬‬
‫وإن لم يلتزم أداءهججا‪ :‬فجإن كجان باختيججار فل إشججكال فججي‬
‫المخالفة المذكورة‪.‬‬
‫وإن كان لعارض مرض أو غيججره مججن العججذار‪ :‬فل نسججلم‬
‫أنه مخالف‪ ،‬كما ل يكون مخالفا ً في الواجب إذا عارضجه فيجه‬
‫عارض‪ ،‬كالصيام للمريض والحج لغير المسججتطيع‪ ،‬فل ابتججداع‬
‫إذًا‪.‬‬
‫وأما إن لم تنتظمها أدلة الذم‪ :‬فقججد ثبجت أن مجن أقسجام‬
‫البدع ما ليس بمنهي عنه‪ ،‬بل هو مما يتعبججد بججه‪ ،‬وليججس مججن‬
‫قبيل المصالح المرسلة‪ ،‬ول غيرها مما له أصل على الجملة‪،‬‬
‫وحيئنذ يشمل هذا الصل كل ملتَزم تعبدي كججان لججه أصججل أم‬
‫ل؟‪ ،‬لكن فحيث يكون له أصل على الجملة ل على التفصيل‪،‬‬
‫كتخصيص ليلة مولد النبي ‪ ‬بالقيام فيها‪ ،‬ويومه بالصججيام أو‬
‫بركعات مخصوصة‪ ،‬وقيام ليلة أول جمعة مججن رجججب‪ ،‬وليلججة‬
‫النصف من شعبان‪ ،‬والتزام الدعاء جهرا ً بآثججار الصججلوات مججع‬
‫)‪(1‬‬
‫ي‪ ،‬وعنججد‬‫انتصاب المام ‪ ،‬وما أشبه ذلك ممججا لججه أصججل جل ج ّ‬
‫ذلك ينخرم كل ما تقدم تأصيله‪.‬‬

‫والجواب‪:‬‬
‫عن الول‪ :‬أن القرار صججحيح‪ ،‬ول يمتنججع أن يجتمججع مججع‬
‫النهي الرشاد لمر خارجي‪ ،‬فإن النهي لججم يكججن لجججل خلججل‬

‫‪1‬‬
‫)( تقججدم أن ذلججك لججم يثبججت ص ‪ 54‬رقججم )‪ ،(2‬ص ‪203‬‬
‫رقم )‪ .(2‬والمقصود من الدعاء‪ :‬هو الجماعي مججع المججام‬
‫إثر المكتوبات‪.‬‬
‫‪- 282 -‬‬
‫في نفس العبادة‪ ،‬ول في ركن من أركانها‪ ،‬وإنما كججان لجججل‬
‫الخوف من أمر متوقع‪ ،‬كما قالت عائشة رضججي اللججه تعججالى‬
‫عنهجا‪ :‬إن النهجي عجن الوصجال إنمجا كجان رحمجة للمجة‪ .‬وقجد‬
‫واصل رسول الله ‪ ‬بمن تبعه في الوصال كالمنك ّججل بهججم)‪،(1‬‬
‫ولو كان منهيا ً عنه بالنسبة إليهم لما فعل‪.‬‬
‫فانظر كيف اجتمع في الشيء الواحد كونه عبادةً ومنهي جا ً‬
‫عنه‪ ،‬لكن باعتبارين‪ ،‬ونظيره في الفقهيات‪ :‬ما يقوله جماعججة‬
‫من المحققين في البيع بعد نداء الجمعججة‪ ،‬فججإنه ُنهججى عنججه ل‬
‫من جهجة كجونه بيعجًا‪ ،‬بجل مجن جهجة كجونه مانعجا ً مجن حضجور‬
‫الجمعة‪ ،‬فيجيزون الججبيع بعججد الوقججوع‪ ،‬ويجعلججونه فاسججدا ً وإن‬
‫وجد التصريح بالنهي فيه‪ ،‬للعلم بأن النهي ليججس براجججع إلججى‬
‫نفس البيع‪ ،‬بل إلى أمر يجاوره)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم في نفس الباب‪.‬‬
‫)( لقوله تعججالى فججي سججورة الجمعججة ‪‬وذروا البيع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وذكر النووي في المجموع أن البيع يحرم على مججن عليججه‬


‫الجمعة‪ ،‬وأن من ساعده ممن ل تلزمه يأثم أيضجًا‪ ،‬ولكججن‬
‫الججبيع صججحيح لن النهججي ل يختججص بالعقججد فل يمنججع مججن‬
‫صججحته‪ ،‬كالصججلة فججي الرض المغصججوبة‪ ،‬وذكججر أن هججذا‬
‫مذهب أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬وقال أحمد وداود فججي روايججة‬
‫ل يصح البيع‪ .‬والمسألة طويلة الججذيل‪ ،‬وهججي مبنيججة علججى‬
‫أمر‪ ،‬وهو‪ :‬هل النهي يقتضههي الفسههاد؟‪ ،‬والصججواب‬
‫أن في المسألة تفصيل‪ ،‬من حيث انفكاك الجهة‪ ،‬فراجججع‬
‫أقوال أهججل العلججم فيهججا‪ ،‬انظججر‪ :‬حاشججية المعتمججد للشججيخ‬
‫مصججطفى بجن محمجد‪ ،‬كتججاب الجبيوع ص ‪ ،32 :27‬الفقججه‬
‫السججلمي وأدلتججه للزحيلججي )‪ ،(2/1283‬الشججرح الممتججع‬
‫للعثيمين )‪ ،(205 :8/203‬معالم أصول الفقه عنججد أهججل‬
‫السججنة والجماعججة لمحمججد حسججين الجيججزاوي )ص ‪،(415‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية )‪.(293 :29/281‬‬
‫‪- 283 -‬‬
‫فالمر بالعبادة شيء وكون المكلف يوفي بها أو ل شيء‬
‫آخر‪ ،‬فإقرار النبي ‪ ‬لبن عمرو رضي اللجه عنهمجا علجى مجا‬
‫التزم دليل صحة مججا الججتزم‪ ،‬ونهيججه إيججاه ابتججداء ل يججدل علججى‬
‫الفساد‪ ،‬وإل لزم التدافع‪ ،‬وهو محال‪.‬‬
‫إل أن هاهنا نظرا ً آخر‪ :‬وهو أن رسول اللججه ‪ ‬صججار فججي‬
‫هذه المسائل كالمرشد للمكلججف‪ ،‬وكججالمتبرع بالنصججيحة عنججد‬
‫وجود مظنة الستنصاح‪ ،‬فلمججا اتكججل المكلججف علججى اجتهججاده‬
‫دون نصيحة الناصح‪ ،‬العرف بعوارض النفوس‪ ،‬صار كججالمتبع‬
‫لرأيه مع وجود النص‪ ،‬وإن كان بتأويل‪ ،‬فإن سمي في اللفظ‬
‫بدعة فبهذا العتبججار‪ ،‬وإل فهججو متبججع للججدليل المنصججوص مججن‬
‫صاحب النصيحة‪ ،‬وهو الدال على النقطججاع إلججى اللججه تعججالى‬
‫بالعبادة‪.‬‬
‫ومن هنا قيل فيها‪ :‬إنها بدعة إضججافية ل حقيقيججة‪ ،‬ومعنججى‬
‫كونها إضافية أن الدليل فيها مرجوح بالنسبة لمن يشق عليه‬
‫الدوام عليها‪ ،‬وراجح بالنسبة إلى من وّفى بشججرطها ‪-‬ولججذلك‬
‫وّفى بها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بعد ما ضعف)‪،(1‬‬
‫وإن دخل عليه فيها بعض الحرج حتى تمنى قبججول الرخصججة‪-‬‬
‫بخلف البدعة الحقيقية‪ ،‬فججإن الججدليل عليهججا مفقججود حقيقججة‪،‬‬
‫فضل ً عن أن يكون مرجوحًا‪.‬‬
‫فهذه المسألة تشبه مسألة خطأ المجتهد‪ ،‬فالقول فيهمججا‬
‫متقارب‪ ،‬وسيأتي الكلم فيهما إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫وأما قول السائل في الشكال‪ :‬إن الججتزم الشججرط فججأدى‬
‫العبادة علججى وجههججا‪ ...‬إلججى آخججره‪ ،‬فصججحيح‪ ،‬إل قججوله‪ :‬فججإن‬
‫تركها لعارض فل حججرج كججالمريض‪ .‬فجإن مجا نحججن فيججه ليججس‬

‫‪1‬‬
‫)( ذكججر ذلججك مسججلم والبخججاري‪ ،‬كمججا فججي التخريجججات‬
‫السابقة‪ :‬أنه كان إذا ضعف يفطججر ويحسججب اليججام الججتي‬
‫أفطرها ويقضيها‪.‬‬
‫‪- 284 -‬‬
‫كذلك‪ ،‬بل ثم قسم آخر‪ ،‬وهججو أن يتركهججا بسججبب تسججبب هججو‬
‫فيه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬ثبت أن من أقسام البدع ما ليس بمنهي عنه‪،‬‬
‫فليس كما قال‪ ،‬وذلك أن المندوب هو من حيث هججو منججدوب‬
‫يشبه الواجب من جهة مطلق المر‪ ،‬ويشبه المباح مججن جهججة‬
‫رفع الحرج على التارك‪ ،‬فهو واسطة بين الطرفين ل يتخلججى‬
‫إلى واحد منهمججا‪ ،‬إل أن قواعججد الشججرع شججرطت فججى ناحيججة‬
‫طا‪ ،‬فشججرط‬ ‫طا‪ ،‬كما شرطت فى ناحية تركه شججر ً‬ ‫العمل شر ً‬
‫العمل به أن ل يدخل به مدخل ً يؤدى إلى الحججرج يججؤدى إلججى‬
‫سا‪ ،‬أو انخرام ما هو أولى منه‪ ،‬وما وراء‬ ‫انخرام الندب فيه رأ ً‬
‫هذا موكول إلى خيرة المكلف‪ ،‬فججإن دخججل فيججه فل يخلججو أن‬
‫يدخل فيه على قصد انخرام الشرط أو ل‪ ،‬فججإن كججان كججذلك‪،‬‬
‫فهو القسجم الجذى يجأتى إن شجاء اللجه‪ ،‬وحاصجله أن الشجارع‬
‫طالبه برفع الحرج‪ ،‬وهو يطالب نفسه بوضعه‪ ،‬وإدخاله علججى‬
‫نفسه وتكليفها ما ل يسججتطاع‪ ،‬مججع زيججادة الخلل بكججثير مججن‬
‫الواجبات والسنن‪ ،‬التي هي أولى مما دخل فيه‪ ،‬ومعلججوم أن‬
‫هذه بدعة مذمومة‪.‬‬
‫ري‬
‫وإن دخججل علججى غيججر ذلججك القصججد‪ ،‬فل يخلججو أن ُيج ج ِ‬
‫المندوب على مجراه أو ل‪:‬‬
‫فإن أجججراه كججذلك بججأن يفعججل منججه مججا اسججتطاع إذا وجججد‬
‫نشاطًا‪ ،‬ولم يعارضه ما هو أولى مما دخل فيججه‪ ،‬فهججو محججض‬
‫السنة التي ل مقججال فيهججا‪ ،‬لجتمجاع الدلججة علجى صججحة ذلججك‬
‫مر فهو غير تارك‪ ،‬ونهى عججن اليغججال وإدخججال‬ ‫ُ‬
‫العمل‪ ،‬إذ قد أ ِ‬
‫الحرج فهو متحرز‪ ،‬فل إشكال فججي صججحته‪ ،‬وهججو كججان شججأن‬
‫السلف الول ومن بعدهم‪.‬‬
‫وإن لم يجره على مجراه‪ ،‬ولكنه أدخل فيججه رأي اللججتزام‬
‫والدوام‪ ،‬فذلك الرأي مكروه ابتداًء‪.‬‬

‫‪- 285 -‬‬


‫لكن فُِهم من الشرع‪ :‬أن الوفاء ‪-‬إن حصل‪ -‬فهو ‪-‬إن شاء‬
‫الله‪ -‬كفارة النهي‪ ،‬فل يصججدق عليججه فجي هججذا القسججم معنججى‬
‫البدعججة‪ ،‬لن اللججه تعججالى مججدح المججوفين بالنججذر والمججوفين‬
‫حججض وجججه‬‫بعهدهم إذا عاهججدوا)‪ ،(1‬وإن لججم يحصججل الوفججاء تم ّ‬
‫النهي‪ ،‬وربما أِثم في اللتزام النذري‪.‬‬
‫ولجل احتمال عدم الوفججاء أطلججق عليججه لفججظ البدعججة‪ ،‬ل‬
‫لجل أنه عمل بل دليل عليه‪ ،‬بل الدليل عليه قائم‪.‬‬
‫ولذلك إذا التزم النسان بعض المنججدوبات‪ ،‬الججتي يعلججم أو‬
‫يظن أن الججدوام فيهججا ل يوقججع فججي حججرج أصجل ً ‪-‬وهججو الججوجه‬
‫الثالث من الوجه الثلثة المنبه عليها‪ -‬لم يقع فججي نهججي‪ ،‬بججل‬
‫فججي محججض المنججدوبات‪،‬كالنوافججل الرواتججب مججع الصججلوات‪،‬‬
‫والتسججبيح والتحميججد والتكججبير فججي آثارهججا‪ ،‬والججذكر اللسججاني‬
‫الملتزم بالعشي والبكار‪ ،‬وما أشبه ذلك مما ل يخل بمججا هججو‬
‫أولى‪ ،‬ول يدخل حرجا ً بنفس العمل به ول بالدوام عليه‪.‬‬
‫وفي هذا القسم جاء التحريض على الدوام صريحًا‪ ،‬ومنه‬
‫كججان جمججع عمججر رضججي اللججه عنججه النججاس فججي رمضججان فججي‬
‫المسجد‪ ،‬ومضى عليه الناس‪ ،‬لنجه كجان أول ً سجنة ثابتجة مجن‬
‫رسول الله ‪ ،‬ثم إنه أقجام للنجاس بمجا كجانوا قجادرين عليجه‬
‫ومحبين فيه‪ ،‬وفي شهر واحد مججن السججنة ل دائمجًا‪ ،‬وموكججول ً‬
‫إلى اختيارهم‪ ،‬لنه قال‪ :‬والتي ينامون عنها أفضل)‪.(2‬‬
‫وعلى هذا المعنى جرى كلم أبي أمامة رضججي اللججه عنججه‬
‫مستشهدا ً بالية حيث قال‪ :‬أحدثتم قيام رمضججان ولججم يكتججب‬

‫)( في قوله تعالى ‪‬يوفههون بالنههذر ‪] ‬النسججان‪،[7:‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقوله جل شأنه ‪‬والموفون بعهههدهم إذا عاهههدوا‬


‫‪] ‬البقرة‪.[177:‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تقدم ص ‪ 40‬رقم )‪ ،(3‬ص ‪ 44‬رقم )‪ ،(2‬ص ‪.178‬‬
‫‪- 286 -‬‬
‫عليكم‪ .‬إنما معناه ما ذكرناه‪ ،‬ولجلججه قججال‪ :‬فججدوموا عليججه)‪.(1‬‬
‫ولو كان بدعة علججى الحقيقججة لنهججى عنججه‪ ،‬ومججن هججذه الجهججة‬
‫أجرينا الكلم على ما نهى ‪ ‬عنه من التعبد المخوف الحرج‬
‫في المآل‪ ،‬واستسهلنا وضع ذلك في قسججم البججدع الضججافية‪،‬‬
‫تنبيها ً على وجهها ووضعها في الشرع مواضعها‪ ،‬حتى ل يغججتر‬
‫بها مغتر فيأخذها على غيججر وجههجا‪ ،‬ويحتججج بهججا علججى العمججل‬
‫بالبدعة الحقيقية قياسا ً عليها‪ ،‬ول يدري مججا عليججه فججي ذلججك‪،‬‬
‫وإنما تجشمنا إطلق اللفظ هنا‪ ،‬وكان ينبغي أن ل ُيفعل لججول‬
‫الضرورة‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫فصل‬
‫قججال اللججه تعججالى‪:‬يا أيها الههذين آمنههوا ل تحرمههوا‬
‫ل الله لكم ول تعتدوا إن اللههه ل يحههب‬ ‫طيبات ما أح ّ‬
‫المعتدين ‪ .‬وكلوا مما رزقكم الله حلل ً طيبا ً واتقوا‬
‫الله الذي أنتم به مؤمنون ‪.(2)‬‬
‫روي في سبب نزول هذه الية أخبار جملتهججا تججدور علججى‬
‫معنى واحد‪ ،‬وهو تحريم ما أحججل اللججه مججن الطيبججات تججدّينا ً أو‬
‫شبه التدّين‪ ،‬والله نهى عن ذلك وجعله اعتداًء‪ ،‬والله ل يحب‬
‫المعتدين‪.‬‬
‫ثججم قججرر الباحججة تقريججرا ً زائدة علججى مججا تقججرر بقججوله‪:‬‬
‫‪‬وكلوا ممها رزقكهم اللهه حلل ً طيبها ً ‪ ،‬ثججم أمرهججم‬
‫بالتقوى‪ ،‬وذلك مشعر بججأن تحريججم مججا أحج ّ‬
‫ل اللججه خججارج عججن‬
‫درجة التقوى‪.‬‬
‫وفي الصحيح عن عبد الله قال‪" :‬كنا نغزو مع رسول‬
‫الله ‪ ‬ليس معنا نساء‪ ،‬فقلنا‪ :‬أل نختصههي؟ فنهانهها‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم تخريجه أول الباب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المائدة‪.88 – 87 :‬‬
‫‪- 287 -‬‬
‫عن ذلههك‪ ،‬فرخههص لنهها بعههد ذلههك أن نههتزوج المههرأة‬
‫بالثوب إلى أجل")‪- ،(1‬يعنججي ‪ ،‬واللججه أعلججم‪ ،‬نكججاح المتعججة‬
‫المنسوخ‪ -‬ثم قرأ ابن مسعود‪ :‬يا أيههها الههذين آمنههوا ل‬
‫تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ‪.‬‬

‫وفججي الصججحيح‪" :‬ردّ رسههول اللههه ‪ ‬التبتههل علههى‬


‫عثمان بن مظعون‪ ،‬ولو أذن له لختصينا")‪.(2‬‬
‫م لمججا هججو‬
‫وهذا كله واضح في أن جميع هذه الشياء تحري ٌ‬
‫حلل في الشرع‪ ،‬وإهمججال لمججا قصججد الشججارع إعمججاله ‪ -‬وإن‬
‫كان بقصد سلوك طريق الخرة)‪ - (3‬لنججه نججوع مججن الرهبانيججة‬
‫في السلم‪.‬‬
‫وإلى منع تحريجم الحلل ذهجب الصجحابة والتجابعون ومجن‬
‫بعدهم‪ ،‬إل أنه إذا كان التحريم غير محلوف عليججه فل كفججارة‪،‬‬
‫وإن كان محلوفا ً عليه ففيه الكفارة‪ ،‬ويعمل الحالف بما أحل‬
‫الله له)‪.(4‬‬
‫فتيججا فججي السججلم‪ :‬إن كججل مججن حججرم‬
‫وعلى ذلك جرت ال ُ‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (4615‬ومسججلم )‪ (1404‬والججبيهقي )‬
‫‪ (7/79‬وابججن أبججي شججيبة )‪ (3/454‬وابججن حبججان )‪(4141‬‬
‫والطحاوي في شرح معاني الثار )‪.(3/24‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (5073‬ومسججلم )‪ (1402‬والترمججذي )‬
‫‪ (1083‬والنسججائي )‪ (6/58‬وفججي الكججبرى )‪ (5323‬وابججن‬
‫ماجة )‪ (1848‬من حديث سعد بن أبي وقاص‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( لنهم رضي الله عنهم كان قصدهم من ذلك النقطاع‬
‫لمور الخرة من العبادة والطاعة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( روى البخاري )‪ (4911‬وغيره‪ ،‬عن ابن عباس رضججي‬
‫فر‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬لقججد‬‫الله عنهما قال‪ :‬في الحرام يك ّ‬
‫كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‪.‬‬
‫‪- 288 -‬‬
‫علججى نفسججه شججيئا ً ممججا أحججل اللججه لججه فليججس ذلججك التحريججم‬
‫ل‪ ،‬وليشججرب إن كججان مشججروبًا‪،‬‬ ‫بشيء‪ ،‬فليأكل إن كان مججأكو ً‬
‫وليلبججس إن كججان ملبوس جًا‪ ،‬وليملججك إن كججان مملوكجًا‪ .‬وكججأنه‬
‫إجمججاع منهججم منقججول عججن مالججك وأبججي حنيفججة والشججافعي‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫واختلفوا في الزوجججة‪ :‬ومججذهب مالججك أن التحريججم طلق‬
‫كالطلق الثلث)‪ ،(1‬وما سججوى ذلججك فهججو باطججل‪ ،‬لن القججرآن‬
‫ة‬
‫شهد بكونه اعتداء‪ ،‬حتى إنه إن حّرم علججى نفسججه وطجء أمج ِ‬
‫غيره قاصدا ً به العتق فوطؤها حلل‪ ،‬وكججذلك سججائر الشججياء‪:‬‬
‫من اللباس والمسججكن والصججمت والسججتظلل والستضججحاء‪،‬‬
‫وقد تقججدم الحجديث فجي النججاذر للصججوم قائمجا ً فجي الشجمس‬
‫ساكتًا‪ ،‬فإنه تحريم للجلوس والكلم والستظلل‪ ،‬والنججبي ‪‬‬
‫أمره بالجلوس والتكلم والستظلل)‪.(2‬‬
‫قال مالك‪ :‬أمره ليتم ما كان لججه فيججه طاعججة‪ ،‬ويججترك مججا‬
‫كان عليه فيه معصية‪.‬‬
‫فتججأملوا كيججف جعججل مالججك تججرك الحلل معصججية! وهججو‬
‫مقتضى الية في قوله تعالى‪ :‬ول تعتدوا ‪ ‬الية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( اختلفت أقججوال العلمججاء فججي حكججم مججن حجّرم امرأتججه‬
‫عليه‪ ،‬حتى بلغها القرطبي ثمانية عشججر قججو ً‬
‫ل‪ ،‬وقججال ابججن‬
‫حجر‪ :‬وزاد غيره عليها‪) .‬انظر نيل الوطار ‪.(7/57‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخجججججاري )‪ (6704‬وابجججججن خزيمجججججة )‪(2241‬‬
‫والججدارقطني )‪ (4/161‬وأبجو داود )‪ (3300‬وابجن ماجججة )‬
‫‪ (2136‬وابن حبان )‪ (4385‬وعبد الرزاق )‪ (15821‬مججن‬
‫حديث ابن عباس‪.‬‬
‫‪- 289 -‬‬
‫فصل‬
‫ويتعلق بهذا الموضع مسائل‪:‬‬
‫‪ .1‬إحداها‪ :‬أن تحريم الحلل وما أشبه ذلك يتصور فججي‬
‫أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬التحريججم الحقيقججي‪ ،‬وهججو الواقججع مججن الكفججار‪،‬‬
‫كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي)‪ ،(1‬وجميع ما ذكر اللججه‬
‫تعالى تحريمه عن الكفار بالرأي المحض‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪ :‬ول تقولوا لما تصف ألسههنتكم‬
‫الكههذب هههذا حلل وهههذا حههرام لتفههتروا علههى اللههه‬
‫الكذب ‪ (2)‬وما أشبهه من التحريم الواقع في السلم رأيججا ً‬
‫مجردًا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون مجرد ترك ل لغججرض‪ ،‬بججل لن النفججس‬
‫تكرهه بطبعها‪ ،‬أو ل تذكره حتى تستعمله‪ ،‬أو ل تجد ثمنججه‪ ،‬أو‬
‫تشتغل بما هو آكد‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( روى البخاري بسنده )‪ (4623‬عن سعيد بن المسججيب‬
‫قال‪ :‬البحيرة‪ :‬التي يمنع درها للطواغيت فل يحلبها أحججد‬
‫من الناس‪ ،‬والسائبة‪ :‬كانوا يسججيبونها للهتهججم ل يحمججل‬
‫عليها شيء‪ .‬قال‪ :‬وقال أبو هريرة‪ :‬قال رسججول اللججه ‪:‬‬
‫رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار‪ ،‬كججان‬
‫أول من سيب السوائب‪ .‬والوصيلة‪ :‬الناقججة البكججر تبكججر‬
‫في أول نتاج البل‪ ،‬ثم تثني بعججد بججأنثى‪ ،‬وكججانوا يسججيبونها‬
‫لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالخرى ليس بينهما ذكججر‪.‬‬
‫والحام‪ :‬فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضججى‬
‫ضرابه ودعوه للطواغيت‪ ،‬وأعفوه من الحمل فلم يحمججل‬
‫عليه شيء وسموه الحامي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النحل‪.116 :‬‬
‫‪- 290 -‬‬
‫ضججب لقججوله فيججه‪" :‬إنه لهم‬ ‫ومنه ترك النججبي ‪ ‬لكججل ال ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" ‪ ،‬ول يسججمى مثججل‬
‫هذا تحريمًا‪ ،‬لن التحريججم يسججتلزم القصججد إليججه‪ ،‬وهججذا ليججس‬
‫كذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يمتنججع لنججذره التحريججم‪ ،‬أو مججا يجججري مجججرى‬
‫النججذر مججن العزيمججة القاطعججة للعججذر‪ ،‬كتحريججم النججوم علججى‬
‫الفراش سنة‪ ،‬وتحريم الضرع‪ ،‬وتحريم الدخار لغججد‪ ،‬وتحريججم‬
‫اللّيججن مججن الطعججام واللبججاس‪ ،‬وتحريججم الججوطء والسججتلذاذ‬
‫بالنساء في الجملة‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يحلف على بعض الحلل أن ل يفعلججه‪ ،‬ومثلججه‬
‫قد يسمى تحريمًا‪.‬‬
‫‪ .2‬المسألة الثانية‪ :‬أن الية التي نحججن بصججددها ينظججر‬
‫فيها على أي معنى يطلق التحريم من تلك المعاني‪:‬‬
‫أمهها الول‪ :‬فل مججدخل لججه هاهنججا‪ ،‬لن التحريججم تشججريع‬
‫كالتحليل‪ ،‬والتشريع ليس إل لصاحب الشرع‪،‬‬
‫وأما التحريههم بههالمعنى الثههاني‪ :‬فل حججرج فيججه فججي‬
‫الجملة‪ ،‬لن بواعث النفوس على الشيء أو صوارفها عنججه ل‬
‫تنضبط بقانون معلوم‪.‬‬
‫وأما التحريم بالمعنى الثالث والرابع‪ :‬فيحتمججل أن‬
‫يدخل في عبارة التحريم‪ ،‬فيكون قوله تعالى‪ :‬ل تحرمههوا‬
‫طيبات ما أحل الله لكههم ‪ ‬قججد شججمل التحريججم بالنججذر‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (2575‬ومسججلم )‪ 1945‬ومججا بعججده(‬
‫وأبججو داود )‪ (3794‬والنسججائي )‪ (7/197‬وفججي الكججبرى )‬
‫‪ (6653‬وابجججن ماججججة )‪ (3241‬وابجججن حبجججان )‪(5263‬‬
‫والبيهقي )‪ (9/323‬والدارمي من حديث ابن عبججاس عججن‬
‫خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪- 291 -‬‬
‫والتحريم بججاليمين‪ ،‬والججدليل علججى ذلججك ذكججر الكفججارة بعججدها‬
‫بقوله تعالى‪ :‬فكفارته إطعام عشرة مساكين ‪ ‬إلخ‪.‬‬
‫‪ .3‬والمسألة الثالثة‪ :‬أن هذه الية يشججكل معناهججا مججع‬
‫قوله تعالى‪ :‬كل الطعام كان حل ً لبني إسههرائيل إل‬
‫ما حهّرم إسهرائيل علهى نفسهه مهن قبهل أن ت َُنهزل‬
‫التوراة ‪ ‬الية)‪ ،(1‬فإن الله أخبر عن نبي من أنبيائه عليهججم‬
‫ل‪ ،‬ففيه دليل لجججواز‬‫الصلة والسلم أنه حّرم على نفسه حل ً‬
‫مثله‪.‬‬
‫دم يقججرر أن ل‬ ‫والجواب‪ :‬أنه ل دليل في الية‪ ،‬لن ما تق ّ‬
‫تحريم في السلم‪ ،‬فيبقى ما كججان شججرعا ً لغيرنججا منفيجا عججن‬
‫ً‬
‫شرعنا كما تقرر في الصول)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( آل عمران‪.93 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هذه مسألة أصولية مختلف فيها‪ ،‬ففججي المسججودة لل‬
‫تيمية‪ :‬مسألة‪ :‬شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شججرعنا‬
‫بنسخه فجى أصجح الروايجتين‪ ،‬وبهجا قجال الشجافعى وأكجثر‬
‫أصحابه‪ ،‬وبها قالت الحنفية والمالكيججة‪ ،‬والثانيججة‪ :‬ل يكججون‬
‫شججرعا ً لنججا إل بججدليل واختارهججا أبججو الخطججاب وبججه قججالت‬
‫المعتزلة والشعرية‪ ،‬وعن الشججافعية كالمججذهبين‪ ،‬واختججار‬
‫الول أبو زيد فيما كان مذكورا ً فى القرآن‪ ،‬ثججم القججائلون‬
‫بكونه شرعا ً لنا منهم من خصه بملة إبراهيجم‪ ،‬وهجو قججول‬
‫بعض الشافعية‪ ،‬ومنهم من خججص ذلججك بشججريعة موسججى‪،‬‬
‫ومنهم من خصه بعيسى لن شرعه آخججر الشججرائع قبلججه‪،‬‬
‫وعندنا أنه ل يختص بذلك بججل كججان متعبججدا ً بكججل مججا ثبججت‬
‫شرعا ً لى نبى كججان إلججى أن يعلججم نسججخه‪ ،‬وهججذا مججذهب‬
‫المالكية‪ .‬ورجح الشوكاني قول الجمهور‪ :‬أنه شرع لنا ما‬
‫لم ينسخ‪ ،‬وبشرط أن يثبت من طريق شرعنا كأن يثبججت‬
‫في القرآن أو ينص عليه رسولنا ‪ ‬أو صحابي أسلم من‬
‫أهججل الكتجاب‪ ،‬لن كتجب أهججل الكتجاب اعتراهججا كججثير مجن‬
‫‪- 292 -‬‬
‫‪ .4‬والمسألة الرابعة‪ :‬أن نقول‪ :‬مما يسأل عنججه قججوله‬
‫تعالى‪ :‬يا أيها النبي لم تحرم مهها أحههل اللههه لههك ‪‬‬
‫الية)‪ ،(1‬فإن فيها إخبارا ً بأنه عليه الصلة والسلم حّرم علججى‬
‫نفسه ما أحله الله‪ ،‬وقد نزل عليججه‪ :‬ل تحرمههوا طيبههات‬
‫ل مقججام‬‫ما أحل الله لكم ول تعتههدوا ‪ ،‬ومثججل هججذا يج ج ّ‬
‫ً‬
‫النجبي ‪ ‬عجن مقتضجى الظجاهر فيجه‪ ،‬وأن يكجون منهيجا عنجه‬
‫م تفعل؟ فل بد من النظر‬ ‫ابتداًء ثم يأتيه‪ ،‬حتى يقال له فيه‪ :‬ل ِ َ‬
‫في هذه المصارف‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن آية التحريم إن كججانت هججي السججابقة علججى‬
‫آية العقود)‪ ،(2‬فظاهر أنها مختصة بالنبي ‪ ،‬إذ لو أريد المججة‬
‫‪ -‬على قول من قال من الصوليين ‪ -‬لقال‪) :‬لم تحرمججون مججا‬
‫أحل الله لكم( ؟ كما قال‪ :‬يهها أيههها النههبي إذا طلقتههم‬
‫النساء ‪ ،(3)‬وهو بّين لن سورة التحريم قبل آية الحججزاب‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫لذلك لما آلى النبي ‪ ‬من نسائه شهرا ً بسبب هذه القصة‬

‫التحريف كما هو معلوم )انظججر‪ :‬إرشججاد الفحججول(‪ .‬ونقججل‬


‫النووي فججي روضججة الطججالبين )‪ (10/205‬أن الصججح عنججد‬
‫الشافعية أنه ليس بشرع لنا حججتى وإن لججم ينسججخ‪ .‬وذكججر‬
‫ابن حجججر فججي الفتججح أنججه يشججترط أن يثبججت عججن طريججق‬
‫شججرعنا علججى سججبيل التقريججر والمججدح والثنججاء مججع عججدم‬
‫النسخ‪ ،‬ل أن يثبت فحسب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( التحريم‪.1 :‬‬
‫)( يقصد بآية التحريم قوله تعالى ‪‬يا أيها النههبي ِلهه َ‬
‫‪2‬‬
‫م‬
‫تحرم ما أحل الله لههك ‪ ،‬وبآيججة العقججود‪ :‬آيججة سججورة‬
‫المائدة ‪‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات مها‬
‫أحل الله لكم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الطلق‪.1 :‬‬
‫ً‬
‫)( تقدم حديث اليلء قريب جا‪ ،‬وأمججا سججبب آيججة التحريججم‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫فججروت عائشججة أن السججبب تحريمججه للعسججل الججذي كججان‬


‫يشججربه عنججد زينججب‪ :‬رواه البخججاري )‪ (4912‬ومسججلم )‬
‫‪- 293 -‬‬
‫نججزل عليججه فججي سججورة الحججزاب‪ :‬يهها أيههها النههبي قههل‬
‫لزواجههك إن كنتههن ‪ (1)‬إلججخ‪ .‬وأيض جا ً فيحتمججل أن يكججون‬
‫التحريم يمعنججى الحلجف علجى أن ل يفعجل‪ ،‬والحلججف إذا وقجع‬
‫فصاحبه مخير بين أن يترك المحلوف عليججه‪ ،‬وبيججن أن يفعلججه‬
‫فر‪ .‬وقد جاء في آية التحريم‪ :‬قد فههرض اللههه لكههم‬ ‫وُيك ّ‬
‫ً‬
‫تحلة أيمانكم ‪ ‬فدل على أنه كان يمينا حلف ‪ ‬بها‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وأمججا إن فرضججنا أن آيججة العقججود هججي السججابقة علججى آيججة‬


‫التحريم‪ ،‬فيحتمل وجهين كالول‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون التحريم فججي سججورة التحريججم بمعنججى‬
‫الحلف‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون آية العقود غير متناولة للنبي ‪ ،‬وأن‬
‫قوله تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا ‪ ‬ل تججدخل‬
‫فيه‪ ،‬بناًء على قول من قال بذلك من الصوليين‪ ،‬وعند ذلججك‬
‫ل يبقى في القضية مججا ينظججر فيججه‪ ،‬ول يكججون للمحتججج باليججة‬
‫متعلق‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫إذا ثبت هذا‪ ،‬فكل من عمل على هذا القصد فعملججه غيججر‬
‫صحيح‪ ،‬لنه عام ٌ‬
‫ل أما بغير شريعة‪ ،‬لنه لم يتبججع أدلتهججا‪ ،‬وإمججا‬
‫عامل بشرع منسوخ‪ ،‬والعمل بالمنسججوخ مججع العلججم بالناسججخ‬
‫ل بل خلف‪ ،‬لن الترهب والمتنججاع مججن اللججذات والنسججاء‬ ‫باط ٌ‬
‫ً‬
‫وغير ذلك‪ :‬إن كان مشروعا ففيمججا قبججل هججذه الشججريعة مججن‬

‫‪ (1474‬وأبو داود )‪ (3714‬والنسائي )‪ ،7/13‬ج ‪ (71‬وفججي‬


‫الكججبرى )‪ .(4737‬وروى أنججس أن السججبب تحريججم أمتججه‪:‬‬
‫رواه النسائي )‪ (7/71‬وصحح إسناده الحافظ في الفتججح‪،‬‬
‫وقال أن يشهد له ما رواه الطبري مرسل ً من حديث زيد‬
‫بن أسلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الحزاب‪.28 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( التحريم‪.2 :‬‬
‫‪- 294 -‬‬
‫الشرائع‪ ،‬وقد تقدم قول النبي ‪" :‬لكني أصوم وأفطر‪،‬‬
‫وأصههلي وأنههام‪ ،‬وأتههزوج النسههاء‪ ،‬فمههن رغههب عههن‬
‫سنتي فليس مني")‪ (1‬وهو معنى البدعة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد تقدم من نقل ابن العربي في الرهبانية‪:‬‬
‫أنها السياحة واتخاذ الصوامع للعزلججة ‪ -‬قججال ‪ -‬وذلججك منججدوب‬
‫إليه في ديننا عند فساد الزمان‪.‬‬
‫وقد بسججط الغزالججي هججذا الفصججل فججي الحيججاء عنججد ذكججر‬
‫العزلة‪ ،‬وذكر في كتاب آداب النكاح من ذلك ما فيه كفاية‪.‬‬
‫وحاصله أن ذلججك مشججروع‪ ،‬بججل هججو الولجى عنججد عجروض‬
‫العوارض‪ ،‬وعندما يصير النكاح ومخالطججة النججاس وبججال ً علججى‬
‫النسان‪ ،‬ومؤديا ً إلى اكتساب الحرام والدخول فيما ل يجوز‪،‬‬
‫كما جاء في الصحيح من قوله ‪) :‬يوشك أن يكون خيههر‬
‫مال المسلم غنم يتبع بههها شههعف الجبههال ومواقههع‬
‫القطر يفر بدينه من الفتن()‪ ،(2‬وسائر ما جاء فججي هججذا‬
‫المعنى‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن الله تعالى قال لنبيه ‪: ‬واذكر اسم ربك‬
‫وتبتل إليه تبتيل ‪ (3)‬والتبتل ‪-‬على ما قاله زيد بن أسججلم‪-‬‬
‫رفض الدنيا‪ ،‬من قولهم‪ :‬بتلت الحبل بتل ً إذا قطعتججه‪ ،‬ومعنججاه‬
‫انقطع من كل شيء إل منه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم ص ‪.254‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (19‬والنسائي )‪ (8/123‬وفي الكججبرى‬
‫)‪ (11767‬وأبو داود )‪ (4267‬وابججن ماجججة )‪ (3980‬وابججن‬
‫حبان )‪ (5958‬وابن أبي شججيبة )‪ (7/448‬وأحمججد )‪(3/30‬‬
‫من حديث أبججي سجعيد الخججدري‪ .‬ورواه الحجاكم )‪(4/458‬‬
‫بنحوه من حديث عبادة بن الصججامت‪ .‬وشججعف‪ :‬بفتحججتين‪،‬‬
‫جمع شعفة‪ :‬وهي رؤوس الجبال‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مل‪.8 :‬‬ ‫)( المز ّ‬
‫‪- 295 -‬‬
‫وقال الحسن وغيره‪ :‬بّتل إليه نفسك واجتهد)‪ .(4‬وقال ابن‬
‫زيد‪ :‬تفرغ لعبادته‪ .‬هذا إلى ما جاء عن السججلف الصججالح مججن‬
‫النقطاع إلى عبادة الله ورفض أسباب الدنيا‪ ،‬والتخلججي عججن‬
‫الحواضر إلى البوادي‪ ،‬واتخاذ الخلوات في الجبال والججبراري‪،‬‬
‫حججتى إن بعججض الجبججال الشججامية قججد خصججها اللججه بالوليججاء‬
‫والمنقطعين إلى لبنان ونحوه‪ ،‬فما وجه ذلك؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن الرهبانية إن كججانت بججالمعنى المقججرر فججي‬
‫شرائع ال َُول فل نسلم أنها في شرعنا‪ ،‬لما تقججدم مججن الدلججة‬
‫على نسخها‪ ،‬كانت لعارض أو لغير عارض‪ ،‬إذ ل رهبانيججة فججي‬
‫السلم‪ ،‬وقد رد ّ ‪ ‬التبتل حسبما تقدم‪.‬‬
‫وإن كانت بمعنى النقطاع إلى الله حسبما شرع‪ ،‬وعلججى‬
‫طب بقججوله‪:‬‬‫حد مججا انقطججع إليججه رسججول اللججه ‪ ‬وهججو المخججا َ‬
‫‪‬وتبتل إليه تبتيل ً ‪ ‬فهذا هججو الججذي نحججن فججي تقريججره‪،‬‬
‫وأنه السنة المتبعة والهدي الصالح والصراط المستقيم‪.‬‬
‫وليس في كلم زيد بن أسلم وغيره في معنى التبتججل مججا‬
‫ينججاقض هججذا المعنججى‪ ،‬لن رفججض الججدنيا ليججس بمعنججى طججرح‬
‫اتخاذها جملة وترك الستمتاع بها‪ ،‬بل بمعنى ترك الشغل بها‬
‫عما كلف النسان به من الوظائف الشرعية‪.‬‬
‫وإذا تقرر هذا‪ ،‬فالفرار من العوارض بالسياحة واتخججاذ‬
‫الصوامع وسكنى الجبال والكهوف‪ ،‬إن كان على شرط أن ل‬
‫يحرموا ما أحل الله من المور التي حرمها الرهبان‪ ،‬بل على‬
‫حد ما كانوا عليه في الحواضر ومجججامع النججاس‪ :‬ل يشججددون‬
‫على أنفسهم بمقدار ما يشق عليهم‪ ،‬فل إشججكال فججي صججحة‬
‫هذه الرهبانية‪ ،‬غير أنها ل تسمى رهبانية إل بنوع من المجاز‪،‬‬
‫أو النقل العرفي الذي لم يجرِ عليججه معتججاد اللغججة‪ ،‬فل تججدخل‬
‫ة ابتههدعوها ‪ ‬ل فججي‬ ‫في مقتضى قوله تعالى‪ :‬ورهباني ً‬

‫‪4‬‬
‫)( عن مجاهد‪ :‬تفسير الطبري )‪.(29/133‬‬
‫‪- 296 -‬‬
‫السم ول في المعنى‪.‬‬
‫وإن كان على التزام مججا الججتزمه الرهبججان‪ ،‬فل نسججلم أنججه‬
‫في هذه الشريعة مندوب إليه ول مباح‪ ،‬بل هو ممججا ل يجججوز‪،‬‬
‫لنه كالشرع بغير شريعة محمد ‪ ،‬فل ينتظمه معنججى قججوله‬
‫‪" :‬من رغب عن سنتي فليس مني"‪.‬‬
‫وأما ما ذكره الغزالججي وغيججره مججن تفضججيله العزلججة علججى‬
‫المخالطججة ‪ ،‬وترجيججح العزبججة علججى اتخججاذ أهججل عنججد اعتججوار‬
‫العوارض‪ ،‬فذلك يستمد من أصل آخر ل من هنا‪.‬‬
‫وبيانه أن المطلوبات الشرعية ل تخلو أن يكون المكلججف‬
‫قادرا ً علججى المتثججال فيهججا مججع سججلمته عنججد العمججل بهججا مججن‬
‫وقوعه فججي منهججي عنججه أو ل‪ ،‬فججإن كججان قججادرا ً فججي مجججاري‬
‫العادات بحيث ل يعارضه مكججروه أو محججرم‪ ،‬فل إشججكال فججي‬
‫كون الطلب متوجها ً عليه بقدر استطاعته‪ ،‬على حد مججا كججان‬
‫السلف الصالح عليه قبل وقوع الفتن‪.‬‬
‫فإذا كانت العزلة مؤدية إلججى السججلمة فهججي الولججى فججي‬
‫أزمنججة الفتججن‪ ،‬والفتججن ل تختججص بفتججن الحججروب فقججط فهججي‬
‫جاريججة فججي الجججاه والمججال وغيرهمججا مججن مكتسججبات الججدنيا‪،‬‬
‫وضابطها ما صد ّ عن طاعة اللججه‪ ،‬ومثججل هججذا مججا يجججري بيججن‬
‫المندوب والمكروه‪ ،‬وبين المكروهين‪.‬‬
‫معججات والجماعججات‪،‬‬ ‫ج ُ‬
‫وإن كانت العزلة مؤدية إلى ترك ال ُ‬
‫والتعججاون علججى الطاعججات وأشججباه ذلججك فإنهججا]موقعججة فججي‬
‫المحججرم مججن جهججة و[ أيضجا ً سججلمة مججن جهججة أخججرى‪ ،‬ويقججع‬
‫التوازن بيججن المجأمورات والمنهيججات‪ ،‬وكججذلك النكججاح إذا أدى‬
‫إلى العمل بالمعاصي ولم يكن في تركه معصججية كججان تركججه‬
‫أولى‪.‬‬
‫فل إشججكال إذا ً علججى هججذا التقريججر فججي كلم الغزالججي ول‬
‫غيره ممن سلك مسلكه‪ ،‬لنهم بنوا علججى أصججل قطعججي فججي‬
‫‪- 297 -‬‬
‫الشرع‪ ،‬محكم ل ينسخه شيء وليس من مسألتنا بسبيل‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن مضمون هذا الفصججل يقتضججي أن العمججل‬
‫على الرهبانية المنفية في الية بدعة مججن البججدع الحقيقيججة ل‬
‫الضافية‪ ،‬لرد ّ رسول الله ‪ ‬لها أصل ً وفرعًا‪.‬‬
‫ثبججت بمضجمون هججذه الفصجول المتقدمجة آنفجا ً أن الحججرج‬
‫منفي عن الدين جملة وتفصيل ً ‪ -‬وإن كان قد ثبت أيض جا ً فججي‬
‫الصول الفقهية على وجججه مججن البرهججان أبلججغ ‪ -‬فلنبججن عليججه‬
‫فنقول‪:‬‬
‫قد فهم قوم من السلف الصالح وأهل النقطاع إلى اللججه‬
‫ممججن ثبتججت وليتهججم أنهججم كججانوا يشججددون علججى أنفسججهم‪،‬‬
‫ويلزمون غيرهم الشدة أيضا ً والتزام الحرج ديدنا ً في سججلوك‬
‫طريق الخرة‪ ،‬وعدوا من لم يدخل تحت هذا اللتزام مقصرا ً‬
‫مطرودا ً ومحرومًا‪ ،‬وربما فهمججوا ذلججك مججن بعجض الطلقججات‬
‫الشرعية‪ ،‬فرشحوا بذلك ما التزموه‪ ،‬فأفضى المر بهم إلججى‬
‫الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الضافية‪.‬‬
‫‪ -‬فمججن ذلججك‪ :‬أن يكججون للمكلججف طريقججان فججي سججلوكه‬
‫للخرة‪ ،‬أحدهما سهل والخججر صججعب‪ ،‬وكلهمججا فججي التوصججل‬
‫إلججى المطلججوب علججى حججد واحججد‪ ،‬فيأخججذ بعججض المتشججددين‬
‫بالطريق الصعب الججذي يشججق علججى المكلججف مثلججه‪ ،‬ويججترك‬
‫الطريق السهل بناء على التشديد على النفس‪:‬‬
‫كالذي يجد للطهارة ماءين‪ :‬سخنا ً وبججاردا ً فيتحججرى البججارد‬
‫الشاق استعماله‪ ،‬ويترك الخر‪ ،‬فهذا لجم يعجط النفججس حقهجا‬
‫الذي طلبه الشارع منه‪ ،‬وخالف دليججل رفججع الحججرج مججن غيججر‬
‫معنى زائد‪ ،‬فالشارع لم يرض بشرعية مثله‪ ،‬وقججد قججال اللججه‬
‫تعالى‪ :‬ول تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ً‬
‫‪ (1)‬فصار متبعا ً لهواه‪ ،‬ول حجة له فججي قججوله عليججه الصججلة‬
‫‪1‬‬
‫)( النساء‪.29 :‬‬
‫‪- 298 -‬‬
‫والسلم‪" :‬أل أدلكم على مهها يمحههو اللههه بههه الخطايهها‬
‫ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء عند الكريهههات"‬
‫الحديث)‪ ،(1‬من حيث كان السباغ مججع كراهيججة النفججس سججببا ً‬
‫لمحو الخطايا ورفع الدرجات‪ ،‬ففيججه دليججل علجى أن للنسججان‬
‫أن يسعى في تحصيل هذا الجر بإكراه النفس‪ ،‬ول يكججون إل‬
‫بتحري إدخال الكراهية عليها‪ ،‬لنا نقول‪ :‬ل دليل في الحججديث‬
‫على ما قلتم‪ ،‬وإنما فيه أن السباغ مع وجود الكراهية‪ ،‬ففيججه‬
‫أمر زائد‪ ،‬كالرجل يجد ماء باردا ً في زمججان الشججتاء ول يجججده‬
‫سخنًا‪ ،‬فل يمنعه شدة برده عن كمال السججباغ‪ ،‬وأمججا القصججد‬
‫إلى الكراهية فليس في الحديث ما يقتضججيه‪ ،‬بججل فججي الدلججة‬
‫المتقدمة ما يدل على أنه مرفوع عججن العبججاد‪ ،‬ولججو سججلم أن‬
‫الحديث يقتضيه لكانت أدلة رفع الحرج تعارضه وهي قطعيججة‬
‫وخبر الواحد ظنججي‪ ،‬فل تعججارض بينهمججا للتفججاق علججى تقججديم‬
‫القطعي‪.‬‬
‫ومثججل الحججديث قججول اللججه تعججالى‪ :‬ذلههك بههأنهم ل‬
‫يصيبهم ظمأ ول نصب ول مخمصة ‪ ‬الية)‪.(2‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك‪ :‬القتصار من المأكول على أخشججنه وأفظعججه‬
‫لمجرد التشديد ل لغججرض سججواه‪ ،‬فهججو مججن النمججط المججذكور‬
‫فوقه‪ ،‬لن الشرع لم يقصد إلى تعذيب النفس في التكليججف‪،‬‬
‫وهو أيضا ً مخالف لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬إن لنفسك‬
‫عليك حقًا")‪.(3‬‬
‫وقد كان النبي ‪ ‬يأكل الطّيب إذا وجده)‪.(4‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (251‬والترمذي )‪ (51‬وابن خزيمججة )‪(5‬‬
‫وابن حبججان )‪ (1038‬والججبيهقي )‪ (3/62‬مججن حججديث أبججي‬
‫هريرة‪ .‬ورواه ابن حيان )‪ (1039‬من حديث جابر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( التوبة‪.120 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تقدم من حديث عبد الله بن عمرو ص ‪.261‬‬
‫‪4‬‬
‫)( فكان يأكل لحم الضأن والماعز والبل‪ ،‬ويتتبع الججدباء‪،‬‬
‫‪- 299 -‬‬
‫وكان يحب الحلواء والعسل)‪.(1‬‬
‫ويعجبه لحم الذراع)‪ ،(2‬ويستع َ‬
‫ذب له الماء)‪ ،(3‬فججأين‬
‫التشديد من هذا؟!‪.‬‬
‫ول يدخل الستعمال المباح في قوله تعججالى‪ :‬أذهبتههم‬
‫طيباتكم في حياتكم الدنيا ‪ (4)‬لن المراد به السججراف‬

‫ويأكل الثريد‪ ،‬والقط مع التمر والسمن‪ ،‬والمججرق…إلججخ‪.‬‬


‫وكل ذلك في الصحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (5614‬ومسججلم )‪ (1474‬وأبججو داود )‬
‫‪ (3715‬من حججديث عائشججة‪ ،‬وهججو روايججة لحججديث تحريججم‬
‫العسل المتقدم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخججاري )‪ (3340‬ومسججلم )‪ (149‬والترمججذي )‬
‫‪ (1837‬وابججن ماجججة )‪ (3307‬والنسججائي فججي الكججبرى )‬
‫‪ (6660‬من حديث أبي هريرة‪ .‬ورواه الترمذي من حديث‬
‫عائشة )‪.(1838‬‬
‫‪3‬‬
‫)( صحيح‪ :‬رواه أبو داود )‪ (3735‬وابججن حبججان )‪(5332‬‬
‫وأحمججد )‪ (6/100‬مججن حججديث عائشججة‪ .‬وعنججد مسججلم )‬
‫‪ (2038‬والترمججذي )‪ (2369‬قصججة الرجججل الججذي أضججاف‬
‫النبي ‪ ‬وأبا بكر وعمر وخرج يستعذب لهله الماء‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الحقاف‪ .20 :‬و في حديث اليلء‪ :‬قال عمر‪ :‬فقلججت‬
‫ادع الله يا رسول الله أن يوسع علججى أمتججك‪ ،‬فقججد وسججع‬
‫على فارس والروم وهم ل يعبدون الله‪ ،‬فاستوى جالسججا ً‬
‫ثججم قججال‪ :‬أفجي شججك أنجت يجا ابجن الخطجاب! أولئك قجوم‬
‫عجلججت لهججم طيبججاتهم فججي الحيججاة الججدنيا‪ .‬الحججديث‪ ،‬رواه‬
‫البخججاري )‪ (4913‬ومسججلم )‪ (1469‬والترمججذي )‪(3318‬‬
‫من حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهججم‪ .‬وانظججر‬
‫لزام جا ً تفسججير القرطججبي لليججة‪ ،‬وتفسججيره لقججوله تعججالى‬
‫ج لعبههاده‬‫ة اللههه الههتي أخههر َ‬ ‫‪‬قههل مههن حهّرم زينه َ‬
‫ت من الرزق ‪] ‬العراف‪ ،[32 :‬وتفسير ابججن‬ ‫والطيبا ِ‬
‫‪- 300 -‬‬
‫الخارج عن حد المباح‪ ،‬بدليل ما تقدم‪.‬‬
‫فإذا ً القتصار على البشيع في المأكل من غير عذر تن ّ‬
‫طع‪،‬‬
‫وقد مّر مججا فيججه قججوله تعججالى‪ :‬يا أيهها الهذين آمنهوا ل‬
‫تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ‪ ‬الية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك‪ :‬القتصار في الملبس على الخشن مججن غيججر‬
‫طع المذموم‪ ،‬وفيه أيضا ً‬
‫ضرورة‪ ،‬فإنه من قبيل التشديد والتن ّ‬
‫من قصد الشهرة ما فيه‪.‬‬
‫وكججل مججا جججاء عججن المتقججدمين مججن المتنججاع عججن بعججض‬
‫المتناولت ليس من هذه الجهة‪ ،‬وإنمججا امتنعججوا منججه لعججارض‬
‫شرعي يشهد الدليل باعتباره‪ ،‬كالمتناع مججن التوسججع لضججيق‬
‫الحال في يده‪ ،‬أو لن المتناول ذريعة إلى ما يكججره أو يمنججع‪،‬‬
‫أو لن فججي المتنججاول وجججه شججبهة تفط ّججن إليججه التججارك ولججم‬
‫يتفطن إليججه غيججره ممججن علججم بامتنججاعه‪ .‬وقضججايا الحججوال ل‬
‫تعارض الدلة بمجردها‪ ،‬لحتمالها في أنفسها‪.‬‬
‫‪ -‬ومججن ذلججك‪ :‬القتصججار فججي الفعججال والحججوال علججى مججا‬
‫يخالف محبة النفوس وحملها على ذلك فججي كججل شججيء مججن‬
‫غير استثناء‪ ،‬فهو من قبيل التشديد‪ ،‬أل ترى أن الشارع أبججاح‬
‫أشياء مما فيه قضاء نهمة النفس وتمتعها واسججتلذاذها؟ فلججو‬
‫كانت مخالفتها ِبرا ً لشرع‪ ،‬ولندب الناس إلى تركه‪ ،‬فلم يكججن‬
‫مباحًا‪ ،‬بل مندوب الترك أو مكروه الفعل‪.‬‬
‫فمن يأتي متعبدا ً بزعمه بخلف ما وضع الشججارع لججه مججن‬
‫الرفججق والتيسججير والسججباب الموصججلة إلججى محبتججه‪ ،‬فيأخججذ‬
‫بالشججق والصججعب‪ ،‬ويجعلججه هججو السججلم الموصججل والطريججق‬
‫الخص‪ ،‬هل هججذا كلججه إل غايججة فججي الجهال جة‪ ،‬ولججف فججي تيججه‬
‫الضللة؟ عافانا الله من ذلك بفضله‪.‬‬

‫كثير‪ ،‬وفتح الباري )‪ (9/8‬أول النكاح‪.‬‬


‫‪- 301 -‬‬
‫فإذا سمعتم بحكاية تقتضي تشديدا ً على هذا السججبيل‪ ،‬أو‬
‫طع أو تكّلف فإما أن يكون صاحبها ممججن يعتججبر‬ ‫يظهر منها تن ّ‬
‫كالسججلف الصججالح‪ ،‬أو مججن غيرهججم ممججن ل يعججرف ول ثبججت‬
‫اعتباره عند أهل الحل والعقد مججن العلمججاء‪ ،‬فججإن كججان الول‬
‫فل بد أن يكون على خلف ما ظهر لبادي الرأي‪ ،‬كمجا تقجدم‪،‬‬
‫إن كججان الثججاني فل حجججة فيججه‪ ،‬وإنمججا الحجججة فججي المقتججدين‬
‫برسول الله ‪.‬‬
‫فهججذه خمسججة فججي التشججديد فججي سججلوك طريججق الخججرة‬
‫يقاس عليها ما سواها‪.‬‬

‫فصل ]في البدع الضافية[‬


‫قد يكون أصل العمل مشروعا ً ولكنه يصير جاريجا ً مجججرى‬
‫البدعة من باب الذرائع ‪ ،‬ولكن على غير الججوجه الججذي فرغنججا‬
‫من ذكره‪.‬‬
‫وبيججانه أن العمججل يكججون منججدوبا ً إليججه ‪ -‬مثل ً ‪ -‬فيعمججل بججه‬
‫العامل في خاصة نفسه على وضعه الول مججن الندبيججة‪ ،‬فلججو‬
‫اقتصججر العامججل علججى هججذا المقججدار لججم يكججن بججأس‪ ،‬ويجججري‬
‫مجراه إذا دام عليه في خاصيته غير مظهر له دائمججًا‪ ،‬بججل إذا‬
‫أظهره لم يظهره على حكم الملتزمات من السنن الرواتججب‬
‫والفرائض اللوازم‪ ،‬فهذا صحيح ل إشكال فيه‪.‬‬
‫وأصله ندب رسول اللجه ‪ ‬لخفجاء النوافجل والعمجل بهجا‬
‫فججي الججبيوت‪ ،‬وقججوله‪" :‬أفضههل الصههلة صههلتكم فههي‬
‫بيههوتكم إل المكتوبههة")‪ (1‬فاقتصججر فججي الظهججار علججى‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه مججن حججديث زيججد ابججن ثججابت البخججاري )‪(7290‬‬
‫ومسججلم )‪ (781‬والترمججذي )‪ (450‬والنسججائي )‪(3/197‬‬
‫‪- 302 -‬‬
‫المكتوبات ‪ -‬كمججا تججرى ‪ -‬وإن كججان ذلججك فججي مسجججده عليججه‬
‫السلم أو في المسجد الحرام أو في مسجد بيت المقججدس‪،‬‬
‫حتى قالوا‪ :‬إن النافلة في البيت أفضججل منهججا فججي أحججد هججذه‬
‫المساجد الثلثة بما اقتضاه ظاهر الحديث‪.‬‬
‫وجرى مججرى الفججرائض فجي الظهجار السججنن‪ ،‬كالعيجدين‬
‫والخسوف والستسججقاء وشججبه ذلججك‪ ،‬فبقججي مججا سججوى ذلججك‬
‫حكمة الخفاء‪.‬‬
‫فإذا اجتمع في النافلة أن تلتزم الججتزام السججنن الرواتججب‪،‬‬
‫إمججا دائم جا ً وإمججا فججي أوقججات محججدودة وعلججى وجججه محججدود‪،‬‬
‫وأقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض‪،‬‬
‫أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب فذلك ابتداع‪.‬‬
‫والدليل عليه أنججه لججم يججأت عججن رسججول اللججه ‪ ‬ول عججن‬
‫أصحابه ول عن التججابعين لهججم بإحسججان فعججل هججذا المجمججوع‬
‫هكججذا مجموعجًا‪ ،‬وإن أتججى مطلقجا ً مججن غيججر تلججك التقييججدات‪،‬‬
‫فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بججدليل الشججرع تقييججدها‬
‫رأي فججي التشججريع‪ ،‬فكيججف إذا عارضججه الججدليل‪ ،‬وهججو المججر‬
‫بإخفاء النوافل مث ً‬
‫ل؟‪.‬‬
‫ووجه دخول البتداع هنا‪ :‬أن كل ما واظججب عليججه رسججول‬
‫اللججه ‪ ‬مججن النوافججل وأظهججره فججي الجماعججات فهججو سججنة‪،‬‬
‫فالعمججل بالنافلججة الججتي ليسججت بسججنة علججى طريججق العمججل‬
‫بالسنة‪ ،‬إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شججرعًا‪ ،‬ثججم‬
‫يلزم من ذلك اعتقاد العوام فيها ومن ل علم عنده أنها سنة‪،‬‬
‫وهذا فساد عظيم‪ ،‬لن اعتقاد ما ليس بسججنة سججنة‪ ،‬والعمججل‬
‫بها على حد العمل بالسنة نحو من تبديل الشججريعة‪ ،‬كمججا لججو‬
‫اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض‪ ،‬أو بما ليججس بفججرض أنججه‬

‫وفي الكبرى )‪ (1291‬وابن خزيمة )‪ (1203‬وابن حبججان )‬


‫‪ (2491‬والبيهقي )‪ (3/109‬وابن أبي شيبة‪.‬‬
‫‪- 303 -‬‬
‫فرض‪ ،‬ثم عمل وفق اعتقاده فإنه فاسججد‪ ،‬فهججب العمججل فججي‬
‫الصل صحيحا ً‪ ،‬فإخراجه عن بججابه اعتقججادا ً وعمل ً‪ ،‬مججن بججاب‬
‫إفساد الحكام الشرعية‪.‬‬
‫ومن هنججا ظهججر عججذر السججلف الصججالح فججي تركهججم سججننا ً‬
‫قصدًا‪ ،‬لئل يعتقد الجاهل أنها من الفرائض كالضحية وغيرهججا‬
‫]‪.[13‬‬
‫ولجله أيضا ً نهى أكثرهم عن اتباع الثار)‪.(1‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫]‪ [13‬قال د‪ .‬سعيد بن ناصر الغامدي في‬
‫"حقيقة البدعة وأحكامههها" )ج ‪ 2‬ص ‪20‬‬
‫– ‪:(25‬‬
‫وأصججل هججذا المعنججى فيمججا رواه الججبيهقي بسججند‬
‫ريحة الغفججاري‪ ،‬وهججو حذيفججة بججن‬ ‫سج ِ‬
‫صحيح‪ ،‬عن أبججي َ‬
‫أسيد رضي الله عنه قال‪ :‬ما أدركت أبا بكر‪ ،‬أو رأيت‬
‫أبا بكر وعمججر ‪ -‬رضججي اللججه عنهمججا‪ -‬كانججا ل يضججحيان‬
‫كراهية أن يقتدى بهما‪.‬‬

‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫وفججي الججبيهقي أيضجا ً عججن أبججي مسججعود النصججاري‬
‫‪-‬رضججي اللججه عنججه‪ -‬قججال‪ :‬إنججي لدع الضججحى وإنججي‬
‫ي)‪.(2‬‬
‫لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم عل ّ‬

‫)( سيأتي قريبا ً من فعل عمر رضي الله عنه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫)( فعججل أبججي بكججر وعمججر‪ :‬صههحيح‪ :‬رواه الججبيهقي )‬
‫‪ .(9/265‬وقججول أبججي مسججعود‪ :‬صحيح‪ :‬رواه الججبيهقي )‬
‫‪- 304 -‬‬
‫وهججذا فهججم مججن الصججحابة ‪-‬رضججوان اللججه عليهججم‪-‬‬
‫لحكججام الشججريعة‪ ،‬وأن كججل عمججل لججه حكمججه الججذي‬
‫شرعه الله‪ ،‬فانتقاله إلججى حكججم أعلججى منججه‪ ،‬أو أدنججى‬
‫منه ل يكون إل بأمر الشارع‪ ،‬وعلى هذا العتبججار يعججد‬
‫هذا النتقال غير المشروع من البججدع الضججافية الججتي‬
‫تكاد تعد سنة محضة‪.‬‬
‫والسبب في اعتبار هذا العمل وأمثججاله مججن البججدع‬
‫الضافية‪ ،‬التي تكاد تعد سنة محضة هو أن العامل له‬
‫يخرج العمل عن بابه الذي وضعه الشرع فيه‪ ،‬ويضججع‬
‫له خاصية ليست مشججروعة لججه ‪ ...‬وهججذا زيججادة علججى‬
‫الشرع وتقييد بل دليل‪ ،‬حتى مججع افججتراض أن العمججل‬
‫في ذاته صحيحا ً فإخراجه عن بابه اعتقادا ً وعمل ً مججن‬
‫باب إفساد الحكام الشرعية‪ ،‬ومن باب الججتزود علججى‬
‫الشرع والتقديم بين يدي الله ورسوله‪.‬‬
‫وجميع هذا الذي ينهي عنه مججن بججاب س جد ّ الججذرائع‬
‫الموصولة إلجى البجدع‪ ،‬ولجه شجواهد وأدلجة مجن فعجل‬
‫السلف ‪-‬رضوان الله عليهم‪ ،-‬فمججن ذلججك نهيهججم عججن‬
‫اتباع الثار‪:‬‬

‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫)‪(1‬‬
‫بسججنده عججن المعججرور بججن‬ ‫كما أخرج بججن وضججاح‬
‫‪ :(9/265‬الرواء ‪.4/355‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ابن وضاح‪ :‬المججام الحججافظ محججدث النججدلس مججع‬
‫بقي‪ :‬أبو عبد الله محمد بججن وضججاح بججن بزيججع المروانججي‪،‬‬
‫مولى صاحب الندلس عبججدالرحمن بججن معاويججة الججداخل‪،‬‬
‫‪- 305 -‬‬
‫سججويد قججال‪ :‬خرجنججا حجاججا ً مججع عمججر بججن الخطججاب‪،‬‬
‫فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتججدره النججاس‬
‫يصججلون فيججه‪ ،‬قججال عمججر‪ :‬مججا شججأنهم؟ فقججالوا‪ :‬هججذا‬
‫مسجد صلى فيه رسول الله ‪ ،‬فقججال عمججر‪" :‬أيههها‬
‫الناس إنما أهلك مههن كههان قبلكههم باتبههاعهم‬
‫مثل هذا‪،‬حتى أحدثوها بيعًا‪ ،‬فمن عرضت لههه‬
‫فيه صلة فليصل‪ ،‬ومههن لههم تغههرض لههه فيههه‬
‫صلة فليمض‪.‬‬
‫وخ جّرج ابججن وضججاح أيض جا ً بطريقيججن أن عمججر بججن‬
‫الخطاب ‪-‬رضى الله عنه‪ ...-‬أمر بقطههع الشههجرة‬
‫التي بويع تحتههها النههبي ‪ ،‬فقطعهججا لن النججاس‬
‫كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة)‪.(1‬‬
‫ولد سنة تسع وتسعين ومئة‪ .‬ارتحل إلى العراق والشججام‬
‫ومصر وجمع فأوعى‪ .‬قال ابججن حججزم كججان يواصججل أربعججة‬
‫أيججام‪ ،‬وقججال ابججن الفرضججي كججان عالم جا ً بالحججديث بصججيرا ً‬
‫بطرقه وعلله‪ ،‬كثير الحكاية عن العباد‪ ،‬ورعا ً زاهدا ً صبورا ً‬
‫على نشر العلم‪ ،‬متعففًا‪ .‬نفع الله أهل الندلس به‪ ،‬وكان‬
‫ابن الحباب يعظمه ويصف عقله وفضججله ول يقججدم عليججه‬
‫أحججدا ً غيججر أنججه ينكججر رده لكججثير مججن الحججديث‪ ،‬قججال ابججن‬
‫الفرضي‪ :‬كان كثيرا ً ما يقول ليس هذا من كلم النبي ‪‬‬
‫في شيء ويكون ثابتا ً مججن كلمججه‪ .‬قججال‪ :‬ولججه خطججأ كججثير‬
‫محفوظ عنه‪ ،‬ويغلججط ويصججحف ول علججم لججه بالعربيججة ول‬
‫بالفقه‪ .‬توفي ابن وضاح في المحرم سججنة سججبع وثمججانين‬
‫ومئتين‪) .‬السير ‪.(13/445‬‬
‫‪1‬‬
‫)( نهي عمر عن الصلة مكان النبي‪ :‬رواه ابن أبي شيبة‬
‫)‪ ،(2/151‬وقطعه للشجرة الججتي بويججع عنججدها‪ :‬رواه ابججن‬
‫كك اللبججاني فججي " تحججذير‬ ‫أبججي شججيبة )‪ ،(2/150‬وشجج ّ‬
‫الساجد" ص ‪ 137‬في صحة هذه القصججة‪ ،‬وذكججر الحججافظ‬
‫‪- 306 -‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫ومججن هججذا البججاب كراهججة سججفيان الثججوري ومالججك‬
‫تخصججيص سججورة الخلص بججالقراءة دون غيرهججا فججي‬
‫الصلة‪ ،‬ففي البدع لبن وضاح‪ :‬أن سفيان سئل عججن‬
‫رجل يكثر قراءة ‪‬قل هو الله أحد‪،‬ل يقرأ غيرها‬
‫كما يقرأها فكرهه‪ ،‬وقال‪ :‬إنمجا أنتجم متبعجون فجاتبعوا‬
‫الولين‪ ،‬ولم يبلغنا عنهم نحو هذا‪ ،‬وإنما أنزل القججرآن‬
‫ليقرأ ول يخص شيء دون شيء‪.‬‬
‫وفيه عن مالك‪ :‬أنه سئل عن قججراءة ‪‬قههل هههو‬
‫الله أحد ‪ ‬مرارا ً في كل ركعججة فكججره ذلججك‪ ،‬وقججال‬
‫هذا من محدثات المور التي أحدثوها‪.‬‬
‫ول يعارض هذا ما رواه مسججلم فججي صججحيحه عججن‬
‫عائشججة‪ :‬أن رسججول اللججه ‪ ‬بعججث رجل ً علججى سججرية‬
‫وكان يقرأ لصحابه في صلتهم فيختم بقججل هججو اللججه‬
‫أحد‪ ،‬فلما رجعججوا ذكججر ذلججك لرسججول اللججه ‪ ‬فقججال‪:‬‬
‫"سههلوه لي شههيء يصههنع ذلههك"‪ ،‬فسههألوه‬
‫فقال‪ :‬لنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقههرأ‬
‫بها‪ ،‬فقال رسههول اللههه ‪":‬أخههبروه أن اللههه‬
‫يحبه")‪.(1‬‬

‫في الفتح )‪ (7/513‬أن هذه القصة عند ابن سعد بإسججناد‬


‫صحيح عن نافع أن عمججر‪ ، ..‬ونججافع لججم يججدرك عمججر فهججو‬
‫منقطع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (7375‬ومسججلم )‪ (813‬وابججن حبججان )‬
‫‪ (793‬والنسائي في الكبرى )‪ (1065‬من حديث عائشة‪.‬‬
‫ورواه البخججججاري بنحججججوه )‪ (774‬وابججججن حبججججان )‪(792‬‬
‫‪- 307 -‬‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫ففي هذا الحديث دليل الجواز ل دليل المشروعية‬
‫ل‪ ،‬ثم إن كلم مالك وسفيان منصب علججى مجن‬ ‫هذا أو ً‬
‫يقرأها ويخصها بالقراءة دون غيرهججا‪ ،‬أو يكررهججا فججي‬
‫ركعة واحدة‪ ،‬وكل هذا وإن كان أصله مشروعا ً بمثججل‬
‫حديث مسلم وغيره‪ ،‬إل أنه بهذا اللتزام والتخصججيص‬
‫والمداومة يصججبح لججه حكمجا ً آخججر ويصججير ذريعججة إلججى‬
‫اتخججاذ العمججل غيججر المسججنون وغيججر المشججروع سججنة‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫وهذه المثلة التي سبق ذكرها تعتبر بل شججك مججن‬
‫المور الجائزة أو المنججدوب إليهججا‪ ،‬ولكنهججا تخججرج مججن‬
‫هذا الحيز بأي نوع من التخصيص غير الشرعي‪ ،‬إلججى‬
‫أن تصبح بدعة أو ذريعة إلى البدعة‪ ،‬وسبب اعتبارهججا‬
‫إضافية أنها في أصلها لها دليل قاطع على جوازها أو‬
‫مشججروعيتها‪ ،‬وأنهججا مخالطججة لعمججال مشججروعة ولججم‬
‫تصججبح وصججفا ً لزمججا ً لهججا‪ ،‬وإنمججا صججارت كالسججبب‬
‫الموضججوع لعتقججاد البدعججة أو للعمججل بهججا علججى غيججر‬
‫السنة أو لتصبح ذريعة إلى البدعة‪.‬‬
‫وهججذا هججو وجججه تسججميتها بدعججة إضججافية ‪ ،‬ووجججه‬
‫تصنيفها في القسم الثاني من أقسام الضافية‪.‬‬
‫بيد أنه لبد من التنججبيه علججى مسججألة سججد الججذرائع‬
‫هذه‪ ،‬وأنها ليست على إطلقها فيبدع بأي عمل يظن‬
‫أو يتوهم أنججه يجؤدي إلججى بدعجة ‪ ،‬أو يحكججم علججى كججل‬

‫والدارمي من حديث أنس‪.‬‬


‫‪- 308 -‬‬
‫ذريعة إلى بدعة بأنها من قسم البدع الضافية وذلججك‬
‫للعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن سججد الججذرائع أو تججرك سججدها محججل اجتهججاد‬
‫المجتهد ‪.‬فقد يرى من ل يذهب‬
‫‪.....................................‬‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫إلى سد الذريعة في المسألة الفلنية أن العمل عنده‬
‫مشروع ويكون لصاحبه أجججره‪ ،‬أو يججرى أنهججا –أص جل ً‪-‬‬
‫ليست بذريعة حتى يجب سدها‪:‬وقد يذهب من يراهججا‬
‫ذريعة ويوجب سد الذرائع أن هذا العمل ممنوع‪ ،‬وأن‬
‫صاحبه ملوم على فعله‪ .‬وعلى هذا فلبججد مججن اعتبججار‬
‫الحكم على العمل بالبدعية أو عدمها من هججذا البججاب‬
‫لسيما في مسألة سد الذرائع هذه‪.‬‬
‫‪ .2‬يصح أن يكججون العمججل مشججروعا ً أو جججائزا ً مججن‬
‫جهة نفسه ومنهيا ً عنه مججن جهججة مججا يججؤدي إليججه مججن‬
‫مفاسد‪ ،‬أو من جهة مآله‪.‬‬
‫كقوله تعالى‪ :‬ول َتسبوا الذين يدعون مههن‬
‫عدوا ً بغير علم ‪.(1)‬‬ ‫دون الله فيسبوا الله َ‬
‫وهناك أحكام فقهيه عديدة علل العلماء فيها المر‬
‫أو النهي بالتججذرع وعليججه فإدخججال ذريعججة البدعججة فججي‬
‫حكم البدعة مججن السججائغ المقبججول شججرعًا‪ ،‬وإن كججان‬
‫المر المتذرع به مشروعا ً أو جائزا ً من جهة نفسه‪.‬‬
‫‪ .3‬تختلجف الجذرائع فجي أحكامهجا بجاختلف منجازل‬
‫المتذرع إليه وأصل هذا المعنى فججي قججوله ‪" :‬من‬

‫‪1‬‬
‫)( النعام‪.108 :‬‬
‫‪- 309 -‬‬
‫أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه‪ .‬قالوا‪:‬يهها‬
‫رسول الله هل يسب الرجههل والههديه؟ قههال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬يسب أبا الرجل فيسب أباه وأمه")‪.(1‬‬
‫فهذه أمور جائزة أو مندوب إليهججا‪ ،‬ولكنهججم كرهججوا فعلهججا‬
‫خوفا ً من البدعة لن اتخاذها سنة إنما هو بأن يواظب الناس‬
‫عليها مظهريججن لهججا‪ ،‬وهججذا شججأن السججنة‪ ،‬وإذا جججرت مجججرى‬
‫السنن صارت من البدع بل شك‪.‬‬
‫فههإن قيههل‪ :‬كيججف صججارت هججذه الشججياء مججن البججدع‬
‫الضافية ؟ والظاهر منها أنها بدع حقيقيججة! لن تلججك الشججياء‬
‫إذا عمل بها على اعتقاد أنها سنجة فهجي‬
‫ججججججججججججججججججججججججججججججججججججج‬
‫فجعججل سججب الرجججل لوالججدي غيججره بمنزلججة سججبه‬
‫لوالديه نفسه‪ ،‬حتى ترجمه عنها بقججوله‪" :‬أن يسههب‬
‫الرجل والديه"‪.‬‬
‫فعد ّ ذلججك مججن أكججبر الكبججائر‪ ،‬مججع أنججه ل يمكججن أن‬
‫يقصد الرجل والديه بالسب‪ ،‬ولكن سبه لوالدي الخر‬
‫صار ذريعة لسب والديه فعد سابا ً لهما‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث عدة فوائد‪:‬‬
‫منهججا اعتبججار سججد الججذرائع‪ ،‬ومنهججا أن حكججم ذريعججة‬
‫الشيء يختلف باختلف ما توصل إليججه‪ ،‬وكججذلك ذرائع‬
‫البدع يكون حكمها بحسب ما توصل إليه‪ ،‬فإن كججانت‬
‫توصل إلى بدعة كججبيرة فالوسججيلة كججذلك‪ ،‬وإن كججانت‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (5973‬وابن حبان )‪ (411‬وأبججو داود )‬
‫‪ (5141‬وأحمد )‪ ،2/164‬ج ‪ (216‬من حديث عبد اللججه بججن‬
‫عمرو‪.‬‬
‫‪- 310 -‬‬
‫توصل إلى بدعة صغيرة فالوسيلة كذلك‪.‬‬
‫وعليه فل يعتبر كل ما جاء مججن بججاب سججد الججذرائع‬
‫في مسألة البدعة من البججدع الضججافية الججتي تقججترب‬
‫من السنة المحضة‪ ،‬بل قد تكون إضافية مقتربة مججن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وقد تكون حقيقية بحتة‪ ،‬وإنما جججاء مججا ذكججر‬
‫سججلفا ً عنججد القسججم الثججاني مججن الضججافية مججن بججاب‬
‫التمثيل‪ .‬أ‪.‬هج‪.‬‬
‫حقيقية‪ ،‬إذ لم يضعها صاحب السنة رسول الله ‪ ‬على هججذا‬
‫الوجه‪ ،‬فصارت مثل ما إذا صلى الظهر على أنها غيججر واجبججة‬
‫واعتقدها عبادة فإنها بدعة من غير إشكال‪.‬‬
‫هججذا إذا نظرنججا إليهججا بمآلهججا‪ ،‬وإذا نظرنججا إليهججا أول ً فهججي‬
‫مشروعة من غير نسبة إلى بدعة ًأص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فهههالجواب‪ :‬أن السجججؤال صجججحيح‪ ،‬إل أن لوضجججعها أول ً‬
‫نظرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬من حيث هي مشروعة فل كلم فيها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬من حيث صججارت كالسججبب الموضججوع لعتقججاد‬
‫البدعة أو للعمل بها على غير السججنة‪ ،‬فهججي مججن هججذا الججوجه‬
‫غيججر مشججروعة‪ ،‬لن وضججع السججباب للشججارع ل للمكلججف‬
‫والشارع لم يضع الصلة في مسجججد قبججاء أو بيججت المقججدس‬
‫ل‪ -‬سببا ً لن تتخذ سنة فوضع المكلف لها كجذلك رأي غيجر‬ ‫‪-‬مث ً‬
‫مستند إلى الشرع‪ ،‬فكان ابتداعًا‪.‬‬
‫وهذا معنى كونها بدعججة إضججافية‪ ،‬أمججا إذا اسججتقر السججبب‬
‫وظهر عنه مسببه الذي هو اعتقاد العمل سنة‪ ،‬والعمل علججى‬
‫وفقه‪ ،‬فذلك بدعة حقيقية ل إضافية‪.‬‬
‫وإذا ثبججت فججي المججور المشججروعة أنهججا قججد تعججد بججدعا ً‬

‫‪- 311 -‬‬


‫بالضافة‪ ،‬فما ظنك بالبدع الحقيقية‪ ،‬فإنها قد تجتمع فيهججا أن‬
‫تكون حقيقية وإضافية معًا‪ ،‬لكن من جهتين‪.‬‬
‫فإذا ً بدعة )أصبح ولله الحمد( في نداء الصبح ظاهرة‪ ،‬ثم‬
‫لما عمل بها في المساجد والجماعات مواظبا ً عليها ل تججترك‬
‫كما ل تترك الواجبات وما أشبهها‪ ،‬كان تشريعا ً أول ً يلزمه أن‬
‫يعتقد فيه الوجوب أو السنة‪ ،‬وهذا ابتداع ثان إضافي‪ ،‬ثججم إذا‬
‫اعتقد فيها ثانيا ً السنية أو الفرضججية صججارت بدعججة مججن ثلثججة‬
‫أوجه‪.‬‬
‫ومثله يلججزم فججي كججل بدعججة أظهججرت والججتزمت‪ ،‬وأمججا إذا‬
‫خفيت واختص بها صججاحبها فججالمر عليججه أخججف‪ ،‬فيججا للججه ويججا‬
‫للمسلمين! ماذا يجني المبتدع على نفسه مما ل يكججون فججي‬
‫حسابه؟ وقانا الله شرور أنفسنا بفضله‪.‬‬

‫]سكوت الشارع عن الحكم في‬


‫مسألة ما[‬
‫]وقههول القههائل‪ [:‬بججأن الججترك ل يججوجب حكمججا ً فججي‬
‫المتروك إل جواز الترك‪ ،‬غير جارٍ على أصول الشرع الثابتة‪.‬‬
‫وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسججألة أو تركججه‬
‫لمر ما على ضربين‪:‬‬
‫أحههدهما‪ :‬أن يسججكت عنججه أو يججتركه لنججه ل داعيججة لججه‬
‫تقتضيه ‪ ،‬ول موجب يقرر لجله‪ ،‬ول وقع سبب تقريره‪.‬‬
‫كججالنوازل الحادثججة بعججد وفججاة النججبي ‪ ،‬فإنهججا لججم تكججن‬
‫موجودة ثم سكت عنها مع وجودها‪ ،‬وإنمجا حجدثت بعجد ذلجك‪،‬‬
‫فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها علجى مجا تجبين‬

‫‪- 312 -‬‬


‫في الكليات التي كمل بها الججدين‪ ،‬وإلججى هججذا الضججرب يرجججع‬
‫جميع ما نظر فيه السلف الصالح مما لم يسججنه رسججول اللججه‬
‫‪ ‬على الخصوص مما هو معقول المعنى‪ ،‬كتضمين الصّناع‪،‬‬
‫ومسألة الحرام والجججد مججع الخججوة‪ ،‬وع َججول الفججرائض‪ ،‬ومنججه‬
‫جمع المصحف ثم تدوين الشرائع)‪ ،(1‬وما أشبه ذلججك ممججا لججم‬
‫يحتج في زمانه عليه السلم إلى تقريره‪ ،‬للتقديم كلياته التي‬
‫تستنبط بها منها‪ ،‬وإذا لم تقع أسباب الحكم فيهججا ول الفتججوى‬
‫بها منه عليه الصلة والسلم‪ ،‬فلم يذكر لها حكم مخصوص‪.‬‬
‫فهذا الضرب إذا حججدثت أسججبابه فل بججد مججن النظججر فيججه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( التضمين من الضمان‪ ،‬وهو التزام بتعويض عججن ضججرر‬
‫صّناع‪ :‬الجراء‪ ،‬كالخياط يعطى القماش ليصنعه‬ ‫للغير‪ ،‬وال ّ‬
‫ثوبًا‪.‬‬
‫ومسألة الحرام‪ :‬وهي تحريججم الرجججل زوجتججه‪ ،‬وتقججدمت‪.‬‬
‫والجد مع الخوة‪ :‬هججذا فججي الميججراث‪ ،‬فمججن العلمججاء مججن‬
‫جعله كالب فلم يورث الخججوة فججي وجججوده‪ ،‬ومنهججم مججن‬
‫ول‪ :‬فهجو زيجادة‬ ‫أشرك الخوة معه في الميراث‪ .‬وأما الَعج ْ‬
‫سهام الورثججة عججن أصججل المسججألة‪ ،‬كاجتمججاع زوج وأخججت‬
‫وأم‪ ،‬فالجمهور على القججول بججالعول‪ ،‬وذهججب ابججن عبججاس‬
‫وغيججره إلججى تقججديم الولججى فججالولى ول عججول‪ .‬وجمججع‬
‫المصحف‪ :‬كججان علججى عهججد رسججول اللججه ‪ ‬مكتوب جا ً فججي‬
‫الرقاع واللخاف والكتاف والجريد غير مجموع في كتججاب‬
‫واحججد لنججه لججم يحتججج إلججى ذلججك لنججه كججان محفوظجا ً فججي‬
‫الصدور‪ .‬وجمعه أبو بكر الصديق بمشورة عمر‪ ،‬ثم جمعه‬
‫الجمع الثاني عثمان بن عفان بمحضر من الصحابة علججى‬
‫حرف واحد‪ ،‬وعمل منه نسخا ً أرسلها إلججى المصججار وهججو‬
‫المعروف بالمصحف المام‪ .‬وأما تدوين الشججرائع‪ :‬فمثججل‬
‫كتابة الحاديث في الصحاح والمسانيد والسججنن‪ ،‬وتججدوين‬
‫العلوم الشججرعية مثججل مصججطلح الحججديث وأصججول الفقججه‬
‫والتفسير ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪- 313 -‬‬
‫وإجرائه على أصوله إن كان من العاديججات‪ ،‬أو مججن العبججادات‬
‫التي ل يمكن القتصار فيها على مججا سججمع‪ ،‬كمسججائل السججهو‬
‫والنسيان في إجزاء العبادات‪ .‬ول إشكال فججي هججذا الضججرب‪،‬‬
‫لن أصول الشرع عتيدة وأسباب تلك الحكام لججم تكججن فججي‬
‫زمان الوحي‪ ،‬فالسكوت عنهججا علججى الخصججوص ليججس بحكججم‬
‫يقتضي جججواز الججترك أو غيججر ذلججك‪ ،‬بججل إذا عرضججت النججوازل‬
‫روجع بها أصولها فوجدت فيها ول يجدها مججن ليججس بمجتهججد‪،‬‬
‫وإنما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم أصول الفقه‪.‬‬
‫والضرب الثاني‪ :‬أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص‬
‫أو يترك أمججرا ً مجا مجن المججور‪ ،‬ومجوجبه المقتضجى لجه قجائم‪،‬‬
‫وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت‪ ،‬إل أنججه لججم‬
‫يحدد فيه أمر زائد على ما كان من الحكم العججام فججي أمثججاله‬
‫ول ينتقججص منججه‪ ،‬لنججه لمججا كججان المعنججى المججوجب لشججرعية‬
‫الحكم العقلي الخاص موجججودًا‪ ،‬ثججم لججم يشججرع ول نبججه علججى‬
‫السبطا كان صريحا ً في أن الزائد على ما ثبت هنالججك بدعججة‬
‫زائدة ومخالفة لقصد الشجارع‪ ،‬إذ فهججم مججن قصججده الوقججوف‬
‫عند ما حد هنالك ل الزيادة عليه ول النقصان منه‪.‬‬

‫‪- 314 -‬‬


‫)‪(1‬‬
‫ف جي‬ ‫ولذلك مثال فيما نقل عن مالك بههن أنههس‬
‫سماع أشهب وابن نافع‪ ،‬هو غاية فيما نحن فيه‪:‬‬
‫وذلك أن مذهبه في سجود الشججكر الكراهيججة وأنججه ليججس‬
‫بمشروع‪ ،‬وعليه بنى كلمه‪.‬‬
‫قال في العتبية‪ :‬وسئل مالك عن الرجل يأتيه المر يحبججه‬

‫‪1‬‬
‫)( المام مالك بن أنس‪ :‬هو شججيخ السججلم حجججة المججة‬
‫إمام دار الهجرة‪ :‬أبو عبد الله مالك ابججن أنججس بججن مالججك‬
‫بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الحميري ثم الصبحي‬
‫المدني حليف ابن تيججم مججن قريججش‪ ،‬فهججم حلفججاء عثمججان‬
‫أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة‪ ،‬مولججد مالججك علججى‬
‫الصجح فجي سجنة ثلث وتسجعين عجام مجوت أنجس خجادم‬
‫رسول الله ‪ ،‬طلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم‬
‫وسالم‪ ،‬فأخذ عن نافع وسعيد المقججبري وعججامر بججن عبججد‬
‫الله ابن الزبير وابن المنكدر والزهري وعبدالله بن دينججار‬
‫وخلق‪ .‬وعن أبي صالح عن أبي هريرة يبلججغ بججه النججبي ‪‬‬
‫قال‪" :‬ليضربن الناس أكباد البل في طلب العلم‬
‫فل يجدون عالما ً أعلههم مههن عههالم المدينههة" وقججد‬
‫رواه النسجججائي ]فجججي الكجججبرى ‪ ،4291‬ورواه الترمجججذي‬
‫‪ ،2680‬وابججن حبججان ‪ :3736‬ضججعيف‪ :‬الضججعيفة‪.[4833 /‬‬
‫قلت‪ :‬كان عالم المدينة فججي زمججانه بعججد رسججول اللججه ‪‬‬
‫وصاحبيه‪ :‬زيد بن ثابت وعائشة‪ ،‬ثم ابججن عمججر ثججم سججعيد‬
‫بن المسيب‪ ،‬ثججم الزهججري‪ ،‬ثججم عبيججد اللججه بججن عمججر‪ ،‬ثججم‬
‫مالك‪ .‬وعن ابن عيينة قال‪ :‬مالك عالم أهل الحجججاز وهججو‬
‫حجججة زمانججة‪ .‬وقججال الشججافعي‪- :‬وصججدق وبججر‪ -‬إذا ذكججر‬
‫العلماء فمالك النجم‪ .‬ابن وهججب عججن مالججك قججال دخلججت‬
‫على المنصور وكان يدخل عليه الهاشميون فيقبلون يججده‬
‫ورجلججه عصججمني اللججه مججن ذلججك‪ .‬قججال يججونس سججمعت‬
‫الشافعي يقول‪ :‬مالك وابن عيينه القرينججان‪ ،‬ولججول مالججك‬
‫‪- 315 -‬‬
‫فيسجد لله عز وجل شكرا ً ؟ فقال ل يفعل هذا ممججا مضججى‬
‫من أمر الناس‪ ،‬قيل له‪ :‬إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه –‬
‫فيما يذكرون – سججد يجوم اليمامجة شجكرا ً للجه)‪ .(1‬أفسجمعت‬
‫ذلك؟ قال‪ :‬ما سمعت ذلك‪ ،‬وأنا أرى أنهم قد كذبوا على أبي‬
‫بكر‪ .‬وهذا من الضلل أن يسمع المرء الشججيء فيقججول‪ :‬هججذا‬
‫شيء لم تسمعه منججي‪ ،‬قججد فتججح اللججه علججى رسججول اللججه ‪‬‬
‫وعلى المسلمين بعده‪ ،‬أفسمعت أن أحججدا ً منهججم فعججل مثججل‬
‫وابن عيينه لذهب علم الحجججاز‪ .‬عججن شججعبه قججال قججدمت‬
‫المدينة بعد موت نافع بسنة ولمالك بن أنس حلقه‪ .‬أيوب‬
‫قال‪ :‬لقد كان لمالك حلقة في حياة نافع‪ .‬محمد بججن عبججد‬
‫الله بن عبججد الحكججم‪ :‬سججمعت الشججافعي يقججول قججال لججي‬
‫محمد بن الحسن‪ :‬صاحبنا أعلججم مججن صججاحبكم‪ ،‬يريججد أبججا‬
‫حنيفة ومالكجًا‪ ،‬ومججا كججان لصججاحبكم أن يتكلججم‪ ،‬ومججا كججان‬
‫لصاحبنا أن يسكت‪ ،‬فغضججبت وقلججت‪ :‬نشججدتك اللججه! مججن‬
‫أعلم بالسنة مالك أو صاحبكم؟ فقال‪ :‬مالك‪ ،‬لكن صاحبنا‬
‫أقيججس‪ .‬فقلججت‪ :‬نعجم ومالجك أعلججم بكتجاب اللججه وناسجخه‬
‫ومنسوخه وبسنة رسول اللججه ‪ ‬مججن أبججي حنيفججة‪ ،‬ومججن‬
‫كان أعلم بالكتاب والسنة كان أولى بالكلم‪.‬‬
‫قال الهيثججم بججن جميججل‪ :‬سججمعت مالكججا سججئل عججن ثمججان‬
‫وأربعين مسألة فأجاب في اثنتين وثلثين منها بج ل أدري‪.‬‬
‫ابن سعد‪ :‬حدثنا الواقججدي قججال‪ :‬مججا دعججي مالججك وشججوور‬
‫وسمع منه وقبل قوله حسد وبغوة بكل شيء‪ ،‬فلما ولججي‬
‫جعفر بن سججليمان المدينججة سججعوا بججه إليججه وكججثروا عليججه‬
‫عنده‪ ،‬وقالوا ل يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء‪ ،‬وهو يأخججذ‬
‫بحديث رواه عن ثابت ابن الحنف في طلق المكره أنججه‬
‫ل يجوز عنده‪ ،‬قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه‬
‫بما رفع إليه عنه‪ ،‬فأمر بتجريده وضربه بالسياط‪ ،‬وجبذت‬
‫يده حتى انخلعججت مججن كتفججه وارتكججب منججه أمججر عظيججم‪.‬‬
‫فوالله ما زال مالك بعد في رفعه وعلو‪ .‬قلت‪ :‬هذا ثمججرة‬
‫المحنة المحمودة أنها ترفع العبججد عنججد المججؤمنين‪ ،‬وبكججل‬
‫‪- 316 -‬‬
‫هذا ؟ إذ ما قد كججان فججي النججاس وجججرى علججى أيججديهم سججمع‬
‫عنهم فيه شيء‪ ،‬فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر‪ ،‬لنه من أمر‬
‫النججاس الججذي قججد كججان فيهججم‪ ،‬فهججل سججمعت أن أحججدا ً منهججم‬
‫سجد ؟ فهذا إجماع‪ ،‬وإذا جججاءك أمججر ل تعرفججه فججدعه‪ ،‬تمججام‬
‫الرواية‪.‬‬
‫وقد ظهر من العادات الجاريججة فيمججا نحججن فيججه‪ ،‬أن تججرك‬

‫حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير‪ ،‬ومن يرد‬
‫الله به خيرا ً يصيب منه‪ .‬فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعججظ‬
‫م‬
‫واستغفر ولم يتشاغل بججذم مججن انتقججم منججه‪ ،‬فججالله حكج ٌ‬
‫مقسط‪ ،‬ثم يحمد الله على سلمة دينه ويعلم أن عقوبججة‬
‫الدنيا أهجون وخيجر لجه‪ .‬عجن ابجن وهجب سجئل مالجك عجن‬
‫الداعي يقول يا سيدي‪ ،‬فقال‪ :‬يعجبني دعاء النبيججاء‪ :‬ربنججا‬
‫ربنا‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل‬
‫به جبريل على محمججد ‪ ‬لجججدله‪ .‬الشججافعي يقججول‪ :‬كججان‬
‫مالك إذا جاءه بعض أهل الهواء قال‪ :‬أما إني علججى بينججة‬
‫ك اذهججب إلججى شججاك مثلججك‬ ‫مججن دينججي‪ ،‬وأمججا أنججت فشججا ّ‬
‫فخاصمه‪.‬‬
‫حدثنا جعفر بن عبد الله قال‪ :‬كنا عند مالك فجججاءه رجججل‬
‫فقججال يججا أبججا عبججد اللججه‪ :‬الرحمههن علههى العههرش‬
‫استوى ‪ ‬كيف استوى؟ فما وجد مالججك مججن شججيء مججا‬
‫وجد من مسألته‪ ،‬فنظججر إلججى الرض وجعججل ينكججت بعججود‬
‫في يده حتى عله الرحضاء‪ ،‬ثم رفع رأسه ورمججى بججالعود‬
‫وقال‪ :‬الكيف منه غير معقول والستواء منه غير مجهججول‬
‫واليمان به واجب والسؤال عنججه بدعججة‪ ،‬وأظنججك صججاحب‬
‫بدعة‪ ،‬وأمر به فأخرج‪.‬‬
‫وقال إسجماعيل بجن أبجي أويجس‪ :‬مجرض مالجك‪ ،‬فسجألت‬
‫بعض أهلنا عما قال عند المججوت؟ قججالوا‪ :‬تشججهد ثججم قججال‬
‫‪‬لله المر من قبل ومههن بعههد ‪ ،‬وتججوفي صججبيحة‬
‫‪- 317 -‬‬
‫الولين لمر ما من غير أن يعينوا فيه وجها ً مججع احتمججاله فججي‬
‫الدلة الجملية‪ ،‬ووجود المظنة‪ ،‬دليججل علججى أن ذلججك المججر ل‬
‫يعمل به‪ ،‬وأنه إجماع منهم على تركه‪.‬‬
‫قال ابن رشد في شرح مسألة العتبية‪ :‬الججوجه فججي ذلججك‬
‫أنه لم يرد مما شرع في الدين ‪ -‬يعني سجود الشكر ‪ -‬فرضا ً‬
‫ول نف ً‬
‫ل‪ ،‬إذ لججم يججأمر بججذلك النججبي ‪ ‬ول فعلججه‪ ،‬ول أجمججع‬

‫أربججع عشججرة مججن ربيججع الول سججنة تسججع وسججبعين ومئة‪.‬‬


‫)السير‪.(8/48 :‬‬
‫)( عججن أبججي بكججرة أن النججبي ‪" ‬كههان إذا أتههاه أمههر‬ ‫‪1‬‬

‫دا شههكًرا للههه تعهالى"‬ ‫يسره أو بشر به خهر سهاج ً‬


‫رواه الخمسججة إل النسججائي )أبججو داود ‪ ،2774‬والترمججذي‬
‫‪ 1578‬وابن ماجة ‪ 1394‬وأحمد ‪ 5/45‬والبيهقي ‪:2/370‬‬
‫حسججن لشججواهده‪ :‬الرواء ‪ ،2/226‬وإن كججان فججي سججنده‬
‫مقال(‪.‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن عوف رواه أحمد )‪ 1/191‬والحاكم‬
‫‪ 1/550‬والبيهقي ‪ :2/371‬وصججححه أحمججد شججاكر‪ ،‬وقججال‬
‫اللباني‪ :‬له علتان ولكنه حسن بطريقيه(‪.‬‬
‫قال الشوكاني في النيههل )‪ :(3/128‬وفججي البججاب‬
‫عن أنس عند ابن ماجة )‪ (1392‬بنحو حديث أبججي بكججرة‪،‬‬
‫وفي سنده ضعف واضطراب )قجال اللبجاني‪ :‬ل بجأس بجه‬
‫في الشواهد‪ ،‬وفيه ابن لهيعة(‪ ،‬وعن جابر عند ابن حبججان‬
‫في الضعفاء‪ ،‬وفي الباب عن سعد بن أبججي وقججاص )رواه‬
‫أبو داود ‪ 2775‬وفي سنده مجهول(‪ ،‬قججال الججبيهقي‪ :‬فججي‬
‫الباب عن جابر وابن عمججر وأنججس وجريججر وأبججي جحيفججة‪.‬‬
‫قال المنذري‪ :‬وقد جاء حديث سجدة الشكر مججن حججديث‬
‫البراء بإسججناد صججحيح )الججبيهقي ‪ 2/369‬وسججنده ضججعيف(‬
‫ومججن حججديث كعججب بججن مالججك )رواه البخججاري ‪4418‬‬
‫ومسلم ‪ 2769‬وابن ماجة ‪1393‬من فعل كعب لمججا أتججاه‬
‫البشير بتوبة الله عليججه‪ ،‬قججال‪ :‬فخررت سههاجدا ً( وغيججر‬
‫‪- 318 -‬‬
‫المسلمون على اختيار فعله‪ ،‬والشرائع ل تثبججت إل مججن أحججد‬
‫هذه المور‪.‬‬
‫قال‪ :‬واستدلله على أن رسول الله ‪ ‬لم يفعل ذلك ول‬
‫المسلمون بعده‪ ،‬بأن ذلك لو كان لنقججل صججحيح‪ ،‬إذ يصججح أن‬
‫تتوفر الدواعي على ترك نقل شريعة من شرائع الدين‪ ،‬وقججد‬
‫أمر بالتبليغ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا أصل من الصول‪ ،‬وعليه يأتي إسججقاط الزكججاة‬
‫من الخضر والبقول مع وجود الزكاة فيها‪ ،‬لعموم قول النججبي‬
‫عشههر‪،‬‬ ‫‪" :‬فيما سقت السههماء والعيههون والب َ ْ‬
‫عههل ال ُ‬

‫ذلك‪) .‬ورواه أحمججد ‪ 1/107‬مججن فعججل علججي لمججا وجججد ذا‬


‫الثدية في قتلى النهروان‪ .‬وعبد الرزاق ‪ ،5962‬والبيهقي‬
‫‪2/371‬بأسججانيد فيهججا مقججال وقججد يعضججد بعضججها بعضججًا‪،‬‬
‫وحسنه اللباني‪ .‬ورواه البيهقي ‪ 2/371‬من فعل أبي بكر‬
‫لما فتح اليمامة‪ .‬وفيه راوٍ لم يسم(‪.‬‬
‫وهذه الحاديث تدل على مشروعية سجود الشكر‪ ،‬وإلججى‬
‫ذلك ذهبت العترة وأحمد والشججافعي‪ ،‬وقججال مالججك‪ ،‬وهججو‬
‫مروي عن أبي حنيفة أنه يكججره‪ ،‬إذ لججم يججؤثر عنججه ‪ ‬مججع‬
‫تواتر النعم عليه صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وفججي روايججة‬
‫عن أبي حنيفة أنه مباح لنه لم يؤثر‪ .‬وإنكار ورود سجججود‬
‫الشكر عن النبي صلى الله عليججه وآلججه وسججلم مججن مثججل‬
‫هذين المامين مع وروده عنه صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫مججن هججذه الطججرق الججتي ذكرهججا المصججنف وذكرناهججا مججن‬
‫الغرائب‪.‬‬
‫وقال اللباني في الرواء )‪ :(2/230‬وبالجملججة‪ ،‬فل يشججك‬
‫عاقل في مشججروعية سجججود الشججكر بعججد الوقججوف علجى‬
‫هججذه الحججاديث‪ ،‬ولسججيما وقججد جججرى العمججل عليهججا مججن‬
‫السلف الصالح رضي الله عنهم‪.‬‬
‫‪- 319 -‬‬
‫عشر")‪.(1‬‬
‫ح نصف ال ُ‬
‫قي بالنض ِ‬
‫س ِ‬
‫وفيما ُ‬
‫لنا نزلنا تججرك نقججل أخججذ النججبي ‪ ‬الزكججاة منهججا كالسججنة‬
‫القائمة في أن ل زكاة فيها‪ .‬فكذلك ننزل ترك نقججل السجججود‬
‫عن النبي ‪ ‬في الشججكر كالسججنة القائمججة فججي أن ل سجججود‬
‫فيها‪ .‬ثم حكي خلف الشافعي والكلم عليه‪.‬‬
‫والمقصود من المسألة توجيه مالججك لهججا مججن حيججث إنهججا‬
‫بدعة‪ ،‬ول توجيه أنها بدعة على الطلق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري )‪ (1483‬والترمججذي )‪ (640‬وأبججو داود )‬
‫‪ (1596‬والنسججائي )‪ (5/41‬وابججن ماجججة )‪ (1817‬وابججن‬
‫حبان )‪ (3287‬وابن خزيمة )‪ (2307‬والججبيهقي )‪(4/130‬‬
‫والدارقطني )‪ (2/129‬من حججديث ابججن عمججر‪ .‬ورواه مججن‬
‫حديث جابر مسلم )‪ (981‬وأبو داود )‪ (1597‬والنسائي )‬
‫‪ (5/41‬وابجججن خزيمجججة )‪ (2309‬والجججدارقطني )‪.(2/130‬‬
‫ورواه مجن حججديث معججاذ ابجن ماجججة )‪ (1818‬والججبيهقي )‬
‫‪ .(4/131‬ورواه من حديث أبججي هريججرة الترمججذي )‪(639‬‬
‫وابن ماجة )‪.(1816‬‬
‫وأما أنه ل زكججاة فججي الخضججر والبقججول‪ :‬فججالجمهور علججى‬
‫ذلك‪ ،‬لحديث موسى بن طلحة عن معاذ مرفوعا ً أنه إنمججا‬
‫أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيججب والتمججر‪ ،‬رواه‬
‫الدارقطني )‪ (201‬والحاكم )‪ (1/401‬والبيهقي )‪(4/128‬‬
‫وإن كانت أعلت بالرسال‪ ،‬لكن صححها اللباني من باب‬
‫الوجادة‪ ،‬وفي بعض الحاديث التصريح بججأنه ل زكججاة فججي‬
‫الخضججر‪ .‬وذهججب أبججو حنيفججة وغيججره إلججى أن فججي الخضججر‬
‫الزكاة لعموم الحججديث ولعمججوم الكتججاب ‪‬وآتوا حقههه‬
‫يوم حصاده ‪ .‬وانظر نيججل الوطججار )‪ (4/203‬والرواء‬
‫)ح ‪ (801‬ومصنف ابن أبي شيبة )‪.(2/372‬‬
‫‪- 320 -‬‬
‫فصل‬
‫ويمكن أن يدخل في البدع الضافية كل عمههل اشههتبه‬
‫أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه‪ ،‬أم غير بدعة‬
‫فيعمل به؟ فإنا إذا اختبرناه بالحكام الشرعية وجدناه مججن‬
‫المشتبهات التي قد ندبنا إلى تركهججا حججذرا ً مججن الوقججوع فججي‬
‫المحظور)‪ ،(1‬والمحظور هنا هو العمل بالبدعججة‪ ،‬فججإذا ً العامججل‬
‫‪1‬‬
‫)( بقصد حديث النعمان بن بشير قججال‪ :‬سججمعت رسججول‬
‫الله ‪ ‬يقول ‪-‬وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيججه‪" : -‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ن الحرام بّين‪ ،‬وبينهما مشتبهات‬ ‫الحلل بّين‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات‬
‫استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقههع فههي الشههبهات‬
‫وقع في الحرام‪ ،‬كالراعي يرعههى حههول الحمههى‬
‫يوشك أن يرتع فيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك حمههى‪ ،‬أل‬
‫وإن حمههى اللههه محههارمه‪ ،‬أل وإن فههي الجسههد‬
‫مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلههه‪ ،‬وإذا فسههدت‬
‫فسد الجسد كله أل وهههي القلههب" رواه مسججلم )‬
‫‪ (1599‬والبخججججاري )‪،52‬جججج ‪ (2051‬وأبججججو داود )‪(3329‬‬
‫والترمججذي )‪ (1205‬والنسججائي )‪ (8/327‬وفججي الكججبرى )‬
‫‪ (3/239‬وابن ماجة )‪ (3984‬وأحمد )‪ (4/269‬وابن حبان‬
‫شججججعب )‪(5740‬‬ ‫)‪ (721‬والججججبيهقي )‪ (5/264‬وفججججي ال ّ‬
‫والطحاوي في مشكل الثار )‪ (750‬والججدارمي )‪(2/245‬‬
‫والطبراني فججي الوسججط )‪ ،2427‬ج ‪ .(2285‬وروى نحججوه‬
‫من حججديث ابججن عمججر الطججبراني فججي الوسججط )‪،(2889‬‬
‫ورواه هو )‪ (1756‬وأبو يعلى )‪ (1653‬مججن حججديث عمججار‬
‫بن ياسر‪ .‬ورواه الخطيب في التاريخ )‪ (9/70‬من حججديث‬
‫جابر‪ .‬ورواه الطبراني في الكججبير )‪ (10824‬مججن حججديث‬
‫ابن عبججاس‪ .‬ورواه النسججائي فججي الكججبرى‪ :‬وقججال‪ :‬جيججد )‬
‫‪ (3/468‬والججبيهقي )‪ (10/115‬مججن قججول ابججن مسججعود‪:‬‬
‫‪- 321 -‬‬
‫به ل يقطع أنه عمل ببدعة‪ ،‬كما أنه ل يقطع أنه عمل بسججنة‪،‬‬
‫فصار من جهة هذا التردد غير عامل ببدعة حقيقية‪ ،‬ول يقججال‬
‫أيضًا‪ :‬إنه خارج عن العمل بها جملة‪.‬‬
‫وبيان ذلك أن النهي الوارد في المشتبهات إنما هو حماية‬
‫أن يقع في ذلك الممنوع الواقع فيه الشتباه‪ ،‬فججإذا اختلطججت‬
‫الميتة بالذكية نهيناه عن القدام‪ ،‬فإن أقججدم أمكججن عنججدنا أن‬
‫يكون آكل ً للميتة في الشججتباه‪ ،‬فججالنهي الخججف إذا ً منصججرف‬
‫نحو الميتة في الشتباه‪ ،‬كما انصرف إليها النهججي الشججد فججي‬
‫التحقق‪.‬‬
‫وكججذلك اختلط الرضججيعة بالجنبيججة‪ :‬النهججي فججي الشججتباه‬
‫منصرف إلى الرضيعة كما انصرف إليها في التحقق‪ ،‬وكذلك‬
‫سائر المشتبهات إنما ينصججرف نهججي القججدام علججى المشججتبه‬
‫إلى خصوص الممنوع المشتبه‪ ،‬فإذا ً الفعل الججدائر بيججن كججونه‬
‫سنة أو بدعة إذا نهي عنه في باب الشتباه نهي عججن البدعججة‬
‫في الجملة‪ ،‬فمن أقدم على منهي عنه في باب البدعة‪ ،‬لنججه‬
‫محتمل أن يكون بدعة في نفس المر‪ ،‬فصار من هذا الججوجه‬
‫كالعامل بالبدعة المنهي عنها‪ ،‬وقججد مججر أن البدعججة الضججافية‬
‫هي الواقعة ذات وجهين‪.‬‬
‫فلذلك قيل‪ :‬إن هججذا القسججم مججن قبيججل البججدع الضججافية‪،‬‬
‫ولهذا النوع أمثلة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬إذا تعارضت الدلة على المجتهد فججي أن العمججل‬
‫الفلني مشروع يتعبد به‪ ،‬أو غير مشجروع فل يتعبجد بجه‪ ،‬ولجم‬
‫يتبين جمع بين الدليلين‪ ،‬أو إسقاط أحججدهما بنسججخ أو ترجيججح‬

‫وفي السججانيد كلهججا مقججال عججدا حججديث النعمججان‪ ،‬وانظججر‬


‫مجمججع الججزوائد )‪ ،4/73‬ج ‪ (10/5293‬وشججرح ابججن رجججب‬
‫الحنبلي للحججديث فججي "جججامع العلججوم والحكججم" الحججديث‬
‫السادس‪.‬‬
‫‪- 322 -‬‬
‫أو غيرهما‪ ،‬فقد ثبججت فججي الصججول أن فرضججه التوقججف‪ ،‬فلججو‬
‫عمل بمقتضى دليججل التشججريع مجن غيجر مرجججح لكجان عجامل ً‬
‫بمتشابه‪ ،‬لمكان صحة الدليل بعججدم المشججروعية‪ ،‬فالصججواب‬
‫الوقوف عن الحكم رأسًا‪ ،‬وهو الفرض في حقه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إذا تعارضت القوال على المقلد في المسججألة‬
‫بعينهججا‪ ،‬فقججال بعججض العلمججاء‪ :‬يكججون العمججل بدعججة‪ ،‬وقههال‬
‫مْين‬
‫بعضهم‪ :‬ليس ببدعة‪ ،‬ولججم يتججبين لججه الرجججح مججن العَججال ِ َ‬
‫بأعلمية أو غيرها‪ ،‬فحقه الوقوف والسؤال عنهما‪ ،‬حتى يتبين‬
‫له الرجح فيميل إلى تقليججده دون الخججرة‪ ،‬فججإن أقججدم علججى‬
‫تقليد أحدهما من غير مرجججح كججان حكمججه حكججم المجتهججد إذا‬
‫أقدم على العمل بأحد الججدليلين مججن غيججر ترجيججح‪ ،‬فالمثججالن‬
‫في المعنى واحد‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه ثبت في الصحاح عن الصججحابة رضججي اللججه‬
‫عنهم كانوا يتبركون بأشياء من رسول الله ‪ ،‬ففي البخاري‬
‫جحيفة رضي الله عنه قال‪" :‬خرج علينهها رسههول‬ ‫عن أبي ُ‬
‫اللههه ‪ ‬بالهههاجرة فههأتي بوضههوء فتوضههأ‪ ،‬فجعههل‬
‫الناس يأخذون من فضل وضهوئه فيتمسهحون بهه "‬
‫الحجججديث‪ ،‬وفيهههه‪ :‬كهههان إذا توضهههأ يقتتلهههون علهههى‬
‫وضوئه)‪.(1‬‬
‫وعن المسور رضي الله عنه في حديث الحديبيججة‪) :‬ومهها‬
‫انتخههم النههبي ‪ ‬نخامههة إل وقعههت فههي كههف رجههل‬
‫منهم فدلك بها وجهه وجلده()‪ ،(2‬وخّرج غيره مججن ذلججك‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخجججججاري )‪،178‬ججججج ‪ (3553‬ومسجججججلم )‪(503‬‬
‫والبيهقي )‪.(2/270‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه البخجججاري )‪،2731‬ججج ‪ (2732‬والنسجججائي )‪(1/45‬‬
‫وابن حبان )‪ (4872‬والججبيهقي )‪ (9/220‬وعبججد الججرزاق )‬
‫‪.(5/336‬‬
‫تنبيه‪ :‬قال الحججافظ فججي الفتججح )‪ :(5/392‬هججذه الروايججة‬
‫‪- 323 -‬‬
‫كثيرًا‪ ،‬في التبرك بشعره وثوبه وغيرهمججا ‪ ،‬حججتى أنججه م ج ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫س‬
‫سججه عليججه‬
‫بإصبعه أحدهم بيده فلم يحلق ذلك الشعر الججذي م ّ‬
‫السلم حتى مات)‪.(2‬‬
‫وبالغ بعضهم فججي ذلججك حججتى شججرب دم حجججامته)‪ ،(3‬إلججى‬
‫أشياء كهذا كثيرة‪.‬‬
‫فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشججروعا ً فججي حججق‬

‫بالنسبة إلى مروان ]بن الحكججم[ مرسججلة‪ ،‬لنججه ل صججحبة‬


‫له‪ ،‬وأما المسور ]بن مخرمججة[ فهججي بالنسججبة إليججه أيضججا‬
‫مرسججلة‪ ،‬لنججه لججم يحضججر القصججة‪ ،‬وقججد تقججدم فججي أول‬
‫الشروط من طريق أخرى عججن الزهججري عججن عججروة أنججه‬
‫سمع المسور ومروان يخبران عن أصججحاب رسججول اللججه‬
‫‪ ‬وذكر بعض هذا الحديث )‪ ،2711‬ج ‪ (2712‬وقججد سججمع‬
‫مسور ومججروان مججن جماعججة مججن الصججحابة شججهدوا هججذه‬
‫القصة‪ :‬كعمر وعثمان وعلي والمغيرة وأم سلمة وسججهل‬
‫بن حنيف وغيرهم‪.‬أ‪.‬هججج‪ .‬وعليججه فالحججديث متصججل وليججس‬
‫بمرسل‪ ،‬غايته أنه مرسل صحابي أخذه عن صحابي آخر‪،‬‬
‫وقد تبّين من رواية البخاري لججه أول الشججروط أنججه أخججذه‬
‫عن أصحاب رسول اللججه ‪ ‬فثبججت اتصججاله‪ ،‬ولجججل ذلججك‬
‫صححه اللباني فججي الرواء )ح ‪ .(20‬ولكججن هججذا الحججديث‬
‫من الحاديث الطوال‪ ،‬وبعض فقراته –غير محل الشاهد‪-‬‬
‫مرسلة من طريق الزهري‪ ،‬لكن مجمل الحججديث متصججل‬
‫كما بينت‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أما التبرك بشعره‪ :‬فرواه من حديث أنججس مسججلم‬
‫)‪ (1305‬قال لما رمججى رسججول اللججه ‪ ‬الجمججرة ونحججر‬
‫نسكه وحلق‪ ،‬ناول الحالق شقه اليمن فحلقه‪ ،‬ثم دعا أبا‬
‫طلحة النصاري فأعطججاه إيججاه‪ ،‬ثججم نججاوله الشججق اليسججر‬
‫فقال احلق فحلقه‪ ،‬فأعطاه أبا طلحة فقال أقسججمه بيججن‬
‫النججججاس‪ .‬ورواه الترمججججذي )‪ (912‬وأبججججو داود )‪(1981‬‬
‫والنسججائي فججي الكججبرى )‪ (4116‬وابججن خزيمججة )‪(2928‬‬
‫‪- 324 -‬‬
‫من ثبتت وليتججه واتبججاعه لسججنة رسججول اللججه ‪ ،‬وأن يتججبرك‬
‫بفضججل وضججوئه‪ ،‬ويتججدلك بنخججامته‪ ،‬ويستشججفى بآثججاره كلهججا‪،‬‬
‫ويرجى فيها نحو مما كان في آثار المتبوع العظم ‪.(1)‬‬
‫إل أنججه عارضججنا فججي ذلججك أصججل مقطججوع بججه فججي متنججه‪،‬‬
‫مشكل في تنزيله‪ ،‬وهججو أن الصججحابة رضجي اللججه عنهججم بعججد‬
‫موته عليه السلم لججم يقججع مججن أحججد منهججم شججيء مججن ذلججك‬

‫وابن حبان )‪ (1371‬والبيهقي )‪.(7/67 ،5/134‬‬


‫وكذلك ورد التبرك بعرقه‪ :‬فججروى البخججاري )‪(6281‬‬
‫ومسججلم )‪ (2332‬عججن أنججس‪" :‬أن أم سههليم كههانت‬
‫تبسط للنبي ‪ ‬نطعا فيقيل عنههدها علههى ذلههك‬
‫النطع‪ ،‬قال‪ :‬فإذا نام النبي ‪ ‬أخذت من عرقههه‬
‫وشعره فجمعتههه فههي قههارورة‪ ،‬ثههم جمعتههه فههي‬
‫سههك‪ ،‬قههال فلمهها حضههر أنههس بههن مالههك الوفههاة‬
‫أوصى إلي أن يجعل في حنوطه من ذلك السك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجعل في حنوطه"‪ .‬ورواه الجججبيهقي )‪(2/421‬‬
‫وابن خزيمججة )‪ (385‬وابججن حبججان )‪ (6305‬وفججي روايججات‬
‫للحديث أنها كانت تخلط عرقه بطيب كان عندها‪ ،‬وانظججر‬
‫كذلك مجمع الزوائد )‪.(3/21‬‬
‫وأما التبرك بثوبه‪ :‬فروى أحمد ومسججلم )‪ (2069‬مججن‬
‫حديث أسماء‪ ..":‬فقالت‪ :‬هذه جبة رسول اللههه ‪،‬‬
‫ى جبة طيالسة كسههروانية لههها لبنههة‬ ‫فأخرجت إل ّ‬
‫ديباج‪ ،‬وفرجيها مكفوفين بالديباج‪ ،‬فقالت هههذه‬
‫كههانت عنههد عائشههة حههتى قبضههت‪ ،‬فلمهها قبضههت‬
‫قبضتها‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬يلبسها‪ ،‬فنحههن نغسههلها‬
‫للمرضههى يستشههفى بههها"‪ .‬وعنججد البخججاري )‪(1277‬‬
‫وابن ماجة )‪ (3555‬من حججديث سججهل عججن المججرأة الججتي‬
‫نسجت بججردة للنججبي فأخججذها رجججل لتكججون كفنججه فكججانت‬
‫كفنه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( كججأبي محججذورة المججؤذن‪ :‬فججروى أبججو داود )‪: 500‬‬
‫‪- 325 -‬‬
‫بالنسبة إلى من خلفه‪ ،‬إذ لم يججترك النججبي ‪ ‬بعججده فججي المججة‬
‫أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ ،‬فهو كان خليفته‪،‬‬
‫ولم يفعل به شيء من ذلك‪ ،‬ول عمر رضي الله عنهما‪ ،‬وهججو‬
‫ي ثججم سججائر‬ ‫كان أفضل المة بعده‪ ،‬ثم كذلك عثمججان ثججم علج ّ‬
‫الصحابة الذين ل أحد أفضل منهجم فجي المججة‪ ،‬ثجم لجم يثبجت‬
‫لواحد منهم من طريق صحيح معججروف أن متبرك جا ً تججبرك بججه‬
‫على أحججد تلججك الوجججوه أو نحوهججا‪ ،‬بججل اقتصججروا فيهججم علججى‬
‫القتداء بالفعال والقوال والسير التي اتبعوا فيها النججبي ‪،‬‬
‫فهو إذا ً إجماع منهم على ترك تلك الشياء كلها‪.‬‬
‫وبقى النظر في وجه ترك ما تركوا منه‪ ،‬ويحتمل وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يعتقدوا فيججه الختصججاص وأن مرتبججة النبججوة‬
‫يسع فيها ذلجك كلجه للقطجع بوججود مجا التمسجوا مجن البركجة‬
‫والخير‪ ،‬لنه عليه السلم كان نورا ً كله فججي ظججاهره وبججاطنه‪،‬‬
‫فمن التمس منه نورا ً وجججده علججى أي جهججة التمسججه‪ ،‬بخلف‬
‫غيره من المة ‪ -‬وإن حصل له من نور القتداء بججه والهتججداء‬
‫بهديه مججا شججاء اللججه ‪ -‬ل يبلججغ مبلغججه علججى حججال تججوازيه فججي‬
‫مرتبته‪ ،‬ول يقاربه فصججار هججذا النججوع مختص جا ً بججه كاختصاصججه‬
‫بنكاح مجا زاد علجى الربجع‪ ،‬وإحلل بضجع الواهبجة نفسجها لجه‪،‬‬

‫صحيح( عنه صفة الذان‪ ،‬وفيه‪" :‬فكان أبو محذورة ل‬


‫يجز ناصيته ول يفرقها لن رسول الله ‪ ‬مسح‬
‫عليها"‪ .‬ورواه ابججن خزيمججة )‪ (385‬والججبيهقي )‪(1/418‬‬
‫وعبد الرزاق )‪.(1/459‬‬
‫‪3‬‬
‫)( شرب دمههه الشههريف وبههوله‪ :‬فعلججه ابججن الزبيججر‪،‬‬
‫ومالججك بججن سججنان والججد أبججي سججعبد الخججدري‪ ،‬وسججفينة‬
‫الصجحابي‪ ،‬وشجرب بجوله وقجع لمجولة لجه‪ :‬انظجر‪ :‬مجمجع‬
‫الزوائد )‪ (8/270‬والججبيهقي فججي السججنن )‪ ،1/99‬ج ‪(7/67‬‬
‫باب‪ :‬تركه النكار على من شرب بوله ودمه‪.‬‬
‫)( ما ظنه ظاهرا ً ليس بظاهر!‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 326 -‬‬


‫قسم عليه للزوجات وشبه ذلك)‪.(1‬‬
‫وعدم وجوب ال َ‬
‫فعلى هذا المأخذ‪ :‬ل يصح لمن بعده القتججداء بججه فججي‬
‫التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوهججا‪ ،‬ومججن اقتججدى بججه كججان‬
‫اقتداؤه بدعة‪ ،‬كما كجان القتججداء بجه فجي الزيجادة علجى أربجع‬
‫نسوة بدعة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ل يعتقدوا الختصاص ولكنهم تركوا ذلك مججن‬
‫باب الذرائع خوفا ً من أن يجعل ذلك سنة ‪ -‬كمججا تقججدم ذكججره‬
‫في اتباع الثار والنهي عن ذلك ‪ -‬أو لن العامة ل تقتصر فججي‬
‫ذلك على حججد‪ ،‬بججل تتجججاوز فيججه الحججدود‪ ،‬وتبججالغ بجهلهججا فججي‬
‫التماس البركة‪ ،‬حتى يداخلها للمتججبرك بججه تعظيججم يخججرج بججه‬
‫عن الحد‪ ،‬فربما اعتقد في المتبرك بججه مججا ليججس فيججه‪ ،‬وهججذا‬
‫التبرك هو أصل العبادة‪ ،‬ولجله قطججع عمججر رضججي اللججه عنججه‬
‫الشجرة التي بويع تحتها رسول اللججه ‪ ،‬بججل هججو كجان أصجل‬
‫عبادة الوثان في المم الخالية ‪ -‬حسبما ذكره أهججل السججير ‪-‬‬
‫فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال في الصلة إلججى‬
‫تلك الشجرة حتى تعبد مججن دون اللججه)‪ ،(2‬فكججذلك يتفججق عنججد‬
‫التوغل في التعظيم‪.‬‬
‫وقد خّرج ابن وهججب فججي جججامعه مججن حججديث يججونس يججن‬
‫يزيد‪ ،‬عن ابن شججهاب قججال‪ :‬حججدثني رجججل مججن النصججار "أن‬
‫رسههول اللههه ‪ ‬كههان إذا توضههأ أو تنخههم ابتههدر مههن‬
‫حههوله مههن المسههلمين وضههوءه ونخههامته فشههربوه‬

‫)( لقوله تعالى ‪‬وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسههها‬ ‫‪1‬‬

‫حها خالصة لك من‬ ‫للنبي إن أراد النبي أن يستنك ِ َ‬


‫دون المهههؤمنين ‪] ‬الحجججزاب‪ ،[50 :‬وقجججوله تعجججالى‬
‫‪‬ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك مههن تشههاء‬
‫‪] ‬الحججزاب‪ [51 :‬وانظججر تفسججير ابججن كججثير وتفسججير‬
‫الطبري‪.‬‬
‫)( تقدم تخريجه قريبًا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 327 -‬‬


‫ومسههحوا بههه جلههودهم‪ ،‬فلمهها رآهههم يصههنعون ذلههك‬
‫م تفعلون هههذا ؟ قههالوا‪ :‬نلتمههس الطهههور‬ ‫سألهم‪ :‬ل ِ َ‬
‫والبركة بذلك‪ .‬فقال رسول الله ‪ :‬من كان منكههم‬
‫يحههب أن يحبههه اللههه ورسههوله‪ :‬فليصههدق الحههديث‪،‬‬
‫وليؤد المانة ول يؤِذ جاره")‪ .(1‬فإن صح هذا النقججل فهججو‬
‫مشعر بأن الولى تركه)‪ ،(2‬وأن يتحرى ما هو الكججد والحججرى‬
‫من وظائف التكليف‪ ،‬ول يلزم النسان في خاصة نفسه‪ ،‬ولم‬
‫‪1‬‬
‫)( ذكر مثله اللباني في "التوسل أحكججامه وأنججواعه" ص‬
‫‪ ،144‬آخر الكتاب وذهب إلججى مججا ذهججب إليججه الشججاطبي‪،‬‬
‫وحسنه لغيره في صججحيح النرغيججب )‪ -3/122‬ح ‪،(2928‬‬
‫والصحيحة )‪ (2998‬وهو عند عبد الرزاق )‪ (19748‬ومن‬
‫طريقه الججبيهقي فججي الشججعب )‪ ،(1533‬ورواه الطججبراني‬
‫في الوسط‪ ،‬وابن أبي الدنيا في مكارم الخلق )‪.(266‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وتججابع الشججيخ سججليم هللججي فججي تحقيقججه للعتصججام‬
‫الشجاطبي علجى ذلججك تبعجا ً لشججيخه اللبججاني رحمججه اللجه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وهو الحق الذي ندين الله بججه‪ ،‬وذلججك أن النججبي ‪‬‬
‫أقر الصججحابة فججي غججزوة الحديبيججة وغيرهججا علججى التججبرك‬
‫بآثاره والتمسح بها‪ ،‬وذلك لغرض مهم‪ ،‬وبخاصة في تلججك‬
‫المناسبات‪ ،‬وهو إرهاب كفار قريش‪ ،‬وإظهار مدى تعّلججق‬
‫المسججلمين بنججبيهم وحبهججم لججه‪ ،‬وتفججانيهم فججي خججدمته‬
‫وتعظيمه‪ ،‬وقد ظهرت حكمججة ذلججك فججي غججزوة الحديبيججة‪،‬‬
‫فإن مندوب المشركين )سهيل بن عمرو( لما حدثهم بمججا‬
‫رأى مججن ذلججك‪ ،‬هججابوا رسججول اللججه ‪ ،‬وخججافوا قتججال‬
‫المسلمين‪ .‬أهج‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذهب إلى مثل ذلك اللباني في مختصر البخاري )‬
‫‪ ،(2/233‬ولكن يشكل على هذا التجججاه مججا تقججدم قريب جا ً‬
‫من توزيعه ‪ ‬لشعره على المسلمين عام حجة الججوداع‪،‬‬
‫وفيججه فائدتججان‪ :‬أنججه فعججل ذلججك بنفسججه‪ ،‬ولججم يفعلججه‬
‫المسلمون به‪ ،‬وأنجه فجي آخجر حيجاة النجبي ‪ .‬والحجديث‬
‫على فرض ثبوته ل يقوى على صججرف الحججاديث الكججثيرة‬
‫‪- 328 -‬‬
‫يثبت من ذلك كله إل ما كان من قبيل الرقية ومججا يتبعهججا‪ ،‬أو‬
‫دعاء الرجل لغيره على وجه سيأتي بحول الله‪.‬‬
‫فقجد صجارت المسجألة مجن أصجلها دائرة بيجن أمريجن‪ :‬أن‬
‫تكججون مشججروعة‪ ،‬وأن تكججون بدعججة‪ ،‬فججدخلت تحججت حكججم‬
‫المتشابه‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫فصل‬
‫ومن البدع الضافية التي تقرب من الحقيقية‪:‬‬
‫أن يكون أصل العبادة مشروعًا‪ ،‬إل أنها تخرج عججن أصججل‬
‫شججرعيتها بغيججر دليججل توهم جا ً أنهججا باقيججة علججى أصججلها تحججت‬
‫مقتضى الدليل‪ ،‬وذلججك بججأن يقيججد إطلقهججا بججالرأي‪ ،‬أو يطلججق‬
‫تقييدها‪ ،‬وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حد ّ لها‪.‬‬
‫ومثال ذلك أن يقال‪ :‬إن الصوم فججي الجملججة منججدوب‬
‫إليه لم يخصه الشارع بججوقت دون وقججت‪ ،‬ول حجد ّ فيججه زمانجا ً‬
‫دون زمججان‪ ،‬مججا عججدا مججا نهججي عججن صججيامه علججى الخصججوص‬

‫الججتي وردت فججي التججبرك بججالنبي ‪ ،‬وخاصججة وقججد فعلهجا‬


‫أصحابه من بعده مما كان في أيديهم من آثاره الشججريفة‬
‫بأبي هو وأمي‪.‬‬
‫ولكن أعود وأقول مثل ما قال الشيخ اللباني رحمه اللججه‬
‫في "التوسل"‪ :‬ونحن نعلم أن آثاره ‪ ‬من ثياب أو شعر‬
‫قد فقدت‪ ،‬وليس بإمكججان أحججد إثبججات وجججود شججيء منهججا‬
‫على وجه القطججع واليقيججن‪ ،‬وإذا كججان المججر كججذلك‪ ،‬فججإن‬
‫التبرك بهذه الثار يصبح أمرا ً غير ذي موضوع في زماننججا‬
‫هذا‪ ،‬فيكون أمججرا ً نظريجا ً محضجًا‪ ،‬فل ينبغججي إطالججة المججر‬
‫فيه‪.‬أ‪.‬هج‪.‬‬
‫‪- 329 -‬‬
‫كالعيججدين‪ ،‬ونججدب إليججه علججى الخصججوص كعرفججة وعاشججوراء‬
‫بقول)‪ ،(1‬فإذا خص منه يوما ً من الجمعجة بعينجه‪ ،‬أو أيامجا ً مجن‬
‫الشهر بأعيانها ‪ -‬ل من جهة مججا عينججه الشججارع ‪-‬فل شججك أنججه‬
‫رأي محججض بغيججر دليججل‪ ،‬ضججاهى بججه تخصججيص الشججارع أيامجا ً‬
‫بأعيانها دون غيرها‪ ،‬فصار التخصيص مججن المكلججف بدعججة‪ ،‬إذ‬
‫هي تشريع بغير مستند‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬تخصيص اليام الفاضلة بأنواع مججن العبججادات‬
‫التي لم تشرع لها تخصيصًا‪ ،‬كتخصيص اليوم بكججذا وكججذا مججن‬
‫الركعات‪ ،‬أو بصدقة كذا وكججذا‪ ،‬أو الليلججة الفلنيججة بقيججام كججذا‬
‫وكذا ركعة‪ ،‬أو بختم القرآن فيها أو ما أشججبه ذلججك فججإن ذلججك‬
‫التخصيص والعمججل بججه إذا لججم يكججن بحكججم الوفججاق أو بقصججد‬
‫يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط‪ ،‬كان تشريعا ً زائدًا‪.‬‬
‫ول حجة له في أن يقول‪ :‬إن هذا الزمان ثبت فضله على‬
‫غيره فيحسن فيه إيقاع العبادات!‬
‫لنا نقول‪ :‬هذا الحسن هل ثبججت لججه أصججل أم ل ؟ فججإن‬
‫ثبت فهو مسألتنا كما ثبت الفضل فججي قيججام ليججالي رمضججان‪،‬‬
‫وصيام ثلثة أيام من كل شهر‪ ،‬وصججيام الثنيججن والخميججس)‪،(2‬‬
‫فإن لم يثبت فما مستندك فيججه؟ العقججل ل يحسججن ول يقبججح‬
‫ول شرع يستند إليه؟ فلم يبق إل أنه ابتجداع فجي التخصجيص‪،‬‬
‫كإحججداث الخطججب وتحججري ختججم القججرآن فججي بعججض ليججالي‬
‫رمضان‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬التحدث مججع العججوام بمججا ل تفهمججه ول تعقججل‬
‫معناه‪ ،‬فإنه من باب وضع الحكمة غير موضعها‪ ،‬فسامعها إما‬
‫أن يفهمها على غير وجهها ‪ -‬وهو الغججالب ‪ -‬وهججو فتنججة تججؤدي‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر أدلة ذلك كلججه فجي كتابنجا‪" :‬عقججد المرجججان فججي‬
‫أحكام رمضان"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر أدلة ذلك كلججه فجي كتابنجا‪" :‬عقججد المرجججان فججي‬
‫أحكام رمضان"‪.‬‬
‫‪- 330 -‬‬
‫إلى التكذيب بالحق‪ ،‬وإلى العمل بالباطل‪ ،‬وإما ل يفهم منهججا‬
‫شيئا ً وهو أسلم‪ ،‬ولكن المحدث لم يعججط الحكمججة حقهججا مججن‬
‫الصون‪ ،‬بل صار في التحدث بها كالعابث بنعمة الله‪.‬‬
‫ثم إن ألقاها لمن ل يعقلها في معرض النتفاع بعد تعقلها‬
‫كان من باب التكليف بما ل يطاق‪.‬‬
‫وقد قالوا في العالم الرباني‪ :‬إنه الذي يربههي بصههغار‬
‫العلم قبل كباره)‪.(1‬‬
‫وهذه الجملة شاهدها في الحديث الصحيح مشهور‪ ،‬وقججد‬
‫ص بهالعلم‬‫ترجم على ذلك البخاري فقججال‪) :‬بهاب مهن خه ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( ذكر ذلك البغوي في تفسير اليججة ‪ 79‬مججن سججورة آل‬
‫عمران‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬وأولججى القججوال عنججدي بالصججواب فججي‬
‫الربانيين‪ :‬أنهم جمع ربجاني‪ ،‬وأن الربجاني المنسجوب إلجى‬
‫الربان‪ ،‬الذي يرب النججاس‪ ،‬وهججو الججذي يصججلح أمججورهم‪ ،‬و‬
‫يربها‪ ،‬ويقوم بها‪ ،‬فإذا كان المر في ذلك على ما وصفنا‪،‬‬
‫كان العالم بالفقه والحكمججة مججن المصججلحين يججرب أمججور‬
‫النججاس‪ ،‬بتعليمججه إيججاهم الخيججر‪ ،‬ودعججائهم إلججى مججا فيججه‬
‫مصلحتهم‪ ،‬وكان كذلك الحكيم التقي لله‪ ،‬والججوالي الججذي‬
‫يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من‬
‫المصججلحين أمججور الخلججق‪ ،‬بالقيججام فيهججم بمججا فيججه صججلح‬
‫عاجلهم وآجلهم‪ ،‬وعائدة النفع عليهم في دينهم‪ ،‬ودنياهم‪،‬‬
‫كانوا جميعا ً يستحقون أن ]يكونوا[ ممن دخججل فججي قججوله‬
‫عز وجل‪ :‬ولكن كونهوا ربهانيين ‪ .‬فالربججانيون إذًا‪،‬‬
‫هم عماد الناس في الفقه والعلججم وأمججور الججدين والججدنيا‪.‬‬
‫ولذلك قال مجاهججد‪ :‬وهججم فججوق الحبججار‪ ،‬لن الحبججار هججم‬
‫العلمججاء‪ ،‬و الربججاني الجججامع إلججى العلججم والفقججه‪ ،‬البصججر‬
‫بالسياسة والتدبير والقيججام بججأمور الرعيججة‪ ،‬ومججا يصججلحهم‬
‫في دنياهم ودينهم‪.‬‬
‫‪- 331 -‬‬
‫قوما ً دون قوم كراهية أن ل يفهموا(‪ ،‬ثججم أسججند عججن‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال‪" :‬حدثوا الناس‬
‫بما يعرفون‪ ،‬أتحبون أن يكذب الله ورسههوله" ؟‪ .‬ثججم‬
‫ذكر حديث معاذ الذي أخبر به عند مهوته تأثمهاً‪ ،‬وإنمججا‬
‫لم يذكره إل عند موته لن النبي ‪ ‬لم يأذن له في ذلك لمججا‬
‫خشي من تنزيله غير منزلته‪ ،‬وعلمه معاذا ً لنه من أهله)‪.(1‬‬
‫وفي مسلم عن ابن مسعود رضججي اللججه عنججه قججال‪" :‬ما‬
‫أنت بمحدث قوما ً حههديثا ً ل تبلغههه عقههولهم إل كههان‬
‫لبعضهم فتنة")‪ .(2‬قال ابججن وهججب‪ :‬وذلججك أن يتججأولوه غيججر‬
‫تأويله ويحملوه على غير وجهه‪.‬‬
‫وخّرج شعبة عن كثير بن مرة الحضججرمي أنججه قججال‪" :‬إن‬
‫عليك في عملك حقا ً كما أن عليك في مالههك حق هًا‪،‬‬
‫ل تحدث بالعلم غير أهلههه فتجهههل‪ ،‬ول تمنههع العلههم‬
‫أهلههه فتههأثم‪ ،‬ول تحههدث بالحكمههة عنههد السههفهاء‬
‫فيكهههذبوك‪ ،‬ول تحهههدث بالباطهههل عنهههد الحكمهههاء‬
‫فيمقتوك")‪.(3‬‬
‫وقد ذكر العلماء هذا المعنى في كتبهم وبسججطوه بسججطا ً‬
‫شافيا ً والحمد لله‪.‬‬
‫وإنما نبهنا عليه لن كثيرا ً ممن ل يقدر قدر هججذا الموضججع‬
‫‪1‬‬
‫)( حديث علي رواه البخاري في العلججم )‪ ،(127‬وحججديث‬
‫معاذ –وهو حق الله على العباد‪ ،‬وحجق العبجاد علجى اللججه‪-‬‬
‫رواه من حديث أنس )‪ (129‬ومسلم )‪.(32 ،30‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه مسجلم فجي مقدمجة صججحيحه‪ :‬بجاب‪ :‬النهجي عجن‬
‫الحديث بكل ما سمع‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( رواه الجججبيهقي فجججي الشجججعب )‪ (1765‬والجججدارمي )‬
‫‪ (1/105‬وابجن عبجد الجبر فجي ججامع العلجم )‪ (708‬وقجال‬
‫محققه الشيخ الفاضل أبو الشبال‪ :‬ل بأس به‪ ،‬له شواهد‬
‫كثيرة بنحوه تشهد له‪.‬‬
‫‪- 332 -‬‬
‫يزل فيه فيحدث الناس بما ل تبلغه عقولهم‪ ،‬وهو على خلف‬
‫الشرع‪ ،‬وما كان عليه سلف هذه المة‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ً‪ :‬جميع ما تقدم في فضل ال ّ‬
‫سججنة‪ ،‬الججتي‬
‫يكون العمل بها ذريعة إلى البدعة‪ ،‬من حيججث إنهججا عمججل بهججا‬
‫ولم يعمل بها سلف هذه المة‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬تكرار السورة الواحدة في التلوة أو فججي الركعججة‬
‫الواحدة)‪ ،(1‬فإن التلوة لججم تشججرع علججى ذلججك الججوجه‪ ،‬ول أن‬
‫ص من القرآن شيئا ً دون شيء ل في صلة ول في غيرهججا‬ ‫يخ ّ‬
‫‪ -‬فصار المخصص لها عامل ً برأيه في التعبد لله‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قراءة القججرآن بهيئة الجتمججاع عشججية عرفججة‬
‫في المسجد للدعاء تشبها ً بأهل عرفة)‪.(2‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أما تكرار السورة الواحدة على الركعتين فثججابت مججن‬
‫فعل النبي ‪ ‬من حديث رجل من جهينة‪ :‬أنه قرأ سورة‬
‫الزلزلة في ركعتي الصبح‪ .‬رواه أبو داود )‪ :816‬حسججن(‪،‬‬
‫وروى الطبري وعبد الرزاق )‪ (5882‬وصجححه ابجن حججر‬
‫أن عمر قرأ بالنجم وسجد ثججم قججام فقججرأ الزلزلججة‪ .‬ومججن‬
‫حديث أبي ذر‪ :‬أن النبي ‪ ‬قام بآية حتى أصبح‪ ،‬يرددهججا‪،‬‬
‫والية‪ :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهههم‬
‫فإنك أنت العزيز الحكيم ‪] ‬المائدة‪ [118 :‬رواه ابن‬
‫أبججي شججيبة )‪ (2/224‬والنسججائي )‪ (2/177‬وابججن ماجججة )‬
‫‪ :1350‬حسن(‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فى المغنى )‪ :(3/295‬سججئل أحمججد عجن التعريججف‬
‫فى المصار‪ ،‬قال‪ :‬أرجو أن ل يكججون بججه بججأس‪ ،‬قججد فعلججه‬
‫غير واحد ‪ ...‬قال أحمد ‪ :‬ل بأس به إنمججا هججو دعججاء وذكججر‬
‫لله‪ ،‬فقيل له‪ :‬تفعله أنت ؟ قججال‪ :‬أمججا أن جا فل‪ ،‬وروى عججن‬
‫يحيجججى بجججن معيجججن أنجججه حضجججر مجججع النجججاس عشجججية‬
‫عرفه‪ .‬أهج‪.‬‬
‫وقههال شههيخ السههلم ابههن تيميههة فههي اقتضههاء‬
‫‪- 333 -‬‬
‫]ومن ذلك‪ [:‬نقل الذان يوم الجمعة من المنججار وجعلججه‬
‫قدام المام‪:‬‬
‫ففي سماع ابن القاسم‪ ،‬وسئل عن القرى التي ل يكججون‬
‫فيها إمام إذا صلى بهججم رجججل منهججم الجمعججة أيخطججب بهججم؟‬
‫قال‪ :‬نعججم! ل تكججون الجمعججة إل بخطبججة‪ ،‬فقيججل لججه‪ :‬أفيججؤذن‬
‫قدامه ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬واحتج على ذلك بفعل أهل المدينة‪.‬‬
‫قال ابن رشد‪ :‬الذان بين يدي المام في الجمعة مكججروه‬
‫لنه محدث‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأول من أحدثه هشام بجن عبجد الملجك‪ ،‬وإنمجا كجان‬
‫رسول الله ‪ ‬إذا زالت الشمس وخرج فرقججى المنججبر‪ ،‬فججإذا‬
‫رآه المؤذن ‪-‬وكانوا ثلثة ‪ -‬قاموا فأذنوا في المشججرفة واحججدا ً‬
‫بعد واحجد)‪ (1‬كمجا يجؤذن فجي غيجر الجمعجة‪ ،‬فجإذا فرغجوا أخجذ‬

‫الصراط المستقيم‪ :‬فأمججا قصججد الرجججل مسجججد بلججده‬


‫يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريججف فججي المصججار‬
‫الذي اختلف العلماء فيه‪ :‬ففعله ابججن عبججاس وعمججرو بججن‬
‫حريث من الصججحابة وطائفججة مججن البصججريين والمججدنيين‪،‬‬
‫ورخص فيه أحمد وإن كان ل يستحبه‪ ،‬وكرهه طائفة مججن‬
‫الكوفيين‪ :‬كإبراهيم النخعى وأبي حنيفة ومالججك وغيرهججم‪،‬‬
‫ومن كرهه قال‪ :‬هجو مجن البجدع‪ ،‬ومجن رخجص فيجه قجال‪:‬‬
‫فعله ابن عباس بالبصرة حين كان خليفة لعلي عليها ولم‬
‫ينكر عليه‪ ،‬وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غيججر‬
‫إنكار ل يكون بدعججة‪ ،‬لكججن مججا يججزاد علججى ذلججك مججن رفججع‬
‫الصوات في المساجد وأنواع الخطب والشججعار الباطلججة‬
‫مكروه في هذا اليوم وغيره‪ .‬أهج‪) .‬نقل ً عن المعتمججد فججي‬
‫فقه المام أحمد‪ :‬العيدين(‪.‬‬
‫\‬
‫‪1‬‬
‫)( روى البخججاري فججي الصججحيح‪ ،‬كتججاب الجمعججة‪ :‬بججاب‬
‫المؤذن الواحد يوم الجمعة )حديث ‪:(913‬‬
‫‪- 334 -‬‬
‫رسول الله ‪ ‬في خطبته‪ ،‬ثم تله أبو بكر وعمر رضججي اللججه‬
‫عنهما‪ ،‬فزاده عثمان رضجي اللججه عنججه لمججا كججثر النججاس أذانجا ً‬
‫بجالزوراء عنججد زوال الشججمس‪ ،‬ويججؤذن النججاس فيججه بججذلك أن‬
‫الصلة قد حضرت‪ ،‬وترك الذان في المشججرفة بعججد جلوسججه‬
‫على المنبر على ما كان عليه‪ ،‬فاستمر المر على ذلججك إلججى‬
‫زمان هشام‪ ،‬فنقل الذان الذي كان بالزوراء إلى المشججرفة‪،‬‬
‫ونقججل الذان الججذي كججان بالمشججرفة بيججن يججديه‪ ،‬وأمرهججم أن‬
‫يؤذنوا صفًا‪ ،‬وتله على ذلك من بعده من الخلفاء إلى زماننججا‬
‫هذا‪.‬‬
‫قال ابن رشد‪ :‬وهو بدعة‪ ،‬قال‪ :‬والذي فعله رسججول اللججه‬
‫‪ ‬والخلفاء الراشدون بعده هو السنة‪.‬‬

‫يسنده عن السائب بججن يزيججد‪" :‬أن الذي زاد التههأذين‬


‫الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضههي اللههه‬
‫عنه ‪ -‬حين كثر أهل المدينة ‪ -‬ولم يكن للنبي ‪‬‬
‫مؤذن غير واحد‪ ،‬وكان التأذين يوم الجمعة حيههن‬
‫يجلس المام يعني على المنبر"‪.‬‬
‫قال الحافظ شارحا ً )‪ :(2/459‬وهو ظاهر فجي إرادة‬
‫نفي تأذين اثنيججن معجًا‪ ،‬والمججراد أن الججذي كججان يججؤذن هججو‬
‫الذي كان يقيججم‪ ،‬وعججرف بهججذا الججرد علججى مججا ذكججر ابن‬
‫حهههبيب أنجججه ‪ ‬كجججان إذا رقجججي المنجججبر وجلجججس أذن‬
‫المؤذنون‪ ،‬وكانوا ثلثة واحد بعد واحد‪ ،‬فججإذا فججرغ الثججالث‬
‫قام فخطججب‪ ،‬فججإنه دعججوى تحتججاج لججدليل‪ ،‬ولججم يججرد ذلججك‬
‫صريحا ً من طريججق متصججلة يثبججت مثلهججا‪ .‬ثججم وجججدته فججي‬
‫مختصر البججويطي عججن الشججافعي‪.‬أ‪.‬هججج‪ .‬وقججوله‪ :‬الثججالث‪:‬‬
‫بحساب الذان والقامة اثنان‪ ،‬وأذان الزوراء ثالثًا‪ .‬وفعججل‬
‫عثمان رضججي اللججه عنججه رواه البخججاري )‪ (912‬وأصججحاب‬
‫السججنن وابججن خزيمججة وابججن حبججان والججبيهقي وأحمججد‬
‫والطبراني في الكبير‪.‬‬
‫‪- 335 -‬‬
‫وذكر ابن حبيب ما كان فعله عليه السلم وفعل الخلفججاء‬
‫بعده كما ذكر ابن رشد‪ ،‬وكأنه نقله من كتابه‪.‬‬
‫فصار إذا ً نقل هشام الذان المشروع في المنجار إلجى مجا‬
‫بين يديه بدعة في ذلك المشروع‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فكجذلك أذان الجزوراء محجدث أيضجًا‪ ،‬بجل هجو‬
‫محدث من أصله غير منقول من موضججعه‪ ،‬فالججذي يقججال هنججا‬
‫يقال مثله في أذان هشام‪ ،‬بل هو أخف منه‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن أذان الزوراء وضع هنالك على أصله‪ :‬مججن‬
‫العلم بوقت الصججلة‪ ،‬وجعلججه بججذلك الموضججع لنججه لججم يكججن‬
‫ليسمع إذا وضججع بالمسجججد كمججا كججان فججي زمججان مججن قبلججه‪،‬‬
‫فصارت كائنة أخرى لم تكن فيما تقجدم‪ ،‬فاجتهجد لهجا كسجائر‬
‫مسائل الجتهاد‪ ،‬وحين كان مقصودا ً الذان العلم فهججو بججاق‬
‫كمججا كجان‪ ،‬فليججس وضججعه هنالججك بمنججاف‪ ،‬إذ لججم تخججترع فيججه‬
‫أقاويججل محدثججة‪ ،‬ول ثبججت أن الذان بالمنججار أو فججي سججطح‬
‫المسجد تعبد غير معقول المعنججى‪ ،‬فهججو الملئم مججن أقسججام‬
‫المناسب‪ ،‬بخلف نقله من المنار إلججى مججا بيججن يججدي المججام‪،‬‬
‫فإنه قد أخرج بذلك أول ً عن أصله من العلم‪ ،‬إذ لججم يشججرع‬
‫لهجججل المسججججد إعلم بالصجججلة إل بالقامجججة‪ ،‬وأذان جمجججع‬
‫الصلتين موقوف على محله‪ ،‬ثججم أذانهججم علججى صججوت واحججد‬
‫زيادة في الكيفية‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الذان والقامة في العيججدين‪ ،‬فقججد نقججل ابججن‬
‫عبد البر اتفاق الفقهاء علججى أن ل أذان ول إقامججة فيهمججا‪ ،‬ول‬
‫في شيء من الصلوات المسججنونات والنوافججل‪ ،‬وإنمججا الذان‬
‫للمكتوبات‪ ،‬وعلى هذا مضى عمل الخلفاء‪ :‬أبججي بكججر وعمججر‬
‫وعثمان وعلي‪ ،‬وجماعة الصحابة رضي اللججه عنهججم‪ ،‬وعلمججاء‬
‫التابعين‪ ،‬وفقهاء المصار)‪.(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( التمهيد لبن عبد البر ‪.24/239‬‬
‫‪- 336 -‬‬
‫وأول من أحدث الذان والقامة في العيدين ‪ -‬فيمججا ذكججر‬
‫ابججن حججبيب ‪ -‬هشججام بججن عبججد الملججك‪ :‬أراد أن ي ُجؤِْذن النججاس‬
‫بالذان بمجيء المام‪ ،‬ثم بدأ بالخطبة قبل الصججلة‪ ،‬كمججا بججدأ‬
‫بها مروان‪ ،‬ثم أمر بالقامة بعججد فراغججه مججن الخطبججة ليججؤذن‬
‫الناس بفراغه من الخطبة ودخوله في الصلة لبعججدهم عنججه‪.‬‬
‫)قال(‪ :‬ولم يرد مروان وهشام إل الجتهاد فيما رأيا‪ ،‬إل أنه ل‬
‫يجوز اجتهاد في خلف رسول الله ‪.‬‬
‫)قال(‪ :‬وقد حدثني ابن الماجشون أنه سمع مالكا ً يقول‪:‬‬
‫"من أحدث في هذه المههة شههيئا ً لههم يكههن عليههه‬
‫سلفها‪ ،‬فقد زعم أن رسول الله ‪ ‬خان الرسههالة‪،‬‬
‫ت‬‫ت لكم ديَنكههم وأتمم ه ُ‬ ‫م أكمل ُ‬ ‫لن الله يقول‪ :‬اليو َ‬
‫ً‬
‫م دين ها ‪ ، ‬فمهها‬
‫)‪(1‬‬
‫م السههل َ‬ ‫ت لك ُ‬ ‫عليكم نعمتي ورضي ُ‬
‫لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون اليوم دينا"‪.‬‬
‫ً‬

‫ولقائل أن يقههول‪ :‬إن الذان هنججا نظيججر أذان الججزوراء‬


‫لعثمان رضي الله عنه‪ ،‬فما تقدم فيه من التوجيه الجتهججادي‬
‫جججارٍ هنججا‪ ،‬ول يكججون بسججبب ذلججك مخالف جا ً للسججنة‪ ،‬لن قصججة‬
‫هشام نازلة ل عهد بها فيمججا تقججدم‪ ،‬لن الذان إعلم بمجيججء‬
‫المججام لخفججاء مجيئه عججن النججاس لبعججدهم عنججه‪ ،‬ثججم القامججة‬
‫للعلم بالصججلة‪ ،‬إذ لولهججا لججم يعرفججوا دخججوله فججي الصججلة‪،‬‬
‫فصار ذلك أمرا ً ل بد منه كأذان الزوراء‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن مجيء المججام لججم يشججرع فيججه الذان وإن‬
‫خفي على بعض الناس لبعده بكثرة الناس‪ ،‬فكذلك ل يشججرع‬
‫فيما بعد‪ ،‬لن العلة كانت موجودة ثم لججم تشججرع‪ ،‬إذ ل يصججح‬
‫أن تكون العلة غير مؤثرة في زمان النبي ‪ ‬والخلفاء بعججده‬
‫ثم تصير مؤثرة‪ ،‬وأيضا ً فإحجداث الذان والقامجة انبنجى علجى‬
‫إحداث تقديم الخطبة على الصلة‪ ،‬وما انبنى علججى المحججدث‬

‫‪1‬‬
‫)( المائدة‪.3 :‬‬
‫‪- 337 -‬‬
‫محدث‪ ،‬ولنه لما لم يشرع في النوافل أذان ول إقامجة علجى‬
‫حال فهمنا من الشرع التفرقة بين النفل والفرض‪ ،‬لئل تكون‬
‫النوافل كالفرائض في الدعاء إليها‪ ،‬فكان إحداث الدعاء إلى‬
‫ل‪ ،‬وبهذه الوجه الثلثة يحصل الفججرق‬ ‫النوافل لم يصادف مح ً‬
‫بيججن أذان الججزوراء وبيججن مججا نحججن فيججه‪ ،‬فل يصججح أن يقججاس‬
‫أحدهما على الخر‪ ،‬والمثلة في هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫وهذا كلججه إن فرضججنا أصججل العبججادة مشججروعًا‪ ،‬فججإن كججان‬
‫أصلها غير مشروع فهي بدعة حقيقية مركبة‪.‬‬

‫فصل‬
‫فإن قيل‪ :‬فالبدع الضافية هل يعتد بهججا عبججادات‪ ،‬حججتى‬
‫تكون من تلك الجهة متقربا ً بها إلى اللججه تعججالى‪ ،‬أم ل تكججون‬
‫كذلك؟‬
‫فإن كان الول‪ :‬فل تججأثير إذا ً لكونهججا بدعججة‪ ،‬ول فججائدة‬
‫في ذكره‪ ،‬إذ ل يخلو من أحد المرين‪:‬‬
‫إما أن ل يعتبر بجهة البتداع في العبادة المفروضة‪ ،‬فتقع‬
‫مشروعة يثاب عليها‪ ،‬فتصير جهة البتداع مغتفججرة‪ ،‬فل علججى‬
‫المبتدع فيها أن يبتدع‪.‬‬
‫وإما أن يعتبر بجهة البتداع‪ ،‬فقججد صججار للبتججداع أثججر فججي‬
‫ترتب الثججواب‪ ،‬فل يصججح أن يكججون منفيجا ً عنججه بججإطلق‪ ،‬وهججو‬
‫خلف ما تقرر من عموم الذم فيه‪.‬‬
‫وإن كان الثههاني‪ :‬فقججد اتحججدت البدعججة الضججافية مججع‬
‫الحقيقية بالتقسيم الذي انبنججى عليججه البججاب الججذي نحججن فججي‬
‫شرحه ول فائدة فيه‪.‬‬

‫‪- 338 -‬‬


‫فالجواب‪ :‬أن حاصل البدعة الضافية أنها ل تنحججاز إلججى‬
‫جانب مخصوص في الجملة‪ ،‬بججل ينحججاز بهججا الصججلن ‪ -‬أصججل‬
‫السنة وأصل البدعة‪ -‬لكن من وجهين‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك اقتضججى النظججر السججابق للججذهن أن يثججاب‬
‫العامل بها من جهة ما هو مشروع‪ ،‬ويعاتب من جهججة مججا هججو‬
‫غير مشروع‪.‬‬
‫إل أن هذا النظر ل يتحصل لنه مجمل‪.‬‬
‫والههذي ينبغههي أن يقههال فههي جهههة البدعههة فههي‬
‫العمل‪ :‬ل يخلو أن تنفرد أو تلتصق‪ ،‬وإن التصججقت‪ ،‬فل تخلججو‬
‫أن تصير وصفا ً للمشروع غير منفك‪ ،‬إمجا بالقصججد أو بالوضجع‬
‫الشرعي أو العادي‪ ،‬أو ل تصير وصججفًا‪ ،‬وإن لججم تصججر وصججفًا‪،‬‬
‫فإما أن يكون وضعها إلى أن تصير وصفا ً أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فهججذه أربعججة أقسججام ل بججد مججن بيانهججا فججي تحصججيل هججذا‬
‫المطلوب بحول الله‪.‬‬
‫فأما القسم الول‪ :‬وهو أن تنفرد البدعة عججن العمججل‬
‫المشروع فالكلم فيه ظاهر مما تقدم‪ ،‬إل أنه إن كان وضعه‬
‫على جهة التعبججد فبدعججة حقيقيججة‪ ،‬وإل فهججو فعججل مججن جملججة‬
‫الفعال العادية ل مدخل له فيما نحن فيججه‪ ،‬فالعبججادة سججالمة‬
‫والعمل العادي خارج من كل وجه‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الرجل يريججد القيججام إلججى الصججلة فيتنحنججح مثل ً أو‬
‫يتمخط‪ ،‬أو يمشي خطوات‪ ،‬أو يفعل شيئا ً ول يقصد بذا وجها ً‬
‫راجعا ً إلى الصلة‪ ،‬وإنما يفعل ذلك عادة أو تقززًا‪ ،‬فمثل هججذا‬
‫ل حرج فيه في نفسه ول بالنسبة إلى الصلة‪ ،‬وهو من جملة‬
‫العادات الجائزة‪ ،‬إل أنه يشترط فيه أيضا ً أن ل يكججون بحيججث‬
‫ُيفهم منه النضمام إلجى الصجلة عمل ً أو قصجدًا‪ ،‬فجإنه إذ ذاك‬
‫يصير بدعة‪ .‬وسيأتي بيانه إن شاء الله‪.‬‬

‫‪- 339 -‬‬


‫وكذلك أيضًا‪ ،‬إذا فرضنا أنه فعل فعل ً بقصد التقججرب ممججا‬
‫ل‪ ،‬ثم قام بعججده إلججى الصججلة المشججروعة‪ ،‬ولججم‬ ‫لم يشرع أص ً‬
‫يقصججد فعلججه لجججل الصججلة‪ ،‬ول كججان مظنججة لن ُيفهججم منججه‬
‫انضمامه إليها‪ ،‬فل يقدح في الصججلة‪ ،‬وإنمججا يرجججع الججذم فيججه‬
‫إلى العمل به على النفراد‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬لو أراد القيام إلى العبادة‪ ،‬ففعل عبادة مشروعة‬
‫من غير قصد النضججمام‪ ،‬ول جعلججه عرضججة لقصججد انضججمامه‪،‬‬
‫فتلك العبادتان على أصالتهما‪.‬‬
‫وكقججول الرجججل عنججد الذبججح أو العتججق‪" :‬اللهههم منههك‬
‫وإليك")‪ .(1‬علججى غيججر الججتزام ول قصججد النضججمام‪ ،‬وكقججراءة‬
‫القرآن في الطواف ل بقصد الطواف ول على اللتزام‪.‬‬
‫فكل عبادة هنا منفردة عن صاحبتها‪ ،‬فل حرج فيها‪.‬‬
‫وعلى ذلك نقول‪ :‬لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الجتمججاع‬
‫وقع من أئمة المساجد في بعض الوقات للمججر يحججدث عججن‬
‫قحججط أو خججوف مججن ملججم لكججان جججائزًا‪ ،‬لنججه علججى الشججرط‬
‫المذكور‪ ،‬إذ لم يقجع ذلججك علججى وجججه يخججاف منججه مشججروعية‬
‫النضمام‪ ،‬ول كونه سنة تقام في الجماعججات ويعلججن بججه فججي‬
‫المسججاجد‪ ،‬كمججا دعججا رسججول اللججه ‪" ‬دعههاء الستسههقاء‬
‫بهيئة الجتماع وهو يخطب")‪ ،(2‬وكما أنه دعجا أيضجا ً فججي‬

‫‪1‬‬
‫)( رواه من حديث جابر أبو داود )‪ (2795‬وابججن ماجججة )‬
‫‪ :3121‬ضججعيف( والججبيهقي )‪ ،(9/287‬ورواه مججن حججديث‬
‫أبي سعيد أبو يعلى والطبراني في الوسط وفي إسججناده‬
‫الحجاج بن أرطاة مدلس كما في مجمع الزوائد )‪،(4/22‬‬
‫ونقل النووي في شرح مسلم كراهية هذه اللفظججة وأنهججا‬
‫بدعة عن مالك‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( هججذا فججي الستسججقاء يججوم الجمعججة‪ :‬رواه البخججاري )‬
‫‪ (1016‬ومسججلم )‪ (897‬وأبججو داود )‪ (1174‬والنسججائي )‬
‫‪- 340 -‬‬
‫غير أعقاب الصلوات على هيئة الجتمججاع‪ ،‬لكججن فججي الفججرط‬
‫وفي بعض الحايين كسججائر المسججتحبات الججتي ل يججتربص بهججا‬
‫وقتا ً بعينه وكيفية بعينها‪.‬‬
‫وخّرج الطبري عن أبي سعيد مولى أسيد ‪ ...‬قال‪" :‬كان‬
‫عمر رضي الله عنه إذا صلى العشههاء أخههرج النههاس‬
‫من المسجد‪ ،‬فتخلف ليلة مههع قههوم يههذكرون اللههه‪،‬‬
‫فأتى عليهم فعرفهم‪ ،‬فألقى درته وجلههس معهههم‪،‬‬
‫فجعل يقول‪ :‬يا فلن ! ادع اللههه لنها‪ ،‬يها فلن ! ادع‬
‫الله لنا‪ ،‬حتى صار الدعاء إلى غير‪ ،‬فكانوا يقولون‪:‬‬
‫ظ !‪ ،‬فلههم أَر أحههدا ً مههن النههاس تلههك‬
‫ظ غليه ٌ‬
‫عمههر فه ٌ‬
‫الساعة أرقّ من عمر رضههي اللههه عنههه ل ثكلههى ول‬
‫أحدًا"‪.‬‬
‫وعن سلم العلججوي قججال ‪" :‬قال رجههل لنههس رضههي‬
‫اللههه عنههه يومههًا‪ :‬يهها أبهها حمههزة ! لههو دعههوت لنهها‬
‫بدعوات ‪...‬فقال‪ :‬اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفههي‬
‫الخرة حسنة ‪ -‬قال ‪ -‬فأعادها مرارا ً ثلثًا‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫أبا حمزة ! لههو دعههوت؟ …فقههال مثههل ذلههك ل يزيههد‬
‫عليه"‪.‬‬
‫فإذا كان المر على هذا فل إنكار فيه‪ ،‬حتى إذا دخل فيججه‬
‫أمر زائد صار الدعاء فيه بتلججك الزيججادة مخالفجا ً للسججنة‪ ،‬فقججد‬
‫جاء في دعاء النسان لغيره الكراهيججة عججن السججلف‪ ،‬ل علججى‬
‫حكم الصالة بل بسبب ما ينضم إليججه مججن المججور المخرجججة‬
‫عن الصل‪.‬‬
‫ولنذكره هنا لجتماع أطراف المسألة في التشبيه)‪ (1‬على‬
‫الدعاء بهيئة الجتماع بآثار الصلوات في الجماعات دائمًا‪.‬‬

‫‪ (3/159‬وابن خزيمة )‪ (1423‬وابن حبان )‪.(2858‬‬


‫‪1‬‬
‫)( في نسخة‪ :‬التنبيه‪.‬‬
‫‪- 341 -‬‬
‫فخرج الطبري عن مدرك بن عمران‪ ،‬قال‪" :‬كتب رجل‬
‫إلى عمر رضي الله عنه‪ :‬فادع الله لي‪ ،‬فكتب إليههه‬
‫عمههر‪ :‬إنههي لسههت بنههبي‪ ،‬ولكههن إذا أقيمههت الصههلة‬
‫فاستغفر الله لذنبك"‪.‬‬
‫فإباية عمر رضي الله عنججه فججي هججذا الموضججع ليججس مججن‬
‫جهة أصل الدعاء‪ ،‬ولكن من جهة أخججرى‪ ،‬وإل تعججارض كلمججه‬
‫مع ما تقدم‪ ،‬فكأنه فهم من السائل أمرا ً زائدا ً علججى الججدعاء‪،‬‬
‫فلذلك قال‪" :‬لست بنبي"‪ .‬ويدلك على هذا ما روي عن سعد‬
‫بن أبي وقاص رضي الله عنه "أنه لما قدم الشههام أتههاه‬
‫رجل فقال‪ :‬استغفر لي‪ ،‬فقال‪ :‬غفر الله لههك‪ .‬ثههم‬
‫أتاه آخر فقال‪ :‬استغفر لي‪ ،‬فقال‪ :‬ل غفر الله لك‬
‫ول لذاك‪ ،‬أنبي أنا ؟!"‪.‬‬
‫فهذا أوضح في أنه فهم من السججائل أمججرا ً زائدًا‪ ،‬وهججو أن‬
‫يعتقد فيه أنه مثل النبي‪ ،‬أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك‪ ،‬أو‬
‫يعتقد أنججه سججنة تلججزم‪ ،‬أو يجججري فجي النجاس مججرى السججنن‬
‫الملتزمة‪.‬‬
‫ونحججوه عججن زيججد بججن وهججب "أن رجل ً قههال لحذيفههة‬
‫رضي الله عنه‪ :‬اسههتغفر لههي‪ ،‬فقههال‪ :‬ل غفههر اللههه‬
‫لك‪ .‬ثم قال‪ :‬هذا يذهب إلى نسائه فيقول اسههتغفر‬
‫لههي حذيفههة‪ ،‬أترضههين أن أدعههو اللههه أن تكههن مثههل‬
‫حذيفة؟"‪ .‬فدل هذا على أنه وقع في قلبججه أمججر زائد يكججون‬
‫الدعاء له ذريعة حتى يخجرج عجن أصججله‪ ،‬لقجوله بعججد مجا دعجا‬
‫على الرجل‪ :‬هذا يذهب إلى نسججائه فيقججول كججذا‪ ،‬أي‪ :‬فيججأتي‬
‫نساؤه لمثلها‪ ،‬ويشجتهر المجر حجتى يتخجذ سجنة‪ ،‬ويعتقجد فجي‬
‫حذيفة ما ل يحبه هو لنفسه‪ ،‬وذلك يخرج المشروع عن كونه‬
‫مشروعًا‪ ،‬ويؤدي إلى التشيع واعتقاد أكثر مما يحتاج إليه‪.‬‬
‫وروى منصججور عججن إبراهيججم قججال‪" :‬كههانوا يجتمعههون‬
‫فيتذاكرون فل يقول بعضهم لبعض‪ :‬استغفر لنا"‪.‬‬
‫‪- 342 -‬‬
‫فتأملوا يا أولي اللباب ما ذكره العلماء من هذه الضمائم‬
‫المنضمة إلى الدعاء‪ ،‬حتى كرهوا الدعاء إذا انضم إليه ما لم‬
‫يكن عليه سلف المة‪ ،‬فقس بعقلك ماذا كججانوا يقولججون فججي‬
‫دعائنا اليوم بآثار الصلة‪ ،‬بل في كثير من المواطن‪.‬‬
‫وهذه الثار من تخريج الطبري في تهذيب الثار له‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهججو أن يصججير العمججل العججادي أو‬
‫غيججره كالوصججف للعمججل المشججروع‪ ،‬إل أن الججدليل علججى أن‬
‫العمل المشروع لم يتصف في الشرع بذلك الوصف‪ :‬فظاهر‬
‫المر انقلب العمل المشروع غير مشروع‪.‬‬
‫ويبين ذلك من الدلة عموم قوله عليجه الصجلة والسجلم‪:‬‬
‫د")‪ (1‬وهذا العمل عند‬ ‫"كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ر ّ‬
‫اتصافه بالوصف المذكور عمل ليس عليه أمره عليه الصججلة‬
‫والسلم‪ ،‬فهو إذا ً ر ّ‬
‫د‪ ،‬كصلة الفرض – مث ً‬
‫ل‪ -‬إذا صلها القججادر‬
‫الصحيح قاعدا ً أو سّبح في موضع القراءة‪ ،‬أو قرأ فى موضع‬
‫التسبيح‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وقد "نهى عليه الصلة والسلم عن الصههلة بعههد‬
‫الصبح وبعد العصر‪ ،‬ونهى عههن الصههلة عنههد طلههوع‬
‫الشمس وغروبها")‪ ،(2‬فبالغ كثير من العلمججاء فججي تعميججم‬

‫‪1‬‬
‫)( تقدم تخريجه ص ‪ 84‬رقم )‪.(1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النهي عن الصلة بعد الصبح والعصر‪ :‬رواه من حديث‬
‫أبي سعيد البخاري )‪ (586‬ومسججلم )‪ (827‬وابججن ماجججة )‬
‫‪ .(1249‬ومججن حججديث ابججن عبججاس رواه البخججاري )‪(581‬‬
‫وابججن خزيمججة )‪ (2146‬وابججن ماجججة )‪ (1250‬والججدارمي‪.‬‬
‫ومجن حجديث أبجي هريجرة البخجاري )‪ (584‬وابجن ماججة )‬
‫‪ .(1248‬وحجججديث النهجججي عجججن الصجججلة عنجججد الشجججروق‬
‫والغججروب‪ :‬رواه مججن حججديث ابججن عمججر البخججاري )‪(582‬‬
‫ومسلم )‪ .(828‬ورواه من حديث عقبة بن عامر الجهنججي‬
‫‪- 343 -‬‬
‫النهي‪ ،‬حتى عدوا صلة الفرض في ذلك الججوقت داخل ً تحججت‬
‫ي الصلة َ لجججل اتصججافها بأنهججا واقعججة فججي‬
‫النهي‪ ،‬فباشر النه ُ‬
‫زمان مخصوص‪ ،‬كما اعتبر فيها الزمان باتفاق فججي الفججرض‪،‬‬
‫فل تصلى الظهر قبل الزوال‪ ،‬ول المغرب قبل الغروب‪.‬‬
‫"ونهى عليه الصلة والسلم عههن صههيام الفطههر‬
‫والضحى")‪ ،(1‬والتفاق علججى بطلن الحججج فججي غيججر أشججهر‬
‫الحج‪.‬‬
‫فكل من تعبد لله تعالى بشيء من هذه العبادات الواقعة‬
‫في غير أزمانها‪ ،‬تعبد ببدعة حقيقية ل إضججافية‪ ،‬فل جهججة لهججا‬
‫إلى المشروع‪ ،‬بل غلبت عليها جهة البتججداع‪ ،‬فل ثججواب فيهججا‬
‫على ذلك التقدير‪.‬‬
‫فلو فرضنا قائل ً يقول بصججحة الصججلة الواقعججة فججي وقججت‬
‫الكراهية‪ ،‬أو صحة الصوم الواقع يوم العيد‪ ،‬فعلججى فججرض أن‬
‫النهي راجع إلى أمججر لججم يصججر للعبججادة كالوصججف‪ ،‬بججل المججر‬
‫ك منفرد‪ ،‬حسبما تبين بحول الله‪.‬‬ ‫منف ٌ‬
‫وعلى هذا الترتيب ينبغي أن تجري العبججادات المشججروعة‬
‫خصت بأزمان مخصوصة بالرأي المجرد‪ ،‬من حيث فهمنججا‬ ‫إذا ُ‬
‫ً‬
‫أن للزمججان تلبس جا بالعمججال علججى الجملججة‪ ،‬فصججيرورة ذلججك‬

‫مسلم )‪ (831‬والدارمي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه مسلم )‪ (1137‬والبخججاري )‪ (1990‬والترمججذي )‬
‫‪ (771‬وأبو داود )‪ (2416‬وابن ماجة من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫ورواه مسججلم )‪ (1138‬والبخججاري )‪ (1993‬وابججن حبججان )‬
‫‪ (3598‬مججن حججديث أبججي هريججرة‪ .‬ورواه مسججلم )‪(827‬‬
‫والبخاري )‪ (1995 ،1991‬وابن حبان )‪ (3599‬وأبو داود‬
‫)‪ (2417‬وابن ماجة من حديث أبي سججعيد‪ .‬ورواه مسججلم‬
‫)‪ (1139‬والبخاري )‪ (1994‬من حديث ابججن عمججر‪ .‬ورواه‬
‫مسلم )‪ (1140‬من حديث عائشة‪.‬‬
‫‪- 344 -‬‬
‫الزائد وصفا ً فيه مخرج له عججن أصججله‪ ،‬وذلججك أن الصججفة مججع‬
‫الموصوف من حيث هي صفة له ل تفارقه هي من جملته‪.‬‬
‫وذلك لنا نقول‪ :‬إن الصججفة هججي عيججن الموصججوف إذا‬
‫ة أو اعتبججارًا‪ ،‬ولججو فرضججنا ارتفاعهججا عنججه‬
‫كانت لزمة له حقيق ً‬
‫لرتفججع الموصججوف مججن حيججث هججو موصججوف بهججا‪ ،‬كارتفججاع‬
‫النسان بارتفججاع النججاطق أو الضججاحك)‪ ،(1‬فججإذا كججانت الصججفة‬
‫الزائدة علججى المشججروع علججى هججذه النسججبة‪ ،‬صججار المجمججوع‬
‫منهما غير مشروع‪ ،‬فارتفع اعتبار المشروع الصلي‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضهًا‪ :‬قججراءة القججرآن بججالدارة علججى‬
‫صوت واحد‪ ،‬فإن تلك الهيئة زائدة على مشججروعية القججراءة‪،‬‬
‫وكذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الزوايا‪.‬‬
‫وربما لطف اعتبار الصفة فيشك في بطلن المشروعية‪.‬‬
‫كما وقع في العتبية عن مالك فججي مسججألة العتمججاد فججي‬
‫الصلة ل يحرك رجليه‪ ،‬وأن أول من أحدثه رجل قد عججرف ‪-‬‬
‫قال ‪ -‬وقد كان مساء )أي يساء الثناء عليه( فقيل له‪ :‬أفعيب‬
‫؟ قال‪ :‬قد عيب عليه ذلججك‪ ،‬وهججذا مكججروه مججن الفعججل‪ ،‬ولججم‬
‫يذكر فيها أن الصلة باطلة وذلك لضعف وصججف العتمججاد أن‬
‫يؤثر في الصلة ‪ ،‬ولطفه بالنسبة إلى كمال هيئتها‪.‬‬
‫وهكذا ينبغي أن يكون النظر فججي المسججألة بالنسججبة إلججى‬
‫اتصاف العمل بما يؤثر فيه أو ل يؤثر فيه‪ ،‬فإذا غلب الوصججف‬
‫على العمل كان أقرب إلى الفساد‪ ،‬وإذا لججم يغلججب لججم يكججن‬
‫أقرب وبقي في حكجم النظجر‪ ،‬فيجدخل هاهنجا نظجر الحتيجاط‬
‫للعبادة إذا صار العمل في العتبار من المتشابهات‪.‬‬
‫واعلموا أنه حيث قلنا‪ :‬إن العمل الججزائد علججى المشججروع‬
‫يصير وصفا ً لها أو كالوصف‪ ،‬فإنما يعتبر بأحد أمور ثلثة‪ :‬إمججا‬

‫‪1‬‬
‫)( يقال أن النسان حيوان ناطق ضاحك‪.‬‬
‫‪- 345 -‬‬
‫بالقصد‪ ،‬وإما بالعادة‪ ،‬وإما بالشرع‪.‬‬

‫أمهها بالقصههد‪ :‬فظججاهر‪ ،‬بججل هججو أصججل التشججريع فججي‬


‫المشروعات بالزيادة أو النقصان‪.‬‬
‫أما بالعادة‪ :‬فكالجهر والجتماع في الذكر المشهور بين‬
‫متصوفة الزمان‪ ،‬فإن بينه وبين الذكر المشججروع بون جا ً بعيججدًا‪،‬‬
‫إذ هما كالمتضادين عادة‪.‬‬
‫وكالذي حكى ابن وضاح عن العمش عن بعض أصججحابه‪،‬‬
‫قال‪" :‬مر عبد الله برجل يقههص فههي المسههجد علههى‬
‫أصحابه وهو يقول‪ :‬سههبحوا عشههرا ً وهللههوا عشههرًا‪،‬‬
‫فقال عبد الله‪ :‬إنكم لهدى مههن أصههحاب محمههد ‪‬‬
‫أو أضل"‪.‬‬
‫وفي رواية عنه أن رجل ً كان يجمع الناس فيقججول ‪ :‬رحججم‬
‫الله من قججال كججذا وكججذا مججرة سججبحان اللججه ‪ -‬قججال ‪ -‬فيقججول‬
‫القوم‪ ،‬ويقول‪ :‬رحم الله من قال كذا وكذا مججرة الحمججد للججه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيقول القوم‪ ،‬قال‪ :‬فمر بهم عبد الله بن مسعود رضي‬
‫الله عنه فقال لهم‪" :‬هديتم لما لم يهد نهبيكم ! وإنكههم‬
‫لتمسكون بذنب ضللة")‪.(1‬‬
‫فهذه أمور أخرجت الذكر ]عن وصفه[ المشروع‪ ،‬كالججذي‬
‫تقججدم مججن النهججي عججن الصججلة فججي الوقججات المكروهججة‪،‬‬
‫أوالصلوات المفروضة إذا صليت قبل أوقاتها‪ ،‬فإنا قججد فهمنججا‬

‫‪1‬‬
‫)( نحوه عند الطبراني في الكبير‪ ،‬وفيه مجالد بن سعيد‪،‬‬
‫وحججديث آخججر نحججوه منقطججع وفيججه عطججاء ابججن السججائب‬
‫مختلط‪ :‬مجمع الزوائد )‪ (1/181‬وانظر‪ :‬سنن الججدارمي )‬
‫‪ .(1/68‬وانظججر صججحيح الججترغيب لللبججاني رحمججه اللججه‪،‬‬
‫حديث )‪.(60‬‬
‫‪- 346 -‬‬
‫من الشرع القصد إلججى النهججي عنهججا‪ ،‬والمنهججي عنججه ل يكججون‬
‫متعبدا ً به‪ ،‬وكذلك صيام يوم العيد‪.‬‬

‫‪- 347 -‬‬

You might also like