You are on page 1of 299

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء الثامن والثلثون‬

‫مصحف *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المُصحف بضمّ الميم ‪ ,‬ويجوز المِصحف بكسرها ‪ ,‬وهي لغه تميمٍ ‪ ,‬وهو لغةً ‪ :‬اسم‬ ‫‪1‬‬

‫لكلّ مجموع ٍة من الصحف المكتوبة ضمّت بين دفّتين ‪ ,‬قال الزهري ‪ :‬وإنّما سمّي‬
‫صحِف ‪ ,‬أي جعل جامعا للصحف المكتوبة بين ال ّدفّتين ‪.‬‬
‫المصحف مصحفا لنّه أُ ْ‬
‫والمصحف في الصطلح ‪ :‬اسم للمكتوب فيه كلم اللّه تعالى بين الدّفّتين ‪.‬‬
‫ويصدق المصحف على ما كان حاويا للقرآن كلّه ‪ ,‬أو كان ممّا يسمى مصحفا عرفا ولو‬
‫ب ‪ :‬يشمل ما كان مصحفا جامعا‬
‫ب ‪ ,‬على ما صرّح به القليوبي ‪ ,‬وقال ابن حبي ٍ‬
‫ل كحز ٍ‬
‫قلي ً‬
‫أو جزءا أو ورقةً فيها بعض سورةٍ أو لوحا أو كتفا مكتوبةً ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫القرآن ‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن لغةً ‪ :‬القراءة ‪ ,‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬فَإِذَا َق َرأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآ َنهُ } ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهو في الصطلح ‪ :‬اسم لكلم اللّه تعالى المنزّل على رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫المتعبّد بتلوته ‪ ,‬المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلً متواترا ‪.‬‬
‫فالفرق بينه وبين المصحف ‪ :‬أنّ المصحف اسم للمكتوب من القرآن الكريم المجموع بين‬
‫الدّفّتين والجلد ‪ ,‬والقرآن اسم لكلم اللّه تعالى المكتوب فيه ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمصحف ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمصحف أحكام منها ‪:‬‬
‫لمس الجنب والحائض للمصحف ‪:‬‬
‫س المصحف ‪ ,‬روي ذلك عن‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يم ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ابن عمر رضي اللّه عنهما ‪ ,‬والقاسم بن محمّ ٍد والحسن وقتادة وعطاءٍ والشّعبيّ ‪ ,‬قال‬
‫ابن قدامة ‪ :‬ول نعلم مخالفا في ذلك إل داود ‪.‬‬
‫وسواء في ذلك الجنابة والحيض والنّفاس ‪ ,‬فل يجوز لحدٍ من أصحاب هذه الحداث أن‬
‫س المصحف حتّى يتطهّر ‪ ,‬إل ما يأتي استثناؤه ‪.‬‬
‫يم ّ‬
‫سهُ إََِل ا ْل ُمطَهّرُونَ } ‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله تعالى ‪ { :‬ل َي َم ّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن حزمٍ رضي اللّه عنه إلى أهل اليمن ‪,‬‬
‫وبما في كتاب النّب ّ‬
‫وهو قوله ‪ « :‬ل يمس القرآن إل طاهر » ‪ ,‬وقال ابن عمر ‪ :‬قال النّبي صلّى اللّه عليه‬
‫وسلّم ‪ « :‬ل يمس القرآن إل طاهر » ‪.‬‬
‫لمس المحدث حدثا أصغر للمصحف ‪:‬‬
‫س المصحف ‪ ,‬وجعله‬
‫‪ -‬ذهب عامّة الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يم ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ابن قدامة ممّا ل يعلم فيه خلفا عن غير داود ‪.‬‬


‫وقال القرطبي ‪ :‬وقيل ‪ :‬يجوز مسه بغير وضوءٍ ‪ ,‬وقال القليوبي من الشّافعيّة ‪ :‬وحكى ابن‬
‫الصّلح قولً غريبا بعدم حرمة مسّه مطلقا ‪.‬‬
‫ول يباح للمحدث مس المصحف إل إذا أتمّ طهارته ‪ ,‬فلو غسل بعض أعضاء الوضوء لم‬
‫يجز مس المصحف به قبل أن يتمّ وضوءه ‪ ,‬وفي قولٍ عند الحنفيّة ‪ :‬يجوز مسه بالعضو‬
‫الّذي ت ّم غسله ‪.‬‬
‫مس الجنب والمحدث للمصحف بغير باطن اليد ‪:‬‬
‫س المصحف بباطن اليد ‪ ,‬وبين مسّه بغيرها من العضاء‬
‫‪ -‬يسوّي عامّة الفقهاء بين م ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ن كلّ شي ٍء لقى شيئا ‪ ,‬فقد مسّه إل الحكم وحمّادا ‪ ,‬فقد قال ‪ :‬يجوز مسه بظاهر اليد‬
‫‪,‬لّ‬
‫س اليد ‪.‬‬
‫وبغير اليد من العضاء ‪ ,‬لنّ آلة الم ّ‬
‫وفي قو ٍل عند الحنفيّة ‪ :‬يمنع مسه بأعضاء الطّهارة ول يمنع مسه بغيرها ‪ ,‬ونقل في‬
‫ي أنّ المنع أصح ‪.‬‬
‫الفتاوى الهنديّة عن الزّاهد ّ‬
‫مس جلد المصحف وما ل كتابة فيه من ورقه ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يمتنع على‬ ‫‪6‬‬

‫غير المتطهّر مس جلد المصحف المتّصل ‪ ,‬والحواشي الّتي ل كتابة فيها من أوراق‬
‫المصحف ‪ ,‬والبياض بين السطور ‪ ,‬وكذا ما فيه من صحائف خالي ٍة من الكتابة بالكلّيّة ‪,‬‬
‫وذلك لنّها تابعة للمكتوب وحريم له ‪ ,‬وحريم الشّيء تبع له ويأخذ حكمه ‪.‬‬
‫وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك ‪.‬‬
‫حمل غير المتطهّر للمصحف وتقليبه لوراقه وكتابته له ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والحنابلة ‪ ,‬وهو قول الحسن وعطا ٍء والشّعبيّ والقاسم والحكم وحمّادٍ ‪,‬‬ ‫‪7‬‬

‫إلى أنّه ل بأس أن يحمل الجنب أو المحدث المصحف بعلقة ‪ ,‬أو مع حائلٍ غير تابعٍ له ‪,‬‬
‫ن النّهي الوارد إنّما هو‬
‫لنّه ل يكون ماسا له فل يمنع منه كما لو حمله في متاعه ‪ ,‬ول ّ‬
‫س ول مسّ هنا ‪ ,‬قال الحنفيّة ‪ :‬فلو حمله بغلف غير مخيطٍ به ‪ ,‬أو في خريطةٍ ‪-‬‬
‫عن الم ّ‬
‫وهي الكيس ‪ -‬أو نحو ذلك ‪ ,‬لم يكره ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة والوزاعي ‪ ,‬وهو رواية خرّجها القاضي عن أحمد إلى أنّه ل‬
‫يجوز ذلك ‪ ,‬قال المالكيّة ‪ :‬ول يحمله غير الطّاهر ولو على وسادةٍ أو نحوها ‪ ,‬ككرسيّ‬
‫المصحف ‪ ,‬أو في غلفٍ أو بعلقة ‪ ,‬وكذا قال الشّافعيّة في الصحّ عندهم ‪ :‬ل يجوز له‬
‫ق فيهما مصحف ‪ ,‬أي إن أعدّا له ‪ ,‬ول يمتنع مس أو حمل‬
‫حمل ومس خريطةٍ أو صندو ٍ‬
‫ق أعدّ للمتعة وفيه مصحف ‪.‬‬
‫صندو ٍ‬
‫ولو قلّب غير المتطهّر أوراق المصحف بعود في يده جاز عند كلّ من الحنفيّة والحنابلة ‪,‬‬
‫ولم يجز عند المالكيّة على الرّاجح ‪ ,‬وعند الشّافعيّة صحّح النّووي جواز ذلك لنّه ليس‬
‫س ول حملٍ ‪ ,‬قال ‪ :‬وبه قطع العراقيون من أصحاب الشّافعيّ ‪.‬‬
‫بم ّ‬
‫وقال التّتائي من المالكيّة ‪ :‬ل يجب أن يكون الّذي يكتب القرآن على طهارةٍ لمشقّة‬
‫الوضوء كلّ ساعةٍ ‪.‬‬
‫ونقل عن محمّد بن الحسن أنّه كره أن يكتب المصحف المحدث ولو من غير مسّ باليد ‪,‬‬
‫لنّه يكون ماسا بالقلم ‪.‬‬
‫وفي تقليب القارئ غير المتطهّر أوراق المصحف بكمّه أو غيره من الثّياب الّتي هو لبسها‬
‫عند الحنفيّة اختلف ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬والمنع أولى لنّ الملبوس تابع للبسه وهو قول الشّافعيّة ‪.‬‬
‫ل أو نحوه من حائلٍ ليس تابعا للمصحف ول هو‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬لو وضع على يده مندي ً‬
‫من ملبس الماسّ فل بأس به ‪ ,‬ومنعه المالكيّة والشّافعيّة ولو استخدم لذلك وسادةً أو‬
‫نحوها ‪ .‬على أنّه يباح لغير المتطهّر عند المانعين حمل المصحف ومسه للضّرورة ‪ ,‬قال‬
‫ق أو تنجسٍ أو خيف وقوعه في يد‬
‫الشّافعيّة ‪ :‬يجوز للمحدث حمله لخوف حرقٍ أو غر ٍ‬
‫كافرٍ أو خيف ضياعه أو سرقته ‪ ,‬ويجب عند إرادة حمله التّيمم أي حيث ل يجد الماء ‪,‬‬
‫وصرّح بمثل ذلك المالكيّة ‪.‬‬
‫من يستثنى من تحريم مسّ المصحف على غير طهارةٍ ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الصّغير ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة وهو قول عند المالكيّة إلى أنّه يجوز للصّغير غير المتطهّر أن يمسّ‬ ‫‪8‬‬

‫المصحف ‪ ,‬قالوا ‪ :‬لما في منع الصّبيان من مسّه إل بالطّهارة من الحرج ‪ ,‬لمشقّة‬


‫استمرارهم على الطّهارة ‪ ,‬ولنّه لو منعوا من ذلك لدّى إلى تنفيرهم من حفظ القرآن‬
‫وتعلمه ‪ ,‬وتعلمه في حال الصّغر أرسخ وأثبت ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬ول بأس للكبير المتطهّر أن يدفع المصحف إلى صب ّ‬
‫وذهب المالكيّة في قولٍ آخر عندهم إلى أنّ الصّغير ل يمس المصحف إل بالطّهارة كالبالغ‬
‫‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يمنع الصّبي المميّز المحدث ولو حدثا أكبر من مسّ ول من حمل لوحٍ‬
‫ول مصحفٍ يتعلّم منه ‪ ,‬أي ل يجب منعه من ذلك لحاجة تعلمه ومشقّة استمراره متطهّرا‬
‫‪ ,‬بل يستحب ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وذلك في الحمل المتعلّق بالدّراسة فإن لم يكن لغرض ‪ ,‬أو كان لغرض آخر منع‬
‫منه جزما ‪.‬‬
‫أمّا الصّبي غير المميّز فيحرم تمكينه من ذلك لئل ينتهكه ‪.‬‬
‫ي مس المصحف ‪ ,‬أي ل يجوز لوليّه‬
‫وذهب الحنابلة في المذهب إلى أنّه ل يجوز للصّب ّ‬
‫تمكينه من مسّه ‪ ,‬وذكر القاضي روايةً بالجواز وهو وجه في الرّعاية وغيرها ‪.‬‬
‫وأمّا اللواح المكتوب فيها القرآن فل يجوز على الصّحيح من المذهب عندهم مس الصّبيّ‬
‫المكتوب في اللواح ‪ ,‬وعنه يجوز ‪ ,‬وأطلقهما في التّلخيص ‪.‬‬
‫ي اللّوح أو حمله فيجوز على الصّحيح من المذهب ‪.‬‬
‫وأمّا مس الصّب ّ‬
‫ب ‪ -‬المتعلّم والمعلّم ونحوهما ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى المالكيّة أنّه يجوز للمرأة الحائض الّتي تتعلّم القرآن ‪ ,‬أو تعلّمه حال التّعليم مسّ‬ ‫‪9‬‬

‫ل أو جزءا منه أو اللّوح الّذي كتب فيه القرآن ‪ ,‬قال بعضهم ‪:‬‬
‫المصحف سواء كان كام ً‬
‫وليس ذلك للجنب ‪ ,‬لنّ رفع حدثه بيده ول يشق ‪ ,‬كالوضوء ‪ ,‬بخلف الحائض فإنّ رفع‬
‫ن المعتمد عندهم أنّ الجنب رجلً كان أو امرأةً ‪ ,‬صغيرا كان أو بالغا‬
‫حدثها ليس بيدها ‪ ,‬لك ّ‬
‫يجوز له المس والحمل حال التّعلم والتّعليم للمشقّة ‪.‬‬
‫وسواء كانت الحاجة إلى المصحف للمطالعة ‪ ,‬أو كانت للتّذكر بنيّة الحفظ ‪.‬‬
‫مس المحدث كتب التّفسير ونحوها ممّا فيه قرآن ‪:‬‬
‫س المحدث كتب التّفسير ‪ ,‬فذهب بعضهم إلى حرمة ذلك ‪,‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم م ّ‬ ‫‪10‬‬

‫وذهب غيرهم إلى الجواز ‪.‬‬


‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬مس ف ‪. ) 7‬‬
‫مس غير المتطهّر المصحف المكتوب بحروف أعجميّةٍ‬
‫وكتب ترجمة معاني القرآن‪:‬‬
‫‪ -‬المصحف إن كتب على لفظه العربيّ بحروف غير عرب ّيةٍ فهو مصحف وله أحكام‬ ‫‪11‬‬

‫المصحف ‪ ,‬وبهذا صرّح الحنفيّة ففي الفتاوى الهنديّة وتنوير البصار ‪ :‬يكره عند أبي‬
‫حنيفة لغير المتطهّر مس المصحف ولو مكتوبا بالفارسيّة ‪ ,‬وكذا عند الصّاحبين على‬
‫الصّحيح ‪ .‬وعند الشّافعيّة مثل ذلك ‪ ,‬قال القليوبي ‪ :‬تجوز كتابة المصحف بغير العربيّة ل‬
‫س والحمل ‪.‬‬
‫قراءته بها ‪ ,‬ولها حكم المصحف في الم ّ‬
‫أمّا ترجمة معاني القرآن باللغات العجميّة فليست قرآنا ‪ ,‬بل هي نوع من التّفسير على ما‬
‫صرّج به المالكيّة ‪ ,‬وعليه فل بأس أن يمسّها المحدث ‪ ,‬عند من ل يمنع مسّ المحدث‬
‫لكتب التّفسير ‪.‬‬
‫صيانة المصحف عن التّصال بالنّجاسات ‪:‬‬
‫‪ -‬يحرم تنجيس المصحف ‪ ,‬فمن ألقى المصحف في النّجاسات أو القاذورات متعمّدا‬ ‫‪12‬‬

‫س ‪ ,‬ومسها‬
‫مختارا يحكم بردّته ‪ ,‬قال الشّافعيّة ‪ :‬يحرم وضع أوراق المصحف على نج ٍ‬
‫س ولو عضوا من أعضائه ‪ ,‬ويجب غسل المصحف إن تنجّس ولو أدّى غسله‬
‫بشيء نج ٍ‬
‫إلى تلفه ‪ ,‬ولو كان لمحجور عليه ‪ ,‬ويحرم كتابته بشيء نجسٍ ‪ ,‬وصرّح بمثل ذلك‬
‫الحنابلة ‪ .‬وذكر الشّافعيّة والحنابلة أنّه يحرم مس المصحف بعضو نجسٍ قياسا على مسّه‬
‫مع الحدث ‪ ,‬أمّا إن كانت النّجاسة على عضوٍ ومسّه بعصو آخر طاهرٍ فل يحرم ‪ ,‬وذكر‬
‫الحنابلة أيضا أنّه يحرم كتابة القرآن بحيث يتنجّس ببول حيوانٍ أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫س‪.‬‬
‫ق نجسٍ أو بمداد نج ٍ‬
‫ويحرم كتابة المصحف في ور ٍ‬
‫دخول الخلء بمصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يكره ‪ -‬ول يحرم ‪ -‬أن يدخل الخلء ومعه خاتم‬ ‫‪13‬‬

‫عليه اسم اللّه تعالى أو شيء من القرآن تعظيما له ‪ ,‬قال القليوبي ‪ :‬هو مكروه وإن حرم‬
‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ‪:‬‬
‫من حيث الحدث ‪ ,‬وهو ظاهر كلم الحنابلة ‪ ,‬لما ورد أ ّ‬
‫« كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه » ‪ ,‬قال في شرح المنتهى ‪ :‬وجزم بعضهم بتحريمه في‬
‫المصحف ‪ ,‬وقال صاحب النصاف ‪ :‬ل شكّ في تحريمه قطعا من غير حاجةٍ ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه يحرم دخول الخلء سواء أكان كنيفا أو غيره بمصحف ‪ ,‬كاملٍ أو‬
‫بعض مصحفٍ ‪ ,‬قالوا ‪ :‬لكن إن دخله بما فيه بعض من اليات ل بال له ‪ -‬أي من حيث‬
‫الكثرة ‪ -‬فالحكم الكراهة ل التّحريم ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وإن خاف ضياعه جاز أن يدخل به معه بشرط أن يكون في سات ٍر يمنع وصول‬
‫الرّائحة إليه ‪ ,‬ول يكفي وضعه في جيبه ‪ ,‬لنّه ظرف متّسع ‪.‬‬
‫جعل المصحف في قبلة الصّلة ‪:‬‬
‫‪ -‬يكره عند المالكيّة والحنابلة جعل المصحف في قبلة المصلّي لنّه يلهيه ‪ ,‬قال أحمد ‪:‬‬ ‫‪14‬‬

‫ن المكروه عند المالكيّة تعمد‬


‫كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا حتّى المصحف ‪ ,‬لك ّ‬
‫جعله في القبلة ليصلّي إليه ‪ ,‬ول يكره إن لم يتعمّده ‪ ,‬كما لو كان ذاك موضعه الّذي يعلّق‬
‫فيه عاد ًة ‪.‬‬
‫ن الكراهة فيما يكره‬
‫ول يكره ذلك عند الحنفيّة إن لم يكن جعله ليقرأ منه ‪ ,‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫استقباله في الصّلة باعتبار التّشبه بعبادها ‪ ,‬والمصحف لم يعبده أحد ‪ ,‬واستقبال أهل‬
‫الكتاب مصاحفهم للقراءة منها ل لعبادتها ‪ ,‬ومن هنا كره أبو حنيفة القراءة في الصّلة من‬
‫المصحف ‪.‬‬
‫القراءة من المصحف في الصّلة وغيرها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب أبو حنيفة إلى أنّه ليس للمصلّي أن يقرأ من المصحف ‪ ,‬فإن قرأ بالنّظر في‬ ‫‪15‬‬

‫المصحف فسدت صلته مطلقا ‪ ,‬أي قليلً كان ما قرأه أو كثيرا ‪ ,‬إماما كان أو منفردا ‪,‬‬
‫وكذا لو كان ممّن ل يمكنه القراءة إل منه لكونه غير حافظٍ ‪.‬‬
‫ن حمل المصحف والنّظر فيه وتقليب الوراق‬
‫وقد اختلف الحنفيّة في تعليل قوله ‪ ,‬فقيل ‪ :‬ل ّ‬
‫عمل كثير ‪ ,‬وقيل ‪ :‬لنّه تلقّن من المصحف ‪ ,‬فصار كما إذا تلقّن من غيره ‪ ,‬وصحّح هذا‬
‫الوجه في الكافي تبعا لتصحيح السّرخسيّ ‪ ,‬وعليه فلو لم يكن قادرا على القراءة إل من‬
‫المصحف فصلّى بل قراءةٍ فإنّها تجزئه ‪.‬‬
‫وذهب الصّاحبان إلى تجويز القراءة للمصلّي من المصحف مع الكراهة لما في ذلك من‬
‫التّشبه بأهل الكتاب ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه يكره للمصلّي القراءة من المصحف في فرضٍ أو نفلٍ لكثرة الشّغل‬
‫ن كراهته عندهم في النّفل إن قرأ في أثنائه ‪ ,‬ول يكره إن قرأ في أوّله ‪ ,‬لنّه‬
‫بذلك ‪ ,‬لك ّ‬
‫يغتفر في النّفل ما ل يغتفر في الفرض ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬ورويت الكراهية في ذلك عن ابن‬
‫المسيّب والحسن ومجاهدٍ والرّبيع ‪.‬‬
‫وأجاز الحنابلة القراءة في المصحف في قيام رمضان إن لم يكن حافظا ‪ ,‬لما ورد عن‬
‫عائشة رضي اللّه عنها في مولىً لها اسمه ذكوان كان يؤمها من المصحف ‪ ,‬ويكره في‬
‫ن العادة أنّه ل يحتاج إليه فيه ‪ ,‬ويكره للحافظ حتّى في قيام‬
‫الفرض على الطلق ‪ ,‬ل ّ‬
‫رمضان ‪ ,‬لنّه يشغل عن الخشوع وعن النّظر إلى موضع السجود ‪.‬‬
‫ف ولو قلّب أوراقه أحيانا لم تبطل صلته‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المصلّي لو قرأ في مصح ٍ‬
‫ن ذلك يسير أو غير متوالٍ ل يشعر بالعراض ‪.‬‬
‫‪,‬لّ‬
‫أمّا في غير الصّلة فإنّ القراءة من المصحف مستحبّة لشتغال البصر بالعبادة ‪ ,‬وقد ذهب‬
‫ب ‪ ,‬لنّه يجمع‬
‫بعض الفقهاء إلى تفضيل القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قل ٍ‬
‫مع القراءة النّظر في المصحف ‪ ,‬وهو عبادة أخرى ‪ ,‬لكن قال النّووي ‪ :‬إن زاد خشوعه‬
‫ب فهو أفضل في حقّه ‪.‬‬
‫وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قل ٍ‬
‫اتّباع رسم المصحف المام ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور فقهاء المّة إلى وجوب القتداء في رسم المصاحف برسم مصحف‬ ‫‪16‬‬

‫عثمان رضي اللّه عنه ‪ ,‬لكونه قد أجمع الصّحابة عليه ‪.‬‬


‫سئل المام مالك ‪ :‬أرأيت من استكتب مصحفا اليوم ‪ ,‬أترى أن يكتب على ما أحدث النّاس‬
‫من الهجاء اليوم ؟ فقال ‪ :‬ل أرى ذلك ‪ ,‬ولكن يكتب على الكِتْبَة الولى ‪ ,‬وروي أنّه سئل‬
‫عن الحروف الّتي تكون في القرآن مثل الواو واللف ‪ ,‬أترى أن تغيّر من المصحف إذا‬
‫وجدت فيه كذلك ؟ فقال ‪ :‬ل ‪ ,‬قال الدّانيّ ‪ :‬يعني الواو واللف الزّائدتين في الرّسم‬
‫المعدومتين في اللّفظ ‪ ،‬قال ‪ :‬ول مخالف لمالك في ذلك من علماء المّة ‪ ,‬وقال أحمد ‪:‬‬
‫تحرم مخالفة مصحف المام في واوٍ أو يا ٍء أو ألفٍ أو غير ذلك ‪.‬‬
‫وقال البيهقيّ في شعب اليمان ‪ :‬من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الّذي‬
‫كتبوا به هذه المصاحف ول يخالفهم فيه ‪ ,‬ول يغيّر ممّا كتبوا شيئا ‪ ,‬فإنّهم كانوا أكثر علما‬
‫ن بأنفسنا استدراكا عليهم ‪.‬‬
‫وأصدق لسانا وأعظم أمانةً منّا ‪ ,‬فل ينبغي أن نظ ّ‬
‫ومن هنا صرّح الحنابلة وغيرهم أنّه ل ينبغي أن يقرأ في الصّلة بما يخرج عن مصحف‬
‫عثمان كقراءة ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه وغيرها ‪ ,‬لنّ القرآن ثبت بالتّواتر ‪ ,‬وهذه لم‬
‫يثبت التّواتر بها ‪ ,‬فل يثبت كونها قرآنا ‪ ,‬واختلفوا في صحّة صلته إذا قرأ بشيء منها‬
‫ممّا صحّت به الرّواية ‪ ,‬كبعض ما روي من قراءة ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه ‪.‬‬
‫وصحّح المحقّقون من أئمّة القراءة بأنّ القراءة الصّحيحة ل بدّ أن توافق رسم مصحف‬
‫عثمان رضي اللّه عنه ولو احتمالً ‪.‬‬
‫والخلف في هذه المسألة منقول عن ع ّز الدّين بن عبد السّلم فقد نقل عنه الزّركشي قوله‬
‫‪ :‬ل تجوز كتابة المصحف الن على الرسوم الولى باصطلح الئمّة لئل يوقع في تغيير‬
‫الجهّال ‪.‬‬
‫وتعقّبه الزّركشي بقوله ‪ :‬ل ينبغي إجراء هذا على إطلقه لئل يؤدّي إلى دروس العلم ‪,‬‬
‫وشيء أحكمته القدماء ل يترك مراعا ًة لجهل الجاهلين ‪ ,‬ولن تخلو الرض من قائمٍ للّه‬
‫بالحجّة ‪.‬‬
‫ونقل عن أبي بكرٍ الباقلنيّ مثل قول ابن عبد السّلم ‪.‬‬
‫آداب كتابة المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬استحبّ العلماء كتابة المصاحف ‪ ,‬وتحسين كتابتها وتجويدها ‪ ,‬والتّأنق فيها ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫واستحبوا تبيين الحروف وإيضاحها وتفخيمها ‪ ,‬والتّفريج بين السطور ‪ ,‬وتحقيق الخطّ‬
‫وكان ابن سيرين يكره أن تمدّ الباء من بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إلى الميم حتّى تكتب‬
‫السّين ‪ ,‬قال ‪ :‬لنّ في ذلك نقصا ‪.‬‬
‫ونقلت ‪ :‬كراهة كتابة المصحف بخطّ دقيقٍ ‪ ,‬وتصغير حجم المصحف عن عمر بن الخطّاب‬
‫وعليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما ‪.‬‬
‫ق أو شي ٍء نجسٍ ‪.‬‬
‫س أو في ور ٍ‬
‫ويحرم أن يكتب المصحف بمداد نج ٍ‬
‫س وأبي ذرّ وأبي الدّرداء رضي اللّه عنهم أنّهم كرهوا‬
‫ونقل أبو عبي ٍد بسنده عن ابن عبّا ٍ‬
‫كتابته بالذّهب ‪ ,‬ونقل السيوطيّ عن الغزاليّ أنّه استحسن كتابته بالذّهب ‪ ,‬وأجاز البرزليّ‬
‫والعدويّ والجهوريّ من المالكيّة ذلك ‪ ,‬والمشهور عند المالكيّة كراهة ذلك لنّه يشغل‬
‫القارئ عن التّدبر ‪.‬‬
‫إصلح ما قد يقع في كتابة بعض المصاحف من الخطأ ‪:‬‬
‫ن إصلح ما قد يقع في بعض المصاحف من الخطأ‬
‫‪ -‬ينص الحنفيّة والشّافعيّة على أ ّ‬ ‫‪18‬‬

‫في كتابتها واجب ‪ ,‬وإن ترك إصلحه أثم ‪ ,‬حتّى لو كان المصحف ليس له بل كان عار ّيةً‬
‫عنده ‪ ,‬فعليه إصلحه ولو لم يعلم رضا صاحبه بذلك ‪ ,‬وقال ابن حج ٍر ‪ :‬ل يجوز ذلك إل‬
‫ب وإل فل ‪.‬‬
‫برضا مالكه ‪ ,‬وقال القليوبي ‪ :‬محل الجواز إذا كان بخطّ مناس ٍ‬
‫النّقط والشّكل ونحو ذلك في المصاحف ‪:‬‬
‫‪ -‬نقل عن بعض السّلف من الصّحابة والتّابعين كراهة إدخال شيءٍ من النّقط ونحوه ‪,‬‬ ‫‪19‬‬

‫وأمروا بتجريد المصحف من ذلك ‪ ,‬فعن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه أنّه قال ‪ :‬جرّدوا‬
‫المصحف ول تخلطوه بشيء ‪ ,‬وكره النّخعيّ نقط المصاحف ‪ ,‬وكره ابن سيرين النّقط‬
‫والفواتح والخواتم ‪.‬‬
‫ل كانت بصورة‬
‫ن الباء والتّاء والثاء مث ً‬
‫وكان المصحف العثماني خاليا من النّقط حتّى إ ّ‬
‫واحدةٍ ل تتميّز في الكتابة ‪ ,‬وإنّما يعرفها القارئ بالمعنى ‪.‬‬
‫والنّقط كان أ ّولً لبيان إعراب الحروف ‪ ,‬أي حركاتها ‪ ,‬وهو الّذي عمله أبو السود الدؤليّ‬
‫‪ ,‬ثمّ استعملت علمات الشّكل الّتي اخترعها الخليل بن أحمد ‪ ,‬واستخدم النّقط لتمييز‬
‫الحروف المتشابهة بعضها عن بعضٍ كالباء والتّاء والثّاء ‪.‬‬
‫وورد عن بعض التّابعين وتابعيهم التّرخيص في ذلك ‪ ,‬قال ربيعة بن أبي عبد الرّحمن ‪ :‬ل‬
‫بأس بشكله ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬ل بأس بالنّقط في المصاحف الّتي تتعلّم فيها العلماء ‪ ,‬أمّا‬
‫المّهات فل ‪.‬‬
‫شكِل ‪.‬‬
‫شكَل إل ما ُي ْ‬
‫وقال ابن مجاهدٍ والدّانيّ ‪ :‬ل ُي ْ‬
‫وقال النّووي ‪ :‬نقط المصحف وشكله مستحب لنّه صيانة له من اللّحن والتّحريف ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫ي النّقط فإنّما كرهاه في ذلك الزّمان خوفا من التّغيير فيه ‪ ,‬وقد‬
‫وأمّا كراهة الشّعبيّ والنّخع ّ‬
‫أمن من ذلك اليوم فل منع ‪.‬‬
‫وعلى هذا استق ّر العمل منذ أمدٍ طويلٍ في المصاحف ‪ ,‬وأمّا في غيرها فالعمل على قول‬
‫ابن مجاهدٍ والدّانيّ ‪.‬‬
‫التّعشير والتّحزيب والعلمات الخرى في المصاحف ‪:‬‬
‫ت ‪ ,‬والتّخميس ‪ :‬أن يجعل علمةً‬
‫‪ -‬التّعشير ‪ :‬أن يجعل علمةً عند انتهاء كلّ عشر آيا ٍ‬ ‫‪20‬‬

‫عند انتهاء كلّ خمسٍ ‪ ,‬والتّحزيب أن يجعل علمةً عند مبتدأ كلّ حزبٍ ‪.‬‬
‫ومن أوّل العلمات الّتي أدخلت في المصاحف جعل ثلث نقاطٍ عند رءوس الي ‪ ,‬قال‬
‫يحيى ابن كثيرٍ ‪ :‬ما كانوا يعرفون شيئا ممّا أحدث في المصاحف إل النقط الثّلث عند‬
‫رءوس الي ‪ ,‬وقال غيره ‪ :‬أوّل ما أحدثوا النقط عند آخر الي ‪ ,‬ثمّ الفواتح والخواتم ‪,‬‬
‫أي فواتح السور وخواتمها ‪ ,‬وقد أنكره بعض السّلف ( انظر ‪ :‬تعشير ف ‪ , ) 3‬ورخّص‬
‫فيه غيرهم واستقرّ العمل على إدخال تلك العلمات لنفعها لقرّاء القرآن ‪ ,‬وأدخلت أيضا‬
‫علمات السّجدات والوقوف وأسماء السور وعدد الجزاء وعدد اليات وغير ذلك ‪ ,‬لكن‬
‫بوضع يميّزها عمّا هو كلم اللّه تعالى ‪.‬‬
‫أخذ الجر على كتابة المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف النّقل عن السّلف في أخذ الجرة على كتابة المصحف ‪ ,‬فقد أخرج ابن أبي‬ ‫‪21‬‬

‫داود في كتاب المصاحف عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه كره أخذ الجرة على كتابة‬
‫المصاحف ‪ ,‬ومثله عن أيوب السّختيانيّ ومحمّد بن سيرين ‪.‬‬
‫وأخرج عن سعيد بن جبيرٍ وابن المسيّب والحسن أنّهم قالوا ‪ :‬ل بأس بذلك ‪.‬‬
‫وإلى هذا الخير ذهب الحنفيّة ‪ ,‬ففي الفتاوى الهنديّة ‪ :‬لو استأجر رجلً ليكتب له مصحفا‬
‫وبيّن الخطّ جاز ‪.‬‬
‫تحلية المصاحف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز تحلية المصاحف بالذّهب والفضّة سواء كانت‬ ‫‪22‬‬

‫للرّجال أو النّساء لما في ذلك من تعظيم القرآن ‪ ,‬لكن قال المالكيّة ‪ :‬إنّ الّذي يجوز تحليته‬
‫ج ل كتابته بالذّهب ‪ ,‬وأجازه بعضهم ‪ ,‬وأجازوا أيضا كتابته في الحرير‬
‫جلده من خار ٍ‬
‫وتحليته به ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة في المعتمد عندهم إلى جواز تحلية المصحف بالفضّة مطلقا ‪ ,‬وبالذّهب‬
‫للنّساء والصّبيان ‪ ,‬وتحريمه بالذّهب في مصاحف الرّجال ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى كراهة تحليته بشيء من النّقدين ‪ ,‬وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة في قولٍ إلى تحريم تحلية القرآن بالذّهب ‪ ,‬وقال ابن الزّاغونيّ من الحنابلة‬
‫ضةٍ ‪.‬‬
‫‪ :‬يحرم سواء حله بذهب أو ف ّ‬
‫بيع المصحف وشراؤه ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف العلماء سلفا وخلفا في بيع المصاحف وشرائها ‪ ,‬فذهب البعض إلى كراهة‬ ‫‪23‬‬

‫بيعها وشرائها تعظيما لها وتكريما ‪ ,‬لما في تداولها بالبيع والشّراء من البتذال ‪ ,‬وهو‬
‫قول المالكيّة وقول للشّافعيّة ‪ ,‬ورويت كراهية بيعها عن ابن عمر وابن عبّاسٍ رضي اللّه‬
‫ي ‪ ,‬قال ابن عمر ‪ :‬وددت أنّ اليدي تقطع في بيعها‬
‫عنهم وسعيد بن جبي ٍر وإسحاق والنّخع ّ‬
‫‪ ,‬وورد عن عبد اللّه بن شقيقٍ أنّه قال ‪ :‬كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫يشدّدون في بيع المصاحف ‪.‬‬
‫وذهب بعض السّلف إلى إجازة بيعها ‪ ,‬منهم محمّد بن الحنفيّة ‪ ,‬والحسن ‪ ,‬وعكرمة ‪,‬‬
‫والشّعبي ‪ ,‬لنّ البيع يقع على الورق والجلد وبدل عمل يد الكاتب ‪ ,‬وبيع ذلك مباح ‪ ,‬قال‬
‫الشّعبي ‪ :‬ل بأس ببيع المصحف ‪ ,‬إنّما يبيع الورق وعمل يديه ‪.‬‬
‫ص الشّافعيّ ‪ -‬والحنابلة في معتمدهم بين البيع‬
‫وفرّق الشّافعيّة في الصحّ ‪ -‬ونقلوه عن ن ّ‬
‫والشّراء ‪ ,‬فكرهوا البيع ‪ -‬وفي روايةٍ عند الحنابلة يحرم ويصح ‪ -‬وأجازوا الشّراء‬
‫والستبدال ‪ ,‬وروي عن ابن عبّاسٍ قال ‪ :‬اشتر المصاحف ول تبعها ‪ ,‬ووجه ذلك أنّ في‬
‫البيع ابتذالً بخلف الشّراء ‪ ,‬ففيه استنقاذ المصحف وبذل للمال في سبيل اقتنائه وذلك‬
‫إكرام ‪ ,‬قالوا ‪ :‬ول يلزم من كراهة البيع كراهة الشّراء ‪ ,‬كشراء دور مكّة ورباعها ‪,‬‬
‫وشراء أرض السّواد ‪ ,‬ل يكره ‪ ,‬ويكره للبائع ‪.‬‬
‫إجارة المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والحنابلة وابن حبيبٍ من المالكيّة إلى عدم جواز إجارة المصحف ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫أمّا الحنفيّة فعلّة المنع عندهم أنّه ليس في القراءة في المصحف أكثر من النّظر إليه ‪ ,‬ول‬
‫تجوز الجارة لمثل ذلك ‪ ,‬كما ل يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى ما فيه من النقوش أو‬
‫التّصاوير ‪ ,‬أو يستأجر كرما لينظر فيه للستئناس من غير أن يدخله ‪ ,‬ومن أجل ذلك ل‬
‫تجوز عندهم أيضا إجارة سائر الكتب ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة في الوجه المعتمد عندهم فقد بنوا تحريم إجارته على تحريم بيعه ‪ ,‬قالوا ‪:‬‬
‫ولما في إجارته من البتذال له ‪.‬‬
‫وأمّا ابن حبيبٍ فقد منع إجارته على الرّغم من أنّه يرى جواز بيعه ‪ ,‬لنّ الجرة تكون‬
‫كالثّمن للقرآن ‪ ,‬أمّا بيعه فهو ثمن للورق والجلد والخطّ ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى جواز إجارة المصحف للقراءة فيه ‪ ,‬قالوا ‪ :‬ما لم يقصد بإجارته‬
‫التّجارة ‪ ,‬وإل كرهت ‪.‬‬
‫ووجه الجواز عندهم أنّه نفع مباح تجوز العارة فيه ‪ ,‬فجازت فيه الجارة كسائر الكتب‬
‫الّتي يجوز بيعها ‪.‬‬
‫رهن المصحف ‪:‬‬
‫ن ما جاز بيعه جاز رهنه ‪ ,‬وما ل يجوز بيعه ل يجوز رهنه ‪ ,‬ولذا يصح‬
‫‪ -‬القاعدة ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪25‬‬

‫رهن المصحف عند كلّ من جوّز بيعه ‪ ,‬لنّه يمكن بيعه واستيفاء الدّين من ثمنه ‪ ,‬وأمّا‬
‫من لم يجوّز بيعه فل يجوز عنده رهنه لعدم الفائدة في ذلك ‪ ,‬وهو المعتمد عند الحنابلة‬
‫ص عليه أحمد ‪.‬‬
‫ن ّ‬
‫وقف المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز وقف المصاحف للقراءة فيها عند محمّد بن الحسن ‪ ,‬استثنا ًء من عدم جواز‬ ‫‪26‬‬

‫وقف المنقولت لجريان التّعارف بوقف المصاحف ‪ ,‬وإلى قوله هذا ذهب عامّة مشايخ‬
‫الحنفيّة وعليه الفتوى عندهم ‪ ,‬وهو مقتضى قول غيرهم بجواز وقف المنقولت ‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز وقفها كسائر المنقولت غير آلت الجهاد ‪.‬‬
‫صةً ‪ ,‬نصّ عليه‬
‫ثمّ إن وقفه على مسجدٍ معيّنٍ يجوز ‪ ,‬ويقرأ به في هذا المسجد خا ّ‬
‫الحنفيّة ‪ ,‬وفي قولٍ عندهم ‪ :‬ل يكون مقصورا على هذا المسجد بعينه ‪.‬‬
‫إرث المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬يورث المصحف على القول المفتى به عند الحنفيّة وهو مقتضى قواعد غيرهم من‬ ‫‪27‬‬

‫ن كلّ مملوكٍ يورث عن مالكه ‪.‬‬


‫أّ‬
‫وفي قولٍ عن ًد الحنفيّة ‪ :‬ل يورث ‪ ,‬وهو قول النّخعيّ ‪ ,‬فلو كان للميّت ولدان أحدهما قارئ‬
‫والخر غير قارئٍ ‪ ,‬يعطى المصحف للقارئ ‪.‬‬
‫القطع بسرقة المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة ‪ ,‬وهو قول أبي بك ٍر والقاضي أبي يعلى من الحنابلة إلى أنّ سارق‬ ‫‪28‬‬

‫ن آخذه يتأوّل في أخذه القراءة والنّظر‬


‫المصحف ل يقام عليه الحد ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل ّ‬
‫فيه ‪ ,‬ولنّه ل ماليّة له لعتبار المكتوب فيه وهو كلم اللّه تعالى ‪ ,‬وهو ل يجوز أخذ‬
‫العوض عنه ‪ ,‬وإنّما يقتنى المصحف لجله ‪ ,‬ل لجل أوراقه أو جلده ‪.‬‬
‫ويسري ذلك عند الحنفيّة على ما على المصحف من الحلية لكونه في حكم التّابع له ‪,‬‬
‫ب فل يقطع بها ‪,‬‬
‫وللتّابع حكم المتبوع ‪ ,‬كمن سرق صبيا عليه ثياب قيمتها أكثر من نصا ٍ‬
‫ي ول قطع في سرقته ‪ ,‬وفي الفتاوى الهنديّة نقل عن السّراج الوهّاج ‪ :‬ل‬
‫لنّها تابعة للصّب ّ‬
‫قطع في سرقة المصحف ولو كان عليه حلية تساوي ألف دينارٍ ‪.‬‬
‫واختار أبو الخطّاب ‪ ,‬وهو ما استظهره ابن قدامة من كلم المام أحمد إلى أنّه يقطع‬
‫بسرقة المصحف ‪ ,‬لعموم آية السّرقة ‪ ,‬ولنّه متقوّم تبلغ قيمته نصابا فوجب القطع‬
‫بسرقته ‪ ,‬ككتب الفقه والتّاريخ وغيرها ‪.‬‬
‫منع الكافر من تملك المصحف والتّصرف فيه ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يجوز أن يشتري الكافر مصحفا ‪ ,‬لما في ذلك من الهانة فإن اشتراه فالشّراء‬ ‫‪29‬‬

‫فاسد ‪ ,‬واحتجّ الفقهاء لذلك بحديث ابن عمر ‪ « :‬نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن‬
‫يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » ‪.‬‬
‫والشّافعيّة يرون حرمة بيع المصحف للكافر ‪ ,‬لكن إن باعه له ففي صحّة البيع عندهم‬
‫وجهان ‪:‬‬
‫أظهرهما ‪ :‬ل يصح البيع ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬يصح ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه ‪.‬‬
‫ح لنّ الملك له يقع ‪ ,‬ولو‬
‫قال القليوبي ‪ :‬ولو وكّل الكافر مسلما بشراء مصحفٍ لم يص ّ‬
‫وكّل المسلم كافرا بالشّراء صحّ لنّه يقع للمسلم ‪ ,‬وكذا لو قارض مسلم كافرا فاشترى‬
‫الكافر مصحفا للقراض صحّ ‪ ,‬لنّه للقراض ‪ ,‬ول ملك للمضارب فيه ‪.‬‬
‫ول تصح هبة الكافر مصحفا ول الوصيّة له به ‪.‬‬
‫ول يصح وقف المصحف على كافرٍ ‪.‬‬
‫ويحرم أن يعطي كافرا مصحفا عار ّيةً ليقرأ فيه ويردّه ‪ ,‬ول تصح العارة ‪ ,‬وقال الرّملي ‪:‬‬
‫تصح العارة فيه مع الحرمة ‪.‬‬
‫مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها ‪:‬‬
‫س المصحف ‪ ,‬كما يمنع منه المسلم الجنب ‪ ,‬بل الكافر أولى‬
‫‪ -‬يمنع الكافر من م ّ‬ ‫‪30‬‬

‫بالمنع ‪ ,‬ويمنع منه مطلقا ‪ ,‬أي سواء اغتسل أو لم يغتسل ‪ ,‬وفي الفتاوى الهنديّة ‪ :‬أنّ أبا‬
‫حنيفة قال ‪ :‬إن اغتسل جاز أن يمسّه ‪ ,‬وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع‬
‫مطلقا ‪.‬‬
‫ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف ‪ ,‬ومن ذلك ما قال القليوبي ‪ :‬يمنع الكافر من‬
‫تجليد المصحف وتذهيبه ‪ ,‬لكن قال البهوتيّ ‪ :‬يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسّ‬
‫أو حملٍ ‪.‬‬
‫السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يجوز أن يخرج المسلم بالمصحف إلى بلد العد ّو الكافر ‪ ,‬سواء كان في جها ٍد أو‬ ‫‪31‬‬

‫غيره ‪ ,‬لئل يقع في أيديهم فيهينوه أو يمسوه وهم على كفرهم ‪ ,‬وإلى هذا ذهب الحنفيّة‬
‫والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ,‬لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما مرفوعا ‪ « :‬ل تسافروا‬
‫بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البرّ من المالكيّة ‪ :‬أجمع الفقهاء أن ل يسافر بالمصحف في السّرايا والعسكر‬
‫الضّعيف المخوف عليه ‪.‬‬
‫أمّا إن كان يؤمن على المصحف في ذلك السّفر من نيل العدوّ له فقد اختلف الفقهاء في‬
‫ذلك ‪ ,‬فأجاز الحنفيّة السّفر به ‪ ,‬وذكروا من ذلك صورتين ‪:‬‬
‫ش كبيرٍ يؤمن عليه فل كراهة حينئذٍ ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون الخارج به في جي ٍ‬
‫الثّانية ‪ :‬إذا دخل إليهم مسلم بأمان ‪ ,‬وكانوا يوفون بالعهد ‪ ,‬جاز أن يحمل المصحف معه‬
‫ن ‪ ,‬لنّه قد يسقط منهم ول‬
‫ص الحديث ولو في جيشٍ آم ٍ‬
‫‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يحرم أيضا لن ّ‬
‫ن العد ّو طلب أن‬
‫يشعرون به فيأخذه العدو فتناله الهانة ‪ ,‬وقال المالكيّة أيضا ‪ :‬ولو أ ّ‬
‫يرسل إليهم مصحف ليتدبّروه ‪ ,‬حرم إرساله إليهم خشية إهانتهم له ‪ ,‬فلو أرسل إليهم‬
‫كتاب فيه آية أو نحوها لم يحرم ذلك ‪ ,‬وقد أرسل النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل‬
‫سوَاء بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ َأ ّل َنعْبُدَ ِإلّ‬
‫كتابا في ضمنه الية ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَا َل ْواْ إِلَى كَ َل َمةٍ َ‬
‫الّل َه َولَ ُنشْ ِركَ ِب ِه شَيْئا } الية ‪.‬‬
‫استثناء المصحف من جزاء الغالّ بحرق متاعه ‪:‬‬
‫‪ -‬إن غ ّل أحد الغانمين في الجهاد شيئا من الغنيمة فقد ذهب الوزاعي والحنابلة‬ ‫‪32‬‬

‫‪ -‬خلفا للجمهور ‪ -‬إلى أنّه يحرق متاعه ‪ ,‬لكن ل يحرق المصحف ‪ ,‬لما روى صالح بن‬
‫محمّد بن زائدة ‪ ,‬قال ‪ :‬دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ‪ ,‬فأتي برجل قد غلّ ‪,‬‬
‫فسأل سالما عنه فقال ‪ :‬سمعت أبي يحدّث عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن النّبيّ‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه » ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫فوجدنا في متاعه مصحفا ‪ ,‬فسأل سالما عنه فقال ‪ :‬بعه وتصدّق بثمنه ‪.‬‬
‫الرّدّة بإهانة المصحف ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أهان المسلم مصحفا متعمّدا مختارا يكون مرتدا ويقام عليه حد الرّدّة ‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫وقد اتّفق الفقهاء على ذلك ‪ ,‬فمن صور ذلك ما قال الحنفيّة ‪ :‬لو وطئ برجله المصحف‬
‫استخفافا وإهان ًة يكون كافرا ‪ ,‬وكذا من أمر بوطئه يكون كافرا ‪.‬‬
‫ولو ألقى مصحفا في قاذور ٍة متعمّدا قاصدا الهانة فقد ارت ّد عند الجميع ‪ ,‬قال الشّافعيّة ‪:‬‬
‫وكذا لو مسّه بالقاذورة ولو كانت طاهر ًة كالبصاق والمخاط ‪.‬‬
‫فإن كان ذلك عن سهوٍ أو غفل ٍة أو في نومٍ لم يكفر ‪.‬‬
‫وكذا إن كان مكرها أو مضطرا ففعله ل يكفر ‪.‬‬
‫الحلف بالمصحف ‪:‬‬
‫ن الحلف بالمصحف ليس بيمين لنّه الورق والجلد وليس صفةً للّه‬
‫‪ -‬يرى الحنفيّة أ ّ‬ ‫‪34‬‬

‫تعالى ول اسما له ‪ ,‬وقد قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬من كان حالفا فل يحلف إل‬
‫باللّه » ‪.‬‬
‫وعلى هذا لو حلف به ل تنعقد يمينه وليس فيها كفّارة إن لم يف ‪ ,‬وقال ابن عابدين ‪ :‬إن‬
‫تعارف النّاس الحلف بالمصحف ورغب العوام في الحلف به لم يكن يمينا أيضا ‪ ,‬وإل لكان‬
‫ي والكعبة يمينا لنّه متعارف ‪ ,‬وكذا بحياة رأسك ونحوه ‪ ,‬ولم يقل بذلك أحد ‪,‬‬
‫الحلف بالنّب ّ‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬لكن لو أقسم بما في هذا المصحف من كلم اللّه تعالى يكون يمينا ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحلف بالمصحف يمين ‪.‬‬
‫قال النّووي في الرّوضة ‪ :‬يندب وضع المصحف في حجر الحالف به وأن يقرأ عليه ‪ { :‬إِنّ‬
‫ن ِب َعهْدِ الّلهِ َوأَ ْيمَا ِن ِهمْ َثمَنًا قَلِيلً } ‪.‬‬
‫ن َيشْتَرُو َ‬
‫الّذِي َ‬
‫ن الحالف بالمصحف إنّما قصد الحلف‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬ولم يكره ذلك إمامنا وإسحاق ل ّ‬
‫بالمكتوب فيه وهو كلم اللّه تعالى ‪ ,‬ونقل عن قتادة أنّه كان يحلف بالمصحف ‪.‬‬
‫آداب تناول المصحف وتكريمه وحفظه ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف العلماء في تقبيل المصحف فقيل ‪ :‬هو جائز ‪ ,‬وقيل ‪ :‬يستحب تقبيله تكريما‬ ‫‪35‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫له ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو بدعة لم تعهد عن السّلف ‪ ,‬وانظر ‪ ( :‬تقبيل ف‬
‫وأمّا القيام للمصحف فقال النّووي وصوّبه السيوطيّ ‪ :‬يستحب القيام للمصحف إذا قدم به‬
‫ن القيام مستحب للفضلء من العلماء‬
‫عليه ‪ ,‬لما فيه من التّعظيم وعدم التّهاون به ‪ ,‬ول ّ‬
‫والخيار ‪ ,‬فالمصحف أولى ‪ ,‬وقال الشّيخ عز الدّين بن عبد السّلم ‪ :‬هو بدعة لم تعهد في‬
‫الصّدر الوّل ‪.‬‬
‫وذكر العلماء أنواعا من تكريم المصحف ‪:‬‬
‫فمن ذلك تطييبه ‪ ,‬وجعله على كرسيّ لئل يوضع بالرض ‪ ,‬وإن كان معه كتب أخرى‬
‫يوضع فوقها ول يوضع تحت شيءٍ منها ‪.‬‬
‫ن ذلك ابتذال له ‪,‬‬
‫وأمّا توسد المصحف فقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬يحرم توسد المصحف ل ّ‬
‫وأضاف الشّافعيّة ‪ :‬ولو خاف سرقته أي فالحكم كذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يكره وضع المصحف تحت رأسه إل لحفظه من سارقٍ وغيره ‪.‬‬
‫وأمّا مد رجليه إلى جهة المصحف فقال الحنفيّة ‪ -‬كما ذكر ابن عابدين ‪ -‬يكره تحريما مد‬
‫ي عمدا ومن غير عذرٍ ‪.‬‬
‫رجليه أو رج ٍل واحدةٍ ‪ ,‬سواء كان من البالغ أو الصّب ّ‬
‫وفي الفتاوى الهنديّة ‪ :‬مد الرّجلين إلى جانب المصحف إن لم يكن بحذائه ل يكره ‪ ,‬وكذلك‬
‫لو كان المصحف معلّقا في الوتد ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يجوز مد رجله إلى جهة المصحف ل بقصد الهانة في ذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يكره مد الرّجلين إلى جهة المصحف ‪.‬‬
‫ما يصنع بالمصحف إذا بلي ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ المصحف إذا بلي وصار بحال ل يقرأ فيه يجعل في خرقةٍ‬ ‫‪36‬‬

‫ن المسلم إذا مات يدفن إكراما له ‪,‬‬


‫طاهرةٍ ويدفن في محلّ غير ممتهنٍ ل يوطأ ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ول يهال عليه التراب إل إذا جعل فوقه سقف بحيث ل يصل إليه التراب ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ول يجوز إحراقه بالنّار ‪ ,‬ونقل ذلك عن إبراهيم النّخعيّ ‪ ,‬ووافقهم القاضي حسين‬
‫من الشّافعيّة ‪ ,‬وقال النّووي ‪ :‬يكره ذلك ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجوز إحراقه ‪ ,‬بل ربّما وجب ‪ ,‬وذلك إكرام له ‪ ,‬وصيانة عن الوطء‬
‫بالقدام ‪ ,‬قال القرطبي من المالكيّة ‪ :‬قد فعله عثمان رضي اللّه عنه حين كتب المصاحف‬
‫وبعث بها إلى المصار ‪ ,‬فقد أمر بما سواها من صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحرق ‪ ,‬ووافقه‬
‫الصّحابة رضوان اللّه عليهم على ذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬لو بلي المصحف أو اندرس دفن نصا ‪ ,‬ذكر أحمد أنّ أبا الجوزاء بلي له‬
‫ن الصّحابة حرّقته لمّا جمعوه ‪ ,‬وقال‬
‫مصحف فحفر له في مسجده فدفنه ‪ ,‬وفي البخاريّ أ ّ‬
‫ابن الجوزيّ ذلك لتعظيمه وصيانته ‪ ,‬وذكر القاضي أنّ أبا بكر بن أبي داود روى بإسناده‬
‫عن طلحة بن مصرّفٍ قال ‪ :‬دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر ‪ ,‬وبإسناده عن‬
‫طاووسٍ أنّه لم يكن يرى بأسا أن تحرق الكتب ‪ ,‬وقال ‪ :‬إنّ الماء والنّار خلق من خلق اللّه‬
‫‪.‬‬

‫ُمصَدّق *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المصدّق بتخفيف الصّاد وتشديد الدّال في اللغة ‪ :‬آخذ الصّدقات من جهة المام ‪ ,‬أي‬ ‫‪1‬‬

‫يقبضها ‪.‬‬
‫س للسّاعي‬
‫وفي الصطلح قال البركتيّ وعزاه للبحر ‪ :‬المصدّق بتخفيف الصّاد ‪ :‬اسم جن ٍ‬
‫والعاشر ‪.‬‬
‫الحكم الجمالي ‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على المام أن يرسل المصدّقين لقبض الزّكاة وتفريقها على الصناف ‪ ,‬لنّ‬ ‫‪2‬‬

‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يبعث السعاة والجباة إلى أصحاب الموال وكذلك كان‬
‫النّب ّ‬
‫الخلفاء الرّاشدون رضي اللّه عنهم من بعده يبعثون مصدّقين لذلك ‪.‬‬
‫شروط المصدّق إذا كان عامّ الولية فيها ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط أن يكون المصدّق مسلما ‪ ,‬حرا ‪ ,‬عادلً ‪ ,‬عالما بأحكام الزّكاة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫هذا إذا كان عامّ الولية في الصّدقة ‪ :‬جمعها وتفريقها على مستحقّيها ‪ ,‬فيعمل على رأيه‬
‫ص له على‬
‫واجتهاده ل اجتهاد المام ‪ ,‬فيما اختلف فيه الفقهاء ‪ ,‬ول يجوز للمام أن ين ّ‬
‫قدر ما يأخذه ‪.‬‬
‫وإن كان المصدّق من عمّال التّنفيذ عمل فيما اختلف الفقهاء فيه على اجتهاد المام دون‬
‫ص له على القدر المأخوذ ‪,‬‬
‫أرباب الموال ‪ ,‬وليس له أن يجتهد ‪ ,‬ولزم على المام أن ين ّ‬
‫ويكون رسولً من المام منفّذا لجتهاده ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ ،‬وعامل ف‬ ‫‪144‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلحي ‪ ( :‬زكاة ف‬

‫ِمصْر *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المصر في اللغة ‪ :‬المدينة والصقع ‪ ,‬والحاجز ‪ ,‬والحد بين شيئين أو الحد بين‬ ‫‪1‬‬

‫الرضين ‪ ,‬قال الجوهري ‪ :‬مصر ‪ :‬هي المدينة المعروفة والمصر ‪ :‬واحد المصار ‪,‬‬
‫والمصر ‪ :‬الكورة والجمع أمصار ‪ ,‬ومصّروا الموضع ‪ :‬جعلوه مصرا ‪.‬‬
‫والمصر اصطلحا ‪ :‬بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ورساتيق وفيها والٍ يقدر على إنصاف‬
‫المظلوم من الظّالم والنّاس يرجعون إليه في الحوادث ‪.‬‬
‫ما يلحق بالمصر من فناءٍ وتوابع ‪:‬‬
‫‪ -‬المراد بالفناء ‪ :‬المكان أو الموضع المعد لمصالح البلد كربض الدّوابّ ودفن الموتى‬ ‫‪2‬‬

‫وإلقاء التراب ‪ ,‬وفناء الشّيء ‪ :‬ما اتّصل به معدا لمصالحه ‪.‬‬


‫قال في الفتاوى الهنديّة ‪ :‬فناء المصر ‪ :‬هو الموضع المعد لمصالح المصر متّصلً بالمصر‬
‫ن المعتبر فيه سماع النّداء إن كان‬
‫‪ .‬وأمّا توابع المصر ‪ :‬فقد روي عن أبي يوسف أ ّ‬
‫موضعا يسمع فيه النّداء من المصر فهو من توابع المصر وإل فل ‪ ,‬وقال الشّافعي ‪ :‬إذا‬
‫كان في القرية أقل من أربعين فعليهم دخول المصر إذا سمعوا النّداء ‪.‬‬
‫وروى ابن سماعة عن أبي يوسف ‪ :‬كل قري ٍة متّصلةٍ بربض المصر فهي من توابعه ‪ ,‬وإن‬
‫لم تكن متّصلةً بالرّبض فليست من توابع المصر ‪ ,‬وقال بعضهم ‪ :‬ما كان خارجا عن‬
‫عمران المصر فليس من توابعه ‪ ,‬وقال بعضهم ‪ :‬المعتبر فيه قدر مي ٍل وهو ثلثة فراسخ ‪,‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬إن كان قدر ميلٍ أو ميلين فهو من توابع المصر وإل فل ‪ ,‬وبعضهم قدّره‬
‫بستّة أميالٍ ‪ ,‬ومالك قدّره بثلثة أميالٍ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القرية ‪:‬‬
‫ن اتّصلت به البنية واتخذ قرارا ‪ ,‬وتقع على المدن وغيرها‬
‫‪ -‬القرية في اللغة ‪ :‬كل مكا ٍ‬ ‫‪3‬‬

‫والجمع قرىً ‪ ,‬والقرية الضّيعة ‪ ,‬كما تطلق على المساكن والبنية والضّياع ‪.‬‬
‫والقرية اصطلحا ‪ :‬عرّفها الكاساني ‪ :‬بأنّها البلدة العظيمة لنّها اسم لما اجتمع فيها من‬
‫البيوت ‪.‬‬
‫وعرفها القليوبيّ ‪ :‬بأنّها العمارة المجتمعة الّتي ليس فيها حاكم شرعي ول شرطي ول‬
‫أسواق للمعاملة ‪.‬‬
‫والمصر أعظم من القرية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البلد ‪:‬‬
‫‪ -‬البلد في اللغة يذكّر ويؤنّث والجمع بلدان ‪ ,‬والبلدة البلد جمعها بلد ‪ ,‬والبلد ‪ :‬اسم‬ ‫‪4‬‬

‫للمكان المختطّ المحدود المستأنس باجتماع قطّانه وإقامتهم فيه ‪ ,‬ويستوطن فيه جماعات ‪,‬‬
‫ويسمى المكان الواسع من الرض بلدا ‪.‬‬
‫ي أو شرطي أو أسواق للمعاملة‬
‫ي ‪ :‬ما فيه حاكم شرع ّ‬
‫والبلد اصطلحا ‪ :‬كما عرّفه القليوب ّ‬
‫‪ ,‬وإن جمعت الكلّ فمصر ومدينة وإن خلت عن الكلّ فقرية ‪.‬‬
‫والمصر أكبر من البلد ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمصر ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حكم الذان في المصر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والحنابلة في الصّحيح عنهم إلى أنّ الذان فرض كفايةٍ في المصر ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ي ‪ :‬وجوب الذان في المصر كفاية ‪ ,‬ووجوبه في المصر هو الّذي‬


‫وقال في شرح الزرقان ّ‬
‫جزم به ابن عرفة وجعله المذهب ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إنّ ترك الذان في المصر مكروه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬أذان ف‬
‫ب ‪ -‬اشتراط المصر لوجوب الجمعة وصحّتها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ المصر الجامع شرط وجوب الجمعة وشرط صحّة أدائها ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ولم تشترط المذاهب الخرى هذا الشّرط ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬صلة الجمعة فقرة ‪- 7‬‬
‫ج ‪ -‬صلة الجمعة على من كان خارج المصر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه تجب الجمعة على من كان خارج المصر ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫قال ابن قدامة ‪ :‬فأمّا غير أهل المصر ممّن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه‬
‫الجمعة ‪ ,‬وإن كان أبعد فل جمعة عليه ‪ ,‬روي هذا عن سعيد بن المسيّب واللّيث وإسحاق‬
‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪:‬‬
‫‪ ,‬لما روي عن عبد اللّه بن عمرٍو رضي اللّه عنهما أ ّ‬
‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال للعمى الّذي قال‬
‫« الجمعة على من سمع النّداء » ‪ ,‬ول ّ‬
‫ليس لي قائد يقودني ‪ « :‬أتسمع النّداء ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فأجب » ‪ ,‬ولنّ من سمع‬
‫النّداء داخل في عموم قول اللّه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصََّل ِة مِن َي ْومِ‬
‫س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ } ‪.‬‬
‫ج ُم َعةِ فَا ْ‬
‫ا ْل ُ‬
‫وهذا يتناول غير أهل المصر إذا سمعوا النّداء ‪ ,‬ولنّ غير أهل المصر يسمعون النّداء‬
‫وهم من أهل الجمعة ‪ ,‬فلزمهم السّعي إليها كأهل المصر ‪.‬‬
‫وروي عن ابن عمر وأبي هريرة وأنسٍ رضي اللّه عنهم وناف ٍع وعكرمة والحكم وعطاءٍ‬
‫ي أنّهم قالوا ‪ :‬الجمعة على من آواه اللّيل إلى أهله ‪ ,‬وهو من حديث أبي هريرة‬
‫والوزاع ّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم ‪.‬‬
‫عن النّب ّ‬
‫وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه ل جمعة على من كان خارج المصر ‪ ,‬لنّ عثمان‬
‫رضي اللّه عنه صلّى العيد في يوم جمعةٍ ثمّ قال لهل العوالي ‪ :‬من أراد منكم أن ينصرف‬
‫فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتّى يصلّي الجمعة فليقم ‪ ,‬ولنّه خارج المصر فأشبه الحلّ ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إقامة الجمعة في مصرٍ واحدٍ في موضعين ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الجمهور إلى منع تعدد الجمعة في أعمّ الحوال على اختلفٍ يسي ٍر بينهم في‬ ‫‪8‬‬

‫ضابط المكان الّذي ل يجوز التّعدد فيه ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬صلة الجمعة ف‬
‫هـ ‪ -‬إنشاء السّفر من المصر يوم الجمعة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على حرمة إنشاء السّفر بعد الزّوال‬ ‫‪9‬‬

‫‪ -‬وهو أوّل وقت صلة الجمعة ‪ -‬من المصر الّذي هو فيه إذا كان ممّن تجب عليه وعلم‬
‫أنّه ل يدرك أداءها في مصرٍ آخر ‪ ,‬فإن فعل ذلك فهو آثم على الرّاجح ما لم يتضرّر‬
‫بتخلفه عن رفقته ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫وأمّا قبل الزّوال فقد اختلف فيه الفقهاء ‪ ,‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬سفر ف‬

‫صرّاة *‬
‫ُم َ‬
‫انظر ‪ :‬تصرية ‪.‬‬

‫مَصْلَحة *‬
‫انظر ‪ :‬استصلح ‪.‬‬

‫ُمصًلّى *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المصلّى لغةً ‪ :‬موضع الصّلة أو الدعاء ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬وَا ّتخِذُو ْا مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ‬ ‫‪1‬‬

‫مُصَّلىً } أي موضعا للدعاء ‪.‬‬


‫واصطلحا ‪ :‬الفضاء والصّحراء ‪ ,‬وهو المجتمع فيه للعياد ونحوها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المسجد ‪:‬‬
‫‪ -‬المسجد في اللغة ‪ :‬بيت الصّلة وموضع السجود من بدن النسان ‪ ,‬والجمع مساجد ‪,‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهو الموضع الّذي يسجد للّه فيه ‪ ,‬وقال ال ّزجّاج ‪ :‬كل موضعٍ يتعبّد فيه فهو مسجد ‪.‬‬
‫والمسجد في الصطلح كما قال البركتيّ ‪ :‬الرض الّتي جعلها المالك مسجدا ‪ ,‬بقوله ‪:‬‬
‫جعلته مسجدا وأفرز طريقه وأذّن بالصّلة فيه ‪.‬‬
‫ن المصلّى أخص من المسجد ‪.‬‬
‫والصّلة بين المصلّى والمسجد أ ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالمصلّى ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمصلّى أحكام منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬صلة العيدين في المصلّى ‪:‬‬
‫ن الخروج لصلة العيدين في المصلّى سنّة ‪.‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة في الصّحيح والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬كان يخرج يوم الفطر والضحى إلى‬
‫واستدلوا بأ ّ‬
‫المصلّى » ‪ ,‬وكذلك الخلفاء بعده ‪ ,‬ول يترك النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم الفضل مع قربه‬
‫ويتكلّف فعل النّاقص مع بعده ‪ ,‬ول يشرع لمّته ترك الفضائل ‪ ,‬ولنّنا أمرنا باتّباع النّبيّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه صلّى‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم والقتداء به ‪ ,‬ولم ينقل عن النّب ّ‬
‫ن النّاس في كلّ عص ٍر ومصرٍ‬
‫ن هذا إجماع المسلمين ‪ ,‬فإ ّ‬
‫العيد بمسجده إل من عذرٍ ‪ ,‬ول ّ‬
‫يخرجون إلى المصلّى فيصلون العيد في المصلّى مع سعة المسجد وضيقه ‪ ,‬وكان النّبي‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي في المصلّى مع شرف مسجده ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إنّ صلة العيدين في المصلّى مندوبة ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬وندب إيقاعها أي صلة العيد بالمصلّى أي الصّحراء ‪ ,‬وصلتها بالمسجد‬
‫قال الدسوق ّ‬
‫من غير ضرورةٍ داعية بدع ٍة ‪ ,‬أي مكروهة ‪ ,‬وقال ‪ :‬والحكمة في صلة العيدين في‬
‫المصلّى لجل المباعدة بين الرّجال والنّساء لنّ المساجد وإن كبرت يقع الزدحام فيها وفي‬
‫أبوابها بين الرّجال والنّساء دخولً وخروجا فتتوقّع الفتنة في محلّ العبادة ‪.‬‬
‫واستدلّ المالكيّة بحديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه ‪ « :‬كان رسول اللّه صلّى اللّه‬
‫عليه وسلّم يخرج يوم الفطر والضحى إلى المصلّى » ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المسجد إن كان واسعا فهو أفضل من المصلّى ‪ ,‬لنّ الئمّة لم‬
‫ن المسجد أشرف وأنظف ‪ ,‬وأنّ أفضليّة‬
‫يزالوا يصلون صلة العيد بمكّة في المسجد ‪ ,‬ول ّ‬
‫الصّلة في الصّحراء بما إذا كان المسجد ضيّقا ‪ ,‬فإن كان المسجد ضيّقا فصلّى فيه ولم‬
‫يخرج إلى المصلّى كره ذلك لتأذّي النّاس بالزّحام ‪ ,‬وربّما فات بعضهم الصّلة ‪ ,‬قال‬
‫ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يخرج في العيد إلى المصلّى‬
‫الشّافعي ‪ :‬بلغنا أ ّ‬
‫بالمدينة وكذلك من كان بعده وعامّة أهل البلد إل أهل مكّة فإنّه لم يبلغنا أنّ أحدا من‬
‫السّلف صلّى بهم عيدا إل في مسجدهم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬صلة النّساء في مصلّى العيد ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب خروج النّساء غير ذوات الهيئات منهنّ إلى مصلّى‬ ‫‪4‬‬

‫العيد ‪ ,‬وكراهة خروج الشّابّات لصلة العيدين ‪ ,‬وإذا خرجن يستحب خروجهنّ في ثياب‬
‫بذل ٍة ‪.‬‬
‫ن الخروج في الجمعة والعيدين وشي ٍء من‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يرخّص للشّوابّ منه ّ‬
‫الصّلة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬صلة العيدين ف‬
‫ج ‪ -‬إجراء أحكام المسجد على المصلّى ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في إجراء أحكام المسجد على المصلّى ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫فقال الحنفيّة ‪ :‬ليس لمصلّى العيد والجنازة حكم المسجد في منع دخول الحائض ‪ ,‬وإن كان‬
‫لهما حكم المسجد في صحّة القتداء مع عدم اتّصال الصفوف ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬المصلّى المتّخذ للعيد وغيره الّذي ليس بمسجد ل يحرم المكث فيه على‬
‫الجنب والحائض على المذهب ‪ ,‬وبه قطع جمهور الشّافعيّة وذكر الدّارميّ فيه وجهين ‪.‬‬
‫ونقل الزّركشي ‪ :‬عن الغزاليّ أنّه سئل عن المصلّى الّذي بني لصلة العيد خارج البلد فقال‬
‫ن المسجد هو‬
‫‪ :‬ل يثبت له حكم المسجد في العتكاف ومكث الجنب وغيره من الحكام ‪ ,‬ل ّ‬
‫الّذي أع ّد لرواتب الصّلة وعيّن لها حتّى ل ينتفع به في غيرها ‪ ,‬وموضع صلة العيد ُمعَد‬
‫للجتماعات ولنزول القوافل ولركوب الدّوابّ ولعب الصّبيان ‪ ,‬ولم تجر عادة السّلف بمنع‬
‫شيءٍ من ذلك فيه ‪ ,‬ولو اعتقدوه مسجدا لصانوه عن هذه السباب ولقصد لقامة سائر‬
‫الصّلوات ‪ ,‬وصلوات العيد تطوع وهو ل يكثر تكرره بل يبنى لقصد الجتماع ‪ ,‬والصّلة‬
‫تقع فيه بالتّبع ‪.‬‬
‫ب وحائضٍ ونفساء انقطع دمها اللبث في المسجد ولو مصلّى‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يحرم على جن ٍ‬
‫عي ٍد ‪ ,‬لنّه مسجد ل مصلّى الجنائز فليس مسجدا ‪.‬‬

‫صوّر *‬
‫ُم َ‬
‫انظر ‪ :‬تصوير ‪.‬‬

‫ُمصِيَبة *‬
‫انظر ‪ :‬استرجاع ‪.‬‬

‫مَصِيد *‬
‫انظر ‪ :‬صيد ‪.‬‬

‫ُمضَاجَعة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المضاجعة من ضاجع الرّجل امرأته ‪ :‬إذا نام معها في شعا ٍر واحدٍ ‪ ,‬وهو ضجيعها‬ ‫‪1‬‬

‫وهي ضجيعته ‪.‬‬


‫ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة المضاجعة عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫أحكام المضاجعة ‪:‬‬
‫مضاجعة الرّجل الرّجل ‪ ,‬والمرأة المرأة ‪:‬‬
‫ب واحدٍ متجرّدين ل حاجز‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يجوز للرّجل مضاجعة الرّجل في ثو ٍ‬ ‫‪2‬‬

‫بينهما ‪ ,‬لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬ل يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوبٍ واحدٍ‬
‫ول تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد » ‪ ,‬وأمّا إن كان بينهما حائل فيكره تنزيها ‪.‬‬
‫وفصّل المالكيّة الكلم على المضاجعة فقالوا ‪ :‬يحرم تلصق بالغين بعورتيهما بغير حائلٍ‬
‫مطلقا ‪ ,‬سواء قصدا لذّ ًة أو وجداها ‪ ,‬أو قصدا ووجدا ‪ ,‬أو ل قصدا ول وجدا ‪ ,‬سواء كانت‬
‫بينهما قرابة أم ل ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ويحرم كذلك تلصق بالغين بعورتيهما ولو كان بحائل ‪ :‬مع قصد لذّةٍ ‪ ,‬أو وجودها‬
‫‪ ,‬أو قصد اللّذّة ووجودها ‪ ,‬ولو كان من أحدهما في الصور الثّلث ‪.‬‬
‫وأمّا إذا كان تلصقهما بحائل بدون قصد لذّ ٍة ‪ ,‬وبدون وجودها فيكره ‪.‬‬
‫وكذلك يكره إذا كان تلصقهما بغيرعورتيهما مع غير حائلٍ ‪ ,‬إل لقصد لذّ ٍة ‪ ,‬أو وجدانها‬
‫فيحرم فيما يظهر ‪.‬‬
‫وأمّا تلصق غير عورتيهما بحائل فجائز ‪.‬‬
‫ل حيث لم‬
‫وجاز اجتماع الرّجلين أو المرأتين في كسا ٍء واحدٍ وإن لم يكن وسط الكساء حائ ً‬
‫ير واحد منهما عورة صاحبه ول مسّها ‪.‬‬
‫ش واحدٍ أو ثوبٍ واحدٍ ‪ ,‬حيث وجد‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجوز نوم اثنين فأكثر في فرا ٍ‬
‫حائل يمنع المماسّة للبدان ‪ ,‬ويحرم ذلك مع العري وإن تباعدا أو اتّحد الجنس وكان‬
‫محرميّة كأبٍ وأمّ ‪ ,‬أو وجد صغير لكن مع بلوغ عشر سنين ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يكره أن يتجرّد ذكران أو أنثيان في إزا ٍر أو لحافٍ ول ثوب يحجز‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫مضاجعة الصّبيان الصّبيان ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب التّفريق بين الصّبيان في المضاجع وهم أبناء‬ ‫‪3‬‬

‫عشرٍ ‪ ,‬واستدلوا بقوله عليه الصّلة والسّلم ‪ « :‬وفرّقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء‬
‫عشرٍ » ‪ ,‬وقيل ‪ :‬لسبع ‪ ,‬وقيل ‪ :‬لست ‪ ,‬سواء كان بين أخوين أو أختين ‪ ,‬أو أخٍ وأختٍ ‪,‬‬
‫أو بينه وبين أمّه وأبيه ‪.‬‬
‫ن التّفرقة بين الصّبيان مندوبة عند العشر ‪,‬‬
‫وذهب المالكيّة في الرّاجح عندهم إلى أ ّ‬
‫والقوى عندهم في معنى التّفرقة ‪ :‬أنّه ل ب ّد أن يكون لك ّل واحدٍ ثوب ‪ ,‬بل فراش مستقل ‪:‬‬
‫غطاء ووطاء ‪.‬‬
‫وفي قو ٍل آخر ‪ :‬تحصل التّفرقة ولو بثوب حائ ٍل بينهما ‪.‬‬
‫ن طلب الوليّ بالتّفرقة بين الولد في المضاجع بعد‬
‫وأمّا إن لم يبلغوا العشر فل حرج ‪ ,‬ل ّ‬
‫بلوغ العشر على المعتمد ‪.‬‬
‫مضاجعة الصّبيان الكبار ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه يفرّق بين الصّبيان وبين الرّجال والنّساء في المضاجع ‪ ,‬لنّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ذلك يدعو إلى الفتنة ولو بعد حينٍ ‪.‬‬


‫وذكر ابن عابدين نقلً عن البزّازيّة ‪ :‬إذا بلغ الصّبي عشرا ل ينام مع أمّه وأخته ‪ ,‬وامرأةٍ‬
‫ن الولد إذا بلغ عشرا عقل الجماع ‪,‬‬
‫إل امرأته ‪ ,‬وهذا خوفا من الوقوع في المحذور ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ول ديانة له ترده ‪ ,‬فربّما وقع على أخته أو أمّه ‪ ,‬فإنّ النّوم وقت راحةٍ ‪ ,‬مهيّج للشّهوة ‪,‬‬
‫وترتفع فيه الثّياب عن العورة من الفريقين ‪ ,‬فيؤدّي إلى المحذور ‪ ,‬وإلى المضاجعة‬
‫المحرّمة ‪.‬‬
‫وكذلك ل يترك الصّبي ينام مع والديه في فراشهما ‪ ,‬لنّه ربّما يطّلع على ما يقع بينهما ‪,‬‬
‫بخلف ما إذا كان نائما وحده ‪ ,‬أو مع أبيه وحده ‪ ,‬أو البنت مع أمّها وحدها ‪.‬‬
‫ول يترك أيضا أن ينام مع رجلٍ أو امرأةٍ أجنبيّين خوفا من الفتنة ‪ ,‬ول سيّما إذا كان‬
‫صبيحا ‪ ,‬فإنّه وإن لم يحصل في تلك النومة شيء ‪ ,‬فيتعلّق به قلب الرّجل أو المرأة ‪,‬‬
‫فتحصل الفتنة بعد حينٍ ‪ ,‬ومن لم يحتط في المور يقع في المحذور ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إنْ تلصق بالغ وغير بالغٍ بغير حائلٍ فحرام في حقّ البالغ ‪ ,‬مكروه في‬
‫حقّ غيره ‪ ,‬والكراهة متعلّقة بوليّه ‪ ,‬وأمّا بحائل فمكروه في حقّ البالغ إل لقصد لذّةٍ فحرام‬
‫ف واحدٍ ولو بغير عورةٍ ‪ ,‬ولو‬
‫‪ .‬وأمّا رجل وأنثى فل شكّ في حرمة تلصقهما تحت لحا ٍ‬
‫من فوق حائلٍ ‪ ,‬لنّ الرّجل ل يحل له الختلط بالنثى ‪ ,‬فضلً عن تلصقهما ‪.‬‬
‫مضاجعة الحائض ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه ل يجتنب الزّوج مضاجعة زوجته الحائض إذا سترت ما بين‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪5‬‬

‫السرّة والركبة ‪.‬‬


‫قال الشّيرازي ‪ :‬هذا متّفق عليه ‪ ,‬قال ‪ :‬وقد نقل ابن جري ٍر إجماع المسلمين على هذا ‪,‬‬
‫ودلئله في الحاديث الصّحيحة ظاهرة مشهورة ‪ ,‬منها قوله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪:‬‬
‫« اصنعوا كلّ شيءٍ إل النّكاح » ‪ ,‬وقد تظاهرت الحاديث الصّحيحة بمعناه ‪ ,‬مع الجماع ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حيض ف‬

‫ُمضَارَبة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المضاربة في اللغة مفاعلة من ضرب في الرض ‪ :‬إذا سار فيها ‪ ,‬ومن هذا قوله‬ ‫‪1‬‬

‫ن يَضْرِبُونَ فِي الَرْضِ } ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن تعطي إنسانا من مالك ما يتّجر فيه‬
‫تعالى ‪ { :‬وَآخَرُو َ‬
‫على أن يكون الرّبح بينكما ‪ ,‬أو يكون له سهم معلوم من الرّبح ‪.‬‬
‫ن عقد‬
‫وتسمية المضاربة بهذا السم في لغة أهل العراق ‪ ,‬أمّا أهل الحجاز فيسمو ّ‬
‫المضاربة قراضا أو مقارضةً ‪ ,‬قال الزّمخشريّ ‪ :‬أصلها من القرض في الرض وهو‬
‫قطعها بالسّير فيها ‪.‬‬
‫واختار الحنفيّة و الحنابلة التّسمية بالمضاربة ‪ ,‬واختار المالكيّة و الشّافعيّة التّسمية‬
‫بالقراض ‪.‬‬
‫وهي في اصطلح الحنفيّة ‪ :‬عقد شركةٍ في الرّبح بمال من جانبٍ ‪ ,‬وعملٍ من جانبٍ ‪.‬‬
‫ول تخرج تعريفات المذاهب الخرى عن هذا المعنى ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البضاع ‪:‬‬
‫‪ -‬البضاع في اللغة ‪ :‬مصدر أبضع ‪ ,‬يقال أبضع الشّيء أي جعله بضاعةً ‪ ,‬وهي ما‬ ‫‪2‬‬

‫يتّجر فيه ‪ ,‬ويقال ‪ :‬أبضعته غيري ‪ :‬جعلته له بضاع ًة واستبضعته ‪ :‬جعلته بضاعةً لنفسي‬
‫‪ .‬والبضاع في الصطلح ‪ :‬بعث المال مع من يتّجر فيه متبرّعا ‪.‬‬
‫ن كلً من المضاربة والبضاع أخذ مالٍ من مالكه ليتّجر فيه آخذه ‪ ,‬لكنّ‬
‫والصّلة بينهما أ ّ‬
‫آخذ المال في المضاربة له جزء من الرّبح بحسب ما اتّفقا عليه ‪ ,‬فهو شريك فيما يكون‬
‫من ربح التّجارة ‪ ,‬أمّا في البضاع فل شيء له من الرّبح ‪ ,‬وهو متبرّع بعمله ‪ ,‬والرّبح‬
‫كله لصاحب المال ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القرض ‪:‬‬
‫‪ -‬القرض في اللغة ‪ :‬ما تعطيه غيرك من المال لتتقاضاه ‪ ,‬وهو اسم من القراض ‪,‬‬ ‫‪3‬‬

‫يقال ‪ :‬أقرضته المال إقراضا ‪ ,‬واستقرض ‪ :‬طلب القرض ‪ ,‬واقترض ‪ :‬أخذ القرض ‪.‬‬
‫والقرض في الصطلح ‪ :‬دفع مالٍ إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله ‪.‬‬
‫والصّلة بين المضاربة والقرض ‪ :‬أنّ في كلّ منهما دفع المال إلى الغير ‪ ,‬إل أنّه في‬
‫القرض على وجه الضّمان ‪ ,‬وفي المضاربة على وجه المانة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الشّركة ‪:‬‬
‫‪ -‬الشّركة في اللغة ‪ :‬عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشتركٍ ‪ ,‬وهي في الصل‬ ‫‪4‬‬

‫مصدر الفعل شَرك ‪ ,‬يقال ‪ :‬شركته في المر أشركه شَركا وشرِكةً ‪ :‬إذا صرت له شريكا ‪,‬‬
‫والسم الشّرك ‪.‬‬
‫والشّركة في الصطلح ‪ :‬الخلطة وثبوت الحصّة ‪ ,‬أو ‪ :‬ثبوت الحقّ في شيءٍ لثنين فأكثر‬
‫على جهة الشيوع ‪.‬‬
‫والصّلة أنّ الشّركة أعم من المضاربة ‪.‬‬
‫مشروعيّة المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة المضاربة وجوازها ‪ ,‬وذلك على وجه الرخصة أو‬ ‫‪5‬‬

‫الستحسان ‪ ,‬فالقياس أنّها ل تجوز ‪ ,‬لنّها استئجار بأجر مجهولٍ ‪ ,‬بل بأجر معدومٍ ولعمل‬
‫مجهولٍ ‪ ,‬ولكنّ الفقهاء تركوا القياس وأجازوا المضاربة ترخصا أو استحسانا لدلّة قامت‬
‫عندهم على مشروعيّة المضاربة ‪ ,‬منها ما ذكره الكاساني حيث قال ‪ :‬تركنا القياس‬
‫بالكتاب العزيز والسنّة والجماع ‪.‬‬
‫ضلِ الّلهِ‬
‫ضرِبُونَ فِي الَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن فَ ْ‬
‫خرُونَ يَ ْ‬
‫أمّا الكتاب الكريم فقوله عزّ شأنه ‪ { :‬وَآ َ‬
‫}‪ .‬والمضارب يضرب في الرض يبتغي من فضل اللّه ع ّز وجلّ ‪.‬‬
‫وأمّا السنّة ‪ :‬فما روي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال ‪ « :‬كان العبّاس بن عبد‬
‫المطّلب رضي اللّه عنه إذا دفع مالً مضارب ًة اشترط على صاحبه أن ل يسلك به بحرا ‪،‬‬
‫ول ينزل به واديا ‪ ،‬ول يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ ‪ ،‬فإن فعل فهو ضامن ‪ ،‬فرفع شرطه إلى‬
‫رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأجازه » وكذا بُعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫والنّاس يتعاقدون المضاربة ‪ ,‬فلم ينكر عليهم ‪ ,‬وذلك تقرير لهم على ذلك ‪ ,‬والتّقرير أحد‬
‫وجوه السنّة ‪.‬‬
‫وأمّا الجماع ‪ :‬فإنّه روي عن جماع ٍة من الصّحابة رضي اللّه عنهم أنّهم دفعوا مال اليتيم‬
‫مضاربةً ‪ ,‬منهم عمر وعثمان وعلي وعبد اللّه بن مسعودٍ وعبد اللّه بن عمر وعبيد اللّه‬
‫بن عمر وعائشة رضي اللّه عنهم ‪ ,‬ولم ينقل أنّه أنكر عليهم من أقرانهم أحد ‪ ,‬ومثله‬
‫يكون إجماعا ‪ ,‬وعلى هذا تعامل النّاس من لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غير‬
‫إنكا ٍر من أحدٍ ‪ ,‬وإجماع أهل كلّ عصرٍ حجّة ‪ ,‬فترك به القياس ‪.‬‬
‫ن الضّرورة دعت إليها لحاجة النّاس إلى التّصرف في‬
‫وقالوا في حكمتها ‪ :‬شرعت ل ّ‬
‫أموالهم وتنميتها بالتّجارة فيها وليس كل أحدٍ يقدر على ذلك بنفسه فاضطرّ فيها إلى‬
‫استنابة غيره ولعلّه ل يجد من يعمل له فيها بإجارة لما جرت عادة النّاس فيه في ذلك‬
‫على المضاربة فرخّص فيها لهذه الضّرورة واستخرجت بسبب هذه العلّة من الجارة‬
‫المجهولة على نحو ما رخّص فيه في المساقاة ‪.‬‬
‫ن النسان قد يكون له مال لكنّه ل يهتدي إلى التّجارة وقد يهتدي إلى‬
‫وقال الكاساني إ ّ‬
‫التّجارة لكنّه ل مال له فكان في شرع هذا العقد دفع الحاجتين ‪ ،‬واللّه تعالى ما شرع‬
‫العقود إل لمصالح العباد ودفع حوائجهم ‪.‬‬
‫صفّة عقد المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المضاربة من العقود الجائزة من الطّرفين‬ ‫‪6‬‬

‫تنفسخ بفسخ أحدهما أيّهما كان ‪ ,‬لنّه متصرّف في مال غيره بإذن فهو كالوكيل ‪ ,‬ول فرق‬
‫بين ما قبل التّصرف وبعده ‪.‬‬
‫ويشترط الحنفيّة لجواز الفسخ علم الطّرف الخر بالفسخ ‪ ,‬وأن يكون رأس المال عينا‬
‫وقت الفسخ دراهم أو دنانير ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يتوقّف فسخ أحد طرفي المضاربة على حضور صاحبه أو رضاه ‪ ,‬بل‬
‫يجوز ولو في غيبة الخر ‪.‬‬
‫ب المال والعامل فسخ عقد المضاربة قبل الشروع في شراء‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬لكلّ من ر ّ‬
‫ب المال فقط فسخ عقد المضاربة إن تزوّد العامل من مال القراض ولم‬
‫السّلع بالمال ‪ ,‬ولر ّ‬
‫يشرع في السّفر ‪ ,‬فإن عمل المضارب بالمال في الحضر أو شرع في السّفر فيبقى المال‬
‫تحت يد العامل إلى نضوض المال ببيع السّلع ‪ ,‬ول كلم لواحد منهما في فسخ المضاربة ‪.‬‬
‫المضاربة المطلقة والمقيّدة ‪:‬‬
‫‪ -‬قسّم فقهاء الحنفيّة المضاربة قسمين ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫أ ‪ -‬المضاربة المطلقة وهي أن يدفع رب المال للعامل في المضاربة رأس المال من غير‬
‫تعيين العمل أو المكان أو الزّمان أو صفة العمل أو من يعامله ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المضاربة المقيّدة وهي الّتي يعيّن فيها رب المال للعامل شيئا من ذلك ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إنّ تصرف المضارب في كلّ من النّوعين ينقسم إلى أربعة أقسامٍ ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قسم للمضارب أن يعمله من غير حاجةٍ إلى التّنصيص عليه ول إلى قول ‪ :‬اعمل‬
‫برأيك ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قسم ليس له أن يعمل ولو قيل له ‪ :‬اعمل برأيك ‪ ,‬إل بالتّنصيص عليه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قسم له أن يعمله إذا قيل له ‪ :‬اعمل برأيك ‪ ,‬وإن لم ينصّ عليه ‪.‬‬
‫د ‪ -‬قسم ليس له أن يعمله رأسا وإن نصّ عليه ‪.‬‬
‫وقال الموصلي ‪ :‬المضاربة نوعان ‪ ,‬عامّة وخاصّة ‪.‬‬
‫والعامّة نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يدفع المال إلى العامل مضارب ًة ‪ ,‬ول يقول له ‪ :‬اعمل برأيك ‪ ,‬فيملك جميع‬
‫التّصرفات الّتي يحتاج إليها في التّجارة ‪ ,‬ويدخل فيه الرّهن والرتهان والستئجار والحط‬
‫بالعيب والحتيال بمال المضاربة وكل ما يعمله التجّار ‪ -‬غير التّبرعات ‪ -‬والمضاربة‬
‫والشّركة والخلط والستدانة على المضاربة ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬أن يقول له ‪ :‬اعمل برأيك ‪ ,‬فيجوز له ما ذكر من التّصرفات والمضاربة‬
‫ن ذلك ممّا يفعله التجّار ‪ ,‬وليس له القراض والتّبرعات ‪ ,‬لنّه ليس من‬
‫والشّركة والخلط ل ّ‬
‫التّجارة فل يتناوله المر ‪.‬‬
‫أمّا المضاربة الخاصّة فهي ثلثة أنواعٍ ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يخصّه ببلد ‪ ,‬فيقول ‪ :‬على أن تعمل بالكوفة أو البصرة ‪.‬‬
‫ن وتشتري منه ‪ ,‬فل‬
‫والثّاني ‪ :‬أن يخصّه بشخص بعينه ‪ ,‬بأن يقول ‪ :‬على أن تبيع من فل ٍ‬
‫يجوز التّصرف مع غيره لنّه قيد مفيد ‪ ,‬لجواز وثوقه به في المعاملت ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬أن يخصّه بنوع من أنواع التّجارات بأن يقول له ‪ :‬على أن تعمل به مضاربةً في‬
‫الب ّز أو في الطّعام أو الصّرف ونحوه ‪.‬‬
‫وفي كلّ ذلك يتقيّد بأمره ‪ ,‬ول يجوز له مخالفته لنّه مقيّد ‪.‬‬
‫صةٍ ‪ -‬كما فعل‬
‫ولم يقسّم جمهور الفقهاء المضاربة إلى مطلقةٍ ومقيّدةٍ أو عا ّمةٍ وخا ّ‬
‫الحنفيّة ‪ -‬ولكنّهم أوردوا ما شمله تقسيم الحنفيّة في أركان المضاربة وشروطها أو في‬
‫مسائل أخرى ‪ ,‬وخالفوا الحنفيّة أو وافقوهم ‪.‬‬
‫أركان المضاربة ‪:‬‬
‫ن أركان المضاربة هي ‪ :‬عاقدان ‪ ,‬ورأس مالٍ ‪ ,‬وعمل ‪,‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪8‬‬

‫وربح ‪ ,‬وصيغة ‪.‬‬


‫ن الصّيغة ليست من أركان المضاربة ‪ ,‬ول شرطا في صحّتها ‪,‬‬
‫وقال بعض المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫وإنّ المضاربة تصح دون تلفظٍ بالصّيغة ‪.‬‬
‫وقال بعض الشّافعيّة ‪ :‬يكفي القبول بالفعل ‪ ,‬وذلك إذا كان اليجاب بلفظ المر ‪ ,‬كخذ ‪,‬‬
‫ل‪.‬‬
‫فيكفي أخذ الدّراهم مث ً‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن عقد المضاربة اليجاب والقبول بألفاظ تدل عليهما ‪.‬‬
‫شروط المضاربة ‪:‬‬
‫ذكر الفقهاء لصحّة المضاربة شروطا وهي ‪:‬‬
‫ما يتعلّق بالصّيغة من الشروط ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل بدّ في المضاربة من الصّيغة ‪ ,‬وهي اليجاب والقبول‬ ‫‪9‬‬

‫ب المال للعامل ‪ -‬ضمن الصّيغة ‪ -‬ضاربتك‬


‫‪ ,‬وتنعقد بلفظ يدل على المضاربة ‪ ,‬مثل قول ر ّ‬
‫أو قارضتك أو عاملتك ‪ ,‬أو ما يؤدّي معاني هذه اللفاظ ‪ ,‬لنّ المقصود المعنى ‪ ,‬فجاز‬
‫التّعبير بكلّ ما يدل عليه ‪ ,‬ولنّه أتى بلفظ يؤدّي معنى عقد المضاربة ‪ ,‬والعبرة في العقود‬
‫ف‪.‬‬
‫لمعانيها ل لصور اللفاظ ‪ ,‬حتّى ينعقد البيع بلفظ التّمليك بل خل ٍ‬
‫وقبول العامل يكون بلفظ يدل على الرّضا والموافقة ‪ ,‬متّصلً باليجاب بالطّريق المعتبر‬
‫شرعا في عقد البيع وسائر العقود ‪.‬‬
‫واشتراط اللّفظ في كلّ من اليجاب والقبول في عقد المضاربة هو مذهب الحنفيّة ‪ ,‬وقول‬
‫جمهور فقهاء المالكيّة ‪ ,‬والصح عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة ‪ ,‬وهو القول المقابل للصحّ عند الشّافعيّة إلى أنّه ل يشترط في القبول‬
‫قول ‪ :‬قبلت ونحوه أو التّلفظ به ‪ ,‬بل القبول بالفعل ‪ ,‬وتكون مباشرته قبولً للمضاربة‬
‫كالوكالة ‪.‬‬
‫وقال بعض المالكيّة ‪ -‬منهم ابن الحاجب ‪ -‬إنّ المضاربة تنعقد بصيغة داّل ٍة على ذلك ولو‬
‫من أحدهما ويرضى الخر ‪ ,‬ول يشترط اللّفظ في صيغة المضاربة إذا وجدت القرينة ‪ ,‬لنّ‬
‫المضاربة عندهم إجارة على التّجر بمال ‪ -‬أي البيع والشّراء لتحصيل الرّبح ‪ -‬بجزء من‬
‫ربحه والجارة تكفي فيها المعاطاة كالبيع ‪ ,‬فتكفي المعاطاة في انعقاد المضاربة كذلك ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بالعاقدين من الشروط ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط في كلّ من طرفي عقد المضاربة ‪ -‬وهما رب المال والعامل ‪ -‬شروط ل بدّ‬ ‫‪10‬‬

‫منها لصحّة المضاربة ‪ ,‬وتفصيل ذلك فيما يلي ‪:‬‬


‫قال المالكيّة والشّافعيّة ‪ :‬يشترط لصحّة المضاربة أن تقع من أهل التّصرف وهو الحر‬
‫البالغ الرّشيد الّذي يصح منه التّوكيل والتّوكل ‪ ,‬أي المتأهّل لنّ يوكّل غيره ويتوكّل لغيره‬
‫ن العاقدين كل واحدٍ منهما وكيل عن صاحبه وموكّل لصاحبه ‪ ,‬فمن جاز له أن يوكّل‬
‫‪,‬لّ‬
‫ويتوكّل جاز له عقد شركة المضاربة ‪ ,‬ومن ل فل ‪ ,‬وعلى ذلك ل تصح المضاربة من عبدٍ‬
‫إل بإذن سيّده أو كان مأذونا له في التّجارة ‪ ,‬وكذا غيره من المحجور عليهم ‪.‬‬
‫ن وسفيهٍ أن يضارب من‬
‫ي ومجنو ٍ‬
‫وقال الرّملي ‪ :‬ويجوز لوليّ المحجور عليه من صب ّ‬
‫يجوز إيداعه المال المدفوع إليه ‪ ,‬سواء أكان الولي أبا أم جدا أم وصيا أم حاكما أم أمينه‬
‫‪ ,‬ومحل ذلك أن ل يتضمّن عقد المضاربة الذن في السّفر ‪ ,‬فإن تضمّن الذن في السّفر‬
‫ي السّفر بنفسه ‪.‬‬
‫اتّجه كونه كإرادة الول ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫وأمّا المحجور عليه بالفلس فل يصح أن يضارب ويصح أن يكون عام ً‬
‫وتصح المضاربة من المريض ول يحسب ما زاد على أجرة المثل من الثلث ‪ ,‬لنّ‬
‫المحسوب منه ما يفوته من ماله ‪ ,‬والرّبح ليس بحاصل حتّى يفوته ‪ ,‬وإنّما هو شيء‬
‫يتوقّع حصوله ‪ ,‬وإذا حصل كان بتصرف العامل ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يشترط في ربّ المال والمضارب أهليّة التّوكيل والوكالة لنّ المضارب‬
‫يتصرّف بأمر ربّ المال وهذا معنى التّوكيل ‪ ,‬فيشترط في الموكّل أن يكون ممّن يملك فعل‬
‫ن التّوكيل تفويض ما يملكه من التّصرف إلى غيره ‪ ,‬فل يصح‬
‫ما وكّل به بنفسه ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن العقل من شرائط الهليّة ‪ ,‬أل ترى‬
‫ل‪,‬لّ‬
‫التّوكيل من المجنون والصّبيّ الّذي ل يعقل أص ً‬
‫أنّهما ل يملكان التّصرف بأنفسهما ‪.‬‬
‫ويشترط في الوكيل أن يكون عاقلً ‪ ,‬فل تصح وكالة المجنون والصّبيّ الّذي ل يعقل ‪ ,‬وأمّا‬
‫ي العاقل والعبد ‪ ,‬مأذونين‬
‫البلوغ والحرّيّة فليسا بشرط لصحّة الوكالة ‪ ,‬فتصح وكالة الصّب ّ‬
‫كانا أو محجورين ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يصح شيء من الشّركة ‪ -‬ومنها المضاربة ‪ -‬إل من جائز التّصرف ‪,‬‬
‫لنّه عقد على التّصرف في المال فلم يصحّ من غير جائز التّصرف كالبيع ‪.‬‬
‫مضاربة غير المسلم ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في مضاربة غير المسلم ‪:‬‬ ‫‪11‬‬

‫فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز مضاربة غير المسلم في الجملة ‪.‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬ول يشترط إسلم ربّ المال أو المضارب ‪ ,‬فتصح المضاربة بين أهل ال ّذمّة‬
‫ي المستأمن ‪ ,‬حتّى لو دخل حربي دار السلم بأمان ‪ ,‬فدفع‬
‫وبين المسلم وال ّذمّيّ والحرب ّ‬
‫ن المستأمن في‬
‫ماله إلى مسلمٍ مضاربةً ‪ ,‬أو دفع إليه مسلم ماله مضارب ًة فهو جائز ‪ ,‬ل ّ‬
‫ي المستأمن ‪.‬‬
‫دارنا بمنزلة ال ّذمّيّ ‪ ,‬والمضاربة مع ال ّذمّيّ جائزة فكذلك مع الحرب ّ‬
‫فإن كان المضارب هو المسلم فدخل دار الحرب بأمان فعمل بالمال فهو جائز ‪ ,‬لنّه دخل‬
‫ب المال ‪ ,‬فلم يوجد بينهما اختلف الدّارين ‪ ,‬فصار كأنّهما في دا ٍر واحدةٍ ‪.‬‬
‫دار ر ّ‬
‫ب المال بطلت‬
‫وإن كان المضارب هو الحربي فرجع إلى داره ‪ :‬فإن كان بغير إذن ر ّ‬
‫المضاربة ‪ ,‬وإن كان بإذنه فذلك جائز ويكون على المضاربة ‪ ,‬ويكون الرّبح بينهما على‬
‫ما شرطا إن رجع إلى دار السلم مسلما أو معاهدا أو بأمان استحسانا ‪ ,‬والقياس أن تبطل‬
‫المضاربة ‪.‬‬
‫وجه الستحسان ‪ :‬أنّه لمّا خرج بأمر ربّ المال صار كأنّ ربّ المال دخل معه ‪ ,‬ولو دخل‬
‫رب المال معه إلى دار الحرب لم تبطل المضاربة ‪ ,‬فكذا إذا دخل بأمره ‪ ,‬بخلف ما إذا‬
‫ب المال عنه ‪ ,‬فصار تصرفه‬
‫دخل بغير أمره ‪ ,‬لنّه لمّا لم يأذن له بالدخول انقطع حكم ر ّ‬
‫لنفسه فملك المر به ‪.‬‬
‫ووجه القياس ‪ :‬أنّه لمّا عاد إلى دار الحرب بطل أمانه وعاد إلى حكم الحرب كما كان ‪,‬‬
‫فبطل أمر ربّ المال عند اختلف الدّارين ‪ ,‬فإذا تصرّف فيه فقد تعدّى بالتّصرف فملك ما‬
‫تصرّف فيه ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬وأمّا المجوسي فإنّ أحمد كره مشاركته ومعاملته قال ‪ :‬ما أحب مخالطته‬
‫ومعاملته ‪ ,‬لنّه يستحل ما ل يستحل غيره ‪.‬‬
‫وأمّا الشّافعيّة والمالكيّة في المذهب فذهبوا إلى أنّ مضاربة غير المسلم أو مشاركته‬
‫مكروهة ‪ ,‬وعند المالكيّة قول بحرمة مضاربة المسلم لل ّذمّيّ ‪.‬‬
‫ل إل رجلً يعرف الحرام والحلل ‪ ,‬وإن كان‬
‫وقال مالك ‪ :‬ل أحب للرّجل أن يقارض رج ً‬
‫رجلً مسلما فل أحب له أن يقارض من يستحل شيئا من الحرام ‪.‬‬
‫ما يتعلّق برأس مال المضاربة من الشروط ‪:‬‬
‫يشترط لصحّة المضاربة شروط يلزم تحققها في رأس المال ‪ ,‬وهي ‪ :‬أن يكون نقدا من‬
‫الدّراهم والدّنانير ‪ ,‬وأن يكون معلوما ‪ ,‬وأن يكون عينا ل دينا ‪.‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬كون رأس المال من الدّراهم والدّنانير ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء ‪ -‬في الجملة ‪ -‬على هذا الشّرط ‪ ,‬واستد ّل بعضهم عليه بالجماع كما‬ ‫‪12‬‬

‫نقله الجويني من الشّافعيّة ‪ ,‬أو بإجماع الصّحابة كما قال غيره منهم ‪.‬‬
‫ت وصورٍ ومسائل ‪ ،‬خلف وتفصيل ‪:‬‬
‫وللفقهاء فيما يتخرّج على هذا الشّرط من محترزا ٍ‬
‫أ ‪ -‬المضاربة بالعروض ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّه ل تصح‬ ‫‪13‬‬

‫المضاربة بالعروض ‪ ,‬مثل ّي ًة كانت أو متقوّمةً ‪ ,‬ولهم في الستدلل على هذا الحكم‬
‫والتّفريع عليه بيان ‪:‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬إنّ ربح ما يتعيّن بالتّعيين ربح ما لم يضمن ‪ ,‬لنّ العروض تتعيّن عند‬
‫الشّراء بها ‪ ,‬والمعيّن غير مضمونٍ ‪ ,‬حتّى لو هلكت قبل التّسليم ل شيء على المضارب ‪,‬‬
‫فالرّبح عليها يكون ربح ما لم يضمن ‪ ,‬و ‪ « :‬نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن‬
‫ربح ما لم يضمن » ‪ ,‬وما ل يتعيّن يكون مضمونا عند الشّراء به ‪ ,‬حتّى لو هلكت العين‬
‫قبل التّسليم فعلى المشتري به ضمانه ‪ ,‬فكان الرّبح على ما في ال ّذمّة ‪ ,‬فيكون ربح‬
‫ن قيمة‬
‫المضمون ‪ ,‬ولنّ المضاربة بالعروض تؤدّي إلى جهالة الرّبح وقت القسمة ‪ ,‬ل ّ‬
‫العروض تعرف بالحزر والظّنّ ‪ ,‬وتختلف باختلف المقوّمين ‪ ,‬والجهالة تفضي إلى‬
‫المنازعة ‪ ,‬والمنازعة تفضي إلى الفساد ‪ ,‬وهذا ل يجوز ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة في تعليل عدم جواز المضاربة بالعروض ‪ :‬إنّ المضاربة رخصة يقتصر فيها‬
‫على ما ورد ‪ ,‬ويبقى ما عداه على الصل من المنع ‪ ,‬ول يجوز اعتبار قيمة العرض رأس‬
‫ما ٍل ‪.‬‬
‫ن المضاربة عقد غر ٍر ‪ ,‬إذ العمل‬
‫وعلّل الشّافعيّة عدم جواز المضاربة على عروضٍ ‪ ,‬بأ ّ‬
‫ق به ‪ ,‬وإنّما جوّزت للحاجة ‪ ,‬فاختصّت بما يروج‬
‫فيها غير مضبوطٍ والرّبح غير موثو ٍ‬
‫غالبا وتسهل التّجارة به وهو الثمان ‪ ,‬ولنّ المقصود بالمضاربة رد رأس المال‬
‫والشتراك في الرّبح ‪ ,‬ومتى عقد على غير الثمان لم يحصل المقصود ‪ ,‬لنّه ربّما زادت‬
‫قيمته ‪ ,‬فيحتاج أن يصرف العامل جميع ما اكتسبه في ردّ مثله إن كان له مثل ‪ ,‬وفي ردّ‬
‫قيمته إن لم يكن له مثل ‪ ,‬وفي هذا إضرار بالعامل ‪ ,‬وربّما نقصت قيمته فيصرف جزءا‬
‫يسيرا من الكسب في ردّ مثله أو ردّ قيمته ثمّ يشارك ربّ المال في الباقي ‪ ,‬وفي هذا‬
‫ن العامل يشاركه في أكثر رأس المال ‪ ,‬وهذا ل يوجد في الثمان‬
‫ب المال ‪ ,‬ل ّ‬
‫إضرار بر ّ‬
‫لنّها ل تقوّم بغيرها ‪.‬‬
‫ن العروض ل تجوز الشّركة فيها ‪ ,‬نصّ عليه أحمد في‬
‫وظاهر المذهب عند الحنابلة أ ّ‬
‫ن الشّركة ‪ :‬إمّا أن تقع على أعيان‬
‫ب وحربٍ وحكاه عنه ابن المنذر ‪ ,‬ل ّ‬
‫رواية أبي طال ٍ‬
‫ن الشّركة تقتضي‬
‫العروض أو قيمتها أو أثمانها ‪ ,‬ل يجوز وقوعها على أعيانها ‪ ,‬ل ّ‬
‫الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله ‪ ,‬وهذه ل مثل لها فيرجع إليه ‪ ,‬وقد تزيد‬
‫قيمة جنس أحدهما دون الخر فيستوعب بذلك جميع الرّبح أو جميع المال ‪ ,‬وقد تنقص‬
‫قيمته فيؤدّي إلى أن يشاركه الخر في ثمن ملكه الّذي ليس بربح ‪ ,‬ول يجوز وقوعها‬
‫ن القيمة غير متحقّقة القدر ‪ ,‬فيفضي إلى التّنازع ‪ ,‬وقد يقوّم الشّيء بأكثر‬
‫على قيمتها ل ّ‬
‫ن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الخر في العين المملوكة‬
‫من قيمته ‪ ,‬ول ّ‬
‫له ‪ ,‬ول يجوز وقوعها على أثمانها لنّها معدومة حال العقد ول يملكانها ‪ ,‬ولنّه إن أراد‬
‫ثمنها الّذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع ‪ ,‬وإن أراد ثمنها الّذي يبيعها به‬
‫ط وهو بيع العيان ‪ ,‬ول يجوز ذلك ‪.‬‬
‫فإنّها تصير شركةً معلّقةً على شر ٍ‬
‫وعن أحمد رواية أخرى ‪ :‬أنّ الشّركة والمضاربة تجوز بالعروض ‪ ,‬وتجعل قيمتها وقت‬
‫العقد رأس المال ‪ ,‬قال أحمد ‪ :‬إذا اشتركا في العروض يقسم الرّبح على ما اشترطا ‪ ,‬وقال‬
‫الثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن المضاربة بالمتاع ‪ ,‬قال ‪ :‬جائز ‪ ,‬فظاهر هذا صحّة‬
‫الشّركة بها ‪ ,‬واختار هذا أبو بك ٍر وأبو الخطّاب وصوّبه المرداوي ‪ ,‬وهو قول ابن أبي‬
‫ن مقصود‬
‫ليلى ‪ ,‬وبه قال في المضاربة طاووس والوزاعي وحمّاد بن أبي سليمان ‪ ,‬ل ّ‬
‫الشّركة جواز تصرفهما في المالين جميعا ‪ ,‬وكون ربح المالين بينهما ‪ ,‬وهذا يحصل في‬
‫ح الشّركة والمضاربة بها كالثمان ‪ ,‬ويرجع‬
‫العروض كحصوله في الثمان ‪ ,‬فيجب أن تص ّ‬
‫كل واحدٍ منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد ‪ ,‬كما أنّنا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬لو دفع إليه عروضا فقال له ‪ :‬بعها واعمل بثمنها مضاربةً ‪ ,‬فباعها بدراهم‬
‫ودنانير وتصرّف فيها جاز ‪ ,‬لنّه لم يضف المضاربة إلى العروض وإنّما أضافها إلى الثّمن‬
‫‪ ,‬والثّمن تصح به المضاربة ‪ ,‬فإن باعها بمكيل أو موزونٍ جاز البيع عند أبي حنيفة بناءً‬
‫على أصله في الوكيل بالبيع مطلقا ‪ :‬أنّه يبيع بالثمان وغيرها ‪ ,‬إل أنّ المضاربة فاسدة‬
‫لنّها صارت مضاف ًة إلى ما ل تصح المضاربة به وهو الحنطة والشّعير ‪ ,‬وأمّا على‬
‫ن الوكيل بالبيع مطلقا ل يملك البيع بغير الثمان ‪ ,‬ول تفسد‬
‫أصلهما فالبيع ل يجوز ل ّ‬
‫المضاربة لنّها لم تصر مضاف ًة إلى ما ل يصلح به رأس مال المضاربة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن قال له ‪ :‬بعه واجعل ثمنه رأس مالٍ فمضاربة فاسدة ‪ ,‬للعامل فيها أجر‬
‫مثله في تولية ومضاربة مثله في ربح المال إن ربح ‪ ,‬وإن لم يربح فل شيء له في ذمّة‬
‫ربّه ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬ل تجوز بغير نقدٍ يتعامل به ‪ ,‬ولو انفرد التّعامل به كالودع ‪ ,‬وقال بعضهم‬
‫‪ :‬الظّاهر الجواز ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المضاربة بالتّبر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تجوز المضاربة على تبرٍ ول حليّ ول سبائك‬ ‫‪14‬‬

‫لختلف قيمتها ‪.‬‬


‫وذهب الحنفيّة إلى جواز المضاربة بتبر الذّهب والفضّة بشرط تعامل النّاس به ‪ ,‬فإن كان‬
‫النّاس يتعاملون به فهو بمنزلة الدّراهم والدّنانير فتجوز المضاربة به ‪ ,‬وإن كانوا ل‬
‫يتعاملون به فهو كالعروض فل تجوز المضاربة به ‪.‬‬
‫وأجاز المالكيّة المضاربة بالتّبر ونحوه بشرطين ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬أن يتعامل بالتّبر ونحوه فقط في بلد المضاربة ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أن ل يوجد مسكوك يتعامل به ‪ ,‬فإن وجد مسكوك يتعامل به أيضا لم يجز التّبر‬
‫ونحوه لوجود الصل ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المضاربة بالمغشوش من النّقدين ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و المالكيّة في المشهور عندهم إلى جواز المضاربة بالمغشوش من‬ ‫‪15‬‬

‫ي من الشّافعيّة ‪.‬‬
‫النّقدين ‪ ,‬وهو قول السبك ّ‬
‫وقال الشّافعيّة في الصّحيح عندهم ‪ ,‬وهو قول ابن وهبٍ من المالكيّة ‪ :‬ل تصح المضاربة‬
‫بالمغشوش من الثمان ‪ ,‬لنّ الغشّ الّذي فيها عرض ‪ ,‬ولنّ قيمتها تزيد وتنقص ‪ ,‬أشبهت‬
‫العروض ‪.‬‬
‫وأضاف الشّافعيّة ‪ :‬ل تصح المضاربة بالدّراهم والدّنانير المغشوشة وإن راجت وعلم‬
‫مقدار غشّها وجوّزنا التّعامل بها ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل تصح المضاربة في المغشوش من النّقدين غشا كثيرا عرفا لنّه ل‬
‫ن قيمتها تزيد وتنقص فهي كالعروض ‪.‬‬
‫ينضبط غشه ‪ ,‬فل يتأدّى رد مثله ‪ ,‬ل ّ‬
‫د ‪ -‬المضاربة بالفلوس ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬أبو حنيفة وأبو يوسف و المالكيّة على المشهور و الشّافعيّة‬ ‫‪16‬‬

‫ن المضاربة عقد غر ٍر جوّز للحاجة ‪,‬‬


‫ن المضاربة ل تصح بالفلوس ل ّ‬
‫و الحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫فاختصّ بما يروج غالبا وتسهل التّجارة به وهو الثمان ‪.‬‬
‫وقيّد بعض الفقهاء جواز المضاربة بها بقيود ‪ :‬قال الكاساني ‪ :‬إن كانت الفلوس كاسدةً فل‬
‫تجوز المضاربة بها لنّها عروض ‪ ,‬وإن كانت نافقةً فكذلك في الرّواية المشهورة عن أبي‬
‫حنيفة وأبي يوسف ‪ ,‬وعند محمّدٍ تجوز ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬الفلوس ل يجوز أن تكون رأس مال المضاربة ولو تعومل بها على‬
‫المشهور ‪ ,‬لنّ التّبر إذا كان ل يجوز المضاربة به إل إذا انفرد التّعامل به ‪ -‬والحال أنّه‬
‫ليس مظنّة الكساد ‪ -‬فأولى الفلوس الّتي هي مظنّة الكساد ‪ ,‬فل يجوز المضاربة بها إل أن‬
‫تنفرد بالتّعامل بها ‪ ,‬وإل جاز ‪ ,‬وقال الدّردير ‪ :‬وظاهره ولو كان العامل يعمل بها في‬
‫المحقّرات الّتي الشّأن فيها التّعامل بها ‪.‬‬
‫ن الدّراهم والدّنانير ليست مقصودةً‬
‫وقال بعض المالكيّة بجواز المضاربة بالفلوس ‪ ,‬ل ّ‬
‫لذاتها حتّى تمتنع بغيرها حيث انفرد التّعامل بها ‪ ,‬بل هي مقصودة من حيث التّنمية ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬المضاربة بالمنفعة ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه ل تصح المضاربة على المنفعة ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬ل يجوز جعل رأس‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪17‬‬

‫المال سكنى دا ٍر ‪ ,‬لنّه إذا لم يجعل العرض رأس مالٍ فالمنفعة أولى ‪.‬‬
‫و ‪ -‬المضاربة بالصّرف ‪:‬‬
‫ص المالكيّة على أنّ ربّ المال لو دفع نقدا إلى العامل ليصرفه من غيره بنقد آخر‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪18‬‬

‫ثمّ يعمل بما يقبضه مضاربةً فل يجوز ‪ ,‬فإن عمل بما قبضه من الصّرف فله أجر مثله في‬
‫تولّيه في ذمّة ربّ المال ولو تلف أو خسر ‪ ,‬ثمّ له أيضا مضاربة مثله في ربحه ‪ -‬أي‬
‫المال ‪ -‬فإن تلف أو لم يربح فل شيء له في ذمّة ربّ المال ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كون رأس مال المضاربة معلوما ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط في رأس مال المضاربة أن يكون معلوما للعاقدين ‪,‬‬ ‫‪19‬‬

‫قدرا وصفةً وجنسا ‪ ,‬علما ترتفع به الجهالة ويدرأ النّزاع ‪ ,‬فإن لم يكن رأس المال‬
‫معلوما لهما كذلك فسدت المضاربة ‪.‬‬
‫وقالوا في تعليل ذلك ‪ :‬إنّ كون رأس مال المضاربة غير معلومٍ للعاقدين على النّحو‬
‫المذكور يؤدّي إلى الجهل بالرّبح ‪ ,‬وكون الرّبح معلوما شرط صحّة المضاربة ‪.‬‬
‫المضاربة بأحد الكيسين أو الصرّتين ‪:‬‬
‫ب المال إن دفع‬
‫‪ -‬نصّ الحنابلة و الشّافعيّة في الصحّ عندهم وبعض الحنفيّة على أنّ ر ّ‬ ‫‪20‬‬

‫كيسين أو صرّتين من النّقد في كلّ من الكيسين أو الصرّتين مال معلوم ‪ ,‬وقال لمن دفع‬
‫إليه ذلك ‪ :‬ضاربتك على أحد الكيسين أو على إحدى الصرّتين ‪ ،‬لم تصحّ المضاربة لعدم‬
‫التّعيين ‪ ,‬حتّى لو تساوى ما فيهما للبهام ‪ ,‬وفيه غرر ل ضرورة إلى احتماله ‪.‬‬
‫ن المضاربة تصح على‬
‫وفي وجهٍ مقابلٍ للصحّ عند الشّافعيّة وهو قول بعض الحنفيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫صفّة ‪ ,‬فيتصرّف العامل في أيّتهما شاء‬
‫إحدى الصرّتين المتساويتين في القدر والجنس وال ّ‬
‫فتتعيّن للمضاربة ‪ ,‬ول بدّ أن يكون ما فيهما معلوما ‪.‬‬
‫ب المال لو ضارب العامل على‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يتفرّع على القول الوّل الصح عندهم أنّ ر ّ‬
‫دراهم أو دنانير غير معيّنةٍ ثمّ عيّنها في المجلس صحّ ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ل يصح ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬كون رأس مال المضاربة عينا ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس مالها عينا ‪ ,‬فل تجوز‬ ‫‪21‬‬

‫على ما في ال ّذمّة ‪ ,‬بمعنى أن ل يكون رأس المال دينا ‪ ,‬فإن كان دينا لم تصحّ ‪.‬‬
‫والمضاربة بالدّين ل تخلو إمّا أن تكون بالدّين على العامل ‪ ,‬وإمّا بالدّين على غير العامل ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬المضاربة بالدّين على العامل ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المضاربة بدين‬ ‫‪22‬‬

‫لربّ المال على العامل ل تصح ‪ ,‬وقال بعض الحنابلة بصحّتها ‪ ,‬وذلك على التّفصيل التّالي‬
‫‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس المال عينا ‪ ,‬فإن كان دينا‬
‫فالمضاربة فاسدة ‪ ,‬وإذا كان لربّ المال على رجلٍ دين فقال له ‪ :‬اعمل بديني الّذي في‬
‫ف ‪ -‬أي عندهم ‪ -‬فإن اشترى هذا‬
‫ذمّتك مضاربةً بالنّصف فالمضاربة فاسدة بل خل ٍ‬
‫المضارب وباع فله ربحه وعليه وضيعته ‪ -‬أي خسارته ‪ -‬والدّين في ذمّته عند أبي‬
‫ن من وكّل رجلً يشتري له بالدّين الّذي في ذمّته لم يصحّ عنده ‪ ,‬حتّى لو‬
‫حنيفة ‪ ،‬ل ّ‬
‫اشترى ل يبرأ عمّا في ذمّته عنده ‪ ,‬وإذا لم يصحّ المر بالشّراء في ال ّذمّة لم تصحّ إضافة‬
‫المضاربة إلى ما في ال ّذمّة ‪.‬‬
‫ب المال له‬
‫وقال الصّاحبان ‪ :‬ما اشترى المضارب ‪ -‬في الصورة السّابقة ‪ -‬وباع هو لر ّ‬
‫ن الشّراء يقع‬
‫ربحه وعليه وضيعته ‪ ,‬لنّه يصح عندهما التّوكيل ول تصح المضاربة ل ّ‬
‫للموكّل ‪ ,‬فتصير المضاربة بعد ذلك مضاربةً بالعروض ‪ ,‬لنّه في التّقدير كأنّه وكّله بشراء‬
‫العروض ثمّ دفعه إليه مضاربةً فتصير مضاربةً بالعروض فل تصح ‪.‬‬
‫ب المال أن يقول لمدينه ‪:‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل تصح المضاربة بدين على العامل ‪ ,‬فليس لر ّ‬
‫اعمل فيه مضاربةً بنصف ربحه مثلً لنّه سلف بزيادة ‪ ,‬وإن قال له ذلك استم ّر الدّين على‬
‫حاله في الضّمان واختصاص المدين بربحه إن كان وعليه خسره ‪ ,‬ما لم يقبض الدّين من‬
‫ح‪.‬‬
‫المدين ‪ ,‬فإن قبضه ربه منه ثمّ دفعه له مضاربةً ص ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ ربّ المال لو قال لمن له دين عليه ‪ :‬ضاربتك على الدّين الّذي لي‬
‫عليك لم تصحّ المضاربة ‪ ,‬بل لو قال له ‪ :‬اعزل مالي الّذي في ذمّتك من مالك ‪ ,‬فعزله ولم‬
‫يقبضه ثمّ ضاربه عليه لم تصحّ المضاربة لنّه ل يملك ما عزله بغير قبضٍ ‪ ,‬فإذا تصرّف‬
‫ي يشتري لغيره بعين‬
‫العامل ففيما عزله نظر ‪ ,‬إن اشترى بعينه للمضاربة فهو كالفضول ّ‬
‫ماله ‪ ,‬وإن اشترى في ال ّذمّة فوجهان ‪:‬‬
‫ي أنّه للمالك لنّه اشترى له بإذنه ‪ ,‬وأصحهما عند أبي حامدٍ للعامل ‪.‬‬
‫أصحهما عند البغو ّ‬
‫وحيث كان المعزول للمالك فالرّبح ورأس المال له لفساد المضاربة ‪ ,‬وعليه الجرة للعامل‬
‫‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّ ربّ المال لو قال لمدينه ‪ :‬ضارب بالدّين الّذي عليك لم يصحّ وهو‬
‫المذهب ‪ ,‬وعن أحمد ‪ :‬يصح ‪ ,‬وبناه القاضي على شرائه من نفسه ‪ ,‬وبناه في النّهاية‬
‫على قبضه من نفسه لموكّله ‪ ,‬وفيهما روايتان ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المضاربة بدين على غير العامل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الشّافعيّة و الحنابلة وجمهور المالكيّة ‪ -‬إلى أنّ المضاربة‬ ‫‪23‬‬

‫بدين على غير العامل ل تصح ‪ ,‬كما لو قال للعامل ‪ :‬قارضتك على ديني على فلنٍ فاقبضه‬
‫واتّجر فيه أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬تجوز المضاربة في هذه الصورة ‪ ,‬وبهذا يقول اللّخمي من المالكيّة ‪,‬‬
‫وصاحب الرّعاية من الحنابلة ‪.‬‬
‫ن من الدّين واعمل به مضاربةً جاز ‪,‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬لو قال لرجل اقبض مالي على فل ٍ‬
‫ن المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض ‪ ,‬فكان رأس المال عينا ل دينا ‪.‬‬
‫لّ‬
‫رابعا ‪ :‬كون رأس مال المضاربة مسلّما إلى العامل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة والقاضي وابن حام ٍد من الحنابلة إلى أنّه يشترط‬ ‫‪24‬‬

‫لصحّة المضاربة أن يكون العامل مطلق التّصرف في رأس مال المضاربة ومستقلً باليد‬
‫عليه ‪ ,‬وعبّر بعضهم عن ذلك بالتّخلية بينه وبين رأس المال ‪ ,‬وعبّر عنه آخرون بأنّه‬
‫تسليم رأس المال إليه ‪ ,‬وللفقهاء مع اختلفهم في التّعبير خلف في التّعليل والتّفصيل ‪:‬‬
‫فقال الكاساني ‪ :‬يشترط تسليم رأس المال إلى المضارب لنّه أمانة ‪ ,‬فل تصح إل بالتّسليم‬
‫وهو التّخلية كالوديعة ول تصح المضاربة مع بقاء يد الدّافع على المال لعدم التّسليم مع‬
‫بقاء يده ‪ ,‬حتّى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة ‪.‬‬
‫ب المال فسدت المضاربة ‪ ,‬سواء عمل رب المال معه أو‬
‫ولو شرط في المضاربة عمل ر ّ‬
‫لم يعمل ‪ ,‬لنّ شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وهو شرط فاسد ‪ ,‬وسواء كان‬
‫المالك عاقدا أو غير عاقدٍ ‪ ,‬فل بدّ من زوال يد ربّ المال عن ماله لتصحّ المضاربة ‪ ,‬حتّى‬
‫ن الب أو الوصيّ إذا دفع مال الصّغير مضارب ًة وشرط عمل الصّغير لم تصحّ المضاربة ‪,‬‬
‫إّ‬
‫ن يد الصّغير باقية ‪ -‬لبقاء ملكه ‪ -‬فتمنع التّسليم ‪.‬‬
‫لّ‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يشترط في رأس مال المضاربة أن يكون مسلّما من ربّه للعامل بدون أمينٍ‬
‫عليه ‪ ,‬ل بدين عليه أو برهن أو وديعةٍ ‪ ,‬وإل فإنّ تسليمه حينئذٍ يكون كل تسليمٍ ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس مالها مسلّما إلى العامل ‪ ,‬قال‬
‫الشّربيني الخطيب ‪ :‬ليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد أو في مجلسه ‪ ,‬وإنّما‬
‫المراد أن يستقلّ العامل باليد عليه والتّصرف فيه فل يجوز ول يصح التيان بما ينافي ذلك‬
‫‪ ,‬وهو شرط كون المال في يد المالك أو غيره ليوفّي منه ثمن ما اشتراه العامل ‪ ,‬ول‬
‫شرط مراجعته أو مراجعة مشرفٍ نصّبه في التّصرف ‪ ,‬لنّه قد ل يجده عند الحاجة ‪ ,‬ول‬
‫ن انقسام التّصرف يفضي إلى انقسام اليد ‪ ,‬ولنّه ينافي‬
‫شرط عمل المالك مع العامل ل ّ‬
‫مقتضاها من استقلل العامل بالعمل ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة في المذهب أنّه إن أخرج شخص مالً ليعمل فيه هو وآخر ‪ ,‬والرّبح بينهما‬
‫ح ‪ ,‬ويكون مضارب ًة ‪.‬‬
‫صّ‬
‫المضاربة بالوديعة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تصح بالوديعة في يد العامل أو‬ ‫‪25‬‬

‫في يد غيره ‪ ,‬كما لو قال رب الوديعة للمودع ‪ :‬ضارب بالوديعة الّتي عندك والرّبح‬
‫مناصفةً بيننا ‪ ,‬أو قال لخر ‪ :‬ضارب بالوديعة الّتي لي عند فلنٍ ‪ -‬مع العلم بقدرها ‪-‬‬
‫فقبل كل منهما ‪ ,‬فإنّ المضاربة تنعقد صحيحةً ‪ ,‬لنّ اليد لم يتغيّر وصفها ‪ ,‬فهي قبل‬
‫ن الوديعة‬
‫المضاربة وحال كونها وديعةً يد أمانةٍ ‪ ,‬وهي بعد المضاربة يد أمان ٍة كذلك ‪ ,‬ول ّ‬
‫ملك ربّ المال فجاز أن يضارب عليها كما لو كانت حاضرةً في زاوية البيت ‪ ,‬فإن كانت‬
‫تلفت عنده على وجهٍ يضمنها لم يجز أن يضارب عليها لنّها صارت دينا ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه ل تصح المضاربة بالوديعة الموجودة في يد العامل ‪ ,‬وذلك لحتمال‬
‫كون المودع أنفقها فتكون دينا ‪ ,‬والمضاربة ل تصح بالدّين ‪ ,‬إل أن يحضر المودع‬
‫الوديعة ‪ ,‬ويقبضها المودع ويدفعها مضاربةً فتصح ‪ ,‬أو يحضرها المودع ويشهد على أنّ‬
‫ن عندي ‪ ,‬ثمّ يدفعها المودع مضاربةً فتجوز ‪ ,‬فإن لم‬
‫هذا المال الّذي أحضر هو وديعة فل ٍ‬
‫يحدث شيء من هذين المرين ‪ ,‬وقال رب الوديعة للعامل ‪ :‬اتّجر بما عندك من وديعةٍ على‬
‫أنّ الرّبح مناصفة بيننا مضاربةً ‪ ,‬فاتّجر العامل بالوديعة ‪ ,‬فإنّ ربحها لربّها وخسرها عليه‬
‫‪ ,‬وللعامل أجر مثله ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ل تصح المضاربة بالوديعة عند أمينٍ ‪ ,‬فإن وكّل رب الوديعة العامل على خلصها‬
‫ثمّ يضارب بها أو بثمنها بعد بيعها كانت المضاربة فاسدةً يترتّب عليها ‪ -‬بعد العمل فيها‬
‫‪ -‬للعامل أجر مثله في تولّي تخليص الوديعة ‪ ,‬وبيعها إن حدث ‪ ,‬في ذمّة ربّها ‪ ,‬ربح‬
‫العامل أو لم يربح ‪ ,‬وللعامل كذلك مضاربة مثله في ربح المال ‪ ,‬فإن ربح أعطي منه‬
‫مضاربةً مثله ‪ ,‬وإن لم يربح فل شيء له ل في المال ول في ذمّة ربّه ‪.‬‬
‫المضاربة بالمغصوب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنابلة و الشّافعيّة في الصحّ وأبو يوسف والحسن بن زيادٍ إلى أنّ المضاربة‬ ‫‪26‬‬

‫بالمغصوب تصح ‪.‬‬


‫قال الكاساني ‪ :‬إن أضاف المضاربة إلى مضمونةٍ في يده كالدّراهم والدّنانير المغصوبة‬
‫فقال للغاصب ‪ :‬اعمل بما في يدك مضاربةً بالنّصف جاز ذلك عند أبي يوسف والحسن بن‬
‫ن ما في يده مضمون إلى أن يأخذ في العمل ‪ ,‬فإذا أخذ في العمل وهو الشّراء‬
‫زيادٍ ‪ ,‬ل ّ‬
‫تصير أمانةً في يده فيتحقّق معنى المضاربة فتصح ‪.‬‬
‫وقال جمهور فقهاء الشّافعيّة ‪ :‬تصح مضاربة الغاصب على المغصوب لتعين المال‬
‫المغصوب في يد العامل الغاصب ‪ ,‬بخلف ما في ال ّذمّة فإنّه يتعيّن بالقبض ‪ ,‬وتصح‬
‫مضاربة غير الغاصب على المال المغصوب بشرط أن يكون المالك أو العامل قادرا على‬
‫أخذه ‪ ,‬ويبرأ الغاصب بتسليم المغصوب لمن يعامل ‪ ,‬لنّه سلّمه بإذن مالكه وزالت عنه يده‬
‫‪ ,‬ل بمجرّد المضاربة ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ -‬في وجهٍ مقابلٍ للصحّ ‪ -‬وزفر بعدم صحّة المضاربة بالمال المغصوب ‪,‬‬
‫ن المضاربة تقتضي كون المال أمانةً في يد المضارب ‪ ,‬والمغصوب مغصوب في يده‬
‫لّ‬
‫ليس كذلك ‪ ,‬فل يتحقّق التّصرف للمضاربة ‪ ,‬فل تصح ‪.‬‬
‫المضاربة بالمال المشاع ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تصح بمال مشاعٍ ‪ ,‬فلو دفع‬ ‫‪27‬‬

‫رجل مالً إلى رجل ‪ :‬بعضه مضاربةً ‪ ,‬وبعضه غير مضاربةٍ ‪ ,‬مشاعا في المال ‪,‬‬
‫فالمضاربة جائزة ‪ ,‬لنّ الشاعة ل تمنع من التّصرف في المال ‪ ,‬فإنّ المضارب يتمكّن من‬
‫التّصرف في المال المشاع ‪ ,‬والشاعة إنّما تمنع جواز المضاربة وصحّتها إذا كانت تمنع‬
‫من التّصرف بأن كانت مع غير العامل ‪ ,‬أمّا مع العامل فل تمنعه من التّصرف فصحّت‬
‫المضاربة ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بالرّبح من الشروط ‪:‬‬
‫أوّلً ‪ :‬كون الرّبح معلوما ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون نصيب كلّ من العاقدين من‬ ‫‪28‬‬

‫ن المعقود عليه هو الرّبح ‪ ,‬وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد ‪.‬‬
‫الرّبح معلوما ل ّ‬
‫وقال الحنفيّة و الشّافعيّة في الصحّ و الحنابلة ‪ :‬لو دفع إليه ألف دره ٍم على أنّهما‬
‫يشتركان في الرّبح ‪ ,‬ولم يبيّن مقدار الرّبح ‪ ,‬جاز ذلك ‪ ,‬والرّبح بينهما نصفان ‪ ,‬لنّ‬
‫الشّركة تقتضي المساواة ‪ ,‬قال اللّه تعالى ‪َ { :‬ف ُهمْ شُ َركَاء فِي الثّلُثِ } ‪.‬‬
‫ن له النّصف ‪ ,‬لنّه‬
‫وقال الدّردير ‪ :‬لو قال الرّبح مشترك بيننا أو شركة فهو ظاهر في أ ّ‬
‫يفيد التّساوي عرفا ‪ ,‬بخلف ما لو قال له ‪ :‬اعمل فيه ولك في الرّبح شرك ‪ ,‬فإنّ‬
‫ل فيعمل‬
‫المضاربة ل تجوز إل إذا كانت هناك عادة تعيّن إطلق الشّرك على النّصف مث ً‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كون الرّبح جزءا شائعا ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط أن يكون المشروط لكلّ من المضارب وربّ المال من‬ ‫‪29‬‬

‫الرّبح جزءا شائعا نصفا أو ثلثا أو ربعا ‪ ,‬فإن شرطا عددا مقدّرا بأن شرطا أن يكون‬
‫لحدهما مائة من الرّبح أو أقل أو أكثر والباقي للخر ل يجوز والمضاربة فاسدة ‪ ,‬لنّ‬
‫المضاربة نوع من الشّركة ‪ ,‬وهي الشّركة في الرّبح ‪ ,‬وهذا شرط يوجب قطع الشّركة في‬
‫الرّبح ‪ ,‬لجواز أن ل يربح المضارب إل هذا القدر المذكور ‪ ,‬فيكون ذلك لحدهما دون‬
‫الخر فل تتحقّق الشّركة ‪ ,‬فل يكون التّصرف مضاربةً ‪.‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬وكذا إن شرطا أن يكون لحدهما النّصف أو الثلث ومائة درهمٍ ‪ ,‬أو قال ‪:‬‬
‫إل مائة درهمٍ ‪ ,‬فإنّه ل يجوز لنّه شرط يقطع الشّركة في الرّبح ‪ ,‬لنّه إذا شرط لحدهما‬
‫النّصف ومائةً فمن الجائز أن يكون الرّبح مائتين فيكون كل الرّبح للمشروط له ‪ ,‬وإذا‬
‫شرط له النّصف إل مائةً فمن الجائز أن يكون نصف الرّبح مائ ًة فل يكون له شيء من‬
‫الرّبح ‪ .‬ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشّرط والمضاربة صحيحة ‪,‬‬
‫ن المضاربة وكالة ‪,‬‬
‫ب المال ‪ ,‬ول ّ‬
‫ن الوضيعة جزء هالك من المال فل يكون إل على ر ّ‬
‫لّ‬
‫والشّرط الفاسد ل يعمل في الوكالة ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬لو شرط بعض الرّبح للمساكين أو للحجّ أو في الرّقاب أو لمرأة المضارب‬
‫ب المال ‪.‬‬
‫ح العقد ولم يصحّ الشّرط ‪ ,‬ويكون المشروط لر ّ‬
‫أو مكاتبه ص ّ‬
‫ح الشّرط ‪ ,‬وإل‬
‫ب المال ص ّ‬
‫ولو شرط البعض لمن شاء المضارب ‪ ,‬فإن شاء لنفسه أو لر ّ‬
‫ي ل يصح ‪.‬‬
‫بأن شاءه لجنب ّ‬
‫ي ‪ :‬يصح‬
‫ح ‪ ,‬وإل فل ‪ ,‬وفي القهستان ّ‬
‫ي ‪ ،‬إن شرط عمله ص ّ‬
‫ومتى شرط البعض لجنب ّ‬
‫مطلقا ‪.‬‬
‫والمشروط للجنبيّ إن شرط عمله وإل فللمالك ‪.‬‬
‫ولو شرط البعض لقضاء دين المضارب أو دين المالك جاز ‪ ,‬ويكون للمشروط له قضاء‬
‫دينه ول يلزم بدفعه لغرمائه ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬للرّبح أربعة شروطٍ ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين ‪ ,‬فلو شرط بعضه لثالث لم تصحّ المضاربة ‪ ,‬إل‬
‫أن يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أن يكون مشتركا بينهما ‪ ,‬ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله فل يختص به أحدهما‬
‫‪ ,‬فلو شرط اختصاص أحدهما بالرّبح لم تصحّ المضاربة ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬أن يكون معلوما ‪ ,‬فلو قال ‪ :‬ضاربتك على أنّ لك في الرّبح شركا فسدت‬
‫المضاربة ‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬أن يكون العلم من حيث الجزئيّة ل من حيث التّقدير ‪ ,‬فلو قال ‪ :‬لك من الرّبح ‪ ,‬أو‬
‫لي منه ‪ ,‬درهم أو مائة والباقي بيننا نصفان لم تصحّ المضاربة ‪.‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو شرط جميع الرّبح للمضارب فالعقد قرض ‪ ,‬لنّه إذا لم يمكن‬ ‫‪30‬‬

‫تصحيحه مضاربةً يصحّح قرضا ‪ ,‬لنّه أتى بمعنى القرض ‪ ,‬والعبرة في العقود لمعانيها ‪.‬‬
‫وعلى هذا لو شرط جميع الرّبح لربّ المال فهو إبضاع لوجود معنى البضاع ‪.‬‬
‫ويقرب من هذا مذهب المالكيّة ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬يجوز جعل الرّبح كله لحد المتعاقدين أو‬
‫لغيرهما ‪ ,‬لنّه من باب التّبرع ‪ ,‬وإطلق القراض عليه حينئذٍ مجاز ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن قال رب المال ‪ :‬خذ هذا المال فاتّجر به وربحه كله لك كان قرضا ل‬
‫ن قوله ‪ :‬خذه فاتّجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه ‪,‬‬
‫قراضا ‪ ,‬ل ّ‬
‫وإن قال مع ذلك ‪ :‬ول ضمان عليك فهذا شرط فيه نفي الضّمان فل ينتفي بشرطه ‪ ,‬كما لو‬
‫صرّح به فقال ‪ :‬خذ هذا قرضا ول ضمان عليك ‪ ,‬وإن قال ‪ :‬خذه فاتّجر به والرّبح كله لي‬
‫كان إبضاعا ‪ ,‬وإن قال ‪ :‬خذه مضاربةً والرّبح كله لك أو كله لي فهو عقد فاسد ‪ ,‬وإلى‬
‫هذا ذهب الشّافعيّة في الصحّ عندهم ‪.‬‬
‫وفي قو ٍل مقابلٍ للصحّ عند الشّافعيّة أنّ من قال للعامل ‪ :‬قارضتك على أنّ كلّ الرّبح لك‬
‫فهو مضارب ًة صحيحة ‪ ,‬وإن قال رب المال ‪ :‬كل الرّبح لي فهو إبضاع ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬ما يتعلّق بالعمل من الشروط ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء ‪ -‬في الجملة ‪ -‬إلى أنّه يشترط في العمل بالمضاربة شروط ‪ ،‬تصح‬ ‫‪31‬‬

‫المضاربة بوجودها ‪ ,‬وتفسد إن تخلّفت هذه الشروط أو بعضها ‪ ,‬وهي ‪ :‬أن يكون العمل‬
‫تجارةً ‪ ,‬وأن ل يضيّق رب المال على العامل في عمله ‪ ,‬وأن ل يخالف العامل مقتضى‬
‫العقد ‪.‬‬
‫تصرفات المضارب ‪:‬‬
‫ل تخرج تصرفات المضارب عن أقسامٍ أربعةٍ ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬ما له عمله من غير نصّ عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا لم يعيّن رب المال للمضارب العمل أو المكان أو الزّمان أو صفة العمل أو من‬ ‫‪32‬‬

‫يعامله ‪ ,‬بل قال له ‪ :‬خذ هذا المال مضاربةً على كذا فله البيع ‪ ,‬وله الستئجار ‪ ,‬وله‬
‫التّوكيل ‪ ,‬وله الرّهن ‪ ,‬وله البضاع ‪ ,‬والحالة ‪ ,‬لنّ كلّ ذلك من عمل التجّار ‪.‬‬
‫بهذا قال الحنفيّة ‪ ,‬ويقرب منه ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫فقد صرّح الشّافعيّة بأنّ للعامل البيع والشّراء بعرض وإن لم يأذن له المالك إذ الغرض‬
‫الرّبح وقد يكون فيه ‪.‬‬
‫ن حكم المضاربة حكم الشّركة فيما للعامل أن يفعله من البيع والشّراء‬
‫ص الحنابلة على أ ّ‬
‫ون ّ‬
‫أو القبض والقباض ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وإن أطلق رب المال فل خلف عندهم في جواز البيع حالً ‪.‬‬
‫وفي جواز البيع نسيئةً روايتان ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬ليس له ذلك لنّه نائب في البيع ‪ ,‬فلم يجز له البيع نسيئةً بغير إذنٍ صريحٍ‬
‫ن النّائب ل يجوز له التّصرف إل على وجه الحظّ والحتياط ‪ ,‬وفي النّسيئة‬
‫كالوكيل وذلك ل ّ‬
‫تغرير بالمال ‪ ,‬وقرينة الحال تقيّد مطلق الكلم ‪ ,‬فيصير كأنّه قال ‪ :‬بعه حا ًل ‪.‬‬
‫والثّانية ‪ :‬أنّه يجوز له البيع نسا ًء ‪ -‬وهو اختيار ابن عقيلٍ ‪ -‬لنّ إذنه في التّجارة‬
‫والمضاربة ينصرف إلى التّجارة المعتادة ‪ ,‬وهذا عادة التجّار ‪ ,‬ولنّه يقصد الرّبح ‪ ,‬وهو‬
‫في النّساء أكثر ‪ ,‬ويفارق الوكالة المطلقة فإنّها ل تختص بقصد الرّبح وإنّما المقصود‬
‫تحصيل الثّمن فحسب ‪ ,‬فإذا أمكن تحصيله من غير خطرٍ كان أولى ‪.‬‬
‫وصرّح الشّافعيّة و الحنابلة بأنّ للعامل شراء المعيب إن رأى ذلك لنّ المقصود طلب الحظّ‬
‫‪ ,‬وقد يكون الرّبح في المعيب ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬للعامل الرّد بعيب تقتضيه مصلحة ‪ ,‬فإن اقتضت المصلحة إمساكه فل‬
‫يرده في الصحّ لخلله بمقصود العقد ‪.‬‬
‫‪ -‬واختلف الفقهاء في سفر العامل بمال المضاربة والصل عند الحنفيّة و المالكيّة‬ ‫‪33‬‬

‫و الحنابلة في الصّحيح من المذهب وهو قول عند الشّافعيّة ‪ -‬نقله البويطي ‪ -‬أنّ‬
‫للمضارب السّفر بمال المضاربة إن أطلق رب المال الذن للعامل ولم يقيّده ‪ ,‬لنّ الذن‬
‫المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة ‪ ,‬وهي جارية بالتّجارة سفرا وحضرا ‪ ,‬ولنّ‬
‫ن العقد صدر‬
‫المقصود من عقد المضاربة استنماء المال وهذا المقصود بالسّفر أوفر ‪ ,‬ول ّ‬
‫ن المضاربة مشتقّة‬
‫مطلقا عن المكان فيجري على إطلقه ‪ ,‬ولنّ مأخذ السم دليل عليه ل ّ‬
‫من الضّرب في الرض وهو السّير طلبا للفضل ‪ ،‬فملك السّفر بمطلقها ‪ ,‬قال تعالى ‪{ :‬‬
‫ضلِ الّلهِ } ‪.‬‬
‫ضرِبُونَ فِي الَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن فَ ْ‬
‫خرُونَ يَ ْ‬
‫وَآ َ‬
‫ونقل أبو يوسف عن أبي حنيفة أنّه قال ‪ :‬إذا دفع إليه المال بالكوفة وهما من أهليها فليس‬
‫للعامل أن يسافر بالمال ‪ ,‬ولو كان الدفع في مصرٍ آخر غير الكوفة فللمضارب أن يخرج به‬
‫حيث شاء ‪ ,‬لنّ المسافرة بالمال مخاطرة به فل تجوز إل بإذن ربّ المال نصا أو دللةً ‪,‬‬
‫فإذا دفع إليه المال في بلدهما فلم يأذن له بالسّفر نصا ول دلل ًة لم يكن له أن يسافر ‪ ,‬وإذا‬
‫ن النسان‬
‫دفع إليه في غير بلدهما فقد وجد دللة الذن بالرجوع إلى الوطن ‪ ,‬لنّ العادة أ ّ‬
‫ل يأخذ المال مضاربة ويترك بلده ‪ ,‬فكان دفع المال في غير بلدهما رضا بالرجوع إلى‬
‫الوطن فكان إذنا دللةً ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬سفر العامل بمال المضاربة يجوز إن لم يحجر عليه ‪ -‬أي لم يمنعه ‪ -‬رب‬
‫المال قبل شغل المال ‪ ,‬فإن حجر عليه قبل شغله ولو بعد العقد لم يجز ‪ ,‬فإن خالف وسافر‬
‫ب المال منعه من السّفر بعده ‪.‬‬
‫ضمن ‪ ,‬بخلف ما لو خالف وسافر بعد شغله إذ ليس لر ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن أذن رب المال في السّفر أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالّة على أحد‬
‫المرين تعيّن ذلك ‪ ,‬وثبت ما أمر به وحرم ما نهى عنه ‪ ,‬وليس له السّفر في موضعٍ‬
‫مخوفٍ على الوجهين جميعا ‪ ,‬وكذلك لو أذن له في السّفر مطلقا لم يكن له السّفر في‬
‫طريقٍ مخوفٍ ول إلى بل ٍد مخوفٍ ‪ ,‬فإن فعل فهو ضامن لما يتلف ‪ ,‬لنّه متع ّد بفعل ما ليس‬
‫له فعله ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة في المشهور عندهم وهو وجه عند الحنابلة وقول أبي يوسف ‪ -‬في رواية‬
‫أصحاب الملء عنه ‪ -‬أنّه ليس للعامل أن يسافر بالمال ولو كان السّفر قريبا والطّريق‬
‫ن السّفر مظنّة الخطر ‪.‬‬
‫آمنا ول مؤنة في السّفر بل إذنٍ من المالك ‪ ,‬ل ّ‬
‫وقال الشّبراملسي ‪ :‬محل امتناع السّفر إلى ما يقرب من بلد المضاربة إذا لم يعتد أهل بلد‬
‫ن هذا بحسب عرفهم يعد من‬
‫المضاربة الذّهاب إليه ليبيع ويعلم المالك بذلك ‪ ,‬وإل جاز ‪ ,‬ل ّ‬
‫أسواق البلد ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو ضاربه بمحلّ ل يصلح للقامة ‪ -‬كالمفازة ‪ -‬فالظّاهر كما قال الذرعي‬
‫أنّه يجوز له السّفر بالمال إلى مقصده المعلوم لهما ‪ ,‬ثمّ ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا‬
‫إلى غير محلّ إقامته ‪ ,‬فإن أذن له جاز بحسب الذن ‪ ,‬وإن أطلق الذن سافر لما جرت به‬
‫ن أو خالف فيما أذن له فيه ضمن وأثم ‪ ,‬ولم‬
‫العادة من البلد المأمونة ‪ ,‬فإن سافر بغير إذ ٍ‬
‫تنفسخ المضاربة ولو عاد من السّفر ‪ ,‬ثمّ إن كان المتاع بالبلد الّذي سافر إليه أكثر قيمةً ‪,‬‬
‫أو تساوت القيمتان ‪ ,‬صحّ البيع واستحقّ نصيبه من الرّبح وإن كان متعدّيا بالسّفر ‪,‬‬
‫ن سبب‬
‫ويضمن الثّمن الّذي باع به مال القراض في سفره وإن عاد الثّمن من السّفر ‪ ,‬ل ّ‬
‫الضّمان وهو السّفر ل يزول بالعود ‪ ,‬وإن كان ‪ -‬المتاع هناك ‪ -‬أق ّل من القيمة لم يصحّ‬
‫البيع إل أن يكون النّقص قدرا يتغابن به ‪.‬‬
‫ص له عليه لخطره ‪ ,‬فل يكفي فيه الذن في السّفر ‪,‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ول يسافر في البحر إل إن ن ّ‬
‫نعم إن عيّن له بلدا ول طريق له إل البحر ‪ -‬كساكن الجزائر الّتي يحيط بها البحر ‪ -‬كان‬
‫ص عليه والذن محمول عليه ‪ ,‬قاله الذرعي وغيره ‪ ,‬والمراد‬
‫له أن يسافر فيه وإن لم ين ّ‬
‫بالبحر الملح كما قاله السنوي ‪ ,‬وهل يلحق بالبحر النهار العظيمة كالنّيل والفرات ؟ قال‬
‫الذرعي ‪ :‬لم أر فيه نصا ‪ ,‬وقال الشّربيني الخطيب ‪ :‬الحسن أن يقال ‪ :‬إن زاد خطرها‬
‫ص عليه كما قاله ابن شهبة ‪.‬‬
‫على خطر البرّ لم يجز إل أن ين ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬ما ليس للمضارب عمله إل بالنّصّ عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬ينتظم هذا النّوع التّصرفات الّتي ل تقع من التجّار عادةً ول ينتظمه عقد المضاربة‬ ‫‪34‬‬

‫بإطلقه ‪ ,‬ومن ذلك الستدانة على مال المضاربة بشراء المضارب شيئا بثمن دينٍ ليس في‬
‫يده من جنسه ‪ ,‬فلو استدان المضارب كان دينا عليه في ماله ولم يجز على ربّ المال ‪,‬‬
‫ب المال ‪ ,‬وفيه إثبات زيادة‬
‫ن الستدانة إثبات زيادةٍ في رأس المال من غير رضا ر ّ‬
‫لّ‬
‫ب المال من غير رضاه ‪ ،‬لنّ ثمن المشتري برأس المال في المضاربة‬
‫ضمان على ر ّ‬
‫ب المال ‪ ,‬بدليل أنّ المضارب لو اشترى برأس المال ثمّ هلك المشترى قبل‬
‫مضمون على ر ّ‬
‫ب المال بمثله ‪ ,‬فلو جوّزنا الستدانة على المضاربة‬
‫التّسليم فإنّ المضارب يرجع إلى ر ّ‬
‫للزمناه زيادة ضمانٍ لم يرض به وهذا ل يجوز ‪ ,‬وكذلك ل يجوز الستدانة على إصلح‬
‫مال المضاربة ‪ .‬وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة جاز له الستدانة ‪ ,‬وما‬
‫يستدينه يكون بينهما شركة وجوهٍ ‪ ,‬ول يأخذ المضارب سفتجةً لنّ أخذها استدانة وهو ل‬
‫ن إعطاءها إقراض وهو ل يملكه إل‬
‫ص عليها ‪ ,‬وكذا ل يعطى سفتجةً ل ّ‬
‫يملكها إل بالنّ ّ‬
‫بالنّصّ عليه ‪ .‬وكذلك ليس له أن يشتري بما ل يتغابن به النّاس في مثله وإن قال له ‪:‬‬
‫ن المضاربة توكيل بالشّراء ‪ ,‬والتّوكيل بالشّراء‬
‫اعمل برأيك ‪ ,‬ولو اشترى يصير مخالفا ل ّ‬
‫مطلقا ينصرف إلى المتعارف ‪ ,‬وهو ما يكون بمثل القيمة أو بما يتغابن النّاس في مثله ‪,‬‬
‫ن الشّراء بما ل يتغابن في مثله محاباة ‪ ,‬والمحاباة تبرع ‪ ,‬والتّبرع ل يدخل في عقد‬
‫ول ّ‬
‫المضاربة ‪ ,‬هذا مذهب الحنفيّة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬للعامل أن يشارك بإذن ربّ المال ‪ ,‬أو يخلط المال بماله أو بمال قراضٍ‬
‫ب المال ‪ ,‬وإذا شارك العامل في مال المضاربة غيره بغير‬
‫عنده ‪ ,‬وللعامل البضاع بإذن ر ّ‬
‫ب المال لم يستأمن غيره ‪.‬‬
‫ب المال فإنّه يضمن ‪ ,‬لنّ ر ّ‬
‫إذن ر ّ‬
‫ول يجوز للعامل أن يشتري سلعا للمضاربة بنسيئة وإن أذن له رب المال في ذلك ‪.‬‬
‫قال الصّاوي ‪ :‬إنّما منع ذلك لكل ربّ المال ربح ما لم يضمن ونهي النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم عنه ‪ ,‬ثمّ إنّ المنع مقيّد بما إذا كان العامل غير مديرٍ ‪ ,‬وأمّا المدير فله الشّراء‬
‫للمضاربة بالدّين كما في سماع ابن القاسم ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يتّجر العامل إل فيما أذن فيه رب المال ‪ ,‬فإن أذن له في صنفٍ لم يتّجر‬
‫في غيره لنّ تصرفه بالذن فلم يملك ما لم يأذن له فيه ‪.‬‬
‫ول يشتري العامل للمضاربة بأكثر من رأس المال وربحه إل بإذن المالك ‪ ,‬لنّه لم يرض‬
‫بأن يشغل العامل ذمّته إل بذلك ‪ ,‬فإن فعل لم يقع الزّائد لجهة المضاربة ‪.‬‬
‫ولو ضارب العامل شخصا آخر بإذن المالك ليشاركه في العمل والرّبح لم تجز في الصحّ ‪,‬‬
‫ن المضاربة على خلف القياس ‪ ,‬وموضوعها أن يكون أحد العاقدين مالكا ل عمل له‬
‫لّ‬
‫ل ولو متعدّدا ل ملك له ‪ ,‬فل يعدل إلى أن يعقدها عاملن ‪ ,‬ومحل المنع‬
‫والخر عام ً‬
‫بالنّسبة للثّاني أمّا الوّل فالمضاربة باقية في حقّه ‪ ,‬فإن تصرّف الثّاني فله أجرة المثل‬
‫على المالك ‪ ,‬والرّبح كله للمالك ‪ ,‬ول شيء للعامل الوّل حيث لم يعمل شيئا ‪ ,‬قال‬
‫الشّبراملسي ‪ :‬أمّا لو عمل فالقرب أنّ الرّبح يكون لهما بحسب ما شرطاه ‪ ,‬ومقابل الصحّ‬
‫‪ :‬أنّه يجوز كما يجوز للمالك أن يضارب شخصين في البتداء ‪.‬‬
‫ولو أذن المالك للعامل في أن يضارب غيره لينسلخ من المضاربة ويكون وكيلً فيصح ‪,‬‬
‫ومحله ‪ -‬كما قال ابن الرّفعة ‪ -‬إذا كان المال ممّا يجوز عليه المضاربة لنّه ابتداء‬
‫مضاربةٍ ‪ ,‬فلو وقع بعد تصرفه وصيرورة المال عرضا لم تجز ‪.‬‬
‫ولو ضارب العامل شخصا آخر بغير إذن المالك فسدت المضاربة مطلقا ‪ ,‬سواء أقصد‬
‫ح أم ربحٍ فقط أم قصد النسلخ ‪ ,‬لنتفاء إذن المالك فيها وائتمانه‬
‫المشاركة في عملٍ ورب ٍ‬
‫على المال غيره ‪ ,‬فإن تصرّف العامل الثّاني بغير إذن المالك فتصرف غاصبٍ فيضمن ما‬
‫ن الذن صدر ممّن ليس بمالك ول وكيلٍ ‪ ,‬فإن اشترى للوّل في ال ّذمّة‬
‫تصرّف فيه ‪ ,‬ل ّ‬
‫ونقد الثّمن من مال المضاربة وربح فالرّبح للعامل الوّل في الصحّ لنّ الثّاني تصرّف‬
‫بإذنه فأشبه الوكيل ‪ ,‬وعليه للثّاني أجرته هو من زيادته من غير تمييزٍ لنّه لم يعمل مجّانا‬
‫‪ ,‬وقيل ‪ :‬الرّبح كله للثّاني لنّه لم يتصرّف بإذن المالك فأشبه الغاصب ‪ ,‬واختاره السبكي‬
‫‪ ,‬أمّا لو اشترى في ال ّذمّة لنفسه فيقع لنفسه ‪ ,‬وإن اشترى بعين مال المضاربة فباطل‬
‫شراؤه لنّه فضولي ‪.‬‬
‫وللعامل أن يبيع ويشتري بنسيئة أو بغبن فاحشٍ إذا أذن له رب المال لنّ المنع لحقه وقد‬
‫زال بإذنه ‪ ,‬ومع الجواز ينبغي أن ل يبالغ في الغبن فيبيع ما يساوي مائ ًة بعشرة ‪ ,‬بل‬
‫يبيع بما تدل القرينة على ارتكابه عاد ًة في مثل ذلك ‪ ,‬فإن بالغ لم يصحّ تصرفه ‪ ,‬ويجب‬
‫الشهاد في النّسيئة وإل ضمن ‪ ,‬بخلف الحال ‪ ,‬لعدم جريان العادة بالشهاد في البيع‬
‫الحالّ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يجوز لربّ المال أن ينصّ للمضارب على التّصرف نقدا أو نسيئةً ولم تجز‬
‫مخالفته لنّ المضارب متصرّف بالذن ‪ ,‬فل يتصرّف في غير ما أذن له فيه ‪ ,‬ولنّ ذلك ل‬
‫يمنع مقصود المضاربة ‪ ,‬وقد يطلب بذلك الفائدة في العادة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ليس للعامل أن يشتري بأكثر من رأس المال لنّ الذن ما تناول أكثر منه ‪ ,‬فإن‬
‫كان رأس المال ألفا فاشترى سلعةً بألف ‪ ,‬ثمّ اشترى أخرى باللف عينه فالشّراء فاسد‬
‫لنّه اشتراها بمال يستحق تسليمه في البيع الوّل ‪ ,‬وإن اشتراها في ذمّته صحّ الشّراء‬
‫وهي له ‪ ,‬لنّه اشترى في ذمّته لغيره ما لم يأذن له في شرائه فوقع له ‪.‬‬
‫وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربةً جاز ذلك ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬نصّ عليه أحمد ول‬
‫نعلم فيه خلفا ويكون العامل الوّل وكيلً لربّ المال في ذلك ‪ ,‬فإن دفعه إلى آخر ولم‬
‫يشرط لنفسه شيئا من الرّبح كان صحيحا ‪ ,‬وإن شرط لنفسه شيئا من الرّبح لم يصحّ لنّه‬
‫ليس من جهته مال ول عمل ‪ ,‬والرّبح إنّما يستحق بواحد منهما ‪.‬‬
‫وإذا تعدّى المضارب وفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال لنّه متصرّف في مال غيره‬
‫بغير إذنه ‪ ,‬فلزمه الضّمان كالغاصب ‪ ,‬ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالرّبح لربّ‬
‫ص عليه أحمد ‪ ,‬وعن أحمد ‪ :‬أنّهما يتصدّقان بالرّبح ‪ ,‬قال‬
‫المال ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬ن ّ‬
‫القاضي ‪ :‬قول أحمد يتصدّقان بالرّبح على سبيل الورع وهو لربّ المال في القضاء ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬ما للمضارب عمله إذا قيل له ‪:‬‬
‫اعمل برأيك وإن لم ينصّ عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬إنّ المضارب يجوز له أن يدفع مال المضاربة إلى غيره مضاربةً ‪,‬‬ ‫‪35‬‬

‫ن ‪ ,‬وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه ‪,‬‬


‫وأن يشارك غيره في مال المضاربة شركة عنا ٍ‬
‫وليس له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ‪ :‬اعمل برأيك ‪.‬‬
‫ن المضاربة مثل المضاربة ‪ ,‬والشّيء ل يستتبع مثله ‪ ,‬فل يستفاد‬
‫أمّا المضاربة ‪ :‬فل ّ‬
‫بمطلق عقد المضاربة مثله ‪.‬‬
‫وأمّا الشّركة ‪ :‬فهي أولى أن ل يملكها بمطلق العقد ‪ ,‬لنّها أعم من المضاربة ‪ ,‬والشّيء ل‬
‫يستتبع مثله فما فوقه أولى ‪.‬‬
‫وأمّا الخلط فلنّه يوجب في مال ربّ المال حقا لغيره فل يجوز إل بإذنه ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا قال رب المال للمضارب اعمل برأيك أو تصرّف كيف شئت فله البيع‬
‫بالنّساء ‪ ,‬لنّه داخل في عموم لفظه ‪ ,‬وقرينة حاله تدل على رضائه برأيه في صفات البيع‬
‫وفي أنواع التّجارة وهذا منها ‪ ,‬قال ابن قدامة فإذا قلنا ‪ :‬له البيع نساء فالبيع صحيح‬
‫ومهما فات من الثّمن ل يلزمه ضمانه ‪ ,‬إل أن يفرّط ببيع من ل يوثق به أو من ل يعرفه‬
‫فيلزمه ضمان الثّمن الّذي انكسر على المشتري ‪ ,‬وإن قلنا ‪ :‬ليس له البيع نسا ًء فالبيع‬
‫باطل ‪ ,‬لنّه فعل ما لم يؤذن له فيه فأشبه البيع من الجنبيّ ‪ ,‬إل على الرّواية الّتي تقول ‪:‬‬
‫يقف بيع الجنبيّ على الجازة فهاهنا مثله ‪ ,‬ويحتمل قول الخرقيّ صحّة البيع ‪.‬‬
‫وعلى كلّ حالٍ يلزم العامل الضّمان لنّ ذهاب الثّمن حصل بتفريطه ‪.‬‬
‫وليس له أن يبيع بأق ّل من ثمن المثل ول أن يشتري بأكثر منه ممّا ل يتغابن النّاس بمثله‬
‫‪ ,‬فإن فعل فقد روي عن أحمد أنّ البيع يصح ويضمن النّقص لنّ الضّرر ينجبر بضمان‬
‫النّقص ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬والقياس أنّ البيع باطل لنّه بيع لم يؤذن له فيه فأشبه بيع‬
‫الجنبيّ ‪ ,‬وإن تعذّر رد المبيع ضمن النّقص أيضا ‪ ,‬وإن أمكن رده وجب رده إن كان باقيا‬
‫ب المال مطالبة من شاء من العامل والمشتري ‪.‬‬
‫أو قيمته إن كان تالفا ‪ ,‬ولر ّ‬
‫وبيع المضارب أو شراؤه بغير نقد البلد على روايتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬جوازه إذا رأى المصلحة فيه والرّبح حاصل به ‪ ,‬كما يجوز أن يبيع عرضا‬
‫بعرض ويشتريه به ‪.‬‬
‫والثّانية ‪ :‬ل يجوز ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬فإن قلنا ل يملك ذلك ففعله فحكمه حكم ما لو اشترى‬
‫أو باع بغير ثمن المثل ‪ ,‬وإن قال له ‪ :‬اعمل برأيك فله ذلك ‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬ما ليس للمضارب عمله أصلً ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ليس للعامل شراء الميتة والدّم والخمر والخنزير لنّ المضاربة‬ ‫‪36‬‬

‫تتضمّن الذن بالتّصرف الّذي يحصل به الرّبح ‪ ,‬والرّبح ل يحصل إل بالشّراء والبيع ‪ ,‬فما‬
‫ل يملك بالشّراء ل يحصل فيه الرّبح ‪ ,‬وما يملك بالشّراء لكن ل يقدر على بيعه ل يحصل‬
‫فيه الرّبح أيضا ‪ ,‬فل يدخل تحت الذن ‪ ,‬فإن اشترى شيئا من ذلك كان مشتريا لنفسه ل‬
‫للمضاربة ‪ ,‬فإن دفع فيه شيئا من مال المضاربة يضمن ‪.‬‬
‫الشروط الفاسدة في عقد المضاربة ‪:‬‬
‫حةً أو‬
‫‪ -‬قسّم الحنفيّة و الحنابلة الشروط الفاسدة من حيث أثرها على المضاربة ص ّ‬ ‫‪37‬‬

‫فسادا ‪.‬‬
‫واتّفقوا على أنّ الشّرط الفاسد في المضاربة إذا كان يؤدّي إلى جهالة الرّبح فإنّه يفسد‬
‫عقد المضاربة ‪ ,‬وإن كان ل يؤدّي إلى جهالة الرّبح فإنّه يبطل ‪ ,‬وتصح المضاربة عند‬
‫الحنفيّة ‪ ,‬وفي أظهر الرّوايتين عند الحنابلة ‪.‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬الصل في الشّرط الفاسد إذا دخل هذا العقد أنّه إن كان يؤدّي إلى جهالة‬
‫الرّبح يوجب فساد العقد ‪ ,‬لنّ الرّبح هو المعقود عليه ‪ ,‬وجهالة المعقود عليه توجب فساد‬
‫ن هذا عقد‬
‫العقد ‪ ,‬وإن كان ل يؤدّي إلى جهالة الرّبح يبطل الشّرط وتصح المضاربة ‪ ,‬ل ّ‬
‫تقف صحّته على القبض ‪ ,‬فل يفسده الشّرط الزّائد الّذي ل يرجع إلى المعقود عليه كالهبة‬
‫ن المضاربة وكالة والشّرط الفاسد ل يعمل في الوكالة ‪.‬‬
‫والرّهن ‪ ,‬ول ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬الشروط الفاسدة ثلثة أقسامٍ ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشترط لزوم المضاربة ‪ ,‬أو ل يعزله مدّ ًة بعينها ‪,‬‬
‫أو ل يبيع إل ممّن اشترى منه أو برأس المال أو أقلّ ‪ ,‬فهذه شروط فاسدة لنّها تنافي‬
‫المقصود من المضاربة وهو الرّبح ‪ ,‬أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الصل ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ما يعود إلى جهالة الرّبح مثل أن يشترط للمضارب جزءا من الرّبح مجهولً ‪ ,‬أو‬
‫ربح أحد اللفين أو إحدى السّفرتين ‪ ,‬فهذه شروط فاسدة لنّها تفضي إلى جهل حقّ كلّ‬
‫واحدٍ منهما من الرّبح أو إلى فواته بالكلّيّة ‪ ,‬ومن شرط المضاربة كون الرّبح معلوما ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ل مقتضاه ‪ ,‬مثل أن يشترط على المضارب‬
‫ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو أن يضارب له في مالٍ آخر ‪ ,‬فهذه شروط فاسدة ‪.‬‬
‫ن الفساد لمعنى في‬
‫ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود إلى جهالة الرّبح فسدت المضاربة ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن الجهالة تمنع من التّسليم فتفضي إلى التّنازع‬
‫العوض المعقود عليه فأفسد العقد ‪ ,‬ول ّ‬
‫والختلف ‪ ,‬ول يعلم ما يدفعه إلى المضارب ‪.‬‬
‫ن العقد‬
‫وما عدا ذلك من الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الرّوايتين أ ّ‬
‫صحيح ‪ ,‬لنّه عقد يصح على مجهولٍ فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنّكاح والعتاق والطّلق‬
‫‪ .‬ونقل القاضي وأبو الخطّاب روايةً أخرى أنّها تفسد العقد ‪ ,‬لنّه شرط فاسد فأفسد العقد ‪.‬‬
‫وفيما يلي نذكر بعض المثلة للشروط الفاسدة ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬شرط اشتراك المالك في العمل ‪:‬‬
‫ن شرط‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وابن حامدٍ والقاضي من الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪38‬‬

‫ن المال أمانة فل يتم إل بعد تسليم رأس‬


‫ب المال في عقد المضاربة يفسدها ‪ ,‬ل ّ‬
‫عمل ر ّ‬
‫ن يده‬
‫المال إلى المضارب كالوديعة ‪ ,‬وإذا شرط عمل ربّ المال معه ل يتحقّق التّسليم ‪ ,‬ل ّ‬
‫تبقى على المحلّ ‪ ,‬فيمنع من تمام التّسليم ‪.‬‬
‫ن من أخرج مالً ليعمل فيه هو وآخر والرّبح بينهما صحّ ‪.‬‬
‫والمذهب عند الحنابلة أ ّ‬
‫ب ‪ -‬شرط قد ٍر معيّنٍ من الرّبح ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ اشتراط عدد مقدارٍ من الرّبح للعاقدين أو أحدهما يفسد عقد‬ ‫‪39‬‬

‫المضاربة فإن شرطا أن يكون لحدهما مائة درهمٍ من الرّبح أو أقل أو أكثر والباقي للخر‬
‫ل يجوز والمضاربة فاسدة ‪ ,‬لنّ المضاربة نوع من الشّركة ‪ ,‬وهي الشّركة في الرّبح ‪,‬‬
‫وهذا شرط يوجب قطع الشّركة في الرّبح ‪ ,‬لجواز أن ل يربح المضارب إل هذا القدر‬
‫المذكور فيكون ذلك لحدهما دون الخر ‪ ,‬فل تتحقّق الشّركة ‪ ,‬فل يكون التّصرف مضاربةً‬
‫‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اشتراط ضمان المضارب عند التّلف ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة و المالكيّة على أنّه لو شرط رب المال على العامل ضمان رأس المال‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪40‬‬

‫إذا تلف أو ضاع بل تفريطٍ منه كان العقد فاسدا ‪.‬‬


‫ن العامل أمين فيما في‬
‫وهذا ما يؤخذ من عبارات الشّافعيّة و الحنابلة ‪ ,‬لنّهم صرّحوا بأ ّ‬
‫يده ‪ ,‬فإن تلف المال في يده من غير تفريطٍ لم يضمن ‪ ,‬فاشتراط ضمان المضارب يتنافى‬
‫مع مقتضى العقد ‪.‬‬
‫توقيت المضاربة أو تعليقها ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في توقيت المضاربة أو تعليقها ‪:‬‬ ‫‪41‬‬

‫فذهب الحنفيّة و الحنابلة في المذهب إلى أنّه يصح توقيت المضاربة بزمن معيّنٍ ‪ ,‬فلو قال‬
‫رب المال للمضارب ‪ :‬ضاربتك على هذه الدّراهم أو الدّنانير سنةً جاز ‪ ,‬لنّ المضاربة‬
‫تصرف يتقيّد بنوع من المتاع فجاز تقييده بالوقت ‪ ,‬ولنّ المضاربة توكيل وهو يحتمل‬
‫ت‪.‬‬
‫التّخصيص بوقت دون وق ٍ‬
‫وأضاف الحنابلة ‪ :‬لو قال رب المال للعامل ‪ :‬ضارب بهذا المال شهرا ‪ ,‬ومتى مضى الجل‬
‫فهو قرض صحّ ذلك ‪ ,‬فإن مضى الجل والمال ناض صار قرضا ‪ ,‬وإن مضى وهو متاع‬
‫ب المال فيه غرض‬
‫فعلى العامل تنضيضه ‪ ,‬فإذا باعه ونضّضه صار قرضا لنّه قد يكون لر ّ‬
‫‪ .‬وقالوا ‪ :‬يصح تعليق المضاربة ولو على شرطٍ مستقبلٍ كإذا جاء رأس الشّهر فضارب‬
‫بهذا على كذا ‪ ,‬لنّه إذن في التّصرف ‪ ,‬فجاز تعليقه كالوكالة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة و الشّافعيّة و الحنابلة في إحدى الرّوايتين إلى أنّه ل يجوز توقيت‬
‫المضاربة أو تعليقها ‪ ,‬فلو أجّل العمل فيها ابتدا ًء أو انتهاءً ‪ ,‬كاعمل فيها سن ًة من الن ‪,‬‬
‫أو إذا جاء الوقت الفلني فاعمل فيها ‪ ,‬فسدت المضاربة ‪ ,‬لما في ذلك من التّحجير المنافي‬
‫ن عقد المضاربة يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرطٍ مستقبلٍ ‪,‬‬
‫لسنّة المضاربة ‪ ,‬ول ّ‬
‫ولخلل التّوقيت بمقصود المضاربة وهو الرّبح ‪ ,‬فقد ل يتحقّق الرّبح في المدّة المؤقّتة ‪.‬‬
‫تصرفات ربّ المال ‪:‬‬
‫ب المال أن يعمله وما ليس له أن يعمله منها ‪:‬‬
‫فصّل الفقهاء القول فيما لر ّ‬
‫أ ‪ -‬معاملة المضارب المالك بمال المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في معاملة المضارب المالك بمال المضاربة ‪:‬‬ ‫‪42‬‬

‫ب المال من المضارب‬
‫فقال الحنفيّة و المالكيّة وهو ما نقل عن أحمد ‪ :‬يجوز شراء ر ّ‬
‫ب المال في مال‬
‫ب المال وإن لم يكن في المضاربة ربح ‪ ,‬لنّ لر ّ‬
‫وشراء المضارب من ر ّ‬
‫المضاربة ملك رقبةٍ ل ملك تصرفٍ ‪ ,‬وملكه في حقّ التّصرف كملك الجنبيّ ‪ ,‬وللمضارب‬
‫فيه ملك التّصرف ل الرّقبة ‪ ,‬فكان في حقّ ملك الرّقبة كملك الجنبيّ حتّى ل يملك رب‬
‫المال منعه عن التّصرف ‪ ,‬فكان مال المضاربة في حقّ كلّ واحدٍ منهما كمال الجنبيّ لذلك‬
‫جاز الشّراء بينهما ‪.‬‬
‫وقيّد المالكيّة جواز شراء ربّ المال من العامل شيئا من مال المضاربة بصحّة القصد ‪ ,‬بأن‬
‫ل يتوصّل إلى أخذ شيءٍ من الرّبح قبل المفاصلة بأن يشتري منه كما يشتري من النّاس‬
‫بغير محاباةٍ ‪ ,‬قال الباجي ‪ :‬وسواء اشتراه بنقد أو بأجل ‪ ,‬وقال الدسوقي ‪ :‬ولم يشترط‬
‫ذلك عند العقد وإل منع ‪.‬‬
‫ب المال سلعا لنفسه ل لتجارة المضاربة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬يجوز شراء العامل من ر ّ‬
‫وقال الشّافعيّة وزفر ‪ :‬ل يعامل المضارب المالك بمال المضاربة ‪ ,‬أي ل يبيعه إيّاه ‪ ,‬لنّه‬
‫يؤدّي إلى بيع ماله بماله ‪ ,‬بخلف ما لو اشترى له منه بعين أو دينٍ فل يمتنع لكونه‬
‫متضمّنا فسخ المضاربة ‪ ,‬ولهذا لو اشترى ذلك منه بشرط بقاء المضاربة بطل فيما يظهر‬
‫‪ ,‬قاله الشّمس الرّملي ‪ ,‬ول فرق في منع بيع مال المضاربة للمالك بين أن يظهر في المال‬
‫ربح أو ل ‪.‬‬
‫ب المال بغير مال المضاربة ‪.‬‬
‫ويجوز للمضارب أن يعامل ر ّ‬
‫ولو كان لربّ المال عاملن كل واحدٍ منهما منفرد بمال فالصح المعتمد من الوجهين أنّه ل‬
‫يجوز لحدهما الشّراء من الخر ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ليس للمضارب الشّراء من مال المضاربة إن ظهر في المضاربة ربح لنّه‬
‫ب المال فيه ‪ ,‬وإل بأن لم يظهر ربح صحّ ‪ -‬قال المرداوي على الصّحيح من‬
‫شريك لر ّ‬
‫ب المال‬
‫المذهب ‪ -‬كشراء الوكيل من موكّله ‪ ,‬فيشتري من ربّ المال أو من نفسه بإذن ر ّ‬
‫ب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه ‪ -‬قال المرداوي ‪ :‬هذا هو‬
‫‪ .‬وليس لر ّ‬
‫ن مال المضاربة ملكه ‪ ,‬وكشراء الموكّل من وكيله ‪.‬‬
‫المذهب ‪ -‬ل ّ‬
‫ونقل المرداوي عن الرّعايتين والحاوي الصّغير ‪ :‬ل يشتري المالك من مال المضاربة شيئا‬
‫على الصحّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المرابحة في المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة الصل الفقهي في ذلك ‪ :‬أنّ كلّ ما يوجب زياد ًة في العين حقيقةً أو حكما‬ ‫‪43‬‬

‫فهو بمعنى رأس المال ويضم إليه ‪ ،‬وكل ما ل يوجب زيادةً في العين حقيقةً أو حكما فهو‬
‫ليس بمعنى رأس المال ول يضم إليه ‪ ,‬وإذا وجب الضّم يقول المضارب عند بيعه مرابحةً‬
‫ي بكذا ‪ ,‬تحرزا عن الكذب ‪.‬‬
‫‪ :‬قام عل ّ‬
‫ب المال والمضارب ‪ ,‬بأن يشتري رب المال من‬
‫وقال الكاساني ‪ :‬تجوز المرابحة بين ر ّ‬
‫مضاربه فيبيعه مرابحةً أو يشتري المضارب من ربّ المال فيبيعه مرابحةً ‪ ,‬لكن يبيعه‬
‫على أقلّ الثّمنين ‪ ,‬إل إذا بيّن المر على وجهه فيبيعه كيف شاء ‪ ,‬وإنّما كان كذلك لنّ‬
‫جواز شراء ربّ المال من المضارب والمضارب من ربّ المال ثبت معدولً به عن القياس‬
‫ب المال من ربّ‬
‫ب المال اشترى مال نفسه بمال نفسه ‪ ,‬والمضارب يبيع مال ر ّ‬
‫‪ ,‬لنّ ر ّ‬
‫المال إذ المالن له ‪ ,‬والقياس يأبى ذلك ‪ ,‬إل أنّا استحسنّا الجواز لتعلق حقّ المضارب‬
‫ق غيرهما ‪ ,‬بل جعل في حقّ‬
‫بالمال وهو ملك التّصرف ‪ ,‬فجعل ذلك بيعا في حقّهما ل في ح ّ‬
‫ن المرابحة بيع يجريه البائع من غير بيّنةٍ فتجب صيانته عن‬
‫غيرهما ملحقا بالعدم ‪ ,‬ول ّ‬
‫الجناية وعن شبهة الجناية ما أمكن ‪ ,‬وقد تمكّنت التهمة في البيع بينهما ‪ ,‬لجواز أنّ ربّ‬
‫ن الجود بمال الغير أمر‬
‫المال باعه من المضارب بأكثر من قيمته ورضي به المضارب ‪ ,‬ل ّ‬
‫سهل ‪ ,‬فكانت تهمة الجناية ثابتة ‪ ,‬والتهمة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة ‪ ,‬فل يبيع‬
‫مرابحةً إل على أق ّل الثّمنين إل إذا بيّن المر على وجهه فيبيعه كيف شاء ‪ ,‬لنّ المانع هو‬
‫التهمة وقد زالت ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الشفعة في المضاربة‬ ‫‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ المضارب لو اشترى دارا ورب المال شفيعها بدار أخرى بجنبها‬ ‫‪44‬‬

‫ن المشترى وإن كان له في الحقيقة لكنّه في الحكم كأنّه ليس له ‪,‬‬


‫فله أن يأخذ بالشفعة ‪ ,‬ل ّ‬
‫بدليل أنّه ل يملك انتزاعه من يد المضارب ‪ ,‬ولهذا جاز شراؤه من المضارب ‪.‬‬
‫ولو باع المضارب دارا من المضاربة ورب المال شفيعها فل شفعة له ‪ ,‬سواء كان في‬
‫ن المضارب وكيله‬
‫الدّار المبيعة ربح وقت البيع أو لم يكن ‪ ,‬أمّا إذا لم يكن فيها ربح فل ّ‬
‫بالبيع ‪ ,‬والوكيل ببيع الدّار إذا باع ل يكون للموكّل الخذ بالشفعة ‪ ,‬وإن كان فيها ربح ‪:‬‬
‫ب المال فكذلك هو وكيل بيعها ‪ ,‬وأمّا حصّة المضارب فلنّه لو وجبت فيها‬
‫فأمّا حصّة ر ّ‬
‫الشفعة لتفرّقت الصّفقة على المشتري ‪ ,‬ولنّ الرّبح تابع لرأس المال ‪ ,‬فإذا لم تجب‬
‫الشفعة في المتبوع ل تجب في التّابع ‪.‬‬
‫ولو باع رب المال دارا لنفسه والمضارب شفيعها بدار أخرى من المضاربة ‪ :‬فإن كان في‬
‫يده من مال المضاربة وفاء بثمن الدّار لم تجب الشفعة ‪ ,‬لنّه لو أخذ بالشفعة لوقع لربّ‬
‫المال والشفعة ل تجب لبائع الدّار ‪ ,‬وإن لم يكن في يده وفاء ‪ :‬فإن لم يكن في الدّار ربح‬
‫ب المال ‪ ,‬وإن كان فيها ربح فللمضارب أن يأخذها لنفسه‬
‫فل شفعة ‪ ,‬لنّه أخذها لر ّ‬
‫ن له نصيبا في ذلك فجاز أن يأخذها لنفسه ‪.‬‬
‫بالشفعة ‪ ,‬ل ّ‬
‫ولو أنّ أجنبيا اشترى دارا إلى جانب دار المضاربة ‪ :‬فإن كان في يد المضارب وفاء‬
‫بالثّمن فله أن يأخذها بالشفعة للمضاربة ‪ ,‬وإن سلّم الشفعة بطلت ‪ ,‬وليس لربّ المال أن‬
‫ن الشفعة وجبت للمضاربة وملك التّصرف في المضاربة للمضارب ‪ ,‬فإذا‬
‫يأخذها لنفسه ‪ ,‬ل ّ‬
‫سلّم جاز تسليمه على نفسه وعلى ربّ المال ‪.‬‬
‫وإن لم يكن في يده وفاء ‪ :‬فإن كان في الدّار ربح فالشفعة للمضارب ولربّ المال جميعا ‪,‬‬
‫فإن سلّم أحدهما فللخر أن يأخذها جميعا لنفسه بالشفعة ‪ ,‬وإن لم يكن في الدّار ربح‬
‫صةً ‪ ,‬لنّه ل نصيب للمضارب فيه ‪.‬‬
‫ب المال خا ّ‬
‫فالشفعة لر ّ‬
‫وقال المرداوي من الحنابلة ‪ :‬لو اشترى المضارب شقصا للمضاربة وله فيه شركة فهل له‬
‫الخذ بالشفعة ؟ فيه طريقان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ما قاله المصنّف في المغني والشّارح ‪ :‬إن لم يكن في المال ربح ‪ ,‬أو كان وقلنا‬
‫ل يملكه بالظهور ‪ ,‬فله الخذ بالشفعة منه ‪ ،‬وإن كان فيه ربح وقلنا يملكه بالظهور ‪ ,‬ففيه‬
‫وجهان بناءً على شراء المضارب من مال المضاربة بعد ملكه من الرّبح ‪.‬‬
‫والطّريق الثّاني ‪ :‬ما قاله أبو الخطّاب ومن تابعه ‪ ,‬وفيه وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ل يملك الخذ بالشفعة ‪ ,‬واختاره في رءوس المسائل ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬له الخذ ‪ ,‬وخرّجه من وجوب الزّكاة عليه في حصّته ‪ ,‬فإنّه يصير حينئذٍ شريكا‬
‫يتصرّف لنفسه ولشريكه ‪ ,‬ومع تصرفه لنفسه تزول التهمة ‪ ,‬وعلى هذا فالمسألة مقيّدة‬
‫بحالة ظهور الرّبح ول ب ّد ‪.‬‬
‫د ‪ -‬تعدد المضارب أو ربّ المال ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ لربّ المال أن يضارب أكثر من عاملٍ على حدةٍ ‪ ,‬بأن يسلّم إلى‬ ‫‪45‬‬

‫كلّ منهم مالً يتصرّف فيه وحده دون أن يشرك معه غيره في هذا المال ‪.‬‬
‫واتّفقوا على أنّه يجوز أن يضارب رب المال أكثر من عاملٍ مجتمعين ‪ ,‬بأن يسلّم إليهم‬
‫ما ًل معيّنا يشتركون في تحريكه في البيع والشّراء والتّصرف فيه بما يناسب المضاربة ‪.‬‬
‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز أن يتعدّد في المضاربة الواحدة رب المال ‪ ,‬بأن‬
‫يضارب أكثر من واحدٍ من أرباب المال عاملً واحدا ‪ ,‬وقيّد المالكيّة و الحنابلة ذلك بأن ل‬
‫يكون في ذلك ضرر لربّ المال الّذي سبق في المضاربة ‪.‬‬
‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ نصيب كلّ عاملٍ من الرّبح في حال تعدد العمّال ‪ ,‬يكون‬
‫بحسب الشّرط في العقد ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة في المشهور ‪ :‬إنّ الرّبح يكون بحسب العمل ‪.‬‬
‫وذكر الماورديّ صورةً ثالث ًة ‪ :‬وهي تعدد طرفي عقد المضاربة ‪ ,‬كأن يضارب رجلن‬
‫بمالهما رجلين ‪.‬‬
‫يد المضارب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ يد المضارب على رأس مال المضاربة يد أمانةٍ ‪ ,‬فل يضمن‬ ‫‪46‬‬

‫المضارب إذا تلف المال أو هلك إل بالتّعدّي أو التّفريط كالوكيل ‪.‬‬


‫قال الموصلي ‪ :‬إذا سلّم رأس المال إلى المضارب فهو أمانة لنّه قبضه بإذن المالك ‪ ,‬فإذا‬
‫تصرّف فيه فهو وكيل فيه ‪ ,‬لنّه تصرف في مال الغير بأمره ‪ ,‬فإذا ظهر في المال ربح‬
‫صار شريكا فيه بقدر حصّته من الرّبح ‪ ,‬لنّه ملك الجزء المشروط له من الرّبح بعمله ‪,‬‬
‫وقال الكاساني ‪ :‬فإذا خالف المضارب شرط ربّ المال صار بمنزلة الغاصب ‪ ,‬ويصير المال‬
‫مضمونا عليه ‪ ,‬ويصير الرّبح كله له ‪ ,‬لنّ الرّبح بالضّمان ‪ ,‬لكنّه ل يطيب له في قول أبي‬
‫حنيفة ومحمّدٍ ‪ ,‬ويطيب له في قول أبي يوسف ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬لو اشترط رب المال على العامل أن ل ينزل واديا ‪ ,‬أو ل يمشي بالمال ليلً‬
‫‪ ,‬أو ل ينزل ببحر ‪ ,‬أو ل يبتاع به سلعةً عيّنها له لغرض فيجوز ‪ ,‬وضمن العامل إن‬
‫خالف في شي ٍء من ذلك وتلف المال أو بعضه زمن المخالفة ‪ ,‬وأمّا لو تجرّأ واقتحم النّهي‬
‫وسلّم ‪ ,‬ثمّ حصل تلف بعد ذلك من غير المر الّذي خالف فيه فل ضمان ‪ ,‬وكذا لو خالف‬
‫اضطرارا بأن مشى في الوادي الّذي نهي عنه أو سافر باللّيل أو في البحر اضطرارا لعدم‬
‫المندوحة فل ضمان ولو حصل تلف ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا تعدّى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئا نهي عن شرائه‬
‫فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم ‪ ,‬لنّه متصرّف في مال غيره بغير إذنه فلزمه‬
‫الضّمان كالغاصب ‪.‬‬
‫آثار المضاربة الصّحيحة ‪:‬‬
‫ما يستحقه المضارب في المضاربة الصّحيحة ‪:‬‬
‫يستحق المضارب بعمله في مال المضاربة الصّحيحة شيئين ‪ :‬النّفقة والرّبح المسمّى ‪.‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬نفقة المضارب ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في نفقة المضاربة ‪:‬‬ ‫‪47‬‬

‫قال الكاساني ‪ :‬يستحق المضارب النّفقة بعمله في مال المضاربة على سبيل الوجوب ‪ ,‬لنّ‬
‫الرّبح في المضاربة يحتمل الوجود والعدم ‪ ,‬والعاقل ل يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل‬
‫الوجود والعدم مع تعجيل النّفقة من مال نفسه ‪ ,‬فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة‬
‫لمتنع النّاس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها ‪ ,‬فكان إقدام المضارب وربّ‬
‫ب المال للمضارب بالنفاق من مال‬
‫المال على هذا العقد ‪ -‬والحال ما ذكر ‪ -‬إذنا من ر ّ‬
‫المضاربة ‪ ,‬فكان مأذونا له في النفاق دللةً ‪ ,‬فصار كما لو أذن له به نصا ‪ ,‬ولنّه يسافر‬
‫لجل المال ل على سبيل التّبرع ول ببدل واجبٍ له ل محالة فتكون نفقته في المال ‪.‬‬
‫وشرط الوجوب خروج المضارب بالمال من المصر الّذي أخذ المال منه مضاربةً ‪ ,‬سواء‬
‫ن نفقته في مال نفسه ل في مال‬
‫كان مصره أو لم يكن ‪ ,‬فما دام يعمل به في ذلك المصر فإ ّ‬
‫ن دللة الذن ل تثبت في المصر ‪ ,‬وكذا إقامته‬
‫المضاربة ‪ ,‬وإن أنفق منه شيئا ضمن ‪ ,‬ل ّ‬
‫في الحضر ل تكون لجل المال ‪ ,‬لنّه كان مقيما قبل ذلك ‪ ,‬فل يستحق النّفقة ما لم يخرج‬
‫من ذلك المصر ‪ ,‬سواء كان خروجه بالمال مدّة سفرٍ أو أقلّ من ذلك ‪ ,‬حتّى لو خرج من‬
‫المصر يوما أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة لوجود الخروج من المصر لجل‬
‫المال ‪ ,‬وإذا انتهى إلى المصر الّذي قصده ‪ ,‬فإن كان ذلك مصر نفسه أو كان له في هذا‬
‫المصر أهل سقطت نفقته حين دخل ‪ ,‬لنّه يصير مقيما بدخوله فيه ل لجل المال ‪ ,‬وإن لم‬
‫يكن ذلك مصره ول له فيه أهل ‪ ,‬لكنّه أقام للبيع والشّراء ل تسقط نفقته ما أقام فيه ‪ ,‬وإن‬
‫نوى القامة خمسة عشر يوما فصاعدا ‪ ,‬ما لم يتّخذ ذلك المصر الّذي هو فيه دار إقامةٍ‬
‫لنّه إذا لم يتّخذه دار إقامةٍ كانت إقامته فيه لجل المال ‪ ,‬وإن اتّخذه وطنا كانت إقامته‬
‫ي ‪ ,‬ولو خرج من المصر الّذي دخله للبيع والشّراء‬
‫للوطن ل للمال فصار كالوطن الصل ّ‬
‫بنيّة العود إلى المصر الّذي أخذ المال فيه مضاربةً فإنّ نفقته من مال المضاربة حتّى‬
‫يدخله ‪ ,‬فإذا دخله ‪ :‬فإن كان ذلك مصره أو كان له فيه أهل سقطت نفقته ‪ ,‬وإل فل ‪.‬‬
‫وكل من كان مع المضارب ممّن يعينه على العمل فنفقته من مال المضاربة ‪ ,‬كأجير يخدمه‬
‫ن نفقتهم كنفقة نفسه ‪ ,‬لنّه ل يتهيّأ للسّفر إل بهم ‪.‬‬
‫أو يخدم دابّته ‪ ,‬ل ّ‬
‫وكل ما فيه النّفقة فالنّفقة في مال المضاربة ‪ ,‬وللعامل أن ينفق من مال نفسه ما له أن‬
‫ينفق من مال المضاربة على نفسه ويكون دينا في المضاربة ‪ ,‬حتّى كان له أن يرجع فيها‬
‫ن النفاق من المال وتدبيره إليه ‪ ,‬فكان له أن ينفق من ماله ويرجع به على مال‬
‫‪,‬لّ‬
‫المضاربة ‪ ,‬لكن بشرط بقاء المال ‪ ,‬حتّى لو هلك لم يرجع على ربّ المال بشيء ‪ -‬كذا‬
‫ن نفقة المضارب من مال المضاربة ‪ ,‬فإذا هلك هلك بما فيه ‪ ,‬كالدّين يسقط‬
‫ذكر محمّد ‪ -‬ل ّ‬
‫بهلك الرّهن ‪ ,‬والزّكاة تسقط بهلك النّصاب ‪.‬‬
‫وتحتسب النّفقة من الرّبح أ ّولً إن كان في المال ربح ‪ ,‬فإن لم يكن فهي من رأس المال ‪,‬‬
‫ن النّفقة جزء هالك من المال ‪ ,‬والصل أنّ الهلك ينصرف إلى الرّبح ‪ ,‬ولنّا لو جعلناها‬
‫لّ‬
‫صةً أو في نصيب ربّ المال من الرّبح لزداد نصيب المضارب في الرّبح‬
‫من رأس المال خا ّ‬
‫ب المال ‪.‬‬
‫على نصيب ر ّ‬
‫والمراد من النّفقة هنا ‪ :‬الكسوة والطّعام والدام والشّراب وأجر الجير ‪ ,‬وفراش ينام‬
‫عليه ‪ ,‬وعلف دابّته الّتي يركبها في سفره ويتصرّف عليها في حوائجه ‪ ,‬وغسل ثيابه ‪,‬‬
‫ودهن السّراج والحطب ونحو ذلك ‪ ,‬وقال ‪ :‬ول خلف بين أصحابنا في هذه الجملة ‪ ,‬لنّ‬
‫المضارب ل بدّ له منها ‪ ,‬فكان الذن ثابتا من ربّ المال دللةً ‪ ,‬وأمّا ثمن الدّواء والحجامة‬
‫صةً ‪ ,‬ل في‬
‫والفصد والتّنور والدّهان وما يرجع إلى التّداوي وصلح البدن ففي ماله خا ّ‬
‫مال المضاربة وذكر الكرخي خلف محمّدٍ أنّه في مال المضاربة عنده ‪ ,‬وذكر في الحجامة‬
‫والطّلء بالنورة والخضاب قول الحسن بن زيا ٍد أنّه يكون في مال المضاربة على قياس‬
‫صةً ‪ ,‬لنّ وجوب النّفقة للمضارب في‬
‫قول أبي حنيفة ‪ ,‬والصّحيح أنّه يكون في ماله خا ّ‬
‫المال لدللة الذن الثّابت عادةً ‪ ,‬وهذه الشياء غير معتادةٍ ‪ ,‬وعلى هذا إذا قضى القاضي‬
‫بالنّفقة يقضي بالطّعام والكسوة ول يقضي بهذه الشياء ‪ ,‬وأمّا الفاكهة فالمعتاد منها يجري‬
‫مجرى الطّعام والدام ‪ ,‬وقال بشر ‪ :‬سألت أبا يوسف عن اللّحم فقال ‪ :‬يأكل كما كان يأكل‬
‫لنّه من المأكول المعتاد ‪.‬‬
‫وإذا رجع المضارب إلى مصره فما فضل عنده من الكسوة والطّعام ردّه إلى المضاربة ‪,‬‬
‫ن الذن له بالنّفقة كان لجل السّفر ‪ ,‬فإذا انقطع السّفر لم يبق الذن ‪ ,‬فيجب رد ما بقي‬
‫لّ‬
‫إلى المضاربة ‪.‬‬
‫وقدر النّفقة يكون بالمعروف عند التجّار من غير إسرافٍ ‪ ,‬فإن جاوز ذلك ضمن الفضل ‪,‬‬
‫ن الذن ثابت بالعادة فيعتبر القدر المعتاد ‪.‬‬
‫لّ‬
‫وتكون نفقة العامل في المضاربة الصّحيحة ل الفاسدة ‪ ,‬لنّه أجير في الفاسدة فل نفقة له‬
‫ن نفقة الجير على نفسه ‪.‬‬
‫‪ ,‬إذ إ ّ‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجوز لعامل المضاربة النفاق من مالها على نفسه في زمن سفره للتّجارة‬
‫وإقامته في البلد الّذي يتّجر فيه وفي حال رجوعه حتّى يصل إلى وطنه ‪ ,‬ويقضى له بذلك‬
‫عند المنازعة بشروط ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬أن يسافر فعلً للتّجارة ‪ ,‬أو يشرع في السّفر ‪ ,‬أو يحتاج لما يشرع به فيه لتنمية‬
‫ب وركوبٍ ومسكنٍ وحمّامٍ وحجامةٍ‬
‫المال ‪ -‬ولو دون مسافة القصر ‪ -‬من طعامٍ وشرا ٍ‬
‫وغسل ثوبٍ ونحو ذلك على وجه المعروف حتّى يعود لوطنه ‪.‬‬
‫ومفهوم الشّرط أنّه ل نفقة للعامل في الحضر ‪ ,‬قال اللّخمي ‪ :‬ما لم يشغله عن الوجوه‬
‫ل ينفق منها فعطّلها لجل عمل المضاربة ‪,‬‬
‫الّتي يقتات منها ‪ ,‬أي بأن كانت له صنعة مث ً‬
‫فله النفاق من مالها ‪ ,‬قال أبو الحسن ‪ :‬وهو قيد معتبر ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أن ل يبني بزوجته الّتي تزوّج بها في البلد الّتي سافر إليها لتنمية المال ‪ ,‬فإن‬
‫بنى بها سقطت نفقته لنّه صار كالحاضر ‪ ,‬فإن بنى بها في طريقه الّتي سافر فيها لم‬
‫تسقط ‪ .‬الثّالث ‪ :‬أن يحتمل مال المضاربة النفاق بأن يكون كثيرا عرفا ‪ ,‬فل نفقة في‬
‫اليسير ‪ .‬الرّابع ‪ :‬أن يكون سفره لجل تنمية المال ‪ ,‬أمّا لو كان سفره لزوجة مدخولٍ بها‬
‫وحجّ وغزوٍ فل نفقة له من مال المضاربة ‪ ,‬ل في حال ذهابه ول في حال إقامته في البلد‬
‫الّتي سافر إليها ‪ ,‬وأمّا في حال رجوعه فإن رجع من قربةٍ فل نفقة له ‪ ,‬وإن رجع من‬
‫عند أهلٍ لبلد له بها أهل فله النّفقة ‪ ,‬لنّ سفر القربة والرجوع منه للّه ‪ ,‬ول كذلك‬
‫الرجوع من عند الهل ‪ .‬والنّفقة بالمعروف تكون في مال المضاربة ل في ذمّة ربّ المال ‪,‬‬
‫ولو أنفق من مال نفسه رجع به في مال المضاربة ‪ ,‬فإن تلف فل رجوع له على ربّه ‪,‬‬
‫وكذا لو زادت النّفقة على المال ل رجوع له على ربّه بالزّائد ‪.‬‬
‫ل لن يخدم بالشروط السّابقة ‪.‬‬
‫وللعامل أن يتّخذ خادما من المال في حال سفره إن كان أه ً‬
‫وليس للعامل نفقة الدّواء ‪ ,‬وليس من الدّواء الحجامة والحمّام وحلق الرّأس بل من النّفقة‬
‫‪ .‬وللعامل أن يكتسي من مال المضاربة إن طال سفره حتّى امتهن ما عليه ‪ ,‬ولو كانت‬
‫البلد الّتي أقام بها غير بعيدةٍ ‪ ,‬فالمدار على الطول ببلد التّجر ‪ ,‬والطول بالعرف ‪ ,‬وذلك مع‬
‫الشروط السّابقة ‪.‬‬
‫ويوزّع النفاق إن خرج العامل لحاجة غير الهل والقربة مع خروجه للمضاربة على قدر‬
‫الحاجة والمضاربة ‪ ,‬فإن كان ما ينفقه على نفسه في حاجته مائة وفي المضاربة مائة‬
‫فأنفق مائة كان نصفها عليه ونصفها من مال المضاربة ‪ ,‬وإن كان ما ينفقه على نفسه في‬
‫اشتغاله بالمضاربة مائتين وزّع النفاق على الثلث والثلثين ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل ينفق العامل من مال المضاربة على نفسه حضرا جزما ‪ ,‬وكذا سفرا في‬
‫ن النّفقة قد‬
‫ن له نصيبا في الرّبح فل يستحق شيئا آخر ‪ ,‬ول ّ‬
‫الظهر كما في الحضر ‪ ,‬ل ّ‬
‫تكون قدر الرّبح فيؤدّي إلى انفراده به ‪ ,‬وقد تكون أكثر فيؤدّي إلى أن يأخذ جزءا من‬
‫رأس المال وهو ينافي مقتضاه ‪ ,‬فلو شرط له النّفقة في العقد فسد ‪ ,‬وفي مقابل الظهر‬
‫ف والسّفرة‬
‫أنّه ينفق من مال المضاربة بالمعروف ما يزيد بسبب السّفر كالداوة والخ ّ‬
‫والكراء لنّه حبسه عن الكسب بالسّفر لجل المضاربة ‪ ,‬فأشبه حبس الزّوجة بخلف‬
‫الحضر ‪ ,‬وتحسب النّفقة من الرّبح فإن لم يكن فهي خسران لحق المال ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ليس للمضارب نفقة من مال المضاربة ولو مع السّفر بمال المضاربة ‪,‬‬
‫ق من الرّبح شيئا فل يستحق غيره ‪ ,‬إذ لو استحقّها لفضى إلى‬
‫لنّه دخل على أن يستح ّ‬
‫اختصاصه به حيث لم يربح سوى النّفقة إل بشرط ‪ ,‬قال تقي الدّين ابن تيميّة ‪ :‬أو عادةً‬
‫فإن شرطها رب المال وقدّرها فحسن قطعا للمنازعة ‪ ,‬فإن لم يقدّرها واختلفا فله نفقة مثله‬
‫ن إطلق النّفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة ‪.‬‬
‫عرفا من طعامٍ وكسوةٍ ‪ ,‬ل ّ‬
‫ثانيا ‪ :‬الرّبح المسمّى ‪:‬‬
‫‪ -‬ممّا يستحقه المضارب بعمله في المضاربة الصّحيحة هو الرّبح المسمّى إن كان في‬ ‫‪48‬‬

‫المضاربة ربح ‪ ,‬وهذا ما ل خلف فيه ‪.‬‬


‫وإنّما اختلفوا في الوقت الّذي يملك المضارب فيه حصّته من ربح المضاربة ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة في الظهر و الحنابلة في روايةٍ إلى أنّ المضارب‬
‫يملك حصّته من الرّبح بالقسمة ل بالظهور ‪.‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬يستحق المضارب بعمله في المضاربة الصّحيحة الرّبح المسمّى ‪ -‬إن كان‬
‫فيها ربح ‪ -‬وإنّما يظهر الرّبح بالقسمة ‪ ,‬ويشترط لجواز القسمة قبض المالك رأس المال‬
‫‪ ,‬فل تصح قسمة الرّبح قبل قبض رأس المال ‪ ,‬حتّى لو دفع رجل إلى آخر ألف درهمٍ‬
‫مضاربةً بالنّصف فربح ألفا ‪ ,‬فاقتسما الرّبح ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب‬
‫المال ‪ ,‬فهلكت اللف الّتي في يد المضارب بعد قسمتهما الرّبح ‪ ,‬فإنّ القسمة الولى لم‬
‫ح ‪ ,‬وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله ‪ ,‬وما قبضه المضارب دين‬
‫تص ّ‬
‫عليه يرده إلى ربّ المال حتّى يستوفي رب المال رأس ماله ‪ ,‬ول تصح قسمة الرّبح حتّى‬
‫يستوفي رب المال رأس المال ‪ ,‬والصل في اعتبار ذلك ما روي عن رسول اللّه صلى ال‬
‫عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬مثل المصلّي كمثل التّاجر ل يخلص له ربحه حتّى يخلص له رأس‬
‫ن قسمة‬
‫ماله ‪ ,‬كذلك المصلّي ل تقبل نافلته حتّى يؤدّي الفريضة » ‪ ,‬فدلّ الحديث على أ ّ‬
‫الرّبح قبل قبض رأس المال ل تصح ‪ ,‬ولنّ الرّبح زيادة ‪ ,‬والزّيادة على الشّيء ل تكون‬
‫ن المال إذا بقي في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها ‪ ,‬فلو‬
‫إل بعد سلمة الصل ‪ ,‬ول ّ‬
‫صحّحنا قسمة الرّبح لثبتت قسمة الفرع قبل الصل فهذا ل يجوز ‪ ,‬وإذا لم تصحّ القسمة‬
‫فإذا هلك ما في يد المضارب صار الّذي اقتسماه هو رأس المال ‪ ,‬فوجب على المضارب أن‬
‫يردّ منه تمام رأس المال ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يقسم الرّبح في المضاربة إل بعد كمال رأس المال ‪ ,‬وما بقي بعد تمام‬
‫رأس المال يكون بيد ربّ المال والمضاربة على ما شرطا ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ل يقتسم رب المال والعامل في المضاربة الرّبح حتّى ينضّ رأس المال ‪ ,‬أو‬
‫يتراضيا على قسمه ‪ ,‬لنّه إذا قسم قبل نضوضه أو التّراضي على قسمه قد تهلك السّلع أو‬
‫ب المال بعدم جبر رأس المال‬
‫تتحوّل أسواقها فينقص رأس المال ‪ ,‬فيحصل الضّرر لر ّ‬
‫بالرّبح ‪ ,‬وإن طلب أحدهما نضوضه فالحاكم ينظر في تعجيل ذلك أو تأخيره ‪ ,‬فما كان‬
‫صوابا فعله ‪ ,‬وتجوز قسمة العروض إذا تراضوا عليها وتكون بيعا ‪.‬‬
‫ن العامل في المضاربة يملك حصّته من الرّبح الحاصل بعمله‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬الظهر أ ّ‬
‫بالقسمة للمال ل بظهور الرّبح ‪ ,‬إذ لو ملك بالظهور لكان شريكا حتّى لو هلك منه شيء‬
‫هلك من المالين ‪ ,‬وليس كذلك ‪ ,‬بل الرّبح وقاية لرأس المال ‪ ,‬ومقابل الظهر عندهم ‪ :‬أنّه‬
‫يملك بالظهور قياسا على المساقاة ‪.‬‬
‫ول يستقر ملك العامل في حصّته من الرّبح بالقسمة ‪ ,‬بل إنّما يستقر بتنضيض رأس المال‬
‫وفسخ العقد ‪ ,‬لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض المال ‪ ,‬حتّى لو حصل بعد القسمة‬
‫نقص جبر بالرّبح المقسوم ‪ ,‬أو بتنضيض المال والفسخ بل قسم ٍة لرتفاع العقد والوثوق‬
‫بحصول رأس المال ‪ ,‬أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس‬
‫المال ‪ ,‬وكالخذ الفسخ كما عبّر به ابن المقري وإن طلب أحد العاقدين في المضاربة قسمة‬
‫الرّبح قبل المفاصلة فامتنع الخر لم يجبر ‪ ,‬لنّه إن امتنع رب المال لم يجز إجباره ‪ ,‬لنّه‬
‫يقول ‪ :‬الرّبح وقاية لرأس المال فل أعطيك حتّى تسلّم لي رأس المال ‪ ,‬وإن كان الّذي‬
‫امتنع هو العامل لم يجز إجباره ‪ ,‬لنّه يقول ‪ :‬ل نأمن أن نخسر فنحتاج أن نردّ ما أخذ ‪.‬‬
‫وإن تقاسما ‪ -‬أي قبل المفاصلة ‪ -‬جاز ‪ ,‬لنّ المنع لحقهما وقد رضيا ‪ ,‬فإن حصل بعد‬
‫القسمة خسران لزم العامل أن يجبره بما أخذ ‪ ,‬لنّه ل يستحق الرّبح إل بعد تسليمه رأس‬
‫المال ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا ظهر ربح في المضاربة لم يكن للعامل أخذ شي ٍء منه إل بإذن ربّ‬
‫المال بل نزاعٍ عندهم في ذلك ‪.‬‬
‫ن العامل يملك حصّته من‬
‫والمذهب عند الحنابلة ‪ ,‬وهو قول مقابل للظهر عند الشّافعيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫الرّبح بالظهور قبل القسمة ‪.‬‬
‫وفي رواي ٍة أخرى عند الحنابلة يملك العامل حصّته من الرّبح بالمحاسبة والتّنضيض‬
‫والفسخ قبل القسمة والقبض ‪ ,‬ونصّ عليها واختارها ابن تيميّة وغيره ‪.‬‬
‫وقال المرداوي ‪ :‬ويستقر الملك فيها بالمقاسمة عند القاضي وأصحابه ‪ ,‬ول يستقر بدونها‬
‫‪ ,‬ومن الصحاب ‪ -‬كابن أبي موسى وغيره ‪ -‬من قال ‪ :‬يستقر بالمحاسبة التّامّة ‪ ,‬وبذلك‬
‫جزم أبو بكرٍ ‪ ,‬قال في القواعد ‪ :‬وهو المنصوص صريحا عن أحمد ‪.‬‬
‫الزّيادة الحاصلة من مال المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشّافعيّة ‪ :‬ثمار الشّجر والنّتاج من بهيمةٍ ‪ ,‬وسائر الزّوائد العينيّة الحاصلة من‬ ‫‪49‬‬

‫مال المضاربة يفوز بها المالك في الصحّ ‪ ,‬لنّها ليست من فوائد التّجارة الحاصلة‬
‫بتصرف العامل في مال التّجارة بالبيع والشّراء ‪ ,‬بل هي ناشئة من عين المال من غير‬
‫فع ٍل من العامل ‪ ,‬أمّا لو كانت الزّيادة غير حاصلةٍ من رأس المال ‪ ,‬كما لو اشترى حيوانا‬
‫ن الولد والثّمرة مال مضاربةٍ ‪.‬‬
‫ل أو شجرا عليه ثمر ‪ ,‬فالوجه أ ّ‬
‫حام ً‬
‫وقيل ‪ :‬كل ما يحصل من هذه الفوائد مال مضاربةٍ لحصولها بسبب شراء العامل الصل ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ -‬على الصّحيح كما ذكر المرداوي ‪ -‬من جملة الرّبح ‪ :‬المهر والثّمرة‬
‫والجرة والرش وكذا النّتاج ‪ ,‬وقال في الفروع ‪ :‬ويتوجّه فيه وجه ‪.‬‬
‫جبر تلف مال المضاربة وخسارته ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو تلف بعض مال المضاربة بعد تحريكه‬ ‫‪50‬‬

‫والتّصرف فيه أو خسر فإنّه يجبر بالرّبح إن كان ‪ ,‬أي يكمل من الرّبح ما نقص بالتّلف أو‬
‫الخسر من رأس المال ‪ ,‬ث ّم إن لم يكن ربح أو زاد التّلف أو الخسر على الرّبح فإنّه يكون‬
‫من رأس المال ‪ ،‬ولهم تفصيل ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬ما هلك من مال المضاربة فمن الرّبح لنّه تبع كالعفو في باب الزّكاة ‪ ,‬فإن‬
‫قال الموصل ّ‬
‫زاد فمن رأس المال لنّ المضارب أمين فل ضمان عليه ‪ ,‬فإن اقتسما الرّبح والمضاربة‬
‫بحالها ثمّ هلك رأس المال أو بعضه رجع في الرّبح حتّى يستوفي رأس المال ‪ ,‬لنّ الرّبح‬
‫فضل على رأس المال ‪ ,‬ول يعرف الفضل إل بعد سلمة رأس المال ‪ ,‬فل تصح قسمته‬
‫فينصرف الهلك إليه ‪ ,‬ولو فسخت المضاربة ثمّ اقتسما الرّبح ‪ ,‬ثمّ عقدا المضاربة فهلك‬
‫رأس المال لم يترادّا الرّبح ‪ ,‬لنّ هذه مضاربة جديدة ‪ ,‬والولى قد انتهت فانتهى حكمها ‪,‬‬
‫واشتراط الوضيعة على المضارب باطل ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬النّقص الحاصل برخص في مال القراض هو خسران مجبور بالرّبح ‪ ,‬وكذا‬
‫النّقص بالتّعيب والمرض الحادثين ‪ ,‬وأمّا النّقص العيني وهو تلف بعض المال ‪ ,‬فإن حصل‬
‫بعد التّصرف في المال بيعا وشرا ًء فقطع الجمهور بأنّ الحتراق وغيره من الفات‬
‫السّماويّة خسران يجبر بالرّبح ‪ ,‬وفي التّلف بالسّرقة والغصب إذا تعذّر أخذ البدل من‬
‫المتلف وجهان ‪ ,‬وطرد جماعة الوجهين في الفة السّماويّة ‪ ,‬والصح في الجميع الجبر ‪.‬‬
‫وإن حصل النّقص قبل التّصرف فوجهان ‪:‬‬
‫أحدهما أنّه خسران فيجبر بالرّبح الحاصل بعد ‪ ,‬لنّه بقبض العامل صار مال مضاربةٍ ‪,‬‬
‫ن العقد لم يتأكّد بالعمل ‪.‬‬
‫وأصحهما ‪ :‬يتلف من رأس المال ل من الرّبح ‪ ,‬ل ّ‬
‫هذا إذا تلف بعض مال المضاربة ‪ ,‬أمّا إذا تلف كله بآفة سماو ّي ٍة قبل التّصرف أو بعده‬
‫فترتفع المضاربة ‪ ,‬وكذا لو أتلفه المالك ‪ ,‬لكن لو أتلف أجنبي جميع مال المضاربة أو‬
‫بعضه أخذ منه بدله واستمرّت فيه المضاربة ‪.‬‬
‫وقال البهوتيّ إن تلف رأس المال أو تلف بعضه بعد تصرفه ‪ ,‬أو تعيب رأس المال ‪ ,‬أو‬
‫خسر بسبب مرضٍ ‪ ,‬أو تغير صفةٍ ‪ ,‬أو نزل السّعر بعد تصرف المضارب في رأس المال ‪.‬‬
‫جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ‪ ,‬ناضا أو مع تنضيضه بالمحاسبة ‪ ,‬لنّه‬
‫مضاربة واحدة فل شيء للعامل إل بعد كمال رأس المال ‪.‬‬
‫وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرف العامل فيه انفسخت المضاربة في التّالف ‪ ,‬وكان‬
‫صةً ‪ ,‬لنّه مال هلك على جهةٍ قبل التّصرف ‪ ,‬أشبه التّالف قبل‬
‫رأس المال هو الباقي خا ّ‬
‫القبض ‪ ,‬وفارق ما بعد التّصرف لنّه دار في التّجارة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الرّبح‬
‫ق إل باتّفاقهما على ذلك ‪ ,‬لنّه مع امتناع‬
‫لنّها مضاربة واحدة ‪ ,‬وتحرم قسمته والعقد با ٍ‬
‫ربّ المال وقايةً لرأس ماله لنّه ل يأمن الخسران فيجبره بالرّبح ‪ ,‬ومع امتناع العامل ل‬
‫يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقتٍ ل يقدر عليه ‪ ,‬فل يجبر واحد منهما ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه يجبر خسر مال المضاربة بالرّبح ‪ ,‬هذا في المضاربة الصّحيحة أو‬
‫الفاسدة الّتي فيها قراض المثل ‪ ,‬وأمّا الّتي فيها أجرة المثل فل يتأتّى فيها جبر ‪ ,‬وضابط‬
‫ن كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة المثل ‪ ,‬وأمّا إن‬
‫ذلك أ ّ‬
‫شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل ‪.‬‬
‫ولو دخل المضارب ورب المال على عدم الجبر بالرّبح لم يعمل به والشّرط ملغي ‪ ,‬قال‬
‫الصّاوي ‪ :‬هذا هو ظاهر ما لمالك وابن القاسم ‪ ,‬وحكى بهرام مقابله عن جمعٍ فقالوا ‪:‬‬
‫محل الجبر ما لم يشترطا خلفه وإل عمل بذلك الشّرط ‪ ,‬قال بهرام ‪ :‬واختاره غير واحدٍ ‪,‬‬
‫ن الصل إعمال الشّرط لخبر ‪ « :‬المسلمون على شروطهم » ما لم يعارضه‬
‫وهو القرب ل ّ‬
‫نص ‪ .‬وقالوا ‪ :‬يجبر أيضا بالرّبح ما تلف من مال المضاربة بسماويّ ‪ ,‬وألحق به ما‬
‫أخذه لص أو عشّار ‪ ,‬وإن وقع التّلف قبل العمل بالمال ‪ ,‬ما لم يقبض رب المال من العامل‬
‫مال المضاربة ‪ ,‬فإن قبضه ناقصا عن أصله ثمّ ردّه له فل يجبر بالرّبح لنّه حينئذٍ صار‬
‫مضاربةً مستأنفةً ‪ ,‬والجبر إنّما يكون إذا بقي شيء من أصل المال ‪ ,‬فلو تلف جميعه فأتى‬
‫له ربه ببدله فل جبر للوّل بربح الثّاني ‪.‬‬
‫ما يستحقه رب المال في المضاربة الصّحيحة ‪:‬‬
‫‪ -‬يستحق رب المال في المضاربة الصّحيحة الرّبح المسمّى إذا كان في المال ربح ‪,‬‬ ‫‪51‬‬

‫وإن لم يكن فل شيء له على المضارب ‪.‬‬


‫زكاة مال المضاربة ‪:‬‬
‫ب المال ‪.‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ زكاة رأس مال المضاربة على ر ّ‬ ‫‪52‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪96‬‬ ‫وأمّا زكاة الرّبح فللفقهاء فيها خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬زكاة ف‬
‫آثار المضاربة الفاسدة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يترتّب على فساد المضاربة ‪:‬‬ ‫‪53‬‬

‫أ ‪ -‬أنّ الرّبح ‪ -‬إن حدث ‪ -‬يكون كله لربّ المال ‪ ,‬لنّ الرّبح نماء ماله ‪ ,‬وإنّما يستحق‬
‫المضارب شطرا منه بالشّرط ‪ ,‬ولم يصحّ الشّرط لنّ المضاربة إذا فسدت فسد الشّرط ‪ ,‬فلم‬
‫يستحقّ المضارب من الرّبح شيئا ‪ ,‬وكان كله لربّ المال ‪.‬‬
‫ن عمله إنّما كان في مقابلة‬
‫ب ‪ -‬أنّ المضارب له أجر مثله ‪ -‬خسر المال أو ربح ‪ -‬ل ّ‬
‫ح التّسمية وجب رد عمله عليه ‪ ,‬وذلك متعذّر ‪ ,‬فوجب له أجرة‬
‫المسمّى ‪ ,‬فإذا لم تص ّ‬
‫ن المضاربة الفاسدة في معنى الجارة الفاسدة ‪ ,‬والجير ل يستحق المسمّى في‬
‫المثل ‪ ,‬ول ّ‬
‫الجارة الفاسدة ‪ ,‬وإنّما يستحق أجر المثل ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة ‪ :‬يكون للمضارب أجر مثل عمله مطلقا ‪ ,‬وهو ظاهر الرّواية ‪ ,‬ربح المال أو‬
‫ن المال إذا لم يربح ل أجر‬
‫ل ‪ ,‬بل زيادةٍ على المشروط خلفا لمحمّد ‪ ,‬وعن أبي يوسف أ ّ‬
‫للمضارب ‪ ,‬وقال ابن عابدين ‪ :‬إنّه هو الصّحيح لئل تربو المضاربة الفاسدة على‬
‫الصّحيحة ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬الخلف فيما إذا ربح ‪ ,‬وأمّا إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ ‪,‬‬
‫لنّه ل يمكن تقديره بنصف الرّبح المعدوم ‪ ,‬لكن في الواقعات ‪ :‬ما قاله أبو يوسف‬
‫مخصوص بما إذا ربح ‪ ,‬وما قاله محمّد أنّ له أجر المثل بالغا ما بلغ فيما هو أعم ‪.‬‬
‫والصل عند المالكيّة ‪ :‬أنّ كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة‬
‫المثل ‪ ,‬وأمّا إن شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل ‪.‬‬
‫ن ما يستحقه المضارب يختلف باختلف الحوال ‪ ,‬على ما‬
‫وقالوا ‪ :‬إذا فسدت المضاربة فإ ّ‬
‫يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يستحق المضارب أجرة مثله ومضاربة مثل المال في ربحه إن ربح ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما إذا كان رأس المال عرضا دفعه رب المال وتولّى المضارب بيعه وعمل بثمنه‬
‫ب المال المضارب على‬
‫مضاربةً ‪ ,‬أو كان رأس المال رهنا أو وديعةً ‪ ,‬أو دينا وكّل ر ّ‬
‫تخليصه والعمل بما خلّصه مضاربةً ‪ ,‬أو كان أحد النّقدين دفعه رب المال إلى المضارب‬
‫ليصرفه ثمّ يعمل بما صرفه مضاربةً ‪ ،‬فللمضارب إن عمل أجر مثله في تولّيه بيع العرض‬
‫أو تخليص الرّهن أو الوديعة أو الدّين ‪ ,‬أو في تولّيه الصّرف ‪ ,‬وهذا الجر يكون في ذمّة‬
‫ربّ المال ‪.‬‬
‫وللمضارب في كلّ من هذه الصور مع أجر المثل مضاربةً مثل المال في ربحه ‪ -‬إن ربح‬
‫‪ -‬ل في ذمّة ربّ المال ‪ ,‬حتّى إذا لم يحصل ربح لم يكن له شيء ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يستحق المضارب مضاربة مثل المال ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما إذا انتفى علم نصيب العامل من الرّبح ‪ ,‬أو إذا أبهمت المضاربة ‪ ,‬أو أجّلت‬
‫ابتداءً أو انتهاءً ‪ ,‬أو ضمن العامل ‪ ,‬أو شرط عليه شراء ما يقل وجوده ‪ ,‬فللمضارب في‬
‫كلّ صور ٍة مضاربة المثل في الرّبح إن عمل وربح المال ‪ ,‬وإل فل شيء له في ذمّة ربّ‬
‫المال ‪ .‬ج ‪ -‬يستحق المضارب أجر مثله ‪.‬‬
‫وذلك في غير ما سبق ‪ -‬ونحوه ‪ -‬من المضاربات الفاسدة ‪ ,‬كاشتراط يده ‪ ,‬أو مشاورته‬
‫ن ‪ ,‬أو شخصٍ ‪ ,‬أو مشاركةٍ‬
‫‪ ,‬أو أمينٍ عليه ‪ ,‬أو كخياطة أو فرزٍ ‪ ,‬أو تعيين محلّ ‪ ,‬أو زم ٍ‬
‫‪ ,‬أو خلطٍ ‪.‬‬
‫وفرّق المالكيّة بين ما فيه مضاربة المثل وما فيه أجر المثل من المضاربات الفاسدة من‬
‫وجوهٍ ‪:‬‬
‫ن ما فيه مضاربة المثل ل شيء للمضارب فيه إن لم يحصل ربح ‪ ,‬بخلف أجرة‬
‫أ‪-‬أّ‬
‫المثل فإنّها ل ترتبط بحصول ربحٍ ‪ ,‬بل تثبت في ال ّذمّة ولو لم يحصل ربح ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أنّ ما فيه مضاربة المثل يفسخ قبل العمل ويفوت بالعمل ‪ ,‬وما فيه أجرة المثل يفسخ‬
‫متى اطّلع عليه وله أجرة ما عمل ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أنّ العامل يكون أحقّ من الغرماء إذا كان له مضاربة المثل ‪ ,‬ويكون أسوتهم إذا كان‬
‫له أجر المثل ‪ ،‬على ظاهر المدوّنة والموّازيّة ‪ ,‬ما لم يكن الفساد باشتراط عمل يده ‪ -‬كأن‬
‫ل ‪ -‬فإنّه حينئذٍ يكون أحقّ به من الغرماء لنّه صانع ‪.‬‬
‫يشترط عليه أن يخيط مث ً‬
‫‪ -‬نقل في الفتاوى الهنديّة عن الفصول العماديّة أنّ كلّ ما جاز للمضارب في المضاربة‬ ‫‪54‬‬

‫الصّحيحة من شراءٍ وبيعٍ أو إجار ٍة أو بضاعةٍ أو غير ذلك فهو جائز في المضاربة‬
‫الفاسدة ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬تصرفات العامل في المضاربة الفاسدة نافذة كتصرفاته في‬
‫ب المال له في التّصرف ‪.‬‬
‫الصّحيحة ‪ ,‬لذن ر ّ‬
‫ط ‪ -‬ككونه غير نقدٍ ‪-‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إذا فسدت المضاربة وبقي الذن لنحو فوات شر ٍ‬
‫نفذ تصرف العامل نظرا لبقاء الذن كالوكالة الفاسدة ‪ ,‬هذا إذا قارضه المالك بماله ‪ ,‬أمّا‬
‫إذا قارضه بمال غيره بوكالة أو وليةٍ أو فسد القراض لعدم الهليّة فل ينفذ تصرفه ‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الحنفيّة والحنابلة ‪ :‬ل ضمان على العامل في المضاربة الفاسدة ‪ ,‬لنّ ما ل‬ ‫‪55‬‬

‫ضمان في صحيحه ل ضمان في فاسده ‪.‬‬


‫اختلف ربّ المال والمضارب ‪:‬‬
‫قد يختلف رب المال والمضارب في بعض المسائل منها ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب في العموم والخصوص ‪:‬‬
‫‪ -‬فصّل الحنفيّة اختلف ربّ المال والمضارب في العموم والخصوص فقالوا ‪ :‬إن‬ ‫‪56‬‬

‫اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدّعي العموم ‪ ,‬بأن ادّعى أحدهما المضاربة‬
‫في عموم التّجارات أو في عموم المكنة أو مع عموم الشخاص ‪ ,‬وادّعى الخر نوعا دون‬
‫ع ومكانا دون مكانٍ وشخصا دون شخصٍ ‪ ,‬لنّ قول من يدّعي العموم موافق للمقصود‬
‫نو ٍ‬
‫بالعقد ‪ ,‬وهو الرّبح ‪ ,‬وهذا في العموم أوفر ‪.‬‬
‫ولو اختلفا في الطلق والتّقييد فالقول قول من يدّعي الطلق لنّه أقرب إلى المقصود‬
‫بالعقد وهو الرّبح ‪.‬‬
‫ب المال في الفصلين جميعا ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إنّه قول زفر‬
‫ن القول قول ر ّ‬
‫وقال الحسن بن زيادٍ ‪ :‬إ ّ‬
‫ن الذن يستفاد من ربّ المال فكان القول في ذلك قوله ‪.‬‬
‫‪ ,‬ووجهه أ ّ‬
‫فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة مدّعي العموم في الختلف في العموم والخصوص لنّها‬
‫تثبت زياد ًة ‪ ,‬وبيّنة مدّعي التّقييد عند الختلف في الطلق والتّقييد لنّها تثبت زيادةً فيه‬
‫وبيّنة الطلق ساكتة ‪.‬‬
‫ولو اتّفقا على الخصوص لكنّهما اختلفا في ذلك الخاصّ ‪ ,‬فقال رب المال ‪ :‬دفعت إليك‬
‫مضاربةً في البزّ ‪ ,‬وقال المضارب ‪ :‬في الطّعام ‪.‬‬
‫فالقول قول ربّ المال ‪ -‬باتّفاقهم ‪ -‬لنّه ل يمكن التّرجيح هنا بالمقصود من العقد‬
‫ب المال ‪.‬‬
‫لستوائهما في ذلك فترجّح بالذن وأنّه يستفاد من ر ّ‬
‫ب المال نافية ‪ ,‬لنّه ل‬
‫فإن أقاما بيّنةً ‪ ،‬فالبيّنة بيّنة المضارب لنّ بيّنته مثبتة وبيّنة ر ّ‬
‫يحتاج إلى الثبات والمضارب يحتاج إلى الثبات لدفع الضّمان عن نفسه ‪ ,‬فالبيّنة المثبتة‬
‫للزّيادة أولى ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب في قدر رأس المال ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا اختلف رب المال والعامل في قدر رأس المال المدفوع‬ ‫‪57‬‬

‫للمضاربة فقال رب المال ‪ :‬دفعت ألفين ‪ ,‬وقال العامل ‪ :‬بل دفعت ألفا ‪ ،‬فالقول قول العامل‬
‫ن القول في مقدار المقبوض للقابض أمينا أو ضمينا‬
‫‪ ,‬لنّه مدّعىً عليه وهو أمين ‪ ,‬ول ّ‬
‫ب المال يدّعي‬
‫ن الصل عدم القبض فل يلزمه إل ما أقرّ به ‪ ,‬ولنّ ر ّ‬
‫كما لو أنكره ‪ ,‬ول ّ‬
‫عليه قبض شيءٍ وهو ينكره ‪ ,‬والقول قول المنكر ‪.‬‬
‫ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله ‪ :‬أجمع من نحفظ عنهم من أهل العلم أنّ القول قول‬
‫العامل في قدر رأس المال ‪.‬‬
‫وقيّد الشّافعيّة الحكم السّابق بما إذا لم يكن في المال ربح ‪ ,‬فأمّا إن كان في المال ربح ففي‬
‫المسألة وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما أنّ القول قول العامل ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬أنّهما يتحالفان ‪ ,‬لنّهما اختلفا فيما يستحقّان من‬
‫الرّبح فتحالفا كما لو اختلفا في قدر الرّبح المشروط ‪ ,‬قال الشّيرازي ‪ :‬والصّحيح هو الوّل‬
‫ن الختلف في الرّبح المشروط اختلف في صفة العقد فتحالفا ‪ ,‬كالمتبايعين إذا اختلفا‬
‫لّ‬
‫في قدر الثّمن ‪ ,‬وهذا اختلف فيما قبض ‪ ,‬فكان الظّاهر مع الّذي ينكر ‪ ,‬كالمتبايعين إذا‬
‫اختلفا في قبض الثّمن فإنّ القول قول البائع ‪.‬‬
‫ب المال في مقدار‬
‫وأضاف الحنفيّة أنّه لو كان الختلف مع ذلك في مقدار الرّبح فالقول لر ّ‬
‫الرّبح فقط لنّه يستفاد من جهته ‪ ,‬وأيهما أقام بيّنةً تقبل ‪ ,‬وإن أقاماها فالبيّنة بيّنة ربّ‬
‫المال في دعواه الزّيادة في رأس المال لنّها في ذلك أكثر إثباتا ‪ ,‬وبيّنة المضارب في‬
‫دعواه الزّيادة في الرّبح لنّها في ذلك أكثر إثباتا ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الختلف بين ربّ المال‬
‫والمضارب في أصل المضاربة ‪:‬‬
‫ب المال والمضارب في أصل المضاربة صورا ‪ ,‬منها ‪:‬‬
‫ذكر الفقهاء للختلف بين ر ّ‬
‫أ ‪ -‬اختلفهما في كون رأس المال مضاربةً أو قرضا ‪:‬‬
‫‪ -‬فصّل الفقهاء حكم اختلف ربّ المال والمضارب في كون رأس المال كان مضاربةً أو‬ ‫‪58‬‬

‫قرضا ‪:‬‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو قال رب المال ‪ :‬دفعت إليك المال مضاربةً ‪ ,‬وقال المضارب ‪ :‬أقرضتني‬
‫ب المال لنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر ‪,‬‬
‫المال والرّبح لي ‪ ,‬فالقول قول ر ّ‬
‫فإن أقاما بيّنةً ‪ ,‬فالبيّنة بيّنة المضارب لنّها تثبت التّمليك ‪ ,‬ولنّه ل تنافي بين البيّنتين‬
‫لجواز أن يكون أعطاه مضارب ًة ثمّ أقرضه ‪.‬‬
‫ولو قال المضارب ‪ :‬دفعت إليّ مضاربةً ‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬بل أقرضتك ‪ ,‬فالقول قول‬
‫ن الخذ كان بإذن ربّ المال ‪ ,‬ورب المال يدّعي على‬
‫المضارب لنّهما اتّفقا على أ ّ‬
‫ب المال‬
‫المضارب الضّمان وهو ينكر فكان القول له ‪ ,‬فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة ر ّ‬
‫لنّها تثبت أصل الضّمان ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة ‪ :‬لو قال رب المال ‪ :‬أعطيتك المال مضاربةً ‪ ,‬وقال العامل ‪ :‬بل سلفا ‪،‬‬
‫ب المال هنا م ّدعٍ في الرّبح فل يصدّق ‪.‬‬
‫فالقول قول العامل ‪ ,‬لنّ ر ّ‬
‫ولو أنّ رجلً قال لرجل ‪ :‬لك عندي ألف درهمٍ مضاربةً ‪ ,‬وقال رب المال بل هي عندك‬
‫ب المال ‪.‬‬
‫سلفا ‪ ,‬فالقول قول ر ّ‬
‫ي ‪ -‬لو قال المالك ‪ :‬مضاربةً ‪ ,‬وقال الخر ‪:‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ -‬كما قال الشّهاب الرّمل ّ‬
‫قرضا ‪ ,‬عند بقاء المال وربحه ‪ ,‬فالظّاهر أنّ القول قول مدّعي القرض لمور منها ‪ :‬أنّه‬
‫قادر على جعل الرّبح له بقوله ‪ :‬اشتريت هذا لي فإنّه يكون القول قوله ‪ ,‬ولو انعكس‬
‫قولهما بعد تلف المال في يد العامل صدّق العامل ‪ -‬كما أفتى النصاري والبغويّ وابن‬
‫الصّلح ‪ -‬لنّهما اتّفقا على جواز التّصرف والصل عدم الضّمان ‪ ,‬وإن أقام كل منهما‬
‫بيّن ًة بما ادّعاه فوجهان ‪ :‬أوجههما تقديم بيّنة المالك لنّ معها زيادة علمٍ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬لو دفع إليه ما ل يتّجر به ثمّ اختلفا فقال رب المال ‪ :‬كان مضاربةً على‬
‫النّصف ‪ -‬مثلً ‪ -‬فربحه بيننا ‪ ,‬وقال العامل ‪ :‬كان قرضا فربحه كله لي ‪ ،‬فالقول قول ربّ‬
‫المال ‪ ,‬لنّ الصل بقاء ملكه عليه ‪ ,‬فيحلف رب المال ‪ ,‬ويقسم الرّبح بينهما نصفين ‪ ,‬وإن‬
‫أقام كل واحدٍ منهما بيّنةً بدعواه تعارضت البيّنتان وسقطتا ‪ ,‬وقسم الرّبح بينهما نصفين ‪,‬‬
‫ن الصل بقاء ملك ربّ المال عليه وتبعه الرّبح ‪ ,‬لكن قد‬
‫نصّ عليه في رواية مهنا ‪ ,‬ل ّ‬
‫اعترف بنصف الرّبح للعامل فبقي الباقي على الصل ‪ ,‬والمذهب ‪ :‬تقدّم بيّنة العامل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اختلفهما في كون رأس المال‬
‫مضاربةً أو بضاعةً ‪:‬‬
‫‪ -‬للفقهاء تفصيل في اختلف طرفي المضاربة في كون رأس المال مضارب ًة أو بضاعةً‬ ‫‪59‬‬

‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو قال رب المال ‪ :‬دفعت إليك بضاعةً وقال المضارب ‪ :‬مضاربةً بالنّصف‬
‫فالقول قول ربّ المال ‪ ،‬لنّ المضارب يستفيد الرّبح بشرطه وهو منكر فكان القول قوله‬
‫أنّه لم يشترط ‪ ,‬ولنّ المضارب يدّعي استحقاقا في مال الغير فالقول قول صاحب المال ‪.‬‬
‫ولو قال المضارب ‪ :‬أقرضتني المال والرّبح لي ‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬دفعته إليك بضاعةً‬
‫فالقول قول ربّ المال ‪ ,‬لنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر ‪ ,‬فإن أقاما بيّنةً‬
‫فالبيّنة بيّنة المضارب ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن ادّعى العامل أنّه مضاربة ‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬بل أبضعته معك لتعمل لي‬
‫ب المال بيمينه أنّه ليس بمضاربة ‪ ,‬ويكون للعامل أجر مثله‬
‫ن القول حينئذٍ قول ر ّ‬
‫به ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ما لم يزد على ما ادّعاه فل يزاد ‪ ,‬وإن نكل كان القول قول العامل مع يمينه إذا كان ممّن‬
‫يستعمل مثله في المضاربة ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة إن قال رب المال ‪ :‬كان بضاعةً فربحه لي ‪ ,‬وقال العامل ‪ :‬كان مضاربةً‬
‫ل منهما منكر لما ادّعاه‬
‫فربحه لنا ‪ ،‬حلف كل منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ‪ ،‬لنّ ك ً‬
‫خصمه عليه ‪ ,‬والقول قول المنكر ‪ ,‬وكان للعامل أجرة مثله ‪ ,‬والباقي لربّ المال ‪ ،‬لنّه‬
‫نماء ماله تابع له ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اختلفهما في كون رأس المال‬
‫مضاربةً أو غصبا ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو قال المضارب ‪ :‬دفعته إليّ مضاربةً ‪ ,‬وقد ضاع المال قبل أن أعمل‬ ‫‪60‬‬

‫به ‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬أخذته غصبا ‪ ,‬فل ضمان على المضارب لنّه ما أق ّر بوجود السّبب‬
‫ب المال إليه وذلك غير موجبٍ للضّمان عليه ‪,‬‬
‫الموجب للضّمان عليه وإنّما أق ّر بتسليم ر ّ‬
‫ورب المال يدّعي عليه الغصب الموجب للضّمان وهو ينكر ‪ ,‬فإن كان عمل به ثمّ ضاع‬
‫فهو ضامن للمال ‪ ,‬لنّ عمله في مال الغير سبب موجب للضّمان عليه ما لم يثبت إذن‬
‫صاحبه فيه ولم يثبت ذلك لنكاره ‪ ,‬فأمّا إن أقاما البيّنة ‪ ،‬فالبيّنة بيّنة المضارب في‬
‫ب المال والذن له في العمل ببيّنة ‪.‬‬
‫الوجهين لنّه يثبت تسليم ر ّ‬
‫ولو قال المضارب ‪ :‬أخذت منك هذا المال مضاربةً فضاع قبل أن أعمل به أو بعد ما عملت‬
‫ب المال ‪ ,‬والمضارب ضامن ‪ ,‬لنّه‬
‫‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬أخذته منّي غصبا ‪ ،‬فالقول قول ر ّ‬
‫أقرّ بالخذ وهو سبب موجب للضّمان ‪ ,‬ثمّ ادّعى المسقط وهو إذن صاحبه فل يصدّق في‬
‫ذلك إل بحجّة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا قال العامل ‪ :‬المال بيدي مضاربةً أو وديعةً ‪ ,‬وقال رب المال ‪ :‬بل‬
‫ن القول قول العامل مع يمينه والبيّنة على ربّ المال ‪,‬‬
‫غصبته منّي أو سرقته منّي ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ن الصل عدم الغصب والسّرقة ولو كان مثله يشبه أن يغصب أو يسرق ‪.‬‬
‫لنّه مدّعٍ ‪ ,‬ول ّ‬
‫د ‪ -‬اختلفهما في كون العقد مضاربةً أو وكالةً ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشّافعيّة ‪ :‬إذا اختلف العامل ورب المال في أصل المضاربة فقال العامل ‪:‬‬ ‫‪61‬‬

‫ن الصل عدم مقابلة العمل‬


‫ضاربتني وقال المالك ‪ :‬بل وكّلتك ‪ ،‬صدّق المالك بيمينه ‪ ,‬ل ّ‬
‫بشيء ‪ ,‬فإذا حلف أخذ المال وربحه ول شيء عليه للخر ‪ ,‬فإن أقاما بيّنتين فالظّاهر ‪-‬‬
‫ن معها زيادة عل ٍم ‪.‬‬
‫كما قال النصاري ‪ -‬تقديم بيّنة العامل ل ّ‬
‫ن من كان القول قوله في أصل‬
‫وقال الشّهاب الرّمليّ ‪ :‬صدّق المالك بيمينه ‪ ,‬إذ القاعدة أ ّ‬
‫الشّيء كان القول قوله في صفته ‪ ,‬مع أنّ الصل عدم الئتمان الدّافع للضّمان ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬جحود العامل المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو جحد المضارب المضاربة أصلً ورب المال يدّعي دفع المال إليه‬ ‫‪62‬‬

‫ب المال يدّعي عليه قبض ماله وهو ينكر ‪ ,‬فكان‬


‫مضاربةً فالقول قول المضارب ‪ ,‬لنّ ر ّ‬
‫القول قوله ‪ ,‬ولو جحد ثمّ أقرّ ‪ ،‬فروى ابن سماعة عن أبي يوسف قوله في رجلٍ دفع إلى‬
‫ي شيئا ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬بلى أستغفر اللّه العظيم‬
‫رج ٍل مالً مضاربةً ث ّم طلبه منه فقال ‪ :‬لم تدفع إل ّ‬
‫قد دفعت إليّ ألف درهمٍ مضاربةً ‪ ،‬هو ضامن للمال ‪ ,‬لنّه أمين والمين إذا جحد المانة‬
‫ن عقد المضاربة ليس بعقد لزمٍ ‪ ,‬بل هو عقد جائز محتمل‬
‫ضمن كالمودع ‪ ,‬وهذا ل ّ‬
‫للفسخ ‪ ,‬فكان جحوده فسخا له أو رفعا له ‪ ,‬وإذا ارتفع العقد صار المال مضمونا عليه ‪,‬‬
‫فإن اشترى به مع الجحود كان مشتريا لنفسه لنّه ضامن للمال فل يبقى حكم المضاربة ‪,‬‬
‫ن من حكم المضارب أن يكون المال أمانةً في يده ‪ ,‬فإذا صار ضمينا لم يبق أمينا ‪ ,‬فإن‬
‫لّ‬
‫ن العقد قد ارتفع بالجحود فل يعود إل بسبب جديدٍ ‪.‬‬
‫أقرّ بعد الجحود ل يرتفع الضّمان ‪ ,‬ل ّ‬
‫رابعا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب في‬
‫كون ما اشتري للمضاربة أو للعامل ‪:‬‬
‫ن العامل إن قال ‪ :‬اشتريت هذه السّلعة لنفسي ‪ ,‬وقال‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة و الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪63‬‬

‫رب المال ‪ :‬اشتريتها للمضاربة ‪ ,‬أو قال العامل ‪ :‬اشتريتها للمضاربة ‪ ,‬وقال رب المال ‪:‬‬
‫بل لنفسك ‪ ،‬فالقول قول العامل ‪ ,‬لنّه قد يشتري لنفسه وقد يشتري للمضاربة ول يتميّز‬
‫أحدهما عن الخر إل بالنّيّة فوجب الرجوع إليه ‪ ,‬ولنّ الختلف هنا في نيّة المشتري‬
‫وهو أعلم بما نواه ل يطّلع عليه أحد سواه ‪ ,‬فكان القول قوله فيما نواه ‪.‬‬
‫وفرّق النّووي بين المسألتين فقال ‪ :‬إذا قال العامل ‪ :‬اشتريت هذا للمضاربة ‪ ,‬فقال المالك‬
‫‪ :‬بل لنفسك ‪ ،‬فالقول قول العامل على المشهور ‪ ,‬وفي قولٍ ‪ :‬قول المالك ‪ ,‬لنّ الصل عدم‬
‫وقوعه عن المضاربة ‪ ,‬ولو قال العامل ‪ :‬اشتريته لنفسي ‪ ,‬فقال المالك ‪ :‬بل للمضاربة ‪،‬‬
‫صدّق العامل بيمينه قطعا ‪.‬‬
‫وقال الشّربيني الخطيب ‪ :‬يصدّق العامل في قوله ‪ :‬اشتريت هذا الشّيء للمضاربة وإن كان‬
‫خاسرا ‪ ,‬أو لي وإن كان رابحا ‪ ,‬لنّه مأمون وهو أعرف بقصده ‪ ,‬ولنّه في الثّانية في‬
‫يده ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬محل قبول قوله أنّه اشتراه لنفسه إذا وقع العقد على ال ّذمّة لنّ التّعويل فيه على‬
‫النّيّة ‪ ,‬أمّا إذا ادّعى أنّه اشتراه لنفسه وأقام المالك بيّنةً أنّه اشتراه بعين مال المضاربة‬
‫ففيه وجهان ‪ :‬رجّح ابن المقري منهما أنّه يبطل العقد ‪ ,‬وبه صرّح الماورديّ والشّاشي‬
‫والفارقيّ وغيرهم ‪.‬‬
‫كما نقله عنهم الذرعي وغيره لنّه قد يشتري لنفسه بمال المضاربة عدوانا ‪ ,‬ورجّح‬
‫صاحب النوار أنّه يحكم به للمضاربة ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬قال المام والغزالي والقشيريّ ‪ :‬كل‬
‫شرا ٍء وقع بمال المضاربة ل شكّ في وقوعه لها ول أثر لنيّة العامل ‪ ,‬لذن المالك له في‬
‫الشّراء ‪ .‬ثمّ قال الشّربيني الخطيب ‪ :‬والقول بالبطلن أوجه كما اعتمده الشّهاب الرّمليّ ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة من دفع إلى آخر ألف درهمٍ مضاربةً بالنّصف فاشترى دا ّبةً بألف درهمٍ ولم‬
‫يقل عند الشّراء إنّه اشتراها للمضاربة ‪ ,‬فلمّا قبضها قال ‪ :‬اشتريتها وأنا أنوي أن تكون‬
‫على المضاربة ‪ ,‬وكذّبه رب المال فقال ‪ :‬اشتريتها لنفسك ‪ ,‬هل يصدّق المضارب فيما‬
‫قال ؟ فهذه المسألة ل تخلو من أربعة أوجهٍ ‪:‬‬
‫إمّا أن يكون مال المضاربة والدّابّة قائمين وقت إقرار المضارب ‪ ,‬أو كانا هالكين ‪ ,‬أو‬
‫كانت الدّابّة قائم ًة ومال المضاربة هالكا ‪ ,‬أو كان مال المضاربة قائما والدّابّة هالكةً ‪.‬‬
‫ففي الوجه الوّل ‪ :‬القول قول المضارب مع يمينه ‪ ,‬فإن هلك مال المضاربة في يده قبل‬
‫التّسليم إلى البائع فإنّه يرجع على ربّ المال بثمنه ويسلّمه إلى البائع ‪ ,‬وفي الوجه الثّاني‬
‫‪ :‬ل يصدّق المضارب من غير بيّن ٍة ويضمن المضارب للبائع ألف درهمٍ ‪ ،‬ول يرجع على‬
‫ربّ المال بشيء ‪ ,‬وكذلك الجواب في الوجه الثّالث ‪ ,‬وفي الوجه الرّابع ‪ :‬ذكر أنّ‬
‫ق تسليم ما في يده من رأس مال المضاربة إلى‬
‫ب المال في ح ّ‬
‫المضارب يصدّق على ر ّ‬
‫البائع ‪ ,‬وإذا هلك في يده وأراد أن يرجع على ربّ المال بألف آخر فإنّه ل يكون مصدّقا ‪.‬‬
‫ولو كان المضارب اشترى الدّابّة بألف المضاربة ‪ ,‬ثمّ نقد ثمنها من مال نفسه ‪ ,‬وقال‬
‫اشتريتها لنفسي ‪ ,‬وكذّبه رب المال فالقول قول ربّ المال ‪ ,‬ويأخذ المضارب ألف‬
‫المضاربة قصاصا بما أدّاه ‪ ,‬ولو كان اشترى الدّابّة بألف درهمٍ ‪ ,‬ولم يسمّ مضارب ًة ول‬
‫غيرها ‪ ,‬ثمّ قال اشتريتها لنفسي فالقول قوله ‪.‬‬
‫وإن اتّفقا أنّه لم تحضر للمضارب نيّة وقت الشّراء ‪ ,‬فعلى قول أبي يوسف يحكم النّقد إن‬
‫نقد من مال المضارب كان الشّراء للمضاربة ‪ ,‬وإن نقد من ماله كان الشّراء له ‪ ,‬وعند‬
‫محمّدٍ يكون الشّراء واقعا للمضارب نقد من ماله أو من مال المضارب ‪ ,‬كما في الوكيل‬
‫ص‪.‬‬
‫الخا ّ‬
‫خامسا ‪ :‬اختلفهما في النّهي بعد الذن ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ القول قول المضارب إذا قال رب المال له ‪ :‬كنت نهيتك عن‬ ‫‪64‬‬

‫ب المال دعوى خيانةٍ‬


‫ن قول ر ّ‬
‫ن الصل عدم النّهي ‪ ,‬ول ّ‬
‫شراء هذا ‪ ,‬فقال ‪ :‬لم تنهني ‪ ,‬ل ّ‬
‫على المضارب ‪ ,‬فكان القول قوله ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب‬
‫في صحّة عقد المضاربة أو فساده ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و المالكيّة في المذهب إلى أنّه إذا ادّعى المضارب فساد المضاربة‬ ‫‪65‬‬

‫ب المال ‪ ,‬وإذا ادّعى رب المال فسادها فالقول للمضارب ‪ ,‬بمعنى أنّ القول‬
‫فالقول لر ّ‬
‫ن هذا‬
‫صحّة من ربّ المال والمضارب ‪ ,‬وزاد المالكيّة ‪ :‬ولو غلب الفساد ‪ ,‬ل ّ‬
‫لمدّعي ال ّ‬
‫الباب ليس من البواب الّتي يغلب فيها الفساد ‪ ,‬وهذا هو المعوّل عليه ‪.‬‬
‫واستثنى الحنفيّة من هذا الصل ما إذا قال رب المال ‪ :‬شرطت لك الثلث وزيادة عشرةٍ ‪,‬‬
‫وقال المضارب ‪ :‬الثلث ‪ ,‬فالقول للمضارب ‪.‬‬
‫ويؤخذ من القواعد المقرّرة لدى الشّافعيّة و الحنابلة أنّه عند الختلف في فساد عقد‬
‫صحّة منهما ‪.‬‬
‫المضاربة أو صحّته يكون القول لمدّعي ال ّ‬
‫ويرى المالكيّة في قو ٍل أنّه عند غلبة الفساد يكون القول لمن ادّعى الفساد ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب‬
‫في تلف رأس المال ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اختلف العامل ورب المال في تلف المال ‪ ,‬بأن ادّعاه العامل‬ ‫‪66‬‬

‫وأنكره رب المال ‪.‬‬


‫فالقول قول العامل لنّه أمين والصل عدم الخيانة ‪.‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬يصدّق العامل بيمينه ‪ ,‬هذا إذا لم يذكر سبب التّلف ول يكلّف بيان سببه ‪ ,‬أمّا‬
‫إذا ذكر سبب التّلف وكان السّبب خفيا كالسّرقة صدّق بيمينه ‪ ,‬وإن ادّعاه بسبب ظاهرٍ‬
‫كالحريق والغارة والسّيل فإن لم يعرف ما ادّعاه بتلك البقعة لم يقبل قوله في الهلك به ‪,‬‬
‫ن وإن لم يعرف‬
‫وإن عرف بالمشاهدة أو الستفاضة ‪ ,‬نظر إن عرف عمومه صدّق بل يمي ٍ‬
‫عمومه واحتمل أنّه لم يصب مال المضاربة صدّق باليمين ‪.‬‬
‫وأضاف الدّردير والبهوتي ‪ :‬محل ذلك إذا لم تقم على كذبه أو تشهد بخلف ذلك قرينة أو‬
‫ي ‪ :‬وإن ادّعى الهلك بأمر ظاهرٍ كلّف بيّنةً‬
‫بيّنة إن قبضه بل بيّنةٍ توثّق ‪ ,‬وزاد البهوت ّ‬
‫تشهد به ‪ ,‬ثمّ حلف أنّه تلف به ‪.‬‬
‫وقال الصّاوي ‪ :‬توجه اليمين هو الرّاجح ‪ ,‬وقيل ‪ :‬بغير يمينٍ ‪ ,‬والحلف جارٍ على الخلف‬
‫في أيمان التهمة ‪ ,‬وفيها أقوال ثلثة ‪:‬‬
‫قيل تتوجّه مطلقا وهو المعتمد ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ل مطلقا ‪ ,‬وقيل ‪ :‬تتوجّه إن كان متّهما عند النّاس‬
‫وإل فل ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب في‬
‫الرّبح الحاصل بالمضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف العامل والمالك في الرّبح ‪ ,‬فقال العامل ‪:‬‬ ‫‪67‬‬

‫ما ربحت ‪ ,‬أو ما ربحت إل ألفا ‪ ,‬فقال المالك ‪ :‬ألفين ‪ ,‬فالقول قول العامل ‪ ,‬وصرّح‬
‫الشّافعيّة بأنّ العامل يصدّق بيمينه ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة والحنفيّة ‪ :‬إذا قال المضارب ‪ :‬ربحت ألفا ‪ ,‬وادّعى أنّه غلط فيه ‪ ,‬وأظهر‬
‫ذلك خوفا من نزع المال من يده لم يقبل منه ‪ ,‬لنّ هذا رجوع عن إقراره بمال غيره فلم‬
‫يقبل في حصّة الخر ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب في‬
‫قدر الجزء المشروط من الرّبح ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب المال والمضارب في قدر الجزء‬ ‫‪68‬‬

‫المشروط من الرّبح فادّعى العامل النّصف ‪ -‬مثلً ‪ -‬وقال رب المال ‪ :‬الثلث ‪ ,‬فالقول قول‬
‫ربّ المال لنّه لو أنكر الرّبح رأسا كان القول قوله فكذلك قدره ‪ ,‬فإن أقاما جميعا البيّنة‬
‫فالبيّنة بيّنة المضارب ‪.‬‬
‫وقال زفر ‪ :‬القول قول العامل لنّهما اتّفقا على أنّه يستحق المضاربة ‪ ,‬وظاهر الحال‬
‫التّساوي فكان القول قوله ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬القول للعامل بيمينه في قدر جزء الرّبح إذا تنازعا بعد العمل وأمّا قبل‬
‫ب المال فسخه بشرطين ‪:‬‬
‫العمل فل فائدة لكون القول قول العامل لنّ لر ّ‬
‫الوّل ‪ :‬إن ادّعى شبها ‪ ,‬أي جزءا يشبه أن يكون جزء قراضٍ في العادة كالثلث أو النّصف‬
‫وقد جرت بهما عادة النّاس ‪ ,‬سواء أشبه رب المال أم ل ‪ ,‬وأمّا لو انفرد رب المال بالشّبه‬
‫فيكون القول قوله ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أن يكون المال بيد العامل ولو حكما ‪ ,‬فلو سلّمه لربّه على وجه المفاصلة لم يكن‬
‫القول قول العامل ولو مع وجود شبهه إن َبعُدَ قيامه ‪ ,‬فإن قرب فالقول قوله ‪ ،‬كما قاله أبو‬
‫الحسن ‪.‬‬
‫ب المال بيمينه ‪ -‬سواء كان تنازعهما قبل العمل أو بعده إن ادّعى في‬
‫وقالوا ‪ :‬القول لر ّ‬
‫قدر جزء الرّبح الشّبه ولم يشبّه العامل ‪ ,‬فإن لم يشبّه ربه أيضا فمضاربة المثل ‪ ،‬أي جزء‬
‫مضاربة المثل ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ طرفي عقد المضاربة إن اختلفا في قدر الرّبح المشروط للعامل‬
‫‪ -‬فقال العامل ‪ :‬النّصف ‪ ,‬وقال المالك بل الثلث ‪ -‬تحالفا كالمتبايعين ‪ ,‬فإذا حلفا فسخ‬
‫العقد ‪ ,‬واختصّ الرّبح والخسران بالمالك ‪ ,‬ووجبت عليه للعامل أجرة مثله وإن زادت على‬
‫ن مقتضى التّحالف والفسخ رجوع كلّ من العوضين لصاحبه ‪ ,‬فإن تعذّر فقيمته‬
‫مدّعاه ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ ,‬وقد رجع المال وربحه للمالك وقياسه رجوع العمل للعامل لكنّه تعذّر ‪ ,‬فأوجبنا قيمته‬
‫وهي الجرة ‪.‬‬
‫ن الجرة إن كانت أكثر ممّا ادّعاه العامل فليس له إل ما ادّعاه ‪.‬‬
‫وفي وجهٍ ‪ :‬أ ّ‬
‫عاشرا ‪ :‬اختلف ربّ المال والمضارب‬
‫في ردّ رأس المال ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة في الصحّ وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب‬ ‫‪69‬‬

‫ن القول هو قول‬
‫المال والعامل في ردّ رأس مال المضاربة إلى مالكه أو عدم ردّه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫العامل ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬القول قول العامل أنّه ردّ مال المضاربة إلى ربّه حيث قبضه بغير بيّنةٍ ‪,‬‬
‫وإل فل ب ّد من بيّنةٍ تشهد له بالرّدّ على المشهور ‪ ,‬لنّ القاعدة أنّ كلّ شي ٍء أخذ بإشهاد ل‬
‫يبرأ منه إل بإشهاد ‪ ,‬ول ب ّد أن تكون البيّنة مقصودةً للتّوثق ‪ ,‬ول ب ّد من حلفه على‬
‫دعوى الرّدّ وإن لم يكن منهما اتّفاقا ‪ ،‬أي عندهم ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬هذا فيما إذا ادّعى العامل ردّ رأس المال وربحه ‪ ,‬أو ادّعى ردّ رأس المال وحصّة‬
‫ربّ المال من الرّبح حيث كان فيه ربح ‪ ,‬وأمّا إن ادّعى ردّ رأس المال دون ربحٍ حيث كان‬
‫فيه ربح فقال اللّخمي ‪ :‬يقبل قوله ‪ ,‬وقال القابسي ‪ :‬ل يقبل قوله ‪ ,‬وظاهر المدوّنة عدم‬
‫قبول قولـه ولو أبقى العامل بيده قدر حصّته من الرّبح ‪ ,‬وقال العدويّ ‪ :‬كلم ابن رشدٍ‬
‫يقتضي اعتماد القول الوّل ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة في المذهب وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة أنّه إن ادّعى العامل ر ّد المال‬
‫ن العامل قبض‬
‫ب المال مع يمينه ‪ ,‬نصّ عليه أحمد ‪ ,‬ل ّ‬
‫فأنكر رب المال ‪ ،‬فالقول قول ر ّ‬
‫المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ردّه ‪ ,‬ولنّ ربّ المال منكر والقول قول المنكر ‪ ,‬ولنّ‬
‫المضارب لم يقبض رأس المال إل لنفع نفسه ولم يأخذه لنفع ربّ المال ‪.‬‬
‫انفساخ المضاربة ‪:‬‬
‫المضاربة تنفسخ بأسباب منها ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬موت ربّ المال أو المضارب ‪:‬‬
‫ب المال أو‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تنفسخ بموت ر ّ‬ ‫‪70‬‬

‫ن المضاربة كالوكالة ‪ ,‬أو تشتمل عليها ‪ ,‬والوكالة تبطل بموت الموكّل أو‬
‫المضارب ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن رأس المال إذا كان عند الموت عرضا فإنّ للمضارب البيع‬
‫الوكيل ‪ ,‬غير أنّهم قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫لتنضيضه ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه ‪ :‬إن مات عامل المضاربة قبل نضوض رأس مالها فلوارثه المين‬
‫‪ -‬ل غيره ‪ -‬أن يكمل العمل على حكم مورّثه ‪ ,‬فيبيع ما بقي من سلع المضاربة ويأخذ‬
‫حظّ مورّثه من الرّبح ‪ ,‬ول ينفسخ عقد المضاربة بموت العامل ارتكابا لخفّ الضّررين ‪,‬‬
‫ك أنّ ضرر‬
‫ب المال في إبقائه عندهم ‪ ,‬ول ش ّ‬
‫وهما ‪ :‬ضرر الورثة في الفسخ ‪ ,‬وضرر ر ّ‬
‫الورثة بالفسخ أشد لضياع حقّهم في عمل مورّثهم ‪.‬‬
‫وإن لم يكن وارث العامل أمينا أتى الوارث بأمين ‪ ,‬كالعامل الوّل الّذي مات في المانة‬
‫والثّقة ‪ ,‬يكمل العمل في مال المضاربة ويكون بصيرا بالبيع والشّراء ‪ ,‬بخلف أمانة‬
‫الوارث فل يشترط فيها مساواتها لمانة المورّث ‪ ,‬والفرق أنّه يحتاط في الجنبيّ ما ل‬
‫يحتاط في الوارث ‪ ,‬قال الدسوقي ‪ :‬وبعضهم اكتفى بمطلق المانة في الجنبيّ وإن لم تكن‬
‫مثل المانة في الوّل ‪.‬‬
‫وإن لم يكن الوارث أمينا ولم يأت بأمين كالوّل سلّم الوارث المال لربّه تسليما هدرا ‪ ,‬أي‬
‫بغير أخذ شي ٍء من ربحٍ أو أجر ٍة في نظير عمل من مات ‪ ,‬لنّ المضاربة كالجعالة ل‬
‫يستحق جعلها إل بتمام العمل ‪ ,‬أي فكذلك عامل المضاربة ل يستحق شيئا إل بتمام العمل‬
‫فيها ‪ ,‬والفرض هنا أنّه لم يتمّ ‪.‬‬
‫وفي المدوّنة ‪ -‬بعد مثل ما سبق من التّفصيل للمالكيّة ‪ -‬إن مات رب المال فهؤلء على‬
‫مضاربتهم بحال ما كانوا إن أراد الورثة ذلك ‪ ,‬فإن أراد الورثة أخذ مالهم فليس لهم ذلك‬
‫عند مالكٍ ‪ ,‬ولكن ينظر في السّلع ‪ :‬فإن رأى السلطان وجه بيعٍ باع فأوفى رأس المال ‪,‬‬
‫وما بقي من الرّبح على ما اشترطا ‪ ,‬وإن لم ير السلطان وجه بي ٍع أخّر السّلع حتّى يرى‬
‫وجه بيعٍ ‪.‬‬
‫وفيها ‪ :‬إن مات رب المال والمال في يدي المضارب ولم يعمل به بعد فل ينبغي ‪ -‬في قول‬
‫ب المال حتّى اشترى بالمال‬
‫مالكٍ ‪ -‬أن يعمل به ويؤخذ منه ‪ ,‬فإن لم يعلم العامل بموت ر ّ‬
‫بعد موت ربّه ‪ ,‬فقال مالك ‪ :‬هو على المضاربة حتّى يعلم بموته ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فقدان أهليّة أحدهما أو نقصها ‪:‬‬
‫ب المال أو المضارب من عوارض الهليّة ما يذهبها أو ينقصها ‪ ,‬ممّا‬
‫قد يعرض لهليّة ر ّ‬
‫قد يكون سببا في إنهاء المضاربة ‪ ,‬ومن هذه العوارض ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجنون ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ الجنون المطبق إذا اعترى أحد طرفي عقد المضاربة فإنّه يبطل‬ ‫‪71‬‬

‫العقد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الغماء ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّ الغماء سبب تنفسخ به المضاربة ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬إذا أغمي على‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪72‬‬

‫أحد طرفي عقد المضاربة انفسخ العقد كما ينفسخ بالجنون والموت ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحجر ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة و الحنابلة على أنّ المضاربة تبطل بالحجر يطرأ على أحد العاقدين ‪.‬‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪73‬‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا توسوس أحد العاقدين في المضاربة بحيث ل يحسن التّصرف انفسخت‬
‫المضاربة ‪ ,‬لنّه عقد جائز من الطّرفين فبطل بذلك كالوكالة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬فسخ المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬فسخ المضاربة يكون من العاقدين بإرادتهما ‪ ,‬أو من أحدهما بإرادته المنفردة ‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ويحصل الفسخ بقول ‪ :‬فسخت المضاربة أو رفعتها أو أبطلتها ‪ ,‬أو بقول المالك للعامل ‪ :‬ل‬
‫ب المال رأس مال المضاربة‬
‫تتصرّف بعد هذا ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ,‬وقد يحدث بالفعل كاسترجاع ر ّ‬
‫كلّه ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ب المال‬
‫وعقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللزمة ‪ ,‬والصل فيه أنّه يجوز لكلّ من ر ّ‬
‫والمضارب فسخ العقد بإرادته المنفردة متى شاء ‪ ,‬وعلى هذا اتّفق الفقهاء في الجملة ‪,‬‬
‫غير أنّهم اختلفوا بعد ذلك ‪:‬‬
‫فقال الشّافعيّة و الحنابلة ‪ :‬لكلّ من العاقدين فسخ عقد المضاربة متى شاء دون اشتراط‬
‫علم الخر وكون رأس المال ناضا ‪.‬‬
‫ب المال والمضارب الفسخ بشرط علم صاحبه وكون رأس المال‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬لكلّ من ر ّ‬
‫عينا عند الفسخ ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬حق كلّ منهما في الفسخ مقيّد بكونه قبل شراء السّلع بالمال ‪.‬‬
‫ولهم في ذلك وغيره تفصيل ‪:‬‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬إذا نهى رب المال المضارب عن العمل بماله قبل العمل انحلّ عقد المضاربة‬
‫ويصير المال كالوديعة ‪ ,‬فإذا عمل بعد ذلك فله الرّبح وحده وعليه الخسر ‪ ,‬وليس لربّ‬
‫المال عليه إل رأس المال ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬لو نهى رب المال المضارب عن التّصرف ورأس المال عروض وقت النّهي‬
‫لم يصحّ نهيه ‪ ,‬أي ول ينعزل بهذا النّهي ‪ ,‬وله أن يبيع العروض لنّه يحتاج إلى بيعها‬
‫بالدّراهم والدّنانير ليظهر الرّبح ‪ ,‬فكان النّهي والفسخ إبطالً لحقّه في التّصرف فل يملك‬
‫ذلك ‪ ,‬وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير وقت الفسخ والنّهي صحّ الفسخ والنّهي ‪ ,‬لكن‬
‫له أن يصرف الدّراهم إلى دنانير والدّنانير إلى دراهم استحسانا ‪ -‬أي لتوافق جنس رأس‬
‫المال ‪ -‬لنّ ذلك ل يعد بيعا ‪ -‬أي للعين ‪ -‬لتّحادهما في الثّمنيّة ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬وللعامل بعد الفسخ بيع مال المضاربة إذا توقّع فيه ربحا كأن ظفر بسوق‬
‫أو راغبٍ ‪ ,‬ول يشتري لرتفاع عقد المضاربة مع انتفاء حظّه فيه ‪.‬‬
‫ويلزم العامل استيفاء دين مال المضاربة إذا فسخ أحدهما ‪ ,‬أو فسخا ‪ ,‬أو انفسخ العقد ‪,‬‬
‫ن الدّين ناقص وقد أخذ العامل من المالك ملكا تاما فلير ّد كما أخذ ‪ ,‬سواء أكان في المال‬
‫لّ‬
‫ربح أم ل ‪ ,‬ولو رضي بقبول الحوالة جاز ‪.‬‬
‫ويلزم العامل أيضا تنضيض رأس المال إن كان عند الفسخ عرضا وطلب المالك تنضيضه‬
‫‪ ,‬سواء أكان في المال ربح أم ل ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا انفسخت المضاربة والمال ناض ل ربح فيه أخذه ربه ‪ ,‬وإن كان فيه‬
‫ربح قسماه على ما شرطاه ‪ ,‬وإن انفسخت والمال عرض فاتّفقا على بيعه أو قسمه جاز ‪,‬‬
‫ن الحقّ لهما ل يعدوهما ‪.‬‬
‫لّ‬
‫وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال ‪ -‬وقد ظهر في المال ربح ‪ -‬أجبر رب المال على‬
‫ن حقّ العامل في الرّبح ول يظهر إل بالبيع ‪ ,‬وإن لم يظهر ربح لم يجبر ‪.‬‬
‫البيع ‪ ,‬ل ّ‬
‫وإن انفسخت المضاربة والمال دين لزم العامل تقاضيه ‪ ,‬سواء ظهر في المال ربح أو لم‬
‫يظهر ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تلف رأس مال المضاربة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ المضاربة تنفسخ بتلف مال المضاربة الّذي تسلّمه المضارب‬ ‫‪75‬‬

‫ن المال الّذي تعيّن للمضاربة وتعلّق به عقدها‬


‫ولم يحرّكه بعد للمضاربة بالشّراء ‪ ,‬وذلك ل ّ‬
‫قد هلك وزال ‪.‬‬
‫وهذا إذا تلف المال كله ‪ ,‬أمّا إذا تلف بعض المال في هذه الحالة فإنّ المضاربة تنفسخ‬
‫بقدر ما تلف من رأس المال ويظل باقيه على المضاربة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إذا هلك مال المضاربة كله بعد تحريكه في عمليّات البيع والشّراء للمضاربة ارتفع‬
‫عقد المضاربة وانفسخ ‪ ،‬وذلك في الجملة ‪ ,‬وإذا هلك بعض مال المضاربة بعد العمل فيها‬
‫ارتفعت المضاربة بقدر ما تلف أو هلك ‪ ,‬ويكون رأس مالها ما بقي بعد الهلك ‪.‬‬
‫وذلك عند بعض الفقهاء وفي أحوالٍ ذكروها ‪.‬‬
‫قال الكاساني ‪ :‬تبطل المضاربة بهلك مال المضاربة في يد المضارب قبل أن يشتري به‬
‫شيئا في قول أصحابنا ‪ ,‬لنّه تعيّن لعقد المضاربة بالقبض فيبطل العقد بهلكه كالوديعة ‪,‬‬
‫وكذا لو استهلكه المضارب أو أنفقه أو دفعه إلى غيره فاستهلكه ‪ ,‬فإن أخذ مثله من الّذي‬
‫استهلكه كان له أن يشتري به على المضاربة ‪ .‬كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لنّه أخذ‬
‫عوض رأس المال فكان أخذ عوضه بمنزلة أخذ ثمنه فيكون على المضاربة ‪ ,‬وروى ابن‬
‫رستم عن محمّدٍ أنّه لو أقرضها المضارب رجلً فإن رجع إليه الدّراهم بعينها رجعت على‬
‫المضاربة ‪ ,‬لنّه وإن تعدّى يضمن لكن زال التّعدّي فيزول الضّمان المتعلّق به ‪ ,‬وإن أخذ‬
‫ن الضّمان قد استق ّر بهلك العين ‪ ,‬وحكم المضاربة مع‬
‫مثلها لم يرجع في المضاربة ‪ ,‬ل ّ‬
‫الضّمان ل يجتمعان ‪.‬‬
‫هذا إذا هلك مال المضاربة قبل أن يشتري المضارب شيئا ‪.‬‬
‫فإن هلك بعد الشّراء بأن كان مال المضاربة ألفا فاشترى بها سلع ًة ولم ينقد المضارب‬
‫الثّمن للبائع حتّى هلكت اللف ‪ ,‬فقد قال أصحابنا ‪ :‬السّلعة على المضاربة ويرجع على ربّ‬
‫المال باللف فيسلّمها إلى البائع ‪ ,‬وكذلك إن هلكت الثّانية الّتي قبض يرجع بمثلها على ربّ‬
‫المال ‪ ,‬وكذلك سبيل الثّالثة والرّابعة وما بعد ذلك أبدا حتّى يسلّم إلى البائع ‪ ,‬ويكون ما‬
‫دفعه أ ّولً رب المال وما غرم كله من رأس المال ‪ ,‬لنّ المضارب متصرّف لربّ المال‬
‫فيرجع بما لحقه من الضّمان بتصرفه له كالوكيل ‪ ,‬غير أنّ الفرق بين الوكيل والمضارب ‪:‬‬
‫ن الوكيل إذا هلك الثّمن في يده فرجع بمثله إلى الموكّل ثمّ هلك الثّاني لم يرجع على‬
‫أّ‬
‫الموكّل ‪ ,‬والمضارب يرجع في كلّ مرّ ٍة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن تلف جميع مال المضاربة من يد العامل انفسخ العقد ‪ ,‬وإن تلف بعض‬
‫المال انفسخت فيما تلف وظلّت قائمةً فيما بقي ‪.‬‬
‫ب المال دفع خلف ما تلف إلى العامل ليتّجر به ‪-‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن تلف كل المال أو بعضه فلر ّ‬
‫إن أراد رب المال ذلك ‪ ,‬ول جبر عليه فيه قبل العمل أو بعده ‪ -‬ويلزم العامل قبول الخلف‬
‫ن لكلّ منهما الفسخ قبل‬
‫إن كان بعض المال هو ما تلف وكان تلفه بعد العمل ل قبله ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن العامل‬
‫العمل ‪ .‬أمّا إن تلف جميع مال المضاربة من يد العامل ‪ ,‬وأراد رب المال الخلف فإ ّ‬
‫ل يلزمه قبول الخلف لنفساخ المضاربة وانقطاع المعاملة بينهما ‪.‬‬
‫وحيث كان ل يلزم ربّ المال الخلف واشترى العامل سلعةً للمضاربة فذهب ليأتي لبائعها‬
‫بثمنها فوجد المال قد ضاع وأبى رب المال الخلف لزمت السّلعة العامل ‪ ,‬فإن لم يكن له‬
‫مال بيعت وربحها له وخسرها عليه ‪.‬‬
‫والمشهور عند المالكيّة أنّه ل يجبر التّالف بربح الخلف ‪ ,‬سواء كان التّالف كلّ المال أو‬
‫بعضه كما قال اللّخمي ‪ ,‬ونحوه لبن عرفة عن التونسيّ ‪ ,‬وقال بعضهم ‪ :‬إذا تلف البعض‬
‫وأخلفه ربه فإنّه يجبر تلف الوّل بربح الثّاني ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬لو جنى رب المال أو العامل على بعض مال القراض ‪ ,‬أو أخذ أحدهما منه شيئا‬
‫قرضا فكأجنبيّ ‪ ,‬فيتبع الخذ والجاني بما أخذه أو أتلفه بجنايته ‪ ,‬ول يجبر ذلك بالرّبح لنّ‬
‫الرّبح إنّما يجبر الخسر والتّلف ‪ ,‬وأمّا الجناية والخذ منه قرضا فل يجبران به ‪ ,‬لنّ‬
‫الجاني يتبع بما جنى عليه والخذ قرضا يتبع بما أخذه ‪ ,‬ورأس المال هو الباقي بعد الخذ‬
‫ص ًة ‪ ,‬لنّ رأس المال والرّبح إنّما هو له ‪ ,‬ول يعقل ربح للمأخوذ‬
‫والجناية والرّبح له خا ّ‬
‫ن ربّ المال إن كان هو الجاني فقد رضي بأنّ الباقي بعد الجناية هو‬
‫مع أنّه لم يحرّك ‪ ,‬ول ّ‬
‫رأس المال وفسخ عقد المضاربة فيما أخذه ‪ ,‬وإن كان العامل أتبع به في ذمّته كالجنبيّ‬
‫ول ربح لما في ال ّذمّة ‪ ,‬ول فرق في الجناية أو الخذ بين أن يكونا قبل العمل أو بعده ‪,‬‬
‫قال الدسوقي ‪ :‬أي في كون رأس المال هو الباقي ‪ ,‬ول يجبر ذلك بالرّبح ويتبع الخذ بما‬
‫أخذه والجاني بما جنى عليه ‪ ,‬وهذا هو الصّواب ‪.‬‬
‫ق أو‬
‫وقال الشّافعيّة في الصحّ ‪ :‬لو تلف بعض مال المضاربة بآفة سماو ّي ٍة كحرق وغر ٍ‬
‫بغصب أو سرق ٍة ‪ ,‬وتعذّر أخذه أو أخذ بدله بعد تصرف العامل فيه بالبيع والشّراء فهو‬
‫محسوب من الرّبح لنّه نقص حصل فأشبه نقص العيب والمرض ‪.‬‬
‫وفي مقابل الصحّ ‪ :‬ل يحسب من الرّبح ‪ ,‬لنّه نقص ل تعلق له بتصرف العامل وتجارته‬
‫بخلف الحاصل بالرخص فليس ناشئا من نفس المال ‪ ,‬بخلف المرض والعيب ‪.‬‬
‫وإن تلف بما ذكر قبل تصرفه فيه ببيع أو شراءٍ فيحسب ما تلف من رأس المال ل من‬
‫ن العقد لم يتأكّد بالعمل ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬من الرّبح لنّه بقبض العامل صار‬
‫الرّبح في الصحّ ‪ ,‬ل ّ‬
‫مال مضارب ٍة ‪.‬‬
‫ولو تلف مال المضاربة كله ارتفعت المضاربة ‪ ,‬سواء أتلف بآفة سماو ّي ٍة أم بإتلف المالك‬
‫أم العامل أم أجنبيّ ‪ ,‬لكن يستقر نصيب العامل من الرّبح في حالة إتلف المالك ‪ ,‬وتبقى‬
‫المضاربة في البدل إن أخذه في حالة إتلف الجنبيّ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن تلف بعض رأس مال المضاربة قبل تصرف العامل فيه انفسخت‬
‫صةً ‪ ,‬لنّه مال هلك على جهته قبل‬
‫المضاربة في التّالف ‪ ,‬وكان رأس المال هو الباقي خا ّ‬
‫التّصرف أشبه التّالف قبل القبض ‪ ,‬وفارق ما بعد التّصرف لنّه دار في التّجارة ‪.‬‬
‫وإن تلف المال قبل التّصرف ثمّ اشترى المضارب سلع ًة في ذمّته للمضاربة فهي له وثمنها‬
‫عليه ‪ ,‬سواء علم تلف المال قبل نقد الثّمن أو جهله ‪ ,‬لنّه اشتراها في ذمّته وليست من‬
‫المضاربة لنفساخها بالتّلف فاختصت به ‪ ,‬ولو كانت للمضاربة لكان مستدينا على غيره ‪,‬‬
‫والستدانة على الغير بغير إذنه ل تجوز ‪ ,‬إل أن يجبره رب المال فيكون له ‪.‬‬
‫وإن تلف مال المضاربة بعد الشراء قبل نقد الثمن بأن اشترى للمضاربة سلعة في ذمته ثم‬
‫تلف مال المضاربة قبل إقباضه ‪ ,‬أو تلف مال المضاربة والسلعة ‪ ,‬فالمضاربة باقية بحالها‬
‫‪ ,‬لن الموجب هو التلف ولم يوجد حين الشراء ول قبله ‪ ,‬والثمن على رب المال لن‬
‫حقوق العقد متعلقة به كالموكل ‪ ,‬ويصير رأس المال الثمن دون التالف لفواته ‪ ,‬ولصاحب‬
‫السلعة مطالبة كل منهما بالثمن لبقاء الذن من رب المال ولمباشرة العامل ‪ ,‬فإن غرمه‬
‫رب المال لم يرجع على أحد ‪ ,‬لن حقوق العقد متعلقة به ‪ ,‬ويرجع به العامل إن غرمه‬
‫على رب المال ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬استرداد ربّ المال رأس مال المضاربة ‪:‬‬
‫ب المال رأس مال المضاربة كلّه تنفسخ به‬
‫ن استرداد ر ّ‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪76‬‬

‫المضاربة لعدم وجود المال الّذي تقوم عليه المضاربة ‪ ,‬وأنّ استرداده بعض رأس المال‬
‫تنفسخ به المضاربة فيما استر ّد وتظل قائم ًة فيما سواه ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إن أخذ المالك المال بغير أمر المضارب وباع واشترى بطلت إن كان رأس‬
‫قال الحصكف ّ‬
‫ن النّقض الصّريح لها ل يعمل‬
‫المال نقدا لنّه عامل لنفسه ‪ ,‬وإن صار عرضا ل تبطل ل ّ‬
‫حينئذٍ فهذا أولى ‪ ,‬ثمّ إن باع بعرض بقيت وإن بنقد بطلت ‪ ,‬لنّه عامل لنفسه ‪ ,‬وقال ابن‬
‫عابدين نقلً عن البحر ‪ :‬لو باع رب المال العروض بنقد ثمّ اشترى عروضا كان للمضارب‬
‫حصّته من ربح العروض الولى ل الثّانية لنّه لمّا باع العروض وصار المال نقدا في يده‬
‫كان ذلك نقضا للمضاربة فشراؤه به بعد ذلك يكون لنفسه ‪ ,‬فلو باع العروض بعروض‬
‫ن وربح كان بينهما على ما شرطا ‪.‬‬
‫مثلها أو بمكيل أو موزو ٍ‬
‫وفصّل الشّافعيّة وقالوا ‪ :‬ترتفع المضاربة باسترجاع المالك رأس المال كلّه من المضارب ‪,‬‬
‫ح وخسرانٍ فيه رجع رأس المال إلى الباقي‬
‫ولو استردّ المالك بعض المال قبل ظهور رب ٍ‬
‫بعد المستر ّد ‪ ,‬لنّه لم يترك في يد المضارب غيره فصار كما لو اقتصر في البتداء على‬
‫إعطائه له ‪ ,‬وانفسخت المضاربة فيما استر ّد ‪.‬‬
‫وإن استردّ المالك بعض رأس المال بغير رضا العامل بعد ظهور الرّبح فالمسترد منه شائع‬
‫‪ :‬ربحا ورأس مالٍ على النّسبة الحاصلة من جملة الرّبح ورأس المال ‪ ,‬لنّه غير مميّزٍ ‪,‬‬
‫ويستقر ملك العامل على ما خصّه من الرّبح فل ينفذ تصرف المالك فيه ول يسقط بخسر‬
‫وقع بعده ‪ ,‬مثاله ‪ :‬رأس المال مائة من الدّراهم والرّبح عشرون واستردّ المالك عشرين ‪,‬‬
‫فالرّبح سدس جميع المال وهو مشترك بينهما ‪ ,‬فيكون المسترد وهو العشرون سدسه من‬
‫الرّبح ثلثة دراهم وثلث ‪ ,‬فيستقر للعامل المشروط منه ‪ -‬وهو درهم وثلثان إن شرط‬
‫نصف الرّبح ‪ -‬وباقيه من رأس المال ‪ ,‬فيعود رأس المال إلى ثلث ٍة وثمانين وثلثٍ ‪ ,‬فلو‬
‫عاد ما في يد العامل إلى ثمانين لم تسقط حصّة العامل بل يأخذ منها ‪ -‬أي من الثّمانين ‪-‬‬
‫درهما وثلثي الدّرهم ويرد الباقي ‪ ,‬واستقلل العامل بأخذ حصّته ‪ -‬وهو ما استشكل عليه‬
‫السنوي تبعا لبن الرّفعة ‪ -‬لنّ المالك لمّا تسلّط باسترداد ما علم للعامل فيه جزء مكّن‬
‫العامل من الستقلل بأخذ مثله ليحصل التّكافؤ بينهما ‪.‬‬
‫والحكم كذلك لو استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الرّبح برضا العامل وصرّحا‬
‫بالشاعة أو أطلقا ‪.‬‬
‫وإن كان السترداد في المثال السّابق برضا العامل ‪ ,‬وقصد هو والمالك الخذ من رأس‬
‫ص به ‪ ,‬أو من الرّبح اختصّ به ‪ ,‬وحينئذٍ يملك العامل ممّا في يده قدر حصّته‬
‫المال اخت ّ‬
‫على الشاعة ‪.‬‬
‫قال الشّبراملسي ‪ :‬وينبغي أن يكون له الستقلل بأخذه ممّا في يده ‪ ,‬وإن لم يقصدا شيئا‬
‫حمل على الشاعة ‪ ,‬ونصيب العامل قرض للمالك ل هبة ‪ . .‬كما رجّحه في المطلب ونقله‬
‫السنوي وأقرّه ‪.‬‬
‫وإن استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الخسران ‪ ،‬فالخسران موزّع على المستردّ‬
‫والباقي بعده ‪ ,‬وحينئذٍ فل يلزم جبر حصّة المستر ّد وهو عشرون لو ربح المال بعد ذلك ‪,‬‬
‫مثاله ‪ :‬رأس المال مائة والخسران عشرون ‪ ,‬ثمّ استردّ المالك عشرين ‪ ,‬فربع العشرين‬
‫الّتي هي جميع الخسران حصّة المستر ّد منها خمسة ‪ ,‬فكأنّ المالك استردّ خمسة وعشرين‬
‫‪ ,‬ويعود رأس المال الباقي بعد المستر ّد وبعد حصّته من الخسران إلى خمسةٍ وسبعين ‪,‬‬
‫فلو ربح بعد ذلك شيئا قسّم بينهما على حسب ما شرطاه ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬ردّة ربّ المال أو المضارب ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو ارتدّ رب المال فباع المضارب واشترى بالمال بعد الرّدّة فذلك كله‬ ‫‪77‬‬

‫موقوف في قول أبي حنيفة ‪ :‬إن رجع إلى السلم بعد ذلك نفذ كله والتحقت ردّته بالعدم‬
‫ل ‪ ,‬وكذلك إن لحق بدار الحرب ثمّ عاد مسلما‬
‫في جميع أحكام المضاربة وكأنّه لم يرتدّ أص ً‬
‫قبل أن يحكم بلحاقه بدار الحرب ‪ -‬على الرّواية الّتي تشترط حكم الحاكم بلحاقه للحكم‬
‫بموته وصيرورة أمواله ميراثا لورثته ‪ -‬فإن مات أو قتل على الرّدّة أو لحق بدار الحرب‬
‫وقضى القاضي بلحاقه بطلت المضاربة من يوم ارت ّد ‪ ,‬على أصل أبي حنيفة أنّ ملك المرتدّ‬
‫موقوف إن مات أو قتل أو لحق فحكم باللّحاق يزول ملكه من وقت الرّدّة إلى ورثته ‪,‬‬
‫ويصير كأنّه مات في ذلك الوقت فيبطل تصرف المضارب بأمره لبطلن أهليّة المر ‪,‬‬
‫ويصير كأنّه تصرّف في ملك الورثة ‪ ,‬فإن كان رأس المال يومئذٍ قائما في يده لم يتصرّف‬
‫ب المال عن المال‬
‫فيه ‪ ,‬ثمّ اشترى بعد ذلك فالمشترى وربحه يكون له لنّه زال ملك ر ّ‬
‫فينعزل المضارب عن المضاربة ‪ ,‬فصار متصرّفا في ملك الورثة بغير أمرهم ‪ ,‬وإن كان‬
‫صار رأس المال متاعا فبيع المضارب فيه وشراؤه جائز حتّى ينضّ رأس المال ‪ ,‬لنّه في‬
‫هذه الحالة ل ينعزل بالعزل والنّهي ول بموت ربّ المال فكذلك ردّته ‪ ,‬فإن حصل في يد‬
‫المضارب دنانير ورأس المال دراهم أو العكس فالقياس أن ل يجوز له التّصرف ‪ ,‬لنّ‬
‫الّذي حصل في يده من جنس رأس المال معنىً ‪ ,‬لتّحادهما في الثّمنيّة فيصير كأنّ عين‬
‫المال قائم في يده إل أنّهم استحسنوا فقالوا ‪ :‬إن باعه بجنس رأس المال جاز ‪ ,‬لنّ على‬
‫المضارب أن ير ّد مثل رأس المال فكان له أن يبيع ما في يده كالعروض ‪.‬‬
‫وأمّا على أصل أبي يوسف ومحمّدٍ فالرّدّة ل تقدح في ملك المرتدّ فيجوز تصرف المضارب‬
‫ب المال بنفسه عندهما ‪ ,‬فإن مات رب المال أو قتل‬
‫بعد ردّة ربّ المال كما يجوز تصرف ر ّ‬
‫كان موته كموت المسلم في بطلن عقد المضاربة ‪ ,‬وكذلك إن لحق بدار الحرب وحكم‬
‫ن ذلك بمنزلة الموت بدليل أنّ ماله يصير ميراثا لورثته فبطل أمره في المال ‪.‬‬
‫بلحاقه ‪ ,‬ل ّ‬
‫وإن لم يرت ّد رب المال ولكنّ المضارب ارتدّ ‪ ,‬فالمضاربة على حالها في قولهم جميعا ‪ ,‬لنّ‬
‫ب المال بنفسه لوقوف ملكه ول ملك للمضارب فيما يتصرّف فيه بل الملك‬
‫وقوف تصرف ر ّ‬
‫لربّ المال ولم توجد منه الرّدّة فبقيت المضاربة ‪ ,‬إل أنّه ل عهدة على المضارب وإنّما‬
‫ن العهدة تلزم بسبب المال فتكون‬
‫ب المال ‪ ،‬في قياس قول أبي حنيفة ‪ ،‬ل ّ‬
‫العهدة على ر ّ‬
‫على ربّ المال ‪ ,‬فأمّا على قولهما فالعهدة عليه ‪ ,‬لنّ تصرفه كتصرف المسلم ‪.‬‬
‫ن موته في الرّدّة كموته قبل‬
‫وإن مات المضارب أو قتل على الرّدّة بطلت المضاربة ل ّ‬
‫الرّدّة ‪ ,‬وكذا إذا لحق بدار الحرب وقضي بلحاقه ‪ ,‬لنّ ردّته مع اللّحاق والحكم به بمنزلة‬
‫موته في بطلن تصرفه ‪ ,‬فإن لحق بدار الحرب بعد ردّته فباع واشترى هناك ثمّ رجع‬
‫مسلما فجميع ما اشترى وباع في دار الحرب يكون له ول ضمان عليه في شي ٍء ‪ ,‬لنّه لمّا‬
‫ن ولحق بدار الحرب ‪ :‬أنّه يملكه‬
‫لحق بدار الحرب صار كالحربيّ إذا استولى على مال إنسا ٍ‬
‫فكذا المرتد ‪.‬‬
‫وارتداد المرأة وعدم ارتدادها سواء في قولهم جميعا ‪ ,‬كان المال لها أو كانت هي‬
‫مضاربةً ‪ ,‬لنّ ردّتها ل تؤثّر في ملكها إل أن تموت فتبطل المضاربة كما لو ماتت قبل‬
‫ن ذلك بمنزلة الموت ‪.‬‬
‫الرّدّة أو لحقت بدار الحرب وحكم بلحاقها ل ّ‬

‫مُضَارّة *‬
‫انظر ‪ :‬ضرر ‪.‬‬

‫مَضَامين *‬
‫انظر ‪ :‬بيع منهي عنه ‪ ,‬غرر ‪.‬‬

‫ُمضَبّب *‬
‫انظر ‪ :‬آنية ‪.‬‬

‫طرّ *‬
‫ُمضْ َ‬
‫انظر ‪ :‬ضرورة ‪.‬‬

‫مُضْغَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المضغة في اللغة ‪ :‬القطعة من اللّحم قدر ما يمضغ وجمعها مضغ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن الْ َبعْثِ َفإِنّا خَ َلقْنَاكُم مّن تُرَابٍ ُثمّ مِن‬


‫س إِن كُن ُتمْ فِي رَيْبٍ مّ َ‬
‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫ض َغةٍ ّمخَّل َقةٍ وَغَ ْيرِ ُمخَّل َقةٍ } ‪.‬‬
‫ن عَ َل َقةٍ ُث ّم مِن مّ ْ‬
‫ط َفةٍ ُثمّ مِ ْ‬
‫ّن ْ‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫العلقة ‪:‬‬
‫ي‪.‬‬
‫‪ -‬العلقة في اللغة ‪ :‬قطعة من الدّم الجامد متكوّنة من المن ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬


‫والصّلة أنّ المضغة طور من أطوار الجنين وكذلك العلقة ‪ ,‬فالمضغة مرحلة بعد مرحلة‬
‫العلقة ‪.‬‬
‫ط َفةً فِي َقرَارٍ‬
‫جعَلْنَاهُ ُن ْ‬
‫ن ‪ُ ،‬ثمّ َ‬
‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬وَ َلقَدْ خَ َلقْنَا الِنسَانَ مِن سََُل َل ٍة مّن طِي ٍ‬
‫سوْنَا ا ْل ِعظَامَ‬
‫عظَاما َف َك َ‬
‫ض َغةَ ِ‬
‫ض َغةً َفخَ َلقْنَا ا ْلمُ ْ‬
‫طفَ َة عَ َل َقةً َفخَ َلقْنَا ا ْلعَلَ َقةَ مُ ْ‬
‫ّمكِين ‪ُ ،‬ث ّم خَ َلقْنَا ال ّن ْ‬
‫حسَنُ ا ْلخَا ِلقِينَ } ‪.‬‬
‫َلحْما ُثمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ فَتَبَارَكَ الّل ُه َأ ْ‬
‫النطفة ‪:‬‬
‫ط َفةً مّن‬
‫ك ُن ْ‬
‫‪ -‬النطفة لغةً ‪ :‬ماء الرّجل والمرأة ‪ ,‬وجمعها نطف ‪ ,‬وفي التّنزيل ‪ { :‬أَ َلمْ يَ ُ‬ ‫‪3‬‬

‫ي ُيمْنَى } ‪.‬‬
‫مّنِ ّ‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة أنّ النطفة مرحلة من مراحل الجنين تسبق العلقة والمضغة ‪.‬‬
‫الجنين ‪:‬‬
‫‪ -‬الجنين في اللغة ‪ :‬كل مستو ٍر وأجنته الحامل سترته ‪ ,‬والجنين وصف له ما دام في‬ ‫‪4‬‬

‫بطن أمّه ‪.‬‬


‫والصّلة أنّ الجنين يكون بعد مرحلة المضغة ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمضغة ‪:‬‬
‫حكمها من حيث الطّهارة والنّجاسة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة وهو الصّحيح من المذهب عند الحنابلة‬ ‫‪5‬‬

‫ن المضغة نجس ‪ ,‬لنّها دم والدّم نجس ‪.‬‬


‫إلى أ ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة في الوجه الخر وابن الهمام من الحنفيّة إلى أنّ‬
‫المضغة ليست بنجس بل طاهرة ‪ ,‬لنّ المضغة أصل حيوانٍ طاه ٍر كالمنيّ ‪.‬‬
‫عقوبة الجناية على المضغة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء فيما يجب بالجناية على امرأةٍ حاملٍ إذا ألقت مضغةً ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو ألقت مضغةً ولم يتبيّن شيء من خلقه فشهدت ثقات من القوابل أنّه مبدأ‬
‫ي ولو بقي لتصوّر فل غرّة فيه وتجب فيه حكومة عدلٍ ‪.‬‬
‫خلق آدم ّ‬
‫ح ففيه عشر دية أمّه‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا ألقت المرأة مضغةً بضرب أو تخويفٍ أو شمّ ري ٍ‬
‫أو غرّة ‪ ,‬والتّخيير بين العشر والغرّة للجاني ل لمستحقّها ‪ ,‬وهذا الواجب على التّخيير إنّما‬
‫هو في جنين الحرّة ‪ ,‬أما جنين المة فيتعيّن فيه النّقد ‪.‬‬
‫ي فشهد‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إن ضرب بطن امرأةٍ فألقت مضغةً لم تظهر فيها صورة الدم ّ‬
‫أربع نسوةٍ أنّ فيها صورة الدميّ وجبت فيها الغرّة لنّهنّ يدركن من ذلك ما ل يدرك‬
‫ن ‪ .‬قال النّووي ‪ :‬ويكفي الظهور في طرفٍ ول يشترط في كلّ الطراف ‪ ,‬ولو لم‬
‫غيره ّ‬
‫يظهر شيء من ذلك فشهد القوابل أنّ فيه صور ًة خف ّيةً يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت‬
‫الغرّة أيضا ‪ ,‬وإن قلن ‪ :‬ليس فيه صورة خفيّة لكنّه أصل آدمي ولو بقي لتصوّر لم تجب‬
‫الغرّة على المذهب ‪ ,‬وإن شككن هل هو أصل آدمي لم تجب قطعا ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬وإن ألقت مضغةً فشهد ثقات من القوابل أنّ فيه صور ًة خف ّيةً ففيه غرّة ‪,‬‬
‫ي لو بقي تصوّر ففيه وجهان ‪:‬‬
‫وإن شهدت أنّه مبتدأ خلق آدم ّ‬
‫أصحهما ل شيء فيه لنّه لم يتصوّر فلم يجب فيه كالعلقة ‪ ,‬ولنّ الصل براءة ال ّذمّة فل‬
‫تشغلها بالشّكّ ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬فيه غرّة لنّه مبتدأ خلق آدميّ أشبه ما لو تصوّر ‪.‬‬
‫أثر إسقاط المضغة في انقضاء العدّة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في انقضاء العدّة بإسقاط المرأة الحامل مضغةً ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫فذهب الجمهور إلى أنّه تنقضي العدّة بإسقاط مضغةٍ فيها شيء من خلق الدميّ ولو‬
‫صور ًة خف ّيةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل ‪.‬‬
‫ن إسقاط العلقة فما فوقها من المضغة أو غيرها تنقضي به العدّة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬عدّة ف‬
‫أثر إسقاط المضغة في وقوع الطّلق المعلّق وفي النّفاس ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬المضغة الّتي ليست فيها صورة آدميّ ل يقع‬ ‫‪8‬‬

‫الطّلق المعلّق بها لنّه لم يثبت أنّه ولد بالمشاهدة ول بالبيّنة ‪ ,‬فإن كانت فيها صورة‬
‫ي ولو خف ّيةً وشهدت الثّقات بها من القوابل بأنّها لو بقيت لتصوّر‬
‫آدميّ أو بها صورة آدم ّ‬
‫ولتخلّق فإنّها يقع الطّلق المعلّق على الولدة ‪ ,‬ويعد المالكيّة المضغة حملً فيقع فيها‬
‫الطّلق المعلّق ‪ .‬وأمّا أثرها في النّفاس فقال الحنفيّة والحنابلة إذا أسقطت المرأة مضغةً لم‬
‫ن المرأة ل تصير به نفساء ‪.‬‬
‫يظهر شيء من خلقه فإ ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة وهو المعتمد عند المالكيّة إلى اعتبارها نفساء ولو بإلقاء مضغةٍ هي أصل‬
‫آدميّ أو بإلقاء علقةٍ ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬إجهاض ف‬

‫مَضْغُوط *‬
‫انظر ‪ :‬إكراه ‪.‬‬

‫ضمَضة *‬
‫مَ ْ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المضمضة في اللغة ‪ :‬التّحريك ‪ ,‬ومنه ‪ :‬مضمض النعاس في عينيه إذا تحرّكتا‬ ‫‪1‬‬

‫بالنعاس ‪ ,‬ثمّ اشتهر باستعمالها في وضع الماء في الفم وتحريكه ‪.‬‬


‫قال الفيوميّ ‪ :‬هي تحريك الماء في الفم ‪ ,‬يقال ‪ :‬مضمضت الماء في فمي ‪ :‬إذا حرّكته‬
‫بالدارة فيه ‪ ,‬وتمضمضت في وضوئي ‪ :‬إذا حرّكت الماء في فمي ‪.‬‬
‫واصطلحا قال الدّردير والنّووي ‪ :‬أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثمّ يمجه ‪ ,‬أي‬
‫يطرحه ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين ‪ :‬استيعاب الماء جميع الفم ثمّ مجه ‪.‬‬
‫وعرّفها ابن قدامة بأنّها ‪ :‬إدارة الماء في الفم ‪.‬‬
‫ن المضمضمة إدخال الماء إلى الفم ‪,‬‬
‫ن الفقهاء متّفقون على أ ّ‬
‫ويؤخذ من هذه التّعاريف أ ّ‬
‫واختلفوا في إدارة الماء في الفم ومجّه ‪.‬‬
‫ومذهب الجمهور عدم اشتراطهما ‪ ,‬والفضل عندهم فعلهما ‪.‬‬
‫ومذهب المالكيّة اشتراطهما ‪ ,‬وإل فل يعتدّ بها ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم المضمضة على ثلثة أقوالٍ ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواي ٍة ‪ :‬إنّ المضمضة سنّة في الوضوء والغسل ‪ ,‬وبه‬
‫قال الحسن البصري والزهري والحكم وحمّاد وقتادة ويحيى النصاري والوزاعي واللّيث ‪,‬‬
‫غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ َوأَيْدِيَ ُكمْ إِلَى‬
‫ن آمَنُواْ إِذَا ُقمْ ُت ْم إِلَى الصّلةِ فا ْ‬
‫لقولـه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬
‫ا ْلمَرَا ِفقِ } فالوجه عند العرب ‪ :‬ما حصلت به المواجهة ‪ ,‬وداخل الفم ليس من الوجه ‪,‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬عشر من الفطرة » وذكر منها ‪ « :‬المضمضة‬
‫ول ّ‬
‫والستنشاق » ‪ ,‬والفطرة سنّة ‪ ,‬وذكرهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ‪,‬‬
‫ولقولـه صلى ال عليه وسلم للعرابيّ ‪ « :‬توضّأ كما أمرك اللّه » ‪ ،‬قال النّووي ‪ :‬هذا‬
‫ت فلم يحسنها ‪ ,‬فعلم النّبي‬
‫الحديث من أحسن الدلّة ‪ ,‬لنّ هذا العرابيّ صلّى ثلث مرّا ٍ‬
‫صلى ال عليه وسلم حينئذٍ أنّه ل يعرف الصّلة الّتي تفعل بحضرة النّاس وتشاهَد أعمالها‬
‫‪ ,‬فعلّمه واجباتها وواجبات الوضوء ‪ ,‬فقال النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬توضّأ كما أمرك‬
‫اللّه » ‪ ,‬ولم يذكر له سنن الصّلة والوضوء لئل يكثر عليه فل يضبطها ‪ ,‬فلو كانت‬
‫المضمضة واجبةً لعلّمه إيّاها ‪ ,‬فإنّه ممّا يخفى ‪ ,‬ل سيما في حقّ هذا الرّجل الّذي خفيت‬
‫عليه الصّلة الّتي تشاهد ‪ ,‬فكيف الوضوء الّذي يخفى ‪.‬‬
‫ويرى الحنفيّة وأحمد في روايةٍ أخرى أنّ المضمضة واجبة في الغسل ‪ ,‬وسنّة في‬
‫الوضوء ‪ ,‬وبه قال سفيان الثّوري ‪ ,‬لنّ الواجب في باب الوضوء غسل العضاء الثّلثة‬
‫ومسح الرّأس ‪ ,‬وداخل الفم ليس من جملتها ‪ ,‬أما ما سوى الوجه فظاهر ‪ ,‬وكذا الوجه ‪,‬‬
‫لنّه اسم لما يواجه به النسان عاد ًة ‪ ,‬والفم ل يواجه به بكلّ حالٍ فل يجب غسله ‪.‬‬
‫ن الواجب هناك تطهير البدن لقوله تعالى ‪َ { :‬وإِن‬
‫وأمّا وجوب المضمضة في الغسل فل ّ‬
‫طهّرُواْ } أي طهّروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرجٍ ‪ ,‬ظاهرا‬
‫كُن ُتمْ جُنُبا فَا ّ‬
‫كان أو باطنا ‪ ,‬وممّا يؤكّد وجوب المضمضة والستنشاق قوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ن تحت كلّ شعر ٍة جنابة فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشرة » ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬في النف شعر وفي‬
‫إّ‬
‫الفم بشرة ‪ .‬وقال الحنابلة في المشهور وابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق وعطاء ‪ :‬إنّ‬
‫المضمضة والستنشاق واجبة في الطّهارتين أي الغسل والوضوء لما روت عائشة رضي‬
‫اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬المضمضة والستنشاق من الوضوء‬
‫الّذي ل بدّ منه » ‪ ,‬ولنّ كلّ من وصف وضوء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مستقصيا‬
‫ن فعله يصلح أن‬
‫ذكر أنّه تمضمض واستنشق ‪ ,‬ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ‪ ,‬ل ّ‬
‫يكون بيانا وتفصيلً للوضوء المأمور به في كتاب اللّه ‪.‬‬
‫كيفيّة المضمضة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬يستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه ‪ ,‬لما ورد‬ ‫‪3‬‬

‫عن عثمان رضي ال عنه أنّه دعا بوضوء فأفرغ على كفّيه ثلث مرارٍ فغسلهما ثمّ أدخل‬
‫يمينه في الناء فمضمض واستنثر ثمّ غسل وجهه ثلث مرّاتٍ ‪ . . .‬ثمّ قال قال رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين ل يحدّث فيهما‬
‫نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه » ‪ ,‬وعن عليّ رضي ال عنه ‪ :‬أنّه أدخل يده اليمنى في‬
‫الناء فمل فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثلثا ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬المضمضة والستنشاق باليمين سنّة ‪ ,‬لما روي عن الحسن بن عليّ رضي‬
‫ال عنهما أنّه استنثر بيمينه ‪ ،‬فقال معاوية رضي ال عنه ‪ :‬جهلت السنّة ‪ ،‬فقال الحسن‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬كيف أجهل والسنّة خرجت من بيوتنا ‪ ،‬أما علمت أنّ النّب ّ‬
‫وسلم قال ‪ « :‬اليمن للوجه واليسار للمقعد » ‪.‬‬
‫وقال بعض الحنفيّة ‪ :‬المضمضة باليمين والستنشاق باليسار ‪ ,‬لنّ الفم مطهرة ‪ ,‬والنف‬
‫مقذرة ‪ ,‬واليمين للطهار ‪ ,‬واليسار للقذار ‪.‬‬
‫ن السنّة في المضمضة والستنشاق الفصل بينهما بأن يتمّ‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ن الّذين حكوا‬
‫كل منهما بثلث غرفاتٍ ‪ ,‬أي أن تتمّ المضمضة بثلث والستنشاق بثلث ‪ ,‬ل ّ‬
‫وضوء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أخذوا لكلّ واحدٍ منهما ما ًء جديدا ‪ ,‬ولنّهما‬
‫عضوان منفردان فيفرد كلّ واحدٍ منهما بماء على حد ٍة كسائر العضاء ‪.‬‬
‫ف واحدةٍ‬
‫ن المضمضة والستنشاق مستحبّان من ك ّ‬
‫وقال الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫يجمع بينهما ‪ ,‬قال الثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد اللّه يسأل ‪ :‬أيهما أعجب إليك المضمضة‬
‫والستنشاق بغرفة واحدةٍ ‪ ,‬أو كل واحدةٍ منهما على حدةٍ ؟ قال ‪ :‬بغرفة واحدةٍ ‪ ,‬وذلك‬
‫لحديث عثمان وعليّ رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫قال البويطيّ من الشّافعيّة وابن قدامة من الحنابلة ‪ :‬إن أفرد المضمضة بثلث غرفاتٍ ‪,‬‬
‫والستنشاق بثلث جاز ‪ ,‬لنّه روي في حديث طلحة بن مصرّفٍ عن أبيه عن جدّه عن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أنّه فصّل بين المضمضة والستنشاق » ‪ ,‬لنّ الفصل أبلغ‬
‫النّب ّ‬
‫في النّظافة فكان أولى بالغسل ‪.‬‬
‫ثمّ اختلف الشّافعيّة في الفضليّة ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬إنّ فيها طريقين ‪ ,‬الصّحيح ‪ :‬أنّ فيها قولين ‪:‬‬
‫أظهرهما ‪ :‬الفصل بين المضمضة والستنشاق أفضل ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬الجمع بينهما أفضل ‪.‬‬
‫التّرتيب بين المضمضة وغيرها ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬التّرتيب بين المضمضة والستنشاق سنّة ‪ ,‬وهو تقديم‬ ‫‪5‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم كان يواظب على التّقديم ‪.‬‬


‫المضمضة على الستنشاق ‪ ,‬لنّ النّب ّ‬
‫وقال الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة ‪ :‬ل يجب التّرتيب بينهما وبين غسل بقيّة الوجه ‪,‬‬
‫ن كلّ من‬
‫ن النف والفم من أجزائه ‪ ,‬ولكن من المستحبّ أن يبدأ بهما قبل الوجه ‪ ,‬ل ّ‬
‫لّ‬
‫وصف وضوء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ذكر أنّه بدأ بهما إل شيئا نادرا ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬اتّفق أصحابنا على أنّ المضمضة مقدّمة على الستنشاق سواء جمع أو‬
‫فصل بغرفة أو بغرفات ‪ ,‬وفي هذا التّقديم وجهان ‪ ,‬حكاهما الماورديّ والشّيخ أبو محمّدٍ‬
‫الجوينيّ وولده إمام الحرمين وآخرون ‪ ,‬أصحهما أنّه شرط وهو المعتمد فل يحسب‬
‫الستنشاق إل بعد المضمضة ‪ ,‬لنّهما عضوان مختلفان فاشترط فيهما التّرتيب كالوجه‬
‫واليد ‪.‬‬
‫‪ -‬أما التّرتيب بين المضمضة وسائر العضاء غير الوجه فعلى روايتين عند الحنابلة ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫ي لنّها من الوجه فوجب غسلها قبل غسل اليدين‬


‫إحداهما ‪ :‬يجب وهو ظاهر كلم الخرق ّ‬
‫للية وقياسا على سائر أجزائه ‪.‬‬
‫والثّانية ‪ :‬ل يجب ‪ ,‬بل لو تركها في وضوئه وصلّى تمضمض وأعاد الصّلة ولم يعد‬
‫الوضوء ‪ ,‬لما روى المقدام بن معد يكرب رضي ال عنه ‪ « :‬أتي رسول اللّه صلى ال‬
‫عليه وسلم بوضوء فتوضّأ فغسل كفّيه ثلثا وغسل وجهه ثلثا ثمّ غسل ذراعيه ثلثا ثلثا‬
‫ثمّ تمضمض واستنشق ثلثا ثمّ مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما » ‪ ,‬ولنّ وجوبها‬
‫ن في الية ما يدل على إرادة‬
‫بغير القرآن ‪ ,‬وإنّما وجب التّرتيب بين العضاء المذكورة ل ّ‬
‫التّرتيب ولم يوجد ذلك فيها ‪.‬‬
‫المبالغة في المضمضة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشّربيني الخطيب ‪ :‬المبالغة في المضمضة ‪ :‬أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك‬ ‫‪7‬‬

‫ووجهي السنان واللّثات ‪.‬‬


‫ن المبالغة في المضمضة والستنشاق سنّة لغير الصّائم‬
‫قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫لقولـه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا توضّأت فأبلغ في المضمضة والستنشاق ما لم تكن‬
‫صائما » ‪.‬‬
‫ن المبالغة فيهما من باب التّكميل في التّطهير فكانت مسنونةً إل في حال الصّوم لما‬
‫ول ّ‬
‫فيها من تعريض الصّوم للفساد ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ والصّيمري من الشّافعيّة ‪ :‬يبالغ الصّائم في المضمضة دون الستنشاق لنّ‬
‫المتمضمض متمكّن من ردّ الماء عن وصوله إلى جوفه ‪ ,‬بطبق حلقه ‪ ,‬ول يمكن دفعه‬
‫بالخيشوم ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إنّها مندوبة لغير الصّائم ‪ ,‬وأمّا الصّائم فتكره له المبالغة لئل يفسد صومه‬
‫‪ ,‬وقال المالكيّة ‪ :‬فإن وقع ووصل إلى حلقه وجب عليه القضاء ‪.‬‬
‫المضمضة في الصّوم ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬إن تمضمض الصّائم فدخل الماء جوفه فسد صومه إن كان ذاكرا‬ ‫‪8‬‬

‫لصومه وعليه القضاء ‪.‬‬


‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن وصل لحلقه أو معدته شيء يغلب سبقه إلى حلقه من أثر ماء مضمضةٍ‬
‫صةً ‪ ,‬وأمّا وصول أثر المضمضة‬
‫أو رطوبة سواكٍ أفطر وعليه القضاء في الفرض خا ّ‬
‫للحلق في صوم النّفل فل يفسد ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إن تمضمض الصّائم أو استنشق فسبق الماء إلى جوفه أو دماغه فثلثة‬
‫أقوالٍ ‪ :‬أصحها عند الصحاب ‪ :‬إن بالغ أفطر وإل فل ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬يفطر مطلقا ‪ ,‬والثّالث ‪:‬‬
‫ل لم‬
‫ل يفطر مطلقا ‪ ,‬والخلف فيمن هو ذاكر للصّوم عالم بالتّحريم فإن كان ناسيا أو جاه ً‬
‫ف‪.‬‬
‫يبطل بل خل ٍ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن تمضمض الصّائم أو استنشق في الطّهارة فسبق الماء إلى حلقه من‬
‫غير قصدٍ ول إسرافٍ فل شيء عليه ‪ ,‬لنّه وصل إلى حلقه من غير إسرافٍ ول قصدٍ ‪,‬‬
‫فأمّا إن أسرف فزاد على الثّلث أو بالغ فقد فعل مكروها لنّه يتعرّض بذلك بإيصال الماء‬
‫إلى حلقه ‪ ,‬فإن وصل إلى حلقه فعلى وجهين أحدهما ‪ :‬يفطر ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬ل يفطر به لنّه‬
‫وصل من غير قصدٍ فأشبه غبار الدّقيق والحكم في المضمضة لغير الطّهارة كالحكم في‬
‫المضمضة للطّهارة إن كانت لحاجة ‪.‬‬
‫المضمضة بعد الطّعام ‪:‬‬
‫‪ -‬المضمضة مستحبّة بعد الفراغ من الطّعام ‪ ,‬لما روى سويد بن النعمان رضي ال‬ ‫‪9‬‬

‫عنهما ‪ « :‬أنّه خرج مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم عام خيبر حتّى إذا كانوا بالصّهباء‬
‫‪ -‬وهي أدنى خيبر ‪ -‬صلّى العصر ثمّ دعا بالزواد فلم يؤت إل بالسّويق فأمر به فثرّي‬
‫‪ -‬أي بلّ بالماء لما لحقه من اليبس ‪ -‬فأكل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأكلنا ثمّ قام‬
‫إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثمّ صلّى ولم يتوضّأ » ‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على استحباب المضمضة بعد الطّعام ‪ ,‬ففائدة المضمضة قبل الدخول في‬
‫الصّلة من أكل السّويق وإن كان ل دسم له أن تحتبس بقاياه بين السنان ونواحي الفم‬
‫فيشغله تتبعه عن أحوال الصّلة ‪.‬‬
‫وكذلك تستحب المضمضة بعد شرب اللّبن لما روى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما ‪ « :‬أنّ‬
‫ن له دسما » ‪ ,‬فقد بيّن النّبي‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال إ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم العلّة في المضمضة من اللّبن فيدل على استحبابها من كلّ شي ٍء دسمٍ‬
‫‪ .‬وقال ابن مفلحٍ ‪ :‬تسن المضمضة من شرب اللّبن ‪ ,‬لنّه صلى ال عليه وسلم تمضمض‬
‫بعده بماء ‪ ,‬وقال ‪ « :‬إنّ له دسما » ‪ ,‬وشيب له بماء فشرب ‪ ,‬ثمّ قال ابن مفلحٍ ‪ :‬ذكر‬
‫ن الكثار منه يضر بالسنان واللّثة ‪,‬‬
‫بعض متأخّري أصحابنا ما ذكره بعض الطبّاء من أ ّ‬
‫ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء ‪ ,‬ثمّ ذكر الخبر أنّه عليه الصّلة والسّلم تمضمض‬
‫وقال ‪ « :‬إنّ له دسما » ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬قال العلماء ‪ :‬تستحب من غير اللّبن من المأكول والمشروب ‪ ,‬لئل يبقى‬
‫منه بقايا يبتلعها في الصّلة ‪.‬‬
‫َمضْمُون *‬
‫انظر ‪ :‬ضمان ‪.‬‬

‫مَطَاف *‬
‫انظر ‪ :‬طواف ‪.‬‬

‫مَطَالِع *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المطالع في اللغة جمع مطلَِ ٍع ‪ -‬بفتح اللم وكسرها ‪ -‬وهو موضع الطلوع أو‬ ‫‪1‬‬

‫شمْسِ } ‪ ,‬أي منتهى الرض‬


‫الظهور ‪ ,‬ومن ذلك قوله تعالى ‪ { :‬حَتّى إِذَا بَلَ َغ َمطْلِ َع ال ّ‬
‫المعمورة من جهة الشّرق ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪ ,‬وهو موضع الطلوع أو الظهور ‪,‬‬
‫ويقصد به ‪ -‬هنا ‪ -‬موضع طلوع الهلل من الغرب ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫رؤية الهلل ‪:‬‬
‫‪ -‬الرؤية ‪ :‬إدراك الشّيء بحاسّة البصر ‪ ,‬وقال ابن سيده ‪ :‬الرؤية النّظر بالعين والقلب‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ,‬وهي مصدر رأى ‪.‬‬


‫والمقصود برؤية الهلل ‪ :‬معاينته ومشاهدته بالعين الباصرة بعد غروب شمس اليوم‬
‫التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق ممّن يعتمد خبره وتقبل شهادته ‪ ,‬فيثبت دخول الشّهر‬
‫برؤيته ‪.‬‬
‫اختلف المطالع في رؤية الهلل ‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ اختلف المطالع تعبير فقهي يراد به عند الفقهاء ‪ :‬ظهور القمر ورؤيته في أوّل‬ ‫‪3‬‬

‫الشّهر بين بلدٍ وبل ٍد ‪ ,‬حيث يراه أهل بل ٍد مثلً ‪ ,‬بينما الخرون ل يرونه ‪ ,‬فتختلف مطالع‬
‫الهلل ‪.‬‬
‫لذا تعرّض الفقهاء لحكام اختلف المطالع نظرا لتعلق فرضيّة أو صحّة بعض العبادات بها‬
‫‪ ,‬فضلً عن كثي ٍر من الحكام المتعلّقة بالمعاملت والسرة وغيرهما ‪.‬‬
‫‪ ,‬ورمضان ف ‪. ) 3‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬رؤية الهلل ف‬
‫أسباب اختلف المطالع ‪:‬‬
‫‪ -‬تثار مسألة اختلف المطالع دائما عندما يثور القول باعتبار رؤية بعض البلد رؤيةً‬ ‫‪4‬‬

‫لجميعها على سبيل اللزام ‪ ,‬وهذا مردود بسبب اختلف المطالع ‪.‬‬
‫وذهب ابن تيميّة إلى إثبات اختلف المطالع وذلك من وجهين ‪:‬‬
‫ن الرؤية تختلف باختلف التّشريق والتّغريب ‪.‬‬
‫أوّلهما ‪ :‬أ ّ‬
‫ثانيهما ‪ :‬اختلف الرؤية باختلف المسافة أو القليم ‪.‬‬
‫ك من أمور الواقع المشاهد الّذي ل يقوى على إنكاره إل مكابر ‪ ,‬فهو اختلف‬
‫وهما بل ش ّ‬
‫واقع بين البلد البعيدة كاختلف مطالع الشّمس ‪.‬‬
‫ن الهلل إذا رئي في المشرق وجب أن يرى في المغرب ول ينعكس ‪ ,‬لنّ وقت‬
‫وذلك ل ّ‬
‫غروب الشّمس بالمغرب يتأخّر عن وقت غروبها بالمشرق ‪ ,‬فإذا كان قد رئي بالمشرق‬
‫ق بالرؤية وليس‬
‫ازداد بالمغرب نورا وبعدا عن الشّمس وشعاعها قبل غروبها ‪ ,‬فيكون أح ّ‬
‫كذلك إذا رئي بالمغرب ‪ ,‬لنّه قد يكون سبب الرؤية تأخر غروب الشّمس عندهم ‪ ,‬فازداد‬
‫بعدا وضوءا ‪ ,‬ولمّا غربت بالمشرق كان قريبا منها ‪ ,‬ثمّ إنّه لمّا رئي بالمغرب كان قد‬
‫غرب عن أهل المشرق ‪ ,‬فهذا أمر محسوس في غروب الشّمس والهلل وسائر الكواكب ‪,‬‬
‫ولذلك إذا دخل وقت المغرب بالمغرب دخل بالمشرق ول ينعكس ‪ ,‬وكذلك الطلوع ‪ ,‬إذا‬
‫طلعت الشّمس بالمغرب طلعت بالمشرق ول ينعكس ‪.‬‬
‫أقوال الفقهاء في اختلف المطالع وأدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ -‬تعدّدت أقوال الفقهاء وأدلّتهم في مسألة اختلف المطالع من حيث اعتبارها أو عدم‬ ‫‪5‬‬

‫اعتبارها بغضّ النّظر عن كونها من أمور الواقع الملموس كاختلف مطالع الشّمس ‪.‬‬
‫‪ ,‬ورمضان ف ‪. ) 3‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬رؤية الهلل ف‬
‫حكم الخذ بالتّأقيت والحساب في إثبات الهلّة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في الخذ بقول الحاسب على تفصيلٍ ينظر في مصطلح ‪ ( :‬رؤية الهلل‬ ‫‪6‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ف‬


‫طلب الرؤية ‪:‬‬
‫ث النّبي صلى ال عليه وسلم على طلب رؤية الهلل ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح ‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ح ّ‬ ‫‪7‬‬

‫( رؤية الهلل فقرة ‪. ) 2‬‬


‫أهم الثار المترتّبة على اعتبار اختلف المطالع ‪:‬‬
‫‪ -‬تترتّب على اعتبار اختلف المطالع آثار تتعلّق ببعض العبادات كالصّيام ‪ ,‬والزّكاة ‪,‬‬ ‫‪8‬‬

‫والحجّ ‪ ,‬وبعض المعاملت كالبيع إلى أجلٍ ‪ ,‬والسّلم ‪ ,‬والجارة ‪ ,‬وبعض أحكام السرة‬
‫كالطّلق والعدّة والحضانة والنّفقة ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلحاتها ومصطلح ‪ ( :‬رؤية الهلل ) ‪.‬‬

‫طبِق *‬
‫مُ ْ‬
‫انظر ‪ :‬جنون ‪.‬‬

‫طرّز *‬
‫مُ َ‬
‫انظر ‪ :‬ألبسة ‪.‬‬

‫مُطّل ِبيّ *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المطّلبيّ هو من ينسب إلى المطّلب بن عبد منافٍ ‪ ,‬وهو أخو هاشم بن عبد منافٍ ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجد الثّاني لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬


‫الحكام المتعلّقة بالمطّلبيّ ‪:‬‬
‫وردت الحكام المتعلّقة ببني المطّلب في مواضع من كتب الفقهاء منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬دفع الزّكاة إليهم ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في جواز دفع الزّكاة لبني المطّلب بن عبد منافٍ فذهب الجمهور ‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهم الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في روايةٍ ‪ -‬إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة إلى بني المطّلب ‪.‬‬
‫وتفصيل هذا في مصطلح ‪ ( :‬آل ف ‪. ) 7‬‬
‫ب ‪ -‬حكم كون عامل الزّكاة مطّلبيا ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة لبني المطّلب ‪ ,‬وعليه فيجوز كونه‬ ‫‪3‬‬

‫عاملً وآخذ الجرة من الزّكاة ‪.‬‬


‫واختلف أصحاب الشّافعيّ ‪ -‬وهم الّذين حرّموا على بني المطّلب الزّكاة ‪ -‬في ذلك على‬
‫وجهين مشهورين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ - :‬وهو الصح عند جمهور الصحاب ‪ -‬ل يجوز ‪ ،‬لحديث عبد المطّلب بن ربيعة‬
‫ابن الحارث رضي ال عنه أنّه والفضل بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أتيا رسول اللّه صلى‬
‫ال عليه وسلم فسأله أن يؤمّرهما على بعض الصّدقات ‪ ,‬فيؤدّيانه إليه كما يؤدّي النّاس ‪,‬‬
‫ل ثمّ قال ‪ « :‬إنّ الصّدقة ل تنبغي لل محمّدٍ إنّما هي‬
‫ويصيبا كما يصيبون فسكت طوي ً‬
‫أوساخ النّاس » وفي روايةٍ ‪ « :‬إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس وإنّها ل تحل‬
‫لمحمّد ول لل محمّدٍ » ‪.‬‬
‫ن ما يأخذه على وجه العوض ‪ ,‬فلو‬
‫والثّاني ‪ :‬يجوز للمطّلبيّ أن يكون عاملً في الزّكاة ل ّ‬
‫استعمله المام مثلً في الحفظ أو النّقل جاز ‪ ,‬وله أجرته ‪ ,‬قال النّووي رحمه اللّه ‪ :‬قال‬
‫أصحابنا الخراسانيون ‪ :‬هذان الوجهان مبنيّان على أنّ ما يأخذه العامل هل هو أجرة أو‬
‫صدقة ؟ وفيه وجهان فإن قلنا ‪ :‬هو أجرة جاز وإل فل ‪ ,‬وهو يشبه الجارة من حيث‬
‫التّقدر بأجرة المثل ‪ ,‬ويشبه الصّدقة من حيث أنّه ل يشترط عقد إجار ٍة ‪ ,‬ول مدّة معلومة‬
‫ول عمل معلوم ‪.‬‬
‫والخلف فيمن طلب على عمله سهما من الزّكاة ‪ ,‬فأمّا إذا تبرّع بعمله بل عوضٍ ‪ ,‬أو دفع‬
‫المام إليه أجرته من بيت المال فإنّه يجوز كونه هاشميا ‪ ,‬أو مطّلبيا بل خلفٍ ‪ ,‬قال‬
‫ي ‪ :‬يجوز كونه هاشميا ‪ ,‬و مطّلبيا إذا أعطاه المام من سهم المصالح ‪.‬‬
‫الماورد ّ‬
‫وعند الحنابلة ل يجوز أن يكون المطّلبيّ عاملً على الزّكاة إذا أخذ أجرته منها ‪ ,‬أمّا إذا‬
‫دفعت له أجرته من غير الزّكاة فإنّه يجوز أن يكون عاملً عليها ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬حق المطّلبيّ في خمس الخمس ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف العلماء في تحديد ذوي القربى الّذين يستحقون من خمس الخمس بسبب‬ ‫‪4‬‬

‫وما‬ ‫‪7‬‬ ‫قرابتهم لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم وتفصيل ذلك في مصطلحات ‪ ( :‬قرابة ف‬
‫‪ ,‬خمس ف ‪. ) 8‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ,‬فيء ف‬ ‫‪14‬‬ ‫بعدها ‪ ,‬آل ف‬

‫مَطْل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬ال َمطْل لغةً ‪ :‬المدافعة عن أداء الحقّ ‪ ,‬قال الجوهري ‪ :‬وهو مشتق من مطلت‬ ‫‪1‬‬

‫الحديدة ‪ :‬إذا ضربتها ومددتها لتطول ‪ ,‬ومنه يقال ‪ :‬مطله بدينه مطلً ‪ ,‬وماطله مماطلةً ‪:‬‬
‫إذا سوّفه بوعد الوفاء مرّةً بعد أخرى ‪.‬‬
‫ن المطل شرعا ‪ :‬منع قضاء ما استحقّ‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬حكى النّووي وعلي القاري أ ّ‬
‫أداؤه ‪ ,‬قال ابن حج ٍر ‪ :‬ويدخل في المطل كل من لزمه حق ‪ ,‬كالزّوح لزوجته ‪ ,‬والحاكم‬
‫لرعيّته ‪ ,‬وبالعكس ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النظار ‪:‬‬
‫‪ -‬النظار وال ّنظِرَة في اللّغة المهال والتّأخير ‪ ,‬يقال ‪ :‬أنظرت المدين ‪ ,‬أي أخّرته ‪,‬‬ ‫‪2‬‬

‫عسْرَةٍ فَ َنظِرَ ٌة إِلَى مَ ْيسَرَةٍ‬


‫وذكر الزهري أنّ المراد بالنّظرة في قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن كَانَ ذُو ُ‬
‫} النظار والمهال إلى أن يوسر ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة بين المطل والنظار التّأخير في كلّ ‪ ,‬لكنّه في المطل من جانب المدين وفي النظار‬
‫من جانب الدّائن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّعجيل ‪:‬‬
‫‪ -‬التّعجيل لغ ًة ‪ :‬السراع بالشّيء ‪ ,‬يقال ‪ :‬عجّلت إليه المال أسرعت إليه بحضوره ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬


‫والصّلة بين المطل والتّعجيل الضّدّيّة ‪.‬‬
‫( ر ‪ :‬تأخير ف ‪. ) 5‬‬
‫ج ‪ -‬الظلم ‪:‬‬
‫‪ -‬الظلم لغةً ‪ :‬وضع الشّيء في غير موضعه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ق إلى الباطل ‪ ,‬وهو الجور ‪.‬‬


‫واصطلحا هو عبارة عن التّعدّي عن الح ّ‬
‫ن الظلم أعم من المطل ‪.‬‬
‫والصّلة بين المطل والظلم أ ّ‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬
‫‪ -‬يختلف حكم المطل باختلف حال المدين من يس ٍر أو عس ٍر ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫فإن كان موسرا قادرا على قضاء الدّين بعد المطالبة به كان مطله حراما ‪ ,‬وذلك لما ورد‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬مطل الغنيّ ظلم » ‪.‬‬
‫أّ‬
‫وإن كان المدين معسرا ل يجد وفاءً لدينه أو كان غنيا ومنعه عذر ‪ -‬كغيبة ماله ‪ -‬عن‬
‫الوفاء لم يكن مطله حراما وجاز له التّأخير إلى المكان ‪.‬‬
‫صور المطل ‪:‬‬
‫للمطل صور تختلف أحكامها باختلف صوره ‪ ,‬وذلك على التّفصيل التي ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬مطل المدين المعسر الّذي ل يجد وفاءً لدينه ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يمهل حتّى يوسر ‪ ,‬ويُترك يطلب الرّزق لنفسه وعياله‬ ‫‪6‬‬

‫ن المولى سبحانه أوجب‬


‫والوفاء لدائنيه ‪ ,‬ول تحل مطالبته ول ملزمته ول مضايقته ‪ ,‬ل ّ‬
‫عسْرَةٍ فَ َنظِرَ ٌة إِلَى مَ ْيسَرَةٍ } ‪.‬‬
‫إنظاره إلى وقت الميسرة فقال ‪َ { :‬وإِن كَانَ ذُو ُ‬
‫قال ابن رشدٍ ‪ :‬لنّ المطالبة بالدّين إنّما تجب مع القدرة على الداء ‪ ,‬فإذا ثبت العسار فل‬
‫ن الخطاب مرتفع عنه إلى أن يوسر ‪.‬‬
‫سبيل إلى المطالبة ‪ ,‬ول إلى الحبس بالدّين ‪ ,‬ل ّ‬
‫وقال الشّافعي ‪ :‬لو جازت مؤاخذته لكان ظالما ‪ ,‬والفرض أنّه ليس بظالم لعجزه ‪ ,‬بل إنّ‬
‫ابن العربيّ قال ‪ :‬إذا لم يكن المديان غنيا ‪ ,‬فمطله عدل ‪ ,‬وينقلب الحال على الغريم ‪,‬‬
‫سرَةٍ } ‪.‬‬
‫ظرَةٌ إِلَى مَ ْي َ‬
‫سرَةٍ فَ َن ِ‬
‫ع ْ‬
‫ن ذُو ُ‬
‫ن اللّه تعالى قال ‪َ { :‬وإِن كَا َ‬
‫فتكون مطالبته ظلما ‪ ,‬ل ّ‬
‫ص‪.‬‬
‫وأجاز الحنفيّة ملزمة الدّائن لمدينه المعسر مع استحقاقه النظار بالنّ ّ‬
‫وقد بيّن المصطفى صلى ال عليه وسلم فضل إنظار المعسر وثوابه عند اللّه تعالى ‪ ,‬فعن‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ ,‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪ « :‬من‬
‫أنظر معسرا أو وضع له أظلّه اللّه يوم القيامة تحت ظلّ عرشه يوم ل ظلّ إل ظله » ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في المدين المعسر إذا لم يكن القدر الّذي استحقّ عليه حاضرا عنده ‪,‬‬
‫لكنّه قادر على تحصيله بالتّكسب مثلً ‪ ,‬هل يجب عليه ذلك أم ل ؟ قال الحافظ ابن حجرٍ ‪:‬‬
‫أطلق أكثر الشّافعيّة عدم الوجوب ‪ ,‬وصرّح بعضهم بالوجوب مطلقا ‪.‬‬
‫وفصّل آخرون بين أن يكون أصل الدّين يجب بسبب يعصي به فيجب ‪ ,‬وإل فل ‪.‬‬
‫كما اختلفوا في هل يجبر المدين المعدم على إجارة نفسه لوفاء دين الغرماء من أجرته إن‬
‫)‪.‬‬ ‫‪55‬‬ ‫كان قادرا على العمل أم ل ؟ والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬إفلس ف‬
‫ثانيا ‪ :‬مطل المدين الغنيّ الّذي منعه العذر عن الوفاء ‪:‬‬
‫ي الّذي منعه العذر عن الوفاء ‪ ,‬كغيبة ماله وعدم وجوده بين يديه‬
‫‪ -‬مطل المدين الغن ّ‬ ‫‪7‬‬

‫ي عنه كما قال‬


‫ن المطل المنه ّ‬
‫وقت الوفاء بغير تعمده فل يكون مطله حراما ‪ ,‬وذلك ل ّ‬
‫الحافظ ابن حجرٍ ‪ :‬تأخير ما استحقّ أداؤه بغير عذ ٍر ‪ ,‬وهو معذور ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مطل المدين الموسر بل عذرٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬مطل المدين الموسر القادر على قضاء الدّين بل عذرٍ وذلك بعد مطالبة صاحب الحقّ ‪,‬‬ ‫‪8‬‬

‫فإنّه حرام شرعا ‪ ,‬ومن كبائر الثم ‪ ,‬ومن الظلم الموجب للعقوبة الحاملة على الوفاء ‪,‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مطل الغنيّ ظلم » ‪ ,‬قال ابن حج ٍر ‪ :‬المعنى أنّه من‬
‫لقول النّب ّ‬
‫ي ‪ :‬مَطل الغنيّ ظلم إذا‬
‫الظلم ‪ ,‬وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير من المطل ‪ ,‬وقال ابن العرب ّ‬
‫كان واجدا لجنس الحقّ الّذي عليه في تأخير ساعةٍ يمكنه فيها الداء ‪ ,‬وقال الباجيّ ‪ :‬وإذا‬
‫طلَ بما قد استحقّ عليه تسليمه فقد ظلم ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال‬
‫كان غنيا ف َم َ‬
‫حلّ عرضه وعقوبته » ‪ ,‬ومعنى يحل عرضه ‪ :‬أي يبيح أن يذكره‬
‫« لي الواجد ُي ِ‬ ‫‪:‬‬
‫الدّائن بين النّاس بالمطل وسوء المعاملة ‪.‬‬
‫ن ‪ ,‬وهو‬
‫ن أو دي ٍ‬
‫قال ابن القيّم ‪ :‬ول نزاع بين العلماء في أنّ من وجب عليه حق من عي ٍ‬
‫قادر على أدائه ‪ ,‬وامتنع منه ‪ ,‬أنّه يعاقب حتّى يؤدّيه ‪.‬‬
‫والعقوبة الزّاجرة هي عقوبة تعزيريّة غير مقدّرةٍ شرعا ‪ ,‬المقصود منها حمله على الوفاء‬
‫وإلجاؤه إلى دفع الحقّ إلى صاحبه دون تأخيرٍ ‪.‬‬
‫أما قبل الطّلب ‪ ,‬فقد وقع الخلف في مذهب الشّافعيّ ‪ :‬هل يجب الداء مع القدرة من غير‬
‫ق ‪ ,‬حتّى يعدّ مطلً بالباطل قبله ؟ وحكى ابن دقيق العيد فيه وجهان ‪,‬‬
‫طلب صاحب الح ّ‬
‫ن لفظ " المطل " في الحديث‬
‫ومال الحافظ ابن حج ٍر إلى ترجيح عدم الوجوب قبل الطّلب ‪ ,‬ل ّ‬
‫يشعر بتقديم الطّلب وتوقف الحكم بظلم المماطل عليه ‪.‬‬
‫وذكر بعض الفقهاء أنّ المطل يثبت بالتّأجيل والمدافعة ثلث مرّاتٍ ‪.‬‬
‫حمل المدين المماطل على الوفاء ‪:‬‬
‫ق تتّبع لحمل المدين المماطل على الوفاء ‪ ,‬منها ‪:‬‬
‫ص الفقهاء على طر ٍ‬
‫ن ّ‬
‫أ ‪ -‬قضاء الحاكم دينه من ماله جبرا ‪:‬‬
‫ن الحاكم يستوفيه جبرا‬
‫‪ -‬إذا كان للمدين المماطل مال من جنس الحقّ الّذي عليه ‪ ,‬فإ ّ‬ ‫‪9‬‬

‫عنه ‪ ,‬ويدفعه للدّائن إنصافا له ‪ ,‬جاء في الفتاوى الهنديّة ‪ :‬المحبوس في الدّين إذا امتنع‬
‫عن قضاء الدّين وله مال فإن كان ماله من جنس الدّين ‪ ,‬بأن كان ماله دراهم والدّين‬
‫ف‪.‬‬
‫دراهم ‪ ,‬فالقاضي يقضي دينه من دراهمه بل خل ٍ‬
‫وقال القرافي ‪ :‬ول يجوز الحبس في الحقّ إذا تمكّن الحاكم من استيفائه ‪ ,‬فإن امتنع من‬
‫دفع الدّين ‪ ,‬ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدّين ‪ ,‬ول يجوز لنا حبسه ‪.‬‬
‫طيّبات ‪:‬‬
‫ب ‪ -‬منعه من فضول ما يحل له من ال ّ‬
‫‪ -‬قال ابن تيميّة ‪ :‬لو كان قادرا على أداء الدّين وامتنع ‪ ,‬ورأى الحاكم منعه من فضول‬ ‫‪10‬‬

‫الكل والنّكاح فله ذلك ‪ ,‬إذ التّعزير ل يختص بنوع معيّنٍ ‪ ,‬وإنّما يرجع فيه إلى اجتهاد‬
‫الحاكم في نوعه وقدره ‪ ,‬إذا لم يتعدّ حدود اللّه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تغريمه نفقات الشّكاية ورفع الدّعوى ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن تيميّة ‪ :‬ومن عليه مال ‪ ,‬ولم يوفّه حتّى شكا رب المال ‪ ,‬وغرم عليه مالً ‪,‬‬ ‫‪11‬‬

‫غ ِرمَ‬
‫وكان الّذي عليه الحق قادرا على الوفاء ‪ ,‬ومطل حتّى أحوج مالكه إلى الشّكوى ‪ ,‬فما َ‬
‫بسبب ذلك ‪ ,‬فهو على الظّالم المماطل ‪ ,‬إذا كان غرمه على الوجه المعتاد ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إسقاط عدالته ورد شهادته ‪:‬‬
‫ن من أئمّة المالكيّة أنّهم قالوا بردّ شهادة المدين‬
‫‪ -‬حكى الباجيّ عن أصبغ وسحنو ٍ‬ ‫‪12‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم سمّاه ظالما في‬


‫المماطل مطلقا ‪ ,‬إذا كان غنيا مقتدرا ‪ ,‬ل ّ‬
‫قولـه ‪ « :‬مطل الغنيّ ظلم » ‪ ,‬ونقل الحافظ ابن حجرٍ عن جمهور الفقهاء أنّ مقترف ذلك‬
‫يفسّق ‪.‬‬
‫ولكن هل يثبت فسقه وترد شهادته بمطله مرّ ًة واحدةً ‪ ,‬أم ل ترد شهادته حتّى يتكرّر ذلك‬
‫منه ويصير عادةً ؟‬
‫قال النّووي ‪ :‬مقتضى مذهبنا اشتراط التّكرار ‪ ,‬وقال السبكي ‪ :‬مقتضى مذهب الشّافعيّة‬
‫ق بعد طلبه ‪ ,‬وابتغاء العذر عن أدائه كالغصب ‪ ,‬والغصب‬
‫عدمه ‪ ,‬واستدلّ بأن منع الح ّ‬
‫كبيرة ‪ ,‬وتسميته في الحديث ظلما يشعر بكونه كبير ًة ‪ ,‬والكبيرة ل يشترط فيها التّكرار ‪,‬‬
‫نعم ل يحكم عليه بذلك إل بعد أن يظهر عدم عذره ‪.‬‬
‫وقال الطّيبيّ ‪ :‬قيل ‪ :‬يفسق بمرّة ‪ ,‬وترد شهادته ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إذا تكرّر ‪ ,‬وهو الولى ‪.‬‬
‫شعِرُ به‬
‫واختلفوا هل يفسق بالتّأخير مع القدرة قبل الطّلب أم ل ؟ قال ابن حج ٍر ‪ :‬الّذي ُي ْ‬
‫ن المطل يشعر به ‪.‬‬
‫حديث الباب التّوقف على الطّلب ‪ ,‬ل ّ‬
‫هـ ‪ -‬تمكين الدّائن من فسخ العقد الموجب للدّين ‪:‬‬
‫ق الدّائن عند مطل المدين بغير عذرٍ أن‬
‫ص أكثر فقهاء الحنابلة ‪ ,‬على أنّ من ح ّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪13‬‬

‫يفسخ العقد الّذي ترتّب عليه الدّين كالبيع ونحوه ‪ ,‬ويسترد البدل الّذي دفعه ‪ ,‬وقد جعل له‬
‫هذا الخيار في الفسخ ليتمكّن من إزالة الضّرر اللحق به نتيجة مطل المدين ومخاصمته ‪,‬‬
‫وليكون ذلك حاملً للمدين المقتدر على المبادرة بالوفاء ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ولو امتنع ‪ -‬أي المشتري ‪ -‬من دفع الثّمن مع يساره فل فسخ في‬
‫ن التّوصل إلى أخذه بالحاكم ممكن ‪.‬‬
‫الصحّ ‪ ,‬ل ّ‬
‫و ‪ -‬حبس المدين ‪:‬‬
‫ل وظلما ‪,‬‬
‫ص جمهور الفقهاء على أنّ المدين الموسر إذا امتنع من وفاء دينه مط ً‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪14‬‬

‫فإنّه يعاقب بالحبس حتّى يؤدّيه ‪.‬‬


‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪79‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حبس ف‬
‫ونقل ابن سماعة عن محمّدٍ في المحبوس بالدّين إذا علم أنّه ل مال له في هذه البلدة ‪,‬‬
‫ل بنفسه‬
‫وله مال في بلد ٍة أخرى ‪ ,‬فيؤمر رب الدّين أن يخرجه من السّجن ‪ ,‬ويأخذ منه كفي ً‬
‫على قدر هذه المسافة ‪ ,‬ويؤمر أن يخرج ويبيع ماله ويقضي دينه ‪ ,‬فإن أخرج من السّجن‬
‫‪ ,‬فلم يفعل ذلك ‪ ,‬أعيد حبسه ‪.‬‬
‫وقال ابن تيميّة ‪ :‬ومن حبس بدين ‪ ,‬وله رهن ل وفاء له غيره ‪ ,‬وجب على ربّ الدّين‬
‫إمهاله حتّى يبيعه ‪ ,‬فإن كان في بيعه وهو في الحبس ضرر عليه ‪ ,‬وجب إخراجه ليبيعه ‪,‬‬
‫ويضمن عليه ‪ ,‬أو يمشي معه الدّائن أو وكيله ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ضرب المدين المماطل ‪:‬‬
‫ن أو دينٍ ‪,‬‬
‫‪ -‬قال ابن قيّم الجوزيّة ‪ :‬ل نزاع بين العلماء أنّ من وجب عليه حق من عي ٍ‬ ‫‪15‬‬

‫وهو قادر على أدائه ‪ ,‬وامتنع منه ‪ ,‬أنّه يعاقب حتّى يؤدّيه ‪ ,‬ونصوا على عقوبته بالضّرب‬
‫‪ ,‬ثمّ قال معلّقا على حديث ‪ « :‬لي الواجد يحل عرضه وعقوبته » ‪ :‬والعقوبة ل تختص‬
‫بالحبس ‪ ,‬بل هي في الضّرب أظهر منها في الحبس ‪.‬‬
‫ض الّذي عنده ‪ ,‬فإنّه ل‬
‫ن معلوم الملءة إذا علم الحاكم بالنّا ّ‬
‫وجاء في شرح الخرشيّ ‪ :‬إ ّ‬
‫يؤخّره ‪ ,‬ويضربه باجتهاده إلى أن يدفع ‪ ,‬ولو أدّى إلى إتلف نفسه ‪ ,‬ولنّه مُلِ ّد ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬بيع الحاكم مال المدين المماطل جبرا ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ الحاكم يبيع مال المدين المماطل جبرا عليه وذلك في الجملة ‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫ن بينهم اختلفا في تأخيره عن الحبس ‪ ,‬أو اللجوء إليه من غير حبس المدين ‪ ,‬أو‬
‫غير أ ّ‬
‫ترك الخيار للحاكم في اللجوء إليه عند القتضاء على أقوالٍ ‪:‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬المحبوس في الدّين إذا امتنع عن قضاء الدّين ‪ -‬وله مال ‪ -‬فإن كان ماله‬
‫من جنس الدّين ‪ ,‬بأن كان ماله دراهم والدّين دراهم ‪ ,‬فالقاضي يقضي دينه من دراهمه‬
‫بل خلفٍ ‪ ,‬وإن كان ماله من خلف جنس دينه ‪ ,‬بأن كان الدّين دراهم وماله عروضا أو‬
‫عقارا أو دنانير ‪ ,‬فعلى قول أبي حنيفة ل يبيع العروض والعقار ‪ ,‬وفي بيع الدّنانير قياس‬
‫واستحسان ‪ ,‬ولكنّه يستديم حبسه إلى أن يبيع بنفسه ويقضي الدّين ‪ ,‬وعند محمّدٍ وأبي‬
‫يوسف يبيع القاضي دنانيره وعروضه روايةً واحدةً ‪ ,‬وفي العقار روايتان ‪.‬‬
‫وفي الخانيّة ‪ :‬وعندهما في روايةٍ ‪ :‬يبيع المنقول وهو الصّحيح ‪.‬‬
‫ن المدين إن امتنع من دفع الدّين ‪ ,‬ونحن نعرف ماله ‪ ,‬أخذنا منه‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫مقدار الدّين ‪ ,‬ول يجوز لنا حبسه ‪ ,‬وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في‬
‫ن في حبسه استمرار ظلمه ‪.‬‬
‫‪ -‬كان رهنا أم ل ‪ -‬فعلنا ذلك ‪ ,‬ول نحبسه ‪ ,‬ل ّ‬ ‫الدّين‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬وأمّا الّذي له مال وعليه دين ‪ ,‬فيجب أداؤه إذا طُلب ‪ ,‬فإذا امتنع أمره‬
‫الحاكم به ‪ ,‬فإن امتنع باع الحاكم ماله وقسمه بين الغرماء ‪.‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬قال القاضي أبو الطّيّب من الشّافعيّة والصحاب ‪ :‬إذا امتنع المدين الموسر‬
‫المماطل من الوفاء ‪ ,‬فالحاكم بالخيار ‪ :‬إن شاء باع ماله عليه بغير إذنه وإن شاء أكرهه‬
‫على بيعه وعزّره بالحبس وغيره حتّى يبيعه ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن أبى مدين له مال يفي بدينه الحالّ الوفاء ‪ ,‬حبسه الحاكم ‪ ,‬وليس له‬
‫إخراجه من الحبس حتّى يتبيّن له أمره ‪ ,‬أو يبرأ من غريمه بوفاء أو إبرا ٍء أو حوالةٍ ‪ ,‬أو‬
‫ب الدّين وقد أسقطه ‪ ,‬فإن أصرّ‬
‫ن حبسه حق لر ّ‬
‫يرضى الغريم بإخراجه من الحبس ‪ ,‬ل ّ‬
‫المدين على الحبس باع الحاكم ماله وقضى دينه ‪.‬‬

‫مُطْلَق *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المطلق اسم مفعولٍ من الطلق ومن معانيه ‪ :‬الرسال والتّخلية وعدم التّقييد ‪ ,‬يقال ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫أطلقت السير ‪ :‬إذا حللت إساره وخلّيت عنه ‪ ,‬كما يقال أطلقت القول ‪ :‬أرسلته من غير‬
‫قيدٍ ول شرطٍ ‪ ,‬وأطلقت البيّنة الشّهادة من غير تقييدٍ بتأريخ ‪.‬‬
‫وفي الصطلح المطلق ‪ :‬ما دلّ على الماهيّة من غير أن يكون له دللة على شيءٍ من‬
‫قيودها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المقيّد ‪:‬‬
‫‪ -‬المقيّد من القوال ما فيه صفة أو شرط أو استثناء ‪ ,‬فهو نقيض للمطلق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحكم الجمالي ‪:‬‬


‫‪ -‬إذا ورد الخطاب مطلقا ل مقيّد له حمل على إطلقه ‪ ,‬أو مقيّدا ل مطلق له أجري على‬ ‫‪3‬‬

‫تقييده ‪ ,‬وإن ورد في موضعٍ مقيّدا وفي آخر مطلقا ففيه هذا التّفصيل ‪:‬‬
‫إن اختلفا في السّبب والحكم فل يحمل أحدهما على الخر ‪ :‬كتقييد الشّهادة بالعدالة وإطلق‬
‫الرّقبة في كفّارة الظّهار ‪.‬‬
‫وإن اتّفقا في السّبب والحكم ‪ :‬يحمل المطلق على المقيّد ‪ ,‬كما إذا قال الشّارع ‪ :‬إن ظاهرت‬
‫فأعتق رقبةً ‪ ,‬وقال في موضعٍ آخر ‪ :‬إن ظاهرت فأعتق رقبةً مؤمنةً ‪.‬‬
‫وإن اختلفا في السّبب دون الحكم فهذا هو موضع الخلف بين الفقهاء ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنّه يحمل المطلق على المقيّد وجوبا وبنا ًء على هذا ‪ :‬اشترطوا في‬
‫ص ورد في الموضعين مطلقا‬
‫إجزاء الرّقبة في كفّارتي الظّهار واليمين ‪ :‬اليمان مع أنّ النّ ّ‬
‫خلوا عن قيد اليمان ‪ :‬حملً للمطلق في الموضعين ‪ :‬على المقيّد في كفّارة القتل في قوله‬
‫خطَئا فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ ّم ْؤمِ َنةٍ } ‪.‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَن قَ َتلَ ُم ْؤمِنًا َ‬
‫قال الشّافعي ‪ :‬إنّ لسان العرب وعرف خطابهم يقتضي حمل المطلق على المقيّد إذا كان‬
‫ن الّلهَ‬
‫من جنسه ‪ ,‬فحمل عرف الشّرع على مقتضى لسانهم ‪ ,‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَالذّاكِرِي َ‬
‫ن من‬
‫شهِيدَيْ ِ‬
‫شهِدُواْ َ‬
‫كَثِيرا وَالذّاكِرَاتِ } ‪ ,‬وكما في العدالة والشهود في قوله تعالى ‪ { :‬وَاسْ َت ْ‬
‫ّرجَا ِلكُمْ } ‪ ,‬وقوله ‪َ { :‬وَأشْهِدُوا َذ َويْ عَ ْد ٍل مّنكُمْ } ‪ ,‬فحمل المطلق على المقيّد في اشتراط‬
‫العدالة فكذلك الكفّارة ‪ ,‬فيحمل مطلق العتق في كفّارتي الظّهار واليمين على العتق المقيّد‬
‫خطَئا فَ َتحْرِيرُ رَقَ َب ٍة ّم ْؤمِ َنةٍ } ‪.‬‬
‫باليمان في كفّارة القتل في قوله تعالى ‪َ { :‬ومَن قَ َت َل ُم ْؤمِنًا َ‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬ل يحمل المطلق على المقيّد ‪ ,‬لنّ المنصوص عليه إعتاق رقبةٍ وهي‬
‫اسم لذات مرقوق ٍة مملوكةٍ من كلّ وجهٍ وقد وجد ‪ ,‬والتّقييد باليمان زيادة على النّصّ ‪,‬‬
‫ن الطلق ‪:‬‬
‫ص نسخ ول ينسخ القرآن إل بالقرآن أو بأخبار التّواتر ‪ ,‬ول ّ‬
‫والزّيادة على النّ ّ‬
‫ن التّقييد أمر مقصود ينبئ عن‬
‫أمر مقصود ‪ ,‬لنّه ينبئ عن التّوسعة على المكلّف ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫ن حمل أحدهما على‬
‫التّضييق ‪ ,‬وعند إمكان العمل بهما ل يجوز إبطال أحدهما بالخر ‪ ,‬ول ّ‬
‫ص عليه وهو باطل ‪ ,‬لنّ من شرط القياس أنّ‬
‫الخر حمل منصوص عليه على منصو ٍ‬
‫يتعدّى الحكم الشّرعي الثّابت بالنّصّ بعينه إلى فرعٍ هو نظيره ول نصّ فيه ‪ ,‬هذا ولنّ‬
‫القياس حجّة ضعيفة ل يصار إليه إل عند عدم النّصّ أو شبهته حتّى صار مؤخّرا عن قول‬
‫الصّحابيّ ‪ ,‬وهنا نص يمكن العمل به وهو إطلق الكتاب ‪ ,‬ولنّ الفرع ليس نظير الصل ‪,‬‬
‫ق جواز‬
‫ن قتل النّفس أعظم ‪ ,‬ولهذا لم يشرع فيه الطعام ول يجوز إلحاقه بغيره في ح ّ‬
‫لّ‬
‫الطعام تغليظا للواجب عليه ‪ ,‬وتعظيما للجريمة حتّى تتمّ صيانة النّفس ‪ ,‬فكذا ل يجوز‬
‫ن جريمة‬
‫إلحاق غيره به في التّغليظ ‪ ,‬لنّ قيد الرّقبة باليمان أغلظ فيناسبه دون غيره ‪ ,‬ل ّ‬
‫القتل أعظم ‪ ,‬ولنّ الرّقبة في كفّارتي الظّهار واليمين مطلقة غير مقيّدةٍ بصفة أو شرطٍ ‪,‬‬
‫فتتناول كلّ رقبةٍ على أيّة صفةٍ كانت ‪ ,‬لنّ معنى الطلق التّعرض للذّات دون الصّفات‬
‫فتتناول الكافرة والمؤمنة والصّغيرة والكبيرة ‪ ,‬والبيضاء والسّوداء ‪ ,‬والذّكر والنثى ‪,‬‬
‫وغير ذلك من الوصاف المتضادّة ‪.‬‬
‫وللتّفصيل يرجع إلى الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫شروط العمل بالخبر المطلق ‪:‬‬
‫‪ -‬صرّح الشّافعيّة ‪ :‬بأنّه إذا أخبر مقبول الرّواية عن نجاسة ماءٍ فإن كان فقيها موافقا‬ ‫‪4‬‬

‫ن التّنجيس ‪.‬‬
‫للمخبر في مذهبه اعتمد خبره وإن أطلق ‪ ,‬لنّه خبر يغلب على الظّ ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫والتّفصيل في الملحق الصول ّ‬
‫الجرح المطلق في العدالة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في قبول الجرح المطلق كأن يقول ‪ :‬إنّه فاسق ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يقبل الجرح المطلق ‪ ,‬لنّ التّعديل يسمع مطلقا فكذلك الجرح‬
‫ن التّصريح بالسّبب قد يفضي إلى مخاطر كالقذف ‪.‬‬
‫‪ ,‬ول ّ‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يجب ذكر السّبب للختلف فيه ‪.‬‬
‫‪ ،‬والملحق الصولي ) ‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬تزكية ف‬
‫إطلق الشّهادة بالرّضاع ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أطلق شهود الرّضاع شهادتهم كأن قالوا ‪ :‬بينهما رضاع محرّم لم يقبل ‪ ,‬بل يجب‬ ‫‪6‬‬

‫ذكر وقت الرضاع وعدد الرّضعات ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬نشهد أنّ هذا ارتضع من هذه خمس‬
‫ن إلى جوفه في الحولين أو قبل الحولين ‪ ,‬وذلك لختلف‬
‫رضعاتٍ متفرّقاتٍ خلص اللّبن فيه ّ‬
‫العلماء في ذلك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫والتّفصيل في ‪ ( :‬مصطلح رضاع ف‬
‫المطلق يحمل على الغالب ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا باع بثمن مطلقٍ حمل على نقد البلد ‪ ,‬فإن لم يوجد نقد غالب وكان هناك محملن ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫أخف وأثقل ‪ ,‬حمل على أخفّهما عملً بأق ّل ما يقتضيه السم ‪.‬‬
‫واستثنى الشّافعيّة من هذه القاعدة صورا منها ‪ :‬إذا غمس المتوضّئ يده في الناء بعد‬
‫الفراغ من غسل الوجه بنيّة رفع الحدث صار الماء مستعملً ‪ ,‬وإن نوى الغتراف لم يصر‬
‫ن تقدم نيّة‬
‫مستعملً ‪ ,‬وإن أطلق ولم ينو شيئا فالصّحيح عندهم صيرورته مستعملً ‪ ,‬ل ّ‬
‫رفع الحدث شملته فحمل عليه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنّه يشترط في جواز قصر الصّلة في السّفر ‪ :‬نيّة القصر عند الحرام فإن أطلق‬
‫ن الصل في الصّلة التمام فينصرف عند‬
‫ولم ينو قصرا ول إتماما لزمه التمام ‪ ,‬ل ّ‬
‫الطلق إليه ‪ ,‬لنّه المعهود ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إذا تلفّظ بما يحتمل معنيين يرجع إليه في تعيين المراد ‪ ،‬كأن يكون عليه دينان‬
‫وبأحدهما رهن فدفع مبلغا من المال للدّائن عن أحدهما مبهما غير معيّنٍ فله التّعيين ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قال لزوجتيه ‪ :‬إحداكما طالق ولم يقصد معيّنةً طلقت إحداهما ‪ ,‬وعليه تعيين‬
‫إحداهما للطّلق ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬يجوز أن يحرم مطلقا ويصرفه بالتّعيين إلى ما شاء من النسكين أو إليهما ‪.‬‬
‫شرط حمل المطلق على المقيّد ‪:‬‬
‫‪ -‬اللّفظ المطلق ل يحمل على المقيّد إل إذا كان لو صرّح بذلك المقيّد لصحّ وإل فل ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫ن العين ملك لولده ‪ ,‬ثمّ ادّعى أنّه وهبها‬


‫وخرّجوا على ذلك صورا منها ‪ :‬إذا أق ّر الب ‪ :‬بأ ّ‬
‫له وأراد الرجوع فله ذلك فيما ذهب إليه القاضيان ‪ :‬الحسين ‪ ,‬و الماورديّ ‪ ,‬وقال النّووي‬
‫في فتاويه أنّه الصح المختار ‪.‬‬
‫المطلق ينزّل على أقلّ المراتب ‪:‬‬
‫ن الصّوم‬
‫ض لعدد بلفظ ول ن ّيةٍ يحمل على يومٍ ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ -‬لو نذر صوما مطلقا من غير تعر ٍ‬ ‫‪9‬‬

‫اسم جنسٍ يقع على الكثير والقليل ‪ ,‬ول صوم أق ّل من يومٍ ‪ ,‬والمتيقّن يوم ‪ ,‬فل يلزمه‬
‫أكثر منه ‪ ,‬وإن نذر أيّاما فثلثة لنّها أقل مراتب الجمع ‪ ,‬أو نذر صدقةً ‪ ,‬فأقل ما يتموّل أو‬
‫ل على واجب الشّرع ‪.‬‬
‫صلةً فيجزئ بركعتين حم ً‬
‫طهّرات *‬
‫مُ َ‬
‫انظر ‪ :‬طهارة ‪.‬‬

‫مَظَالِم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المظالم لغةً ‪ :‬جمع مظلمةٍ بفتح اللم وكسرها ‪ ,‬مصدر ظلم يظلم ‪ ,‬اسم لما أخذ بغير‬ ‫‪1‬‬

‫حقّ ‪ ,‬وهي ما تطلبه عند الظّالم ‪ ,‬وأصل الظلم وضع الشّيء في غير موضعه ‪ ,‬وعند فلنٍ‬
‫ظلمتي ومظلمتي ‪ :‬أي حقّي الّذي ظلمته ‪.‬‬
‫ق إلى الباطل ‪ ,‬وهو الجور ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو التّصرف‬
‫والظلم في الصطلح ‪ :‬التّعدّي عن الح ّ‬
‫في ملك الغير ‪ ,‬ومجاوزة الحدّ ‪.‬‬
‫ع‪:‬‬
‫والظلم ثلثة أنوا ٍ‬
‫الوّل ‪ :‬ظلم بين النسان وبين اللّه تعالى ‪ ,‬وأعظمه ‪ :‬الكفر والشّرك والنّفاق ‪ ,‬قال تعالى ‪:‬‬
‫عظِيمٌ } ‪ ,‬وقال تعالى ‪َ { :‬فمَنْ َأظْ َلمُ ِممّن كَذَبَ عَلَى الّلهِ } ‪.‬‬
‫{ إِنّ الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫الثّاني ‪ :‬ظلم بين النسان وبين النّاس ‪ ,‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ‬
‫ن النّاسَ } ‪ ,‬وقوله تعالى ‪َ { :‬ومَن قُ ِت َل َمظْلُوما } ‪.‬‬
‫َيظْ ِلمُو َ‬
‫سهِ } ‪ ,‬وقوله‬
‫الثّالث ‪ :‬ظلم بين النسان وبين نفسه ‪ ,‬ومنه قوله تعالى ‪َ { :‬فمِ ْن ُهمْ ظَا ِلمٌ لّ َن ْف ِ‬
‫سهُ } ‪.‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَن َي ْف َعلْ ذَلِكَ َفقَدْ ظَ َلمَ َن ْف َ‬
‫ن النسان في أوّل ما َي ُهمّ بالظلم فقد ظلم‬
‫وكل هذه الثّلثة في الحقيقة ظلم للنّفس ‪ ,‬فإ ّ‬
‫نفسه ‪ ,‬فإذا الظّالم أبدا مبتدئ في الظلم ‪ ,‬وقوله تعالى ‪ { :‬وَ َل ْو أَنّ لِلّذِينَ ظَ َلمُوا مَا فِي‬
‫جمِيعا } ‪ ,‬يتناول النواع الثّلثة من الظلم فما من أح ٍد كان منه ظلم في الدنيا إل‬
‫ض َ‬
‫الَرْ ِ‬
‫ولو حصل له ما في الرض ومثله معه لكان يفتدي به ‪ ,‬وقوله تعالى ‪ُ { :‬همْ َأظْ َلمَ َوَأطْغَى‬
‫ن الظلم ل يجدي ول يخلّص بل يردي ‪.‬‬
‫} ‪ ,‬تنبيه على أ ّ‬
‫فالمظالم هي الحقوق الّتي أخذت ظلما ‪ ,‬وقد دعا الشّرع الحنيف إلى إقامة العدل فيها‬
‫وأنشأ لها ديوان المظالم وقضاء المظالم ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬القضاء في اللغة ‪ :‬الحكم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬هو الخبار عن حكمٍ شرعيّ على سبيل اللزام في مجلس الحكم ‪.‬‬
‫والعلقة بين القضاء والمظالم باعتبارها ولية خاصّة هي العموم والخصوص ‪ ,‬فالقضاء‬
‫أعم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدّعوى ‪:‬‬
‫‪ -‬الدّعوى في اللغة ‪ :‬اسم من الدّعاء ‪ ,‬أي أنّها اسم لما يدعّى ‪ ,‬وهو الطّلب ‪ ,‬وتجمع‬ ‫‪3‬‬

‫على دعاوى ‪.‬‬


‫ق قبل الغير ‪ ,‬أو دفع الخصم‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب ح ّ‬
‫ق نفسه ‪.‬‬
‫عن ح ّ‬
‫والعلقة بين المظالم والدّعوى هي أنّ الدّعوى وسيلة شرعيّة لرفع المظالم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّحكيم ‪:‬‬
‫‪ -‬التّحكيم لغةً ‪ :‬مصدر حكّمه في المر والشّيء أي جعله حكما ‪ ,‬وفوّض الحكم إليه ‪,‬‬ ‫‪4‬‬

‫حكَم ومحكّم ‪.‬‬


‫وحكّمه بينهم ‪ :‬أمره أن يحكم بينهم ‪ ,‬فهو َ‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬التّحكيم ‪ :‬تولية الخصمين حكما يحكم بينهما ‪ ,‬وفي التّنزيل العزيز ‪{ :‬‬
‫شجَ َر بَيْ َن ُهمْ } ‪.‬‬
‫ى ُيحَ ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫فَلَ َورَبّكَ َل ُي ْؤمِنُونَ حَ ّت َ‬
‫والعلقة بين المظالم والتّحكيم أنّ التّحكيم وسيلة لفضّ النّزاع بين النّاس ‪ ,‬ورفع المظالم ‪.‬‬
‫أقسام المظالم باعتبار ما تضاف إليه من الحقوق ‪:‬‬
‫‪ -‬تنقسم المظالم باعتبار ما تضاف إليه من الحقوق إلى قسمين ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أ ‪ -‬مظالم تتعلّق بحقوق اللّه تعالى كالزّكوات والكفّارات والنذور والحدود والعبادات‬
‫وارتكاب المحرّمات ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مظالم تتعلّق بحقوق العباد كالغصوب ‪ ,‬وإنكار الودائع ‪ ,‬والرزاق ‪ ,‬والجنايات في‬
‫النّفس والعراض ‪.‬‬
‫قال الغزالي ‪ :‬ومظالم العباد إمّا في النفوس أو الموال أو العراض أو القلوب ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفي لرفع المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬المظالم من الظلم ‪ ,‬والظلم حرام قطعا بالنصوص المتواترة في القرآن الكريم والسنّة‬ ‫‪6‬‬

‫الشّريفة وإجماع المسلمين ‪.‬‬


‫ن على الخليفة أو المام الّذي‬
‫ورفع الظلم واجب شرعا على كلّ مسلمٍ ‪ ,‬وهو فرض عي ٍ‬
‫أنيط به حفظ الدّين والدنيا ‪ ,‬وإقامة العدل ‪ ,‬ورفع الظلم والعدوان ‪.‬‬
‫وفي الحديث القدسيّ ‪ « :‬يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فل‬
‫تظّالموا » والمراد ل يظلم بعضكم بعضا ‪.‬‬
‫والخليفة إمّا أن يقوم بذلك بنفسه ‪ ,‬وإمّا أن ينيب عنه واليا أو أميرا أو قاضيا ‪ ,‬أو يجمع‬
‫بين المرين ‪ ,‬وتولّي القضاء فرض كفايةٍ لمن تتوفّر فيه الشروط ‪ ,‬ورفع المظالم فرض‬
‫عينٍ على القاضي المعيّن من المام ‪.‬‬
‫ورغّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بردّ المظالم إلى أهلها قبل أن يحاسب النسان‬
‫عليها ‪ ,‬فعن أنسٍ رضي اللّه عنه قال ‪ « :‬غل السّعر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه‬
‫وسلّم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه سعّر لنا ‪ ،‬فقال إنّ اللّه هو المسعّر القابض الباسط الرّازق‬
‫وإنّي لرجو أن ألقى ربّي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دمٍ ول ما ٍل » ‪.‬‬
‫ونظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المظالم بنفسه لما رواه عبد اللّه بن الزبير ‪:‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم في شراج الحرّة‬
‫ل من النصار خاصم الزبير عند النّب ّ‬
‫« أنّ رج ً‬
‫الّتي يسقون بها النّخل ‪ ,‬فقال النصاري ‪ :‬سرّح الماء يمرّ ‪ ,‬فأبى عليه ‪ ,‬فاختصما عند‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للزبير ‪ :‬اسق يا زبير‬
‫النّب ّ‬
‫ثمّ أرسل الماء إلى جارك ‪ ,‬فغضب النصاري فقال ‪ :‬أن كان ابن عمّتك ‪ ,‬فتلوّن وجه‬
‫رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى‬
‫الجدر ‪ ,‬فقال الزبير ‪ :‬واللّه إنّي لحسب هذه الية نزلت في ذلك ‪ { :‬فَلَ َورَبّكَ َل ُي ْؤمِنُونَ‬
‫شجَ َر بَيْ َن ُهمْ } » ‪.‬‬
‫ح ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫حَ ّتىَ ُي َ‬
‫ولنّ رفع المظالم يعتبر من المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ,‬وهذا واجب على الخلفاء‬
‫والولة والقضاة وسائر المسلمين ‪.‬‬
‫حكمة مشروعيّة قضاء المظالم ‪:‬‬
‫ن السلم حارب الظلم‬
‫‪ -‬إنّ الحكمة من قضاء المظالم هي إقامة العدل ‪ ,‬ومنع الظلم ‪ ,‬ل ّ‬ ‫‪7‬‬

‫وجعله من أشدّ الرّذائل ‪ ,‬وأمر بالعدل وجعله من أعظم المقاصد ‪.‬‬


‫وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل من نظر في المظالم ‪ ,‬وفصل في المنازعات‬
‫الّتي تقع من الولة وذوي النفوذ والقارب ‪ ,‬وسار على سنّته الشّريفة الخلفاء الرّاشدون ‪.‬‬
‫وكان قضاء المظالم داخلً ‪ -‬بحسب أصله ‪ -‬في القضاء العاديّ ‪ ,‬وكان يتولّى الفصل في‬
‫ل ‪ ,‬وله ولية خاصّة ‪.‬‬
‫المظالم القضاة والخلفاء والمراء ‪ ,‬ثمّ صار قضا ًء مستق ً‬
‫قال أبو بك ٍر بن العربيّ ‪ :‬وأمّا ولية المظالم فهي ولية غريبة ‪ ,‬أحدثها من تأخّر من الولة‬
‫لفساد الولية ‪ ,‬وفساد النّاس ‪ ,‬وهي عبارة عن كلّ حكمٍ يعجز عنه القاضي ‪ ,‬فينظر فيه‬
‫ن التّنازع إذا كان بين ضعيفين قوّى أحدهما القاضي ‪ ,‬وإذا‬
‫من هو أقوى منه يدا ‪ ,‬وذلك أ ّ‬
‫كان بين قويّ وضعيفٍ ‪ ,‬أو قويّين ‪ ,‬والقوّة في أحدهما بالولية ‪ ,‬كظلم المراء والعمّال ‪,‬‬
‫فهذا ممّا نصب له الخلفاء أنفسهم ‪.‬‬
‫وبيّن الماورديّ الحكمة من ظهور قضاء المظالم ‪ ,‬فقال ‪ :‬ولم ينتدب للمظالم من الخلفاء‬
‫الربعة ‪ -‬الرّاشدين ‪ -‬أحد ‪ ,‬لنّهم كانوا في الصّدر الوّل ‪ ,‬مع ظهور الدّين عليهم ‪ ,‬بين‬
‫من يقوده التّناصف إلى الحقّ ‪ ,‬أو يزجره الوعظ عن الظلم ‪ ,‬وإنّما كانت المنازعات تجري‬
‫بينهم في أمو ٍر مشتبهةٍ ‪ ,‬يوضّحها حكم القضاء ‪ ,‬فاقتصر خلفاء السّلف على فصل‬
‫التّشاجر بالحكم والقضاء تعيينا للحقّ في جهته لنقيادهم إلى التزامه ‪ ,‬واحتاج علي رضي‬
‫اللّه عنه حين تأخّرت إمامته ‪ ,‬واختلط النّاس فيها وتجوّروا إلى فضل صرامةٍ في السّياسة‬
‫‪ ,‬وزيادة تيقظٍ في الوصول إلى غوامض الحكام ‪ ,‬فكان أوّل من سلك هذه الطّريقة ‪,‬‬
‫واستق ّل بها ‪ ,‬ولم يخرج فيها إلى نظر المظالم المحض لستغنائه عنه ‪ ,‬ثمّ انتشر المر‬
‫بعده حتّى تجاهر النّاس بالظلم والتّغالب ‪ ,‬ولم يكفهم زواجر العظة عن التّمانع والتّجاذب ‪,‬‬
‫فاحتاجوا في ردع المتغلّبين وإنصاف المغلوبين إلى نظر المظالم الّذي تمتزج به قوّة‬
‫السّلطنة بنصفة القضاء ‪ ,‬فكان أوّل من أفرد للظلمات يوما يتصفّح فيه قصص المتظلّمين‬
‫من غير مباشرةٍ للنّظر عبد الملك بن مروان ‪ ,‬ثمّ زاد من جور الولة وظلم العتاة ما لم‬
‫يكفهم عنه إل أقوى اليدي وأنفذ الوامر ‪ ,‬فكان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه أوّل من‬
‫ندب نفسه للنّظر في المظالم ‪ ،‬وقال ‪ :‬كل يومٍ أتّقيه وأخافه دون يوم القيامة ل وقيته ‪,‬‬
‫ثمّ جلس لها من خلفاء بني العبّاس جماعة ‪ ,‬فكان أوّل من جلس لها المهدي ث ّم الهادي ثمّ‬
‫الرّشيد ثمّ المأمون فآخر من جلس لها المهتدي ‪.‬‬
‫وهكذا صار النّظر في المظالم وردّها من واجبات الخليفة ‪ ,‬وهو المام العظم ‪ ,‬ومنه‬
‫تنتقل إلى اختصاص المير المعيّن على إقليمٍ أو بلدٍ ‪ ,‬عندما يكون عامّ النّظر ‪ ,‬ويتعاون‬
‫مع القضاة ‪ ,‬وهو ما قاله الماورديّ عن الوالي والمير ‪ :‬وأمّا نظره في المظالم ‪ ,‬فإن كان‬
‫ممّا نفّذت فيه الحكام ‪ ,‬وأمضاه القضاة والحكّام ‪ ,‬جاز له النّظر في استيفائه ‪ ,‬معونةً‬
‫للمحقّ على المبطل ‪ ,‬وانتزاعا للحقّ من المعترف المماطل ‪ ,‬لنّه موكول إلى المنع من‬
‫التّظالم والتّغالب ‪ ,‬ومندوب إلى الخذ بالتّعاطف والتّناصف ‪ ,‬فإن كانت المظالم ممّا تستأنف‬
‫فيها الحكام ‪ ,‬ويبتدأ فيها القضاء ‪ ,‬منع هذا المير ‪ ,‬لنّه من الحكام الّتي يتضمّنها عقد‬
‫إمارته وردهم إلى حاكم بلده ‪ ,‬فإن نفّذ حكمه لحدهم بحقّ ‪ ,‬قام باستيفائه إن ضعف عنه‬
‫الحاكم ‪ .‬واستقرّ المر على انفراد المظالم بولية مستقّل ٍة ‪ ,‬ويسمّى المتولّي ‪ :‬صاحب‬
‫المظالم ‪ ,‬ويختلف اسمه حسب الزمان والماكن ‪ ,‬وصار ينظر في كلّ أمرٍ عجز عنه‬
‫القضاة ‪ ,‬كما سنبيّنه في اختصاصه ‪ ,‬وصار قضاء المظالم ملزما للدّولة السلميّة طوال‬
‫التّاريخ ‪ ,‬واستق ّر على ذلك ‪.‬‬
‫قاضي المظالم ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬تعيين قاضي المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ المتصدّي للفصل في المظالم إمّا أن يكون الخليفة نفسه ‪ ,‬لنّه في الصل هو‬ ‫‪8‬‬

‫قاضي المّة ‪ ,‬وهو صاحب الحقّ الساسيّ في إقامة العدل ‪ ,‬ومنع الظلم ‪ ,‬والفصل في‬
‫المظالم ‪ ,‬وهو يتولّى ذلك بمقتضى البيعة ووليته العامّة ‪ ,‬فل يحتاج إلى تعيينٍ ‪.‬‬
‫وإمّا أن يكون المخوّل في نظر المظالم من له ولية عامّة كالحكّام والولة والمراء‬
‫والوزراء ‪ ,‬فهؤلء ل يحتاجون في النّظر في المظالم إلى تقليدٍ وتعيينٍ ‪ ,‬وكان لهم‬
‫بمقتضى وليتهم العامّة النّظر في ذلك ‪.‬‬
‫وإمّا أن يعيّن شخص خاص لقضاء المظالم ممّن ليس له ولية عامّة ‪ ,‬وهذا يحتاج إلى‬
‫تقلي ٍد من صاحب الولية العامّة كالخليفة والحكّام المفوّض لهم ذلك ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬شروط قاضي المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط في قاضي المظالم ‪ -‬بالضافة إلى شروط القاضي العا ّم ‪ -‬أن يكون جليل‬ ‫‪9‬‬

‫القدر نافذ المر ‪ ,‬عظيم الهيبة ‪ ,‬ظاهر العفّة ‪ ,‬قليل الطّمع ‪ ,‬كثير الورع لنّه يحتاج في‬
‫نظره إلى سطوة الحماة وتثبت القضاة فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين ‪.‬‬
‫قال ابن خلدونٍ عن ولية المظالم ‪ :‬هي وظيفة ممتزجة من سطوة السّلطنة ونصفة‬
‫القضاء فتحتاج إلى عل ّو يدٍ وعظيم رهب ٍة تقمع الظّالم من الخصمين وتزجر المعتدي وكأنّه‬
‫يمضي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫وتفصيل شروط القاضي في مصطلح ‪ ( :‬قضاء ف‬
‫ثالثا ‪ :‬رزق قاضي المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬الرّزق هو ما يرتّبه المام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين فإن كان‬ ‫‪10‬‬

‫يخرجه كلّ شهرٍ سمّي رزقا ‪ ,‬وإن كان يخرجه كلّ عا ٍم سمّي عطاءً ‪.‬‬
‫وناظر المظالم إن كان خليفةً أو أميرا أو واليا فرزقه حسب عمله ‪ ,‬ول يختص برزق‬
‫خاصّ لنظره في المظالم ‪ ,‬وإن كان ناظر المظالم قاضيا معيّنا لذلك فيعطى كفايته من بيت‬
‫مال المسلمين من الجزية والخراج والعشور ‪ ,‬لنّه عامل للمسلمين ‪ ,‬وحبس نفسه‬
‫لمصلحتهم ‪ ,‬لذلك يجب عليهم رزقه وراتبه ‪ ,‬كسائر الولة والقضاة والمفتين والمعلّمين ‪,‬‬
‫وهذا رأي جماهير الفقهاء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪58‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬قضاء ف‬
‫رابعا ‪ :‬اختصاصات قاضي المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬الصل في اختصاص المظالم المحافظة على الحقوق ‪ ,‬ومنع الظلمات ‪ ,‬ومحاسبة‬ ‫‪11‬‬

‫الولة والجباة ومراقبة موظّفي الدّولة إذا تجاوزوا حدود سلطتهم وصلحيّتهم أو ظلموا‬
‫النّاس في أعمالهم ‪.‬‬
‫ن اختصاص قاضي المظالم عام وشامل ‪ ,‬وهو ما يمارسه الخلفاء ‪ ,‬ومن له‬
‫والصل أ ّ‬
‫ولية عامّة كالوزراء المفوّضين ‪ ,‬وأمراء القاليم ‪ ,‬ومن ينوب عنهم من القضاة ‪ ,‬وهذه‬
‫ي رحمه اللّه تعالى ‪ ,‬وتبعه العلماء‬
‫الولية العامّة تشمل عشرة أمورٍ ذكرها الماورد ّ‬
‫والفقهاء ‪ ,‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬النّظر في تعدّي الولة على الرّعيّة وأخذهم بالعسف في السّيرة ‪ ,‬فهذا من لوازم‬ ‫‪1‬‬

‫النّظر في المظالم الّذي ل يقف على ظلمة متظّلمٍ فيكون لسيرة الولة متصفّحا ومكتشفا‬
‫أحوالهم ليقوّيهم إن أنصفوا ‪ ,‬ويكفّهم إن عسّفوا ‪ ,‬ويستبدل بهم إن لم ينصفوا ‪ ,‬ولم‬
‫يؤدوا واجبهم المنوط بهم ‪.‬‬
‫‪ -‬جور العمّال في جباية الموال بمقارنتها بالقوانين العادلة في دواوين الئمّة ‪ ,‬فيحمل‬ ‫‪2‬‬

‫النّاس عليها ‪ ,‬ويأخذ العمّال بها ‪ ,‬وينظر فيما استزادوه ‪ ,‬فإن رفعوه إلى بيت المال ‪ ,‬أمر‬
‫بردّه ‪ ,‬وإن أخذوه لنفسهم استرجعه لربابه ‪.‬‬
‫‪ -‬النّظر في كتّاب الدّواوين لنّهم أمناء المسلمين على بيوت أموالهم فيما يستوفونه‬ ‫‪3‬‬

‫له ‪ ,‬ويوفونه منه ‪ ,‬فيتصفّح أحوالهم فيما وكل إليهم من زيادةٍ أو نقصانٍ ‪.‬‬
‫وهذه القسام الثّلثة ل يحتاج والي المظالم في تصفحها إلى متظّلمٍ ‪ ,‬ويبادر إليها بنفسه‬
‫بدون دعوى ‪.‬‬
‫‪ -‬تظلم المسترزقة ‪ ,‬وهم الموظّفون من نقص أرزاقهم ‪ ,‬أو تأخرها عنهم ‪ ,‬وإجحاف‬ ‫‪4‬‬

‫النظّار بهم فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه ‪ ,‬وينظر فيما نقصوه‬
‫‪ ,‬أو منعوه من قبل ‪ ,‬فإن أخذه ولة أمورهم استرجعه منهم ‪ ,‬وإن لم يأخذوه قضاه من‬
‫بيت المال ‪.‬‬
‫‪ -‬رد الغصوب ‪ ,‬وهي قسمان ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أحدهما ‪ :‬غصوب سلطانيّة قد تغلّب عليها ولة الجور ‪ ,‬كالموال المقبوضة عن أربابها ‪,‬‬
‫إمّا لرغبة فيها ‪ ,‬وإمّا لتعدّ على أهلها ‪ ,‬فهذا إن علم به والي المظالم عند تصفح المور‬
‫أمر بردّه قبل التّظلم إليه ‪ ,‬وإن لم يعلم به فهو موقوف على تظلم أربابه ‪ ,‬ويجوز أن‬
‫يرجع فيه عند تظلمهم إلى ديوان السّلطنة ‪ ,‬فإذا وجد فيه ذكر قبضها على مالكها عمل‬
‫عليه ‪ ,‬وأمر بردّها عليه ‪ ,‬ولم يحتج إلى بيّن ٍة تشهد به ‪ ,‬وكان ما وجده في الدّيوان كافيا‬
‫‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬ما تغلّب عليه ذوو اليدي القويّة ‪ ,‬وتصرّفوا فيه تصرف الملك بالقهر والغلبة ‪,‬‬
‫فهذا موقوف على تظلم أربابه ‪ ,‬ول ينتزع من يد غاصبه إل بأحد أمو ٍر أربعةٍ ‪ ,‬إمّا‬
‫باعتراف الغاصب وإقراره ‪ ,‬وإمّا بعلم والي المظالم ‪ ,‬فيجوز له أن يحكم عليه بعلمه ‪,‬‬
‫وإمّا ببيّنة تشهد على الغاصب بغصبه ‪ ,‬أو تشهد للمغصوب منه بملكه ‪ ,‬وإمّا بتظاهر‬
‫الخبار الّتي ينفى عنها التّواطؤ ‪ ,‬ول يختلج فيها الشكوك ‪ ,‬لنّه لمّا جاز للشهود أن‬
‫يشهدوا في الملك بتظاهر الخبار كان حكم ولة المظالم بذلك أحقّ ‪.‬‬
‫‪ -‬مشارفة الوقوف وهي ضربان ‪ :‬عامّة وخاصّة ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫فأمّا العامّة فيبدأ بتصفحها ‪ ,‬وإن لم يكن فيها متظلّم ليجريها على سبيلها ‪ ,‬ويمضيها على‬
‫شروط واقفها إذا عرفها إمّا من دواوين الحكّام المندوبين لحراسة الحكام ‪ ,‬وإمّا من‬
‫دواوين السّلطنة على ما جرى فيها من معاملةٍ ‪ ,‬أو ثبت لها من ذك ٍر وتسميةٍ ‪ ,‬وإمّا من‬
‫كتبٍ فيها قديمةٍ تقع في النّفس صحّتها ‪ ,‬وإن لم يشهد الشهود بها ‪ ,‬لنّه ل يتعيّن الخصم‬
‫فيها ‪ ,‬فكان الحكم أوسع منه في الوقوف الخاصّة ‪.‬‬
‫وأمّا الوقوف الخاصّة فإنّ نظره فيها موقوف على تظلم أهلها عند التّنازع فيها ‪ ,‬لوقفها‬
‫على خصومٍ متعيّنين ‪ ,‬فيعمل عند التّشاجر فيها على ما تثبت به الحقوق عند الحاكم ‪ ,‬ول‬
‫يجوز أن يرجع إلى ديوان السّلطنة ‪ ,‬ول إلى ما يثبت من ذكرها من الكتب القديمة إذا لم‬
‫يشهد بها شهود معدّلون ‪.‬‬
‫‪ -‬تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة لضعفهم عن إنفاذها ‪ ,‬وعجزهم عن المحكوم عليه ‪,‬‬ ‫‪7‬‬

‫لتعذره وقوّة يده ‪ ,‬أو لعلوّ قدره ‪ ,‬وعظم خطره ‪ ,‬فيكون ناظر المظالم أقوى يدا ‪ ,‬وأنفذ‬
‫أمرا ‪ ,‬فينفذ الحكم على من توجّه إليه بانتزاع ما في يده ‪ ,‬أو بإلزامه الخروج عمّا في‬
‫ذمّته ‪.‬‬
‫‪ -‬النّظر فيما عجز عنه النّاظرون في الحسبة في المصالح العامّة كالمجاهرة بمنكر‬ ‫‪8‬‬

‫ق لم يقدر على ردّه‬


‫ضعف عن دفعه ‪ ,‬والتّعدّي في طريقٍ عجز عن منعه ‪ ,‬والتّحيف في ح ّ‬
‫ق اللّه تعالى في الجميع ‪ ,‬ويأمر بحملهم على موجبه ‪.‬‬
‫‪ ,‬فيأخذهم والي المظالم بح ّ‬
‫‪ -‬مراعاة العبادات الظّاهرة كالجمع والعياد ‪ ,‬والحجّ ‪ ,‬والجهاد ‪ ,‬والزّكاة ‪ ,‬عند‬ ‫‪9‬‬

‫ن حقوق اللّه تعالى أولى أن تستوفى وفروضه أحق‬


‫التّقصير فيها ‪ ,‬وإخلل شروطها ‪ ,‬فإ ّ‬
‫أن تؤدّى ‪ ,‬وهذا من المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ,‬والتّناصح ‪ ,‬والدّعوة والتّذكير ‪.‬‬
‫‪ -‬النّظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين ‪ ,‬فل يخرج في النّظر بينهم عن‬ ‫‪10‬‬

‫ق ومقتضاه ‪ ,‬ول يسوغ أن يحكم بينهم إل بما يحكم به الحكّام والقضاة ‪ ,‬وربّما‬
‫موجب الح ّ‬
‫اشتبه حكم المظالم على النّاظرين فيها ‪ ,‬فيجورون في أحكامها ‪ ,‬ويخرجون إلى الحدّ الّذي‬
‫ل يسوغ ‪ ,‬وهذا من عمل القضاة ‪.‬‬
‫الفرق بين اختصاص المظالم واختصاص القضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬الفرق بين قضاء المظالم والقضاء العاديّ يظهر في الجوانب التّالية ‪:‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -‬إنّ لنظّار المظالم من فضل الهيبة ‪ ,‬وقوّة اليد ما ليس للقضاة في كفّ الخصوم عن‬ ‫‪1‬‬

‫التّجاحد ‪ ,‬والمبالغة في إنكار الحقّ في كل الجانبين ‪ ,‬ومنع الظّلمة من التّغالب ‪ ,‬والتّجاذب‬


‫‪ - 2 .‬إنّ نظر المظالم يخرج عن ضيق الوجوب في التّحقيق والثبات والحكام والتّنفيذ‬
‫إلى سعة الجواز ‪ ,‬فيكون أفسح مجالً ‪ ,‬وأوسع مقالً ‪.‬‬
‫‪ -‬يستعمل ناظر المظالم من فضل الرهاب ‪ ,‬وكشف السباب بالمارات الدّالّة ‪ ,‬وشواهد‬ ‫‪3‬‬

‫ق ‪ ,‬ومعرفة المبطل من‬


‫الحوال اللئحة ‪ ,‬ما يضيّق على الحكّام ‪ ,‬فيصل به إلى ظهور الح ّ‬
‫المحقّ ‪.‬‬
‫‪ -‬يقابل ناظر المظالم من ظهر ظلمه بالتّأديب ‪ ,‬ويأخذ من بان عدوانه بالتّقويم‬ ‫‪4‬‬

‫والتّهذيب ‪.‬‬
‫‪ -‬لناظر المظالم استمهال الخصوم ‪ ,‬وتأجيل الفصل في النّزاع ‪ ,‬والتّأنّي في ترداد‬ ‫‪5‬‬

‫الطراف عند اشتباه المور ‪ ,‬واستبهام الحقوق ‪ ,‬ل ُي ْمعِن في الكشف عن السباب وأحوال‬
‫الخصوم ما ليس للقضاة إذا سألهم أحد الخصمين فصل الحكم ‪ ,‬فل يسوغ أن يؤخّره‬
‫الحاكم ‪ ,‬ويسوغ أن يؤخّره والي المظالم ‪.‬‬
‫‪ -‬لناظر المظالم رد الخصوم إذا أعضلوا ‪ ,‬أي تعذّر التّوفيق بينهم ‪ ,‬إلى وساطة المناء‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ,‬ليفصلوا في التّنازع بينهم صلحا عن تراضٍ ‪ ,‬وليس للقاضي ذلك إل عن رضا الخصمين‬
‫بالرّ ّد إلى الصلح ‪.‬‬
‫‪ -‬لناظر المظالم أن يفسح في ملزمة الخصمين إذا وضحت أمارات التّجاحد ‪ ,‬ويأذن في‬ ‫‪7‬‬

‫إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التّكفل ‪ ,‬لينقاد الخصوم إلى التّناصف ‪ ,‬ويعدلوا عن التّجاحد‬
‫والتّكاذب ‪.‬‬
‫‪ -‬لناظر المظالم أن يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاء في‬ ‫‪8‬‬

‫شهادة المعدّلين فقط ‪.‬‬


‫‪ -‬يجوز لناظر المظالم إحلف الشهود عند ارتيابه بهم إذا بذلوا أيمانهم طوعا ‪,‬‬ ‫‪9‬‬

‫ويستكثر من عددهم ليزول عنه الشّك ‪ ,‬وينفي عنه الرتياب ‪ ,‬وليس ذلك للحاكم العاديّ ‪.‬‬
‫‪ -‬يجوز لناظر المظالم أن يبتدئ باستدعاء الشهود ‪ ,‬ويسأل عمّا عندهم في تنازع‬ ‫‪10‬‬

‫الخصوم ‪ ,‬أمّا عادة القضاة فهي تكليف المدّعي إحضار بيّنته ‪ ,‬ول يسمعونها إل بعد‬
‫مسألته وطلبه ‪.‬‬
‫الفرق بين اختصاص المظالم والحسبة ‪:‬‬
‫‪ -‬تتّفق المظالم مع الحسبة في أمورٍ وتختلف في أمورٍ أخرى ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫أمّا وجه الشّبه بين المظالم والحسبة ‪ ,‬فهي أمران وهما ‪:‬‬
‫‪ -‬أنّ موضوع المظالم والحسبة يعتمد على الرّهبة وقوّة الصّرامة المختصّة بالسّلطنة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يجوز للقائم في المظالم والحسبة أن ينظر من تلقاء نفسه ‪ ,‬وفي حدود اختصاصه‬ ‫‪2‬‬

‫ع في‬
‫لسباب المصالح ‪ ,‬وإنكار العدوان ‪ ,‬واللزام في أحكام الشّرع ‪ ,‬بدون حاجةٍ إلى مدّ ٍ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫أمّا أوجه الختلف بين المظالم والحسبة فهي ‪:‬‬
‫‪ -‬أنّ النّظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة ‪ ,‬أمّا النّظر في الحسبة فموضوع‬ ‫‪1‬‬

‫لما ترفّع عنه القضاة ‪ ,‬أو ل حاجة لعرضه على القضاء ‪ ,‬فكانت رتبة المظالم أعلى ورتبة‬
‫الحسبة أخفض منه ‪ ,‬ويترتّب على ذلك أنّه يجوز لوالي المظالم أن يوقّع ‪ -‬يخاطب‬
‫ويراسل ‪ -‬إلى القضاة والمحتسب ‪ ,‬ولم يجز للقاضي أن يوقّع إلى والي المظالم ‪ ,‬ويجوز‬
‫له أن يوقّع إلى المحتسب ‪ ,‬ول يجوز للمحتسب أن يوقّع إلى واحدٍ منهما ‪.‬‬
‫‪ -‬يجوز لوالي المظالم أن ينظر في دعاوى المتخاصمين ‪ ,‬ويفصل بينهما ‪ ,‬ويصدر‬ ‫‪2‬‬

‫حكما ‪ ,‬قضائيا قابلً للتّنفيذ ‪ ,‬أمّا والي الحسبة فل يجوز له أن يصدر حكما لنّه مختص‬
‫ج‪.‬‬
‫ت وحجا ٍ‬
‫في المور الظّاهرة الّتي ل اختلف فيها ول تنازع ‪ ,‬ول تحتاج إلى بيّنةٍ وإثبا ٍ‬
‫طرق النّظر في المظالم ومكانه وأوقاته ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬مجلس النّظر في المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬يستعين قاضي المظالم بالعوان الّذين يساعدونه في أداء مهمّته الجسيمة ‪,‬‬ ‫‪14‬‬

‫ويستكمل بهم مجلس نظره ‪ ,‬ول يستغني عنهم ‪ ,‬ول ينتظم نظره إل بهم ‪ ,‬ولذلك فإنّ‬
‫مجلس النّظر في المظالم يتم تشكيله كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬رئيس المجلس ‪ ,‬وهو والي المظالم ‪ ,‬أو قاضي المظالم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الحماة والعوان لجذب القويّ ‪ ,‬وتقويم الجريء ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬القضاة والحكّام ‪ ,‬لستعلم ما ثبت عندهم من الحقوق ‪ ,‬ومعرفة ما يجري في‬ ‫‪3‬‬

‫مجالسهم بين الخصوم ‪.‬‬


‫‪ -‬الفقهاء ‪ ,‬ليرجع إليهم فيما أشكل ‪ ,‬ويسألهم عمّا اشتبه وأعضل ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ -‬الكتّاب ‪ ,‬ليثبتوا ما جرى بين الخصوم ‪ ,‬وما توجّه لهم أو عليهم من الحقوق ‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫ويشترط في الكاتب أن يكون عالما بالشروط والحكام ‪ ,‬والحلل والحرام ‪ ,‬مع جودة الخطّ‬
‫‪ ,‬وحسن الضّبط ‪ ,‬والبعد عن الطّمع ‪ ,‬والمانة والعدالة ‪.‬‬
‫‪ -‬الشهود ‪ ,‬ليشهدوا على ما أوجبه قاضي المظالم من حقّ ‪ ,‬وأمضاه من حكمٍ وهم‬ ‫‪6‬‬

‫شهود للقاضي نفسه حتّى يتمّ التّنفيذ ‪ ,‬ويستبعد النكار والجحود ‪.‬‬
‫فإن استكمل مجلس المظالم هؤلء السّتّة شرع حينئذٍ في نظر المظالم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التّدابير المؤقّتة في النّظر بالمظالم ‪:‬‬
‫صةٍ ‪ ,‬قبل النّظر في دعوى‬
‫‪ -‬يحق لقاضي المظالم القيام بتدابير مؤقّتةٍ ‪ ,‬وإجراءاتٍ خا ّ‬ ‫‪15‬‬

‫المظالم ‪ ,‬وأثناء النّظر فيها ‪ ,‬أهمها ‪:‬‬


‫‪ -‬الكفالة ‪ :‬وذلك بتكليف المدّعى عليه ‪ -‬المدين ‪ -‬بتقديم كفالةٍ بأصل الدّين ‪ ,‬ريثما‬ ‫‪1‬‬

‫يفصل في المر ‪ ,‬قال الماورديّ ‪ :‬وعلى والي المظالم أن ينظر في الدّعوى ‪ ,‬فإن كانت‬
‫مالً ‪ ,‬في ال ّذمّة كلّفه القاضي إقامة كفيلٍ ‪.‬‬
‫‪ -‬الحجر ‪ :‬قال الماورديّ ‪ :‬وإن كانت الدّعوى عينا قائمةً كالعقار حجر عليه فيها حجرا‬ ‫‪2‬‬

‫ن يحفظه على مستحقّه منهما ‪ ,‬وبما أنّ‬


‫ل يرتفع به حكم يده ‪ ,‬ويرد استغللها إلى أمي ٍ‬
‫الحجر من جهةٍ ‪ ,‬ووضع المال عند أمينٍ من جهةٍ أخرى ‪ ,‬قد ينتج عنهما ضرر وأذىً‬
‫لصاحب الحقّ ‪ ,‬ولذلك تشدّد فيهما الفقهاء ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬فأمّا الحجر عليه فيها ‪ ,‬وحفظ‬
‫استغللها مدّة الكشف والوساطة فمعتبر بشواهد أحوالهما ‪ ,‬واجتهاد والي المظالم فيما‬
‫يراه بينهما إلى أن يثبت الحكم بينهما ‪.‬‬
‫ن لوالي المظالم أن يكشف عن الحال من جيران‬
‫‪ -‬إجراء المعاينة والتّحقيق المحلّيّ ‪ ,‬فإ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫ق‪.‬‬
‫ق ‪ ,‬ومعرفة المح ّ‬
‫الملك ‪ ,‬ومن جيران المتنازعين فيه ‪ ,‬ليتوصّل بهم إلى وضوح الح ّ‬
‫‪ -‬الستكتاب والتّطبيق والمضاهاة ‪ ,‬وذلك إذا أنكر المدّعى عليه الخطّ ‪ ,‬فإنّ والي‬ ‫‪4‬‬

‫المظالم يختبر خطّه ‪ ,‬باستكتابه بخطوطه الّتي يكتبها ‪ ,‬ويكلّفه الكثار من الكتابة ليمنعه‬
‫من التّصنع فيها ‪ ,‬ثمّ يجمع بين الخطّين ‪ ,‬فإذا تشابها حكم به عليه ‪ ,‬وهذا قول من جعل‬
‫اعترافه الخطّ موجبا للحكم به ‪ ,‬والّذي عليه المحقّقون منهم أنّهم ل يفعلون ذلك للحكم‬
‫ط أضعف منها مع اعترافه به ‪ ,‬وترفع‬
‫عليه ‪ ,‬ولكن لرهابه وتكون الشبهة مع إنكاره للخ ّ‬
‫الشبهة إن كان الخط منافيا لخطّه ‪ ,‬ويعود الرهاب على المدّعي ثمّ يردّان إلى الوساطة‬
‫فإن أفضى الحال إلى الصلح وإل بتّ القاضي الحكم بينهما باليمان ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التّسوية بين الخصمين ‪:‬‬
‫صةً ‪ ,‬التّسوية بين الخصمين أمام‬
‫‪ -‬يقتضي نظام القضاء عا ّمةً ‪ ,‬وقضاء المظالم خا ّ‬ ‫‪16‬‬

‫القاضي ‪ ,‬في الجلوس والقبال ‪ ,‬والشارة والنّظر ‪ ,‬دون التّفريق بين كبي ٍر وصغيرٍ ‪,‬‬
‫وراعٍ ورع ّيةٍ ‪ ,‬وشريفٍ وغيره ‪ ,‬فالكل أمام العدل سواء ‪ ,‬لما روته أم سلمة رضي اللّه‬
‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬من ابتلي بالقضاء بين النّاس فليعدل بينهم‬
‫عنها أ ّ‬
‫في لحظه وإشارته ومقعده » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬تسوية ف ‪ , 9‬وقضاء ف‬
‫رابعا ‪ :‬وقت النّظر في المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬على الولة الّذين يمارسون قضاء المظالم بجانب أعمالهم أن يخصّصوا يوما معلوما‬ ‫‪17‬‬

‫في السبوع للنّظر في المظالم ‪ ,‬ليقصده المتظلّمون ‪ ,‬ويتفرّغ الولة في سائر اليّام‬
‫لعمالهم الخرى ‪ ,‬وكانت المظالم في العهود الولى قليل ًة ومحدودةً ‪ ,‬وكان بعض الخلفاء‬
‫ينظر في المظالم في جميع الوقات متى حضرت مظلمة ‪ ,‬فكان المهدي مثلً يجلس في كلّ‬
‫ت لردّ المظالم ‪.‬‬
‫وق ٍ‬
‫أمّا إن كان قاضي المظالم متعيّنا لذلك ‪ ,‬ومتفرّغا له ‪ ,‬فيكون نظره فيها في جميع اليّام ‪,‬‬
‫وفي جميع الوقات ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬مكان المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬كان النّظر في المظالم في مكان الخليفة في دار الخلفة ‪ ,‬أو مكان الوالي ‪ ,‬أو في‬ ‫‪18‬‬

‫ص ‪ ,‬وكيانٍ مستقلّ خصّصت لها دار معيّنة‬


‫المسجد ‪ ,‬ولمّا أفردت المظالم بديوان خا ّ‬
‫يقصدها المتظلّمون ‪ ,‬وتعقد فيها جلسات النّظر في المظالم ‪ ,‬ويجتمع فيها أصحاب العلقة‬
‫في المر ‪ .‬وذكر الطّبريّ أنّه في أيّام العبّاسيّين خصّصت دار للمظالم في بغداد ‪ ,‬ث ّم بنى‬
‫السلطان الصّالح العادل نور الدّين محمود بن زنكيّ الشّهيد دار العدل بدمشق لكشف‬
‫الظلمات بسبب ما جرى فيها من ظلم بعض أمرائه للنّاس ‪ ,‬فكان ينصف من وزرائه‬
‫وأمرائه الرّعيّة ‪ ,‬وكذلك أنشأ الظّاهر بيبرس بمصر دار العدل ‪ ,‬وحكم بين النّاس ‪,‬‬
‫وأنصف المظلوم ‪ ,‬وخلّص الحقوق ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ولزيادة التّفصيل يرجع إلى مصطلح ‪ ( :‬قضاء ف‬
‫سادسا ‪ :‬الدّعوى في المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬الصل في ر ّد المظالم أنّها واجبة على المام والخليفة ‪ ,‬والوالي والمير ‪,‬‬ ‫‪19‬‬

‫ق أخذه بل دعوى إن قدر عليه ‪.‬‬


‫والمحتسب وقاضي المظالم ‪ ,‬ويجوز لصاحب الح ّ‬
‫قال القرافي ‪ :‬كل أمرٍ مجم ٍع على ثبوته ‪ ,‬وتعيّن الحق فيه ‪ ,‬ول يؤدّي أخذه إلى فتنةٍ‬
‫وتشاج ٍر ‪ ,‬ول فساد عرضٍ أو عضوٍ يجوز أخذه من غير رفعٍ للحاكم ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬القضاء بالسّياسة الشّرعيّة في المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ التّحقيق والثبات في قضاء المظالم أوسع من القضاء العاديّ ‪ ,‬ويستطيع والي‬ ‫‪20‬‬

‫المظالم أو قاضي المظالم أن يعتمد على السّياسة الشّرعيّة العامّة في قضائه ‪ ,‬لذلك قال‬
‫الماورديّ ‪ :‬فأمّا نظر المظالم الموضوع على الصلح فعلى الجائز ‪ ,‬دون الواجب ‪ ,‬فيسوغ‬
‫فيه مثل هذا عند ظهور الرّيبة وقصد العناد ‪ ,‬ويبالغ في الكشف بالسباب المؤدّية إلى‬
‫ظهور الحقّ ‪ ,‬ويصون المدّعى عليه بما اتّسع في الحكم ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬وربّما تلطّف والي المظالم في إيصال المتظلّم إلى حقّه ‪ ,‬بما يحفظ معه‬
‫حشمة المتظلّم منه ‪ ,‬أو مواضعة المطلوب على ما يحفظ به حشمة نفسه ‪.‬‬
‫فإذا كان الظلم واضحا اكتفى قاضي المظالم بالبيّنة اليسيرة المؤدّية إلى القناعة الوجدانيّة‬
‫‪ ,‬ولذلك قال ابن عبد الحكم ‪ :‬كان عمر بن عبد العزيز يرد المظالم إلى أهلها بغير البيّنة‬
‫القاطعة ‪ ,‬وكان يكتفي باليسير إذا عرف وجه مظلمة الرّجل ردّها عليه ‪ ,‬ولم يكلّفه تحقيق‬
‫البيّنة ‪ ,‬كما يعرف من غشم ‪ -‬ظلم ‪ -‬الولة قبله على النّاس ‪ ,‬ولقد أنفذ بيت مال العراق‬
‫في ردّ المظالم حتّى حمل إليها من الشّام ‪.‬‬
‫وفي ذلك إطلق ليد صاحب المظالم وتوسعة عليه ‪ ,‬لمواجهة حالت الضّرورات والنّوازل‬
‫والحوادث ‪ ,‬وهو ما قصده الخليفة الرّاشد عمر بن عبد العزيز بقوله ‪ :‬تحدث للنّاس‬
‫أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ‪.‬‬
‫وهو ما يقوم به القاضي بالجتهاد والتّحرّي ‪.‬‬
‫فالقضاء بالسّياسة الشّرعيّة العادلة الّتي تخرج الحقّ من الظّالم ‪ ,‬وترفع كثيرا من المظالم‬
‫‪ ,‬وتردع أهل الفساد ‪ ,‬هي جزء من الشّريعة ‪ ,‬وباب من أبوابها ‪ ,‬وليست مخالفةً لها ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬التّنفيذ ‪:‬‬
‫‪ -‬وهو تنفيذ الحكام وهو الهدف الخير من وجود القضاء والمحاكم ‪ ,‬ول سيّما في‬ ‫‪21‬‬

‫قضاء المظالم ‪ ,‬إذا عجز القضاة عن تنفيذ أحكامها على المحكوم عليه ‪ ,‬لتعززه وقوّة يده‬
‫‪ ,‬أو لعلوّ قدره ‪ ,‬وعظم خطره ‪ ,‬فيكون ناظر المظالم أقوى يدا ‪ ,‬وأنفذ أمرا ‪ ,‬فينفّذ الحكم‬
‫على من يوجّه إليه ‪ ,‬بانتزاع ما في يده ‪ ,‬أو بإلزامه الخروج ممّا في ذمّته ‪.‬‬
‫توقيعات قاضي المظالم ‪:‬‬
‫ص ‪ ,‬والجواب من آخر ‪ ,‬والبيّنة‬
‫‪ -‬التّوقيع ‪ :‬هو الكتاب الّذي يتضمّن الدّعاء من شخ ٍ‬ ‫‪22‬‬

‫على ذلك ‪ ,‬والمقصود بالتّوقيعات هنا ‪ :‬هي الكتب الّتي تصدر عن والي المظالم ‪ ,‬ويرسلها‬
‫ص أو لجنةٍ ‪ ,‬ليطلعهم على ما جرى عنده من‬
‫إلى غيره بإحالة موضوع المنازعة إلى شخ ٍ‬
‫تظلمٍ وأحكامٍ وقصص المتظلّمين إليه ‪ ,‬بقصد تحضير الدّعوى ‪ ,‬أو التّحقيق فيها ‪ ,‬أو‬
‫النّظر بينهم ‪ ,‬والفصل فيها ‪.‬‬
‫‪ -‬وقسّم الماورديّ ‪ ,‬توقيعات قاضي المظالم إلى قسمين حسب حال الموقّع إليه ‪:‬‬ ‫‪23‬‬

‫القسم الوّل ‪ :‬أن يكون الموقّع إليه مختصا أصلً بالنّظر في المظالم ‪ ,‬كالتّوقيع إلى‬
‫القاضي المكلّف بالنّظر في المظالم ‪ ,‬وهذا ينقسم إلى نوعين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون التّوقيع إذنا للقاضي للفصل في الدّعوى والحكم فيها ‪ ,‬وهنا يجوز له الحكم‬
‫بأصل الولية ‪ ,‬ويكون التّوقيع تأكيدا ل يؤثّر فيه قصور معانيه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يقتصر التّوقيع على مجرّد الكشف والتّحقيق والوساطة بين الخصمين لنهاء‬
‫النّزاع ‪ ,‬وقد يقترن ذلك بالنّهي عن الحكم فيه ‪ ,‬فل يجوز للقاضي أن يحكم في القضيّة‬
‫وإن لم ينهه الكاتب في التّوقيع عن الحكم بينهما فيكون نظر القاضي على عمومه في‬
‫ث ‪ :‬يكون‬
‫جواز الحكم بينهما ‪ ,‬وفي قو ٍل ضعيفٍ يكون ذلك منعا من الحكم ‪ ,‬وفي قولٍ ثال ٍ‬
‫ن فحوى‬
‫ممنوعا من الحكم ومقصورا على ما تضمّنه التّوقيع من الكشف والوساطة ‪ ,‬ل ّ‬
‫التّوقيع دليل عليه ‪.‬‬
‫وإذا كان التّوقيع بمجرّد الوساطة فل يلزم القاضي المحال إليه بإنهاء الحال ‪ ,‬وإخطاره إلى‬
‫قاضي المظالم بعد الوساطة ‪ ,‬وإن كان التّوقيع بكشف الصورة ‪ ,‬أو بالتّحقيق وإبداء الرّأي‬
‫لزمه إنهاء حالهما إليه ‪ ,‬لنّه استخبار منه فلزم إجابته ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬أن يكون الموقّع إليه ل ولية له في نظر المظالم ‪ ,‬كتوقيعه إلى فقي ٍه أو‬
‫شاهدٍ ‪ ,‬وهذا القسم له ثلث صورٍ ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون التّوقيع للتّحقيق وكشف الصورة وإبداء الرّأي ‪ ,‬فعلى الموقّع إليه أن يكشفها‬
‫‪ ,‬وينهي منها لقاضي المظالم ما يصح أن يشهد به ‪ ,‬ويجوز لوالي المظالم الموقّع أن‬
‫يحكم به ‪ ,‬وإل كان مجرّد خب ٍر ل يجوز للموقّع أن يحكم به ‪ ,‬ولكن يجعله في نظر المظالم‬
‫من المارات الّتي يغلب بها حال أحد الخصمين في الرهاب ‪ ,‬وفضل الكشف ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكون التّوقيع بالوساطة ‪ ,‬فيتوسّط الموقع إليه بينهما ‪ ,‬فإن أفضت الوساطة إلى‬
‫صلح الخصمين لم يلزمه إنهاؤها إلى والي المظالم ‪ ,‬ويعتبر شاهدا فيها ‪ ,‬إذا استدعي‬
‫ل ‪ ,‬وإن لم تفض الوساطة إلى الصلح بين الطّرفين كان الوسيط‬
‫للشّهادة بشأنها مستقب ً‬
‫شاهدا فيما اعترفا به عنده يؤدّيه إلى النّاظر في المظالم إن عاد الخصمان إلى التّظلم‬
‫وطلب الشّهادة ‪ ,‬ول يلزمه أداؤها إن لم يعودا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يكون التّوقيع للشّخص بالحكم بين الخصمين ‪ ,‬فهذا يعني إسناد ولي ٍة له ‪ ,‬ويتعيّن‬
‫مراعاة فحوى قرار الحالة لعمال القضاء ‪ ,‬ليكون نظره محمولً على موجبه ‪.‬‬
‫‪ -‬كما قسّم الماورديّ توقيعات قاضي المظالم حسب مضمون الكتاب إلى قسمين ‪,‬‬ ‫‪24‬‬

‫وهما ‪:‬‬
‫القسم الوّل ‪ :‬أن تكون عبارة الحالة متضمّنةً إجابة الخصم إلى ملتمسه ‪ ,‬فيعتبر فيه‬
‫حينئ ٍذ ما سأل الخصم في ظلمته ‪ ,‬ويصير النّظر مقصورا عليه ‪ ,‬فإن سأل الوساطة أو‬
‫الكشف للصورة ‪ ,‬أي التّحقيق فيها ‪ ,‬كانت الحالة موجبةً له ‪ ,‬وكان النّظر مقصورا عليه‬
‫‪ ,‬سواء خرج التّوقيع مخرج المر ‪ ,‬كقوله ‪ :‬أجبه إلى ملتمسه ‪ ,‬أو خرج مخرج الحكاية ‪,‬‬
‫كقوله ‪ :‬رأيك في إجابة ملتمسه ‪ ,‬كان موقعا ‪ ,‬لنّه ل يقتضي وليةً يلزم حكمها ‪ ,‬فكان‬
‫أمرها أخفّ ‪ ,‬وإن سأل المتظلّم الحكم بينه وبين خصمه فل بدّ أن يكون الخصم مس ّمىً ‪,‬‬
‫ح ولية الفصل في النّزاع عليهما ‪.‬‬
‫والخصومة مذكورة ‪ ,‬لتص ّ‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬أن تكون الحالة أو التّفويض متضمّنا إجابة الخصم إلى ما سأل ‪ ,‬على أن‬
‫يستأنف فيه المر ‪ ,‬وتتحدّد الولية بمضمون قرار الحالة ‪ ,‬ولها ثلث صورٍ ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن تكون الحالة كامل ًة في صحّة الولية ‪ ,‬وهذا يتضمّن المر بالنّظر ‪ ,‬والمر بالحكم‬
‫‪ ,‬ويكون الحكم بالحقّ الّذي يوجبه الشّرع ‪ ,‬وهذا هو التّوقيع الكامل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ل يكون قرار الحالة كاملً ‪ ,‬بل تضمّن المر بالحكم دون النّظر ‪ ,‬فيذكر في‬
‫توقيعه مثلً ‪ :‬أحكم بين رافع هذه القصّة وبين خصمه ‪ ,‬أو يقول ‪ :‬اقض بينهما ‪ ,‬فتصح‬
‫ن الحكم والقضاء بينهما ل يكون إل بعد تقدم النّظر ‪ ,‬فصار المر به‬
‫الولية بذلك ‪ ,‬ل ّ‬
‫متضمّنا للنّظر ‪ ,‬لنّه ل يخلو منه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يخلو التّوقيع من الكمال والجواز ‪ ,‬بأن يذكر في التّوقيع ‪ :‬انظر بينهما ‪ ,‬فل تنعقد‬
‫بهذا التّوقيع ولية ‪ ,‬لنّ النّظر بينهما يحتمل الوساطة الجائزة ‪ ,‬ويحتمل الحكم اللزم ‪,‬‬
‫وهما في الحتمال سواء ‪ ,‬فلم تنعقد الولية به مع الحتمال ‪.‬‬
‫ن الحقّ‬
‫ن الولية منعقدة ‪ ,‬ل ّ‬
‫أمّا إن قال له ‪ :‬انظر بينهما بالحقّ ‪ ,‬ففيه اختلف ‪ ,‬فقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ما لزم ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ل تنعقد به ‪ ,‬لنّ الصلح والوساطة حق ‪ ,‬وإن لم يلزمه ‪.‬‬
‫كيفيّة ر ّد المظالم ‪:‬‬
‫‪ -‬رغّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بردّ المظالم إلى أهلها قبل أن يحاسب عليها ‪,‬‬ ‫‪25‬‬

‫وطلب ممّن ارتكب مظلمةً أن يتحلّلها من صاحبها بأسرع ما يمكن ‪ ,‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫اللّه عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬من كانت له مظلمة لخيه من‬
‫عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم ‪ ،‬قبل أن ل يكون دينار ول درهم ‪ ،‬إن كان له عمل‬
‫صالح أخذ بقدر مظلمته ‪ ،‬وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه » ‪.‬‬
‫وحدّد النّووي كيفيّة ر ّد المظالم إلى أصحابها فقال ‪ :‬إن كانت المعصية قد تعلّق بها حق‬
‫مالي ‪ ,‬كمنع الزّكاة ‪ ,‬والغصب ‪ ,‬والجنايات في أموال النّاس ‪ ,‬وجب مع ذلك تبرئة ال ّذمّة‬
‫عنه بأن يؤدّي الزّكاة ‪ ,‬ويردّ أموال النّاس إن بقيت ‪ ,‬ويغرم بدلها إن لم تبق ‪ ,‬أو يستحل‬
‫ق ‪ ,‬وأن يوصّله إليه إن‬
‫المستحقّ فيبرئه ‪ ,‬ويجب أن يعلم المستحقّ بالحقّ إن لم يعلم بالح ّ‬
‫كان غائبا إن كان غصبه هناك ‪ ,‬فإن مات سلّمه إلى وارثه ‪ ,‬فإن لم يكن له وارث ‪,‬‬
‫وانقطع خبره رفعه إلى قاضٍ ترضى سيرته وديانته ‪ ,‬فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء‬
‫بنيّة الضّمان له إن وجده ‪ ,‬وإن كان معسرا نوى الضّمان إذا قدر ‪ ,‬فإن مات قبل القدرة‬
‫ي كالقصاص وحدّ‬
‫فالمرجو من فضل اللّه تعالى المغفرة ‪ ,‬وإن كان حقا للعباد وليس بمال ّ‬
‫ق ويمكّنه من الستيفاء فإن شاء اقتصّ وإن شاء عفا ‪.‬‬
‫القذف فيأتي المستح ّ‬
‫وذكر مثله الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة مع تفصيلٍ في الفروع ‪.‬‬
‫وقال الغزالي ‪ :‬أمّا الجناية على القلوب بمشافهة النّاس بما يسوءهم أو يصيبهم في الغيب‬
‫فليطلب من كلّ من تعرّض له بلسانه أو آذى قلبه بفعل من أفعاله ‪ ,‬وليحل واحدا واحدا‬
‫منهم ‪ ،‬ومن مات أو غاب فل يتدارك إل بكثير الحسنات ‪ ,‬ثمّ تبقى له مظلمة ‪ ,‬فليجبرها‬
‫بالحسنات كما يجبر مظلمة الميّت والغائب ‪.‬‬
‫توقف قبول التّوبة على ردّ المظالم ‪:‬‬
‫ن التّوبة بمعنى‬
‫‪ -‬يشترط في التّوبة رد المظالم إلى أهلها ‪ ,‬أو تحصيل البراءة منها ‪ ,‬ل ّ‬ ‫‪26‬‬

‫النّدم على ما مضى ‪ ,‬والعزم على عدم العود لمثله ل يكفي في التّوبة وإسقاط الحقوق ‪,‬‬
‫سواء كانت من حقوق اللّه تعالى كالزّكوات والكفّارات والنذور ‪ ,‬أو من حقوق العباد كردّ‬
‫المال المغصوب والجنايات في الموال والنفس ‪ ,‬ور ّد المال المسروق وغيره ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة عن التّوبة ‪ :‬وإن كانت توجب عليه حقا للّه تعالى ‪ ,‬أو لدميّ ‪ ,‬كمنع الزّكاة‬
‫والغصب ‪ ,‬فالتّوبة منه بما ذكرنا ‪ ,‬وترك المظلمة حسب إمكانه ‪ ,‬بأن يؤدّي الزّكاة ‪ ,‬ويردّ‬
‫المغصوب ‪ ,‬أو مثله إن كان مثليا ‪ ,‬وإل قيمته ‪ ,‬وإن عجز عن ذلك نوى ردّه متى قدر‬
‫عليه ‪ ,‬فإن كان عليه حق في البدن ‪ ,‬فإن كان حقا لدميّ كالقصاص ‪ ,‬وح ّد القذف ‪,‬‬
‫اشترط في التّوبة التّمكين في نفسه ‪ ,‬وبذلها للمستحقّ ‪.‬‬
‫ص الفقهاء على توقف قبول التّوبة على ر ّد المظالم في أبوابٍ مختلفةٍ ‪ ,‬فيعتبر في‬
‫ون ّ‬
‫صحّة توب ٍة من نحو غصب ر ّد مظلمةٍ إلى ربّها إن كان حيا ‪ ,‬أو إلى ورثته إن كان ميّتا ‪,‬‬
‫أو أن يجعله منها في حلّ بأن يطلب منه أن يبرئه ‪ ,‬ويستمهل التّائب ربّ المظلمة إن كان‬
‫معسرا وعجز عن ردّها ‪ ,‬أو بدلها لعسرته ‪.‬‬
‫ن توبة القاذف أن يكذّب نفسه ‪ ,‬لنّ عرض المقذوف قد تلوّث بقذفه ‪ ,‬فإكذابه نفسه‬
‫وإ ّ‬
‫يزيل ذلك التّلوث فتكون التّوبة به ‪.‬‬
‫ن الوديعة الّتي جهل المودع لها ‪ ,‬وأيس المودع من معرفة مالكها ‪ ,‬يجوز إعطاؤها‬
‫وإ ّ‬
‫لبيت المال إذا لم يكن الحاكم جائرا ظالما ‪ ,‬ويجوز لمن هي في يده أن يصرفها في‬
‫مصارفها أو في بناء مسجدٍ أو رباطٍ ‪ ,‬إذا كان المام جائرا ‪.‬‬
‫وإذا تاب الغال ‪ -‬وهو الّذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة ‪ -‬قبل القسمة ردّ ما أخذه في‬
‫ف ‪ ,‬لنّه حق تعيّن رده إلى أهله ‪.‬‬
‫المقسم بغير خل ٍ‬
‫ن التّوبة الّتي تسقط العقوبة عن قاطع الطّريق توجب ر ّد المال على صاحبه إن كان أخذ‬
‫وإ ّ‬
‫المال ل غير ‪ ,‬مع العزم على أن ل يفعل مثله في المستقبل ‪.‬‬

‫ظنّة *‬
‫مَ ِ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المظنّة من الظّنّ وهو في اللغة ‪ :‬اسم لما يحصل عن أمارةٍ ومتى قويت أدّت إلى‬ ‫‪1‬‬

‫العلم ‪ ,‬والظّن في الصل خلف اليقين ‪ ,‬وقد يستعمل بمعنى اليقين كقوله تعالى ‪ { :‬الّذِينَ‬
‫لقُوا رَ ّب ِهمْ } ‪.‬‬
‫ن أَ ّنهُم مّ َ‬
‫َيظُنّو َ‬
‫والمظِنّة ‪ :‬بكسر الظّاء لل َمعّْلمِ وهو حيث يعلم الشّيء والجمع المظان ومظنّة الشّيء‬
‫موضعه ومألفه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬المظنونات هي القضايا الّتي يحكم فيها حكما راجحا مع تجويز نقيضه ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمظنّة ‪:‬‬
‫المظنّة تقوم مقام اليقين عند الفقهاء ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫مظنّة نقض الوضوء بزوال العقل ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا زال عقل المكلّف بنوم أو جنونٍ أو إغما ٍء أو سكرٍ أو نحوها ‪ ,‬فقد اتّفق الفقهاء‬ ‫‪2‬‬

‫ن زوال العقل بأحد هذه المور من نواقض الوضوء ‪ ,‬لكونه مظ ّنةً لخروج شي ٍء من‬
‫على أ ّ‬
‫الدبر من غير شعورٍ به ‪ ,‬وذلك كما أشعر به قوله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬العين وكاء‬
‫السّه فمن نام فليتوضّأ » ‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أنّ اليقظة هي الحافظة لما يخرج ‪ ,‬والنّائم قد يخرج منه الشّيء ول يشعر به‬
‫فاعتبر النّوم ونحوه ناقضا للوضوء مع أنّه قد ل يخرج من دبره شيء أثناء النّوم ‪.‬‬
‫قال القرافي ‪ :‬النّوم ليس حدثا في نفسه فهو يوجب الوضوء لكونه مظنّة الرّيح للحديث‬
‫السّابق ‪.‬‬
‫مظنّة الشّهوة عند ملمسة الرّجل المرأة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء في الجملة إلى أنّ ملمسة الرّجل المرأة الجنبيّة تنقض‬ ‫‪3‬‬

‫الوضوء ‪ ,‬لنّها مظنّة الشّهوة فأقيمت المظنّة مقام اليقين وأعطيت حكمه ‪ ,‬لنّها ل تنفك‬
‫س قبل الدميّ بباطن الكفّ‬
‫عنه غالبا ‪ ,‬وقيام المظنّة كعلّة لما ينقض الوضوء يشمل م ّ‬
‫وقيامها كعلّة لوجوب الغسل يشمل التقاء الختانين ‪.‬‬
‫وينظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬وضوء ‪ ,‬وغسل ف ‪ 5‬وما بعدها ) ‪.‬‬
‫المظنّة في أحكام السّفر ‪:‬‬
‫ن رخص السّفر كالمسح على الخفّين لمدّة ثلثة أيّامٍ بلياليها ‪ ,‬وإباحة‬
‫‪ -‬ذكر الفقهاء أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫التّيمم لفقد الماء ‪ ,‬أو للخوف ‪ ,‬وقصر الصّلة الرباعيّة ‪ ,‬وجمع الصّلوات الّتي يجوز‬
‫جمعها ‪ ,‬وإفطار الصّائم ‪ ,‬وغير ذلك من الرخص الشّرعيّة المنوطة بالسّفر ‪ ,‬سواء كانت‬
‫فيه مشقّة أو لم تكن ‪ ,‬لنّ السّفر من أسباب المشقّة في الغالب ‪ ,‬قال صاحب كشف‬
‫ن في خدمه وأعوانه لحقه مشقّة‬
‫ن إلى بستا ٍ‬
‫السرار ‪ :‬حتّى لو تنزّه سلطان من بستا ٍ‬
‫بالنّسبة إلى حال إقامته فلذلك اعتبر نفس السّفر سببا للرخص وأقيم مقام المشقّة من غير‬
‫نظ ٍر إلى كونه موجبا للمشقّة أو غير موجبٍ لها ‪.‬‬
‫المظنّة في الشّهادة والرّواية ‪:‬‬
‫‪ -‬من الحكام الّتي تقوم فيها المظنّة مقام اليقين قبول شهادة الشهود ‪ ,‬ورواية الرّاوين‬ ‫‪5‬‬

‫ن الخبر المستفاد منها ظنّي ‪ ,‬وكلّما كان دلئل الصّدق‬


‫في بابي الشّهادة والرّواية ‪ ,‬مع أ ّ‬
‫أكثر كان آكد ‪ ,‬فالظّن المستفاد من أخبار أكابر الصّحابة رضي اللّه عنهم آكد من الظّنّ‬
‫المستفاد من غيرهم من عدول الزمان بعدهم ‪ ,‬ول تشترط المساواة بينهم وبين عدول‬
‫سائر القرون ‪ ,‬فإنّ ذلك يؤدّي إلى إغلق باب الشّهادة والرّواية ‪ ,‬والخبر الصّادر من‬
‫اثنين آكد ظنا وأقوى حسبانا من الخبر المستفاد من قول الواحد ‪ ,‬وكلّما كثر المخبرون‬
‫كثر الظّن بكثرة عددهم إلى أن ينتهي خبرهم إلى إفادة العلم ‪.‬‬
‫فأقيمت هذه المظنّة في الشّهادة والرّواية ونحوهما مقام اليقين ‪ ,‬لنّ ذلك هو طريق الحكم‬
‫‪ ,‬فوجب العمل به ‪ ,‬مع أنّ الظنون في ذلك تتفاوت في القوّة والضّعف وهي أنواع كما قال‬
‫العز بن عبد السّلم ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫وينظر تفصيل ذلك في الملحق الصول ّ‬

‫مَعَابِد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعابد في اللغة جمع معبَدٍ ‪ -‬بفتح الباء ‪ -‬وهو مكان العبادة ومحلها ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والعبادة مصدر عبَد ‪ -‬بفتح الباء ‪ -‬يقال ‪ :‬عبد اللّه عبادةً وعبود ّي ًة ‪ :‬انقاد له وخضع‬
‫وذلّ ‪ ,‬والمتعبّد ‪ :‬مكان التّعبد ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المسجد ‪:‬‬
‫‪ -‬المسجد لغةً مفعل بكسر العين ‪ :‬اسم لمكان السجود ‪ ,‬وبالفتح اسم للمصدر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫والمسجد شرعا ‪ :‬كل موض ٍع من الرض ‪ ,‬لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬جعلت لي‬
‫الرض مسجدا وطهورا » ‪ ,‬وخصّصه العرف بالمكان المهيّأ للصّلوات الخمس ‪.‬‬
‫والصّلة بين المسجد والمعابد العموم والخصوص المطلق ‪.‬‬
‫أقسام المعابد ‪:‬‬
‫مكان عبادة المسلمين هو المسجد والجامع والمصلّى والزّاوية ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫وتفصيل أحكام ذلك في مصطلح ‪ ( :‬مسجد ف ‪- 1‬‬
‫وأمّا مكان عبادة غير المسلمين فله أقسام وتسميات مختلفة على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكنيسة ‪:‬‬
‫‪ -‬تطلق الكنيسة عند بعض اللغويّين على متعبّد اليهود ‪ ,‬وتطلق أيضا على متعبّد‬ ‫‪3‬‬

‫النّصارى ‪ ,‬وهي معرّبة ‪.‬‬


‫ص بعض الفقهاء كقاضي زاده وغيره على أنّ الكنيسة اسم لمعبد اليهود والنّصارى‬
‫ون ّ‬
‫مطلقا في الصل ‪ ,‬ث ّم غلب استعمال الكنيسة لمعبد اليهود ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬وأهل مصر‬
‫يطلقون الكنيسة على متعبّدهما ‪.‬‬
‫وأورد البركتي أوجها أربعةً فقال ‪ :‬الكنيسة ‪ :‬متعبّد اليهود أو النّصارى ‪ ,‬أو الكفّار ‪ ,‬أو‬
‫موضع صلة اليهود فقط ‪.‬‬
‫ن الكنيسة متعبّد النّصارى ‪.‬‬
‫ونصّ زكريّا النصاري من الشّافعيّة على أ ّ‬
‫وقال الدسوقيّ ‪ :‬الكنيسة ‪ :‬متعبّد الكفّار ‪ ,‬سواء كانت بيعةً أو بيت نا ٍر ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البيعة ‪:‬‬
‫‪ -‬البِيعة ‪ -‬بكسر الباء ‪ -‬مفرد جمعه بِيع ‪ -‬بكسر الباء ‪ -‬مثل سدرةٍ وسدرٍ ‪ ,‬وهي‬ ‫‪4‬‬

‫متعبّد النّصارى ‪ ,‬وزاد الفخر الرّازيّ فقال ‪ :‬وهي الّتي يبنونها في البلد ‪.‬‬
‫ن البيعة اسم لمعبد اليهود مطلقا ‪ ,‬ثمّ غلب استعمال البيعة‬
‫وقال قاضي زاده من الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫لمعبد النّصارى ‪.‬‬
‫وقال ابن القيّم ‪ :‬إنّ أهل اللغة والتّفسير على أنّ البيعة معبد النّصارى إل ما حكيناه عن‬
‫ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال ‪ :‬البيع مساجد اليهود ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصّومعة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن عابدين ‪ :‬الصّومعة بيت يبنى برأس طويلٍ ليتعبّد فيه بالنقطاع عن النّاس ‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن الصّوامع للنّصارى وهي الّتي بنوها في الصّحاري ‪ ,‬وقيل ‪:‬‬


‫وذكر الفخر الرّازيّ ‪ :‬أ ّ‬
‫الصّوامع للصّابئين ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الدّير ‪:‬‬
‫‪ -‬الدّير مقام الرهبان والرّاهبات من النّصارى ‪ ,‬ويجتمعون فيه للرّهبانيّة والتّفرد عن‬ ‫‪6‬‬

‫النّاس ‪ ,‬ويجمع على ديور ٍة مثل ‪ :‬بعلٍ وبعولةٍ ‪.‬‬


‫قال ابن عابدين ‪ :‬وأهل مصر والشّام يخصون الدّير بمعبد النّصارى ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ال ُفهُر ‪:‬‬
‫ص ًة ‪ ,‬وهو بيت المدراس‬
‫‪ -‬الفهر بضمّ الفاء والهاء جمع ‪ ,‬ومفردها ُفهْر ‪ ,‬لليهود خا ّ‬ ‫‪7‬‬

‫الّذي يتدارسون فيه العلم ‪ ,‬وفيه قول أنسٍ رضي اللّه تعالى عنه ‪ :‬وكأنّهم اليهود حين‬
‫خرجوا من فهرهم ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الصّلوات ‪:‬‬
‫‪ -‬الصّلوات كنائس اليهود ‪ ,‬قال ال ّزجّاج وهي بالعبريّة " صلوتا " ‪ ,‬وقيل ‪ :‬للنّصارى ‪,‬‬ ‫‪8‬‬

‫وقيل ‪ :‬للصّابئين ‪.‬‬


‫ز ‪ -‬بيت النّار والنّاووس ‪:‬‬
‫‪ -‬بيت النّار ‪ :‬هو موضع عبادة المجوس ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ب أو نحوه‬
‫وأمّا النّاووس فقال اللغويون ‪ :‬النّاووس مقابر النّصارى ‪ ,‬أو صندوق من خش ٍ‬
‫يضع فيه النّصارى جثّة الميّت ‪.‬‬
‫وقال ابن القيّم ‪ :‬النّاووس للمجوس كالكنيسة للنّصارى ‪ ,‬وهو من خصائص دينهم الباطل‬
‫‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمعابد ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يفرّق الفقهاء بين الكنيسة والبيعة ‪ ,‬والصّومعة ‪ ,‬وبيت النّار ‪ ,‬والدّير وغيرها في‬ ‫‪10‬‬

‫الحكام ‪ ,‬والصل في هذا ما ورد في كتاب عمر رضي اللّه عنه لمّا صالح نصارى الشّام‬
‫كتب إليهم كتابا ‪ " :‬إنّهم ل يبنون في بلدهم ول فيما حولها ديرا ول كنيسةً ول صومعة‬
‫راهبٍ ‪. " . . .‬‬
‫وقال الدسوقيّ في كراهة الصّلة فيها ‪ :‬وتكره الصّلة بمتعبّد الكفّار سواء كان كنيسةً أو‬
‫بيعةً ‪ ,‬أو بيت نارٍ ‪.‬‬
‫وقال البهوتي وابن قدامة في الوقف ‪ :‬ول يصح الوقف على كنائس ‪ ,‬وبيوت نارٍ ‪ ,‬وبيعٍ‬
‫وصوامع ‪ ,‬وديور ٍة ومصالحها ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬حكم هذه المكنة كلّها حكم الكنيسة‬
‫ص ابن القيّم بعد ذكر جميع أنواع المعابد على أ ّ‬
‫ون ّ‬
‫‪ ,‬وينبغي التّنبيه عليها ‪.‬‬
‫وتفصيل الحكام المتعلّقة بالمعابد على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫إحداث المعابد في أمصار المسلمين ‪:‬‬
‫‪ -‬يختلف حكم إحداث المعابد في أمصار المسلمين باختلف المصار على النّحو التّالي‬ ‫‪11‬‬

‫‪ :‬أ ‪ -‬ما اختطّه المسلمون كالكوفة والبصرة ‪ ,‬فل يجوز فيها إحداث كنيسةٍ ول بيع ٍة ول‬
‫مجتم ٍع لصلتهم ول صومعةٍ بإجماع أهل العلم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما فتحه المسلمون عنوةً ‪ ,‬فل يجوز فيه إحداث شيءٍ بالتّفاق لنّه صار ملكا‬
‫للمسلمين ‪ ,‬واختلفوا في هدم ما كان فيه كما يأتي فيما بعد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ما فتحه المسلمون صلحا ‪ :‬فإن صالحوهم على أنّ الرض لهم والخراج لنا جاز‬
‫ن الدّار لنا ويؤدون الجزية فل يجوز‬
‫الحداث عند جمهور الفقهاء ‪ ,‬وإن صالحوهم على أ ّ‬
‫الحداث إل إذا شرطوا ذلك ‪ ,‬وإن وقع الصلح مطلقا ل يجوز الحداث عند جمهور الفقهاء‬
‫)‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬أهل ال ّذمّة ف‬
‫هدم المعابد القديمة ‪:‬‬
‫‪ -‬المراد من المعابد القديمة ما كانت قبل فتح المام بلد الكفّار ومصالحتهم على‬ ‫‪12‬‬

‫إقرارهم على بلدهم وعلى دينهم ‪ ,‬ول يشترط أن تكون في زمن الصّحابة رضي اللّه تعالى‬
‫عنهم أو التّابعين ل محالة ‪.‬‬
‫ويختلف حكم المعابد القديمة باختلف مواقعها على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المعابد القديمة في المدن الّتي أحدثها المسلمون ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ البيع والكنائس القديمة في السّواد والقرى ل يتعرّض لها ول‬ ‫‪13‬‬

‫يهدم شيء منها ‪ ,‬قال الكمال بن الهمام ‪ :‬إنّ البيع والكنائس في السّواد ل تهدم على‬
‫الرّوايات كلّها ‪ ,‬وأمّا في المصار فاختلف كلم محمّدٍ ‪ ,‬فذكر في العشر والخراج ‪ :‬تهدم‬
‫القديمة ‪ ,‬وذكر في الجارة ‪ :‬ل تهدم ‪ ،‬وعمل النّاس على هذا ‪ ,‬فإنّا رأينا كثيرا منها توالت‬
‫عليها أئمّة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها ‪ ,‬فكان متوارثا من عهد الصّحابة‬
‫رضي اللّه تعالى عنهم ‪.‬‬
‫وعلى هذا لو مصّرنا برّ ّيةً فيها دير أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن ل يهدم ‪ ,‬لنّه‬
‫كان مستحقا للمان قبل وضع السور ‪ ,‬فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك‬
‫لنّها كانت فضاءً فأدار العبيديون عليها السور ‪ ,‬ثمّ فيها الن كنائس ‪ ,‬ويبعد من إمام‬
‫تمكين الكفّار من إحداثها جهارا في جوف المدن السلميّة ‪ ,‬فالظّاهر أنّها كانت في‬
‫الضّواحي ‪ ,‬فأدير السور عليها فأحاط بها ‪ ,‬وعلى هذا فالكنائس الموضوعة الن في دار‬
‫السلم ‪ -‬غير جزيرة العرب ‪ -‬كلها ينبغي أن ل تهدم ‪ ,‬لنّها إن كانت في أمصارٍ قديمةٍ ‪,‬‬
‫ن الصّحابة أو التّابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وأبقوها ‪ ,‬وبعد ذلك ينظر‬
‫كأّ‬
‫فل ش ّ‬
‫فإن كانت البلدة فتحت عنو ًة حكمنا بأنّها بقوها مساكن ل معابد فل تهدم ‪ ,‬ولكن يمنعون‬
‫من الجتماع فيها للتّقرب ‪ ,‬وإن عرف أنّها فتحت صلحا حكمنا بأنّهم أقروها معابد فل‬
‫يمنعون من الجتماع فيها بل من الظهار ‪.‬‬
‫ن الكنائس القديمة تترك لهل ال ّذمّة فيما اختطّه المسلمون فسكنوه معهم‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫‪ ,‬وقال عبد الملك ‪ :‬ل يجوز الحداث مطلقا ول يترك لهم كنيسةً ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الّذي يوجد في البلد الّتي أحدثها المسلمون من البيع والكنائس‬
‫وبيوت النّار وجهل أصله ل ينقض لحتمال أنّها كانت قري ًة أو بر ّيةً فاتّصل بها عمران ما‬
‫أحدث منّا ‪ ,‬بخلف ما لو علم إحداث شيءٍ منها بعد بنائها فإنّه يلزمنا هدمه إذا بني‬
‫للتّعبد ‪ ,‬وإن بني لنزول المارّة ‪ :‬فإن كان لعموم النّاس جاز ‪ ,‬وكذلك إذا كان لهل ال ّذمّة‬
‫فقط كما جزم به ابن الصّبّاغ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬الكنائس الّتي في البلد الّتي مصّرها المسلمون وأحدثت بعد تمصير‬
‫المسلمين لها تزال ‪ ,‬وما كان موجودا بفلة من الرض ثمّ مصر المسلمون حولها المصر‬
‫فهذه ل تزال ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المعابد القديمة فيما فتح عنوةً ‪:‬‬
‫ن المعابد‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة وهو وجه عند الحنابلة وقول للشّافعيّة في مقابل الصحّ إلى أ ّ‬ ‫‪14‬‬

‫القديمة فيما فتح عنوةً ل يجب هدمه ‪.‬‬


‫وذهب الشّافعيّة في الصحّ وهو وجه عند الحنابلة إلى أنّه يجب هدمه ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل تهدم ولكن تبقى بأيديهم مساكن ‪ ,‬ويمنعون من الجتماع فيها للتّقرب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المعابد القديمة فيما فتح صلحا ‪:‬‬
‫‪ -‬الراضي المفتوحة صلحا ثلثة أنواعٍ ‪:‬‬ ‫‪15‬‬

‫النّوع الوّل ‪ :‬أن يصالحهم المام على أن تكون الرض لنا فالحكم في البيع والكنائس على‬
‫ما يقع عليه الصلح ‪.‬‬
‫النّوع الثّاني ‪ :‬أن يصالحهم المام على أن تكون الرض لهم ويؤدوا عنها خراجا ‪ ,‬فهذا‬
‫ف‪.‬‬
‫ممّا ل يتعرّض للمعابد القديمة فيها دون خل ٍ‬
‫النّوع الثّالث ‪ :‬أن يقع الصلح مطلقا ‪ :‬فذهب الشّافعيّة في مقابل الصحّ ‪ ,‬والحنابلة ‪ ,‬وهو‬
‫المفهوم من كلم الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ل يتعرّض للقديمة وهذا لحاجتهم إليها في‬
‫عبادتهم كما علّله الشّافعيّة ‪.‬‬
‫ن إطلق اللّفظ يقتضي ضرورة جميع البلد‬
‫وذهب الشّافعيّة في الصحّ إلى أنّها ل تبقى ‪ ,‬ل ّ‬
‫لنا ‪.‬‬
‫إعادة المنهدم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة على الصحّ وهو رواية عن أحمد إلى أنّه إذا انهدمت‬ ‫‪16‬‬

‫ن البنية ل تبقى دائما ‪ ,‬ولمّا‬


‫الكنيسة ‪ -‬الّتي أقرّ أهلها عليها ‪ -‬فلل ّذمّيّين إعادتها ‪ ,‬ل ّ‬
‫أقرّهم المام على إبقائها قبل الظهور عليهم وصالحهم عليه فقد عهد إليهم العادة ‪ ,‬ولنّ‬
‫ذلك ليس بإحداث ‪ ,‬والمراد بالعادة أن تكون من غير زيادةٍ على البناء الوّل كما نصّ‬
‫عليه الحنفيّة أي ‪ :‬ل يبنون ما كان باللّبن بالج ّر ‪ ,‬ول ما كان بالجرّ بالحجر ول ما كان‬
‫بالجريد وخشب النّخل بالنّقى والسّاج ‪ ,‬ول بياضا لم يكن ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وللمام أن يخرّبها إذا وقف على بيعةٍ جديدةٍ ‪ ,‬أو بني منها فوق ما كان في القديم‬
‫‪ ,‬وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة ‪.‬‬
‫ن لهم ذلك من غير توسي ٍع على خطّتها ‪ ,‬كما نصّ عليه‬
‫وإذا جاز لهم إعادة بنائها فإ ّ‬
‫الشّافعيّة في الصّحيح من المذهب ‪ ,‬لنّ الزّيادة في حكم كنيسةٍ محدثةٍ متّصل ٍة بالولى ‪,‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بالعادة العادة لما تهدّم منها ل بآلت جديدةٍ ‪ ,‬والمراد بالمهدم كما ذكره‬
‫ابن عابدين نقلً عن الشباه ‪ :‬ما انهدم ‪ ,‬وليس ما هدمه المام ‪ ,‬لنّ في إعادتها بعد هدم‬
‫المسلمين استخفافا بهم وبالسلم ‪ ,‬وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم ‪ ,‬ونصرا للكفر وأهله ‪,‬‬
‫ولنّ فيه افتياتا على المام فيلزم فاعله التّعزير ‪ ,‬وبخلف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنّها‬
‫تعاد ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة ‪ ,‬والصطخري وابن أبي هريرة من الشّافعيّة إلى أنّه ليس لهم ذلك ‪,‬‬
‫وعلّله الحنابلة فقالوا ‪ :‬لنّه كبناء كنيسةٍ في دار السلم ‪.‬‬
‫ترميم المعابد ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّه ل يمنع أهل ال ّذمّة من رمّ‬ ‫‪17‬‬

‫ما تشعّث من الكنائس والبيع ونحوها الّتي أقرّ أهلها عليها وإصلحها ‪ ,‬لنّ المنع من ذلك‬
‫يفضي إلى خرابها وذهابها ‪ ,‬فجرى مجرى هدمها ‪.‬‬
‫وزاد الشّافعيّة في وجهٍ ‪ :‬بأنّه يجب إخفاء العمارة لنّ إظهارها زينة تشبه الستحداث ‪.‬‬
‫والوجه الثّاني وهو الصح أنّه ل يجب إخفاء العمارة فيجوز تطيينها من الدّاخل والخارج ‪.‬‬
‫والمعتمد عند المالكيّة أنّهم يمنعون من ر ّم المنهدم في العنويّ ‪ -‬ما فتح عنوةً ‪ -‬وفي‬
‫ي عند بعضهم ‪.‬‬
‫الصلح ّ‬
‫نقل المعبد من مكانٍ إلى آخر ‪:‬‬
‫ن آخر على أقوالٍ على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في نقل المعبد من مكانٍ إلى مكا ٍ‬ ‫‪18‬‬

‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس لهل ال ّذمّة أن يحوّلوا معابدهم من موض ٍع إلى موضعٍ آخر ‪,‬‬
‫ن التّحويل من موضعٍ إلى موضعٍ آخر في حكم إحداث كنيسةٍ أخرى ‪.‬‬
‫لّ‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬الظّاهر أنّهم لو شرطوا النّقل في العقد يجوز وإل فل ‪.‬‬
‫وفصّل ابن القيّم الكلم عليه فقال ‪ :‬والّذي يتوجّه أن يقال ‪ :‬إن منعنا إعادة الكنيسة إذا‬
‫انهدمت ‪ ,‬منعنا نقلها بطريق الولى ‪ ,‬فإنّها إذا لم تعد إلى مكانها الّذي كانت عليه فكيف‬
‫تنشأ في غيره ؟ وإن جوّزنا إعادتها فكان نقلها من ذلك المكان أصلح للمسلمين ‪ ,‬لكونهم‬
‫ن هذا مصلحة‬
‫ينقلونها إلى موضعٍ خفيّ ل يجاوره مسلم ‪ ,‬ونحو ذلك جائز بل ريبٍ ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ظاهرة للسلم والمسلمين فل معنى للتّوقف فيه ‪ ,‬وأمّا إن كان النّقل لمجرّد منفعتهم ‪,‬‬
‫وليس للمسلمين فيه منفعة فهذا ل يجوز ‪ ,‬لنّه إشغال رقبة أرض السلم بجعلها دار كفرٍ‬
‫ق‪.‬‬
‫‪ ,‬فهو كما لو أرادوا جعلها خمّارةً أو بيت فس ٍ‬
‫فلو انتقل الكفّار عن محلّتهم وأخلوها إلى محّل ٍة أخرى فأرادوا نقل الكنيسة إلى تلك المحلّة‬
‫‪ ,‬وإعطاء القديمة للمسلمين فهو على هذا الحكم ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا نقل المام النّصارى المعاهدين من مكانهم إلى مكانٍ آخر يباح لهم في‬
‫هذه الحالة بنيان بيعةٍ واحدةٍ لقامة شرعهم ويمنعون من ضرب النّواقيس فيها ‪.‬‬
‫اعتقاد الكنيسة بيت اللّه واعتقاد زيارتها قربةً ‪:‬‬
‫ن الكنائس بيوت اللّه أو أنّه‬
‫ص الشّيخ تقي الدّين من الحنابلة على أنّ من اعتقد أ ّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪19‬‬

‫يعبد فيها ‪ ,‬أو أنّه يحب ذلك ويرضاه فهو كافر لنّه يتضمّن اعتقاد صحّة دينهم ‪ ,‬وذلك‬
‫كفر ‪ ,‬أو أعانهم على فتح الكنائس وإقامة دينهم ‪ ,‬واعتقد ذلك قرب ًة أو طاعةً ‪ ,‬وكذلك من‬
‫اعتقد أنّ زيارة أهل ال ّذمّة كنائسهم قرب ًة إلى اللّه فهو مرتد ‪.‬‬
‫الصّلة في معابد الكفّار ‪:‬‬
‫ص جمهور الفقهاء على أنّه تكره الصّلة في معابد الكفّار إذا دخلها مختارا ‪ ,‬أمّا‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪20‬‬

‫إن دخلها مضطرا فل كراهة ‪.‬‬


‫وقال الحنابلة ‪ :‬تجوز الصّلة فيها من غير كراه ٍة على الصّحيح من المذهب ‪ ,‬وروي عن‬
‫أحمد تكره ‪ ,‬وفي روايةٍ أخرى عنه مع الصور ‪ ,‬وقال الكاساني من الحنفيّة ‪ :‬ل يمنع‬
‫المسلم أن يصلّي في الكنيسة من غير جماع ٍة ‪ ,‬لنّه ليس فيه تهاون بالمسلمين ول‬
‫استخفاف بهم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ,‬دخول ف‬ ‫‪105‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬صلة ف‬
‫النزول في الكنائس ‪:‬‬
‫ص بعض الفقهاء على أنّه يستحب للمام أن يشترط على أهل ال ّذمّة في عقد الصلح‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪21‬‬

‫منزل الضّيفان من كنيسةٍ ‪ ,‬كما صالح عمر أهل الشّام على ذلك ‪ ,‬فقد ورد في صلحه ‪ :‬ول‬
‫نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في اللّيل والنّهار وأن نوسّع أبوابها للمارّة وابن‬
‫السّبيل ول نؤوي فيها ول في منازلنا جاسوسا ‪.‬‬
‫دخول المسلم معابد الكفّار ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في جواز دخول المسلم معابد الكفّار على أقوالٍ ‪:‬‬ ‫‪22‬‬

‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره للمسلم دخول البيعة والكنيسة ‪ ,‬لنّه مجمع الشّياطين ‪ ,‬ل من‬
‫حيث إنّه ليس له حق الدخول ‪.‬‬
‫ويرى المالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة أنّ للمسلم دخول بيعةٍ وكنيسةٍ ونحوهما ‪.‬‬
‫وقال بعض الشّافعيّة في رأيٍ آخر ‪ :‬إنّه ل يجوز للمسلم دخولها إل بإذنهم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬دخول ف‬
‫الذن في دخول الكنيسة والعانة عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ للزّوج منع زوجته ال ّذمّيّة من دخول الكنيسة‬ ‫‪23‬‬

‫ونحوها ‪.‬‬
‫ووجه ذلك عند الحنابلة ‪ :‬أن ل يعينها على أسباب الكفر وشعائره ول يأذن لها فيه ‪.‬‬
‫وعلّله الشّافعيّة ‪ :‬بأنّه إذا كان له منع المسلمة من إتيان المساجد فمنع ال ّذمّيّة من الكنيسة‬
‫أولى ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة قولن كما ذكرهما الحطّاب ‪ :‬قال في المدوّنة ‪ :‬ليس له منعها من ذلك ‪,‬‬
‫وفي كتاب ابن الموّاز ‪ :‬له منعها من الكنيسة إل في الفرض ‪.‬‬
‫ص الحنابلة على أنّه إن سألت الخروج إلى أعيادهم‬
‫وأمّا الجارية النّصرانيّة فقد ن ّ‬
‫وكنائسهم وجموعهم ل يأذن لها في ذلك ‪.‬‬
‫ص المالكيّة على أنّ المسلم ل يمنع مكاتبه النّصرانيّ من إتيان الكنيسة ‪ ,‬لنّ ذلك دينهم‬
‫ون ّ‬
‫‪ ,‬إذ ل تحجير له عليه ‪.‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه لو سأل ذمّي مسلما على طريق البيعة ل ينبغي للمسلم أن يدلّه‬
‫ون ّ‬
‫على ذلك ‪ ,‬لنّه إعانة على المعصية ‪ ,‬وأيضا ‪ :‬مسلم له أم ذمّيّة أو أب ذمّي ليس له أن‬
‫يقوده إلى البيعة ‪ ,‬وله أن يقوده من البيعة إلى المنزل ‪.‬‬
‫ملعنة ال ّذ ّميّين في المعابد ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة إلى أنّه يجب أن يكون لعان ال ّذمّيّة في كنيستها ‪ ,‬واليهوديّة في‬ ‫‪24‬‬

‫بيعتها ‪ ,‬والمجوسيّة في بيت النّار ‪.‬‬


‫وقال الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة باستحباب لعان الزّوجة الكتابيّة في الكنيسة‬
‫وحيث تعظّم ‪ ,‬وإذا كان الزّوجان كتابيّين لعن الحاكم بينهما في الكنيسة وحيث يعظّمان ‪.‬‬
‫وقال القاضي من الحنابلة ‪ :‬يستحب التّغليظ بالمكان ‪.‬‬
‫وأمّا الحنفيّة ‪ :‬فل يتأتّى ذلك عندهم لنّهم يشترطون السلم في اللّعان ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬لعان ف‬
‫وقوع اسم البيت على المعابد ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه إن حلف شخص ل يدخل بيتا فدخل كنيس ًة أو بيعةً‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪25‬‬

‫ن البيت اسم لما‬


‫ل يحنث ‪ ,‬وهو المفهوم من كلم المالكيّة ‪ ,‬لعدم إطلق اسم البيت عرفا ل ّ‬
‫يبات فيه ‪ ,‬وأعدّ للبيتوتة وهذا المعنى معدوم في الكنيسة ‪.‬‬
‫بيع عرصة كنيسةٍ ‪:‬‬
‫س من المالكيّة ‪ :‬لو باع أسقف الكنيسة عرص ًة من الكنيسة أو حائطا‬
‫‪ -‬قال ابن شا ٍ‬ ‫‪26‬‬

‫جاز ذلك إن كان البلد صلحا ‪ ,‬ولم يجز إن كان البلد عنو ًة ‪ ,‬لنّها وقف بالفتح ‪ ,‬وعلّله ابن‬
‫رش ٍد فقال ‪ :‬لنّه ل يجوز لهم بيع أرض العنوة ‪ ,‬لنّ جميعها فيء للّه على المسلمين ‪:‬‬
‫الكنائس وغيرها ‪.‬‬
‫وأمّا أرض الصلح فاختلف قول ابن القاسم في أرض الكنيسة تكون عرصة الكنيسة أو‬
‫حائطا فيبيع ذلك أسقف أهل تلك البلدة هل للرّجل أن يتعمّد الشّراء ‪ ,‬فأجاز شراء ذلك في‬
‫سماع عيسى ‪ ,‬ومنعه في سماع أصبغ ‪.‬‬
‫بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً ‪:‬‬
‫ص جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دا ٍر لتتّخذ كنيسةً ‪:‬‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪27‬‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬إن اشتروا دورا في مص ٍر من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا دارا منها‬
‫كنيسةً أو بيعةً أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم منعوا عن ذلك ‪.‬‬
‫ض لتتّخذ كنيسةً وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يمنع أي يحرم بيع أر ٍ‬
‫على إخراجه من ملكه ببيع أو نحوه ‪.‬‬
‫ن أبا عبد اللّه سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيّ وفيها محاريب‬
‫روى الخلل عن المروذيّ أ ّ‬
‫فاستعظم ذلك وقال ‪ :‬نصراني ؟ ! ! ل تباع ‪ ،‬يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها‬
‫الصلبان ؟ وقال ‪ :‬ل تباع من الكافر وشدّد في ذلك ‪.‬‬
‫ن أبا عبد اللّه سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه‬
‫وعن أبي الحارث أ ّ‬
‫وزاده في ثمن الدّار ‪ ,‬ترى أن يبيع منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي ‪ ,‬قال ‪ :‬ل‬
‫أرى له ذلك ‪ ,‬قال ‪ :‬ول أرى أن يبيع داره من كاف ٍر يكفر فيها باللّه تعالى ‪.‬‬
‫استئجار أهل ال ّذمّة دارا لتّخاذها كنيسةً ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا اشترى أو استأجر ذمّي دارا على أنّه سيتّخذها كنيسةً فالجمهور على أنّ الجارة‬ ‫‪28‬‬

‫فاسدة ‪ ,‬أمّا إذا استأجرها للسكنى ث ّم اتّخذها معبدا فالجارة صحيحة ‪ ,‬ولكن للمسلمين‬
‫عا ّمةً منعه حسبةً ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪98‬‬ ‫والتّفصيل في ‪ ( :‬إجارة ف‬
‫جعل ال ّذمّي بيته كنيسةً في حياته ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه لو جعل ذمّي داره بيعةً أو كنيسةً أو بيت نا ٍر في صحّته ‪,‬‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪29‬‬

‫فمات فهو ميراث اتّفاقا بين المام وصاحبيه واختلفوا في التّخريج ‪ :‬فعنده لنّه كوقف لم‬
‫يسجّل ‪ ,‬والمراد أنّه يورث كالوقف ‪ ,‬وليس المراد أنّه إذا سجّل لزم كالوقف ‪ ,‬وأمّا‬
‫عندهما فلنّه معصية ‪.‬‬
‫عمل المسلم في الكنيسة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمسلم أن يعمل لهل ال ّذمّة في الكنيسة نجّارا‬ ‫‪30‬‬

‫أو بناءً أو غير ذلك ‪ ,‬لنّه إعانة على المعصية ‪ ,‬ومن خصائص دينهم الباطل ‪ ,‬ولنّه‬
‫ن يعتذر‬
‫إجارة تتضمّن تعظيم دينهم وشعائرهم ‪ ,‬وزاد المالكيّة بأنّه يؤدّب المسلم إل أ ّ‬
‫بجهالة ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها ل بأس به لنّه‬
‫ل معصية في عين العمل ‪.‬‬
‫ضرب النّاقوس في المعابد ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يمنع أهل ال ّذمّة من إظهار ضرب النّواقيس في معابدهم في‬ ‫‪31‬‬

‫الجملة ‪ ,‬وأنّه ل بأس بإخفائها وضربها في جوف الكنائس ‪ ,‬واختلفوا في التّفاصيل ‪:‬‬
‫ن إظهار‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو ضربوا النّاقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرّض لذلك ل ّ‬
‫الشّعائر لم يتحقّق ‪ ,‬فإن ضربوا به خارجا منها لم يمكّنوا لما فيه من إظهار الشّعائر ‪ ,‬ول‬
‫يمنعون من ضرب النّاقوس في قريةٍ أو موضعٍ ليس من أمصار المسلمين ‪ ,‬ولو كان فيه‬
‫عدد كثير من أهل السلم ‪ ,‬وإنّما يكره ذلك في أمصار المسلمين وهي الّتي تقام فيها‬
‫الجمع والعياد والحدود ‪.‬‬
‫وكذلك الحكم في إظهار صليبهم ‪ ,‬لو فعلوا ذلك في كنائسهم ل يتعرّض لهم ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يمنع أهل ال ّذمّة من ضرب النّواقيس فيها ‪.‬‬
‫قال ابن جزيّ ‪ :‬عليهم إخفاء نواقيسهم ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة يمنعون من ضرب النّاقوس في الكنيسة ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ل يمنعون تبعا لكنيسة ‪,‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬وهذا الخلف في كنيسة بلدٍ صالحناهم على أنّ أرضه لنا ‪ ,‬فإن صالحناهم‬
‫على أنّ الرض لهم فل منع قطعا ‪ ,‬قال ‪ :‬وقال إمام الحرمين ‪ :‬وأمّا ناقوس المجوس‬
‫فلست أرى فيه ما يوجب المنع ‪ ,‬وإنّما هو محوّط وبيوت يجمع فيها المجوس جيفهم ‪,‬‬
‫وليس كالبيع والكنائس فإنّها تتعلّق بالشّعار ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يلزم أهل ال ّذمّة الكف عن إظهار ضرب النّواقيس ‪ ,‬سواء شرط‬
‫عليهم أو لم يشرط ‪.‬‬
‫وأجازوا الضّرب الخفيف في جوف الكنائس ‪.‬‬
‫الوقف على المعابد ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في الوقف على المعابد على أقوالٍ كما يلي ‪:‬‬ ‫‪32‬‬

‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يصح وقف المسلم على بيعةٍ لعدم كونه قرب ًة في ذاته ‪ ,‬وكذلك ل‬
‫ي لعدم كونه قربةً عندنا ‪.‬‬
‫يصح وقف ال ّذمّ ّ‬
‫قال ابن عابدين نقلً عن الفتح ‪ :‬هذا إذا لم يجعل آخره للفقراء ‪ ,‬فلو وقف ال ّذمّي على‬
‫ل فإذا خربت تكون للفقراء ‪ ,‬كان للفقراء ابتدا ًء ‪ ,‬ولو لم يجعل آخره للفقراء كان‬
‫بيعةٍ مث ً‬
‫ص عليه الخصّاف ولم يحك فيه خلفا ‪.‬‬
‫ميراثا عنه ‪ ,‬كما ن ّ‬
‫واختلف المالكيّة على ثلثة أقوالٍ ‪:‬‬
‫ي على الكنيسة مطلقا ‪ ,‬سواء كان لعبّادها أو‬
‫ففي المعتمد عندهم ل يجوز وقف ال ّذمّ ّ‬
‫لمرمّتها ‪ ,‬وسواء كان الواقف مسلما أو كافرا ‪.‬‬
‫وفصّل ابن رشدٍ فقال ‪ :‬إنّ وقف الكافر على الكنيسة باطل لنّه معصية ‪ ,‬أمّا الوقف على‬
‫مرمّتها أو على الجرحى أو المرضى الّذين فيها فالوقف صحيح معمول به ‪.‬‬
‫ن الوقف على الكنيسة مطلقا صحيح غير لزمٍ ‪,‬‬
‫وهناك قول ثالث قال به عياض وهو ‪ :‬أ ّ‬
‫سواء أشهدوا على ذلك أم ل ‪ ,‬وسواء خرج الموقوف من تحت يد الواقف أم ل ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يصح الوقف على الكنائس الّتي للتّعبد ‪ ,‬ولو كان الوقف من‬
‫ي ‪ ,‬وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها ‪ ,‬منعنا التّرميم أو لم نمنعه ‪ ,‬لنّه إعانة على‬
‫ذمّ ّ‬
‫ي خادمٍ لكنيسة‬
‫المعصية ‪ ,‬وكذلك ل يجوز الوقف على حصرها ‪ ,‬أو الوقود بها أو على ذمّ ّ‬
‫للتّعبد ‪.‬‬
‫ويجوز الوقف على كنيسةٍ تنزلها المارّة ‪ ,‬أو موقوفة على قومٍ يسكنونها ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يصح الوقف على كنائس وبيوت نارٍ ‪ ,‬وصوامع ‪ ,‬وديورةٍ ومصالحها‬
‫كقناديلها وفرشها ووقودها وسدنتها ‪ ,‬لنّه معونة على معصيةٍ ولو كان الوقف من ذمّيّ ‪.‬‬
‫ن الوقف عليهم ل على البقعة‬
‫ويصح الوقف على من ينزلها من ما ّر ومجتازٍ بها فقط ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ ,‬والصّدقة عليهم جائزة ‪.‬‬
‫الوصيّة لبناء المعابد وتعميرها ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في جواز الوصيّة لبناء الكنيسة أو تعميرها أو نحوهما على أقوالٍ‬ ‫‪33‬‬

‫كما يلي ‪:‬‬


‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا أوصى ال ّذمّي أن تبنى داره بيعةً أو كنيسةً فإذا كانت الوصيّة‬
‫ن الوصيّة فيها‬
‫لمعيّنين أي ‪ :‬معلومين يحصى عددهم فهو جائز من الثلث اتّفاقا بينهم ‪ ,‬ل ّ‬
‫معنى الستخلف ومعنى التّمليك ‪ ,‬ولل ّذمّيّ ولية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين‬
‫‪ ,‬ولكن ل يلزمهم جعلها كنيس ًة ويجعل تمليكا ‪ ,‬ولهم أن يصنعوا به ما شاءوا ‪.‬‬
‫وأمّا إن أوصى لقوم غير مسمّين صحّت الوصيّة عند أبي حنيفة ‪ ,‬لنّهم يتركون وما‬
‫يدينون ‪ ,‬فتصح لنّ هذا قربة في اعتقادهم ‪ ,‬ول يصح عند الصّاحبين ‪ ,‬لنّه معصية ‪,‬‬
‫والوصيّة بالمعاصي ل تصح لما في تنفيذها من تقريرها ‪.‬‬
‫وهذا الخلف فيما إذا أوصى ببناء بيعةٍ أو كنيسةٍ في القرى ‪ ,‬فأمّا في المصر فل يجوز‬
‫بالتّفاق بينهم ‪ ,‬لنّهم ل يمكّنون من إحداث ذلك في المصار ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن أوصى نصراني بماله لكنيسة ول وارث له دفع الثلث إلى السقف‬
‫يجعله حيث ذكره ‪ ,‬والثلثان للمسلمين ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تصح الوصيّة لكنيسة ول لحصرها ‪ ,‬ول لقناديلها‬
‫ونحوه ‪ ,‬ول لبيت نارٍ ول لبيعة ول صومعةٍ ول لدير ول لصلحها وشغلها وخدمتها ‪ ,‬ول‬
‫ي ‪ ,‬لنّ ذلك إعانة على معصيةٍ ‪ ,‬ولنّ المقصود من شرع الوصيّة‬
‫لعمارتها ولو من ذمّ ّ‬
‫تدارك ما فات في حال الحياة من الحسان ‪ ,‬فل يجوز أن تكون في جهة معصيةٍ ‪.‬‬
‫وقيّد الشّافعيّة عدم جواز الوصيّة بما إذا كانت الكنيسة للتّعبد فيها ‪ ,‬بخلف الكنيسة الّتي‬
‫تنزلها المارّة أو موقوفةً على قومٍ يسكنونها ‪ ,‬أو جعل كراءها للنّصارى أو للمسلمين‬
‫جازت الوصيّة ‪ ,‬لنّه ليس في بنيان الكنيسة معصية إل أن تتّخذ لمصلّى النّصارى الّذين‬
‫اجتماعهم فيها على الشّرك ‪.‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬وعدوا من الوصيّة بالمعصية ما إذا أوصى لدهن سراج الكنيسة ‪ ,‬لكن قيّد‬
‫الشّيخ أبو حامدٍ ‪ :‬المنع بما إذا قصد تعظيم الكنيسة ‪ ,‬أمّا إذا قصد تعظيم المقيمين أو‬
‫المجاورين بضوئها فالوصيّة جائزة ‪ ,‬كما لو أوصى بشيء لهل ال ّذمّة ‪.‬‬
‫حكم المعابد بعد انتقاض العهد ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن القيّم ‪ :‬متى انتقض عهد أهل ال ّذمّة جاز أخذ كنائس الصلح منهم فضلً عن‬ ‫‪34‬‬

‫كنائس العنوة ‪ ,‬كما أخذ النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان لقريظة والنّضير لمّا نقضوا‬
‫العهد ‪ ,‬فإنّ ناقض العهد أسوأ حالً من المحارب الصليّ ‪ ,‬ولذلك لو انقرض أهل مص ٍر من‬
‫المصار ولم يبق من دخل في عهدهم فإنّه يصير جميع عقارهم ومنقولهم من المعابد‬
‫وغيرها فيئا للمسلمين ‪.‬‬

‫مُعَادّة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعادة في اللغة ‪ :‬المساهمة ‪ ,‬يقال ‪ :‬عادّهم الشّيء ‪ :‬تساهموه فساواهم ‪ ,‬وهم‬ ‫‪1‬‬

‫يتعادون ‪ :‬إذا اشتركوا فيما يعاد فيه بعضهم بعضا من مكارم أو غير ذلك من الشياء كلّها‬
‫‪ .‬والعدائد ‪ :‬المال المقتسم والميراث ‪.‬‬
‫وفي التّهذيب ‪ :‬العدائد ‪ :‬الّذين يعادّ بعضهم بعضا في الميراث ‪.‬‬
‫وفلن عديد بني فلنٍ أي يعد فيهم ‪ ,‬وعده فاعت ّد أي صار معدودا واعتدّ به ‪.‬‬
‫والمعادّة في الصطلح ‪ :‬هي الحالة الّتي يقاسم فيها الجد الخوة في الميراث ‪ ,‬فيعد أولد‬
‫البوين أولد الب على الجدّ لينقص نصيبه في الميراث ‪ ,‬وذلك لتّحاد أولد البوين مع‬
‫ن جهة المّ في الشّقيق محجوبة بالجدّ فيدخل ولد الب معه في‬
‫أولد الب في الخوّة ‪ ,‬ول ّ‬
‫حساب القسمة على الجدّ ‪.‬‬
‫الحكم الجمالي ‪:‬‬
‫ب يرثون مع الجدّ ول يحجبون به‬
‫ن الخوة لبوين أو ل ٍ‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ي وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ رضي اللّه عنهم ‪.‬‬


‫وهو قول عل ّ‬
‫وذهب أبو حنيفة ‪ -‬وبه يفتى عند الحنفيّة ‪ -‬وبعض الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الجدّ‬
‫س وابن عمر رضي اللّه عنهم ‪.‬‬
‫يحجب هؤلء ‪ ,‬وهو قول أبي بكرٍ الصّدّيق وابن عبّا ٍ‬
‫وعلى ذلك ل تأتي المعادّة على رأي الحنفيّة ‪ ,‬وتأتي على رأي الجمهور ‪ ,‬فيعد الخوة‬
‫لبوين الخوة لبٍ على الجدّ ‪ -‬إن اجتمعوا معه في مسألةٍ واحدةٍ ‪ -‬فإذا ما أخذ الجد‬
‫نصيبه منع الخوة لبوين الخوة لبٍ ما قسم لهم من الميراث لنّهم محجوبون بهم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪30‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حجب ف ‪ ، 5‬إرث ف‬
‫‪ -‬ثمّ اختلف الصّحابة الّذين ورثوا الخوة مع الجدّ في كيفيّة توريثهم ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫فكان علي رضي اللّه عنه يقسم المال بين الج ّد والخوة والخوات ويجعله في ذلك بمنزلة‬
‫أخ ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ‪ ,‬فإن نقصته المقاسمة من السدس فرض له‬
‫السدس وجعل الباقي للخوة والخوات ‪.‬‬
‫ي والمغيرة بن مقسمٍ‬
‫ي في باب الجدّ ذهب الشّعبي والنّخع ّ‬
‫قال الكلوذاني ‪ :‬وإلى قول عل ّ‬
‫وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالحٍ ‪.‬‬
‫ومذهب زيد بن ثابتٍ رضي اللّه عنه في الجدّ مع الخوة والخوات لبوين أو للب أنّه‬
‫يعطيه الحظّ من شيئين ‪ :‬إمّا المقاسمة كأنّه أخ ‪ ,‬وإمّا ثلث جميع المال ‪.‬‬
‫وصنع عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه في الجدّ مع الخوات كصنع عليّ رضي اللّه‬
‫عنه وقاسم به الخوة إلى الثلث ‪ ,‬فإن كان معهم أصحاب فرائض أعطى أصحاب الفرائض‬
‫فرائضهم ‪ ,‬ثمّ صنع صنيع زيدٍ رضي اللّه عنه في إعطاء الج ّد الحظّ من المقاسمة أو ثلث‬
‫الباقي أو سدس جميع المال ‪.‬‬
‫قال الكلوذاني ‪ :‬وبقول زيدٍ في باب الج ّد أخذ الزهري والوزاعي والثّوري ومالك وأحمد‬
‫بن حنبلٍ والشّافعي وأبو يوسف ومحمّد وأبو عبيدٍ وجمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫وأخذ بقول ابن مسعودٍ في باب الجدّ شريح ومسروق وعلقمة وجماعة من أهل الكوفة ‪.‬‬
‫صور مسألة المعادة ‪:‬‬
‫‪ -‬عقد أبو الخطّاب الكلوذاني فصلً للمعادّة وقال ‪ :‬إنّ ولد الب يقومون مقام ولد الب‬ ‫‪4‬‬

‫والمّ عند عدمهم في الفرض والحجب والمقاسمة ‪ ,‬فإن اجتمعوا هم وولد الب والمّ مع‬
‫الجدّ فل يخلون من أربعة أقسامٍ ‪:‬‬
‫إمّا أن يكون ولد الب والمّ عصبةً وولد الب عصب ًة ‪ ,‬أو يكون ولد البوين عصب ًة وولد‬
‫الب أخواتٍ منفرداتٍ ‪ ,‬أو يكون ولد البوين أخواتٍ منفرداتٍ وولد الب عصب ًة ‪ ،‬أو يكون‬
‫جميعهم أخواتٍ منفرداتٍ ‪.‬‬
‫القسم الوّل ‪:‬‬
‫ي وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما ل اعتبار‬
‫‪ -‬أن يكون جميعهم عصبةً ‪ ,‬فعلى قول عل ّ‬ ‫‪5‬‬

‫بولد الب وكأنّهم لم يكونوا ‪ ,‬والمقاسمة بين الجدّ وولد الب والمّ على اختلف قولهم في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وعلى قول زيدٍ يقسم المال بينهم جماعتهم ما لم تنقص الجدّ المقاسمة من ثلث المال أو‬
‫ثلث الفاضل عن ذوي الفروض ‪ ,‬أو سدس جميع المال من نظر الحظّ له ‪ ,‬ثمّ ما جعل‬
‫لولد الب ردوه على ولد الب والمّ ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون ولد الب والمّ عصب ًة ‪ ,‬وولد الب إناثا منفرداتٍ ‪ ,‬فعلى قول عليّ وعبد اللّه‬ ‫‪6‬‬

‫رضي اللّه عنهما ل اعتبار بولد الب بحال ‪ ,‬ويقاسم الجد ولد الب والمّ على ما تقدّم من‬
‫اختلف قوليهما ‪.‬‬
‫وعلى قول زيدٍ يقسم المال بين الجميع على ستّة أسهمٍ ‪ ,‬فما حصل لولد الب يرده على‬
‫ولد الب والمّ ‪.‬‬
‫القسم الثّالث ‪:‬‬
‫ت منفرداتٍ ‪ ,‬وولد الب عصبةً ‪ ,‬فعلى قول عليّ رضي‬
‫‪ -‬أن يكون ولد الب والمّ أخوا ٍ‬ ‫‪7‬‬

‫اللّه عنه يفرض للخوات من الب والمّ فروضهنّ ‪ ,‬والباقي بين الجدّ وولد الب ما لم‬
‫تنقصه المقاسمة من السدس ‪.‬‬
‫وفي قول ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه ل اعتبار بولد الب بحال ‪ ,‬ويفرض للخوات من‬
‫ن ‪ ,‬ويكون الباقي للجدّ ‪ ,‬إل أن يكون أق ّل من السدس ‪ ,‬فيفرض له‬
‫البوين فروضه ّ‬
‫السدس ‪ ,‬وهذا إنّما يوجد إذا كان معهم ذو فرضٍ ‪.‬‬
‫وعلى قول زيدٍ رضي اللّه عنه يقسم المال بين الجميع ما لم تجاوز المقاسمة ستّة أسهمٍ ‪,‬‬
‫فما أصاب ولد الب ردوا على ولد الب والمّ ‪ ,‬إل أن تكون أختا واحدةً ‪ ,‬فيردون عليها‬
‫تمام النّصف وما بقي بعد ذلك لهم ‪ ,‬فإن لم يبق شيء سقطوا ‪.‬‬
‫فإن جاوزت المقاسمة ستّة أسهمٍ فرض له ثلث جميع المال إذا لم يكن في المسألة ذو‬
‫فرضٍ ‪ ,‬فإن كان فيها من فرضه النّصف فما دون ‪ ,‬فرض له ثلث الباقي ‪.‬‬
‫وإن كان فيها من الفروض أكثر من نصف المال فرض له السدس وجعل الباقي في هذه‬
‫المواضع كلّها لولد الب والمّ ‪ ,‬إل أن يكون ولد الب وال ّم أختا واحد ًة ويكون الباقي بعد‬
‫فرض الجدّ أكثر من نصف المال ‪ ,‬فيأخذ حينئذٍ النّصف اختصارا من غير مقاسمةٍ ‪ ,‬ويكون‬
‫الباقي لولد الب بالتّعصيب ‪ ,‬سواء كانوا ذكورا ‪ ,‬أو إناثا ‪.‬‬
‫القسم الرّابع ‪:‬‬
‫ي وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما‬
‫‪ -‬أن يكون جميعهم أخواتٍ منفرداتٍ ‪ ,‬فعلى قول عل ّ‬ ‫‪8‬‬

‫ن ‪ ,‬ويجعل الباقي للجدّ ‪ ,‬إل أن يكون أقلّ من السدس ‪ ,‬فيفرض‬


‫يفرض للخوات فروضه ّ‬
‫له السدس ‪.‬‬
‫وفي قول زيدٍ رضي اللّه عنه يقسم المال بين الج ّد والخوات إلى س ّتةٍ فما حصل لولد الب‬
‫ردوه على ولد الب والمّ ‪ ,‬إل أن يكون ولد الب وال ّم أختا واحدةً فيردون عليها تمام‬
‫النّصف ‪.‬‬
‫فإن جاوزت السّهام س ّت ًة فاجعل للجدّ ثلث المال أو ثلث الفاضل عن ذوي الفروض إذا كانت‬
‫فروضهم النّصف فما دونه ‪ ,‬فإن كانت الفروض أكثر فللجدّ السدس والباقي للخوات من‬
‫الب والمّ ‪.‬‬

‫مُعَارَضة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعارضة في اللغة ‪ :‬مصدر عارض ‪ ,‬يقال ‪ :‬عارض فلنا ‪ :‬ناقضه في كلمه‬ ‫‪1‬‬

‫وقاومه ‪ ,‬ويقال ‪ :‬عارضت الشّيء بالشّيء قابلته به ‪.‬‬


‫ن أخرى ‪.‬‬
‫وللمعارضة في اللغة معا ٍ‬
‫والمعارضة اصطلحا ‪ :‬إقامة الدّليل على خلف ما أقام الدّليل عليه الخصم ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫وفي هذا التّعريف وغيره من التّعريفات تفصيل ينظر في الملحق الصول ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المناظرة ‪:‬‬
‫‪ -‬المناظرة في اللغة من النّظير ‪ ,‬أو من النّظر بالبصيرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واصطلحا هي ‪ :‬النّظر بالبصيرة من الجانبين في النّسبة بين الشّيئين إظهارا للصّواب ‪.‬‬
‫والمناظرة أعم من المعارضة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المناقضة ‪:‬‬
‫‪ -‬المناقضة لغةً ‪ :‬إبطال أحد القولين بالخر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫واصطلحا هي ‪ :‬منع مقدّمةٍ معيّنةٍ من مقدّمات الدّليل ‪ ,‬إمّا قبل تمامه وإمّا بعده ‪.‬‬
‫ض معارض ول‬
‫والعلقة بين المعارضة والمناقضة ‪ :‬العموم والخصوص المطلق فكل مناق ٍ‬
‫عكس ‪.‬‬
‫الحكم الجمالي ‪:‬‬
‫‪ -‬المعارضة من العتراضات الّتي تورد على القياس وهو أقواها وأهمها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وهي إمّا أن تكون في الصل ‪ ,‬أو في الفرع ‪ ,‬أو في الوصف ‪.‬‬


‫‪ -‬وصورة ورودها في الصل ‪ :‬أن يذكر المستدل عّل ًة للحكم في الصل ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫كأن يقول ‪ :‬إنّ علّة الرّبا فيما يقتات ‪ :‬الكيل فل ربا فيما ل يكال ‪ :‬كالبطّيخ فيقول‬
‫ن في الصل وصفا آخر‬
‫المعترض ‪ :‬الدّليل وإن د ّل على ما قلت فعندي ما ينفيه ‪ ,‬وهو أ ّ‬
‫صالحا يصلح أن يكون عّلةً للحكم وهو ‪ :‬الطّعم وهو وصف مناسب ‪.‬‬
‫وقد اختلف الجدليون في قبول مثل هذه المعارضة ‪ :‬فقيل ‪ :‬ل يقبل بنا ًء على منع التّعليل‬
‫بعلّتين ‪ ,‬قال ابن عقيلٍ ‪ :‬ولنّ هذه الصّيغة ليست سؤالً ول جوابا ‪ ,‬لنّ للمستدلّ ‪ :‬أن‬
‫يقول ‪ :‬ل تنافي بين العلّتين بل أقول بهما جميعا ‪ ,‬وقيل ‪ :‬يقبل ‪ ,‬وبه جزم ابن القطّان‬
‫وغيره بناءً على جواز التّعليل بعلّتين ‪.‬‬
‫أو أن يذكر المستدل عّلةً للحكم في الصل ‪ ,‬ويذكر المعترض عّلةً أخرى فيه غير موجودةٍ‬
‫في الفرع ‪ ،‬كأن يقول المستدل ‪ :‬يصح صوم الفرض بنيّة بعد الشروع فيه قبل الزّوال لنّه‬
‫صوم عينٍ فتأدّى بنيّة قبل الزّوال كصوم النّفل ‪ ,‬فيذكر المعترض عّلةً أخرى غير العلّة‬
‫الّتي علّلها المستدل في حكم الصل ‪ ,‬وهي غير موجودةٍ في الفرع كأن يقول ‪ :‬إنّ علّة‬
‫حكم الصل ‪ -‬وهي صحّة صوم النّفل بنيّة قبل الزّوال ‪ -‬ليست بما ذكرت من أنّه صوم‬
‫ن النّفل من عمل السهولة والخفّة ‪ ,‬فجاز أداؤه بنيّة متأخّرةٍ عن‬
‫عينٍ ‪ ,‬بل المعنى فيه ‪ :‬أ ّ‬
‫الشروع فيه ‪ ,‬بخلف الفرض ‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا كون المعارضة في الفرع ‪ :‬فهي أن يعارض المعترض حكم الفرع بما يقتضي‬ ‫‪6‬‬

‫ص أو إجماعٍ ‪ ,‬أو بوجود مانعٍ ‪ ,‬أو بفوات شرطٍ ويقول في اعتراضه‬


‫نقيضه ‪ ,‬أو ضدّه بن ّ‬
‫ن ما ذكرت في الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي‬
‫‪:‬إّ‬
‫نقيضه فتوقف دليلك ‪.‬‬
‫ح في وجهٍ ‪ ,‬كما لو باع هذه‬
‫ومثال النّقيض أن يقول المستدل ‪ :‬إذا باع جاري ًة إل حملها ص ّ‬
‫الصّيعان إل صاعا ‪ ,‬فيقول المعترض ل يصح ‪ ,‬كما لو باع الجارية إل يدها ‪.‬‬
‫ومثال الضّدّ أن يقول المستدل ‪ :‬الوتر واجب قياسا على التّشهد في الصّلة ‪ ,‬بجامع‬
‫مواظبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول المعترض ‪ :‬فيستحب قياسا على الفجر ‪ ,‬بجامع‬
‫ن من فروض الصّلة ‪.‬‬
‫ت معيّنٍ لفرض معيّ ٍ‬
‫ن كلً منهما يفعل في وق ٍ‬
‫أّ‬
‫فإنّ الوتر في وقت العشاء ‪ ,‬والفجر في وقت الصبح ‪ ,‬ولم يعهد من الشّرع وضع صلتي‬
‫ت واحدٍ ‪.‬‬
‫فرضٍ في وق ٍ‬
‫وقال ابن السّمعاني ‪ :‬أمّا المعارضة في حكم الفرع فالصّحيح ‪ :‬أنّه إذا ذكر المعلّل عّلةً في‬
‫إثبات حكم الفرع ونفي حكمه فيعارضه خصمه بعلّة أخرى توجب ما توجبه علّة المعلّل ‪,‬‬
‫فتتعارض العلّتان فتمتنعان من العمل إل بترجيح إحداهما على الخرى ‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا صورة ورود المعارضة على الوصف فهي ‪ :‬أن يمنع المعترض كون الوصف‬ ‫‪7‬‬

‫المدّعى علّيّته عّلةً ‪ ,‬كأن يقول المستدل في الكلب ‪ :‬الكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعا‬
‫فل يقبل جلده الدّبغ ‪ ,‬معلّلً بكونه يغسل سبعا من ولوغه ‪ ,‬فيمنع المعترض كون الغسل‬
‫سبعا عّلةً لعدم طهارته بالدّبغ ‪ ,‬فيكون جوابه بإثبات العلّيّة بمسلك من مسالكها ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫والتّفصيل في الملحق الصول ّ‬

‫مَعَازِف *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعازف في اللغة ‪ :‬الملهي ‪ ,‬واحدها ِمعْزَف و ِمعْزَفَة ‪ ,‬والمعازف كذلك ‪ :‬الملعب‬ ‫‪1‬‬

‫الّتي يضرب بها ‪ ,‬فإذا أفرد المعزف فهو ضرب من الطّنابير يتّخذه أهل اليمن ‪ ,‬وغيرهم‬
‫يجعل العود معزفا ‪ ,‬والمعزف آلة الطّرب كالعود والطنبور ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اللّهو ‪:‬‬
‫ب ونحوهما ‪ ,‬ونقل الفيوميّ عن‬
‫‪ -‬اللّهو في اللغة ‪ :‬ما لعبت به وشغلك من هوىً وطر ٍ‬ ‫‪2‬‬

‫الطرطوشيّ قوله ‪ :‬أصل اللّهو التّرويح عن النّفس بما ل تقتضيه الحكمة ‪.‬‬
‫وألهاه اللّعب عن كذا ‪ :‬شغله ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو الشّيء الّذي يتلذّذ به النسان فيلهيه ثمّ ينقضي ‪ ,‬وفي المدارك ‪:‬‬
‫اللّهو كل باطلٍ ألهى عن الخير وعمّا يعنى ‪.‬‬
‫والصّلة أنّ المعازف قد تكون وسيلةً أو أداةً للّهو ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الموسيقى ‪:‬‬
‫‪ -‬الموسيقى لفظ يوناني يطلق على فنون العزف على آلت الطّرب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وعلم الموسيقى يبحث فيه عن أصول النّغم من حيث تأتلف أو تتنافر وأحوال الزمنة‬
‫المتخلّلة بينها ليعلم كيف يؤلّف اللّحن ‪.‬‬
‫والموسيقي ‪ :‬المنسوب إلى الموسيقى ‪ ,‬والموسيقار ‪ :‬من حرفته الموسيقى ‪.‬‬
‫والموسيقى في الصطلح ‪ :‬علم يعرف منه أحوال النّغم واليقاعات وكيفيّة تأليف اللحون‬
‫وإيجاد اللت ‪.‬‬
‫ن المعازف تستعمل في الموسيقى ‪.‬‬
‫والصّلة ‪ :‬أ ّ‬
‫ج ‪ -‬الغناء ‪:‬‬
‫ب في اللغة ‪ :‬الصّوت ‪ ,‬وقياسه ضم الغين ‪ :‬إذا صوّت ‪,‬‬
‫‪ -‬الغِناء بكسر الغين مثل كتا ٍ‬ ‫‪4‬‬

‫وهو التّطريب والتّرنم بالكلم الموزون وغيره ‪ ,‬يكون مصحوبا بالموسيقى ‪ -‬أي آلت‬
‫الطّرب ‪ -‬وغير مصحوبٍ بها ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬يطلق الغناء على رفع الصّوت بالشّعر وما قاربه من الرّجز على نحوٍ‬
‫مخصوصٍ ‪.‬‬
‫ر ‪ :‬مصطلح ‪ ( :‬غناء ف ‪. ) 1‬‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬
‫‪ -‬المعازف منها ما هو محرّم كذات الوتار والنّايات والمزامير والعود والطنبور‬ ‫‪5‬‬

‫ن رسول اللّه‬
‫والرباب ‪ ,‬نحوها في الجملة ‪ ,‬لما روي عن عليّ رضي اللّه تعالى عنه أ ّ‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلةً حلّ بها البلء ‪ »..‬وعد‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم منها ‪ ..« :‬واتّخذت القينات والمعازف » ‪ ,‬وما روي عن أبي أمامة‬
‫رضي اللّه تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬إنّ اللّه بعثني رحمةً‬
‫وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف » ‪.‬‬
‫ومن المعازف ما هو مكروه ‪ ,‬كالدفّ المصنّج للرّجال عند بعض الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬على‬
‫تفصيلٍ سيأتي ‪.‬‬
‫ومنها ما يكون مباحا كطبول غير اللّهو مثل طبول الغزو أو القافلة عند بعض فقهاء‬
‫الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪.‬‬
‫ومنها ما يكون استعماله مندوبا أو مستحبا كضرب الدفّ في النّكاح لعلنه عند بعض‬
‫الفقهاء ‪ ,‬وفي غير النّكاح من مناسبات الفرح والسرور في الجملة عند البعض ‪.‬‬
‫علّة تحريم بعض المعازف ‪:‬‬
‫ص بعض الفقهاء على أنّ ما حرم من المعازف وآلت اللّهو لم يحرم لعينه وإنّما‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪6‬‬

‫لعلّة أخرى ‪:‬‬


‫فقال ابن عابدين ‪ :‬آلة اللّهو ليست محرّم ًة لعينها بل لقصد اللّهو منها ‪ ,‬إمّا من سامعها أو‬
‫من المشتغل بها ‪ ,‬أل ترى أنّ ضرب تلك اللة حلّ تارةً وحرم أخرى باختلف النّيّة ؟‬
‫والمور بمقاصدها ‪.‬‬
‫وقال الحصكفيّ ‪ :‬ومن ذلك ‪ -‬أي الحرام ‪ -‬ضرب النّوبة للتّفاخر ‪ ,‬فلو للتّنبيه فل بأس به‬
‫‪ ,‬ونقل ابن عابدين عن الملتقى أنّه ينبغي أن يكون بوق الحمام يجوز كضرب النّوبة ‪ ,‬ثمّ‬
‫قال ‪ :‬وينبغي أن يكون طبل المسحّر في رمضان ليقاظ النّائمين للسحور كبوق الحمام ‪.‬‬
‫ما يحل وما يحرم من المعازف ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم آلت المعازف على التّفصيل التي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدف ‪:‬‬
‫‪ -‬الدف في اللغة ‪ :‬هو الّذي يلعب به ‪ ,‬وقد عرّفه بعض الفقهاء بالطّا ّر أو الغربال وهو‬ ‫‪7‬‬

‫المغشّى بجلد من جهةٍ واحدةٍ ‪ ,‬سمّي بذلك لتدفيف الصابع عليه ‪ ,‬وقال بعض المالكيّة ‪:‬‬
‫الدف هو المغشّى من جهةٍ واحد ٍة إذا لم يكن فيه أوتار ول جرس ‪ ,‬وقال غيرهم ‪ :‬ولو‬
‫كان فيه أوتار لنّه ل يباشرها بالقرع بالصابع ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكم الدفّ ‪:‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬ل بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به ليعلن النّكاح ‪ ,‬وعن السّرّاجيّة ‪:‬‬
‫ن هذا إذا لم يكن له جلجل ولم يضرب على هيئة التّطرب ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬والدف‬
‫أّ‬
‫الّذي يباح ضربه في العرس ‪ ..‬احترازا عن المصنّج ‪ ,‬ففي النّهاية عن أبي اللّيث ‪ :‬ينبغي‬
‫أن يكون مكروها ‪.‬‬
‫وسئل أبو يوسف عن الدفّ ‪ :‬أتكرهه في غير العرس بأن تضرب المرأة في غير فسقٍ‬
‫للصّبيّ ؟ قال ‪ :‬ل أكرهه ‪ ,‬ول بأس بضرب الدفّ يوم العيد ‪ ,‬كما في خزانة المفتين ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يكره الغربال أي الطّبل به في العرس ‪ ,‬قال ابن رش ٍد وابن عرفة ‪ :‬اتّفق‬
‫ي ‪ :‬يستحب في العرس‬
‫أهل العلم على إجازة الدفّ وهو الغربال في العرس ‪ ,‬وقال الدسوق ّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬أعلنوا هذا النّكاح واضربوا عليه بالدفوف » ‪.‬‬
‫لقول النّب ّ‬
‫ي ‪ :‬المشهور عدم جواز ضربه ‪,‬‬
‫وأمّا في غير العرس كالختان والولدة فقال الدسوق ّ‬
‫ومقابل المشهور جوازه في كلّ فرحٍ للمسلمين ‪ ,‬قال الحطّاب ‪ :‬كالعيد وقدوم الغائب وكلّ‬
‫سرورٍ حادثٍ ‪ ,‬وقال البيّ ‪ :‬ول ينكر لعب الصّبيان فيها ‪ -‬أي العياد ‪ -‬وضرب الدفّ ‪,‬‬
‫فقد ورد إقراره من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ ,‬ونقل الحطّاب عن عبد الملك بن‬
‫ن وما أشبههنّ‬
‫ب أنّه ذهب إلى جواز الدفّ في العرس ‪ ,‬إل للجواري العواتق في بيوته ّ‬
‫حبي ٍ‬
‫ن مجرى العرس إذا لم يكن غيره ‪.‬‬
‫فإنّه يجوز مطلقا ‪ ,‬ويجري له ّ‬
‫ف ذي الصّراصر أي الجلجل ‪ ,‬فذهب بعضهم إلى جواز الضّرب به‬
‫واختلف المالكيّة في الد ّ‬
‫في العرس ‪ ,‬وذهب آخرون إلى أنّ مح ّل الجواز إذا لم يكن فيه صراصر أو جرس وإل‬
‫ي ‪ :‬وهو الصّواب لما في الجلجل من زيادة الطراب ‪ ,‬هذا بالنّسبة‬
‫حرم ‪ ,‬قال الدسوق ّ‬
‫للنّساء والصّبيان ‪.‬‬
‫وقد اختلفوا في حكم ضرب الرّجال بالدفّ فقالوا ‪ :‬ل يكره الطّبل به ولو كان صادرا من‬
‫رجلٍ ‪ ,‬خلفا لصبغ القائل ‪ :‬ل يكون الدف إل للنّساء ‪ ,‬ول يكون عند الرّجال ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة يجوز ضرب دفّ واستماعه لعرس لنّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬أقرّ‬
‫جويراتٍ ضربن به حين بنى على الربيّع بنت معوّذ بن عفراء وقال لمن قالت ‪ :‬وفينا نبي‬
‫يعلم ما في غدٍ ‪ :‬دعي هذا وقولي بالّذي كنت تقولين » أي من مدح بعض المقتولين ببدر‬
‫‪ ,‬ويجوز لختان لما روي عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنّه كان إذا سمع صوتا أو دفا‬
‫بعث قال ‪ :‬ما هو ؟ فإذا قالوا عرس أو ختان صمت ‪ ,‬ويجوز في غير العرس والختان ممّا‬
‫ب وشفاء مريضٍ وإن كان فيه جلجل‬
‫هو سبب لظهار السرور كولدة وعي ٍد وقدوم غائ ٍ‬
‫ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رجع‬
‫لطلق الخبر ‪ ,‬وهذا في الصحّ عندهم لما روي أ ّ‬
‫من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء ‪ « :‬يا رسول اللّه إنّي كنت نذرت إن ردّك اللّه‬
‫ف وأتغنّى ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬إن كنت نذرت فاضربي وإل فل » ‪,‬‬
‫صالحا أن أضرب بين يديك بالد ّ‬
‫ومقابل الصحّ المنع لثر عمر رضي اللّه تعالى عنه السّابق ‪ ,‬واستثنى البلقيني من محلّ‬
‫الخلف ضرب الدفّ في أم ٍر مه ّم من قدوم عالمٍ أو سلطانٍ أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫وقال بعض الشّافعيّة ‪ :‬إنّ الدفّ يستحب في العرس والختان ‪ ,‬وبه جزم البغويّ في شرح‬
‫السنّة ‪.‬‬
‫أمّا متى يضرب الدف في العرس والختان ‪ ,‬فقد قال الذرعي ‪ :‬المعهود عرفا أنّه يضرب‬
‫به وقت العقد ووقت الزّفاف أو بعده بقليل ‪ ,‬وعبّر البغويّ في فتاويه بوقت العقد وقريب‬
‫منه قبله وبعده ويجوز الرجوع فيه للعادة ‪ ,‬ويحتمل ضبطه بأيّام الزّفاف الّتي يؤثر بها‬
‫العرس ‪ ,‬وأمّا الختان فالمرجع فيه العرف ‪ ,‬ويحتمل أنّه يفعل من حين الخذ في أسبابه‬
‫القريبة منه ‪ .‬وحكى البيهقيّ عن شيخه الحليميّ ‪ -‬ولم يخالفه ‪ -‬أنّا إذ أبحنا الدفّ فإنّما‬
‫صةً ‪ ,‬لنّه في الصل من أعمالهنّ ‪ ,‬وقد « لعن رسول اللّه صلّى اللّه‬
‫نبيحه للنّساء خا ّ‬
‫ن الجمهور لم يفرّقوا بين‬
‫عليه وسلّم المتشبّهين من الرّجال بالنّساء » ‪ ,‬ونازعه السبكي بأ ّ‬
‫الرّجال والنّساء والصل اشتراك الذكور والناث في الحكام إل ما ورد الشّرع فيه بالفرقة‬
‫ولم يرد هنا ‪ ,‬وليس ذلك ممّا يختص بالنّساء حتّى يقال يحرم على الرّجال التّشبه بهنّ فيه‬
‫‪.‬‬
‫ونقل الهيتمي عن الماورديّ قوله ‪ :‬اختلف أصحابنا ‪ ,‬هل ضرب الدفّ على النّكاح عام في‬
‫جميع البلدان والزمان ؟ فقال بعضهم ‪ :‬نعم لطلق الحديث ‪ ,‬وخصّه بعضهم بالبلدان الّتي‬
‫ل يتناكره أهلها في المناكح كالقرى والبوادي فيكره في غيرها ‪ ,‬وبغير زماننا ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫فيكره فيه لنّه عدل به إلى السخف والسّفاهة ‪.‬‬
‫وقال الهيتمي ‪ :‬ظاهر إطلقهم أنّه ل فرق في جواز الضّرب بالدفّ بين هيئةٍ وهيئةٍ ‪,‬‬
‫ن ‪ -‬أي‬
‫ي فقال ‪ :‬إنّما يباح الدف الّذي تضرب به العرب من غير زف ٍ‬
‫وخالف أبو عليّ الفارق ّ‬
‫ع من النغام‬
‫رقصٍ ‪ -‬فأمّا الّذي يزفن به وينقر ‪ -‬أي برءوس النامل ونحوها ‪ -‬على نو ٍ‬
‫فل يحل الضّرب به لنّه أبلغ في الطراب من طبل اللّهو الّذي جزم العراقيون بتحريمه ‪,‬‬
‫وتابعه تلميذه ابن أبي عصرونٍ ‪ ,‬قال الذرعي ‪ :‬وهو حسن ‪ ,‬فإنّه إنّما يتعاطاه على هذا‬
‫الوجه من ذكرنا من أهل الفسوق ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يستحب إعلن النّكاح والضّرب فيه بالدفّ ‪ ,‬قال أحمد ‪ :‬يستحب أن يظهر‬
‫النّكاح ويضرب فيه بالدفّ حتّى يشتهر ويعرف ‪ ،‬وقال ‪ :‬يستحب الدف والصّوت في‬
‫الملك ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬ما الصّوت ؟ قال ‪ :‬يتكلّم ويتحدّث ويظهر ‪ ,‬والصل في هذا ما روى‬
‫محمّد بن حاطبٍ قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬فصل ما بين الحلل‬
‫والحرام الدف والصّوت » ‪ ,‬وعن عائشة رضي اللّه تعالى عنها أنّها زوّجت يتيمةً كانت‬
‫في حجرها رجلً من النصار ‪ ,‬وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها ‪ ,‬قالت ‪ :‬فلمّا رجعنا‬
‫قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬ما قلتم يا عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬سلّمنا ودعونا اللّه‬
‫بالبركة ثمّ انصرفنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬صلّى اللّه عليه وسلّم فهل بعثتم معها جاريةً تضرب بالدفّ‬
‫وتغنّي أتيناكم أتيناكم فحيّانا وحيّاكم » ‪.‬‬
‫ب وولدةٍ كنكاح لما فيه من السرور ‪,‬‬
‫ن وقدوم غائ ٍ‬
‫ويسن عندهم ضرب بدفّ مباحٍ في ختا ٍ‬
‫والدف المباح هو ما ل حلق فيه ول صنوج ‪.‬‬
‫واختلفوا في ضرب الرّجال الدفّ ‪ ,‬قال البهوتيّ ‪ :‬وظاهره ‪ -‬أي ندب إعلن النّكاح وضرب‬
‫عليه بدفّ مباحٍ ‪ -‬سواء كان الضّارب رجلً أو امرأ ًة وهو ظاهر نصوص أحمد وكلم‬
‫الصحاب ‪ ,‬وقال الموفّق ‪ :‬ضرب الدفّ مخصوص بالنّساء ‪ ,‬وفي الرّعاية ‪ :‬يكره للرّجال‬
‫مطلقا ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬ذكر أصحابنا أنّه مكروه في غير النّكاح لنّه يروى عن عمر أنّه كان إذا‬
‫ف بعث فنظر فإن كان في وليمةٍ سكت وإن كان في غيرها عمد بال ّدرّة ‪.‬‬
‫سمع صوت الد ّ‬
‫ب ‪ -‬الكوبة ‪:‬‬
‫‪ -‬الكوبة طبل طويل ضيّق الوسط واسع الطّرفين ‪ ,‬ول فرق بين أن يكون طرفاها‬ ‫‪8‬‬

‫مسدودين أو أحدهما ‪ ,‬ول بين أن يكون اتّساعهما على ح ّد واحدٍ أو يكون أحدهما أوسع ‪.‬‬
‫وقد اختلف في حكمها ‪:‬‬
‫فذهب جمهور الشّافعيّة إلى أنّه يحرم ضرب الكوبة والستماع إليها لقول الرّسول صلّى‬
‫اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬إنّ اللّه حرّم عليكم الخمر والميسر والكوبة » ‪ ,‬ولنّ في ضربها‬
‫ي ‪ -‬كما حكى الهيتمي ‪-‬‬
‫تشبها بالمخنّثين إذ ل يعتادها غيرهم ‪ ,‬ونقل أبو الفتح الرّاز ّ‬
‫الجماع على حرمتها ‪.‬‬
‫وقال أحمد بن حنبلٍ ‪ :‬كره الطّبل وهو المنكر وهو الكوبة الّتي نهى عنها النّبي صلّى اللّه‬
‫عليه وسلّم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الكبر والمزهر ‪:‬‬
‫‪ -‬الكَبَر بفتحتين على وزن جبلٍ ‪ ,‬هو الطّبل الكبير ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫والمزهر ‪ :‬هو في اللغة العود الّذي يضرب به ‪ ,‬وفي الصطلح قال المالكيّة ‪ :‬هو الدف‬
‫المربّع المغلوف ‪.‬‬
‫قال الحطّاب ‪ :‬والفرق بينهما أنّ المزهر ألهى ‪ ,‬وكلّما كان ألهى كان أغفل عن ذكر اللّه‬
‫وكان من الباطل ‪.‬‬
‫وللمالكيّة في الكَبَر والمزهر ثلثة أقوالٍ ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنّهما يحملن محمل الغربال ‪ ,‬ويدخلن مدخله في جواز استعمالهما في العرس ‪,‬‬
‫وهو قول ابن حبيبٍ ‪.‬‬
‫س ول‬
‫والثّاني ‪ :‬أنّه ل يحمل واحد منهما محمله ول يدخل معه ول يجوز استعماله في عر ٍ‬
‫غيره ‪ ,‬وهو قول أصبغ ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬أنّه يحمل محمله ويدخل مدخله في الكبر وحده دون المزهر ‪ ,‬وهو قول ابن‬
‫القاسم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬النواع الخرى من الطبول ‪:‬‬
‫‪ -‬للفقهاء في النواع الخرى من الطبول تفصيل ‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان الطّبل لغير اللّهو فل بأس به كطبل الغزاة والعرس والقافلة‬
‫‪ ,‬وقال ابن عابدين ‪ :‬وينبغي أن يكون طبل المسحّر في رمضان ليقاظ النّائمين للسحور‬
‫كبوق الحمام ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى استثناء طبول الحرب من سائر الطبول ‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين من الشّافعيّة ‪ :‬والطبول الّتي تهيّأ لملعب الصّبيان إن لم تلحق‬
‫بالطبول الكبار فهي كالدفّ وليست كالكوبة بحال ‪ ,‬قال الهيتمي ‪ :‬وبه يعلم أنّ ما يصنع في‬
‫العياد من الطبول الصّغار الّتي هي على هيئة الكوبة وغيرها ل حرمة فيها ‪ ,‬لنّه ليس‬
‫فيها إطراب غالبا ‪ ,‬وما على صورة الكوبة منها انتفى فيه المعنى المحرّم للكوبة ‪ ,‬لنّ‬
‫للفسّاق فيها كيفيّات في ضربها ‪ ,‬وغيره ل يوجد في تلك الّتي تهيّئ للعب الصّبيان ‪ ,‬وقال‬
‫ي من الطبول‬
‫القاضي حسين ‪ :‬ضرب الطبول إن كان طبل لهوٍ فل يجوز ‪ ,‬واستثنى الحليم ّ‬
‫صةً‬
‫ص ما استثناه في العيد بالرّجال خا ّ‬
‫طبل الحرب والعيد ‪ ,‬وأطلق تحريم سائر الطبول وخ ّ‬
‫‪ ,‬وطبل الحجيج مباح كطبل الحرب ‪.‬‬
‫وكره أحمد الطّبل لغير حربٍ ونحوه ‪ ,‬واستحبّه ابن عقيلٍ من الحنابلة في الحرب وقال ‪:‬‬
‫لتنهيض طباع الولياء وكشف صدور العداء ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اليراع ‪:‬‬
‫‪ -‬اليراع هو ال ّزمّارة الّتي يقال لها الشّبّابة ‪ ,‬وهي ما ليس لها بوق ومنها المأصول‬ ‫‪11‬‬

‫سفّارة ونحوها ‪ ,‬وسمّي اليراع بذلك لخل ّو جوفه ‪ ,‬ويخالف المزمار العراقيّ‬
‫المشهور وال ّ‬
‫في أنّه له بوق والغالب أنّه يوجد مع الوتار ‪.‬‬
‫وقد اختلف في حكمه ‪ ,‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه يحرم الستماع إلى المزامير ول تجوز‬
‫الجارة على شيءٍ منها ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى جواز ال ّزمّارة والبوق ‪ ,‬وقيل ‪ :‬يكرهان ‪ ,‬وهو قول مالكٍ في المدوّنة‬
‫وهذا في النّكاح ‪ ,‬وأمّا في غيره فيحرم ‪.‬‬
‫وقد اختلف فقهاء الشّافعيّة في اليراع ‪ ,‬فقال الرّافعي ‪ :‬في اليراع وجهان ‪ ,‬صحّح البغويّ‬
‫التّحريم ‪ ,‬والغزالي الجواز وهو القرب ‪ ,‬قالوا ‪ :‬لنّه ينشّط على السّير ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬الصح تحريم اليراع ‪ ,‬قالوا ‪ :‬لنّه مطرب بانفراده ‪ ,‬بل قيل إنّه آلة كاملة‬
‫لجميع النّغمات إل يسيرا فحرّم كسائر المزامير ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ آلت المعازف تحرم سوى الدفّ ‪ ,‬كمزمار وناي وزمّارة الرّاعي‬
‫سواء استعملت لحزن أو سرو ٍر ‪ ,‬وسأل ابن الحكم المام أحمد عن النّفخ في القصبة‬
‫كالمزمار فقال ‪ :‬أكرهه ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الضّرب بالقضيب ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في الضّرب على القضيب ‪ ,‬فذهب الحنفيّة إلى أنّ ضرب القضيب‬ ‫‪12‬‬

‫حرام لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬الستماع إلى الملهي معصية والجلوس عليها فسق‬
‫والتّلذذ بها كفر » والمقصود بالكفر كفر النّعمة ‪.‬‬
‫واختلف الشّافعيّة في الضّرب بالقضيب على الوسائد على وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّه مكروه ‪ ,‬وبه قطع العراقيون ‪ ,‬لنّه ل يفرد عن الغناء ول يطرب وحده وإنّما‬
‫يزيد الغناء طربا ‪ ,‬فهو تابع للغناء المكروه فيكون مكروها ‪.‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬أنّه حرام وجرى عليه البغويّ والخراسانيون ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬قال ابن قدامة ‪ :‬الضّرب بالقضيب مكروه إذا انض ّم إليه محرّم أو مكروه‬
‫كالتّصفيق والغناء والرّقص ‪ ,‬وإن خل عن ذلك لم يكره ‪ ,‬لنّه ليس بآلة ول يطرب ول‬
‫يسمع منفردا بخلف الملهي ‪.‬‬
‫وقال في النصاف ‪ :‬في تحريم الضّرب بالقضيب وجهان ‪ ,‬وجزم ابن عبدوسٍ بالتّحريم ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬العود ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني العود في اللغة ‪ :‬كل خشبةٍ دقيقةً كانت أو غليظةً ‪ ,‬وضرب من الطّيب‬ ‫‪13‬‬

‫يتبخّر به ‪ ,‬وآلة موسيقيّة وتريّة يضرب عليها بريشة ونحوها ‪ ,‬والجمع أعواد وعيدان ‪,‬‬
‫والعوّاد ‪ :‬صانع العيدان والضّارب عليها ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكمه ‪:‬‬
‫فذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم ضرب العود واستماعه لنّ العود من المعازف وآلت‬
‫اللّهو ‪.‬‬
‫وقال الصّاوي ‪ :‬ذهبت طائفة إلى جوازه ‪ ,‬ونقل سماعه عن عبد اللّه بن عمر ‪ ,‬وعبد اللّه‬
‫ابن جعفرٍ ‪ ,‬وعبد اللّه بن الزبير ‪ ,‬ومعاوية بن أبي سفيان ‪ ,‬وعمرو بن العاص ‪ ,‬وغيرهم‬
‫‪ ,‬رضي اللّه تعالى عنهم ‪ ,‬وعن جمل ٍة من التّابعين ‪.‬‬
‫ثمّ اختلف الّذين ذهبوا إلى تحريمه ‪ ,‬فقيل ‪ :‬كبيرة ‪ ,‬وقيل ‪ :‬صغيرة ‪ ,‬والصح الثّاني ‪,‬‬
‫س أو صنيعٍ فل ترد به‬
‫وحكى المازريّ عن ابن عبد الحكم أنّه قال ‪ :‬إذا كان في عر ٍ‬
‫شهادة ‪.‬‬
‫ن بعض أصحابنا كان يخص العود بالباحة من بين الوتار ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬إ ّ‬
‫ح ‪ -‬الصّفّاقتان ‪:‬‬
‫س ‪ -‬تضرب إحداهما على الخرى ‪,‬‬
‫صفّاقتان دائرتان من صفرٍ ‪ -‬أي نحا ٍ‬
‫‪ -‬ال ّ‬ ‫‪14‬‬

‫وتسمّيان بالصّنج أيضا ‪ ,‬وهما من آلت الملهي ‪.‬‬


‫والمعتمد من مذهب الشّافعيّة أنّ استعمالهما واستماعهما حرام ‪ ,‬لنّ ذلك من عادة‬
‫المخنّثين والفسقة ‪ ,‬وشاربي الخمر ‪ ,‬وفي الضّرب بهما تشبه بهم ومن تشبّه بقوم فهو‬
‫ن اللّذّة الحاصلة منهما تدعو إلى فسا ٍد كشرب الخمر ل سيّما من قرب عهده‬
‫منهم ‪ ,‬ول ّ‬
‫بها ‪ ,‬والستماع هو المحرّم ‪.‬‬
‫أمّا السّماع من غير قص ٍد فل يحرم ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬باقي المعازف الوتريّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى تحريم استعمال المعازف الوتريّة كالطنبور والرّباب والكمنجة‬ ‫‪15‬‬

‫والقانون وسائر المعازف الوتريّة ‪ ,‬واستعمالها هو الضّرب بها ‪.‬‬


‫تعلم الموسيقى ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى تحريم تعلم المعازف والموسيقى والجارة على‬ ‫‪16‬‬

‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬إنّ اللّه بعثني رحم ًة وهدىً للعالمين‬
‫تعلمها ‪ ,‬لقول النّب ّ‬
‫وأمرني أن أمحق المزامير والكبّارات يعني البرابط والمعازف والوثان ‪ . . .‬ل يحل بيعهنّ‬
‫ول شراؤهنّ ول تعليمهنّ » ‪.‬‬
‫اتّخاذ المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم اتّخاذ آلة اللّهو ‪ -‬المعازف ‪ -‬المحرّمة ولو‬ ‫‪17‬‬

‫بغير استعمالٍ لنّ اتّخاذها يجر إلى استعمالها ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬يحرم اتّخاذ آل ٍة من شعار الشّربة‬
‫ي ونحو ذلك ‪.‬‬
‫كطنبور وعو ٍد ومزمارٍ عراق ّ‬
‫الكتساب بالمعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ الكتساب بالمعازف ل يطيب ‪ ,‬ويمنع منه المكتسب‬ ‫‪18‬‬

‫ن التّغنّي للّهو أو لجمع‬


‫وذلك إذا كان الغناء حرفته الّتي يكتسب بها المال ‪ ,‬ونصوا على أ ّ‬
‫ف‪.‬‬
‫المال حرام بل خل ٍ‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬في المنتقى ‪ :‬امرأة نائحة أو صاحبة طبلٍ أو زمرٍ اكتسبت مالً ردّته‬
‫على أربابه إن علموا وإل تتصدّق به ‪ ,‬وإن من غير شرطٍ فهو لها ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬ويمنع ‪ -‬أي المحتسب ‪ -‬من التّكسب بالكهانة واللّهو ويؤدّب عليه الخذ‬
‫والمعطي ‪.‬‬
‫الغناء مع المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬الغناء إمّا أن يقترن بآلة محرّمةٍ من آلت العزف أو ل يقترن بها ‪ ,‬فإن لم يقترن‬ ‫‪19‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪16‬‬ ‫بأيّ آل ٍة فقد اختلف الفقهاء في حكمه على تفصيلٍ سبق في مصطلح ‪ ( :‬استماع ف‬
‫)‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫وإن اقترن الغناء بآلة محرّم ٍة من آلت العزف ‪ ,‬فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‬
‫وجمهور الشّافعيّة إلى حرمته ‪.‬‬
‫وذهب بعض فقهاء الشّافعيّة إلى حرمة آلة العزف وبقاء الغناء على الكراهة ‪.‬‬
‫الستماع إلى المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ الستماع إلى المعازف المحرّمة حرام ‪ ,‬والجلوس في مجلسها‬ ‫‪20‬‬

‫حرام ‪ ,‬قال مالك ‪ :‬أرى أن يقوم الرّجل من المجلس الّذي يضرب فيه الكبر والمزمار أو‬
‫غير ذلك من اللّهو ‪ ,‬وقال أصبغ ‪ :‬دعا رجل عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه تعالى عنه إلى‬
‫وليمةٍ ‪ ,‬فلمّا جاء سمع لهوا فلم يدخل فقال ‪ :‬ما لك ؟ فقال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلّى اللّه‬
‫عليه وسلّم يقول ‪ « :‬من كثر سواد قومٍ فهو منهم ومن رضي عمل قومٍ كان شريكا لمن‬
‫عمله » ‪.‬‬
‫ن من يستمع المعازف المحرّمة فاسق ‪ ,‬قال ابن القيّم ‪:‬‬
‫بل إنّ بعض الفقهاء نصّ على أ ّ‬
‫العود والطنبور وسائر الملهي حرام ‪ ,‬ومستمعها فاسق ‪.‬‬
‫شهادة العازف والمستمع للمعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ل تقبل شهادة العازف أو المستمع للمعازف المحرّمة كالمزامير‬ ‫‪21‬‬

‫والطّنابير والصّنج وغيرها ‪.‬‬


‫التّداوي باستماع المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة إلى جواز التّداوي باستماع المعازف المحرّمة للضّرورة ‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫قال الرّملي ‪ :‬لو أخبر طبيبان عدلن بأنّ المريض ل ينفعه لمرضه إل العود عمل بخبرهما‬
‫‪ ,‬وحلّ له استماعه ‪ ,‬كالتّداوي بنجس فيه الخمر ‪ ,‬وعلى هذا يحمل قول الحليميّ ‪ :‬يباح‬
‫استماع آلة اللّهو إذا نفعت من مرضٍ ‪ ,‬أي لمن به ذلك المرض وتعيّن الشّفاء في سماعه‬
‫‪ .‬وقال الشّبراملسيّ ‪ :‬آلة اللّهو قد يباح استعمالها بأن أخبر طبيب عدل مريضا بأنّه ل‬
‫يزيل مرضه إل سماع اللة ‪ ,‬ولم يوجد في تلك الحالة إل اللة المحرّمة ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يحرم التّداوي بصوت ملهاةٍ وغيره كسماع الغناء والمحرّم لعموم قوله‬
‫صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬ول تداووا بالحرام » ‪.‬‬
‫الوصيّة بالطّبل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّخص لو أوصى بطبل ‪ ,‬وله طبل لهوٍ ل يصلح‬ ‫‪23‬‬

‫لمباح ‪ ,‬وطبل يحل النتفاع به ‪ ,‬كطبل حربٍ يقصد به التّهويل ‪ ,‬أو طبل حجيجٍ يقصد به‬
‫العلم بالنزول والرّحيل ‪ ,‬أو غيرهما ‪ -‬غير الكوبة المحرّمة ‪ -‬حملت الوصيّة على ما‬
‫ح ‪ ,‬لنّ الظّاهر قصده للثّواب ‪ ,‬وهو فيما تصح به الوصيّة ‪ ,‬فإن‬
‫يحل النتفاع به لتص ّ‬
‫صلح لمباح تخيّر الوارث ‪ ,‬فإن لم يكن له إل طبول ل تصح الوصيّة بها لغت ‪ ,‬ولو أوصى‬
‫بطبل اللّهو لغت الوصيّة لنّه معصية ‪ ،‬إل إن صلح لحرب أو حجيجٍ أو منفعةٍ أخرى مباحةٍ‬
‫‪ ,‬لمكان تصحيح الوصيّة فيما يتناوله لفظها ‪ ,‬وسواء صلح على هيئته أم بعد تغيرٍ يبقى‬
‫معه اسم الطّبل ‪ ,‬فإن لم يصلح إل بزوال اسم الطّبل لغت الوصيّة ‪.‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪:‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬وإن وصّى بدفّ صحّت الوصيّة به ‪ ,‬لنّ النّب ّ‬
‫« أعلنوا النّكاح واضربوا عليه بالدفّ » ‪ ,‬ول تصح الوصيّة بمزمار ول طنبورٍ ول عودٍ‬
‫من عيدان اللّهو لنّها محرّمة ‪ ,‬وسواء كانت فيه الوتار أو لم تكن ‪ ,‬لنّه مهيّأٌ لفعل‬
‫المعصية دون غيرها ‪ ,‬فأشبه ما لو كانت فيه أوتار ‪.‬‬
‫بيع المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يصح عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ ‪ -‬وعليه الفتوى عند‬ ‫‪24‬‬

‫الحنفيّة ‪ -‬بيع المعازف المحرّمة كالطنبور والصّنج والمزمار والرّباب والعود ‪ ,‬لما روى‬
‫ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬إنّ اللّه بعثني‬
‫أبو أمامة رضي اللّه تعالى عنه أ ّ‬
‫رحم ًة وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكفّارات يعني البرابط والمعازف ‪. . .‬‬
‫ل يحل بيعهنّ ول شراؤهنّ ول تعليمهنّ ول التّجارة فيهنّ وأثمانهنّ حرام للمغنّيات » ‪.‬‬
‫وفي قو ٍل عند الشّافعيّة ‪ :‬يصح بيع آلت العزف المحرّمة إن عدّ رضاضها ‪ -‬أي مكسّرها‬
‫‪ -‬ما ًل ‪ ,‬لنّ فيها نفعا متوقّعا ‪ ,‬أي من هذا الرضاض المتقوّم ‪ ,‬كما يصح بيع الجحش‬
‫الصّغير الّذي ل نفع منه في الحال ‪.‬‬
‫ويصح عند أبي حنيفة بيع المعازف لنّها أموال متقوّمة ‪ ,‬لصلحيّتها للنتفاع بها لغير‬
‫اللّهو ‪ ,‬كالمة المغنّية ‪ ,‬حيث تجب قيمتها غير صالح ٍة لهذا المر ‪.‬‬
‫أمّا المعازف المباحة كالنّفير والطبول غير الدّربكّة فإنّه يجوز بيعها ‪.‬‬
‫إجارة المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ استئجار آلة اللّهو المحرّمة ‪ -‬المعازف المحرّمة ‪ -‬ل يجوز‬ ‫‪25‬‬

‫ن المنفعة المقصودة غير مباح ٍة ويحرم أخذ العوض عليها ‪ ,‬لنّه يشترط لصحّة الجارة‬
‫لّ‬
‫أن تكون المنفعة مباحةً ‪ ,‬وفي قولٍ عند المالكيّة ‪ :‬يجوز كراؤها في النّكاح والرّاجح‬
‫الحرمة ‪ .‬أمّا المعازف غير المحرّمة فيجوز كراؤها ‪.‬‬
‫إعارة المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط المستعار كونه منتفعا به انتفاعا مباحا مقصودا ‪ ,‬فل‬ ‫‪26‬‬

‫يجوز إعارة ما ل ينتفع به انتفاعا مباحا شرعا كالمعازف وآلت اللّهو المحرّمة ‪.‬‬
‫إبطال المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ آلت اللّهو والمعازف المباحة ل يجوز إبطالها أو كسرها بل‬ ‫‪27‬‬

‫يحرم ‪.‬‬
‫أمّا آلت العزف والملهي المحرّمة الستعمال فل حرمة لصنعتها ول لمنفعتها ‪ ,‬وأنّه يجب‬
‫إبطالها ‪ ,‬لما روى عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه‬
‫عليه وسلّم قال ‪ « :‬بعثت بهدم المزمار والطّبل » ‪ ,‬وما روي أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫قال ‪ « :‬أمرني اللّه بمحق القينات والمعازف » ‪.‬‬
‫وفصّل الشّافعيّة كيفيّة إبطال المعازف المحرّمة فقالوا ‪ :‬الصح أنّها ل تكسر الكسر‬
‫الفاحش لمكان إزالة الهيئة المحرّمة مع بقاء بعض الماليّة ‪ ,‬نعم للمام ذلك زجرا وتأديبا‬
‫‪ ,‬وإنّما تفصل لتعود كما قبل التّأليف لزوال اسمها وهيئتها المحرّمة بذلك ‪.‬‬
‫والقول الثّاني ‪ -‬مقابل الصحّ عندهم ‪ -‬أنّه ل يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما ل يصلح‬
‫للستعمال ‪ ,‬فل تكفي إزالة الوتار فقط لنّها منفصلة عنها ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬تكسر حتّى تنتهي إلى ح ّد ل يمكن اتّخاذ آل ٍة محرّمةٍ ‪.‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّ المعازف وآلت اللّهو المملوكة لذمّيّ ل تبطل لنّه مقر على‬
‫ون ّ‬
‫النتفاع بمثلها ‪ ,‬إل أن يسمعها من ليس بدارهم أي محلّتهم ‪ ,‬حيث كانوا بين أظهرنا ‪,‬‬
‫وإن انفردوا بمحلّة من البلد ‪ ,‬فإن انفردوا ببلد أي بأن لم يخالطهم مسلم لم يتعرّض لهم ‪.‬‬
‫ضمان المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ آلت اللّهو ‪ -‬المعازف ‪ -‬المباحة كطبل الغزاة والدفّ الّذي‬ ‫‪28‬‬

‫يباح ضربه واستماعه في العرس يحرم كسرها ‪ ,‬وتضمن إن كسرت أو أتلفت ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المعازف المحرّمة ل يجب في‬
‫إبطالها شيء ‪ ,‬لنّ منفعتها محرّمة والمحرّم ل يقابل بشيء ‪ ,‬مع وجوب إبطالها على‬
‫)‪.‬‬ ‫‪140‬‬ ‫وضمان ف‬ ‫‪12‬‬ ‫القادر عليه ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إتلف ف‬
‫سرقة المعازف ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في إقامة ح ّد السّرقة أو عدم إقامته على من يسرق المعازف المحرّمة‬ ‫‪2‬‬

‫أو غيرها ‪:‬‬


‫ن سارق المعازف ‪ -‬آلت‬
‫فذهب الحنفيّة والحنابلة وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫اللّهو ‪ -‬ل تقطع يده ‪ ,‬واختلف تفصيلهم وتعليلهم ‪:‬‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬ل قطع في جميع آلت اللّهو المحرّمة ‪ ,‬لنّها عند الصّاحبين ل قيمة بها‬
‫بدليل أنّ متلفها ل يضمنها ‪ ,‬ولنّها عند أبي حنيفة ‪ -‬وإن كان يجب الضّمان على متلفها‬
‫فهي متقوّمة ‪ -‬لكنّ آخذها يتأوّل الكسر فيها فكان ذلك شبهةً تدرأ حدّ السّرقة وهو القطع‬
‫‪ .‬واختلفوا في طبل الغزاة ‪ ,‬فقيل ‪ :‬يقطع سارقه لنّه مال متقوّم ليس موضوعا للّهو فليس‬
‫آلة له ٍو ‪ ,‬واختار الصّدر الشّهيد ‪ -‬وهو الصح ‪ -‬عدم وجوب القطع بسرقته لنّه يصلح‬
‫للّهو وإن كان وضعه لغيره ‪ ,‬أي أنّه كما يصلح للغزو يصلح للّهو ‪ ,‬فصارت صلحيّته‬
‫للّهو شبهةً تمكّنت فيه فدرأت القطع ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل قطع بسرقة آلة لهوٍ كطنبور ومزما ٍر وشبّابةٍ وإن بلغت قيمة ما ذكر‬
‫مفصّلً نصابا ‪ ,‬لنّه معصية إجماعا فلم يقطع بسرقته كالخمر ‪ ,‬ول يقطع أيضا بما على‬
‫ي ولو بلغ نصابا لنّه متّصل بما ل قطع فيه وتابع له أشبه الخشب ‪.‬‬
‫آلة اللّهو من حل ّ‬
‫ن الشّارع سلّط على كسر ما حرم من‬
‫ح من الشّافعيّة علّلوا قولهم بأ ّ‬
‫والقائلون بمقابل الص ّ‬
‫آلت اللّهو كالطنبور والمزمار وغيرهما ‪ ,‬والتّوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه ‪,‬‬
‫فصار ذلك شبهةً دارئةً لح ّد السّرقة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة وهو الصح عند الشّافعيّة إلى أنّه ل قطع بسرقة الطنبور والعود والمزامير‬
‫ونحوها من آلت اللّهو المحرّمة إل أن تساوي بعد كسرها ‪ -‬أي إفساد صورتها وإذهاب‬
‫ن السّارق عندئذٍ يكون قد سرق نصابا من حرزه ‪.‬‬
‫المنفعة المقصودة بها ‪ -‬نصابا ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن المالكيّة اختلفوا في الكسر المعتبر في تقويم المسروق ‪ ,‬هل يكفي في اعتبار قيمته‬
‫لك ّ‬
‫تقدير كسره وإن لم يكسر بالفعل ‪ ,‬أم ل ب ّد من كسره بالفعل ول تعتبر قيمته بتقدير‬
‫كسره ؟ المعتمد في المذهب أنّه يكفي في اعتبار قيمته تقدير كسره إذ قد تفقد عينه لو‬
‫كسر بالفعل ‪ ,‬وذهب الزرقانيّ إلى أنّه ل قطع في المسروق من هذه المعازف إل أن‬
‫يساوي بعد كسره بالفعل نصابا ‪.‬‬

‫مُعَاشرة *‬
‫انظر ‪ :‬عشرة ‪.‬‬

‫مُعَاطاة *‬
‫انظر ‪ :‬تعاطي ‪.‬‬

‫مَعَاقِل *‬
‫انظر ‪ :‬عاقلة ‪.‬‬

‫مُعَانقة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعانقة لغ ًة ‪ :‬مفاعلة من العنق ‪ ,‬ومعناها ‪ :‬الضّم واللتزام ‪ ,‬يقال ‪ :‬عانقه معانقةً‬ ‫‪1‬‬

‫وعناقا ‪ :‬أدنى عنقه من عنقه وضمّه إلى صدره ‪.‬‬


‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المصافحة ‪:‬‬
‫‪ -‬المصافحة في اللغة ‪ :‬مفاعلة من الصّفح ‪ ,‬يقال ‪ :‬صافحته مصافحةً ‪ :‬أفضيت بيدي‬ ‫‪2‬‬

‫إلى يده ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬إلصاق صفحة الكفّ بالكفّ وإقبال الوجه بالوجه ‪.‬‬
‫ن كلً منهما من آداب التّلقي ‪.‬‬
‫والصّلة بين المصافحة والمعانقة ‪ :‬أ ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالمعانقة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬معانقة الرّجل للرّجل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة في الصّحيح إلى أنّه يجوز معانقة الرّجل للرّجل إذا كان على كلّ واحدٍ‬ ‫‪3‬‬

‫منهما قميص أو جبّة ‪ ,‬ثمّ اختلفوا في المعانقة في إزا ٍر واحدٍ ‪ ,‬والمذهب كراهة المعانقة‬
‫في إزا ٍر واحدٍ ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ‪ :‬ل بأس بالمعانقة في إزارٍ واحدٍ ‪.‬‬
‫قال الخادميّ ‪ :‬وقد وردت أحاديث في النّهي عن المعانقة ‪ ,‬وأحاديث في تجويزها ‪ ,‬ووفّق‬
‫ي بينهما فقال ‪ :‬المكروه منها ما كان على وجه الشّهوة ‪ ,‬وأمّا على‬
‫أبو منصورٍ الماتريد ّ‬
‫وجه البرّ والكرامة فجائز ‪.‬‬
‫وكره مالك المعانقة كراهةً تنزيه ّي ًة لنّها من فعل العاجم ‪ ,‬ولم يرد عن رسول اللّه صلّى‬
‫اللّه عليه وسلّم أنّه فعلها إل مع جعفرٍ رضي اللّه عنه ‪ ,‬ولم يجر العمل بها من الصّحابة‬
‫ن مفاد النّقل عن مالكٍ كراهة المعانقة‬
‫بعده عليه الصّلة والسّلم ‪ ,‬قال العدويّ ‪ :‬ل يخفى أ ّ‬
‫ولو مع الهل ونحوهم ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المعانقة مكروهة إل لقادم من سف ٍر ‪ ,‬أو تباعد لقاءٍ فسنّة للتّباع ‪.‬‬
‫واستدلوا على ما ذهبوا إليه من كراهة معانقة الرّجلين بحديث أنسٍ رضي اللّه عنه قال ‪:‬‬
‫قال رجل ‪ « :‬يا رسول اللّه الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أفيلتزمه ‪ -‬أي يعتنقه – ويقبّله ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال ‪ :‬نعم » ‪,‬‬
‫ن الكراهة هنا كراهة تنزي ٍه ‪.‬‬
‫وصرّح النّووي بأ ّ‬
‫واستدلوا على معانقة القادم من سفرٍ بما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت ‪:‬‬
‫« قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بيتي ‪ ،‬فأتاه فقرع‬
‫الباب ‪ ،‬فقام إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ . . .‬فاعتنقه وقبّله » ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تباح المعانقة وتقبيل اليد والرّأس تدينا وإكراما واحتراما مع أمن الشّهوة‬
‫‪ ,‬قال ابن مفلحٍ ‪ :‬ظاهر هذا عدم إباحته لمر الدنيا ‪.‬‬
‫ن أبا عبد اللّه ‪ -‬أحمد بن حنبلٍ ‪ -‬احتجّ في المعانقة بحديث ‪:‬‬
‫وقال إسحاق بن إبراهيم ‪ :‬إ ّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم عانقه » ‪.‬‬
‫أبي ذرّ رضي اللّه عنه ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬
‫وقال ‪ :‬سألت أبا عبد اللّه عن الرّجل يلقى الرّجل يعانقه ؟ قال ‪ :‬نعم فعله أبو الدّرداء ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬معانقة المرد ‪:‬‬
‫‪ -‬صرّح الشّافعيّة بأنّه تحرم معانقة المرد ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ج ‪ -‬معانقة ذي عاهةٍ ‪:‬‬


‫‪ -‬صرّح القليوبيّ بأنّه تكره معانقة ذي عاه ٍة كبرص وجذامٍ ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫د ‪ -‬معانقة الصّائم ‪:‬‬


‫‪ -‬ذهب الحنفيّة في المشهور إلى كراهة معانقة الزّوجة في حالة الصّوم إن لم يأمن‬ ‫‪6‬‬

‫المفسد ‪ ,‬وهو النزال أو الجماع ‪ ,‬لما فيه من تعريض الصّوم للفساد بعاقبة الفعل ‪.‬‬
‫وأمّا إذا أمن على نفسه المفسد فل بأس بالمعانقة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه تكره المعانقة بين الرّجل والمرأة لمن تحرّك شهوته ‪ ,‬ففي الحديث‬
‫ع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه » ‪ ,‬والكراهة هي‬
‫‪ « :‬من وقع في الشبهات كرا ٍ‬
‫كراهة تحريمٍ في الصحّ ‪ ,‬وحكى الرّافعي عن التّتمّة وجهين ‪ :‬التّحريم والتّنزيه ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أثر المعانقة في فساد الحجّ والعمرة ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه لو عانق المحرم امرأةً بشهوة فل شيء عليه إل إذا أنزل فيجب‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪7‬‬

‫عليه الدّم ‪ ,‬ول تفسد حجّته ول عمرته ‪.‬‬


‫و ‪ -‬أثر المعانقة في نشر حرمة المصاهرة ‪:‬‬
‫ن المعانقة عن شهوةٍ كالقبلة في نشر حرمة المصاهرة ‪ ،‬فمن عانق‬
‫‪ -‬صرّح الحنفيّة بأ ّ‬ ‫‪8‬‬

‫أمّ امرأته حرّمت عليه امرأته ما لم يظهر عدم الشّهوة ‪.‬‬


‫ونقل ابن عابدين عن الفيض ‪ :‬لو قام إليها وعانقها منتشرا ‪ ,‬أو قبلها وقال ‪ :‬لم يكن عن‬
‫شهوةٍ ل يصدّق ‪ ,‬ولو قبل ولم تنتشر آلته وقال ‪ :‬كان عن غير شهوةٍ يصدّق ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ل‬
‫يصدّق لو قبلها على الفم ‪ ,‬وبه يفتى ‪ ,‬ثمّ قال ابن عابدين ‪ :‬فهذا كما ترى صريح في‬
‫ترجيح التّفصيل ‪.‬‬

‫مَعَاهد *‬
‫انظر ‪ :‬عهد ‪.‬‬

‫مُعَاهَدة *‬
‫انظر ‪ :‬هدنة ‪.‬‬

‫مُعَا َوضَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعاوضة في اللغة ‪ :‬أخذ شي ٍء مقابل شي ٍء أو إعطاؤه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫حكم المعاوضة ‪:‬‬
‫‪ -‬المعاوضة مشروعة إذا كان عقدها صادرا عمّن يملك هذا التّصرف فيما يجوز له‬ ‫‪2‬‬

‫التّصرف فيه ‪.‬‬


‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬اعتياض ف ‪. ) 2‬‬
‫أقسام المعاوضة ‪:‬‬
‫‪ -‬تنقسم المعاوضة إلى ‪ :‬محض ٍة وغير محضةٍ ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫فالمحضة منها ‪ :‬هي الّتي يقصد فيها المال من الجانبين وغير المحضة ما كان المال فيها‬
‫ب واحدٍ ‪.‬‬
‫من جان ٍ‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬اعتياض ف ‪ 4‬وما بعدها ) ‪.‬‬
‫ثبوت خيار المجلس في المعاوضات ‪:‬‬
‫‪ -‬يثبت خيار المجلس في المعاوضات عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ,‬قال الشّافعيّة ‪ :‬وذلك بما‬ ‫‪4‬‬

‫ن ‪ ,‬وكانت لزم ًة من الجانبين ‪ ,‬وليس فيها‬


‫إذا كانت المعاوضة محضةً ‪ ,‬ووقعت على عي ٍ‬
‫تمليك قهري ‪ ,‬وليست جاريةً مجرى الرخص ‪.‬‬
‫فل تثبت في الهبة ول البراء ‪ ,‬لنّه ليس فيهما معاوضة ول صلح الحطيطة ‪ ,‬لنّه إن كان‬
‫ن فهو إبراء ‪ ,‬وإن وقع في عينٍ فهو هبة ‪ ,‬ول تثبت في النّكاح والخلع ‪,‬‬
‫الصلح عن دي ٍ‬
‫ن المقصود منهما ليس بمال أصال ًة ول يفسدان بفساد المقابل ‪ ,‬ول تثبت في الجارة‬
‫لّ‬
‫ن الوليين جائزتان من‬
‫ن ‪ ,‬ول الشّركة والقراض والكتابة ل ّ‬
‫لنّها غير واقعةٍ على عي ٍ‬
‫الجانبين ‪ ,‬والخريين من جانبٍ واحدٍ ‪ ,‬ولنّه ل معنى لثبوت الخيار فيما هو جائز ولو في‬
‫ب واحدٍ ‪.‬‬
‫جان ٍ‬
‫الرجوع عن عقد المعاوضة لفلس أحد الطّرفين ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا حجر على أحد الطّرفين قبل قبض العوض بإفلس ‪ ,‬فللخر الرجوع بالقول فورا‬ ‫‪5‬‬

‫بشروط ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬إفلس ف‬

‫مُعَايَاة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعاياة مصدر عايا ‪ ,‬يقال عايا فلن ‪ :‬أتى بكلم أو أمرٍ ل يهتدى له ‪ ,‬وعايا صاحبه‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬ألقى عليه كلما ل يهتدى لوجهه ‪.‬‬


‫ويطلق الفقهاء المعاياة على بعض المسائل الفقهيّة الّتي تحتاج إلى إعمال الفكر والنّظر‬
‫وبذل الجهد بغية الوصول إلى الرّأي الصّحيح فيها وأحيانا يطلقون على مثل هذه المسائل‬
‫إلغازا فيقولون ‪ :‬يلغز بكذا ثمّ يذكرون المسألة الّتي يعايى بها أو يلغز ‪.‬‬
‫واعتبر صاحب كشّاف القناع المسألة الكدريّة في الميراث من المسائل الّتي يعايى بها‬
‫وعبّر عنها الدسوقيّ باللغاز ‪.‬‬
‫وأغلب ما ورد من ذلك عند الفقهاء إنّما هو في مسائل الميراث ‪ ,‬وإن كان بعض الفقهاء‬
‫كابن نجيمٍ عقد بابا سمّاه فن اللغاز جمع فيه الكثير من المسائل في أغلب أبواب الفقه من‬
‫عباداتٍ ومعاملتٍ ‪.‬‬
‫بعض أمثلة المعاياة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر ابن نجيمٍ من الحنفيّة أمثلةً عدّةً في كثي ٍر من أبواب الفقه ومن ذلك ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫في الصّلة ‪:‬‬


‫أيّ صل ٍة أفسدت خمسا وأيّ صلةٍ صحّحت خمسا ؟ وجوابها ‪ :‬رجل ترك صل ًة وصلّى‬
‫بعدها خمسا ذاكرا للفائتة ‪ ,‬فإن قضى الفائتة فسدت الخمس ‪ ,‬وإن صلّى السّادسة قبل‬
‫قضائها صحّت الخمس ‪.‬‬
‫في الصّوم ‪:‬‬
‫أي رجلٍ أفطر بل عذ ٍر ول كفّارةٍ عليه ؟ الجواب ‪ :‬من رأى الهلل وحده ور ّد القاضي‬
‫شهادته ‪.‬‬
‫في الزّكاة ‪:‬‬
‫أيّ ما ٍل وجبت فيه زكاته ث ّم سقطت بعد الحول ولم يهلك ؟ الجواب ‪ :‬الموهوب إذا رجع‬
‫للواهب بعد الحول ‪ ,‬ول زكاة على الواهب أيضا ‪.‬‬
‫في النّكاح ‪:‬‬
‫ج في يومٍ واحدٍ ؟ والجواب ‪ :‬امرأة حامل طلقت‬
‫أي امرأة أخذت ثلثة مهو ٍر من ثلثة أزوا ٍ‬
‫ثمّ وضعت فلها كمال المهر ثمّ تزوّجت وطلقت قبل الدخول ثمّ تزوّجت فمات ‪.‬‬
‫وذكر ابن نجيمٍ من اللغاز غير ذلك في الطّلق والعتاق واليمان والحدود والسّير والوقف‬
‫والبيع والقضاء والشّهادات ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن المسائل الّتي ذكرها المالكيّة في طهارة الماء ونجاسته قولهم ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫قل للفقيه إمام العصر قد مُزجت‬


‫ثـلثـة بإنـاء واحـدٍ نسـبـوا‬
‫لها الطّهارة حيث البعض قُدّم أو‬
‫إن قُدّم البعض فالتّنجيس ما السّبب ؟‬
‫والمقصود بالثّلثة ‪ :‬الماء ‪ ,‬السكّر أو العجين ‪ -‬أو أيّ مادّ ٍة أخرى ‪ -‬النّجاسة القليلة ‪.‬‬
‫وتوضيح المسألة لنّ الماء إذا حلّت فيه نجاسة قليلة قبل إضافة السكّر أو العجين أو‬
‫غيرهما ثمّ أضيف السكّر أو العجين فإنّه ل يكون نجسا إل إذا تغيّر أحد أوصافه فهنا قدّمت‬
‫النّجاسة فحلّت في الماء قبل إضافة المادّة الخرى فالماء طاهر ‪.‬‬
‫أمّا إذا أضيفت مادّة السكّر أو العجين إلى الماء ث ّم حلّت فيه نجاسة قليلة فإنّه يكون نجسا‬
‫فهنا قدّم السكّر أو العجين على النّجاسة الّتي حلّت ‪.‬‬
‫ومن المسائل الّتي ذكرها المالكيّة أيضا في صلة الجماعة قولهم ‪ :‬أخبرني عن إمامٍ صلّى‬
‫ن فضل‬
‫بقوم وحصل لهم فضل الجماعة وله أن يعيد في جماع ٍة أخرى ؟ وأصل المسألة أ ّ‬
‫الجماعة عند الكثر من فقهاء المالكيّة ل يحصل للمام إل بنيّة المامة ولو في أثناء‬
‫ن فضل الجماعة‬
‫الصّلة فلو صلّى شخص منفردا ثمّ جاء من ائت ّم به ولم يشعر هو بذلك فإ ّ‬
‫يحصل للمأموم دون المام وعلى ذلك فله أن يعيد في جماعةٍ أخرى للحصول على فضل‬
‫الجماعة ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن المسائل الّتي ذكرها الشّافعيّة في الصّلة قولهم ‪ :‬لنا شخص عاد لسنة لزمه‬ ‫‪4‬‬

‫ن سجود السّهو سنّة ومحله قبل السّلم ‪ ,‬فإن سلّم المصلّي‬


‫فرض ‪ ،‬وتوضيح المسألة أ ّ‬
‫ساهيا وقصر الفصل عرفا فله السجود بعد قصد العود إلى الصّلة ويتبيّن بذلك أنّه لم‬
‫يخرج من الصّلة فلو شكّ في ترك ركنٍ حينئ ٍذ وجب عليه تداركه قبل السجود ولذلك يلغز‬
‫فيقال ‪ :‬عاد لسنة فلزمه فرض ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن المثلة الّتي ذكرها الحنابلة في الطّهارة قالوا ‪ :‬ممّا يعايى به ‪ :‬يستحب بقاء الدّم‬ ‫‪5‬‬

‫على جسم النسان ‪ ،‬وتوضيح ذلك أنّه من المعلوم أنّ الدّم نجس ويجب إزالته لكنّهم قالوا‬
‫ن دم الشّهيد مختلف في طهارته ونجاسته وعلى كل القولين يستحب بقاء الدّم عليه ول‬
‫‪:‬إّ‬
‫يزال ‪.‬‬
‫من مسائل الميراث ‪:‬‬
‫‪ -‬أ ‪ -‬قال محمّد بن الحسن ‪ :‬جاء رجل إلى قومٍ يقتسمون ميراثا فقال ‪ :‬ل تقتسموا فإنّ‬ ‫‪6‬‬

‫لي امرأةً غائبةً ‪ ,‬فإن كانت ح ّيةً ورثت هي ولم أرث أنا ‪ ,‬وإن كانت ميّت ًة ورثت أنا ‪،‬‬
‫ب هو زوج أختها‬
‫وجوابها ‪ :‬هذه امرأة ماتت وتركت أما وأختين لبوين وأختا لمّ وأخا ل ٍ‬
‫لمّها ‪ ,‬فللختين الثلثان ‪ ,‬وللمّ السدس وللخت لمّ السدس إن كانت ح ّيةً ول يبقى‬
‫ب وإن كانت ميّتةً فله الباقي وهو السدس لنّه عصبة‬
‫لزوجها شيء لنّه عصبة فإنّه أخ ل ٍ‬
‫‪.‬‬
‫ب ‪ -‬امرأة جاءت إلى قو ٍم يقتسمون ميراثا فقالت ‪ :‬ل تقتسموا فإنّي حبلى فإن ولدت‬
‫غلما ورث ‪ ,‬وإن ولدت جاريةً لم ترث ‪.‬‬
‫صورة المسألة ‪ :‬رجل مات وترك بنتين وعما وامرأةً حبلى من أخيه ‪ ,‬فإن ولدت غلما‬
‫فهو ابن أخيه وهو عصبة مقدّم على العمّ فيرث وإن ولدت جاريةً فهي بنت أخ من ذوي‬
‫الرحام فل ترث ‪.‬‬
‫ولو قالت إن ولدت غلما ل يرث وإن ولدت جاريةً ورثت صورة المسألة ‪ :‬امرأة ماتت‬
‫عن زوجٍ وأمّ وأختين لمّ وحملٍ من الب ‪ ,‬فإن ولدت امرأة الب جاريةً فهي أختها لبيها‬
‫فيكون للمّ السدس وللزّوج النّصف وللخت لبٍ النّصف وللختين لمّ الثلث أصلها من‬
‫س ّت ٍة تعول إلى تسع ٍة وإن ولدت غلما فللزّوج النّصف وللمّ السدس ولولد المّ الثلث ول‬
‫شيء للغلم لنّه عصبة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ومن المسائل الّتي يعايى بها في الميراث المسألة الكدريّة ‪ ,‬فيقال ‪ :‬أربعة ورثوا مال‬
‫ت فأخذ أحدهم ثلث المال وأخذ الثّاني ثلث الباقي وأخذ الثّالث ثلث ما بقي وأخذ الرّابع‬
‫ميّ ٍ‬
‫الباقي ‪.‬‬
‫والمسألة هي ‪ :‬زوج وأم وأخت وجد للزّوج النّصف وللمّ الثلث وللخت النّصف وللجدّ‬
‫السدس وهي تعول إلى سبعةٍ وعشرين ‪ ,‬للزّوج تسعة وللمّ ستّة وللجدّ ثمانية وللخت‬
‫أربعة ‪.‬‬
‫د ‪ -‬المسألة الدّيناريّة فيعايى بها فيقال ‪ :‬رجل خلّف ستّمائة دينارٍ وسبعة عشر وارثا‬
‫ذكورا وإناثا فأصاب أحدهم دينارا واحدا ‪ ,‬والمسألة هي ‪ :‬زوجة وجدّة وبنتان واثنا عشر‬
‫ب وأمّ والتّركة ستمائة دينارٍ ‪ ,‬للجدّة سدس مائة دينارٍ ‪ ,‬وللبنتين‬
‫أخا وأختا واحدةً ل ٍ‬
‫الثلثان أربعمائة دينارٍ وللزّوجة الثمن خمسة وسبعون دينارا يبقى خمسة وعشرون دينارا‬
‫لكلّ أخ ديناران وللخت دينار ‪.‬‬

‫مَ ْعتُوه *‬
‫انظر ‪ :‬عته ‪.‬‬

‫مُعَدّل *‬
‫انظر ‪ :‬تزكية ‪.‬‬
‫مَعْدَن *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعدن لغةً ‪ :‬مكان كلّ شيءٍ فيه أصله ومركزه ‪ ,‬وموضع استخراج الجوهر من ذهبٍ‬ ‫‪1‬‬

‫ونحوه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح قال ابن الهمام ‪ :‬وأصل المعدن المكان بقيد الستقرار فيه ثمّ اشتهر في‬
‫نفس الجزاء المستقرّة الّتي ركّبها اللّه تعالى في الرض حتّى صار النتقال من اللّفظ إليه‬
‫ابتداءً بل قرينةٍ ‪.‬‬
‫وقال البهوتيّ ‪ :‬هو كل ما تولّد في الرض من غير جنسها ليس نباتا ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكنز ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني الكنز ‪ :‬المال المدفون تحت الرض وجمعه كنوز مثل فلسٍ وفلوس ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومن معانيه الدّخار يقال ‪ :‬كنزت التّمر في وعائه أكنزه ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬هو المال الّذي دفنه بنو آدم في الرض ‪.‬‬
‫والفرق بين المعدن والكنز أنّ المعدن هو ما خلقه اللّه تعالى في الرض والكنز هو المال‬
‫المدفون بفعل النّاس ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرّكاز ‪:‬‬
‫‪ -‬الرّكاز لغةً ‪ :‬هو دفين أهل الجاهليّة كأنّه ركّز في الرض من ركز يركز ركزا ‪ :‬بمعنى‬ ‫‪3‬‬

‫ثبت واستق ّر ‪ ,‬أو من ركز إذا خفي يقال ركزت الرمح إذا أخفيت أصله ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو ما وجد مدفونا من عهد الجاهليّة وبهذا قال جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫وأمّا الحنفيّة فقالوا ‪ :‬إنّ الرّكاز مال مركوز تحت أرضٍ أعم من كون راكزه الخالق أو‬
‫المخلوق فيشمل عندهم المعدن والكنز ‪ ,‬فالرّكاز اسم لهما جميعا ‪.‬‬
‫والصّلة أنّ الرّكاز مباين للمعدن عند جمهور الفقهاء وأمّا عند الحنفيّة فإنّ الرّكاز أعم من‬
‫المعدن حيث يطلق عليه وعلى الكنز ‪.‬‬
‫أنواع المعادن ‪:‬‬
‫ع وذلك من ناحية جنسها فقالوا ‪:‬‬
‫‪ -‬قسّم الحنفيّة وبعض الحنابلة المعادن إلى ثلثة أنوا ٍ‬ ‫‪4‬‬

‫منطبع بالنّار ‪ ,‬ومائع ‪ ,‬وما ليس بمنطبع ول مائعٍ ‪.‬‬


‫أ ‪ -‬أمّا المنطبع فكالذّهب والفضّة والحديد والرّصاص والنحاس والصفر وغيرها وهذا‬
‫النّوع يقبل الطّرق والسّحب ‪ ,‬فتعمل منه صفائح وأسلك ونحوها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬والمائع كالقير والنّفط ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وما ليس بمنطبع ول مائعٍ كالنورة والجصّ والجواهر والياقوت واللؤلؤ والفيروز‬
‫والكحل ‪ ,‬وهذا النّوع ل يقبل الطّرق والسّحب ‪ ,‬لنّه صلب ‪.‬‬
‫وقسّم الشّافعيّة والحنابلة المعادن من ناحية استخراجها إلى قسمين ‪:‬‬
‫ت‪.‬‬
‫ج وإنّما العلج في تحصيله كنفط وكبري ٍ‬
‫أ ‪ -‬المعدن الظّاهر وهو ما خرج بل عل ٍ‬
‫س‪.‬‬
‫ضةٍ وحديدٍ ونحا ٍ‬
‫ب ‪ -‬والمعدن الباطني هو ما ل يخرج إل بعلج كذهب وف ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالمعادن ‪:‬‬
‫ملكيّة المعادن ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم ملكيّة المعادن ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫ض ٍة أو حديدٍ أو صف ٍر أو رصاصٍ في أرض خراجٍ‬


‫ب أو ف ّ‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬إذا وجد معدن ذه ٍ‬
‫أو عشرٍ أخذ منه الخمس وباقيه لواجده وكذا إذا وجد في الصّحراء الّتي ليست بعشريّة ول‬
‫خراج ّيةٍ ‪.‬‬
‫ص والجواهر فل شيء‬
‫وأمّا المائع كالقير والنّفط وما ليس بمنطبع ول مائعٍ كالنورة والج ّ‬
‫فيها وكلها لواجدها ‪.‬‬
‫ولو وجد في داره معدنا فليس فيه شيء عند أبي حنيفة وقال الصّاحبان ‪ :‬فيه الخمس‬
‫والباقي لواجده ‪.‬‬
‫وإن وجده في أرضه فعن أبي حنيفة فيه روايتان ‪ :‬رواية الصل ‪ :‬ل يجب ‪ ,‬ورواية‬
‫الجامع الصّغير ‪ :‬يجب ‪.‬‬
‫ض غير مملوكةٍ لحد فهو للواجد ول خمس‬
‫ولو وجد مسلم معدنا في دار الحرب في أر ٍ‬
‫فيه ‪ ,‬ولو وجده في ملك بعضهم فإن دخل عليهم بأمان ردّه عليهم ‪ :‬ولو لم يردّ وأخرجه‬
‫إلى دار السلم يكون ملكا له إل أنّه ل يطيب له وسبيله التّصدق به ‪.‬‬
‫ن يكون له من غير خمسٍ ‪.‬‬
‫وإن دخل بغير أما ٍ‬
‫وقالوا ‪ :‬ليس للمام أن يقطع ما ل غنى للمسلمين عنه من المعادن الظّاهرة وهي ما كان‬
‫جوهرها الّذي أودعه اللّه في جواهر الرض بارزا كمعادن الملح والكحل والقار والنّفط ‪,‬‬
‫فلو أقطع هذه المعادن الظّاهرة لم يكن لقطاعها حكم ‪ ,‬بل المقطع وغيره سواء ‪ ,‬فلو‬
‫منعهم المقطع كان بمنعه متعدّيا وكان لما أخذه مالكا لنّه متعدّ بالمنع ل بالخذ ‪ ,‬وكفّ عن‬
‫صحّة أو يصير منه في حكم الملك‬
‫المنع وصرف عن مداومة العمل لئل يشتبه إقطاعه بال ّ‬
‫المستقرّة ‪.‬‬
‫ن المعادن أمرها للمام يتصرّف فيها بما يرى أنّه المصلحة‬
‫وذهب المالكيّة في قو ٍل إلى أ ّ‬
‫وليست بتبع للرض الّتي هي فيها ‪ ,‬مملوكةً كانت أو غير مملوكةٍ ‪ ,‬وللمام أن يقطعها‬
‫لمن يعمل فيها بوجه الجتهاد حياة المقطع له أو مدّ ًة ما من الزّمان من غير أن يملك‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫أصلها ‪ ,‬ويأخذ منها الزّكاة على كلّ حالٍ ‪ ,‬على ما جاء عن النّب ّ‬
‫« أقطع بلل بن الحارث المزني معادن القبليّة وهي من ناحية الفُرع » فتلك‬ ‫من أنّه ‪:‬‬
‫المعادن ل يؤخذ منها إل الزّكاة إل أن تكون في أرض قومٍ صالحوا عليها فيكونون أحقّ‬
‫بها يعاملون فيها كيف شاءوا فإن أسلموا رجع أمرها إلى المام هذا ما يراه ابن القاسم‬
‫ك لنّ الذّهب والفضّة اللّذين في المعادن الّتي هي في جوف الرض أقدم‬
‫وروايته عن مال ٍ‬
‫من ملك المالكين لها فلم يجعل ذلك ملكا لهم بملك الرض ‪ ,‬إذ هو ظاهر قول اللّه تعالى ‪:‬‬
‫ض لِّل ِه يُورِ ُثهَا مَن َيشَاء ِمنْ عِبَادِهِ } ‪ ,‬فوجب بنحو هذا الظّاهر أن يكون ما في‬
‫{ إِنّ الَرْ َ‬
‫ض ٍة من المعادن فيئا لجميع المسلمين بمنزلة ما لم يوجف‬
‫ب أو ف ّ‬
‫جوف الرض من ذه ٍ‬
‫عليه بخيل ول ركابٍ ‪.‬‬
‫ض حرّ ٍة أو‬
‫وقال المالكيّة في قو ٍل آخر ‪ :‬إنّها تبع للرض الّتي هي فيها فإن كانت في أر ٍ‬
‫في أرض العنوة أو في الفيافي الّتي هي غير ممتلكةٍ كان أمرها إلى المام يقطعها لمن‬
‫يعمل فيها أو يعامل النّاس على العمل فيها لجماعة المسلمين على ما يجوز له ويأخذ منها‬
‫ض ممتلكةٍ فهي ملك لصاحب الرض يعمل فيها ما‬
‫الزّكاة على كلّ حالٍ ‪ ,‬وإن كانت في أر ٍ‬
‫يعمل ذو الملك في ملكه ‪ ,‬وإن كانت في أرض الصلح كان أهل الصلح أحقّ بها إل أن‬
‫يسلموا فتكون لهم ‪ ,‬هذا ما قاله سحنون ومثله لمالك في كتاب ابن الموّاز ‪ ,‬لنّه لمّا كان‬
‫الذّهب والفضّة ثابتين في الرض كانا لصاحب الرض بمنزلة ما نبت فيها من الحشيش‬
‫والشّجر ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬المعدن الظّاهر ل يملك بالحياء ول يثبت فيه اختصاص بتحجر ول إقطاعٍ‬
‫‪ ,‬لنّه من المور المشتركة بين النّاس كالماء والكل ‪ ,‬ولنّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪« :‬‬
‫سأله البيض بن حمّالٍ أن يقطعه ملح مأرب فأراد أن يقطعه أو قال – الرّاوي ‪ -‬أقطعه‬
‫إيّاه فقيل له ‪ :‬إنّه كالماء العدّ ‪ -‬أي العذب – قال ‪ :‬فل إذن » ‪ ,‬ول فرق بين إقطاع‬
‫التّمليك وإقطاع الرفاق خلفا للزّركشيّ الّذي قيّد المنع بالوّل ‪.‬‬
‫ل جاءا إليه‬
‫ومن أخذ من المعدن أخذ بقدر حاجته منه ‪ ,‬فإن ضاق نيل الحاجة عن اثنين مث ً‬
‫قدّم السّابق لسبقه ‪ ,‬ويرجع في الحاجة إلى ما تقتضيه عادة أمثاله ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إن أخذ‬
‫لغرض دفع فقرٍ أو مسكنةٍ مكّن من أخذ كفاية سن ٍة أو العمر الغالب فإن طلب زيادةً على‬
‫حاجته فالصح إزعاجه إن زوحم عن الزّيادة لنّ عكوفه عليه كالتّحجر ‪.‬‬
‫والثّاني يأخذ منه ما شاء لسبقه ‪.‬‬
‫فلو جاءا إليه معا ولم يكف الحاصل منه لحاجتهما وتنازعا في البتداء أقرع بينهما في‬
‫الصحّ لعدم المزيّة ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬يجتهد المام ويقدّم من يراه أحوج ‪ ,‬والثّالث ‪ :‬ينصّب من‬
‫يقسّم الحاصل بينهما ‪.‬‬
‫والمعدن الباطن ل يملك بالحفر والعمل بقصد التّملك في الظهر ‪ ,‬والثّاني يملك بذلك إذا‬
‫قصد التّملك ‪.‬‬
‫ومن أحيا مواتا فظهر فيه معدن باطن كذهب ملكه جزما ‪ ,‬لنّه بالحياء ملك الرض بجميع‬
‫ن في البقعة المحياة معدنا فاتّخذ عليه دارا ففيه طريقان ‪:‬‬
‫أجزائها فإذا كان عالما بأ ّ‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّ الرّاجح عدم ملكه لفساد القصد وهو المعتمد ‪.‬‬
‫والطّريق الثّاني ‪ :‬القطع بأنّه يملكه ‪.‬‬
‫وإذا كان المعدن الّذي وجد فيما أحياه ظاهرا فل يملكه بالحياء إن علمه لظهوره من حيث‬
‫ج ‪ ,‬أمّا إذا لم يعلمه فإنّه يملكه وهو المعتمد ‪.‬‬
‫إنّه ل يحتاج إلى عل ٍ‬
‫ن المعادن الجامدة تملك بملك الرض الّتي هي فيها ‪ ,‬لنّها جزء من‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫أجزاء الرض فهي كالتراب والحجار الثّابتة ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقطع بلل بن الحارث المزني أرض كذا‬
‫فقد ورد ‪ « :‬أ ّ‬
‫من مكان كذا إلى كذا وما كان فيها من جبلٍ أو معدنٍ قال ‪ :‬فباع بنو بللٍ من عمر بن عبد‬
‫العزيز أرضا فخرج فيها معدنان ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إنّما بعناك أرض حرثٍ ولم نبعك المعدن ‪،‬‬
‫وجاءوا بكتاب القطيعة الّتي قطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبيهم في جريدةٍ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فجعل عمر يمسحها على عينيه وقال لقيّمه ‪ :‬انظر ما استخرجت منها وما أنفقت‬
‫عليها فقاضهم بالنّفقة وردّ عليهم الفضل » ‪ ,‬فعلى هذا ما يجده في ملك أو مواتٍ فهو‬
‫أحق به ‪.‬‬
‫وإن سبق اثنان إلى معدنٍ في مواتٍ فالسّابق أولى به ما دام يعمل فإذا تركه جاز لغيره‬
‫العمل فيه ‪ ,‬وما يجده في مملوكٍ يعرف مالكه فهو لمالك المكان ‪.‬‬
‫وأما المعادن الجارية فهي مباحة على كل حال إل أنه يكره له دخول ملك غيره إل بإذنه‬
‫وتملك بملك الرض التي هي فيها ‪ ,‬لنها من نمائها وتوابعها ‪ ,‬فكانت لمالك الرض‬
‫كفروع الشجر للملوك وثمرته ‪.‬‬
‫ولن المعادن السائلة مباحة قياسا على الماء بجامع السيولة في كل ‪ ,‬فكما أن الماء مباح‬
‫لقولـه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬المسلمون شركاء في ثلث ‪ :‬الكل ‪ ,‬والماء ‪ ,‬والنار »‬
‫فكذلك المعادن السائلة تكون مباحة ‪.‬‬
‫الواجب في المعدن ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ المعدن المنطبع كالذّهب والفضّة والحديد والرّصاص والنحاس‬ ‫‪6‬‬

‫والصفر يجب فيه الخمس سواء أخرجه حر أو عبد أو ذمّي أو صبي أو امرأة وما بقي‬
‫فللخذ ‪.‬‬
‫سواء وجد في أرضٍ عشر ّي ٍة أو خراج ّيةٍ ‪ ,‬ويجب الخمس في الزّئبق ‪.‬‬
‫ص والجواهر‬
‫وأمّا المعدن المائع كالقير والنّفط وما ليس بمنطبع ول مائعٍ كالنورة والج ّ‬
‫واليواقيت فل شيء فيها ‪ ,‬ول يجب الخمس فيما وجده في داره وأرضه من المعدن عند‬
‫أبي حنيفة وقال الصّاحبان يجب ‪.‬‬
‫وصرّحوا بأنّ الخمس يجب في القليل والكثير ول يشترط فيه النّصاب لنّ النصوص خالية‬
‫ي‪.‬‬
‫عن اشتراط النّصاب فل يجوز اشتراطه بغير دلي ٍل سمع ّ‬
‫ول يشترط عندهم حولن الحول لوجوب الخمس ‪.‬‬
‫وقالوا إنّ ما يصاب من المعدن هو غنيمة والخمس حق الفقراء في الغنيمة ‪.‬‬
‫فإن كان الّذي أصابه محتاجا عليه دين كثير ل يصير غنيا بالربعة الخماس فرأى المام‬
‫أن يسلّم ذلك الخمس له جاز ‪ ,‬لنّ الخمس حق الفقراء وهذا الّذي أصابه فقير فقد صرف‬
‫ق إلى مستحقّه فيجوز ‪.‬‬
‫الح ّ‬
‫ضةٍ دون غيرها الزّكاة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬تجب في المعدن من ذهبٍ أو ف ّ‬
‫ي ‪ :‬تجب الزّكاة فيه بمجرّد إخراجه ‪ ,‬وقال البعض ‪ :‬تجب الزّكاة بعد تصفيته من‬
‫قال الباج ّ‬
‫ترابه وكان المخرج من أهل الزّكاة إن بلغ نصابا قدر عشرين دينارا أو مائتي درهمٍ وكان‬
‫من أهل الزّكاة ‪ ,‬من الحرّيّة والسلم وهذا ما اقتصر عليه ابن الحاجب وقيل ل يشترط فيه‬
‫حرّيّة ول إسلم ‪.‬‬
‫ل وإن‬
‫ض إذا كان ذلك العرق متّص ً‬
‫ضةً بعضه إلى بع ٍ‬
‫وضم العرق الواحد ذهبا كان أو ف ّ‬
‫تراخى العمل بانقطاعه ‪ ,‬سواء حصل النقطاع اختيارا أو اضطرارا ‪ ,‬كفساد آلةٍ ومرض‬
‫العامل ‪.‬‬
‫وأمّا المعادن من أماكن متفرّقةٍ فل يضم ما خرج من واحدٍ منها بعضه إلى بعضٍ ولو في‬
‫ت واحدٍ من جنسٍ واحدٍ أو من جنسين على المذهب ‪ ,‬ول يضم عرق آخر للّذي كان‬
‫وق ٍ‬
‫يعمل فيه أ ّولً في معدنٍ واحدٍ ويعتبر كل عرقٍ بانفراده ‪ ,‬فإن حصل منه نصاب يزكّى ‪ ,‬ثمّ‬
‫يزكّى ما يخرج منه بعد ذلك وإن ق ّل ‪ ,‬وسواء اتّصل العمل أو انقطع ‪ ,‬وفي ندرة العين ‪-‬‬
‫وهي القطعة من الذّهب أو الفضّة الخالصة الّتي ل تحتاج لتصفية ‪ -‬الخمس مطلقا ‪,‬‬
‫وجدها حر أو عبد مسلم أو كافر ‪ ,‬بلغت نصابا أم ل ‪.‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬أجمعت المّة على وجوب الزّكاة في المعدن لنّ النّب ّ‬
‫وسلّم ‪ « :‬أقطع بلل بن الحارث المزني المعادن القبليّة وأخذ منه الزّكاة » ‪ ,‬وشرط للّذي‬
‫يجب عليه أن يكون حرا مسلما وشرط كذلك أن يكون المستخرج نصابا من الذّهب أو‬
‫الفضّة ‪ ,‬أمّا غير الذّهب والفضّة كالحديد والرّصاص وغيرهما فل زكاة فيه ‪ ,‬لنّها ليست‬
‫من الموال المزكّاة ‪.‬‬
‫ومن وجد دون النّصاب لم يلزمه الزّكاة ‪ ,‬لنّها ل تجب فيما دون النّصاب ‪ ,‬ولنّه حق‬
‫يتعلّق بالمستفاد من الرض فاعتبر فيه النّصاب كالعشر ‪ ,‬وإن وجد النّصاب في دفعاتٍ فإن‬
‫لم ينقطع العمل ول النّيل ضمّ بعضه إلى بعضٍ في إتمام النّصاب ‪ ,‬وكذا إن قطع العمل لعذر‬
‫‪ ,‬ويجب حق المعدن بالوجود ول يعتبر فيه الحول في أظهر القولين لنّ الحول يراد لكمال‬
‫النّماء وبالوجود يصل إلى النّماء فلم يعتبر فيه الحول كالمعشّر ‪.‬‬
‫وقال في البويطيّ ل يجب حتّى يحول عليه الحول ‪ ,‬لنّه زكاة ما ٍل تتكرّر فيه الزّكاة فاعتبر‬
‫فيه الحول كسائر الزّكوات ‪.‬‬
‫وفي ما يجب من الزّكاة أقوال مشهورة ‪ ,‬والصّحيح منها ‪ :‬وجوب ربع العشر ‪ ,‬قال‬
‫الماورديّ ‪ :‬هو نصه في المّ والملء ‪ ,‬وقيل يجب الخمس لنّه مال تجب الزّكاة فيه‬
‫بالوجود فتقدّرت زكاته بالخمس ‪.‬‬
‫ب وجب فيه الخمس ‪ ,‬وإن أصابه بتعب فيجب فيه‬
‫والقول الثّالث ‪ :‬إن أصابه من غير تع ٍ‬
‫ربع العشر ‪ ,‬لنّه حق يتعلّق بالمستفاد من الرض فاختلف قدره باختلف المؤن كزكاة‬
‫ق بعد التّميز ‪.‬‬
‫الزّرع ‪ .‬ويجب إخراج الح ّ‬
‫ق المأخوذ من واجد المعدن زكاة ‪ ,‬وسواء أقلنا يجب فيه‬
‫والمذهب عند الشّافعيّة أنّ الح ّ‬
‫الخمس أم ربع العشر ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إن قيل بربع العشر فهو زكاة وإل فقولن أصحهما أنّه‬
‫زكاة ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬أنّه يصرف في مصارف خمس خمس الفيء ‪.‬‬
‫ت أو من أرضٍ‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يجب ما تقدّم من الزّكاة في المعدن سواء أخذه من موا ٍ‬
‫يملكها على التّفصيل السّابق ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تجب الزّكاة في المعدن الّذي يخرج من الرض ممّا يخلق فيها من غيرها‬
‫ممّا له قيمة كالذّهب والفضّة والحديد والياقوت والبلّور والكحل ونحوه ‪ ,‬وكذلك المعادن‬
‫الجارية كالقار والنّفط والكبريت ونحو ذلك ‪ ,‬لعموم قول اللّه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ‬
‫أَن ِفقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا َكسَبْ ُتمْ َو ِممّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّنَ الَرْضِ } ‪.‬‬
‫ولنّه معدن قطعت الزّكاة بالخارج منه كالثمان ‪ ,‬ولنّه مال لو غنمه وجب عليه خمسه‬
‫فإذا أخرجه عن معدنٍ وجبت الزّكاة كالذّهب ‪.‬‬
‫والواجب في المعدن ربع العشر ‪ ,‬وصفته أنّه زكاة لحديث بلل بن الحارث المزني‬
‫السّابق ‪ ،‬ولنّه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى فكان زكا ًة كالواجب في الثمان ونصاب‬
‫الواجب هو ما يبلغ من الذّهب عشرين مثقا ًل ومن الفضّة مائتي درهمٍ أو قيمة ذلك من‬
‫غيرهما ‪ .‬ووقت وجوب الزّكاة في المعدن حين تناوله ول يعتبر له حول ويكمّل النّصاب ‪.‬‬
‫ما يجب في معادن البحر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء فيما يجب في معادن البحر ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫فذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو حنيفة ومحمّد من الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه ل يجب‬
‫في معادن البحر شيء لما روي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال في العنبر أنّه‬
‫ن العنبر ل شيء فيه ‪,‬‬
‫دسره ‪ -‬ألقاه ‪ -‬البحر فل شيء فيه ‪ ,‬فهذا النّص صريح في أ ّ‬
‫والعنبر مستخرج من البحر فكذلك غيره من معادن البحر ل شيء فيه إذ ل فرق بين معدنٍ‬
‫ح وأبو‬
‫وآخر من معادن البحر ‪ ,‬وبه قال عطاء والثّوريّ وابن أبي ليلى والحسن بن صال ٍ‬
‫ن العنبر كان يخرج على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وخلفائه فلم يأت‬
‫ثو ٍر ‪ ،‬ول ّ‬
‫فيه سنّة عنه ول عنهم من وج ٍه يصح ‪.‬‬
‫ن الصل عدم وجوب شيءٍ فيه ما لم يرد به نص ولنّه عفو قياسا على العفو من‬
‫ول ّ‬
‫صدقة الخيل ‪.‬‬
‫وذهب بعض الحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى وجوب الخمس في معادن البحر ‪ ,‬وبه‬
‫قال الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ‪ ,‬لما روي عن يعلى بن أميّة أنّه كتب إلى عمر‬
‫بن الخطّاب رضي اللّه عنه يسأله عن عنبر وجد على السّاحل فكتب إليه في جوابه أنّه‬
‫مال اللّه يؤتيه من يشاء وفيه الخمس ‪.‬‬
‫ولنّه نماء يتكامل عاجلً فاقتضى أن يجب فيه الخمس كالرّكاز ‪ ,‬ولنّ الموال المستفادة‬
‫نوعان من ب ّر وبحرٍ ‪ ,‬فلمّا وجبت زكاة ما استفيد من الب ّر اقتضى أن تجب زكاة ما استفيد‬
‫من البحر ‪.‬‬

‫مَعْدُودات *‬
‫انظر ‪ :‬مثليّات ‪.‬‬

‫مَعْدُوم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف المعدوم لغةً ‪ :‬المفقود ‪ ,‬يقال ‪ :‬عدمته عدما من باب تعب ‪ :‬فقدته والسم ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫العُدْم ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ ,‬قال البركتيّ ‪ :‬العدم ما يقابل الوجود ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمعدوم ‪:‬‬
‫يتعلّق بالمعدوم أحكام منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بيع المعدوم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى عدم صحّة بيع المعدوم ‪ ,‬وأنّه ل ينعقد بيع المعدوم وماله خطر‬ ‫‪2‬‬

‫العدم ‪ ,‬واشترط الفقهاء أن يكون المعقود عليه موجودا حين العقد ‪ -‬أي غير معدومٍ ‪. -‬‬
‫ت ‪ ،‬وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬بيع منهي عنه ف ‪ 5‬وما بعدها ) ‪.‬‬
‫واستثنوا من ذلك حال ٍ‬
‫ب ‪ -‬الوصيّة بالمعدوم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه تصح الوصيّة بالمعدوم مطلقا ‪ ,‬لنّه يقبل‬ ‫‪3‬‬

‫التّمليك في حال حياة الموصي فتصح الوصيّة به ‪.‬‬


‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه تجوز الوصيّة بالمعدوم إذا كان قابلً للتّمليك بعقد من العقود ‪ ,‬قال‬
‫ابن عابدين ‪ :‬قال في النّهاية ‪ :‬ولهذا قلنا بأنّ الوصيّة بما تثمر نخيله العام تجوز وإن كان‬
‫الموصى به معدوما ‪ ,‬لنّه يقبل التّمليك حال حياة الموصي بعقد المعاملة ‪.‬‬
‫والوصيّة بما تلد أغنامه ل تجوز استحسانا ‪ ,‬لنّه ل يقبل التّمليك حال حياة الموصي بعقد‬
‫من العقود ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬وصيّة ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الوصيّة للمعدوم ‪:‬‬
‫ن من‬
‫ن الوصيّة للمعدوم باطلة ول تصح ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫شرط الموصى له أن يكون موجودا وقت الوصيّة ويتصوّر الملك له ‪ ,‬فتصح الوصيّة لحمل‬
‫في بطن أمّه ‪.‬‬
‫ن الوصيّة للمعدوم جائزة ‪ ,‬وهو أن يوصي لميّت علم الموصي بموته‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫حين الوصيّة ‪ ,‬وتصرف في وفاء ديونه ثمّ لوارثه ‪ ,‬فإن لم يكن وارث بطلت ول يعطى‬
‫لبيت المال ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬وصيّة ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬هبة المعدوم ‪:‬‬
‫ن من شرط‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تصح هبة المعدوم ل ّ‬ ‫‪5‬‬

‫الموهوب أن يكون موجودا وقت الهبة ‪ ,‬مثل أن يهب ما يثمر نخله هذا العام أو ما تلد‬
‫ل‪.‬‬
‫أغنامه هذه السّنة ‪ ,‬لنّه تمليك لمعدوم فيكون العقد باط ً‬
‫وذهب المالكيّة إلى جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقّع الوجود ‪ ,‬كالعبد البق والبعير‬
‫الشّارد والثّمرة قبل بد ّو الصّلح ‪.‬‬
‫قال ابن رشدٍ ‪ :‬ول خلف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقّع الوجود ‪,‬‬
‫وبالجملة كل ما ل يصح بيعه من جهة الغرر ‪ -‬أي ل تأثير للغرر على صحّة الهبة ‪. -‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬هبة ) ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الخلع بالمعدوم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى صحّة الخلع بالمجهول وبالمعدوم إذا كان عوض‬ ‫‪6‬‬

‫الخلع مشتملً على غر ٍر ‪ ,‬أو معدومٍ ينتظر وجوده ‪ ,‬كجنين في بطن حيوانٍ تملكه الزّوجة‬
‫‪ ,‬أو كان مجهولً كأحد فرسين ‪ ,‬أو غير موصوفٍ من عوضٍ أو حيوانٍ وثمر ٍة لم يبد‬
‫)‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫صلحها على تفصيلٍ في مصطلح ‪ ( :‬خلع ف‬
‫و ‪ -‬الجارة على معدومٍ ‪:‬‬
‫ن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى‬
‫‪ -‬اتّفق أهل العلم على جواز الجارة على معدومٍ ل ّ‬ ‫‪7‬‬

‫العيان ‪ ,‬فلمّا جاز العقد على العيان وجب أن تجوز الجارة على المنافع ‪ ,‬ول يخفى ما‬
‫بالنّاس من الحاجة إلى ذلك ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إجارة ف‬

‫مَعْذُور *‬
‫انظر ‪ :‬عذر ‪.‬‬

‫مُ ْعسِر *‬
‫انظر ‪ :‬إعسار ‪.‬‬

‫مُ َعصْفَر *‬
‫انظر ‪ :‬ألبسة ‪.‬‬

‫مِ ْعصَم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعصم في اللغة ‪ :‬موضع السّوار من السّاعد ‪ ,‬وهو مفصل الكفّ من السّاعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬


‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المرفق ‪:‬‬
‫– المرفق ‪ -‬بكسر الميم وفتح الفاء ‪ ,‬وبالعكس أي بفتح الميم وكسر الفاء ‪ -‬من اليد ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫هو ما بين الذّراع والعضد ‪.‬‬


‫ل منهما ملتقى بين عظمين من اليد ‪.‬‬
‫والعلقة بين المعصم والمرفق ‪ :‬أنّ ك ً‬
‫ب ‪ -‬المفصل ‪:‬‬
‫‪ -‬المِفصَل بكسر الميم وفتح الصّاد ‪ :‬كل ملتقى بين عظمين من الجسد ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫والعلقة بين كلّ من المعصم والمفصل ‪ :‬العموم والخصوص المطلق ‪ ,‬فكل معصمٍ مفصل ‪,‬‬
‫وليس كل مفصلٍ معصما ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمعصم ‪:‬‬
‫غسل المعصم في الوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬يجب غسل المعصم في الوضوء على ما سيأتي تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬وضوء ) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫القطع من المعصم في حدّ السّرقة والحرابة ‪:‬‬


‫ن النّبيّ صلى‬
‫‪ -‬قال جمهور العلماء ‪ :‬إنّ محلّ القطع من اليد في السّرقة المعصم ‪ ,‬ل ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ال عليه وسلم ‪ « :‬قطع يد السّارق من الكوع » ‪ ,‬وهو مفصل الكفّ ‪ ,‬ولثر أبي بكرٍ‬
‫وعمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬إذا سرق السّارق فاقطعوا يمينه من الكوع ‪ ,‬والكوع معصم‬
‫الكفّ ‪ .‬والقطع في حدّ الحرابة يراعى فيها ما ذكر في السّرقة فل تقطع اليد فيها إل من‬
‫)‪.‬‬ ‫‪66‬‬ ‫المعصم ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬سرقة ف‬
‫محل القصاص ممّن قطع يدا من السّاعد ‪:‬‬
‫‪ -‬إن قطع يد المجنيّ عليه من السّاعد ‪ ,‬فل تقطع يد الجاني من السّاعد ‪ ,‬لنّه ل يقطع‬ ‫‪6‬‬

‫في ح ّد ول قصاصٍ إل من مفصلٍ عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬


‫وعند الشّافعيّة يقتص بالقطع من المعصم ‪ ,‬لنّه أقرب مفصلٍ له ‪ ,‬ويأخذ حكومة الباقي ‪.‬‬
‫‪ ,‬ساعد ف ‪. ) 9‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬جناية على ما دون النّفس ف‬
‫دية قطع اليد من المعصم ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في وجوب ديةٍ كاملةٍ في قطع اليدين من الكوع ‪ -‬المعصم ‪-‬‬ ‫‪7‬‬

‫ووجوب نصف ديةٍ في قطع واحدةٍ منهما ‪ ,‬لنّ اسم اليد ينصرف عند الطلق إلى الكفّ‬
‫وهو المعصم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬ديات ف‬
‫ما يجوز النّظر إليه من المرأة عند الخطبة ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز لمن أراد أن ينكح امرأةً أن ينظر منها كفّيها ووجهها ‪ ,‬وهو محل اتّفاقٍ بين‬ ‫‪8‬‬

‫الفقهاء ‪ ,‬والكف من رءوس الصابع إلى المعصم ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬خطبة ف‬

‫مَ ْعصِيَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعصية في اللغة ‪ :‬الخروج من الطّاعة يقال عصاه معصيةً وعصيانا ‪ :‬خرج من‬ ‫‪1‬‬

‫ص وعصّاء وعصي ‪.‬‬


‫طاعته وخالف أمره فهو عا ٍ‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬قال البزدويّ ‪ :‬المعصية اسم لفعل حرامٍ مقصودٍ بعينه ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫‪ -‬الزّلّة ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬من معاني الزّلّة في اللغة ‪ :‬السّقطة والخطيئة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫والزّلّة في الصطلح اسم لفعل غير مقصودٍ في عينه لكنّه اتّصل الفاعل به عن فعلٍ مباحٍ‬
‫ل‪.‬‬
‫قصده فزلّ بشغله عنه إلى ما هو حرام لم يقصده أص ً‬
‫ن الفعل المحرّم هو المقصود بعينه في المعصية بخلف‬
‫والفرق بين المعصية وال ّزلّة أ ّ‬
‫ال ّزلّة ‪.‬‬
‫أقسام المعاصي باعتبار ما يترتّب عليها من عقوبةٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬للعلماء في تقسيم المعاصي باعتبار ما يترتّب عليها من عقوبةٍ ثلثة آراءٍ ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫الوّل ‪ :‬قال جمهور العلماء ‪ :‬إنّ المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ‪ ,‬لقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫َوكَرّ َه إِلَ ْيكُمُ ا ْل ُكفْرَ وَا ْل ُفسُوقَ وَا ْلعِصْيَانَ } ‪ ,‬فقد جعل اللّه تعالى المعاصي رتبا ثلث ًة وسمّى‬
‫ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الِ ْثمِ وَا ْلفَوَاحِشَ‬
‫بعض المعاصي فسوقا دون بعضٍ ‪ ,‬وقوله تعالى ‪ { :‬الّذِي َ‬
‫إََِل الّل َممَ } وفي الحديث ‪ « :‬الكبائر سبع » وفي روايةٍ ‪ « :‬تسع » ‪ ,‬وفي الحديث أيضا ‪:‬‬
‫ن إذا اجتنبت الكبائر » فخصّ الكبائر ببعض الذنوب ‪,‬‬
‫« ومن كذا إلى كذا مكفّرات ما بينه ّ‬
‫ن ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة على‬
‫ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك ‪ ,‬ول ّ‬
‫ن عَ ْنهُ ُن َكفّ ْر عَنكُ ْم سَيّئَا ِتكُمْ } صريح في‬
‫ن قوله تعالى ‪ { :‬إِن َتجْتَنِبُو ْا كَبَآئِرَ مَا تُ ْن َهوْ َ‬
‫أّ‬
‫انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر ‪.‬‬
‫قال الغزالي ‪ :‬ل يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصّغائر وقد عرفا من مدارك الشّرع ‪.‬‬
‫ن في الذنوب صغيرةً وقالوا ‪ :‬بل سائر المعاصي كبائر ‪,‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أنكر جماعة من العلماء أ ّ‬
‫منهم الستاذ أبو إسحاق السفرائيني ‪ ,‬والقاضي أبو بكرٍ الباقلنيّ ‪ ,‬وإمام الحرمين في‬
‫الرشاد ‪ ,‬وابن القشيريّ في المرشد بل حكاه ابن فوركٍ عن الشاعرة واختاره في تفسيره‬
‫فقال ‪ :‬معاصي اللّه تعالى عندنا كلها كبائر ‪ ,‬وإنّما يقال لبعضها صغيرة وكبيرة بالضافة‬
‫إلى ما هو أكبر منها ‪ ,‬كما يقال ‪ :‬الزّنا صغيرة بالنّسبة إلى الكفر ‪ ,‬والقبلة المحرّمة‬
‫صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ‪ ,‬وكلها كبائر ‪ ,‬قال الزّركشي ‪ :‬لعلّ أصحاب هذا الوجه كرهوا‬
‫تسمية معصية اللّه صغير ًة إجللً للّه وتعظيما لمره مع أنّهم وافقوا في الجرح أنّه ل‬
‫يكون بمطلق المعصية ‪.‬‬
‫ي المعاصي إلى ثلثة أقسامٍ صغيرة وكبيرة وفاحشة ‪ ,‬فقتل النّفس‬
‫الثّالث ‪ :‬قسم الحليم ّ‬
‫بغير حقّ كبيرة ‪ ,‬فإن قتل ذا رح ٍم ففاحشة ‪ ,‬فأمّا الخدشة والضّربة مرّةً أو مرّتين فصغيرة‬
‫‪.‬‬
‫أقسام المعاصي باعتبار ميل النّفس إليها ‪:‬‬
‫ي المعاصي الّتي يمنع الشّرع منها واستق ّر التّكليف عقلً أو شرعا‬
‫‪ -‬قسم الماورد ّ‬ ‫‪4‬‬

‫بالنّهي عنها إلى قسمين ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬ما تكون النّفوس داعي ًة إليها والشّهوات باعث ًة عليها كالسّفاح وشرب الخمر ‪ ,‬فقد‬
‫زجر اللّه تعالى عنها لقوّة الباعث عليها وشدّة الميل إليها بنوعين من الزّجر ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬حد عاجل يرتدع به الجريء ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬وعيد آجل يزدجر به التّقي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما تكون النّفوس نافرةً منها ‪ ,‬والشّهوات مصروفةً عنها كأكل الخبائث والمستقذرات‬
‫وشرب السّموم المتلفات فاقتصر اللّه تعالى في الزّجر عنها بالوعيد وحده دون الحدّ ‪ ,‬لنّ‬
‫النّفوس مسعدّة في الزّجر عنها ‪ ,‬والشّهوات مصروفة عن ركوب المحظور منها ‪.‬‬
‫ن أعظم زاج ٍر عن الذنوب هو خوف اللّه تعالى وخشية انتقامه وسطوته‬
‫قال الهيتمي ‪ :‬إ ّ‬
‫ن َأمْرِهِ أَن تُصِي َب ُهمْ‬
‫وحذر عقابه وغضبه وبطشه ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ ُيخَا ِلفُونَ عَ ْ‬
‫ب أَلِيمٌ } ‪ ،‬وقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّي أرى ما ل‬
‫فِتْ َنةٌ َأوْ يُصِي َب ُهمْ عَذَا ٌ‬
‫ط ما فيها أو ما منها‬
‫ن السّماء أطّت وحقّ لها أن تئ ّ‬
‫ترون ‪ ،‬وأسمع ما ل تسمعون ‪ ،‬إ ّ‬
‫موضع أربع أصابع إل وملك واضع جبهته ساجد للّه تعالى ‪ ،‬واللّه لو تعلمون ما أعلم‬
‫لضحكتم قليلً ولبكيتم كثيرا وما تلذّذتم بالنّساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصّعدات ‪ -‬أي‬
‫الجبال ‪ -‬تجأرون إلى اللّه واللّه لوددت أنّي كنت شجرةً تعضد » ‪.‬‬
‫آثار المعاصي ‪:‬‬
‫ت دنيو ّيةً وأخرو ّيةً ‪.‬‬
‫‪ -‬أوجب المشرّع الحكيم على مرتكب المعصية عقوبا ٍ‬ ‫‪5‬‬
‫فأمّا العقوبات الخرويّة فتتمثّل فيما جاء به القرآن والسنّة من توع ٍد على اقترافها كقوله‬
‫جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ الّل ُه عَلَ ْي ِه وَ َلعَ َنهُ َوأَعَدّ‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَن َيقْ ُتلْ ُم ْؤمِنا مّ َت َعمّدا َفجَزَآؤُ ُه َ‬
‫عظِيما } ‪.‬‬
‫َل ُه عَذَابا َ‬
‫وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة ل يرى بها بأسا يهوي بها‬
‫سبعين خريفا قي النّار » ‪.‬‬
‫وأمّا العقوبات الدنيويّة فمنها ما هو حسّي ومنها ما هو معنوي ‪ ,‬فأمّا العقوبات الحسّيّة‬
‫فيظهر أثرها فيما أوجبه اللّه تعالى من عقوباتٍ كالحدود فيما يوجب حدا كالزّنا والسّرقة‬
‫وشرب الخمر ‪ ,‬وكالعقوبات المقرّرة على الجناية على النّفس أو ما دونها ‪ ,‬وكالتّعزير‬
‫فيما لم يوجب الشّرع فيه عقوبةً مقدّرة كمباشرة أجنب ّيةٍ فيما دون الفرج وسرقة ما دون‬
‫النّصاب ‪.‬‬
‫وأمّا العقوبات المعنويّة فكثيرة ‪:‬‬
‫ن العلم نور يقذفه اللّه في القلب ‪ ,‬والمعصية تطفئ ذلك النور ‪.‬‬
‫منها ‪ :‬حرمان العلم فإ ّ‬
‫ومنها ‪ :‬حرمان الرّزق ‪ ,‬وفي المسند ‪ « :‬إنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه » ‪ ,‬وكما‬
‫ن تقوى اللّه مجلبة للرّزق ‪ ,‬فترك التّقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق بمثل ترك‬
‫أّ‬
‫المعاصي ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين اللّه ل توازنها ول تقارنها لذّة أصلً ‪,‬‬
‫ولو اجتمعت له لذّات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة ‪ ,‬وهذا أمر ل يحس به إل من في‬
‫قلبه حياة ‪ ,‬وما لجرح بميّت إيلم فلو لم تترك الذنوب إل حذرا من وقوع تلك الوحشة‬
‫لكان العاقل حريا بتركها ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تعسير أموره عليه ‪ ,‬فل يتوجّه لمر إل يجده مغلقا دونه أو متعسّرا عليه ‪ ,‬وهذا‬
‫ن من اتّقى اللّه جعل له من أمره يسرا ‪ ,‬فمن عطّل التّقوى جعل له من أمره عسرا ‪.‬‬
‫كما أ ّ‬
‫ومنها ‪ :‬ظلمة يجدها في قلبه حقيقةً يحس بها كما يحس بظلمة اللّيل البهيم إذا ادلهمّ ‪,‬‬
‫ن الطّاعة نور ‪ ,‬والمعصية ظلمة‬
‫فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسّيّة لبصره ‪ ,‬فإ ّ‬
‫وكلّما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتّى يقع في البدع والضّللت والمور المهلكة وهو ل‬
‫يشعر ‪.‬‬
‫ن للحسنة ضيا ًء في الوجه ونورا في القلب‬
‫قال عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي ال عنهما ‪ :‬إ ّ‬
‫ن للسّيّئة سوادا في الوجه‬
‫وسعةً في الرّزق وقوّةً في البدن ومح ّبةً في قلوب الخلق ‪ ,‬وإ ّ‬
‫وظلمةً في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرّزق وبغضةً في قلوب الخلق ‪.‬‬
‫ن المعاصي تقصّر العمر وتمحق بركته ول بدّ ‪ ,‬فإنّ الب ّر كما يزيد في العمر‬
‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫فالفجور يقصّر في العمر ‪.‬‬
‫ن المعاصي تزرع أمثالها ويولّد بعضها بعضا حتّى يع ّز على العبد مفارقتها‬
‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن من‬
‫والخروج منها ‪ ,‬كما قال بعض السّلف ‪ :‬إنّ من عقوبة السّيّئة السّيّئة بعدها ‪ ,‬وإ ّ‬
‫ثواب الحسنة الحسنة بعدها ‪ ,‬فالعبد إذا عمل حسنةً قالت أخرى إلى جنبها ‪ :‬اعملني أيضا‬
‫‪ ,‬فإذا عملها قالت الثّالثة كذلك وهلمّ جرا ‪ ,‬فتضاعف الرّبح وتزايدت الحسنات وكذلك جانب‬
‫ت لزمةً ‪.‬‬
‫السّيّئات أيضا حتّى تصير الطّاعات والمعاصي هيئاتٍ راسخ ًة وصفا ٍ‬
‫ومنها ‪ :‬وهو من أخوفها على العبد ‪ ,‬أنّها تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية‬
‫‪ ,‬وتضعف إرادة التّوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التّوبة بالكلّيّة ‪ ,‬فلو مات‬
‫نصفه لما تاب إلى اللّه ‪ ,‬فيأتي من الستغفار وتوبة الكذّابين باللّسان بشيء كثيرٍ وقلبه‬
‫معقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه ‪ ,‬وهذا من أعظم المراض‬
‫وأقربها إلى الهلك ‪.‬‬
‫ن المعصية سبب لهوان العبد على ربّه وسقوطه من عينه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫قال الحسن البصريّ ‪ :‬هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم ‪ ,‬وإذا هان العبد على‬
‫اللّه لم يكرمه أحد ‪.‬‬
‫ن العبد ل يزال يرتكب الذّنب حتّى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علمة‬
‫ومنها ‪ :‬إ ّ‬
‫الهلك فإنّ الذّنب كلّما صغر في عين العبد عظم عند اللّه ‪.‬‬
‫ن المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد‬
‫وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعودٍ قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا »‬
‫ن غيره من النّاس يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب‬
‫‪ .‬ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫والظلم قال مجاهد ‪ :‬إنّ البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدّ السّنة وأمسك المطر وتقول‬
‫هذا بشؤم معصية ابن آدم ‪.‬‬
‫فل يكفيه عقاب نفسه حتّى يلعنه من ل ذنب له ‪.‬‬
‫ن المعصية تورث الذلّ ول بدّ ‪ ,‬فإنّ الع ّز ك ّل الع ّز في طاعة اللّه ‪ ,‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫جمِيعا } أي فليطلبها بطاعة اللّه فإنّه ل يجدها إل في‬
‫ن يُرِي ُد ا ْلعِزّةَ فَلِّل ِه ا ْلعِزّةُ َ‬
‫{ مَن كَا َ‬
‫طاعة اللّه ‪.‬‬
‫وكان من دعاء بعض السّلف ‪ :‬اللّهمّ أعزّني بطاعتك ول تذلّنّي بمعصيتك ‪.‬‬
‫ن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين ‪ ,‬كما قال بعض‬
‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن عَلَى قُلُو ِبهِم مّا كَانُوا َي ْكسِبُونَ } قال ‪ :‬هو الذّنب بعد‬
‫السّلف في قوله تعالى ‪ { :‬كََل َبلْ رَا َ‬
‫الذّنب ‪.‬‬
‫قال المحاسبي ‪ :‬اعلم أنّ الذنوب تورث الغفلة والغفلة تورث القسوة والقسوة تورث البعد‬
‫من اللّه والبعد من اللّه يورث النّار ‪ ,‬وإنّما يتفكّر في هذا الحياء ‪ ,‬وأمّا الموات فقد‬
‫أماتوا أنفسهم بحبّ الدنيا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنّها تحدث في الرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزّرع والثّمار‬
‫س لِيُذِي َقهُم‬
‫ظهَرَ ا ْل َفسَادُ فِي الْ َبرّ وَالْ َبحْ ِر ِبمَا َكسَبَتْ أَيْدِي النّا ِ‬
‫والمساكن ‪ ,‬قال تعالى ‪َ { :‬‬
‫عمِلُوا َلعَّل ُهمْ َي ْرجِعُونَ } ‪.‬‬
‫ض الّذِي َ‬
‫َبعْ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬إذا ولي الظّالم سعى بالظلم والفساد فيحبس اللّه بذلك القطر فيهلك الحرث‬
‫ظهَرَ ا ْل َفسَادُ فِي الْ َبرّ وَالْ َبحْ ِر ِبمَا َكسَبَتْ أَيْدِي‬
‫والنّسل واللّه ل يحب الفساد ‪ ,‬ثمّ قرأ ‪َ { :‬‬
‫جعُونَ } ثمّ قال ‪ :‬أما واللّه ما هو بحركم هذا‬
‫ع ِملُوا َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِ‬
‫س لِيُذِي َقهُم َبعْضَ الّذِي َ‬
‫النّا ِ‬
‫ولكن كل قريةٍ على ماءٍ جا ٍر فهو بحر ‪.‬‬
‫استدراج أهل المعاصي بالنّعم ‪:‬‬
‫ش أو أدركوا أمنيةً من دنيا‬
‫‪ -‬قال الماوردي ‪ :‬ليس وإن نال أهل المعاصي لذّةً من عي ٍ‬ ‫‪6‬‬

‫كانت عليهم نعمةً ‪ ،‬بل قد يكون ذلك استدراجا ونقمةً ‪ ,‬وورد عن عقبة بن عام ٍر أنّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا رأيت اللّه يعطي العبد على معاصيه ما يحب‬
‫فإنّما هو استدراج ث ّم تل رسول اللّه قوله تعالى ‪ { :‬فَ َلمّا َنسُواْ مَا ُذكّرُو ْا ِبهِ فَ َتحْنَا عَلَ ْي ِهمْ‬
‫أَ ْبوَابَ ُكلّ شَيْ ٍء حَتّى إِذَا َف ِرحُواْ ِبمَا أُوتُواْ َأخَذْنَاهُم َبغْ َتةً َفإِذَا هُم مّبْ ِلسُونَ } » ‪.‬‬
‫أحوال النّاس في فعل الطّاعات واجتناب المعاصي ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الماوردي ‪ :‬ليس يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه من فعل الطّاعات‬ ‫‪7‬‬

‫واجتناب المعاصي من أربعة أحوالٍ ‪:‬‬


‫فمنهم ‪ :‬من يستجيب إلى فعل الطّاعات ويكف عن ارتكاب المعاصي ‪ ,‬وهذا أكمل أحوال‬
‫أهل الدّين ‪ ,‬وأفضل صفات المتّقين ‪ ,‬فهذا يستحق جزاء العاملين وثواب المطيعين ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬من يمتنع من فعل الطّاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي ‪ ,‬وهي أخبث أحوال‬
‫المكلّفين ‪ ,‬وشر صفات المتعبّدين ‪ ,‬فهذا يستحق عذاب اللهي عن فعل ما أمر به من‬
‫طاعة اللّه ‪ ,‬وعذاب المجترئ على ما أقدم عليه من معاصيه ‪ ,‬وقد قال ابن شبرمة ‪:‬‬
‫عجبت لمن يحتمي من الطّيّبات مخافة الدّاء كيف ل يحتمي من المعاصي مخافة النّار ؟‬
‫ومنهم ‪ :‬من يستجيب إلى فعل الطّاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي ‪ ,‬فهذا يستحق عذاب‬
‫المجترئ لنّه تورّط بغلبه الشّهوة على القدام على المعصية وإن سلم من التّقصير في فعل‬
‫الطّاعة ‪ ,‬قال بعض العلماء ‪ :‬أفضل النّاس من لم تفسد الشّهوة دينه ولم تزل الشبهة يقينه‬
‫ن ترك المعصية أفضل من‬
‫‪ .‬قال الفقيه أبو اللّيث السّمرقندي ‪ :‬في كتاب اللّه دليل على أ ّ‬
‫ن اللّه تعالى قد اشترط في الحسنة المجيء بها إلى الخرة ‪ ,‬وفي ترك‬
‫أعمال الطّاعة ‪ ,‬ل ّ‬
‫شرُ َأمْثَا ِلهَا‬
‫ع ْ‬
‫حسَ َنةِ فَ َلهُ َ‬
‫الذنوب لم يشترط شيئا سوى التّرك ‪ ,‬وقد قال تعالى ‪ { :‬مَن جَاء بِا ْل َ‬
‫}‪.‬‬
‫ن ا ْل َهوَى ‪ ،‬فَِإنّ ا ْلجَ ّنةَ هِيَ ا ْلمَ ْأوَى‬
‫ن خَافَ َمقَامَ رَ ّب ِه وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَ ِ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬وَأمّا مَ ْ‬
‫}‪ .‬ومنهم ‪ :‬من يمتنع عن فعل الطّاعات ويكف عن ارتكاب المعاصي ‪ ,‬فهذا يستحق عقاب‬
‫اللهي عن دينه المنذر بقلّة يقينه ‪.‬‬
‫التّوبة عن المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬التّوبة عن المعصية فريضة على الفور صغير ًة كانت أو كبير ًة ‪ ,‬فتجب التّوبة عن‬ ‫‪8‬‬

‫ن التّوبة من أصول السلم المهمّة وأوّل منازل السّالكين ‪ ,‬قال اللّه تعالى‬
‫تأخير التّوبة ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن َلعَّلكُمْ ُتفْ ِلحُونَ } ‪.‬‬
‫جمِيعا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫‪ { :‬وَتُوبُوا إِلَى الّلهِ َ‬
‫قال الغزالي ‪ :‬أما وجوب التّوبة على الفور فل يستراب فيه إذ معرفة كون المعاصي‬
‫ت من نفس اليمان ‪ ,‬وهو واجب على الفور ‪.‬‬
‫مهلكا ٍ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬توبة ف‬
‫الصرار على المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬الصرار هو الثّبات على المر ولزومه وأكثر ما يستعمل في الثام ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬حد الصرار ‪ :‬أن تتكرّر منه تكررا يشعر بقلّة المبالة بدينه إشعار‬
‫ارتكاب الكبيرة بذلك ‪.‬‬
‫وقال الجرجاني ‪ :‬هو القامة على الذّنب والعزم على فعل مثله ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪ :‬الصرار هو أن ينوي أن ل يتوب ‪ ,‬فإن نوى التّوبة خرج عن‬
‫الصرار ‪.‬‬
‫وقال الفقهاء ‪ :‬الصّغيرة تكبر بأسباب منها ‪ :‬الصرار والمواظبة ‪.‬‬
‫ولذلك قيل ‪ :‬ل صغيرة مع إصرا ٍر ول كبيرة مع استغفارٍ ‪.‬‬
‫فكبيرة واحدة تنصرم ول يتبعها مثلها لو تصوّر ذلك كان العفو عنها أرجى من صغيرةٍ‬
‫يواظب العبد عليها ‪ ,‬ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على الحجر على توالٍ فتؤثّر فيه‬
‫ب عليه دفعةً واحدةً لم يؤثّر ذلك ‪ ,‬فكذلك القليل من السّيّئات إذا دام عظم‬
‫وذلك القدر لو ص ّ‬
‫تأثيره في إظلم القلب ‪.‬‬
‫وقال بعض الفقهاء ‪ :‬الصرار حكمه حكم ما أصرّ عليه ‪ ,‬فالصرار على الصّغيرة صغيرة‬
‫والصرار على الكبيرة كبيرة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬كبائر ف‬
‫التّصدق عقب المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشّافعيّة ‪ :‬يندب التّصدق عقب كلّ معصيةٍ ‪ ,‬قالوا ‪ :‬من ترك الجمعة بل عذرٍ‬ ‫‪10‬‬

‫يندب له أن يتصدّق بدينار أو نصفه وعمّمه بعضهم في إتيان كلّ معصيةٍ ‪ ,‬فقد قال النّبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اتّق اللّه حيثما كنت وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها وخالق النّاس‬
‫بخلق حسنٍ » وقال شرّاح الحديث ‪ :‬المراد بالحسنة ‪ :‬صلة أو صدقة أو استغفار أو نحو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة والشّافعيّة ‪ :‬يستحب لمن وطئ زوجته في الحيض أن يتصدّق بدينار إن كان‬
‫الوطء في أوّل الحيض وبنصف دينارٍ إن كان الوطء في آخره ‪ ,‬أو وسطه عند الحنفيّة ‪،‬‬
‫وفي روايةٍ عند الحنابلة يجب التّصدق بدينار أو نصف دينا ٍر كفّارةً لمن وطئ في الحيض‬
‫على اختلف الرّواية عندهم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حيض ف‬
‫ستر المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا تعلّق بالمعصية حد اللّه كحدّ الزّنا والشرب فإن لم يظهر ذلك يندب للمسلم عند‬ ‫‪11‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬


‫جمهور الفقهاء أن يستر على نفسه لما ورد عن النّب ّ‬
‫اجتنبوا هذه القاذورة فمن ألمّ فليستتر بستر اللّه وليتب إلى اللّه فإنّه من يبد لنا صفحته‬
‫ن اللّه حيي ستير يحب‬
‫نقم عليه كتاب اللّه » ‪ ,‬وقال النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫والسّتر » ‪.‬‬ ‫الحياء‬
‫ن ماعزا والغامدية اعترفا عند رسول اللّه‬
‫فإن أظهره ‪ ,‬فقد صرّح الحنفيّة بأنّه لم يأثم ‪ ,‬ل ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم بالزّنا فرجمهما ولم ينكر عليهما ‪ ,‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إظهار المعصية‬
‫ليح ّد أو يعزّر خلف المستحبّ ‪.‬‬
‫وأمّا التّحدث بالمعصية تفكها فحرام قطعا للخبار الصّحيحة فيه ‪.‬‬
‫ويرى المالكيّة أنّ النسان مأمور بالسّتر على نفسه وعلى غيره ‪ ,‬قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬اجتنبوا هذه القاذورة فمن ألمّ فليستتر بستر اللّه » ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البرّ في التّمهيد ‪ :‬في هذا الحديث دليل على أنّ السّتر واجب على المسلم في‬
‫خاصّة نفسه إذا أتى فاحشةً وواجب ذلك أيضا في غيره ‪.‬‬
‫وللتّفصيل في معرفة أحكام ستر المسلم على معصية غيره ‪ ,‬وستر السلطان على المعاصي‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ ( :‬ر ‪ :‬ستر ف ‪- 2‬‬
‫المجاهرة بالمعاصي ‪:‬‬
‫‪ -‬المجاهرة بالمعاصي منهيّ عنها ‪ ,‬قال النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬كل أمّتي‬ ‫‪12‬‬

‫ل ثمّ يصبح وقد ستره‬


‫ى إل المجاهرين ‪ ،‬وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عم ً‬
‫معاف ً‬
‫اللّه فيقول يا فلن عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره اللّه ويصبح يكشف ستر اللّه‬
‫عنه » ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫وللتّفصيل في المسائل المتعلّقة بالمجاهرة بالمعاصي ‪ ( :‬ر ‪ :‬مجاهرة ف‬
‫سفر المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط جمهور الفقهاء في السّفر الّذي تتغيّر به الحكام أن ل يكون المسافر عاصيا‬ ‫‪13‬‬

‫بسفره ‪.‬‬
‫ن السّفر الّذي يكون الغرض منه فعلً هو معصية كسفر البغاة وقطّاع‬
‫وصرّح الحنفيّة بأ ّ‬
‫الطّريق ل يمنع الرخصة لطلق النصوص ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬سفر ف‬
‫أثر مقارنة المعاصي لسباب الرخص ‪:‬‬
‫‪ -‬قال القرافي عند الكلم عن الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين مقارنة‬ ‫‪14‬‬

‫المعاصي لسباب الرخص ‪ :‬المعاصي ل تكون أسبابا للرخص ولذلك العاصي بسفره ل‬
‫يقصر ول يفطر ‪ ,‬لنّ سبب هذين السّفر وهو في هذه الصورة معصية فل يناسب الرخصة‬
‫لنّ ترتيب التّرخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتّوسعة على المكلّف‬
‫بسببها ‪ ,‬وأمّا مقارنة المعاصي لسباب الرخص فل تمنع إجماعا ‪ ,‬كما يجوز لفسق النّاس‬
‫وأعصاهم التّيمم إذا عدم الماء وهو رخصة ‪ ,‬وكذلك الفطر إذا أض ّر به الصّوم ‪ ,‬والجلوس‬
‫إذا أض ّر به القيام في الصّلة ‪ ,‬ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص ‪ ,‬ول تمنع‬
‫ن أسباب هذه المور غير معصيةٍ ‪ ,‬بل هي عجزه عن الصّوم ونحوه‬
‫المعاصي من ذلك ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ ,‬والعجز ليس معصيةً ‪ ,‬فالمعصية هاهنا مقارنة للسّبب ل سبب ‪.‬‬
‫إعطاء الزّكاة لبن السّبيل المسافر في معصيةٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ابن السّبيل ل يعطى من الزّكاة إن خرج‬ ‫‪15‬‬

‫في معصيةٍ كقطع الطّريق ونحوه ‪.‬‬


‫وأمّا الحنفيّة فل يشترطون لعطاء الزّكاة ابن السّبيل عدم المعصية بسفره ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪175‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬زكاة ف‬
‫إعطاء الزّكاة للغارم المستدين في معصيةٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة في المذهب والحنابلة إلى عدم إعطاء الزّكاة للمستدين في‬ ‫‪16‬‬

‫ن في إعطائه إعان ًة له على المعصية ‪.‬‬


‫معصيةٍ كالخمر والقمار قبل التّوبة ل ّ‬
‫وأمّا الحنفيّة فل يشترطون في دفع الزّكاة إلى الغارم أن يكون دينه لطاعة أو مباحٍ ‪.‬‬
‫ن التّوبة تجب ما قبلها ‪ ,‬ومقابله ل‬
‫وتعطى الزّكاة لمن تاب في الصحّ عند الشّافعيّة ل ّ‬
‫تعطى لنّه ربّما اتّخذ ذلك ذريعةً ثمّ يعود ‪.‬‬
‫إجابة دعوةٍ مقترنةٍ بمعاصٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ من دعي إلى وليم ٍة وعلم قبل حضورها بوجود معاصٍ فيها ل‬ ‫‪17‬‬

‫يحضرها لنّه ل يلزمه حق الدّعوة ‪ ,‬لنّ إجابتها إنّما تلزم إذا كانت على وجه السنّة سواء‬
‫ى به أو ل ‪.‬‬
‫كان المدعو مقتد ً‬
‫وأمّا من دعي إلى وليم ٍة فوجد بعد الحضور ثمّة لعبا أو غناءً فل بأس أن يقعد ويأكل ‪,‬‬
‫فإن قدر على المنع يمنعهم وإن لم يقدر يصبر وهذا إذا لم يكن مقتدىً به ‪ ,‬أمّا إذا كان ولم‬
‫يقدر على منعهم فإنّه يخرج ول يقعد ‪.‬‬
‫‪ ,‬عرس ف ‪ , 4‬وليمة ) ‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫وللفقهاء تفصيل في ذلك ينظر في مصطلح ‪ ( :‬دعوة ف‬
‫الوقف على المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط الفقهاء لصحّة الوقف كون الموقوف عليه جهة برّ فل يجوز الوقف على‬ ‫‪18‬‬

‫ن الوقف طاعة تنافي المعصية فمن ذلك أن يقفها على الزناة أو السرّاق ‪ ,‬أو‬
‫معصيةٍ ل ّ‬
‫شرّاب الخمر ‪ ,‬أو المرتدّين عن السلم فيكون الوقف في هذه الجهات باطلً لنّها معاصٍ‬
‫يجب الكف عنها فلم يجز أن يعان عليها ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬وقف ) ‪.‬‬
‫الوصيّة لجهة المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا أوصى المسلم لجهة عا ّمةٍ فالشّرط أن ل تكون الجهة‬ ‫‪19‬‬

‫معصيةً فل تصح الوصيّة لكنيسة ولحصرها وقناديلها ونحوه ول لبيت نا ٍر ول لبيعة‬


‫وصومعةٍ ول ديرٍ ول لصلحها وشعلها وخدمتها ول لعمارتها ‪.‬‬
‫ولو أوصى ال ّذمّي بثلث ماله لبيعة أو لكنيسة أن ينفق عليها في إصلحها أو أوصى لبيت‬
‫النّار لم يجز عند جمهور الفقهاء ‪ ,‬وجاز في قول أبي حنيفة وبعض المالكيّة ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬وصيّة ) ‪.‬‬
‫نذر المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنّه ل يصح نذر المعصية كالقتل والزّنا وشرب الخمر‬ ‫‪20‬‬

‫لحديث ‪ « :‬ل نذر في معصيةٍ » ‪.‬‬


‫ولخبر ‪ « :‬من نذر أن يطيع اللّه فليطع ومن نذر أن يعصيه فل يعص » ‪.‬‬
‫ن معصية اللّه ل تحل ‪.‬‬
‫ول ّ‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬نذر ) ‪.‬‬
‫طاعة المخلوق في المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬ل طاعة لحد المخلوقين كائنا من كان ولو أبا أو أما أو زوجا في معصية اللّه‬ ‫‪21‬‬

‫تعالى ‪ ,‬بل كل حقّ وإن عظم ساقط إذا جاء حق اللّه ‪ ,‬فقد قال النّبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ « :‬ل طاعة لمخلوق في معصية اللّه » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وللتّفصيل في أحكام حدود طاعة المخلوقين ممّن تجب طاعتهم ‪ ( :‬ر ‪ :‬طاعة ف‬
‫الجارة على المعاصي ‪:‬‬
‫ن المعصية ل يتصوّر استحقاقها بالعقد فل يجب‬
‫‪ -‬ل يجوز الستئجار على المعاصي ل ّ‬ ‫‪22‬‬

‫ق هو على الجير شيئا ‪ ,‬إذ المبادلة ل تكون إل‬


‫على المستأجر أجر من غير أن يستح ّ‬
‫ق عليه للمعصية لكان ذلك مضافا إلى‬
‫باستحقاق ك ّل واحدٍ منهما على الخر ‪ ,‬ولو استح ّ‬
‫الشّارع من حيث أنّه شرع عقدا موجبا للمعصية ‪ ,‬تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ‪ ,‬وبناءً‬
‫على هذا الصل ‪ :‬ل تجوز الجارة على شي ٍء من الغناء والنّوح والمزامير وشي ٍء من‬
‫اللّهو ‪ ,‬ول إجارة الدّار لتجعل كنيسةً أو بيت نارٍ ‪ ,‬أو لبيع الخمر أو للقمار ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪108‬‬ ‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬إجارة ف‬
‫عصمة النبياء من المعاصي ‪:‬‬
‫‪ -‬النبياء معصومون عن الكبائر عند عامّة المسلمين ‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫ونقل القاضي عياض الجماع على العصمة عن الصّغيرة المفضية للخسّة وسقوط المروءة‬
‫والحشمة ‪.‬‬
‫ومنع الحنفيّة وبعض الشّافعيّة صدور الصّغائر غير الخسيسة أيضا ‪.‬‬
‫ي)‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬نبوّة ‪ ,‬ونبي ‪ ،‬والملحق الصول ّ‬

‫مَعْفوّات *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعفوّات لغةً ‪ :‬جمع مفرده معفوّة وهي اسم مفعو ٍل من فعل عفا يعفو ‪ ,‬ومن معاني‬ ‫‪1‬‬

‫العفو في اللغة ‪ :‬التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه ‪ ,‬وأصله المحو والطّمس ‪ ,‬يقال ‪:‬‬
‫ن أو عن ذنبه إذا صفحت عنه وأعرضت عن عقوبته وهو يعدّى بعن إلى‬
‫عفوت عن فل ٍ‬
‫الجاني والجناية ‪ ,‬فإذا اجتمعا عدّي إلى الوّل باللم فقيل عفوت لفلن عن ذنبه ‪.‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬العفو صفح اللّه عن ذنوب عباده ومحوه إيّاها بتفضله ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ ‪.‬‬
‫ضبط المعفوّات من النجاس ‪:‬‬
‫‪ -‬الصل أنّ كلّ مأمورٍ يشق على العباد فعله سقط المر به وكل منهيّ شقّ عليهم‬ ‫‪2‬‬

‫اجتنابه سقط النّهي عنه ‪.‬‬


‫والمشاق ثلثة أقسامٍ ‪:‬‬
‫مشقّة في المرتبة العليا فيعفى عنها إجماعا كما لو كانت طهارة الحدث أو الخبث تذهب‬
‫النّفس أو العضاء ‪.‬‬
‫ومشقّة في المرتبة الدنيا فل يعفى عنها إجماعا ‪ ,‬كطهارة الحدث والخبث بالماء البارد في‬
‫الشّتاء ‪.‬‬
‫ومشقّة متردّدة بين المرتبتين ‪ ,‬فمختلف في إلحاقها بالمرتبة العليا فتؤثّر في السقاط أو‬
‫بالمرتبة الدنيا فل تؤثّر ‪ ,‬وعلى هذا الصل يتخرّج الخلف في العفو عن النّجاسات نظرا‬
‫إلى أنّ هذه النّجاسة هل يشق اجتنابها أم ل ؟ ‪.‬‬
‫وفيما يلي نذكر آراء الفقهاء في ضبط المعفوّات ‪:‬‬
‫أوّلً ‪ :‬مذهب الحنفيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬بتتبع عبارات الحنفيّة في مسائل المعفوّات يتبيّن أنّ العفو عندهم يدخل على أنواع‬ ‫‪3‬‬

‫ت وضوابط ‪.‬‬
‫النّجاسات ‪ ,‬وفرّقوا بين المخفّفة والمغلّظة ووضعوا لك ّل نوعٍ تقديرا ٍ‬
‫فقد قال أبو حنيفة ‪ :‬ما توافقت على نجاسته الدلّة فمغلّظ سواء اختلف فيه العلماء وكان‬
‫فيه بلوى أم ل وإل فهو مخفّف ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ومحمّد ‪ :‬ما اتّفق العلماء على نجاسته ولم يكن فيه بلوى فمغلّظ وإل‬
‫مخفّف ول نظر للدلّة ‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا النّجاسة المغلّظة فقد عفي عن قدر الدّرهم منها ‪ ,‬واختلفت الرّوايات فيه ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫والصّحيح أن يعتبر بالوزن في النّجاسة المتجسّدة ‪ ,‬وهو أن يكون وزنه قدر الدّرهم الكبير‬
‫المثقال ‪ ,‬وبالمساحة في غيرها وهو قدر مقعّر الكفّ داخل مفاصل الصابع ‪ ,‬وقال منل‬
‫مسكين ‪ :‬وطريق معرفته أن تغرف باليد ثمّ تبسط فما بقي من الماء فهو مقدار الكفّ ‪.‬‬
‫والمراد بالعفو عن قدر الدّرهم هو العفو عن فساد الصّلة به وإل فكراهة التّحريم باقية‬
‫بإجماع الحنفيّة إن بلغت النّجاسة المغلّظة الدّرهم ‪ ,‬وتنزيها إن لم تبلغ ‪.‬‬
‫وفرّعوا على ذلك ما لو علم قليل نجاسةٍ عليه وهو في الصّلة ففي الدّرهم يجب قطع‬
‫الصّلة وغسلها ولو خاف فوت الجماعة لنّها سنّة وغسل النّجاسة واجب وهو مقدّم ‪,‬‬
‫وفي الثّاني ‪ -‬أي في أقلّ من الدّرهم ‪ -‬يكون ذلك أفضل فقط ما لم يخف فوت الجماعة‬
‫بأن ل يدرك جماع ًة أخرى وإل مضى على صلته لنّ الجماعة أقوى ‪ ,‬كما يمضي في‬
‫ن التّفويت حرام ول مهرب من الكراهة إلى الحرام ‪.‬‬
‫المسألتين إذا خاف فوت الوقت ل ّ‬
‫قال الحمويّ ‪ :‬والمعتبر في ذلك وقت الصابة فلو كان دهنا نجسا قدر الدّرهم وقت الصابة‬
‫فانبسط فصار أكثر منه ل يمنع في اختيار المرغينانيّ وغيره ‪ ,‬ومختار غيرهم المنع ‪,‬‬
‫ولو صلّى قبل انبساطه جازت وبعده ل ‪ ,‬وبه أخذ الكثرون ‪.‬‬
‫‪ -‬وصرّح الحنفيّة بأنّه ل يعفى عن النّجاسة المغلّظة إذا زادت على الدّرهم مع القدرة‬ ‫‪5‬‬

‫ن التّقدير فيها بالكثير‬


‫على الزالة ‪ ,‬وعفي عن النّجاسة المخفّفة عمّا دون ربع الثّوب ‪ ,‬ل ّ‬
‫الفاحش وللربع حكم الكلّ في الحكام ‪ ,‬يروى ذلك عن أبي حنيفة ومحمّدٍ وهو الصّحيح‬
‫‪ -‬كما قاله الزّيلعي ‪ -‬ث ّم اختلفوا في كيفيّة اعتبار الربع ‪:‬‬
‫ب تجوز فيه الصّلة كالمئزر ‪,‬‬
‫ب عليه ‪ ،‬وعن أبي حنيفة ربع أدنى ثو ٍ‬
‫فقيل ربع جميع ثو ٍ‬
‫ف أصابته النّجاسة كالذّيل والكمّ ‪ ,‬وعن أبي يوسف شبر في شبرٍ وعنه ذراع‬
‫وقيل ربع طر ٍ‬
‫في ذراعٍ ومثله عن محمّدٍ ‪ ,‬وروى هشام عن محمّدٍ أنّ الكثير الفاحش أن يستوعب‬
‫القدمين وروي عن أبي حنيفة أنّه كره أن يح ّد لذلك حدا وقال ‪ :‬إنّ الفاحش يختلف‬
‫باختلف طباع النّاس فوقف المر فيه على العادة كما هو دأبه ‪.‬‬
‫وقال الشلبي نقلً عن زاد الفقير ‪ :‬والوجه اتّكاله إلى رأي المبتلى إن استفحشه منع وإل‬
‫فل ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إنّما قسّمت النّجاسات إلى غليظةٍ وخفيفةٍ باعتبار قلّة المعفوّ عنه من الغليظة‬
‫وكثرة المعفوّ عنه من الخفيفة ول فرق بينهما في كيفيّة التّطهير وإصابة الماء والمائعات‬
‫لنّه ل يختلف تنجسها بهما ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬إنّ المائع متى أصابته نجاسة خفيفة أو غليظة وإن قلّت تنجّس ول يعتبر‬
‫فيه ربع ول درهم ‪ ,‬نعم تظهر الخفّة فيما إذا أصاب هذا المائع ثوبا أو بدنا فيعتبر فيه‬
‫الربع ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬إن اختلطت الغليظة والخفيفة ترجّح الغليظة مطلقا وإل فإن تساويا أو زادت‬
‫الغليظة فكذلك وإل ترجّح الخفيفة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مذهب المالكيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬قسّم المالكيّة النّجاسات من حيث حكم إزالتها إلى أربعة أقسامٍ ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫القسم الوّل ‪ :‬يعفى عن قليله وكثيره ول تجب إزالته إل أن يتفاحش جدا فيؤمر بها ‪.‬‬
‫وهذا القسم هو كل نجاس ٍة ل يمكن الحتراز عنها ‪ ,‬أو يمكن بمشقّة كثير ٍة كالجرح يمصل ‪,‬‬
‫والدمّل يسيل ‪ ,‬والمرأة ترضع ‪ ,‬والحداث تستنكح ‪ ,‬والغازي يفتقر إلى إمساك فرسه ‪.‬‬
‫قال ابن شاسٍ ‪ :‬وخصّ مالك هذا ببلد الحرب ‪ ,‬وترجّح في بلد السلم ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬يعفى عن اليسير منه إذا رآه في الصّلة ويؤمر بغسله قبل الدخول فيها ‪,‬‬
‫وقيل ‪ :‬ل يؤمر بذلك ‪ ,‬وهو الدّم ‪ ,‬وهل يلحق به في العفو قليل القيح وقليل الصّديد ؟ أو‬
‫يلحقان بقليل البول ؟ في ذلك قولن ‪.‬‬
‫ق ‪ :‬ل خلف عندنا أنّ فوق‬
‫وأمّا حد اليسير عند المالكيّة فقد قال عنه أبو بكر بن ساب ٍ‬
‫ن ما دون الدّرهم قليل ‪ ,‬وفي قدر الدّرهم روايتان لعليّ بن زيادٍ وابن‬
‫الدّرهم كثير ‪ ,‬وأ ّ‬
‫حبيبٍ بالقلّة والكثرة ‪.‬‬
‫وحكى الشّيخ أبو الطّاهر أنّ اليسير هو مقدار الخنصر وأنّ الخلف فيما بين الدّرهم إلى‬
‫الخنصر ‪.‬‬
‫القسم الثّالث ‪ :‬يعفى عن أثره دون عينه ‪ ،‬وهو الحداث على المخرجين ‪ ,‬والدّم على‬
‫السّيف الصّقيل ‪ ,‬وفي معنى ذلك الخف يمشي به على أرواث الدّوابّ وأبوالها ‪ ،‬وفيه قول‬
‫‪ :‬إنّه يغسل كما لو مشى به على الدّم والعذرة ‪.‬‬
‫القسم الرّابع ‪ :‬ما عدا ما ذكر ‪ ,‬وهذا القسم يزال كثيره وقليله ‪ ,‬وعينه وأثره ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مذهب الشّافعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬قسّم الشّافعيّة النّجاسات المعفوّ عنها باعتبار القلّة والكثرة إلى عدّة أقسامٍ ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫أحدها ‪ :‬ما يعفى عن قليله وكثيره وهو دم البراغيث على الصحّ في الثّوب والبدن وكذا‬
‫دم القمّل والبعوض ونحوه على ما رجّحه النّووي ونقله عن الكثرين ‪ ,‬لكن له شرطان ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن ل يكون بفعله فلو كان بفعله كما لو قتل فتلوّث به أو لم يلبس الثّوب بل حمله‬
‫ح صلته لعدم الضّرورة إليه ويلتحق بالبراغيث في ذلك كلّه دم البثرات‬
‫وكان كثيرا لم تص ّ‬
‫وقيحها وصديدها حتّى لو عصره وكان الخارج كثيرا لم يعف عنه ‪ ،‬وكذلك دم الدّماميل‬
‫والقروح وموضع الفصد والحجامة منه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ل يتفاحش بالهمال ‪ ,‬فإنّ للنّاس عادةً في غسل الثّياب كلّ حينٍ فلو ترك غسل‬
‫ل وهو يتراكم عليه لم يكن في محلّ العفو ‪ ,‬قاله المام ‪.‬‬
‫الثّوب سنةً مث ً‬
‫ومن المعفوّ عنه البلغم إذا كثر والماء الّذي يسيل من فم النّائم إذا ابتلي به ونحوه وكذلك‬
‫الحدث الدّائم كالمستحاضة وسلس البول ‪ ,‬وكذا أواني الفخّار المعمولة بالزّبل ل تطهر ‪,‬‬
‫وقد سئل الشّافعي بمصر ‪ ,‬فقال ‪ :‬إذا ضاق المر اتّسع ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ما يعفى عن قليله دون كثيره ‪ ,‬وهو دم الجنبيّ إذا انفصل عنه ثمّ أصابه من‬
‫ح دون كثيره قطعا ‪ ,‬وكذلك‬
‫آدميّ أو بهيم ٍة سوى الكلب والخنزير يعفى عن قليله في الص ّ‬
‫طين الشّوارع المتيقّن بنجاستها يعفى عن قليله دون كثيره ‪.‬‬
‫والقليل ما يتعذّر الحتراز منه ‪ ,‬وكذلك المتغيّر بالميتة الّتي ل نفس لها سائلةً ل يعفى عن‬
‫التّغير الكثير في الصحّ ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬ما يعفى عن أثره دون عينه وهو أثر المخرجين في الستنجاء بالحجر وكذلك بقاء‬
‫ريح النّجاسة أو لونها إذا عسر زواله ‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬ما ل يعفى عن أثره ول عينه ول قليله ول كثيره وهو ما عدا ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وقسّم الشّافعيّة النّجاسات باعتبار العفو عنها إذا حلّت في الماء أو الثّوب إلى أربعة‬ ‫‪8‬‬

‫أقسامٍ ‪:‬‬
‫القسم الوّل ‪ :‬يعفى عنه في الماء والثّوب وذلك في عشرين صور ًة ‪ :‬ما ل يدركه الطّرف‬
‫ل أو لها دم ولكنّه ل يسيل كالوزغ ‪ ,‬وغبار‬
‫‪ ,‬والميتة الّتي ل دم لها كالدود والخنفساء أص ً‬
‫النّجاسة اليابسة ‪ ,‬وقليل دخان النّجاسة حتّى لو أوقد نجاس ًة تحت الماء ‪ ,‬واتّصل به قليل‬
‫ن لم ينجس ‪ ,‬وقليل الشّعر ‪ ,‬وقليل الرّيش النّجس له حكم الشّعر على ما يقتضيه‬
‫دخا ٍ‬
‫ن أجزاء الشّعرة الواحدة ينبغي أن يكون لكلّ واحدةٍ منها حكم الشّعرة الواحدة‬
‫كلمهم إل أ ّ‬
‫‪ ,‬والهرّة إذا ولغت بعد أكلها فأرةً ‪ ,‬وألحق المتولّي السّبع بالهرّة وخالفه الغزالي لنتفاء‬
‫المشقّة لعدم الختلط ‪ ,‬وما اتّصل به شيء من أفواه الصّبيان مع تحقق نجاستها ‪ ,‬خرّجه‬
‫ابن الصّلح ‪ ,‬وأفواه المجانين كالصّبيان ‪ ,‬وإذا وقع في الماء طير على منفذه نجاسة‬
‫يتعذّر صون الماء عنه ول يصح التّعليل بانكماشه فإنّه صرّح في الرّوضة بأنّا لو تحقّقنا‬
‫وصول الماء إلى منفذ الطّير وعليه ذرق عفي عنه ‪ ,‬وإذا نزل الطّائر في الماء وغاص‬
‫وذرق فيه عفي عنه ل سيّما إذا كان طرف الماء الّذي ل ينفك عنه ‪ ,‬ويدل له ما ذكر في‬
‫ب ما ثمّ معلوم أنّه يبول فيه أنّه يعفى‬
‫السّمك عن القاضي حسينٍ أنّه لو جعل سمكا في ح ّ‬
‫ن الحتراز‬
‫عنه للضّرورة ‪ ,‬وفي تعليق البندنيجي عن الشّيخ أبي حامدٍ نجس معفو عنه ل ّ‬
‫ن وقوع الحيوان النّجس المنفذ في‬
‫عنه ل يمكن ‪ ,‬وحكى العجلي عن القاضي حسينٍ أ ّ‬
‫الماء ينجّسه ‪ ,‬وحكي عن غيره عدم التّنجيس مستدلً بأنّه صلى ال عليه وسلم أمر بمقل‬
‫الذباب ‪.‬‬
‫وإذا شرب من الماء طائر على فيه نجاسة ولم تتخلّل غيبته فينبغي إلحاقه بالمنفذ لتعذر‬
‫صونه عنه ‪ ,‬وونيم الذباب إذا وقع في الماء ل ينجّسه لعسر صونه ‪ ,‬ومثله بول الخفّاش‬
‫إذا وقع في الماء القليل أو المائع ‪ ,‬وغسالة النّجاسة إذا انفصلت غير متغيّر ٍة ول زائدة‬
‫الوزن فإنّها تكون طاهر ًة مع أنّها لقت نجسا ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬ما يعفى عنه في الماء دون الثّوب كالميتة الّتي ل دم لها سائل وخرء‬
‫السّمك ومنفذ الطّائر ‪.‬‬
‫القسم الثّالث ‪ :‬ما يعفى عنه في الثّوب دون الماء وهو الدّم اليسير من سائر الدّماء إل دم‬
‫الكلب والخنزير وينبغي أن يلحق به طين الشّارع المتيقّن نجاسته ‪ ,‬فلو وقع شيء من ذلك‬
‫ث أو قملٍ أو غمس فيه ثوبا فيه‬
‫في ماءٍ قليلٍ أو غمس يده في الماء وعليها قليل دم برغو ٍ‬
‫ث تنجّس ‪.‬‬
‫دم برغو ٍ‬
‫ي بين الثّياب والماء بوجهين ‪:‬‬
‫وفرّق العمران ّ‬
‫ن صونها ممكن‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّ الثّياب ل يمكن صونها عن النّجاسة بخلف الواني فإ ّ‬
‫بالتّغطية ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬أنّ غسل الثّياب كلّ وقتٍ يقطعها فعفي عن يسير النّجاسة الّتي يمكن وقوعها‬
‫ث يصلّي فيه ولو وضعه في ماءٍ‬
‫فيها بخلف الماء ومن ذلك الثّوب الّذي فيه دم برغو ٍ‬
‫قليلٍ ينجّسه فيحتاج الّذي يغسله أن يطهّره بعد الغسل في ذلك الماء ‪ ,‬وكذلك ما على محلّ‬
‫الستنجاء يعفى عنه في البدن والثّوب حتّى لو سال بعرق ونحوه ووقع في الثّوب عفي‬
‫عنه في الصحّ ‪ ,‬ولو اتّصل بالماء نجّسه ‪.‬‬
‫القسم الرّابع ‪ :‬ما ل يعفى عنه فيهما وهو ما عدا ذلك ممّا أدركه الطّرف من سائر البوال‬
‫والرواث وغيرها من النّجاسات ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬مذهب الحنابلة ‪:‬‬
‫‪ -‬الصل عند الحنابلة أنّه ل يعفى عن يسير شيءٍ من النّجاسات سواء كان ممّا يدركه‬ ‫‪9‬‬

‫ق وما أشبهه ‪ ,‬لعموم قوله تعالى ‪:‬‬


‫الطّرف أو ل يدركه كالّذي يعلق بأرجل الذباب والب ّ‬
‫طهّرْ } ‪ ,‬وقول ابن عمر رضي ال عنهما ‪ " :‬أمرنا أن نغسل النجاس سبعا " ‪,‬‬
‫{ وَثِيَابَكَ َف َ‬
‫وغير ذلك من الدلّة ‪.‬‬
‫إل أنّهم استثنوا عن هذا الصل بعض النّجاسات وصرّحوا بالعفو عن يسيرها ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -‬الدّم ‪ ,‬والصّحيح من المذهب أنّه يعفى عن يسيره في الصّلة دون المائعات‬ ‫‪10‬‬

‫ن النسان غالبا ل يسلم منه وهو قول جماع ٍة من الصّحابة والتّابعين فمن‬
‫والمطعومات فإ ّ‬
‫بعدهم ‪ ,‬ولقول عائشة رضي ال عنهما ‪ « :‬ما كان لحدانا إل ثوب واحد تحيض فيه فإذا‬
‫أصابه شيء من دمٍ قالت بريقها فقصعته بظفرها » ‪ ,‬وهذا يدل على العفو عنه لنّ الرّيق‬
‫ل يطهّر ويتنجّس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل ‪ ,‬ومثله ل يخفى عنه عليه الصّلة‬
‫والسّلم فل يصدر إل عن أمره ‪ ,‬ولنّه يشق التّحرز منه فعفي عنه كأثر الستجمار ويعفى‬
‫عنه ولو كان من غير مصلّ بأن أصابت المصلّي من غيره كما لو كانت منه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ل يعفى عن يسيره إل إذا كان من دم نفسه ‪ ,‬واليسير ‪ :‬الّذي لم ينقض الوضوء ‪,‬‬
‫والكثير ‪ :‬ما نقض الوضوء ‪.‬‬
‫والدّم المعفو عنه ما كان من آدميّ أو حيوانٍ طاه ٍر ل الكلب ول الخنزير ‪.‬‬
‫‪ -‬ما تولّد من الدّم من القيح والصّديد ‪ ,‬فإنّ العفو عنهما أولى لختلف العلماء في‬ ‫‪11‬‬

‫نجاستهما ‪ ,‬ولذلك قال أحمد ‪ :‬هو أسهل من الدّم فعلى هذا يعفى منه عن أكثر ممّا يعفى‬
‫ن هذا ل نصّ فيه ‪ ,‬وإنّما ثبتت نجاسته لستحالته من الدّم ‪ ,‬ولحمد‬
‫عن مثله في الدّم ‪ ,‬ل ّ‬
‫قول بطهارة قيحٍ ومدّ ٍة وصديدٍ ‪.‬‬
‫وصرّح الحنابلة بأنّه ل يعفى عن يسير دمٍ أو قيحٍ أو صدي ٍد خرج من قبلٍ أو دبرٍ لنّ حكمه‬
‫حكم البول والغائط ‪ ,‬وفي وجهٍ يعفى عن ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬ويعفى أثر الستجمار بمحلّه ‪ ,‬بعد النقاء واستيفاء العدد بل خلفٍ ‪ ,‬فعلى هذا لو‬ ‫‪12‬‬

‫تعدّى محلّه إلى الثّوب أو البدن لم يعف عنه ‪.‬‬


‫‪ -‬ويعفى عن يسير سلس بولٍ بعد كمال التّحفظ لمشقّة التّحرز عنه ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ -‬ويعفى عن يسير دخان نجاسةٍ وبخارها وغبارها ما لم تظهر له صفة في الشّيء‬ ‫‪14‬‬

‫الطّاهر ‪ ,‬لنّه يشق التّحرز منه ‪ ,‬وقال جماعة ‪ :‬ما لم يتكاثف ‪.‬‬
‫‪ -‬ويعفى عن يسير ماءٍ تنجّس بشيء معفوّ عن يسيره كدم وقيحٍ فإنّه يعفى عنه ‪ ,‬قاله‬ ‫‪15‬‬

‫ابن حمدان في رعايتيه وعبارته ‪ :‬وعن يسير الماء النّجس بما عفي عن يسيره من دمٍ‬
‫ونحوه ‪ ,‬وأطلق المنقّح في التّنقيح القول عن ابن حمدان بالعفو عن يسير الماء النّجس‬
‫ولم يقيّده بما عفي عن يسير النّجاسة ‪.‬‬
‫‪ -‬ويعفى عن ما في العين من نجاسةٍ فل يجب غسلها للتّضرر به وكذا يعفى عن‬ ‫‪16‬‬

‫ي‪.‬‬
‫نجاسةٍ داخل أذنٍ لما في ذلك من التّضرر أيضا وهو متّجه كما قال الرّحيبان ّ‬
‫‪ -‬ويعفى عن حمل كثير النّجاسة في صلة الخوف للضّرورة ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫ع تحقّقت نجاسته لعسر التّحرز منه ومثله تراب ‪ ,‬قال في‬


‫‪ -‬ويعفى عن يسير طين شار ٍ‬ ‫‪18‬‬

‫الفروع ‪ :‬وإن هبّت ريح فأصاب شيئا رطبا غبار نجس من طريقٍ أو غيره فهو داخل في‬
‫ن ما عفي عن يسيره كالدّم ونحوه عفي عن أثر كثيره على‬
‫المسألة ‪ ,‬وصرّح الحنابلة بأ ّ‬
‫ن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله فعفي عنه كيسير غيره‬
‫جسمٍ صقيلٍ بعد مسحٍ ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ .‬وقالوا ‪ :‬يضم نجس يعفى عن يسيره متفرّقٍ بثوب واحدٍ ‪ ,‬بأن كان فيه بقع من د ٍم أو‬
‫ح الصّلة فيه وإل عفي عنه ‪ ,‬ول يضم متفرّق‬
‫ض ّم كثيرا لم تص ّ‬
‫قيحٍ أو صديدٍ فإن صار بال ّ‬
‫ب بل يعتبر كل ثوبٍ على حدته ‪.‬‬
‫في أكثر من ثو ٍ‬
‫ن الصّلة تصح معه مع الحكم بنجاسته حتّى لو وقع هذا‬
‫والمراد بالعفو في جميع ما تقدّم أ ّ‬
‫اليسير في ماءٍ قلي ٍل نجّسه ‪.‬‬
‫أعيان المعفوّات من النجاس ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في مسائل العفو عن النّجاسات تبعا لختلفهم في ضوابط العفو عن‬ ‫‪19‬‬

‫النّجاسات وتبعا لختلفهم في التّقديرات الّتي اعتبروها للتّمييز بين الكثير واليسير ‪.‬‬
‫ولمعرفة أعيان النّجاسات المعفوّ عنها وموقف الفقهاء تجاه كلّ واحدةٍ منها ينظر مصطلح‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ ( :‬نجاسة ‪ ,‬عفو ف‬
‫المعفوّات في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلة فل تصح الصّلة إل بسترها ‪ ,‬وقد اتّفق‬ ‫‪20‬‬

‫الفقهاء على بطلن صلة من كشف عورته فيها قصدا ‪ ,‬واختلفوا فيما إذا انكشفت بل‬
‫قصدٍ وفي المقدار المعفوّ عن انكشافه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪120‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬مصطلح صلة ف‬
‫المعفوّات في الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في زكاة أوقاص السّائمة وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬مصطلح أوقاص ف‬ ‫‪21‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬

‫وأمّا سائر الموال الزّكويّة كالنّقدين فل يجري العفو فيها عند الجمهور فتجب فيها الزّكاة‬
‫فيما زاد على النّصاب بحسابه ‪.‬‬
‫ب ثمّ كل ما زاد على‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬ما زاد على النّصاب عفو إلى أن يبلغ خمس نصا ٍ‬
‫الخمس عفو إلى أن يبلغ خمسا آخر ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ,‬وعفو ف‬ ‫‪72‬‬ ‫والتّفصيل في ‪ ( :‬زكاة ف‬

‫مُ َعلّم *‬
‫انظر ‪ :‬بيع ‪ ,‬صيد ‪ ,‬معلّم ‪.‬‬

‫مُ َعلّم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المعلّم في اللغة ‪ -‬اسم فاعلٍ من علّم ‪ ,‬يقال ‪ :‬علّم فلنا الشّيء تعليما ‪ :‬جعله يتعلّمه‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .‬والمعلّم من يتّخذ مهنة التّعليم ‪ ,‬ومن له الحق في ممارسة إحدى المهن استقللً ‪ ,‬ولقد‬
‫كان هذا اللّقب أرفع الدّرجات في نظام الصنّاع كال ّنجّارين والحدّادين ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ المعلّم عن المعنى اللغويّ من حيث إطلقه على من يعلّم‬
‫النّاس العلم كالحديث والفقه والفرائض وغير ذلك من العلوم ‪.‬‬
‫كما أطلقوه على من يعلّم غيره صنعةً قد برع فيها ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بالمعلّم من أحكامٍ ‪:‬‬
‫يتعلّق بالمعلّم أحكام منها ‪:‬‬
‫فضل المعلّم ‪:‬‬
‫‪ -‬ورد في فضل من يعلّم النّاس العلم النّافع بعض الحاديث منها ‪ « :‬إنّ اللّه وملئكته‬ ‫‪2‬‬

‫وأهل السّموات والرض حتّى النّملة في جحرها وحتّى الحوت ليصلون على معلّم النّاس‬
‫الخير » ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أراد بالخير هنا علم الدّين وما به نجاة الرّجل ‪ ,‬ولم يذكر المعلّم مطلقا ليعلم أنّ‬
‫صلٍ إلى الخير ‪ ,‬وفيه إشارة إلى وجه الفضليّة بأنّ‬
‫استحقاق الدعاء لجل تعليم علمٍ مو ّ‬
‫نفع العلم متع ّد ونفع العبادة قاصر ‪.‬‬
‫قال الغزالي ‪ :‬المعلّم متصرّف في قلوب البشر ونفوسهم ‪ ,‬وأشرف موجودٍ على الرض‬
‫جنس النس ‪ ,‬وأشرف جزءٍ من جواهر النسان قلبه ‪ ,‬والمعلّم مشتغل بتكميله وتجليته‬
‫وتطهيره وسياقته إلى القرب من اللّه ع ّز وجلّ فتعليم العلم من وجهٍ ‪ :‬عبادة للّه تعالى ‪,‬‬
‫ن اللّه تعالى قد فتح على قلب‬
‫ومن وجهٍ ‪ :‬خلفة للّه تعالى وهو من أجل خلفة اللّه ‪ ,‬فإ ّ‬
‫العالم العلم الّذي هو أخص صفاته فهو كالخازن لنفس خزائنه ‪ ,‬ث ّم هو مأذون له في‬
‫النفاق منه على كلّ محتاجٍ إليه ‪ ,‬فأي رتبةٍ أجل من كون العبد واسطةً بين ربّه سبحانه‬
‫وبين خلقه في تقريبهم إلى اللّه زلفى وسياقتهم إلى جنّة المأوى ‪.‬‬
‫وذكر الغزالي من أحوال المعلّم ‪ :‬حال التّبصير قال ‪ :‬وهو أشرف الحوال ‪ ,‬فمن علم‬
‫وعمل وعلّم فهو الّذي يدعى عظيما في ملكوت السّموات فإنّه كالشّمس تضيء لغيرها‬
‫وهي وضيئة في نفسها ‪ ,‬وكالمسك الّذي يطيّب غيره وهو طيّب ‪.‬‬
‫حق المعلّم على المتعلّم ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي للمتعلّم أن يتواضع لمعلّمه وينظر إليه بعين الحترام ويرى كمال أهليّته‬ ‫‪3‬‬

‫ورجحانه على أكثر طبقته إلى غير ذلك من المور ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬تعلم وتعليم ف‬
‫استحقاق المعلّم الجرة ‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ المعلّم ينبغي له أن يقتدي بصاحب الشّرع صلوات اللّه وسلمه عليه فل يطلب‬ ‫‪4‬‬

‫على إفادة العلم أجرا ‪ ,‬ول يقصد به جزاءً ول شكورا ‪ ,‬بل يعلّم لوجه اللّه تعالى وطلبا‬
‫للتّقرب إليه ول يرى لنفسه م ّنةً عليهم وإن كانت المنّة لزمةً عليهم ‪ ,‬بل يرى الفضل لهم‬
‫إذ هذّبوا قلوبهم لن تتقرّب إلى اللّه تعالى بزراعة العلوم فيها ‪ ,‬كالّذي يعيرك الرض‬
‫لتزرع فيها لنفسك زراع ًة فمنفعتك بها تزيد على منفعة صاحب الرض فكيف تقلّده م ّنةً‬
‫وثوابك في التّعليم أكثر من ثواب المتعلّم عند اللّه تعالى ‪ ,‬ولول المتعلّم ما نلت هذا الثّواب‬
‫ن َأجْ ِريَ‬
‫فل تطلب الجر إل من اللّه تعالى كما قال تعالى ‪ { :‬وَيَا َق ْومِ ل َأسْأَُل ُكمْ عَلَ ْي ِه مَالً إِ ْ‬
‫ِإلّ عَلَى الّلهِ } ‪.‬‬
‫ن الفقهاء فصّلوا التّمول في حكم أخذ المعلّم الجر وذلك أنّ المعلّم إمّا أن يقوم بالتّعليم‬
‫ولك ّ‬
‫حسبةً لوجه اللّه أو باشتراط أجر معيّنٍ ‪ ,‬فإن كان يقوم بعمله حسبةً فيعطى من بيت المال‬
‫ما يعينه على عمله ‪ ,‬ويسمّى ما يعطاه رزقا ول يسمى أجرا ‪.‬‬
‫قال ابن مفلحٍ ‪ :‬واجب على المام أن يتعاهد المعلّم والمتعلّم ويرزقهما من بيت المال لنّ‬
‫في ذلك قواما للدّين فهو أولى من الجهاد ‪.‬‬
‫وقد كان عمر بن الخطّاب رضي ال عنهما أوّل من جمع الولد في المكتب وأمر عامر بن‬
‫عبد اللّه الخزاعي أن يلزمهم للتّعليم وجعل رزقه من بيت المال ‪.‬‬
‫وإن كان المعلّم يقوم بالتّعليم نظير أج ٍر معلومٍ مشترطٍ ‪ ,‬ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح‬
‫)‪.‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪ ,‬إجارة ف‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ,‬بيت المال ف‬ ‫‪15‬‬ ‫‪ ( :‬تعلمٍ وتعليمٍ ف‬
‫أخذ الجرة على تعليم الحرف والعلوم غير الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬أجاز الفقهاء أخذ الجر على تعليم الحرفة والصّنعة ولكنّهم يختلفون في التّفصيل‬ ‫‪5‬‬

‫بالنّسبة لما يشترط أو يستحق من الجر ‪.‬‬


‫ل ليعلّم ولده حرف ًة من الحرف فإن بيّن المدّة بأن استأجر‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬إذا استأجر رج ً‬
‫شهرا مثلً ليعلّمه هذا العمل يصح العقد وينعقد على المدّة حتّى يستحقّ المعلّم الجر‬
‫بتسليم النّفس علّم أو لم يعلّم ‪ ,‬وإن لم يبيّن المدّة ينعقد العقد فاسدا ‪ ,‬ولو علّمه يستحق‬
‫ن فيه روايتين والمختار أنّه يجوز ‪ ,‬هكذا في المضمرات ‪.‬‬
‫أجر المثل وإل فل ‪ ,‬فالحاصل أ ّ‬
‫وإن دفع ابنه إلى رج ٍل ليعلّمه حرفةً كذا ويعمل له البن نصف عامٍ ل يجوز ‪ ,‬وإن علّم‬
‫يجب أجر المثل ‪ ,‬كذا في الوجيز للكردريّ ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجوز لمن له رقيق أو ولد دفعه لمن يعلّمه صنعةً معيّنةً على أن تكون‬
‫الجرة عمل الغلم سنةً في الصّنعة الّتي يتعلّمها ل بعمله للمعلّم في صنعةٍ غير الّتي‬
‫يتعلّمها ‪ ,‬لكن نقل عن ابن عرفة منع الجارة بعمله لنّه يختلف في الصّبيان باعتبار‬
‫البلدة والحذاقة فهو الن مجهول ‪.‬‬
‫ن المجيز رآه من الغرر اليسير فإن عيّنا زمنا للعمل عمل به أي إن‬
‫قال الدسوقيّ ‪ :‬فكأ ّ‬
‫ن قيمة عمله توزّع على‬
‫عيّنا زمن ابتداء السّنة عمل به وإن مات المتعلّم نصف السّنة فإ ّ‬
‫قيمة التّعليم من صعوبةٍ وسهولةٍ وينظر ما ينوب قيمة تعليمه إلى موته من قيمة العمل ‪,‬‬
‫فإن حصل للمعلّم من قيمة العمل قدر قيمة تعليمه فل كلم له ‪ ,‬وإن زاد له شيء بأن كان‬
‫قيمة تعليمه أكثر من قيمة عمله قبل موته رجع به ‪ ,‬فإذا كان قيمة عمله في السّنة يساوي‬
‫اثني عشر ومات في نصفها والحال أنّ تعليمه في النّصف الوّل يساوي ثمانيةً لصعوبة‬
‫تعليمه في البتداء وعمله في النّصف الوّل قبل موته يساوي درهمين لكونه لم يتعلّم‬
‫بخلف عمله في النّصف الثّاني فإنّه يساوي عشرةً لمقاربته للتّعليم فللمعلّم جهة العبد‬
‫ثمانية أجرة تعليمه قبل موته وللولد عند المعلّم درهمان أجرة عمله قبل موته فيتخاصمان‬
‫في درهمين ويرجع المعلّم بستّة فيكون المعلّم قد استوفى ثمانيةً هي ثلثا أجرة التّعليم ‪.‬‬
‫ي حرفة تكون في ماله إن كان له مال وإل فعلى من‬
‫ن أجرة تعليم الصّب ّ‬
‫واعتبر الشّافعيّة أ ّ‬
‫تجب نفقته ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪ ,‬تعلم وتعليم ف‬ ‫‪151‬‬ ‫( ر ‪ :‬إجارة ف‬
‫ما يعطى للمعلّم زيادةً على الجرة ‪:‬‬
‫ن المعلّم كما يستحق الجرة المسمّاة له فإنّه يستحق الحذاقة وهي‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫‪6‬‬

‫ي القرآن أو بعض سورٍ‬


‫المعروفة بالصرافة ‪ -‬وهو ما يعطى للمعلّم عند حفظ الصّب ّ‬
‫مخصوصةٍ ‪. -‬‬
‫وإنّما يستحق المعلّم هذه الصرافة إن اشترطت أو جرى بها عرف ‪ ,‬ويقضى للمعلّم بها‬
‫على الب إل أن يكون اشترط عدمها ‪ ,‬وهذا قول سحنون وهو المشهور ‪ ,‬وقال أبو‬
‫إبراهيم العرج إنّما يقضى بها بالشّرط ول يقضى بها عند عدمه ولو جرى بها عرف ول‬
‫حدّ فيها على المذهب ‪ ,‬والرجوع فيها إلى حال الب من يسرٍ وعس ٍر وينظر فيها أيضا إلى‬
‫حال الصّبيّ فإن كان حافظا كثرت الصرافة بخلف غيره ‪ ,‬ومحلها من السور ما تقرّر به‬
‫العرف نحو ‪ :‬والضحى ‪ ,‬وسبّح ‪ ,‬وعمّ وتبارك ‪ ,‬فإن أخرج الب ولده من عند المعلّم قبل‬
‫وصولها فإن كان الباقي إليها يسيرا لزمت الب ‪ ,‬وإل لم تلزم إل بشرط فيلزم منها بحسب‬
‫ما مضى ‪ ,‬ول يقضى بها في مثل العياد وإنّما تستحب ‪ ,‬وإذا مات الب أو الولد قبل‬
‫القضاء بها سقطت كما تسقط إذا مات المعلّم ول طلب لورثته بشيء ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ما يهدى للمعلّم إن كانت الهديّة لجل ما يحصل منه من التّعليم فالولى‬
‫عدم القبول ليكون عمله خالصا لوجه اللّه تعالى ‪ ,‬وإن أهدى إليه تحببا وتوددا لعلمه‬
‫وصلحه فالولى القبول ‪.‬‬
‫ي من الحنفيّة صور ًة تفيد جواز إعطاء المعلّم زيادةً ‪ ,‬قال في‬
‫وذكر ابن عابدين والحصكف ّ‬
‫الد ّر المختار ‪ :‬معلّم طلب من الصّبيان أثمان الحصر فجمعها فشرى ببعضها وأخذ بعضها‬
‫كان ذلك له لنّه تمليك له من الباء ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬والدّليل على أنّه تمليك أنّهم ل‬
‫ن ما يأخذه يزيد ‪,‬‬
‫يتأمّلون منه أن يردّ الزّائد على ما يشترى به مع علمهم غالبا بأ ّ‬
‫ن العادة محكّمة ‪.‬‬
‫والحاصل أ ّ‬
‫وجوب تحرّي الحلل في الجر ‪:‬‬
‫‪ -‬المعلّم الّذي يعلم أنّ الجر الّذي يأخذه ممّن يعلمه يكتسبه ولي الصّبيّ بسبب حرام من‬ ‫‪7‬‬

‫مكسٍ أو ظل ٍم أو غيرهما فل يأخذ ممّا أتى به الصّبي من تلك الجهة شيئا ‪ ,‬اللّهمّ إل أن‬
‫يكون يأتيه من غير تلك الجهات المحذّر منها من جانب الشّرع فل بأس به مثل أن يأتيه‬
‫بشيء من جهة أمّه أو جدّته أو غيرهما من وجهٍ مستو ٍر بالعلم ‪ ,‬فإن تعذّرت جهة الحلل‬
‫فل يأخذ شيئا ويحذر من هذا جهده فإنّه من باب أكل أموال النّاس بالباطل إذ أنّهم يأخذونه‬
‫من أربابه بالظلم بالمصادرة والقهر وهو يأخذه على ظاهر أنّه حلل في زعمه ‪ ,‬وهذا‬
‫أعظم في التّحريم من الوّل وإن كان كله حراما ‪.‬‬
‫ول يجوز للمعلّم قبول هديتهم أو يستخدمهم أو يرسلهم إلى نحو جناز ٍة أو مولودٍ ليقولوا‬
‫شيئا ويأخذ منهم ما يدفع لهم فإن فعل ذلك كان جرحه في شهادته وإمامته إل ما فضل من‬
‫غذائهم ممّا تسمح به النّفوس غالبا وإل ما كان من الخدمة معتادا وخفّ بحيث ل يشغل‬
‫الولد فيجوز ‪.‬‬
‫ما ينبغي أن يتّصف به المعلّم ‪:‬‬
‫ن العلم يدرك بالبصائر‬
‫‪ -‬ينبغي للمعلّم أن يكون عاملً بعلمه فل يكذّب قوله فعله ل ّ‬ ‫‪8‬‬

‫والعمل يدرك بالبصار ‪ ,‬وأرباب البصار أكثر فإن خالف العمل العلم منع الرشد ‪ ,‬وكل من‬
‫تناول شيئا وقال للنّاس ل تتناولوه فإنّه سم مهلك سخر النّاس به واتّهموه وزاد حرصهم‬
‫على ما نهوا عنه فيقولون لول أنّه أطيب الشياء وألذها لما كان يستأثر به قال تعالى ‪{ :‬‬
‫سكُمْ } ‪.‬‬
‫سوْنَ أَن ُف َ‬
‫س بِالْبِ ّر وَتَن َ‬
‫ن النّا َ‬
‫أَتَ ْأمُرُو َ‬
‫ولذلك كان وزر العالم في معاصيه أكثر من وزر الجاهل إذ يزل بزلّته عالم كثير ويقتدون‬
‫ن س ّنةً سيّئ ًة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ‪.‬‬
‫به ‪ ,‬ومن س ّ‬
‫وينبغي له أن يتخلّق بالمحاسن الّتي ورد الشّرع بها وحثّ عليها والخلل الحميدة والشّيم‬
‫المرضيّة الّتي أرشد إليها من التّزهد في الدنيا والتّقلل منها وعدم المبالة بفواتها والسّخاء‬
‫ج إلى حدّ الخلعة ‪ ,‬والحلم والصّبر‬
‫والجود ومكارم الخلق وطلقة الوجه من غير خرو ٍ‬
‫والتّنزه عن دنيء الكتساب وملزمة الورع والخشوع والسّكينة والوقار والتّواضع‬
‫والخضوع واجتناب الضّحك والكثار من المزاح وملزمة الداب الشّرعيّة الظّاهرة والخفيّة‬
‫كالتّنظيف بإزالة الوساخ وتنظيف البط وإزالة الرّوائح الكريهة واجتناب الرّوائح‬
‫المكروهة ‪.‬‬
‫وينبغي الحذر من الحسد والرّياء والعجاب واحتقار النّاس وإن كانوا دونه بدرجات ‪.‬‬
‫ن حكمة اللّه تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا‬
‫وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أ ّ‬
‫النسان فل يعترض ول يكره ما اقتضته الحكمة اللهيّة ‪ ,‬وطريقه في نفي الرّياء أن يعلم‬
‫ن الخلق ل ينفعونه ول يضرونه حقيقةً فل يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه ويضر دينه‬
‫أّ‬
‫ويحبط عمله ويرتكب سخط اللّه تعالى ويفوّت رضاه ‪.‬‬
‫وطريقه في نفي العجاب أن يعلم أنّ العلم فضل من اللّه تعالى ومعه عارية فإنّ للّه ما‬
‫أخذ وله ما أعطى وكل شيءٍ عنده بأجل مس ّمىً ‪ ,‬فينبغي أن ل يعجب بشيء لم يخترعه‬
‫ن من دوامه ‪ ,‬وطريقه في نفي الحتقار التّأدب بما أدّبنا اللّه‬
‫وليس مالكا له ول على يقي ٍ‬
‫ن اتّقَى } ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫تعالى ‪ ,‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬فََل تُ َزكّوا أَن ُفسَ ُكمْ ُه َو أَعْ َلمُ ِبمَ ِ‬
‫َأكْ َر َمكُ ْم عِندَ الّل ِه أَ ْتقَا ُكمْ } فربّما كان هذا الّذي يراه دونه أتقى للّه تعالى وأطهر قلبا وأخلص‬
‫ل صحيحا جائزا في نفس المر ولكن ظاهره أنّه‬
‫ل ‪ ,‬وينبغي أنّه إذا فعل فع ً‬
‫ن ّي ًة وأزكى عم ً‬
‫حرام ‪ ,‬أو مكروه أو مخل بالمروءة ونحو ذلك فينبغي له أن يخبر أصحابه ومن يراه يفعل‬
‫ذلك بحقيقة ذلك الفعل لينتفعوا ولئل يأثموا بظنّهم الباطل ولئل ينفروا عنه ويمتنع النتفاع‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لمن رآه مع زوجته ‪ « :‬هي صفيّة أو هذه‬
‫بعلمه ومن هذا قول النّب ّ‬
‫صفيّة » ‪.‬‬
‫تصرف المعلّم مع من يعلّمهم ‪:‬‬
‫‪ -‬قال النّووي ‪ :‬ينبغي للمعلّم أن يؤدّب المتعلّم على التّدريج بالداب السنّيّة والشّيم‬ ‫‪9‬‬

‫المرضيّة ورياضة نفسه بالداب والدّقائق الخفيّة وتعوده الصّيانة في جميع أموره الكامنة‬
‫والجليّة ‪ ,‬وأوّل ذلك أن يحرّضه بأقواله وأحواله المتكرّرات على الخلص والصّدق وحسن‬
‫النّيّات ومراقبة اللّه تعالى في جميع اللّحظات وأن يكون دائما على ذلك حتّى الممات ‪,‬‬
‫ويعرّفه أنّ بذلك تتفتّح عليها أبواب المعارف وينشرح صدره وتتفجّر من قلبه ينابيع الحكم‬
‫واللّطائف ويبارك له في حاله وعلمه ويوفّق للصابة في قوله وفعله وحكمه ‪.‬‬
‫وينبغي أن يرغّبه في العلم ويذكّره بفضائله وفضائل العلماء وأنّهم ورثة النبياء صلوات‬
‫اللّه وسلمه عليهم ‪.‬‬
‫وينبغي أن يحنو عليه ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه وولده ‪ ,‬وأن يصبر على‬
‫جفائه وسوء أدبه ‪ ,‬ويعذره في سوء أدبٍ وجفوةٍ تعرض منه في بعض الحيان فإنّ‬
‫النسان معرّض للنّقائص ‪.‬‬
‫وينبغي أن يحبّ له ما يحب لنفسه من الخير ويكره له ما يكرهه لنفسه من الشّرّ ‪ ,‬ففي‬
‫الحديث ‪ « :‬ل يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لخيه ما يحب لنفسه » ‪.‬‬
‫وينبغي أل يدّخر عن الطّلبة من أنواع العلم شيئا يحتاجون إليه إذا كان الطّالب أهلً لذلك‬
‫ول يلقي إليه شيئا لم يتأهّل له لئل يفسد عليه حاله ‪ ,‬فلو سأله المتعلّم عن ذلك لم يجبه‬
‫ويعرّفه أنّ ذلك يضره ول ينفعه وأنّه لم يمنعه ذلك شحا بل شفقةً ولطفا ‪.‬‬
‫وينبغي أن يتفقّدهم ويسأل عمّن غاب منهم ‪.‬‬
‫‪ -‬وينبغي أن يكون باذلً وسعه في تفهيمهم وتقريب الفائدة إلى أذهانهم حريصا على‬ ‫‪10‬‬

‫هدايتهم ويفهّم كلّ واحدٍ بحسب فهمه وحفظه فل يعطيه مال يحتمل ول يقصّر به عمّا‬
‫يحتمله بل مش ّقةٍ ‪ ,‬ويخاطب كلّ واحدٍ على قدر درجته وبحسب فهمه وهمّته فيكتفي‬
‫بالشارة لمن يفهمها فهما محقّقا ‪ ,‬ويوضّح العبارة لغيره ويكرّرها لمن ل يحفظها إل‬
‫بتكرار ويذكر الحكام موضّح ًة بالمثلة من غير دلي ٍل لمن ل ينحفظ له الدّليل ‪ ,‬فإن جهل‬
‫دليل بعضها ذكره له ويبيّن الدّليل الضّعيف لئل يغترّ به فيقول ‪ :‬استدلوا بكذا وهو ضعيف‬
‫لكذا ‪ ,‬ويبيّن الدّليل المعتمد ليعتمد ‪.‬‬
‫وينبغي أن يطالب الطّلبة بإعادة محفوظاتهم ويسألهم عمّا ذكره لهم ‪ ,‬فمن وجده حافظا‬
‫أكرمه وأثنى عليه وأشاع ذلك ما لم يخف فساد حاله بإعجاب ونحوه ‪ ,‬ومن وجده مقصّرا‬
‫عنّفه إل أن يخاف تنفيره ويعيده له حتّى يحفظه حفظا راسخا ‪ ,‬وينصفهم في البحث‬
‫فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا ول يحسد أحدا منهم لكثرة تحصيله ‪,‬‬
‫فالحسد حرام للجانب وهنا أشد فإنّه بمنزلة الولد ‪ ,‬وفضيلته يعود إلى معلّمه منها نصيب‬
‫وافر فإنّه مربّيه ولـه في تعليمه وتخريجه في الخرة الثّواب الجزيل وفي الدنيا الدعاء‬
‫المستمر والثّناء الجميل ‪ ,‬ويتحرّى تفهيم الدروس بأيسر الطرق ويكرّر ما يشكل من‬
‫ن جميع الحاضرين يفهمونه بدون ذلك ‪.‬‬
‫معانيه وألفاظه إل إذا وثق بأ ّ‬
‫‪ -‬وينبغي للمعلّم أن ل يفعل شيئا يسكت به الطّلبة ‪ ,‬لنّ في إسكات الطّلبة وعدم‬ ‫‪11‬‬

‫الستماع لسئلتهم إخمادا للعلم لنّه قد يكون بعض الطّلبة لم تظهر له المسألة ويريد أن‬
‫يبحث فيها حتّى تتبيّن له ‪ ,‬أو عنده سؤال وارد يريد أن يلقيه حتّى يزيل ما عنده فيسكت‬
‫إذ ذاك فيمنعه من المقصود ‪.‬‬
‫وينبغي أن ل يسكت أحدا إل إذا خرج عن المقصود أو كان سؤاله وبحثه ممّا ل ينبغي‬
‫فيسكته العالم برفق ويرشده إلى ما هو أولى في حقّه من السكوت أو الكلم ‪ ,‬فكيف يقوم‬
‫على الطّلبة شخص سيّما إذا كان من العوا ّم النّافرين عن العلم فيؤذيهم ببذاءة لسانه‬
‫وزجره بعنف فيكون ذلك سببا إلى نفور العامّة أكثر سيّما ومن شأنهم النفور في الغالب‬
‫من العلم ‪ ,‬لنّه حاكم عليهم ‪ ,‬والنّفوس في الغالب تنفر من الحكم عليها ‪ ,‬فإذا رأى العوام‬
‫ذلك الفعل المذموم يفعل مع الطّلبة أمسكت العامّة عن السؤال عمّا يضطرون إليه في أمر‬
‫دينهم فيكون ذلك كتما للعلم واختصاصا به وشأن العالم سعة الصّدر وهو أوسع من أن‬
‫يضيق عن سؤال العامّة وجفاء بعضهم عليه إذ أنّه محلّ الكمال والفضائل وقد علم ما في‬
‫سعة الخلق من الثّناء في الكتاب والسنّة ومناقب العلماء ما ل يأخذه حصر ‪ ,‬قال تعالى ‪{ :‬‬
‫حوْلِكَ } ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ب لَنفَضّواْ مِ ْ‬
‫ت َل ُهمْ وَ َلوْ كُنتَ َفظّا غَلِيظَ ا ْلقَلْ ِ‬
‫ن الّلهِ لِن َ‬
‫ح َمةٍ مّ َ‬
‫فَ ِبمَا َر ْ‬
‫‪ -‬وينبغي له أن ل يترك الدّرس لعوارض تعرض له من جنازةٍ أو غيرها إن كان يأخذ‬ ‫‪12‬‬

‫على الدّرس معلوما ‪ ,‬فإنّ الدّرس إذ ذاك واجب عليه ‪ ,‬وحضور الجنازة مندوب إليه ‪,‬‬
‫ن ال ّذمّة معمورة به ول شيء آكد ول أوجب من تخليص ال ّذمّة إذ‬
‫وفعل الواجب يتعيّن فإ ّ‬
‫تخليصها هو المقصود ثمّ بعد ذلك ينظر في الواجبات والمندوبات فلو حضر الجنازة وأبطل‬
‫الدّرس لجلها تعيّن عليه أن يسقط من المعلوم ما يخص ذلك ‪ ,‬بل لو كان الدّرس ليس له‬
‫معلوم لتعيّن على العالم الجلوس إليه ‪ ,‬إذ أنّه تمحّض للّه تعالى ‪ ,‬وكذلك ل يترك الدّرس‬
‫لجل مريضٍ يعوده أو ما أشبهه من التّعزية والتّهنئة المشروعة لنّ هذا كلّه مندوب‬
‫وإلقاء العلم متعيّن إن كان يأخذ عليه معلوما ‪ ,‬وقد يتعيّن عليه وإن لم يكن له معلوم ‪.‬‬
‫‪ -‬ومعلّم الصّبيان ينبغي له أن يتولّى تعليم الجميع بنفسه إن أمكنه ذلك ‪ ,‬فإن لم يمكنه‬ ‫‪13‬‬

‫وتعذّر عليه فليأمر بعضهم أن يقرئ بعضا وذلك بحضرته وبين يديه ول يخلّي نظره عنهم‬
‫لنّه إذا غفل قد تقع منهم مفاسد جمّة لم تكن له في بالٍ لنّ عقولهم لم تتمّ ‪ ,‬ومن ليس له‬
‫عقل إذا غفلت عنه وقتا ما فسد أمره وتلف حاله في الغالب ‪ ,‬وينبغي له إذا وكّل بعضهم‬
‫ببعض أن ل يجعل صبيانا معلومين لشخص واحدٍ منهم بل يبدّل الصّبيان في كلّ وقتٍ على‬
‫العرفاء ‪ ,‬مرّةً يعطي صبيان هذا لهذا وصبيان هذا لهذا لنّه إذا كان لواحد صبيان‬
‫معلومون فقد تنشأ بينهم مفاسد بسبب الودّ ل يشعر بها ‪ ,‬فإذا فعل ما تقدّم ذكره سلم من‬
‫هذا المر ‪ ,‬ويفعل هو في نفسه مثل ذلك فيأخذ صبيانهم تار ًة ويدفع لهم آخرين فإن كان‬
‫الصّبيان كلهم صغارا فل ب ّد من مباشرة ذلك كلّه بنفسه ‪ ,‬فإن عجز عنه فليأخذ من‬
‫يستنيبه من الحفّاظ المأمونين شرعا بأجرة أو بغيرها ‪.‬‬
‫‪ -‬وينبغي أن يعلّمهم آداب الدّين كما يعلّمهم القرآن فمن ذلك أنّه إذا سمع الذان أمرهم‬ ‫‪14‬‬

‫أن يتركوا كلّ ما هم فيه من قراء ٍة وكتابةٍ وغيرهما إذ ذاك ‪ ,‬فيعلّمهم السنّة في حكاية‬
‫المؤذّن ‪ ,‬والدعاء بعد الذان لنفسهم وللمسلمين ‪ ,‬لنّ دعاءهم مرجو الجابة سيما في‬
‫هذا الوقت الشريف ‪ ,‬ثم يعلمهم حكم الستبراء شيئا فشيئا ‪ ,‬وكذلك الوضوء والركوع ‪,‬‬
‫ل ولو مسألة واحدة في كل يوم أو يومين‬
‫والصلة وتوابعها ‪ ,‬ويأخذ لهم في ذلك قليلً قلي ً‬
‫‪ ,‬وليحذر أن يتركهم يشتغلون بعد الذان بغير أسباب الصلة ‪ ,‬بل يتركون كل ما هم فيه‬
‫ويشتغلون بذلك حتى يصلوا في جماعة ‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون وقت القراءة والتعليم معلوما حتى ينضبط الحال ول يختل النظام ‪ ,‬ومن‬
‫تخلف عن ذلك الوقت منهم لغير ضرورة شرعية قابله بما يليق به ‪ ,‬فرب صبي يكفيه‬
‫عبوسة وجهه عليه ‪ ,‬وآخر ل يرتدع إل بالكلم الغليظ والتهديد ‪ ,‬وآخر ل ينزجر إل‬
‫بالضرب والهانة كل على قدر حاله ‪.‬‬
‫‪ -‬وينبغي له أن ل يستقضي أحدا من الصبيان فيما يحتاج إليه إل أن يستأذن أباه في‬ ‫‪15‬‬

‫ذلك ‪ ,‬ويأذن له عن طيب نفس منه ول يستقضي اليتيم منهم في حاجة بكل حال وليحذر‬
‫أن يرسل إلى بيته أحدا من الصبيان البالغين أو المراهقين فإن ذلك ذريعة إلى وقوع ما ل‬
‫ينبغي أو إلى سوء الظن بأهله ‪ ,‬ولن فيه خلوة الجنبي بالمرأة الجنبية وهو محرم ‪ ,‬فإن‬
‫سلموا من ذلك فل يخلو من الوقيعة في أعراضهم ‪.‬‬
‫وينبغي له أن ل يضحك مع الصبيان ول يباسطهم لئل يفضي ذلك إلى الوقوع في عرضه‬
‫وعرضهم وإلى زوال حرمته عندهم إذ أن من شأن المؤدب أن تكون حرمته قائمة على‬
‫الصبيان ‪ ,‬بذلك مضت عادة الناس الذين يقتدى بهم فليهتد بهديهم ‪.‬‬
‫ويجب عليه أن يعدل بينهم في محل التعليم وفي التعليم وفي صفة جلوسهم عنده ‪ ,‬ول‬
‫يجوز له تفضيل بعض على بعض في شيء من ذلك ‪.‬‬
‫ويجوز له ترك تعليمهم في نحو الجمع والعياد لئل تسأم أنفسهم بدوام التعليم ‪.‬‬
‫وأول من شرع التخفيف عن الولد في التعليم عمر بن الخطاب رضي ال عنهما فأمر‬
‫المعلم بالجلوس بعد صلة الصبح إلى الضحى العالي ومن صلة الظهر إلى صلة العصر‬
‫ويستريحون بقية النهار ‪ ،‬ثم شرع لهم الستراحة يومي الخميس والجمعة ودعا بالخير‬
‫لمن فعل ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وينبغي أن يكون الصبيان عنده بمنزلة واحدة فل يفضل بعضهم على بعض ‪ ,‬فإن‬ ‫‪16‬‬

‫الفقير وابن صاحب الدنيا على حد واحد في التربية والتعليم وكذلك من أعطاه ومن منعه إذ‬
‫بهذا يتبين صدق حاله فيما هو بصدده ‪ ,‬فإن كان يعلم من أعطاه أكثر ممن لم يعطه فذلك‬
‫دليل على كذبه في نيته ‪ ,‬بل يجب أن يكون من لم يعطه أرجى عنده ممن يعطيه ‪ ,‬لن من‬
‫لم يعطه تمحّض تعليمه ل تعالى بخلف من أعطاه فإنه قد يكون مشوبا بدسيسة ل تعلم‬
‫السلمة فيه معها ‪ ,‬والسلمة أولى ما يغتنم المرء فيغتنمها العاقل ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪12‬‬ ‫( ر ‪ :‬تعلم وتعليم ف ‪ , 9‬وطلب العلم ف‬
‫ضمان المعلّم ‪:‬‬
‫ي الّذي يقوم بتعليمه ضربا غير معتادٍ‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ المعلّم لو ضرب الصّب ّ‬ ‫‪17‬‬

‫فمات فإنّه يضمن لمجاوزته الحدّ المشروع ‪.‬‬


‫أمّا لو كان الضّرب معتادا فل يضمن وذلك عند المالكيّة والحنابلة وكذلك عند الحنفيّة إذا‬
‫كان بإذن وليّه وإل فيضمن ‪ ,‬ويضمن عند الشّافعيّة لنّه قد يستغني عن الضّرب بالقول‬
‫والزّجر فضمنه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ ,‬وتعلم وتعليم ف‬ ‫‪11‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تأديب ف‬
‫الصطياد بالمعلّم من الجوارح ‪:‬‬
‫ت َومَا‬
‫حلّ َل ُكمُ الطّيّبَا ُ‬
‫‪ -‬الصطياد بالمعلّم من الجوارح مشروع لقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُأ ِ‬ ‫‪18‬‬

‫علَ ْيكُمْ وَا ْذكُرُواْ اسْمَ‬


‫سكْنَ َ‬
‫ح ُمكَلّبِينَ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َم ُكمُ الّلهُ َفكُلُواْ ِممّا َأ ْم َ‬
‫جوَارِ ِ‬
‫عّلمْتُم مّنَ ا ْل َ‬
‫َ‬
‫الّل ِه عَلَ ْيهِ } ‪.‬‬
‫ولما روى أبو ثعلبة الخشني رضي ال عنهما أنّه سأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫عن الصّيد بالقوس والكلب المعلّم ‪ ,‬والكلب غير المعلّم فقال له رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬ما صدت بقوسك فاذكر اسم اللّه ثمّ كل ‪ ،‬وما صدت بكلبك المعلّم فاذكر اسم اللّه‬
‫ثمّ كل ‪ ،‬وما صدت بكلبك الّذي ليس معلّما فأدركت ذكاته فكل » ‪.‬‬
‫ن النّاس كانوا يمارسون الصّيد في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وعهود‬
‫ول ّ‬
‫أصحابه وتابعيهم من غير نكيرٍ ‪.‬‬
‫ع بما هو مخلوق لذلك ‪.‬‬
‫ب وانتفا ٍ‬
‫ن الصّيد نوع اكتسا ٍ‬
‫ول ّ‬
‫وما‬ ‫‪38‬‬ ‫وأمّا ما يشترط في الجوارح المعلّمة فينظر تفصيله في ‪ ( :‬مصطلح صيد ف‬
‫بعدها ) ‪.‬‬

‫مِ ْعيَار *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫مُعِيد *‬
‫انظر ‪ :‬مدرّس ‪.‬‬

‫مُغَابَنَة *‬
‫انظر ‪ :‬غبن ‪.‬‬

‫مُغَالة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المغالة في اللغة ‪ :‬المبالغة في الشّيء ‪ ,‬ومجاوزة الحدّ فيه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقال ‪ :‬غالى بالشّيء ‪ :‬اشتراه بثمن غالٍ ‪ ,‬ويقال ‪ :‬غاليت صداق المرأة ‪ :‬أي أغليته ‪,‬‬
‫ومنه قول عمر رضي ال عنه ‪ " :‬أل ل تغالوا في صدقات النّساء " ‪ ,‬وأصل الغلء ‪:‬‬
‫الرتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شي ٍء ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى في الصطلح عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الرخص ‪:‬‬
‫‪ -‬الرخص في اللغة ‪ :‬ضد الغلء ‪ ,‬من رُخص الشّيء ُرخْصا فهو رخيص من باب‬ ‫‪2‬‬

‫قرب ‪ ،‬يقال ‪ :‬أرخص اللّه السّعر ‪ ,‬ويتعدّى بالهمزة وبالتّضعيف ‪.‬‬


‫وارتخصت الشّيء ‪ :‬اشتريته رخيصا ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة بين المغالة والرخص هي التّضاد ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمغالة ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمغالة أحكام منها ‪:‬‬
‫المغالة في المهر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ليس للمهر حد أعلى مقدّر ‪ ,‬فحينما أراد عمر رضي ال عنه‬ ‫‪3‬‬

‫تحديد المهور ‪ ,‬نهى أن يزاد في الصّداق على أربعمائة درهمٍ ‪ ,‬وخطب النّاس فيه فقال ‪:‬‬
‫أل ل تغالوا في صداق النّساء فإنّه ل يبلغني عن أحدٍ ساق أكثر من شي ٍء ساقه رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم أو سيق له إل جعلت فضل ذلك في بيت المال ثمّ نزل فعرضت له‬
‫امرأة من قريشٍ ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬أكتاب اللّه أحق أن يتّبع أو قولك ؟ قال بل‬
‫كتاب اللّه ‪ ،‬فما ذاك ؟ قالت ‪ :‬نهيت النّاس آنفا أن يغالوا في صداق النّساء ‪ ،‬واللّه تعالى‬
‫يقول في كتابه ‪ { :‬وَآتَيْ ُتمْ ِإحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ َت ْأخُذُواْ مِ ْن ُه شَيْئا } فقال عمر رضي ال عنه‬
‫‪ :‬كل أحدٍ أفقه من عمر ‪ ،‬مرّتين أو ثلثا ‪ ،‬ثمّ رجع إلى المنبر فقال للنّاس ‪ :‬إنّي كنت‬
‫نهيتكم أن تغالوا في صداق النّساء أل فليفعل رجل في ماله ما بدا له ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد صرّح المالكيّة بكراهة المغالة في المهور ‪ ,‬بمعنى ما خرجت بها عن عادة‬
‫أمثالها ‪.‬‬
‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يسن تخفيف الصّداق وعدم المغالة في المهور ‪ ,‬لقوله‬
‫ن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫س رضي ال عنهما أ ّ‬
‫» ‪ .‬ولما روى ابن عبّا ٍ‬
‫خيرهنّ أيسرهنّ صداقا » ففي هذين الحديثين دليل على أفضليّة النّكاح مع قلّة المهر ‪,‬‬
‫ن المهر إذا كان قليلً لم يستصعب النّكاح‬
‫وأنّ الزّواج بمهر قلي ٍل مندوب ومرغوب إليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫من يريده ‪ ,‬فيكثر الزّواج المرغوب فيه ‪ ,‬ويقدر عليه الفقراء ‪ ,‬ويكثر النّسل الّذي هو أهم‬
‫مطالب النّكاح ‪ ,‬بخلف ما إذا كان المهر كثيرا ‪ ,‬فإنّه ل يتمكّن منه إل أرباب الموال ‪,‬‬
‫فيكون الفقراء ‪ -‬الّذين هم الكثر في الغالب ‪ -‬غير مزوّجين ‪ ,‬فل تحصل المكاثرة الّتي‬
‫أرشد إليها النّبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقال الشّافعي رضي ال عنه ‪ :‬والقتصاد في الصّداق أحب إلينا ‪.‬‬
‫المغالة في الكفن ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه تكره المغالة في الكفن ‪ ,‬لما روى علي رضي ال عنه أنّ‬ ‫‪4‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تغالوا في الكفن فإنّه يُسلب سلبا سريعا » ‪.‬‬
‫النّب ّ‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬المراد بالمغالة في الكفن الزّيادة على كفن المثل ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬يستحب تحسين الكفن ‪ ,‬قال أصحابنا ‪ :‬والمراد بتحسينه بياضه ونظافته‬
‫وسبوغه وكثافته ل كونه ثمينا ‪ ,‬لحديث النّهي عن المغالة المتقدّم ‪.‬‬
‫وقال القاضي حسين والبغوي ‪ :‬الثّوب الغسيل أفضل من الجديد ‪ ,‬ودليله حديث عائشة‬
‫ب كان يمرّض فيه ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫رضي اللّه عنها قالت ‪ :‬نظر أبو بكرٍ رضي ال عنه إلى ثو ٍ‬
‫ن هذا خلق ‪ ،‬قال ‪ :‬الحي أحق‬
‫اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفّنوني فيها ‪ ،‬قلت ‪ :‬إ ّ‬
‫بالجديد من الميّت ‪.‬‬
‫وهذا كله يدل على رخص الكفن ‪.‬‬
‫المغالة في العبادة ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي أن يقتصد المسلم في طاعة اللّه ‪ ,‬وأن يكون وسطا بين الغلوّ والتّفريط في‬ ‫‪5‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إيّاكم‬


‫عبادة اللّه ‪ ,‬ول يكلّف نفسه بما ل يطيق ‪ ,‬ل ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لمّا بلغه خبر الثّلثة الّذين قال‬
‫والغلوّ في الدّين » ‪ ,‬ولنّ النّب ّ‬
‫أحدهم ‪ :‬إنّي ل أتزوّج النّساء ‪ ,‬وقال الثّاني ‪ :‬أصوم ول أفطر ‪ ,‬وقال الثّالث ‪ :‬أقوم ول‬
‫أنام ‪ ،‬خطب وقال ‪ « :‬ما بال أقوا ٍم يقولون كذا وكذا ‪ ،‬إنّي أصلّي وأنام ‪ ،‬وأصوم وأفطر ‪،‬‬
‫وأتزوّج النّساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنّتي فليس منّي » ‪.‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل عليها وعندها‬
‫وعن عائشة رضي اللّه عنها ‪ « :‬أ ّ‬
‫امرأة ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذه ؟ قالت ‪ :‬فلنة تذكر من صلتها ‪ ،‬قال ‪ :‬مه عليكم بما تطيقون ‪،‬‬
‫فواللّه ل َي َم ّل اللّه حتّى تملوا ‪ ،‬وكان أحب الدّين إليه ما دام صاحبه عليه » ‪ ،‬فالفضل‬
‫للنسان أن ل يجهد نفسه بالطّاعة وكثرة العمل ‪ ,‬وأن ل يغلو في الدّين فإنّه إذا فعل هذا‬
‫ل مستمرا عليه أفضل ‪.‬‬
‫ملّ ‪ ,‬ث ّم ترك ‪ ,‬وكونه يبقى على العمل ولو قلي ً‬

‫مَ ْغرُور *‬
‫انظر ‪ :‬غرر ‪.‬‬

‫مغَ ْلصَمة *‬
‫انظر ‪ :‬ذبائح ‪.‬‬

‫مُفَاخَذَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفاخذة في اللغة ‪ :‬مفاعلة ‪ ،‬يقال ‪ :‬فاخذ المرأة مفاخذةً ‪ :‬إذا جلس بين فخذيها أو‬ ‫‪1‬‬

‫فوقهما كجلوس المجامع ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمفاخذة ‪:‬‬
‫مفاخذة الزّوجة وغيرها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ مفاخذة الرّجل زوجته في غير الحرام أو الحيض والنّفاس حلل‬ ‫‪2‬‬

‫بحائل أو بغير حائلٍ ‪.‬‬


‫أما مفاخذة غير الزّوجة من المرأة الجنبيّة ونحوها فحرام ‪.‬‬
‫وما بعدها ‪ ,‬فخذ ف ‪. ) 3‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬أجنبي ف‬
‫المفاخذة في الحجّ ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه تحرم المفاخذة في الحجّ بشروط هي ‪:‬‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪3‬‬

‫أن يكون الشّخص عامدا ‪ ,‬عالما بالحكم ‪ ,‬وأن تكون المفاخذة بشهوة وبل حائلٍ ‪ ,‬ولو كان‬
‫بعد التّحلل الوّل ‪ ,‬أنزل أو لم ينزل ‪.‬‬
‫وأمّا الموجب فإن كانت المفاخذة قبل التّحلل الوّل في الحجّ وقبل الحلق في العمرة ففيها‬
‫الفدية ‪ ,‬ول يفسد النسك بها مطلقا وإن أنزل ‪ ,‬ومتى انتفى شرط من ذلك فل حرمة ول‬
‫فدية ‪.‬‬
‫وأمّا جمهور الفقهاء فلم ينصوا على المفاخذة إل أنّهم قالوا ‪ :‬يجب على المحرم أن يتجنّب‬
‫مقدّمات الجماع ودواعيه من التّقبيل ‪ ,‬واللّمس بشهوة ‪ ,‬والمباشرة ‪.‬‬
‫أثر المفاخذة في الصّوم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ المفاخذة في نهار رمضان تبطل صوم الصّائم إن أنزل وعليه‬ ‫‪4‬‬

‫القضاء ‪ ,‬ول تبطل الصّوم إذا لم ينزل ‪.‬‬


‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل تجب الكفّارة بالمباشرة فيما دون الفرج ‪ ,‬من مفاخذةٍ‬
‫ع‪.‬‬
‫وغيرها ‪ ,‬في نهار رمضان إذا أنزل ‪ ,‬لنّه أفطر بغير جما ٍ‬
‫ي بمباشرة أو غيرها ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬تجب الكفّارة في رمضان على من أفطر بإخراج من ّ‬
‫حكم المفاخذة بالنّسبة للمصاهرة ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أثر المفاخذة في المصاهرة ‪ ,‬فقال النّووي ‪ :‬في ثبوت المصاهرة‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪5‬‬

‫بالمفاخذة وتحريم الرّبيبة قولن ‪:‬‬


‫أحدهما ‪ :‬نعم ‪ ,‬وهو الظهر عند البغويّ والروياني ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬ل ‪ ,‬وهو الظهر عند ابن أبي هريرة وابن القطّان وغيرهم ‪ ,‬قال ‪ :‬والقولن فيما‬
‫إذا جرى ذلك بشهوة ‪ ,‬فأمّا بغير شهوةٍ فل أثر له على المذهب ‪ ,‬وبه قطع الجمهور ‪.‬‬
‫أثر المفاخذة في حدّ الزّنا ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه ل ح ّد بمفاخذةٍ ونحوها من مقدّمات الجماع ممّا ل إيلج فيه‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪6‬‬

‫كسحاق ‪ ,‬بل يعزّران ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تعزير ف‬

‫مُفَارَقة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفارقة في اللغة ‪ :‬مصدر الفعل فارق ومادّته ‪ :‬فرّق ‪ ,‬يقال ‪ :‬فرّق بين الشّيئين فرقا‬ ‫‪1‬‬

‫وفرقانا ‪ :‬إذا فصل وميّز أحدهما عن الخر وفارقه مفارقةً وفرقا ‪ :‬باعده ‪ ,‬وتفارق القوم ‪:‬‬
‫فارق بعضهم بعضا ‪ ,‬وفارق فلن امرأته مفارقةً ‪ :‬باينها ‪ ,‬والتّفرق والفتراق سواء ‪,‬‬
‫وفي الحديث ‪ « :‬البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا » ‪.‬‬
‫والفراق ‪ :‬الفرقة وأكثر ما تكون بالبدان ‪ ,‬ويكون بالقوال مجازا ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المتاركة ‪:‬‬
‫‪ -‬المتاركة في اللغة ‪ :‬يقال ‪ :‬ترك الشّيء ‪ :‬خله ‪ ,‬وتركت الشّيء ‪ :‬خلّيته ‪ ,‬وتاركته‬ ‫‪2‬‬

‫البيع متارك ًة أي صالحته على تركه ‪ ,‬وتركت الرّجل ‪ :‬فارقت ثمّ استعير للسقاط في‬
‫المعاني فقيل ‪ :‬ترك حقّه إذا أسقطه ‪ ,‬وترك ركعةً من الصّلة ‪ :‬إذا لم يأت بها ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمتاركة أعم من المفارقة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المجاوزة ‪:‬‬
‫‪ -‬المجاوزة في اللغة ‪ :‬يقال جاوزت الموضع جوازا ومجاوزةً بمعنى جزته ‪ ,‬وجاوزت‬ ‫‪3‬‬

‫الشّيء إلى غيره وتجاوزته تعدّيته ‪ ,‬وتجاوزت عن المسيء ‪ :‬عفوت عنه ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫والمجاوزة أعم من المفارقة ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمفارقة ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمفارقة أحكام منها ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬المفارقة في العبادات ‪:‬‬
‫المفارقة في صلة الجماعة ‪:‬‬
‫المراد بالمفارقة في صلة الجماعة ترك أحد المصلّين صلة الجماعة ‪ ,‬وهذه المفارقة قد‬
‫تكون ممتنعةً ‪ ,‬وقد تكون جائزةً ‪ ,‬وقد تكون واجبةً ‪ ,‬وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫امتناع مفارقة المأموم صلة الجماعة بدون عذرٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في القديم إلى أنّه ل يجوز أن يفارق‬ ‫‪4‬‬

‫المقتدي إمامه بدون عذرٍ فل ينتقل من في جماع ٍة إلى النفراد ‪ ,‬لنّ المأموميّة تلزم‬
‫بالشروع ‪ ,‬وإن لم تجب ابتدا ًء كما يقول المالكيّة ‪ ,‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫إنّما جعل المام ليؤتمّ به فل تختلفوا عليه » ‪ ,‬ولنّه ترك متابعة إمامه وانتقل من العلى‬
‫للدنى بغير عذ ٍر أشبه ما لو نقلها إلى النّفل ‪.‬‬
‫وإذا انتقل المأموم من الجماعة إلى النفراد بدون عذ ٍر بطلت صلته عند الحنفيّة والمالكيّة‬
‫وفي أصحّ الرّوايتين عند الحنابلة وفي القول القديم للشّافعيّة ‪ ,‬لنّه من ترك المتابعة بغير‬
‫عذرٍ أشبه ما لو تركها من غير نيّة المفارقة ‪.‬‬
‫ولنّه كما يقول الشّافعيّة في القديم التزم القدوة في كلّ صلته وفيه إبطال العمل ‪ ,‬وقد قال‬
‫عمَا َلكُمْ } ‪.‬‬
‫اللّه تعالى ‪ { :‬وََل تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬
‫والمذهب عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة أنّ الصّلة صحيحة لكن مع الكراهة‬
‫عند الشّافعيّة ‪ -‬أي كراهة المفارقة ‪ , -‬واستدلّ الشّافعيّة على صحّة صلة المأموم مع‬
‫ن صلة الجماعة إمّا سنّة على قولٍ والسنن ل تلزم بالشروع إل في الحجّ‬
‫المفارقة بأ ّ‬
‫والعمرة ‪ ,‬وإمّا فرض كفايةٍ على الصّحيح فكذلك إل في الجهاد وصلة الجنازة والحجّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم في ذات الرّقاع ‪ ,‬وعلّل‬
‫ن الفرقة الولى فارقت النّب ّ‬
‫والعمرة ‪ ,‬ول ّ‬
‫ن المنفرد لو نوى كونه مأموما لصحّ في روايةٍ‬
‫صحّة ‪ -‬كما قال ابن قدامة ‪ -‬بأ ّ‬
‫الحنابلة ال ّ‬
‫‪ .‬فنيّة النفراد أولى ‪ ,‬فإنّ المأموم قد يصير منفردا بغير ن ّيةٍ وهو المسبوق إذا سلّم إمامه‬
‫‪ ,‬وغيره ل يصير مأموما بغير ن ّيةٍ بحال ‪.‬‬
‫جواز مفارقة المأموم صلة الجماعة بعذر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه يجوز للمأموم أن‬ ‫‪5‬‬

‫يفارق صلة الجماعة وينوي النفراد إذا كان ذلك لعذر ‪ ,‬ولم يجز الحنفيّة المفارقة مطلقا‬
‫ولو بعذر ‪.‬‬
‫واستدلّ القائلون بجواز المفارقة بما رواه جابر رضي ال عنه قال ‪ « :‬كان معاذ بن جبلٍ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم العشاء ثمّ يرجع إلى قومه بني سلمة فيصلّيها بهم ‪،‬‬
‫يصلّي مع النّب ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أخّر العشاء ذات ليلةٍ فصلها معاذ معه ثمّ رجع فأمّ‬
‫وأ ّ‬
‫قومه ‪ ،‬فافتتح بسورة البقرة فتنحّى رجل من خلفه فصلّى وحده فلمّا انصرف قالوا ‪ :‬نافقت‬
‫يا فلن ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما نافقت ولكنّي آتي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فأتى النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اللّه إنّك أخّرت العشاء البارحة وإنّ معاذا صلها‬
‫معك ثمّ رجع فأمّنا فافتتح سورة البقرة فتنحّيت فصلّيت وحدي وإنّما نحن أهل نواضح‬
‫نعمل بأيدينا ‪ ،‬فالتفت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى معا ٍذ فقال ‪ :‬أفتّان أنت يا معاذ ؟‬
‫أفتّان أنت ؟ اقرأ بسبّح اسم ربّك العلى ‪ ،‬والسّماء والطّارق ‪ ،‬والسّماء ذات البروج ‪،‬‬
‫والشّمس وضحاها ‪ ،‬واللّيل إذا يغشى ونحوها » ‪ ,‬ولم يأمر النّبي صلى ال عليه وسلم‬
‫الرّجل بالعادة ول أنكر عليه فعله ‪.‬‬
‫غير أنّهم اختلفوا في العذار الّتي تجوز معها المفارقة ‪ ,‬فمن العذار الّتي تجيز مفارقة‬
‫المام تطويل المام في الصّلة طولً ل يصبر معه المأموم لضعف أو شغلٍ ففي هذه الحالة‬
‫يجوز للمأموم أن يفارق المام وينوي النفراد ويتمّ صلته منفردا لما سبق في قصّة معاذٍ‬
‫رضي اللّه تعالى عنه ‪.‬‬
‫وهذا العذر متّفق عليه بين المالكيّة والحنابلة وفي الصّحيح عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫وزاد الشّافعيّة من العذار الّتي يجوز للمأموم أن يفارق إمامه في الصّلة أن يترك المام‬
‫س ّن ًة مقصودةً كالتّشهد الوّل أو القنوت فله فراقه ليأتي بتلك السنّة ‪.‬‬
‫واعتبر إمام الحرمين أنّ العذار الّتي يجوز معها ترك الجماعة ابتدا ًء تجوز معها المفارقة‬
‫أثناء الصّلة ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬من أحرم مأموما ثمّ نوى النفراد لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمامٍ‬
‫س أو غلبة شي ٍء يفسد صلته كمدافعة أحد الخبثين أو خوفٍ على‬
‫وكمرض وكغلبة نعا ٍ‬
‫أه ٍل أو مالٍ أو خوف فوت رفقةٍ أو خرج من الصّفّ مغلوبا لشدّة زحامٍ ولم يجد من يقف‬
‫ح انفراده فيتم صلته منفردا لحديث جابرٍ رضي اللّه تعالى‬
‫معه ونحو ذلك من العذار ص ّ‬
‫عنه في قصّة معاذٍ رضي اللّه تعالى عنه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد‬
‫من فارق لتدارك شي ٍء يخشى فواته أو غلبة نعاسٍ أو خوف ضر ٍر ونحوه بمفارقة إمامه‬
‫تعجيل لحوقه قبل فراغ إمامه من صلته ليحصل مقصوده من المفارقة فإن كان المام‬
‫يعجل ول يتميّز انفراده عنه بنوع تعجيلٍ لم يجز له النفراد لعدم الفائدة فيه ‪ ,‬وأمّا من‬
‫ن عذره خوف الفساد بالفَذّية وذلك ل‬
‫عذره الخروج من الصّفّ فله المفارقة مطلقا ل ّ‬
‫يتدارك بالسرعة ‪ ,‬وفصّل الحنابلة فيما إذا نوى المأموم المفارقة فقالوا ‪ :‬وإذا فارق‬
‫المأموم المام لعذر ممّا تقدّم في قيامٍ قبل قراءة المام الفاتحة قرأ المأموم لنفسه‬
‫لصيرورته منفردا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة المام ‪ ,‬وإن فارقه بعد قراءة‬
‫الفاتحة فله الركوع في الحال لنّ قراءة المام قراءة للمأموم ‪ ,‬وإن فارقه في أثناء‬
‫القراءة فإنّه يكمّل ما بقي من الفاتحة ‪.‬‬
‫وإن كان في صلة س ّر كظهر وعصرٍ ‪ ,‬أو في الخيرتين من العشاء مثلً وفارق المام‬
‫ن مقام اليقين ‪,‬‬
‫ن إمامه قرأ لم يقرأ ‪ ,‬أي لم تلزمه القراءة إقامةً للظّ ّ‬
‫لعذر بعد قيامه وظنّ أ ّ‬
‫قال البهوتي ‪ :‬الحتياط القراءة ‪.‬‬
‫وجوب المفارقة ‪:‬‬
‫من الحوال الّتي يجب فيها على المأموم مفارقة صلة الجماعة ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬انحراف المام عن القبلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا انحرف المام عن القبلة فإنّه يجب على المأموم‬ ‫‪6‬‬

‫مفارقته ويصلّي منفردا ‪.‬‬


‫ولو اجتهد اثنان في القبلة واتّفق اجتهادهما وصلّى أحدهما بالخر وتغيّر اجتهاد أحدهما‬
‫لزمه النحراف إلى الجهة الّتي تغيّر اجتهاده إليها لنّها ترجّحت في ظنّه فتعيّنت عليه وأتمّ‬
‫صلته وينوي المأموم الّذي ائتمّ بالخر مفارقة إمامه للعذر المانع له من اقتدائه به وهو‬
‫التّغير ‪.‬‬
‫ن القبلة غير الجهة الّتي يصلّي‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء المام أ ّ‬
‫إليها المام ل يمكنه إصلح صلته لنّه إذا استدار خالف إمامه في الجهة قصدا وهو يفسد‬
‫وإل كان متما صلته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسد أيضا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تلبس المام بما يبطل صلته ‪:‬‬
‫‪ -‬لو رأى المأموم في أثناء الصّلة المام متلبّسا بما يبطل الصّلة كأن رأى على ثوبه‬ ‫‪7‬‬

‫أو بدنه نجاسةً أو تبيّن أنّ المام محدث أو جنب فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم‬
‫صلته منفردا بانيا على ما صلّى مع المام ‪ ,‬وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة في الجملة ‪.‬‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬إن علم المأموم حدث إمامه في الصّلة ولم يستمرّ معه بل فارقه وصلّى‬
‫لنفسه منفردا أو مستخلفا فتصح للمأمومين ‪ ,‬ومفهومه أنّه لو علم بحدث إمامه في‬
‫الصّلة واستمرّ معه بطلت عليهم ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬لو رأى المأموم نجاسةً على إمامه وأراه إيّاها فورا واستخلف المام من حين ذلك‬
‫فتبطل صلة المام دون المأمومين واختار ابن ناجي البطلن للجميع ‪ ,‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إن‬
‫استم ّر المأموم في هذه الحالة على المتابعة لحظةً أو لم ينو المفارقة بطلت صلته بالتّفاق‬
‫‪ -‬أي اتّفاق فقهاء الشّافعيّة ‪ -‬لنّه صلّى بعض صلته خلف محدثٍ مع علمه بحدثه ‪,‬‬
‫وممّن صرّح ببطلن صلته إذا لم ينو المفارقة ولم يتابعه في الفعال الشّيخ أبو حامدٍ‬
‫والقاضي أبو الطّيّب في تعليقهما والمحاملي وخلئق من كبار الصحاب ‪ ,‬وسواء كان‬
‫المام عالما بحدث نفسه أم ل ‪ ,‬لنّه ل تفريط من المأموم في الحالين ‪ ,‬وهذا هو المذهب‬
‫وبه قطع الجمهور كما قال النّووي ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة أيضا ‪ :‬لو كان المأموم قارئا وكان المام أمّيا ‪ ,‬أو كان المام قد قام إلى‬
‫ركعةٍ خامسةٍ أو أتى المام بمنافٍ غير ذلك فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم صلته‬
‫منفردا بانيا على ما صلّى مع المام ‪.‬‬
‫ن التّنحنح إن ظهر منه حرفان يبطل الصّلة ‪ ,‬واختلفوا فيما لو‬
‫والصح عند الشّافعيّة أ ّ‬
‫تنحنح المام فبان منه حرفان هل يجب على المأموم مفارقته أم ل ؟ فالمذهب أنّه ل يفارقه‬
‫ن الظّاهر تحرز المام عن المبطل والصل بقاء العبادة ‪ ,‬لكن قال‬
‫ل على العذر ‪ ,‬ل ّ‬
‫حم ً‬
‫السبكي ‪ :‬إن دلّت قرينة حال المام على خلف ذلك وجبت المفارقة ‪ ,‬ولو لحن المام في‬
‫الفاتحة لحنا يغيّر المعنى وجبت مفارقته ‪ ,‬كما لو ترك واجبا ‪ ,‬ولكن هل يفارقه في الحال‬
‫أو حتّى يركع لجواز أنّه لحن ساهيا ‪ ,‬وقد يتذكّر فيعيد الفاتحة ؟ القرب الوّل ‪ -‬أي‬
‫المفارقة في الحال ‪ -‬لنّه ل يجوز متابعته في فعل السّهو كما قال الزّركشي وقال الخطيب‬
‫الشّربيني ‪ :‬بل القرب الثّاني ‪ -‬أي ل يفارقه حتّى يركع ‪ -‬لنّ إمامه لو سجد قبل ركوعه‬
‫لم تجب مفارقته في الحال ‪.‬‬
‫ول تصح الصّلة وراء السّكران لنّه محدث ‪ ,‬قال الشّافعي والصحاب ‪ :‬فإن شرب الخمر‬
‫وغسل فاه وما أصابه وصلّى قبل أن يسكر صحّت صلته والقتداء به ‪ ,‬فلو سكر في أثناء‬
‫الصّلة بطلت صلته ويجب على المأموم مفارقته ويبني على صلته ‪ ,‬فإن لم يفارقه وتابع‬
‫معه بطلت صلته ‪.‬‬
‫وقال ابن عقي ٍل من الحنابلة ‪ :‬إن عجز المام عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلة صحّت‬
‫صلة المّيّ خلفه لمساواته له ‪ ,‬أمّا القارئ فإنّه يفارق المام للعذر ويتم لنفسه لنّه ل‬
‫ي ‪ ,‬ولكن قال الموفّق ‪ :‬الصّحيح أنّه إذا لم يقدر على قراءة‬
‫يصح ائتمام القارئ بالمّ ّ‬
‫ح صلته لعموم قوله ‪ :‬صلى‬
‫الفاتحة تفسد صلته لنّه قادر على الصّلة بقراءتها فلم تص ّ‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ‪ ,‬وإن استخلف المام الّذي عجز‬
‫عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلة من يتم بهم صلتهم وصلّى معهم جاز ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا قام المام لركعة زائد ٍة ونبّهه المأمومون فلم يرجع وجبت مفارقته‬
‫وبطلت صلته لتعمده ترك ما وجب عليه ‪ ,‬ويسلّم المأموم المفارق لمامه بعد قيامه لزائدة‬
‫وتنبيهه وإبائه الرجوع وذلك إذا أتمّ التّشهد الخير ‪.‬‬
‫أمّا إن ترك المام التّشهد الوّل مع الجلوس له وقام لزم رجوعه إذا لم يستتمّ قائما ‪ ,‬فإن‬
‫استتمّ قائما كره رجوعه ‪ ,‬ويحرم رجوعه إن شرع في القراءة أمّا المأموم فالمتّجه أن‬
‫يفارق إمامه ويتمّ صلته لنفسه ويسلّم على قو ٍل ‪ ,‬والمنصوص أنّ المأموم إذا سبّح‬
‫لمامه قبل أن يعتدل فلم يرجع تشهّد لنفسه وتبعه ‪.‬‬
‫ف من صفوفها سواء كان وراء المام أو‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل تبطل صلة الجماعة بقطع ص ّ‬
‫عن يمينه لكن لو كان الصّف الّذي انقطع عن يسار المام و َبعُد بقدر مقام ثلثة رجالٍ‬
‫فتبطل صلة هذا الصّفّ المنقطع وهذا ما لم تنو الطّائفة المنقطعة مفارقة المام ‪ ,‬فإن نوت‬
‫مفارقته صحّت صلتها ‪.‬‬
‫المفارقة في صلة الجمعة ‪:‬‬
‫‪ -‬أجاز الشّافعيّة والحنابلة للمأموم أن يفارق الجماعة في الرّكعة الثّانية من صلة‬ ‫‪8‬‬

‫الجمعة ‪.‬‬
‫جاء في مغني المحتاج ‪ :‬ل يجوز قطع الجماعة في الرّكعة الولى من صلة الجمعة ‪ ,‬لنّ‬
‫الجماعة في الرّكعة الولى منها شرط وأمّا في الرّكعة الثّانية فليست بشرط فيها خلفا لما‬
‫في الكفاية من عدم الجواز ‪ ,‬ولو تعطّلت الجماعة بخروجه وقلنا بأنّها فرض كفايةٍ فينبغي‬
‫كما قاله بعض المتأخّرين عدم الخروج منها ‪ ,‬لنّ فرض الكفاية إذا انحصر في شخصٍ‬
‫تعيّن عليه ‪.‬‬
‫وفي المجموع ‪ :‬إذا صلّى المأموم ركع ًة من صلة الجمعة ثمّ فارق إمامه بعذر أو بغيره‬
‫وقلنا ل تبطل صلته بالمفارقة أتمّها جمعةً كما لو أحدث المام وهذا ل خلف فيه ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن فارق المأموم الجماعة لعذر في الرّكعة الثّانية من صلة الجمعة وقد‬
‫ن الجمعة تدرك بركعة ‪ ,‬وقد أدركها مع‬
‫أدرك الرّكعة الولى مع المام فإنّه يتمها جمعةً ‪ ,‬ل ّ‬
‫المام ‪ ,‬فإن فارقه في الرّكعة الولى من الجمعة فكمزحوم فيها حتّى تفوته ركعتان فيتمّها‬
‫ل ثمّ يصلّي الظهر ‪.‬‬
‫نف ً‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يجوز النفراد في صلة الجمعة لنّ الجماعة شرط فيها ‪.‬‬
‫شرط مفارقة البنيان في قصر صلة المسافر ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز للمسافر قصر الصّلة الرباعيّة ‪ ,‬لكن يشترط للتّرخص برخصة القصر أن يفارق‬ ‫‪9‬‬

‫المسافر محلّ إقامته ويتحقّق ذلك بمفارقته بيوت المكان الّذي يخرج منه وتوابع البيوت‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫وذلك لما روى أنس رضي ال تعالى عنه قال ‪ « :‬صلّيت مع رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصلّيت معه العصر بذي الحليفة ركعتين » ‪ ,‬وروي عن عليّ‬
‫رضي ال عنه أنّه لمّا خرج إلى البصرة رأى خصا أمامه فقال ‪ :‬لول هذا الخص لصلّينا‬
‫ركعتين ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬صلة المسافر ف‬
‫المفارقة في صلة الخوف ‪:‬‬
‫ن المام يفرّق الجيش فرقتين ‪ ,‬فرقة تجعل في مواجهة‬
‫‪ -‬من صور صلة الخوف أ ّ‬ ‫‪10‬‬

‫العدوّ ‪ ,‬ويصلّي المام بالفرقة الثّانية من الجيش فإذا قام المام إلى الرّكعة الثّانية في‬
‫الثنائيّة وإلى الرّكعة الثّالثة في الثلثيّة أو الرباعيّة فارقه المأمومون ول يتابعونه بل‬
‫يتمون الصّلة لنفسهم ثمّ يذهبون إلى وجه العدوّ وتأتي الفرقة الحارسة فيصلّي بهم المام‬
‫ما بقي من صلته فإذا جلس للتّشهد قاموا وأتموا صلتهم والمام ينتظرهم ليسلّم بهم ‪.‬‬
‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬صلة الخوف ف ‪. ) 6‬‬
‫شرط مفارقة البنيان في فطر المسافر ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ المسافر الّذي يريد التّرخص برخصة الفطر في رمضان ل‬ ‫‪11‬‬

‫يجوز له الفطر إل بعد مفارقة عمران البلد الّذي يسافر منه ‪.‬‬
‫كما اتّفقوا على أنّه لو سافر وفارق عمران البلد قبل الفجر جاز له الفطر في هذا اليوم ‪.‬‬
‫ولكنّهم اختلفوا فيما لو سافر وفارق عمران البلد بعد الفجر هل يجوز له الفطر في ذلك‬
‫اليوم أم ل ؟‬
‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو مذهب الشّافعيّ المعروف من نصوصه كما قال النّووي وهو‬
‫رواية عن المام أحمد إلى أنّ من سافر وفارق العمران بعد طلوع الفجر ل يجوز له الفطر‬
‫ي لنّ الصّوم عبادة‬
‫في ذلك اليوم ‪ ,‬وهو قول مكحولٍ والزهريّ ويحيى النصاريّ والوزاع ّ‬
‫تختلف بالسّفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر ويعتبر في هذا اليوم مقيما‬
‫فلزمه الصّوم فل يبطله باختباره ولذلك لو جامع فيه فعليه القضاء والكفّارة ‪.‬‬
‫والرّواية الثّانية عن المام أحمد أنّ له أن يفطر في ذلك اليوم وهو قول عمرو بن شرحبيل‬
‫والشّعبيّ وإسحاق وابن المنذر لما روى عبيد بن جبي ٍر قال ‪ :‬كنت مع أبي بصرة الغفاريّ‬
‫صاحب النّبيّ صلى ال عليه وسلم في سفينةٍ من الفسطاط في رمضان فرفع ثمّ قرّب غداه‬
‫قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتّى دعا بالسفرة ثمّ قال ‪ :‬اقترب ‪ ،‬قلت ‪ :‬ألست‬
‫ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ ‪ -‬قال‬
‫جعفر في حديثه ‪ -‬فأكل ‪.‬‬
‫ل واستم ّر في النّهار لباح الفطر فإذا وجد في أثنائه أباحه ‪.‬‬
‫ى لو وجد لي ً‬
‫ن السّفر معن ً‬
‫ول ّ‬
‫ثانيا ‪ :‬المفارقة في العقود ‪:‬‬
‫أثر المفارقة في لزوم العقد ‪:‬‬
‫لمفارقة المتعاقدين أثر في لزوم بعض العقود ومن ذلك ‪:‬‬
‫مفارقة المتبايعين مجلس العقد ‪:‬‬
‫‪ -‬من أسباب لزوم البيع بعد انعقاده باليجاب والقبول أحد أمرين ‪ :‬إمّا التّخاير ‪ ,‬وهو‬ ‫‪12‬‬

‫أن يخيّر أحد المتبايعين صاحبه في إمضاء العقد أو إبطاله ‪ ,‬وأمّا مفارقة المتبايعين أو‬
‫أحدهما مجلس العقد ‪ ,‬وكلمنا هنا في المفارقة إذا لم يوجد التّخاير ‪ ,‬فمفارقة المتبايعين‬
‫ن عقد البيع يكون جائزا ويثبت‬
‫مجلس العقد من أسباب لزوم العقد ‪ ,‬أمّا قبل المفارقة فإ ّ‬
‫لكلّ واحدٍ من المتبايعين الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس ولم يفترقا وهذا ما‬
‫ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة ويسمّى الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس ‪ :‬خيار‬
‫المجلس ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬يقع البيع جائزا ‪ ,‬ولكلّ من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما داما‬
‫مجتمعين لم يتفرّقا ‪ ,‬وهو قول أكثر أهل العلم ‪ ,‬يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن‬
‫عبّاسٍ وأبي هريرة وأبي برزة رضي ال عنهم ‪ ,‬وبه قال سعيد بن المسيّب وشريح‬
‫والشّعبي وعطاء وطاوس والزهري والوزاعي وابن أبي ذئبٍ والشّافعي وإسحاق وأبو‬
‫عبي ٍد وأبو ثو ٍر واستد ّل الشّافعيّة والحنابلة بما رواه ابن عمر رضي ال تعالى عنهما عن‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا تبايع الرّجلن فكل واحدٍ منهما بالخيار ما‬
‫لم يتفرّقا وكانا جميعا أو يخيّر أحدهما الخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ‪ ،‬وإن تفرّقا‬
‫بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع » ‪.‬‬
‫حكم مفارقة المتبايعين ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الشّافعيّة والحنابلة في حكم مفارقة المتبايعين أو أحدهما مجلس العقد وسبب‬ ‫‪13‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬


‫ب عن أبيه عن جدّه أ ّ‬
‫اختلفهما هو ما رواه عمرو بن شعي ٍ‬
‫قال ‪ « :‬البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ‪ ،‬إل أن تكون صفقة خيارٍ ‪ ،‬ول يحل له أن يفارق‬
‫صاحبه خشية أن يستقيله » ‪.‬‬
‫فقال الشّافعيّة ‪ :‬المفارقة جائزة لكلّ واح ٍد من المتعاقدين ‪ ,‬والحل الوارد في الحديث‬
‫محمول على الباحة المستوية الطّرفين ‪.‬‬
‫وما ذهب إليه الشّافعيّة هو رواية عن المام أحمد ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬ذكر القاضي أنّ ظاهر‬
‫كلم أحمد جواز مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه ودليل هذه الرّواية ما ورد عن ابن عمر‬
‫رضي ال تعالى عنهما أنّه كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه ‪.‬‬
‫أمّا الرّواية الثّانية عن المام أحمد فقد قال ابن قدامة ‪ :‬ظاهر حديث عمرو بن شعيبٍ‬
‫تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشيةً من فسخ البيع ‪ ,‬قال ‪ :‬وهذا ظاهر كلم أحمد‬
‫في رواية الثرم ‪ ,‬فإنّه ذكر له فعل ابن عمر ‪ ,‬وحديث عمرو بن شعيبٍ فقال ‪ :‬هذا الن‬
‫قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬وهنا اختيار أبي بكرٍ ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬وهذه الرّواية‬
‫ن قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقدّم على فعل ابن عمر رضي ال تعالى‬
‫هي الصح ‪ ,‬ل ّ‬
‫عنهما ‪ ,‬والظّاهر أنّ ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه ‪.‬‬
‫كيفيّة المفارقة الّتي يلزم بها البيع ‪:‬‬
‫‪ -‬المفارقة الّتي يلزم بها البيع هي المفارقة بالبدان ل بالقوال وتختلف المفارقة‬ ‫‪14‬‬

‫باختلف مكان العقد ويعتبر في ذلك العرف ‪ ,‬فما يعده النّاس تفرقا يلزم به العقد وما ل فل‬
‫ن ما ليس له حد شرعا ول لغةً يرجع فيه إلى العرف فإن كانا في دارٍ كبيرةٍ فبالخروج‬
‫لّ‬
‫من البيت إلى الصّحن أو من الصّحن إلى الصفّة أو البيت ‪ ,‬وإن كانا في سوقٍ أو صحراء‬
‫ت متفاحش السّعة فبأن يولّي أحدهما الخر ظهره ويمشي قليلً ‪.‬‬
‫أو في بي ٍ‬
‫قال الشّربيني الخطيب ولو لم يبعد عن سماع خطابه ‪ ,‬وقال البهوتي ‪ :‬ولو لم يبعد عنه‬
‫بحيث ل يسمع كلمه في العادة خلفا للقناع ‪.‬‬
‫وإن كانا في سفينةٍ أو دا ٍر صغيرةٍ أو مسج ٍد صغيرٍ فبخروج أحدهما منه أو صعوده السّطح‬
‫ق‪.‬‬
‫ول يحصل التّفرق بإقامة سترٍ ولو ببناء جدارٍ بينهما ‪ ,‬لنّ المجلس با ٍ‬
‫وقيل ل تكون المفارقة إل بأن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلّمه على العادة من غير رفع‬
‫الصّوت لم يسمع كلمه وهو ما ذهب إليه الصطخريّ والشّيرازي والقاضي أبو الطّيّب من‬
‫الشّافعيّة ‪ ,‬قال النّووي ‪ :‬والمذهب الوّل وبه قطع الجمهور ‪ -‬أي جمهور الشّافعيّة ‪-‬‬
‫ونقله المتولّي والروياني عن جميع الصحاب سوى الصطخريّ واستدلّ لذلك بما ورد عن‬
‫ابن عمر فقد قال نافع ‪ :‬كان ابن عمر إذا بايع رجلً فأراد أن ل يقيله قام فمشى هنيّة ثمّ‬
‫رجع إليه ‪.‬‬
‫وسئل المام أحمد عن تفرقة البدان فقال ‪ :‬إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا فقد تفرّقا ‪.‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬وحكى القاضي أبو الطّيّب والروياني وجها أنّه يكفي أن يولّيه ظهره ‪ ,‬ونقله‬
‫الروياني عن ظاهر النّصّ لكنّه مؤوّل ‪.‬‬
‫ولو فارق أحدهما مجلسه دون الخر لم ينقطع خيار الخر خلفا لبعض المتأخّرين ‪ ,‬وقال‬
‫البهوتي ‪ :‬وإذا فارق أحدهما صاحبه لزم البيع سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد‬
‫حاجةً أخرى لحديث ابن عمر السّابق ‪.‬‬
‫واختلف في الكراه على المفارقة هل يبطل به الخيار ويلزم البيع أم ل ؟ قال ابن قدامة ‪:‬‬
‫إن فارق أحدهما الخر مكرها احتمل بطلن الخيار لوجود غايته وهو التّفرق ‪ ,‬ولنّه ل‬
‫يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة والقاضي في الحنابلة ‪ :‬ل ينقطع الخيار ‪ ,‬لنّه حكم علّق على التّفرق فلم‬
‫يثبت مع الكراه ‪ ,‬فعلى قول من ل يرى انقطاع الخيار إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه‬
‫انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في‬
‫المجلس الّذي يزول عنه فيه الكراه حتّى يفارقه ‪ ,‬وإن أكرها جميعا على المفارقة انقطع‬
‫خيارهما ‪ ,‬لنّ كلّ واحدٍ منهما ينقطع خياره بفرقة الخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه‬
‫دونه ‪.‬‬
‫ومن صور الكراه ما لو تفرّقا مع فزعٍ من مخوفٍ كسبع أو ظال ٍم خشياه فهربا منه أو‬
‫ن فعل المكره‬
‫تفرّقا مع إلجا ٍء كتفرق بسيل أو نا ٍر أو نحوهما أو تفرّقا مع حملٍ لهما ل ّ‬
‫س زال فيه إكراه أو إلجاء ‪.‬‬
‫والملجأ كعدمه فيستمر خيارهما إلى أن يتفرّقا من مجل ٍ‬
‫وقال الشّافعيّة فيما نقله النّووي ‪ :‬لو هرب أحد العاقدين ولم يتبعه الخر فقد أطلق‬
‫الكثرون أنّه ينقطع خيارهما ‪ ,‬وجزم به الفوراني والمتولّي وصاحبا العدّة والبيان وغيرهم‬
‫‪ ,‬وقال البغويّ والرّافعي ‪ :‬إن لم يتبعه الخر مع التّمكن بطل خيارهما ‪ ,‬وإن لم يتمكّن بطل‬
‫خيار الهارب دون الخر ‪ ,‬قال النّووي ‪ :‬والصّحيح ما قدّمناه عن الكثرين ‪ ,‬لنّه متمكّن‬
‫من الفسخ بالقول ولنّه فارقه باختباره فأشبه إذا مشى على العادة ‪ ,‬فلو هرب وتبعه الخر‬
‫يدوم الخيار ما داما متقاربين ‪ ,‬فإن تباعدا بحيث يعد فرق ًة بطل اختيارهما ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن هرب أحد المتبايعين من صاحبه ‪ ,‬بطل خيارهما ولزم العقد لنّه فارقه‬
‫باختياره ول يقف لزوم العقد على رضاهما ‪.‬‬
‫وأمّا أثر المفارقة بالموت أو الجنون ونحوه ففي إبطال خيار المجلس به خلف ينظر‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬خيار المجلس ف‬
‫ولو تنازع العاقدان في التّفرق بأن جاءا معا وقال أحدهما ‪ :‬تفرّقنا ‪ ,‬وأنكر الخر صدّق‬
‫النّافي بيمينه ‪.‬‬
‫ولو اتّفقا على حصول التّفرق وتنازعا في الفسخ قبل التّفرق فقال أحدهما فسخت البيع قبل‬
‫ن الصل دوام الجتماع وعدم الفسخ ولو اتّفقا‬
‫التّفرق وأنكر الخر صدق النّافي بيمينه ل ّ‬
‫على عدم التّفرق وادّعى أحدهما الفسخ فدعواه الفسخ فسخ ‪.‬‬
‫وما سبق من اعتبار المفارقة إنّما هو فيما إذا تولّى عقد البيع طرفان أمّا إذا تولّى العقد‬
‫شخص واحد كالب يبيع ماله لولده أو يبيع مال ولده لنفسه فهل ل ب ّد من ثبوت الخيار‬
‫واعتبار المفارقة سببا للزوم العقد أم ل ؟‬
‫للشّافعيّة والحنابلة في ذلك رأيان الوّل ‪ :‬ثبوت الخيار قال النّووي ‪ :‬أصحهما ثبوته فعلى‬
‫هذا يثبت خيار للولد وخيار للب ويكون الب نائب الولد ‪ ,‬فإن ألزم البيع لنفسه وللولد‬
‫لزم ‪ ,‬وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد فإذا فارق المجلس لزم العقد على الصحّ من‬
‫ي وهذا قول أبي إسحاق المروزيّ وهو المذهب ‪.‬‬
‫الوجهين عند الشّافعيّة ‪ ,‬قال الماورد ّ‬
‫والرّأي الثّاني وهو الصّحيح من المذهب عند الحنابلة ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة ‪ :‬ل‬
‫يلزم ‪ -‬أي البيع ‪ -‬إل باللزام ‪ ,‬لنّه ل يفارق نفسه وإن فارق المجلس ‪ ,‬قال الماورديّ ‪:‬‬
‫وهذا قول جمهور أصحابنا ‪ ,‬قال ‪ :‬وعلى هذا ل ينقطع الخيار إل بأن يختار الب لنفسه‬
‫وللولد ‪ ,‬فإن لم يختر ثبت الخيار للولد إذا بلغ ‪.‬‬
‫وقال البغويّ ‪ :‬ولو كان العقد بينه وبين ولده صرفا ففارق المجلس قبل القبض بطل العقد‬
‫على الوجه الوّل ول يبطل على الثّاني إل بالتّخاير ‪.‬‬
‫اعتبار المفارقة في العقود الخرى ‪:‬‬
‫‪ -‬كما تعتبر مفارقة مجلس العقد سببا للزوم البيع فإنّها تعتبر سببا للزوم بعض العقود‬ ‫‪15‬‬

‫الخرى الّتي يثبت فيها خيار المجلس وهي عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬الصّرف ‪ ,‬وبيع‬
‫ربوي من مكيلٍ وموزونٍ بجنسه كبرّ بب ّر ونحوه ‪ ,‬والسّلم ‪ ,‬وصلح المعاوضة ‪ ،‬وزاد‬
‫الشّافعيّة ‪ :‬التّولية ‪ ,‬والتّشريك ‪ ,‬وزاد الحنابلة الهبة الّتي فيها عوض معلوم ‪ ,‬والجارة ‪.‬‬
‫ن موضوع الخيار النّظر في الحظّ وهو موجود هنا ‪ ,‬وينظر تفصيل‬
‫وذلك لعموم الخيرة ول ّ‬
‫هذه العقود في مصطلحاتها ‪.‬‬
‫المفارقة في النّكاح ‪:‬‬
‫تقع المفارقة في النّكاح لسباب منها ‪:‬‬
‫أوّلً ‪ :‬الجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ ‪:‬‬
‫ت واحدٍ لقول اللّه‬
‫‪ -‬ل يجوز للمسلم الح ّر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ في وق ٍ‬ ‫‪16‬‬

‫ن ال ّنسَاء مَثْنَى وَثُلَثَ َورُبَاعَ } ‪ ,‬فإذا أسلم الكافر وتحته‬


‫ب َلكُم مّ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬فَان ِكحُواْ مَا طَا َ‬
‫ت أسلمن معه وجب عليه مفارقة ما زاد على الربع ‪ ,‬وهذا باتّفاق‬
‫أكثر من أربع زوجا ٍ‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫ن غيلن بن سلمة أسلم وعنده تسع‬
‫واستدلوا على ذلك بما رواه عبد اللّه بن عمر ‪ « :‬أ ّ‬
‫نسوةٍ فأمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يختار منهنّ أربعا » ‪.‬‬
‫ت ثمّ أسلم‬
‫وتختلف كيفيّة المفارقة بين من كان كافرا وكان في عصمته أكثر من أربع زوجا ٍ‬
‫وأسلمن معه ‪ ,‬وبين المسلم الّذي يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجاتٍ في وقتٍ واحدٍ‬
‫ت وأسلمن معه فقد ذهب المالكيّة‬
‫‪ .‬فمن كان كافرا وأسلم وفي عصمته أكثر من أربع زوجا ٍ‬
‫ن أو يختارهنّ ترتب‬
‫والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه ل يشترط فيمن يفارقه ّ‬
‫ن أو‬
‫عقودهنّ فسواء تزوّجهنّ في عق ٍد واحدٍ أو عقودٍ متفرّق ٍة وسواء كان من فارقه ّ‬
‫ن النّبيّ‬
‫اختارهنّ أوائل في العقد أو أواخر ‪ ,‬ووجه ذلك كما قال المام الشّافعي والقرافي أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أمر من أسلم على أكثر من أرب ٍع أن يفارق ما زاد على الربع وأطلق‬
‫الحكم ولم يستفصل عن كيفيّة نكاحهنّ ‪ ,‬وترك الستفصال في حكاية الحوال مع قيام‬
‫ن الحكم يعم الحالين لما أطلق ذلك ‪.‬‬
‫الحتمال منزّل منزلة العموم في المقال ولول أ ّ‬
‫وقد روى الشّافعي عن نوفل بن معاوية قال ‪ « :‬أسلمت وتحتي خمس نسوةٍ فسألت النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬فارق واحد ًة وأمسك أربعا ‪ ،‬فعمدت إلى أقدمهنّ عندي عاقرٍ‬
‫منذ ستّين سن ًة ففارقتها » ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ :‬لو تزوّج كافر بخمس نسوةٍ ثمّ أسلم ‪ ,‬فإن كان تزوّجهنّ في‬
‫ن في عقودٍ متفرّق ٍة صحّ نكاح‬
‫عقد ٍة واحدةٍ فرّق بينه وبينهنّ جميعا ‪ ,‬وإن كان تزوّجه ّ‬
‫الربع وبطل نكاح الخامسة ‪ ،‬لنّ الجمع محرّم على المسلم والكافر جميعا ‪ ،‬لنّ حرمته‬
‫ن‪.‬‬
‫ثبتت لمعنى معقولٍ وهو خوف الجور في إيفاء حقوقه ّ‬
‫وهذا المعنى ل يوجب الفصل بين المسلم والكافر إل أنّه ل يتعرّض لهل ال ّذمّة مع قيام‬
‫الحرمة ‪ ،‬لنّ ذلك ديانتهم وهو غير مستثنىً من عهودهم وقد نهينا عن التّعرض لهم عن‬
‫مثله بعد إعطاء ال ّذمّة وليس لنا التّعرض لهل الحرب فإذا أسلم فقد زال المانع ‪ ,‬فل يمكّن‬
‫من استيفاء الجمع بعد السلم بين أكثر من أربعٍ ‪ ,‬فإذا كان تزوّج الخمس في عقدةٍ واحدةٍ‬
‫ن بأولى من الخرى والجمع محرّم‬
‫ن جميعا إذ ليست إحداه ّ‬
‫فقد حصل نكاح كلّ واحدةٍ منه ّ‬
‫وقد زال المانع من التّعرض فل بدّ من العتراض بالتّفريق ‪ ,‬فأمّا إن كان تزوّجهنّ على‬
‫ن الحرّ يملك التّزوج بأربع‬
‫ن وقع صحيحا ل ّ‬
‫التّرتيب في عقودٍ متفرّقةٍ فنكاح الربع منه ّ‬
‫نسوةٍ مسلما كان أو كافرا ولم يصحّ نكاح الخامسة لحصوله جمعا فيفرّق بينهما بعد‬
‫السلم ‪.‬‬
‫وإذا تزوّج الحربي بأربع نسوةٍ ث ّم سُبي هو وسُبِين معه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرّق‬
‫بينه وبين الكلّ سواء تزوّجهنّ في عقد ٍة واحدةٍ أو في عقدٍ متفرّق ٍة ‪ ,‬لنّ نكاح الربع وقع‬
‫صحيحا ‪ ,‬لنّه كان حرا وقت النّكاح ‪ ,‬والحر يملك التّزوج بأربع نسوةٍ مسلما كان أو‬
‫كافرا إل أنّه تعذّر الستيفاء بعد السترقاق لحصول الجمع من العبد في حال البقاء بين‬
‫أكثر من اثنتين ‪ ,‬والعبد ل يملك الستيفاء فيقع جمعا بين الكلّ ففرّق بينه وبين الكلّ ول‬
‫يخيّر فيه كما إذا تزوّج رضيعتين فأرضعتهما امرأة بطل نكاحها ول يخيّر كذا هذا ‪ ,‬وعند‬
‫محمّدٍ يخيّر فيه فيختار اثنتين منهنّ كما يخيّر الحر في أربع نسوةٍ من نسائه ويفارق‬
‫الباقي ‪.‬‬
‫‪ -‬ويوضّح ابن قدامة صفة المفارقة فيقول ‪ :‬إن قال لمّا زاد على الربع فسخت نكاحهنّ‬ ‫‪17‬‬

‫ن كان اختيارا لها لنّ الطّلق ل يكون إل في زوجةٍ ‪,‬‬


‫كان اختيارا للربع ‪ ,‬وإن طلّق إحداه ّ‬
‫وإن قال ‪ :‬قد فارقت هؤلء أو اخترت فراق هؤلء ‪ ,‬فإن لم ينو الطّلق كان اختيارا‬
‫ن»‬
‫ن لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لغيلن ‪ « :‬اختر منهنّ أربعا وفارق سائره ّ‬
‫لغيره ّ‬
‫وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا فيه كما كان لفظ الطّلق صريحا فيه ‪ ,‬وكذا في‬
‫ن صحبةً ففارقتها » ‪ ,‬وهذا الموضع أخص‬
‫ي قال ‪ « :‬فعمدت إلى أقدمه ّ‬
‫حديث فيروز الدّيلم ّ‬
‫بهذا اللّفظ فيجب أن يتخصّص فيه بالفسخ ‪ ,‬وإن نوى به الطّلق كان اختيارا لهنّ دون‬
‫ن ‪ ,‬وذكر القاضي من الحنابلة فيه عند الطلق وجهين ‪:‬‬
‫غيره ّ‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّه يكون اختيارا للمفارقات ‪ ,‬لنّ لفظ الفراق صريح في الطّلق قال ابن قدامة ‪:‬‬
‫والولى ما ذكرناه ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجاتٍ قد دخل بهنّ فأسلمن معه‬
‫وكنّ ثمانيا فاختار أربعا منهنّ وفارق أربعا منهنّ لم يطأ واحدةً من المختارات حتّى‬
‫ن خمسا ففارق إحداهنّ فله‬
‫تنقضي عدّة المفارقات لئل يكون واطئا لكثر من أربعٍ ‪ ,‬فإن ك ّ‬
‫ث من المختارات ول يطأ الرّابعة حتّى تنقضي عدّة من فارقها ‪ ,‬فإن كنّ ستا‬
‫وطء ثل ٍ‬
‫ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات فإن كنّ سبعا ففارق ثلثا فله وطء واحدةٍ من‬
‫المختارات ول يطأ الباقيات حتّى تنقضي عدّة المفارقات فكلّما انقضت عدّة واحدةٍ من‬
‫المفارقات فله وطء واحدةٍ من المختارات ‪ ,‬وما سبق إنّما هو بالنّسبة للكافر الّذي أسلم‬
‫على أكثر من أربع نسوةٍ ‪.‬‬
‫ت واحدٍ فإنّ الحكم‬
‫أمّا المسلم الّذي يجمع بين أكثر من أربع نسوةٍ في عصمته في وق ٍ‬
‫ن بعقود متفرّق ٍة ‪.‬‬
‫يختلف بين ما إذا كان تزوّجهنّ بعقد واحدٍ وما إذا كان تزوّجه ّ‬
‫ن النّكاح‬
‫فإذا كان تزوّجهنّ بعقد واحدٍ فل ب ّد من مفارقة جميعهنّ وهذا باتّفاق الفقهاء ل ّ‬
‫يبطل في جميعهنّ ‪ ,‬إذ ليس إبطال نكاح واحدةٍ بأولى من الخرى فبطل الجميع ‪.‬‬
‫وكذلك الحكم لو كانت العقود متفرّقةً وجهل ترتيبها ولم يدر أيّ واحدةٍ هي الخامسة ‪ ,‬فأمّا‬
‫إن كانت العقود مترتّبةً فالخيرة هي الّتي يجب مفارقتها وهذا باتّفاق كذلك ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجمع بين من يحرم الجمع بينهنّ ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا جمع المسلم بين من يحرم عليه الجمع بينهنّ كما إذا عقد على أختين أو جمع‬ ‫‪18‬‬

‫بين امرأةٍ وعمّتها أو امرأةٍ وخالتها ‪ ,‬فإن كان في عقدٍ واحدٍ بطل نكاحهما وإن كانا في‬
‫عقدين بطل نكاح الثّانية ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬محرّمات النّكاح ف‬
‫ن كأختين وأسلمن معه فقد‬
‫أمّا من كان كافرا وأسلم وكان متزوّجا بمن يحرم الجمع بينه ّ‬
‫ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب عليه أن يختار واحدة‬
‫ويفارق الخرى وسواء أكان تزوجهما بعقد واحد أو بعقدين وسواء أكان دخل بهما أو‬
‫ي ‪ « :‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ,‬إني أسلمت‬
‫دخل بإحداهما وذلك لحديث فيروز الدّيلم ّ‬
‫وتحتي أختان فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬طلق أيتهما شئت » ‪.‬‬
‫ولن المبقاة يجوز له ابتداء نكاحها فجاز له استدامته كغيرها ‪ ,‬ولن أنكحة الكفار صحيحة‬
‫وإنما حرم الجمع وقد أزاله ‪ ,‬ول مهر للمفارقة منهما قبل الدخول ‪ ,‬وهكذا الحكم في‬
‫المرأة وعمتها أو خالتها لن المعنى في الجميع واحد ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬إن كان دخل بهما‬
‫واختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة المفارقة ‪.‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه أيضا محمد بن الحسن من الحنفية واستدل بحديث فيروز السابق ‪ ,‬قال‬
‫‪ :‬لقد خيره الرسول صلى ال عليه وسلم ولم يستفسر أن نكاحهن كان دفعة واحدة أو على‬
‫الترتيب ولو كان الحكم يختلف لستفسر فدل على أن حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقا ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ :‬إن كان تزوج الختين في عقدة واحدة فيجب عليه‬
‫مفارقتهما لن نكاح واحدة منهما جعل جمعا إذ ليست إحداهما بأولى من الخرى والسلم‬
‫يمنع من ذلك ول مانع من التفريق فيفرق ‪ ,‬وإن كان تزوجهما في عقدين فنكاح الولى‬
‫وقع صحيحا إذ ل مانع من الصحة وبطل نكاح الثانية لحصوله جمعا فل بد من التفريق‬
‫بعد السلم قال ‪ :‬والنبي صلى ال عليه وسلم قال لفيروز ‪ « :‬طلق أيتهما شئت » ومعلوم‬
‫أن الطلق إنما يكون في النكاح الصحيح فدل أن ذلك العقد وقع صحيحا في الصل فدل أنه‬
‫كان قبل تحريم الجمع ول كلم فيه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬السّلم بعد المفارقة ‪:‬‬
‫ن ثمّ فارقه‬
‫‪ -‬قال النّووي ‪ :‬البدء بالسّلم سنّة مؤكّدة ومن السنّة أنّ من سلّم على إنسا ٍ‬ ‫‪19‬‬

‫ب أو حال بينهم شيء ثمّ اجتمعا فالسنّة أن يسلّم عليه ‪ ,‬وهكذا لو تكرّر‬
‫ثمّ لقيه على قر ٍ‬
‫ذلك ثالثا ورابعا وأكثر سلّم عند كلّ لقاءٍ وإن قرب الزّمان ‪ ,‬قال ‪ :‬اتّفق عليه أصحابنا‬
‫لحديث أبي هريرة في قصّة المسيء صلته ‪ « :‬أنّه صلّى في جانب المسجد ثمّ جاء فسلّم‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فردّ عليه السّلم ثمّ قال ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ فرجع‬
‫على النّب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم حتّى فعل ذلك ثلث مرّاتٍ » ‪.‬‬
‫فصلّى ‪ ،‬ثمّ جاء فسلّم على النّب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا لقي‬
‫وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ‬
‫أحدكم أخاه فليسلّم ‪ ،‬عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثمّ لقيه فليسلّم عليه »‬
‫‪ .‬وعن أنسٍ رضي ال تعالى عنه قال ‪ « :‬كان أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫يتماشون ‪ ،‬فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرّقوا يمينا وشما ًل ثمّ التقوا من ورائها سلّم‬
‫بعضهم على بعضٍ » ‪.‬‬
‫ومن السنّة إذا قام شخص من المجلس وأراد فراق الجالسين أن يسلّم عليهم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫وتفصيل هذه المسألة في ‪ ( :‬مصطلح سلم ف‬
‫رابعا ‪ :‬مفارقة جماعة المسلمين ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه يجب طاعة المام العادل ويحرم الخروج عليه ‪ ,‬أمّا غير‬ ‫‪20‬‬

‫العادل فقد اختلف في طاعته ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪,‬‬ ‫‪12‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬المامة الكبرى ف‬
‫خامسا ‪ :‬مصالحة الزّوجة زوجها حتّى ل يفارقها ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا نفر الزّوج من زوجته وأراد فراقها فيجوز للزّوجة مصالحته حتّى ل يفارقها ‪,‬‬ ‫‪21‬‬

‫ح عَلَ ْي ِهمَا أَن‬


‫عرَاضا َفلَ جُنَاْ َ‬
‫ت مِن َبعْ ِلهَا ُنشُوزا َأوْ إِ ْ‬
‫ن امْ َرأَةٌ خَافَ ْ‬
‫قال اللّه تعالى ‪َ { :‬وإِ ِ‬
‫صلْحا وَالصّ ْلحُ خَيْرٌ } ‪.‬‬
‫يُصْ ِلحَا بَيْ َن ُهمَا ُ‬
‫ن صلحهما على ترك بعض حقّها للزّوج وقبول الزّوج‬
‫قال ابن كثيرٍ ‪ :‬الظّاهر من الية أ ّ‬
‫ذلك خير من المفارقة بالكلّيّة ‪ ,‬كما أمسك النّبي صلى ال عليه وسلم سودة بنت زمعة‬
‫رضي ال عنهما على أن تركت يومها لعائشة رضي ال تعالى عنها ولم يفارقها بل تركها‬
‫من جملة نسائه ‪ ,‬وفعل النّبي صلى ال عليه وسلم ذلك لتتأسّى به أمّته في مشروعيّة ذلك‬
‫ب إلى اللّه من الفراق قال ‪ { :‬وَالصّ ْلحُ خَيْرٌ } فإذا أصرّ الزّوج‬
‫وجوازه ولمّا كان الوفاق أح ّ‬
‫ن اللّه يغنيه عنها ويغنيها عنه قال تعالى‬
‫على الفراق فقد أخبر اللّه تعالى أنّهما إذا تفرّقا فإ ّ‬
‫سعَ ِتهِ } ‪.‬‬
‫ن الّلهُ كُلّ مّن َ‬
‫{ َوإِن يَ َتفَرّقَا ُيغْ ِ‬ ‫‪:‬‬
‫سادسا ‪ :‬مفارقة الجالسين في المكنة العامّة أماكنهم ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز لك ّل أح ٍد من النّاس أن يجلس في الماكن العامّة كالشّارع والمسجد والسوق‬ ‫‪22‬‬

‫وذلك للحاجة من معامل ٍة أو حرف ٍة أو إقرا ٍء أو غير ذلك إذا لم يكن في ذلك ضرر للغير ‪,‬‬
‫ن من هذه الماكن ثمّ فارقه ثمّ عاد إليه فهل يكون‬
‫وهذا باتّفاق ‪ ,‬لكن إذا جلس أحد في مكا ٍ‬
‫أحقّ به ؟ للفقهاء في ذلك تفصيل بيانه في مصطلح ‪ ( :‬مجلس ف ‪ , 7‬وارتفاق ‪, 9 - 8‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وطريق ف‬

‫مُفْتِي *‬
‫انظر ‪ :‬فتوى ‪.‬‬

‫مَ ْفسَدَة *‬
‫انظر ‪ :‬سد الذّرائع ‪.‬‬

‫مُفِصّل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفصّل ‪ -‬بفتح الصّاد المشدّدة ‪ -‬هو السبع السّابع أو الخير من القرآن الكريم ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهو ما يلي المثاني من قصار السور ‪ ,‬سمّي به لكثرة الفصول بين سوره بالبسملة أو‬
‫لقلّة المنسوخ فيه ولهذا يسمّى بالمحكم أيضا كما ورد عن سعيد بن جبي ٍر قال ‪ :‬إنّ الّذي‬
‫تدعونه المفصّل هو المحكم ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الطول ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الزّركشي ‪ :‬السّبع الطول أوّلها البقرة وآخرها براءة ‪ ،‬لنّهم كانوا يعدون النفال‬ ‫‪2‬‬

‫و براءة سورة واحدة ‪ ,‬ولذلك لم يفصلوا بينهما ‪ ,‬لنّهما نزلتا جميعا في مغازي رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬وسمّي طولً ‪ :‬لطولها ‪.‬‬
‫وحكي عن سعيد بن جبي ٍر رحمه ال ‪ :‬أنّه عدّ السّبع الطول ‪ :‬البقرة وآل عمران ‪,‬‬
‫والنّساء والمائدة ‪ ,‬والنعام ‪ ,‬والعراف ‪ ,‬ويونس ‪.‬‬
‫س رضي ال تعالى عنهما ‪.‬‬
‫وروي مثله عن ابن عبّا ٍ‬
‫والصّلة بين المفصّل والطول ‪ :‬أنّهما من أقسام القرآن الكريم ‪.‬‬
‫عن واثلة بن السقع رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ « :‬أعطيت مكان التّوراة السّبع ‪ ،‬وأعطيت مكان الزّبور المئين ‪ ،‬وأعطيت مكان‬
‫النجيل المثاني ‪ ،‬وفضّلت بالمفصّل » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المئون ‪:‬‬
‫‪ -‬المئون هي السور القرآنيّة الّتي وليت السّبع الطول ‪ ,‬سمّيت بذلك لنّ كلّ سور ٍة منها‬ ‫‪3‬‬

‫تزيد على مائة آيةٍ أو تقاربها ‪.‬‬


‫ن كلً منهما من أقسام القرآن الكريم ‪.‬‬
‫والصّلة بين المفصّل والمئين ‪ :‬أ ّ‬
‫ج ‪ -‬المثاني ‪:‬‬
‫‪ -‬المثاني في اللغة ‪ :‬جمع مثنى أو مثنّاةٍ ‪ ,‬من التّثنية بمعنى التّكرار ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬ما ولي المئين ‪ ,‬لنّها ثنتها ‪ ,‬أي كانت بعدها ‪ ,‬فالمثاني للمئين ثوانٍ ‪,‬‬
‫والمئون لها أوائل ‪ ,‬قال السيوطيّ ‪ ,‬وعزاه إلى الفرّاء ‪ :‬إنّ المثاني هي السور الّتي آيها‬
‫أقل من مائ ٍة ‪ ,‬لنّها تثنّى أكثر ممّا يثنّى الطول والمئون ‪.‬‬
‫ويطلق المثاني أيضا على القرآن كلّه كما في ‪ { :‬كِتَابا مّ َتشَابِها مّثَانِيَ } لنّه يكرّر فيه‬
‫النباء والوعد والوعيد والقصص ‪.‬‬
‫كما تطلق على الفاتحة لنّها تثنّى في كلّ صل ٍة ‪ .‬والعلقة بين المفصّل والمثاني على‬
‫ن كلً منهما من أقسام سور القرآن الكريم ‪.‬‬
‫الطلق الوّل ‪ :‬أ ّ‬
‫وعلى الطلق الثّاني ‪ :‬أنّ المفصّل جزء من المثاني ‪.‬‬
‫وعلى الطلق الثّالث ‪ :‬كلهما ممّا يشتمل عليه القرآن الكريم ‪.‬‬
‫آخر المفصّل وأوّله ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الزّركشي والسيوطي ‪ :‬آخر المفصّل في القرآن الكريم سورة النّاس بل نزاعٍ ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫واختلف الفقهاء في أوّل المفصّل ‪:‬‬


‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المعتمد والشّافعيّة في الصحّ ‪ ,‬وابن عقي ٍل من الحنابلة إلى‬
‫ن أوّل المفصّل سورة الحجرات ‪.‬‬
‫أّ‬
‫والصّحيح من المذهب عند الحنابلة أنّ أوّل المفصّل من سورة " ق " ‪.‬‬
‫وقد جمع الزّركشي أقوال الفقهاء في أوّل المفصّل في اثني عشر قولً هي ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬الجاثية ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬القتال ‪ ,‬وعزاه الماورديّ للكثرين ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬الحجرات ‪.‬‬
‫رابعها ‪ " :‬ق " ‪ ,‬قيل وهي أوّله في مصحف عثمان رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وفيه حديث ذكره الخطّابي في غريبه ‪ ,‬يرويه عيسى بن يونس قال ‪ :‬حدّثنا عبد الرّحمن‬
‫بن يعلى الطّائفي قال ‪ :‬حدّثني عثمان بن عبد اللّه بن أوس بن حذيفة عن جدّه ‪ « :‬أنّه‬
‫ي صلى ال‬
‫وفد على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في وفد ثقيفٍ فسمع أصحاب النّب ّ‬
‫عليه وسلم أنّه كان يحزّب القرآن ‪ ،‬قال ‪ :‬وحزب المفصّل من " ق " » ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ في تفسيره ‪ :‬حكاه عيسى بن عمر عن كثيرٍ من الصّحابة ‪ ,‬للحديث‬
‫المذكور ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬الصّافّات ‪.‬‬
‫السّادس ‪ :‬الصّف ‪.‬‬
‫السّابع ‪ :‬تبارك ‪.‬‬
‫حكى هذه الثّلثة ابن أبي الصّيف اليمني في " نكت التّنبيه " ‪.‬‬
‫الثّامن ‪ { :‬إِنّا فَ َتحْنَا لَكَ } حكاه الذّماري في شرح التّنبيه المسمّى ‪ :‬رفع التّمويه ‪.‬‬
‫حمَنُ } ‪ ,‬حكاه ابن السّيّد في أماليه على الموطّأ ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنّه كذلك في‬
‫التّاسع ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫مصحف ابن مسعودٍ رضي ال عنه ‪ .‬قلت رواه أحمد في مسنده كذلك ‪.‬‬
‫ن الدّهْرِ } ‪.‬‬
‫ن مّ َ‬
‫العاشر ‪َ { :‬هلْ أَتَى عَلَى الِنسَانِ حِي ٌ‬
‫ي‪.‬‬
‫الحادي عشر ‪ { :‬سَ ّبحِ } ‪ ,‬حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوق ّ‬
‫ي لبن عبّاسٍ ‪ ,‬حكاه الخطّابي في غريبه ‪,‬‬
‫ضحَى } ‪ ,‬عزاه الماورد ّ‬
‫الثّاني عشر ‪ { :‬وَال ّ‬
‫ن القارئ يفصّل بين هذه السور بالتّكبير قال ‪ :‬وهو مذهب ابن عبّاسٍ رضي ال‬
‫ووجّهه بأ ّ‬
‫عنهما وقرّاء مكّة ‪.‬‬
‫والصّحيح عند أهل الثر أنّ أوّله " ق " ‪.‬‬
‫أقسام المفصّل ‪:‬‬
‫ي ‪ :‬للمفصّل طوال وأوساط وقصار ‪ ,‬قال ابن معنٍ ‪ :‬فطواله إلى " عمّ "‬
‫‪ -‬قال السيوط ّ‬ ‫‪6‬‬

‫وأوساطه منها إلى " الضحى " ‪ ,‬ومنها إلى آخر القرآن قصار ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا أقرب ما قيل فيه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وفيه خلف وتفصيل ‪ ,‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬قراءة ف‬
‫ما يقرأ من المفصّل في الصّلوات الخمس ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه يسن للمصلّي أن يقرأ في صلة الصبح بطوال المفصّل ‪ ,‬كما‬ ‫‪7‬‬

‫اتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل ‪ ,‬وفي العشاء بأوساطه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪66‬‬ ‫واختلفوا في الظهر والعصر على أقوالٍ ينظر تفصيلها في مصطلح ‪ ( :‬صلة ف‬

‫مَفْصِل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬ال َمفْصِل على وزن مسجدٍ ‪ ,‬وهو في اللغة ‪ :‬ملتقى العظمات من الجسد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬هو موضع اتّصال عض ٍو بآخر على مقطع عظمين برباطات واصلةٍ‬
‫بينهما ‪ ,‬إمّا مع دخول أحدهما في الخر كالركبة ‪ ,‬أو ل كالكوع ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمفصل ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمفصل أحكام منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬في الغسل والوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه يسن في الوضوء والغسل غسل اليدين إلى الرسغين ثلثا قبل‬ ‫‪2‬‬

‫إدخالهما الناء ‪ ,‬قال الحصكفي من الحنفيّة ‪ :‬الرسغ هو مفصل الكفّ بين الكوع‬
‫والكرسوع ‪.‬‬
‫‪ ,‬وضوء ) ‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬غسل ف‬
‫ب ‪ -‬في القصاص ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ من شروط كون الجناية على ما دون النّفس موجبةً‬ ‫‪3‬‬

‫للقصاص ‪ ,‬إمكان الستيفاء من غير حيفٍ ‪.‬‬


‫وقالوا ‪ :‬إنّ هذا إنّما يتحقّق في الجناية الّتي تبين العضو عمدا ‪ ,‬بأن يكون القطع من‬
‫ف‪.‬‬
‫مفصلٍ فإن كان من غير مفصلٍ فل قصاص فيه من موضع القطع بغير خل ٍ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬جناية على كلّ دون النّفس ف‬
‫ج ‪ -‬في الدّيات ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع كلّ أنملةٍ من كلّ أصب ٍع من اليدين والرّجلين ثلث عشر‬ ‫‪4‬‬

‫الدّية ‪ ,‬لنّ فيها ثلثة مفاصل ‪ ,‬إل البهام ففيها أنملتان ‪ ,‬ففي كلّ مفص ٍل منها نصف عشر‬
‫الدّية ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪53‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬ديات ف‬
‫د ‪ -‬في السّرقة ‪:‬‬
‫ن موضع قطع اليد في السّرقة ‪ -‬بعد تحقق شروط القطع‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬يكون من الكوع ‪ ,‬وهو مفصل الكفّ ‪.‬‬


‫وموضع قطع الرّجل هو مفصل الكعب من السّاق ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪66‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬سرقة ف‬

‫مُفَضّض *‬
‫انظر ‪ :‬آنية ‪.‬‬

‫مَفْقُود *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفقود في اللغة ‪ :‬الضّائع والمعدوم يقال ‪ :‬فقد الشّيء يفقده فقدا ‪ ,‬وفقدانا ‪ ,‬وفقودا‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬ضلّه وضاع منه ‪ ,‬وفقد المال ونحوه ‪ :‬خسره وعدمه ‪.‬‬


‫والمفقود في الصطلح ‪ :‬غائب لم يدر موضعه وحياته وموته ‪ ,‬وأهله في طلبه يجدون ‪,‬‬
‫وقد انقطع خبره وخفي عليهم أثره ‪.‬‬
‫أنواع المفقود ‪:‬‬
‫‪ -‬المفقود عند الحنفيّة والشّافعيّة نوع واحد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن المفقود على أنواعٍ ‪:‬‬


‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫الوّل ‪ :‬المفقود في بلد المسلمين ‪ ,‬ومنهم من فرّع هذا النّوع إلى مفقودٍ في زمان الوباء‬
‫‪ ,‬ومفقود في غيره ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬المفقود في بلد العداء ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار ‪.‬‬
‫ض‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بع ٍ‬
‫وأمّا الحنابلة فالمفقود عندهم قسمان ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السّلمة ‪ ,‬كالمسافر للتّجارة أو للسّياحة أو لطلب‬
‫العلم ونحو ذلك ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلك ‪ ,‬كالجنديّ الّذي يفقد في المعركة ‪ ,‬وراكب‬
‫السّفينة الّتي غرقت ونجا بعض ركابها ‪ ,‬والرّجل الّذي يفقد من بين أهله ‪ ,‬كمن خرج إلى‬
‫السوق أو إلى حاجةٍ قريبةٍ فلم يرجع ‪ ,‬ومن هذا النّوع أيضا من فقد في صحراء مهلكةٍ أو‬
‫نحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا السير ‪ ,‬الّذي ل يدرى أحي هو أم ميّت فإنّه يعتبر مفقودا في قول الزهريّ ‪,‬‬ ‫‪3‬‬

‫والحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬


‫وأمّا المالكيّة ‪ ,‬فلم يجعلوا السير مفقودا ولو لم يعرف موضعه ول موقعه بعد السر ‪ ,‬إل‬
‫ن السير الّذي تعرف حياته في وقتٍ من الوقات ‪ ,‬ثمّ ينقطع خبره‬
‫في قول ابن عبد البرّ بأ ّ‬
‫‪ ,‬ول يعرف له موت ول حياة يعتبر مفقودا من النّوع الثّاني عندهم ‪.‬‬
‫وقد اعتبر الحنفيّة المرتدّ الّذي لم يعد ألحق بدار الحرب أم ل مفقودا ‪.‬‬
‫ولم يعتبر المالكيّة المحبوس الّذي ل يستطاع الكشف عنه مفقودا ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمفقود ‪:‬‬
‫يتعلّق بالمفقود أحكام متعدّدة منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬زوجة المفقود ‪:‬‬
‫ن زوجة المفقود تبقى‬
‫ن الفقدان ل يؤثّر في عقد الزّوج ‪ ,‬لذلك فإ ّ‬
‫‪ -‬من الثّابت شرعا أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫على نكاحه ‪ ,‬وتستحق النّفقة في قول الفقهاء جميعا ‪ ,‬ويقع عليها طلقه وظهاره وإيلؤه‬
‫‪ ,‬وترثه ويرثها ‪ ,‬ما لم ينته الفقدان ‪.‬‬
‫ولكن إلى متى تبقى كذلك ؟ لم يأت في السنّة إل حديث واحد هو قوله عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ « :‬امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها الخبر » ‪.‬‬
‫وهذا النّص المجمل جاء بيانه في قول عليّ رضي ال عنه ‪ :‬بأنّ امرأة المفقود تبقى على‬
‫عصمته إلى أن يموت ‪ ,‬أو يأتي منه طلقها ‪.‬‬
‫وبه قال ابن مسعودٍ رضي ال عنه والنّخعيّ ‪ ,‬وأبو قلبة ‪ ,‬والشّعبي ‪ ,‬وجابر بن زيدٍ ‪,‬‬
‫والحكم ‪ ,‬وحمّاد ‪ ,‬وابن أبي ليلى ‪ ,‬وابن شبرمة وعثمان البتّي ‪ ,‬وسفيان الثّوري ‪,‬‬
‫والحسن ابن حيّ ‪ ,‬وبعض أصحاب الحديث ‪.‬‬
‫وإليه ذهب الحنفيّة ‪ ,‬والشّافعي في الجديد ‪.‬‬
‫وذهب عمر رضي ال تعالى عنه إلى أنّ امرأة المفقود تتربّص أربع سنين ‪ ,‬ث ّم تعتد للوفاة‬
‫أربعة أشه ٍر وعشرة أيّامٍ ‪ ,‬فإذا انقضت حلّت للزواج ‪.‬‬
‫س ‪ ,‬وابن الزبير ‪ ,‬هو رواية عن ابن‬
‫وبهذا القول قال عثمان ‪ ,‬وابن عمر ‪ ,‬وابن عبّا ٍ‬
‫ي في القديم ‪.‬‬
‫ي رضي ال عنهم ‪ ,‬وهو قول الشّافع ّ‬
‫مسعودٍ ‪ ,‬وعل ّ‬
‫وعن سعيد بن المسيّب أنّه إذا فقد في الصّفّ عند القتال تربّصت امرأته سن ًة ‪ ,‬وإذا فقد‬
‫في غيره تربّصت أربع سنين ‪.‬‬
‫ن المفقود في بلد المسلمين تتربّص امرأته أربع سنين ‪ ,‬ثمّ تعتد‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫ن زوجته‬
‫أربعة أشه ٍر وعشرة أيّامٍ ‪ ,‬ثمّ تحل للزواج ‪ ,‬وأمّا المفقود في بلد العداء ‪ ,‬فإ ّ‬
‫ل تحل للزواج إل إذا ثبت موته ‪ ,‬أو بلغ من العمر حدا ل يحيا إلى مثله ‪ ,‬وهو مقدّر‬
‫ك وابن القاسم وأشهب ‪ ,‬وقال مالك مرّ ًة ‪ :‬إذا بلغ ثمانين سنةً ‪,‬‬
‫بسبعين سنةً في قول مال ٍ‬
‫وقال ابن عرفة ‪ :‬إذا بلغ خمسا وسبعين سن ًة وعليه القضاء ‪ ,‬وذهب أشهب إلى أنّه‬
‫يعتبر كالمفقود في بلد المسلمين ‪.‬‬
‫أمّا المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار فقد قال مالك وابن القاسم بأنّه يعتبر كالمفقود في‬
‫بلد العداء ‪ ,‬وعن مالكٍ ‪ :‬تتربّص امرأته سنةً ‪ ,‬ثمّ تعتد ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو كالمفقود في بلد‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وأمّا المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ فقد قال مالك وابن القاسم ‪ :‬ليس في‬
‫صفّين ‪ ,‬وقيل ‪ :‬تتربّص سن ًة ثمّ تعتد ‪,‬‬
‫ذلك أجل معيّن ‪ ,‬وإنّما تعتد زوجته من يوم التقاء ال ّ‬
‫وقيل ‪ :‬يترك ذلك لجتهاد المام ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فعندهم في المفقود الّذي ظاهر غيبته السّلمة قولن ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬ل تزول الزّوجيّة ما لم يثبت موته ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّ زوجته تنتظر حتّى يبلغ من العمر تسعين سنةً في روايةٍ ‪ ,‬وفي روايةٍ أخرى‬
‫ن المدّة مفوّضة إلى رأي المام والرّواية الولى هي القويّة المفتى بها ‪ ,‬وهذا هو‬
‫أّ‬
‫الصّحيح في المذهب ‪.‬‬
‫ومن الحنابلة من قدّر المدّة بمائة وعشرين سن ًة ‪.‬‬
‫ن زوجته تتربّص أربع سنين ‪ ,‬ثمّ تعتد للوفاة ‪,‬‬
‫وأمّا المفقود الّذي ظاهر غيبته الهلك ‪ ,‬فإ ّ‬
‫وهو المذهب ‪.‬‬
‫بدء مدّة التّربص ‪:‬‬
‫‪ -‬تبدأ مدّة التّربص من حين رفع المر إلى القاضي ‪ ,‬وهو قول عمر رضي ال عنه ‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫وعطاءٍ وقتادة ‪ ,‬وعليه اتّفق أكثر من قال بالتّربص ‪ ,‬وهو المذهب عند المالكيّة ‪ ,‬وفي‬
‫ك تبدأ من حين اليأس من وجود المفقود بعد التّحرّي عنه ‪ ,‬وهو القول‬
‫روايةٍ عن مال ٍ‬
‫الظهر للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم ‪ ,‬ورواية عند الحنابلة ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬تبدأ المدّة من حين الغيبة ‪ ,‬وهو قول للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم ‪ ,‬والرّواية‬
‫الصح والصّواب عند الحنابلة ‪.‬‬
‫وهناك نصوص نقلت عن عمر ‪ ,‬وعثمان وابن عمر ‪ ,‬وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم ‪,‬‬
‫وسعيد ابن المسيّب ‪ ,‬جاء فيها ذكر مدّة التّربص دون تحديد متى تبدأ ‪.‬‬
‫وذهب عمر ‪ ,‬وابن عبّاسٍ ‪ ,‬وابن عمر ‪ ,‬رضي ال عنهم ‪ ,‬وعطاء وإسحاق إلى أنّه ل بدّ‬
‫من أن يطلّق ولي المفقود زوجته ‪ ,‬وهو رواية عند الحنابلة ‪.‬‬
‫وفي رواي ٍة عن ابن عبّاسٍ ‪ ,‬وابن عمر رضي ال عنهم أنّه ل حاجة لطلق الوليّ ‪ ,‬وهو‬
‫الرّواية الثّانية عند الحنابلة والصّحيح عندهم والمتّفق مع القياس ‪.‬‬
‫ما يجب على زوجة المفقود بعد التّربص ‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على زوجة المفقود بعد مدّة التّربص أن تعتدّ للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ‬ ‫‪6‬‬

‫وهذا قول عمر والصّحابة والعلماء الّذين أخذوا بقوله ‪.‬‬


‫ول تحتاج الزّوجة بعد مدّة التّربص لحكم من الحاكم بالعدّة ‪ ,‬ول بالزّواج بعد انقضائها في‬
‫قول المالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وأمّا عند الشّافعيّة ‪ ,‬فعلى القول القديم عندهم فيه وجهان ‪ ,‬والصح أنّه ل بدّ من الحكم ‪.‬‬
‫ما يترتّب على حكم الحاكم بالتّفريق ‪:‬‬
‫ن الحكم ينفذ بالظّاهر دون الباطن ‪,‬‬
‫‪ -‬إذا حكم الحاكم بالتّفريق بين المفقود وزوجته فإ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫وهو الصح عند الشّافعيّة ‪.‬‬


‫وقيل ينفذ ظاهرا وباطنا ‪ ,‬وهو قول الحنابلة ‪.‬‬
‫ولهذا نتائج في أثر ظهور المفقود حيا في نكاح الزّوجة غيرَه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪25‬‬ ‫(ر‪:‬ف‬
‫ن حكم‬
‫فإن تزوّجت امرأة المفقود في وقتٍ ليس لها أن تتزوّج فيه فنكاحها باطل ‪ ,‬ل ّ‬
‫الزّوجيّة بينها وبين زوجها الوّل على حاله ‪.‬‬
‫ولو تزوّجت امرأة المفقود قبل مضّي الزّمان المعتبر للتّربص والعدّة ‪ ,‬ثمّ تبيّن أنّه كان‬
‫ميّتا أو أنّه كان قد طلّقها قبل ذلك بمدّة تنقضي فيها العدّة لم يصحّ النّكاح لنّها ممنوعة‬
‫منه فأشبهت الزّوجة ‪ ,‬وهو قول للشّافعيّة ‪ ,‬وأمّا القول الصح عندهم فإنّ نكاحها صحيح‬
‫‪ ,‬وبالقول الوّل للشّافعيّة أخذ الحنابلة ‪.‬‬
‫ولو ادّعت امرأة أنّها زوجة للمفقود ‪ ,‬وأقامت بيّنةً على ذلك لم يقض لها به عند الحنفيّة ‪,‬‬
‫خلفا للمالكيّة ‪ ,‬ومبنى المسألة قائم على جواز الحكم على الغائب وعدمه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أموال المفقود ‪:‬‬
‫للفقدان أثر ظاهر في أموال المفقود القائمة ‪ ,‬وفي اكتسابها بالوصيّة ‪ ,‬والرث ‪ ,‬وفي‬
‫إدارة تلك الموال ‪.‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬في بيع مال المفقود ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للقاضي أن يبيع عقار المفقود ‪ ,‬ول العروض الّتي ل‬ ‫‪8‬‬

‫يتسارع إليها الفساد ‪ ,‬وأمّا ما يتسارع إليه الفساد كالثّمار ونحوها فإنّه يبيعه ‪ ,‬ويحفظ‬
‫ثمنه ‪.‬‬
‫ق أو ضمان‬
‫وذهب المالكيّة إلى جواز بيع أموال المفقود إذا قضى عليه بدين أو استحقا ٍ‬
‫عيبٍ ونحو ذلك ‪ ,‬وهذا مبني على قولهم في جواز القضاء على الغائب‬
‫ثانيا ‪ :‬في قبض حقوق المفقود ‪:‬‬
‫‪ -‬ليس للقاضي عند الحنفيّة أن يأخذ مال المفقود الّذي في يد مودعه ‪ ,‬ول المال الّذي‬ ‫‪9‬‬

‫في يد الشّريك المضارب ‪ ,‬لنّهما نائبان عن المفقود في الحفظ ‪ ,‬وعند المالكيّة له ذلك ‪,‬‬
‫ن القاضي رأى مصلحةً فيه ‪ ,‬كما‬
‫ن ابن عابدين حمله على أ ّ‬
‫وهو قول عند الحنفيّة ‪ ,‬غير أ ّ‬
‫لو كان المدين غير ثقةٍ ‪.‬‬
‫ولو أنّ المدين دفع الدّين إلى زوجة المفقود أو ولده ‪ ,‬وكذلك المستأجر لو دفع الجرة ‪,‬‬
‫ن ديون‬
‫ن ال ّذمّة ل تبرأ ما لم يأمر القاضي بذلك ‪ ,‬هذا عند الحنفيّة وأمّا عند المالكيّة فإ ّ‬
‫فإ ّ‬
‫المفقود ل تدفع للورثة ‪ ,‬وإنّما تدفع للسلطان ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬في النفاق من مال المفقود ‪:‬‬
‫‪ -‬من الثّابت بإجماع الفقهاء أنّ زوجة المفقود تستحق النّفقة ( ر ‪ :‬ف ‪ , ) 4‬وهذه‬ ‫‪10‬‬

‫النّفقة تكون في مال المفقود ‪ ,‬بذلك قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وقال ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما ‪ :‬تستدين ‪ ,‬فإن جاء زوجها أخذت من ماله ‪ ,‬وإن مات‬
‫أخذت من نصيبها من الميراث ‪ ,‬وبه قال النّخعيّ ‪ ,‬فإن لم يكن للمفقود مال ‪ ,‬وطلبت‬
‫الزّوجة من القاضي الحكم لها بالنّفقة فإنّه يجيبها إلى ذلك ‪ ,‬وبه قال النّخعيّ ‪ ,‬وهو قول‬
‫لبي حنيفة ‪ ,‬وفي قولٍ آخر له ‪ :‬ل يجيبها ‪ ,‬وهو قول شريحٍ ‪ ,‬وقال زفر ‪ :‬يأمرها‬
‫القاضي بأن تستدين ‪ ,‬وتنفق على نفسها ‪.‬‬
‫وتنقطع النّفقة بموت المفقود ‪ ,‬أو بمفارقته لها فإن استمرّت بقبض النّفقة بعد أن تبيّن أنّه‬
‫مات أو فارقها ثمّ رجع ‪ ,‬فعليها أن تعيد ما قبضته من تاريخ الموت ‪ ,‬أو المفارقة ‪.‬‬
‫وتسقط النّفقة عند الشّافعيّة بزواج امرأة المفقود من غيره ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة تسقط بتفريق الحاكم بينها وبين زوجها المفقود ‪ ,‬أو بزواجها من غيره ‪,‬‬
‫ويجب في مال المفقود نفقة زوجته في مدّة العدّة ‪ ،‬بذلك قال ابن عمر ‪ ,‬وابن عبّاسٍ‬
‫رضي ال عنهم ‪ ,‬وفيه قولن عند المالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫‪ -‬ويجب في مال المفقود نفقة الفقراء من أولده ووالديه وهو قول الحنفيّة ‪,‬‬ ‫‪11‬‬

‫ن المالكيّة اشترطوا لستحقاق البوين النّفقة أن يكون قد‬


‫والشّافعيّة ‪ ,‬والمالكيّة غير أ ّ‬
‫ن المفقود ميّت ‪ ,‬واستمرّ هؤلء بقبض النّفقة بعد‬
‫ض قبل الفقد ‪ ,‬فإن تبيّن أ ّ‬
‫قضى بها قا ٍ‬
‫ثبوت موته ‪ ,‬فإنّهم يغرمون ما أنفق عليهم من يوم مات ‪ ,‬لنّهم ورثة ‪.‬‬
‫‪ -‬وتستوفى النّفقة المفروضة للزّوجة والولد والوالدين من دراهم المفقود ودنانيره‬ ‫‪12‬‬

‫ومن التّبر أيضا ‪ ,‬إذا كان كل ذلك تحت يد القاضي ‪ ,‬أو كان وديعةً ‪ ,‬أو دينا للمفقود ‪ ,‬وقد‬
‫أقرّ الوديع والمدين بذلك ‪ ,‬وأقرّا بالزّوجيّة والنّسب ‪.‬‬
‫وينتصب الوديع والمدين خصما في الدّعوى ‪ ,‬لنّ المال تحت يدهما ‪ ,‬فيتعدّى القضاء‬
‫منهما إلى المفقود ‪ ,‬فإن كان الوديع أو المدين منكرا للوديعة أو الدّين أو الزّوجيّة والنّسب‬
‫‪ ,‬لم يصلح لمخاصمة أحدٍ من مستحقّي النّفقة ‪ ,‬ول تسمع البيّنة ضدّه ‪.‬‬
‫وليس لهؤلء بيع شيءٍ من مال المفقود الّذي يخاف عليه الفساد كالثّمار ‪ ,‬ونحوها ‪ ,‬فإن‬
‫باعوه ‪ ,‬فالبيع باطل ‪.‬‬
‫وليس لهم بيع دار المفقود ‪ ,‬ولم لم يبق من ماله سواها ‪ ,‬واحتاجوا للنّفقة ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة يجوز للقاضي أن يأخذ من مستحقّي النّفقة كفيلً ‪ ,‬لحتمال أن يحضر‬
‫المفقود ‪ ,‬ويقيم البيّنة على طلق امرأته ‪ ,‬وأنّه ترك لولده مالً يكفي لنفقتهم ‪ ,‬وليس له‬
‫ذلك عند المالكيّة ‪.‬‬
‫والقضاء على المفقود بالنّفقة لمستحقّيها ليس قضا ًء على الغائب حقيقةً ‪ ,‬وإنّما هو تمكين‬
‫لهم من أخذ حقّهم ‪.‬‬
‫ول تجب على المفقود نفقة أحدٍ من أقارب المفقود غير الّذين ذكرنا آنفا ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬في الوصيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬توقف الوصيّة للمفقود عند الحنفيّة ‪ ,‬حتّى يظهر حاله ‪ ,‬فإن ظهر حيا قبل موت‬ ‫‪13‬‬

‫أقرانه فله الوصيّة ‪ ,‬وإذا حكم بموته ردّ المال الموصى به إلى ورثة الموصي ‪.‬‬
‫ولو أنّ رجلً أقام البيّنة على أنّ المفقود قد أوصى له بوصيّة وجاء موت المفقود أو بلغ‬
‫من السّنين ما ل يحيا إلى مثلها ‪ ,‬والموصى له حي ‪ ,‬قال المالكيّة ‪ :‬تقبل البيّنة ‪ ,‬وتصح‬
‫الوصيّة إذا كانت في حدود الثلث ‪ ,‬وكذلك الحال لو أوصى له قبل الفقد ‪ ,‬وهذا مبني على‬
‫أصولهم في جواز القضاء على الغائب ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬في الرث ‪:‬‬
‫‪ -‬يعتبر المفقود حيا بالنّسبة لمواله ‪ ,‬فل يرث منه أحد ‪ ,‬ويبقى كذلك إلى أن يثبت‬ ‫‪14‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪20‬‬ ‫موته حقيقةً ‪ ,‬ويحكم باعتباره ميّتا ‪ ,‬على ما يأتي بيانه ( ر ‪ :‬ف‬
‫‪ -‬ول يرث المفقود من أحدٍ ‪ ,‬وإنّما يتعيّن وقف نصيبه من إرث مورّثه ‪ ,‬ويبقى كذلك‬ ‫‪15‬‬

‫ق نصيبه وإن‬
‫إلى أن يتبيّن أمره ‪ ,‬ويكون ميراثه كميراث الحمل ‪ ,‬فإن ظهر أنّه حي استح ّ‬
‫ثبت أنّه مات بعد موت مورثه استحقّ نصيبه من الرث كذلك ‪ ,‬وإن ثبت أنّه مات قبل‬
‫موت مورثه أو مضت المدّة ‪ ,‬ولم يعلم خبره ‪ ,‬فإنّ ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة‬
‫المورث ‪ .‬وإن كان المفقود ممّن يحجب الحاضرين ‪ ,‬لم يصرف إليهم شيء ‪ ,‬بل يوقف‬
‫المال كله ‪ .‬وإن كان ل يحجبهم ‪ ,‬يعطى كل واحدٍ القلّ من نصيبه الرثيّ على تقدير حياة‬
‫ن مفقودٍ ‪ ,‬وابن ابنٍ ‪,‬‬
‫المفقود ‪ ,‬وعلى تقدير موته ‪ ,‬مثال ذلك ‪ :‬رجل مات عن بنتين ‪ ,‬واب ٍ‬
‫وبنت ابنٍ ‪ ,‬وطلبت البنتان الرث ‪ ,‬فإنّ فرضهما في هذه المسألة الثلثان ‪ ,‬ل يدفع إليهما‬
‫‪ ,‬وإنّما يدفع إليهما النّصف ; لنّه أقل النّصيبين ‪ ,‬ول يدفع شيء لبن البن ‪ ,‬ول لبنت‬
‫البن ‪ ,‬فإذا مضت المدّة ‪ ,‬وحكم بموت المفقود ‪ ,‬أعطيت البنتان السّدس ‪ ,‬ليتمّ لهما‬
‫الثلثان ‪ ,‬وأعطي الباقي لولد البن ‪ ,‬للذّكر مثل حظّ النثيين ‪ ,‬وعلى ما سبق اتّفاق‬
‫الفقهاء إل ما ذكر من خلفٍ في المذهب الحنبليّ حول ردّ ما أوقف من نصيب المفقود‬
‫ي المدّة إلى ورثة المورث وهذا قول في المذهب ‪ ,‬غير أنّ‬
‫الّذي لم يعلم خبره رغم مض ّ‬
‫القول الصحّ فيه أنّه ملك للمفقود ‪ ,‬يوزع بين ورثته ‪ ,‬وعليه المذهب ‪.‬‬
‫ن القاضي ل يقسمه حتّى تقوم‬
‫‪ -‬ولو ادّعى ورثة رج ٍل أنّه فقد ‪ ,‬وطلبوا قسمة ماله فإ ّ‬ ‫‪16‬‬

‫البيّنة على موته ‪ ,‬وتكون الدّعوى بأن يجعل القاضي من في يده المال خصما عن المفقود‬
‫‪ ,‬أو ينصّب عنه قيّما في هذه الولية ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬في إدارة أموال المفقود ‪:‬‬
‫تدار أموال المفقود من قبل وكيله ‪ ,‬أو وكيلٍ يعيّنه القاضي ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬الوكيل الّذي عيّنه المفقود ‪:‬‬
‫ن الوكالة تبقى صحيحةً ‪ ،‬لنّ الوكيل ل ينعزل بفقد‬
‫‪ -‬من كان له وكيل ‪ ,‬ثمّ فقد فإ ّ‬ ‫‪17‬‬

‫الموكّل ‪.‬‬
‫ولهذا الوكيل أن يحفظ المال الّذي أودّعه المفقود ‪ ,‬وليس لمين بيت المال أن ينزعه من‬
‫يده ‪.‬‬
‫وأمّا قبض الديون الّتي أق ّر بها غرماء المفقود ‪ ,‬وقبض غلت أمواله ‪ ,‬فليس له ذلك ‪.‬‬
‫ن لوكيل المفقود حق قبض الديون والغلت ما دام قد وكّل بذلك ‪.‬‬
‫وذهب ابن عابدين إلى أ ّ‬
‫وللحنابلة في قبض وكيل المفقود للغلت قولن ‪.‬‬
‫وليس لمن كان وكيلً بعمارة دار المفقود أن يعمّرها إل بإذن الحاكم ‪ ,‬فلعلّه مات ‪ ,‬وحينئذٍ‬
‫يكون التّصرف للورثة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الوكيل الّذي يعيّنه القاضي ‪:‬‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -‬إذا لم يكن للمفقود وكيل فإنّ على القاضي أن ينصّب له وكي ً‬ ‫‪18‬‬

‫ن ثابتةٍ وأعيانٍ‬
‫وهذا الوكيل يتولّى جمع مال المفقود وحفظه وقبض ك ّل حقوقه من ديو ٍ‬
‫وغلتٍ ‪ ,‬وليس له أن يخاصم إل بإذن القاضي في الحقوق الّتي للمفقود ‪ ,‬وفي الحقوق‬
‫الّتي عليه وإلى هذا ذهب الحنفيّة ‪ ,‬ووافقهم المالكيّة في الجملة ‪.‬‬
‫ن القاضي إن‬
‫ق على المفقود ‪ ,‬ول تقبل البيّنة عند الحنفيّة ‪ ,‬غير أ ّ‬
‫ول تسمع الدّعوى بح ّ‬
‫قبل ذلك ‪ ,‬وحكم به ‪ ,‬نفذ حكمه ‪ ,‬وعليه الفتوى ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى قبول البيّنة على المفقود ‪.‬‬
‫ولو طلب ورثة المفقود من الحاكم نصب وكيلٍ عنه ‪ ,‬فعليه أن يستجيب لذلك ‪.‬‬
‫انتهاء الفقدان ‪:‬‬
‫ينتهي الفقدان بإحدى الحالت التية ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬عودة المفقود ‪:‬‬
‫ن المفقود حي ‪ ,‬وعاد إلى وطنه ‪ ,‬فقد انتهى الفقدان ‪ ,‬لنّ المفقود مجهول‬
‫‪ -‬إذا ظهر أ ّ‬ ‫‪19‬‬

‫الحياة أو الموت ‪ ,‬وبظهوره انتفت تلك الجهالة ‪ ,‬وسيأتي بيان ذلك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪25‬‬ ‫(ر‪:‬ف‬
‫الحالة الثّانية ‪ :‬موت المفقود ‪:‬‬
‫ن المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان ‪ ,‬لزوال الجهالة الّتي‬
‫‪ -‬إذا ثبت بالبيّنة أ ّ‬ ‫‪20‬‬

‫كانت تحيط حياته أو موته ‪ ,‬وعلى ذلك اتّفاق الفقهاء ‪.‬‬


‫ن الشّافعيّة لم يشترطوا صدور حكمٍ بذلك ‪.‬‬
‫ول بدّ من ثبوت موته أمام القاضي ‪ ,‬غير أ ّ‬
‫ويمكن للورثة أن يدّعوا موت المفقود ‪ ,‬ويقدّموا البيّنة لثبات ذلك ‪ ,‬ويختار القاضي وكيلً‬
‫عن المفقود يخاصم الورثة ‪ ,‬فإذا أثبتت البيّنة موته ‪ ,‬قضى القاضي بذلك ‪.‬‬
‫ويقسّم ميراث المفقود بين الحياء من ورثته يوم موته ‪ ,‬وعليه اتّفاق الفقهاء ‪ ,‬لنّ شرط‬
‫التّوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث ‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا ميراث الزّوجة فاختلف الفقهاء فيه كما يلي ‪:‬‬ ‫‪21‬‬

‫ن زوجة المفقود الّتي تزوّجت ‪ ,‬ثمّ ظهر أنّه ميّت فعليها العدّة منه ‪,‬‬
‫ذهب الشّعبي إلى أ ّ‬
‫وهي ترثه ‪.‬‬
‫وفي المذهب المالكيّ تفصيل ‪ :‬فإن جاء موته قبل أن تنكح زوجا غيره ‪ ,‬فإنّها ترثه ‪.‬‬
‫وإن تزوّجت بعد انقضاء العدّة ‪ ,‬لم يفرّق بينها وبين زوجها الثّاني ‪ ,‬وورثت من زوجها‬
‫المفقود ‪.‬‬
‫وإن تزوّجت وجاء موته قبل الدخول ورثته ‪ ,‬وفرّق بينهما ‪ ,‬واستقبلت عدّتها من يوم‬
‫الموت ‪.‬‬
‫وإن جاء موت المفقود بعد دخول الثّاني ‪ ,‬لم يفرّق بينهما ‪ ,‬ول إرث لها ‪.‬‬
‫أمّا إن كان زواج الثّاني قد وقع في العدّة من الوّل المتوفّى ‪ ,‬فإنّها ترثه ‪ ,‬ويفرّق بينها‬
‫وبين زوجها الثّاني ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ترث الزّوجة من زوجها المفقود الّذي ثبت موته إن لم تتزوّج ‪ ,‬أو كانت‬
‫تزوّجت ولم يدخل بها الثّاني ‪ ,‬وفي روايةٍ أنّها ل ترث منه ‪.‬‬
‫فإن دخل بها الثّاني ‪ ,‬وكان الزّوح الوّل قد قدم واختارها ث ّم مات ‪ ,‬فإنّها ترثه ويرثها ‪,‬‬
‫ن لها أن‬
‫ولو مات الثّاني لم ترثه ‪ ,‬ولم يرثها ‪ ,‬وإن مات أحدهما قبل اختيارها ‪ -‬وقلنا بأ ّ‬
‫تتزوّج ‪ -‬فإنّها ترث الزّوج الثّاني ويرثها ‪ ,‬ل ترث الزّوج الوّل ول يرثها ‪.‬‬
‫وإن ماتت قبل اختيار الزّوج الوّل ‪ ,‬فإنّه يخيّر ‪ ,‬فإن اختارها ورثها ‪ ,‬وإن لم يخترها‬
‫ورثها الثّاني ‪.‬‬
‫وهذا كله ظاهر مذهب الحنابلة ‪.‬‬
‫واختار الشّيخ ابن قدامة أنّها ل ترث زوجها الثّاني ‪ ,‬ول يرثها بحال إل أن يجدّد لها عقدا‬
‫‪ ,‬أو ل يعلم أنّ الوّل كان حيا ‪ ,‬ومتى علم أنّ الوّل كان حيا ورثها وورثته ‪ ,‬إل أن يختار‬
‫تركها ‪ ,‬فتبين منه بذلك ‪ ,‬فل ترثه ول يرثها ‪.‬‬
‫ن الحكم بوقوع الفرقة يوقع التّفريق ظاهرا وباطنا ترث الثّاني ويرثها ‪ ,‬ول‬
‫وعلى القول بأ ّ‬
‫ترث الوّل ول يرثها ‪.‬‬
‫وأمّا عدّتها ‪ ,‬فمن ورثته اعتدّت لوفاته عدّة الوفاة ‪.‬‬
‫الحالة الثّالثة ‪ :‬اعتبار المفقود ميّتا ‪:‬‬
‫ي مدّةٍ على فقده ‪ ,‬أو ببلوغه سنا معيّنةً ‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر المفقود ميّتا حكما بمض ّ‬ ‫‪22‬‬
‫ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يحكم بموت المفقود إذا لم يبق أحد من أقرانه في بلده ‪ ,‬ل‬
‫في جميع البلدان ‪ ,‬وهو الصح عندهم ‪.‬‬
‫ن الّتي يمكن أن يموت فيها القران ‪ ,‬فعن أبي حنيفة ‪ :‬هي مائة‬
‫غير أنّهم اختلفوا في السّ ّ‬
‫وعشرون سنةً ‪ ,‬وهذا ما اختاره القدوري ‪.‬‬
‫وعن أبي يوسف مائة سنةٍ ‪ ,‬وقال محمّد بن حامدٍ البخاري ‪ :‬هي تسعون سنةً ‪ ,‬وذهب‬
‫ن هذه المدّة متروكة إلى اجتهاد المام ‪,‬‬
‫بعضهم إلى أنّها سبعون سن ًة ‪ ,‬ومنهم من قال ‪ :‬بأ ّ‬
‫وينظر إلى شخص المفقود والقرائن الظّاهرة ‪ .‬ولعلماء الحنفيّة خلف في التّرجيح بين‬
‫هذه القوال فمنهم من قال ‪ :‬الفتوى على التّسعين سن ًة وهو الرفق ‪ ,‬ومنهم من قال ‪:‬‬
‫ن تفويض المدّة‬
‫الفتوى على الثّمانين ‪ ,‬واختار ابن الهمام السّبعين سنةً ‪ ,‬ومنهم من قال بأ ّ‬
‫إلى المام هو المختار والقيس ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة والحنابلة ‪ ,‬فقد ذكرنا مذهبهم قبلً ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫(ر‪:‬ف‬
‫ن متروك لجتهاد المام ‪,‬‬
‫وأمّا الشّافعيّة ‪ ,‬فالصّحيح المشهور عندهم أنّ تقدير تلك السّ ّ‬
‫ومنهم من قدّره باثنتين وستّين سنةً ‪ ,‬أو بسبعين ‪ ,‬أو بثمانين ‪ ,‬أو بمائة ‪ ,‬أو بمائة‬
‫وعشرين سن ًة ‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا انقضت المدّة المذكورة جرى تقسيم ميراث المفقود بين ورثته الموجودين في‬ ‫‪23‬‬

‫اليوم الّذي أعتبر فيه ميّتا ‪ ,‬ل بين الّذين ماتوا قبله ‪ ,‬فكأنّه مات حقيقةً في ذلك اليوم ‪,‬‬
‫بهذا قضى عمر وعثمان رضي ال عنهما ‪ ,‬وهو قول للحنفيّة ‪ ,‬وقول للمالكيّة ‪ ,‬وهو‬
‫القول الصح عند الحنابلة ‪ ,‬وفي القول الخر عند الحنابلة ‪ :‬يقسّم الميراث بعد انقضاء‬
‫عدّة الزّوجة إذا كان المفقود يغلب عليه الهلك وفي قو ٍل للحنفيّة ‪ ,‬وفي القول المعتمد عند‬
‫المالكيّة ‪ ,‬وفي المذهب الشّافعيّ ‪ ,‬وفي قولٍ للحنابلة ‪ :‬أنّ ميراث المفقود يعطى لورثته‬
‫ن الشّافعيّة قالوا ‪ :‬إذا مضت مدّة زائدة على ما يغلب على‬
‫الحياء يوم الحكم بموته ‪ ,‬إل أ ّ‬
‫ي تلك المدّة السّابقة على‬
‫ن أنّ المفقود ل يعيش فوقها ‪ ,‬وحكم القاضي بموته من مض ّ‬
‫الظّ ّ‬
‫حكمه بزمن معلومٍ ‪ ,‬فينبغي أن يصحّ ‪ ,‬ويعطى المال لمن كان وارثه في ذلك الوقت ‪ ,‬وإن‬
‫كان سابقا على الحكم ‪.‬‬
‫وتعتد امرأة المفقود عدّة الوفاة في الوقت الّذي جرى فيه تقسيم ميراثه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫(ر‪:‬ف‬
‫‪ -‬ول ب ّد من الحكم باعتباره ميّتا عند الحنفيّة ‪ ,‬وهو المنصوص عليه في المذهب ‪,‬‬ ‫‪24‬‬

‫وهو قول عند المالكيّة ‪ ,‬وبه أخذ الشّافعيّة ‪.‬‬


‫وهو قول عند الحنابلة ‪ ,‬غير أنّ القول الصحّ عندهم أنّه ل يحتاج إلى حكمٍ باعتباره ميّتا‬
‫‪ ,‬وهو قول للحنفيّة وللمالكيّة ‪.‬‬
‫وأمّا طبيعة الحكم باعتباره المفقود ميّتا ‪ ,‬فللفقهاء فيه خلف ‪ ,‬فهو منشئ للحالة الجديدة‬
‫الّتي أصبح عليها المفقود عند من قال بوجوب صدور الحكم ‪ ,‬وهو مظهر عند من قال‬
‫بعدم وجوب الحكم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫(ر‪:‬ف‬
‫ولهذا الخلف نتائج مهمّة جدا ‪ ,‬فعلى القول بأنّ الحكم منشئ ل تستطيع الزّوجة أن تبدأ‬
‫عدّة الوفاة ‪ ,‬ول أن تتزوّج إل بعد صدوره ‪.‬‬
‫ن أموال المفقود ل توزّع إل بين الورثة الموجودين يوم صدور الحكم ل قبله ‪,‬‬
‫وكذلك فإ ّ‬
‫كأن المفقود قد مات حقيقةً في اليوم المذكور ‪.‬‬
‫ن الحكم مظهر ‪ ,‬فإنّ عدّة الزّوجة تبدأ من تاريخ انتهاء مدّة التّربص ‪ ,‬أو‬
‫وأمّا من قال بأ ّ‬
‫ن الّتي ل يمكن أن يحيا بعدها ‪ ,‬وأنّ ميراث المفقود يقسّم بين ورثته‬
‫من بلوغ المفقود السّ ّ‬
‫الحياء في ذلك التّاريخ ‪ ,‬ول عبرة لصدور الحكم ‪.‬‬
‫أثر ظهور المفقود بعد الحكم بموته ‪:‬‬
‫إن ظهر المفقود حيا بعد الحكم باعتباره ميّتا ‪ ,‬فإنّ لذلك آثارا بالنّسبة لزوجته ‪ ,‬وبالنّسبة‬
‫لمواله ‪.‬‬
‫أوّلً ‪ :‬بالنّسبة لزوجته ‪:‬‬
‫‪ -‬للفقهاء في هذه المسألة خلف ‪:‬‬ ‫‪25‬‬

‫ن المفقود إن عاد ولم تكن زوجته قد تزوّجت فهو أحق بها ‪ ,‬فإن‬
‫ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن زوجته له ‪.‬‬
‫تزوّجت فل سبيل له عليها ‪ ,‬وفي قولٍ آخر ‪ :‬إ ّ‬
‫ن المفقود إن عاد قبل نكاح زوجته غيره ‪ ,‬فهي زوجته ‪ ,‬وهذا هو القول‬
‫وعند المالكيّة أ ّ‬
‫المشهور المعمول به ‪ ,‬فإن عاد بعد النّكاح ‪ ,‬فعن مالكٍ في ذلك روايتان ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬إن عاد قبل الدخول ‪ ,‬فهو أحق بها ‪ ,‬ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني ‪ ,‬وأمّا إن‬
‫عاد بعد الدخول ‪ ,‬فالثّاني على نكاحه ‪ ,‬ول يفرّق بينه ‪ ,‬وبين زوجته ‪.‬‬
‫الثّانية ‪ :‬إن عاد المفقود ‪ ,‬فوجد زوجته قد تزوّجت فل سبيل له عليها ‪ ,‬ولو لم يكن دخول‬
‫ن أقوى‬
‫‪ .‬وقد أخذ بكلّ من الرّوايتين طائفة من المالكيّة ‪ ,‬وقال ابن القاسم ‪ ,‬وأشهب بأ ّ‬
‫القولين ما جاء في الرّواية الثّانية وهي مذكورة في الموطّأ ‪.‬‬
‫وقول الشّافعيّة يختلف بين القديم والجديد ‪ :‬ففي القول القديم ‪ :‬إن قدم المفقود بعد زواج‬
‫امرأته ‪ ,‬ففي عودتها إليه قولن ‪ ,‬وقيل يخيّر الوّل بين أخذها من الثّاني ‪ ,‬وتركها له‬
‫وأخذ مهر المثل منه ‪.‬‬
‫وفي القول الجديد ‪ :‬هي باقية على نكاح المفقود ‪ ,‬فإن تزوّجت غيره فنكاحها باطل ‪ ,‬تعود‬
‫للوّل بعد انتهاء عدّتها من الثّاني ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ المفقود إن قدم قبل أن تتزوّج امرأته ‪ ,‬فهي على عصمته ‪.‬‬
‫فإن تزوّجت غيره ‪ ,‬ولم يدخل بها ‪ ,‬فهي زوجة الوّل في روايةٍ ‪ ,‬وهي الصّحيح ‪ ,‬وفي‬
‫رواي ٍة أنّه يخيّر ‪ .‬فإن دخل بها الثّاني ‪ ,‬كان الوّل بالخيار ‪ ,‬إن شاء أخذ زوجته بالعقد‬
‫الوّل ‪ ,‬وإن شاء أخذ مهرها وبقيت على نكاح الثّاني ‪.‬‬
‫فإن اختار المرأة ‪ ,‬وجب عليها أن تعتدّ من الثّاني قبل أن يطأها الوّل ‪ ,‬ول حاجة‬
‫ق‪.‬‬
‫لطلقها منه ‪ ,‬وهو المنصوص عن أحمد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬تحتاج إلى طل ٍ‬
‫وإن اختار تركها فإنّه يرجع على الزّوج الثّاني بالمهر الّذي دفعه هو ‪ ,‬وفي روايةٍ ‪ :‬يرجع‬
‫عليه بالمهر الّذي دفعه الثّاني ‪ ,‬والوّل هو الصّواب ‪.‬‬
‫وفي رجوع الزّوج الثّاني على المرأة بما دفعه للوّل روايتان ‪ ,‬وعدم الرجوع هو الظهر‬
‫والصح ‪.‬‬
‫ويجب أن يجدّد الزّوج الثّاني عقد زواجه إن اختار الوّل ترك الزّوجة له ‪ ,‬وهو الصّحيح ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ل يحتاج إلى ذلك ‪ ,‬وهو القياس ‪.‬‬
‫فإن رجع المفقود بعد موت الزّوجة على عصمة الثّاني فل خيار له ‪ ,‬وهي زوجة الثّاني‬
‫ظاهرا وباطنا ‪ ,‬وهو يرثها ول يرثها الوّل ‪ ,‬وقال بعضهم ‪ :‬يرثها ‪.‬‬
‫وقد جعل بعض الحنابلة التّخيير للمرأة ‪ ,‬فإن شاءت اختارت الوّل ‪ ,‬وإن شاءت اختارت‬
‫الثّاني ‪ ,‬وأيّهما اختارت ‪ ,‬ردّت على الخر ما أخذت منه ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬بالنّسبة لمواله ‪:‬‬
‫‪ -‬للفقهاء في هذه المسألة خلف ‪:‬‬ ‫‪26‬‬

‫ن المفقود إن عاد حيا ‪ ,‬فإنّه ل يرجع على زوجته وأولده بما أنفقوه‬
‫ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫بإذن القاضي وإن باعوا شيئا من العيان ضمنوه ‪.‬‬
‫ويأخذ أيضا ما بقي في أيدي الورثة من أمواله ‪ ,‬ول يطالب بما ذهب ‪ ,‬سواء أظهر حيا‬
‫قبل الحكم باعتباره ميّتا ‪ ,‬أم بعده ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يرجع بجميع تركته ‪ ,‬ولو بعد تقسيمها على الورثة ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة يأخذ المفقود ما وجد من أعيان أمواله وأمّا ما تلف ‪ ,‬فإنّه مضمون على‬
‫الورثة في الرّواية الصّحيحة في المذهب ‪ ,‬وفي الرّواية الخرى غير مضمونٍ ‪ ,‬وقد‬
‫اختارها جماعة منهم ‪.‬‬

‫مُفْلِس *‬
‫انظر ‪ :‬إفلس ‪.‬‬

‫مَ ْفهُوم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفهوم ‪ :‬هو ما د ّل عليه اللّفظ ل في محلّ النطق ‪ ,‬أي يكون حكما لغير المذكور ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫وحالً من أحواله ‪ ,‬كتحريم ضرب الوالدين المفهومة حرمته من قوله تعالى ‪ { :‬فَلَ َتقُل‬
‫ّل ُهمَا أُفّ } الدّالّ منطوقا على تحريم التّأفيف ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المنطوق ‪:‬‬
‫‪ -‬المنطوق ‪ :‬هو ما د ّل عليه اللّفظ على ثبوت حكم المذكور مطابقةً ‪ ,‬أو تضمنا ‪ ,‬أو‬ ‫‪2‬‬

‫التزاما ‪ ,‬أي يكون حكما للمذكور وحالً من أحواله ‪.‬‬


‫والصّلة بين المفهوم والمنطوق ‪ :‬أنّ كليهما من أقسام الدّللة ‪ ,‬وقيل ‪ :‬من أقسام المدلول‬
‫‪ .‬الحكم الجمالي ‪:‬‬
‫‪ -‬يختلف حكم المفهوم باختلف قسميه ‪ :‬مفهوم الموافقة ‪ ,‬ومفهوم المخالفة وذلك على‬ ‫‪3‬‬

‫النّحو التّالي ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬مفهوم الموافقة ‪:‬‬
‫‪ -‬مفهوم الموافقة ‪ :‬أن يكون المسكوت عنه موافقا للمنطوق به في الحكم ‪ ,‬كدللة‬ ‫‪4‬‬

‫النّهي عن التّأفيف على حرمة الضّرب ‪ ,‬وهذا يسمّى عند الحنفيّة بدللة ال ّنصّ ‪.‬‬
‫وهو حجّة اتّفاقا كما ذكره ابن عابدين ‪ ,‬وقال الشّوكاني نقلً عن القاضي أبي بكرٍ الباقلنيّ‬
‫‪ :‬القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه ‪.‬‬
‫ثمّ مفهوم الموافقة إن كان أولى بالحكم من المنطوق به يسمّى فحوى الخطاب ‪ ,‬كالمثال‬
‫ن الضّرب أشد من التّأفيف في اليذاء ‪.‬‬
‫السّابق ‪ ,‬ل ّ‬
‫وإن كان مساويا له يسمّى لحن الخطاب ‪ ,‬كتحريم إحراق مال اليتيم المفهومة حرمته من‬
‫ن يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي ُبطُو ِنهِمْ نَارا‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِي َ‬
‫ن تحريم الحراق مساوٍ لتحريم الكل المذكور في الية في التلف ‪.‬‬
‫سعِيرا } ل ّ‬
‫ن َ‬
‫َوسَيَصْ َلوْ َ‬
‫ب ‪ -‬مفهوم المخالفة ‪:‬‬
‫‪ -‬مفهوم المخالفة ‪ :‬هو ثبوت نقض حكم المنطوق ‪ ,‬نفيا كان أو إثباتا ‪ ,‬للمسكوت عنه‬ ‫‪5‬‬

‫ن الخطاب دال عليه ‪.‬‬


‫ن دليله من جنس الخطاب ‪ ,‬أو ل ّ‬
‫‪ ,‬ويسمّى دليل الخطاب أيضا ‪ ,‬ل ّ‬
‫والمفاهيم المخالفة بأقسامها حجّة عند الجمهور إل مفهوم اللّقب ‪ ,‬قال الجلل المحلّي وابن‬
‫عبد الشّكور ‪ :‬احتجّ بمفهوم اللّقب ال ّدقّاق والصّيرفي من الشّافعيّة ‪ ,‬وابن خويزمنداد من‬
‫س ‪ ,‬نحو على زي ٍد حج أي ‪ :‬ل على‬
‫المالكيّة ‪ ,‬وبعض الحنابلة ‪ ,‬علما كان أو اسم جن ٍ‬
‫عمرٍو ‪ ,‬وفي النّعم زكاة أي ‪ :‬ل في غيرها ‪.‬‬
‫ل عن التّحرير ‪ -‬ينفون مفهوم‬
‫وأمّا جمهور الحنفيّة فإنّهم ‪ -‬كما ذكر ابن عابدين نق ً‬
‫المخالفة بأقسامه في كلم الشّارع فقط ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬أفاد أنّ مفهوم المخالفة في‬
‫الرّوايات ونحوها معتبر بأقسامه حتّى مفهوم اللّقب ‪.‬‬
‫وفي أنواع مفهوم المخالفة ‪ ,‬وشروط العمل به ‪ ,‬وغير ذلك تفصيل ينظر في الملحق‬
‫الصوليّ ‪.‬‬

‫مُ َف ّوضَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المفوّضة في اللغة ‪ :‬اسم فاعلٍ من التّفويض ‪ ,‬والتّفويض جعل المر إلى غيره ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقال ‪ :‬فوّض المر إليه أي جعل له التّصرف فيه ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬هي المرأة الّتي نكحت بل ذكر مه ٍر ‪ ,‬أو على أن ل مهر لها ‪ ,‬وسمّيت‬
‫مفوّضةً بكسر الواو ‪ ,‬لتفويضها أمرها إلى الزّوج أو إلى الوليّ بل مه ٍر ‪ ,‬أو لنّها أهملت‬
‫المهر ‪ ,‬وتسمّى مفوّض ًة بفتح الواو ‪ ,‬إذا فوّض وليها أمرها إلى الزّوج بل مهرٍ ‪ ,‬قال‬
‫بعض العلماء ‪ :‬والفتح أفصح ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الشّغار ‪:‬‬
‫‪ -‬الشّغار في اللغة ‪ :‬من شغر البلد شغورا إذا خل عن حافظٍ يمنعه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن بضع كلّ واحدةٍ صداق الخرى ‪,‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬أن يزوّج كل واحدٍ صاحبه بنته على أ ّ‬
‫ول مهر سوى ذلك فيقبل ذلك ‪.‬‬
‫ن كلً منهما يجعل عقد النّكاح بل مهرٍ ‪.‬‬
‫والعلقة بينهما أ ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالمفوّضة ‪:‬‬
‫حكم نكاح المفوّضة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ المهر ليس من أركان عقد النّكاح ‪ ,‬وأنّ عقد الزّوج يصح بل‬ ‫‪3‬‬

‫مهرٍ ‪ ,‬فإذا زوّجها وسكت عن تعيين الصّداق حين العقد ‪ ,‬أو قالت لوليّها أو لزوجها أو‬
‫لجنبيّ ‪ :‬زوّجني على ما شئت أو نحو ذلك صحّ العقد باتّفاق الفقهاء ‪.‬‬
‫ن َأوْ َتفْرِضُواْ‬
‫ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ َت َمسّوهُ ّ‬
‫والصل في ذلك قوله تعالى ‪ { :‬لّ جُنَا َ‬
‫ن ابن مسعودٍ رضي ال عنه سئل عن رجلٍ تزوّج‬
‫ضةً } الية ‪ ,‬ولما روي من أ ّ‬
‫َلهُنّ َفرِي َ‬
‫امرأةً ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتّى مات ‪ ،‬فقال رضي ال عنه ‪ :‬لها مثل‬
‫صداق نسائها ل وكس ول شطط ‪ ،‬وعليها العدّة ولها الميراث ‪ ,‬ولنّ القصد من النّكاح‬
‫الستمتاع والوصلة دون الصّداق ‪ ,‬فصحّ من غير ذكره كالنّفقة ‪.‬‬
‫أقسام المفوّضة ‪:‬‬
‫قسّم الفقهاء التّفويض إلى ضربين ‪:‬‬
‫الضّرب الوّل ‪ :‬تفويض البضع ‪:‬‬
‫‪ -‬التّفويض ينصرف إلى تفويض البضع عند الطلق ‪ ,‬وهو إخلء النّكاح عن المهر‬ ‫‪4‬‬

‫كأن تأذن المرأة لوليّها أن يزوّجها بغير صداقٍ بقولها له ‪ :‬زوّجني بل مهرٍ ‪ ,‬وذلك إذا‬
‫كانت عاقلةً بالغةً رشيدةً ثيّبا كانت أو بكرا ‪ ,‬فيزوّجها الولي ويسكت عن المهر ‪ ,‬وهذه‬
‫الصورة من التّفويض صحيحة باتّفاق الفقهاء ‪ ,‬أو ينفي المهر بقوله ‪ :‬زوّجتك بغير مهرٍ‬
‫أو زوّجتك بغير مهرٍ ل في الحال ول في المآل ‪ ,‬فيصح العقد بهذه الصّيغة عند جمهور‬
‫الفقهاء ‪ ,‬للنصوص السّابقة ‪ ,‬ولنّ القصد من النّكاح الوصلة والستمتاع دون الصّداق ‪,‬‬
‫ن معنى الصورتين واحد ‪.‬‬
‫ول ّ‬
‫وذهب المالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى بطلن عقد النّكاح في هذه الصورة ‪ ،‬لنّ‬
‫ص بها النّبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫التزام هذا الشّرط يجعلها كالموهوبة الّتي اخت ّ‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬إن وقع ‪ -‬النّكاح بهذه الصورة ‪ -‬فالمشهور أنّه يفسخ النّكاح قبل الدخول‬
‫بناءً على أنّ فساده من جهة صداقه ‪ ,‬ويثبت بعد الدخول بصداق المثل ‪ ,‬ومقابل المشهور‬
‫قولن ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬يفسخ العقد قبل البناء وبعد البناء بنا ًء على أنّ فساد النّكاح من جهة عقده ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ل يفسخ العقد قبل البناء ول بعد البناء ويكون لها صداق المثل ‪.‬‬
‫وهل يفسخ العقد بطلق ؟ قولن عند المالكيّة الرّاجح منهما أنّه يفسخ ‪ -‬في حال الفسخ ‪-‬‬
‫بطلق ‪ ,‬لنّه مختلف فيه ‪.‬‬
‫وفي كلّ الحوال يلحق به الولد ‪ ,‬ويسقط به الحد لوجود الخلف ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬وفي معنى إسقاط المهر ‪ -‬المذكور في الصورة السّابقة ‪ -‬إرسال المرأة‬
‫للزّوج مالً على أن يدفعه لها صداقا فيفسخ العقد قبل البناء ويثبت بعد البناء بصداق‬
‫المثل ‪ ,‬أمّا لو سكتا عن المهر عند العقد أو دخل على التّفويض باللّفظ أو على تحكيم‬
‫الغير في بيان قدر المهر فل فساد ‪.‬‬
‫وأمّا إذا كانت المفوّضة صغير ًة أو مجنونةً أو غير رشيدةٍ كأن تكون سفيهةً محجورا عليها‬
‫فل يصح تفويضها ‪.‬‬
‫ق صحّ النّكاح وبطل التّفويض في الظهر عند‬
‫وإذا زوّج الب ابنته المجبرة بغير صدا ٍ‬
‫الشّافعيّة وكان لها مهر المثل بالعقد ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة هو وجه عند الشّافعيّة إلى صحّة النّكاح والتّفويض ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إذا فوّض الولي نكاحها بغير إذنها فعلى ضربين ‪:‬‬
‫قال الماورد ّ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون الولي ممّن ل ينكح إل بإذن كسائر الولياء مع الثّيّب وغير الب مع‬
‫البكر ‪ ,‬فإن لم يستأذنها في النّكاح ول في التّفويض كان النّكاح باطلً ‪ ,‬فإن استأذنها في‬
‫ح النّكاح وبطل التّفويض ‪ ,‬وكان لها بالعقد مهر المثل‬
‫النّكاح ولم يستأذنها في التّفويض ص ّ‬
‫ن كالب مع بنته البكر‬
‫‪ .‬والضّرب الثّاني ‪ :‬أن يكون الولي ممّن يصح أن ينكح من غير إذ ٍ‬
‫فالنّكاح صحيح بغير إذنها فأمّا صحّة التّفويض بغير إذنها فمعتبر باختلف القولين في‬
‫الّذي بيده عقدة النّكاح ‪ ,‬فإن قيل ‪ :‬إنّه الزّوج دون الب بطل تفويض الب ‪ ,‬وإن قيل ‪:‬‬
‫إنّه الب ففي صحّة تفويضه وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬وهو قول أبي إسحاق المروزيّ ‪ :‬أنّه باطل ولها بالعقد مهر المثل ‪.‬‬
‫ي بن أبي هريرة ‪ :‬أنّه صحيح كالعقود وليس لها بالعقد‬
‫والوجه الثّاني ‪ :‬هو قول أبي عل ّ‬
‫مهر ‪.‬‬
‫وقال النّووي رحمه اللّه تعالى ‪ :‬لو زوّجها الولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر‬
‫المثل ‪ ,‬فهو كما لو نقص عن مهر المثل ‪ ,‬فإن كان الولي مجبرا فهل يبطل النّكاح ؟ أم‬
‫يصح بمهر المثل ؟ قولن ‪.‬‬
‫وإن كان الولي غير مجب ٍر فهل يبطل قطعا أم على القولين ؟ فيه طريقان ‪.‬‬
‫ولو أنكحها وليها على أن ل مهر لها ول نفقة أو على أن ل مهر لها وتعطي زوجها ألفا‬
‫فهذا أبلغ في التّفويض ‪ ,‬ولو قالت لوليّها ‪ :‬زوّجني بل مهرٍ فزوّجها بمهر المثل من نقد‬
‫البلد صحّ المسمّى وإن زوّجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد لم يلزم المسمّى وكان‬
‫كما لو أنكحها تفويضا ‪.‬‬
‫الضّرب الثّاني ‪ :‬تفويض المهر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يصح النّكاح إذا زوّجها على ما شاءت هي أو على ما شاء‬ ‫‪5‬‬

‫الزّوج ‪ ,‬أو على ما شاء الولي أو على ما شاء أجنبي ‪ :‬أي أن يجعل الصّداق إلى رأي أحد‬
‫ي بقوله ‪ :‬زوّجتك على ما شئت أو على ما شئنا ‪,‬‬
‫ي ‪ ,‬أو رأي أجنب ّ‬
‫الزّوجين أو رأي الول ّ‬
‫أو على ما شاء زيد ‪ ,‬أو زوّجتك على حكمها أو على حكمك أو على حكمي ‪ ,‬أو على حكم‬
‫زيدٍ ‪ ,‬ونحو ذلك ‪ ,‬فالنّكاح صحيح في جميع هذه الصور ويجب مهر المثل لنّها لم تأذن‬
‫في تزويجها إل على صداقٍ لكنّه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل ‪ ,‬والتّفويض‬
‫الصّحيح كما قال ابن قدامة ‪ :‬أن تأذن المرأة الجائزة للتّصرف لوليّها في تزويجها بغير‬
‫مه ٍر ‪ ,‬أو بتفويض قدره أو يزوّجها أبوها كذلك ‪ -‬أي بغير مهرٍ ‪ -‬فأمّا إن زوّجها غير‬
‫أبيها ولم يذكر مهرا بغير إذنها في ذلك فإنّه يجب مهر المثل ‪.‬‬
‫قال المام النّووي رحمه اللّه ‪ :‬لو قالت لوليّها ‪ :‬زوّجني وسكتت عن المهر فالّذي ذكره‬
‫ن النّكاح يعقد غالبا بمهر فيحمل الذن على العادة‬
‫ن هذا ليس بتفويض ل ّ‬
‫المام وغيره أ ّ‬
‫فكأنّها قالت ‪ :‬زوّجني بمهر ‪.‬‬
‫ثمّ قال ‪ :‬وفي بعض كتب العراقيّين ما يقتضي كونه تفويضا ‪.‬‬
‫فإذا أطلقت الذن ‪ -‬أي سكتت عن المهر ‪ -‬وزوّجها الولي ولم يسمّ لها في العقد مهرا ‪,‬‬
‫ي هل يكون نكاح تفويضٍ أم‬
‫ول شرط فيه أن ليس لها مهرا ‪ ,‬فقد اختلف أصحاب الشّافع ّ‬
‫ل ؟ على وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬وهو قول أبي إسحاق المروزيّ أنّه ليس بنكاح تفويضٍ ‪ ,‬لعدم الشّرط في سقوط‬
‫المهر ويكون مهر المثل مستحقا بالعقد ‪ ,‬قال النّووي رحمه اللّه تعالى ‪ :‬وليس النّكاح في‬
‫هذه الصور خاليا عن المهر وليس هذا التّفويض بالتّفويض الّذي عقدنا له الباب ‪.‬‬
‫ي بن أبي هريرة أنّه نكاح تفويضٍ ‪ ,‬لنّ إسقاط ذكر المهر في‬
‫الثّاني ‪ :‬وهو قول أبي عل ّ‬
‫العقد كاشتراط سقوطه في العقد ‪ ,‬فعلى هذا ل مهر لها بالعقد إل أن تتعقّبه أحد أمورٍ‬
‫أربعةٍ هي ‪:‬‬
‫إمّا ‪ :‬بأن يفرضاه عن مراضاةٍ ‪ ,‬وإمّا ‪ :‬بأن يفرضه الحاكم بينهما ‪ ,‬وإمّا بالدخول بها ‪,‬‬
‫وإمّا بالموت ‪ ,‬كما يأتي تفصيله لحقا ‪.‬‬
‫ما تستحقه المفوّضة من الصّداق ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب للمفوّضة مهر ‪ :‬إمّا بنفس العقد ‪ ,‬أو بغيره على خلفٍ‬ ‫‪6‬‬

‫بين الفقهاء كما سيأتي ‪ ,‬وأنّه ل يخلو نكاح في دار السلم عن مه ٍر وأنّ المفوّضة‬
‫تستحق هذا المهر بأحد أمو ٍر أربعةٍ ‪:‬‬
‫أوّلها ‪ :‬أن يفرض أحد الزّوجين المهر برضاء الخر قبل الدخول فهذا المفروض حكمه‬
‫حكم المهر المسمّى في العقد فيتشطّر بالطّلق ويتأكّد بالدخول وبالموت ولها حبس نفسها‬
‫لتسليمه ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أن يفرضه القاضي بينهما وذلك عند تنازعهما في قدر المفروض أو عندما يمتنع‬
‫الزّوج من الفرض فيفرض مقدار مهر المثل لنّ وظيفته فصل الخصومات ول يتوقّف ما‬
‫يفرضه القاضي على رضاهما ‪ ,‬لنّه حكم إل أنّه ل يزيد عن مهر مثلها ‪ ,‬لنّ الزّيادة عن‬
‫مهر المثل ميل على الزّوج ‪ ,‬ول ينقص عن مهر المثل ‪ ,‬لنّ النقصان عن مهر المثل ميل‬
‫على الزّوجة ول يحل الميل لحد الخصمين ‪ ,‬ولنّه إنّما يفرض بدل البضع ‪ ,‬فيقدّر بقدره‬
‫كسلعة أتلفت يقوّمها بما يقول به أهل الخبرة ‪ ,‬قال البهوتي ‪ :‬فل يغيّره حاكم آخر ما لم‬
‫ن الحاكم يغيّره ويفرضه ثانيا‬
‫يتغيّر السّبب كيساره وإعساره في النّفقة والكسوة ‪ ,‬فإ ّ‬
‫باعتبار الحال ‪ ,‬وليس ذلك نقضا للحكم السّابق ‪ ,‬وبذلك يشترط للقاضي عند فرضه لمهر‬
‫المثل علمه بقدر مهر مثلها حتّى ل يزيد عليه ول ينقص عنه لكن الشّافعيّة نصوا على أنّه‬
‫يغتفر الزّيادة أو النّقص اليسير الواقع في محلّ الجتهاد الّذي يحتمل مثله في قدر مهر‬
‫المثل ‪ ,‬وقال الشّربيني الخطيب ما معناه ‪ :‬منع الزّيادة والنّقص وإن رضي الزّوجان وهو‬
‫كذلك ‪ ,‬لنّ منصبه يقتضي ذلك ثمّ إن شاءا بعد ذلك فعل ما شاءا ‪ ,‬واختار الذرعي‬
‫الجواز ‪.‬‬
‫وما فرضه القاضي من مهر المثل كالمسمّى في العقد أيضا فيتنصّف بالطّلق قبل الدخول‬
‫ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ‬
‫ول تجب المتعة معه ‪ ,‬لعموم قوله تعالى ‪ { :‬لّ جُنَا َ‬
‫ن عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَرُ ُه وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ قَ ْدرُهُ مَتَاعا‬
‫ضةً َومَ ّتعُوهُ ّ‬
‫ن َأوْ َتفْرِضُواْ َلهُنّ َفرِي َ‬
‫َت َمسّوهُ ّ‬
‫ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ وَقَدْ َفرَضْ ُتمْ َلهُنّ‬
‫حسِنِينَ ‪َ ،‬وإِن طَّلقْ ُتمُوهُ ّ‬
‫حقّا عَلَى ا ْل ُم ْ‬
‫بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫عقْدَةُ ال ّنكَاحِ } ‪.‬‬
‫ضةً فَنِصْفُ مَا َفرَضْ ُتمْ َإلّ أَن َيعْفُونَ َأوْ َي ْع ُفوَ الّذِي بِيَدِ ِه ُ‬
‫فَرِي َ‬
‫ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّه ل يصح فرض أجنبيّ بغير إذن الزّوجين لنّه ليس‬
‫ون ّ‬
‫ن هذا فيه خلف كلّ يقتضيه العقد فإذا فرض أجنبي للمفوّضة مهرا‬
‫بزوج ول حاكمٍ ‪ ,‬ول ّ‬
‫يعطيه من مال نفسه لم يصحّ وإن رضيت على الصحّ عند الشّافعيّة ‪ ,‬ومقابل الصحّ يصح‬
‫كما يصح أن يؤدّي الصّداق عن الزّوج بغير إذنه ‪.‬‬
‫ويرى المالكيّة أنّ فرض الجنبيّ كفرض الزّوج ويسمون هذا تحكيما ‪ ,‬فإن فرض مهر‬
‫المثل لزمهما ول يلزمه فرضه ابتداءً ‪ ,‬وإن فرض أقلّ منه لزمه دون الزّوجة ‪ ,‬وإن فرض‬
‫المحكّم أكثر منه فعلى العكس أي لزمها دونه فهو مخيّر بين الرّضا وعدمه ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬أن يدخل بها ‪ ،‬فقد ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا دخل بالمفوّضة وجب لها مهر المثل‬
‫ن الوطء ل يباح بالباحة ‪ ,‬لما فيه من‬
‫وإن أذنت له في وطئها بشرط أن ل مهر لها ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن الوطء في دار السلم ل يخلو من مه ٍر أو حدّ ‪ ,‬ولتخرج بالتزام المهر‬
‫ق اللّه ‪ ,‬ول ّ‬
‫حّ‬
‫ممّا خصّ به نبي اللّه صلى ال عليه وسلم من نكاح الموهوبة بغير مهرٍ ‪ ,‬ومن حكم الزّنا‬
‫الّذي ل يستحق فيه مهر ‪ ,‬ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬لها الصّداق بما استحللت‬
‫من فرجها » ‪.‬‬
‫ومثل الدخول في وجوب مهر المثل الخلوة الصّحيحة ‪ ,‬وذلك عند الحنفيّة والحنابلة والقديم‬
‫عند الشّافعيّة والخلوة الصّحيحة أن يخلو الزّوج بزوجته بعد العقد الصّحيح بل مان ٍع حسّيّ‬
‫كمرض لحدهما يمنع الوطء ‪ ,‬وبل مانعٍ طبعيّ كوجود شخصٍ ثالثٍ عاق ٍل معهما ‪ ,‬وبل‬
‫مانعٍ شرعيّ من أحدهما كإحرام لفرض من حجّ أو عمرةٍ ‪ ,‬قال الحنفيّة ‪ :‬ومن المانع‬
‫الحسّيّ رتق وقرن وعفل ‪ ,‬وصغر ل يطاق معه الجماع ‪.‬‬
‫ن المهر يتقرّر كذلك بلمس الزّوجة بشهوة والنّظر إلى فرجها بشهوة ‪,‬‬
‫وزاد الحنابلة ‪ :‬أ ّ‬
‫ع فأوجب المهر كالوطء ‪ ,‬ولنّه نال‬
‫ن ذلك نوع استمتا ٍ‬
‫وتقبيلها ولو بحضرة النّاس ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ }‬
‫منها شيئا ل يباح لغيره ‪ ,‬ولمفهوم قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن طَّلقْتُمُوهُ ّ‬
‫وحقيقة اللّمس التقاء البشرتين ‪.‬‬
‫أمّا المالكيّة والشّافعيّة في الجديد فل يستقر عندهم المهر بالخلوة لقوله تعالى ‪َ { :‬وإِن‬
‫ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ } الية ‪ ,‬والمراد بالمسّ الجماع ‪ ,‬ولنّ الخلوة ل تلتحق‬
‫طَّلقْ ُتمُوهُ ّ‬
‫بالوطء في سائر الحكام من حدّ وغسلٍ ونحوهما ‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬الموت ‪ ،‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المفوّضة يجب لها مهر المثل إذا مات‬
‫زوجها أو ماتت هي قبل الفرض وقبل المسيس ‪ ,‬لجماع الصّحابة رضي ال عنهم على‬
‫ن الموت ل يبطل به النّكاح بدليل التّوارث وإنّما هو نهاية له ونهاية العقد‬
‫ذلك ‪ ,‬ول ّ‬
‫كاستيفاء المعقود عليه بدليل الجارة ومتى استقرّ لم يسقط منه شيء بانفساخ النّكاح ول‬
‫ن النّكاح قد‬
‫غيره ‪ ,‬قال الحنابلة ‪ :‬حتّى ولو قتل أحدهما الخر ‪ ,‬أو قتل أحدهما نفسه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه لو قتلت المرأة زوجها‬
‫بلغ غايته فقام مقام الستيفاء للمنفعة ‪ ,‬ون ّ‬
‫قبل الدخول لم يستق ّر المهر ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين ‪ :‬واعلم أنّه إذا ماتا جميعا فعند أبي حنيفة ل يقضى بشيء وعندهما‬
‫يقضى بمهر المثل ‪.‬‬
‫وقال السّرخسي ‪ :‬هذا إذا تقادم العهد بحيث يتعذّر على القاضي الوقوف على مهر المثل ‪,‬‬
‫أمّا إذا لم يتقادم فيقضى بمهر المثل عنده أيضا ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة إلى أنّ موت أحد الزّوجين ل يجب به شيء ‪.‬‬
‫قال المام النّووي في الرّوضة ‪ :‬إذا مات أحد الزّوجين قبل الفرض والمسيس فهل يجب‬
‫ق أنّها نكحت بل‬
‫مهر المثل أم ل يجب شيء ؟ فيه خلف مبني على حديث بروع بنت واش ٍ‬
‫مهرٍ ‪ ,‬فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بمهر‬
‫يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بمهر نسائها والميراث ‪.‬‬
‫والرّاجح ترجيح الوجوب والحديث صحيح ‪ ،‬ول اعتبار بما قيل في إسناده وقياسا على‬
‫الدخول فإنّ الموت مقرّر كالدخول ‪ ,‬ول وجه للقول الخر مع صحّة الحديث ‪.‬‬
‫متى تستحق المفوّضة مهر المثل ؟‬
‫ن للمفوّضة قبل الدخول مطالبة الزّوج بأن‬
‫ص الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أ ّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪7‬‬

‫ن النّكاح ل يخلو من المهر ‪,‬‬


‫يفرض لها مهرا لتكون على بصيرةٍ من تسليم نفسها ‪ ,‬ل ّ‬
‫فلها حق المطالبة ببيان قدره ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ول نعلم فيه مخالفا ‪ ,‬فإن اتّفق الزّوجان على فرضه جاز ما فرضاه ‪,‬‬
‫ل كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بقدر مهر المثل أو غير عالمين به ‪ ،‬لنّه إذا فرض‬
‫قلي ً‬
‫لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه ‪ ,‬وإن رضيت باليسير ‪ ,‬فقد رضيت بدون ما‬
‫يجب لها فل تمنع من ذلك ‪ ,‬عن عقبة بن عام ٍر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫ال عليه وسلم لرجل ‪ « :‬أترضى أن أزوّجك فلنة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وقال للمرأة ‪ :‬أترضين أن‬
‫أزوّجك فلنا ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فزوّج أحدهما صاحبه فدخل بها الرّجل ولم يفرض لها صداقا‬
‫ولم يعطها شيئا ‪ ،‬وكان ممّن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر ‪ ،‬فلمّا‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم زوّجني فلنة ولم يفرض لها‬
‫حضرته الوفاة قال ‪ :‬إ ّ‬
‫صداقا ‪ ،‬ولم أعطها شيئا وإنّي أشهدكم أنّي قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر ‪ ،‬فأخذت‬
‫ف»‪.‬‬
‫سهما فباعته بمائة أل ٍ‬
‫فأمّا إن تشاحّا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه ‪ ,‬فإن لم‬
‫ترض به لم يستق ّر لها حتّى ترضاه ‪ ,‬فإن طلّقها قبل الدخول فليس لها إل المتعة ‪ ,‬لنّه لم‬
‫يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة البتداء ‪ ,‬وإن فرض لها أقلّ من مهر المثل فلها‬
‫المطالبة بتمامه ول يثبت لها ما لم ترض به ‪ ,‬وإن تشاحّا رفعا إلى القاضي ‪ ,‬وفرض لها‬
‫مهر المثل كما سبق ‪.‬‬
‫أمّا المالكيّة فقالوا ‪ :‬إنّ للمفوّضة طلب تقدير قدر المهر في نكاح التّفويض قبل البناء‬
‫ويكره لها تمكينه من نفسها قبل البناء إل أنّه يلزمها الرّضا بما فرض لها الزّوج إن فرض‬
‫لها مهر المثل أو أكثر ‪ ,‬أمّا إن فرض لها بأقلّ من مهر مثلها فل يلزمها الرّضا به ‪ ,‬فإن‬
‫رضيت به جاز إذا كانت رشيدةً رشّدها مجبرها بعد بلوغها وتجربتها بحسن تصرفها في‬
‫المال بشهادة عدلين على رفع حجره عنها وإطلق التّصرف لها ولو كان ذلك بعد الدخول‬
‫‪ ,‬كما يجوز للب أن يرضى بأقلّ من مهر مثلها بالنّسبة لغير الرّشيدة ‪ ,‬وإن كان ذلك بعد‬
‫الدخول أيضا ‪ ,‬وكذلك يجوز لوصيّ الب أن يرضى بأق ّل من مهر مثل محجورته بشرط أن‬
‫يكون ذلك قبل الدخول ‪ ,‬وبشرط أن يكون هذا صلحا لها كأن كان راجيا حسن عشرة‬
‫زوجها لها ‪ ,‬ول يجوز لوليّ البكر المهملة الّتي مات أبوها ولم يوص عليها ولم يقدّم‬
‫القاضي عليها مقدّما يتصرّف لها الرّضا بأقلّ من مهر مثلها ‪.‬‬
‫وقالوا إذا لم يرض الزّوج بما فرض لها فله تطليقها ول شيء عليه عند ذلك ‪.‬‬
‫وللمفوّضة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة حبس نفسها عن الزّوج ليفرض لها‬
‫مهرا ولها كذلك حبس نفسها عنه لتسليم المفروض إذا كان حا ًل كالمسمّى في العقد ‪ ,‬أمّا‬
‫إذا كان المفروض مؤجّلً فليس لها حبس نفسها عنه لتسليمه كالمهر المسمّى في العقد إذا‬
‫كان مؤجّلً أيضا ‪.‬‬
‫وفي مقابل الصحّ عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّه ليس لها حبس نفسها عن زوجها لتسليم المفروض‬
‫لنّها سامحت بالمهر فكيف تضايق في تقديمه ‪.‬‬
‫‪ -‬واختلف الفقهاء في وقت استحقاق المفوّضة للمهر فذهب الحنفيّة والحنابلة وهو‬ ‫‪8‬‬

‫مقابل الظهر عند الشّافعيّة إلى أنّ المفوّضة يجب لها المهر بنفس العقد ‪ ,‬ولذلك يحق لها‬
‫ولية المطالبة بفرضه ‪ ,‬وولية المطالبة بتسليم المفروض ‪ ,‬ولنّه لو لم يجب بنفس العقد‬
‫لما استقرّ بالموت كما في العقد الفاسد ‪ ,‬ولنّ النّكاح ل يجوز أن يخلو عن المهر والقول‬
‫ن ملك النّكاح لم يشرع لعينه ‪ ,‬بل لمقاصد ل‬
‫بعدم وجوبه يفضي إلى خلوّه عنه ‪ ,‬ول ّ‬
‫حصول لها إل بالدّوام على النّكاح والقرار عليه ‪ ,‬ول يدوم إل بوجوب المهر بنفس العقد ‪,‬‬
‫لما يجري بين الزّوجين من السباب الّتي تحمل الزّوج على الطّلق من الوحشة والخشونة‬
‫فلو لم يجب المهر بنفس العقد ل يبالي الزّوج عن إزالة هذا المذهب بأدنى خشونةٍ تحدث‬
‫بينهما ‪ ,‬لنّه ل يشق عليه إزالته لمّا لم يخف لزوم المهر ‪ ,‬فل تحصل المقاصد المطلوبة‬
‫ن مصالح النّكاح ومقاصده ل تحصل إل بالموافقة ‪ ,‬ول تحصل الموافقة إل‬
‫من النّكاح ‪ ,‬ول ّ‬
‫إذا كانت المرأة عزيز ًة مكرّمةً عند الزّوج ول عزّة إل بانسداد طريق الوصول إليها بمال‬
‫له خطر عنده ‪ ,‬لنّ ما ضاق طريق إصابته يعز في العين فيعز به إمساكه وما يتيسّر‬
‫طريق إصابته يهون في العين فيهون إمساكه ‪ ,‬ومتى هانت المرأة في أعين الزّوج‬
‫تلحقها الوحشة فل تقع الموافقة ‪ ,‬فل تحصل مقاصد النّكاح ‪ ,‬ولنّ الملك ثابت في جانبها‬
‫إمّا في نفسها ‪ ,‬وإمّا في المتعة وأحكام الملك في الحرّة تشعر بالذلّ والهوان ‪ ,‬فل ب ّد وأن‬
‫يقابله مال له خطر ‪ ,‬لينجبر الذل من حيث المعنى ‪ ,‬ولنّها إذا طلبت الفرض من الزّوج‬
‫يجب عليه الفرض حتّى لو امتنع فالقاضي يجبره على ذلك ولو لم يفعل ناب القاضي منابه‬
‫في الفرض ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة في الظهر عندهم إلى أنّه ل يجب للزّوجة المفوّضة مهر على زوجها‬
‫بنفس العقد لنّ القرآن دلّ على أنّه ل يجب لها إذا طلقت قبل المسيس إل المتعة ‪ ,‬ولنّه‬
‫لو وجب لها مهر بنفس العقد لتشطّر بالطّلق قبل الدخول كالمسمّى الصّحيح ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬لم يجب للمفوّضة بالعقد مهر ‪ ,‬لشتراطه سقوطه ‪ ,‬ول لها أن تطالب‬
‫قال الماورد ّ‬
‫بمهر ‪ ,‬لنّه لم يجب لها بالعقد مهر ولكن لها أن تطالب بأن يفرض لها مهرا إمّا بمراضاة‬
‫الزّوجين أو بحكم الحاكم فيصير المهر بعد الفرض كالمسمّى في العقد ‪ ,‬ويفهم من كلم‬
‫المالكيّة أنّهم يرون مثل مذهب الشّافعيّة حيث نصوا على أنّه يجوز للزّوج إذا فرض‬
‫المحكّم لها مهر المثل ولم يرض أن يطلّقها ول شيء عليه ‪ ,‬ممّا يدل على أنّه لم يجب لها‬
‫مهر بنفس العقد ‪.‬‬
‫تنصيف مهر المفوّضة إذا طلقت قبل الدخول ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في انتصاف ما فرض للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول وذلك بعد ما‬ ‫‪9‬‬

‫اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها قبل الدخول وقبل الفرض فل يجب لها شيء من المهر ‪ ,‬لمفهوم‬
‫ضةً فَنِصْفُ مَا‬
‫ن وَقَدْ فَرَضْ ُتمْ َلهُنّ فَرِي َ‬
‫ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُ ّ‬
‫قولـه تعالى ‪َ { :‬وإِن طَّلقْتُمُوهُ ّ‬
‫فَرَضْ ُتمْ } ‪.‬‬
‫فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف من الحنفيّة إلى أنّه‬
‫يتنصّف ما فرض للمفوّضة إذا طلّقها قبل الدخول كالمهر المسمّى في العقد بشرط أن يكون‬
‫سبب الفرقة من الزّوج ل من الزّوجة وبشرط أن يكون المفروض صحيحا ‪ ,‬سواء كان‬
‫النهوض من الزّوجين أو من الحاكم لعموم قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن‬
‫ن هذا مهر وجب قبل‬
‫ف مَا فَرَضْ ُتمْ } الية ‪ ,‬ول ّ‬
‫ضةً فَنِصْ ُ‬
‫ن وَقَدْ فَرَضْ ُت ْم َلهُنّ فَرِي َ‬
‫َت َمسّوهُ ّ‬
‫الطّلق ‪ ,‬فوجب أن يتنصّف كما لو سمّاه ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ل ينصّف المهر المفروض للمفوّضة إذا طلقت‬
‫ن التّنصيف‬
‫قبل الدخول لنّ عقدها خل من تسميةٍ فأشبهت الّتي لم يسمّ لها شيء ‪ ,‬ول ّ‬
‫ص ‪ ,‬لقوله تعالى ‪َ { :‬وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن‬
‫خاص بالمهر المسمّى في العقد بالنّ ّ‬
‫ن هذا المفروض تعيين‬
‫ف مَا فَرَضْ ُتمْ } الية ‪ ,‬ول ّ‬
‫ضةً فَنِصْ ُ‬
‫ن وَقَدْ فَرَضْ ُت ْم َلهُنّ فَرِي َ‬
‫َت َمسّوهُ ّ‬
‫للواجب بالعقد وهو مهر المثل وذلك ل يتنصّف فكذا ما نزّل منزلته ‪.‬‬
‫وجوب المتعة للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلقت المفوّضة قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهر‬ ‫‪10‬‬

‫فل تستحق على زوجها شيئا إل المتعة ‪ ,‬واختلفوا في وجوب المتعة لها إذا كانت الفرقة‬
‫من جهة الزّوج ل من جهتها ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور وهم الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى وجوب المتعة لها إذا‬
‫طلقت قبل الدخول وقبل أن يفرض لها شيء وذلك إذا كانت الفرقة من جهة الزّوج كأن‬
‫يطلّق أو يلعن أو يفسخ العقد من قبلها بسبب الجبّ والعنّة والرّدّة منه وإبائه السلم‬
‫وتقبيله ابنتها ‪ ,‬أو أمّها عند من يرى ذلك ‪.‬‬
‫أمّا إذا كان السّبب من جهتها فل متعة لها عندهم ل وجوبا ول استحبابا ‪.‬‬
‫ن المتعة ليست واجبةً للمفوّضة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة في القديم إلى أ ّ‬
‫وسبب الخلف يعود إلى اختلفهم في تفسير بعض اللفاظ الواردة في قوله تعالى ‪ { :‬لّ‬
‫ض ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى‬
‫ن َأوْ َتفْرِضُواْ َلهُنّ فَرِي َ‬
‫ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ َت َمسّوهُ ّ‬
‫جُنَا َ‬
‫حسِنِينَ } ‪.‬‬
‫حقّا عَلَى ا ْل ُم ْ‬
‫ا ْلمُوسِعِ قَدَرُ ُه وَعَلَى ا ْلمُقْتِرِ قَ ْدرُهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬تفويض ف ‪ , 8‬متعة الطّلق ف ‪. ) 2‬‬
‫ما يراعى عندما يفرض للمفوّضة مهر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في أيّ حا ٍل من أحوال المفوّضة يعتبر عند فرض مهر المثل لها ‪ ,‬هل‬ ‫‪11‬‬

‫في حالها عند عقد النّكاح ‪ ,‬لنّه المقتضي للوجوب ‪ ,‬أو في حالها عند الوطء ‪ ,‬لنّه وقت‬
‫ن البضع دخل بالعقد‬
‫الوجوب عند بعض الفقهاء ‪ ,‬أم يعتبر حالها من العقد إلى الوطء ‪ ,‬ل ّ‬
‫في ضمان الزّوج واقترن به التلف فوجب أكثر مهر مثلها من وقت عقدها إلى أن يطأها‬
‫زوجها كالمقبوض بشراء فاس ٍد ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬مهر ) ‪.‬‬

‫مَقَادِير *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقادير جمع مقدارٍ ‪ ,‬ومقدار الشّيء في اللغة ‪ :‬مثله في العدد أو الكيل أو الوزن أو‬ ‫‪1‬‬

‫المساحة ‪.‬‬
‫ن‪.‬‬
‫والمقادير في الصطلح ‪ :‬ما يعرف به الشّيء من معدودٍ أو مكيلٍ أو موزو ٍ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الجزاف ‪:‬‬
‫‪ -‬الجزاف في اللغة ‪ :‬الشّيء ل يعلم كيله ول وزنه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬الخذ بكثرة من غير تقديرٍ ‪.‬‬


‫والجزاف في البيع ‪ :‬هو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملةً بل كيلٍ ول وزنٍ ول عدّ ‪.‬‬
‫فالجزاف نقيض المقدار ‪.‬‬
‫أجناس المقادير ‪:‬‬
‫‪ -‬المقادير أجناس أربعة هي ‪ :‬الكيل والوزن والذّرع والعدد ‪ ,‬وهي كلها وسائل لتقدير‬ ‫‪3‬‬

‫الشياء والموال أو معايرتها بها ‪ ,‬فالكيل لتقدير الحجم ‪ ,‬والوزن لتقدير الثّقل ‪ ,‬والذّرع‬
‫لتقدير الطول ‪ ,‬والمساحة والعدد لتقدير الحاد أو الفراد ‪.‬‬
‫وبيان هذه الجناس فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬المكاييل ‪:‬‬
‫‪ -‬الوحدة الساسيّة الشهر في عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم للمكاييل هي المد‬ ‫‪4‬‬

‫والصّاع ‪ ,‬وكلّ ما سوى ذلك من المكاييل المعتمد عليها إنّما هو جزء منها أو ضعف لها ‪,‬‬
‫قال أبو عبي ٍد ‪ :‬وجدنا الثار قد نقلت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه والتّابعين‬
‫بعدهم بثمانية أصنافٍ من المكاييل ‪ :‬الصّاع ‪ ,‬والمدّ ‪ ،‬والفرق ‪ ,‬والقسط ‪ ,‬والمدي ‪,‬‬
‫ن معظم ذلك في المدّ والصّاع ‪.‬‬
‫والمختوم ‪ ,‬والقفيز ‪ ,‬والمكوك ‪ ,‬إل أ ّ‬
‫ولو أنّ الفقهاء اتّفقوا في مقدار الم ّد والصّاع لتّفقوا في كلّ المقادير الكيليّة الخرى ‪ ,‬إل‬
‫أنّهم لم يتّفقوا فيهما ‪.‬‬
‫وأهم المكاييل الشّرعيّة مرتّبة على حروف الهجاء ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الردب ‪:‬‬
‫‪ -‬الردب بفتح الدّال وضمّها في اللغة ‪ :‬مكيال ضخم بمصر يسع أربعةً وستّين منا ‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫وذلك أربعة وعشرون صاعا ‪ ,‬والجمع أرادب ‪.‬‬


‫ول يرتبط بالردبّ بعينه أي من الحكام الشّرعيّة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصّاع ‪:‬‬
‫صوْع ‪ ,‬في اللغة ‪ :‬ما يكال به ‪ ,‬وهو مفرد جمعه أصوع ‪,‬‬
‫‪ -‬الصّاع ‪ ,‬والصواع ‪ ,‬وال ّ‬ ‫‪6‬‬

‫وأصؤع ‪ ,‬وأصواع ‪ ,‬وصوع وصيعان ‪.‬‬


‫والصّاع في اصطلح الفقهاء ‪ :‬مكيال يكال به في البيع والشّراء وتقدّر به كثير من الحكام‬
‫الشّرعيّة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو إناء يشرب فيه ‪.‬‬
‫قال الفيومي ‪ :‬هو مكيال ‪ ,‬وصاع النّبيّ صلى ال عليه وسلم الّذي بالمدينة أربعة أمدادٍ ‪,‬‬
‫وذلك خمسة أرطالٍ وثلث بالبغداديّ ‪ ,‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬الصّاع ثمانية أرطالٍ ‪.‬‬
‫أنواع الصّيعان ‪:‬‬
‫‪ -‬اشتهر في الصّيعان لدى الفقهاء صاعان الوّل ‪ :‬صاع أهل المدينة ‪ ,‬ويسمّى بالصّاع‬ ‫‪7‬‬

‫الحجازيّ ‪ ,‬والثّاني ‪ :‬صاع أهل العراق ‪ ,‬ويسمّى بالصّاع الحجّاجيّ ‪ ,‬أو القفيز الحجّاجيّ ‪,‬‬
‫أو الصّاع البغداديّ ‪ ,‬والوّل أصغر من الثّاني ‪ ,‬وقد نصب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّاع‬
‫الشّرعيّ الّذي تقدّر به الحكام الشّرعيّة المنوطة بالصّاع هو الصّاع الصغر ‪.‬‬
‫مقدار الصّاع الشّرعيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ الصّاع أربعة أمدادٍ ‪ ,‬إل أنّهم اختلفوا في المدّ ‪ ,‬فذهب أهل‬ ‫‪8‬‬

‫العراق إلى أنّ المدّ رطلن بالعراقيّ ‪ ,‬وذهب أهل المدينة إلى أنّ المدّ رطل وثلث بالعراقيّ‬
‫ث بالرّطل العراقيّ ‪ ,‬وصاع أهل‬
‫‪ ,‬وعليه فإنّ صاع أهل المدينة يتّسع لخمسة أرطالٍ وثل ٍ‬
‫ي نفسه ‪.‬‬
‫العراق يتّسع لثمانية أرطالٍ بالرّطل العراق ّ‬
‫ي هو صاع المدينة ‪ ,‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّ‬
‫ن الصّاع الشّرع ّ‬
‫وقد ذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫صاع العراق هو الصّاع الشّرعي وهو المسمّى بالحجّاجيّ ‪ ,‬واضطربت الرّواية عن أبي‬
‫يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة ‪.‬‬
‫قال أبو عبي ٍد ‪ :‬وقد كان يعقوب ‪ -‬أبو يوسف ‪ -‬زمانا يقول كقول أصحابه فيه ‪ ,‬ثمّ رجع‬
‫عنه إلى قول أهل المدينة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وللتّفصيل وبيان أحكام الصّاع ‪ ( :‬ر ‪ :‬صاع ف‬
‫ما يناط بالصّاع من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬تتعلّق بالصّاع أحكام شرعيّة كثيرة منها ‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫زكاة الفطر ‪ ,‬وكفّارة الفطار العامد في رمضان ‪ ,‬وكفّارة الظّهار ‪ ,‬وفدية الحرام ‪ ,‬وكفّارة‬
‫الفطار في رمضان لعذر مبيحٍ ‪ ,‬وكفّارة تأخير قضاء الصّوم ‪ ,‬ونفقة الزّوجة ‪ ,‬ومقدار‬
‫الماء الّذي يتوضّأ أو يغتسل به ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلحاتها من الموسوعة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ال َعرَق ‪:‬‬
‫ص ‪ ,‬وهو‬
‫‪ -‬من معاني العَرَق في اللغة بفتح العين والرّاء ‪ :‬ضفيرة تنسج من خو ٍ‬ ‫‪10‬‬

‫المكتل والزّبيل أو الزّنبيل ‪ ,‬ويقال ‪ :‬إنّه يسع خمسة عشر صاعا ‪.‬‬
‫والعَرَق في اصطلح الفقهاء ‪ :‬مكيل يسع خمسة عشر صاعا ‪.‬‬
‫ما يناط بال َعرَق من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يعيّر الفقهاء بالعرق أيا من الحكام الشّرعيّة ‪ ,‬وقد يذكرونه على أنّه من‬ ‫‪11‬‬

‫مضاعفات الصّاع كما تقدّم ‪.‬‬


‫د ‪ -‬الفَرق ‪:‬‬
‫‪ -‬الفرق ‪ -‬بتسكين الرّاء أو فتحها وهو الصح ‪ -‬من معانيه في اللغة ‪ :‬مكيال‬ ‫‪12‬‬

‫ل ‪ ,‬أو أربعة أرباعٍ ‪.‬‬


‫بالمدينة يسع ثلثة آص ٍع ‪ ,‬أو يسع ستّة عشر رط ً‬
‫وفي اصطلح الفقهاء هو ستّة أقساطٍ ‪ ,‬أو ثلثة آص ٍع ‪ ,‬قال أحمد في رواية أبي داود ‪:‬‬
‫قال الزهري الفرق ستّة عشر رطلً ‪ ,‬وهو مذهب الحنابلة ‪ ,‬وقال ابن حامدٍ ‪ :‬الفرق ستون‬
‫رطلً ‪ ,‬فإنّه يروى أنّ الخليل بن أحمد قال ‪ :‬الفرْق بإسكان الرّاء مكيال ضخم من مكاييل‬
‫أهل العراق ‪ ,‬وقيل هو مائة وعشرون رطلً ‪ ,‬وقال أبو عبيدٍ ‪ :‬ل اختلف بين النّاس‬
‫أعلمه في ذلك أنّ الفرق ثلثة آص ٍع ‪ ,‬وفيه أحاديث تفسّره ‪ ,‬ثمّ ذكر أحاديث في ذلك ‪,‬‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لكعب بن عجرة حين حلق رأسه عند‬
‫منها ما ورد أ ّ‬
‫« صم ثلثة أيّامٍ أو تصدّق بفرق بين س ّتةٍ أو أنسك بما تيسّر » ‪ ,‬ثمّ قال ‪:‬‬ ‫الحرام ‪:‬‬
‫والفرق ثلثة آص ٍع والصّاع أربعة أمدادٍ ‪ ,‬فذلك اثنا عشر مدا ‪.‬‬
‫ما يناط بالفرق من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬يتعلّق بالفرق من الحكام ما يتعلّق بالصّاع لنّه من مضاعفاته ‪ ,‬إل أنّ أكثر ما‬ ‫‪13‬‬

‫يذكره الفقهاء في زكاة العسل ‪ ,‬قال ابن قدامة ‪ :‬نصاب العسل عشرة أفراقٍ ‪ ,‬وهذا قول‬
‫ن رسول‬
‫الزهريّ ‪ ,‬وجهه ما روي عن عمر رضي ال تعالى عنه أنّ ناسا سألوه فقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خليا من نحلٍ ‪ ،‬وإنّا نجد ناسا‬
‫يسرقونها فقال عمر رضي اللّه تعالى عنه إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشر أفراقٍ فرقا‬
‫حميناها لكم ‪.‬‬
‫ق ستّة وثلثون‬
‫ن نصاب العسل خمسة أفراقٍ ‪ ,‬كل فر ٍ‬
‫وعن محمّد بن الحسن رحمه اللّه أ ّ‬
‫رطلً ‪ ,‬لنّه أقصى ما يقدّر به ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪118‬‬ ‫( ر ‪ :‬صاع ف ‪ , 5‬وزكاة ف‬
‫هـ ‪ -‬القَدَح ‪:‬‬
‫‪ -‬القدح بالتّحريك في اللغة ‪ :‬إناء يروي الرّجلين ‪ ,‬أو اسم يجمع الصّغار والكبار ‪,‬‬ ‫‪14‬‬

‫وهو مفرد يجمع على أقداحٍ ‪.‬‬


‫والقدح في اصطلح الفقهاء من أجزاء الصّاع ‪ ,‬قال الشّربيني ‪ :‬فالصّاع قدحان إل سبعي‬
‫م ّد ‪ ,‬وكل خمسة عشر مدا سبعة أقداحٍ ‪.‬‬
‫وورد عن عائشة أنّها قالت ‪ « :‬كنت أغتسل أنا والنّبي صلى ال عليه وسلم في إنا ٍء واحدٍ‬
‫ح يقال له الفرق » ‪ ,‬قال أبو عبي ٍد ‪ :‬وذلك اليوم نحو من خمسة أمدادٍ ‪.‬‬
‫من قد ٍ‬
‫ما يناط بالقدح من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬يتعلّق بالقدح من الحكام ما يتعلّق بالصّاع لنّه جزء منه وقد يذكره بعض الفقهاء‬ ‫‪15‬‬

‫باسمه في تعيين بعض النصبة ‪ ,‬من ذلك ما ذكره الشّربيني في نصاب الزّرع فقال ‪:‬‬
‫ي ستمائةٍ ‪ ,‬وقول‬
‫فالنّصاب على قول السبكيّ خمسمائةٍ وستون قدحا ‪ ,‬وعلى قول القمول ّ‬
‫ن الصّاع قدحان‬
‫ي أوجه ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن قول السبك ّ‬
‫القموليّ أوجه ‪ ,‬وإن قال بعض المتأخّرين ‪ :‬إ ّ‬
‫تقريبا ‪.‬‬
‫و ‪ -‬القِربة ‪:‬‬
‫‪ -‬القِربة في اللغة بكسر القاف ‪ :‬ظرف من جلدٍ يخرز من جانبٍ واحدٍ ‪ ,‬وتستعمل لحفظ‬ ‫‪16‬‬

‫الماء واللّبن ونحوهما ‪.‬‬


‫وفي الصطلح قال الشّربيني الخطيب ‪ :‬الغالب أنّ القربة ل تزيد على مائة رط ٍل بغداديّ ‪,‬‬
‫وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع دره ٍم في الصحّ ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬القسط ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني القسط في اللغة ‪ :‬أنّه مكيال يسع نصف صاعٍ ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫وقد روت عائشة رضي ال عنها ‪ « :‬كنت أغتسل أنا والنّبي صلى ال عليه وسلم من إناءٍ‬
‫ح يقال له الفرق » ‪ ,‬قال أبو عبيدٍ ‪ :‬والفرق ستّة أقساطٍ ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬وذلك أنّ‬
‫واحدٍ من قد ٍ‬
‫القسط نصف صاعٍ ‪ ,‬وتفسيره في الحديث نفسه حين ذكر الفرق فقال ‪ :‬وهو ستّة أقساطٍ ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬القفيز ‪:‬‬
‫‪ -‬القفيز في اللغة ‪ :‬مكيال ‪ ,‬وهو ثمانية مكاكيك ‪ ,‬وهو مفرد يجمع على أقفزةٍ‬ ‫‪18‬‬

‫ن‪.‬‬
‫وقفزا ٍ‬
‫كما يطلق القفيز على مساحةٍ من الرض قدرها مائة وأربعة وأربعون ذراعا ‪ ,‬أو عشر‬
‫ب‪.‬‬
‫جري ٍ‬
‫وفي الصطلح قال القليوبي ‪ :‬القفيز مكتل يسع من الحبّ اثني عشر صاعا ‪ ,‬ثمّ قال ‪:‬‬
‫ت ‪ ,‬وهو عشر الجريب ‪.‬‬
‫والقفيز من الرض مسطّح ضرب قصبةٍ في عشر قصبا ٍ‬
‫ن القفيز الهاشميّ‬
‫ن القفيز ثمانية مكاكيك ‪ ,‬وقال ابن عابدين ‪ :‬إ ّ‬
‫وقال الكمال بن الهمام ‪ :‬إ ّ‬
‫صاع واحد ‪ ,‬وهو القفيز الّذي ورد عن عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه كما في‬
‫الهداية وهو ثمانية أرطا ٍل ‪ ,‬أربعة أمناءٍ ‪ ,‬وهو صاع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪,‬‬
‫وينسب إلى الحجّاج ‪ ,‬فيقال صاع حجّاجي ‪ ,‬لنّ الحجّاج أخرجه بعدما فقد ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬والقفيز ثلثمائةٍ وستون ذراعا مكسّر ًة ‪ ,‬وهو عشر الجريب ‪.‬‬
‫وقال ابن مفلحٍ ‪ :‬وقدر القفيز ثمانية أرطا ٍل بالمكّيّ نصّ عليه واختاره القاضي ‪ ،‬فيكون‬
‫ل ‪ ,‬وهو القفيز‬
‫ستّة عشر رطلً بالعراقيّ ‪ ,‬وقال أبو بكرٍ ‪ :‬قد قيل قدره ثلثون رط ً‬
‫الهاشمي ‪ ,‬وقدّم في المحرّر أنّ القفيز ثمانية أرطالٍ وهو صاع عمر رضي ال عنه ‪,‬‬
‫ي ‪ ،‬وهو المسمّى بالقفيز الحجّاجيّ‬
‫فغيّره الحجّاج ‪ ,‬نصّ عليه ‪ ,‬وذلك ثمانية أرطالٍ بالعراق ّ‬
‫‪.‬‬
‫ط ‪ -‬القُلّة ‪:‬‬
‫‪ -‬القُلّة بضمّ القاف في اللغة ‪ :‬من معانيها أنّها إناء للعرب كالجرّة الكبيرة شبه الحبّ ‪,‬‬ ‫‪19‬‬

‫وجمعها قلل وقلل ‪.‬‬


‫ضمّ أعلى الرّأس والسّنام ‪ ,‬والجبل أو كل شي ٍء ‪ ,‬والحب‬
‫وقال الفيروز آبادي ‪ :‬القُلّة بال ّ‬
‫العظيم ‪ ,‬أو الجرّة العظيمة ‪ ,‬أو عامّة ‪ ,‬أو من الفخّار ‪ ,‬والكوز الصّغير ‪.‬‬
‫والقُلّة اصطلحا ‪ :‬عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة معيار لمقدار معيّن الحجم ‪ ,‬وقد اتّفقت‬
‫ل‪.‬‬
‫أقوالهم على أنّ القلّة ما يتّسع لمئتين وخمسين رط ً‬
‫كما ضبط القليوبي القلّة بالذّراع فقال ‪ :‬والمساحة ‪ -‬أي للقلّتين ‪ -‬على الخمسمائة ‪ -‬أي‬
‫على القول بأنّهما خمسمائة رطلٍ ‪ -‬ذراع وربع طولً وعرضا وعمقا بذراع الدميّ وهو‬
‫شبران تقريبا ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬وأمّا مساحتهما في المدوّر كرأس البئر فهي ذراع عرضا‬
‫وذراعان ونصف طولً ‪ ,‬والمراد بعرضه أطول خطّ بين حافّتيه ‪ -‬قطر ‪ , -‬وبطوله عمقه‬
‫‪.‬‬
‫ما يناط بالقلّة من الحكام ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تذكر القلّة غالبا في الحكام الشّرعيّة في غير حدّ الماء الرّاكد الكثير الّذي ل‬ ‫‪20‬‬

‫ينجس بوضع النّجاسة فيه إل إذا تغيّرت أحد أوصافه فقد قدّره الشّافعيّة والحنابلة بقلّتين ‪،‬‬
‫قال المحلّي ‪ :‬ول تنجس قلّتا الماء بملقاة نجسٍ لحديث ‪ « :‬إذا كان الماء قلّتين لم يحمل‬
‫الخبث » وفي روايةٍ ‪ « :‬فإنّه ل ينجس » ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬وإذا كان الماء قلّتين وهو خمس قربٍ فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم‬
‫وقال الخرق ّ‬
‫ول لون ول رائحة فهو طاهر ‪.‬‬
‫ف إلى‬
‫وقدّر الحنفيّة الكثير بما يستكثره النّاظر ‪ ,‬أو بما ل تخلص النّجاسة فيه من طر ٍ‬
‫ف آخر بحسب الظّنّ غالبا ‪ ,‬قال الحصكفي ‪ :‬والمعتبر في مقدار الرّاكد أكبر رأي‬
‫طر ٍ‬
‫المبتلى به فيه ‪ ,‬فإن غلب على ظنّه عدم خلوص أي وصول النّجاسة إلى الجانب الخر‬
‫جاز وإل ل ‪ .‬وعند الحنفيّة تقديره بما مساحة سطحه عشرة أذرعٍ في عشرة أذرعٍ ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين ‪ :‬ووزن ذلك الماء بالقلل سبع عشرة قّل ًة وثلث خمس قّل ٍة ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬ال ُكرْ ‪:‬‬
‫‪ -‬الكُر في اللغة ‪ :‬بضمّ الكاف كيل معروف ‪ ,‬وجمعه أكرار ‪ ,‬قال الفيومي ‪ :‬وهو ستون‬ ‫‪21‬‬

‫قفيزا ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء قال الكمال بن الهمام ‪ :‬هو ستون قفيزا أو أربعون على خلفٍ فيه ‪.‬‬
‫ما يناط بال ُكرّ من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يناط بالكُ ّر أي من الحكام الشّرعيّة ‪ ,‬وربّما استعمله بعضهم في التّمثيل لبيع‬ ‫‪22‬‬

‫المثليّات وما يثبت في ال ّذمّة ‪ ,‬قال المرغيناني ‪ :‬ومن أسلم في ك ّر حنطةٍ فلمّا حلّ الجل‬
‫ب السّلم بقبضه قضاءً لم يكن قضاءً ‪ ,‬وإن أمره‬
‫اشترى المسلم إليه من رجلٍ كرا ‪ ,‬وأمر ر ّ‬
‫أن يقبضه له ث ّم يقبضه لنفسه فاكتاله له ث ّم اكتاله لنفسه جاز ‪.‬‬
‫ك ‪ -‬الكِيلَجَة ‪:‬‬
‫‪ -‬الكِيلَجة بكسر الكاف وفتح اللم في اللغة ‪ :‬كيل معروف لهل العراق وهي منّ‬ ‫‪23‬‬

‫وسبعة أثمان منّ ‪ ,‬والمن رطلن ‪ ,‬وجمعها كيالج وكيالجة ‪.‬‬


‫ول يناط بالكيلجة أي من الحكام الشّرعيّة ‪.‬‬
‫ختُوم ‪:‬‬
‫ل ‪ -‬الم ْ‬
‫‪ -‬المختوم في اللغة ‪ :‬هو الصّاع ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫وفي اصطلح الفقهاء هو الصّاع أيضا ‪ ,‬لما روى أبو سعيدٍ الخدريّ رضي ال عنه رفعه‬
‫قال ‪ « :‬ليس فيما دون خمسة أوسقٍ زكاة » والوسق ستون مختوما ‪ ,‬والمختوم هاهنا هو‬
‫الصّاع بعينه ‪ ,‬وإنّما سمّي مختوما لنّ المراء جعلت على أعله خاتما مطبوعا لئل يزاد‬
‫فيه أو ينقص منه ‪.‬‬
‫ولبيان مقدار المختوم والحكام الشّرعيّة المنوط به ‪ ,‬ينظر مصطلح ‪ ( :‬صاع ) ‪.‬‬
‫م ‪ -‬المد ‪:‬‬
‫ض ّم في اللغة ‪ :‬من معانيه أنّه مكيال ‪ ,‬وهو رطلن ‪ ,‬أو رطل وثلث ‪ ,‬أو ملء‬
‫‪ -‬المُد بال ّ‬ ‫‪25‬‬

‫كفّي النسان المعتدل إذا ملهما وم ّد يده بهما ‪ ,‬وبه سمّي مدا ‪ ,‬وجمعه أمداد ‪ ,‬ومِدَدَة‬
‫كعنبة ‪ ,‬ومداد ‪.‬‬
‫والمد في اصطلح الفقهاء ‪ :‬مكيال اتّفق الفقهاء على أنّه ربع صاعٍ ‪.‬‬
‫واختلفوا في تقديره بالرّطل كاختلفهم في تقدير الصّاع بالرّطل ‪ ,‬فذهب الجمهور إلى أنّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الم ّد رطل وثلث بالعراق ّ‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ المدّ رطلن بالعراقيّ ‪.‬‬
‫هذا هو المد الشّرعي وهو الّذي ينصرف إليه اللّفظ عند الطلق ‪ ,‬وهنالك المد الشّامي‬
‫وهو صاعان ‪ ,‬أي ثمانية أمدادٍ شرع ّيةٍ ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬وقد صرّح الشّارح في شرحه‬
‫على الملتقى في باب زكاة الخارج بأنّ الرّطل الشّاميّ ستمائة درهمٍ ‪ ,‬وأنّ المدّ الشّاميّ‬
‫صاعان ‪.‬‬
‫ما يناط بالمدّ من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬أكثر ما يناط بالمدّ من الحكام الشّرعيّة مقدار ماء الوضوء ومقدار صدقة الفطر ‪,‬‬ ‫‪26‬‬

‫ومقدار النّفقة الزّوجيّة عند بعض الفقهاء ‪.‬‬


‫أمّا الوضوء فقد ورد عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أحاديث كثيرة تفيد أنّه كان‬
‫يتوضّأ بالم ّد من الماء ‪ ,‬منها ما ورد عن أنس بن مالكٍ رضي ال عنه قال ‪ « :‬كان رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم يتوضّأ بالمدّ ويغتسل بالصّاع » ‪.‬‬
‫وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الم ّد من الماء هو القدر المفضل الكافي للوضوء ‪ ,‬إل أنّه ليس‬
‫معيارا له ل تجوز مخالفته ‪ ,‬وعلى ذلك فإن اكتفى المتوضّئ بدونه أجزأه ‪ ,‬وإن لم يكتف‬
‫به لزمه ما يكفيه ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬وضوء ) ‪.‬‬
‫وأمّا صدقة الفطر فقد اتّفق الفقهاء على أنّها صاع من أيّ صنفٍ من الصناف الّتي تصح‬
‫فيها صدقة الفطر ‪ ,‬سوى القمح ‪ ,‬والصّاع أربعة أمدادٍ باتّفاق الفقهاء ‪.‬‬
‫ن الواجب منها هو صاع أيضا‬
‫أمّا القمح ‪ ,‬وكذلك دقيقه وسويقه ‪ ,‬فقد ذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫ع وهو مدّان ‪.‬‬
‫كسائر الصناف الخرى ‪ ,‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ الواجب منها هو نصف صا ٍ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫والتّفصيل في ‪ ( :‬زكاة الفطر ف‬
‫أمّا النّفقة فقد قال النّووي يجب على موسرٍ لزوجته كلّ يومٍ مد طعامٍ وعلى معس ٍر مد‬
‫سطٍ مد ونصف ‪ ,‬وللفقهاء في ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬نفقة ) ‪.‬‬
‫ومتو ّ‬
‫ن ‪ -‬المُ ْديُ ‪:‬‬
‫‪ -‬المدي في اللغة ‪ :‬بضمّ الميم على وزن قفلٍ ‪ :‬مكيال للشّام ومصر يسع تسعة عشر‬ ‫‪27‬‬

‫صاعا ‪ ,‬وجمعه أمداء ‪ ,‬وهو غير المدّ ‪.‬‬


‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬هو مكيال كان يستعمل قبل السلم في الشّام ومصر ‪ ,‬وقد ذهب‬
‫ن ونصف الصّاع بقليل‬
‫أبو عبيدٍ إلى أنّه نيّف وأربعون رطلً ‪ ,‬وهي أكثر من سبعة صيعا ٍ‬
‫ن عمر رضي ال عنه‬
‫على وفق مذهب الجمهور في الصّاع ‪ ,‬وقال ‪ :‬حدّثني ابن بكيرٍ أ ّ‬
‫ضرب الجزية على أهل الذّهب أربعة دنانير وأرزاق المسلمين من الحنطة مديين وثلثة‬
‫ن ‪ ,‬ول أحفظ‬
‫ت وعلى أهل الورق أربعين درهما وخمسة عشر صاعا لكلّ إنسا ٍ‬
‫أقساط زي ٍ‬
‫ما ذكر من الودك ‪ ،‬فنظرت في حديث عمر فإذا هو عدل أربعين درهما بأربعة دنانير ‪.‬‬
‫وكذلك عدل مديين من طعامٍ بخمسة عشر صاعا ‪ ,‬وجعلها موازيةً لهما ‪ ,‬فغايرت المداد‬
‫والصّيعان وجمعت بينها ‪ ,‬ثمّ اعتبرتها بالوزن ‪ ,‬فوجدت المديين نيّفا وثمانين رطلً ‪,‬‬
‫ووجدت خمسة عشر صاعا ثمانين رطلً ‪.‬‬
‫ب رضي ال عنه أنّه أجرى للنّاس المديين والقسطين ‪ ,‬قال‬
‫ي بن أبي طال ٍ‬
‫وقد روي عن عل ّ‬
‫ابن الثير ‪ :‬يريد مديين من الطّعام وقسطين من الزّيت ‪.‬‬
‫س ‪ -‬المكوك ‪:‬‬
‫‪ -‬المكوك في اللغة ‪ :‬طاس يشرب به ‪ ,‬ومكيال يسع صاعا ونصفا أو نصف رطلٍ إلى‬ ‫‪28‬‬

‫ثماني أواقي ‪ ,‬أو نصف ويبةٍ ‪ ,‬أو ثلث كيلجاتٍ ‪ ,‬وهو م ّذكّر ‪ ,‬والجمع منه مكاكيك ‪.‬‬
‫والمكوك في اصطلح الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬هو صاع ونصف ‪ ,‬وقال أبو عبيدٍ ‪ :‬هو صاعان‬
‫ونصف ‪.‬‬
‫ما يناط بالمكوك من أحكا ٍم شرعيّةٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالمكوك أحكاما شرع ّيةً مباشرةً ‪ ,‬وربّما أورده بعضهم تبعا لغيره من‬ ‫‪29‬‬

‫المكاييل أو المقادير الشّرعيّة ‪ ,‬من ذلك ما قاله أبو عبيدٍ ‪ :‬فأمّا زكاة الرضين فإنّها إذا‬
‫ب وجبت فيها الزّكاة ‪.‬‬
‫كانت بهذا المكوك عشرين ومائةً من حنطةٍ أو شعي ٍر أو تم ٍر أو زبي ٍ‬
‫‪ .‬وذلك لنّ الزّكاة تجب في خمسة أوسقٍ ‪ ,‬والوسق ستون صاعا ‪ ,‬فجميعها ثلثمائة صاعٍ‬
‫ك‪.‬‬
‫‪ ,‬وهي عشرون ومائة مكو ٍ‬
‫ع ‪ -‬الوسق ‪:‬‬
‫‪ -‬الوَسق في اللغة ‪ :‬بفتح الواو ‪ :‬حمل بعيرٍ ‪ ,‬والجمع وسوق ‪ ,‬مثل فلسٍ وفلوس ‪,‬‬ ‫‪30‬‬

‫وحكى بعضهم كسر الواو لغةً وجمعه أوساق مثل حملٍ وأحمالٍ ‪ ,‬قال الزهري ‪ :‬الوسق‬
‫ستون صاعا بصاع النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬ويجمع أيضا على أوسقٍ ‪.‬‬
‫والوَسق في اصطلح الفقهاء ‪ ,‬مكيال هو حمل بعيرٍ ‪ ,‬وقد اتّفقوا على أنّه ستون صاعا‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬إل أنّهم اختلفوا في مقدار الصّاع على مذهبين فنتج‬
‫بصاع النّب ّ‬
‫عنه اختلفهم في مقدار الوسق ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫( ر ‪ :‬صاع ف‬
‫ما يناط بالوسق من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الجمهور إلى أنّ نصاب الزّكاة من الزروع خمسة أوسقٍ ‪ ,‬وخالف أبو حنيفة‬ ‫‪31‬‬

‫وقال ‪ :‬تجب الزّكاة في القليل والكثير من الزروع ‪ ,‬وأنّه ل نصاب فيها ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪:‬‬
‫وهو الصّحيح كما في التحفة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪100‬‬ ‫وللتّفصيل ينظر ‪ ( :‬زكاة ف‬
‫ف ‪ -‬الويبة ‪:‬‬
‫‪ -‬الويبة في اللغة ‪ :‬مكيال يسع اثنين وعشرين ‪ ,‬أو أربعةً وعشرين مدا بم ّد النّبيّ‬ ‫‪32‬‬

‫صلى ال عليه وسلم أو ثلث كيلجاتٍ ‪.‬‬


‫ونقل بعض المعاصرين عن المقدسيّ في أحسن التّقاسيم قوله ‪ :‬الويبة هو مكيال مصري‬
‫ن ‪ ,‬كما نقل عن السيوطيّ في حسن المحاضرة قوله ‪ :‬ذكر أنّ‬
‫كان يعادل قديما عشرة أمنا ٍ‬
‫ويبة الخليفة عمر بن الخطّاب رضي ال عنه في ولية عمرو بن العاص رضي ال عنه‬
‫ستّة أمدادٍ ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الموازين ‪:‬‬
‫ن المعيار‬
‫‪ -‬الوزان الّتي يستعملها الفقهاء في تقدير الحكام الشّرعيّة كثيرة ‪ ,‬إل أ ّ‬ ‫‪33‬‬

‫الهمّ للوزان عند الفقهاء هو الدّرهم والدّينار والرّطل ‪ ,‬والوزان الخرى الّتي اعتمدها‬
‫الفقهاء في بعض الحكام أكثرها من أضعاف الدّرهم والدّينار أو من أجزائهما ‪ ,‬وبيان ذلك‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫وقد سبق الكلم عن الدّرهم والدّينار في مصطلحي ‪ ( :‬دراهم ودنانير ) ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬الستار ‪:‬‬
‫‪ -‬الستار بالكسر في اللغة ‪ :‬في العدد ‪ :‬أربعة وفي الزّنة ‪ :‬أربعة مثاقيل ونصف ‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬والستار بكسر الهمزة بالدّراهم ستّة ونصف ‪,‬‬
‫وبالمثاقيل أربعة ونصف ‪ ,‬كذا في شرح درر البحار ‪.‬‬
‫والستار بالرطال جزء من ثلثين جزءا من الرّطل المدنيّ ‪ ,‬وجزء من عشرين جزءا من‬
‫الرّطل العراقيّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الُوقيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬الُوقيّة بضمّ الهمزة وبالتّشديد في اللغة ‪ :‬على وزن أفعولةٍ كالعجوبة والحدوثة‬ ‫‪35‬‬

‫مفرد ‪ ,‬والجمع أواقي بالتّشديد وبالتّخفيف للتّخفيف ‪ ,‬والوقيّة لغةً وهي بض ّم الواو ‪,‬‬
‫وجرى على ألسنة النّاس بالفتح ‪ ,‬وهي لغة حكاها بعضهم ‪ ,‬وجمعها وقايا ‪ ,‬مثل عط ّيةٍ‬
‫وعطايا ‪ .‬وزنتها عند علماء اللغة سبعة مثاقيل ‪ ,‬أو أربعون درهما ‪ ,‬وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫وعند الفقهاء الوقيّة أربعون درهما ‪.‬‬
‫ما يناط بالوقيّة من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬قليلً ما يذكر الفقهاء الوقيّة معيارا لحكم شرعيّ ‪ ,‬وربّما ذكروها على أنّها من‬ ‫‪36‬‬

‫مضاعفات الدّرهم أو المثقال أو الرّطل ‪ ,‬وقد ورد عن عمر رضي ال عنه قال ‪ « :‬ما‬
‫علمت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ول أنكح شيئا من بناته على‬
‫أكثر من ثنتي عشرة أوق ّيةً » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم كم كان صداق‬
‫وعن أبي سلمة قال ‪ « :‬سألت عائشة زوج النّب ّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ فقالت ‪ :‬كان صداقه لزواجه ثنتي عشرة أوق ّيةً ونشا ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬أتدري ما النّش ؟ قال ‪ :‬قلت ل ‪ ،‬قالت ‪ :‬نصف أوق ّيةٍ » ‪.‬‬
‫قال أبو منصو ٍر ‪ :‬خمس أواقٍ مائتا درهمٍ ‪.‬‬
‫وقال الحسن وأبو عبي ٍد ‪ :‬الغنى ملك أوق ّيةٍ ‪ ,‬وهي أربعون درهما ‪ ,‬لما روى أبو سعيدٍ‬
‫الخدريّ رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلىاله عليه وسلم ‪ « :‬من سأل وله قيمة‬
‫أوق ّي ٍة فقد ألحف » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحبّة ‪:‬‬
‫س للحنطة وغيرها ممّا يكون في السنبل‬
‫‪ -‬الحبّة في اللغة واحدة الحبّ ‪ ,‬وهو اسم جن ٍ‬ ‫‪37‬‬

‫والكمام ‪ ,‬والجمع حبوب ‪ ,‬وحبّات وحباب ‪ ,‬وهي جزء من ثماني ٍة وأربعين جزءا من‬
‫الدّرهم ‪.‬‬
‫والفقهاء قليلً ما يستعملون كلمة ح ّب ٍة من غير إضافةٍ ‪ ,‬وفي الغالب يضيفونها إلى الشّعير‬
‫فيقولون ‪ :‬حبّة الشّعير ‪ ,‬ويجعلونها معيارا لبعض المقادير الشّرعيّة كالدّرهم والقيراط ‪,‬‬
‫فإذا أطلقوها فالمراد بها حبّة الشّعير في الغالب ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬صرّح المام السروجي‬
‫في الغاية بقوله ‪ :‬درهم مصر أربع وستون ح ّبةً ‪ ,‬وهو أكبر من درهم الزّكاة ‪ ,‬فالنّصاب‬
‫منه مائة وثمانون وحبّتان ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬
‫لكن نظر فيه صاحب الفتح بأنّه أصغر ل أكبر ‪ ,‬لنّ درهم الزّكاة سبعون شعيرةً ‪ ,‬ودرهم‬
‫مصر ل يزيد على أربعٍ وستّين شعيرةً ‪.‬‬
‫وربّما أضاف الفقهاء الحبّة إلى القمح أو الخرنوب فقالوا عنها ‪ :‬قمحة أو خرنوبة ‪ ,‬قال‬
‫ت أو أربع قمحاتٍ لنّا اختبرنا الشّعيرة المتوسّطة مع‬
‫ابن عابدين ‪ :‬كل خرنوبةٍ أربع شعيرا ٍ‬
‫القمحة المتوسّطة فوجدناهما متساويتين ‪.‬‬
‫ق من‬
‫وحبّة الشّعير عند الطلق هي حبّة الشّعير المتوسّطة الّتي لم تقشّر بعد قطع ما د ّ‬
‫طرفيها ‪ ,‬وهي معيار للدّرهم والمثقال ‪ ,‬ولكنّ الفقهاء اختلفوا في تعيير الدّرهم والمثقال‬
‫بها ‪.‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنّ المثقال اثنتان وسبعون ح ّبةً ‪ ,‬والدّرهم خمسون ح ّبةً وخُمسا ح ّبةٍ ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ المثقال مائة حبّة شعي ٍر ‪ ,‬والدّرهم سبعون ح ّبةً ‪.‬‬
‫ما يناط بالحبّة من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬الفقهاء يجعلون الحبّة معيارا للدّرهم والدّينار والقيراط ‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫د ‪ -‬الرّطل ‪:‬‬
‫‪ -‬الرَّطل في اللغة ‪ :‬بفتح الرّاء وكسرها والكسر أشهر ‪ :‬معيار يوزن به ‪ ,‬وهو مكيال‬ ‫‪39‬‬

‫أيضا ‪ ,‬والرّطل البغدادي يزن اثنتي عشرة أوق ّيةً ‪.‬‬


‫‪ /‬درهما ‪,‬‬ ‫‪480‬‬ ‫وقد جرى الختلف في وزنه بالمثقال ‪ ,‬ومقتضى نصّ الفيروز آبادي أنّه ‪/‬‬
‫حيث قال ‪ :‬الرّطل اثنتا عشرة أوق ّي ًة ‪ ,‬والوقيّة أربعون درهما ‪ ,‬وذهب الفيومي إلى أنّه‬
‫مائة درهمٍ وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهمٍ ‪.‬‬
‫وذلك مع اتّفاقهما على أنّ الرّطل يزن اثنتي عشرة أوق ّيةً ‪.‬‬
‫والرّطل في اصطلح الفقهاء على نوعين ‪ :‬رطل دمشقي ورطل بغدادي ‪ ,‬ويقال له عراقي‬
‫‪ ,‬والثّاني هو المقصود لدى الفقهاء ‪ ,‬وبه يتم تقدير الحكام الشّرعيّة لديهم ‪ ,‬والرّطل‬
‫البغدادي عند الحنفيّة مائة وثلثون درهما نقله ابن عابدين والكمال بن الهمام ‪ ,‬ونقل ابن‬
‫عابدين في مكانٍ آخر أنّ الرّطل أقل من ذلك فقال ‪ :‬كل رطلٍ مائة وثمانية وعشرون درهما‬
‫وأربعة أسباع دره ٍم ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ الرّطل ‪ -‬وهو البغدادي عند الطلق ‪ -‬مائة وثمانية وعشرون‬
‫درهما ‪.‬‬
‫قال البنانيّ ‪ :‬والرّطل مائة وثمانية وعشرون درهما مكّيا ‪ ,‬وهو بالميزان الصّغير بفاس‬
‫في وقتنا اثنتا عشرة أوق ّيةً وربع أوق ّيةٍ ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة قال المحلّي ‪ :‬والرّطل البغدادي مائة وثلثون درهما فيما جزم به الرّافعي ‪,‬‬
‫قال النّووي ‪ :‬الصح أنّ رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباعٍ درهمٍ ‪,‬‬
‫وقيل بل أسباعٍ ‪ ,‬وقيل ثلثون ‪ ,‬واللّه أعلم ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ الرّطل العراقيّ مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهمٍ ‪,‬‬
‫ص بعد ما ذكر فقال ‪ :‬هكذا كان قديما ‪ ,‬ثمّ إنّهم زادوا فيه مثقالً فجعلوه‬
‫ن ابن قدامة ن ّ‬
‫إل أ ّ‬
‫واحدا وتسعين مثقالً ‪ ,‬وكمل به مائة وثلثون درهما ‪ ,‬وقصدوا بهذه الزّيادة إزالة كسر‬
‫الدّرهم ‪ ,‬والعمل على الوّل ‪.‬‬
‫ص الحنفيّة والشّافعيّة‬
‫أمّا الرّطل الدّمشقي فهو أكبر من رطل بغداد أو العراق ‪ ,‬وقد ن ّ‬
‫والحنابلة على أنّ الرّطل الدّمشقيّ ستمائة درهمٍ ‪ ,‬إل أنّه ل يقدّر به شيء لدى الفقهاء إل‬
‫تبعا للرّطل البغداديّ ‪.‬‬
‫ما يناط بالرّطل من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬يعتمد الفقهاء على الرّطل البغداديّ في تحديد الصّاع ‪ ,‬وقد اختلفوا في تحديد الصّاع‬ ‫‪40‬‬

‫بالرّطل على مذهبين ‪:‬‬


‫فذهب الجمهور إلى أنّ الصّاع خمسة أرطا ٍل وثلث ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّاع ثمانية أرطالٍ ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬صاع ف‬
‫ن الفقهاء ينيطون بالرّطل من الحكام الشّرعيّة ما يناط منها بالصّاع كمقدار صدقة‬
‫ثمّ إ ّ‬
‫الفطر ‪ ,‬ونصاب الزّكاة ‪ ,‬ومقدار ماء الوضوء ‪ ,‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫( ر ‪ :‬صاع ‪- 8‬‬
‫طسّوج ‪:‬‬
‫هـ ‪ -‬ال َ‬
‫سفّودٍ هو ‪ :‬النّاحية وربع دانقٍ ‪ ,‬مُعرّب ‪.‬‬
‫طسّوج في اللغة ‪ :‬بوزن َ‬
‫‪ -‬ال َ‬ ‫‪41‬‬

‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ ,‬قال الكمال بن الهمام ‪ :‬قال أبو عبي ٍد في كتاب الموال ‪ :‬ولم يزل‬
‫طسّوج‬
‫طسّوجاتٍ ‪ ,‬وال َ‬
‫المثقال في آباد الدّهر محدودا ل يزيد ول ينقص ‪ ،‬والدّانق أربع َ‬
‫حبّتان ‪ ,‬والحبّة شعيرتان ‪.‬‬
‫و ‪ -‬القَ ْفلَة ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني القَفْلَة في اللغة ‪ :‬الوازن من الدّراهم ‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫ي في مكّة والمدينة وأرض الحجاز ‪,‬‬


‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬اسم من أسماء الدّرهم العرف ّ‬
‫وهو في نظر بعض الفقهاء أصغر من الدّرهم الشّرعيّ ‪ ,‬وفي نظر بعضهم الخر أكبر منه‬
‫‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬قال بعض المحشّين ‪ :‬الدّرهم الن المعروف بمكّة والمدينة وأرض‬
‫الحجاز وهو المسمّى بالقفلة على وزن تمرةٍ ‪ ,‬وهو ستّ عشرة خرنوب ًة ‪ ,‬كل خرنوبةٍ‬
‫ي بستّ شعيراتٍ ‪ ,‬وقال ابن عابدين أيضا‬
‫أربع شعيراتٍ ‪ ،‬وهو ينقص عن الدّرهم الشّرع ّ‬
‫ي ‪ ,‬وبه صرّح المام السروجي في الغاية‬
‫ن الدّرهم المتعارف أكبر من الشّرع ّ‬
‫‪ :‬ومقتضاه أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫ز ‪ -‬القمحة ‪:‬‬
‫‪ -‬القمحة في اللغة ‪ :‬هي حبّة القمح ‪ ,‬وهو البُر ‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫وفي اصطلح الفقهاء المراد بها وزنها ‪ ,‬وهي معيار لما هو أكبر منها من الوزان‬
‫كالدّرهم والدّينار ‪ ,‬ووزنها مسا ٍو لوزن حبّة الشّعير ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬لنّا اختبرنا‬
‫الشّعيرة المتوسّطة مع القمحة المتوسّطة فوجدناهما متساويتين ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬وهي ربع‬
‫قيراطٍ ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬القنطار ‪:‬‬
‫‪ -‬القنطار في اللغة ‪ :‬على وزن فنعا ٍل معيار ‪ ,‬وقال بعضهم ‪ :‬ليس له وزن عند‬ ‫‪44‬‬

‫ن ‪ ,‬ومائة رط ٍل ‪ ,‬ومائة مثقالٍ ‪,‬‬


‫العرب ‪ ,‬وإنّما هو أربعة آلف دينا ٍر ‪ ,‬وقيل يكون مائة مَ ّ‬
‫ض ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو أربعون أوق ّي ًة من‬
‫ومائة درهمٍ ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو المال الكثير بعضه على بع ٍ‬
‫ذهبٍ ‪ ,‬أو ألف ومئتا دينارٍ ‪ ,‬وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء قال القرطبي ‪ :‬واختلف العلماء في تحرير حدّه كم هو على أقوالٍ‬
‫عديدةٍ ‪ ,‬فروى أبي بن كعبٍ رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪:‬‬
‫« القنطار ألف أوق ّيةٍ ومئتا أوق ّيةٍ » ‪ ,‬وقال بذلك معاذ بن جبلٍ وعبد اللّه بن عمر رضي‬
‫ن القنطار على هذا يختلف باختلف‬
‫ال عنهم ‪ ,‬قال ابن عطيّة ‪ :‬وهو أصح القوال ‪ ,‬لك ّ‬
‫البلد في قدر الوقيّة ‪.‬‬
‫ما يناط بالقنطار من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬يذكر الفقهاء القنطار أحيانا لبيان الكثرة ‪ ,‬كما ذكره اللّه تعالى في كتابه الكريم فقال‬ ‫‪45‬‬

‫ل تَ ْأخُذُواْ مِ ْنهُ شَيْئا } ‪.‬‬


‫ج ّمكَانَ َزوْجٍ وَآتَيْ ُتمْ ِإحْدَاهُنّ قِنطَارا فَ َ‬
‫‪َ { :‬وإِنْ أَرَد ّتمُ اسْتِبْدَالَ َزوْ ٍ‬
‫ط ‪ -‬القيراط ‪:‬‬
‫‪ -‬القيراط والقِراط بالكسر في اللغة ‪ :‬مقدار صغير يختلف وزنه باختلف البلدان ‪ ,‬ففي‬ ‫‪46‬‬

‫مكّة ‪ :‬ربع سدس دينار ‪ ,‬وفي العراق ‪ :‬نصف عشر دينا ٍر ‪ ,‬وقال بعض الحسّاب ‪ :‬القيراط‬
‫ق ‪ ,‬والدّرهم عندهم اثنتا عشرة ح ّبةً ‪,‬‬
‫في لغة اليونان حبّة خرنوبٍ ‪ ,‬وهو نصف دان ٍ‬
‫والحسّاب يقسّمون الشياء أربعةً وعشرين قيراطا ‪ ,‬لنّه أوّل عددٍ له ثمن وربع ونصف‬
‫وثلث صحيحات من غير كس ٍر ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء كما هو في اللغة ‪ :‬مقدار قليل من الوزان ‪ ,‬وقد اختلف الفقهاء في‬
‫مقداره اختلفا يسيرا ‪:‬‬
‫ن القيراط جزء من أربعة عشر جزءا من الدّرهم ‪ ,‬أو جزء من‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫عشرين جزءا من الدّينار ‪ ,‬وهما متساويان ‪ ,‬وهو وزن خمس حبّات شعيرٍ أو قمحٍ ‪ ,‬قال‬
‫ابن عابدين ‪ :‬والدّينار عشرون قيراطا ‪ ,‬والدّرهم أربعة عشر قيراطا ‪ ,‬والقيراط خمس‬
‫شعيراتٍ ‪.‬‬
‫والقيراط عند المالكيّة أقل منه عند الحنفيّة ‪ ,‬قال الحطّاب ‪ :‬فيكون وزن الدّرهم الشّرعيّ‬
‫أربعة عشر قيراطا وثلثة أرباع قيراطٍ ونصف خمس قيراطٍ ‪ ,‬وهي خمسة عشر قيراطا إل‬
‫ثلثة أرباع خمس قيراطٍ ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ القيراط ثلث حبّاتٍ من الشّعير ‪ ,‬والدّرهم ستّة عشر قيراطا وأربعة‬
‫أخماس قيراطٍ ‪ ,‬وقيل ‪ :‬أربعة عشر قيراطا ‪.‬‬
‫والدّرهم خمسون ح ّبةً وخُمسا ح ّب ٍة من الشّعير ‪.‬‬
‫ما يناط بالقيراط من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالقيراط أحكاما شرع ّيةً ‪ ,‬وقد يجعلونه معيارا لبعض المقادير‬ ‫‪47‬‬

‫الشّرعيّة كالدّرهم والدّينار كما تقدّم ‪.‬‬


‫ي ‪ -‬المثقال ‪:‬‬
‫‪ -‬مثقال الشّيء في اللغة ‪ :‬ميزانه من مثله ‪ ,‬وهو مفرد يجمع على مثاقيل ‪ ,‬والمثقال‬ ‫‪48‬‬

‫درهم وثلثة أسباعٍ درهمٍ ‪ ,‬وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء المثقال وزن الدّينار من الذّهب ‪ ,‬قال الكمال بن الهمام ‪ :‬والظّاهر أنّ‬
‫المثقال اسم للمقدار المقدّر به ‪ ,‬والدّينار اسم للمقدّر به بقيد ذهبيّته ‪ ,‬وقال ابن عابدين‬
‫بعدما أورد هذه العبارة عن الفتح ‪ :‬وحاصله أنّ الدّينار اسم للقطعة من الذّهب المضروبة‬
‫المقدّرة بالمثقال ‪ ,‬فاتّحادهما من حيث الوزن وجميع الئمّة على ذلك أيضا ‪.‬‬
‫‪.)8-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬دنانير ف‬
‫ك ‪ -‬المنّ ‪:‬‬
‫‪ -‬المن في اللغة ‪ :‬ومثله المنا ‪ :‬مكيال يكال به السّمن وغيره ‪ ,‬وقيل هو ميزان قدره‬ ‫‪49‬‬

‫رطلن ‪ ,‬وهو مفرد يجمع على أمنانٍ ‪ ,‬والمنا يجمع على أمنا ٍء ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء قال الحنفيّة ‪ :‬المن رطلن بغداديّان ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬المد والمن‬
‫سواء كل منهما ربع صاعٍ رطلن بالعراقيّ ‪.‬‬
‫ن صغي ٍر ومنّ كبي ٍر ‪ ,‬أمّا المن الصّغير فهو رطلن‬
‫وقد قسّم الشّافعيّة المنّ إلى نوعين ‪ ,‬م ّ‬
‫بغداديّان ‪ ,‬وأمّا المن الكبير فهو ستمائة درهمٍ ‪.‬‬
‫ما يناط به من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫ن أحكاما شرع ّيةً مباشرةً ‪ ,‬ولكن يذكرونه معيارا لبعض المقادير‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالم ّ‬ ‫‪50‬‬

‫الشّرعيّة الخرى كالوسق والرّطل ‪.‬‬


‫ل ‪ -‬النشّ ‪:‬‬
‫‪ -‬النّش في اللغة عشرون درهما ‪ ,‬وهو نصف الوقيّة وغيرها ‪ ,‬قال ابن العرابيّ ‪,‬‬ ‫‪51‬‬

‫ونش الدّرهم والرّغيف نصفه ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫قال أبو سلمة رضي ال تعالى عنه ‪ « :‬سألت عائشة عليه السلم كم كان صداق رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬كان صداقه لزواجه اثنتي عشرة أوق ّيةً ونشا ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫أتدري ما النّش ؟ قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬قالت ‪ :‬نصف أوق ّيةٍ ‪ ،‬فتلك خمسمائة درهمٍ » ‪.‬‬
‫م ‪ -‬النّواة ‪:‬‬
‫‪ -‬النّواة في اللغة ‪ :‬مفرد يجمع على نوىً والنّواة بذرة التّمر ‪ ,‬والنّواة من العدد‬ ‫‪52‬‬

‫عشرون ‪ ,‬أو عشرة ‪ ,‬والوقيّة من الذّهب ‪ ,‬وأربعة دنانير ‪ ,‬أو ما زنته خمسة دراهم ‪,‬‬
‫وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫واختلف في تقدير النّواة في اصطلح الفقهاء للختلف في تفسير النّواة في حديث أنسٍ‬
‫رضي ال تعالى عنه وهو ‪ « :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن‬
‫عوف أثر صفرة ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قال ‪ :‬إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ‪ ,‬قال‬
‫‪ :‬بارك ال لك ‪ ,‬أو لم ولو بشاة » ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الطوال والمساحات ‪:‬‬
‫اعتمد الفقهاء في قياس الطول والمساحة على عددٍ من المقاييس أهمّها مرتّبا على حروف‬
‫الهجاء كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الصبَع ‪:‬‬
‫‪ -‬الصبع في اللغة ‪ :‬مؤنّثة ويجوز فيها التّذكير والتّأنيث أشهر ‪ ,‬وفيها عشر لغاتٍ‬ ‫‪53‬‬

‫تثليث الهمزة مع تثليث الباء ‪ ,‬والعاشرة ‪ :‬أصبوع وزان عصفورٍ ‪ ,‬والمشهور من لغاتها‬
‫كسر الهمرة مع فتح الباء ‪ ,‬وهي واحدة الصابع والصابيع ‪.‬‬
‫ت شعيراتٍ معتدلتٍ بطن‬
‫والصبع في اصطلح الفقهاء مقياس للطول يساوي عرض س ّ‬
‫إحداها لظهر الخرى والشّعيرة ست شعرات بغلٍ ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬وهي ‪ -‬أي الصبع ‪ -‬ست شعيراتٍ ظهر لبطن وهي ‪ -‬أي الشّعيرة ‪-‬‬
‫ست شعرات بغلٍ ‪.‬‬
‫ما يناط بالصبع من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالصبع من المساحات أيا من الحكام الشّرعيّة ولكن يجعلونها‬ ‫‪54‬‬

‫معيارا لغيرها من المقادير الشّرعيّة كالقبضة والذّراع ‪.‬‬


‫ب ‪ -‬الباع ‪:‬‬
‫‪ -‬الباع في اللغة قدر مدّ اليدين كالبوع ويضم ‪ ,‬وجمعه أبواع ‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫وقال أبو حاتمٍ ‪ :‬هو م ّذكّر يقال هذا باع ‪ ,‬وهو مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما يمينا‬
‫وشمالً ‪.‬‬
‫ع‪.‬‬
‫والباع في اصطلح الفقهاء ‪ ,‬مختلف فيه بينهم ‪ ,‬فقال الحنفيّة ‪ :‬إنّه أربعة أذر ٍ‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ الباع ذراعان ‪.‬‬
‫ما يناط بالباع من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالباع أحكاما شرع ّي ًة ‪ ,‬ولكنّهم يذكرونه في أضعاف الذّراع ‪ ,‬وفي‬ ‫‪56‬‬

‫أجزاء الميل والفرسخ ‪.‬‬


‫ج ‪ -‬البريد ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني البريد في اللغة ‪ :‬أنّه مقدار من المسافة ‪ ,‬وهو اثنا عشر ميلً وجمعه‬ ‫‪57‬‬

‫برد ‪.‬‬
‫والبريد في اصطلح الفقهاء أربعة فراسخ ‪ ,‬وفي قو ٍل مرجوحٍ للمالكيّة هو فرسخان ‪.‬‬
‫ما يناط بالبريد من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫ي المثبت للرخص يرتبط بالمسافة ومسافة‬
‫‪ -‬جمهور الفقهاء على أنّ السّفر الشّرع ّ‬ ‫‪58‬‬

‫السّفر هذه عندهم أربعة بردٍ ‪.‬‬


‫د ‪ -‬الجريب ‪:‬‬
‫‪ -‬الجريب لغ ًة ‪ :‬قال الفيومي ‪ :‬الجريب الوادي ‪ ,‬ثمّ استعير للقطعة المتميّزة من‬ ‫‪59‬‬

‫ضمّ ‪ ,‬ويختلف مقدارها بحسب‬


‫الرض ‪ ,‬فقيل ‪ :‬فيها جريب ‪ ,‬وجمعها أجربة وجُربان بال ّ‬
‫اصطلح أهل القاليم كاختلفهم في مقدار الرّطل والكيل والذّراع ‪.‬‬
‫ثمّ قال ‪ :‬وفي كتاب المساحة للسّموأل ‪ :‬الجريب عشرة آلف ذراعٍ ‪ ,‬وجريب الطّعام أربعة‬
‫أقفزةٍ ‪ ,‬قاله الزهري ‪.‬‬
‫ن مساحته ثلثة آلفٍ‬
‫والجريب في اصطلح الفقهاء مقدار من المساحة وعامّتهم على أ ّ‬
‫وستمائة ذراعٍ ‪.‬‬
‫ن الحنفيّة قالوا ‪ :‬إنّ الجريب ستون ذراعا في ستّين ذراعا بذراع كسرى ‪ ,‬وهو سبع‬
‫إل أ ّ‬
‫قبضاتٍ ‪ ,‬والقبضة أربع أصابع ‪ ,‬قال الحصكفي ‪ :‬وقيل ‪ :‬المعتبر في الذّراع في كلّ بلدةٍ‬
‫عرفهم ‪.‬‬
‫ن الجريب ستون ذراعا قي ستّين ذراعا بالذّراع الهاشميّة ‪ ,‬وهي‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫ت ‪ ,‬والقبضة أربع أصابع ‪.‬‬
‫ذراع وثلث بذراع اليد ‪ ,‬والذّراع الهاشمي ست قبضا ٍ‬
‫ع وستمائة ذراعٍ ‪ ,‬ولعلّ هذا في اصطلح‬
‫وقال القليوبيّ ‪ :‬الجريب هو ثلثة آلف ذرا ٍ‬
‫ع فقط ‪.‬‬
‫ن القصبة ستّة أذر ٍ‬
‫الفقهاء بناءً على أ ّ‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ الجريب عشر قصباتٍ في عشر قصباتٍ ‪ ,‬والقصبة ستّة أذرعٍ بذراع‬
‫عمر رضي ال عنه ‪ ,‬المعروف بالذّراع الهاشميّة ‪ ,‬وهي ذراع وسط أي بيد الرّجل‬
‫ع وستّمائة ذراعٍ‬
‫المتوسّط الطول ‪ ,‬وقبضة وإبهام قائمة ‪ ,‬فيكون الجريب ثلثة آلف ذرا ٍ‬
‫مكسّرا ‪.‬‬
‫ما يناط بالجريب من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬أناط الفقهاء بالجريب من الرض مقدار الخراج الموظّف ‪ ,‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه‬ ‫‪60‬‬

‫ح للزّراعة في ك ّل سنةٍ قفيز ودرهم ممّا يزرع فيها ‪,‬‬


‫ب من الرض صال ٍ‬
‫يجب في كلّ جري ٍ‬
‫وفي جريب الرّطبة خمسة دراهم ‪ ,‬وفي جريب الكرم والنّخل المتّصل عشرة دراهم ‪ ,‬وما‬
‫سوى ذلك من المزروعات يوضع عليها بحسب الطّاقة بما ل يزيد على نصف النّاتج ‪.‬‬
‫ب من البرّ ثماني ًة وأربعين درهما ‪ ,‬وعلى كلّ جريبٍ‬
‫ن على كلّ جري ٍ‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫من الشّعير أربعةً وعشرين درهما ‪ ,‬وعلى كلّ جريبٍ من التّمر س ّتةً ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الخراج الموظّف على الرض في كلّ سنةٍ هو ما فرضه عثمان بن‬
‫حنيفٍ ‪ ,‬وهو على كلّ جريب شعيرٍ درهمان ‪ ,‬وعلى كلّ جريب حنطةٍ أربعة دراهم ‪ ,‬وعلى‬
‫كلّ جريب شجرٍ وقصب سكّ ٍر ستّة دراهم ‪ ,‬وعلى كلّ جريب نخلٍ ثمانية دراهم ‪ ,‬وعلى كلّ‬
‫ن اثنا عشر درهما ‪.‬‬
‫جريب كرمٍ عشرة دراهم ‪ ,‬وقيل النّخل عشرة ‪ ,‬وعلى كلّ جريب زيتو ٍ‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ الواجب في كلّ سنةٍ على جريب الزّرع درهم وقفيز ‪ ,‬وعلى جريب‬
‫الكرم عشرة دراهم ‪ ,‬وعلى كلّ جريب نخلٍ ثمانية دراهم ‪ ,‬وعلى كلّ جريب رطب ٍة ستّة‬
‫دراهم ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬خراج ف‬
‫هـ ‪ -‬الخطوة ‪:‬‬
‫‪ -‬الخطوة في اللغة ‪ :‬بضمّ الخاء وفتحها ما بين القدمين عند المشي ‪ ,‬والمفتوح يجمع‬ ‫‪61‬‬

‫على خَطواتٍ كشَهوات ‪ ,‬والمضموم يجمع على خُطىً وخُطواتٍ كغُرف وغُرفاتٍ ‪.‬‬
‫والخطوة في اصطلح الفقهاء جزء من أربعة آلف جز ٍء من الميل ‪ ,‬فقد نصّ الشّافعيّة ‪,‬‬
‫وهو قول عند الحنفيّة على أنّ الميل أربعة آلف خطوةٍ ‪ ,‬كما نصّ الشّافعيّة على أنّ‬
‫الخطوة ثلثة أقدامٍ ‪.‬‬
‫الحكام الشّرعيّة المنوطة بالخطوة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالخطوة أحكاما شرع ّيةً ‪ ,‬وربّما ذكروها عرضا في بعض الحكام ‪,‬‬ ‫‪62‬‬

‫من ذلك ما ذكره ابن قدامة حيث قال ‪ :‬قال القاضي ‪ :‬لو خرج إلى ضيعةٍ له ففارق البنيان‬
‫والمنازل ولو بخمسين خطوةٍ جاز له التّيمم والصّلة على الرّاحلة ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الذّراع ‪:‬‬
‫‪ -‬الذّراع في اللغة ‪ :‬اليد من كلّ حيوانٍ ‪ ,‬لكنّها في النسان من المرفق إلى أطراف‬ ‫‪63‬‬

‫الصابع ‪ ,‬أو من المرفق إلى طرف الصبع الوسطى ‪ ,‬ويجري بها القياس ‪ ,‬وهي ذراع‬
‫النسان المتوسّط ‪ ,‬وقدّرت بستّ قبضاتٍ معتدلتٍ ‪ ,‬وتسمّى ذراع العامّة ‪ ,‬وهي مؤنّثة‬
‫وبعض العرب يذكّرها ‪.‬‬
‫والذّراع في اصطلح الفقهاء مقياس للطول ‪ ,‬ولها أنواع مختلفة الطول ‪ ,‬وقد ذكر‬
‫ي لها سبعة أنواعٍ ‪ ,‬فقال ‪ :‬وأمّا الذّراع فالذرع سبع ‪ ,‬أقصرها القاضية ‪ ,‬ثمّ‬
‫الماورد ّ‬
‫اليوسفيّة ‪ ,‬ثمّ السّوداء ‪ ,‬ثمّ الهاشميّة الصغرى وهي البلليّة ‪ ,‬ثمّ الهاشميّة الكبرى وهي‬
‫الزّياديّة ‪ ,‬ثمّ العمريّة ‪ ,‬ث ّم الميزانيّة ‪ ,‬وذلك بحسب اسم واضعها ‪.‬‬
‫وقد بيّن ذلك الماورديّ فقال ‪ :‬فأمّا القاضية ‪ ,‬وتسمّى ذراع الدور فهي أقل من ذراع‬
‫السّوداء بإصبع وثلثي إصب ٍع ‪ ,‬وأوّل من وضعها ابن أبي ليلى القاضي ‪ ,‬وبها يتعامل أهل‬
‫كلواذي ‪.‬‬
‫وأمّا اليوسفيّة ‪ ,‬وهي الّتي تذرّع بها القضاة الدور بمدينة السّلم ‪ ,‬فهي أقل من الذّراع‬
‫السّوداء ‪ ,‬بثلثي إصب ٍع ‪ ,‬وأوّل من وضعها أبو يوسف القاضي ‪.‬‬
‫وأمّا الذّراع السّوداء فهي أطول من ذراع الدور بإصبع وثلثي إصبعٍ ‪ ,‬وأوّل من وضعها‬
‫الرّشيد قدرها بذراع خادمٍ أسود كان على رأسه ‪ ,‬وهي الّتي يتعامل بها النّاس في ذراع‬
‫الب ّز ‪ ,‬والتّجارة ‪ ,‬والبنية ‪ ,‬وقياس نيل مصر ‪.‬‬
‫وأمّا الذّراع الهاشميّة الصغرى وهي البلليّة فهي أطول من الذّراع السّوداء بإصبعين‬
‫وثلثي إصبعٍ ‪ ,‬وأوّل من أحدثها بلل بن أبي بردة ‪ ,‬وذكر أنّها ذراع جدّه أبي موسى‬
‫الشعريّ رضي ال تعالى عنه ‪ ,‬وهي أنقص من الزّياديّة بثلثة أرباع عشرٍ ‪ ,‬وبها يتعامل‬
‫النّاس بالبصرة والكوفة ‪.‬‬
‫وأمّا الهاشميّة الكبرى وهي ذراع الملك ‪ ,‬وأوّل من نقلها إلى الهاشميّة المنصور ‪ ,‬فهي‬
‫أطول من الذّراع السّوداء بخمس أصابع وثلثي إصب ٍع ‪ ,‬فتكون ذراعا وثمنا وعشرا‬
‫بالسّوداء ‪ ,‬وتنقص عنها الهاشميّة الصغرى بثلثة أرباع عش ٍر ‪ ,‬وسمّيت زياد ّيةً لنّ زيادا‬
‫مسح بها أرض السّواد ‪ ,‬وهي الّتي يزرع بها أهل الهواز ‪.‬‬
‫وأمّا الذّراع العمريّة ‪ ,‬فهي ذراع عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه الّتي مسح بها‬
‫أرض السّواد ‪ ,‬وقال موسى بن طلحة ‪ :‬رأيت ذراع عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه‬
‫الّتي مسح بها أرض السّواد ‪ ,‬وهي ذراع وقبضة وإبهام قائمة ‪ ,‬قال الحكم بن عيينة ‪:‬‬
‫ن عمر رضي ال تعالى عنه عمد إلى أطولها ذراعا وأقصرها وأوسطها ‪ ,‬فجمع منها‬
‫أّ‬
‫ثلث ًة وأخذ الثلث منها ‪ ,‬وزاد عليه قبضةً وإبهاما قائمةً ثمّ ختم طرفيها بالرّصاص وبعث‬
‫بذلك إلى حذيفة وعثمان بن حنيفٍ حتّى مسحا بها السّواد ‪ ,‬وكان أوّل من مسح بها بعده‬
‫عمر بن هبيرة ‪.‬‬
‫أمّا الذّراع الميزانيّة ‪ ,‬فتكون بالذّراع السّوداء ذراعين وثلثي ذراعٍ وثلثي إصب ٍع ‪ ,‬وأوّل‬
‫من وضعها المأمون ‪ ,‬وهي الّتي يتعامل النّاس فيها في ذرع البرائد والمساكن والسواق‬
‫وكراء النهار والحفائر ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد اختلف الفقهاء في الذّراع الّتي تقدّر بها المقدّرات الشّرعيّة على أقوالٍ كما يلي‬ ‫‪64‬‬

‫‪ :‬اختلف الحنفيّة في الذّراع الشّرعيّة ‪ ,‬والمختار عندهم ذراع الكرباس ‪ ,‬وعليه الفتوى ‪,‬‬
‫ت فقط ‪ ,‬أي بل إصبعٍ قائمةٍ ‪ ,‬وهذا ما في الولوالجيّة ‪ ,‬وفي البحر أنّ في‬
‫وهو سبع قبضا ٍ‬
‫كثي ٍر من الكتب أنّه ست قبضاتٍ ليس فوق كلّ قبضةٍ إصبع قائمة ‪ ,‬فهو أربع وعشرون‬
‫إصبعا ‪ ,‬والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومةٍ ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬وهو قريب من ذراع‬
‫اليد ‪ ,‬لنّه ست قبضاتٍ وشيء ‪ ,‬وذلك شبران ‪.‬‬
‫ن ذراعهم قال‬
‫ن ومكا ٍ‬
‫وقال ابن عابدين ‪ :‬نقلً عن المحيط والكافي ‪ :‬أنّه يعتبر في كلّ زما ٍ‬
‫في النّهر ‪ :‬وهو النسب ‪.‬‬
‫ن الذّراع ست وثلثون إصبعا ‪ ,‬قال التّسولي ‪ :‬والذّراع ما بين طرفي‬
‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫المرفق ورأس الصبع الوسطى ‪ ,‬كل ذراعٍ ست وثلثون إصبعا ‪ ,‬وفي قولٍ آخر لبن‬
‫ب مؤدّاه أنّ الذّراع أربع وعشرون إصبعا ‪ ,‬وقال التّسولي ‪ :‬وقال ابن حبيبٍ ‪ :‬والذّراع‬
‫حبي ٍ‬
‫شبران ‪ ,‬والشّبر اثنا عشر أصبعا ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الذّراع أربعة وعشرون إصبعا ‪ ,‬قال الشّربيني الخطيب ‪ :‬والذّراع‬
‫أربعة وعشرون إصبعا معترضاتٍ ‪.‬‬
‫الحكام الشّرعيّة المنوطة بالذّراع ‪:‬‬
‫‪ -‬استعمل الحنفيّة الذّراع في مواضع منها مقدار الماء الكثير ‪ ,‬فقد ورد عنهم أنّ‬ ‫‪65‬‬

‫ع ‪ ,‬وبه أفتى المتأخّرون‬


‫الكثير ما كان عشرا في عش ٍر ‪ ,‬أي عشرة أذرعٍ في عشرة أذر ٍ‬
‫العلم ‪.‬‬
‫ومنها في مقدار ابتعاد المرأة عن الرّجل في صلة الجماعة إذا اقتديا بإمام واحدٍ ‪ ،‬قال‬
‫الحصكفي ‪ :‬وإذا حاذته امرأة ولو أمة مشتهاة ول حائل بينهما أقله مقدار ذراعٍ في صلةٍ‬
‫مشتركةٍ فسدت صلته لو مكلّفا ‪ ,‬وإل ل ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬الشّبر ‪:‬‬
‫‪ -‬الشّبر في اللغة ‪ :‬ما بين طرفي الخنصر والبهام بالتّفريج المعتاد ‪ ,‬وهو مفرد يجمع‬ ‫‪66‬‬

‫على أشبا ٍر ‪ ,‬وهو م ّذكّر ‪.‬‬


‫والشّبر في اصطلح الفقهاء نصف ذراعٍ ‪ ,‬اثنا عشر إصبعا ‪ ,‬قال ابن عابدين في الكلم‬
‫عن الذّراع ‪ :‬وهو قريب من ذراع اليد لنّه ست قبضاتٍ وشيء ‪ ,‬وذلك شبران ‪.‬‬
‫وقال التّسولي ‪ :‬والذّراع شبران ‪ ,‬والشّبر اثنا عشر إصبعا ‪.‬‬
‫ما يناط بالشّبر من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ورد تقدير بعض الحكام الشّرعيّة بالشّبر مثل ‪ :‬تقدير تسنيم القبر بالشّبر ‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪ ,‬وتسنيم ف ‪. ) 2‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ر ‪ :‬مصطلح ‪ ( :‬قبر ف‬


‫وإسبال ثوب المرأة شبرا أو ذراعا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ر ‪ :‬مصطلح ‪ ( :‬إسبال ف‬
‫وتقدير عمق الماء الرّاكد ‪ -‬إذا كان عشرا بعشر ‪ -‬بذراع أو شب ٍر في قو ٍل عند الحنفيّة ‪,‬‬
‫والصّحيح عندهم أن يكون بحال ل تنكشف أرضه بالغرف منه ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬الشّعْرة ‪:‬‬
‫‪ -‬الشّعر في اللغة ‪ :‬بسكون العين وفتحها نبتة الجسم ممّا ليس بصوف ول وبرٍ ‪,‬‬ ‫‪68‬‬

‫وبالسكون يجمع على شعورٍ ‪ ,‬وبالفتح على أشعارٍ وهو من النسان وغيره ‪ ,‬وهو م ّذكّر‬
‫الواحدة منه شعرة ‪ ,‬وإنّما جمع الشّعر تشبيها لسم الجنس بالمفرد ‪.‬‬
‫صةً وهو البغل ‪ ,‬وهي‬
‫والشّعرة في اصطلح الفقهاء عند الطلق هي شعرة البرذون خا ّ‬
‫في المقياس من أجزاء الصبع والذّراع عندهم ‪ ,‬ومقدارها سدس عرض شعيرةٍ بالتّفاق ‪.‬‬
‫الحكام الشّرعيّة المنوط بالشّعرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالشّعرة أحكاما شرع ّيةً مباشر ًة ‪ ,‬ولكنّهم يذكرون الشّعرة معيارا‬ ‫‪69‬‬

‫لغيرها من الطوال كالذّراع والصبع والشّعيرة ‪.‬‬


‫ط ‪ -‬الشّعيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني الشّعيرة في اللغة ‪ :‬أنّها واحدة الشّعير ‪ ,‬وهو نبات عشبي حبّي شتوي‬ ‫‪70‬‬

‫من الفصليّة النّجيليّة وهو دون البرّ في الغذاء ‪.‬‬


‫والشّعيرة في اصطلح الفقهاء في المقادير الشّرعيّة ‪ :‬حبّة الشّعير ‪ ,‬وهي معيار للطوال‬
‫من حيث عرضها ‪ ,‬ومعيار للوزان من حيث وزنها وثقلها ‪.‬‬
‫وعرض الشّعيرة المتوسّطة ‪ -‬هي المرادة هنا ‪ -‬بطن لظهر مقياس للصبع ‪ ,‬وهو مقدّر‬
‫لدى الفقهاء بعرض ست شعراتٍ من شعر البرذون ‪ -‬البغل ‪. -‬‬
‫والشّعيرة وهي معيار للدّرهم والمثقال والقيراط ‪ ,‬والمراد الشّعيرة المتوسّطة الّتي قطع‬
‫رأساها ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪ :‬لكنّ المعتبر في قيراط الدّرهم الشّرعيّ خمس حبّاتٍ بخلف‬
‫ن درهم الزّكاة سبعون شعير ًة ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬كل خرنوبةٍ أربع‬
‫قيراط الدّرهم العرفيّ ‪ ,‬وقال ‪ :‬ل ّ‬
‫شعيراتٍ أو أربع قمحاتٍ ‪ ,‬لنّا اختبرنا الشّعيرة المتوسّطة مع القمحة المتوسّطة فوجدناهما‬
‫متساويتين ‪ ,‬ثمّ قال ‪ :‬قيراط خمس شعيراتٍ ‪.‬‬
‫وقال الشّربيني الخطيب ‪ :‬والمثقال لم يتغيّر جاهل ّيةً ول إسلما ‪ ,‬وهو اثنان وسبعون ح ّبةً‬
‫ق وطال ‪ ،‬فالدّرهم خمسون ح ّبةً‬
‫‪ ,‬وهي شعيرة معتدلة لم تقشّر وقطع من طرفيها ما د ّ‬
‫وخُمسا ح ّبةٍ ‪.‬‬
‫ما يناط بالشّعيرة من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالشّعيرة أحكاما شرع ّيةً ولكنّهم يجعلونها معيارا لضعافها من‬ ‫‪71‬‬

‫الوزان والطوال كما تقدّم ‪ ,‬ثمّ هم يذكرون الشّعير من حيث هو مادّة غذائيّة ذات قيمةٍ‬
‫مال ّيةٍ في زكاة الزروع ‪ ,‬وفي صدقة الفطر ‪ ,‬وفي النّفقة ‪.‬‬
‫وما بعدها ‪ ,‬ونفقة‬ ‫‪10‬‬ ‫وربا ف‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ,‬وزكاة الفطر ف‬ ‫‪97‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬زكاة ف‬
‫)‪.‬‬
‫ي ‪ -‬العَشير ‪:‬‬
‫‪ -‬العشير في اللغة ‪ :‬العشر وكذلك المعشار والعشر جزء من عشرة أجزا ٍء وقيل ‪ :‬إنّ‬ ‫‪72‬‬

‫المعشار عشر العشير ‪ ,‬والعشير عشر العشر ‪.‬‬


‫ي ‪ :‬والعشير‬
‫والعشير في اصطلح الفقهاء ما مساحته قصبة في قصبةٍ ‪ ,‬قال الماورد ّ‬
‫ع ‪ ,‬والعشير ستّة وثلثون ذراعا ‪ ,‬وهو عشر القفيز‬
‫قصبة في قصب ٍة ‪ ,‬والقصبة ستّة أذر ٍ‬
‫‪.‬‬
‫ما يناط بالعشير من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ينيط الفقهاء بالعشير أحكاما شرع ّيةً مباشر ًة ‪ ,‬ولكنّهم يذكرونه أحيانا بين أضعاف‬ ‫‪73‬‬

‫الذّراع والقصبة ‪ ,‬وأجزاء الجريب والقفيز ‪.‬‬


‫ك ‪ -‬الغلوة ‪:‬‬
‫‪ -‬الغلوة في اللغة ‪ :‬رمية سه ٍم أبعد ما يقدر عليه ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هي قدر ثلثمائة ذراعٍ إلى‬ ‫‪74‬‬

‫أربعمائةٍ ‪ ,‬وجمعها غلوات ‪ ,‬أو هي جزء من خمسةٍ وعشرين جزءا من الفرسخ ‪.‬‬
‫ع ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ثلثمائةٍ إلى‬
‫وقد اختلفت أقوال الفقهاء في مقدار الغلوة فقيل ‪ :‬هي ثلثمائة ذرا ٍ‬
‫ق بشيء مقدّرٍ ‪ ,‬قال ابن عابدين‬
‫أربعمائة خطوةٍ ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هي رمية سه ٍم دون تحديدٍ دقي ٍ‬
‫ع إلى أربعمائةٍ هو الصح ‪.‬‬
‫نقلً عن البحر الرّائق عن المجتبى ‪ :‬هي ثلثمائة ذرا ٍ‬
‫ما يناط بالغلوة من أحكامٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬قليلً ما يذكر الفقهاء الغلوة في تقديرهم للحكام الشّرعيّة ‪ ,‬وقد ذكر بعضهم تقدير‬ ‫‪75‬‬

‫البعد الّذي يجب على المتيمّم طلب الماء منه لصحّة تيممه بأنّه قدر غلو ٍة ‪ ,‬قال الحصكفي‬
‫‪ :‬ويجب أن يفترض طلبه ولو برسوله ‪ -‬أي الماء لصحّة التّيمم عند عدمه ‪ -‬قدر غلوةٍ ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬فإن احتاج إلى ترد ٍد ‪ -‬أي المتيمّم عند طلبه للماء ‪ -‬تردّد قدر نظره ‪ ,‬قال‬
‫الشّربيني تعليقا على ذلك ‪ :‬قدر نظره أي في المستوى من الرض ‪ ,‬وفي الشّرح الصّغير‬
‫بغلوة سهمٍ ‪ ,‬أي غاية رمي ٍة ‪.‬‬
‫وقد ذكر الحصكفي الغلوة لتقدير بعد الفناء عن البنيان الّذي يجب على المرء مغادرته ليعدّ‬
‫مسافرا ‪ ,‬فقال ‪ :‬وفي الخانية ‪ :‬إن كان بين الفناء والمصر أقل من غلو ٍة وليس بينهما‬
‫مزرعة يشترط مجاوزته وإل فل ‪.‬‬
‫ل ‪ -‬الفرسخ ‪:‬‬
‫ي ‪ ,‬أو خمسة وعشرون غلوةً ‪ ,‬أو اثنا عشر‬
‫‪ -‬الفرسخ في اللغة ‪ :‬ثلثة أميالٍ بالهاشم ّ‬ ‫‪76‬‬

‫ألف ذراعٍ أو عشرة آلف ذراعٍ ‪.‬‬


‫والفرسخ في اصطلح الفقهاء ثلثة أميالٍ ‪.‬‬
‫ما يناط بالفرسخ من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬قدّر جمهور الفقهاء بالفرسخ مسافة السّفر المثبت للرخص الشّرعيّة كالفطر في‬ ‫‪77‬‬

‫رمضان ‪ ,‬وقصر الصّلة ‪.‬‬


‫‪ /‬ثمانيةً وأربعين‬ ‫‪48‬‬ ‫‪ /‬ستّة عشر فرسخا ‪ ،‬وتساوي ‪/‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ن مسافة السّفر هذه ‪/‬‬
‫وذكروا أ ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫مي ً‬
‫وخالف الحنفيّة وقالوا ‪ :‬إنّ مسافة القصر تقدّر بالمراحل ل بالفراسخ ‪ ,‬قال الحصكفي ‪:‬‬
‫ول اعتبار بالفراسخ على المذهب ‪ ,‬لنّ الفراسخ تختلف باختلف الطّريق في السّهل‬
‫والجبل والب ّر والبحر بخلف المراحل ‪.‬‬
‫م ‪ -‬القبضة ‪:‬‬
‫‪ -‬القبضة في اللغة ‪ :‬ما أخذت بجمع كفّك كلّه ‪ ,‬فإذا كان بأصابعك قهي القبصة ‪,‬‬ ‫‪78‬‬

‫بالصّاد المهملة والقبضة أربع أصابع ‪ .‬وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬القبضة أربع أصابع من‬
‫أصابع يد النسان المعتدلة ‪ ,‬وهي من أجزاء الذّراع ‪ ,‬ومن أضعاف الصبع ‪ ,‬قال ابن‬
‫ل عن نوحٍ أفندي ‪ :‬والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومةٍ ‪ ,‬قال ابن عابدين ‪:‬‬
‫عابدين نق ً‬
‫وهو ‪ -‬أي الذّراع ‪ -‬قريب من ذراع اليد لنّه ست قبضاتٍ وشيء ‪ ,‬وذلك شبران ‪.‬‬
‫ما يناط بالقبضة من أحكامٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يذكر الفقهاء كثيرا القبضة في تقدير الحكام الشّرعيّة ولكنّهم يذكرونها في تقدير‬ ‫‪79‬‬

‫أضعافها بها ‪ ,‬وفي حساب أجزائها ‪ ,‬كالذّراع والصبع ‪ ,‬وربّما ذكرها بعضهم عرضا في‬
‫ج ‪ ,‬فقد قال‬
‫بعض الحكام ‪ ,‬من ذلك ما يجب في كفّارة مخالفة أحكام الحرام للحا ّ‬
‫الحصكفي ‪ :‬وإن طيّب أق ّل من عضوٍ أو ستر رأسه أو لبس أق ّل من يومٍ تصدّق بنصف‬
‫صاعٍ ‪ ,‬وفي الخزانة في السّاعة نصف صاعٍ ‪ ,‬وفيما دونها قبضة ‪ ,‬أي قبضة من طعامٍ‬
‫يتصدّق بها ‪.‬‬
‫ق ‪ -‬القدم ‪:‬‬
‫‪ -‬القدم في النسان ما يطأ الرض من الرّجل ‪ ,‬وفوقها السّاق ‪ ,‬وبينهما المفصل‬ ‫‪80‬‬

‫المسمّى الرسغ أو الكعب ‪ ,‬والقدم مؤنّثة ‪ ,‬وهي مفرد يجمع على أقدامٍ ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪ ,‬إل أنّ الفقهاء قد يستعملون القدم‬
‫وحدةً لقياس المسافة ‪ ,‬ويجعلونها من أجزاء الذّراع والميل ‪ ,‬قال الشّربيني الخطيب ‪:‬‬
‫والقدمان ذراع ‪ ,‬وقال المقدسي ‪ :‬والميل اثنا عشر ألف قدمٍ ‪.‬‬
‫ما يناط بالقدم من أحكا ٍم شرع ّيةٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬يذكر الفقهاء أحكام القدم بصفتها عضوا من أعضاء النسان في أبوابٍ عدّ ٍة من‬ ‫‪81‬‬

‫الفقه ‪ ,‬منها القصاص ‪ ,‬والتّعزير ‪ ,‬والوضوء ‪ ,‬والغسل ‪ ,‬والتّيمم ‪ ,‬ويذكرونها بصفتها‬


‫جزءا من أجزاء الذّراع للقياس بها أحيانا ‪.‬‬
‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلحاتها ‪.‬‬
‫س ‪ -‬القصبة ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني القصبة في اللغة أنّها واحدة القصب والقصبات ‪ ,‬والقصب هو ‪ :‬كل نباتٍ‬ ‫‪82‬‬

‫ع تسمّى قصب ًة ‪ ,‬وكل عشر‬


‫يكون ساقه أنابيب وكعوبا ‪ ,‬وقال الفيومي ‪ :‬كل عشرة أذر ٍ‬
‫قصباتٍ تسمّى أشلً ‪ ,‬ومضروب الشل في القصبة قفيز ‪ ,‬وقال في المعجم الوسيط ‪ :‬من‬
‫معاني القصبة في اللغة أنّها مقياس من القصب طوله في مصر ثلثة أمتا ٍر وخمسة‬
‫وخمسون من المائة من المتر ‪ ,‬وجمعها قصب وقصبات ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ ,‬قال عميرة ‪ :‬القصبة ستّة أذرعٍ وثلثا ذراعٍ ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬والقصبة ستّة أذرعٍ ‪ ,‬ووافقه على ذلك ابن مفلحٍ ‪ ,‬إل أنّه أضاف ‪:‬‬
‫والقصبة ستّة أذرعٍ بالذّراع العمريّة ‪ ,‬والقصبة من أجزاء الجريب ‪ ,‬قال الماورديّ ‪ :‬فأمّا‬
‫ت‪.‬‬
‫الجريب فهو عشر قصباتٍ في عشر قصبا ٍ‬
‫ما يناط بالقصبة من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬القصبة عند الفقهاء من أجزاء الجريب ومن أضعاف الذّراع ‪ ,‬يعيّرونها بها ‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫ع ‪ -‬المرحلة ‪:‬‬
‫‪ -‬المرحلة في اللغة المسافة الّتي يقطعها المسافر في يومٍ ‪ ,‬والجمع مراحل ‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫والمرحلة في اصطلح الفقهاء ل تخرج عن معناها اللغويّ ‪ ,‬وقد حاول الفقهاء ضبطها‬
‫بالمسافة والزّمن ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين من الحنفيّة ‪ :‬قال في النّهاية أي التّقدير بثلث مراحل قريب من التّقدير‬
‫ن المعتاد من السّير في كلّ يومٍ مرحلةً واحدةً خصوصا في أقصر أيّام السّنة‬
‫بثلثة أيّامٍ ‪ ,‬ل ّ‬
‫‪ .‬ونقل عن الفتح أنّه قيل ‪ :‬يقدّر بواحد وعشرين فرسخا ‪ ,‬وقيل ‪ :‬بثمانية عشر ‪ ,‬وقيل ‪:‬‬
‫بخمسة عشر ‪ ,‬وكل من قدّر منها اعتقد أنّه مسيرة ثلثة أيّامٍ ‪ ,‬أي بناءً على اختلف‬
‫البلدان ‪.‬‬
‫وقال الدسوقي من المالكيّة ‪ :‬مرحلتان أي سير يومين معتدلين ‪ ,‬أو يوم وليلة بسير البل‬
‫المثقّلة بالحمال على المعتاد ‪.‬‬
‫وقال الشّربيني الخطيب من الشّافعيّة ‪ :‬وهما ‪ -‬أي المرحلتان ‪ -‬سير يومين بل ليلةٍ‬
‫معتدلين ‪ ,‬أو ليلتين بل يومٍ معتدلتين ‪ ,‬أو يوم وليلة كذلك بسير الثقال ‪ ,‬أي الحيوانات‬
‫المثقّلة بالحمال ‪ ,‬ودبيب القدام على العادة المعتادة من النزول والستراحة والكل‬
‫والصّلة ونحوه ‪.‬‬
‫ما يناط بالمرحلة من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬أناط الفقهاء بالمراحل السّفر المثبت للرخص كالقصر في الصّلة وجمع الصّلوات وقد‬ ‫‪85‬‬

‫ذهب الجمهور إلى أنّ السّفر المثبت للرخص ما كان قدر مرحلتين وقدّروه بستّة عشر‬
‫فرسخا ‪ ,‬أو أربعة بردٍ ‪ ,‬أو ثمانيةً وأربعين ميلً ‪.‬‬
‫قال الدّردير ‪ :‬وهي ‪ -‬أي مسافة السّفر ‪ -‬باعتبار الزّمان مرحلتان أي سير يومين‬
‫معتدلين ‪ ،‬وقال الدسوقي ‪ :‬فالعبرة بالربعة البرد ‪.‬‬
‫وقال النّووي ‪ :‬وطويل السّفر ثمانية وأربعون ميلً هاشم ّيةً ‪ ,‬قال وهو مرحلتان بسير‬
‫الثقال ‪.‬‬
‫وقال المقدسي ‪ :‬يبلغ سفره ذهابا ستّة عشر فرسخا تقريبا ‪ ،‬وهي يومان ‪.‬‬
‫أمّا الحنفيّة فقد نصوا على أنّ مسافة السّفر المثبت للرخص هي ثلث مراحل ‪ ,‬قال ابن‬
‫عابدين ‪ :‬التّقدير بثلث مراحل قريب من التّقدير بثلثة أيّامٍ ‪ ,‬ول عبرة عند جمهور‬
‫الحنفيّة للمسافة ‪ ,‬بل العبرة للزّمن فقط على المذهب ‪ ,‬وقال الحصكفي ‪ :‬ول اعتبار‬
‫بالفراسخ على المذهب ‪.‬‬
‫ل هاشميا ‪ ,‬أو بريدين‬
‫فالمرحلة من حيث المسافة عند الجمهور تساوي أربعةً وعشرين مي ً‬
‫‪ ,‬أو ثمانية فراسخ ‪ ,‬وكلها متساوية ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة المرحلة ستّة فراسخ ‪ ,‬وقيل خمسة فراسخ ‪ ,‬وقيل سبعة فراسخ ‪ ,‬والفتوى‬
‫على الوّل ‪.‬‬
‫أمّا من حيث الزّمان ‪ ,‬فالمرحلة عند الجمهور مسيرة يومٍ كاملٍ معتدلٍ ‪ ,‬أو ليل ٍة كاملةٍ‬
‫معتدلةٍ بسير الحيوانات المثقّلة بالحمال ‪ ,‬واليوم من طلوع الشّمس إلى غيابها ‪ ,‬ويغتفر‬
‫وقت النزول المعتاد للرّاحة أو إصلح المتاع أو الصّلة ‪.‬‬
‫أمّا الحنفيّة فالمرحلة عندهم هي مسيرة يومٍ من أقصر أيّام السّنة ‪ ,‬ول يشترط سفر كلّ‬
‫اليوم إلى اللّيل ‪ ,‬بل من طلوع الفجر الصّادق إلى الزّوال فقط ‪ ,‬وقد قدّروا ذلك في مصر‬
‫ت إل ربعا ‪ ,‬وفي الشّام بستّ ساعاتٍ وثلثي السّاعة ‪.‬‬
‫بسبع ساعا ٍ‬
‫ف ‪ -‬المِيل ‪:‬‬
‫‪ -‬الميل في اللغة ‪ :‬بكسر الميم مقدار مدى البصر من الرض قاله الزهري ‪ ,‬وعند‬ ‫‪86‬‬

‫القدماء من أهل الهيئة ثلثة آلف ذراعٍ ‪ ,‬وعند المحدثين أربعة آلف ذراعٍ ‪ ,‬قال الفيومي‬
‫ن مقداره ست وتسعون ألف إصبعٍ ‪ ,‬والصبع ست‬
‫‪ :‬الخلف لفظي ‪ ,‬لنّهم اتّفقوا على أ ّ‬
‫شعيراتٍ بطن كلّ واحدةٍ إلى الخرى ‪ ,‬ولكن القدماء يقولون ‪ :‬الذّراع اثنتان وثلثون‬
‫أصبعا والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعا ‪ ,‬وعلى ذلك فالخلف في الذّراع وليس‬
‫في الميل ‪.‬‬
‫والميل في اصطلح الفقهاء مختلف فيه بينهم على أقوالٍ ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه أربعة آلف ذراعٍ ‪.‬‬
‫ع وخمسمائة ذراعٍ ‪ ,‬وقال ابن‬
‫وللمالكيّة قولن ‪ :‬ذهب ابن عبد الب ّر إلى أنّه ثلثة آلف ذرا ٍ‬
‫ب ‪ :‬الميل ألف باعٍ ‪ ,‬والباع ذراعان فيكون الميل ألفي ذراعٍ ‪ ,‬وقال الدسوقي ‪:‬‬
‫حبي ٍ‬
‫ن الميل ألفا ذراعٍ ‪ ,‬والصّحيح أنّه ثلثة آلف ذراعٍ وخمسمائةٍ ‪.‬‬
‫والمشهور أ ّ‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬الميل أربعة آلف خطوةٍ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬الميل الهاشمي ستّة آلف ذراعٍ بذراع اليد ‪ ,‬وهي اثنا عشر ألف قدمٍ ‪.‬‬
‫ما يناط بالميل من الحكام الشّرعيّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ينيط الفقهاء بالميل بعض الحكام الشّرعيّة ‪ ,‬أهمها مسافة السّفر المثبت للرخص‬ ‫‪87‬‬

‫على أنّه جزء من أجزاء الفرسخ ‪ ,‬وقد تقدّم ذلك في فرسخ ‪.‬‬
‫كما يعلّق بعض الفقهاء بالميل مسافة بعد الماء لباحة التّيمم ‪.‬‬
‫فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ البعد عن الماء المبيح للتّيمم هو ميل ‪ ,‬قال الحصكفي ‪ :‬من عجز‬
‫عن استعمال الماء المطلق الكافي لطهارته لصلة تفوت إلى خلفٍ لبعده ولو مقيما في‬
‫ع تيمم ‪.‬‬
‫ل أربعة آلف ذرا ٍ‬
‫المصر مي ً‬
‫ن أو تيقّن عدم وجود الماء فل يجب عليه‬
‫وقدّر المالكيّة هذه المسافة بميلين إل إذا ظ ّ‬
‫ق عليه بالفعل طلبه ‪ ,‬فإنّه ل يلزمه طلبه ‪.‬‬
‫الطّلب أصلً ‪ ,‬وكذلك إذا ش ّ‬
‫وقدّر بعض الشّافعيّة المسافة بنصف فرسخٍ ‪ ,‬وهو ميل ونصف ‪ ,‬قال الشّربيني الخطيب ‪:‬‬
‫لعلّه يقرب من نصف فرسخٍ ‪.‬‬

‫مُقَا َرضَة *‬
‫انظر ‪ :‬مضاربة ‪.‬‬

‫مُقَاسَمة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقاسمة لغةً ‪ :‬مصدر قاسم يقال ‪ :‬قاسم فلن فلنا ‪ ,‬أخذ كل منهما قسمه ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقاسمته ‪ :‬حلفت له ‪ ,‬وقاسمته المال وهو قسيمي ‪ ,‬فعيل بمعنى فاعلٍ ‪ ,‬مثل جالسته‬
‫ونادمته وهو جليسي ونديمي ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المشاركة ‪:‬‬
‫‪ -‬المشاركة في اللغة مصدر شارك يقال ‪ :‬شارك فلن فلنا مشاركةً ‪ ,‬وفعله الثلثي ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫شرك ‪ ,‬يقال ‪ :‬شرك فلنا في المر شركا وشركةً ‪ :‬كان لكلّ منهما نصيب منه ‪ ,‬فهو‬
‫شريك ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة بين المقاسمة والمشاركة التّضاد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المحاصّة ‪:‬‬
‫ص ًة وحصاصا ‪ :‬قاسمه فأخذ كل واحدٍ‬
‫‪ -‬المحاصّة في اللغة ‪ :‬مصدر يقال ‪ :‬حاصّه محا ّ‬ ‫‪3‬‬

‫منهما حصّته أي نصيبه ‪ ,‬وتحاصّ الغرماء ‪ :‬اقتسموا المال بينهم حصصا ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫ن المحاصّة ل‬
‫والصّلة بين المحاصّة والمقاسمة ‪ :‬هو أنّ المقاسمة أعم من المحاصّة ‪ ,‬ل ّ‬
‫تكون إل إذا لم يف المال بالحقوق وإن كان الثنان يشتركان في التّقسيم والفراز ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المهايأة ‪:‬‬
‫‪ -‬المهايأة في اللغة ‪ :‬مفاعلة من الهيئة وهي الحالة الظّاهرة للمتهيّئ للشّيء ‪ ,‬قال‬ ‫‪4‬‬

‫الفيومي ‪ :‬تهايأ القوم تهايؤا من الهيئة ‪ :‬جعلوا لكلّ واحدٍ هيئ ًة معلومةً ‪ ,‬والمراد النّوبة ‪,‬‬
‫ن الشّريك الثّاني ينتفع بالعين على‬
‫فكل من الشّريكين يرضى بهيئة واحدةٍ ويختارها ‪ ,‬أو أ ّ‬
‫الهيئة الّتي ينتفع بها الشّريك الوّل ‪ ,‬أي أن يتواضعوا على أمرٍ فيتراضوا به ‪.‬‬
‫ن كلّ واحدٍ فيها إمّا أن يرضى بهيئة واحدةٍ‬
‫والمهايأة اصطلحا ‪ :‬قسمة المنافع ‪ ,‬ل ّ‬
‫ويختارها ‪ ,‬وإمّا أنّ الشّريك الثّاني ينتفع بالعين على الهيئة الّتي وقع بها انتفاع شريكه‬
‫الوّل ‪ ,‬فالمقاسمة أعم من المهايأة ‪.‬‬
‫مقاسمة الجدّ الخوة في الميراث ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والصّاحبين من الحنفيّة إلى‬ ‫‪5‬‬

‫توريث الخوة الشقّاء أو لبٍ مع الج ّد ‪.‬‬


‫فقالوا ‪ :‬إن لم يكن معه صاحب فرضٍ فللجدّ الكثر من المقاسمة أو ثلث التّركة ‪ ,‬وإن كان‬
‫معه صاحب فرضٍ فله الكثر من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس التّركة ‪.‬‬
‫وتفسير المقاسمة هنا ‪ :‬أن يجعل الج ّد في القسمة كأحد الخوة ‪ ,‬فيقسم المال بينه وبين‬
‫الخوة ‪ :‬للذّكر مثل حظّ النثيين ‪ ,‬ويجعل نصيبه مع الخوة كنصيب واحدٍ منهم ‪ ,‬وذلك‬
‫لنّه يشبه الب من جهةٍ ويشبه الخ من جهةٍ أخرى ‪ ,‬فوفّرنا عليه حقّه من الشّبهين ‪,‬‬
‫فجعلناه كالب في حجب الخوة لمّ ‪ ,‬وكالخ في قسمة الميراث ما دامت المقاسمة خيرا له‬
‫‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل مقاسمة بين الجدّ والخوة والخوات ‪ ,‬بل الجد يستقل بالمال‬
‫ب أو لمّ ‪ ,‬وهو‬
‫ن الجدّ في الميراث كالب يحجب الخوة مطلقا ‪ :‬أشقّا ًء أو ل ٍ‬
‫كالب ‪ ,‬وأ ّ‬
‫مذهب أبي بكرٍ الصّدّيق وابن عبّاسٍ وابن عمر وابن الزبير وأبي بن كعبٍ وحذيفة بن‬
‫ي وعائشة رضي اللّه عنهم‬
‫ي ومعاذ بن جب ٍل وأبي موسى الشعر ّ‬
‫اليمان وأبي سعيدٍ الخدر ّ‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪,‬‬ ‫‪30‬‬ ‫وتفصيل ذلك ينظر في ‪ ( :‬إرث ف‬
‫خراج المقاسمة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الكاساني ‪ :‬وأمّا خراج المقاسمة فهو أن يفتح المام بلدةً ‪ ,‬فيمنّ على أهلها ‪,‬‬ ‫‪6‬‬

‫ويجعل على أراضيهم خراج المقاسمة ‪ ,‬وهو أن يؤخذ منهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه‬
‫وأنّه جائز لما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هكذا فعل لمّا فتح خيبر ‪.‬‬
‫ويكون حكم هذا الخراج حكم العشر ‪ ,‬ويكون ذلك في الخارج كالعشر إل أنّه يوضع موضع‬
‫الخراج ‪ ,‬لنّه خراج في الحقيقة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫وتفصيله في ‪ ( :‬خراج ف‬
‫مقاسمة أحد الشّريكين ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الفقهاء ‪ :‬لو سأل أحد الشّريكين شريكه مقاسمته فامتنع أجبره الحاكم على ذلك‬ ‫‪7‬‬

‫إذا أثبت عنده ملكها ‪ ,‬وكان مثله ينقسم وينتفعان به مقسوما ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬قسمة ف‬
‫مقاسمة السّاعي الثّمرة بعد جنيها في الرطب والعنب ‪:‬‬
‫‪ -‬نصّ الحنابلة على أنّه إذا احتيج إلى قطع الثّمرة قبل كمالها خوفا من العطش أو‬ ‫‪8‬‬

‫لضعف الجمار جاز قطعها ‪ ,‬وكذلك إذا أراد قطع الثّمرة لتحسين الباقي منها جاز ‪ ,‬وإذا‬
‫ب المال الثّمرة قبل الجذاذ بالخرص‬
‫أراد ذلك فقال القاضي ‪ :‬يخيّر السّاعي بين أن يقاسم ر ّ‬
‫‪ ,‬ويأخذ نصيب الفقراء نخل ًة مفردةً ويأخذ ثمرتها ‪ ,‬وبين أن يجذّها ويقاسمه إيّاها بالكيل‬
‫ب المال أو من غيره قبل الجذاذ أو بعده‬
‫ويقسم الثّمرة في الفقراء ‪ ,‬وبين أن يبيعها من ر ّ‬
‫ويقسم ثمنها في الفقراء ‪ ,‬وقال أبو بكرٍ ‪ :‬عليه الزّكاة فيه يابسا ‪ ,‬وذكر أنّ أحمد نصّ‬
‫عليه وكذلك الحكم في العنب الّذي ل يجيء منه زبيب ‪ ,‬والرطب الّذي ل يجيء منه تمر‬
‫)‪.‬‬ ‫‪117‬‬ ‫جيّد ‪ .‬وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬زكاة ف‬

‫مَقَاصِد الشّريعة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقاصد في اللغة ‪ :‬جمع مقصدٍ ‪ ,‬وهو ‪ :‬الوجهة أو المكان المقصود ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬لم يتعرّض علماء الصول إلى تعريف المقاصد ‪ ,‬والّذي يستخلص من‬
‫كلمهم في ذلك ‪ :‬أنّها المعاني والحكم الملحوظة للشّارع في جميع أحوال التّشريع أو‬
‫ص من أحكام الشّريعة ‪.‬‬
‫ع خا ّ‬
‫معظمها ‪ ,‬بحيث ل تختص ملحظتها بالكون في نو ٍ‬
‫أنواع المقاصد ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشّاطبي في بيان قصد الشّارع في وضع الشّريعة ‪ :‬تكاليف الشّريعة ترجع إلى‬ ‫‪2‬‬

‫حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد ل تعدو ثلثة أقسامٍ ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬أن تكون ضرور ّيةً ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬أن تكون حاجي ًة ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬أن تكون تحسين ّيةً ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫مُقاصّة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقاصّة في اللغة ‪ :‬مصدر قاصّه إذا كان له عليه دين مثل ما على صاحبه ‪ ,‬فجعل‬ ‫‪1‬‬

‫الدّين في مقابلة الدّين ‪.‬‬


‫ص القوم إذا قاصّ كل واحدٍ منهم صاحبه في حسابٍ أو غيره ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬تقا ّ‬
‫ن مطلوبٍ لشخص على غريمه في مقابلة دينٍ‬
‫وأمّا في الصطلح ‪ :‬فالمقاصّة إسقاط دي ٍ‬
‫ب من ذلك الشّخص لغريمه ‪ ,‬وهي طريقة من طرق قضاء الديون ‪.‬‬
‫مطلو ٍ‬
‫وقال ابن جزيّ من المالكيّة ‪ :‬المقاصّة هي اقتطاع دينٍ من دينٍ ‪ ,‬وفيها متاركة ‪,‬‬
‫ومعاوضة وحوالة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الحوالة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحوالة في اللغة من حال الشّيء حولً ‪ :‬تحوّل ‪ ,‬وتحوّل من مكانه ‪ :‬انتقل عنه ‪,‬‬ ‫‪2‬‬

‫فإذا أحلت شخصا بدينك فقد نقلته إلى ذ ّمةٍ غير ذمّتك ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬نقل الدّين من ذ ّمةٍ إلى ذ ّم ٍة أخرى ‪.‬‬
‫والصّلة بين المقاصّة والحوالة ‪ :‬أنّ المقاصّة سقوط أحد الدّينين بمثله بشروطه ‪ ,‬والحوالة‬
‫نقل للدّين ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البراء ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني البراء في اللغة ‪ :‬التّنزيه والتّخليص والمباعدة عن الشّيء ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬إسقاط الشّخص حقا له في ذمّة آخر أو قبله ‪.‬‬


‫والصّلة بين المقاصّة والبراء ‪ :‬أنّ المقاصّة إسقاط بعوض ‪ ,‬والبراء إسقاط بغير عوضٍ‬
‫‪.‬‬
‫حكم المقاصّة ‪:‬‬
‫‪ -‬المقاصّة مشروعة ‪ ,‬ودليل مشروعيّتها المنقول والمعقول ‪ :‬أمّا المنقول فما ورد عن‬ ‫‪4‬‬

‫عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال ‪ « :‬كنت أبيع البل بالبقيع فأبيع بالدّنانير‬
‫وآخذ الدّراهم ‪ ,‬وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ‪ ,‬آخذ هذه من هذه ‪ ,‬وأعطي هذه من هذه‬
‫فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في بيت حفصة فقلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪,‬‬
‫رويدك أسألك إنّي أبيع البل بالبقيع فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم وأبيع بالدّراهم وآخذ‬
‫الدّنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه ‪ ,‬قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ :‬ل‬
‫بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء » ‪ ,‬وهذا نص على جواز‬
‫الستبدال من ثمن المبيع الّذي في ال ّذمّة بغيره ‪.‬‬
‫ن قبض نفس الدّين ل يتصوّر ‪ ,‬لنّه عبارة عن ما ٍل حكميّ في ال ّذمّة ‪,‬‬
‫وأمّا المعقول ‪ :‬فل ّ‬
‫أو عبارة عن الفعل ‪ ,‬وكل ذلك ل يتصوّر فيه قبضه حقيقةً ‪ ,‬فكان قبضه بقبض بدله وهو‬
‫قبض الدّين ‪ ,‬فتصير العين المقبوضة مضمونةً على القابض وفي ذمّة المقبوض منه مثلها‬
‫في الماليّة ‪ ,‬فيلتقيان قصاصا ‪ ,‬هذا هو طريق قبض الديون ‪ ,‬وهذا المعنى ل يوجب الفصل‬
‫ن المقاصّة إنّما‬
‫بين أن يكون المقبوض من جنس ما عليه ‪ ,‬أو من خلف جنسه ‪ ,‬ل ّ‬
‫تتحقّق بالمعنى وهو الماليّة ‪ ,‬والموال كلها في معنى الماليّة جنس واحد ‪.‬‬
‫أنواع المقاصّة ‪:‬‬
‫‪ -‬المقاصّة نوعان ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أ ‪ -‬اختياريّة ‪ :‬وهي الّتي تحصل بتراضي المتداينين ‪.‬‬


‫ب ‪ -‬وجبريّة ‪ :‬وهي الّتي تحصل بتقابل الدّينين بشروط معيّنةٍ ‪.‬‬
‫ويشترط لحصول المقاصّة الجبريّة عند جمهور الفقهاء اتّحاد الدّينين جنسا ووصفا ‪,‬‬
‫وحلولً ‪ ,‬وقوّ ًة وضعفا ‪ ,‬ول يشترط ذلك في المقاصّة الختياريّة ‪.‬‬
‫فإن كان الدّينان من جنسين مختلفين أو متفاوتين في الوصف أو مؤجّلين أو أحدهما حالً‬
‫والخر مؤجّلً ‪ ,‬أو أحدهما قويا والخر ضعيفا فل يلتقيان قصاصا إل بتراضي المتداينين‬
‫سواء اتّحد سببهما أو اختلف ‪.‬‬
‫والمالكيّة ل يقولون بالمقاصّة الجبريّة الّتي تقع بنفسها إل نادرا ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬غالب أحوال المقاصّة الجواز ‪ ,‬أمّا وجوبها فهو قليل إذ هو في أحوالٍ ثلثةٍ‬
‫قال الدسوق ّ‬
‫ل ‪ ,‬أو طلبها من حلّ دينه ‪ ,‬فالمذهب وجوب الحكم‬
‫وهي ‪ :‬إذا حلّ الدّينان ‪ ,‬أو اتّفقا أج ً‬
‫بالمقاصّة ‪.‬‬
‫محل المقاصّة الجبريّة وشروطها ‪:‬‬
‫ن إل إذا تحوّلت العين إلى‬
‫‪ -‬محل المقاصّة الدّين فل تقع بين عينين ول بين عينٍ ودي ٍ‬ ‫‪6‬‬

‫دينٍ ‪ ,‬فإن تحوّلت جازت المقاصّة بالدّين الّذي تحوّلت العين إليه بشروطه ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو كان الدّينان من جنسين متفاوتين في الوصف أو الجل‬ ‫‪7‬‬

‫أو كان أحدهما مكسورا والخر صحيحا ل تقع المقاصّة الجبريّة بينهما ما لم يتقاصّ‬
‫المتداينان باختيارهما ‪.‬‬
‫وإذا أتلف الدّائن عينا من مال المديون وكانت من جنس الدّين سقطت قصاصا ‪ ,‬وإن كانت‬
‫من خلفه فل تقع المقاصّة بل تراضيهما ‪.‬‬
‫وطريقة المقاصّة مطلقا أنّها تقع بقدر القلّ من الدّينين ‪ :‬فإن كان لحدهما مائة رٍ دينا‬
‫ل ‪ ,‬وتقاصّا يسقط من قيمة الجنيهات قصاصا‬
‫على الخر ‪ ,‬وللمديون عليه مائة جنيهٍ مث ً‬
‫بقدر الرّيالت ويبقى لصاحب الجنيهات ما بقي منها ‪.‬‬
‫وكذلك لو كان للدّائن على المديون مائة درهمٍ ‪ ,‬وللمديون على الدّائن مائة دينارٍ ‪ ,‬فإذا‬
‫تقاصّا ‪ :‬تصير الدّراهم قصاصا بمائة من قيمة الدّنانير ‪ ,‬ويبقى لصاحب الدّراهم ما بقي‬
‫منها ‪.‬‬
‫‪ -‬وقال المالكيّة ‪ :‬المقاصّة في الديون منها ما يجوز ‪ ,‬ومنها ما ل يجوز ‪ ,‬والجواز‬ ‫‪8‬‬

‫نظير للمتاركة ‪ ,‬والمنع تغليب للمعاوضة أو الحوالة إذا لم تتمّ شروطها ‪ ,‬وإذا قويت‬
‫التهمة وقع المنع ‪ ,‬وإن فقدت حصل الجواز ‪ ,‬وإن ضعفت حصل الخلف ‪.‬‬
‫فإذا كان لرجل على آخر دين وكان لذلك الخر عليه دين فأراد اقتطاع أحد الدّينين من‬
‫الخر لتقع البراءة بذلك ففي ذلك تفصيل ‪ :‬وذلك أنّه ل يخلو أن يتّفق جنس الدّينين أو‬
‫يختلفا ‪ ،‬فإن اختلفا جازت المقاصّة مثل أن يكون أحد الدّينين عينا والخر طعاما أو عرضا‬
‫‪ ,‬أو يكون أحدهما عرضا والخر طعاما ‪.‬‬
‫وإن اتّفق جنس الدّينين فل يخلو ‪:‬‬
‫‪ -‬أ ‪ -‬أن يكون أصلهما عينين ‪ :‬فتجوز المقاصّة في ديني العين مطلقا أي سواء كانا‬ ‫‪9‬‬

‫من بي ٍع ‪ ,‬أو من قرضٍ ‪ ,‬أو أحدهما من بيعٍ والخر من قرضٍ بشروط هي ‪:‬‬
‫أن يتّحدا قدرا وصفةً حلّ الدّينان معا أو حلّ أحدهما أم ل ‪ ,‬بأن كانا مؤجّلين اتّفق أجلهما‬
‫أو اختلف ‪.‬‬
‫ن المقصود المعاوضة والمبارأة وقد تحقّقت ‪.‬‬
‫وإنّما جازت المقاصّة في هذه الصور ‪ ,‬ل ّ‬
‫وأمّا إن اختلف دينا العين في الصّفة أي ‪ :‬الجودة والرّداءة مع اتّحادهما في القدر أي‬
‫الوزن والعدد سواء كان ذلك مع اتّحاد النّوع كدراهم محمّد ّيةٍ ويزيد ّيةٍ ‪ ,‬أو مع اختلفه‬
‫ض أو اختلفا‬
‫ضةٍ ‪ ,‬فكذلك تجوز المقاصّة إن حل معا سواء كانا من بي ٍع أو من قر ٍ‬
‫كذهب وف ّ‬
‫ض ‪ ,‬إذ هي مع اتّحاد النّوع مبادلة ما في ال ّذمّة ‪,‬‬
‫بأن كان أحدهما من بي ٍع والخر من قر ٍ‬
‫ومع اختلفه صرف ما في ال ّذمّة ‪ ,‬وهما جائزان بشرط التّعجيل في الوّل والحلول في‬
‫الثّاني ‪ .‬وإن لم يحل ‪ :‬واتّفقا أجلً أو اختلفا ‪ ,‬أو حلّ أحدهما دون الخر فل يجوز‬
‫المقاصّة لنّها مع اتّحاد النّوع بدل مؤخّر ‪ ,‬ومع اختلفه صرف مؤخّر وكلهما ممنوع ‪,‬‬
‫ص فتجوز المقاصّة‬
‫كأن اتّفقا نوعا واختلفا زن ًة حال كونهما من بي ٍع كدينار كاملٍ ودينارٍ ناق ٍ‬
‫فيهما إن حل وإل فل ‪ ,‬وكذلك اختلفهما في العدد ‪.‬‬
‫ض ‪ :‬منعت المقاصّة سواء حل ‪ ,‬أو حلّ أحدهما ‪ ,‬أو لم يحل ‪,‬‬
‫وإذا كان الدّينان من قر ٍ‬
‫اتّفقا أجلً أو اختلفا ‪.‬‬
‫ل أو اختلفا أو حلّ أحدهما ‪,‬‬
‫وإن كانا من بي ٍع وقرضٍ منعت إن لم يحل ‪ ,‬سواء اتّفقا أج ً‬
‫فإذا حل ‪ :‬فإن كان الكثر هو الّذي من بيعٍ منعت ‪ ,‬لنّه قضاء عن قرضٍ بزيادة ‪ ,‬وإن‬
‫كان من قرضٍ جازت ‪ ,‬لنّه قضاء عن بيعٍ بزيادة وهي جائزة ‪.‬‬
‫‪ -‬ب ‪ -‬إذا كانا طعامين ‪ :‬إذا كان الدّينان أصلهما طعامان فل يخلو ‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫أ ‪ -‬أن يكونا من قرضٍ ‪ :‬وفي هذه الحالة يكون حكم المقاصّة فيها كحكم ديني العين في‬
‫صور الجواز والمنع ‪.‬‬
‫فتجوز إن اتّفقا صفةً وقدرا سواء حل أو حلّ أحدهما أو لم يحل ‪ ,‬اتّفقا أجلً أو اختلفا ‪ ,‬أو‬
‫اختلفا صفةً مع اتّحاد النّوع أو اختلفه ‪.‬‬
‫ول تجوز إن لم يحل أو حلّ أحدهما ‪ ,‬اتّفقا أجلً أو اختلفا كأن اختلفا قدرا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكونا من بيعٍ ‪ :‬حيث تمنع المقاصّة في الطّعامين إذا كانا مرتّبين في ال ّذمّتين من‬
‫بيعٍ ‪ ,‬سواء حلّ أجلهما أو أجل أحدهما أو لم يحل ‪ ,‬اتّفق أجلهما أو اختلف ‪ ,‬ولو متّفقين‬
‫قدرا وصفةً لنّه من بيع الطّعام قبل قبضه ‪.‬‬
‫وقال أشهب ‪ :‬تجوز المقاصّة عند اتّفاق الطّعامين في القدر والصّفة ‪ ,‬والحلول بناءً على‬
‫أنّها كالقالة ‪.‬‬
‫ن ديني الطّعام إذا كان أحدهما من بي ٍع والخر‬
‫ج ‪ -‬إذا كان الطّعامان من بيعٍ وقرضٍ ‪ :‬فإ ّ‬
‫ض تجوز المقاصّة فيهما بشرطين ‪:‬‬
‫من قر ٍ‬
‫الوّل ‪ :‬أن يتّفقا في القدر والصّفة والجنس ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬أن يكونا حالّين ‪.‬‬
‫ول تجوز المقاصّة إن لم يحل بأن كانا مؤجّلين ‪ ,‬أو حلّ أحدهما ولم يحلّ الخر ‪ ,‬لختلف‬
‫الغراض باختلف الجل ‪.‬‬
‫‪ -‬ج ‪ -‬إذا كانا عرضين ‪ :‬والمراد بالعرض هنا ما قابل العين والطّعام فيشمل الحيوان‬ ‫‪11‬‬

‫‪ ,‬فتجوز المقاصّة في الدّينين إذا كانا عرضين مطلقا عن التّقييد بكونهما من بي ٍع أو قرضٍ‬
‫أو مختلفين وبكونهما حالّين أو مؤجّلين سواء تساويا أجلً أو ل ح ّل أجلهما أو حلّ أحدهما‬
‫‪ ,‬أو لم يحل ‪ ,‬لبعد قصد المكايسة في العرض ‪ ,‬وهذا في الحقيقة بيع وإطلق المقاصّة‬
‫عليه مجاز ‪ ,‬وهذا إن اتّحدا جنسا وصفةً كثوبين هرويّين أو مرويّين ‪ ,‬أو ثوبين من القطن‬
‫جيّدين أو رديئين ‪.‬‬
‫وأمّا إن اختلفا أجلً ‪ :‬بأن أجّل بأجلين مختلفين مع اختلف الجنس كثوب وكسا ٍء ‪ ,‬أو ثوبٍ‬
‫وجوخةٍ منعت المقاصّة إن لم يحل معا ‪ ,‬أو لم يحلّ أحدهما ‪ ,‬وإل جازت ‪ ,‬أي تجوز‬
‫بحلول أحدهما على المذهب لنتفاء قصد المكايسة ‪.‬‬
‫ن ‪ ,‬والصّفة متّفقة ‪ :‬كهرويّين أو مرويّين ‪ ,‬أو مختلفة ‪ :‬كأن‬
‫وإن اتّحدا جنسا كثوبي قط ٍ‬
‫كان أحدهما هرويا والخر مرويا جازت المقاصّة إن اتّفق الجل ‪ ,‬وأحرى إن حل ‪ ,‬لبعد‬
‫التهمة ‪ ,‬وإل بأن اختلف الجل مع اختلف الصّفة فل تجوز مطلقا ‪ :‬سواء كانا من بيعٍ أو‬
‫ض أو مختلفين ‪.‬‬
‫قر ٍ‬
‫‪ -‬وللمقاصّة عند الشّافعيّة شروط ذكرها الزّركشي على النّحو التّالي ‪:‬‬ ‫‪12‬‬

‫أ ‪ -‬أن يكون في الديون الثّابتة في ال ّذمّة ‪ ,‬فأمّا العيان فل يصير بعضها قصاصا عن‬
‫ض لنّه يكون كالمعاوضة فيفتقر إلى التّراضي ‪.‬‬
‫بع ٍ‬
‫ن الغراض تختلف في العيان ‪ ,‬بخلف الديون فإنّها في ال ّذمّة سواء فل معنى لقبض‬
‫ول ّ‬
‫أحدهما ثمّ ردّه إليه ‪ ,‬ومن أجل هذا الشّرط امتنع أخذ مال الغريم بغير إذنه إذا كان مقرا‬
‫ق ‪ ,‬لنّه مخيّر في الدّفع من أيّ جهةٍ شاء ‪ ,‬ولو أخذه ضمنه ‪ ,‬ول يقال يصير‬
‫باذلً للح ّ‬
‫ن القصاص في الديون ل في العيان ‪.‬‬
‫قصاصا عن حقّه ‪ ,‬ل ّ‬
‫ب ‪ -‬أن يكون في الثمان ‪ ,‬أمّا المثليّات كالطّعام والحبوب فل تقاصّ فيها ‪ ,‬صرّح به‬
‫ن ما عدا الثمان يطلب فيها المعاينة ‪.‬‬
‫العراقيون ‪ ,‬وعلّله الشّيخ أبو حامدٍ ‪ :‬بأ ّ‬
‫وحكى المام في جريان المقاصّة في المثليّات وجهين وصحّح جريانه ‪ ,‬وقال ابن الرّفعة‬
‫إنّه المنصوص كما حكاه البندنيجي ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يكون الدّينان مستقرّين ‪ :‬فإن لم يكن بأن كانا سلمين ‪ ,‬لم يجز قطعا وإن تراضيا‬
‫‪ ,‬قاله القاضي والماوردي ‪.‬‬
‫ي يقتضي الجواز ‪ ,‬لكن المنقول عن المّ منع التّقاصّ في السّلم ‪.‬‬
‫وكلم الرّافع ّ‬
‫د ‪ -‬أن يتّفقا في الجنس والنّوع والحلول والجل ‪ ,‬فلو كان أحدهما دراهم والخر دنانير لم‬
‫يقع الموقع ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن يكون بعد طلب أحدهما من الخر ‪ ,‬فإن كانا مؤجّلين بأجل واحدٍ ولم يطلبه‬
‫أحدهما من الخر ‪ ,‬فقال القاضي حسين ‪ :‬ل يجري بل خلفٍ ‪ ,‬وقال المام فيه احتمال ‪.‬‬
‫و ‪ -‬أن ل يكون ممّا ينبني على الحتياط ‪ ,‬ولهذا قال ابن عبد السّلم ‪ :‬ظفر المستحقّ‬
‫بحقّه عند تعذر أخذه ممّن هو عليه جائز ‪ ,‬إل في حقّ المجانين واليتام والموال العامّة‬
‫لهل السلم ‪.‬‬
‫ص ول حدّ ‪ ,‬فلو تقاذف شخصان لم يتقاصّا ‪ ,‬ولو تجارح رجلن‬
‫ز ‪ -‬أن ل يكون في قصا ٍ‬
‫وجب على كلّ منها دية الخر ‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى هذا لو ثبت لشخص على آخر دين ‪ ,‬وللخر عليه مثله ‪ :‬سواء كان من جهةٍ‬ ‫‪13‬‬

‫كسلم وقرضٍ ‪ ,‬أو من جهتين كقرض وثمنٍ ‪ ,‬وكان الدّينان متّفقين في الجنس والنّوع‬
‫والصّفة والحلول ‪ ,‬وسواء اتّحد سبب وجوبهما كأرش الجناية أو اختلف كثمن المبيع‬
‫والقرض ‪ ,‬قال الزّركشي ‪ :‬ففيه أربعة أقوالٍ عند الشّافعيّة ‪:‬‬
‫ص عليه في ال ّم أنّ التّقاصّ يحصل بنفس ثبوت الدّينين‬
‫أصحهما ‪ :‬عند النّوويّ وهو ما ن ّ‬
‫ن مطالبة أحدهما الخر بمثل ماله عناد ل فائدة فيه ‪.‬‬
‫ول حاجة إلى الرّضا ‪ ,‬ل ّ‬
‫ي وابن الصّبّاغ ‪ :‬ولنّ من مات وعليه دين لوارثه ‪ ,‬فإنّ ذمّته تبرأ بانتقال‬
‫قال الماورد ّ‬
‫التّركة لوارث ‪ ,‬ولم يكن له بيعها في دينه ‪ ,‬لعدم الفائدة فيه ‪ ,‬لنتقال العين إليه ‪.‬‬
‫والقول الثّاني ‪ :‬يسقط أحدهما بالخر إن تراضيا ‪ ,‬وإل فلكلّ منهما مطالبة الخر ‪.‬‬
‫والقول الثّالث ‪ :‬يسقط برضا أحدهما ‪.‬‬
‫والقول الرّابع ‪ :‬ل يسقط ولو تراضيا ‪.‬‬
‫‪ -‬وأمّا شروط المقاصّة عند الحنابلة من حيث جنس الدّينين والجل والصّفة فإنّها تؤخذ‬ ‫‪14‬‬

‫ممّا ذكروه من أمثلةٍ في هذا الصّدد ومنها ما قاله ابن قدامة ‪ :‬إن كان لك ّل واحدٍ منهما‬
‫ل واحدا تقاصّا‬
‫على صاحبه دين ‪ ,‬وكانا نقدين من جنسٍ واحدٍ حالّين أو مؤجّلين أج ً‬
‫وتساقطا ‪ ,‬ول يجوز إن كانا نقدين من جنسين كدراهم ودنانير ‪ ,‬لنّه بيع دينٍ بدين ‪ ,‬وقد‬
‫« نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن بيع الكالئ بالكالئ » ‪ ,‬فأمّا إن كانا عرضين ‪ ,‬أو‬
‫عرضا ونقدا لم تجز فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان العرض من جنس حقّه أو غير‬
‫ن بدين ‪.‬‬
‫جنسه ‪ ,‬وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضا ‪ ,‬لنّه بيع دي ٍ‬
‫صور من المقاصّة ‪:‬‬
‫تجري المقاصّة في بعض المسائل الفقهيّة منها ‪:‬‬
‫المقاصّة في الزّكاة ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه إذا كان لشخص على فقيرٍ دين ‪ ,‬فقال جعلته عن زكاتي ‪ ,‬ل‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪15‬‬

‫يجزيه في الصحّ حتّى يقبضه ثمّ يردّه إليه إن شاء ‪.‬‬


‫وعلى الثّاني يجزيه كما لو كان له وديعة ‪.‬‬
‫مقاصّة دين الزّوج بنفقة زوجته ومهرها ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه إذا كان للزّوج على الزّوجة دين ل يقع قصاصا بدين النّفقة‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪16‬‬

‫ن دين النّفقة أدنى ‪ ,‬ولكن لو قال الزّوج‬


‫للزّوجة إل بالتّراضي ‪ ,‬بخلف سائر الديون ‪ ,‬ل ّ‬
‫احسبوا لها نفقتها منه كان له ذلك لنّ أكثر ما في الباب أن تكون النّفقة لها دينا عليه ‪,‬‬
‫ن له أن يقاصّ بمهرها ‪ ,‬فالنّفقة أولى ‪.‬‬
‫فإذا التقى الدّينان تساويا قصاصا أل ترى أ ّ‬
‫ص عليه الشّافعيّة بقولهم ‪ :‬لو جاءت الكفّار‬
‫وأمّا مقاصّة المهرين فجائز في الجملة كما ن ّ‬
‫امرأة منّا مرتدّة ‪ ,‬وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة ‪ ,‬وطلبها زوجها ‪ ,‬فل نغرم له المهر‬
‫‪ ,‬بل نقول هذه بهذه ‪ ,‬ونجعل المهرين قصاصا ‪ ,‬ويدفع المام المهر إلى زوج المرتدّة ‪,‬‬
‫ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة ‪ ,‬هذا إن تساوى القدران ‪ ,‬وأمّا إن‬
‫كان مهر المهاجرة أكثر ‪ ,‬صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلى زوجها ‪ ,‬والباقي إلى‬
‫المهاجرة ‪ ,‬وإن كان مهر المرتدّة أكثر ‪ ,‬صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها ‪ ,‬والباقي‬
‫إلى زوج المرتدّة ‪ ,‬وبهذه المقاصّة فسّر المفسّرون قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن فَا َت ُكمْ شَيْ ٌء مّنْ‬
‫ت أَ ْزوَاجُهُم مّ ْثلَ مَا أَنفَقُوا } ‪.‬‬
‫ن ذَهَبَ ْ‬
‫جكُمْ إِلَى الْ ُكفّارِ َفعَاقَبْ ُتمْ فَآتُوا الّذِي َ‬
‫أَ ْزوَا ِ‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ من وجبت عليه نفقة امرأته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب‬
‫ن من عليه حق فله أن‬
‫عليها بدينه مكان نفقتها ‪ ,‬فإن كانت موسرةً فللزّوج ذلك ‪ ,‬ل ّ‬
‫يقضيه من أيّ أمواله شاء ‪ ,‬وهذا من ماله ‪.‬‬
‫وإن كانت معسرةً لم يكن له ذلك ‪ ,‬لنّ قضاء الدّين إنّما يجب في الفاضل من قوّته ‪ ,‬وهذا‬
‫ل يفضل عنها ‪.‬‬
‫المقاصّة في الغصب ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه إذا كان للغاصب دين على صاحب العين المغصوبة من جنسها‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪17‬‬

‫فل تصير العين قصاصا في دينه إل إذا تقاصّا ‪ ,‬وكانت العين مقبوضةً في يده ‪ ,‬فإن لم‬
‫تكن في يده فل تقع المقاصّة حتّى يذهب إلى مكان العين المغصوبة ويأخذها ‪.‬‬
‫ص المالكيّة على أنّه إذا أنفق الغاصب على الشّيء‬
‫وأمّا مقاصّة نفقات المغصوب فقد ن ّ‬
‫المغصوب كعلف الدّابّة ‪ ,‬ومؤنة العبد وكسوته وسقي الرض وعلجها ‪ ,‬وخدمة شجرٍ‬
‫ونحوه يحسب له من الغلّة الّتي تكون لربّه كأجرة العبد والدّابّة والرض ويقاصص ربّه‬
‫من الغلّة ‪ ,‬وهذا مذهب ابن القاسم في الظهر ‪ ,‬ويرجع الغاصب بالق ّل ممّا أنفق والغلّة ‪,‬‬
‫فإن كانت النّفقة أق ّل من الغلّة غرم الغاصب زائد الغلّة للمالك ‪ ,‬وإن كانت النّفقة أكثر فل‬
‫رجوع له بزائد النّفقة لظلمه ‪ ,‬وإن تساويا فل يغرم أحدهما للخر شيئا ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وعلى هذا فالنّفقة محصورة في الغلّة ‪ ,‬أي ‪ :‬ل تتعدّاها لذمّة المغصوب منه ‪ ,‬ول‬
‫لرقبة المغصوب ‪ ,‬وحينئذٍ فل يرجع الغاصب بزائد النّفقة على ربّه ول في رقبته ‪ ,‬وليست‬
‫الغلّة محصور ًة في النّفقة ‪ ,‬بل تتعدّاها للغاصب فيرجع المغصوب منه على الغاصب بما‬
‫زادته الغلّة على النّفقة ‪.‬‬
‫والمنقول عن ابن عرفة ترجيح القول بأنّه ‪ :‬ل نفقة للغاصب لتعدّيه ولربّه أخذ الغلّة‬
‫بتمامها مطلقا أنفق أو ل ‪.‬‬
‫المقاصّة في الوديعة ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه إذا كان لرجل عند رجلٍ آخر وديعة وللمودَع على صاحب‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪18‬‬

‫الوديعة دين هو من جنس الوديعة لم تصر الوديعة قصاصا بدين إل إذا اجتمعا وتقاصّا‬
‫حالة كون الوديعة موجودةً في يد الوديع حقيقةً ‪ ,‬فإن لم تكن في يده فل تقع المقاصّة‬
‫حتّى يذهب إلى مكان الوديعة ويأخذها ‪.‬‬
‫ويقرب من هذا ما ذكره الزّركشي من الشّافعيّة بقوله ‪ :‬إذا كان لشخص على الفقير دين ‪,‬‬
‫فقال جعلته عن زكاتي ل يجزيه في الصحّ حتّى يقبضه ‪ ,‬ثمّ يردّه إليه إن شاء كما لو كان‬
‫له وديعة ‪.‬‬
‫المقاصّة في الوكالة ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه لو كان للمشتري على الموكّل دين تقع المقاصّة ‪ ,‬ولو كان‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪19‬‬

‫للمشتري على الوكيل والموكّل دين تقع المقاصّة بدين الموكّل أيضا دون دين الوكيل ‪,‬‬
‫حتّى ل يرجع الموكّل على الوكيل بشيء من الثّمن ‪ ,‬وهذا لنّ المقاصّة إبراء بعوض‬
‫ض ‪ ,‬ولنّا لو جعلناه قصاصا بدين الوكيل احتجنا إلى قضاءٍ آخر ‪,‬‬
‫فتعتبر بالبراء بغير عو ٍ‬
‫ن الوكيل يقضي للموكّل ‪ ,‬ولو جعلناه قصاصا بدين الموكّل لم نحتج إلى قضاءٍ آخر‬
‫فإ ّ‬
‫ن الموكّل‬
‫فجعلناه قصاصا بدين الموكّل قصرا للمسافة ‪ ,‬فقد أثبتنا حكما مجمعا عليه فإ ّ‬
‫يملك إسقاط الثّمن عن المشتري بالجماع ‪ ,‬ولو جعلناه قصاصا بدين الوكيل لثبتنا حكما‬
‫ن الوكيل يملك البراء عن المشتري عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وليس عند أبي‬
‫مختلفا فيه ل ّ‬
‫يوسف ‪.‬‬
‫وتقع المقاصّة بدين الوكيل إذا كان للمشتري عليه دين وحده عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ‪ ,‬لنّ‬
‫ض عن المشتري عندهما ‪ ,‬فيملك المقاصّة أيضا ‪ ,‬لنّها إبراء‬
‫الوكيل يملك البراء بغير عو ٍ‬
‫ض ‪ ,‬ولكنّه يضمنه للموكّل في البراء والمقاصّة ‪.‬‬
‫بعوض ‪ ,‬فتعتبر بالبراء بغير عو ٍ‬
‫المقاصّة في السّلم ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في جواز المقاصّة في عقد السّلم على النّحو التّالي ‪:‬‬ ‫‪20‬‬

‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال بعقد متق ّدمٍ على‬
‫السّلم ‪ ,‬بأن كان رب السّلم باع من المسلم إليه ثوبا بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة حتّى‬
‫أسلم إليه عشرة دراهم في حنطةٍ ‪ ,‬فإن جعل الدّينين قصاصا أو تراضيا بالمقاصّة يصير‬
‫قصاصا ‪ ,‬وإن أبى أحدهما ل يصير قصاصا ‪ ,‬وهذا استحسان ‪.‬‬
‫وأمّا إن وجب الدّين على المسلم إليه بعقد متأخّرٍ عن السّلم ل يصير قصاصا وإن جعله‬
‫قصاصا ‪.‬‬
‫هذا إذا كان وجوب الدّين بالعقد ‪ ,‬وأمّا إذا وجب الدّين بالقبض كالغصب والقرض وكان‬
‫الدّينان متساويين ‪ ,‬فإنّه يصير قصاصا ‪ ,‬سواء جعله قصاصا أم ل ‪ ,‬بعد أن كان وجوب‬
‫الدّين الخر متأخّرا عن عقد السّلم ‪.‬‬
‫وأمّا إذا تفاضل الدّينان ‪ :‬بأن كان أحدهما أفضل والخر أدون ‪ ,‬فرضي أحدهما بالنقصان ‪,‬‬
‫وأبى الخر ‪ ,‬فإن أبى صاحب الفضل ل يصير قصاصا ‪ ,‬وإن أبى صاحب الدون يصير‬
‫قصاصا ‪.‬‬
‫وقال الكرابيسي من الحنفيّة ‪ :‬ل تجوز المقاصّة في السّلم ‪ ,‬فإذا قال شخص لخر أسلمت‬
‫ن عقد السّلم ل‬
‫إليك عشرة دراهم فأراد أن يجعله قصاصا بما له عليه من دينٍ لم يجز ‪ ,‬ل ّ‬
‫يجوز ابتداؤه بما في ال ّذمّة ‪ ,‬فلم يجز صرف العقد إليه وإذا لم يجز صرفه إليه فإذا لم‬
‫ينقده في المجلس بطل كما لو لم يكن له عليه دين ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة قال الزّركشي ‪ :‬المنقول عن المّ منع التّقاصّ في السّلم لنّ من شروط‬
‫جواز المقاصّة في الديون أن يكون الدّينان مستقرّين ‪ ,‬وهنا ليس كذلك ‪.‬‬
‫وعدم الجواز مفهوم من عبارات الحنابلة حيث قالوا ‪ :‬ول يصح عقد السّلم بما في ذمّة‬
‫ن بدين فهو‬
‫المسلم إليه ‪ ,‬بأن يكون له عليه دين ‪ ,‬فيجعله رأس مال سلمٍ ‪ ,‬لنّه بيع دي ٍ‬
‫داخل تحت النّهي ‪.‬‬
‫المقاصّة في الكفالة ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه إذا كان لكفيل المديون دين على الدّائن المكفول له من جنس‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪21‬‬

‫الدّين المكفول به ‪ ,‬فالدّينان يلتقيان قصاصا من غير رضاهما ‪.‬‬


‫وإن كان من غير جنس الدّين المكفول فل يلتقيان قصاصا إل بتراضي الدّائن المكفول له‬
‫مع كفيل المديون ل مع المديون ‪.‬‬
‫المقاصّة في الوقف والوصيّة ‪:‬‬
‫ي ‪ -‬انحصر ريع الوقف المزبور فيه‬
‫ص الحنفيّة على أنّه إذا آجر ناظر وقفٍ أهل ّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪22‬‬

‫نظرا واستحقاقا ‪ -‬أراضي الوقف المذكور مدّةً معلومةً بأجرة المثل إجار ًة صحيحةً ممّن له‬
‫ي لو باع مال‬
‫عليه دين ‪ ,‬وقاصصه بذلك تجوز المقاصّة قياسا على الوصيّة كما أنّ الوص ّ‬
‫الصّغير ممّن له عليه دين يصير قصاصا ‪ ,‬إذ الوقف والوصيّة أخوان ‪.‬‬
‫وإذا كان النّاظر مستحقا للجرة كلّها ‪ ,‬وتمّت المدّة ‪ ,‬والدّين من جنس الجرة فل خفاء في‬
‫ص بالتّفاق ‪ ,‬وإن كان مستحقا لبعضهما ووقع التّقاص بها فالتّقاص صحيح‬
‫صحّة التّقا ّ‬
‫عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ويضمن النّاظر ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ‪ :‬ل يصح التّقاص ‪.‬‬

‫مَقام إبراهيم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المَقام بفتح الميم ‪ :‬اسم مكانٍ ‪ ,‬من قام يقوم قوما وقياما أي انتصب ‪ ,‬وقد اختلف‬ ‫‪1‬‬

‫الفقهاء والمفسّرون في مقام إبراهيم ‪ ,‬فقال بعضهم ‪ :‬إنّه الحجر الّذي تعرفه النّاس اليوم‬
‫الّذي يصلون عنده ركعتي الطّواف ‪.‬‬
‫وقال غيرهم ‪ :‬إنّه الحجر الّذي ارتفع عليه إبراهيم عليه السّلم حين ضعف عن رفع‬
‫الحجارة الّتي كان إسماعيل يناولها إيّاه في بناء البيت وغرقت قدماه فيه ‪.‬‬
‫وقال السدّي ‪ :‬المقام ‪ :‬الحجر الّذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليه السّلم‬
‫س‪.‬‬
‫حين غسلت رأسه ‪ ,‬وبه قال الحسن وقتادة والرّبيع بن أن ٍ‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬والصّحيح في تعيين المقام القول الوّل ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بمقام إبراهيم ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬إذا فرغ الطّائف من الطّواف يأتي مقام إبراهيم عليه السّلم ويصلّي‬ ‫‪2‬‬

‫ركعتين ‪ ,‬وإن لم يقدر على الصّلة في المقام بسبب المزاحمة يصلّي حيث ل يعسر عليه‬
‫من المسجد ‪ ,‬وإن صلّى في غير المسجد جاز ‪.‬‬
‫وهاتان الرّكعتان واجبتان عندنا ‪ ,‬يقرأ في الولى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } وفي الثّانية ‪:‬‬
‫{ ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ } ‪ ,‬ول تجزيه المكتوبة عن ركعتي الطّواف ‪.‬‬
‫ويستحب أن يدعو بعد صلته خلف المقام بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والخرة ‪,‬‬
‫ت يباح له أداء التّطوع فيه ‪.‬‬
‫ويصلّي ركعتي الطّواف في وق ٍ‬
‫ن ركعتي الطّواف واجبتان ‪ ,‬سواء كان الطّواف واجبا أو نفلً ‪ ,‬وقيل ‪:‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫إنّهما واجبتان في الطّواف الواجب ‪ ,‬وسنّتان في الطّواف غير الواجب ‪.‬‬
‫ويندب إيقاعهما بمقام إبراهيم أي خلفه ل داخله وفي غيره من الماكن في المسجد ‪ ,‬إل‬
‫ي صلّى اللّه عليه‬
‫أنّه يستحب أن تكون ركعتا الطّواف الواجب خلف المقام اقتداءً بالنّب ّ‬
‫وسلّم ‪ .‬وإن ترك حاج أو معتمر الرّكعتين أعاد الطّواف ‪ ,‬ثمّ أتى بهما عقب الطّواف ‪ ,‬وفي‬
‫المدوّنة عن ابن القاسم ‪ :‬يركعهما ول يعيد الطّواف ول شيء عليه ‪ ,‬ولو أعاد كان أحبّ ‪.‬‬
‫فإن فات ذلك بالبعد عن مكّة ركعهما وأهدى ‪ ,‬وإن فاته ذلك أتى بهما على كلّ حالٍ ‪ ,‬لنّهم‬
‫ل يتعلّقان بوقت مخصوصٍ ‪ ,‬وكان عليه الهدي لنقص التّفريق بين الطّواف والرّكعتين‬
‫الواجبتين ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ويسن أن يصلّي ركعتي الطّواف ‪ -‬بعد الطّواف ‪ -‬وتجزئ عنهما‬
‫الفريضة والرّاتبة كما في تحيّة المسجد ‪ ,‬وفعلهما خلف مقام إبراهيم عليه السّلم أفضل ‪,‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلهما خلف المقام ‪ ,‬وقال ‪ « :‬خذوا عنّي مناسككم » ‪,‬‬
‫ن النّب ّ‬
‫لّ‬
‫ثمّ في الحجر ‪ ,‬ثمّ في المسجد الحرام ‪ ,‬ثمّ في الحرم حيث شاء من المكنة ‪ ,‬متى شاء‬
‫من الزمنة ‪ ,‬ول يفوتان إل بموته ‪.‬‬
‫ويسن أن يقرأ في الولى منهما سورة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ } وفي الثّانية سورة‬
‫الخلص ‪ ،‬لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ ,‬ولما في قراءتهما من الخلص المناسب لما‬
‫هاهنا ‪ ,‬لنّ المشركين كانوا يعبدون الصنام فيه ‪.‬‬
‫ويجهر بالقراءة فيهما ليلً قياسا على الكسوف وغيره ‪ ,‬ولما فيه من إظهار شعار النسك ‪.‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫وفي قو ٍل عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّ ركعتي الطّواف واجبتان لنّ النّب ّ‬
‫صلهما ‪ ,‬وقال ‪ « :‬خذوا عنّي مناسككم » وعلى القول بوجوبهما يصح الطّواف بدونهما ‪,‬‬
‫ن للطّواف ‪.‬‬
‫إذ ليسا بشرط ول رك ٍ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يصلّي الطّائف بعد تمام الطّواف ركعتين ‪ ,‬والفضل كونهما خلف مقام‬
‫ي صلّى اللّه عليه‬
‫إبراهيم ‪ ,‬لقول جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في صفة حجّ النّب ّ‬
‫وسلّم ‪ « :‬حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ‪ ,‬فرمل ثلثا ‪ ,‬ومشى أربعا ‪ ,‬ثمّ نفذ إلى‬
‫مقام إبراهيم عليه السّلم فقرأ ‪ { :‬وَا ّتخِذُو ْا مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَّلىً } فجعل المقام بينه‬
‫وبين البيت » ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬حيث ركعهما من المسجد أو غيره جاز ‪ ,‬لعموم حديث ‪ « :‬جعلت لنا الرض كلها‬
‫مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا » ‪ ,‬وصلهما عمر رضي اللّه عنه بذي طوىً ‪.‬‬
‫ول شيء عليه لترك صلتهما خلف المقام ‪.‬‬
‫وهما سنّة مؤكّدة يقرأ فيهما بعد الفاتحة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } و { ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ }‬
‫لحديث جابرٍ رضي اللّه عنه أنّه قرأ في الرّكعتين ‪ « :‬قل يا أيها الكافرون ‪ ,‬وقل هو اللّه‬
‫أحد » ‪.‬‬
‫ول بأس أن يصلّيهما إلى غير سترةٍ ‪ ,‬ويمر بين يديه الطّائفون من الرّجال والنّساء ‪ ,‬فإنّ‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلهما والطوّاف بين يديه ليس بينه وبين الكعبة سترة ‪,‬‬
‫النّب ّ‬
‫ويكفي عنهما مكتوبة وسنّة راتبة ‪.‬‬
‫وللطّائف جمع أسابيع من الطّواف ‪ ,‬فإذا أفرغ منها ركع لكلّ أسبوعٍ ركعتين ‪ ,‬والولى أن‬
‫يصلّي لكلّ أسبوعٍ عقبه ‪.‬‬
‫ول يشرع تقبيل المقام ول مسحه لعدم وروده ‪.‬‬

‫مُقَا َيضَة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقايضة لغةً ‪ :‬مأخوذة من القيض ‪ ,‬وهو العوض ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي حديث ذي الجوشن ‪ « :‬وإن شئت أن أقيضك به » ‪ ,‬أي ‪ :‬أبدلك به وأعوّضك عنه ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬قايضه مقايضةً ‪ ,‬إذا عاوضه ‪ ,‬وذلك إذا أعطاه سلعةً وأخذ عوضها سلعةً ‪.‬‬
‫والمقايضة في اصطلح الفقهاء ‪ :‬هي بيع السّلعة بالسّلعة ‪.‬‬
‫من مجلّة الحكام العدليّة على أنّ بيع المقايضة هو ‪ :‬بيع العين بالعين ‪:‬‬ ‫‪122‬‬ ‫ونصّت المادّة‬
‫أي مبادلة مالٍ بمال غير النّقدين ‪.‬‬
‫المقايضة والبيع ‪:‬‬
‫‪ -‬لمّا كانت المقايضة من أنواع البيع ‪ ,‬فيجب أن تتوفّر فيها أركان عقد البيع وشروطه‬ ‫‪2‬‬

‫صحّة ‪ ,‬والنّفاذ ‪ ,‬واللزوم ‪ ,‬كما هو معلوم ‪.‬‬


‫‪ .‬وشروط البيع هي شروط النعقاد ‪ ,‬وال ّ‬
‫وأحكام البيع كلها تسري في عقد المقايضة ‪ ,‬إل الحكام المتعلّقة بالثّمن أو اللتزامات‬
‫الرّاجعة إلى الثّمن ‪ ,‬إذ ليس لها محل في المقايضة ‪ ,‬لخلوّها من النّقد ‪.‬‬
‫وتفصيل أحكام البيع في مصطلح ‪ ( :‬بيع ) ‪.‬‬
‫شروط المقايضة الخاصّة ‪:‬‬
‫ن شروطها الخاصّة هي ‪:‬‬
‫‪ -‬يؤخذ من التّعريف المتقدّم للمقايضة أ ّ‬ ‫‪3‬‬
‫أ ‪ -‬أن ل يكون البدلن فيها نقدا ‪ ,‬فإن كانا نقدين كان البيع صرفا ‪ ,‬وإن كان أحدهما نقدا‬
‫فالبيع مطلق أو سَلَم ‪.‬‬
‫س معيّنةٍ بفرس معيّنةٍ‬
‫ب ‪ -‬أن يكون كل من البدلين في المقايضة عينا معيّنةً ‪ ،‬كمبادلة فر ٍ‬
‫ن ‪ ,‬كأن يبيع شخص فرسا معيّنةً بخمسين كيلةً من‬
‫‪ ,‬لنّ بيع شي ٍء معيّنٍ بآخر غير معيّ ٍ‬
‫الحنطة دينا ‪ -‬أي غير معيّنةٍ يسلّمها بعد شهرٍ مثلً ‪ , -‬فذلك ليس مقايضةً ‪ ,‬بل هو من‬
‫البيع المطلق ‪ -‬أي ‪ :‬بيع العين بالثّمن ‪ , -‬ولنّ المبيع إذا كان دينا والثّمن سلع ًة فهو من‬
‫باب السّلم ‪.‬‬
‫ص الفقهاء على لزوم تسليم البدلين معا في المقايضة ‪.‬‬
‫ولذلك ن ّ‬
‫ج ‪ -‬التّقابض في المقايضة ‪ :‬بيع السّلعة بالسّلعة يقتضي تسليمهما معا ‪ ,‬فل يؤمر أحد‬
‫ل من السّلعتين متعيّن ‪.‬‬
‫العاقدين بالتّسليم قبل صاحبه ‪ ,‬لنّ ك ً‬
‫ولنّ البائع والمشتري مستويان في حقّ كلّ منهما قبل التّسليم ‪ ,‬فإيجاب تقديم دفع أحدهما‬
‫بعينه على الخر تحكم ‪ ,‬فيدفعان معا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪63‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬بيع ف‬
‫د ‪ -‬أن تكون المقايضة فيما ل يجري فيه ربا الفضل ‪ ,‬لنّ ربا الفضل محرّم بأحاديث‬
‫عديد ٍة منها ‪ :‬حديث عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه‬
‫قال ‪ « :‬الذّهب بالذّهب ‪ ,‬والفضّة بالفضّة ‪ ,‬والبر بالب ّر ‪ ,‬والشّعير بالشّعير ‪ ,‬والتّمر‬
‫ل بمثل ‪ ,‬سوا ًء بسواء ‪ ,‬يدا بيد ‪ ,‬فإذا اختلفت هذه الصناف‬
‫بالتّمر ‪ ,‬والملح بالملح ‪ ،‬مث ً‬
‫فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد » ‪.‬‬
‫العوضان في المقايضة ‪:‬‬
‫‪ -‬كل من العوضين في المقايضة يكون ثمنا ومثمّنا وقد أخذ كل من العوضين حكم‬ ‫‪4‬‬

‫ن كلً منهما ل يتعيّن أن يكون المقصود بالبيع دون الخر ‪ ,‬ول يصلح أحدهما‬
‫المبيع ‪ ,‬ل ّ‬
‫جحٍ ‪.‬‬
‫ن يكون ثمنا ولعدم التّرجيح بدون وجود مر ّ‬
‫لّ‬
‫ومن هذا ذكر الحنفيّة المسائل التية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بيع الخمر والخنزير ‪ :‬إن كان قوبل بالدّين كالدّراهم والدّنانير فالبيع باطل ‪ ,‬ل يفيد‬
‫ملك الخمر ول ما يقابلها ‪.‬‬
‫وإن كان قوبل بعين بيع مقايضةً فالبيع فاسد في العرض ‪ ,‬باطل في الخمر والخنزير ‪ ,‬ل‬
‫يفيد ملك الخمر والخنزير ‪ ,‬ويفيد ملك ما يقابلها من البدل بالقبض ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إذا هلك أحد البدلين في بيع المقايضة صحّت القالة في الباقي منهما ‪ ,‬وعلى‬
‫المشتري قيمة الهالك إن كان قيميا ‪ ,‬ومثله إن كان مثليا ‪ ,‬فيسلّمه إلى صاحبه ويسترد‬
‫العين ‪.‬‬
‫ن كلّ واحدٍ منهما مبيع ‪ ,‬فكان البيع باقيا‬
‫وإنّما ل تبطل بهلك أحدهما بعد وجودهما ‪ ,‬ل ّ‬
‫ببقاء العين القائمة منهما ‪ ,‬فأمكن الرّفع فيه ‪.‬‬
‫بخلف ما لو هلك البدلن جميعا في المقايضة ‪ ,‬فالقالة تبطل عندئذٍ ‪ ,‬لنّ القالة في‬
‫المقايضة تعلّقت بأعيانهما ‪ -‬أي البدلين ‪ -‬قائمين ‪ ,‬فمتى هلكا لم يبق شيء من المعقود‬
‫عليه ترد القالة عليه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إذا تقايضا فتقايل ‪ ,‬فاشترى أحدهما ما أقال ‪ ,‬صار قابضا بنفس العقد ‪ ,‬لقيامهما ‪-‬‬
‫أي قيام كلّ من عوضي المقايضة ‪ -‬فكان كل واحدٍ مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب ‪.‬‬
‫ولو هلك أحدهما فتقايل ‪ ,‬ثمّ جدّد العقد في القائم ‪ ,‬ل يصير قابضا بنفس العقد ‪ ,‬لنّه‬
‫يصير مضمونا بقيمة العرض الخر ‪ ,‬فشابه المرهون ‪.‬‬

‫مُقَايلة *‬
‫انظر ‪ :‬إقالة ‪.‬‬

‫مَقْبَرة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبرة في اللغة ‪ - :‬بتثليث الباء ‪ -‬أو بضمّ الباء وفتحها ل غير موضع القبور ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫والقبور جمع قبرٍ ‪ ,‬وهو المكان الّذي يدفن فيه الميّت ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بالمقبرة من أحكامٍ ‪:‬‬
‫الصّلة في المقبرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه تكره الصّلة في المقبرة ‪ ,‬وبه قال الثّوري والوزاعي ‪ ,‬لنّها‬ ‫‪2‬‬

‫مظان النّجاسة ‪ ,‬ولنّه تشبه باليهود ‪ ,‬إل إذا كان في المقبرة موضع أعدّ للصّلة ول قبر‬
‫ول نجاسة فل بأس ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬تجوز الصّلة بمقبرة عامرةٍ كانت أو دارسةٍ ‪ ,‬منبوشةٍ أم ل ‪ ,‬لمسلم كانت‬
‫أو لمشرك ‪.‬‬
‫وفصّل الشّافعيّة الكلم فقالوا ‪ :‬ل تصح الصّلة في المقبرة الّتي تحقّق نبشها بل خلفٍ في‬
‫المذهب ‪ ,‬لنّه قد اختلط بالرض صديد الموتى ‪ ,‬هذا إذا لم يبسط تحته شيء ‪ ,‬وإن بسط‬
‫تحته شيء تكره ‪.‬‬
‫وأمّا إن تحقّق عدم نبشها صحّت الصّلة بل خلفٍ لنّ الجزء الّذي باشره بالصّلة طاهر ‪,‬‬
‫ولكنّها مكروهة كراهة تنزيهٍ لنّها مدفن النّجاسة ‪.‬‬
‫ك في نبشها فقولن ‪ :‬أصحهما ‪ :‬تصح الصّلة مع الكراهة ‪ ,‬لنّ الصل طهارة‬
‫وأمّا إن ش ّ‬
‫ك ‪ ,‬وفي مقابل الصحّ ‪ :‬ل تصح الصّلة لنّ الصل بقاء‬
‫الرض فل يحكم بنجاستها بالشّ ّ‬
‫ك‪.‬‬
‫الفرض في ذمّته ‪ ,‬وهو يشك في إسقاطه ‪ ,‬والفرض ل يسقط بالشّ ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل تصح الصّلة في المقبرة قديمةً كانت أو حديثةً ‪ ,‬تكرّر نبشها أو ل ‪ ,‬ول‬
‫يمنع من الصّلة قبر ول قبران ‪ ,‬لنّه ل يتناولها اسم المقبرة وإنّما المقبرة ثلثة قبورٍ‬
‫فصاعدا ‪.‬‬
‫وروي عنهم أنّ كلّ ما دخل في اسم المقبرة ممّا حول القبور ل يصلّى فيه ‪.‬‬
‫ونصوا على أنّه ل يمنع من الصّلة ما دفن بداره ولو زاد على ثلثة قبورٍ ‪ ,‬لنّه ليس‬
‫بمقبرة ‪.‬‬
‫الصّلة على الجنازة في المقبرة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم الصّلة على الجنازة في المقبرة ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫فذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ل بأس بها ‪ ,‬وفعل ذلك ابن عمر رضي اللّه‬
‫عنهما ونافع وعمر بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة في قولٍ آخر إلى أنّه يكره ذلك ‪ ,‬قال النّووي وبه قال جمهور‬
‫العلماء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬جنائز ف‬
‫القراءة في المقابر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تكره قراءة القرآن في المقابر بل‬ ‫‪4‬‬

‫تستحب ‪.‬‬
‫ص بعض الحنفيّة على أنّه ل تكره قراءة القرآن في المقابر إذا أخفى ولم يجهر وإن‬
‫ون ّ‬
‫ختم ‪ ,‬وإنّما تكره قراءة القرآن فيها جهرا ‪.‬‬
‫وذهب جمهور المالكيّة إلى الكراهة مطلقا ‪ ,‬وقيّدها بعضهم بما إذا كانت بالصوات‬
‫المرتفعة واتّخاذ ذلك عاد ًة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪ ,‬قبر ف‬ ‫‪17‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬قراءة ف‬
‫المشي في المقبرة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم المشي في المقابر على أقوالٍ ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫ذهب جمهور الحنفيّة والمالكيّة وهو المشهور عند الشّافعيّة إلى أنّه ل يكره المشي في‬
‫المقابر بنعلين ‪ ,‬وزاد الشّافعيّة ‪ :‬أنّه يحرم المشي إن حصل به تنجيس كمنبوشة مع‬
‫المشي حافيا مع رطوبة أحد الجانبين ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة وهو قول بعض الشّافعيّة إلى أنّه يكره المشي بين المقبرة بنعل ‪ ,‬لنّ خلع‬
‫النّعلين أقرب إلى الخشوع وزي أهل التّواضع ‪.‬‬
‫‪ ,‬وقبر ف ‪ 2‬وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬مشي ف‬
‫المشاحّة في المقبرة ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لو سبق اثنان إلى مقبر ٍة مسبّلةٍ وتشاحّا في مكانٍ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪6‬‬

‫قدّم للدّفن فيه السبق عند التّزاحم وضيق المحلّ ‪ ,‬فإن استويا في السّبق قدّم بالقرعة كما‬
‫لو تنازعا في رحاب المسجد ‪ ,‬ومقاعد السواق ‪ ,‬لنّ القرعة لتمييز ما أبهم ‪.‬‬
‫المبيت في المقبرة والنّوم فيها ‪:‬‬
‫ص الشّافعيّة على أنّه يكره المبيت في المقبرة من غير ضرورةٍ ‪ ,‬لما فيها من‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪7‬‬

‫الوحشة ‪ ,‬فإن لم تكن وحشةً كأن كانوا جماع ًة ‪ ,‬أو كانت المقبرة مسكونةً فل كراهة ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يكره النّوم عند القبر ‪.‬‬
‫درس المقبرة والستفادة منها ونبشها ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو بلي الميّت وصار ترابا دفن غيره في قبره ‪ ,‬ويجوز زرعه ‪ ,‬والبناء‬ ‫‪8‬‬

‫عليه ‪.‬‬
‫وروي عن مالكٍ ‪ :‬بأنّه سئل عن فناء قومٍ كانوا يرمون فيه ‪ ,‬ثمّ إنّهم غابوا عن ذلك ‪,‬‬
‫فاتخذ مقبرةً ‪ ,‬ث ّم جاءوا فقالوا ‪ :‬نريد أن نسوّي هذه المقابر ‪ ,‬ونرمي على حال ما كنّا‬
‫نرمي ‪ ,‬فقال مالك ‪ :‬أمّا ما قدم منها فأرى ذلك لهم ‪ ,‬وأمّا كل شيءٍ جديدٍ فل أحب لهم‬
‫درس ذلك ‪ .‬وقال الصّاوي ‪ :‬قال بعض العلماء ل يجوز أخذ أحجار المقابر العافية لبناء‬
‫قنطرةٍ أو دا ٍر ‪ ,‬ول حرثها للزّراعة ‪ ,‬لكن لو حرثت جعل كراؤها في مؤن دفن الفقراء ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا صار الميّت رميما جازت الزّراعة والحراثة وغير ذلك ‪ ,‬كالبناء في‬
‫موضع الدّفن ‪ ,‬وإن لم يصر رميما فل يجوز ‪.‬‬
‫هذا إذا لم يخالف شرط الواقف ‪ ,‬فإن خالف كتعيينه الرض للدّفن فل يجوز حرثها ول‬
‫غرسها ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫وأمّا نبش المقبرة فتفصيله في ‪ ( :‬قبر ف‬
‫قطع النّبات والحشيش من المقبرة ‪:‬‬
‫ص الحنفيّة على أنّه يكره قطع النّبات الرّطب والحشيش من المقبرة ‪ ,‬فإن كان يابسا‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪9‬‬

‫ل بأس به ‪ ,‬لنّه يسبّح اللّه تعالى ما دام رطبا ‪ ,‬فيؤنس الميّت وتنزل بذكره الرّحمة ‪,‬‬
‫ولنّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع الجريدة الخضراء بعد شقّها نصفين على القبرين اللّذين‬
‫يعذّبان ‪ ,‬وتعليله صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّخفيف عنهما ما لم ييبسا أي ‪ :‬يخفّف عنها‬
‫ببركة تسبيحهما ‪ ,‬لنّ تسبيح الرّطب أكمل من تسبيح اليابس لما في الخضر من نوع‬
‫حيا ٍة ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬وعليه فكراهة قلع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك ‪ ,‬لنّ فيه تفويت حقّ‬
‫الميّت ‪.‬‬
‫ملكيّة أشجار المقبرة ‪:‬‬
‫ن الشّجرة إن كانت نابتةً في الرض قبل أن يجعلها مقبرةً فمالك‬
‫ص الحنفيّة على أ ّ‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪10‬‬

‫الرض أحق بها يصنع بها ما شاء ‪.‬‬


‫وأمّا إن كانت الرض مواتا فجعلها أهل تلك القرية أو المحلّة مقبرةً ‪ ,‬فإنّ الشّجرة‬
‫وموضعها من الرض على ما كان حكمها في القديم ‪.‬‬
‫وإن نبتت الشّجرة بعدما جعلت مقبر ًة وكان الغارس معلوما كانت له وينبغي أن يتصدّق‬
‫بثمرها ‪ ,‬وإن لم يعلم الغارس أو كانت الشّجرة نبتت بنفسها فحكمها يكون للقاضي ‪ :‬إن‬
‫رأى قلعها وبيعها وإنفاقها على المقبرة جاز له ذلك ‪ ,‬وهي في الحكم كأنّها وقف ‪.‬‬
‫وسئل نجم الدّين في مقبرةٍ فيها أشجار هل يجوز صرفها إلى عمارة المسجد ‪ ,‬قال ‪ :‬نعم‬
‫إن لم تكن وقفا على وجهٍ آخر ‪ ,‬قيل له ‪ :‬فإن تداعت حيطان المقبرة إلى الخراب هل‬
‫يصرف إليها أو إلى المسجد ؟ قال إلى ما هي وقف عليه إن عرف ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن نبتت شجرة في المقبرة فالمختار جواز الكل للنّاس من ثمرها‬
‫كما قال النّووي ‪.‬‬
‫وقال الحنّاطي ‪ :‬الولى عندي أن تصرف في مصالح المقبرة ‪.‬‬
‫ذكر حدود المقبرة وذكرها حدا ‪:‬‬
‫‪ -‬نصّ الحنفيّة على أنّ المقبرة تصلح حدا لو كانت ربو ًة وإل فل ‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫وأمّا من اشترى قري ًة خالصةً واستثنى المقبرة فهل يشترط ذكر حدود المقبرة المستثناة أم‬
‫ل ؟ اختلف مشائخ الحنفيّة على أقوالٍ ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنّه ل بدّ من تحديد المقبرة المستثناة بحيث يقع به المتياز ‪.‬‬
‫ل ل يحتاج إلى ذكر حدودها ‪ ,‬وإن لم تكن تلً يحتاج‬
‫وقال المرغيناني ‪ :‬إذا كانت المقبرة ت ً‬
‫إليه ‪.‬‬
‫ع ‪ :‬ل يشترط ذكر الحدود للمقبرة قال ‪ :‬ونفتي بهذا تسهيلً للمر على‬
‫وقال أبو شجا ٍ‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫توسيع المقبرة ‪:‬‬
‫ص المالكيّة على أنّه يجوز بيع العقار الحبس ولو كانت غير خربةٍ لتوسيع المسجد‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪12‬‬

‫ن ما‬
‫والطّريق والمقبرة ‪ ,‬وكذلك يجوز توسيع هذه الثّلثة ببعض منها عند الضّرورة ‪ ,‬ل ّ‬
‫كان للّه ل بأس أن يستعان ببعضه في بعضٍ ‪.‬‬
‫ق ويدفن فيه إن أحتيج لذلك مع‬
‫ن المسجد ل يهدم لضيق مقبر ٍة أو طري ٍ‬
‫وذكر بعضهم أ ّ‬
‫بقائه على حاله ‪.‬‬
‫وقف المقبرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا جعل شخص أرضه مقبرةً فلكلّ أحدٍ أن يدفن فيها ‪ ,‬سواء‬ ‫‪13‬‬

‫الواقف أو غيره ‪ ,‬ول فرق في النتفاع بين الغنيّ والفقير حتّى جاز للكلّ الدّفن فيها ‪.‬‬
‫وأمّا لو شرط في وقف المقبرة اختصاصها بطائفة اقتصر عليهم في الصحّ عند الشّافعيّة ‪,‬‬
‫ويمنع غيرهم من الدّفن فيها رعايةً لغرض الواقف ‪ ,‬وإن كان ذلك الشّرط مكروها ‪.‬‬
‫وفي مقابل الصحّ ل تختص بهم ويلغو الشّرط ‪ ,‬وهناك قول ثالث وهو أنّه ‪ :‬يفسد الوقف‬
‫لفساد الشّرط ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه يجب الوفاء بشرط الواقف في الوقف مطلقا إن جاز الشّرط ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬وقف ) ‪.‬‬
‫قضاء الحاجة في المقبرة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم قضاء الحاجة في المقابر ‪:‬‬ ‫‪14‬‬

‫فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم قضاء الحاجة في المقابر ‪ ,‬وقال الحنفيّة بكراهة‬
‫قضاء الحاجة فيها ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬والظّاهر أنّها تحريميّة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬قضاء الحاجة ف‬

‫مَقْبُوض *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبوض اسم مفعولٍ ‪ :‬للفعل قبض ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن في اللغة ‪ :‬ما أخذ من المال باليد أو حيز فصار في حيازة‬
‫وأكثر ما يطلق عليه من معا ٍ‬
‫ص وتحت تصرفه ‪.‬‬
‫شخ ٍ‬
‫ي ‪ :‬يطلق القبض على قبولك الشّيء وإن لم تحوّله عن مكانه ‪ ,‬وعلى‬
‫وقال ابن العرب ّ‬
‫تحويلك إلى حيزك ‪ ,‬وعلى التّناول باليد وفي كلّ هذه المعاني يسمّى الشّيء مقبوضا ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بالمقبوض من أحكامٍ ‪:‬‬
‫يتعلّق بالمقبوض أحكام منها ‪:‬‬
‫اختلف القبض باختلف المقبوض ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان المقبوض ممّا يكال أو يوزن أو يعد فإنّه يصير مقبوضا بالكيل أو الوزن ‪ ,‬أو‬ ‫‪2‬‬

‫العدّ ‪.‬‬
‫وإن كان ممّا ينقل كالثّياب وجميع المنقولت فإنّه يصير مقبوضا بالنّقل ‪.‬‬
‫وإن كان حيوانا فقبضه بتمشيته من مكان العقد ‪ ,‬وإن كان ممّا يتناول باليد كالجواهر‬
‫والثمان فقبضه بتناوله باليد ‪.‬‬
‫وما عدا ذلك ممّا ل ينقل عادةً كالعقار والبناء والغراس ونحوه كالثّمر على الشّجر قبل‬
‫جذاذه فقبضه بتخليته مع عدم مانعٍ ‪ ,‬مع تسليم مفتاح الدّار ونحوها ممّا له مفتاح ‪,‬‬
‫ع ‪ ,‬وإل لم يصر مقبوضا ‪ ,‬لكون المشتري لم يتمكّن من النتفاع به ‪.‬‬
‫وتفريغها من متا ٍ‬
‫وإتلف المشتري المعقود عليه يجعله مقبوضا حكما ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬قبض ف‬
‫حكم التّصرف في المعقود عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في صحّة التّصرف في المعقود عليه قبل أن يكون مقبوضا ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬بيع ما لم يقبض ف ‪. ) 2‬‬


‫ملك المقبوض في مدّة الخيار ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في ملك المقبوض في مدّة الخيار ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪28‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬خيار الشّرط ف‬


‫المقبوض للعارية ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ المقبوض عارية مضمونة إن تلفت بتعدّ ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫واختلفوا فيما إذا تلفت بل تع ّد من المستعير ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫وتفصيل ذلك في ‪ ( :‬إعارة ف‬
‫المقبوض على سوم الشّراء ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبوض على السّوم مضمون وإن تلف بل تعدّ من القابض لخبر ‪ « :‬على اليد ما‬ ‫‪6‬‬

‫أخذت حتّى تؤدّي » ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪40‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬ضمان ف‬
‫المقبوض على سوم الرّهن ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبوض على سوم الرّهن إذا لم يبيّن مقدار ما يريد أخذه من الدّين ليس بمضمون‬ ‫‪7‬‬

‫في الصحّ عند الحنفيّة ‪.‬‬


‫أمّا إن بيّن فيكون مضمونا وصورته ‪ :‬أخذ الرّهن بشرط أن يقرضه مبلغا من النقود ‪,‬‬
‫فهلك في يده قبل أن يقرضه ‪ ,‬ضمن الق ّل من قيمته وممّا سمّى من القرض ‪ ,‬لنّه قبضه‬
‫بسوم الرّهن ‪ ,‬والمقبوض بسوم الرّهن كالمقبوض بسوم الشّراء إذا هلك في المساومة‬
‫ضمن قيمته ‪.‬‬
‫فإن هلك وساوت قيمته الدّين صار مستوفيا دينه حكما ‪ ,‬وإن زادت كان الفضل أمانةً‬
‫فيضمن بالتّعدّي ‪.‬‬
‫ن الستيفاء بقدر الماليّة ‪ ,‬وضمن‬
‫وإن نقصت سقط بقدره ورجع المرتهن بالفضل ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن ويضمن قيمته بالغة ما بلغت ول‬
‫المرتهن المرهون المقبوض بدعوى الهلك بل برها ٍ‬
‫جةٍ شرع ّيةٍ ‪.‬‬
‫يصدّق دعوى الهلك بل ح ّ‬
‫المقبوض للرّهن ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبوض للرّهن مضمون عند الحنفيّة ‪ ,‬فيده يد ضمانٍ فيضمن المرتهن بالق ّل من‬ ‫‪8‬‬

‫قيمته ومن الدّين ‪ ,‬والمعتبر قيمته يوم القبض ل يوم الهلك ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إنّها يد أمانةٍ لخبر ‪ « :‬ل يغلق الرّهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه » وإليه‬
‫ذهب الحنابلة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬رهن ف‬
‫المقبوض على سوم القرض ‪:‬‬
‫‪ -‬المقبوض على سوم القرض مضمون بما ساوم ‪ ,‬كمقبوض على حقيقته ‪ ,‬بمنزلة‬ ‫‪9‬‬

‫مقبوضٍ على سوم البيع إل أنّ في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرّهن بما ساومه من‬
‫القرض ‪.‬‬

‫مُقتضِي *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقتضي ‪ -‬بكسر الضّاد ‪ -‬اسم فاع ٍل من القتضاء ‪ ,‬وبفتح الضّاد اسم مفعولٍ منه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومن معاني القتضاء في اللغة ‪ :‬الدّللة ‪ ,‬يقال ‪ :‬اقتضى المر الوجوب ‪ :‬د ّل عليه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو اللّفظ الطّالب للضمار ‪ ,‬بمعنى أنّ اللّفظ ل يستقيم إل بإضمار شيءٍ‬
‫‪ .‬وقيل ‪ :‬هو ما ل يستقيم الكلم إل بتقدير أمورٍ تسمّى مقتضَى بفتح الضّاد ‪.‬‬
‫والمقتضَى بفتح الضّاد ‪ :‬هو ما أضمر في الكلم ضرورة صدق المتكلّم ‪ ,‬وقيل ‪ :‬هو ما ل‬
‫يدل عليه اللّفظ ول يكون ملفوظا ‪ ,‬لكنّه من ضرورة اللّفظ ‪ :‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَاسْ َألِ‬
‫ا ْلقَرْ َيةَ } ‪ ,‬أي أهل القرية ‪.‬‬
‫المراد من المقتضى ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الصوليون في لفظ المقتضي هل هو بكسر الضّاد أو بفتحها ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫فذهب جمع من أصوليّ الشّافعيّة ‪ ,‬منهم ‪ :‬أبو إسحاق والسّمعاني ‪ ,‬والغزالي ‪ ,‬وجمهور‬
‫ي الحنفيّة ‪ ,‬منهم ‪ :‬شمس الئمّة السّرخسي ‪ ,‬وأبو زي ٍد الدّبوسي ‪ ,‬وصاحب اللباب ‪:‬‬
‫أصول ّ‬
‫ن موضع النّزاع إنّما هو المضمر ‪ :‬وهو المقتضَى بفتح الضّاد ‪ ,‬ل المضمر له وهو‬
‫إلى أ ّ‬
‫المقتضِي بكسر الضّاد ‪ :‬وهو اللّفظ الطّالب للضمار ‪.‬‬
‫وقال ابن السبكيّ ‪ :‬المراد منه المقتضِي بكسر الضّاد ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المنطوق ‪:‬‬
‫‪ -‬المنطوق ‪ :‬ما دلّ عليه اللّفظ في محلّ النطق ‪ ,‬أي يكون حكما للمذكور ‪ ,‬وحالً من‬ ‫‪3‬‬

‫أحواله ‪.‬‬
‫والصّلة بين المقتضى والمنطوق أنّهما من أنواع الدّللة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المفهوم ‪:‬‬
‫‪ -‬المفهوم ‪ :‬ما دلّ عليه اللّفظ ل في محلّ النطق ‪ ,‬أي يكون حكما لغير المذكور وحالً‬ ‫‪4‬‬

‫من أحواله ‪.‬‬


‫وقيل ‪ :‬هو الستدلل بتخصيص الشّيء بالذّكر على نفي الحكم عمّا سواه ‪.‬‬
‫والصّلة بين المقتضى والمفهوم أنّهما من أنواع الدّللة ‪.‬‬
‫عموم المقتضى ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الصوليّين إلى أنّه ل عموم للمقتضَى ‪ -‬بفتح الضّاد ‪ -‬لنّ العموم من‬ ‫‪5‬‬

‫ن ثبوت المقتضى للحاجة والضّرورة ‪,‬‬


‫صفات النطق ‪ ,‬فل يجوز دعواه في المعاني ‪ ,‬ول ّ‬
‫لتصحيح معنى ال ّنصّ ‪ ,‬حتّى إذا كان المنصوص مفيدا للحكم بدون الحاجة إلى إضمارٍ ل‬
‫يثبت المقتضى لغةً ول شرعا ‪ ,‬والثّابت للحاجة يتقدّر بقدرها ‪ ,‬ول حاجة إلى إثبات صيغة‬
‫العموم للمقتضى ‪ ,‬لنّ الكلم مفيد بدونه ‪ ,‬وهو نظير الميتة لمّا أبيحت للضّرورة فتقدّر‬
‫بقدرها ‪.‬‬
‫وقال الشّافعي وجمهور الحنابلة ‪ ,‬وآخرون ‪ :‬إنّ للمقتضى عموما ‪ ,‬لنّه بمنزلة‬
‫المنصوص في ثبوت الحكم به ‪ ,‬فكان الثّابت به كالثّابت بالنّصّ ‪ ,‬فكذلك في إثبات صفة‬
‫العموم فيه فيجعل كالمنصوص ‪ ,‬فيحتمل العموم ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫والتّفصيل في الملحق الصول ّ‬

‫مُقَدّمات *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المقدّمات لغةً ‪ :‬جمع مقدّمةٍ ‪ ,‬والمقدّمة بكسر الدّال المشدّدة من كلّ شيءٍ أوّله وما‬ ‫‪1‬‬

‫يتوقّف عليه ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمقدّمات ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمقدّمات أحكام فقهيّة وأصوليّة ‪ ,‬لكن الفقهاء فصّلوا أحكام مقدّمات الجماع لما‬
‫يترتّب عليها في العبادات وغيرها ‪ ,‬وعني الصوليون بجانب آخر من المقدّمات ‪.‬‬
‫مقدّمة الواجب المطلق ‪:‬‬
‫ف على المقدّمة واجب‬
‫‪ -‬مقدّمة الواجب المطلق أي الواجب الّذي وجوبه غير متوقّ ٍ‬ ‫‪2‬‬

‫مطلقا أي سببا كان أو شرطا كالوضوء أو عقلً كترك الضّدّ وعاد ًة كغسل جزءٍ من الرّأس‬
‫لغسل الوجه ‪ ,‬وقيل الوجوب في السّبب فقط دون غيره من المقدّمات وقيل في الشّرط‬
‫الشّرعيّ فقط ‪ ,‬وقيل ل وجوب لشيء من المقدّمات مطلقا ‪.‬‬
‫وانظر تفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫مقدّمات الجماع في الحجّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب الدّم على من فعل شيئا من مقدّمات‬ ‫‪3‬‬

‫ع سواء أنزل منيا أو لم ينزل ول‬


‫الجماع كاللّمس بشهوة والتّقبيل والمباشرة بغير جما ٍ‬
‫يفسد حجه اتّفاقا ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه إن أنزل بمقدّمات الجماع منيا فحكمه حكم الجماع في إفساد الحجّ ‪,‬‬
‫وعليه ما على المجامع ‪ ,‬وإن لم ينزل فليهد بدن ًة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪176‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ف‬
‫مقدّمات الجماع في الصّيام ‪:‬‬
‫س ‪ -‬ولو كان بقصد اللّذّة ‪ -‬ل‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ مقدّمات الجماع من تقبيلٍ ولم ٍ‬ ‫‪4‬‬

‫يفطّر الصّائم ما لم تسبّب النزال ‪.‬‬


‫أمّا إذا قبّل وأنزل بطل صومه اتّفاقا بين الفقهاء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪ ,‬وتقبيل ف‬ ‫‪83‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬صوم ف‬
‫مقدّمات الجماع في الرّجعة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ مقدّمات الجماع من اللّمس والتّقبيل بغير شهو ٍة وبغير‬ ‫‪5‬‬

‫نيّة الرّجعة ل يعتبر رجعةً ‪.‬‬


‫ولكنّهم اختلفوا فيما إذا كان اللّمس والتّقبيل والنّظر بشهوة ‪:‬‬
‫ن الجماع ومقدّماته تصح بهما الرّجعة ‪ ,‬فلو وطئها أو لمسها‬
‫فمذهب الحنفيّة والمالكيّة أ ّ‬
‫بشهوة ‪ ,‬أو نظر إلى فرجها بشهوة ‪ ,‬أو قبّلها تصح الرّجعة ‪ ,‬واشترط المالكيّة لصحّة‬
‫الرّجعة النّيّة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى عدم صحّة الرّجعة مطلقا ‪ ,‬سواء كان بوطء أو مقدّماته ‪ ,‬وسواء نوى‬
‫الزّوج الرّجعة أو لم ينوها ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى عدم صحّة الرّجعة بمقدّمات الجماع ‪ ,‬وقالوا تصح الرّجعة بالوطء‬
‫مطلقا ‪ ,‬سواء نوى الزّوج الرّجعة أو لم ينوها ‪.‬‬
‫‪,‬‬ ‫‪20‬‬ ‫وما بعدها ‪ ,‬ومصطلح تقبيل ف‬ ‫‪13‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬رجعة ف‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ولمس ف‬
‫مقدّمات الجماع في الظّهار ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة وأكثر المالكيّة وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه إلى حرمة مقدّمات‬ ‫‪6‬‬

‫الجماع ودواعيه من تقبي ٍل أو لمسٍ أو مباشرةٍ فيما دون الفرج قبل التّكفير ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة في الظهر وبعض المالكيّة وأحمد في الرّواية الثّانية إلى إباحة الدّواعي‬
‫س في الية ‪ { :‬مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } الجماع ‪ ,‬فل يحرم ما‬
‫في الوطء ‪ ,‬لنّ المراد بالم ّ‬
‫عداه من مقدّمات الوطء من التّقبيل والمسّ بشهوة والمباشرة فيما دون الفرج ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ ,‬لمس ف‬ ‫‪22‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬ظهار ف‬
‫مقدّمات الجماع في حرمة المصاهرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ مقدّمات الجماع من المسّ والتّقبيل إذا لم يكن بشهوة ل‬ ‫‪7‬‬

‫يؤثّر في حرمة المصاهرة ‪.‬‬


‫س والتّقبيل بشهوة فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‬
‫أمّا إذا كانت مقدّمات الجماع من الم ّ‬
‫إلى أنّ المباشرة في غير الفرج والتّقبيل ولو بشهوة ل يوجب حرمة المصاهرة ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ مقدّمات الجماع من اللّمس والتّقبيل بشهوة يوجب حرمة المصاهرة‬
‫ومصاهرة ) ‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ .‬وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تقبيل ف‬
‫حكم مقدّمات الجماع ‪:‬‬
‫‪ -‬يسن للزّوج إذا أراد جماع زوجته أن يلعبها قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من‬ ‫‪8‬‬

‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم‬


‫لذّة الجماع مثل ما يناله ‪ ,‬وروي عن عمر بن عبد العزيز عن النّب ّ‬
‫أنّه قال ‪ « :‬ل يواقعها إل وقد أتاها من الشّهوة مثل ما أتى له ل ليسبقها بالفراغ »‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬وطء ) ‪.‬‬

‫مُ َقوّم *‬
‫انظر ‪ :‬تقوم ‪ ,‬تقويم ‪.‬‬

‫مُكَابرة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكابرة لغةً ‪ :‬مصدر كابر يقال ‪ :‬كابره مكابرةً ‪ :‬غالبه وعانده ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وكابر فلن فلنا ‪ :‬طاوله بالكبر ‪ ,‬وكابر فلنا على حقّه ‪ :‬جاحده وغالبه عليه وعاند فيه ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫حرابة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحرابة من الحرب الّتي هي نقيض السّلم يقال حاربه محاربةً وحرابا أو من الحرب‬ ‫‪2‬‬

‫وهو السّلب ‪ ,‬يقال ‪ :‬حرب فلنا ماله أي سلبه فهو محروب ‪.‬‬
‫والحرابة في الصطلح ‪ -‬وتسمّى قطع الطّريق عند أكثر الفقهاء ‪ -‬هي البروز لخذ مالٍ‬
‫أو لقتل أو لرعاب على سبيل المجاهرة مكابر ًة اعتمادا على القوّة مع البعد عن الغوث ‪.‬‬
‫والصّلة بين المكابرة والحرابة أنّ المكابرة وصف من أوصاف أفعال الحرابة ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمكابرة ‪:‬‬
‫يتعلّق بالمكابرة أحكام منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اعتبارها من الحرابة ‪:‬‬
‫‪ -‬تأخذ المكابرة حكم الحرابة باعتبارها وصفا من أوصاف الحرابة وذلك في الجملة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫جاء في المدوّنة ‪ :‬من كابر رجلً على ماله بسلح أو غيره في زقاقٍ أو دخل على حريمه‬
‫في المصر حكم عليه بحكم الحرابة ‪.‬‬
‫وفي الد ّر المختار ‪ :‬المكابر بالظلم وقاطع الطّريق وصاحب المكس وجميع الظّلمة يباح قتل‬
‫الكلّ ويثاب قاتلهم ‪.‬‬
‫والقتل هنا على سبيل التّعزير ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حرابة ف ‪. ) 7‬‬
‫ب ‪ -‬المكابرة وحد السّرقة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حدّ السّارق على سبيل المكابرة ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ل حتّى سرق متاعه ليلً فعليه القطع لنّ سرقته قد تمّت‬


‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو كابر إنسانا لي ً‬
‫ن الغوث باللّيل قلّ ما يلحق صاحب البيت وهو عاجز عن دفعه بنفسه‬
‫حين كابره ليلً فإ ّ‬
‫فيكون تمكنه من ذلك بالنّاس والسّارق قد استخفى فعله من النّاس بخلف ما إذا كابره في‬
‫المصر نهارا حتّى أخذ منه مالً فإنّه ل يلزمه القطع استحسانا لنّ الغوث في المصر‬
‫بالنّهار يلحقه عادةً فالخذ مجاهر بفعله غير مستخفٍ له ‪ ,‬وذلك يمكن نقصانا في السّرقة‬
‫‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬المكابر هو الخذ للمال من صاحبه بقوّة من غير حرابة سواء ادّعى أنّه‬
‫ملكه أو اعترف بأنّه غاصب فل قطع لنّه غاصب والغاصب ل قطع عليه ‪ ,‬وأمّا لو كابر‬
‫وادّعى أنّه ملكه بعد ثبوت أخذه له من الحرز فإنّه يقطع ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ولو دخل جماعة باللّيل دارا وكابروا ومنعوا صاحب الدّار من الستغاثة‬
‫مع قوّة السلطان وحضوره فالصح أنّهم قطّاع وبه قطع القفّال والبغوي ‪ ,‬ومذهب الحنابلة‬
‫كمذهب الشّافعيّة في الجملة ‪.‬‬

‫مُكَاتَب *‬
‫انظر ‪ :‬مكاتبة ‪.‬‬

‫مُكاتَبة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكاتبة في اللغة ‪ :‬مصدر كاتب وهي مفاعلة ‪ ,‬والصل في باب المفاعلة أن يكون‬ ‫‪1‬‬

‫من اثنين فصاعدا ‪.‬‬


‫يقال ‪ :‬كاتب يكاتب كتابا ومكاتبةً ‪ ,‬وهي معاقدة بين العبد وسيّده ‪ ,‬يكاتب الرّجل عبده أو‬
‫أمته على ما ٍل منجّمٍ ‪ ,‬ويكتب العبد عليه أنّه معتق إذا أدّى النجوم ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫ق بصفة على معاوضةٍ مخصوصةٍ ‪.‬‬
‫قال ابن حجرٍ المكاتبة تعليق عت ٍ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العتق ‪:‬‬
‫ق‪.‬‬
‫‪ -‬العتق في اللغة ‪ :‬خلف الرّ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬هو تحرير الرّقبة وتخليصها من الرّقّ ‪.‬‬


‫ن المكاتبة سبب من أسباب العتق ‪.‬‬
‫والصّلة بينهما أ ّ‬
‫أصل المكاتبة ومشروعيتها ‪:‬‬
‫أصلها ‪:‬‬
‫‪ -‬كانت المكاتبة معروفة في الجاهليّة ‪ ,‬فأقرّها السلم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وأوّل من كوتب في السلم أبو المؤمّل ‪ ,‬وقد حثّ الرّسول صلى ال عليه وسلم على‬
‫إعانته في نجوم الكتابة ‪ ,‬فقال ‪ « :‬أعينوا أبا المؤمّل » ‪ ,‬فأعين ‪ ,‬فقضى كتابته ‪ ,‬وفضلت‬
‫عنده فضلة ‪ ,‬فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬أنفقها في سبيل اللّه » ‪ ,‬وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫ت أَ ْيمَانُ ُكمْ َفكَاتِبُو ُه ْم إِنْ عَ ِلمْ ُتمْ‬
‫ب ِممّا مَ َلكَ ْ‬
‫والصل فيها قوله تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَا َ‬
‫فِيهِ ْم خَيْرا } ‪.‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال ‪ « :‬إذا كان‬
‫ن النّب ّ‬
‫وما روي عن أمّ سلمة رضي ال عنها أ ّ‬
‫لحداكنّ مكاتب ‪ ,‬فكان عنده ما يؤدّي فلتحتجب منه » ‪.‬‬
‫وما رواه أبو هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ثلثة‬
‫حق على اللّه عونهم ‪ :‬المجاهد في سبيل اللّه ‪ ,‬والمكاتب الّذي يريد الداء ‪ ,‬والنّاكح الّذي‬
‫يريد العفاف » ‪.‬‬
‫وأجمعت المّة على مشروعيّة المكاتبة فل خلف أنّها جائزة بين العبد وسيّده ‪ ,‬إذا كانت‬
‫على شروطها ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬
‫‪ -‬المكاتبة مندوبة عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫قال مالك ‪ :‬المر عندنا أنّه ليس على سيّد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ‪ ,‬فل يكره أحد‬
‫على مكاتبة عبده ‪ ,‬وإنّما يستحب ‪.‬‬
‫ن العبد قد يقصد بها الستقلل والكتساب والتّزوج ‪ ,‬فيكون أعفّ له ‪.‬‬
‫واستحبّت ل ّ‬
‫وذهب عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينارٍ إلى أنّها واجبة إذا طلبها العبد ‪,‬‬
‫عِلمْ ُتمْ فِي ِهمْ خَيْرا } ‪ ,‬فالمر عندهم للوجوب ‪.‬‬
‫محتجّين بظاهر قوله تعالى ‪َ { :‬فكَاتِبُو ُهمْ إِنْ َ‬
‫وهناك رواية عن المام أحمد بن حنب ٍل بوجوب الكتابة إذا دعا إليها العبد المكتسب‬
‫الصّدوق ‪.‬‬
‫ن الصل أن ل يحمل أحد على عتق مملوكه ‪ ,‬لذا تحمل الية على‬
‫وحجّة الجمهور ‪ :‬أ ّ‬
‫النّدب ‪ ,‬لئل تعارض هذا الصل ‪.‬‬
‫حكمة مشروعيّة المكاتبة ‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ حكمة تشريع المكاتبة مصلحة السّيّد والعبد ‪ ,‬فالسّيّد فعل معروفا من أعمال البرّ‬ ‫‪5‬‬

‫ق عنه وتمتعه بحرّيّته ‪.‬‬


‫المندوبة ‪ ,‬والعبد تؤوّل كتابته غالبا إلى رفع الرّ ّ‬
‫أركان المكاتبة ‪:‬‬
‫‪ -‬أركان المكاتبة هي ‪ :‬المولى ‪ ,‬العبد ‪ ,‬الصّيغة ‪ ,‬العوض ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن شروط وأحكام تتعلّق به وتفصيلها فيما يلي ‪:‬‬


‫ولكلّ رك ٍ‬
‫أ ‪ -‬المولى ‪:‬‬
‫‪ -‬هو كل مكلّفٍ أهلٍ للتّصرف تصح منه المكاتبة ‪ ,‬ول يشترط فيه أن يكون أهلً للتّبرع‬ ‫‪7‬‬

‫‪ .‬ب ‪ -‬العبد المكاتب ‪:‬‬


‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في العبد المكاتب العقل ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫واختلفوا في اشتراط البلوغ ‪:‬‬


‫فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز مكاتبة الصّغير المميّز ‪ ,‬ووافقهم ابن القاسم من‬
‫المالكيّة في الجملة ‪ ,‬فقال ‪ :‬تجوز مكاتبة صغيرٍ ذك ٍر أو أنثى وإن لم يبلغ عشر سنين ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى اشتراط البلوغ ‪ ,‬وقال أشهب من المالكيّة ‪ :‬يمنع مكاتبة ابن عشر‬
‫سنين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصّيغة ‪:‬‬
‫‪ -‬الصّيغة هي اللّفظ أو ما يقوم مقامه ممّا يدل على العتق على ما ٍل منجّمٍ ‪ ,‬مثل ‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫كاتبتك على كذا في نجمٍ أو نجمين فصاعدا ول يفتقر إلى قوله ‪ :‬إن أدّيت فأنت حر ‪ ,‬لنّ‬
‫لفظ الكتابة يقتضي الحرّيّة ‪.‬‬
‫ك وأحمد ‪.‬‬
‫وهذا مذهب أبي حنيفة ومال ٍ‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يُعتق حتّى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرّيّة ‪.‬‬
‫د ‪ -‬العوض ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ العوض في المكاتبة يجوز أن يكون حالً أو مؤجّلً ‪,‬‬ ‫‪10‬‬

‫وإن كان مؤجّلً فيجوز أن يكون على نجمٍ واحدٍ ‪.‬‬


‫ل ومنجّما‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط أن يكون العوض في الكتابة دينا مؤجّ ً‬
‫بنجمين معلومين فأكثر ‪.‬‬
‫ويشترط في عوض المكاتبة ما يشترط في العوض في سائر العقود ‪.‬‬
‫وللتّفصيل انظر مصطلح ‪ ( :‬عوض ف ‪ 4‬وما بعدها ) ‪.‬‬
‫صفة المكاتبة ‪:‬‬
‫‪ -‬المكاتبة عقد لزم فل خيار لحد المتعاقدين في فسخه إذا أبى الخر ‪ ,‬وهذا عند‬ ‫‪11‬‬

‫المالكيّة والحنابلة ‪.‬‬


‫وعند الحنفيّة والشّافعيّة هي عقد لزم من جانب المولى إذا كانت المكاتبة صحيحةً ‪ ,‬غير‬
‫لزمٍ في جانب المكاتب ‪.‬‬
‫أمّا إذا كانت فاسدةً فل تلزم من الجانبين عند الحنفيّة ‪ ,‬وهو الصح عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫عتق المكاتب بالداء ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أدّى المكاتب نجوم الكتابة عتق ‪ ,‬ويعان المكاتب على الداء من الزّكاة والصّدقات‬ ‫‪12‬‬

‫وما يعينه به سيّده ‪.‬‬


‫تصرفات المكاتب ‪:‬‬
‫‪ -‬بعد التزام العبد بالمكاتبة يصبح كالح ّر في بعض التّصرفات ‪ ,‬فله أن يبيع ويشتري‬ ‫‪13‬‬

‫ويقاسم شركاءه ‪ ,‬ويقرّ بالدّين لمن ل يتّهم عليه ‪ ,‬وبالحدّ والقطع الرّاجعين لرقبته ‪,‬‬
‫ويضارب ويعير ويودع ويؤجّر ويقاصّ ‪ ,‬ويتصرّف في مكاسبه ‪ ,‬وينفق على نفسه دون‬
‫ض‪.‬‬
‫تبذيرٍ ‪ ,‬ودون إخراج المال بغير عو ٍ‬
‫وليس للسّيّد منعه من كلّ تصرفٍ فيه صلح المال واكتساب المنافع ‪.‬‬
‫ولء المكاتب ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أدّى المكاتب لموله ما عليه من المال وعتق ‪ ,‬فإنّ ولءه يكون لموله ‪ ,‬لقوله‬ ‫‪14‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الولء لمن أعتق » ‪.‬‬


‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬ولء ) ‪.‬‬

‫مكارِي *‬
‫انظر ‪ :‬إجارة ‪.‬‬

‫مُكَافأة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكافأة في اللغة ‪ :‬مصدر كافأ ‪ ,‬يقال ‪ :‬كافأه مكافأ ًة وكفاءً ‪ :‬جازاه ‪ ,‬وكافأ فلنا ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ماثله ‪ ,‬وكل شي ٍء ساوى شيئا حتّى صار مثله فهو مكافئ له ‪ ,‬والمكافأة بين النّاس من‬
‫هذا ‪ ,‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم » ‪ ,‬أي تتساوى في‬
‫الدّية والقصاص ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫العوض ‪:‬‬
‫‪ -‬العوض ‪ :‬البدل ‪ ,‬وعوّضته ‪ :‬إذا أعطيته بدل ما ذهب منه ‪ ,‬ومن إطلقات العوض ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ثواب الخرة ‪ ,‬والثّواب يقع على جهة المكافأة ‪.‬‬


‫والعوض في الصطلح ‪ :‬ما يبذل في مقابلة غيره ‪ ,‬وهو أخص من المكافأة ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمكافأة ‪:‬‬
‫المكافأة على الهديّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ثبت عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقبل‬ ‫‪3‬‬

‫الهديّة ويثيب عليها » ‪ ,‬ومعنى يثيب عليها أي يكافئ عليها ‪.‬‬


‫وقد عنون البخاري لهذا الحديث ‪ :‬المكافأة في الهبة ‪.‬‬
‫واستدلّ بعض المالكيّة بهذا الحديث على وجوب الثّواب والمكافأة على الهديّة ‪ ,‬إذا أطلق‬
‫الواهب وكان ممّن يطلب مثله الثّواب كالفقير للغنيّ ‪ ,‬بخلف ما يهبه العلى للدنى ‪,‬‬
‫ووجه الدّللة منه مواظبته صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن حيث المعنى ‪ :‬أنّ الّذي أهدى قصد أن يعطي أكثر ممّا أهدي ‪ ,‬فل أقلّ أن يعوّض‬
‫بنظير هديّته ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إذا كانت الهبة بعوض معلومٍ جازت وكانت بيعا ‪ ,‬أو‬
‫مجهولٍ فهي باطلة على تفصيلٍ في بعض جزئيّاتها ينظر في مصطلح ‪ ( :‬هبة وهديّة ) ‪.‬‬
‫وممّا يدل على المكافأة على الهديّة قول الرّسول صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من صنع إليكم‬
‫معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه » ‪.‬‬
‫المكافأة بين القاتل والقتيل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ من شروط القصاص في القتل المكافأة بين‬ ‫‪4‬‬

‫القاتل والقتيل في أوصافٍ اعتبروها ‪ ,‬فل يقتل العلى بالدنى ‪ ,‬ولكن يقتل الدنى بالعلى‬
‫‪ ,‬وبالمساوي ‪.‬‬
‫وخالف الحنفيّة فقالوا ‪ :‬ل يشترط في القصاص في النّفس المساواة بين القاتل والقتيل ‪.‬‬
‫ن جمهور الفقهاء اختلفوا في الوصاف الّتي اعتبروها للمكافأة ‪.‬‬
‫إل أ ّ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬قصاص ف‬
‫المكافأة في النّكاح ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط المكافأة بين الزّوجين في النّكاح وهي مساواة‬ ‫‪5‬‬

‫الرّجل للمرأة في المور المعتبرة في النّكاح ‪.‬‬


‫وتعتبر المكافأة في جانب الرّجال للنّساء ول تعتبر في جانب النّساء للرّجال ‪.‬‬
‫وروي عن المام أحمد رحمه ال أنّه قال ‪ :‬إنّ المكافأة شرط لصحّة النّكاح ‪.‬‬
‫وذهب بعض الحنفيّة إلى عدم اشتراط المكافأة بين الزّوجين ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تكافؤ ف‬
‫المكافأة بالطّلق ‪:‬‬
‫‪ -‬قال النّووي رحمه ال ‪ :‬في مسائل تجري في مخاصمة الزّوجين ومشاتمتهما ‪,‬‬ ‫‪6‬‬

‫وأغلب ما تقع إذا واجهت زوجها بمكروه ‪ ,‬فيقول على سبيل المكافأة ‪ :‬إن كنت كذلك فأنت‬
‫طالق ‪ ,‬يريد أن يغيظها بالطّلق كما غاظته بالمشاتمة أو بالشّتم ‪ ,‬فكأنّه يقول ‪ :‬تزعمين‬
‫أنّي كذا فأنت طالق ‪ ,‬فإذا قالت له ‪ :‬يا سفيه فقال ‪ :‬إن كنت كذلك فأنت طالق ‪ ,‬نظر إن‬
‫أراد المكافأة كما ذكرنا طلقت ‪ ,‬وإن قصد التّعليق لم تطلق ‪ ,‬وإن أطلق اللّفظ ولم يقصد‬
‫المكافأة ول حقيقة اللّفظ فهو للتّعليق ‪ ,‬فإن ع ّم العرف بالمكافأة فيراعي الوضع أو العرف‬
‫‪.‬‬
‫وأنّه لو قال لها في الخصومة ‪ :‬إيش تكونين أنت ‪ ,‬فقالت وإيش تكون أنت ‪ ,‬فقال ‪ :‬إن لم‬
‫أكن منك بسبيل فأنت طالق ‪.‬‬
‫قال القاضي حسين ‪ :‬إن قصد التّعليق لم تطلق لنّها زوجته فهو منها بسبيل ‪ ,‬وإن قصد‬
‫المغايظة والمكافأة طلقت ‪ ,‬والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما ‪ ,‬فإذا حمل على‬
‫المكافأة فيقع الطّلق في الحال ‪.‬‬
‫مكافأة العامل ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الدسوقيّ ‪ :‬يرخّص لعامل القراض أن يأتي بطعام كغيره ‪ ,‬أي كما يأتي غيره‬ ‫‪7‬‬

‫بطعام يشتركون في أكله ‪ ,‬إن لم يقصد التّفضل على غيره بأن ل يزيد على غيره زياد ًة لها‬
‫ب المال ‪ ,‬بأن يطلب منه المسامحة ‪,‬‬
‫بال ‪ ,‬وإل بأن قصد التّفضل فليتحلّله ‪ ,‬أي يتحلّل ر ّ‬
‫فإن أبى من مسامحته فليكافئه ‪ ,‬أي يعوّضه بقدر ما يخصه أي فيما زاده من الطّعام على‬
‫غيره ‪.‬‬
‫المكافأة في المبارزة ‪:‬‬
‫‪ -‬أوضح الفقهاء في باب الجهاد حكم المبارزة وأنّ المكافأة في المبارزة هي مناط الحكم‬ ‫‪8‬‬

‫بالجواز أو الستحباب أو الكراهة ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تكافؤ ف‬
‫المكافأة بين الخيل في السّبق ‪:‬‬
‫‪ -‬اشترط الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن يكون فرس المحلّل مكافئا لفرسي المتسابقين‬ ‫‪9‬‬

‫أو بعيره مكافئا لبعيرهما ‪ ,‬فإن لم يكن مكافئا ‪ :‬مثل أن يكون فرساهما جوادين وفرسه‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫بطيئا فهو قمار ‪ ,‬لحديث أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ‬
‫من أدخل فرسا بين فرسين ‪ -‬وهو ل يؤمن أن يسبق ‪ -‬فليس بقمار ‪ ,‬ومن أدخل فرسا‬
‫بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار » ‪ ,‬ولنّه مأمون سبقه فوجوده كعدمه ‪ ,‬وإن كان‬
‫مكافئا لهما جاز ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تكافؤ ف‬

‫مَكان *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكان في اللغة ‪ :‬الموضع ‪ ,‬وما يعتمد عليه كالرض للسّرير ‪ ,‬والجمع أمكنة ‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأماكن جمع الجمع ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمكان ‪:‬‬
‫تتعلّق بالمكان أحكام فقهيّة منها ‪:‬‬
‫الماكن الّتي نهي عن الصّلة فيها ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في صحّة الصّلة في المجزرة والمقبرة والحمّام ونحوها ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن الصّلة تصح مع‬


‫فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في روايةٍ إ ّ‬
‫الكراهة في الحمّام والمزبلة والمجزرة ومعاطن البل وقارعة الطّريق والمقبرة وفوق ظهر‬
‫س وابن عمر‬
‫بيت اللّه والمغتسل والكنائس والموضع المغصوب ‪ ,‬وبه قال علي وابن عبّا ٍ‬
‫رضي اللّه عنهم وعطاء والنّخعيّ وابن المنذر لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ‪« :‬‬
‫جعلت لي الرض مسجدا وطهورا » ‪.‬‬
‫وقولـه صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬أينما أدركتك الصّلة فصلّ فهو مسجد » ‪ ,‬ولنّه موضع‬
‫طاهر فصحّت الصّلة فيه كالصّحراء ‪ ,‬وقال ابن المنذر ‪ :‬ذكر نافع أنّه صلّى على عائشة‬
‫وأمّ سلمة وسط قبور البقيع ‪ ,‬ومحل كراهة الصّلة في هذه الماكن عند الشّافعيّة إن بسط‬
‫طاهرا وصلّى عليه وإل فصلته باطلة لنّه صلّى على نجاسةٍ ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬تجوز الصّلة في مربض الغنم والبقر وكذا في المقبرة والحمّام والمزبلة‬
‫وقارعة الطّريق والمجزرة إن أمنت النّجاسة وإن لم تؤمن النّجاسة وصلّى أعاد الصّلة في‬
‫الوقت ‪ ,‬وإن تحقّقت النّجاسة أعاد الصّلة أبدا ‪.‬‬
‫وتكره الصّلة بمعاطن البل وبالكنائس ‪.‬‬
‫ن الصّلة في هذه المواضع ل تصح بأيّ حالٍ من الحوال لما‬
‫وقال الحنابلة في المعتمد إ ّ‬
‫روى جابر بن سمرة رضي اللّه عنه ‪ « :‬أنّ رجلً سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‬
‫أنصلّي في مبارك البل ؟ قال ‪ :‬ل » ‪.‬‬
‫ولقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬الرض كلها مسجد إل الحمّام والمقبرة » ‪.‬‬
‫ح صلته فيها‬
‫وقال بعض الحنابلة ‪ :‬إن كان المصلّي عالما بالنّهي في هذه المواضع لم تص ّ‬
‫‪ ,‬لنّه عاصٍ بصلته فيها والمعصية ل تكون قربةً ول طاعةً ‪ ,‬وإن لم يكن عالما فعن‬
‫أحمد روايتان ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬ل تصح لنّه صلّى فيما ل تصح فيه مع العلم فل تصح مع الجهل كالصّلة في‬
‫س‪.‬‬
‫محلّ نج ٍ‬
‫والثّانية ‪ :‬تصح الصّلة فيه لنّه معذور ‪.‬‬
‫قال البهوتي ‪ :‬المنع من الصّلة في هذه المواضع تعبد ليس معلّلً بوهم النّجاسة ول غيره‬
‫لنهي الشّارع عنها ولم يعقل معناه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪ ,‬صلة ف‬ ‫‪14‬‬ ‫وانظر مصطلح ‪ ( :‬حمّام ف‬
‫مكان وضع اليدين في الصّلة ‪:‬‬
‫ن من سنن الصّلة القبض‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى وخالفهم في ذلك المالكيّة فقالوا ‪ :‬يندب الرسال‬
‫ويكره القبض في صلة الفرض وجوّزوه في النّفل وهذا في الجملة ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إرسال ف ‪. ) 4‬‬
‫ومكان وضع اليدين بهذه الكيفيّة هو تحت الصّدر وفوق السرّة ‪ ,‬وهذا عند المالكيّة‬
‫والشّافعيّة ورواية عند الحنابلة ‪ ,‬وهو قول سعيد بن جبيرٍ لما روى وائل بن حجرٍ قال ‪:‬‬
‫« صلّيت مع رسول اللّه ‪ ,‬ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره » ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة وفي الرّواية الخرى عند الحنابلة أنّه يضع يديه تحت سرّته وروي ذلك عن‬
‫عليّ وأبي هريرة وأبي مجلزٍ والنّخعيّ والثّوريّ وإسحاق لما روي عن عليّ أنّه قال ‪« :‬‬
‫ف في الصّلة تحت السرّة » ‪.‬‬
‫من السنّة وضع الكفّ على الك ّ‬
‫وأمّا المرأة فقد قال الحنفيّة تضع يديها على ثدييها ‪.‬‬
‫مكان دفن الميّت ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّ المقبرة أفضل مكانٍ للدّفن وذلك للتّباع ولنيل دعاء الطّارقين ‪,‬‬ ‫‪4‬‬

‫ويكره دفنه في المسجد الّذي بني للصّلة فيه ‪.‬‬


‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫على تفصيلٍ ينظر في مصطلح ‪ ( :‬دفن ف‬
‫مكان تسليم المبيع ‪:‬‬
‫‪ -‬مطلق عقد البيع يقتضي تسليم المبيع في المكان الّذي هو موجود فيه حينئذٍ ‪ ,‬فمثلً‬ ‫‪5‬‬

‫لو باع رجل وهو في إسلمبول حنطته الّتي في دمشق يلزم عليه تسليم الحنطة المرقومة‬
‫في دمشق وليس عليه أن يسلّمها في إسلمبول ‪ ,‬أي ل يشترط في عقد البيع بيان المكان‬
‫الّذي يسلّم فيه المبيع فعقد البيع المطلق الّذي ل يبيّن فيه مكان تسليم المبيع يسلّم فيه‬
‫المبيع إلى المشتري في المكان الّذي كان فيه المبيع حين العقد ل في مكان عقد البيع حتّى‬
‫إذا نقل البائع المبيع بل إذن المشتري من المحلّ الّذي كان فيه حين العقد إلى مكانٍ آخر‬
‫وجب عليه إعادته إلى حيث كان ‪.‬‬
‫أمّا ثمن المبيع فإن كان محتاجا إلى الحمل والمئونة فيجب بيان مكان تسليمه في بيان‬
‫العقد ‪.‬‬
‫ويعتبر في تسليم المبيع مكان البيع فإذا لم يبيّن البائع مكان المبيع ولم يكن المشتري يعلم‬
‫وكان ظاهرا أنّه لم يكن في مكان العقد ثمّ اطّلع المشتري على مكانه فالبيع صحيح إل أنّ‬
‫المشتري يكون مخيّرا خيار كشف الحال فله فسخ البيع وترك المبيع وله قبضه من حيث‬
‫كان حين العقد بكلّ الثّمن المسمّى ‪.‬‬
‫وإذا بيع مال على أن يسلّم في مكان كذا لزم تسليمه في المكان المذكور ‪ ,‬مثل ذلك أن‬
‫يبيع شخص حنط ًة من مزرع ٍة له على أن يسلّمها إلى المشتري في داره فيجب عليه‬
‫تسليمها إلى المشتري في داره وكذلك إذا شرط تسليم المبيع الّذي يحتاج إلى مئونةٍ في‬
‫نقله إلى محلّ معيّنٍ فيجب تسليمه هناك وإن كان يصح البيع بشرط تسليم المبيع في محلّ‬
‫معيّنٍ ‪.‬‬
‫إعارة الدّابّة إلى مكانٍ معيّنٍ ‪:‬‬
‫ن معيّنٍ ليركبه فركب إلى‬
‫‪ -‬يرى جمهور الفقهاء أنّ من استعار حصانا من آخر إلى مكا ٍ‬ ‫‪6‬‬

‫ن الحصان قد هلك في مكانٍ آخر‬


‫ن معيّنٍ وتجاوز إلى مكانٍ آخر بعي ٍد ثمّ رجع فقال إ ّ‬
‫مكا ٍ‬
‫ن عارية الحصان مقيّد بزمان ومكانٍ وتجاوز المكان المعيّن فيضمن قيمة‬
‫يضمن ل ّ‬
‫الحصان لصاحبه ‪.‬‬
‫ن معيّنٍ ومعلومٍ فركبها وقبل وصوله إلى المكان‬
‫ومن استعار من آخر دا ّبةً ليركبها إلى مكا ٍ‬
‫صادفه متغلّب وأخذها منه بالقهر والغلبة ولم يمكنه منعه بوجه وخاف من ضرره ل‬
‫ن العارية عند بعض الفقهاء أمانة والمستعير أمين والمين إنّما يضمن بترك‬
‫يضمن ‪ ,‬ل ّ‬
‫الحفظ إذا ترك بغير عذ ٍر ‪.‬‬
‫فضل المكنة ‪:‬‬
‫ض‪.‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على فضل بعض المكنة على بع ٍ‬ ‫‪7‬‬

‫ن مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة هما أفضل بقاع الرض ‪.‬‬


‫فذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ثمّ اختلفوا ‪ :‬فقال الحنفيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة وبعض المالكيّة إنّ مكّة المكرّمة‬
‫أفضل من المدينة المنوّرة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة في المعتمد وبعض الشّافعيّة إنّ المدينة المنوّرة أفضل من مكّة المكرّمة ‪.‬‬
‫‪)9-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬فضائل ف‬

‫مُكْره *‬
‫انظر ‪ :‬إكراه ‪.‬‬

‫مَكْروه *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكروه في اللغة ‪ :‬ضد المحبوب ‪ ,‬وما نفر منه الطّبع والشّرع ويطلق ‪ -‬أيضا ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫على الشّدّة والمشقّة ‪.‬‬


‫ض ّم ما أكرهت نفسك عليه ‪,‬‬
‫قال الفيروز آبادي ‪ :‬الكره ويضم الباء والمشقّة ‪ ,‬أو بال ّ‬
‫وبالفتح ما أكرهك غيرك عليه ‪ ,‬كرهه كسمعه كرها ويضم وكراه ًة وكراهيةً بالتّخفيف ‪.‬‬
‫وقال الفيومي ‪ :‬كره المر والمنظر كراه ًة فهو كريه ‪ ,‬مثل ‪ :‬قبح قباحةً فهو قبيح وزنا‬
‫ومعنى ‪ ,‬والكريهة الشّدّة في الحرب ‪.‬‬
‫وقال الطوفي في ذلك ‪ :‬فيجوز اشتقاق المكروه من ذلك ‪ -‬أي المعاني المتقدّمة ‪ -‬لنّ‬
‫الطّبع والشّرع ل ينفران إل عن شدّةٍ ومش ّقةٍ ‪ ,‬بحسب حالهما ‪.‬‬
‫وعرّف الصوليون المكروه بتعريفات منها ‪ :‬ما يمدح تاركه ول يذم فاعله ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫‪ -‬الواجب ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الواجب في اللغة ‪ :‬الثّابت أو اللزم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬ما يذم شرعا تاركه قصدا مطلقا ‪.‬‬


‫والصّلة بين المكروه والواجب هي التّضاد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المندوب ‪:‬‬
‫‪ -‬المندوب ‪ :‬اسم مفعولٍ من النّدب وهو ‪ :‬الدّعوة والحث والتّوجيه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬ما يمدح فاعله ‪ ,‬ول يذم تاركه ‪.‬‬


‫والصّلة بين المكروه والمندوب التّضاد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحرام ‪:‬‬
‫‪ -‬الحرام في اللغة ‪ :‬الممنوع ‪ ,‬ويطلق على نقيض الواجب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬ما يذم شرعا فاعله ‪.‬‬


‫ن المكروه مطلوب شرعا تركه مع عدم ال ّذمّ على فعله ‪,‬‬
‫والصّلة بين المكروه والحرام أ ّ‬
‫والحرام مطلوب شرعا تركه مع ال ّذمّ على فعله ‪.‬‬
‫إطلقات المكروه ‪:‬‬
‫‪ -‬تعدّدت إطلقات المكروه عند الصوليّين ‪ ,‬فذهب بعضهم إلى أنّه يطلق على أربعة‬ ‫‪5‬‬

‫معانٍ ‪ :‬الحرام ‪ ,‬وترك الولى ‪ ,‬وما نهي عنه تنزيها ‪ ,‬وما وقعت الشبهة في تحريمه ‪,‬‬
‫ي والمديّ والزّركشيّ وابن قاضي الجبل ‪.‬‬
‫وهو قول الغزال ّ‬
‫قال الغزالي ‪ :‬وأمّا المكروه فهو لفظ مشترك في عرف الفقهاء بين هذه المعاني الربعة ‪.‬‬
‫أقسام المكروه ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في تقسيم المكروه ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫فقسّم الحنفيّة المكروه إلى قسمين ‪:‬‬


‫القسم الوّل ‪ :‬المكروه كراهة تنزي ٍه ‪ ،‬وهو ما كان إلى الحلّ أقرب ‪ ,‬بمعنى أنّه ل يعاقب‬
‫فاعله أصلً ‪ ,‬لكن يثاب تاركه أدنى ثوابٍ ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬المكروه كراهة تحريمٍ ‪ ،‬وهو إلى الحرمة أقرب بمعنى ‪ :‬أنّه يتعلّق به‬
‫محذور دون استحقاق العقوبة بالنّار ‪ :‬كحرمان الشّفاعة ‪ ,‬لقوله عليه السلم ‪ « :‬من ترك‬
‫سنّتي لم ينل شفاعتي » ‪.‬‬
‫ن ما لزم‬
‫وعند محمّدٍ المكروه كراهة تحريمٍ حرام ثبتت حرمته بدليل ظنّيّ ‪ ,‬لنّه يرى أ ّ‬
‫تركه إن ثبت ذلك بدليل قطعيّ يسمّى حراما ‪ ,‬وإل يسمّى مكروها كراهة التّحريم ‪ ,‬كما أنّ‬
‫ي يسمّى فرضا ‪ ,‬وإل يسمّى واجبا ‪.‬‬
‫ما لزم التيان به إن ثبت ذلك فيه بدليل قطع ّ‬
‫حكم المكروه ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الصوليون في حكم المكروه كما اختلفوا في كونه مكلّفا بتركه أم ل ومنهيا‬ ‫‪7‬‬

‫عنه أم ل ‪ ,‬واختلفوا كذلك في المر المطلق هل يتناول المكروه أم ل ‪ ,‬والتّفصيل في‬


‫الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫مَكْس *‬
‫انظر ‪ :‬مكوس ‪.‬‬

‫مَكّة المكرّمة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬مكّة ‪ :‬علم على البلد المعروف الّذي فيه بيت اللّه الحرام ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫واختلف في سبب تسميتها مكّة بالميم فقيل ‪ :‬لنّها تمك الجبّارين أي تذهب نخوتهم ‪ ,‬وقيل‬
‫‪ :‬لنّها تمك الفاجر عنها أي تخرجه ‪ ,‬وقيل ‪ :‬كأنّها تجهد أهلها من قوله تمكّكت العظم إذا‬
‫أخرجت مخّه ‪ ,‬وقيل ‪ :‬لنّها تجذب النّاس إليها من قوله ‪ :‬امتكّ الفصيل ما في ضرع أمّه‬
‫إذا لم يبق فيه شيئا ‪ ,‬وقيل لقلّة مائها ‪.‬‬
‫ولها أسماء كثيرة منها ‪ :‬بكّة ‪ ,‬وأم القرى ‪ ,‬والبلد المين ‪ ,‬وأسماء أخرى ‪.‬‬
‫ومكّة كلها حرم وكذلك ما حولها ‪ ,‬وقد بيّن الفقهاء حدود حرم مكّة وسبب تحريمه ‪ ,‬وما‬
‫يتعلّق به من الحكام ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حرم ف ‪- 1‬‬
‫الحكام المتعلّقة بمكّة ‪:‬‬
‫تتعلّق بمكّة أحكام منها ‪:‬‬
‫وجوب تعظيم مكّة ‪:‬‬
‫ن مكّة حرّمها اللّه ولم‬
‫‪ -‬يجب تعظيم مكّة ‪ ,‬لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫يحرّمها النّاس ‪ ,‬فل يحل لمرئ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما ول يعضّد بها‬
‫شجر ًة ‪ ,‬فإن أحد ترخّص لقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا له ‪ :‬إنّ اللّه أذن‬
‫لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يأذن لكم ‪ ,‬وإنّما أذن لي ساعةً من نهارٍ ‪ ,‬وقد عادت‬
‫حرمتها اليوم كحرمتها بالمس ‪ ,‬وليبلّغ الشّاهد الغائب » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حرم ف‬
‫الغسل لدخول مكّة ‪:‬‬
‫ي صلّى اللّه عليه وسلّم ‪,‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحب الغسل لدخول مكّة لفعل النّب ّ‬ ‫‪3‬‬

‫فعن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما ‪ « :‬أنّه كان ل يقدم مكّة إل بات بذي طوىً حتّى‬
‫ي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه فعله‬
‫يصبح ويغتسل ثمّ يدخل مكّة نهارا ويذكر عن النّب ّ‬
‫»‪ .‬وصرّح الشّافعيّة بأنّه يسن الغسل لدخول مكّة ولو حللً للتّباع رواه الشّيخان في‬
‫المحرم والشّافعي في الحلل ‪.‬‬
‫الحرام لدخول مكّة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ من أراد دخول مكّة للحجّ أو العمرة فعليه أن يحرم من المواقيت‬ ‫‪4‬‬

‫أو من قبلها ‪.‬‬


‫ج أو العمرة فقد اختلف الفقهاء في حكم إحرامه ‪.‬‬
‫أمّا إذا أراد دخول مكّة لغير الح ّ‬
‫‪.)6-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫والتّفصيل في ‪ ( :‬حرم ف‬
‫المجاورة بمكّة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم المجاورة بمكّة ‪ ,‬فذهب جمهورهم إلى استحباب المجاورة‬ ‫‪5‬‬

‫بمكّة وذهب غيرهم إلى كراهة المجاورة بها ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حرم ف‬
‫دخول الكفّار مكّة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز لغير المسلم السكنى والقامة في مكّة لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫سجِدَ ا ْلحَرَامَ َبعْدَ عَا ِم ِهمْ هَـذَا } ‪.‬‬


‫ل َيقْرَبُواْ ا ْل َم ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِ ّنمَا ا ْل ُمشْ ِركُونَ َنجَسٌ فَ َ‬
‫واختلفوا في اجتياز الكافر مكّة بصفة مؤقّتةٍ فذهب بعضهم إلى منعه مطلقا وأجازه آخرون‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حرم ف‬
‫بيع دور مكّة وكراؤها ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم بيع رباع مكّة وكرائها ‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫فذهب بعضهم إلى أنّه ل يجوز ذلك لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مكّة حرام ‪ ,‬حرّمها‬
‫اللّه ول تحل بيع رباعها ول إجارة بيوتها » ‪.‬‬
‫وذهب غيرهم إلى جواز بيع دور مكّة وإجارتها لنّها على ملك أربابها ‪.‬‬
‫‪ ,‬ورباع ف ‪. ) 5‬‬ ‫‪17‬‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حرم ف‬
‫سيّئات بمكّة ‪:‬‬
‫تضاعف ال ّ‬
‫‪ -‬ذهب جماعة من العلماء إلى أنّ السّيّئات تضاعف بمكّة كما تضاعف الحسنات ‪,‬‬ ‫‪8‬‬

‫وممّن قال ذلك ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وأحمد بن حنبلٍ ومجاهد رضي اللّه عنهم ‪,‬‬
‫وغيرهم ‪ ,‬لتعظيم البلد ‪.‬‬
‫وسئل ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما عن مقامه بغير مكّة فقال ‪ :‬ما لي ولبلد تضاعف فيه‬
‫السّيّئات كما تضاعف الحسنات ‪.‬‬
‫فحمل ذلك منه على مضاعفة السّيّئات بالحرم ‪ ,‬ث ّم قيل ‪ :‬تضعيفها كمضاعفة الحسنات‬
‫بالحرم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل كخارجه ‪.‬‬
‫جزَى ِإلّ‬
‫ومن أخذ بالعمومات لم يحكم بالمضاعفة قال تعالى ‪َ { :‬ومَن جَاء بِالسّيّ َئةِ فَلَ ُي ْ‬
‫مِثْ َلهَا } ‪.‬‬
‫وقال النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من ه ّم بسيّئة فلم يعملها كتبها اللّه عنده حسنةً كاملةً‬
‫‪ ,‬فإن هو ه ّم بها فعملها كتبها اللّه له سيّئ ًة واحدةً » ‪.‬‬
‫ي إيّاك والمعصية فإن عصيت ول بدّ ‪ ,‬فلتكن في مواضع‬
‫وقال بعض السّلف لبنه ‪ :‬يا بن ّ‬
‫الفجور ‪ ,‬ل في مواضع الجور ‪ ,‬لئل يضاعف عليك الوزر ‪ ,‬أو تعجّل العقوبة ‪.‬‬
‫وحرّر بعض المتأخّرين النّزاع في هذه المسألة فقال ‪ :‬القائل بالمضاعفة أراد مضاعفة‬
‫ن السّيّئة جزاؤها سيّئة ‪ ,‬لكن السّيّئات تتفاوت ‪,‬‬
‫مقدارها أي غلظها ل كمّيّتها في العدد ‪ ,‬فإ ّ‬
‫فالسّيّئة في حرم اللّه وبلده على بساطٍ أكبر وأعظم منها في طرفٍ من أطراف البلد ‪,‬‬
‫ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في موض ٍع بعيدٍ عنه ‪.‬‬
‫ويعاقب على الهمّ فيها بالسّيّئات ‪ ,‬وإن لم يفعلها ‪ ،‬قال تعالى ‪َ { :‬ومَن يُرِدْ فِي ِه بِإِ ْلحَادٍ ِبظُ ْلمٍ‬
‫ن عَذَابٍ أَلِيمٍ } ‪ ،‬ولهذا عدّي فعل الرادة بالباء ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬أردت بكذا ‪ ,‬لمّا ضمّنه‬
‫نُ ِذ ْقهُ مِ ْ‬
‫معنى يهم ‪ ,‬فإنّه يقال ‪ :‬هممت بكذا ‪ .‬وهذا مستثنىً من قاعدة الهمّ بالسّيّئة وعدم فعلها ‪.‬‬
‫كل ذلك تعظيما لحرمته ‪ ,‬وكذلك فعل اللّه سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل ‪ ،‬أهلكهم قبل‬
‫الوصول إلى بيته ‪.‬‬
‫ل همّ أن يقتل في الحرم أذاقه اللّه من العذاب الليم ثمّ قرأ‬
‫وقال أحمد بن حنبلٍ ‪ :‬لو أنّ رج ً‬
‫الية ‪.‬‬
‫وقال ابن مسعودٍ ‪ :‬ما من بلدٍ يؤاخذ العبد فيه بالهمّ قبل الفعل إل مكّة وتل هذه الية ‪.‬‬

‫مُ َكلّف *‬
‫انظر ‪ :‬تكليف ‪.‬‬

‫مُكُوس *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬المكوس ‪ :‬جمع مكسٍ ‪ ،‬وأصل المكس ‪ -‬في اللغة ‪ :‬النّقص والظلم ‪ ,‬ودراهم كانت‬ ‫‪1‬‬

‫تؤخذ من بائعي السّلع في السواق في الجاهليّة ‪ ,‬أو درهم كان يأخذه المصدّق بعد فراغه‬
‫من الصّدقة ‪.‬‬
‫ويطلق المكس ‪ -‬كذلك ‪ -‬على الضّريبة يأخذها المكّاس ممّن يدخل البلد من التجّار ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين ‪ :‬المكس ما يأخذه العشّار ‪.‬‬
‫والماكس ‪ :‬هو الّذي يأخذ من أموال النّاس شيئا مرتّبا في الغالب ‪ ,‬ويقال له العشّار لنّه‬
‫يأخذ العشور في كثيرٍ من البلد ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العشور ‪:‬‬
‫‪ -‬العشور ‪ :‬جمع عشرٍ ‪ ,‬وهو لغةً الجزء من عشرة أجزاء ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح يطلق على معنيين ‪:‬‬


‫الوّل ‪ :‬عشر التّجارات والبياعات ‪.‬‬
‫والخر ‪ :‬عشر الصّدقات أو زكاة الخارج من الرض ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الجباية ‪:‬‬
‫‪ -‬الجباية في اللغة ‪ :‬الجمع يقال جبا المال والخراج ‪ :‬جمعه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫والجباية في الصطلح ‪ :‬جمع الخراج والمال ‪.‬‬


‫ن الجباية تشمل جمع المال من زكاةٍ‬
‫ن الجباية أعم ل ّ‬
‫والصّلة بين المكوس والجباية هي أ ّ‬
‫أو صدقاتٍ أو غير ذلك ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الضّرائب ‪:‬‬
‫‪ -‬الضّرائب جمع ضريب ٍة ‪ ,‬وهي الّتي تؤخذ في الرصاد والجزية ونحوها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وهي أيضا ‪ :‬ما يأخذه الماكس ‪.‬‬


‫ن الضّريبة أعم ‪.‬‬
‫والصّلة بينهما أ ّ‬
‫‪ -‬الخراج ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الخراج هو ‪ :‬ما يحصل من غلّة الرض ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ق تؤدّى‬
‫أمّا في الصطلح فهو كما قال الماورديّ ما وضع على رقاب الرضين من حقو ٍ‬
‫عنها ‪.‬‬
‫ن كلً منهما يوضع في بيت المال للنفاق على مصالح‬
‫والصّلة بين الخراج والمكوس أ ّ‬
‫المسلمين ‪ ,‬ويفترقان في أنّ الخراج يوضع على رقاب الرض ‪ ,‬أمّا المكس فيوضع على‬
‫السّلع المعدّة للتّجارة ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬
‫‪ -‬من المكوس ما هو مذموم ومنهي عنه ومنها ما هو غير ذلك ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫فالمكوس المذمومة والمنهي عنها هي غير نصف العشر الّذي فرضه عمر رضي اللّه عنه‬
‫على تجارة أهل ال ّذمّة ‪ ,‬وكذلك هي غير العشر الّذي ضربه على أموال أهل الحرب بمحضر‬
‫من الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم ولم ينكره عليه أحد منهم فكان إجماعا سكوتيا ‪.‬‬
‫وقد وردت في المكوس المذمومة والمنهيّ عنها ‪ -‬وهي غير ما سبق ذكره ‪ -‬نصوص‬
‫تحرّمها وتغلّظ أمرها منها ما روي عن عقبة بن عامرٍ رضي اللّه عنه أنّه سمع رسول‬
‫س»‪.‬‬
‫اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ‪ « :‬ل يدخل الجنّة صاحب مك ٍ‬
‫قال البغويّ ‪ :‬يريد بصاحب المكس الّذي يأخذ من التجّار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر‬
‫أي الزّكاة ‪ ,‬وقال الحافظ المنذري ‪ :‬أمّا الن فإنّهم يأخذون مكسا باسم العشر ‪ ,‬ومكسا‬
‫آخر ليس له اسم ‪ ,‬بل شيء يأخذونه حراما وسحتا ‪ ,‬ويأكلونه في بطونهم نارا ‪ ,‬حجّتهم‬
‫فيه داحضة عند ربّهم ‪ ,‬وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالمكوس ‪:‬‬
‫احتساب المكس من الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز احتساب المدفوع مكسا من الزّكاة ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫وذهب آخرون إلى جواز احتسابه من الزّكاة ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪132‬‬ ‫وللتّفصيل ‪ ( :‬ر ‪ :‬زكاة ف‬
‫أخذ الفقراء للمكوس ‪:‬‬
‫‪ -‬المكوس بمعنى المال المأخوذ من صاحبه ظلما ‪ ,‬نصّ الرّحيباني على حكمه بقوله ‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫ن المال الحرام الّذي جهل أربابه وصار مرجعه لبيت المال كالمكوس والغصوب‬
‫يتّجه أ ّ‬
‫والخيانات والسّرقات المجهول أربابها يجوز للفقراء أخذها صدقةً ‪ ,‬ويجوز أخذها لهم‬
‫ولغيرهم هبةً وشراءً ووفاءً عن أجر ٍة سيّما إن أعطاها الغاصب لمن ل يعلم حالها كأن‬
‫قبضه لها بحقّ لنّ اللّه لم يكلّفه ما لم يعلم ‪ ,‬قاله الشّيخ تقي الدّين وهو متّجه ‪ ,‬وعقّب‬
‫ن المكوس إذا أقطعها‬
‫شطّي على الرّحيبانيّ بتعقيب جاء فيه ‪ :‬وقال الشّيخ تقي الدّين إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫المام الجند فهي حلل لهم إذا جهل مستحقها ‪ ,‬وكذا إذا رتّبها للفقراء وأهل العلم ‪.‬‬
‫أثر أخذ المكوس في سقوط وجوب الحجّ ‪:‬‬
‫‪ -‬عند الحنفيّة في اعتبار ما يؤخذ في طريق الحجّ من المكس والخفارة عذرا قولن ‪,‬‬ ‫‪4‬‬

‫والمعتمد عندهم عدم اعتباره عذرا ‪.‬‬


‫وعند المالكيّة يعتبر المن على المال في الحجّ فإن كان في الطّريق مكّاس يأخذ من المال‬
‫شيئا قليلً ول ينكث بعد أخذه لذلك القليل ففيه قولن أظهرهما عدم سقوط الحجّ ‪ ,‬والثّاني‬
‫سقوطه ‪.‬‬
‫قال في التّوضيح إن كان ما يأخذه المكّاس غير معيّنٍ أو معيّنا مجحفا سقط الوجوب وفي‬
‫غير المجحف قولن أظهرهما عدم السقوط وهو قول البهريّ واختاره ابن العربيّ وغيره‬
‫‪ .‬ولم يعبّر الشّافعيّة والحنابلة بالمكس أو المكّاس وإنّما عبّروا بالرّصديّ أو العدوّ الّذي‬
‫يطلب خفارةً ‪.‬‬
‫الشّهادة على المكوس ‪:‬‬
‫‪ -‬تجوز الشّهادة على المكوس لجل ردّ الحقوق إلى أربابها ‪ ،‬كما يجوز كتابتها حتّى ل‬ ‫‪10‬‬

‫يتكرّر أخذها ‪ :‬يقول أبو يوسف ‪ :‬حدّثني يحيى بن سعيدٍ عن زريق بن حبّان وكان على‬
‫ن عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه كتب إليه ‪ :‬أن انظر من مرّ‬
‫مكس مصر فذكر أ ّ‬
‫عليك من المسلمين فخذ ممّا ظهر من أموالهم العين ‪ ,‬وممّا ظهر من التّجارات من كلّ‬
‫أربعين دينارا دينارا وما نقص فبحساب ذلك حتّى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت تلك‬
‫الدّنانير فدعها ول تأخذ منها شيئا ‪ ,‬وإذا مرّ عليك أهل ال ّذمّة فخذ ممّا يديرون من‬
‫تجاراتهم من كلّ عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتّى تبلغ عشرة دنانير ثمّ‬
‫دعها فل تأخذ منها شيئا ‪ ,‬واكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول ‪.‬‬
‫معاملة من غالب أمواله حرام ‪:‬‬
‫‪ -‬سئل ابن تيميّة عن حكم معاملة من غالب أموالهم حرام مثل المكّاسين وأكلة الرّبا‬ ‫‪11‬‬

‫وأشباههم فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة أم ل ؟ فأجاب ‪ :‬إذا كان في أموالهم حلل‬
‫وحرام ففي معاملتهم شبهة ‪ ,‬ل يحكم بالتّحريم إل إذا عرف أنّه يعطيه ما يحرم إعطاؤه ‪,‬‬
‫ول يحكم بالتّحليل إل إذا عرف أنّه أعطاه من الحلل ‪ ,‬فإن كان الحلل هو الغلب قيل بحلّ‬
‫المعاملة ‪ ,‬وقيل بل هي محرّمة ‪.‬‬

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬نهاية الجزء الثامن والثلثين‬


‫******‬

You might also like