Professional Documents
Culture Documents
038
038
مصحف *
التّعريف :
-المُصحف بضمّ الميم ,ويجوز المِصحف بكسرها ,وهي لغه تميمٍ ,وهو لغةً :اسم 1
لكلّ مجموع ٍة من الصحف المكتوبة ضمّت بين دفّتين ,قال الزهري :وإنّما سمّي
صحِف ,أي جعل جامعا للصحف المكتوبة بين ال ّدفّتين .
المصحف مصحفا لنّه أُ ْ
والمصحف في الصطلح :اسم للمكتوب فيه كلم اللّه تعالى بين الدّفّتين .
ويصدق المصحف على ما كان حاويا للقرآن كلّه ,أو كان ممّا يسمى مصحفا عرفا ولو
ب :يشمل ما كان مصحفا جامعا
ب ,على ما صرّح به القليوبي ,وقال ابن حبي ٍ
ل كحز ٍ
قلي ً
أو جزءا أو ورقةً فيها بعض سورةٍ أو لوحا أو كتفا مكتوبةً .
اللفاظ ذات الصّلة :
القرآن :
-القرآن لغةً :القراءة ,قال اللّه تعالى { :فَإِذَا َق َرأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآ َنهُ } . 1
وهو في الصطلح :اسم لكلم اللّه تعالى المنزّل على رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم
المتعبّد بتلوته ,المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلً متواترا .
فالفرق بينه وبين المصحف :أنّ المصحف اسم للمكتوب من القرآن الكريم المجموع بين
الدّفّتين والجلد ,والقرآن اسم لكلم اللّه تعالى المكتوب فيه .
الحكام المتعلّقة بالمصحف :
تتعلّق بالمصحف أحكام منها :
لمس الجنب والحائض للمصحف :
س المصحف ,روي ذلك عن
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يم ّ 2
ابن عمر رضي اللّه عنهما ,والقاسم بن محمّ ٍد والحسن وقتادة وعطاءٍ والشّعبيّ ,قال
ابن قدامة :ول نعلم مخالفا في ذلك إل داود .
وسواء في ذلك الجنابة والحيض والنّفاس ,فل يجوز لحدٍ من أصحاب هذه الحداث أن
س المصحف حتّى يتطهّر ,إل ما يأتي استثناؤه .
يم ّ
سهُ إََِل ا ْل ُمطَهّرُونَ } .
واستدلوا بقوله تعالى { :ل َي َم ّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن حزمٍ رضي اللّه عنه إلى أهل اليمن ,
وبما في كتاب النّب ّ
وهو قوله « :ل يمس القرآن إل طاهر » ,وقال ابن عمر :قال النّبي صلّى اللّه عليه
وسلّم « :ل يمس القرآن إل طاهر » .
لمس المحدث حدثا أصغر للمصحف :
س المصحف ,وجعله
-ذهب عامّة الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يم ّ 4
ن كلّ شي ٍء لقى شيئا ,فقد مسّه إل الحكم وحمّادا ,فقد قال :يجوز مسه بظاهر اليد
,لّ
س اليد .
وبغير اليد من العضاء ,لنّ آلة الم ّ
وفي قو ٍل عند الحنفيّة :يمنع مسه بأعضاء الطّهارة ول يمنع مسه بغيرها ,ونقل في
ي أنّ المنع أصح .
الفتاوى الهنديّة عن الزّاهد ّ
مس جلد المصحف وما ل كتابة فيه من ورقه :
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يمتنع على 6
غير المتطهّر مس جلد المصحف المتّصل ,والحواشي الّتي ل كتابة فيها من أوراق
المصحف ,والبياض بين السطور ,وكذا ما فيه من صحائف خالي ٍة من الكتابة بالكلّيّة ,
وذلك لنّها تابعة للمكتوب وحريم له ,وحريم الشّيء تبع له ويأخذ حكمه .
وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك .
حمل غير المتطهّر للمصحف وتقليبه لوراقه وكتابته له :
-ذهب الحنفيّة والحنابلة ,وهو قول الحسن وعطا ٍء والشّعبيّ والقاسم والحكم وحمّادٍ , 7
إلى أنّه ل بأس أن يحمل الجنب أو المحدث المصحف بعلقة ,أو مع حائلٍ غير تابعٍ له ,
ن النّهي الوارد إنّما هو
لنّه ل يكون ماسا له فل يمنع منه كما لو حمله في متاعه ,ول ّ
س ول مسّ هنا ,قال الحنفيّة :فلو حمله بغلف غير مخيطٍ به ,أو في خريطةٍ -
عن الم ّ
وهي الكيس -أو نحو ذلك ,لم يكره .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والوزاعي ,وهو رواية خرّجها القاضي عن أحمد إلى أنّه ل
يجوز ذلك ,قال المالكيّة :ول يحمله غير الطّاهر ولو على وسادةٍ أو نحوها ,ككرسيّ
المصحف ,أو في غلفٍ أو بعلقة ,وكذا قال الشّافعيّة في الصحّ عندهم :ل يجوز له
ق فيهما مصحف ,أي إن أعدّا له ,ول يمتنع مس أو حمل
حمل ومس خريطةٍ أو صندو ٍ
ق أعدّ للمتعة وفيه مصحف .
صندو ٍ
ولو قلّب غير المتطهّر أوراق المصحف بعود في يده جاز عند كلّ من الحنفيّة والحنابلة ,
ولم يجز عند المالكيّة على الرّاجح ,وعند الشّافعيّة صحّح النّووي جواز ذلك لنّه ليس
س ول حملٍ ,قال :وبه قطع العراقيون من أصحاب الشّافعيّ .
بم ّ
وقال التّتائي من المالكيّة :ل يجب أن يكون الّذي يكتب القرآن على طهارةٍ لمشقّة
الوضوء كلّ ساعةٍ .
ونقل عن محمّد بن الحسن أنّه كره أن يكتب المصحف المحدث ولو من غير مسّ باليد ,
لنّه يكون ماسا بالقلم .
وفي تقليب القارئ غير المتطهّر أوراق المصحف بكمّه أو غيره من الثّياب الّتي هو لبسها
عند الحنفيّة اختلف .
قال ابن عابدين :والمنع أولى لنّ الملبوس تابع للبسه وهو قول الشّافعيّة .
ل أو نحوه من حائلٍ ليس تابعا للمصحف ول هو
وقال الحنفيّة :لو وضع على يده مندي ً
من ملبس الماسّ فل بأس به ,ومنعه المالكيّة والشّافعيّة ولو استخدم لذلك وسادةً أو
نحوها .على أنّه يباح لغير المتطهّر عند المانعين حمل المصحف ومسه للضّرورة ,قال
ق أو تنجسٍ أو خيف وقوعه في يد
الشّافعيّة :يجوز للمحدث حمله لخوف حرقٍ أو غر ٍ
كافرٍ أو خيف ضياعه أو سرقته ,ويجب عند إرادة حمله التّيمم أي حيث ل يجد الماء ,
وصرّح بمثل ذلك المالكيّة .
من يستثنى من تحريم مسّ المصحف على غير طهارةٍ :
أ -الصّغير :
-ذهب الحنفيّة وهو قول عند المالكيّة إلى أنّه يجوز للصّغير غير المتطهّر أن يمسّ 8
ل أو جزءا منه أو اللّوح الّذي كتب فيه القرآن ,قال بعضهم :
المصحف سواء كان كام ً
وليس ذلك للجنب ,لنّ رفع حدثه بيده ول يشق ,كالوضوء ,بخلف الحائض فإنّ رفع
ن المعتمد عندهم أنّ الجنب رجلً كان أو امرأةً ,صغيرا كان أو بالغا
حدثها ليس بيدها ,لك ّ
يجوز له المس والحمل حال التّعلم والتّعليم للمشقّة .
وسواء كانت الحاجة إلى المصحف للمطالعة ,أو كانت للتّذكر بنيّة الحفظ .
مس المحدث كتب التّفسير ونحوها ممّا فيه قرآن :
س المحدث كتب التّفسير ,فذهب بعضهم إلى حرمة ذلك ,
-اختلف الفقهاء في حكم م ّ 10
المصحف ,وبهذا صرّح الحنفيّة ففي الفتاوى الهنديّة وتنوير البصار :يكره عند أبي
حنيفة لغير المتطهّر مس المصحف ولو مكتوبا بالفارسيّة ,وكذا عند الصّاحبين على
الصّحيح .وعند الشّافعيّة مثل ذلك ,قال القليوبي :تجوز كتابة المصحف بغير العربيّة ل
س والحمل .
قراءته بها ,ولها حكم المصحف في الم ّ
أمّا ترجمة معاني القرآن باللغات العجميّة فليست قرآنا ,بل هي نوع من التّفسير على ما
صرّج به المالكيّة ,وعليه فل بأس أن يمسّها المحدث ,عند من ل يمنع مسّ المحدث
لكتب التّفسير .
صيانة المصحف عن التّصال بالنّجاسات :
-يحرم تنجيس المصحف ,فمن ألقى المصحف في النّجاسات أو القاذورات متعمّدا 12
س ,ومسها
مختارا يحكم بردّته ,قال الشّافعيّة :يحرم وضع أوراق المصحف على نج ٍ
س ولو عضوا من أعضائه ,ويجب غسل المصحف إن تنجّس ولو أدّى غسله
بشيء نج ٍ
إلى تلفه ,ولو كان لمحجور عليه ,ويحرم كتابته بشيء نجسٍ ,وصرّح بمثل ذلك
الحنابلة .وذكر الشّافعيّة والحنابلة أنّه يحرم مس المصحف بعضو نجسٍ قياسا على مسّه
مع الحدث ,أمّا إن كانت النّجاسة على عضوٍ ومسّه بعصو آخر طاهرٍ فل يحرم ,وذكر
الحنابلة أيضا أنّه يحرم كتابة القرآن بحيث يتنجّس ببول حيوانٍ أو نحو ذلك .
س.
ق نجسٍ أو بمداد نج ٍ
ويحرم كتابة المصحف في ور ٍ
دخول الخلء بمصحف :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يكره -ول يحرم -أن يدخل الخلء ومعه خاتم 13
عليه اسم اللّه تعالى أو شيء من القرآن تعظيما له ,قال القليوبي :هو مكروه وإن حرم
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم :
من حيث الحدث ,وهو ظاهر كلم الحنابلة ,لما ورد أ ّ
« كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه » ,قال في شرح المنتهى :وجزم بعضهم بتحريمه في
المصحف ,وقال صاحب النصاف :ل شكّ في تحريمه قطعا من غير حاجةٍ .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يحرم دخول الخلء سواء أكان كنيفا أو غيره بمصحف ,كاملٍ أو
بعض مصحفٍ ,قالوا :لكن إن دخله بما فيه بعض من اليات ل بال له -أي من حيث
الكثرة -فالحكم الكراهة ل التّحريم .
قالوا :وإن خاف ضياعه جاز أن يدخل به معه بشرط أن يكون في سات ٍر يمنع وصول
الرّائحة إليه ,ول يكفي وضعه في جيبه ,لنّه ظرف متّسع .
جعل المصحف في قبلة الصّلة :
-يكره عند المالكيّة والحنابلة جعل المصحف في قبلة المصلّي لنّه يلهيه ,قال أحمد : 14
المصحف فسدت صلته مطلقا ,أي قليلً كان ما قرأه أو كثيرا ,إماما كان أو منفردا ,
وكذا لو كان ممّن ل يمكنه القراءة إل منه لكونه غير حافظٍ .
ن حمل المصحف والنّظر فيه وتقليب الوراق
وقد اختلف الحنفيّة في تعليل قوله ,فقيل :ل ّ
عمل كثير ,وقيل :لنّه تلقّن من المصحف ,فصار كما إذا تلقّن من غيره ,وصحّح هذا
الوجه في الكافي تبعا لتصحيح السّرخسيّ ,وعليه فلو لم يكن قادرا على القراءة إل من
المصحف فصلّى بل قراءةٍ فإنّها تجزئه .
وذهب الصّاحبان إلى تجويز القراءة للمصلّي من المصحف مع الكراهة لما في ذلك من
التّشبه بأهل الكتاب .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يكره للمصلّي القراءة من المصحف في فرضٍ أو نفلٍ لكثرة الشّغل
ن كراهته عندهم في النّفل إن قرأ في أثنائه ,ول يكره إن قرأ في أوّله ,لنّه
بذلك ,لك ّ
يغتفر في النّفل ما ل يغتفر في الفرض ,قال ابن قدامة :ورويت الكراهية في ذلك عن ابن
المسيّب والحسن ومجاهدٍ والرّبيع .
وأجاز الحنابلة القراءة في المصحف في قيام رمضان إن لم يكن حافظا ,لما ورد عن
عائشة رضي اللّه عنها في مولىً لها اسمه ذكوان كان يؤمها من المصحف ,ويكره في
ن العادة أنّه ل يحتاج إليه فيه ,ويكره للحافظ حتّى في قيام
الفرض على الطلق ,ل ّ
رمضان ,لنّه يشغل عن الخشوع وعن النّظر إلى موضع السجود .
ف ولو قلّب أوراقه أحيانا لم تبطل صلته
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المصلّي لو قرأ في مصح ٍ
ن ذلك يسير أو غير متوالٍ ل يشعر بالعراض .
,لّ
أمّا في غير الصّلة فإنّ القراءة من المصحف مستحبّة لشتغال البصر بالعبادة ,وقد ذهب
ب ,لنّه يجمع
بعض الفقهاء إلى تفضيل القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قل ٍ
مع القراءة النّظر في المصحف ,وهو عبادة أخرى ,لكن قال النّووي :إن زاد خشوعه
ب فهو أفضل في حقّه .
وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قل ٍ
اتّباع رسم المصحف المام :
-ذهب جمهور فقهاء المّة إلى وجوب القتداء في رسم المصاحف برسم مصحف 16
واستحبوا تبيين الحروف وإيضاحها وتفخيمها ,والتّفريج بين السطور ,وتحقيق الخطّ
وكان ابن سيرين يكره أن تمدّ الباء من بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إلى الميم حتّى تكتب
السّين ,قال :لنّ في ذلك نقصا .
ونقلت :كراهة كتابة المصحف بخطّ دقيقٍ ,وتصغير حجم المصحف عن عمر بن الخطّاب
وعليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما .
ق أو شي ٍء نجسٍ .
س أو في ور ٍ
ويحرم أن يكتب المصحف بمداد نج ٍ
س وأبي ذرّ وأبي الدّرداء رضي اللّه عنهم أنّهم كرهوا
ونقل أبو عبي ٍد بسنده عن ابن عبّا ٍ
كتابته بالذّهب ,ونقل السيوطيّ عن الغزاليّ أنّه استحسن كتابته بالذّهب ,وأجاز البرزليّ
والعدويّ والجهوريّ من المالكيّة ذلك ,والمشهور عند المالكيّة كراهة ذلك لنّه يشغل
القارئ عن التّدبر .
إصلح ما قد يقع في كتابة بعض المصاحف من الخطأ :
ن إصلح ما قد يقع في بعض المصاحف من الخطأ
-ينص الحنفيّة والشّافعيّة على أ ّ 18
في كتابتها واجب ,وإن ترك إصلحه أثم ,حتّى لو كان المصحف ليس له بل كان عار ّيةً
عنده ,فعليه إصلحه ولو لم يعلم رضا صاحبه بذلك ,وقال ابن حج ٍر :ل يجوز ذلك إل
ب وإل فل .
برضا مالكه ,وقال القليوبي :محل الجواز إذا كان بخطّ مناس ٍ
النّقط والشّكل ونحو ذلك في المصاحف :
-نقل عن بعض السّلف من الصّحابة والتّابعين كراهة إدخال شيءٍ من النّقط ونحوه , 19
وأمروا بتجريد المصحف من ذلك ,فعن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه أنّه قال :جرّدوا
المصحف ول تخلطوه بشيء ,وكره النّخعيّ نقط المصاحف ,وكره ابن سيرين النّقط
والفواتح والخواتم .
ل كانت بصورة
ن الباء والتّاء والثاء مث ً
وكان المصحف العثماني خاليا من النّقط حتّى إ ّ
واحدةٍ ل تتميّز في الكتابة ,وإنّما يعرفها القارئ بالمعنى .
والنّقط كان أ ّولً لبيان إعراب الحروف ,أي حركاتها ,وهو الّذي عمله أبو السود الدؤليّ
,ثمّ استعملت علمات الشّكل الّتي اخترعها الخليل بن أحمد ,واستخدم النّقط لتمييز
الحروف المتشابهة بعضها عن بعضٍ كالباء والتّاء والثّاء .
وورد عن بعض التّابعين وتابعيهم التّرخيص في ذلك ,قال ربيعة بن أبي عبد الرّحمن :ل
بأس بشكله ،وقال مالك :ل بأس بالنّقط في المصاحف الّتي تتعلّم فيها العلماء ,أمّا
المّهات فل .
شكِل .
شكَل إل ما ُي ْ
وقال ابن مجاهدٍ والدّانيّ :ل ُي ْ
وقال النّووي :نقط المصحف وشكله مستحب لنّه صيانة له من اللّحن والتّحريف ,قال :
ي النّقط فإنّما كرهاه في ذلك الزّمان خوفا من التّغيير فيه ,وقد
وأمّا كراهة الشّعبيّ والنّخع ّ
أمن من ذلك اليوم فل منع .
وعلى هذا استق ّر العمل منذ أمدٍ طويلٍ في المصاحف ,وأمّا في غيرها فالعمل على قول
ابن مجاهدٍ والدّانيّ .
التّعشير والتّحزيب والعلمات الخرى في المصاحف :
ت ,والتّخميس :أن يجعل علمةً
-التّعشير :أن يجعل علمةً عند انتهاء كلّ عشر آيا ٍ 20
عند انتهاء كلّ خمسٍ ,والتّحزيب أن يجعل علمةً عند مبتدأ كلّ حزبٍ .
ومن أوّل العلمات الّتي أدخلت في المصاحف جعل ثلث نقاطٍ عند رءوس الي ,قال
يحيى ابن كثيرٍ :ما كانوا يعرفون شيئا ممّا أحدث في المصاحف إل النقط الثّلث عند
رءوس الي ,وقال غيره :أوّل ما أحدثوا النقط عند آخر الي ,ثمّ الفواتح والخواتم ,
أي فواتح السور وخواتمها ,وقد أنكره بعض السّلف ( انظر :تعشير ف , ) 3ورخّص
فيه غيرهم واستقرّ العمل على إدخال تلك العلمات لنفعها لقرّاء القرآن ,وأدخلت أيضا
علمات السّجدات والوقوف وأسماء السور وعدد الجزاء وعدد اليات وغير ذلك ,لكن
بوضع يميّزها عمّا هو كلم اللّه تعالى .
أخذ الجر على كتابة المصحف :
-اختلف النّقل عن السّلف في أخذ الجرة على كتابة المصحف ,فقد أخرج ابن أبي 21
داود في كتاب المصاحف عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه كره أخذ الجرة على كتابة
المصاحف ,ومثله عن أيوب السّختيانيّ ومحمّد بن سيرين .
وأخرج عن سعيد بن جبيرٍ وابن المسيّب والحسن أنّهم قالوا :ل بأس بذلك .
وإلى هذا الخير ذهب الحنفيّة ,ففي الفتاوى الهنديّة :لو استأجر رجلً ليكتب له مصحفا
وبيّن الخطّ جاز .
تحلية المصاحف :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز تحلية المصاحف بالذّهب والفضّة سواء كانت 22
للرّجال أو النّساء لما في ذلك من تعظيم القرآن ,لكن قال المالكيّة :إنّ الّذي يجوز تحليته
ج ل كتابته بالذّهب ,وأجازه بعضهم ,وأجازوا أيضا كتابته في الحرير
جلده من خار ٍ
وتحليته به .
وذهب الشّافعيّة في المعتمد عندهم إلى جواز تحلية المصحف بالفضّة مطلقا ,وبالذّهب
للنّساء والصّبيان ,وتحريمه بالذّهب في مصاحف الرّجال .
وذهب الحنابلة إلى كراهة تحليته بشيء من النّقدين ,وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة .
وذهب الشّافعيّة في قولٍ إلى تحريم تحلية القرآن بالذّهب ,وقال ابن الزّاغونيّ من الحنابلة
ضةٍ .
:يحرم سواء حله بذهب أو ف ّ
بيع المصحف وشراؤه :
-اختلف العلماء سلفا وخلفا في بيع المصاحف وشرائها ,فذهب البعض إلى كراهة 23
بيعها وشرائها تعظيما لها وتكريما ,لما في تداولها بالبيع والشّراء من البتذال ,وهو
قول المالكيّة وقول للشّافعيّة ,ورويت كراهية بيعها عن ابن عمر وابن عبّاسٍ رضي اللّه
ي ,قال ابن عمر :وددت أنّ اليدي تقطع في بيعها
عنهم وسعيد بن جبي ٍر وإسحاق والنّخع ّ
,وورد عن عبد اللّه بن شقيقٍ أنّه قال :كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
يشدّدون في بيع المصاحف .
وذهب بعض السّلف إلى إجازة بيعها ,منهم محمّد بن الحنفيّة ,والحسن ,وعكرمة ,
والشّعبي ,لنّ البيع يقع على الورق والجلد وبدل عمل يد الكاتب ,وبيع ذلك مباح ,قال
الشّعبي :ل بأس ببيع المصحف ,إنّما يبيع الورق وعمل يديه .
ص الشّافعيّ -والحنابلة في معتمدهم بين البيع
وفرّق الشّافعيّة في الصحّ -ونقلوه عن ن ّ
والشّراء ,فكرهوا البيع -وفي روايةٍ عند الحنابلة يحرم ويصح -وأجازوا الشّراء
والستبدال ,وروي عن ابن عبّاسٍ قال :اشتر المصاحف ول تبعها ,ووجه ذلك أنّ في
البيع ابتذالً بخلف الشّراء ,ففيه استنقاذ المصحف وبذل للمال في سبيل اقتنائه وذلك
إكرام ,قالوا :ول يلزم من كراهة البيع كراهة الشّراء ,كشراء دور مكّة ورباعها ,
وشراء أرض السّواد ,ل يكره ,ويكره للبائع .
إجارة المصحف :
-ذهب الحنفيّة والحنابلة وابن حبيبٍ من المالكيّة إلى عدم جواز إجارة المصحف . 24
أمّا الحنفيّة فعلّة المنع عندهم أنّه ليس في القراءة في المصحف أكثر من النّظر إليه ,ول
تجوز الجارة لمثل ذلك ,كما ل يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى ما فيه من النقوش أو
التّصاوير ,أو يستأجر كرما لينظر فيه للستئناس من غير أن يدخله ,ومن أجل ذلك ل
تجوز عندهم أيضا إجارة سائر الكتب .
وأمّا الحنابلة في الوجه المعتمد عندهم فقد بنوا تحريم إجارته على تحريم بيعه ,قالوا :
ولما في إجارته من البتذال له .
وأمّا ابن حبيبٍ فقد منع إجارته على الرّغم من أنّه يرى جواز بيعه ,لنّ الجرة تكون
كالثّمن للقرآن ,أمّا بيعه فهو ثمن للورق والجلد والخطّ .
وذهب المالكيّة إلى جواز إجارة المصحف للقراءة فيه ,قالوا :ما لم يقصد بإجارته
التّجارة ,وإل كرهت .
ووجه الجواز عندهم أنّه نفع مباح تجوز العارة فيه ,فجازت فيه الجارة كسائر الكتب
الّتي يجوز بيعها .
رهن المصحف :
ن ما جاز بيعه جاز رهنه ,وما ل يجوز بيعه ل يجوز رهنه ,ولذا يصح
-القاعدة :أ ّ 25
رهن المصحف عند كلّ من جوّز بيعه ,لنّه يمكن بيعه واستيفاء الدّين من ثمنه ,وأمّا
من لم يجوّز بيعه فل يجوز عنده رهنه لعدم الفائدة في ذلك ,وهو المعتمد عند الحنابلة
ص عليه أحمد .
ن ّ
وقف المصحف :
-يجوز وقف المصاحف للقراءة فيها عند محمّد بن الحسن ,استثنا ًء من عدم جواز 26
وقف المنقولت لجريان التّعارف بوقف المصاحف ,وإلى قوله هذا ذهب عامّة مشايخ
الحنفيّة وعليه الفتوى عندهم ,وهو مقتضى قول غيرهم بجواز وقف المنقولت .
وذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز وقفها كسائر المنقولت غير آلت الجهاد .
صةً ,نصّ عليه
ثمّ إن وقفه على مسجدٍ معيّنٍ يجوز ,ويقرأ به في هذا المسجد خا ّ
الحنفيّة ,وفي قولٍ عندهم :ل يكون مقصورا على هذا المسجد بعينه .
إرث المصحف :
-يورث المصحف على القول المفتى به عند الحنفيّة وهو مقتضى قواعد غيرهم من 27
فاسد ,واحتجّ الفقهاء لذلك بحديث ابن عمر « :نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن
يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » .
والشّافعيّة يرون حرمة بيع المصحف للكافر ,لكن إن باعه له ففي صحّة البيع عندهم
وجهان :
أظهرهما :ل يصح البيع ,والثّاني :يصح ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه .
ح لنّ الملك له يقع ,ولو
قال القليوبي :ولو وكّل الكافر مسلما بشراء مصحفٍ لم يص ّ
وكّل المسلم كافرا بالشّراء صحّ لنّه يقع للمسلم ,وكذا لو قارض مسلم كافرا فاشترى
الكافر مصحفا للقراض صحّ ,لنّه للقراض ,ول ملك للمضارب فيه .
ول تصح هبة الكافر مصحفا ول الوصيّة له به .
ول يصح وقف المصحف على كافرٍ .
ويحرم أن يعطي كافرا مصحفا عار ّيةً ليقرأ فيه ويردّه ,ول تصح العارة ,وقال الرّملي :
تصح العارة فيه مع الحرمة .
مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها :
س المصحف ,كما يمنع منه المسلم الجنب ,بل الكافر أولى
-يمنع الكافر من م ّ 30
بالمنع ,ويمنع منه مطلقا ,أي سواء اغتسل أو لم يغتسل ,وفي الفتاوى الهنديّة :أنّ أبا
حنيفة قال :إن اغتسل جاز أن يمسّه ,وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع
مطلقا .
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف ,ومن ذلك ما قال القليوبي :يمنع الكافر من
تجليد المصحف وتذهيبه ,لكن قال البهوتيّ :يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسّ
أو حملٍ .
السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ :
-ل يجوز أن يخرج المسلم بالمصحف إلى بلد العد ّو الكافر ,سواء كان في جها ٍد أو 31
غيره ,لئل يقع في أيديهم فيهينوه أو يمسوه وهم على كفرهم ,وإلى هذا ذهب الحنفيّة
والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ,لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما مرفوعا « :ل تسافروا
بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » .
قال ابن عبد البرّ من المالكيّة :أجمع الفقهاء أن ل يسافر بالمصحف في السّرايا والعسكر
الضّعيف المخوف عليه .
أمّا إن كان يؤمن على المصحف في ذلك السّفر من نيل العدوّ له فقد اختلف الفقهاء في
ذلك ,فأجاز الحنفيّة السّفر به ,وذكروا من ذلك صورتين :
ش كبيرٍ يؤمن عليه فل كراهة حينئذٍ .
الولى :أن يكون الخارج به في جي ٍ
الثّانية :إذا دخل إليهم مسلم بأمان ,وكانوا يوفون بالعهد ,جاز أن يحمل المصحف معه
ن ,لنّه قد يسقط منهم ول
ص الحديث ولو في جيشٍ آم ٍ
.وقال المالكيّة :يحرم أيضا لن ّ
ن العد ّو طلب أن
يشعرون به فيأخذه العدو فتناله الهانة ,وقال المالكيّة أيضا :ولو أ ّ
يرسل إليهم مصحف ليتدبّروه ,حرم إرساله إليهم خشية إهانتهم له ,فلو أرسل إليهم
كتاب فيه آية أو نحوها لم يحرم ذلك ,وقد أرسل النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل
سوَاء بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ َأ ّل َنعْبُدَ ِإلّ
كتابا في ضمنه الية ُ { :قلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَا َل ْواْ إِلَى كَ َل َمةٍ َ
الّل َه َولَ ُنشْ ِركَ ِب ِه شَيْئا } الية .
استثناء المصحف من جزاء الغالّ بحرق متاعه :
-إن غ ّل أحد الغانمين في الجهاد شيئا من الغنيمة فقد ذهب الوزاعي والحنابلة 32
-خلفا للجمهور -إلى أنّه يحرق متاعه ,لكن ل يحرق المصحف ,لما روى صالح بن
محمّد بن زائدة ,قال :دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ,فأتي برجل قد غلّ ,
فسأل سالما عنه فقال :سمعت أبي يحدّث عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن النّبيّ
صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه » ,قال :
فوجدنا في متاعه مصحفا ,فسأل سالما عنه فقال :بعه وتصدّق بثمنه .
الرّدّة بإهانة المصحف :
-إذا أهان المسلم مصحفا متعمّدا مختارا يكون مرتدا ويقام عليه حد الرّدّة . 33
وقد اتّفق الفقهاء على ذلك ,فمن صور ذلك ما قال الحنفيّة :لو وطئ برجله المصحف
استخفافا وإهان ًة يكون كافرا ,وكذا من أمر بوطئه يكون كافرا .
ولو ألقى مصحفا في قاذور ٍة متعمّدا قاصدا الهانة فقد ارت ّد عند الجميع ,قال الشّافعيّة :
وكذا لو مسّه بالقاذورة ولو كانت طاهر ًة كالبصاق والمخاط .
فإن كان ذلك عن سهوٍ أو غفل ٍة أو في نومٍ لم يكفر .
وكذا إن كان مكرها أو مضطرا ففعله ل يكفر .
الحلف بالمصحف :
ن الحلف بالمصحف ليس بيمين لنّه الورق والجلد وليس صفةً للّه
-يرى الحنفيّة أ ّ 34
تعالى ول اسما له ,وقد قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم « :من كان حالفا فل يحلف إل
باللّه » .
وعلى هذا لو حلف به ل تنعقد يمينه وليس فيها كفّارة إن لم يف ,وقال ابن عابدين :إن
تعارف النّاس الحلف بالمصحف ورغب العوام في الحلف به لم يكن يمينا أيضا ,وإل لكان
ي والكعبة يمينا لنّه متعارف ,وكذا بحياة رأسك ونحوه ,ولم يقل بذلك أحد ,
الحلف بالنّب ّ
قال ابن عابدين :لكن لو أقسم بما في هذا المصحف من كلم اللّه تعالى يكون يمينا .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحلف بالمصحف يمين .
قال النّووي في الرّوضة :يندب وضع المصحف في حجر الحالف به وأن يقرأ عليه { :إِنّ
ن ِب َعهْدِ الّلهِ َوأَ ْيمَا ِن ِهمْ َثمَنًا قَلِيلً } .
ن َيشْتَرُو َ
الّذِي َ
ن الحالف بالمصحف إنّما قصد الحلف
وقال ابن قدامة :ولم يكره ذلك إمامنا وإسحاق ل ّ
بالمكتوب فيه وهو كلم اللّه تعالى ,ونقل عن قتادة أنّه كان يحلف بالمصحف .
آداب تناول المصحف وتكريمه وحفظه :
-اختلف العلماء في تقبيل المصحف فقيل :هو جائز ,وقيل :يستحب تقبيله تكريما 35
). 17 له ,وقيل :هو بدعة لم تعهد عن السّلف ,وانظر ( :تقبيل ف
وأمّا القيام للمصحف فقال النّووي وصوّبه السيوطيّ :يستحب القيام للمصحف إذا قدم به
ن القيام مستحب للفضلء من العلماء
عليه ,لما فيه من التّعظيم وعدم التّهاون به ,ول ّ
والخيار ,فالمصحف أولى ,وقال الشّيخ عز الدّين بن عبد السّلم :هو بدعة لم تعهد في
الصّدر الوّل .
وذكر العلماء أنواعا من تكريم المصحف :
فمن ذلك تطييبه ,وجعله على كرسيّ لئل يوضع بالرض ,وإن كان معه كتب أخرى
يوضع فوقها ول يوضع تحت شيءٍ منها .
ن ذلك ابتذال له ,
وأمّا توسد المصحف فقال الشّافعيّة والحنابلة :يحرم توسد المصحف ل ّ
وأضاف الشّافعيّة :ولو خاف سرقته أي فالحكم كذلك .
وقال الحنفيّة :يكره وضع المصحف تحت رأسه إل لحفظه من سارقٍ وغيره .
وأمّا مد رجليه إلى جهة المصحف فقال الحنفيّة -كما ذكر ابن عابدين -يكره تحريما مد
ي عمدا ومن غير عذرٍ .
رجليه أو رج ٍل واحدةٍ ,سواء كان من البالغ أو الصّب ّ
وفي الفتاوى الهنديّة :مد الرّجلين إلى جانب المصحف إن لم يكن بحذائه ل يكره ,وكذلك
لو كان المصحف معلّقا في الوتد .
وقال الشّافعيّة :يجوز مد رجله إلى جهة المصحف ل بقصد الهانة في ذلك .
وقال الحنابلة :يكره مد الرّجلين إلى جهة المصحف .
ما يصنع بالمصحف إذا بلي :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّ المصحف إذا بلي وصار بحال ل يقرأ فيه يجعل في خرقةٍ 36
ُمصَدّق *
التّعريف :
-المصدّق بتخفيف الصّاد وتشديد الدّال في اللغة :آخذ الصّدقات من جهة المام ,أي 1
يقبضها .
س للسّاعي
وفي الصطلح قال البركتيّ وعزاه للبحر :المصدّق بتخفيف الصّاد :اسم جن ٍ
والعاشر .
الحكم الجمالي :
-يجب على المام أن يرسل المصدّقين لقبض الزّكاة وتفريقها على الصناف ,لنّ 2
ي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يبعث السعاة والجباة إلى أصحاب الموال وكذلك كان
النّب ّ
الخلفاء الرّاشدون رضي اللّه عنهم من بعده يبعثون مصدّقين لذلك .
شروط المصدّق إذا كان عامّ الولية فيها :
-يشترط أن يكون المصدّق مسلما ,حرا ,عادلً ,عالما بأحكام الزّكاة . 3
هذا إذا كان عامّ الولية في الصّدقة :جمعها وتفريقها على مستحقّيها ,فيعمل على رأيه
ص له على
واجتهاده ل اجتهاد المام ,فيما اختلف فيه الفقهاء ,ول يجوز للمام أن ين ّ
قدر ما يأخذه .
وإن كان المصدّق من عمّال التّنفيذ عمل فيما اختلف الفقهاء فيه على اجتهاد المام دون
ص له على القدر المأخوذ ,
أرباب الموال ,وليس له أن يجتهد ,ولزم على المام أن ين ّ
ويكون رسولً من المام منفّذا لجتهاده .
وما بعدها ) . 6 ،وعامل ف 144 والتّفصيل في مصطلحي ( :زكاة ف
ِمصْر *
التّعريف :
-المصر في اللغة :المدينة والصقع ,والحاجز ,والحد بين شيئين أو الحد بين 1
الرضين ,قال الجوهري :مصر :هي المدينة المعروفة والمصر :واحد المصار ,
والمصر :الكورة والجمع أمصار ,ومصّروا الموضع :جعلوه مصرا .
والمصر اصطلحا :بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ورساتيق وفيها والٍ يقدر على إنصاف
المظلوم من الظّالم والنّاس يرجعون إليه في الحوادث .
ما يلحق بالمصر من فناءٍ وتوابع :
-المراد بالفناء :المكان أو الموضع المعد لمصالح البلد كربض الدّوابّ ودفن الموتى 2
والجمع قرىً ,والقرية الضّيعة ,كما تطلق على المساكن والبنية والضّياع .
والقرية اصطلحا :عرّفها الكاساني :بأنّها البلدة العظيمة لنّها اسم لما اجتمع فيها من
البيوت .
وعرفها القليوبيّ :بأنّها العمارة المجتمعة الّتي ليس فيها حاكم شرعي ول شرطي ول
أسواق للمعاملة .
والمصر أعظم من القرية .
ب -البلد :
-البلد في اللغة يذكّر ويؤنّث والجمع بلدان ,والبلدة البلد جمعها بلد ,والبلد :اسم 4
للمكان المختطّ المحدود المستأنس باجتماع قطّانه وإقامتهم فيه ,ويستوطن فيه جماعات ,
ويسمى المكان الواسع من الرض بلدا .
ي أو شرطي أو أسواق للمعاملة
ي :ما فيه حاكم شرع ّ
والبلد اصطلحا :كما عرّفه القليوب ّ
,وإن جمعت الكلّ فمصر ومدينة وإن خلت عن الكلّ فقرية .
والمصر أكبر من البلد .
الحكام المتعلّقة بالمصر :
أ -حكم الذان في المصر :
-ذهب المالكيّة والحنابلة في الصّحيح عنهم إلى أنّ الذان فرض كفايةٍ في المصر . 5
قال ابن قدامة :فأمّا غير أهل المصر ممّن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه
الجمعة ,وإن كان أبعد فل جمعة عليه ,روي هذا عن سعيد بن المسيّب واللّيث وإسحاق
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال :
,لما روي عن عبد اللّه بن عمرٍو رضي اللّه عنهما أ ّ
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال للعمى الّذي قال
« الجمعة على من سمع النّداء » ,ول ّ
ليس لي قائد يقودني « :أتسمع النّداء ؟ قال :نعم ،قال :فأجب » ,ولنّ من سمع
النّداء داخل في عموم قول اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصََّل ِة مِن َي ْومِ
س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ } .
ج ُم َعةِ فَا ْ
ا ْل ُ
وهذا يتناول غير أهل المصر إذا سمعوا النّداء ,ولنّ غير أهل المصر يسمعون النّداء
وهم من أهل الجمعة ,فلزمهم السّعي إليها كأهل المصر .
وروي عن ابن عمر وأبي هريرة وأنسٍ رضي اللّه عنهم وناف ٍع وعكرمة والحكم وعطاءٍ
ي أنّهم قالوا :الجمعة على من آواه اللّيل إلى أهله ,وهو من حديث أبي هريرة
والوزاع ّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم .
عن النّب ّ
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه ل جمعة على من كان خارج المصر ,لنّ عثمان
رضي اللّه عنه صلّى العيد في يوم جمعةٍ ثمّ قال لهل العوالي :من أراد منكم أن ينصرف
فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتّى يصلّي الجمعة فليقم ,ولنّه خارج المصر فأشبه الحلّ .
د -إقامة الجمعة في مصرٍ واحدٍ في موضعين :
-ذهب الجمهور إلى منع تعدد الجمعة في أعمّ الحوال على اختلفٍ يسي ٍر بينهم في 8
-وهو أوّل وقت صلة الجمعة -من المصر الّذي هو فيه إذا كان ممّن تجب عليه وعلم
أنّه ل يدرك أداءها في مصرٍ آخر ,فإن فعل ذلك فهو آثم على الرّاجح ما لم يتضرّر
بتخلفه عن رفقته .
). 19 وأمّا قبل الزّوال فقد اختلف فيه الفقهاء ,والتّفصيل في مصطلح ( :سفر ف
صرّاة *
ُم َ
انظر :تصرية .
مَصْلَحة *
انظر :استصلح .
ُمصًلّى *
التّعريف :
-المصلّى لغةً :موضع الصّلة أو الدعاء ,قال تعالى { :وَا ّتخِذُو ْا مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ 1
وهو الموضع الّذي يسجد للّه فيه ,وقال ال ّزجّاج :كل موضعٍ يتعبّد فيه فهو مسجد .
والمسجد في الصطلح كما قال البركتيّ :الرض الّتي جعلها المالك مسجدا ,بقوله :
جعلته مسجدا وأفرز طريقه وأذّن بالصّلة فيه .
ن المصلّى أخص من المسجد .
والصّلة بين المصلّى والمسجد أ ّ
الحكام المتعلّقة بالمصلّى :
تتعلّق بالمصلّى أحكام منها :
أ -صلة العيدين في المصلّى :
ن الخروج لصلة العيدين في المصلّى سنّة .
-ذهب الحنفيّة في الصّحيح والحنابلة إلى أ ّ 3
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم « :كان يخرج يوم الفطر والضحى إلى
واستدلوا بأ ّ
المصلّى » ,وكذلك الخلفاء بعده ,ول يترك النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم الفضل مع قربه
ويتكلّف فعل النّاقص مع بعده ,ول يشرع لمّته ترك الفضائل ,ولنّنا أمرنا باتّباع النّبيّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه صلّى
صلّى اللّه عليه وسلّم والقتداء به ,ولم ينقل عن النّب ّ
ن النّاس في كلّ عص ٍر ومصرٍ
ن هذا إجماع المسلمين ,فإ ّ
العيد بمسجده إل من عذرٍ ,ول ّ
يخرجون إلى المصلّى فيصلون العيد في المصلّى مع سعة المسجد وضيقه ,وكان النّبي
صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي في المصلّى مع شرف مسجده .
وقال المالكيّة :إنّ صلة العيدين في المصلّى مندوبة .
ي :وندب إيقاعها أي صلة العيد بالمصلّى أي الصّحراء ,وصلتها بالمسجد
قال الدسوق ّ
من غير ضرورةٍ داعية بدع ٍة ,أي مكروهة ,وقال :والحكمة في صلة العيدين في
المصلّى لجل المباعدة بين الرّجال والنّساء لنّ المساجد وإن كبرت يقع الزدحام فيها وفي
أبوابها بين الرّجال والنّساء دخولً وخروجا فتتوقّع الفتنة في محلّ العبادة .
واستدلّ المالكيّة بحديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه « :كان رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم يخرج يوم الفطر والضحى إلى المصلّى » .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المسجد إن كان واسعا فهو أفضل من المصلّى ,لنّ الئمّة لم
ن المسجد أشرف وأنظف ,وأنّ أفضليّة
يزالوا يصلون صلة العيد بمكّة في المسجد ,ول ّ
الصّلة في الصّحراء بما إذا كان المسجد ضيّقا ,فإن كان المسجد ضيّقا فصلّى فيه ولم
يخرج إلى المصلّى كره ذلك لتأذّي النّاس بالزّحام ,وربّما فات بعضهم الصّلة ,قال
ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يخرج في العيد إلى المصلّى
الشّافعي :بلغنا أ ّ
بالمدينة وكذلك من كان بعده وعامّة أهل البلد إل أهل مكّة فإنّه لم يبلغنا أنّ أحدا من
السّلف صلّى بهم عيدا إل في مسجدهم .
ب -صلة النّساء في مصلّى العيد :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب خروج النّساء غير ذوات الهيئات منهنّ إلى مصلّى 4
العيد ,وكراهة خروج الشّابّات لصلة العيدين ,وإذا خرجن يستحب خروجهنّ في ثياب
بذل ٍة .
ن الخروج في الجمعة والعيدين وشي ٍء من
وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يرخّص للشّوابّ منه ّ
الصّلة .
). 5 والتّفصيل في مصطلح ( :صلة العيدين ف
ج -إجراء أحكام المسجد على المصلّى :
-اختلف الفقهاء في إجراء أحكام المسجد على المصلّى : 5
فقال الحنفيّة :ليس لمصلّى العيد والجنازة حكم المسجد في منع دخول الحائض ,وإن كان
لهما حكم المسجد في صحّة القتداء مع عدم اتّصال الصفوف .
وقال الشّافعيّة :المصلّى المتّخذ للعيد وغيره الّذي ليس بمسجد ل يحرم المكث فيه على
الجنب والحائض على المذهب ,وبه قطع جمهور الشّافعيّة وذكر الدّارميّ فيه وجهين .
ونقل الزّركشي :عن الغزاليّ أنّه سئل عن المصلّى الّذي بني لصلة العيد خارج البلد فقال
ن المسجد هو
:ل يثبت له حكم المسجد في العتكاف ومكث الجنب وغيره من الحكام ,ل ّ
الّذي أع ّد لرواتب الصّلة وعيّن لها حتّى ل ينتفع به في غيرها ,وموضع صلة العيد ُمعَد
للجتماعات ولنزول القوافل ولركوب الدّوابّ ولعب الصّبيان ,ولم تجر عادة السّلف بمنع
شيءٍ من ذلك فيه ,ولو اعتقدوه مسجدا لصانوه عن هذه السباب ولقصد لقامة سائر
الصّلوات ,وصلوات العيد تطوع وهو ل يكثر تكرره بل يبنى لقصد الجتماع ,والصّلة
تقع فيه بالتّبع .
ب وحائضٍ ونفساء انقطع دمها اللبث في المسجد ولو مصلّى
وقال الحنابلة :يحرم على جن ٍ
عي ٍد ,لنّه مسجد ل مصلّى الجنائز فليس مسجدا .
صوّر *
ُم َ
انظر :تصوير .
ُمصِيَبة *
انظر :استرجاع .
مَصِيد *
انظر :صيد .
ُمضَاجَعة *
التّعريف :
-المضاجعة من ضاجع الرّجل امرأته :إذا نام معها في شعا ٍر واحدٍ ,وهو ضجيعها 1
بينهما ,لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم « :ل يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوبٍ واحدٍ
ول تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد » ,وأمّا إن كان بينهما حائل فيكره تنزيها .
وفصّل المالكيّة الكلم على المضاجعة فقالوا :يحرم تلصق بالغين بعورتيهما بغير حائلٍ
مطلقا ,سواء قصدا لذّ ًة أو وجداها ,أو قصدا ووجدا ,أو ل قصدا ول وجدا ,سواء كانت
بينهما قرابة أم ل .
قالوا :ويحرم كذلك تلصق بالغين بعورتيهما ولو كان بحائل :مع قصد لذّةٍ ,أو وجودها
,أو قصد اللّذّة ووجودها ,ولو كان من أحدهما في الصور الثّلث .
وأمّا إذا كان تلصقهما بحائل بدون قصد لذّ ٍة ,وبدون وجودها فيكره .
وكذلك يكره إذا كان تلصقهما بغيرعورتيهما مع غير حائلٍ ,إل لقصد لذّ ٍة ,أو وجدانها
فيحرم فيما يظهر .
وأمّا تلصق غير عورتيهما بحائل فجائز .
ل حيث لم
وجاز اجتماع الرّجلين أو المرأتين في كسا ٍء واحدٍ وإن لم يكن وسط الكساء حائ ً
ير واحد منهما عورة صاحبه ول مسّها .
ش واحدٍ أو ثوبٍ واحدٍ ,حيث وجد
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجوز نوم اثنين فأكثر في فرا ٍ
حائل يمنع المماسّة للبدان ,ويحرم ذلك مع العري وإن تباعدا أو اتّحد الجنس وكان
محرميّة كأبٍ وأمّ ,أو وجد صغير لكن مع بلوغ عشر سنين .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يكره أن يتجرّد ذكران أو أنثيان في إزا ٍر أو لحافٍ ول ثوب يحجز
بينهما .
مضاجعة الصّبيان الصّبيان :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب التّفريق بين الصّبيان في المضاجع وهم أبناء 3
عشرٍ ,واستدلوا بقوله عليه الصّلة والسّلم « :وفرّقوا بينهم في المضاجع وهم أبناء
عشرٍ » ,وقيل :لسبع ,وقيل :لست ,سواء كان بين أخوين أو أختين ,أو أخٍ وأختٍ ,
أو بينه وبين أمّه وأبيه .
ن التّفرقة بين الصّبيان مندوبة عند العشر ,
وذهب المالكيّة في الرّاجح عندهم إلى أ ّ
والقوى عندهم في معنى التّفرقة :أنّه ل ب ّد أن يكون لك ّل واحدٍ ثوب ,بل فراش مستقل :
غطاء ووطاء .
وفي قو ٍل آخر :تحصل التّفرقة ولو بثوب حائ ٍل بينهما .
ن طلب الوليّ بالتّفرقة بين الولد في المضاجع بعد
وأمّا إن لم يبلغوا العشر فل حرج ,ل ّ
بلوغ العشر على المعتمد .
مضاجعة الصّبيان الكبار :
ص الحنفيّة على أنّه يفرّق بين الصّبيان وبين الرّجال والنّساء في المضاجع ,لنّ
-ن ّ 4
ُمضَارَبة *
التّعريف :
-المضاربة في اللغة مفاعلة من ضرب في الرض :إذا سار فيها ,ومن هذا قوله 1
ن يَضْرِبُونَ فِي الَرْضِ } ،وهي :أن تعطي إنسانا من مالك ما يتّجر فيه
تعالى { :وَآخَرُو َ
على أن يكون الرّبح بينكما ,أو يكون له سهم معلوم من الرّبح .
ن عقد
وتسمية المضاربة بهذا السم في لغة أهل العراق ,أمّا أهل الحجاز فيسمو ّ
المضاربة قراضا أو مقارضةً ,قال الزّمخشريّ :أصلها من القرض في الرض وهو
قطعها بالسّير فيها .
واختار الحنفيّة و الحنابلة التّسمية بالمضاربة ,واختار المالكيّة و الشّافعيّة التّسمية
بالقراض .
وهي في اصطلح الحنفيّة :عقد شركةٍ في الرّبح بمال من جانبٍ ,وعملٍ من جانبٍ .
ول تخرج تعريفات المذاهب الخرى عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البضاع :
-البضاع في اللغة :مصدر أبضع ,يقال أبضع الشّيء أي جعله بضاعةً ,وهي ما 2
يتّجر فيه ,ويقال :أبضعته غيري :جعلته له بضاع ًة واستبضعته :جعلته بضاعةً لنفسي
.والبضاع في الصطلح :بعث المال مع من يتّجر فيه متبرّعا .
ن كلً من المضاربة والبضاع أخذ مالٍ من مالكه ليتّجر فيه آخذه ,لكنّ
والصّلة بينهما أ ّ
آخذ المال في المضاربة له جزء من الرّبح بحسب ما اتّفقا عليه ,فهو شريك فيما يكون
من ربح التّجارة ,أمّا في البضاع فل شيء له من الرّبح ,وهو متبرّع بعمله ,والرّبح
كله لصاحب المال .
ب -القرض :
-القرض في اللغة :ما تعطيه غيرك من المال لتتقاضاه ,وهو اسم من القراض , 3
يقال :أقرضته المال إقراضا ,واستقرض :طلب القرض ,واقترض :أخذ القرض .
والقرض في الصطلح :دفع مالٍ إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله .
والصّلة بين المضاربة والقرض :أنّ في كلّ منهما دفع المال إلى الغير ,إل أنّه في
القرض على وجه الضّمان ,وفي المضاربة على وجه المانة .
ج -الشّركة :
-الشّركة في اللغة :عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشتركٍ ,وهي في الصل 4
مصدر الفعل شَرك ,يقال :شركته في المر أشركه شَركا وشرِكةً :إذا صرت له شريكا ,
والسم الشّرك .
والشّركة في الصطلح :الخلطة وثبوت الحصّة ,أو :ثبوت الحقّ في شيءٍ لثنين فأكثر
على جهة الشيوع .
والصّلة أنّ الشّركة أعم من المضاربة .
مشروعيّة المضاربة :
-اتّفق الفقهاء على مشروعيّة المضاربة وجوازها ,وذلك على وجه الرخصة أو 5
الستحسان ,فالقياس أنّها ل تجوز ,لنّها استئجار بأجر مجهولٍ ,بل بأجر معدومٍ ولعمل
مجهولٍ ,ولكنّ الفقهاء تركوا القياس وأجازوا المضاربة ترخصا أو استحسانا لدلّة قامت
عندهم على مشروعيّة المضاربة ,منها ما ذكره الكاساني حيث قال :تركنا القياس
بالكتاب العزيز والسنّة والجماع .
ضلِ الّلهِ
ضرِبُونَ فِي الَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن فَ ْ
خرُونَ يَ ْ
أمّا الكتاب الكريم فقوله عزّ شأنه { :وَآ َ
} .والمضارب يضرب في الرض يبتغي من فضل اللّه ع ّز وجلّ .
وأمّا السنّة :فما روي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال « :كان العبّاس بن عبد
المطّلب رضي اللّه عنه إذا دفع مالً مضارب ًة اشترط على صاحبه أن ل يسلك به بحرا ،
ول ينزل به واديا ،ول يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ ،فإن فعل فهو ضامن ،فرفع شرطه إلى
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأجازه » وكذا بُعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
والنّاس يتعاقدون المضاربة ,فلم ينكر عليهم ,وذلك تقرير لهم على ذلك ,والتّقرير أحد
وجوه السنّة .
وأمّا الجماع :فإنّه روي عن جماع ٍة من الصّحابة رضي اللّه عنهم أنّهم دفعوا مال اليتيم
مضاربةً ,منهم عمر وعثمان وعلي وعبد اللّه بن مسعودٍ وعبد اللّه بن عمر وعبيد اللّه
بن عمر وعائشة رضي اللّه عنهم ,ولم ينقل أنّه أنكر عليهم من أقرانهم أحد ,ومثله
يكون إجماعا ,وعلى هذا تعامل النّاس من لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غير
إنكا ٍر من أحدٍ ,وإجماع أهل كلّ عصرٍ حجّة ,فترك به القياس .
ن الضّرورة دعت إليها لحاجة النّاس إلى التّصرف في
وقالوا في حكمتها :شرعت ل ّ
أموالهم وتنميتها بالتّجارة فيها وليس كل أحدٍ يقدر على ذلك بنفسه فاضطرّ فيها إلى
استنابة غيره ولعلّه ل يجد من يعمل له فيها بإجارة لما جرت عادة النّاس فيه في ذلك
على المضاربة فرخّص فيها لهذه الضّرورة واستخرجت بسبب هذه العلّة من الجارة
المجهولة على نحو ما رخّص فيه في المساقاة .
ن النسان قد يكون له مال لكنّه ل يهتدي إلى التّجارة وقد يهتدي إلى
وقال الكاساني إ ّ
التّجارة لكنّه ل مال له فكان في شرع هذا العقد دفع الحاجتين ،واللّه تعالى ما شرع
العقود إل لمصالح العباد ودفع حوائجهم .
صفّة عقد المضاربة :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المضاربة من العقود الجائزة من الطّرفين 6
تنفسخ بفسخ أحدهما أيّهما كان ,لنّه متصرّف في مال غيره بإذن فهو كالوكيل ,ول فرق
بين ما قبل التّصرف وبعده .
ويشترط الحنفيّة لجواز الفسخ علم الطّرف الخر بالفسخ ,وأن يكون رأس المال عينا
وقت الفسخ دراهم أو دنانير .
وقال الشّافعيّة :ل يتوقّف فسخ أحد طرفي المضاربة على حضور صاحبه أو رضاه ,بل
يجوز ولو في غيبة الخر .
ب المال والعامل فسخ عقد المضاربة قبل الشروع في شراء
وقال المالكيّة :لكلّ من ر ّ
ب المال فقط فسخ عقد المضاربة إن تزوّد العامل من مال القراض ولم
السّلع بالمال ,ولر ّ
يشرع في السّفر ,فإن عمل المضارب بالمال في الحضر أو شرع في السّفر فيبقى المال
تحت يد العامل إلى نضوض المال ببيع السّلع ,ول كلم لواحد منهما في فسخ المضاربة .
المضاربة المطلقة والمقيّدة :
-قسّم فقهاء الحنفيّة المضاربة قسمين : 7
أ -المضاربة المطلقة وهي أن يدفع رب المال للعامل في المضاربة رأس المال من غير
تعيين العمل أو المكان أو الزّمان أو صفة العمل أو من يعامله .
ب -المضاربة المقيّدة وهي الّتي يعيّن فيها رب المال للعامل شيئا من ذلك .
وقالوا :إنّ تصرف المضارب في كلّ من النّوعين ينقسم إلى أربعة أقسامٍ :
أ -قسم للمضارب أن يعمله من غير حاجةٍ إلى التّنصيص عليه ول إلى قول :اعمل
برأيك .
ب -قسم ليس له أن يعمل ولو قيل له :اعمل برأيك ,إل بالتّنصيص عليه .
ج -قسم له أن يعمله إذا قيل له :اعمل برأيك ,وإن لم ينصّ عليه .
د -قسم ليس له أن يعمله رأسا وإن نصّ عليه .
وقال الموصلي :المضاربة نوعان ,عامّة وخاصّة .
والعامّة نوعان :
أحدهما :أن يدفع المال إلى العامل مضارب ًة ,ول يقول له :اعمل برأيك ,فيملك جميع
التّصرفات الّتي يحتاج إليها في التّجارة ,ويدخل فيه الرّهن والرتهان والستئجار والحط
بالعيب والحتيال بمال المضاربة وكل ما يعمله التجّار -غير التّبرعات -والمضاربة
والشّركة والخلط والستدانة على المضاربة .
والثّاني :أن يقول له :اعمل برأيك ,فيجوز له ما ذكر من التّصرفات والمضاربة
ن ذلك ممّا يفعله التجّار ,وليس له القراض والتّبرعات ,لنّه ليس من
والشّركة والخلط ل ّ
التّجارة فل يتناوله المر .
أمّا المضاربة الخاصّة فهي ثلثة أنواعٍ :
أحدها :أن يخصّه ببلد ,فيقول :على أن تعمل بالكوفة أو البصرة .
ن وتشتري منه ,فل
والثّاني :أن يخصّه بشخص بعينه ,بأن يقول :على أن تبيع من فل ٍ
يجوز التّصرف مع غيره لنّه قيد مفيد ,لجواز وثوقه به في المعاملت .
والثّالث :أن يخصّه بنوع من أنواع التّجارات بأن يقول له :على أن تعمل به مضاربةً في
الب ّز أو في الطّعام أو الصّرف ونحوه .
وفي كلّ ذلك يتقيّد بأمره ,ول يجوز له مخالفته لنّه مقيّد .
صةٍ -كما فعل
ولم يقسّم جمهور الفقهاء المضاربة إلى مطلقةٍ ومقيّدةٍ أو عا ّمةٍ وخا ّ
الحنفيّة -ولكنّهم أوردوا ما شمله تقسيم الحنفيّة في أركان المضاربة وشروطها أو في
مسائل أخرى ,وخالفوا الحنفيّة أو وافقوهم .
أركان المضاربة :
ن أركان المضاربة هي :عاقدان ,ورأس مالٍ ,وعمل ,
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 8
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز مضاربة غير المسلم في الجملة .
قال الكاساني :ول يشترط إسلم ربّ المال أو المضارب ,فتصح المضاربة بين أهل ال ّذمّة
ي المستأمن ,حتّى لو دخل حربي دار السلم بأمان ,فدفع
وبين المسلم وال ّذمّيّ والحرب ّ
ن المستأمن في
ماله إلى مسلمٍ مضاربةً ,أو دفع إليه مسلم ماله مضارب ًة فهو جائز ,ل ّ
ي المستأمن .
دارنا بمنزلة ال ّذمّيّ ,والمضاربة مع ال ّذمّيّ جائزة فكذلك مع الحرب ّ
فإن كان المضارب هو المسلم فدخل دار الحرب بأمان فعمل بالمال فهو جائز ,لنّه دخل
ب المال ,فلم يوجد بينهما اختلف الدّارين ,فصار كأنّهما في دا ٍر واحدةٍ .
دار ر ّ
ب المال بطلت
وإن كان المضارب هو الحربي فرجع إلى داره :فإن كان بغير إذن ر ّ
المضاربة ,وإن كان بإذنه فذلك جائز ويكون على المضاربة ,ويكون الرّبح بينهما على
ما شرطا إن رجع إلى دار السلم مسلما أو معاهدا أو بأمان استحسانا ,والقياس أن تبطل
المضاربة .
وجه الستحسان :أنّه لمّا خرج بأمر ربّ المال صار كأنّ ربّ المال دخل معه ,ولو دخل
رب المال معه إلى دار الحرب لم تبطل المضاربة ,فكذا إذا دخل بأمره ,بخلف ما إذا
ب المال عنه ,فصار تصرفه
دخل بغير أمره ,لنّه لمّا لم يأذن له بالدخول انقطع حكم ر ّ
لنفسه فملك المر به .
ووجه القياس :أنّه لمّا عاد إلى دار الحرب بطل أمانه وعاد إلى حكم الحرب كما كان ,
فبطل أمر ربّ المال عند اختلف الدّارين ,فإذا تصرّف فيه فقد تعدّى بالتّصرف فملك ما
تصرّف فيه .
وقال ابن قدامة :وأمّا المجوسي فإنّ أحمد كره مشاركته ومعاملته قال :ما أحب مخالطته
ومعاملته ,لنّه يستحل ما ل يستحل غيره .
وأمّا الشّافعيّة والمالكيّة في المذهب فذهبوا إلى أنّ مضاربة غير المسلم أو مشاركته
مكروهة ,وعند المالكيّة قول بحرمة مضاربة المسلم لل ّذمّيّ .
ل إل رجلً يعرف الحرام والحلل ,وإن كان
وقال مالك :ل أحب للرّجل أن يقارض رج ً
رجلً مسلما فل أحب له أن يقارض من يستحل شيئا من الحرام .
ما يتعلّق برأس مال المضاربة من الشروط :
يشترط لصحّة المضاربة شروط يلزم تحققها في رأس المال ,وهي :أن يكون نقدا من
الدّراهم والدّنانير ,وأن يكون معلوما ,وأن يكون عينا ل دينا .
أ ّولً :كون رأس المال من الدّراهم والدّنانير :
-اتّفق الفقهاء -في الجملة -على هذا الشّرط ,واستد ّل بعضهم عليه بالجماع كما 12
نقله الجويني من الشّافعيّة ,أو بإجماع الصّحابة كما قال غيره منهم .
ت وصورٍ ومسائل ،خلف وتفصيل :
وللفقهاء فيما يتخرّج على هذا الشّرط من محترزا ٍ
أ -المضاربة بالعروض :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّه ل تصح 13
المضاربة بالعروض ,مثل ّي ًة كانت أو متقوّمةً ,ولهم في الستدلل على هذا الحكم
والتّفريع عليه بيان :
قال الحنفيّة :إنّ ربح ما يتعيّن بالتّعيين ربح ما لم يضمن ,لنّ العروض تتعيّن عند
الشّراء بها ,والمعيّن غير مضمونٍ ,حتّى لو هلكت قبل التّسليم ل شيء على المضارب ,
فالرّبح عليها يكون ربح ما لم يضمن ,و « :نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن
ربح ما لم يضمن » ,وما ل يتعيّن يكون مضمونا عند الشّراء به ,حتّى لو هلكت العين
قبل التّسليم فعلى المشتري به ضمانه ,فكان الرّبح على ما في ال ّذمّة ,فيكون ربح
ن قيمة
المضمون ,ولنّ المضاربة بالعروض تؤدّي إلى جهالة الرّبح وقت القسمة ,ل ّ
العروض تعرف بالحزر والظّنّ ,وتختلف باختلف المقوّمين ,والجهالة تفضي إلى
المنازعة ,والمنازعة تفضي إلى الفساد ,وهذا ل يجوز .
وقال المالكيّة في تعليل عدم جواز المضاربة بالعروض :إنّ المضاربة رخصة يقتصر فيها
على ما ورد ,ويبقى ما عداه على الصل من المنع ,ول يجوز اعتبار قيمة العرض رأس
ما ٍل .
ن المضاربة عقد غر ٍر ,إذ العمل
وعلّل الشّافعيّة عدم جواز المضاربة على عروضٍ ,بأ ّ
ق به ,وإنّما جوّزت للحاجة ,فاختصّت بما يروج
فيها غير مضبوطٍ والرّبح غير موثو ٍ
غالبا وتسهل التّجارة به وهو الثمان ,ولنّ المقصود بالمضاربة رد رأس المال
والشتراك في الرّبح ,ومتى عقد على غير الثمان لم يحصل المقصود ,لنّه ربّما زادت
قيمته ,فيحتاج أن يصرف العامل جميع ما اكتسبه في ردّ مثله إن كان له مثل ,وفي ردّ
قيمته إن لم يكن له مثل ,وفي هذا إضرار بالعامل ,وربّما نقصت قيمته فيصرف جزءا
يسيرا من الكسب في ردّ مثله أو ردّ قيمته ثمّ يشارك ربّ المال في الباقي ,وفي هذا
ن العامل يشاركه في أكثر رأس المال ,وهذا ل يوجد في الثمان
ب المال ,ل ّ
إضرار بر ّ
لنّها ل تقوّم بغيرها .
ن العروض ل تجوز الشّركة فيها ,نصّ عليه أحمد في
وظاهر المذهب عند الحنابلة أ ّ
ن الشّركة :إمّا أن تقع على أعيان
ب وحربٍ وحكاه عنه ابن المنذر ,ل ّ
رواية أبي طال ٍ
ن الشّركة تقتضي
العروض أو قيمتها أو أثمانها ,ل يجوز وقوعها على أعيانها ,ل ّ
الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله ,وهذه ل مثل لها فيرجع إليه ,وقد تزيد
قيمة جنس أحدهما دون الخر فيستوعب بذلك جميع الرّبح أو جميع المال ,وقد تنقص
قيمته فيؤدّي إلى أن يشاركه الخر في ثمن ملكه الّذي ليس بربح ,ول يجوز وقوعها
ن القيمة غير متحقّقة القدر ,فيفضي إلى التّنازع ,وقد يقوّم الشّيء بأكثر
على قيمتها ل ّ
ن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الخر في العين المملوكة
من قيمته ,ول ّ
له ,ول يجوز وقوعها على أثمانها لنّها معدومة حال العقد ول يملكانها ,ولنّه إن أراد
ثمنها الّذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع ,وإن أراد ثمنها الّذي يبيعها به
ط وهو بيع العيان ,ول يجوز ذلك .
فإنّها تصير شركةً معلّقةً على شر ٍ
وعن أحمد رواية أخرى :أنّ الشّركة والمضاربة تجوز بالعروض ,وتجعل قيمتها وقت
العقد رأس المال ,قال أحمد :إذا اشتركا في العروض يقسم الرّبح على ما اشترطا ,وقال
الثرم :سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن المضاربة بالمتاع ,قال :جائز ,فظاهر هذا صحّة
الشّركة بها ,واختار هذا أبو بك ٍر وأبو الخطّاب وصوّبه المرداوي ,وهو قول ابن أبي
ن مقصود
ليلى ,وبه قال في المضاربة طاووس والوزاعي وحمّاد بن أبي سليمان ,ل ّ
الشّركة جواز تصرفهما في المالين جميعا ,وكون ربح المالين بينهما ,وهذا يحصل في
ح الشّركة والمضاربة بها كالثمان ,ويرجع
العروض كحصوله في الثمان ,فيجب أن تص ّ
كل واحدٍ منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد ,كما أنّنا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها .
وقال الحنفيّة :لو دفع إليه عروضا فقال له :بعها واعمل بثمنها مضاربةً ,فباعها بدراهم
ودنانير وتصرّف فيها جاز ,لنّه لم يضف المضاربة إلى العروض وإنّما أضافها إلى الثّمن
,والثّمن تصح به المضاربة ,فإن باعها بمكيل أو موزونٍ جاز البيع عند أبي حنيفة بناءً
على أصله في الوكيل بالبيع مطلقا :أنّه يبيع بالثمان وغيرها ,إل أنّ المضاربة فاسدة
لنّها صارت مضاف ًة إلى ما ل تصح المضاربة به وهو الحنطة والشّعير ,وأمّا على
ن الوكيل بالبيع مطلقا ل يملك البيع بغير الثمان ,ول تفسد
أصلهما فالبيع ل يجوز ل ّ
المضاربة لنّها لم تصر مضاف ًة إلى ما ل يصلح به رأس مال المضاربة .
وقال المالكيّة :إن قال له :بعه واجعل ثمنه رأس مالٍ فمضاربة فاسدة ,للعامل فيها أجر
مثله في تولية ومضاربة مثله في ربح المال إن ربح ,وإن لم يربح فل شيء له في ذمّة
ربّه ,وقالوا :ل تجوز بغير نقدٍ يتعامل به ,ولو انفرد التّعامل به كالودع ,وقال بعضهم
:الظّاهر الجواز .
ب -المضاربة بالتّبر :
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تجوز المضاربة على تبرٍ ول حليّ ول سبائك 14
ي من الشّافعيّة .
النّقدين ,وهو قول السبك ّ
وقال الشّافعيّة في الصّحيح عندهم ,وهو قول ابن وهبٍ من المالكيّة :ل تصح المضاربة
بالمغشوش من الثمان ,لنّ الغشّ الّذي فيها عرض ,ولنّ قيمتها تزيد وتنقص ,أشبهت
العروض .
وأضاف الشّافعيّة :ل تصح المضاربة بالدّراهم والدّنانير المغشوشة وإن راجت وعلم
مقدار غشّها وجوّزنا التّعامل بها .
وقال الحنابلة :ل تصح المضاربة في المغشوش من النّقدين غشا كثيرا عرفا لنّه ل
ن قيمتها تزيد وتنقص فهي كالعروض .
ينضبط غشه ,فل يتأدّى رد مثله ,ل ّ
د -المضاربة بالفلوس :
-ذهب جمهور الفقهاء -أبو حنيفة وأبو يوسف و المالكيّة على المشهور و الشّافعيّة 16
المال سكنى دا ٍر ,لنّه إذا لم يجعل العرض رأس مالٍ فالمنفعة أولى .
و -المضاربة بالصّرف :
ص المالكيّة على أنّ ربّ المال لو دفع نقدا إلى العامل ليصرفه من غيره بنقد آخر
-ن ّ 18
ثمّ يعمل بما يقبضه مضاربةً فل يجوز ,فإن عمل بما قبضه من الصّرف فله أجر مثله في
تولّيه في ذمّة ربّ المال ولو تلف أو خسر ,ثمّ له أيضا مضاربة مثله في ربحه -أي
المال -فإن تلف أو لم يربح فل شيء له في ذمّة ربّ المال .
ثانيا :كون رأس مال المضاربة معلوما :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط في رأس مال المضاربة أن يكون معلوما للعاقدين , 19
قدرا وصفةً وجنسا ,علما ترتفع به الجهالة ويدرأ النّزاع ,فإن لم يكن رأس المال
معلوما لهما كذلك فسدت المضاربة .
وقالوا في تعليل ذلك :إنّ كون رأس مال المضاربة غير معلومٍ للعاقدين على النّحو
المذكور يؤدّي إلى الجهل بالرّبح ,وكون الرّبح معلوما شرط صحّة المضاربة .
المضاربة بأحد الكيسين أو الصرّتين :
ب المال إن دفع
-نصّ الحنابلة و الشّافعيّة في الصحّ عندهم وبعض الحنفيّة على أنّ ر ّ 20
كيسين أو صرّتين من النّقد في كلّ من الكيسين أو الصرّتين مال معلوم ,وقال لمن دفع
إليه ذلك :ضاربتك على أحد الكيسين أو على إحدى الصرّتين ،لم تصحّ المضاربة لعدم
التّعيين ,حتّى لو تساوى ما فيهما للبهام ,وفيه غرر ل ضرورة إلى احتماله .
ن المضاربة تصح على
وفي وجهٍ مقابلٍ للصحّ عند الشّافعيّة وهو قول بعض الحنفيّة :أ ّ
صفّة ,فيتصرّف العامل في أيّتهما شاء
إحدى الصرّتين المتساويتين في القدر والجنس وال ّ
فتتعيّن للمضاربة ,ول بدّ أن يكون ما فيهما معلوما .
ب المال لو ضارب العامل على
وقال الشّافعيّة :يتفرّع على القول الوّل الصح عندهم أنّ ر ّ
دراهم أو دنانير غير معيّنةٍ ثمّ عيّنها في المجلس صحّ ,وقيل :ل يصح .
ثالثا :كون رأس مال المضاربة عينا :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس مالها عينا ,فل تجوز 21
على ما في ال ّذمّة ,بمعنى أن ل يكون رأس المال دينا ,فإن كان دينا لم تصحّ .
والمضاربة بالدّين ل تخلو إمّا أن تكون بالدّين على العامل ,وإمّا بالدّين على غير العامل .
أ -المضاربة بالدّين على العامل :
-اتّفق الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المضاربة بدين 22
لربّ المال على العامل ل تصح ,وقال بعض الحنابلة بصحّتها ,وذلك على التّفصيل التّالي
:ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس المال عينا ,فإن كان دينا
فالمضاربة فاسدة ,وإذا كان لربّ المال على رجلٍ دين فقال له :اعمل بديني الّذي في
ف -أي عندهم -فإن اشترى هذا
ذمّتك مضاربةً بالنّصف فالمضاربة فاسدة بل خل ٍ
المضارب وباع فله ربحه وعليه وضيعته -أي خسارته -والدّين في ذمّته عند أبي
ن من وكّل رجلً يشتري له بالدّين الّذي في ذمّته لم يصحّ عنده ,حتّى لو
حنيفة ،ل ّ
اشترى ل يبرأ عمّا في ذمّته عنده ,وإذا لم يصحّ المر بالشّراء في ال ّذمّة لم تصحّ إضافة
المضاربة إلى ما في ال ّذمّة .
ب المال له
وقال الصّاحبان :ما اشترى المضارب -في الصورة السّابقة -وباع هو لر ّ
ن الشّراء يقع
ربحه وعليه وضيعته ,لنّه يصح عندهما التّوكيل ول تصح المضاربة ل ّ
للموكّل ,فتصير المضاربة بعد ذلك مضاربةً بالعروض ,لنّه في التّقدير كأنّه وكّله بشراء
العروض ثمّ دفعه إليه مضاربةً فتصير مضاربةً بالعروض فل تصح .
ب المال أن يقول لمدينه :
وقال المالكيّة :ل تصح المضاربة بدين على العامل ,فليس لر ّ
اعمل فيه مضاربةً بنصف ربحه مثلً لنّه سلف بزيادة ,وإن قال له ذلك استم ّر الدّين على
حاله في الضّمان واختصاص المدين بربحه إن كان وعليه خسره ,ما لم يقبض الدّين من
ح.
المدين ,فإن قبضه ربه منه ثمّ دفعه له مضاربةً ص ّ
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ ربّ المال لو قال لمن له دين عليه :ضاربتك على الدّين الّذي لي
عليك لم تصحّ المضاربة ,بل لو قال له :اعزل مالي الّذي في ذمّتك من مالك ,فعزله ولم
يقبضه ثمّ ضاربه عليه لم تصحّ المضاربة لنّه ل يملك ما عزله بغير قبضٍ ,فإذا تصرّف
ي يشتري لغيره بعين
العامل ففيما عزله نظر ,إن اشترى بعينه للمضاربة فهو كالفضول ّ
ماله ,وإن اشترى في ال ّذمّة فوجهان :
ي أنّه للمالك لنّه اشترى له بإذنه ,وأصحهما عند أبي حامدٍ للعامل .
أصحهما عند البغو ّ
وحيث كان المعزول للمالك فالرّبح ورأس المال له لفساد المضاربة ,وعليه الجرة للعامل
.وذهب الحنابلة إلى أنّ ربّ المال لو قال لمدينه :ضارب بالدّين الّذي عليك لم يصحّ وهو
المذهب ,وعن أحمد :يصح ,وبناه القاضي على شرائه من نفسه ,وبناه في النّهاية
على قبضه من نفسه لموكّله ,وفيهما روايتان .
ب -المضاربة بدين على غير العامل :
-ذهب جمهور الفقهاء -الشّافعيّة و الحنابلة وجمهور المالكيّة -إلى أنّ المضاربة 23
بدين على غير العامل ل تصح ,كما لو قال للعامل :قارضتك على ديني على فلنٍ فاقبضه
واتّجر فيه أو نحو ذلك .
وقال الحنفيّة :تجوز المضاربة في هذه الصورة ,وبهذا يقول اللّخمي من المالكيّة ,
وصاحب الرّعاية من الحنابلة .
ن من الدّين واعمل به مضاربةً جاز ,
قال الكاساني :لو قال لرجل اقبض مالي على فل ٍ
ن المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض ,فكان رأس المال عينا ل دينا .
لّ
رابعا :كون رأس مال المضاربة مسلّما إلى العامل :
-ذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة والقاضي وابن حام ٍد من الحنابلة إلى أنّه يشترط 24
لصحّة المضاربة أن يكون العامل مطلق التّصرف في رأس مال المضاربة ومستقلً باليد
عليه ,وعبّر بعضهم عن ذلك بالتّخلية بينه وبين رأس المال ,وعبّر عنه آخرون بأنّه
تسليم رأس المال إليه ,وللفقهاء مع اختلفهم في التّعبير خلف في التّعليل والتّفصيل :
فقال الكاساني :يشترط تسليم رأس المال إلى المضارب لنّه أمانة ,فل تصح إل بالتّسليم
وهو التّخلية كالوديعة ول تصح المضاربة مع بقاء يد الدّافع على المال لعدم التّسليم مع
بقاء يده ,حتّى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة .
ب المال فسدت المضاربة ,سواء عمل رب المال معه أو
ولو شرط في المضاربة عمل ر ّ
لم يعمل ,لنّ شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وهو شرط فاسد ,وسواء كان
المالك عاقدا أو غير عاقدٍ ,فل بدّ من زوال يد ربّ المال عن ماله لتصحّ المضاربة ,حتّى
ن الب أو الوصيّ إذا دفع مال الصّغير مضارب ًة وشرط عمل الصّغير لم تصحّ المضاربة ,
إّ
ن يد الصّغير باقية -لبقاء ملكه -فتمنع التّسليم .
لّ
وقال المالكيّة :يشترط في رأس مال المضاربة أن يكون مسلّما من ربّه للعامل بدون أمينٍ
عليه ,ل بدين عليه أو برهن أو وديعةٍ ,وإل فإنّ تسليمه حينئذٍ يكون كل تسليمٍ .
وقال الشّافعيّة :يشترط لصحّة المضاربة أن يكون رأس مالها مسلّما إلى العامل ,قال
الشّربيني الخطيب :ليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد أو في مجلسه ,وإنّما
المراد أن يستقلّ العامل باليد عليه والتّصرف فيه فل يجوز ول يصح التيان بما ينافي ذلك
,وهو شرط كون المال في يد المالك أو غيره ليوفّي منه ثمن ما اشتراه العامل ,ول
شرط مراجعته أو مراجعة مشرفٍ نصّبه في التّصرف ,لنّه قد ل يجده عند الحاجة ,ول
ن انقسام التّصرف يفضي إلى انقسام اليد ,ولنّه ينافي
شرط عمل المالك مع العامل ل ّ
مقتضاها من استقلل العامل بالعمل .
وقال الحنابلة في المذهب أنّه إن أخرج شخص مالً ليعمل فيه هو وآخر ,والرّبح بينهما
ح ,ويكون مضارب ًة .
صّ
المضاربة بالوديعة :
-ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تصح بالوديعة في يد العامل أو 25
في يد غيره ,كما لو قال رب الوديعة للمودع :ضارب بالوديعة الّتي عندك والرّبح
مناصفةً بيننا ,أو قال لخر :ضارب بالوديعة الّتي لي عند فلنٍ -مع العلم بقدرها -
فقبل كل منهما ,فإنّ المضاربة تنعقد صحيحةً ,لنّ اليد لم يتغيّر وصفها ,فهي قبل
ن الوديعة
المضاربة وحال كونها وديعةً يد أمانةٍ ,وهي بعد المضاربة يد أمان ٍة كذلك ,ول ّ
ملك ربّ المال فجاز أن يضارب عليها كما لو كانت حاضرةً في زاوية البيت ,فإن كانت
تلفت عنده على وجهٍ يضمنها لم يجز أن يضارب عليها لنّها صارت دينا .
وذهب المالكيّة إلى أنّه ل تصح المضاربة بالوديعة الموجودة في يد العامل ,وذلك لحتمال
كون المودع أنفقها فتكون دينا ,والمضاربة ل تصح بالدّين ,إل أن يحضر المودع
الوديعة ,ويقبضها المودع ويدفعها مضاربةً فتصح ,أو يحضرها المودع ويشهد على أنّ
ن عندي ,ثمّ يدفعها المودع مضاربةً فتجوز ,فإن لم
هذا المال الّذي أحضر هو وديعة فل ٍ
يحدث شيء من هذين المرين ,وقال رب الوديعة للعامل :اتّجر بما عندك من وديعةٍ على
أنّ الرّبح مناصفة بيننا مضاربةً ,فاتّجر العامل بالوديعة ,فإنّ ربحها لربّها وخسرها عليه
,وللعامل أجر مثله .
وقالوا :ل تصح المضاربة بالوديعة عند أمينٍ ,فإن وكّل رب الوديعة العامل على خلصها
ثمّ يضارب بها أو بثمنها بعد بيعها كانت المضاربة فاسدةً يترتّب عليها -بعد العمل فيها
-للعامل أجر مثله في تولّي تخليص الوديعة ,وبيعها إن حدث ,في ذمّة ربّها ,ربح
العامل أو لم يربح ,وللعامل كذلك مضاربة مثله في ربح المال ,فإن ربح أعطي منه
مضاربةً مثله ,وإن لم يربح فل شيء له ل في المال ول في ذمّة ربّه .
المضاربة بالمغصوب :
-ذهب الحنابلة و الشّافعيّة في الصحّ وأبو يوسف والحسن بن زيادٍ إلى أنّ المضاربة 26
رجل مالً إلى رجل :بعضه مضاربةً ,وبعضه غير مضاربةٍ ,مشاعا في المال ,
فالمضاربة جائزة ,لنّ الشاعة ل تمنع من التّصرف في المال ,فإنّ المضارب يتمكّن من
التّصرف في المال المشاع ,والشاعة إنّما تمنع جواز المضاربة وصحّتها إذا كانت تمنع
من التّصرف بأن كانت مع غير العامل ,أمّا مع العامل فل تمنعه من التّصرف فصحّت
المضاربة .
ما يتعلّق بالرّبح من الشروط :
أوّلً :كون الرّبح معلوما :
-اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط لصحّة المضاربة أن يكون نصيب كلّ من العاقدين من 28
ن المعقود عليه هو الرّبح ,وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد .
الرّبح معلوما ل ّ
وقال الحنفيّة و الشّافعيّة في الصحّ و الحنابلة :لو دفع إليه ألف دره ٍم على أنّهما
يشتركان في الرّبح ,ولم يبيّن مقدار الرّبح ,جاز ذلك ,والرّبح بينهما نصفان ,لنّ
الشّركة تقتضي المساواة ,قال اللّه تعالى َ { :ف ُهمْ شُ َركَاء فِي الثّلُثِ } .
ن له النّصف ,لنّه
وقال الدّردير :لو قال الرّبح مشترك بيننا أو شركة فهو ظاهر في أ ّ
يفيد التّساوي عرفا ,بخلف ما لو قال له :اعمل فيه ولك في الرّبح شرك ,فإنّ
ل فيعمل
المضاربة ل تجوز إل إذا كانت هناك عادة تعيّن إطلق الشّرك على النّصف مث ً
عليها .
ثانيا :كون الرّبح جزءا شائعا :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط أن يكون المشروط لكلّ من المضارب وربّ المال من 29
الرّبح جزءا شائعا نصفا أو ثلثا أو ربعا ,فإن شرطا عددا مقدّرا بأن شرطا أن يكون
لحدهما مائة من الرّبح أو أقل أو أكثر والباقي للخر ل يجوز والمضاربة فاسدة ,لنّ
المضاربة نوع من الشّركة ,وهي الشّركة في الرّبح ,وهذا شرط يوجب قطع الشّركة في
الرّبح ,لجواز أن ل يربح المضارب إل هذا القدر المذكور ,فيكون ذلك لحدهما دون
الخر فل تتحقّق الشّركة ,فل يكون التّصرف مضاربةً .
قال الكاساني :وكذا إن شرطا أن يكون لحدهما النّصف أو الثلث ومائة درهمٍ ,أو قال :
إل مائة درهمٍ ,فإنّه ل يجوز لنّه شرط يقطع الشّركة في الرّبح ,لنّه إذا شرط لحدهما
النّصف ومائةً فمن الجائز أن يكون الرّبح مائتين فيكون كل الرّبح للمشروط له ,وإذا
شرط له النّصف إل مائةً فمن الجائز أن يكون نصف الرّبح مائ ًة فل يكون له شيء من
الرّبح .ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشّرط والمضاربة صحيحة ,
ن المضاربة وكالة ,
ب المال ,ول ّ
ن الوضيعة جزء هالك من المال فل يكون إل على ر ّ
لّ
والشّرط الفاسد ل يعمل في الوكالة .
وقال الحنفيّة :لو شرط بعض الرّبح للمساكين أو للحجّ أو في الرّقاب أو لمرأة المضارب
ب المال .
ح العقد ولم يصحّ الشّرط ,ويكون المشروط لر ّ
أو مكاتبه ص ّ
ح الشّرط ,وإل
ب المال ص ّ
ولو شرط البعض لمن شاء المضارب ,فإن شاء لنفسه أو لر ّ
ي ل يصح .
بأن شاءه لجنب ّ
ي :يصح
ح ,وإل فل ,وفي القهستان ّ
ي ،إن شرط عمله ص ّ
ومتى شرط البعض لجنب ّ
مطلقا .
والمشروط للجنبيّ إن شرط عمله وإل فللمالك .
ولو شرط البعض لقضاء دين المضارب أو دين المالك جاز ,ويكون للمشروط له قضاء
دينه ول يلزم بدفعه لغرمائه .
وقال الشّافعيّة :للرّبح أربعة شروطٍ :
الوّل :أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين ,فلو شرط بعضه لثالث لم تصحّ المضاربة ,إل
أن يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين .
الثّاني :أن يكون مشتركا بينهما ,ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله فل يختص به أحدهما
,فلو شرط اختصاص أحدهما بالرّبح لم تصحّ المضاربة .
الثّالث :أن يكون معلوما ,فلو قال :ضاربتك على أنّ لك في الرّبح شركا فسدت
المضاربة .
الرّابع :أن يكون العلم من حيث الجزئيّة ل من حيث التّقدير ,فلو قال :لك من الرّبح ,أو
لي منه ,درهم أو مائة والباقي بيننا نصفان لم تصحّ المضاربة .
-قال الحنفيّة :لو شرط جميع الرّبح للمضارب فالعقد قرض ,لنّه إذا لم يمكن 30
تصحيحه مضاربةً يصحّح قرضا ,لنّه أتى بمعنى القرض ,والعبرة في العقود لمعانيها .
وعلى هذا لو شرط جميع الرّبح لربّ المال فهو إبضاع لوجود معنى البضاع .
ويقرب من هذا مذهب المالكيّة ,وقالوا :يجوز جعل الرّبح كله لحد المتعاقدين أو
لغيرهما ,لنّه من باب التّبرع ,وإطلق القراض عليه حينئذٍ مجاز .
وقال الحنابلة :إن قال رب المال :خذ هذا المال فاتّجر به وربحه كله لك كان قرضا ل
ن قوله :خذه فاتّجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه ,
قراضا ,ل ّ
وإن قال مع ذلك :ول ضمان عليك فهذا شرط فيه نفي الضّمان فل ينتفي بشرطه ,كما لو
صرّح به فقال :خذ هذا قرضا ول ضمان عليك ,وإن قال :خذه فاتّجر به والرّبح كله لي
كان إبضاعا ,وإن قال :خذه مضاربةً والرّبح كله لك أو كله لي فهو عقد فاسد ,وإلى
هذا ذهب الشّافعيّة في الصحّ عندهم .
وفي قو ٍل مقابلٍ للصحّ عند الشّافعيّة أنّ من قال للعامل :قارضتك على أنّ كلّ الرّبح لك
فهو مضارب ًة صحيحة ,وإن قال رب المال :كل الرّبح لي فهو إبضاع .
خامسا :ما يتعلّق بالعمل من الشروط :
-ذهب الفقهاء -في الجملة -إلى أنّه يشترط في العمل بالمضاربة شروط ،تصح 31
المضاربة بوجودها ,وتفسد إن تخلّفت هذه الشروط أو بعضها ,وهي :أن يكون العمل
تجارةً ,وأن ل يضيّق رب المال على العامل في عمله ,وأن ل يخالف العامل مقتضى
العقد .
تصرفات المضارب :
ل تخرج تصرفات المضارب عن أقسامٍ أربعةٍ :
الوّل :ما له عمله من غير نصّ عليه :
-إذا لم يعيّن رب المال للمضارب العمل أو المكان أو الزّمان أو صفة العمل أو من 32
يعامله ,بل قال له :خذ هذا المال مضاربةً على كذا فله البيع ,وله الستئجار ,وله
التّوكيل ,وله الرّهن ,وله البضاع ,والحالة ,لنّ كلّ ذلك من عمل التجّار .
بهذا قال الحنفيّة ,ويقرب منه ما ذهب إليه جمهور الفقهاء .
فقد صرّح الشّافعيّة بأنّ للعامل البيع والشّراء بعرض وإن لم يأذن له المالك إذ الغرض
الرّبح وقد يكون فيه .
ن حكم المضاربة حكم الشّركة فيما للعامل أن يفعله من البيع والشّراء
ص الحنابلة على أ ّ
ون ّ
أو القبض والقباض ونحو ذلك .
وإن أطلق رب المال فل خلف عندهم في جواز البيع حالً .
وفي جواز البيع نسيئةً روايتان :
إحداهما :ليس له ذلك لنّه نائب في البيع ,فلم يجز له البيع نسيئةً بغير إذنٍ صريحٍ
ن النّائب ل يجوز له التّصرف إل على وجه الحظّ والحتياط ,وفي النّسيئة
كالوكيل وذلك ل ّ
تغرير بالمال ,وقرينة الحال تقيّد مطلق الكلم ,فيصير كأنّه قال :بعه حا ًل .
والثّانية :أنّه يجوز له البيع نسا ًء -وهو اختيار ابن عقيلٍ -لنّ إذنه في التّجارة
والمضاربة ينصرف إلى التّجارة المعتادة ,وهذا عادة التجّار ,ولنّه يقصد الرّبح ,وهو
في النّساء أكثر ,ويفارق الوكالة المطلقة فإنّها ل تختص بقصد الرّبح وإنّما المقصود
تحصيل الثّمن فحسب ,فإذا أمكن تحصيله من غير خطرٍ كان أولى .
وصرّح الشّافعيّة و الحنابلة بأنّ للعامل شراء المعيب إن رأى ذلك لنّ المقصود طلب الحظّ
,وقد يكون الرّبح في المعيب .
وقال الشّافعيّة :للعامل الرّد بعيب تقتضيه مصلحة ,فإن اقتضت المصلحة إمساكه فل
يرده في الصحّ لخلله بمقصود العقد .
-واختلف الفقهاء في سفر العامل بمال المضاربة والصل عند الحنفيّة و المالكيّة 33
و الحنابلة في الصّحيح من المذهب وهو قول عند الشّافعيّة -نقله البويطي -أنّ
للمضارب السّفر بمال المضاربة إن أطلق رب المال الذن للعامل ولم يقيّده ,لنّ الذن
المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة ,وهي جارية بالتّجارة سفرا وحضرا ,ولنّ
ن العقد صدر
المقصود من عقد المضاربة استنماء المال وهذا المقصود بالسّفر أوفر ,ول ّ
ن المضاربة مشتقّة
مطلقا عن المكان فيجري على إطلقه ,ولنّ مأخذ السم دليل عليه ل ّ
من الضّرب في الرض وهو السّير طلبا للفضل ،فملك السّفر بمطلقها ,قال تعالى { :
ضلِ الّلهِ } .
ضرِبُونَ فِي الَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن فَ ْ
خرُونَ يَ ْ
وَآ َ
ونقل أبو يوسف عن أبي حنيفة أنّه قال :إذا دفع إليه المال بالكوفة وهما من أهليها فليس
للعامل أن يسافر بالمال ,ولو كان الدفع في مصرٍ آخر غير الكوفة فللمضارب أن يخرج به
حيث شاء ,لنّ المسافرة بالمال مخاطرة به فل تجوز إل بإذن ربّ المال نصا أو دللةً ,
فإذا دفع إليه المال في بلدهما فلم يأذن له بالسّفر نصا ول دلل ًة لم يكن له أن يسافر ,وإذا
ن النسان
دفع إليه في غير بلدهما فقد وجد دللة الذن بالرجوع إلى الوطن ,لنّ العادة أ ّ
ل يأخذ المال مضاربة ويترك بلده ,فكان دفع المال في غير بلدهما رضا بالرجوع إلى
الوطن فكان إذنا دللةً .
وقال المالكيّة :سفر العامل بمال المضاربة يجوز إن لم يحجر عليه -أي لم يمنعه -رب
المال قبل شغل المال ,فإن حجر عليه قبل شغله ولو بعد العقد لم يجز ,فإن خالف وسافر
ب المال منعه من السّفر بعده .
ضمن ,بخلف ما لو خالف وسافر بعد شغله إذ ليس لر ّ
وقال الحنابلة :إن أذن رب المال في السّفر أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالّة على أحد
المرين تعيّن ذلك ,وثبت ما أمر به وحرم ما نهى عنه ,وليس له السّفر في موضعٍ
مخوفٍ على الوجهين جميعا ,وكذلك لو أذن له في السّفر مطلقا لم يكن له السّفر في
طريقٍ مخوفٍ ول إلى بل ٍد مخوفٍ ,فإن فعل فهو ضامن لما يتلف ,لنّه متع ّد بفعل ما ليس
له فعله .
وقال الشّافعيّة في المشهور عندهم وهو وجه عند الحنابلة وقول أبي يوسف -في رواية
أصحاب الملء عنه -أنّه ليس للعامل أن يسافر بالمال ولو كان السّفر قريبا والطّريق
ن السّفر مظنّة الخطر .
آمنا ول مؤنة في السّفر بل إذنٍ من المالك ,ل ّ
وقال الشّبراملسي :محل امتناع السّفر إلى ما يقرب من بلد المضاربة إذا لم يعتد أهل بلد
ن هذا بحسب عرفهم يعد من
المضاربة الذّهاب إليه ليبيع ويعلم المالك بذلك ,وإل جاز ,ل ّ
أسواق البلد .
وقال الشّافعيّة :لو ضاربه بمحلّ ل يصلح للقامة -كالمفازة -فالظّاهر كما قال الذرعي
أنّه يجوز له السّفر بالمال إلى مقصده المعلوم لهما ,ثمّ ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا
إلى غير محلّ إقامته ,فإن أذن له جاز بحسب الذن ,وإن أطلق الذن سافر لما جرت به
ن أو خالف فيما أذن له فيه ضمن وأثم ,ولم
العادة من البلد المأمونة ,فإن سافر بغير إذ ٍ
تنفسخ المضاربة ولو عاد من السّفر ,ثمّ إن كان المتاع بالبلد الّذي سافر إليه أكثر قيمةً ,
أو تساوت القيمتان ,صحّ البيع واستحقّ نصيبه من الرّبح وإن كان متعدّيا بالسّفر ,
ن سبب
ويضمن الثّمن الّذي باع به مال القراض في سفره وإن عاد الثّمن من السّفر ,ل ّ
الضّمان وهو السّفر ل يزول بالعود ,وإن كان -المتاع هناك -أق ّل من القيمة لم يصحّ
البيع إل أن يكون النّقص قدرا يتغابن به .
ص له عليه لخطره ,فل يكفي فيه الذن في السّفر ,
وقالوا :ول يسافر في البحر إل إن ن ّ
نعم إن عيّن له بلدا ول طريق له إل البحر -كساكن الجزائر الّتي يحيط بها البحر -كان
ص عليه والذن محمول عليه ,قاله الذرعي وغيره ,والمراد
له أن يسافر فيه وإن لم ين ّ
بالبحر الملح كما قاله السنوي ,وهل يلحق بالبحر النهار العظيمة كالنّيل والفرات ؟ قال
الذرعي :لم أر فيه نصا ,وقال الشّربيني الخطيب :الحسن أن يقال :إن زاد خطرها
ص عليه كما قاله ابن شهبة .
على خطر البرّ لم يجز إل أن ين ّ
الثّاني :ما ليس للمضارب عمله إل بالنّصّ عليه :
-ينتظم هذا النّوع التّصرفات الّتي ل تقع من التجّار عادةً ول ينتظمه عقد المضاربة 34
بإطلقه ,ومن ذلك الستدانة على مال المضاربة بشراء المضارب شيئا بثمن دينٍ ليس في
يده من جنسه ,فلو استدان المضارب كان دينا عليه في ماله ولم يجز على ربّ المال ,
ب المال ,وفيه إثبات زيادة
ن الستدانة إثبات زيادةٍ في رأس المال من غير رضا ر ّ
لّ
ب المال من غير رضاه ،لنّ ثمن المشتري برأس المال في المضاربة
ضمان على ر ّ
ب المال ,بدليل أنّ المضارب لو اشترى برأس المال ثمّ هلك المشترى قبل
مضمون على ر ّ
ب المال بمثله ,فلو جوّزنا الستدانة على المضاربة
التّسليم فإنّ المضارب يرجع إلى ر ّ
للزمناه زيادة ضمانٍ لم يرض به وهذا ل يجوز ,وكذلك ل يجوز الستدانة على إصلح
مال المضاربة .وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة جاز له الستدانة ,وما
يستدينه يكون بينهما شركة وجوهٍ ,ول يأخذ المضارب سفتجةً لنّ أخذها استدانة وهو ل
ن إعطاءها إقراض وهو ل يملكه إل
ص عليها ,وكذا ل يعطى سفتجةً ل ّ
يملكها إل بالنّ ّ
بالنّصّ عليه .وكذلك ليس له أن يشتري بما ل يتغابن به النّاس في مثله وإن قال له :
ن المضاربة توكيل بالشّراء ,والتّوكيل بالشّراء
اعمل برأيك ,ولو اشترى يصير مخالفا ل ّ
مطلقا ينصرف إلى المتعارف ,وهو ما يكون بمثل القيمة أو بما يتغابن النّاس في مثله ,
ن الشّراء بما ل يتغابن في مثله محاباة ,والمحاباة تبرع ,والتّبرع ل يدخل في عقد
ول ّ
المضاربة ,هذا مذهب الحنفيّة .
وقال المالكيّة :للعامل أن يشارك بإذن ربّ المال ,أو يخلط المال بماله أو بمال قراضٍ
ب المال ,وإذا شارك العامل في مال المضاربة غيره بغير
عنده ,وللعامل البضاع بإذن ر ّ
ب المال لم يستأمن غيره .
ب المال فإنّه يضمن ,لنّ ر ّ
إذن ر ّ
ول يجوز للعامل أن يشتري سلعا للمضاربة بنسيئة وإن أذن له رب المال في ذلك .
قال الصّاوي :إنّما منع ذلك لكل ربّ المال ربح ما لم يضمن ونهي النّبيّ صلى ال عليه
وسلم عنه ,ثمّ إنّ المنع مقيّد بما إذا كان العامل غير مديرٍ ,وأمّا المدير فله الشّراء
للمضاربة بالدّين كما في سماع ابن القاسم .
وقال الشّافعيّة :ل يتّجر العامل إل فيما أذن فيه رب المال ,فإن أذن له في صنفٍ لم يتّجر
في غيره لنّ تصرفه بالذن فلم يملك ما لم يأذن له فيه .
ول يشتري العامل للمضاربة بأكثر من رأس المال وربحه إل بإذن المالك ,لنّه لم يرض
بأن يشغل العامل ذمّته إل بذلك ,فإن فعل لم يقع الزّائد لجهة المضاربة .
ولو ضارب العامل شخصا آخر بإذن المالك ليشاركه في العمل والرّبح لم تجز في الصحّ ,
ن المضاربة على خلف القياس ,وموضوعها أن يكون أحد العاقدين مالكا ل عمل له
لّ
ل ولو متعدّدا ل ملك له ,فل يعدل إلى أن يعقدها عاملن ,ومحل المنع
والخر عام ً
بالنّسبة للثّاني أمّا الوّل فالمضاربة باقية في حقّه ,فإن تصرّف الثّاني فله أجرة المثل
على المالك ,والرّبح كله للمالك ,ول شيء للعامل الوّل حيث لم يعمل شيئا ,قال
الشّبراملسي :أمّا لو عمل فالقرب أنّ الرّبح يكون لهما بحسب ما شرطاه ,ومقابل الصحّ
:أنّه يجوز كما يجوز للمالك أن يضارب شخصين في البتداء .
ولو أذن المالك للعامل في أن يضارب غيره لينسلخ من المضاربة ويكون وكيلً فيصح ,
ومحله -كما قال ابن الرّفعة -إذا كان المال ممّا يجوز عليه المضاربة لنّه ابتداء
مضاربةٍ ,فلو وقع بعد تصرفه وصيرورة المال عرضا لم تجز .
ولو ضارب العامل شخصا آخر بغير إذن المالك فسدت المضاربة مطلقا ,سواء أقصد
ح أم ربحٍ فقط أم قصد النسلخ ,لنتفاء إذن المالك فيها وائتمانه
المشاركة في عملٍ ورب ٍ
على المال غيره ,فإن تصرّف العامل الثّاني بغير إذن المالك فتصرف غاصبٍ فيضمن ما
ن الذن صدر ممّن ليس بمالك ول وكيلٍ ,فإن اشترى للوّل في ال ّذمّة
تصرّف فيه ,ل ّ
ونقد الثّمن من مال المضاربة وربح فالرّبح للعامل الوّل في الصحّ لنّ الثّاني تصرّف
بإذنه فأشبه الوكيل ,وعليه للثّاني أجرته هو من زيادته من غير تمييزٍ لنّه لم يعمل مجّانا
,وقيل :الرّبح كله للثّاني لنّه لم يتصرّف بإذن المالك فأشبه الغاصب ,واختاره السبكي
,أمّا لو اشترى في ال ّذمّة لنفسه فيقع لنفسه ,وإن اشترى بعين مال المضاربة فباطل
شراؤه لنّه فضولي .
وللعامل أن يبيع ويشتري بنسيئة أو بغبن فاحشٍ إذا أذن له رب المال لنّ المنع لحقه وقد
زال بإذنه ,ومع الجواز ينبغي أن ل يبالغ في الغبن فيبيع ما يساوي مائ ًة بعشرة ,بل
يبيع بما تدل القرينة على ارتكابه عاد ًة في مثل ذلك ,فإن بالغ لم يصحّ تصرفه ,ويجب
الشهاد في النّسيئة وإل ضمن ,بخلف الحال ,لعدم جريان العادة بالشهاد في البيع
الحالّ .
وقال الحنابلة :يجوز لربّ المال أن ينصّ للمضارب على التّصرف نقدا أو نسيئةً ولم تجز
مخالفته لنّ المضارب متصرّف بالذن ,فل يتصرّف في غير ما أذن له فيه ,ولنّ ذلك ل
يمنع مقصود المضاربة ,وقد يطلب بذلك الفائدة في العادة .
وقالوا :ليس للعامل أن يشتري بأكثر من رأس المال لنّ الذن ما تناول أكثر منه ,فإن
كان رأس المال ألفا فاشترى سلعةً بألف ,ثمّ اشترى أخرى باللف عينه فالشّراء فاسد
لنّه اشتراها بمال يستحق تسليمه في البيع الوّل ,وإن اشتراها في ذمّته صحّ الشّراء
وهي له ,لنّه اشترى في ذمّته لغيره ما لم يأذن له في شرائه فوقع له .
وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربةً جاز ذلك ,قال ابن قدامة :نصّ عليه أحمد ول
نعلم فيه خلفا ويكون العامل الوّل وكيلً لربّ المال في ذلك ,فإن دفعه إلى آخر ولم
يشرط لنفسه شيئا من الرّبح كان صحيحا ,وإن شرط لنفسه شيئا من الرّبح لم يصحّ لنّه
ليس من جهته مال ول عمل ,والرّبح إنّما يستحق بواحد منهما .
وإذا تعدّى المضارب وفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال لنّه متصرّف في مال غيره
بغير إذنه ,فلزمه الضّمان كالغاصب ,ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالرّبح لربّ
ص عليه أحمد ,وعن أحمد :أنّهما يتصدّقان بالرّبح ,قال
المال ,قال ابن قدامة :ن ّ
القاضي :قول أحمد يتصدّقان بالرّبح على سبيل الورع وهو لربّ المال في القضاء .
الثّالث :ما للمضارب عمله إذا قيل له :
اعمل برأيك وإن لم ينصّ عليه :
-قال الحنفيّة :إنّ المضارب يجوز له أن يدفع مال المضاربة إلى غيره مضاربةً , 35
تتضمّن الذن بالتّصرف الّذي يحصل به الرّبح ,والرّبح ل يحصل إل بالشّراء والبيع ,فما
ل يملك بالشّراء ل يحصل فيه الرّبح ,وما يملك بالشّراء لكن ل يقدر على بيعه ل يحصل
فيه الرّبح أيضا ,فل يدخل تحت الذن ,فإن اشترى شيئا من ذلك كان مشتريا لنفسه ل
للمضاربة ,فإن دفع فيه شيئا من مال المضاربة يضمن .
الشروط الفاسدة في عقد المضاربة :
حةً أو
-قسّم الحنفيّة و الحنابلة الشروط الفاسدة من حيث أثرها على المضاربة ص ّ 37
فسادا .
واتّفقوا على أنّ الشّرط الفاسد في المضاربة إذا كان يؤدّي إلى جهالة الرّبح فإنّه يفسد
عقد المضاربة ,وإن كان ل يؤدّي إلى جهالة الرّبح فإنّه يبطل ,وتصح المضاربة عند
الحنفيّة ,وفي أظهر الرّوايتين عند الحنابلة .
قال الكاساني :الصل في الشّرط الفاسد إذا دخل هذا العقد أنّه إن كان يؤدّي إلى جهالة
الرّبح يوجب فساد العقد ,لنّ الرّبح هو المعقود عليه ,وجهالة المعقود عليه توجب فساد
ن هذا عقد
العقد ,وإن كان ل يؤدّي إلى جهالة الرّبح يبطل الشّرط وتصح المضاربة ,ل ّ
تقف صحّته على القبض ,فل يفسده الشّرط الزّائد الّذي ل يرجع إلى المعقود عليه كالهبة
ن المضاربة وكالة والشّرط الفاسد ل يعمل في الوكالة .
والرّهن ,ول ّ
وقال الحنابلة :الشروط الفاسدة ثلثة أقسامٍ :
أحدها :ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشترط لزوم المضاربة ,أو ل يعزله مدّ ًة بعينها ,
أو ل يبيع إل ممّن اشترى منه أو برأس المال أو أقلّ ,فهذه شروط فاسدة لنّها تنافي
المقصود من المضاربة وهو الرّبح ,أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الصل .
الثّاني :ما يعود إلى جهالة الرّبح مثل أن يشترط للمضارب جزءا من الرّبح مجهولً ,أو
ربح أحد اللفين أو إحدى السّفرتين ,فهذه شروط فاسدة لنّها تفضي إلى جهل حقّ كلّ
واحدٍ منهما من الرّبح أو إلى فواته بالكلّيّة ,ومن شرط المضاربة كون الرّبح معلوما .
الثّالث :اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ل مقتضاه ,مثل أن يشترط على المضارب
ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو أن يضارب له في مالٍ آخر ,فهذه شروط فاسدة .
ن الفساد لمعنى في
ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود إلى جهالة الرّبح فسدت المضاربة ,ل ّ
ن الجهالة تمنع من التّسليم فتفضي إلى التّنازع
العوض المعقود عليه فأفسد العقد ,ول ّ
والختلف ,ول يعلم ما يدفعه إلى المضارب .
ن العقد
وما عدا ذلك من الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الرّوايتين أ ّ
صحيح ,لنّه عقد يصح على مجهولٍ فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنّكاح والعتاق والطّلق
.ونقل القاضي وأبو الخطّاب روايةً أخرى أنّها تفسد العقد ,لنّه شرط فاسد فأفسد العقد .
وفيما يلي نذكر بعض المثلة للشروط الفاسدة .
أ -شرط اشتراك المالك في العمل :
ن شرط
-ذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وابن حامدٍ والقاضي من الحنابلة إلى أ ّ 38
المضاربة فإن شرطا أن يكون لحدهما مائة درهمٍ من الرّبح أو أقل أو أكثر والباقي للخر
ل يجوز والمضاربة فاسدة ,لنّ المضاربة نوع من الشّركة ,وهي الشّركة في الرّبح ,
وهذا شرط يوجب قطع الشّركة في الرّبح ,لجواز أن ل يربح المضارب إل هذا القدر
المذكور فيكون ذلك لحدهما دون الخر ,فل تتحقّق الشّركة ,فل يكون التّصرف مضاربةً
.
ج -اشتراط ضمان المضارب عند التّلف :
ص الحنفيّة و المالكيّة على أنّه لو شرط رب المال على العامل ضمان رأس المال
-ن ّ 40
فذهب الحنفيّة و الحنابلة في المذهب إلى أنّه يصح توقيت المضاربة بزمن معيّنٍ ,فلو قال
رب المال للمضارب :ضاربتك على هذه الدّراهم أو الدّنانير سنةً جاز ,لنّ المضاربة
تصرف يتقيّد بنوع من المتاع فجاز تقييده بالوقت ,ولنّ المضاربة توكيل وهو يحتمل
ت.
التّخصيص بوقت دون وق ٍ
وأضاف الحنابلة :لو قال رب المال للعامل :ضارب بهذا المال شهرا ,ومتى مضى الجل
فهو قرض صحّ ذلك ,فإن مضى الجل والمال ناض صار قرضا ,وإن مضى وهو متاع
ب المال فيه غرض
فعلى العامل تنضيضه ,فإذا باعه ونضّضه صار قرضا لنّه قد يكون لر ّ
.وقالوا :يصح تعليق المضاربة ولو على شرطٍ مستقبلٍ كإذا جاء رأس الشّهر فضارب
بهذا على كذا ,لنّه إذن في التّصرف ,فجاز تعليقه كالوكالة .
وذهب المالكيّة و الشّافعيّة و الحنابلة في إحدى الرّوايتين إلى أنّه ل يجوز توقيت
المضاربة أو تعليقها ,فلو أجّل العمل فيها ابتدا ًء أو انتهاءً ,كاعمل فيها سن ًة من الن ,
أو إذا جاء الوقت الفلني فاعمل فيها ,فسدت المضاربة ,لما في ذلك من التّحجير المنافي
ن عقد المضاربة يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرطٍ مستقبلٍ ,
لسنّة المضاربة ,ول ّ
ولخلل التّوقيت بمقصود المضاربة وهو الرّبح ,فقد ل يتحقّق الرّبح في المدّة المؤقّتة .
تصرفات ربّ المال :
ب المال أن يعمله وما ليس له أن يعمله منها :
فصّل الفقهاء القول فيما لر ّ
أ -معاملة المضارب المالك بمال المضاربة :
-اختلف الفقهاء في معاملة المضارب المالك بمال المضاربة : 42
ب المال من المضارب
فقال الحنفيّة و المالكيّة وهو ما نقل عن أحمد :يجوز شراء ر ّ
ب المال في مال
ب المال وإن لم يكن في المضاربة ربح ,لنّ لر ّ
وشراء المضارب من ر ّ
المضاربة ملك رقبةٍ ل ملك تصرفٍ ,وملكه في حقّ التّصرف كملك الجنبيّ ,وللمضارب
فيه ملك التّصرف ل الرّقبة ,فكان في حقّ ملك الرّقبة كملك الجنبيّ حتّى ل يملك رب
المال منعه عن التّصرف ,فكان مال المضاربة في حقّ كلّ واحدٍ منهما كمال الجنبيّ لذلك
جاز الشّراء بينهما .
وقيّد المالكيّة جواز شراء ربّ المال من العامل شيئا من مال المضاربة بصحّة القصد ,بأن
ل يتوصّل إلى أخذ شيءٍ من الرّبح قبل المفاصلة بأن يشتري منه كما يشتري من النّاس
بغير محاباةٍ ,قال الباجي :وسواء اشتراه بنقد أو بأجل ,وقال الدسوقي :ولم يشترط
ذلك عند العقد وإل منع .
ب المال سلعا لنفسه ل لتجارة المضاربة .
وقالوا :يجوز شراء العامل من ر ّ
وقال الشّافعيّة وزفر :ل يعامل المضارب المالك بمال المضاربة ,أي ل يبيعه إيّاه ,لنّه
يؤدّي إلى بيع ماله بماله ,بخلف ما لو اشترى له منه بعين أو دينٍ فل يمتنع لكونه
متضمّنا فسخ المضاربة ,ولهذا لو اشترى ذلك منه بشرط بقاء المضاربة بطل فيما يظهر
,قاله الشّمس الرّملي ,ول فرق في منع بيع مال المضاربة للمالك بين أن يظهر في المال
ربح أو ل .
ب المال بغير مال المضاربة .
ويجوز للمضارب أن يعامل ر ّ
ولو كان لربّ المال عاملن كل واحدٍ منهما منفرد بمال فالصح المعتمد من الوجهين أنّه ل
يجوز لحدهما الشّراء من الخر .
وقال الحنابلة :ليس للمضارب الشّراء من مال المضاربة إن ظهر في المضاربة ربح لنّه
ب المال فيه ,وإل بأن لم يظهر ربح صحّ -قال المرداوي على الصّحيح من
شريك لر ّ
ب المال
المذهب -كشراء الوكيل من موكّله ,فيشتري من ربّ المال أو من نفسه بإذن ر ّ
ب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه -قال المرداوي :هذا هو
.وليس لر ّ
ن مال المضاربة ملكه ,وكشراء الموكّل من وكيله .
المذهب -ل ّ
ونقل المرداوي عن الرّعايتين والحاوي الصّغير :ل يشتري المالك من مال المضاربة شيئا
على الصحّ .
ب -المرابحة في المضاربة :
-قال الحنفيّة الصل الفقهي في ذلك :أنّ كلّ ما يوجب زياد ًة في العين حقيقةً أو حكما 43
فهو بمعنى رأس المال ويضم إليه ،وكل ما ل يوجب زيادةً في العين حقيقةً أو حكما فهو
ليس بمعنى رأس المال ول يضم إليه ,وإذا وجب الضّم يقول المضارب عند بيعه مرابحةً
ي بكذا ,تحرزا عن الكذب .
:قام عل ّ
ب المال والمضارب ,بأن يشتري رب المال من
وقال الكاساني :تجوز المرابحة بين ر ّ
مضاربه فيبيعه مرابحةً أو يشتري المضارب من ربّ المال فيبيعه مرابحةً ,لكن يبيعه
على أقلّ الثّمنين ,إل إذا بيّن المر على وجهه فيبيعه كيف شاء ,وإنّما كان كذلك لنّ
جواز شراء ربّ المال من المضارب والمضارب من ربّ المال ثبت معدولً به عن القياس
ب المال من ربّ
ب المال اشترى مال نفسه بمال نفسه ,والمضارب يبيع مال ر ّ
,لنّ ر ّ
المال إذ المالن له ,والقياس يأبى ذلك ,إل أنّا استحسنّا الجواز لتعلق حقّ المضارب
ق غيرهما ,بل جعل في حقّ
بالمال وهو ملك التّصرف ,فجعل ذلك بيعا في حقّهما ل في ح ّ
ن المرابحة بيع يجريه البائع من غير بيّنةٍ فتجب صيانته عن
غيرهما ملحقا بالعدم ,ول ّ
الجناية وعن شبهة الجناية ما أمكن ,وقد تمكّنت التهمة في البيع بينهما ,لجواز أنّ ربّ
ن الجود بمال الغير أمر
المال باعه من المضارب بأكثر من قيمته ورضي به المضارب ,ل ّ
سهل ,فكانت تهمة الجناية ثابتة ,والتهمة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة ,فل يبيع
مرابحةً إل على أق ّل الثّمنين إل إذا بيّن المر على وجهه فيبيعه كيف شاء ,لنّ المانع هو
التهمة وقد زالت .
ج -الشفعة في المضاربة :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّ المضارب لو اشترى دارا ورب المال شفيعها بدار أخرى بجنبها 44
كلّ منهم مالً يتصرّف فيه وحده دون أن يشرك معه غيره في هذا المال .
واتّفقوا على أنّه يجوز أن يضارب رب المال أكثر من عاملٍ مجتمعين ,بأن يسلّم إليهم
ما ًل معيّنا يشتركون في تحريكه في البيع والشّراء والتّصرف فيه بما يناسب المضاربة .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز أن يتعدّد في المضاربة الواحدة رب المال ,بأن
يضارب أكثر من واحدٍ من أرباب المال عاملً واحدا ,وقيّد المالكيّة و الحنابلة ذلك بأن ل
يكون في ذلك ضرر لربّ المال الّذي سبق في المضاربة .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ نصيب كلّ عاملٍ من الرّبح في حال تعدد العمّال ,يكون
بحسب الشّرط في العقد .
وقال المالكيّة في المشهور :إنّ الرّبح يكون بحسب العمل .
وذكر الماورديّ صورةً ثالث ًة :وهي تعدد طرفي عقد المضاربة ,كأن يضارب رجلن
بمالهما رجلين .
يد المضارب :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ يد المضارب على رأس مال المضاربة يد أمانةٍ ,فل يضمن 46
قال الكاساني :يستحق المضارب النّفقة بعمله في مال المضاربة على سبيل الوجوب ,لنّ
الرّبح في المضاربة يحتمل الوجود والعدم ,والعاقل ل يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل
الوجود والعدم مع تعجيل النّفقة من مال نفسه ,فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة
لمتنع النّاس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها ,فكان إقدام المضارب وربّ
ب المال للمضارب بالنفاق من مال
المال على هذا العقد -والحال ما ذكر -إذنا من ر ّ
المضاربة ,فكان مأذونا له في النفاق دللةً ,فصار كما لو أذن له به نصا ,ولنّه يسافر
لجل المال ل على سبيل التّبرع ول ببدل واجبٍ له ل محالة فتكون نفقته في المال .
وشرط الوجوب خروج المضارب بالمال من المصر الّذي أخذ المال منه مضاربةً ,سواء
ن نفقته في مال نفسه ل في مال
كان مصره أو لم يكن ,فما دام يعمل به في ذلك المصر فإ ّ
ن دللة الذن ل تثبت في المصر ,وكذا إقامته
المضاربة ,وإن أنفق منه شيئا ضمن ,ل ّ
في الحضر ل تكون لجل المال ,لنّه كان مقيما قبل ذلك ,فل يستحق النّفقة ما لم يخرج
من ذلك المصر ,سواء كان خروجه بالمال مدّة سفرٍ أو أقلّ من ذلك ,حتّى لو خرج من
المصر يوما أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة لوجود الخروج من المصر لجل
المال ,وإذا انتهى إلى المصر الّذي قصده ,فإن كان ذلك مصر نفسه أو كان له في هذا
المصر أهل سقطت نفقته حين دخل ,لنّه يصير مقيما بدخوله فيه ل لجل المال ,وإن لم
يكن ذلك مصره ول له فيه أهل ,لكنّه أقام للبيع والشّراء ل تسقط نفقته ما أقام فيه ,وإن
نوى القامة خمسة عشر يوما فصاعدا ,ما لم يتّخذ ذلك المصر الّذي هو فيه دار إقامةٍ
لنّه إذا لم يتّخذه دار إقامةٍ كانت إقامته فيه لجل المال ,وإن اتّخذه وطنا كانت إقامته
ي ,ولو خرج من المصر الّذي دخله للبيع والشّراء
للوطن ل للمال فصار كالوطن الصل ّ
بنيّة العود إلى المصر الّذي أخذ المال فيه مضاربةً فإنّ نفقته من مال المضاربة حتّى
يدخله ,فإذا دخله :فإن كان ذلك مصره أو كان له فيه أهل سقطت نفقته ,وإل فل .
وكل من كان مع المضارب ممّن يعينه على العمل فنفقته من مال المضاربة ,كأجير يخدمه
ن نفقتهم كنفقة نفسه ,لنّه ل يتهيّأ للسّفر إل بهم .
أو يخدم دابّته ,ل ّ
وكل ما فيه النّفقة فالنّفقة في مال المضاربة ,وللعامل أن ينفق من مال نفسه ما له أن
ينفق من مال المضاربة على نفسه ويكون دينا في المضاربة ,حتّى كان له أن يرجع فيها
ن النفاق من المال وتدبيره إليه ,فكان له أن ينفق من ماله ويرجع به على مال
,لّ
المضاربة ,لكن بشرط بقاء المال ,حتّى لو هلك لم يرجع على ربّ المال بشيء -كذا
ن نفقة المضارب من مال المضاربة ,فإذا هلك هلك بما فيه ,كالدّين يسقط
ذكر محمّد -ل ّ
بهلك الرّهن ,والزّكاة تسقط بهلك النّصاب .
وتحتسب النّفقة من الرّبح أ ّولً إن كان في المال ربح ,فإن لم يكن فهي من رأس المال ,
ن النّفقة جزء هالك من المال ,والصل أنّ الهلك ينصرف إلى الرّبح ,ولنّا لو جعلناها
لّ
صةً أو في نصيب ربّ المال من الرّبح لزداد نصيب المضارب في الرّبح
من رأس المال خا ّ
ب المال .
على نصيب ر ّ
والمراد من النّفقة هنا :الكسوة والطّعام والدام والشّراب وأجر الجير ,وفراش ينام
عليه ,وعلف دابّته الّتي يركبها في سفره ويتصرّف عليها في حوائجه ,وغسل ثيابه ,
ودهن السّراج والحطب ونحو ذلك ,وقال :ول خلف بين أصحابنا في هذه الجملة ,لنّ
المضارب ل بدّ له منها ,فكان الذن ثابتا من ربّ المال دللةً ,وأمّا ثمن الدّواء والحجامة
صةً ,ل في
والفصد والتّنور والدّهان وما يرجع إلى التّداوي وصلح البدن ففي ماله خا ّ
مال المضاربة وذكر الكرخي خلف محمّدٍ أنّه في مال المضاربة عنده ,وذكر في الحجامة
والطّلء بالنورة والخضاب قول الحسن بن زيا ٍد أنّه يكون في مال المضاربة على قياس
صةً ,لنّ وجوب النّفقة للمضارب في
قول أبي حنيفة ,والصّحيح أنّه يكون في ماله خا ّ
المال لدللة الذن الثّابت عادةً ,وهذه الشياء غير معتادةٍ ,وعلى هذا إذا قضى القاضي
بالنّفقة يقضي بالطّعام والكسوة ول يقضي بهذه الشياء ,وأمّا الفاكهة فالمعتاد منها يجري
مجرى الطّعام والدام ,وقال بشر :سألت أبا يوسف عن اللّحم فقال :يأكل كما كان يأكل
لنّه من المأكول المعتاد .
وإذا رجع المضارب إلى مصره فما فضل عنده من الكسوة والطّعام ردّه إلى المضاربة ,
ن الذن له بالنّفقة كان لجل السّفر ,فإذا انقطع السّفر لم يبق الذن ,فيجب رد ما بقي
لّ
إلى المضاربة .
وقدر النّفقة يكون بالمعروف عند التجّار من غير إسرافٍ ,فإن جاوز ذلك ضمن الفضل ,
ن الذن ثابت بالعادة فيعتبر القدر المعتاد .
لّ
وتكون نفقة العامل في المضاربة الصّحيحة ل الفاسدة ,لنّه أجير في الفاسدة فل نفقة له
ن نفقة الجير على نفسه .
,إذ إ ّ
وقال المالكيّة :يجوز لعامل المضاربة النفاق من مالها على نفسه في زمن سفره للتّجارة
وإقامته في البلد الّذي يتّجر فيه وفي حال رجوعه حتّى يصل إلى وطنه ,ويقضى له بذلك
عند المنازعة بشروط :
الوّل :أن يسافر فعلً للتّجارة ,أو يشرع في السّفر ,أو يحتاج لما يشرع به فيه لتنمية
ب وركوبٍ ومسكنٍ وحمّامٍ وحجامةٍ
المال -ولو دون مسافة القصر -من طعامٍ وشرا ٍ
وغسل ثوبٍ ونحو ذلك على وجه المعروف حتّى يعود لوطنه .
ومفهوم الشّرط أنّه ل نفقة للعامل في الحضر ,قال اللّخمي :ما لم يشغله عن الوجوه
ل ينفق منها فعطّلها لجل عمل المضاربة ,
الّتي يقتات منها ,أي بأن كانت له صنعة مث ً
فله النفاق من مالها ,قال أبو الحسن :وهو قيد معتبر .
الثّاني :أن ل يبني بزوجته الّتي تزوّج بها في البلد الّتي سافر إليها لتنمية المال ,فإن
بنى بها سقطت نفقته لنّه صار كالحاضر ,فإن بنى بها في طريقه الّتي سافر فيها لم
تسقط .الثّالث :أن يحتمل مال المضاربة النفاق بأن يكون كثيرا عرفا ,فل نفقة في
اليسير .الرّابع :أن يكون سفره لجل تنمية المال ,أمّا لو كان سفره لزوجة مدخولٍ بها
وحجّ وغزوٍ فل نفقة له من مال المضاربة ,ل في حال ذهابه ول في حال إقامته في البلد
الّتي سافر إليها ,وأمّا في حال رجوعه فإن رجع من قربةٍ فل نفقة له ,وإن رجع من
عند أهلٍ لبلد له بها أهل فله النّفقة ,لنّ سفر القربة والرجوع منه للّه ,ول كذلك
الرجوع من عند الهل .والنّفقة بالمعروف تكون في مال المضاربة ل في ذمّة ربّ المال ,
ولو أنفق من مال نفسه رجع به في مال المضاربة ,فإن تلف فل رجوع له على ربّه ,
وكذا لو زادت النّفقة على المال ل رجوع له على ربّه بالزّائد .
ل لن يخدم بالشروط السّابقة .
وللعامل أن يتّخذ خادما من المال في حال سفره إن كان أه ً
وليس للعامل نفقة الدّواء ,وليس من الدّواء الحجامة والحمّام وحلق الرّأس بل من النّفقة
.وللعامل أن يكتسي من مال المضاربة إن طال سفره حتّى امتهن ما عليه ,ولو كانت
البلد الّتي أقام بها غير بعيدةٍ ,فالمدار على الطول ببلد التّجر ,والطول بالعرف ,وذلك مع
الشروط السّابقة .
ويوزّع النفاق إن خرج العامل لحاجة غير الهل والقربة مع خروجه للمضاربة على قدر
الحاجة والمضاربة ,فإن كان ما ينفقه على نفسه في حاجته مائة وفي المضاربة مائة
فأنفق مائة كان نصفها عليه ونصفها من مال المضاربة ,وإن كان ما ينفقه على نفسه في
اشتغاله بالمضاربة مائتين وزّع النفاق على الثلث والثلثين .
وقال الشّافعيّة :ل ينفق العامل من مال المضاربة على نفسه حضرا جزما ,وكذا سفرا في
ن النّفقة قد
ن له نصيبا في الرّبح فل يستحق شيئا آخر ,ول ّ
الظهر كما في الحضر ,ل ّ
تكون قدر الرّبح فيؤدّي إلى انفراده به ,وقد تكون أكثر فيؤدّي إلى أن يأخذ جزءا من
رأس المال وهو ينافي مقتضاه ,فلو شرط له النّفقة في العقد فسد ,وفي مقابل الظهر
ف والسّفرة
أنّه ينفق من مال المضاربة بالمعروف ما يزيد بسبب السّفر كالداوة والخ ّ
والكراء لنّه حبسه عن الكسب بالسّفر لجل المضاربة ,فأشبه حبس الزّوجة بخلف
الحضر ,وتحسب النّفقة من الرّبح فإن لم يكن فهي خسران لحق المال .
وقال الحنابلة :ليس للمضارب نفقة من مال المضاربة ولو مع السّفر بمال المضاربة ,
ق من الرّبح شيئا فل يستحق غيره ,إذ لو استحقّها لفضى إلى
لنّه دخل على أن يستح ّ
اختصاصه به حيث لم يربح سوى النّفقة إل بشرط ,قال تقي الدّين ابن تيميّة :أو عادةً
فإن شرطها رب المال وقدّرها فحسن قطعا للمنازعة ,فإن لم يقدّرها واختلفا فله نفقة مثله
ن إطلق النّفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة .
عرفا من طعامٍ وكسوةٍ ,ل ّ
ثانيا :الرّبح المسمّى :
-ممّا يستحقه المضارب بعمله في المضاربة الصّحيحة هو الرّبح المسمّى إن كان في 48
مال المضاربة يفوز بها المالك في الصحّ ,لنّها ليست من فوائد التّجارة الحاصلة
بتصرف العامل في مال التّجارة بالبيع والشّراء ,بل هي ناشئة من عين المال من غير
فع ٍل من العامل ,أمّا لو كانت الزّيادة غير حاصلةٍ من رأس المال ,كما لو اشترى حيوانا
ن الولد والثّمرة مال مضاربةٍ .
ل أو شجرا عليه ثمر ,فالوجه أ ّ
حام ً
وقيل :كل ما يحصل من هذه الفوائد مال مضاربةٍ لحصولها بسبب شراء العامل الصل .
وقال الحنابلة -على الصّحيح كما ذكر المرداوي -من جملة الرّبح :المهر والثّمرة
والجرة والرش وكذا النّتاج ,وقال في الفروع :ويتوجّه فيه وجه .
جبر تلف مال المضاربة وخسارته :
-ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو تلف بعض مال المضاربة بعد تحريكه 50
والتّصرف فيه أو خسر فإنّه يجبر بالرّبح إن كان ,أي يكمل من الرّبح ما نقص بالتّلف أو
الخسر من رأس المال ,ث ّم إن لم يكن ربح أو زاد التّلف أو الخسر على الرّبح فإنّه يكون
من رأس المال ،ولهم تفصيل .
ي :ما هلك من مال المضاربة فمن الرّبح لنّه تبع كالعفو في باب الزّكاة ,فإن
قال الموصل ّ
زاد فمن رأس المال لنّ المضارب أمين فل ضمان عليه ,فإن اقتسما الرّبح والمضاربة
بحالها ثمّ هلك رأس المال أو بعضه رجع في الرّبح حتّى يستوفي رأس المال ,لنّ الرّبح
فضل على رأس المال ,ول يعرف الفضل إل بعد سلمة رأس المال ,فل تصح قسمته
فينصرف الهلك إليه ,ولو فسخت المضاربة ثمّ اقتسما الرّبح ,ثمّ عقدا المضاربة فهلك
رأس المال لم يترادّا الرّبح ,لنّ هذه مضاربة جديدة ,والولى قد انتهت فانتهى حكمها ,
واشتراط الوضيعة على المضارب باطل .
وقال النّووي :النّقص الحاصل برخص في مال القراض هو خسران مجبور بالرّبح ,وكذا
النّقص بالتّعيب والمرض الحادثين ,وأمّا النّقص العيني وهو تلف بعض المال ,فإن حصل
بعد التّصرف في المال بيعا وشرا ًء فقطع الجمهور بأنّ الحتراق وغيره من الفات
السّماويّة خسران يجبر بالرّبح ,وفي التّلف بالسّرقة والغصب إذا تعذّر أخذ البدل من
المتلف وجهان ,وطرد جماعة الوجهين في الفة السّماويّة ,والصح في الجميع الجبر .
وإن حصل النّقص قبل التّصرف فوجهان :
أحدهما أنّه خسران فيجبر بالرّبح الحاصل بعد ,لنّه بقبض العامل صار مال مضاربةٍ ,
ن العقد لم يتأكّد بالعمل .
وأصحهما :يتلف من رأس المال ل من الرّبح ,ل ّ
هذا إذا تلف بعض مال المضاربة ,أمّا إذا تلف كله بآفة سماو ّي ٍة قبل التّصرف أو بعده
فترتفع المضاربة ,وكذا لو أتلفه المالك ,لكن لو أتلف أجنبي جميع مال المضاربة أو
بعضه أخذ منه بدله واستمرّت فيه المضاربة .
وقال البهوتيّ إن تلف رأس المال أو تلف بعضه بعد تصرفه ,أو تعيب رأس المال ,أو
خسر بسبب مرضٍ ,أو تغير صفةٍ ,أو نزل السّعر بعد تصرف المضارب في رأس المال .
جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ,ناضا أو مع تنضيضه بالمحاسبة ,لنّه
مضاربة واحدة فل شيء للعامل إل بعد كمال رأس المال .
وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرف العامل فيه انفسخت المضاربة في التّالف ,وكان
صةً ,لنّه مال هلك على جهةٍ قبل التّصرف ,أشبه التّالف قبل
رأس المال هو الباقي خا ّ
القبض ,وفارق ما بعد التّصرف لنّه دار في التّجارة .
وقالوا :ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الرّبح
ق إل باتّفاقهما على ذلك ,لنّه مع امتناع
لنّها مضاربة واحدة ,وتحرم قسمته والعقد با ٍ
ربّ المال وقايةً لرأس ماله لنّه ل يأمن الخسران فيجبره بالرّبح ,ومع امتناع العامل ل
يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقتٍ ل يقدر عليه ,فل يجبر واحد منهما .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يجبر خسر مال المضاربة بالرّبح ,هذا في المضاربة الصّحيحة أو
الفاسدة الّتي فيها قراض المثل ,وأمّا الّتي فيها أجرة المثل فل يتأتّى فيها جبر ,وضابط
ن كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة المثل ,وأمّا إن
ذلك أ ّ
شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل .
ولو دخل المضارب ورب المال على عدم الجبر بالرّبح لم يعمل به والشّرط ملغي ,قال
الصّاوي :هذا هو ظاهر ما لمالك وابن القاسم ,وحكى بهرام مقابله عن جمعٍ فقالوا :
محل الجبر ما لم يشترطا خلفه وإل عمل بذلك الشّرط ,قال بهرام :واختاره غير واحدٍ ,
ن الصل إعمال الشّرط لخبر « :المسلمون على شروطهم » ما لم يعارضه
وهو القرب ل ّ
نص .وقالوا :يجبر أيضا بالرّبح ما تلف من مال المضاربة بسماويّ ,وألحق به ما
أخذه لص أو عشّار ,وإن وقع التّلف قبل العمل بالمال ,ما لم يقبض رب المال من العامل
مال المضاربة ,فإن قبضه ناقصا عن أصله ثمّ ردّه له فل يجبر بالرّبح لنّه حينئذٍ صار
مضاربةً مستأنفةً ,والجبر إنّما يكون إذا بقي شيء من أصل المال ,فلو تلف جميعه فأتى
له ربه ببدله فل جبر للوّل بربح الثّاني .
ما يستحقه رب المال في المضاربة الصّحيحة :
-يستحق رب المال في المضاربة الصّحيحة الرّبح المسمّى إذا كان في المال ربح , 51
). 96 وأمّا زكاة الرّبح فللفقهاء فيها خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :زكاة ف
آثار المضاربة الفاسدة :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يترتّب على فساد المضاربة : 53
أ -أنّ الرّبح -إن حدث -يكون كله لربّ المال ,لنّ الرّبح نماء ماله ,وإنّما يستحق
المضارب شطرا منه بالشّرط ,ولم يصحّ الشّرط لنّ المضاربة إذا فسدت فسد الشّرط ,فلم
يستحقّ المضارب من الرّبح شيئا ,وكان كله لربّ المال .
ن عمله إنّما كان في مقابلة
ب -أنّ المضارب له أجر مثله -خسر المال أو ربح -ل ّ
ح التّسمية وجب رد عمله عليه ,وذلك متعذّر ,فوجب له أجرة
المسمّى ,فإذا لم تص ّ
ن المضاربة الفاسدة في معنى الجارة الفاسدة ,والجير ل يستحق المسمّى في
المثل ,ول ّ
الجارة الفاسدة ,وإنّما يستحق أجر المثل .
وعند الحنفيّة :يكون للمضارب أجر مثل عمله مطلقا ,وهو ظاهر الرّواية ,ربح المال أو
ن المال إذا لم يربح ل أجر
ل ,بل زيادةٍ على المشروط خلفا لمحمّد ,وعن أبي يوسف أ ّ
للمضارب ,وقال ابن عابدين :إنّه هو الصّحيح لئل تربو المضاربة الفاسدة على
الصّحيحة ,ثمّ قال :الخلف فيما إذا ربح ,وأمّا إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ ,
لنّه ل يمكن تقديره بنصف الرّبح المعدوم ,لكن في الواقعات :ما قاله أبو يوسف
مخصوص بما إذا ربح ,وما قاله محمّد أنّ له أجر المثل بالغا ما بلغ فيما هو أعم .
والصل عند المالكيّة :أنّ كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة
المثل ,وأمّا إن شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل .
ن ما يستحقه المضارب يختلف باختلف الحوال ,على ما
وقالوا :إذا فسدت المضاربة فإ ّ
يلي :
أ -يستحق المضارب أجرة مثله ومضاربة مثل المال في ربحه إن ربح .
ومن ذلك ما إذا كان رأس المال عرضا دفعه رب المال وتولّى المضارب بيعه وعمل بثمنه
ب المال المضارب على
مضاربةً ,أو كان رأس المال رهنا أو وديعةً ,أو دينا وكّل ر ّ
تخليصه والعمل بما خلّصه مضاربةً ,أو كان أحد النّقدين دفعه رب المال إلى المضارب
ليصرفه ثمّ يعمل بما صرفه مضاربةً ،فللمضارب إن عمل أجر مثله في تولّيه بيع العرض
أو تخليص الرّهن أو الوديعة أو الدّين ,أو في تولّيه الصّرف ,وهذا الجر يكون في ذمّة
ربّ المال .
وللمضارب في كلّ من هذه الصور مع أجر المثل مضاربةً مثل المال في ربحه -إن ربح
-ل في ذمّة ربّ المال ,حتّى إذا لم يحصل ربح لم يكن له شيء .
ب -يستحق المضارب مضاربة مثل المال .
ومن ذلك ما إذا انتفى علم نصيب العامل من الرّبح ,أو إذا أبهمت المضاربة ,أو أجّلت
ابتداءً أو انتهاءً ,أو ضمن العامل ,أو شرط عليه شراء ما يقل وجوده ,فللمضارب في
كلّ صور ٍة مضاربة المثل في الرّبح إن عمل وربح المال ,وإل فل شيء له في ذمّة ربّ
المال .ج -يستحق المضارب أجر مثله .
وذلك في غير ما سبق -ونحوه -من المضاربات الفاسدة ,كاشتراط يده ,أو مشاورته
ن ,أو شخصٍ ,أو مشاركةٍ
,أو أمينٍ عليه ,أو كخياطة أو فرزٍ ,أو تعيين محلّ ,أو زم ٍ
,أو خلطٍ .
وفرّق المالكيّة بين ما فيه مضاربة المثل وما فيه أجر المثل من المضاربات الفاسدة من
وجوهٍ :
ن ما فيه مضاربة المثل ل شيء للمضارب فيه إن لم يحصل ربح ,بخلف أجرة
أ-أّ
المثل فإنّها ل ترتبط بحصول ربحٍ ,بل تثبت في ال ّذمّة ولو لم يحصل ربح .
ب -أنّ ما فيه مضاربة المثل يفسخ قبل العمل ويفوت بالعمل ,وما فيه أجرة المثل يفسخ
متى اطّلع عليه وله أجرة ما عمل .
ج -أنّ العامل يكون أحقّ من الغرماء إذا كان له مضاربة المثل ,ويكون أسوتهم إذا كان
له أجر المثل ،على ظاهر المدوّنة والموّازيّة ,ما لم يكن الفساد باشتراط عمل يده -كأن
ل -فإنّه حينئذٍ يكون أحقّ به من الغرماء لنّه صانع .
يشترط عليه أن يخيط مث ً
-نقل في الفتاوى الهنديّة عن الفصول العماديّة أنّ كلّ ما جاز للمضارب في المضاربة 54
الصّحيحة من شراءٍ وبيعٍ أو إجار ٍة أو بضاعةٍ أو غير ذلك فهو جائز في المضاربة
الفاسدة .
وقال الشّافعيّة والحنابلة :تصرفات العامل في المضاربة الفاسدة نافذة كتصرفاته في
ب المال له في التّصرف .
الصّحيحة ,لذن ر ّ
ط -ككونه غير نقدٍ -
وقال الشّافعيّة :إذا فسدت المضاربة وبقي الذن لنحو فوات شر ٍ
نفذ تصرف العامل نظرا لبقاء الذن كالوكالة الفاسدة ,هذا إذا قارضه المالك بماله ,أمّا
إذا قارضه بمال غيره بوكالة أو وليةٍ أو فسد القراض لعدم الهليّة فل ينفذ تصرفه .
-وقال الحنفيّة والحنابلة :ل ضمان على العامل في المضاربة الفاسدة ,لنّ ما ل 55
اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدّعي العموم ,بأن ادّعى أحدهما المضاربة
في عموم التّجارات أو في عموم المكنة أو مع عموم الشخاص ,وادّعى الخر نوعا دون
ع ومكانا دون مكانٍ وشخصا دون شخصٍ ,لنّ قول من يدّعي العموم موافق للمقصود
نو ٍ
بالعقد ,وهو الرّبح ,وهذا في العموم أوفر .
ولو اختلفا في الطلق والتّقييد فالقول قول من يدّعي الطلق لنّه أقرب إلى المقصود
بالعقد وهو الرّبح .
ب المال في الفصلين جميعا ,وقيل :إنّه قول زفر
ن القول قول ر ّ
وقال الحسن بن زيادٍ :إ ّ
ن الذن يستفاد من ربّ المال فكان القول في ذلك قوله .
,ووجهه أ ّ
فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة مدّعي العموم في الختلف في العموم والخصوص لنّها
تثبت زياد ًة ,وبيّنة مدّعي التّقييد عند الختلف في الطلق والتّقييد لنّها تثبت زيادةً فيه
وبيّنة الطلق ساكتة .
ولو اتّفقا على الخصوص لكنّهما اختلفا في ذلك الخاصّ ,فقال رب المال :دفعت إليك
مضاربةً في البزّ ,وقال المضارب :في الطّعام .
فالقول قول ربّ المال -باتّفاقهم -لنّه ل يمكن التّرجيح هنا بالمقصود من العقد
ب المال .
لستوائهما في ذلك فترجّح بالذن وأنّه يستفاد من ر ّ
ب المال نافية ,لنّه ل
فإن أقاما بيّنةً ،فالبيّنة بيّنة المضارب لنّ بيّنته مثبتة وبيّنة ر ّ
يحتاج إلى الثبات والمضارب يحتاج إلى الثبات لدفع الضّمان عن نفسه ,فالبيّنة المثبتة
للزّيادة أولى .
ثانيا :اختلف ربّ المال والمضارب في قدر رأس المال :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا اختلف رب المال والعامل في قدر رأس المال المدفوع 57
للمضاربة فقال رب المال :دفعت ألفين ,وقال العامل :بل دفعت ألفا ،فالقول قول العامل
ن القول في مقدار المقبوض للقابض أمينا أو ضمينا
,لنّه مدّعىً عليه وهو أمين ,ول ّ
ب المال يدّعي
ن الصل عدم القبض فل يلزمه إل ما أقرّ به ,ولنّ ر ّ
كما لو أنكره ,ول ّ
عليه قبض شيءٍ وهو ينكره ,والقول قول المنكر .
ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله :أجمع من نحفظ عنهم من أهل العلم أنّ القول قول
العامل في قدر رأس المال .
وقيّد الشّافعيّة الحكم السّابق بما إذا لم يكن في المال ربح ,فأمّا إن كان في المال ربح ففي
المسألة وجهان :
أحدهما أنّ القول قول العامل ,والثّاني :أنّهما يتحالفان ,لنّهما اختلفا فيما يستحقّان من
الرّبح فتحالفا كما لو اختلفا في قدر الرّبح المشروط ,قال الشّيرازي :والصّحيح هو الوّل
ن الختلف في الرّبح المشروط اختلف في صفة العقد فتحالفا ,كالمتبايعين إذا اختلفا
لّ
في قدر الثّمن ,وهذا اختلف فيما قبض ,فكان الظّاهر مع الّذي ينكر ,كالمتبايعين إذا
اختلفا في قبض الثّمن فإنّ القول قول البائع .
ب المال في مقدار
وأضاف الحنفيّة أنّه لو كان الختلف مع ذلك في مقدار الرّبح فالقول لر ّ
الرّبح فقط لنّه يستفاد من جهته ,وأيهما أقام بيّنةً تقبل ,وإن أقاماها فالبيّنة بيّنة ربّ
المال في دعواه الزّيادة في رأس المال لنّها في ذلك أكثر إثباتا ,وبيّنة المضارب في
دعواه الزّيادة في الرّبح لنّها في ذلك أكثر إثباتا .
ثالثا :الختلف بين ربّ المال
والمضارب في أصل المضاربة :
ب المال والمضارب في أصل المضاربة صورا ,منها :
ذكر الفقهاء للختلف بين ر ّ
أ -اختلفهما في كون رأس المال مضاربةً أو قرضا :
-فصّل الفقهاء حكم اختلف ربّ المال والمضارب في كون رأس المال كان مضاربةً أو 58
قرضا :
فقال الحنفيّة :لو قال رب المال :دفعت إليك المال مضاربةً ,وقال المضارب :أقرضتني
ب المال لنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر ,
المال والرّبح لي ,فالقول قول ر ّ
فإن أقاما بيّنةً ,فالبيّنة بيّنة المضارب لنّها تثبت التّمليك ,ولنّه ل تنافي بين البيّنتين
لجواز أن يكون أعطاه مضارب ًة ثمّ أقرضه .
ولو قال المضارب :دفعت إليّ مضاربةً ,وقال رب المال :بل أقرضتك ,فالقول قول
ن الخذ كان بإذن ربّ المال ,ورب المال يدّعي على
المضارب لنّهما اتّفقا على أ ّ
ب المال
المضارب الضّمان وهو ينكر فكان القول له ,فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة ر ّ
لنّها تثبت أصل الضّمان .
وعند المالكيّة :لو قال رب المال :أعطيتك المال مضاربةً ,وقال العامل :بل سلفا ،
ب المال هنا م ّدعٍ في الرّبح فل يصدّق .
فالقول قول العامل ,لنّ ر ّ
ولو أنّ رجلً قال لرجل :لك عندي ألف درهمٍ مضاربةً ,وقال رب المال بل هي عندك
ب المال .
سلفا ,فالقول قول ر ّ
ي -لو قال المالك :مضاربةً ,وقال الخر :
وعند الشّافعيّة -كما قال الشّهاب الرّمل ّ
قرضا ,عند بقاء المال وربحه ,فالظّاهر أنّ القول قول مدّعي القرض لمور منها :أنّه
قادر على جعل الرّبح له بقوله :اشتريت هذا لي فإنّه يكون القول قوله ,ولو انعكس
قولهما بعد تلف المال في يد العامل صدّق العامل -كما أفتى النصاري والبغويّ وابن
الصّلح -لنّهما اتّفقا على جواز التّصرف والصل عدم الضّمان ,وإن أقام كل منهما
بيّن ًة بما ادّعاه فوجهان :أوجههما تقديم بيّنة المالك لنّ معها زيادة علمٍ .
وقال الحنابلة :لو دفع إليه ما ل يتّجر به ثمّ اختلفا فقال رب المال :كان مضاربةً على
النّصف -مثلً -فربحه بيننا ,وقال العامل :كان قرضا فربحه كله لي ،فالقول قول ربّ
المال ,لنّ الصل بقاء ملكه عليه ,فيحلف رب المال ,ويقسم الرّبح بينهما نصفين ,وإن
أقام كل واحدٍ منهما بيّنةً بدعواه تعارضت البيّنتان وسقطتا ,وقسم الرّبح بينهما نصفين ,
ن الصل بقاء ملك ربّ المال عليه وتبعه الرّبح ,لكن قد
نصّ عليه في رواية مهنا ,ل ّ
اعترف بنصف الرّبح للعامل فبقي الباقي على الصل ,والمذهب :تقدّم بيّنة العامل .
ب -اختلفهما في كون رأس المال
مضاربةً أو بضاعةً :
-للفقهاء تفصيل في اختلف طرفي المضاربة في كون رأس المال مضارب ًة أو بضاعةً 59
فقال الحنفيّة :لو قال رب المال :دفعت إليك بضاعةً وقال المضارب :مضاربةً بالنّصف
فالقول قول ربّ المال ،لنّ المضارب يستفيد الرّبح بشرطه وهو منكر فكان القول قوله
أنّه لم يشترط ,ولنّ المضارب يدّعي استحقاقا في مال الغير فالقول قول صاحب المال .
ولو قال المضارب :أقرضتني المال والرّبح لي ,وقال رب المال :دفعته إليك بضاعةً
فالقول قول ربّ المال ,لنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر ,فإن أقاما بيّنةً
فالبيّنة بيّنة المضارب .
وقال المالكيّة :إن ادّعى العامل أنّه مضاربة ,وقال رب المال :بل أبضعته معك لتعمل لي
ب المال بيمينه أنّه ليس بمضاربة ,ويكون للعامل أجر مثله
ن القول حينئذٍ قول ر ّ
به ,فإ ّ
ما لم يزد على ما ادّعاه فل يزاد ,وإن نكل كان القول قول العامل مع يمينه إذا كان ممّن
يستعمل مثله في المضاربة .
وقال الحنابلة إن قال رب المال :كان بضاعةً فربحه لي ,وقال العامل :كان مضاربةً
ل منهما منكر لما ادّعاه
فربحه لنا ،حلف كل منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ،لنّ ك ً
خصمه عليه ,والقول قول المنكر ,وكان للعامل أجرة مثله ,والباقي لربّ المال ،لنّه
نماء ماله تابع له .
ج -اختلفهما في كون رأس المال
مضاربةً أو غصبا :
-قال الحنفيّة :لو قال المضارب :دفعته إليّ مضاربةً ,وقد ضاع المال قبل أن أعمل 60
به ,وقال رب المال :أخذته غصبا ,فل ضمان على المضارب لنّه ما أق ّر بوجود السّبب
ب المال إليه وذلك غير موجبٍ للضّمان عليه ,
الموجب للضّمان عليه وإنّما أق ّر بتسليم ر ّ
ورب المال يدّعي عليه الغصب الموجب للضّمان وهو ينكر ,فإن كان عمل به ثمّ ضاع
فهو ضامن للمال ,لنّ عمله في مال الغير سبب موجب للضّمان عليه ما لم يثبت إذن
صاحبه فيه ولم يثبت ذلك لنكاره ,فأمّا إن أقاما البيّنة ،فالبيّنة بيّنة المضارب في
ب المال والذن له في العمل ببيّنة .
الوجهين لنّه يثبت تسليم ر ّ
ولو قال المضارب :أخذت منك هذا المال مضاربةً فضاع قبل أن أعمل به أو بعد ما عملت
ب المال ,والمضارب ضامن ,لنّه
,وقال رب المال :أخذته منّي غصبا ،فالقول قول ر ّ
أقرّ بالخذ وهو سبب موجب للضّمان ,ثمّ ادّعى المسقط وهو إذن صاحبه فل يصدّق في
ذلك إل بحجّة .
وقال المالكيّة :إذا قال العامل :المال بيدي مضاربةً أو وديعةً ,وقال رب المال :بل
ن القول قول العامل مع يمينه والبيّنة على ربّ المال ,
غصبته منّي أو سرقته منّي ,فإ ّ
ن الصل عدم الغصب والسّرقة ولو كان مثله يشبه أن يغصب أو يسرق .
لنّه مدّعٍ ,ول ّ
د -اختلفهما في كون العقد مضاربةً أو وكالةً :
-قال الشّافعيّة :إذا اختلف العامل ورب المال في أصل المضاربة فقال العامل : 61
رب المال :اشتريتها للمضاربة ,أو قال العامل :اشتريتها للمضاربة ,وقال رب المال :
بل لنفسك ،فالقول قول العامل ,لنّه قد يشتري لنفسه وقد يشتري للمضاربة ول يتميّز
أحدهما عن الخر إل بالنّيّة فوجب الرجوع إليه ,ولنّ الختلف هنا في نيّة المشتري
وهو أعلم بما نواه ل يطّلع عليه أحد سواه ,فكان القول قوله فيما نواه .
وفرّق النّووي بين المسألتين فقال :إذا قال العامل :اشتريت هذا للمضاربة ,فقال المالك
:بل لنفسك ،فالقول قول العامل على المشهور ,وفي قولٍ :قول المالك ,لنّ الصل عدم
وقوعه عن المضاربة ,ولو قال العامل :اشتريته لنفسي ,فقال المالك :بل للمضاربة ،
صدّق العامل بيمينه قطعا .
وقال الشّربيني الخطيب :يصدّق العامل في قوله :اشتريت هذا الشّيء للمضاربة وإن كان
خاسرا ,أو لي وإن كان رابحا ,لنّه مأمون وهو أعرف بقصده ,ولنّه في الثّانية في
يده .
وقال :محل قبول قوله أنّه اشتراه لنفسه إذا وقع العقد على ال ّذمّة لنّ التّعويل فيه على
النّيّة ,أمّا إذا ادّعى أنّه اشتراه لنفسه وأقام المالك بيّنةً أنّه اشتراه بعين مال المضاربة
ففيه وجهان :رجّح ابن المقري منهما أنّه يبطل العقد ,وبه صرّح الماورديّ والشّاشي
والفارقيّ وغيرهم .
كما نقله عنهم الذرعي وغيره لنّه قد يشتري لنفسه بمال المضاربة عدوانا ,ورجّح
صاحب النوار أنّه يحكم به للمضاربة ,ثمّ قال :قال المام والغزالي والقشيريّ :كل
شرا ٍء وقع بمال المضاربة ل شكّ في وقوعه لها ول أثر لنيّة العامل ,لذن المالك له في
الشّراء .ثمّ قال الشّربيني الخطيب :والقول بالبطلن أوجه كما اعتمده الشّهاب الرّمليّ .
وقال الحنفيّة من دفع إلى آخر ألف درهمٍ مضاربةً بالنّصف فاشترى دا ّبةً بألف درهمٍ ولم
يقل عند الشّراء إنّه اشتراها للمضاربة ,فلمّا قبضها قال :اشتريتها وأنا أنوي أن تكون
على المضاربة ,وكذّبه رب المال فقال :اشتريتها لنفسك ,هل يصدّق المضارب فيما
قال ؟ فهذه المسألة ل تخلو من أربعة أوجهٍ :
إمّا أن يكون مال المضاربة والدّابّة قائمين وقت إقرار المضارب ,أو كانا هالكين ,أو
كانت الدّابّة قائم ًة ومال المضاربة هالكا ,أو كان مال المضاربة قائما والدّابّة هالكةً .
ففي الوجه الوّل :القول قول المضارب مع يمينه ,فإن هلك مال المضاربة في يده قبل
التّسليم إلى البائع فإنّه يرجع على ربّ المال بثمنه ويسلّمه إلى البائع ,وفي الوجه الثّاني
:ل يصدّق المضارب من غير بيّن ٍة ويضمن المضارب للبائع ألف درهمٍ ،ول يرجع على
ربّ المال بشيء ,وكذلك الجواب في الوجه الثّالث ,وفي الوجه الرّابع :ذكر أنّ
ق تسليم ما في يده من رأس مال المضاربة إلى
ب المال في ح ّ
المضارب يصدّق على ر ّ
البائع ,وإذا هلك في يده وأراد أن يرجع على ربّ المال بألف آخر فإنّه ل يكون مصدّقا .
ولو كان المضارب اشترى الدّابّة بألف المضاربة ,ثمّ نقد ثمنها من مال نفسه ,وقال
اشتريتها لنفسي ,وكذّبه رب المال فالقول قول ربّ المال ,ويأخذ المضارب ألف
المضاربة قصاصا بما أدّاه ,ولو كان اشترى الدّابّة بألف درهمٍ ,ولم يسمّ مضارب ًة ول
غيرها ,ثمّ قال اشتريتها لنفسي فالقول قوله .
وإن اتّفقا أنّه لم تحضر للمضارب نيّة وقت الشّراء ,فعلى قول أبي يوسف يحكم النّقد إن
نقد من مال المضارب كان الشّراء للمضاربة ,وإن نقد من ماله كان الشّراء له ,وعند
محمّدٍ يكون الشّراء واقعا للمضارب نقد من ماله أو من مال المضارب ,كما في الوكيل
ص.
الخا ّ
خامسا :اختلفهما في النّهي بعد الذن :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ القول قول المضارب إذا قال رب المال له :كنت نهيتك عن 64
ب المال ,وإذا ادّعى رب المال فسادها فالقول للمضارب ,بمعنى أنّ القول
فالقول لر ّ
ن هذا
صحّة من ربّ المال والمضارب ,وزاد المالكيّة :ولو غلب الفساد ,ل ّ
لمدّعي ال ّ
الباب ليس من البواب الّتي يغلب فيها الفساد ,وهذا هو المعوّل عليه .
واستثنى الحنفيّة من هذا الصل ما إذا قال رب المال :شرطت لك الثلث وزيادة عشرةٍ ,
وقال المضارب :الثلث ,فالقول للمضارب .
ويؤخذ من القواعد المقرّرة لدى الشّافعيّة و الحنابلة أنّه عند الختلف في فساد عقد
صحّة منهما .
المضاربة أو صحّته يكون القول لمدّعي ال ّ
ويرى المالكيّة في قو ٍل أنّه عند غلبة الفساد يكون القول لمن ادّعى الفساد .
سابعا :اختلف ربّ المال والمضارب
في تلف رأس المال :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اختلف العامل ورب المال في تلف المال ,بأن ادّعاه العامل 66
ما ربحت ,أو ما ربحت إل ألفا ,فقال المالك :ألفين ,فالقول قول العامل ,وصرّح
الشّافعيّة بأنّ العامل يصدّق بيمينه .
وقال الشّافعيّة والحنفيّة :إذا قال المضارب :ربحت ألفا ,وادّعى أنّه غلط فيه ,وأظهر
ذلك خوفا من نزع المال من يده لم يقبل منه ,لنّ هذا رجوع عن إقراره بمال غيره فلم
يقبل في حصّة الخر .
تاسعا :اختلف ربّ المال والمضارب في
قدر الجزء المشروط من الرّبح :
-ذهب الحنفيّة و الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب المال والمضارب في قدر الجزء 68
المشروط من الرّبح فادّعى العامل النّصف -مثلً -وقال رب المال :الثلث ,فالقول قول
ربّ المال لنّه لو أنكر الرّبح رأسا كان القول قوله فكذلك قدره ,فإن أقاما جميعا البيّنة
فالبيّنة بيّنة المضارب .
وقال زفر :القول قول العامل لنّهما اتّفقا على أنّه يستحق المضاربة ,وظاهر الحال
التّساوي فكان القول قوله .
وقال المالكيّة :القول للعامل بيمينه في قدر جزء الرّبح إذا تنازعا بعد العمل وأمّا قبل
ب المال فسخه بشرطين :
العمل فل فائدة لكون القول قول العامل لنّ لر ّ
الوّل :إن ادّعى شبها ,أي جزءا يشبه أن يكون جزء قراضٍ في العادة كالثلث أو النّصف
وقد جرت بهما عادة النّاس ,سواء أشبه رب المال أم ل ,وأمّا لو انفرد رب المال بالشّبه
فيكون القول قوله .
الثّاني :أن يكون المال بيد العامل ولو حكما ,فلو سلّمه لربّه على وجه المفاصلة لم يكن
القول قول العامل ولو مع وجود شبهه إن َبعُدَ قيامه ,فإن قرب فالقول قوله ،كما قاله أبو
الحسن .
ب المال بيمينه -سواء كان تنازعهما قبل العمل أو بعده إن ادّعى في
وقالوا :القول لر ّ
قدر جزء الرّبح الشّبه ولم يشبّه العامل ,فإن لم يشبّه ربه أيضا فمضاربة المثل ،أي جزء
مضاربة المثل .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ طرفي عقد المضاربة إن اختلفا في قدر الرّبح المشروط للعامل
-فقال العامل :النّصف ,وقال المالك بل الثلث -تحالفا كالمتبايعين ,فإذا حلفا فسخ
العقد ,واختصّ الرّبح والخسران بالمالك ,ووجبت عليه للعامل أجرة مثله وإن زادت على
ن مقتضى التّحالف والفسخ رجوع كلّ من العوضين لصاحبه ,فإن تعذّر فقيمته
مدّعاه ,ل ّ
,وقد رجع المال وربحه للمالك وقياسه رجوع العمل للعامل لكنّه تعذّر ,فأوجبنا قيمته
وهي الجرة .
ن الجرة إن كانت أكثر ممّا ادّعاه العامل فليس له إل ما ادّعاه .
وفي وجهٍ :أ ّ
عاشرا :اختلف ربّ المال والمضارب
في ردّ رأس المال :
-ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة في الصحّ وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب 69
ن القول هو قول
المال والعامل في ردّ رأس مال المضاربة إلى مالكه أو عدم ردّه ،فإ ّ
العامل .
وقال المالكيّة :القول قول العامل أنّه ردّ مال المضاربة إلى ربّه حيث قبضه بغير بيّنةٍ ,
وإل فل ب ّد من بيّنةٍ تشهد له بالرّدّ على المشهور ,لنّ القاعدة أنّ كلّ شي ٍء أخذ بإشهاد ل
يبرأ منه إل بإشهاد ,ول ب ّد أن تكون البيّنة مقصودةً للتّوثق ,ول ب ّد من حلفه على
دعوى الرّدّ وإن لم يكن منهما اتّفاقا ،أي عندهم .
وقالوا :هذا فيما إذا ادّعى العامل ردّ رأس المال وربحه ,أو ادّعى ردّ رأس المال وحصّة
ربّ المال من الرّبح حيث كان فيه ربح ,وأمّا إن ادّعى ردّ رأس المال دون ربحٍ حيث كان
فيه ربح فقال اللّخمي :يقبل قوله ,وقال القابسي :ل يقبل قوله ,وظاهر المدوّنة عدم
قبول قولـه ولو أبقى العامل بيده قدر حصّته من الرّبح ,وقال العدويّ :كلم ابن رشدٍ
يقتضي اعتماد القول الوّل .
ويرى الحنابلة في المذهب وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة أنّه إن ادّعى العامل ر ّد المال
ن العامل قبض
ب المال مع يمينه ,نصّ عليه أحمد ,ل ّ
فأنكر رب المال ،فالقول قول ر ّ
المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ردّه ,ولنّ ربّ المال منكر والقول قول المنكر ,ولنّ
المضارب لم يقبض رأس المال إل لنفع نفسه ولم يأخذه لنفع ربّ المال .
انفساخ المضاربة :
المضاربة تنفسخ بأسباب منها :
أ ّولً :موت ربّ المال أو المضارب :
ب المال أو
-ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تنفسخ بموت ر ّ 70
ن المضاربة كالوكالة ,أو تشتمل عليها ,والوكالة تبطل بموت الموكّل أو
المضارب ,ل ّ
ن رأس المال إذا كان عند الموت عرضا فإنّ للمضارب البيع
الوكيل ,غير أنّهم قالوا :إ ّ
لتنضيضه .
وذهب المالكيّة إلى أنّه :إن مات عامل المضاربة قبل نضوض رأس مالها فلوارثه المين
-ل غيره -أن يكمل العمل على حكم مورّثه ,فيبيع ما بقي من سلع المضاربة ويأخذ
حظّ مورّثه من الرّبح ,ول ينفسخ عقد المضاربة بموت العامل ارتكابا لخفّ الضّررين ,
ك أنّ ضرر
ب المال في إبقائه عندهم ,ول ش ّ
وهما :ضرر الورثة في الفسخ ,وضرر ر ّ
الورثة بالفسخ أشد لضياع حقّهم في عمل مورّثهم .
وإن لم يكن وارث العامل أمينا أتى الوارث بأمين ,كالعامل الوّل الّذي مات في المانة
والثّقة ,يكمل العمل في مال المضاربة ويكون بصيرا بالبيع والشّراء ,بخلف أمانة
الوارث فل يشترط فيها مساواتها لمانة المورّث ,والفرق أنّه يحتاط في الجنبيّ ما ل
يحتاط في الوارث ,قال الدسوقي :وبعضهم اكتفى بمطلق المانة في الجنبيّ وإن لم تكن
مثل المانة في الوّل .
وإن لم يكن الوارث أمينا ولم يأت بأمين كالوّل سلّم الوارث المال لربّه تسليما هدرا ,أي
بغير أخذ شي ٍء من ربحٍ أو أجر ٍة في نظير عمل من مات ,لنّ المضاربة كالجعالة ل
يستحق جعلها إل بتمام العمل ,أي فكذلك عامل المضاربة ل يستحق شيئا إل بتمام العمل
فيها ,والفرض هنا أنّه لم يتمّ .
وفي المدوّنة -بعد مثل ما سبق من التّفصيل للمالكيّة -إن مات رب المال فهؤلء على
مضاربتهم بحال ما كانوا إن أراد الورثة ذلك ,فإن أراد الورثة أخذ مالهم فليس لهم ذلك
عند مالكٍ ,ولكن ينظر في السّلع :فإن رأى السلطان وجه بيعٍ باع فأوفى رأس المال ,
وما بقي من الرّبح على ما اشترطا ,وإن لم ير السلطان وجه بي ٍع أخّر السّلع حتّى يرى
وجه بيعٍ .
وفيها :إن مات رب المال والمال في يدي المضارب ولم يعمل به بعد فل ينبغي -في قول
ب المال حتّى اشترى بالمال
مالكٍ -أن يعمل به ويؤخذ منه ,فإن لم يعلم العامل بموت ر ّ
بعد موت ربّه ,فقال مالك :هو على المضاربة حتّى يعلم بموته .
ثانيا :فقدان أهليّة أحدهما أو نقصها :
ب المال أو المضارب من عوارض الهليّة ما يذهبها أو ينقصها ,ممّا
قد يعرض لهليّة ر ّ
قد يكون سببا في إنهاء المضاربة ,ومن هذه العوارض :
أ -الجنون :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ الجنون المطبق إذا اعترى أحد طرفي عقد المضاربة فإنّه يبطل 71
العقد .
ب -الغماء :
ص الشّافعيّة على أنّ الغماء سبب تنفسخ به المضاربة ,فقالوا :إذا أغمي على
-ن ّ 72
أحد طرفي عقد المضاربة انفسخ العقد كما ينفسخ بالجنون والموت .
ج -الحجر :
ص الحنفيّة و الحنابلة على أنّ المضاربة تبطل بالحجر يطرأ على أحد العاقدين .
-ن ّ 73
وقال الحنابلة :إذا توسوس أحد العاقدين في المضاربة بحيث ل يحسن التّصرف انفسخت
المضاربة ,لنّه عقد جائز من الطّرفين فبطل بذلك كالوكالة .
ثالثا :فسخ المضاربة :
-فسخ المضاربة يكون من العاقدين بإرادتهما ,أو من أحدهما بإرادته المنفردة . 74
ويحصل الفسخ بقول :فسخت المضاربة أو رفعتها أو أبطلتها ,أو بقول المالك للعامل :ل
ب المال رأس مال المضاربة
تتصرّف بعد هذا ،ونحو ذلك ,وقد يحدث بالفعل كاسترجاع ر ّ
كلّه ،وغير ذلك .
ب المال
وعقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللزمة ,والصل فيه أنّه يجوز لكلّ من ر ّ
والمضارب فسخ العقد بإرادته المنفردة متى شاء ,وعلى هذا اتّفق الفقهاء في الجملة ,
غير أنّهم اختلفوا بعد ذلك :
فقال الشّافعيّة و الحنابلة :لكلّ من العاقدين فسخ عقد المضاربة متى شاء دون اشتراط
علم الخر وكون رأس المال ناضا .
ب المال والمضارب الفسخ بشرط علم صاحبه وكون رأس المال
وقال الحنفيّة :لكلّ من ر ّ
عينا عند الفسخ .
وقال المالكيّة :حق كلّ منهما في الفسخ مقيّد بكونه قبل شراء السّلع بالمال .
ولهم في ذلك وغيره تفصيل :
قال المالكيّة :إذا نهى رب المال المضارب عن العمل بماله قبل العمل انحلّ عقد المضاربة
ويصير المال كالوديعة ,فإذا عمل بعد ذلك فله الرّبح وحده وعليه الخسر ,وليس لربّ
المال عليه إل رأس المال .
وقال الحنفيّة :لو نهى رب المال المضارب عن التّصرف ورأس المال عروض وقت النّهي
لم يصحّ نهيه ,أي ول ينعزل بهذا النّهي ,وله أن يبيع العروض لنّه يحتاج إلى بيعها
بالدّراهم والدّنانير ليظهر الرّبح ,فكان النّهي والفسخ إبطالً لحقّه في التّصرف فل يملك
ذلك ,وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير وقت الفسخ والنّهي صحّ الفسخ والنّهي ,لكن
له أن يصرف الدّراهم إلى دنانير والدّنانير إلى دراهم استحسانا -أي لتوافق جنس رأس
المال -لنّ ذلك ل يعد بيعا -أي للعين -لتّحادهما في الثّمنيّة .
وقال الشّافعيّة :وللعامل بعد الفسخ بيع مال المضاربة إذا توقّع فيه ربحا كأن ظفر بسوق
أو راغبٍ ,ول يشتري لرتفاع عقد المضاربة مع انتفاء حظّه فيه .
ويلزم العامل استيفاء دين مال المضاربة إذا فسخ أحدهما ,أو فسخا ,أو انفسخ العقد ,
ن الدّين ناقص وقد أخذ العامل من المالك ملكا تاما فلير ّد كما أخذ ,سواء أكان في المال
لّ
ربح أم ل ,ولو رضي بقبول الحوالة جاز .
ويلزم العامل أيضا تنضيض رأس المال إن كان عند الفسخ عرضا وطلب المالك تنضيضه
,سواء أكان في المال ربح أم ل .
وقال الحنابلة :إذا انفسخت المضاربة والمال ناض ل ربح فيه أخذه ربه ,وإن كان فيه
ربح قسماه على ما شرطاه ,وإن انفسخت والمال عرض فاتّفقا على بيعه أو قسمه جاز ,
ن الحقّ لهما ل يعدوهما .
لّ
وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال -وقد ظهر في المال ربح -أجبر رب المال على
ن حقّ العامل في الرّبح ول يظهر إل بالبيع ,وإن لم يظهر ربح لم يجبر .
البيع ,ل ّ
وإن انفسخت المضاربة والمال دين لزم العامل تقاضيه ,سواء ظهر في المال ربح أو لم
يظهر .
رابعا :تلف رأس مال المضاربة :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ المضاربة تنفسخ بتلف مال المضاربة الّذي تسلّمه المضارب 75
المضاربة لعدم وجود المال الّذي تقوم عليه المضاربة ,وأنّ استرداده بعض رأس المال
تنفسخ به المضاربة فيما استر ّد وتظل قائم ًة فيما سواه .
ي :إن أخذ المالك المال بغير أمر المضارب وباع واشترى بطلت إن كان رأس
قال الحصكف ّ
ن النّقض الصّريح لها ل يعمل
المال نقدا لنّه عامل لنفسه ,وإن صار عرضا ل تبطل ل ّ
حينئذٍ فهذا أولى ,ثمّ إن باع بعرض بقيت وإن بنقد بطلت ,لنّه عامل لنفسه ,وقال ابن
عابدين نقلً عن البحر :لو باع رب المال العروض بنقد ثمّ اشترى عروضا كان للمضارب
حصّته من ربح العروض الولى ل الثّانية لنّه لمّا باع العروض وصار المال نقدا في يده
كان ذلك نقضا للمضاربة فشراؤه به بعد ذلك يكون لنفسه ,فلو باع العروض بعروض
ن وربح كان بينهما على ما شرطا .
مثلها أو بمكيل أو موزو ٍ
وفصّل الشّافعيّة وقالوا :ترتفع المضاربة باسترجاع المالك رأس المال كلّه من المضارب ,
ح وخسرانٍ فيه رجع رأس المال إلى الباقي
ولو استردّ المالك بعض المال قبل ظهور رب ٍ
بعد المستر ّد ,لنّه لم يترك في يد المضارب غيره فصار كما لو اقتصر في البتداء على
إعطائه له ,وانفسخت المضاربة فيما استر ّد .
وإن استردّ المالك بعض رأس المال بغير رضا العامل بعد ظهور الرّبح فالمسترد منه شائع
:ربحا ورأس مالٍ على النّسبة الحاصلة من جملة الرّبح ورأس المال ,لنّه غير مميّزٍ ,
ويستقر ملك العامل على ما خصّه من الرّبح فل ينفذ تصرف المالك فيه ول يسقط بخسر
وقع بعده ,مثاله :رأس المال مائة من الدّراهم والرّبح عشرون واستردّ المالك عشرين ,
فالرّبح سدس جميع المال وهو مشترك بينهما ,فيكون المسترد وهو العشرون سدسه من
الرّبح ثلثة دراهم وثلث ,فيستقر للعامل المشروط منه -وهو درهم وثلثان إن شرط
نصف الرّبح -وباقيه من رأس المال ,فيعود رأس المال إلى ثلث ٍة وثمانين وثلثٍ ,فلو
عاد ما في يد العامل إلى ثمانين لم تسقط حصّة العامل بل يأخذ منها -أي من الثّمانين -
درهما وثلثي الدّرهم ويرد الباقي ,واستقلل العامل بأخذ حصّته -وهو ما استشكل عليه
السنوي تبعا لبن الرّفعة -لنّ المالك لمّا تسلّط باسترداد ما علم للعامل فيه جزء مكّن
العامل من الستقلل بأخذ مثله ليحصل التّكافؤ بينهما .
والحكم كذلك لو استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الرّبح برضا العامل وصرّحا
بالشاعة أو أطلقا .
وإن كان السترداد في المثال السّابق برضا العامل ,وقصد هو والمالك الخذ من رأس
ص به ,أو من الرّبح اختصّ به ,وحينئذٍ يملك العامل ممّا في يده قدر حصّته
المال اخت ّ
على الشاعة .
قال الشّبراملسي :وينبغي أن يكون له الستقلل بأخذه ممّا في يده ,وإن لم يقصدا شيئا
حمل على الشاعة ,ونصيب العامل قرض للمالك ل هبة . .كما رجّحه في المطلب ونقله
السنوي وأقرّه .
وإن استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الخسران ،فالخسران موزّع على المستردّ
والباقي بعده ,وحينئذٍ فل يلزم جبر حصّة المستر ّد وهو عشرون لو ربح المال بعد ذلك ,
مثاله :رأس المال مائة والخسران عشرون ,ثمّ استردّ المالك عشرين ,فربع العشرين
الّتي هي جميع الخسران حصّة المستر ّد منها خمسة ,فكأنّ المالك استردّ خمسة وعشرين
,ويعود رأس المال الباقي بعد المستر ّد وبعد حصّته من الخسران إلى خمسةٍ وسبعين ,
فلو ربح بعد ذلك شيئا قسّم بينهما على حسب ما شرطاه .
سادسا :ردّة ربّ المال أو المضارب :
-قال الحنفيّة :لو ارتدّ رب المال فباع المضارب واشترى بالمال بعد الرّدّة فذلك كله 77
موقوف في قول أبي حنيفة :إن رجع إلى السلم بعد ذلك نفذ كله والتحقت ردّته بالعدم
ل ,وكذلك إن لحق بدار الحرب ثمّ عاد مسلما
في جميع أحكام المضاربة وكأنّه لم يرتدّ أص ً
قبل أن يحكم بلحاقه بدار الحرب -على الرّواية الّتي تشترط حكم الحاكم بلحاقه للحكم
بموته وصيرورة أمواله ميراثا لورثته -فإن مات أو قتل على الرّدّة أو لحق بدار الحرب
وقضى القاضي بلحاقه بطلت المضاربة من يوم ارت ّد ,على أصل أبي حنيفة أنّ ملك المرتدّ
موقوف إن مات أو قتل أو لحق فحكم باللّحاق يزول ملكه من وقت الرّدّة إلى ورثته ,
ويصير كأنّه مات في ذلك الوقت فيبطل تصرف المضارب بأمره لبطلن أهليّة المر ,
ويصير كأنّه تصرّف في ملك الورثة ,فإن كان رأس المال يومئذٍ قائما في يده لم يتصرّف
ب المال عن المال
فيه ,ثمّ اشترى بعد ذلك فالمشترى وربحه يكون له لنّه زال ملك ر ّ
فينعزل المضارب عن المضاربة ,فصار متصرّفا في ملك الورثة بغير أمرهم ,وإن كان
صار رأس المال متاعا فبيع المضارب فيه وشراؤه جائز حتّى ينضّ رأس المال ,لنّه في
هذه الحالة ل ينعزل بالعزل والنّهي ول بموت ربّ المال فكذلك ردّته ,فإن حصل في يد
المضارب دنانير ورأس المال دراهم أو العكس فالقياس أن ل يجوز له التّصرف ,لنّ
الّذي حصل في يده من جنس رأس المال معنىً ,لتّحادهما في الثّمنيّة فيصير كأنّ عين
المال قائم في يده إل أنّهم استحسنوا فقالوا :إن باعه بجنس رأس المال جاز ,لنّ على
المضارب أن ير ّد مثل رأس المال فكان له أن يبيع ما في يده كالعروض .
وأمّا على أصل أبي يوسف ومحمّدٍ فالرّدّة ل تقدح في ملك المرتدّ فيجوز تصرف المضارب
ب المال بنفسه عندهما ,فإن مات رب المال أو قتل
بعد ردّة ربّ المال كما يجوز تصرف ر ّ
كان موته كموت المسلم في بطلن عقد المضاربة ,وكذلك إن لحق بدار الحرب وحكم
ن ذلك بمنزلة الموت بدليل أنّ ماله يصير ميراثا لورثته فبطل أمره في المال .
بلحاقه ,ل ّ
وإن لم يرت ّد رب المال ولكنّ المضارب ارتدّ ,فالمضاربة على حالها في قولهم جميعا ,لنّ
ب المال بنفسه لوقوف ملكه ول ملك للمضارب فيما يتصرّف فيه بل الملك
وقوف تصرف ر ّ
لربّ المال ولم توجد منه الرّدّة فبقيت المضاربة ,إل أنّه ل عهدة على المضارب وإنّما
ن العهدة تلزم بسبب المال فتكون
ب المال ،في قياس قول أبي حنيفة ،ل ّ
العهدة على ر ّ
على ربّ المال ,فأمّا على قولهما فالعهدة عليه ,لنّ تصرفه كتصرف المسلم .
ن موته في الرّدّة كموته قبل
وإن مات المضارب أو قتل على الرّدّة بطلت المضاربة ل ّ
الرّدّة ,وكذا إذا لحق بدار الحرب وقضي بلحاقه ,لنّ ردّته مع اللّحاق والحكم به بمنزلة
موته في بطلن تصرفه ,فإن لحق بدار الحرب بعد ردّته فباع واشترى هناك ثمّ رجع
مسلما فجميع ما اشترى وباع في دار الحرب يكون له ول ضمان عليه في شي ٍء ,لنّه لمّا
ن ولحق بدار الحرب :أنّه يملكه
لحق بدار الحرب صار كالحربيّ إذا استولى على مال إنسا ٍ
فكذا المرتد .
وارتداد المرأة وعدم ارتدادها سواء في قولهم جميعا ,كان المال لها أو كانت هي
مضاربةً ,لنّ ردّتها ل تؤثّر في ملكها إل أن تموت فتبطل المضاربة كما لو ماتت قبل
ن ذلك بمنزلة الموت .
الرّدّة أو لحقت بدار الحرب وحكم بلحاقها ل ّ
مُضَارّة *
انظر :ضرر .
مَضَامين *
انظر :بيع منهي عنه ,غرر .
ُمضَبّب *
انظر :آنية .
طرّ *
ُمضْ َ
انظر :ضرورة .
مُضْغَة *
التّعريف :
-المضغة في اللغة :القطعة من اللّحم قدر ما يمضغ وجمعها مضغ . 1
ي ُيمْنَى } .
مّنِ ّ
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
والصّلة أنّ النطفة مرحلة من مراحل الجنين تسبق العلقة والمضغة .
الجنين :
-الجنين في اللغة :كل مستو ٍر وأجنته الحامل سترته ,والجنين وصف له ما دام في 4
فقال الحنفيّة :لو ألقت مضغةً ولم يتبيّن شيء من خلقه فشهدت ثقات من القوابل أنّه مبدأ
ي ولو بقي لتصوّر فل غرّة فيه وتجب فيه حكومة عدلٍ .
خلق آدم ّ
ح ففيه عشر دية أمّه
وقال المالكيّة :إذا ألقت المرأة مضغةً بضرب أو تخويفٍ أو شمّ ري ٍ
أو غرّة ,والتّخيير بين العشر والغرّة للجاني ل لمستحقّها ,وهذا الواجب على التّخيير إنّما
هو في جنين الحرّة ,أما جنين المة فيتعيّن فيه النّقد .
ي فشهد
وقال الشّافعيّة :إن ضرب بطن امرأةٍ فألقت مضغةً لم تظهر فيها صورة الدم ّ
أربع نسوةٍ أنّ فيها صورة الدميّ وجبت فيها الغرّة لنّهنّ يدركن من ذلك ما ل يدرك
ن .قال النّووي :ويكفي الظهور في طرفٍ ول يشترط في كلّ الطراف ,ولو لم
غيره ّ
يظهر شيء من ذلك فشهد القوابل أنّ فيه صور ًة خف ّيةً يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت
الغرّة أيضا ,وإن قلن :ليس فيه صورة خفيّة لكنّه أصل آدمي ولو بقي لتصوّر لم تجب
الغرّة على المذهب ,وإن شككن هل هو أصل آدمي لم تجب قطعا .
وقال الحنابلة :وإن ألقت مضغةً فشهد ثقات من القوابل أنّ فيه صور ًة خف ّيةً ففيه غرّة ,
ي لو بقي تصوّر ففيه وجهان :
وإن شهدت أنّه مبتدأ خلق آدم ّ
أصحهما ل شيء فيه لنّه لم يتصوّر فلم يجب فيه كالعلقة ,ولنّ الصل براءة ال ّذمّة فل
تشغلها بالشّكّ .
والثّاني :فيه غرّة لنّه مبتدأ خلق آدميّ أشبه ما لو تصوّر .
أثر إسقاط المضغة في انقضاء العدّة :
-اختلف الفقهاء في انقضاء العدّة بإسقاط المرأة الحامل مضغةً : 7
فذهب الجمهور إلى أنّه تنقضي العدّة بإسقاط مضغةٍ فيها شيء من خلق الدميّ ولو
صور ًة خف ّيةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل .
ن إسقاط العلقة فما فوقها من المضغة أو غيرها تنقضي به العدّة .
وذهب المالكيّة إلى أ ّ
). 22 والتّفصيل في مصطلح ( :عدّة ف
أثر إسقاط المضغة في وقوع الطّلق المعلّق وفي النّفاس :
-قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :المضغة الّتي ليست فيها صورة آدميّ ل يقع 8
الطّلق المعلّق بها لنّه لم يثبت أنّه ولد بالمشاهدة ول بالبيّنة ,فإن كانت فيها صورة
ي ولو خف ّيةً وشهدت الثّقات بها من القوابل بأنّها لو بقيت لتصوّر
آدميّ أو بها صورة آدم ّ
ولتخلّق فإنّها يقع الطّلق المعلّق على الولدة ,ويعد المالكيّة المضغة حملً فيقع فيها
الطّلق المعلّق .وأمّا أثرها في النّفاس فقال الحنفيّة والحنابلة إذا أسقطت المرأة مضغةً لم
ن المرأة ل تصير به نفساء .
يظهر شيء من خلقه فإ ّ
وذهب الشّافعيّة وهو المعتمد عند المالكيّة إلى اعتبارها نفساء ولو بإلقاء مضغةٍ هي أصل
آدميّ أو بإلقاء علقةٍ .
). 17 والتّفصيل في مصطلح ( :إجهاض ف
مَضْغُوط *
انظر :إكراه .
ضمَضة *
مَ ْ
التّعريف :
-المضمضة في اللغة :التّحريك ,ومنه :مضمض النعاس في عينيه إذا تحرّكتا 1
قال المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواي ٍة :إنّ المضمضة سنّة في الوضوء والغسل ,وبه
قال الحسن البصري والزهري والحكم وحمّاد وقتادة ويحيى النصاري والوزاعي واللّيث ,
غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ َوأَيْدِيَ ُكمْ إِلَى
ن آمَنُواْ إِذَا ُقمْ ُت ْم إِلَى الصّلةِ فا ْ
لقولـه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
ا ْلمَرَا ِفقِ } فالوجه عند العرب :ما حصلت به المواجهة ,وداخل الفم ليس من الوجه ,
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :عشر من الفطرة » وذكر منها « :المضمضة
ول ّ
والستنشاق » ,والفطرة سنّة ,وذكرهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ,
ولقولـه صلى ال عليه وسلم للعرابيّ « :توضّأ كما أمرك اللّه » ،قال النّووي :هذا
ت فلم يحسنها ,فعلم النّبي
الحديث من أحسن الدلّة ,لنّ هذا العرابيّ صلّى ثلث مرّا ٍ
صلى ال عليه وسلم حينئذٍ أنّه ل يعرف الصّلة الّتي تفعل بحضرة النّاس وتشاهَد أعمالها
,فعلّمه واجباتها وواجبات الوضوء ,فقال النّبي صلى ال عليه وسلم « :توضّأ كما أمرك
اللّه » ,ولم يذكر له سنن الصّلة والوضوء لئل يكثر عليه فل يضبطها ,فلو كانت
المضمضة واجبةً لعلّمه إيّاها ,فإنّه ممّا يخفى ,ل سيما في حقّ هذا الرّجل الّذي خفيت
عليه الصّلة الّتي تشاهد ,فكيف الوضوء الّذي يخفى .
ويرى الحنفيّة وأحمد في روايةٍ أخرى أنّ المضمضة واجبة في الغسل ,وسنّة في
الوضوء ,وبه قال سفيان الثّوري ,لنّ الواجب في باب الوضوء غسل العضاء الثّلثة
ومسح الرّأس ,وداخل الفم ليس من جملتها ,أما ما سوى الوجه فظاهر ,وكذا الوجه ,
لنّه اسم لما يواجه به النسان عاد ًة ,والفم ل يواجه به بكلّ حالٍ فل يجب غسله .
ن الواجب هناك تطهير البدن لقوله تعالى َ { :وإِن
وأمّا وجوب المضمضة في الغسل فل ّ
طهّرُواْ } أي طهّروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرجٍ ,ظاهرا
كُن ُتمْ جُنُبا فَا ّ
كان أو باطنا ,وممّا يؤكّد وجوب المضمضة والستنشاق قوله صلى ال عليه وسلم « :
ن تحت كلّ شعر ٍة جنابة فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشرة » ,وقالوا :في النف شعر وفي
إّ
الفم بشرة .وقال الحنابلة في المشهور وابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق وعطاء :إنّ
المضمضة والستنشاق واجبة في الطّهارتين أي الغسل والوضوء لما روت عائشة رضي
اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :المضمضة والستنشاق من الوضوء
الّذي ل بدّ منه » ,ولنّ كلّ من وصف وضوء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مستقصيا
ن فعله يصلح أن
ذكر أنّه تمضمض واستنشق ,ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ,ل ّ
يكون بيانا وتفصيلً للوضوء المأمور به في كتاب اللّه .
كيفيّة المضمضة :
-قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :يستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه ,لما ورد 3
عن عثمان رضي ال عنه أنّه دعا بوضوء فأفرغ على كفّيه ثلث مرارٍ فغسلهما ثمّ أدخل
يمينه في الناء فمضمض واستنثر ثمّ غسل وجهه ثلث مرّاتٍ . . .ثمّ قال قال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم « :من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين ل يحدّث فيهما
نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه » ,وعن عليّ رضي ال عنه :أنّه أدخل يده اليمنى في
الناء فمل فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثلثا .
وقال الحنفيّة :المضمضة والستنشاق باليمين سنّة ,لما روي عن الحسن بن عليّ رضي
ال عنهما أنّه استنثر بيمينه ،فقال معاوية رضي ال عنه :جهلت السنّة ،فقال الحسن
ي صلى ال عليه
رضي ال عنه :كيف أجهل والسنّة خرجت من بيوتنا ،أما علمت أنّ النّب ّ
وسلم قال « :اليمن للوجه واليسار للمقعد » .
وقال بعض الحنفيّة :المضمضة باليمين والستنشاق باليسار ,لنّ الفم مطهرة ,والنف
مقذرة ,واليمين للطهار ,واليسار للقذار .
ن السنّة في المضمضة والستنشاق الفصل بينهما بأن يتمّ
-قال الحنفيّة والمالكيّة :إ ّ 4
ن الّذين حكوا
كل منهما بثلث غرفاتٍ ,أي أن تتمّ المضمضة بثلث والستنشاق بثلث ,ل ّ
وضوء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أخذوا لكلّ واحدٍ منهما ما ًء جديدا ,ولنّهما
عضوان منفردان فيفرد كلّ واحدٍ منهما بماء على حد ٍة كسائر العضاء .
ف واحدةٍ
ن المضمضة والستنشاق مستحبّان من ك ّ
وقال الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة :إ ّ
يجمع بينهما ,قال الثرم :سمعت أبا عبد اللّه يسأل :أيهما أعجب إليك المضمضة
والستنشاق بغرفة واحدةٍ ,أو كل واحدةٍ منهما على حدةٍ ؟ قال :بغرفة واحدةٍ ,وذلك
لحديث عثمان وعليّ رضي ال عنهما .
قال البويطيّ من الشّافعيّة وابن قدامة من الحنابلة :إن أفرد المضمضة بثلث غرفاتٍ ,
والستنشاق بثلث جاز ,لنّه روي في حديث طلحة بن مصرّفٍ عن أبيه عن جدّه عن
ي صلى ال عليه وسلم « :أنّه فصّل بين المضمضة والستنشاق » ,لنّ الفصل أبلغ
النّب ّ
في النّظافة فكان أولى بالغسل .
ثمّ اختلف الشّافعيّة في الفضليّة ,فقالوا :إنّ فيها طريقين ,الصّحيح :أنّ فيها قولين :
أظهرهما :الفصل بين المضمضة والستنشاق أفضل .
والثّاني :الجمع بينهما أفضل .
التّرتيب بين المضمضة وغيرها :
-قال الحنفيّة والمالكيّة :التّرتيب بين المضمضة والستنشاق سنّة ,وهو تقديم 5
عنهما « :أنّه خرج مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم عام خيبر حتّى إذا كانوا بالصّهباء
-وهي أدنى خيبر -صلّى العصر ثمّ دعا بالزواد فلم يؤت إل بالسّويق فأمر به فثرّي
-أي بلّ بالماء لما لحقه من اليبس -فأكل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأكلنا ثمّ قام
إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثمّ صلّى ولم يتوضّأ » .
وفي الحديث دليل على استحباب المضمضة بعد الطّعام ,ففائدة المضمضة قبل الدخول في
الصّلة من أكل السّويق وإن كان ل دسم له أن تحتبس بقاياه بين السنان ونواحي الفم
فيشغله تتبعه عن أحوال الصّلة .
وكذلك تستحب المضمضة بعد شرب اللّبن لما روى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما « :أنّ
ن له دسما » ,فقد بيّن النّبي
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال إ ّ
صلى ال عليه وسلم العلّة في المضمضة من اللّبن فيدل على استحبابها من كلّ شي ٍء دسمٍ
.وقال ابن مفلحٍ :تسن المضمضة من شرب اللّبن ,لنّه صلى ال عليه وسلم تمضمض
بعده بماء ,وقال « :إنّ له دسما » ,وشيب له بماء فشرب ,ثمّ قال ابن مفلحٍ :ذكر
ن الكثار منه يضر بالسنان واللّثة ,
بعض متأخّري أصحابنا ما ذكره بعض الطبّاء من أ ّ
ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء ,ثمّ ذكر الخبر أنّه عليه الصّلة والسّلم تمضمض
وقال « :إنّ له دسما » .
وقال النّووي :قال العلماء :تستحب من غير اللّبن من المأكول والمشروب ,لئل يبقى
منه بقايا يبتلعها في الصّلة .
َمضْمُون *
انظر :ضمان .
مَطَاف *
انظر :طواف .
مَطَالِع *
التّعريف :
-المطالع في اللغة جمع مطلَِ ٍع -بفتح اللم وكسرها -وهو موضع الطلوع أو 1
الشّهر بين بلدٍ وبل ٍد ,حيث يراه أهل بل ٍد مثلً ,بينما الخرون ل يرونه ,فتختلف مطالع
الهلل .
لذا تعرّض الفقهاء لحكام اختلف المطالع نظرا لتعلق فرضيّة أو صحّة بعض العبادات بها
,فضلً عن كثي ٍر من الحكام المتعلّقة بالمعاملت والسرة وغيرهما .
,ورمضان ف . ) 3 14 وتفصيل ذلك في ( :رؤية الهلل ف
أسباب اختلف المطالع :
-تثار مسألة اختلف المطالع دائما عندما يثور القول باعتبار رؤية بعض البلد رؤيةً 4
لجميعها على سبيل اللزام ,وهذا مردود بسبب اختلف المطالع .
وذهب ابن تيميّة إلى إثبات اختلف المطالع وذلك من وجهين :
ن الرؤية تختلف باختلف التّشريق والتّغريب .
أوّلهما :أ ّ
ثانيهما :اختلف الرؤية باختلف المسافة أو القليم .
ك من أمور الواقع المشاهد الّذي ل يقوى على إنكاره إل مكابر ,فهو اختلف
وهما بل ش ّ
واقع بين البلد البعيدة كاختلف مطالع الشّمس .
ن الهلل إذا رئي في المشرق وجب أن يرى في المغرب ول ينعكس ,لنّ وقت
وذلك ل ّ
غروب الشّمس بالمغرب يتأخّر عن وقت غروبها بالمشرق ,فإذا كان قد رئي بالمشرق
ق بالرؤية وليس
ازداد بالمغرب نورا وبعدا عن الشّمس وشعاعها قبل غروبها ,فيكون أح ّ
كذلك إذا رئي بالمغرب ,لنّه قد يكون سبب الرؤية تأخر غروب الشّمس عندهم ,فازداد
بعدا وضوءا ,ولمّا غربت بالمشرق كان قريبا منها ,ثمّ إنّه لمّا رئي بالمغرب كان قد
غرب عن أهل المشرق ,فهذا أمر محسوس في غروب الشّمس والهلل وسائر الكواكب ,
ولذلك إذا دخل وقت المغرب بالمغرب دخل بالمشرق ول ينعكس ,وكذلك الطلوع ,إذا
طلعت الشّمس بالمغرب طلعت بالمشرق ول ينعكس .
أقوال الفقهاء في اختلف المطالع وأدلّتهم :
-تعدّدت أقوال الفقهاء وأدلّتهم في مسألة اختلف المطالع من حيث اعتبارها أو عدم 5
اعتبارها بغضّ النّظر عن كونها من أمور الواقع الملموس كاختلف مطالع الشّمس .
,ورمضان ف . ) 3 14 وتفصيل ذلك في ( :رؤية الهلل ف
حكم الخذ بالتّأقيت والحساب في إثبات الهلّة :
-اختلف الفقهاء في الخذ بقول الحاسب على تفصيلٍ ينظر في مصطلح ( :رؤية الهلل 6
والحجّ ,وبعض المعاملت كالبيع إلى أجلٍ ,والسّلم ,والجارة ,وبعض أحكام السرة
كالطّلق والعدّة والحضانة والنّفقة .
وتفصيل ذلك في مصطلحاتها ومصطلح ( :رؤية الهلل ) .
طبِق *
مُ ْ
انظر :جنون .
طرّز *
مُ َ
انظر :ألبسة .
مُطّل ِبيّ *
التّعريف :
-المطّلبيّ هو من ينسب إلى المطّلب بن عبد منافٍ ,وهو أخو هاشم بن عبد منافٍ , 1
وهم الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في روايةٍ -إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة إلى بني المطّلب .
وتفصيل هذا في مصطلح ( :آل ف . ) 7
ب -حكم كون عامل الزّكاة مطّلبيا :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة لبني المطّلب ,وعليه فيجوز كونه 3
وما 7 قرابتهم لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم وتفصيل ذلك في مصطلحات ( :قرابة ف
,خمس ف . ) 8 12 ,فيء ف 14 بعدها ,آل ف
مَطْل *
التّعريف :
-ال َمطْل لغةً :المدافعة عن أداء الحقّ ,قال الجوهري :وهو مشتق من مطلت 1
الحديدة :إذا ضربتها ومددتها لتطول ,ومنه يقال :مطله بدينه مطلً ,وماطله مماطلةً :
إذا سوّفه بوعد الوفاء مرّةً بعد أخرى .
ن المطل شرعا :منع قضاء ما استحقّ
وفي الصطلح :حكى النّووي وعلي القاري أ ّ
أداؤه ,قال ابن حج ٍر :ويدخل في المطل كل من لزمه حق ,كالزّوح لزوجته ,والحاكم
لرعيّته ,وبالعكس .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النظار :
-النظار وال ّنظِرَة في اللّغة المهال والتّأخير ,يقال :أنظرت المدين ,أي أخّرته , 2
فإن كان موسرا قادرا على قضاء الدّين بعد المطالبة به كان مطله حراما ,وذلك لما ورد
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :مطل الغنيّ ظلم » .
أّ
وإن كان المدين معسرا ل يجد وفاءً لدينه أو كان غنيا ومنعه عذر -كغيبة ماله -عن
الوفاء لم يكن مطله حراما وجاز له التّأخير إلى المكان .
صور المطل :
للمطل صور تختلف أحكامها باختلف صوره ,وذلك على التّفصيل التي :
أ ّولً :مطل المدين المعسر الّذي ل يجد وفاءً لدينه :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يمهل حتّى يوسر ,ويُترك يطلب الرّزق لنفسه وعياله 6
فإنّه حرام شرعا ,ومن كبائر الثم ,ومن الظلم الموجب للعقوبة الحاملة على الوفاء ,
ي صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم » ,قال ابن حج ٍر :المعنى أنّه من
لقول النّب ّ
ي :مَطل الغنيّ ظلم إذا
الظلم ,وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير من المطل ,وقال ابن العرب ّ
كان واجدا لجنس الحقّ الّذي عليه في تأخير ساعةٍ يمكنه فيها الداء ,وقال الباجيّ :وإذا
طلَ بما قد استحقّ عليه تسليمه فقد ظلم ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال
كان غنيا ف َم َ
حلّ عرضه وعقوبته » ,ومعنى يحل عرضه :أي يبيح أن يذكره
« لي الواجد ُي ِ :
الدّائن بين النّاس بالمطل وسوء المعاملة .
ن ,وهو
ن أو دي ٍ
قال ابن القيّم :ول نزاع بين العلماء في أنّ من وجب عليه حق من عي ٍ
قادر على أدائه ,وامتنع منه ,أنّه يعاقب حتّى يؤدّيه .
والعقوبة الزّاجرة هي عقوبة تعزيريّة غير مقدّرةٍ شرعا ,المقصود منها حمله على الوفاء
وإلجاؤه إلى دفع الحقّ إلى صاحبه دون تأخيرٍ .
أما قبل الطّلب ,فقد وقع الخلف في مذهب الشّافعيّ :هل يجب الداء مع القدرة من غير
ق ,حتّى يعدّ مطلً بالباطل قبله ؟ وحكى ابن دقيق العيد فيه وجهان ,
طلب صاحب الح ّ
ن لفظ " المطل " في الحديث
ومال الحافظ ابن حج ٍر إلى ترجيح عدم الوجوب قبل الطّلب ,ل ّ
يشعر بتقديم الطّلب وتوقف الحكم بظلم المماطل عليه .
وذكر بعض الفقهاء أنّ المطل يثبت بالتّأجيل والمدافعة ثلث مرّاتٍ .
حمل المدين المماطل على الوفاء :
ق تتّبع لحمل المدين المماطل على الوفاء ,منها :
ص الفقهاء على طر ٍ
ن ّ
أ -قضاء الحاكم دينه من ماله جبرا :
ن الحاكم يستوفيه جبرا
-إذا كان للمدين المماطل مال من جنس الحقّ الّذي عليه ,فإ ّ 9
عنه ,ويدفعه للدّائن إنصافا له ,جاء في الفتاوى الهنديّة :المحبوس في الدّين إذا امتنع
عن قضاء الدّين وله مال فإن كان ماله من جنس الدّين ,بأن كان ماله دراهم والدّين
ف.
دراهم ,فالقاضي يقضي دينه من دراهمه بل خل ٍ
وقال القرافي :ول يجوز الحبس في الحقّ إذا تمكّن الحاكم من استيفائه ,فإن امتنع من
دفع الدّين ,ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدّين ,ول يجوز لنا حبسه .
طيّبات :
ب -منعه من فضول ما يحل له من ال ّ
-قال ابن تيميّة :لو كان قادرا على أداء الدّين وامتنع ,ورأى الحاكم منعه من فضول 10
الكل والنّكاح فله ذلك ,إذ التّعزير ل يختص بنوع معيّنٍ ,وإنّما يرجع فيه إلى اجتهاد
الحاكم في نوعه وقدره ,إذا لم يتعدّ حدود اللّه .
ج -تغريمه نفقات الشّكاية ورفع الدّعوى :
-قال ابن تيميّة :ومن عليه مال ,ولم يوفّه حتّى شكا رب المال ,وغرم عليه مالً , 11
غ ِرمَ
وكان الّذي عليه الحق قادرا على الوفاء ,ومطل حتّى أحوج مالكه إلى الشّكوى ,فما َ
بسبب ذلك ,فهو على الظّالم المماطل ,إذا كان غرمه على الوجه المعتاد .
د -إسقاط عدالته ورد شهادته :
ن من أئمّة المالكيّة أنّهم قالوا بردّ شهادة المدين
-حكى الباجيّ عن أصبغ وسحنو ٍ 12
يفسخ العقد الّذي ترتّب عليه الدّين كالبيع ونحوه ,ويسترد البدل الّذي دفعه ,وقد جعل له
هذا الخيار في الفسخ ليتمكّن من إزالة الضّرر اللحق به نتيجة مطل المدين ومخاصمته ,
وليكون ذلك حاملً للمدين المقتدر على المبادرة بالوفاء .
وقال الشّافعيّة :ولو امتنع -أي المشتري -من دفع الثّمن مع يساره فل فسخ في
ن التّوصل إلى أخذه بالحاكم ممكن .
الصحّ ,ل ّ
و -حبس المدين :
ل وظلما ,
ص جمهور الفقهاء على أنّ المدين الموسر إذا امتنع من وفاء دينه مط ً
-ن ّ 14
وهو قادر على أدائه ,وامتنع منه ,أنّه يعاقب حتّى يؤدّيه ,ونصوا على عقوبته بالضّرب
,ثمّ قال معلّقا على حديث « :لي الواجد يحل عرضه وعقوبته » :والعقوبة ل تختص
بالحبس ,بل هي في الضّرب أظهر منها في الحبس .
ض الّذي عنده ,فإنّه ل
ن معلوم الملءة إذا علم الحاكم بالنّا ّ
وجاء في شرح الخرشيّ :إ ّ
يؤخّره ,ويضربه باجتهاده إلى أن يدفع ,ولو أدّى إلى إتلف نفسه ,ولنّه مُلِ ّد .
ح -بيع الحاكم مال المدين المماطل جبرا :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ الحاكم يبيع مال المدين المماطل جبرا عليه وذلك في الجملة . 16
ن بينهم اختلفا في تأخيره عن الحبس ,أو اللجوء إليه من غير حبس المدين ,أو
غير أ ّ
ترك الخيار للحاكم في اللجوء إليه عند القتضاء على أقوالٍ :
قال الحنفيّة :المحبوس في الدّين إذا امتنع عن قضاء الدّين -وله مال -فإن كان ماله
من جنس الدّين ,بأن كان ماله دراهم والدّين دراهم ,فالقاضي يقضي دينه من دراهمه
بل خلفٍ ,وإن كان ماله من خلف جنس دينه ,بأن كان الدّين دراهم وماله عروضا أو
عقارا أو دنانير ,فعلى قول أبي حنيفة ل يبيع العروض والعقار ,وفي بيع الدّنانير قياس
واستحسان ,ولكنّه يستديم حبسه إلى أن يبيع بنفسه ويقضي الدّين ,وعند محمّدٍ وأبي
يوسف يبيع القاضي دنانيره وعروضه روايةً واحدةً ,وفي العقار روايتان .
وفي الخانيّة :وعندهما في روايةٍ :يبيع المنقول وهو الصّحيح .
ن المدين إن امتنع من دفع الدّين ,ونحن نعرف ماله ,أخذنا منه
وذهب المالكيّة إلى أ ّ
مقدار الدّين ,ول يجوز لنا حبسه ,وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في
ن في حبسه استمرار ظلمه .
-كان رهنا أم ل -فعلنا ذلك ,ول نحبسه ,ل ّ الدّين
وقال الشّافعيّة :وأمّا الّذي له مال وعليه دين ,فيجب أداؤه إذا طُلب ,فإذا امتنع أمره
الحاكم به ,فإن امتنع باع الحاكم ماله وقسمه بين الغرماء .
قال النّووي :قال القاضي أبو الطّيّب من الشّافعيّة والصحاب :إذا امتنع المدين الموسر
المماطل من الوفاء ,فالحاكم بالخيار :إن شاء باع ماله عليه بغير إذنه وإن شاء أكرهه
على بيعه وعزّره بالحبس وغيره حتّى يبيعه .
وقال الحنابلة :إن أبى مدين له مال يفي بدينه الحالّ الوفاء ,حبسه الحاكم ,وليس له
إخراجه من الحبس حتّى يتبيّن له أمره ,أو يبرأ من غريمه بوفاء أو إبرا ٍء أو حوالةٍ ,أو
ب الدّين وقد أسقطه ,فإن أصرّ
ن حبسه حق لر ّ
يرضى الغريم بإخراجه من الحبس ,ل ّ
المدين على الحبس باع الحاكم ماله وقضى دينه .
مُطْلَق *
التّعريف :
-المطلق اسم مفعولٍ من الطلق ومن معانيه :الرسال والتّخلية وعدم التّقييد ,يقال : 1
أطلقت السير :إذا حللت إساره وخلّيت عنه ,كما يقال أطلقت القول :أرسلته من غير
قيدٍ ول شرطٍ ,وأطلقت البيّنة الشّهادة من غير تقييدٍ بتأريخ .
وفي الصطلح المطلق :ما دلّ على الماهيّة من غير أن يكون له دللة على شيءٍ من
قيودها .
اللفاظ ذات الصّلة :
المقيّد :
-المقيّد من القوال ما فيه صفة أو شرط أو استثناء ,فهو نقيض للمطلق . 2
تقييده ,وإن ورد في موضعٍ مقيّدا وفي آخر مطلقا ففيه هذا التّفصيل :
إن اختلفا في السّبب والحكم فل يحمل أحدهما على الخر :كتقييد الشّهادة بالعدالة وإطلق
الرّقبة في كفّارة الظّهار .
وإن اتّفقا في السّبب والحكم :يحمل المطلق على المقيّد ,كما إذا قال الشّارع :إن ظاهرت
فأعتق رقبةً ,وقال في موضعٍ آخر :إن ظاهرت فأعتق رقبةً مؤمنةً .
وإن اختلفا في السّبب دون الحكم فهذا هو موضع الخلف بين الفقهاء :
فذهب الجمهور إلى أنّه يحمل المطلق على المقيّد وجوبا وبنا ًء على هذا :اشترطوا في
ص ورد في الموضعين مطلقا
إجزاء الرّقبة في كفّارتي الظّهار واليمين :اليمان مع أنّ النّ ّ
خلوا عن قيد اليمان :حملً للمطلق في الموضعين :على المقيّد في كفّارة القتل في قوله
خطَئا فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ ّم ْؤمِ َنةٍ } .
تعالى َ { :ومَن قَ َتلَ ُم ْؤمِنًا َ
قال الشّافعي :إنّ لسان العرب وعرف خطابهم يقتضي حمل المطلق على المقيّد إذا كان
ن الّلهَ
من جنسه ,فحمل عرف الشّرع على مقتضى لسانهم ,كقوله تعالى { :وَالذّاكِرِي َ
ن من
شهِيدَيْ ِ
شهِدُواْ َ
كَثِيرا وَالذّاكِرَاتِ } ,وكما في العدالة والشهود في قوله تعالى { :وَاسْ َت ْ
ّرجَا ِلكُمْ } ,وقوله َ { :وَأشْهِدُوا َذ َويْ عَ ْد ٍل مّنكُمْ } ,فحمل المطلق على المقيّد في اشتراط
العدالة فكذلك الكفّارة ,فيحمل مطلق العتق في كفّارتي الظّهار واليمين على العتق المقيّد
خطَئا فَ َتحْرِيرُ رَقَ َب ٍة ّم ْؤمِ َنةٍ } .
باليمان في كفّارة القتل في قوله تعالى َ { :ومَن قَ َت َل ُم ْؤمِنًا َ
وقال أبو حنيفة :ل يحمل المطلق على المقيّد ,لنّ المنصوص عليه إعتاق رقبةٍ وهي
اسم لذات مرقوق ٍة مملوكةٍ من كلّ وجهٍ وقد وجد ,والتّقييد باليمان زيادة على النّصّ ,
ن الطلق :
ص نسخ ول ينسخ القرآن إل بالقرآن أو بأخبار التّواتر ,ول ّ
والزّيادة على النّ ّ
ن التّقييد أمر مقصود ينبئ عن
أمر مقصود ,لنّه ينبئ عن التّوسعة على المكلّف ,كما أ ّ
ن حمل أحدهما على
التّضييق ,وعند إمكان العمل بهما ل يجوز إبطال أحدهما بالخر ,ول ّ
ص عليه وهو باطل ,لنّ من شرط القياس أنّ
الخر حمل منصوص عليه على منصو ٍ
يتعدّى الحكم الشّرعي الثّابت بالنّصّ بعينه إلى فرعٍ هو نظيره ول نصّ فيه ,هذا ولنّ
القياس حجّة ضعيفة ل يصار إليه إل عند عدم النّصّ أو شبهته حتّى صار مؤخّرا عن قول
الصّحابيّ ,وهنا نص يمكن العمل به وهو إطلق الكتاب ,ولنّ الفرع ليس نظير الصل ,
ق جواز
ن قتل النّفس أعظم ,ولهذا لم يشرع فيه الطعام ول يجوز إلحاقه بغيره في ح ّ
لّ
الطعام تغليظا للواجب عليه ,وتعظيما للجريمة حتّى تتمّ صيانة النّفس ,فكذا ل يجوز
ن جريمة
إلحاق غيره به في التّغليظ ,لنّ قيد الرّقبة باليمان أغلظ فيناسبه دون غيره ,ل ّ
القتل أعظم ,ولنّ الرّقبة في كفّارتي الظّهار واليمين مطلقة غير مقيّدةٍ بصفة أو شرطٍ ,
فتتناول كلّ رقبةٍ على أيّة صفةٍ كانت ,لنّ معنى الطلق التّعرض للذّات دون الصّفات
فتتناول الكافرة والمؤمنة والصّغيرة والكبيرة ,والبيضاء والسّوداء ,والذّكر والنثى ,
وغير ذلك من الوصاف المتضادّة .
وللتّفصيل يرجع إلى الملحق الصوليّ .
شروط العمل بالخبر المطلق :
-صرّح الشّافعيّة :بأنّه إذا أخبر مقبول الرّواية عن نجاسة ماءٍ فإن كان فقيها موافقا 4
ن التّنجيس .
للمخبر في مذهبه اعتمد خبره وإن أطلق ,لنّه خبر يغلب على الظّ ّ
ي.
والتّفصيل في الملحق الصول ّ
الجرح المطلق في العدالة :
-اختلف الفقهاء في قبول الجرح المطلق كأن يقول :إنّه فاسق : 5
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يقبل الجرح المطلق ,لنّ التّعديل يسمع مطلقا فكذلك الجرح
ن التّصريح بالسّبب قد يفضي إلى مخاطر كالقذف .
,ول ّ
وقال الشّافعيّة :يجب ذكر السّبب للختلف فيه .
،والملحق الصولي ) . 15 والتّفصيل في مصطلح ( :تزكية ف
إطلق الشّهادة بالرّضاع :
-إذا أطلق شهود الرّضاع شهادتهم كأن قالوا :بينهما رضاع محرّم لم يقبل ,بل يجب 6
ذكر وقت الرضاع وعدد الرّضعات ,كأن يقول :نشهد أنّ هذا ارتضع من هذه خمس
ن إلى جوفه في الحولين أو قبل الحولين ,وذلك لختلف
رضعاتٍ متفرّقاتٍ خلص اللّبن فيه ّ
العلماء في ذلك .
). 34 والتّفصيل في ( :مصطلح رضاع ف
المطلق يحمل على الغالب :
-إذا باع بثمن مطلقٍ حمل على نقد البلد ,فإن لم يوجد نقد غالب وكان هناك محملن : 7
أخف وأثقل ,حمل على أخفّهما عملً بأق ّل ما يقتضيه السم .
واستثنى الشّافعيّة من هذه القاعدة صورا منها :إذا غمس المتوضّئ يده في الناء بعد
الفراغ من غسل الوجه بنيّة رفع الحدث صار الماء مستعملً ,وإن نوى الغتراف لم يصر
ن تقدم نيّة
مستعملً ,وإن أطلق ولم ينو شيئا فالصّحيح عندهم صيرورته مستعملً ,ل ّ
رفع الحدث شملته فحمل عليه .
ومنها :أنّه يشترط في جواز قصر الصّلة في السّفر :نيّة القصر عند الحرام فإن أطلق
ن الصل في الصّلة التمام فينصرف عند
ولم ينو قصرا ول إتماما لزمه التمام ,ل ّ
الطلق إليه ,لنّه المعهود .
ومنها :إذا تلفّظ بما يحتمل معنيين يرجع إليه في تعيين المراد ،كأن يكون عليه دينان
وبأحدهما رهن فدفع مبلغا من المال للدّائن عن أحدهما مبهما غير معيّنٍ فله التّعيين .
ومنها :لو قال لزوجتيه :إحداكما طالق ولم يقصد معيّنةً طلقت إحداهما ,وعليه تعيين
إحداهما للطّلق .
ومنها :يجوز أن يحرم مطلقا ويصرفه بالتّعيين إلى ما شاء من النسكين أو إليهما .
شرط حمل المطلق على المقيّد :
-اللّفظ المطلق ل يحمل على المقيّد إل إذا كان لو صرّح بذلك المقيّد لصحّ وإل فل . 8
اسم جنسٍ يقع على الكثير والقليل ,ول صوم أق ّل من يومٍ ,والمتيقّن يوم ,فل يلزمه
أكثر منه ,وإن نذر أيّاما فثلثة لنّها أقل مراتب الجمع ,أو نذر صدقةً ,فأقل ما يتموّل أو
ل على واجب الشّرع .
صلةً فيجزئ بركعتين حم ً
طهّرات *
مُ َ
انظر :طهارة .
مَظَالِم *
التّعريف :
-المظالم لغةً :جمع مظلمةٍ بفتح اللم وكسرها ,مصدر ظلم يظلم ,اسم لما أخذ بغير 1
حقّ ,وهي ما تطلبه عند الظّالم ,وأصل الظلم وضع الشّيء في غير موضعه ,وعند فلنٍ
ظلمتي ومظلمتي :أي حقّي الّذي ظلمته .
ق إلى الباطل ,وهو الجور ,وقيل :هو التّصرف
والظلم في الصطلح :التّعدّي عن الح ّ
في ملك الغير ,ومجاوزة الحدّ .
ع:
والظلم ثلثة أنوا ٍ
الوّل :ظلم بين النسان وبين اللّه تعالى ,وأعظمه :الكفر والشّرك والنّفاق ,قال تعالى :
عظِيمٌ } ,وقال تعالى َ { :فمَنْ َأظْ َلمُ ِممّن كَذَبَ عَلَى الّلهِ } .
{ إِنّ الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ
الثّاني :ظلم بين النسان وبين النّاس ,ومنه قوله تعالى { :إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ
ن النّاسَ } ,وقوله تعالى َ { :ومَن قُ ِت َل َمظْلُوما } .
َيظْ ِلمُو َ
سهِ } ,وقوله
الثّالث :ظلم بين النسان وبين نفسه ,ومنه قوله تعالى َ { :فمِ ْن ُهمْ ظَا ِلمٌ لّ َن ْف ِ
سهُ } .
تعالى َ { :ومَن َي ْف َعلْ ذَلِكَ َفقَدْ ظَ َلمَ َن ْف َ
ن النسان في أوّل ما َي ُهمّ بالظلم فقد ظلم
وكل هذه الثّلثة في الحقيقة ظلم للنّفس ,فإ ّ
نفسه ,فإذا الظّالم أبدا مبتدئ في الظلم ,وقوله تعالى { :وَ َل ْو أَنّ لِلّذِينَ ظَ َلمُوا مَا فِي
جمِيعا } ,يتناول النواع الثّلثة من الظلم فما من أح ٍد كان منه ظلم في الدنيا إل
ض َ
الَرْ ِ
ولو حصل له ما في الرض ومثله معه لكان يفتدي به ,وقوله تعالى ُ { :همْ َأظْ َلمَ َوَأطْغَى
ن الظلم ل يجدي ول يخلّص بل يردي .
} ,تنبيه على أ ّ
فالمظالم هي الحقوق الّتي أخذت ظلما ,وقد دعا الشّرع الحنيف إلى إقامة العدل فيها
وأنشأ لها ديوان المظالم وقضاء المظالم .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القضاء :
-القضاء في اللغة :الحكم . 2
وفي الصطلح :هو الخبار عن حكمٍ شرعيّ على سبيل اللزام في مجلس الحكم .
والعلقة بين القضاء والمظالم باعتبارها ولية خاصّة هي العموم والخصوص ,فالقضاء
أعم .
ب -الدّعوى :
-الدّعوى في اللغة :اسم من الدّعاء ,أي أنّها اسم لما يدعّى ,وهو الطّلب ,وتجمع 3
أ -مظالم تتعلّق بحقوق اللّه تعالى كالزّكوات والكفّارات والنذور والحدود والعبادات
وارتكاب المحرّمات .
ب -مظالم تتعلّق بحقوق العباد كالغصوب ,وإنكار الودائع ,والرزاق ,والجنايات في
النّفس والعراض .
قال الغزالي :ومظالم العباد إمّا في النفوس أو الموال أو العراض أو القلوب .
الحكم التّكليفي لرفع المظالم :
-المظالم من الظلم ,والظلم حرام قطعا بالنصوص المتواترة في القرآن الكريم والسنّة 6
قاضي المّة ,وهو صاحب الحقّ الساسيّ في إقامة العدل ,ومنع الظلم ,والفصل في
المظالم ,وهو يتولّى ذلك بمقتضى البيعة ووليته العامّة ,فل يحتاج إلى تعيينٍ .
وإمّا أن يكون المخوّل في نظر المظالم من له ولية عامّة كالحكّام والولة والمراء
والوزراء ,فهؤلء ل يحتاجون في النّظر في المظالم إلى تقليدٍ وتعيينٍ ,وكان لهم
بمقتضى وليتهم العامّة النّظر في ذلك .
وإمّا أن يعيّن شخص خاص لقضاء المظالم ممّن ليس له ولية عامّة ,وهذا يحتاج إلى
تقلي ٍد من صاحب الولية العامّة كالخليفة والحكّام المفوّض لهم ذلك .
ثانيا :شروط قاضي المظالم :
-يشترط في قاضي المظالم -بالضافة إلى شروط القاضي العا ّم -أن يكون جليل 9
القدر نافذ المر ,عظيم الهيبة ,ظاهر العفّة ,قليل الطّمع ,كثير الورع لنّه يحتاج في
نظره إلى سطوة الحماة وتثبت القضاة فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين .
قال ابن خلدونٍ عن ولية المظالم :هي وظيفة ممتزجة من سطوة السّلطنة ونصفة
القضاء فتحتاج إلى عل ّو يدٍ وعظيم رهب ٍة تقمع الظّالم من الخصمين وتزجر المعتدي وكأنّه
يمضي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه .
). 18 وتفصيل شروط القاضي في مصطلح ( :قضاء ف
ثالثا :رزق قاضي المظالم :
-الرّزق هو ما يرتّبه المام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين فإن كان 10
يخرجه كلّ شهرٍ سمّي رزقا ,وإن كان يخرجه كلّ عا ٍم سمّي عطاءً .
وناظر المظالم إن كان خليفةً أو أميرا أو واليا فرزقه حسب عمله ,ول يختص برزق
خاصّ لنظره في المظالم ,وإن كان ناظر المظالم قاضيا معيّنا لذلك فيعطى كفايته من بيت
مال المسلمين من الجزية والخراج والعشور ,لنّه عامل للمسلمين ,وحبس نفسه
لمصلحتهم ,لذلك يجب عليهم رزقه وراتبه ,كسائر الولة والقضاة والمفتين والمعلّمين ,
وهذا رأي جماهير الفقهاء .
). 58 وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء ف
رابعا :اختصاصات قاضي المظالم :
-الصل في اختصاص المظالم المحافظة على الحقوق ,ومنع الظلمات ,ومحاسبة 11
الولة والجباة ومراقبة موظّفي الدّولة إذا تجاوزوا حدود سلطتهم وصلحيّتهم أو ظلموا
النّاس في أعمالهم .
ن اختصاص قاضي المظالم عام وشامل ,وهو ما يمارسه الخلفاء ,ومن له
والصل أ ّ
ولية عامّة كالوزراء المفوّضين ,وأمراء القاليم ,ومن ينوب عنهم من القضاة ,وهذه
ي رحمه اللّه تعالى ,وتبعه العلماء
الولية العامّة تشمل عشرة أمورٍ ذكرها الماورد ّ
والفقهاء ,وهي :
-النّظر في تعدّي الولة على الرّعيّة وأخذهم بالعسف في السّيرة ,فهذا من لوازم 1
النّظر في المظالم الّذي ل يقف على ظلمة متظّلمٍ فيكون لسيرة الولة متصفّحا ومكتشفا
أحوالهم ليقوّيهم إن أنصفوا ,ويكفّهم إن عسّفوا ,ويستبدل بهم إن لم ينصفوا ,ولم
يؤدوا واجبهم المنوط بهم .
-جور العمّال في جباية الموال بمقارنتها بالقوانين العادلة في دواوين الئمّة ,فيحمل 2
النّاس عليها ,ويأخذ العمّال بها ,وينظر فيما استزادوه ,فإن رفعوه إلى بيت المال ,أمر
بردّه ,وإن أخذوه لنفسهم استرجعه لربابه .
-النّظر في كتّاب الدّواوين لنّهم أمناء المسلمين على بيوت أموالهم فيما يستوفونه 3
له ,ويوفونه منه ,فيتصفّح أحوالهم فيما وكل إليهم من زيادةٍ أو نقصانٍ .
وهذه القسام الثّلثة ل يحتاج والي المظالم في تصفحها إلى متظّلمٍ ,ويبادر إليها بنفسه
بدون دعوى .
-تظلم المسترزقة ,وهم الموظّفون من نقص أرزاقهم ,أو تأخرها عنهم ,وإجحاف 4
النظّار بهم فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه ,وينظر فيما نقصوه
,أو منعوه من قبل ,فإن أخذه ولة أمورهم استرجعه منهم ,وإن لم يأخذوه قضاه من
بيت المال .
-رد الغصوب ,وهي قسمان : 5
أحدهما :غصوب سلطانيّة قد تغلّب عليها ولة الجور ,كالموال المقبوضة عن أربابها ,
إمّا لرغبة فيها ,وإمّا لتعدّ على أهلها ,فهذا إن علم به والي المظالم عند تصفح المور
أمر بردّه قبل التّظلم إليه ,وإن لم يعلم به فهو موقوف على تظلم أربابه ,ويجوز أن
يرجع فيه عند تظلمهم إلى ديوان السّلطنة ,فإذا وجد فيه ذكر قبضها على مالكها عمل
عليه ,وأمر بردّها عليه ,ولم يحتج إلى بيّن ٍة تشهد به ,وكان ما وجده في الدّيوان كافيا
.
ثانيهما :ما تغلّب عليه ذوو اليدي القويّة ,وتصرّفوا فيه تصرف الملك بالقهر والغلبة ,
فهذا موقوف على تظلم أربابه ,ول ينتزع من يد غاصبه إل بأحد أمو ٍر أربعةٍ ,إمّا
باعتراف الغاصب وإقراره ,وإمّا بعلم والي المظالم ,فيجوز له أن يحكم عليه بعلمه ,
وإمّا ببيّنة تشهد على الغاصب بغصبه ,أو تشهد للمغصوب منه بملكه ,وإمّا بتظاهر
الخبار الّتي ينفى عنها التّواطؤ ,ول يختلج فيها الشكوك ,لنّه لمّا جاز للشهود أن
يشهدوا في الملك بتظاهر الخبار كان حكم ولة المظالم بذلك أحقّ .
-مشارفة الوقوف وهي ضربان :عامّة وخاصّة . 6
فأمّا العامّة فيبدأ بتصفحها ,وإن لم يكن فيها متظلّم ليجريها على سبيلها ,ويمضيها على
شروط واقفها إذا عرفها إمّا من دواوين الحكّام المندوبين لحراسة الحكام ,وإمّا من
دواوين السّلطنة على ما جرى فيها من معاملةٍ ,أو ثبت لها من ذك ٍر وتسميةٍ ,وإمّا من
كتبٍ فيها قديمةٍ تقع في النّفس صحّتها ,وإن لم يشهد الشهود بها ,لنّه ل يتعيّن الخصم
فيها ,فكان الحكم أوسع منه في الوقوف الخاصّة .
وأمّا الوقوف الخاصّة فإنّ نظره فيها موقوف على تظلم أهلها عند التّنازع فيها ,لوقفها
على خصومٍ متعيّنين ,فيعمل عند التّشاجر فيها على ما تثبت به الحقوق عند الحاكم ,ول
يجوز أن يرجع إلى ديوان السّلطنة ,ول إلى ما يثبت من ذكرها من الكتب القديمة إذا لم
يشهد بها شهود معدّلون .
-تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة لضعفهم عن إنفاذها ,وعجزهم عن المحكوم عليه , 7
لتعذره وقوّة يده ,أو لعلوّ قدره ,وعظم خطره ,فيكون ناظر المظالم أقوى يدا ,وأنفذ
أمرا ,فينفذ الحكم على من توجّه إليه بانتزاع ما في يده ,أو بإلزامه الخروج عمّا في
ذمّته .
-النّظر فيما عجز عنه النّاظرون في الحسبة في المصالح العامّة كالمجاهرة بمنكر 8
ق ومقتضاه ,ول يسوغ أن يحكم بينهم إل بما يحكم به الحكّام والقضاة ,وربّما
موجب الح ّ
اشتبه حكم المظالم على النّاظرين فيها ,فيجورون في أحكامها ,ويخرجون إلى الحدّ الّذي
ل يسوغ ,وهذا من عمل القضاة .
الفرق بين اختصاص المظالم واختصاص القضاء :
-الفرق بين قضاء المظالم والقضاء العاديّ يظهر في الجوانب التّالية : 12
-إنّ لنظّار المظالم من فضل الهيبة ,وقوّة اليد ما ليس للقضاة في كفّ الخصوم عن 1
والتّهذيب .
-لناظر المظالم استمهال الخصوم ,وتأجيل الفصل في النّزاع ,والتّأنّي في ترداد 5
الطراف عند اشتباه المور ,واستبهام الحقوق ,ل ُي ْمعِن في الكشف عن السباب وأحوال
الخصوم ما ليس للقضاة إذا سألهم أحد الخصمين فصل الحكم ,فل يسوغ أن يؤخّره
الحاكم ,ويسوغ أن يؤخّره والي المظالم .
-لناظر المظالم رد الخصوم إذا أعضلوا ,أي تعذّر التّوفيق بينهم ,إلى وساطة المناء 6
,ليفصلوا في التّنازع بينهم صلحا عن تراضٍ ,وليس للقاضي ذلك إل عن رضا الخصمين
بالرّ ّد إلى الصلح .
-لناظر المظالم أن يفسح في ملزمة الخصمين إذا وضحت أمارات التّجاحد ,ويأذن في 7
إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التّكفل ,لينقاد الخصوم إلى التّناصف ,ويعدلوا عن التّجاحد
والتّكاذب .
-لناظر المظالم أن يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاء في 8
ويستكثر من عددهم ليزول عنه الشّك ,وينفي عنه الرتياب ,وليس ذلك للحاكم العاديّ .
-يجوز لناظر المظالم أن يبتدئ باستدعاء الشهود ,ويسأل عمّا عندهم في تنازع 10
الخصوم ,أمّا عادة القضاة فهي تكليف المدّعي إحضار بيّنته ,ول يسمعونها إل بعد
مسألته وطلبه .
الفرق بين اختصاص المظالم والحسبة :
-تتّفق المظالم مع الحسبة في أمورٍ وتختلف في أمورٍ أخرى . 13
أمّا وجه الشّبه بين المظالم والحسبة ,فهي أمران وهما :
-أنّ موضوع المظالم والحسبة يعتمد على الرّهبة وقوّة الصّرامة المختصّة بالسّلطنة . 1
-يجوز للقائم في المظالم والحسبة أن ينظر من تلقاء نفسه ,وفي حدود اختصاصه 2
ع في
لسباب المصالح ,وإنكار العدوان ,واللزام في أحكام الشّرع ,بدون حاجةٍ إلى مدّ ٍ
ذلك .
أمّا أوجه الختلف بين المظالم والحسبة فهي :
-أنّ النّظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة ,أمّا النّظر في الحسبة فموضوع 1
لما ترفّع عنه القضاة ,أو ل حاجة لعرضه على القضاء ,فكانت رتبة المظالم أعلى ورتبة
الحسبة أخفض منه ,ويترتّب على ذلك أنّه يجوز لوالي المظالم أن يوقّع -يخاطب
ويراسل -إلى القضاة والمحتسب ,ولم يجز للقاضي أن يوقّع إلى والي المظالم ,ويجوز
له أن يوقّع إلى المحتسب ,ول يجوز للمحتسب أن يوقّع إلى واحدٍ منهما .
-يجوز لوالي المظالم أن ينظر في دعاوى المتخاصمين ,ويفصل بينهما ,ويصدر 2
حكما ,قضائيا قابلً للتّنفيذ ,أمّا والي الحسبة فل يجوز له أن يصدر حكما لنّه مختص
ج.
ت وحجا ٍ
في المور الظّاهرة الّتي ل اختلف فيها ول تنازع ,ول تحتاج إلى بيّنةٍ وإثبا ٍ
طرق النّظر في المظالم ومكانه وأوقاته :
أ ّولً :مجلس النّظر في المظالم :
-يستعين قاضي المظالم بالعوان الّذين يساعدونه في أداء مهمّته الجسيمة , 14
ويستكمل بهم مجلس نظره ,ول يستغني عنهم ,ول ينتظم نظره إل بهم ,ولذلك فإنّ
مجلس النّظر في المظالم يتم تشكيله كما يلي :
-رئيس المجلس ,وهو والي المظالم ,أو قاضي المظالم . 1
-القضاة والحكّام ,لستعلم ما ثبت عندهم من الحقوق ,ومعرفة ما يجري في 3
ويشترط في الكاتب أن يكون عالما بالشروط والحكام ,والحلل والحرام ,مع جودة الخطّ
,وحسن الضّبط ,والبعد عن الطّمع ,والمانة والعدالة .
-الشهود ,ليشهدوا على ما أوجبه قاضي المظالم من حقّ ,وأمضاه من حكمٍ وهم 6
شهود للقاضي نفسه حتّى يتمّ التّنفيذ ,ويستبعد النكار والجحود .
فإن استكمل مجلس المظالم هؤلء السّتّة شرع حينئذٍ في نظر المظالم .
ثانيا :التّدابير المؤقّتة في النّظر بالمظالم :
صةٍ ,قبل النّظر في دعوى
-يحق لقاضي المظالم القيام بتدابير مؤقّتةٍ ,وإجراءاتٍ خا ّ 15
يفصل في المر ,قال الماورديّ :وعلى والي المظالم أن ينظر في الدّعوى ,فإن كانت
مالً ,في ال ّذمّة كلّفه القاضي إقامة كفيلٍ .
-الحجر :قال الماورديّ :وإن كانت الدّعوى عينا قائمةً كالعقار حجر عليه فيها حجرا 2
ق.
ق ,ومعرفة المح ّ
الملك ,ومن جيران المتنازعين فيه ,ليتوصّل بهم إلى وضوح الح ّ
-الستكتاب والتّطبيق والمضاهاة ,وذلك إذا أنكر المدّعى عليه الخطّ ,فإنّ والي 4
المظالم يختبر خطّه ,باستكتابه بخطوطه الّتي يكتبها ,ويكلّفه الكثار من الكتابة ليمنعه
من التّصنع فيها ,ثمّ يجمع بين الخطّين ,فإذا تشابها حكم به عليه ,وهذا قول من جعل
اعترافه الخطّ موجبا للحكم به ,والّذي عليه المحقّقون منهم أنّهم ل يفعلون ذلك للحكم
ط أضعف منها مع اعترافه به ,وترفع
عليه ,ولكن لرهابه وتكون الشبهة مع إنكاره للخ ّ
الشبهة إن كان الخط منافيا لخطّه ,ويعود الرهاب على المدّعي ثمّ يردّان إلى الوساطة
فإن أفضى الحال إلى الصلح وإل بتّ القاضي الحكم بينهما باليمان .
ثالثا :التّسوية بين الخصمين :
صةً ,التّسوية بين الخصمين أمام
-يقتضي نظام القضاء عا ّمةً ,وقضاء المظالم خا ّ 16
القاضي ,في الجلوس والقبال ,والشارة والنّظر ,دون التّفريق بين كبي ٍر وصغيرٍ ,
وراعٍ ورع ّيةٍ ,وشريفٍ وغيره ,فالكل أمام العدل سواء ,لما روته أم سلمة رضي اللّه
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :من ابتلي بالقضاء بين النّاس فليعدل بينهم
عنها أ ّ
في لحظه وإشارته ومقعده » .
). 41 وينظر تفصيل ذلك في ( :تسوية ف , 9وقضاء ف
رابعا :وقت النّظر في المظالم :
-على الولة الّذين يمارسون قضاء المظالم بجانب أعمالهم أن يخصّصوا يوما معلوما 17
في السبوع للنّظر في المظالم ,ليقصده المتظلّمون ,ويتفرّغ الولة في سائر اليّام
لعمالهم الخرى ,وكانت المظالم في العهود الولى قليل ًة ومحدودةً ,وكان بعض الخلفاء
ينظر في المظالم في جميع الوقات متى حضرت مظلمة ,فكان المهدي مثلً يجلس في كلّ
ت لردّ المظالم .
وق ٍ
أمّا إن كان قاضي المظالم متعيّنا لذلك ,ومتفرّغا له ,فيكون نظره فيها في جميع اليّام ,
وفي جميع الوقات .
خامسا :مكان المظالم :
-كان النّظر في المظالم في مكان الخليفة في دار الخلفة ,أو مكان الوالي ,أو في 18
المظالم أو قاضي المظالم أن يعتمد على السّياسة الشّرعيّة العامّة في قضائه ,لذلك قال
الماورديّ :فأمّا نظر المظالم الموضوع على الصلح فعلى الجائز ,دون الواجب ,فيسوغ
فيه مثل هذا عند ظهور الرّيبة وقصد العناد ,ويبالغ في الكشف بالسباب المؤدّية إلى
ظهور الحقّ ,ويصون المدّعى عليه بما اتّسع في الحكم .
وقال الماورديّ :وربّما تلطّف والي المظالم في إيصال المتظلّم إلى حقّه ,بما يحفظ معه
حشمة المتظلّم منه ,أو مواضعة المطلوب على ما يحفظ به حشمة نفسه .
فإذا كان الظلم واضحا اكتفى قاضي المظالم بالبيّنة اليسيرة المؤدّية إلى القناعة الوجدانيّة
,ولذلك قال ابن عبد الحكم :كان عمر بن عبد العزيز يرد المظالم إلى أهلها بغير البيّنة
القاطعة ,وكان يكتفي باليسير إذا عرف وجه مظلمة الرّجل ردّها عليه ,ولم يكلّفه تحقيق
البيّنة ,كما يعرف من غشم -ظلم -الولة قبله على النّاس ,ولقد أنفذ بيت مال العراق
في ردّ المظالم حتّى حمل إليها من الشّام .
وفي ذلك إطلق ليد صاحب المظالم وتوسعة عليه ,لمواجهة حالت الضّرورات والنّوازل
والحوادث ,وهو ما قصده الخليفة الرّاشد عمر بن عبد العزيز بقوله :تحدث للنّاس
أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور .
وهو ما يقوم به القاضي بالجتهاد والتّحرّي .
فالقضاء بالسّياسة الشّرعيّة العادلة الّتي تخرج الحقّ من الظّالم ,وترفع كثيرا من المظالم
,وتردع أهل الفساد ,هي جزء من الشّريعة ,وباب من أبوابها ,وليست مخالفةً لها .
ثامنا :التّنفيذ :
-وهو تنفيذ الحكام وهو الهدف الخير من وجود القضاء والمحاكم ,ول سيّما في 21
قضاء المظالم ,إذا عجز القضاة عن تنفيذ أحكامها على المحكوم عليه ,لتعززه وقوّة يده
,أو لعلوّ قدره ,وعظم خطره ,فيكون ناظر المظالم أقوى يدا ,وأنفذ أمرا ,فينفّذ الحكم
على من يوجّه إليه ,بانتزاع ما في يده ,أو بإلزامه الخروج ممّا في ذمّته .
توقيعات قاضي المظالم :
ص ,والجواب من آخر ,والبيّنة
-التّوقيع :هو الكتاب الّذي يتضمّن الدّعاء من شخ ٍ 22
على ذلك ,والمقصود بالتّوقيعات هنا :هي الكتب الّتي تصدر عن والي المظالم ,ويرسلها
ص أو لجنةٍ ,ليطلعهم على ما جرى عنده من
إلى غيره بإحالة موضوع المنازعة إلى شخ ٍ
تظلمٍ وأحكامٍ وقصص المتظلّمين إليه ,بقصد تحضير الدّعوى ,أو التّحقيق فيها ,أو
النّظر بينهم ,والفصل فيها .
-وقسّم الماورديّ ,توقيعات قاضي المظالم إلى قسمين حسب حال الموقّع إليه : 23
القسم الوّل :أن يكون الموقّع إليه مختصا أصلً بالنّظر في المظالم ,كالتّوقيع إلى
القاضي المكلّف بالنّظر في المظالم ,وهذا ينقسم إلى نوعين :
أ -أن يكون التّوقيع إذنا للقاضي للفصل في الدّعوى والحكم فيها ,وهنا يجوز له الحكم
بأصل الولية ,ويكون التّوقيع تأكيدا ل يؤثّر فيه قصور معانيه .
ب -أن يقتصر التّوقيع على مجرّد الكشف والتّحقيق والوساطة بين الخصمين لنهاء
النّزاع ,وقد يقترن ذلك بالنّهي عن الحكم فيه ,فل يجوز للقاضي أن يحكم في القضيّة
وإن لم ينهه الكاتب في التّوقيع عن الحكم بينهما فيكون نظر القاضي على عمومه في
ث :يكون
جواز الحكم بينهما ,وفي قو ٍل ضعيفٍ يكون ذلك منعا من الحكم ,وفي قولٍ ثال ٍ
ن فحوى
ممنوعا من الحكم ومقصورا على ما تضمّنه التّوقيع من الكشف والوساطة ,ل ّ
التّوقيع دليل عليه .
وإذا كان التّوقيع بمجرّد الوساطة فل يلزم القاضي المحال إليه بإنهاء الحال ,وإخطاره إلى
قاضي المظالم بعد الوساطة ,وإن كان التّوقيع بكشف الصورة ,أو بالتّحقيق وإبداء الرّأي
لزمه إنهاء حالهما إليه ,لنّه استخبار منه فلزم إجابته .
القسم الثّاني :أن يكون الموقّع إليه ل ولية له في نظر المظالم ,كتوقيعه إلى فقي ٍه أو
شاهدٍ ,وهذا القسم له ثلث صورٍ :
أ -أن يكون التّوقيع للتّحقيق وكشف الصورة وإبداء الرّأي ,فعلى الموقّع إليه أن يكشفها
,وينهي منها لقاضي المظالم ما يصح أن يشهد به ,ويجوز لوالي المظالم الموقّع أن
يحكم به ,وإل كان مجرّد خب ٍر ل يجوز للموقّع أن يحكم به ,ولكن يجعله في نظر المظالم
من المارات الّتي يغلب بها حال أحد الخصمين في الرهاب ,وفضل الكشف .
ب -أن يكون التّوقيع بالوساطة ,فيتوسّط الموقع إليه بينهما ,فإن أفضت الوساطة إلى
صلح الخصمين لم يلزمه إنهاؤها إلى والي المظالم ,ويعتبر شاهدا فيها ,إذا استدعي
ل ,وإن لم تفض الوساطة إلى الصلح بين الطّرفين كان الوسيط
للشّهادة بشأنها مستقب ً
شاهدا فيما اعترفا به عنده يؤدّيه إلى النّاظر في المظالم إن عاد الخصمان إلى التّظلم
وطلب الشّهادة ,ول يلزمه أداؤها إن لم يعودا .
ج -أن يكون التّوقيع للشّخص بالحكم بين الخصمين ,فهذا يعني إسناد ولي ٍة له ,ويتعيّن
مراعاة فحوى قرار الحالة لعمال القضاء ,ليكون نظره محمولً على موجبه .
-كما قسّم الماورديّ توقيعات قاضي المظالم حسب مضمون الكتاب إلى قسمين , 24
وهما :
القسم الوّل :أن تكون عبارة الحالة متضمّنةً إجابة الخصم إلى ملتمسه ,فيعتبر فيه
حينئ ٍذ ما سأل الخصم في ظلمته ,ويصير النّظر مقصورا عليه ,فإن سأل الوساطة أو
الكشف للصورة ,أي التّحقيق فيها ,كانت الحالة موجبةً له ,وكان النّظر مقصورا عليه
,سواء خرج التّوقيع مخرج المر ,كقوله :أجبه إلى ملتمسه ,أو خرج مخرج الحكاية ,
كقوله :رأيك في إجابة ملتمسه ,كان موقعا ,لنّه ل يقتضي وليةً يلزم حكمها ,فكان
أمرها أخفّ ,وإن سأل المتظلّم الحكم بينه وبين خصمه فل بدّ أن يكون الخصم مس ّمىً ,
ح ولية الفصل في النّزاع عليهما .
والخصومة مذكورة ,لتص ّ
القسم الثّاني :أن تكون الحالة أو التّفويض متضمّنا إجابة الخصم إلى ما سأل ,على أن
يستأنف فيه المر ,وتتحدّد الولية بمضمون قرار الحالة ,ولها ثلث صورٍ :
أ -أن تكون الحالة كامل ًة في صحّة الولية ,وهذا يتضمّن المر بالنّظر ,والمر بالحكم
,ويكون الحكم بالحقّ الّذي يوجبه الشّرع ,وهذا هو التّوقيع الكامل .
ب -أن ل يكون قرار الحالة كاملً ,بل تضمّن المر بالحكم دون النّظر ,فيذكر في
توقيعه مثلً :أحكم بين رافع هذه القصّة وبين خصمه ,أو يقول :اقض بينهما ,فتصح
ن الحكم والقضاء بينهما ل يكون إل بعد تقدم النّظر ,فصار المر به
الولية بذلك ,ل ّ
متضمّنا للنّظر ,لنّه ل يخلو منه .
ج -أن يخلو التّوقيع من الكمال والجواز ,بأن يذكر في التّوقيع :انظر بينهما ,فل تنعقد
بهذا التّوقيع ولية ,لنّ النّظر بينهما يحتمل الوساطة الجائزة ,ويحتمل الحكم اللزم ,
وهما في الحتمال سواء ,فلم تنعقد الولية به مع الحتمال .
ن الحقّ
ن الولية منعقدة ,ل ّ
أمّا إن قال له :انظر بينهما بالحقّ ,ففيه اختلف ,فقيل :إ ّ
ما لزم ,وقيل :ل تنعقد به ,لنّ الصلح والوساطة حق ,وإن لم يلزمه .
كيفيّة ر ّد المظالم :
-رغّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بردّ المظالم إلى أهلها قبل أن يحاسب عليها , 25
وطلب ممّن ارتكب مظلمةً أن يتحلّلها من صاحبها بأسرع ما يمكن ,فعن أبي هريرة رضي
اللّه عنه قال :قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « :من كانت له مظلمة لخيه من
عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم ،قبل أن ل يكون دينار ول درهم ،إن كان له عمل
صالح أخذ بقدر مظلمته ،وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه » .
وحدّد النّووي كيفيّة ر ّد المظالم إلى أصحابها فقال :إن كانت المعصية قد تعلّق بها حق
مالي ,كمنع الزّكاة ,والغصب ,والجنايات في أموال النّاس ,وجب مع ذلك تبرئة ال ّذمّة
عنه بأن يؤدّي الزّكاة ,ويردّ أموال النّاس إن بقيت ,ويغرم بدلها إن لم تبق ,أو يستحل
ق ,وأن يوصّله إليه إن
المستحقّ فيبرئه ,ويجب أن يعلم المستحقّ بالحقّ إن لم يعلم بالح ّ
كان غائبا إن كان غصبه هناك ,فإن مات سلّمه إلى وارثه ,فإن لم يكن له وارث ,
وانقطع خبره رفعه إلى قاضٍ ترضى سيرته وديانته ,فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء
بنيّة الضّمان له إن وجده ,وإن كان معسرا نوى الضّمان إذا قدر ,فإن مات قبل القدرة
ي كالقصاص وحدّ
فالمرجو من فضل اللّه تعالى المغفرة ,وإن كان حقا للعباد وليس بمال ّ
ق ويمكّنه من الستيفاء فإن شاء اقتصّ وإن شاء عفا .
القذف فيأتي المستح ّ
وذكر مثله الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة مع تفصيلٍ في الفروع .
وقال الغزالي :أمّا الجناية على القلوب بمشافهة النّاس بما يسوءهم أو يصيبهم في الغيب
فليطلب من كلّ من تعرّض له بلسانه أو آذى قلبه بفعل من أفعاله ,وليحل واحدا واحدا
منهم ،ومن مات أو غاب فل يتدارك إل بكثير الحسنات ,ثمّ تبقى له مظلمة ,فليجبرها
بالحسنات كما يجبر مظلمة الميّت والغائب .
توقف قبول التّوبة على ردّ المظالم :
ن التّوبة بمعنى
-يشترط في التّوبة رد المظالم إلى أهلها ,أو تحصيل البراءة منها ,ل ّ 26
النّدم على ما مضى ,والعزم على عدم العود لمثله ل يكفي في التّوبة وإسقاط الحقوق ,
سواء كانت من حقوق اللّه تعالى كالزّكوات والكفّارات والنذور ,أو من حقوق العباد كردّ
المال المغصوب والجنايات في الموال والنفس ,ور ّد المال المسروق وغيره .
قال ابن قدامة عن التّوبة :وإن كانت توجب عليه حقا للّه تعالى ,أو لدميّ ,كمنع الزّكاة
والغصب ,فالتّوبة منه بما ذكرنا ,وترك المظلمة حسب إمكانه ,بأن يؤدّي الزّكاة ,ويردّ
المغصوب ,أو مثله إن كان مثليا ,وإل قيمته ,وإن عجز عن ذلك نوى ردّه متى قدر
عليه ,فإن كان عليه حق في البدن ,فإن كان حقا لدميّ كالقصاص ,وح ّد القذف ,
اشترط في التّوبة التّمكين في نفسه ,وبذلها للمستحقّ .
ص الفقهاء على توقف قبول التّوبة على ر ّد المظالم في أبوابٍ مختلفةٍ ,فيعتبر في
ون ّ
صحّة توب ٍة من نحو غصب ر ّد مظلمةٍ إلى ربّها إن كان حيا ,أو إلى ورثته إن كان ميّتا ,
أو أن يجعله منها في حلّ بأن يطلب منه أن يبرئه ,ويستمهل التّائب ربّ المظلمة إن كان
معسرا وعجز عن ردّها ,أو بدلها لعسرته .
ن توبة القاذف أن يكذّب نفسه ,لنّ عرض المقذوف قد تلوّث بقذفه ,فإكذابه نفسه
وإ ّ
يزيل ذلك التّلوث فتكون التّوبة به .
ن الوديعة الّتي جهل المودع لها ,وأيس المودع من معرفة مالكها ,يجوز إعطاؤها
وإ ّ
لبيت المال إذا لم يكن الحاكم جائرا ظالما ,ويجوز لمن هي في يده أن يصرفها في
مصارفها أو في بناء مسجدٍ أو رباطٍ ,إذا كان المام جائرا .
وإذا تاب الغال -وهو الّذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة -قبل القسمة ردّ ما أخذه في
ف ,لنّه حق تعيّن رده إلى أهله .
المقسم بغير خل ٍ
ن التّوبة الّتي تسقط العقوبة عن قاطع الطّريق توجب ر ّد المال على صاحبه إن كان أخذ
وإ ّ
المال ل غير ,مع العزم على أن ل يفعل مثله في المستقبل .
ظنّة *
مَ ِ
التّعريف :
-المظنّة من الظّنّ وهو في اللغة :اسم لما يحصل عن أمارةٍ ومتى قويت أدّت إلى 1
العلم ,والظّن في الصل خلف اليقين ,وقد يستعمل بمعنى اليقين كقوله تعالى { :الّذِينَ
لقُوا رَ ّب ِهمْ } .
ن أَ ّنهُم مّ َ
َيظُنّو َ
والمظِنّة :بكسر الظّاء لل َمعّْلمِ وهو حيث يعلم الشّيء والجمع المظان ومظنّة الشّيء
موضعه ومألفه .
وفي الصطلح :المظنونات هي القضايا الّتي يحكم فيها حكما راجحا مع تجويز نقيضه .
الحكام المتعلّقة بالمظنّة :
المظنّة تقوم مقام اليقين عند الفقهاء ومن أمثلة ذلك :
مظنّة نقض الوضوء بزوال العقل :
-إذا زال عقل المكلّف بنوم أو جنونٍ أو إغما ٍء أو سكرٍ أو نحوها ,فقد اتّفق الفقهاء 2
ن زوال العقل بأحد هذه المور من نواقض الوضوء ,لكونه مظ ّنةً لخروج شي ٍء من
على أ ّ
الدبر من غير شعورٍ به ,وذلك كما أشعر به قوله صلّى اللّه عليه وسلّم « :العين وكاء
السّه فمن نام فليتوضّأ » .
والمعنى :أنّ اليقظة هي الحافظة لما يخرج ,والنّائم قد يخرج منه الشّيء ول يشعر به
فاعتبر النّوم ونحوه ناقضا للوضوء مع أنّه قد ل يخرج من دبره شيء أثناء النّوم .
قال القرافي :النّوم ليس حدثا في نفسه فهو يوجب الوضوء لكونه مظنّة الرّيح للحديث
السّابق .
مظنّة الشّهوة عند ملمسة الرّجل المرأة :
-ذهب جمهور الفقهاء في الجملة إلى أنّ ملمسة الرّجل المرأة الجنبيّة تنقض 3
الوضوء ,لنّها مظنّة الشّهوة فأقيمت المظنّة مقام اليقين وأعطيت حكمه ,لنّها ل تنفك
س قبل الدميّ بباطن الكفّ
عنه غالبا ,وقيام المظنّة كعلّة لما ينقض الوضوء يشمل م ّ
وقيامها كعلّة لوجوب الغسل يشمل التقاء الختانين .
وينظر تفصيل ذلك في ( :وضوء ,وغسل ف 5وما بعدها ) .
المظنّة في أحكام السّفر :
ن رخص السّفر كالمسح على الخفّين لمدّة ثلثة أيّامٍ بلياليها ,وإباحة
-ذكر الفقهاء أ ّ 4
التّيمم لفقد الماء ,أو للخوف ,وقصر الصّلة الرباعيّة ,وجمع الصّلوات الّتي يجوز
جمعها ,وإفطار الصّائم ,وغير ذلك من الرخص الشّرعيّة المنوطة بالسّفر ,سواء كانت
فيه مشقّة أو لم تكن ,لنّ السّفر من أسباب المشقّة في الغالب ,قال صاحب كشف
ن في خدمه وأعوانه لحقه مشقّة
ن إلى بستا ٍ
السرار :حتّى لو تنزّه سلطان من بستا ٍ
بالنّسبة إلى حال إقامته فلذلك اعتبر نفس السّفر سببا للرخص وأقيم مقام المشقّة من غير
نظ ٍر إلى كونه موجبا للمشقّة أو غير موجبٍ لها .
المظنّة في الشّهادة والرّواية :
-من الحكام الّتي تقوم فيها المظنّة مقام اليقين قبول شهادة الشهود ,ورواية الرّاوين 5
مَعَابِد *
التّعريف :
-المعابد في اللغة جمع معبَدٍ -بفتح الباء -وهو مكان العبادة ومحلها . 1
والعبادة مصدر عبَد -بفتح الباء -يقال :عبد اللّه عبادةً وعبود ّي ًة :انقاد له وخضع
وذلّ ,والمتعبّد :مكان التّعبد .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
المسجد :
-المسجد لغةً مفعل بكسر العين :اسم لمكان السجود ,وبالفتح اسم للمصدر . 2
والمسجد شرعا :كل موض ٍع من الرض ,لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم « :جعلت لي
الرض مسجدا وطهورا » ,وخصّصه العرف بالمكان المهيّأ للصّلوات الخمس .
والصّلة بين المسجد والمعابد العموم والخصوص المطلق .
أقسام المعابد :
مكان عبادة المسلمين هو المسجد والجامع والمصلّى والزّاوية .
). 4 وتفصيل أحكام ذلك في مصطلح ( :مسجد ف - 1
وأمّا مكان عبادة غير المسلمين فله أقسام وتسميات مختلفة على النّحو التّالي :
أ -الكنيسة :
-تطلق الكنيسة عند بعض اللغويّين على متعبّد اليهود ,وتطلق أيضا على متعبّد 3
متعبّد النّصارى ,وزاد الفخر الرّازيّ فقال :وهي الّتي يبنونها في البلد .
ن البيعة اسم لمعبد اليهود مطلقا ,ثمّ غلب استعمال البيعة
وقال قاضي زاده من الحنفيّة :إ ّ
لمعبد النّصارى .
وقال ابن القيّم :إنّ أهل اللغة والتّفسير على أنّ البيعة معبد النّصارى إل ما حكيناه عن
ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال :البيع مساجد اليهود .
ج -الصّومعة :
-قال ابن عابدين :الصّومعة بيت يبنى برأس طويلٍ ليتعبّد فيه بالنقطاع عن النّاس , 5
الّذي يتدارسون فيه العلم ,وفيه قول أنسٍ رضي اللّه تعالى عنه :وكأنّهم اليهود حين
خرجوا من فهرهم .
و -الصّلوات :
-الصّلوات كنائس اليهود ,قال ال ّزجّاج وهي بالعبريّة " صلوتا " ,وقيل :للنّصارى , 8
ب أو نحوه
وأمّا النّاووس فقال اللغويون :النّاووس مقابر النّصارى ,أو صندوق من خش ٍ
يضع فيه النّصارى جثّة الميّت .
وقال ابن القيّم :النّاووس للمجوس كالكنيسة للنّصارى ,وهو من خصائص دينهم الباطل
.
الحكام المتعلّقة بالمعابد :
-ل يفرّق الفقهاء بين الكنيسة والبيعة ,والصّومعة ,وبيت النّار ,والدّير وغيرها في 10
الحكام ,والصل في هذا ما ورد في كتاب عمر رضي اللّه عنه لمّا صالح نصارى الشّام
كتب إليهم كتابا " :إنّهم ل يبنون في بلدهم ول فيما حولها ديرا ول كنيسةً ول صومعة
راهبٍ . " . . .
وقال الدسوقيّ في كراهة الصّلة فيها :وتكره الصّلة بمتعبّد الكفّار سواء كان كنيسةً أو
بيعةً ,أو بيت نارٍ .
وقال البهوتي وابن قدامة في الوقف :ول يصح الوقف على كنائس ,وبيوت نارٍ ,وبيعٍ
وصوامع ,وديور ٍة ومصالحها .
ن :حكم هذه المكنة كلّها حكم الكنيسة
ص ابن القيّم بعد ذكر جميع أنواع المعابد على أ ّ
ون ّ
,وينبغي التّنبيه عليها .
وتفصيل الحكام المتعلّقة بالمعابد على النّحو التّالي :
إحداث المعابد في أمصار المسلمين :
-يختلف حكم إحداث المعابد في أمصار المسلمين باختلف المصار على النّحو التّالي 11
:أ -ما اختطّه المسلمون كالكوفة والبصرة ,فل يجوز فيها إحداث كنيسةٍ ول بيع ٍة ول
مجتم ٍع لصلتهم ول صومعةٍ بإجماع أهل العلم .
ب -ما فتحه المسلمون عنوةً ,فل يجوز فيه إحداث شيءٍ بالتّفاق لنّه صار ملكا
للمسلمين ,واختلفوا في هدم ما كان فيه كما يأتي فيما بعد .
ج -ما فتحه المسلمون صلحا :فإن صالحوهم على أنّ الرض لهم والخراج لنا جاز
ن الدّار لنا ويؤدون الجزية فل يجوز
الحداث عند جمهور الفقهاء ,وإن صالحوهم على أ ّ
الحداث إل إذا شرطوا ذلك ,وإن وقع الصلح مطلقا ل يجوز الحداث عند جمهور الفقهاء
). 25 - 24 .والتّفصيل في مصطلح ( :أهل ال ّذمّة ف
هدم المعابد القديمة :
-المراد من المعابد القديمة ما كانت قبل فتح المام بلد الكفّار ومصالحتهم على 12
إقرارهم على بلدهم وعلى دينهم ,ول يشترط أن تكون في زمن الصّحابة رضي اللّه تعالى
عنهم أو التّابعين ل محالة .
ويختلف حكم المعابد القديمة باختلف مواقعها على النّحو التّالي :
أ -المعابد القديمة في المدن الّتي أحدثها المسلمون :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّ البيع والكنائس القديمة في السّواد والقرى ل يتعرّض لها ول 13
يهدم شيء منها ,قال الكمال بن الهمام :إنّ البيع والكنائس في السّواد ل تهدم على
الرّوايات كلّها ,وأمّا في المصار فاختلف كلم محمّدٍ ,فذكر في العشر والخراج :تهدم
القديمة ,وذكر في الجارة :ل تهدم ،وعمل النّاس على هذا ,فإنّا رأينا كثيرا منها توالت
عليها أئمّة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها ,فكان متوارثا من عهد الصّحابة
رضي اللّه تعالى عنهم .
وعلى هذا لو مصّرنا برّ ّيةً فيها دير أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن ل يهدم ,لنّه
كان مستحقا للمان قبل وضع السور ,فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك
لنّها كانت فضاءً فأدار العبيديون عليها السور ,ثمّ فيها الن كنائس ,ويبعد من إمام
تمكين الكفّار من إحداثها جهارا في جوف المدن السلميّة ,فالظّاهر أنّها كانت في
الضّواحي ,فأدير السور عليها فأحاط بها ,وعلى هذا فالكنائس الموضوعة الن في دار
السلم -غير جزيرة العرب -كلها ينبغي أن ل تهدم ,لنّها إن كانت في أمصارٍ قديمةٍ ,
ن الصّحابة أو التّابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وأبقوها ,وبعد ذلك ينظر
كأّ
فل ش ّ
فإن كانت البلدة فتحت عنو ًة حكمنا بأنّها بقوها مساكن ل معابد فل تهدم ,ولكن يمنعون
من الجتماع فيها للتّقرب ,وإن عرف أنّها فتحت صلحا حكمنا بأنّهم أقروها معابد فل
يمنعون من الجتماع فيها بل من الظهار .
ن الكنائس القديمة تترك لهل ال ّذمّة فيما اختطّه المسلمون فسكنوه معهم
وقال المالكيّة :إ ّ
,وقال عبد الملك :ل يجوز الحداث مطلقا ول يترك لهم كنيسةً .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الّذي يوجد في البلد الّتي أحدثها المسلمون من البيع والكنائس
وبيوت النّار وجهل أصله ل ينقض لحتمال أنّها كانت قري ًة أو بر ّيةً فاتّصل بها عمران ما
أحدث منّا ,بخلف ما لو علم إحداث شيءٍ منها بعد بنائها فإنّه يلزمنا هدمه إذا بني
للتّعبد ,وإن بني لنزول المارّة :فإن كان لعموم النّاس جاز ,وكذلك إذا كان لهل ال ّذمّة
فقط كما جزم به ابن الصّبّاغ .
وقال الحنابلة :الكنائس الّتي في البلد الّتي مصّرها المسلمون وأحدثت بعد تمصير
المسلمين لها تزال ,وما كان موجودا بفلة من الرض ثمّ مصر المسلمون حولها المصر
فهذه ل تزال .
ب -المعابد القديمة فيما فتح عنوةً :
ن المعابد
-ذهب المالكيّة وهو وجه عند الحنابلة وقول للشّافعيّة في مقابل الصحّ إلى أ ّ 14
النّوع الوّل :أن يصالحهم المام على أن تكون الرض لنا فالحكم في البيع والكنائس على
ما يقع عليه الصلح .
النّوع الثّاني :أن يصالحهم المام على أن تكون الرض لهم ويؤدوا عنها خراجا ,فهذا
ف.
ممّا ل يتعرّض للمعابد القديمة فيها دون خل ٍ
النّوع الثّالث :أن يقع الصلح مطلقا :فذهب الشّافعيّة في مقابل الصحّ ,والحنابلة ,وهو
المفهوم من كلم الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ل يتعرّض للقديمة وهذا لحاجتهم إليها في
عبادتهم كما علّله الشّافعيّة .
ن إطلق اللّفظ يقتضي ضرورة جميع البلد
وذهب الشّافعيّة في الصحّ إلى أنّها ل تبقى ,ل ّ
لنا .
إعادة المنهدم :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة على الصحّ وهو رواية عن أحمد إلى أنّه إذا انهدمت 16
ما تشعّث من الكنائس والبيع ونحوها الّتي أقرّ أهلها عليها وإصلحها ,لنّ المنع من ذلك
يفضي إلى خرابها وذهابها ,فجرى مجرى هدمها .
وزاد الشّافعيّة في وجهٍ :بأنّه يجب إخفاء العمارة لنّ إظهارها زينة تشبه الستحداث .
والوجه الثّاني وهو الصح أنّه ل يجب إخفاء العمارة فيجوز تطيينها من الدّاخل والخارج .
والمعتمد عند المالكيّة أنّهم يمنعون من ر ّم المنهدم في العنويّ -ما فتح عنوةً -وفي
ي عند بعضهم .
الصلح ّ
نقل المعبد من مكانٍ إلى آخر :
ن آخر على أقوالٍ على النّحو التّالي :
-اختلف الفقهاء في نقل المعبد من مكانٍ إلى مكا ٍ 18
ذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس لهل ال ّذمّة أن يحوّلوا معابدهم من موض ٍع إلى موضعٍ آخر ,
ن التّحويل من موضعٍ إلى موضعٍ آخر في حكم إحداث كنيسةٍ أخرى .
لّ
وقال المالكيّة :الظّاهر أنّهم لو شرطوا النّقل في العقد يجوز وإل فل .
وفصّل ابن القيّم الكلم عليه فقال :والّذي يتوجّه أن يقال :إن منعنا إعادة الكنيسة إذا
انهدمت ,منعنا نقلها بطريق الولى ,فإنّها إذا لم تعد إلى مكانها الّذي كانت عليه فكيف
تنشأ في غيره ؟ وإن جوّزنا إعادتها فكان نقلها من ذلك المكان أصلح للمسلمين ,لكونهم
ن هذا مصلحة
ينقلونها إلى موضعٍ خفيّ ل يجاوره مسلم ,ونحو ذلك جائز بل ريبٍ ,فإ ّ
ظاهرة للسلم والمسلمين فل معنى للتّوقف فيه ,وأمّا إن كان النّقل لمجرّد منفعتهم ,
وليس للمسلمين فيه منفعة فهذا ل يجوز ,لنّه إشغال رقبة أرض السلم بجعلها دار كفرٍ
ق.
,فهو كما لو أرادوا جعلها خمّارةً أو بيت فس ٍ
فلو انتقل الكفّار عن محلّتهم وأخلوها إلى محّل ٍة أخرى فأرادوا نقل الكنيسة إلى تلك المحلّة
,وإعطاء القديمة للمسلمين فهو على هذا الحكم .
وقال المالكيّة :إذا نقل المام النّصارى المعاهدين من مكانهم إلى مكانٍ آخر يباح لهم في
هذه الحالة بنيان بيعةٍ واحدةٍ لقامة شرعهم ويمنعون من ضرب النّواقيس فيها .
اعتقاد الكنيسة بيت اللّه واعتقاد زيارتها قربةً :
ن الكنائس بيوت اللّه أو أنّه
ص الشّيخ تقي الدّين من الحنابلة على أنّ من اعتقد أ ّ
-ن ّ 19
يعبد فيها ,أو أنّه يحب ذلك ويرضاه فهو كافر لنّه يتضمّن اعتقاد صحّة دينهم ,وذلك
كفر ,أو أعانهم على فتح الكنائس وإقامة دينهم ,واعتقد ذلك قرب ًة أو طاعةً ,وكذلك من
اعتقد أنّ زيارة أهل ال ّذمّة كنائسهم قرب ًة إلى اللّه فهو مرتد .
الصّلة في معابد الكفّار :
ص جمهور الفقهاء على أنّه تكره الصّلة في معابد الكفّار إذا دخلها مختارا ,أمّا
-ن ّ 20
منزل الضّيفان من كنيسةٍ ,كما صالح عمر أهل الشّام على ذلك ,فقد ورد في صلحه :ول
نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في اللّيل والنّهار وأن نوسّع أبوابها للمارّة وابن
السّبيل ول نؤوي فيها ول في منازلنا جاسوسا .
دخول المسلم معابد الكفّار :
-اختلف الفقهاء في جواز دخول المسلم معابد الكفّار على أقوالٍ : 22
ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره للمسلم دخول البيعة والكنيسة ,لنّه مجمع الشّياطين ,ل من
حيث إنّه ليس له حق الدخول .
ويرى المالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة أنّ للمسلم دخول بيعةٍ وكنيسةٍ ونحوهما .
وقال بعض الشّافعيّة في رأيٍ آخر :إنّه ل يجوز للمسلم دخولها إل بإذنهم .
). 12 والتّفصيل في مصطلح ( :دخول ف
الذن في دخول الكنيسة والعانة عليه :
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ للزّوج منع زوجته ال ّذمّيّة من دخول الكنيسة 23
ونحوها .
ووجه ذلك عند الحنابلة :أن ل يعينها على أسباب الكفر وشعائره ول يأذن لها فيه .
وعلّله الشّافعيّة :بأنّه إذا كان له منع المسلمة من إتيان المساجد فمنع ال ّذمّيّة من الكنيسة
أولى .
وعند المالكيّة قولن كما ذكرهما الحطّاب :قال في المدوّنة :ليس له منعها من ذلك ,
وفي كتاب ابن الموّاز :له منعها من الكنيسة إل في الفرض .
ص الحنابلة على أنّه إن سألت الخروج إلى أعيادهم
وأمّا الجارية النّصرانيّة فقد ن ّ
وكنائسهم وجموعهم ل يأذن لها في ذلك .
ص المالكيّة على أنّ المسلم ل يمنع مكاتبه النّصرانيّ من إتيان الكنيسة ,لنّ ذلك دينهم
ون ّ
,إذ ل تحجير له عليه .
ص الحنفيّة على أنّه لو سأل ذمّي مسلما على طريق البيعة ل ينبغي للمسلم أن يدلّه
ون ّ
على ذلك ,لنّه إعانة على المعصية ,وأيضا :مسلم له أم ذمّيّة أو أب ذمّي ليس له أن
يقوده إلى البيعة ,وله أن يقوده من البيعة إلى المنزل .
ملعنة ال ّذ ّميّين في المعابد :
-ذهب المالكيّة إلى أنّه يجب أن يكون لعان ال ّذمّيّة في كنيستها ,واليهوديّة في 24
جاز ذلك إن كان البلد صلحا ,ولم يجز إن كان البلد عنو ًة ,لنّها وقف بالفتح ,وعلّله ابن
رش ٍد فقال :لنّه ل يجوز لهم بيع أرض العنوة ,لنّ جميعها فيء للّه على المسلمين :
الكنائس وغيرها .
وأمّا أرض الصلح فاختلف قول ابن القاسم في أرض الكنيسة تكون عرصة الكنيسة أو
حائطا فيبيع ذلك أسقف أهل تلك البلدة هل للرّجل أن يتعمّد الشّراء ,فأجاز شراء ذلك في
سماع عيسى ,ومنعه في سماع أصبغ .
بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً :
ص جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دا ٍر لتتّخذ كنيسةً :
-ن ّ 27
قال الحنفيّة :إن اشتروا دورا في مص ٍر من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا دارا منها
كنيسةً أو بيعةً أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم منعوا عن ذلك .
ض لتتّخذ كنيسةً وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع
وقال المالكيّة :يمنع أي يحرم بيع أر ٍ
على إخراجه من ملكه ببيع أو نحوه .
ن أبا عبد اللّه سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيّ وفيها محاريب
روى الخلل عن المروذيّ أ ّ
فاستعظم ذلك وقال :نصراني ؟ ! ! ل تباع ،يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها
الصلبان ؟ وقال :ل تباع من الكافر وشدّد في ذلك .
ن أبا عبد اللّه سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه
وعن أبي الحارث أ ّ
وزاده في ثمن الدّار ,ترى أن يبيع منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي ,قال :ل
أرى له ذلك ,قال :ول أرى أن يبيع داره من كاف ٍر يكفر فيها باللّه تعالى .
استئجار أهل ال ّذمّة دارا لتّخاذها كنيسةً :
-إذا اشترى أو استأجر ذمّي دارا على أنّه سيتّخذها كنيسةً فالجمهور على أنّ الجارة 28
فاسدة ,أمّا إذا استأجرها للسكنى ث ّم اتّخذها معبدا فالجارة صحيحة ,ولكن للمسلمين
عا ّمةً منعه حسبةً .
). 98 والتّفصيل في ( :إجارة ف
جعل ال ّذمّي بيته كنيسةً في حياته :
ص الحنفيّة على أنّه لو جعل ذمّي داره بيعةً أو كنيسةً أو بيت نا ٍر في صحّته ,
-ن ّ 29
فمات فهو ميراث اتّفاقا بين المام وصاحبيه واختلفوا في التّخريج :فعنده لنّه كوقف لم
يسجّل ,والمراد أنّه يورث كالوقف ,وليس المراد أنّه إذا سجّل لزم كالوقف ,وأمّا
عندهما فلنّه معصية .
عمل المسلم في الكنيسة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمسلم أن يعمل لهل ال ّذمّة في الكنيسة نجّارا 30
أو بناءً أو غير ذلك ,لنّه إعانة على المعصية ,ومن خصائص دينهم الباطل ,ولنّه
ن يعتذر
إجارة تتضمّن تعظيم دينهم وشعائرهم ,وزاد المالكيّة بأنّه يؤدّب المسلم إل أ ّ
بجهالة .وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها ل بأس به لنّه
ل معصية في عين العمل .
ضرب النّاقوس في المعابد :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يمنع أهل ال ّذمّة من إظهار ضرب النّواقيس في معابدهم في 31
الجملة ,وأنّه ل بأس بإخفائها وضربها في جوف الكنائس ,واختلفوا في التّفاصيل :
ن إظهار
فقال الحنفيّة :لو ضربوا النّاقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرّض لذلك ل ّ
الشّعائر لم يتحقّق ,فإن ضربوا به خارجا منها لم يمكّنوا لما فيه من إظهار الشّعائر ,ول
يمنعون من ضرب النّاقوس في قريةٍ أو موضعٍ ليس من أمصار المسلمين ,ولو كان فيه
عدد كثير من أهل السلم ,وإنّما يكره ذلك في أمصار المسلمين وهي الّتي تقام فيها
الجمع والعياد والحدود .
وكذلك الحكم في إظهار صليبهم ,لو فعلوا ذلك في كنائسهم ل يتعرّض لهم .
وقال المالكيّة :يمنع أهل ال ّذمّة من ضرب النّواقيس فيها .
قال ابن جزيّ :عليهم إخفاء نواقيسهم .
وقال الشّافعيّة يمنعون من ضرب النّاقوس في الكنيسة ,وقيل :ل يمنعون تبعا لكنيسة ,
قال النّووي :وهذا الخلف في كنيسة بلدٍ صالحناهم على أنّ أرضه لنا ,فإن صالحناهم
على أنّ الرض لهم فل منع قطعا ,قال :وقال إمام الحرمين :وأمّا ناقوس المجوس
فلست أرى فيه ما يوجب المنع ,وإنّما هو محوّط وبيوت يجمع فيها المجوس جيفهم ,
وليس كالبيع والكنائس فإنّها تتعلّق بالشّعار .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يلزم أهل ال ّذمّة الكف عن إظهار ضرب النّواقيس ,سواء شرط
عليهم أو لم يشرط .
وأجازوا الضّرب الخفيف في جوف الكنائس .
الوقف على المعابد :
-اختلف الفقهاء في الوقف على المعابد على أقوالٍ كما يلي : 32
ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يصح وقف المسلم على بيعةٍ لعدم كونه قرب ًة في ذاته ,وكذلك ل
ي لعدم كونه قربةً عندنا .
يصح وقف ال ّذمّ ّ
قال ابن عابدين نقلً عن الفتح :هذا إذا لم يجعل آخره للفقراء ,فلو وقف ال ّذمّي على
ل فإذا خربت تكون للفقراء ,كان للفقراء ابتدا ًء ,ولو لم يجعل آخره للفقراء كان
بيعةٍ مث ً
ص عليه الخصّاف ولم يحك فيه خلفا .
ميراثا عنه ,كما ن ّ
واختلف المالكيّة على ثلثة أقوالٍ :
ي على الكنيسة مطلقا ,سواء كان لعبّادها أو
ففي المعتمد عندهم ل يجوز وقف ال ّذمّ ّ
لمرمّتها ,وسواء كان الواقف مسلما أو كافرا .
وفصّل ابن رشدٍ فقال :إنّ وقف الكافر على الكنيسة باطل لنّه معصية ,أمّا الوقف على
مرمّتها أو على الجرحى أو المرضى الّذين فيها فالوقف صحيح معمول به .
ن الوقف على الكنيسة مطلقا صحيح غير لزمٍ ,
وهناك قول ثالث قال به عياض وهو :أ ّ
سواء أشهدوا على ذلك أم ل ,وسواء خرج الموقوف من تحت يد الواقف أم ل .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يصح الوقف على الكنائس الّتي للتّعبد ,ولو كان الوقف من
ي ,وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها ,منعنا التّرميم أو لم نمنعه ,لنّه إعانة على
ذمّ ّ
ي خادمٍ لكنيسة
المعصية ,وكذلك ل يجوز الوقف على حصرها ,أو الوقود بها أو على ذمّ ّ
للتّعبد .
ويجوز الوقف على كنيسةٍ تنزلها المارّة ,أو موقوفة على قومٍ يسكنونها .
وقال الحنابلة :ل يصح الوقف على كنائس وبيوت نارٍ ,وصوامع ,وديورةٍ ومصالحها
كقناديلها وفرشها ووقودها وسدنتها ,لنّه معونة على معصيةٍ ولو كان الوقف من ذمّيّ .
ن الوقف عليهم ل على البقعة
ويصح الوقف على من ينزلها من ما ّر ومجتازٍ بها فقط ,ل ّ
,والصّدقة عليهم جائزة .
الوصيّة لبناء المعابد وتعميرها :
-اختلف الفقهاء في جواز الوصيّة لبناء الكنيسة أو تعميرها أو نحوهما على أقوالٍ 33
كنائس العنوة ,كما أخذ النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان لقريظة والنّضير لمّا نقضوا
العهد ,فإنّ ناقض العهد أسوأ حالً من المحارب الصليّ ,ولذلك لو انقرض أهل مص ٍر من
المصار ولم يبق من دخل في عهدهم فإنّه يصير جميع عقارهم ومنقولهم من المعابد
وغيرها فيئا للمسلمين .
مُعَادّة *
التّعريف :
-المعادة في اللغة :المساهمة ,يقال :عادّهم الشّيء :تساهموه فساواهم ,وهم 1
يتعادون :إذا اشتركوا فيما يعاد فيه بعضهم بعضا من مكارم أو غير ذلك من الشياء كلّها
.والعدائد :المال المقتسم والميراث .
وفي التّهذيب :العدائد :الّذين يعادّ بعضهم بعضا في الميراث .
وفلن عديد بني فلنٍ أي يعد فيهم ,وعده فاعت ّد أي صار معدودا واعتدّ به .
والمعادّة في الصطلح :هي الحالة الّتي يقاسم فيها الجد الخوة في الميراث ,فيعد أولد
البوين أولد الب على الجدّ لينقص نصيبه في الميراث ,وذلك لتّحاد أولد البوين مع
ن جهة المّ في الشّقيق محجوبة بالجدّ فيدخل ولد الب معه في
أولد الب في الخوّة ,ول ّ
حساب القسمة على الجدّ .
الحكم الجمالي :
ب يرثون مع الجدّ ول يحجبون به
ن الخوة لبوين أو ل ٍ
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 2
فكان علي رضي اللّه عنه يقسم المال بين الج ّد والخوة والخوات ويجعله في ذلك بمنزلة
أخ ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ,فإن نقصته المقاسمة من السدس فرض له
السدس وجعل الباقي للخوة والخوات .
ي والمغيرة بن مقسمٍ
ي في باب الجدّ ذهب الشّعبي والنّخع ّ
قال الكلوذاني :وإلى قول عل ّ
وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالحٍ .
ومذهب زيد بن ثابتٍ رضي اللّه عنه في الجدّ مع الخوة والخوات لبوين أو للب أنّه
يعطيه الحظّ من شيئين :إمّا المقاسمة كأنّه أخ ,وإمّا ثلث جميع المال .
وصنع عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه في الجدّ مع الخوات كصنع عليّ رضي اللّه
عنه وقاسم به الخوة إلى الثلث ,فإن كان معهم أصحاب فرائض أعطى أصحاب الفرائض
فرائضهم ,ثمّ صنع صنيع زيدٍ رضي اللّه عنه في إعطاء الج ّد الحظّ من المقاسمة أو ثلث
الباقي أو سدس جميع المال .
قال الكلوذاني :وبقول زيدٍ في باب الج ّد أخذ الزهري والوزاعي والثّوري ومالك وأحمد
بن حنبلٍ والشّافعي وأبو يوسف ومحمّد وأبو عبيدٍ وجمهور الفقهاء .
وأخذ بقول ابن مسعودٍ في باب الجدّ شريح ومسروق وعلقمة وجماعة من أهل الكوفة .
صور مسألة المعادة :
-عقد أبو الخطّاب الكلوذاني فصلً للمعادّة وقال :إنّ ولد الب يقومون مقام ولد الب 4
والمّ عند عدمهم في الفرض والحجب والمقاسمة ,فإن اجتمعوا هم وولد الب والمّ مع
الجدّ فل يخلون من أربعة أقسامٍ :
إمّا أن يكون ولد الب والمّ عصبةً وولد الب عصب ًة ,أو يكون ولد البوين عصب ًة وولد
الب أخواتٍ منفرداتٍ ,أو يكون ولد البوين أخواتٍ منفرداتٍ وولد الب عصب ًة ،أو يكون
جميعهم أخواتٍ منفرداتٍ .
القسم الوّل :
ي وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما ل اعتبار
-أن يكون جميعهم عصبةً ,فعلى قول عل ّ 5
بولد الب وكأنّهم لم يكونوا ,والمقاسمة بين الجدّ وولد الب والمّ على اختلف قولهم في
ذلك .
وعلى قول زيدٍ يقسم المال بينهم جماعتهم ما لم تنقص الجدّ المقاسمة من ثلث المال أو
ثلث الفاضل عن ذوي الفروض ,أو سدس جميع المال من نظر الحظّ له ,ثمّ ما جعل
لولد الب ردوه على ولد الب والمّ .
القسم الثّاني :
-أن يكون ولد الب والمّ عصب ًة ,وولد الب إناثا منفرداتٍ ,فعلى قول عليّ وعبد اللّه 6
رضي اللّه عنهما ل اعتبار بولد الب بحال ,ويقاسم الجد ولد الب والمّ على ما تقدّم من
اختلف قوليهما .
وعلى قول زيدٍ يقسم المال بين الجميع على ستّة أسهمٍ ,فما حصل لولد الب يرده على
ولد الب والمّ .
القسم الثّالث :
ت منفرداتٍ ,وولد الب عصبةً ,فعلى قول عليّ رضي
-أن يكون ولد الب والمّ أخوا ٍ 7
اللّه عنه يفرض للخوات من الب والمّ فروضهنّ ,والباقي بين الجدّ وولد الب ما لم
تنقصه المقاسمة من السدس .
وفي قول ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه ل اعتبار بولد الب بحال ,ويفرض للخوات من
ن ,ويكون الباقي للجدّ ,إل أن يكون أق ّل من السدس ,فيفرض له
البوين فروضه ّ
السدس ,وهذا إنّما يوجد إذا كان معهم ذو فرضٍ .
وعلى قول زيدٍ رضي اللّه عنه يقسم المال بين الجميع ما لم تجاوز المقاسمة ستّة أسهمٍ ,
فما أصاب ولد الب ردوا على ولد الب والمّ ,إل أن تكون أختا واحدةً ,فيردون عليها
تمام النّصف وما بقي بعد ذلك لهم ,فإن لم يبق شيء سقطوا .
فإن جاوزت المقاسمة ستّة أسهمٍ فرض له ثلث جميع المال إذا لم يكن في المسألة ذو
فرضٍ ,فإن كان فيها من فرضه النّصف فما دون ,فرض له ثلث الباقي .
وإن كان فيها من الفروض أكثر من نصف المال فرض له السدس وجعل الباقي في هذه
المواضع كلّها لولد الب والمّ ,إل أن يكون ولد الب وال ّم أختا واحد ًة ويكون الباقي بعد
فرض الجدّ أكثر من نصف المال ,فيأخذ حينئذٍ النّصف اختصارا من غير مقاسمةٍ ,ويكون
الباقي لولد الب بالتّعصيب ,سواء كانوا ذكورا ,أو إناثا .
القسم الرّابع :
ي وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما
-أن يكون جميعهم أخواتٍ منفرداتٍ ,فعلى قول عل ّ 8
مُعَارَضة *
التّعريف :
-المعارضة في اللغة :مصدر عارض ,يقال :عارض فلنا :ناقضه في كلمه 1
واصطلحا هي :النّظر بالبصيرة من الجانبين في النّسبة بين الشّيئين إظهارا للصّواب .
والمناظرة أعم من المعارضة .
ب -المناقضة :
-المناقضة لغةً :إبطال أحد القولين بالخر . 3
واصطلحا هي :منع مقدّمةٍ معيّنةٍ من مقدّمات الدّليل ,إمّا قبل تمامه وإمّا بعده .
ض معارض ول
والعلقة بين المعارضة والمناقضة :العموم والخصوص المطلق فكل مناق ٍ
عكس .
الحكم الجمالي :
-المعارضة من العتراضات الّتي تورد على القياس وهو أقواها وأهمها . 4
المدّعى علّيّته عّلةً ,كأن يقول المستدل في الكلب :الكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعا
فل يقبل جلده الدّبغ ,معلّلً بكونه يغسل سبعا من ولوغه ,فيمنع المعترض كون الغسل
سبعا عّلةً لعدم طهارته بالدّبغ ,فيكون جوابه بإثبات العلّيّة بمسلك من مسالكها .
ي.
والتّفصيل في الملحق الصول ّ
مَعَازِف *
التّعريف :
-المعازف في اللغة :الملهي ,واحدها ِمعْزَف و ِمعْزَفَة ,والمعازف كذلك :الملعب 1
الّتي يضرب بها ,فإذا أفرد المعزف فهو ضرب من الطّنابير يتّخذه أهل اليمن ,وغيرهم
يجعل العود معزفا ,والمعزف آلة الطّرب كالعود والطنبور .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللّهو :
ب ونحوهما ,ونقل الفيوميّ عن
-اللّهو في اللغة :ما لعبت به وشغلك من هوىً وطر ٍ 2
الطرطوشيّ قوله :أصل اللّهو التّرويح عن النّفس بما ل تقتضيه الحكمة .
وألهاه اللّعب عن كذا :شغله .
وفي الصطلح :هو الشّيء الّذي يتلذّذ به النسان فيلهيه ثمّ ينقضي ,وفي المدارك :
اللّهو كل باطلٍ ألهى عن الخير وعمّا يعنى .
والصّلة أنّ المعازف قد تكون وسيلةً أو أداةً للّهو .
ب -الموسيقى :
-الموسيقى لفظ يوناني يطلق على فنون العزف على آلت الطّرب . 3
وعلم الموسيقى يبحث فيه عن أصول النّغم من حيث تأتلف أو تتنافر وأحوال الزمنة
المتخلّلة بينها ليعلم كيف يؤلّف اللّحن .
والموسيقي :المنسوب إلى الموسيقى ,والموسيقار :من حرفته الموسيقى .
والموسيقى في الصطلح :علم يعرف منه أحوال النّغم واليقاعات وكيفيّة تأليف اللحون
وإيجاد اللت .
ن المعازف تستعمل في الموسيقى .
والصّلة :أ ّ
ج -الغناء :
ب في اللغة :الصّوت ,وقياسه ضم الغين :إذا صوّت ,
-الغِناء بكسر الغين مثل كتا ٍ 4
وهو التّطريب والتّرنم بالكلم الموزون وغيره ,يكون مصحوبا بالموسيقى -أي آلت
الطّرب -وغير مصحوبٍ بها .
وفي الصطلح :يطلق الغناء على رفع الصّوت بالشّعر وما قاربه من الرّجز على نحوٍ
مخصوصٍ .
ر :مصطلح ( :غناء ف . ) 1
الحكم التّكليفي :
-المعازف منها ما هو محرّم كذات الوتار والنّايات والمزامير والعود والطنبور 5
ن رسول اللّه
والرباب ,نحوها في الجملة ,لما روي عن عليّ رضي اللّه تعالى عنه أ ّ
صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلةً حلّ بها البلء »..وعد
صلّى اللّه عليه وسلّم منها ..« :واتّخذت القينات والمعازف » ,وما روي عن أبي أمامة
رضي اللّه تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « :إنّ اللّه بعثني رحمةً
وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف » .
ومن المعازف ما هو مكروه ,كالدفّ المصنّج للرّجال عند بعض الحنفيّة والحنابلة ،على
تفصيلٍ سيأتي .
ومنها ما يكون مباحا كطبول غير اللّهو مثل طبول الغزو أو القافلة عند بعض فقهاء
الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة .
ومنها ما يكون استعماله مندوبا أو مستحبا كضرب الدفّ في النّكاح لعلنه عند بعض
الفقهاء ,وفي غير النّكاح من مناسبات الفرح والسرور في الجملة عند البعض .
علّة تحريم بعض المعازف :
ص بعض الفقهاء على أنّ ما حرم من المعازف وآلت اللّهو لم يحرم لعينه وإنّما
-ن ّ 6
المغشّى بجلد من جهةٍ واحدةٍ ,سمّي بذلك لتدفيف الصابع عليه ,وقال بعض المالكيّة :
الدف هو المغشّى من جهةٍ واحد ٍة إذا لم يكن فيه أوتار ول جرس ,وقال غيرهم :ولو
كان فيه أوتار لنّه ل يباشرها بالقرع بالصابع .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الدفّ :
قال الحنفيّة :ل بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به ليعلن النّكاح ,وعن السّرّاجيّة :
ن هذا إذا لم يكن له جلجل ولم يضرب على هيئة التّطرب ,قال ابن عابدين :والدف
أّ
الّذي يباح ضربه في العرس ..احترازا عن المصنّج ,ففي النّهاية عن أبي اللّيث :ينبغي
أن يكون مكروها .
وسئل أبو يوسف عن الدفّ :أتكرهه في غير العرس بأن تضرب المرأة في غير فسقٍ
للصّبيّ ؟ قال :ل أكرهه ,ول بأس بضرب الدفّ يوم العيد ,كما في خزانة المفتين .
وقال المالكيّة :ل يكره الغربال أي الطّبل به في العرس ,قال ابن رش ٍد وابن عرفة :اتّفق
ي :يستحب في العرس
أهل العلم على إجازة الدفّ وهو الغربال في العرس ,وقال الدسوق ّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم « :أعلنوا هذا النّكاح واضربوا عليه بالدفوف » .
لقول النّب ّ
ي :المشهور عدم جواز ضربه ,
وأمّا في غير العرس كالختان والولدة فقال الدسوق ّ
ومقابل المشهور جوازه في كلّ فرحٍ للمسلمين ,قال الحطّاب :كالعيد وقدوم الغائب وكلّ
سرورٍ حادثٍ ,وقال البيّ :ول ينكر لعب الصّبيان فيها -أي العياد -وضرب الدفّ ,
فقد ورد إقراره من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ,ونقل الحطّاب عن عبد الملك بن
ن وما أشبههنّ
ب أنّه ذهب إلى جواز الدفّ في العرس ,إل للجواري العواتق في بيوته ّ
حبي ٍ
ن مجرى العرس إذا لم يكن غيره .
فإنّه يجوز مطلقا ,ويجري له ّ
ف ذي الصّراصر أي الجلجل ,فذهب بعضهم إلى جواز الضّرب به
واختلف المالكيّة في الد ّ
في العرس ,وذهب آخرون إلى أنّ مح ّل الجواز إذا لم يكن فيه صراصر أو جرس وإل
ي :وهو الصّواب لما في الجلجل من زيادة الطراب ,هذا بالنّسبة
حرم ,قال الدسوق ّ
للنّساء والصّبيان .
وقد اختلفوا في حكم ضرب الرّجال بالدفّ فقالوا :ل يكره الطّبل به ولو كان صادرا من
رجلٍ ,خلفا لصبغ القائل :ل يكون الدف إل للنّساء ,ول يكون عند الرّجال .
وقال الشّافعيّة يجوز ضرب دفّ واستماعه لعرس لنّه صلّى اللّه عليه وسلّم « :أقرّ
جويراتٍ ضربن به حين بنى على الربيّع بنت معوّذ بن عفراء وقال لمن قالت :وفينا نبي
يعلم ما في غدٍ :دعي هذا وقولي بالّذي كنت تقولين » أي من مدح بعض المقتولين ببدر
,ويجوز لختان لما روي عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنّه كان إذا سمع صوتا أو دفا
بعث قال :ما هو ؟ فإذا قالوا عرس أو ختان صمت ,ويجوز في غير العرس والختان ممّا
ب وشفاء مريضٍ وإن كان فيه جلجل
هو سبب لظهار السرور كولدة وعي ٍد وقدوم غائ ٍ
ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رجع
لطلق الخبر ,وهذا في الصحّ عندهم لما روي أ ّ
من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء « :يا رسول اللّه إنّي كنت نذرت إن ردّك اللّه
ف وأتغنّى ،فقال لها :إن كنت نذرت فاضربي وإل فل » ,
صالحا أن أضرب بين يديك بالد ّ
ومقابل الصحّ المنع لثر عمر رضي اللّه تعالى عنه السّابق ,واستثنى البلقيني من محلّ
الخلف ضرب الدفّ في أم ٍر مه ّم من قدوم عالمٍ أو سلطانٍ أو نحو ذلك .
وقال بعض الشّافعيّة :إنّ الدفّ يستحب في العرس والختان ,وبه جزم البغويّ في شرح
السنّة .
أمّا متى يضرب الدف في العرس والختان ,فقد قال الذرعي :المعهود عرفا أنّه يضرب
به وقت العقد ووقت الزّفاف أو بعده بقليل ,وعبّر البغويّ في فتاويه بوقت العقد وقريب
منه قبله وبعده ويجوز الرجوع فيه للعادة ,ويحتمل ضبطه بأيّام الزّفاف الّتي يؤثر بها
العرس ,وأمّا الختان فالمرجع فيه العرف ,ويحتمل أنّه يفعل من حين الخذ في أسبابه
القريبة منه .وحكى البيهقيّ عن شيخه الحليميّ -ولم يخالفه -أنّا إذ أبحنا الدفّ فإنّما
صةً ,لنّه في الصل من أعمالهنّ ,وقد « لعن رسول اللّه صلّى اللّه
نبيحه للنّساء خا ّ
ن الجمهور لم يفرّقوا بين
عليه وسلّم المتشبّهين من الرّجال بالنّساء » ,ونازعه السبكي بأ ّ
الرّجال والنّساء والصل اشتراك الذكور والناث في الحكام إل ما ورد الشّرع فيه بالفرقة
ولم يرد هنا ,وليس ذلك ممّا يختص بالنّساء حتّى يقال يحرم على الرّجال التّشبه بهنّ فيه
.
ونقل الهيتمي عن الماورديّ قوله :اختلف أصحابنا ,هل ضرب الدفّ على النّكاح عام في
جميع البلدان والزمان ؟ فقال بعضهم :نعم لطلق الحديث ,وخصّه بعضهم بالبلدان الّتي
ل يتناكره أهلها في المناكح كالقرى والبوادي فيكره في غيرها ,وبغير زماننا ,قال :
فيكره فيه لنّه عدل به إلى السخف والسّفاهة .
وقال الهيتمي :ظاهر إطلقهم أنّه ل فرق في جواز الضّرب بالدفّ بين هيئةٍ وهيئةٍ ,
ن -أي
ي فقال :إنّما يباح الدف الّذي تضرب به العرب من غير زف ٍ
وخالف أبو عليّ الفارق ّ
ع من النغام
رقصٍ -فأمّا الّذي يزفن به وينقر -أي برءوس النامل ونحوها -على نو ٍ
فل يحل الضّرب به لنّه أبلغ في الطراب من طبل اللّهو الّذي جزم العراقيون بتحريمه ,
وتابعه تلميذه ابن أبي عصرونٍ ,قال الذرعي :وهو حسن ,فإنّه إنّما يتعاطاه على هذا
الوجه من ذكرنا من أهل الفسوق .
وقال الحنابلة :يستحب إعلن النّكاح والضّرب فيه بالدفّ ,قال أحمد :يستحب أن يظهر
النّكاح ويضرب فيه بالدفّ حتّى يشتهر ويعرف ،وقال :يستحب الدف والصّوت في
الملك ,فقيل له :ما الصّوت ؟ قال :يتكلّم ويتحدّث ويظهر ,والصل في هذا ما روى
محمّد بن حاطبٍ قال :قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « :فصل ما بين الحلل
والحرام الدف والصّوت » ,وعن عائشة رضي اللّه تعالى عنها أنّها زوّجت يتيمةً كانت
في حجرها رجلً من النصار ,وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها ,قالت :فلمّا رجعنا
قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « :ما قلتم يا عائشة ،قالت :سلّمنا ودعونا اللّه
بالبركة ثمّ انصرفنا ،فقال :صلّى اللّه عليه وسلّم فهل بعثتم معها جاريةً تضرب بالدفّ
وتغنّي أتيناكم أتيناكم فحيّانا وحيّاكم » .
ب وولدةٍ كنكاح لما فيه من السرور ,
ن وقدوم غائ ٍ
ويسن عندهم ضرب بدفّ مباحٍ في ختا ٍ
والدف المباح هو ما ل حلق فيه ول صنوج .
واختلفوا في ضرب الرّجال الدفّ ,قال البهوتيّ :وظاهره -أي ندب إعلن النّكاح وضرب
عليه بدفّ مباحٍ -سواء كان الضّارب رجلً أو امرأ ًة وهو ظاهر نصوص أحمد وكلم
الصحاب ,وقال الموفّق :ضرب الدفّ مخصوص بالنّساء ,وفي الرّعاية :يكره للرّجال
مطلقا .
وقال ابن قدامة :ذكر أصحابنا أنّه مكروه في غير النّكاح لنّه يروى عن عمر أنّه كان إذا
ف بعث فنظر فإن كان في وليمةٍ سكت وإن كان في غيرها عمد بال ّدرّة .
سمع صوت الد ّ
ب -الكوبة :
-الكوبة طبل طويل ضيّق الوسط واسع الطّرفين ,ول فرق بين أن يكون طرفاها 8
مسدودين أو أحدهما ,ول بين أن يكون اتّساعهما على ح ّد واحدٍ أو يكون أحدهما أوسع .
وقد اختلف في حكمها :
فذهب جمهور الشّافعيّة إلى أنّه يحرم ضرب الكوبة والستماع إليها لقول الرّسول صلّى
اللّه عليه وسلّم « :إنّ اللّه حرّم عليكم الخمر والميسر والكوبة » ,ولنّ في ضربها
ي -كما حكى الهيتمي -
تشبها بالمخنّثين إذ ل يعتادها غيرهم ,ونقل أبو الفتح الرّاز ّ
الجماع على حرمتها .
وقال أحمد بن حنبلٍ :كره الطّبل وهو المنكر وهو الكوبة الّتي نهى عنها النّبي صلّى اللّه
عليه وسلّم .
ج -الكبر والمزهر :
-الكَبَر بفتحتين على وزن جبلٍ ,هو الطّبل الكبير . 9
والمزهر :هو في اللغة العود الّذي يضرب به ,وفي الصطلح قال المالكيّة :هو الدف
المربّع المغلوف .
قال الحطّاب :والفرق بينهما أنّ المزهر ألهى ,وكلّما كان ألهى كان أغفل عن ذكر اللّه
وكان من الباطل .
وللمالكيّة في الكَبَر والمزهر ثلثة أقوالٍ :
أحدها :أنّهما يحملن محمل الغربال ,ويدخلن مدخله في جواز استعمالهما في العرس ,
وهو قول ابن حبيبٍ .
س ول
والثّاني :أنّه ل يحمل واحد منهما محمله ول يدخل معه ول يجوز استعماله في عر ٍ
غيره ,وهو قول أصبغ .
والثّالث :أنّه يحمل محمله ويدخل مدخله في الكبر وحده دون المزهر ,وهو قول ابن
القاسم .
د -النواع الخرى من الطبول :
-للفقهاء في النواع الخرى من الطبول تفصيل : 10
فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان الطّبل لغير اللّهو فل بأس به كطبل الغزاة والعرس والقافلة
,وقال ابن عابدين :وينبغي أن يكون طبل المسحّر في رمضان ليقاظ النّائمين للسحور
كبوق الحمام .
وذهب المالكيّة إلى استثناء طبول الحرب من سائر الطبول .
وقال إمام الحرمين من الشّافعيّة :والطبول الّتي تهيّأ لملعب الصّبيان إن لم تلحق
بالطبول الكبار فهي كالدفّ وليست كالكوبة بحال ,قال الهيتمي :وبه يعلم أنّ ما يصنع في
العياد من الطبول الصّغار الّتي هي على هيئة الكوبة وغيرها ل حرمة فيها ,لنّه ليس
فيها إطراب غالبا ,وما على صورة الكوبة منها انتفى فيه المعنى المحرّم للكوبة ,لنّ
للفسّاق فيها كيفيّات في ضربها ,وغيره ل يوجد في تلك الّتي تهيّئ للعب الصّبيان ,وقال
ي من الطبول
القاضي حسين :ضرب الطبول إن كان طبل لهوٍ فل يجوز ,واستثنى الحليم ّ
صةً
ص ما استثناه في العيد بالرّجال خا ّ
طبل الحرب والعيد ,وأطلق تحريم سائر الطبول وخ ّ
,وطبل الحجيج مباح كطبل الحرب .
وكره أحمد الطّبل لغير حربٍ ونحوه ,واستحبّه ابن عقيلٍ من الحنابلة في الحرب وقال :
لتنهيض طباع الولياء وكشف صدور العداء .
هـ -اليراع :
-اليراع هو ال ّزمّارة الّتي يقال لها الشّبّابة ,وهي ما ليس لها بوق ومنها المأصول 11
سفّارة ونحوها ,وسمّي اليراع بذلك لخل ّو جوفه ,ويخالف المزمار العراقيّ
المشهور وال ّ
في أنّه له بوق والغالب أنّه يوجد مع الوتار .
وقد اختلف في حكمه ,فذهب الحنفيّة إلى أنّه يحرم الستماع إلى المزامير ول تجوز
الجارة على شيءٍ منها .
وذهب المالكيّة إلى جواز ال ّزمّارة والبوق ,وقيل :يكرهان ,وهو قول مالكٍ في المدوّنة
وهذا في النّكاح ,وأمّا في غيره فيحرم .
وقد اختلف فقهاء الشّافعيّة في اليراع ,فقال الرّافعي :في اليراع وجهان ,صحّح البغويّ
التّحريم ,والغزالي الجواز وهو القرب ,قالوا :لنّه ينشّط على السّير .
وقال النّووي :الصح تحريم اليراع ,قالوا :لنّه مطرب بانفراده ,بل قيل إنّه آلة كاملة
لجميع النّغمات إل يسيرا فحرّم كسائر المزامير .
وذهب الحنابلة إلى أنّ آلت المعازف تحرم سوى الدفّ ,كمزمار وناي وزمّارة الرّاعي
سواء استعملت لحزن أو سرو ٍر ,وسأل ابن الحكم المام أحمد عن النّفخ في القصبة
كالمزمار فقال :أكرهه .
و -الضّرب بالقضيب :
-اختلف الفقهاء في الضّرب على القضيب ,فذهب الحنفيّة إلى أنّ ضرب القضيب 12
حرام لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم « :الستماع إلى الملهي معصية والجلوس عليها فسق
والتّلذذ بها كفر » والمقصود بالكفر كفر النّعمة .
واختلف الشّافعيّة في الضّرب بالقضيب على الوسائد على وجهين :
أحدهما :أنّه مكروه ,وبه قطع العراقيون ,لنّه ل يفرد عن الغناء ول يطرب وحده وإنّما
يزيد الغناء طربا ,فهو تابع للغناء المكروه فيكون مكروها .
وثانيهما :أنّه حرام وجرى عليه البغويّ والخراسانيون .
وعند الحنابلة :قال ابن قدامة :الضّرب بالقضيب مكروه إذا انض ّم إليه محرّم أو مكروه
كالتّصفيق والغناء والرّقص ,وإن خل عن ذلك لم يكره ,لنّه ليس بآلة ول يطرب ول
يسمع منفردا بخلف الملهي .
وقال في النصاف :في تحريم الضّرب بالقضيب وجهان ,وجزم ابن عبدوسٍ بالتّحريم .
ز -العود :
-من معاني العود في اللغة :كل خشبةٍ دقيقةً كانت أو غليظةً ,وضرب من الطّيب 13
يتبخّر به ,وآلة موسيقيّة وتريّة يضرب عليها بريشة ونحوها ,والجمع أعواد وعيدان ,
والعوّاد :صانع العيدان والضّارب عليها .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
وقد اختلف الفقهاء في حكمه :
فذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم ضرب العود واستماعه لنّ العود من المعازف وآلت
اللّهو .
وقال الصّاوي :ذهبت طائفة إلى جوازه ,ونقل سماعه عن عبد اللّه بن عمر ,وعبد اللّه
ابن جعفرٍ ,وعبد اللّه بن الزبير ,ومعاوية بن أبي سفيان ,وعمرو بن العاص ,وغيرهم
,رضي اللّه تعالى عنهم ,وعن جمل ٍة من التّابعين .
ثمّ اختلف الّذين ذهبوا إلى تحريمه ,فقيل :كبيرة ,وقيل :صغيرة ,والصح الثّاني ,
س أو صنيعٍ فل ترد به
وحكى المازريّ عن ابن عبد الحكم أنّه قال :إذا كان في عر ٍ
شهادة .
ن بعض أصحابنا كان يخص العود بالباحة من بين الوتار .
وقال الماورديّ :إ ّ
ح -الصّفّاقتان :
س -تضرب إحداهما على الخرى ,
صفّاقتان دائرتان من صفرٍ -أي نحا ٍ
-ال ّ 14
ي صلّى اللّه عليه وسلّم « :إنّ اللّه بعثني رحم ًة وهدىً للعالمين
تعلمها ,لقول النّب ّ
وأمرني أن أمحق المزامير والكبّارات يعني البرابط والمعازف والوثان . . .ل يحل بيعهنّ
ول شراؤهنّ ول تعليمهنّ » .
اتّخاذ المعازف :
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم اتّخاذ آلة اللّهو -المعازف -المحرّمة ولو 17
بغير استعمالٍ لنّ اتّخاذها يجر إلى استعمالها ,وقالوا :يحرم اتّخاذ آل ٍة من شعار الشّربة
ي ونحو ذلك .
كطنبور وعو ٍد ومزمارٍ عراق ّ
الكتساب بالمعازف :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ الكتساب بالمعازف ل يطيب ,ويمنع منه المكتسب 18
- 16 بأيّ آل ٍة فقد اختلف الفقهاء في حكمه على تفصيلٍ سبق في مصطلح ( :استماع ف
). 22
وإن اقترن الغناء بآلة محرّم ٍة من آلت العزف ,فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة
وجمهور الشّافعيّة إلى حرمته .
وذهب بعض فقهاء الشّافعيّة إلى حرمة آلة العزف وبقاء الغناء على الكراهة .
الستماع إلى المعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ الستماع إلى المعازف المحرّمة حرام ,والجلوس في مجلسها 20
حرام ,قال مالك :أرى أن يقوم الرّجل من المجلس الّذي يضرب فيه الكبر والمزمار أو
غير ذلك من اللّهو ,وقال أصبغ :دعا رجل عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه تعالى عنه إلى
وليمةٍ ,فلمّا جاء سمع لهوا فلم يدخل فقال :ما لك ؟ فقال :سمعت رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم يقول « :من كثر سواد قومٍ فهو منهم ومن رضي عمل قومٍ كان شريكا لمن
عمله » .
ن من يستمع المعازف المحرّمة فاسق ,قال ابن القيّم :
بل إنّ بعض الفقهاء نصّ على أ ّ
العود والطنبور وسائر الملهي حرام ,ومستمعها فاسق .
شهادة العازف والمستمع للمعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل تقبل شهادة العازف أو المستمع للمعازف المحرّمة كالمزامير 21
قال الرّملي :لو أخبر طبيبان عدلن بأنّ المريض ل ينفعه لمرضه إل العود عمل بخبرهما
,وحلّ له استماعه ,كالتّداوي بنجس فيه الخمر ,وعلى هذا يحمل قول الحليميّ :يباح
استماع آلة اللّهو إذا نفعت من مرضٍ ,أي لمن به ذلك المرض وتعيّن الشّفاء في سماعه
.وقال الشّبراملسيّ :آلة اللّهو قد يباح استعمالها بأن أخبر طبيب عدل مريضا بأنّه ل
يزيل مرضه إل سماع اللة ,ولم يوجد في تلك الحالة إل اللة المحرّمة .
وقال الحنابلة :يحرم التّداوي بصوت ملهاةٍ وغيره كسماع الغناء والمحرّم لعموم قوله
صلّى اللّه عليه وسلّم « :ول تداووا بالحرام » .
الوصيّة بالطّبل :
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّخص لو أوصى بطبل ,وله طبل لهوٍ ل يصلح 23
لمباح ,وطبل يحل النتفاع به ,كطبل حربٍ يقصد به التّهويل ,أو طبل حجيجٍ يقصد به
العلم بالنزول والرّحيل ,أو غيرهما -غير الكوبة المحرّمة -حملت الوصيّة على ما
ح ,لنّ الظّاهر قصده للثّواب ,وهو فيما تصح به الوصيّة ,فإن
يحل النتفاع به لتص ّ
صلح لمباح تخيّر الوارث ,فإن لم يكن له إل طبول ل تصح الوصيّة بها لغت ,ولو أوصى
بطبل اللّهو لغت الوصيّة لنّه معصية ،إل إن صلح لحرب أو حجيجٍ أو منفعةٍ أخرى مباحةٍ
,لمكان تصحيح الوصيّة فيما يتناوله لفظها ,وسواء صلح على هيئته أم بعد تغيرٍ يبقى
معه اسم الطّبل ,فإن لم يصلح إل بزوال اسم الطّبل لغت الوصيّة .
ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :
وقال الحنابلة :وإن وصّى بدفّ صحّت الوصيّة به ,لنّ النّب ّ
« أعلنوا النّكاح واضربوا عليه بالدفّ » ,ول تصح الوصيّة بمزمار ول طنبورٍ ول عودٍ
من عيدان اللّهو لنّها محرّمة ,وسواء كانت فيه الوتار أو لم تكن ,لنّه مهيّأٌ لفعل
المعصية دون غيرها ,فأشبه ما لو كانت فيه أوتار .
بيع المعازف :
-ل يصح عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ -وعليه الفتوى عند 24
الحنفيّة -بيع المعازف المحرّمة كالطنبور والصّنج والمزمار والرّباب والعود ,لما روى
ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :إنّ اللّه بعثني
أبو أمامة رضي اللّه تعالى عنه أ ّ
رحم ًة وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكفّارات يعني البرابط والمعازف . . .
ل يحل بيعهنّ ول شراؤهنّ ول تعليمهنّ ول التّجارة فيهنّ وأثمانهنّ حرام للمغنّيات » .
وفي قو ٍل عند الشّافعيّة :يصح بيع آلت العزف المحرّمة إن عدّ رضاضها -أي مكسّرها
-ما ًل ,لنّ فيها نفعا متوقّعا ,أي من هذا الرضاض المتقوّم ,كما يصح بيع الجحش
الصّغير الّذي ل نفع منه في الحال .
ويصح عند أبي حنيفة بيع المعازف لنّها أموال متقوّمة ,لصلحيّتها للنتفاع بها لغير
اللّهو ,كالمة المغنّية ,حيث تجب قيمتها غير صالح ٍة لهذا المر .
أمّا المعازف المباحة كالنّفير والطبول غير الدّربكّة فإنّه يجوز بيعها .
إجارة المعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ استئجار آلة اللّهو المحرّمة -المعازف المحرّمة -ل يجوز 25
ن المنفعة المقصودة غير مباح ٍة ويحرم أخذ العوض عليها ,لنّه يشترط لصحّة الجارة
لّ
أن تكون المنفعة مباحةً ,وفي قولٍ عند المالكيّة :يجوز كراؤها في النّكاح والرّاجح
الحرمة .أمّا المعازف غير المحرّمة فيجوز كراؤها .
إعارة المعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط المستعار كونه منتفعا به انتفاعا مباحا مقصودا ,فل 26
يجوز إعارة ما ل ينتفع به انتفاعا مباحا شرعا كالمعازف وآلت اللّهو المحرّمة .
إبطال المعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ آلت اللّهو والمعازف المباحة ل يجوز إبطالها أو كسرها بل 27
يحرم .
أمّا آلت العزف والملهي المحرّمة الستعمال فل حرمة لصنعتها ول لمنفعتها ,وأنّه يجب
إبطالها ,لما روى عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم قال « :بعثت بهدم المزمار والطّبل » ,وما روي أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم
قال « :أمرني اللّه بمحق القينات والمعازف » .
وفصّل الشّافعيّة كيفيّة إبطال المعازف المحرّمة فقالوا :الصح أنّها ل تكسر الكسر
الفاحش لمكان إزالة الهيئة المحرّمة مع بقاء بعض الماليّة ,نعم للمام ذلك زجرا وتأديبا
,وإنّما تفصل لتعود كما قبل التّأليف لزوال اسمها وهيئتها المحرّمة بذلك .
والقول الثّاني -مقابل الصحّ عندهم -أنّه ل يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما ل يصلح
للستعمال ,فل تكفي إزالة الوتار فقط لنّها منفصلة عنها .
والثّالث :تكسر حتّى تنتهي إلى ح ّد ل يمكن اتّخاذ آل ٍة محرّمةٍ .
ص الشّافعيّة على أنّ المعازف وآلت اللّهو المملوكة لذمّيّ ل تبطل لنّه مقر على
ون ّ
النتفاع بمثلها ,إل أن يسمعها من ليس بدارهم أي محلّتهم ,حيث كانوا بين أظهرنا ,
وإن انفردوا بمحلّة من البلد ,فإن انفردوا ببلد أي بأن لم يخالطهم مسلم لم يتعرّض لهم .
ضمان المعازف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ آلت اللّهو -المعازف -المباحة كطبل الغزاة والدفّ الّذي 28
يباح ضربه واستماعه في العرس يحرم كسرها ,وتضمن إن كسرت أو أتلفت .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المعازف المحرّمة ل يجب في
إبطالها شيء ,لنّ منفعتها محرّمة والمحرّم ل يقابل بشيء ,مع وجوب إبطالها على
). 140 وضمان ف 12 القادر عليه .وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :إتلف ف
سرقة المعازف :
-اختلف الفقهاء في إقامة ح ّد السّرقة أو عدم إقامته على من يسرق المعازف المحرّمة 2
مُعَاشرة *
انظر :عشرة .
مُعَاطاة *
انظر :تعاطي .
مَعَاقِل *
انظر :عاقلة .
مُعَانقة *
التّعريف :
-المعانقة لغ ًة :مفاعلة من العنق ,ومعناها :الضّم واللتزام ,يقال :عانقه معانقةً 1
منهما قميص أو جبّة ,ثمّ اختلفوا في المعانقة في إزا ٍر واحدٍ ,والمذهب كراهة المعانقة
في إزا ٍر واحدٍ .
وقال أبو يوسف :ل بأس بالمعانقة في إزارٍ واحدٍ .
قال الخادميّ :وقد وردت أحاديث في النّهي عن المعانقة ,وأحاديث في تجويزها ,ووفّق
ي بينهما فقال :المكروه منها ما كان على وجه الشّهوة ,وأمّا على
أبو منصورٍ الماتريد ّ
وجه البرّ والكرامة فجائز .
وكره مالك المعانقة كراهةً تنزيه ّي ًة لنّها من فعل العاجم ,ولم يرد عن رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم أنّه فعلها إل مع جعفرٍ رضي اللّه عنه ,ولم يجر العمل بها من الصّحابة
ن مفاد النّقل عن مالكٍ كراهة المعانقة
بعده عليه الصّلة والسّلم ,قال العدويّ :ل يخفى أ ّ
ولو مع الهل ونحوهم .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المعانقة مكروهة إل لقادم من سف ٍر ,أو تباعد لقاءٍ فسنّة للتّباع .
واستدلوا على ما ذهبوا إليه من كراهة معانقة الرّجلين بحديث أنسٍ رضي اللّه عنه قال :
قال رجل « :يا رسول اللّه الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال :ل ،قال :
أفيلتزمه -أي يعتنقه – ويقبّله ؟ قال :ل ،قال :فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال :نعم » ,
ن الكراهة هنا كراهة تنزي ٍه .
وصرّح النّووي بأ ّ
واستدلوا على معانقة القادم من سفرٍ بما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت :
« قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بيتي ،فأتاه فقرع
الباب ،فقام إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم . . .فاعتنقه وقبّله » .
وقال الحنابلة :تباح المعانقة وتقبيل اليد والرّأس تدينا وإكراما واحتراما مع أمن الشّهوة
,قال ابن مفلحٍ :ظاهر هذا عدم إباحته لمر الدنيا .
ن أبا عبد اللّه -أحمد بن حنبلٍ -احتجّ في المعانقة بحديث :
وقال إسحاق بن إبراهيم :إ ّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم عانقه » .
أبي ذرّ رضي اللّه عنه « :أنّ النّب ّ
وقال :سألت أبا عبد اللّه عن الرّجل يلقى الرّجل يعانقه ؟ قال :نعم فعله أبو الدّرداء .
ب -معانقة المرد :
-صرّح الشّافعيّة بأنّه تحرم معانقة المرد . 4
المفسد ,وهو النزال أو الجماع ,لما فيه من تعريض الصّوم للفساد بعاقبة الفعل .
وأمّا إذا أمن على نفسه المفسد فل بأس بالمعانقة .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه تكره المعانقة بين الرّجل والمرأة لمن تحرّك شهوته ,ففي الحديث
ع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه » ,والكراهة هي
« :من وقع في الشبهات كرا ٍ
كراهة تحريمٍ في الصحّ ,وحكى الرّافعي عن التّتمّة وجهين :التّحريم والتّنزيه .
هـ -أثر المعانقة في فساد الحجّ والعمرة :
ص الحنفيّة على أنّه لو عانق المحرم امرأةً بشهوة فل شيء عليه إل إذا أنزل فيجب
-ن ّ 7
مَعَاهد *
انظر :عهد .
مُعَاهَدة *
انظر :هدنة .
مُعَا َوضَة *
التّعريف :
-المعاوضة في اللغة :أخذ شي ٍء مقابل شي ٍء أو إعطاؤه . 1
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
حكم المعاوضة :
-المعاوضة مشروعة إذا كان عقدها صادرا عمّن يملك هذا التّصرف فيما يجوز له 2
فالمحضة منها :هي الّتي يقصد فيها المال من الجانبين وغير المحضة ما كان المال فيها
ب واحدٍ .
من جان ٍ
والتّفصيل في مصطلح ( :اعتياض ف 4وما بعدها ) .
ثبوت خيار المجلس في المعاوضات :
-يثبت خيار المجلس في المعاوضات عند الشّافعيّة والحنابلة ,قال الشّافعيّة :وذلك بما 4
بشروط .
وما بعدها ) . 27 والتّفصيل في مصطلح ( :إفلس ف
مُعَايَاة *
التّعريف :
-المعاياة مصدر عايا ,يقال عايا فلن :أتى بكلم أو أمرٍ ل يهتدى له ,وعايا صاحبه 1
على جسم النسان ،وتوضيح ذلك أنّه من المعلوم أنّ الدّم نجس ويجب إزالته لكنّهم قالوا
ن دم الشّهيد مختلف في طهارته ونجاسته وعلى كل القولين يستحب بقاء الدّم عليه ول
:إّ
يزال .
من مسائل الميراث :
-أ -قال محمّد بن الحسن :جاء رجل إلى قومٍ يقتسمون ميراثا فقال :ل تقتسموا فإنّ 6
لي امرأةً غائبةً ,فإن كانت ح ّيةً ورثت هي ولم أرث أنا ,وإن كانت ميّت ًة ورثت أنا ،
ب هو زوج أختها
وجوابها :هذه امرأة ماتت وتركت أما وأختين لبوين وأختا لمّ وأخا ل ٍ
لمّها ,فللختين الثلثان ,وللمّ السدس وللخت لمّ السدس إن كانت ح ّيةً ول يبقى
ب وإن كانت ميّتةً فله الباقي وهو السدس لنّه عصبة
لزوجها شيء لنّه عصبة فإنّه أخ ل ٍ
.
ب -امرأة جاءت إلى قو ٍم يقتسمون ميراثا فقالت :ل تقتسموا فإنّي حبلى فإن ولدت
غلما ورث ,وإن ولدت جاريةً لم ترث .
صورة المسألة :رجل مات وترك بنتين وعما وامرأةً حبلى من أخيه ,فإن ولدت غلما
فهو ابن أخيه وهو عصبة مقدّم على العمّ فيرث وإن ولدت جاريةً فهي بنت أخ من ذوي
الرحام فل ترث .
ولو قالت إن ولدت غلما ل يرث وإن ولدت جاريةً ورثت صورة المسألة :امرأة ماتت
عن زوجٍ وأمّ وأختين لمّ وحملٍ من الب ,فإن ولدت امرأة الب جاريةً فهي أختها لبيها
فيكون للمّ السدس وللزّوج النّصف وللخت لبٍ النّصف وللختين لمّ الثلث أصلها من
س ّت ٍة تعول إلى تسع ٍة وإن ولدت غلما فللزّوج النّصف وللمّ السدس ولولد المّ الثلث ول
شيء للغلم لنّه عصبة .
ج -ومن المسائل الّتي يعايى بها في الميراث المسألة الكدريّة ,فيقال :أربعة ورثوا مال
ت فأخذ أحدهم ثلث المال وأخذ الثّاني ثلث الباقي وأخذ الثّالث ثلث ما بقي وأخذ الرّابع
ميّ ٍ
الباقي .
والمسألة هي :زوج وأم وأخت وجد للزّوج النّصف وللمّ الثلث وللخت النّصف وللجدّ
السدس وهي تعول إلى سبعةٍ وعشرين ,للزّوج تسعة وللمّ ستّة وللجدّ ثمانية وللخت
أربعة .
د -المسألة الدّيناريّة فيعايى بها فيقال :رجل خلّف ستّمائة دينارٍ وسبعة عشر وارثا
ذكورا وإناثا فأصاب أحدهم دينارا واحدا ,والمسألة هي :زوجة وجدّة وبنتان واثنا عشر
ب وأمّ والتّركة ستمائة دينارٍ ,للجدّة سدس مائة دينارٍ ,وللبنتين
أخا وأختا واحدةً ل ٍ
الثلثان أربعمائة دينارٍ وللزّوجة الثمن خمسة وسبعون دينارا يبقى خمسة وعشرون دينارا
لكلّ أخ ديناران وللخت دينار .
مَ ْعتُوه *
انظر :عته .
مُعَدّل *
انظر :تزكية .
مَعْدَن *
التّعريف :
-المعدن لغةً :مكان كلّ شيءٍ فيه أصله ومركزه ,وموضع استخراج الجوهر من ذهبٍ 1
ونحوه .
وفي الصطلح قال ابن الهمام :وأصل المعدن المكان بقيد الستقرار فيه ثمّ اشتهر في
نفس الجزاء المستقرّة الّتي ركّبها اللّه تعالى في الرض حتّى صار النتقال من اللّفظ إليه
ابتداءً بل قرينةٍ .
وقال البهوتيّ :هو كل ما تولّد في الرض من غير جنسها ليس نباتا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكنز :
-من معاني الكنز :المال المدفون تحت الرض وجمعه كنوز مثل فلسٍ وفلوس . 2
ثبت واستق ّر ,أو من ركز إذا خفي يقال ركزت الرمح إذا أخفيت أصله .
وفي الصطلح :هو ما وجد مدفونا من عهد الجاهليّة وبهذا قال جمهور الفقهاء .
وأمّا الحنفيّة فقالوا :إنّ الرّكاز مال مركوز تحت أرضٍ أعم من كون راكزه الخالق أو
المخلوق فيشمل عندهم المعدن والكنز ,فالرّكاز اسم لهما جميعا .
والصّلة أنّ الرّكاز مباين للمعدن عند جمهور الفقهاء وأمّا عند الحنفيّة فإنّ الرّكاز أعم من
المعدن حيث يطلق عليه وعلى الكنز .
أنواع المعادن :
ع وذلك من ناحية جنسها فقالوا :
-قسّم الحنفيّة وبعض الحنابلة المعادن إلى ثلثة أنوا ٍ 4
والصفر يجب فيه الخمس سواء أخرجه حر أو عبد أو ذمّي أو صبي أو امرأة وما بقي
فللخذ .
سواء وجد في أرضٍ عشر ّي ٍة أو خراج ّيةٍ ,ويجب الخمس في الزّئبق .
ص والجواهر
وأمّا المعدن المائع كالقير والنّفط وما ليس بمنطبع ول مائعٍ كالنورة والج ّ
واليواقيت فل شيء فيها ,ول يجب الخمس فيما وجده في داره وأرضه من المعدن عند
أبي حنيفة وقال الصّاحبان يجب .
وصرّحوا بأنّ الخمس يجب في القليل والكثير ول يشترط فيه النّصاب لنّ النصوص خالية
ي.
عن اشتراط النّصاب فل يجوز اشتراطه بغير دلي ٍل سمع ّ
ول يشترط عندهم حولن الحول لوجوب الخمس .
وقالوا إنّ ما يصاب من المعدن هو غنيمة والخمس حق الفقراء في الغنيمة .
فإن كان الّذي أصابه محتاجا عليه دين كثير ل يصير غنيا بالربعة الخماس فرأى المام
أن يسلّم ذلك الخمس له جاز ,لنّ الخمس حق الفقراء وهذا الّذي أصابه فقير فقد صرف
ق إلى مستحقّه فيجوز .
الح ّ
ضةٍ دون غيرها الزّكاة .
وقال المالكيّة :تجب في المعدن من ذهبٍ أو ف ّ
ي :تجب الزّكاة فيه بمجرّد إخراجه ,وقال البعض :تجب الزّكاة بعد تصفيته من
قال الباج ّ
ترابه وكان المخرج من أهل الزّكاة إن بلغ نصابا قدر عشرين دينارا أو مائتي درهمٍ وكان
من أهل الزّكاة ,من الحرّيّة والسلم وهذا ما اقتصر عليه ابن الحاجب وقيل ل يشترط فيه
حرّيّة ول إسلم .
ل وإن
ض إذا كان ذلك العرق متّص ً
ضةً بعضه إلى بع ٍ
وضم العرق الواحد ذهبا كان أو ف ّ
تراخى العمل بانقطاعه ,سواء حصل النقطاع اختيارا أو اضطرارا ,كفساد آلةٍ ومرض
العامل .
وأمّا المعادن من أماكن متفرّقةٍ فل يضم ما خرج من واحدٍ منها بعضه إلى بعضٍ ولو في
ت واحدٍ من جنسٍ واحدٍ أو من جنسين على المذهب ,ول يضم عرق آخر للّذي كان
وق ٍ
يعمل فيه أ ّولً في معدنٍ واحدٍ ويعتبر كل عرقٍ بانفراده ,فإن حصل منه نصاب يزكّى ,ثمّ
يزكّى ما يخرج منه بعد ذلك وإن ق ّل ,وسواء اتّصل العمل أو انقطع ,وفي ندرة العين -
وهي القطعة من الذّهب أو الفضّة الخالصة الّتي ل تحتاج لتصفية -الخمس مطلقا ,
وجدها حر أو عبد مسلم أو كافر ,بلغت نصابا أم ل .
ي صلّى اللّه عليه
وقال الشّافعيّة :أجمعت المّة على وجوب الزّكاة في المعدن لنّ النّب ّ
وسلّم « :أقطع بلل بن الحارث المزني المعادن القبليّة وأخذ منه الزّكاة » ,وشرط للّذي
يجب عليه أن يكون حرا مسلما وشرط كذلك أن يكون المستخرج نصابا من الذّهب أو
الفضّة ,أمّا غير الذّهب والفضّة كالحديد والرّصاص وغيرهما فل زكاة فيه ,لنّها ليست
من الموال المزكّاة .
ومن وجد دون النّصاب لم يلزمه الزّكاة ,لنّها ل تجب فيما دون النّصاب ,ولنّه حق
يتعلّق بالمستفاد من الرض فاعتبر فيه النّصاب كالعشر ,وإن وجد النّصاب في دفعاتٍ فإن
لم ينقطع العمل ول النّيل ضمّ بعضه إلى بعضٍ في إتمام النّصاب ,وكذا إن قطع العمل لعذر
,ويجب حق المعدن بالوجود ول يعتبر فيه الحول في أظهر القولين لنّ الحول يراد لكمال
النّماء وبالوجود يصل إلى النّماء فلم يعتبر فيه الحول كالمعشّر .
وقال في البويطيّ ل يجب حتّى يحول عليه الحول ,لنّه زكاة ما ٍل تتكرّر فيه الزّكاة فاعتبر
فيه الحول كسائر الزّكوات .
وفي ما يجب من الزّكاة أقوال مشهورة ,والصّحيح منها :وجوب ربع العشر ,قال
الماورديّ :هو نصه في المّ والملء ,وقيل يجب الخمس لنّه مال تجب الزّكاة فيه
بالوجود فتقدّرت زكاته بالخمس .
ب وجب فيه الخمس ,وإن أصابه بتعب فيجب فيه
والقول الثّالث :إن أصابه من غير تع ٍ
ربع العشر ,لنّه حق يتعلّق بالمستفاد من الرض فاختلف قدره باختلف المؤن كزكاة
ق بعد التّميز .
الزّرع .ويجب إخراج الح ّ
ق المأخوذ من واجد المعدن زكاة ,وسواء أقلنا يجب فيه
والمذهب عند الشّافعيّة أنّ الح ّ
الخمس أم ربع العشر ,وقيل :إن قيل بربع العشر فهو زكاة وإل فقولن أصحهما أنّه
زكاة ,والثّاني :أنّه يصرف في مصارف خمس خمس الفيء .
ت أو من أرضٍ
وقال الشّافعيّة :يجب ما تقدّم من الزّكاة في المعدن سواء أخذه من موا ٍ
يملكها على التّفصيل السّابق .
وقال الحنابلة :تجب الزّكاة في المعدن الّذي يخرج من الرض ممّا يخلق فيها من غيرها
ممّا له قيمة كالذّهب والفضّة والحديد والياقوت والبلّور والكحل ونحوه ,وكذلك المعادن
الجارية كالقار والنّفط والكبريت ونحو ذلك ,لعموم قول اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ
أَن ِفقُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا َكسَبْ ُتمْ َو ِممّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّنَ الَرْضِ } .
ولنّه معدن قطعت الزّكاة بالخارج منه كالثمان ,ولنّه مال لو غنمه وجب عليه خمسه
فإذا أخرجه عن معدنٍ وجبت الزّكاة كالذّهب .
والواجب في المعدن ربع العشر ,وصفته أنّه زكاة لحديث بلل بن الحارث المزني
السّابق ،ولنّه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى فكان زكا ًة كالواجب في الثمان ونصاب
الواجب هو ما يبلغ من الذّهب عشرين مثقا ًل ومن الفضّة مائتي درهمٍ أو قيمة ذلك من
غيرهما .ووقت وجوب الزّكاة في المعدن حين تناوله ول يعتبر له حول ويكمّل النّصاب .
ما يجب في معادن البحر :
-اختلف الفقهاء فيما يجب في معادن البحر : 7
فذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو حنيفة ومحمّد من الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه ل يجب
في معادن البحر شيء لما روي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال في العنبر أنّه
ن العنبر ل شيء فيه ,
دسره -ألقاه -البحر فل شيء فيه ,فهذا النّص صريح في أ ّ
والعنبر مستخرج من البحر فكذلك غيره من معادن البحر ل شيء فيه إذ ل فرق بين معدنٍ
ح وأبو
وآخر من معادن البحر ,وبه قال عطاء والثّوريّ وابن أبي ليلى والحسن بن صال ٍ
ن العنبر كان يخرج على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وخلفائه فلم يأت
ثو ٍر ،ول ّ
فيه سنّة عنه ول عنهم من وج ٍه يصح .
ن الصل عدم وجوب شيءٍ فيه ما لم يرد به نص ولنّه عفو قياسا على العفو من
ول ّ
صدقة الخيل .
وذهب بعض الحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى وجوب الخمس في معادن البحر ,وبه
قال الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ,لما روي عن يعلى بن أميّة أنّه كتب إلى عمر
بن الخطّاب رضي اللّه عنه يسأله عن عنبر وجد على السّاحل فكتب إليه في جوابه أنّه
مال اللّه يؤتيه من يشاء وفيه الخمس .
ولنّه نماء يتكامل عاجلً فاقتضى أن يجب فيه الخمس كالرّكاز ,ولنّ الموال المستفادة
نوعان من ب ّر وبحرٍ ,فلمّا وجبت زكاة ما استفيد من الب ّر اقتضى أن تجب زكاة ما استفيد
من البحر .
مَعْدُودات *
انظر :مثليّات .
مَعْدُوم *
التّعريف :
-تعريف المعدوم لغةً :المفقود ,يقال :عدمته عدما من باب تعب :فقدته والسم : 1
العُدْم .
وفي الصطلح ,قال البركتيّ :العدم ما يقابل الوجود .
الحكام المتعلّقة بالمعدوم :
يتعلّق بالمعدوم أحكام منها :
أ -بيع المعدوم :
-ذهب الفقهاء إلى عدم صحّة بيع المعدوم ,وأنّه ل ينعقد بيع المعدوم وماله خطر 2
العدم ,واشترط الفقهاء أن يكون المعقود عليه موجودا حين العقد -أي غير معدومٍ . -
ت ،وتفصيل ذلك في ( :بيع منهي عنه ف 5وما بعدها ) .
واستثنوا من ذلك حال ٍ
ب -الوصيّة بالمعدوم :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه تصح الوصيّة بالمعدوم مطلقا ,لنّه يقبل 3
شرط الموصى له أن يكون موجودا وقت الوصيّة ويتصوّر الملك له ,فتصح الوصيّة لحمل
في بطن أمّه .
ن الوصيّة للمعدوم جائزة ,وهو أن يوصي لميّت علم الموصي بموته
وذهب المالكيّة إلى أ ّ
حين الوصيّة ,وتصرف في وفاء ديونه ثمّ لوارثه ,فإن لم يكن وارث بطلت ول يعطى
لبيت المال .
وتفصيل ذلك في ( :وصيّة ) .
د -هبة المعدوم :
ن من شرط
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تصح هبة المعدوم ل ّ 5
الموهوب أن يكون موجودا وقت الهبة ,مثل أن يهب ما يثمر نخله هذا العام أو ما تلد
ل.
أغنامه هذه السّنة ,لنّه تمليك لمعدوم فيكون العقد باط ً
وذهب المالكيّة إلى جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقّع الوجود ,كالعبد البق والبعير
الشّارد والثّمرة قبل بد ّو الصّلح .
قال ابن رشدٍ :ول خلف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقّع الوجود ,
وبالجملة كل ما ل يصح بيعه من جهة الغرر -أي ل تأثير للغرر على صحّة الهبة . -
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :هبة ) .
هـ -الخلع بالمعدوم :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى صحّة الخلع بالمجهول وبالمعدوم إذا كان عوض 6
الخلع مشتملً على غر ٍر ,أو معدومٍ ينتظر وجوده ,كجنين في بطن حيوانٍ تملكه الزّوجة
,أو كان مجهولً كأحد فرسين ,أو غير موصوفٍ من عوضٍ أو حيوانٍ وثمر ٍة لم يبد
). 26 صلحها على تفصيلٍ في مصطلح ( :خلع ف
و -الجارة على معدومٍ :
ن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى
-اتّفق أهل العلم على جواز الجارة على معدومٍ ل ّ 7
العيان ,فلمّا جاز العقد على العيان وجب أن تجوز الجارة على المنافع ,ول يخفى ما
بالنّاس من الحاجة إلى ذلك .
وما بعدها ) . 26 وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :إجارة ف
مَعْذُور *
انظر :عذر .
مُ ْعسِر *
انظر :إعسار .
مُ َعصْفَر *
انظر :ألبسة .
مِ ْعصَم *
التّعريف :
-المعصم في اللغة :موضع السّوار من السّاعد ,وهو مفصل الكفّ من السّاعد . 1
والعلقة بين كلّ من المعصم والمفصل :العموم والخصوص المطلق ,فكل معصمٍ مفصل ,
وليس كل مفصلٍ معصما .
الحكام المتعلّقة بالمعصم :
غسل المعصم في الوضوء :
-يجب غسل المعصم في الوضوء على ما سيأتي تفصيله في مصطلح ( :وضوء ) . 4
ال عليه وسلم « :قطع يد السّارق من الكوع » ,وهو مفصل الكفّ ,ولثر أبي بكرٍ
وعمر رضي ال عنهما قال :إذا سرق السّارق فاقطعوا يمينه من الكوع ,والكوع معصم
الكفّ .والقطع في حدّ الحرابة يراعى فيها ما ذكر في السّرقة فل تقطع اليد فيها إل من
). 66 المعصم .والتّفصيل في مصطلح ( :سرقة ف
محل القصاص ممّن قطع يدا من السّاعد :
-إن قطع يد المجنيّ عليه من السّاعد ,فل تقطع يد الجاني من السّاعد ,لنّه ل يقطع 6
ووجوب نصف ديةٍ في قطع واحدةٍ منهما ,لنّ اسم اليد ينصرف عند الطلق إلى الكفّ
وهو المعصم .
). 43 والتّفصيل في مصطلح ( :ديات ف
ما يجوز النّظر إليه من المرأة عند الخطبة :
-يجوز لمن أراد أن ينكح امرأةً أن ينظر منها كفّيها ووجهها ,وهو محل اتّفاقٍ بين 8
مَ ْعصِيَة *
التّعريف :
-المعصية في اللغة :الخروج من الطّاعة يقال عصاه معصيةً وعصيانا :خرج من 1
والزّلّة في الصطلح اسم لفعل غير مقصودٍ في عينه لكنّه اتّصل الفاعل به عن فعلٍ مباحٍ
ل.
قصده فزلّ بشغله عنه إلى ما هو حرام لم يقصده أص ً
ن الفعل المحرّم هو المقصود بعينه في المعصية بخلف
والفرق بين المعصية وال ّزلّة أ ّ
ال ّزلّة .
أقسام المعاصي باعتبار ما يترتّب عليها من عقوبةٍ :
-للعلماء في تقسيم المعاصي باعتبار ما يترتّب عليها من عقوبةٍ ثلثة آراءٍ : 3
الوّل :قال جمهور العلماء :إنّ المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ,لقوله تعالى { :
َوكَرّ َه إِلَ ْيكُمُ ا ْل ُكفْرَ وَا ْل ُفسُوقَ وَا ْلعِصْيَانَ } ,فقد جعل اللّه تعالى المعاصي رتبا ثلث ًة وسمّى
ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الِ ْثمِ وَا ْلفَوَاحِشَ
بعض المعاصي فسوقا دون بعضٍ ,وقوله تعالى { :الّذِي َ
إََِل الّل َممَ } وفي الحديث « :الكبائر سبع » وفي روايةٍ « :تسع » ,وفي الحديث أيضا :
ن إذا اجتنبت الكبائر » فخصّ الكبائر ببعض الذنوب ,
« ومن كذا إلى كذا مكفّرات ما بينه ّ
ن ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة على
ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك ,ول ّ
ن عَ ْنهُ ُن َكفّ ْر عَنكُ ْم سَيّئَا ِتكُمْ } صريح في
ن قوله تعالى { :إِن َتجْتَنِبُو ْا كَبَآئِرَ مَا تُ ْن َهوْ َ
أّ
انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر .
قال الغزالي :ل يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصّغائر وقد عرفا من مدارك الشّرع .
ن في الذنوب صغيرةً وقالوا :بل سائر المعاصي كبائر ,
الثّاني :أنكر جماعة من العلماء أ ّ
منهم الستاذ أبو إسحاق السفرائيني ,والقاضي أبو بكرٍ الباقلنيّ ,وإمام الحرمين في
الرشاد ,وابن القشيريّ في المرشد بل حكاه ابن فوركٍ عن الشاعرة واختاره في تفسيره
فقال :معاصي اللّه تعالى عندنا كلها كبائر ,وإنّما يقال لبعضها صغيرة وكبيرة بالضافة
إلى ما هو أكبر منها ,كما يقال :الزّنا صغيرة بالنّسبة إلى الكفر ,والقبلة المحرّمة
صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ,وكلها كبائر ,قال الزّركشي :لعلّ أصحاب هذا الوجه كرهوا
تسمية معصية اللّه صغير ًة إجللً للّه وتعظيما لمره مع أنّهم وافقوا في الجرح أنّه ل
يكون بمطلق المعصية .
ي المعاصي إلى ثلثة أقسامٍ صغيرة وكبيرة وفاحشة ,فقتل النّفس
الثّالث :قسم الحليم ّ
بغير حقّ كبيرة ,فإن قتل ذا رح ٍم ففاحشة ,فأمّا الخدشة والضّربة مرّةً أو مرّتين فصغيرة
.
أقسام المعاصي باعتبار ميل النّفس إليها :
ي المعاصي الّتي يمنع الشّرع منها واستق ّر التّكليف عقلً أو شرعا
-قسم الماورد ّ 4
كانت عليهم نعمةً ،بل قد يكون ذلك استدراجا ونقمةً ,وورد عن عقبة بن عام ٍر أنّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا رأيت اللّه يعطي العبد على معاصيه ما يحب
فإنّما هو استدراج ث ّم تل رسول اللّه قوله تعالى { :فَ َلمّا َنسُواْ مَا ُذكّرُو ْا ِبهِ فَ َتحْنَا عَلَ ْي ِهمْ
أَ ْبوَابَ ُكلّ شَيْ ٍء حَتّى إِذَا َف ِرحُواْ ِبمَا أُوتُواْ َأخَذْنَاهُم َبغْ َتةً َفإِذَا هُم مّبْ ِلسُونَ } » .
أحوال النّاس في فعل الطّاعات واجتناب المعاصي :
-قال الماوردي :ليس يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه من فعل الطّاعات 7
ن التّوبة من أصول السلم المهمّة وأوّل منازل السّالكين ,قال اللّه تعالى
تأخير التّوبة ,ل ّ
ن َلعَّلكُمْ ُتفْ ِلحُونَ } .
جمِيعا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُو َ
{ :وَتُوبُوا إِلَى الّلهِ َ
قال الغزالي :أما وجوب التّوبة على الفور فل يستراب فيه إذ معرفة كون المعاصي
ت من نفس اليمان ,وهو واجب على الفور .
مهلكا ٍ
). 10 وللتّفصيل ( :ر :توبة ف
الصرار على المعصية :
-الصرار هو الثّبات على المر ولزومه وأكثر ما يستعمل في الثام . 9
قال ابن عابدين :حد الصرار :أن تتكرّر منه تكررا يشعر بقلّة المبالة بدينه إشعار
ارتكاب الكبيرة بذلك .
وقال الجرجاني :هو القامة على الذّنب والعزم على فعل مثله .
وقال بعض العلماء :الصرار هو أن ينوي أن ل يتوب ,فإن نوى التّوبة خرج عن
الصرار .
وقال الفقهاء :الصّغيرة تكبر بأسباب منها :الصرار والمواظبة .
ولذلك قيل :ل صغيرة مع إصرا ٍر ول كبيرة مع استغفارٍ .
فكبيرة واحدة تنصرم ول يتبعها مثلها لو تصوّر ذلك كان العفو عنها أرجى من صغيرةٍ
يواظب العبد عليها ,ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على الحجر على توالٍ فتؤثّر فيه
ب عليه دفعةً واحدةً لم يؤثّر ذلك ,فكذلك القليل من السّيّئات إذا دام عظم
وذلك القدر لو ص ّ
تأثيره في إظلم القلب .
وقال بعض الفقهاء :الصرار حكمه حكم ما أصرّ عليه ,فالصرار على الصّغيرة صغيرة
والصرار على الكبيرة كبيرة .
). 12 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :كبائر ف
التّصدق عقب المعصية :
-قال الشّافعيّة :يندب التّصدق عقب كلّ معصيةٍ ,قالوا :من ترك الجمعة بل عذرٍ 10
يندب له أن يتصدّق بدينار أو نصفه وعمّمه بعضهم في إتيان كلّ معصيةٍ ,فقد قال النّبي
صلى ال عليه وسلم « :اتّق اللّه حيثما كنت وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها وخالق النّاس
بخلق حسنٍ » وقال شرّاح الحديث :المراد بالحسنة :صلة أو صدقة أو استغفار أو نحو
ذلك .
وقال الحنفيّة والشّافعيّة :يستحب لمن وطئ زوجته في الحيض أن يتصدّق بدينار إن كان
الوطء في أوّل الحيض وبنصف دينارٍ إن كان الوطء في آخره ,أو وسطه عند الحنفيّة ،
وفي روايةٍ عند الحنابلة يجب التّصدق بدينار أو نصف دينا ٍر كفّارةً لمن وطئ في الحيض
على اختلف الرّواية عندهم .
). 43 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :حيض ف
ستر المعصية :
-إذا تعلّق بالمعصية حد اللّه كحدّ الزّنا والشرب فإن لم يظهر ذلك يندب للمسلم عند 11
بسفره .
ن السّفر الّذي يكون الغرض منه فعلً هو معصية كسفر البغاة وقطّاع
وصرّح الحنفيّة بأ ّ
الطّريق ل يمنع الرخصة لطلق النصوص .
). 10 والتّفصيل في مصطلح ( :سفر ف
أثر مقارنة المعاصي لسباب الرخص :
-قال القرافي عند الكلم عن الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين مقارنة 14
المعاصي لسباب الرخص :المعاصي ل تكون أسبابا للرخص ولذلك العاصي بسفره ل
يقصر ول يفطر ,لنّ سبب هذين السّفر وهو في هذه الصورة معصية فل يناسب الرخصة
لنّ ترتيب التّرخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتّوسعة على المكلّف
بسببها ,وأمّا مقارنة المعاصي لسباب الرخص فل تمنع إجماعا ,كما يجوز لفسق النّاس
وأعصاهم التّيمم إذا عدم الماء وهو رخصة ,وكذلك الفطر إذا أض ّر به الصّوم ,والجلوس
إذا أض ّر به القيام في الصّلة ,ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص ,ول تمنع
ن أسباب هذه المور غير معصيةٍ ,بل هي عجزه عن الصّوم ونحوه
المعاصي من ذلك ,ل ّ
,والعجز ليس معصيةً ,فالمعصية هاهنا مقارنة للسّبب ل سبب .
إعطاء الزّكاة لبن السّبيل المسافر في معصيةٍ :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ابن السّبيل ل يعطى من الزّكاة إن خرج 15
يحضرها لنّه ل يلزمه حق الدّعوة ,لنّ إجابتها إنّما تلزم إذا كانت على وجه السنّة سواء
ى به أو ل .
كان المدعو مقتد ً
وأمّا من دعي إلى وليم ٍة فوجد بعد الحضور ثمّة لعبا أو غناءً فل بأس أن يقعد ويأكل ,
فإن قدر على المنع يمنعهم وإن لم يقدر يصبر وهذا إذا لم يكن مقتدىً به ,أمّا إذا كان ولم
يقدر على منعهم فإنّه يخرج ول يقعد .
,عرس ف , 4وليمة ) . 27 وللفقهاء تفصيل في ذلك ينظر في مصطلح ( :دعوة ف
الوقف على المعصية :
-يشترط الفقهاء لصحّة الوقف كون الموقوف عليه جهة برّ فل يجوز الوقف على 18
ن الوقف طاعة تنافي المعصية فمن ذلك أن يقفها على الزناة أو السرّاق ,أو
معصيةٍ ل ّ
شرّاب الخمر ,أو المرتدّين عن السلم فيكون الوقف في هذه الجهات باطلً لنّها معاصٍ
يجب الكف عنها فلم يجز أن يعان عليها .
وللتّفصيل ( :ر :وقف ) .
الوصيّة لجهة المعصية :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا أوصى المسلم لجهة عا ّمةٍ فالشّرط أن ل تكون الجهة 19
تعالى ,بل كل حقّ وإن عظم ساقط إذا جاء حق اللّه ,فقد قال النّبي صلى ال عليه وسلم
« :ل طاعة لمخلوق في معصية اللّه » .
). 11 وللتّفصيل في أحكام حدود طاعة المخلوقين ممّن تجب طاعتهم ( :ر :طاعة ف
الجارة على المعاصي :
ن المعصية ل يتصوّر استحقاقها بالعقد فل يجب
-ل يجوز الستئجار على المعاصي ل ّ 22
ونقل القاضي عياض الجماع على العصمة عن الصّغيرة المفضية للخسّة وسقوط المروءة
والحشمة .
ومنع الحنفيّة وبعض الشّافعيّة صدور الصّغائر غير الخسيسة أيضا .
ي).
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :نبوّة ,ونبي ،والملحق الصول ّ
مَعْفوّات *
التّعريف :
-المعفوّات لغةً :جمع مفرده معفوّة وهي اسم مفعو ٍل من فعل عفا يعفو ,ومن معاني 1
العفو في اللغة :التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه ,وأصله المحو والطّمس ,يقال :
ن أو عن ذنبه إذا صفحت عنه وأعرضت عن عقوبته وهو يعدّى بعن إلى
عفوت عن فل ٍ
الجاني والجناية ,فإذا اجتمعا عدّي إلى الوّل باللم فقيل عفوت لفلن عن ذنبه .
قال الزهري :العفو صفح اللّه عن ذنوب عباده ومحوه إيّاها بتفضله .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ .
ضبط المعفوّات من النجاس :
-الصل أنّ كلّ مأمورٍ يشق على العباد فعله سقط المر به وكل منهيّ شقّ عليهم 2
ت وضوابط .
النّجاسات ,وفرّقوا بين المخفّفة والمغلّظة ووضعوا لك ّل نوعٍ تقديرا ٍ
فقد قال أبو حنيفة :ما توافقت على نجاسته الدلّة فمغلّظ سواء اختلف فيه العلماء وكان
فيه بلوى أم ل وإل فهو مخفّف .
وقال أبو يوسف ومحمّد :ما اتّفق العلماء على نجاسته ولم يكن فيه بلوى فمغلّظ وإل
مخفّف ول نظر للدلّة .
-أمّا النّجاسة المغلّظة فقد عفي عن قدر الدّرهم منها ,واختلفت الرّوايات فيه : 4
والصّحيح أن يعتبر بالوزن في النّجاسة المتجسّدة ,وهو أن يكون وزنه قدر الدّرهم الكبير
المثقال ,وبالمساحة في غيرها وهو قدر مقعّر الكفّ داخل مفاصل الصابع ,وقال منل
مسكين :وطريق معرفته أن تغرف باليد ثمّ تبسط فما بقي من الماء فهو مقدار الكفّ .
والمراد بالعفو عن قدر الدّرهم هو العفو عن فساد الصّلة به وإل فكراهة التّحريم باقية
بإجماع الحنفيّة إن بلغت النّجاسة المغلّظة الدّرهم ,وتنزيها إن لم تبلغ .
وفرّعوا على ذلك ما لو علم قليل نجاسةٍ عليه وهو في الصّلة ففي الدّرهم يجب قطع
الصّلة وغسلها ولو خاف فوت الجماعة لنّها سنّة وغسل النّجاسة واجب وهو مقدّم ,
وفي الثّاني -أي في أقلّ من الدّرهم -يكون ذلك أفضل فقط ما لم يخف فوت الجماعة
بأن ل يدرك جماع ًة أخرى وإل مضى على صلته لنّ الجماعة أقوى ,كما يمضي في
ن التّفويت حرام ول مهرب من الكراهة إلى الحرام .
المسألتين إذا خاف فوت الوقت ل ّ
قال الحمويّ :والمعتبر في ذلك وقت الصابة فلو كان دهنا نجسا قدر الدّرهم وقت الصابة
فانبسط فصار أكثر منه ل يمنع في اختيار المرغينانيّ وغيره ,ومختار غيرهم المنع ,
ولو صلّى قبل انبساطه جازت وبعده ل ,وبه أخذ الكثرون .
-وصرّح الحنفيّة بأنّه ل يعفى عن النّجاسة المغلّظة إذا زادت على الدّرهم مع القدرة 5
القسم الوّل :يعفى عن قليله وكثيره ول تجب إزالته إل أن يتفاحش جدا فيؤمر بها .
وهذا القسم هو كل نجاس ٍة ل يمكن الحتراز عنها ,أو يمكن بمشقّة كثير ٍة كالجرح يمصل ,
والدمّل يسيل ,والمرأة ترضع ,والحداث تستنكح ,والغازي يفتقر إلى إمساك فرسه .
قال ابن شاسٍ :وخصّ مالك هذا ببلد الحرب ,وترجّح في بلد السلم .
القسم الثّاني :يعفى عن اليسير منه إذا رآه في الصّلة ويؤمر بغسله قبل الدخول فيها ,
وقيل :ل يؤمر بذلك ,وهو الدّم ,وهل يلحق به في العفو قليل القيح وقليل الصّديد ؟ أو
يلحقان بقليل البول ؟ في ذلك قولن .
ق :ل خلف عندنا أنّ فوق
وأمّا حد اليسير عند المالكيّة فقد قال عنه أبو بكر بن ساب ٍ
ن ما دون الدّرهم قليل ,وفي قدر الدّرهم روايتان لعليّ بن زيادٍ وابن
الدّرهم كثير ,وأ ّ
حبيبٍ بالقلّة والكثرة .
وحكى الشّيخ أبو الطّاهر أنّ اليسير هو مقدار الخنصر وأنّ الخلف فيما بين الدّرهم إلى
الخنصر .
القسم الثّالث :يعفى عن أثره دون عينه ،وهو الحداث على المخرجين ,والدّم على
السّيف الصّقيل ,وفي معنى ذلك الخف يمشي به على أرواث الدّوابّ وأبوالها ،وفيه قول
:إنّه يغسل كما لو مشى به على الدّم والعذرة .
القسم الرّابع :ما عدا ما ذكر ,وهذا القسم يزال كثيره وقليله ,وعينه وأثره .
ثالثا :مذهب الشّافعيّة :
-قسّم الشّافعيّة النّجاسات المعفوّ عنها باعتبار القلّة والكثرة إلى عدّة أقسامٍ : 7
أحدها :ما يعفى عن قليله وكثيره وهو دم البراغيث على الصحّ في الثّوب والبدن وكذا
دم القمّل والبعوض ونحوه على ما رجّحه النّووي ونقله عن الكثرين ,لكن له شرطان :
أ -أن ل يكون بفعله فلو كان بفعله كما لو قتل فتلوّث به أو لم يلبس الثّوب بل حمله
ح صلته لعدم الضّرورة إليه ويلتحق بالبراغيث في ذلك كلّه دم البثرات
وكان كثيرا لم تص ّ
وقيحها وصديدها حتّى لو عصره وكان الخارج كثيرا لم يعف عنه ،وكذلك دم الدّماميل
والقروح وموضع الفصد والحجامة منه .
ب -أن ل يتفاحش بالهمال ,فإنّ للنّاس عادةً في غسل الثّياب كلّ حينٍ فلو ترك غسل
ل وهو يتراكم عليه لم يكن في محلّ العفو ,قاله المام .
الثّوب سنةً مث ً
ومن المعفوّ عنه البلغم إذا كثر والماء الّذي يسيل من فم النّائم إذا ابتلي به ونحوه وكذلك
الحدث الدّائم كالمستحاضة وسلس البول ,وكذا أواني الفخّار المعمولة بالزّبل ل تطهر ,
وقد سئل الشّافعي بمصر ,فقال :إذا ضاق المر اتّسع .
الثّاني :ما يعفى عن قليله دون كثيره ,وهو دم الجنبيّ إذا انفصل عنه ثمّ أصابه من
ح دون كثيره قطعا ,وكذلك
آدميّ أو بهيم ٍة سوى الكلب والخنزير يعفى عن قليله في الص ّ
طين الشّوارع المتيقّن بنجاستها يعفى عن قليله دون كثيره .
والقليل ما يتعذّر الحتراز منه ,وكذلك المتغيّر بالميتة الّتي ل نفس لها سائلةً ل يعفى عن
التّغير الكثير في الصحّ .
الثّالث :ما يعفى عن أثره دون عينه وهو أثر المخرجين في الستنجاء بالحجر وكذلك بقاء
ريح النّجاسة أو لونها إذا عسر زواله .
الرّابع :ما ل يعفى عن أثره ول عينه ول قليله ول كثيره وهو ما عدا ذلك .
-وقسّم الشّافعيّة النّجاسات باعتبار العفو عنها إذا حلّت في الماء أو الثّوب إلى أربعة 8
أقسامٍ :
القسم الوّل :يعفى عنه في الماء والثّوب وذلك في عشرين صور ًة :ما ل يدركه الطّرف
ل أو لها دم ولكنّه ل يسيل كالوزغ ,وغبار
,والميتة الّتي ل دم لها كالدود والخنفساء أص ً
النّجاسة اليابسة ,وقليل دخان النّجاسة حتّى لو أوقد نجاس ًة تحت الماء ,واتّصل به قليل
ن لم ينجس ,وقليل الشّعر ,وقليل الرّيش النّجس له حكم الشّعر على ما يقتضيه
دخا ٍ
ن أجزاء الشّعرة الواحدة ينبغي أن يكون لكلّ واحدةٍ منها حكم الشّعرة الواحدة
كلمهم إل أ ّ
,والهرّة إذا ولغت بعد أكلها فأرةً ,وألحق المتولّي السّبع بالهرّة وخالفه الغزالي لنتفاء
المشقّة لعدم الختلط ,وما اتّصل به شيء من أفواه الصّبيان مع تحقق نجاستها ,خرّجه
ابن الصّلح ,وأفواه المجانين كالصّبيان ,وإذا وقع في الماء طير على منفذه نجاسة
يتعذّر صون الماء عنه ول يصح التّعليل بانكماشه فإنّه صرّح في الرّوضة بأنّا لو تحقّقنا
وصول الماء إلى منفذ الطّير وعليه ذرق عفي عنه ,وإذا نزل الطّائر في الماء وغاص
وذرق فيه عفي عنه ل سيّما إذا كان طرف الماء الّذي ل ينفك عنه ,ويدل له ما ذكر في
ب ما ثمّ معلوم أنّه يبول فيه أنّه يعفى
السّمك عن القاضي حسينٍ أنّه لو جعل سمكا في ح ّ
ن الحتراز
عنه للضّرورة ,وفي تعليق البندنيجي عن الشّيخ أبي حامدٍ نجس معفو عنه ل ّ
ن وقوع الحيوان النّجس المنفذ في
عنه ل يمكن ,وحكى العجلي عن القاضي حسينٍ أ ّ
الماء ينجّسه ,وحكي عن غيره عدم التّنجيس مستدلً بأنّه صلى ال عليه وسلم أمر بمقل
الذباب .
وإذا شرب من الماء طائر على فيه نجاسة ولم تتخلّل غيبته فينبغي إلحاقه بالمنفذ لتعذر
صونه عنه ,وونيم الذباب إذا وقع في الماء ل ينجّسه لعسر صونه ,ومثله بول الخفّاش
إذا وقع في الماء القليل أو المائع ,وغسالة النّجاسة إذا انفصلت غير متغيّر ٍة ول زائدة
الوزن فإنّها تكون طاهر ًة مع أنّها لقت نجسا .
القسم الثّاني :ما يعفى عنه في الماء دون الثّوب كالميتة الّتي ل دم لها سائل وخرء
السّمك ومنفذ الطّائر .
القسم الثّالث :ما يعفى عنه في الثّوب دون الماء وهو الدّم اليسير من سائر الدّماء إل دم
الكلب والخنزير وينبغي أن يلحق به طين الشّارع المتيقّن نجاسته ,فلو وقع شيء من ذلك
ث أو قملٍ أو غمس فيه ثوبا فيه
في ماءٍ قليلٍ أو غمس يده في الماء وعليها قليل دم برغو ٍ
ث تنجّس .
دم برغو ٍ
ي بين الثّياب والماء بوجهين :
وفرّق العمران ّ
ن صونها ممكن
أحدهما :أنّ الثّياب ل يمكن صونها عن النّجاسة بخلف الواني فإ ّ
بالتّغطية .
والثّاني :أنّ غسل الثّياب كلّ وقتٍ يقطعها فعفي عن يسير النّجاسة الّتي يمكن وقوعها
ث يصلّي فيه ولو وضعه في ماءٍ
فيها بخلف الماء ومن ذلك الثّوب الّذي فيه دم برغو ٍ
قليلٍ ينجّسه فيحتاج الّذي يغسله أن يطهّره بعد الغسل في ذلك الماء ,وكذلك ما على محلّ
الستنجاء يعفى عنه في البدن والثّوب حتّى لو سال بعرق ونحوه ووقع في الثّوب عفي
عنه في الصحّ ,ولو اتّصل بالماء نجّسه .
القسم الرّابع :ما ل يعفى عنه فيهما وهو ما عدا ذلك ممّا أدركه الطّرف من سائر البوال
والرواث وغيرها من النّجاسات .
رابعا :مذهب الحنابلة :
-الصل عند الحنابلة أنّه ل يعفى عن يسير شيءٍ من النّجاسات سواء كان ممّا يدركه 9
ن النسان غالبا ل يسلم منه وهو قول جماع ٍة من الصّحابة والتّابعين فمن
والمطعومات فإ ّ
بعدهم ,ولقول عائشة رضي ال عنهما « :ما كان لحدانا إل ثوب واحد تحيض فيه فإذا
أصابه شيء من دمٍ قالت بريقها فقصعته بظفرها » ,وهذا يدل على العفو عنه لنّ الرّيق
ل يطهّر ويتنجّس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل ,ومثله ل يخفى عنه عليه الصّلة
والسّلم فل يصدر إل عن أمره ,ولنّه يشق التّحرز منه فعفي عنه كأثر الستجمار ويعفى
عنه ولو كان من غير مصلّ بأن أصابت المصلّي من غيره كما لو كانت منه .
وقيل :ل يعفى عن يسيره إل إذا كان من دم نفسه ,واليسير :الّذي لم ينقض الوضوء ,
والكثير :ما نقض الوضوء .
والدّم المعفو عنه ما كان من آدميّ أو حيوانٍ طاه ٍر ل الكلب ول الخنزير .
-ما تولّد من الدّم من القيح والصّديد ,فإنّ العفو عنهما أولى لختلف العلماء في 11
نجاستهما ,ولذلك قال أحمد :هو أسهل من الدّم فعلى هذا يعفى منه عن أكثر ممّا يعفى
ن هذا ل نصّ فيه ,وإنّما ثبتت نجاسته لستحالته من الدّم ,ولحمد
عن مثله في الدّم ,ل ّ
قول بطهارة قيحٍ ومدّ ٍة وصديدٍ .
وصرّح الحنابلة بأنّه ل يعفى عن يسير دمٍ أو قيحٍ أو صدي ٍد خرج من قبلٍ أو دبرٍ لنّ حكمه
حكم البول والغائط ,وفي وجهٍ يعفى عن ذلك .
-ويعفى أثر الستجمار بمحلّه ,بعد النقاء واستيفاء العدد بل خلفٍ ,فعلى هذا لو 12
-ويعفى عن يسير دخان نجاسةٍ وبخارها وغبارها ما لم تظهر له صفة في الشّيء 14
الطّاهر ,لنّه يشق التّحرز منه ,وقال جماعة :ما لم يتكاثف .
-ويعفى عن يسير ماءٍ تنجّس بشيء معفوّ عن يسيره كدم وقيحٍ فإنّه يعفى عنه ,قاله 15
ابن حمدان في رعايتيه وعبارته :وعن يسير الماء النّجس بما عفي عن يسيره من دمٍ
ونحوه ,وأطلق المنقّح في التّنقيح القول عن ابن حمدان بالعفو عن يسير الماء النّجس
ولم يقيّده بما عفي عن يسير النّجاسة .
-ويعفى عن ما في العين من نجاسةٍ فل يجب غسلها للتّضرر به وكذا يعفى عن 16
ي.
نجاسةٍ داخل أذنٍ لما في ذلك من التّضرر أيضا وهو متّجه كما قال الرّحيبان ّ
-ويعفى عن حمل كثير النّجاسة في صلة الخوف للضّرورة . 17
الفروع :وإن هبّت ريح فأصاب شيئا رطبا غبار نجس من طريقٍ أو غيره فهو داخل في
ن ما عفي عن يسيره كالدّم ونحوه عفي عن أثر كثيره على
المسألة ,وصرّح الحنابلة بأ ّ
ن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله فعفي عنه كيسير غيره
جسمٍ صقيلٍ بعد مسحٍ ,ل ّ
.وقالوا :يضم نجس يعفى عن يسيره متفرّقٍ بثوب واحدٍ ,بأن كان فيه بقع من د ٍم أو
ح الصّلة فيه وإل عفي عنه ,ول يضم متفرّق
ض ّم كثيرا لم تص ّ
قيحٍ أو صديدٍ فإن صار بال ّ
ب بل يعتبر كل ثوبٍ على حدته .
في أكثر من ثو ٍ
ن الصّلة تصح معه مع الحكم بنجاسته حتّى لو وقع هذا
والمراد بالعفو في جميع ما تقدّم أ ّ
اليسير في ماءٍ قلي ٍل نجّسه .
أعيان المعفوّات من النجاس :
-اختلف الفقهاء في مسائل العفو عن النّجاسات تبعا لختلفهم في ضوابط العفو عن 19
النّجاسات وتبعا لختلفهم في التّقديرات الّتي اعتبروها للتّمييز بين الكثير واليسير .
ولمعرفة أعيان النّجاسات المعفوّ عنها وموقف الفقهاء تجاه كلّ واحدةٍ منها ينظر مصطلح
). 11 - 7 ( :نجاسة ,عفو ف
المعفوّات في الصّلة :
-ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلة فل تصح الصّلة إل بسترها ,وقد اتّفق 20
الفقهاء على بطلن صلة من كشف عورته فيها قصدا ,واختلفوا فيما إذا انكشفت بل
قصدٍ وفي المقدار المعفوّ عن انكشافه .
). 120 وتفصيل ذلك في ( :مصطلح صلة ف
المعفوّات في الزّكاة :
-اختلف الفقهاء في زكاة أوقاص السّائمة وتفصيل ذلك في ( :مصطلح أوقاص ف 21
وأمّا سائر الموال الزّكويّة كالنّقدين فل يجري العفو فيها عند الجمهور فتجب فيها الزّكاة
فيما زاد على النّصاب بحسابه .
ب ثمّ كل ما زاد على
وقال أبو حنيفة :ما زاد على النّصاب عفو إلى أن يبلغ خمس نصا ٍ
الخمس عفو إلى أن يبلغ خمسا آخر .
). 12 ,وعفو ف 72 والتّفصيل في ( :زكاة ف
مُ َعلّم *
انظر :بيع ,صيد ,معلّم .
مُ َعلّم *
التّعريف :
-المعلّم في اللغة -اسم فاعلٍ من علّم ,يقال :علّم فلنا الشّيء تعليما :جعله يتعلّمه 1
.والمعلّم من يتّخذ مهنة التّعليم ,ومن له الحق في ممارسة إحدى المهن استقللً ,ولقد
كان هذا اللّقب أرفع الدّرجات في نظام الصنّاع كال ّنجّارين والحدّادين .
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ المعلّم عن المعنى اللغويّ من حيث إطلقه على من يعلّم
النّاس العلم كالحديث والفقه والفرائض وغير ذلك من العلوم .
كما أطلقوه على من يعلّم غيره صنعةً قد برع فيها .
ما يتعلّق بالمعلّم من أحكامٍ :
يتعلّق بالمعلّم أحكام منها :
فضل المعلّم :
-ورد في فضل من يعلّم النّاس العلم النّافع بعض الحاديث منها « :إنّ اللّه وملئكته 2
وأهل السّموات والرض حتّى النّملة في جحرها وحتّى الحوت ليصلون على معلّم النّاس
الخير » .
قيل :أراد بالخير هنا علم الدّين وما به نجاة الرّجل ,ولم يذكر المعلّم مطلقا ليعلم أنّ
صلٍ إلى الخير ,وفيه إشارة إلى وجه الفضليّة بأنّ
استحقاق الدعاء لجل تعليم علمٍ مو ّ
نفع العلم متع ّد ونفع العبادة قاصر .
قال الغزالي :المعلّم متصرّف في قلوب البشر ونفوسهم ,وأشرف موجودٍ على الرض
جنس النس ,وأشرف جزءٍ من جواهر النسان قلبه ,والمعلّم مشتغل بتكميله وتجليته
وتطهيره وسياقته إلى القرب من اللّه ع ّز وجلّ فتعليم العلم من وجهٍ :عبادة للّه تعالى ,
ن اللّه تعالى قد فتح على قلب
ومن وجهٍ :خلفة للّه تعالى وهو من أجل خلفة اللّه ,فإ ّ
العالم العلم الّذي هو أخص صفاته فهو كالخازن لنفس خزائنه ,ث ّم هو مأذون له في
النفاق منه على كلّ محتاجٍ إليه ,فأي رتبةٍ أجل من كون العبد واسطةً بين ربّه سبحانه
وبين خلقه في تقريبهم إلى اللّه زلفى وسياقتهم إلى جنّة المأوى .
وذكر الغزالي من أحوال المعلّم :حال التّبصير قال :وهو أشرف الحوال ,فمن علم
وعمل وعلّم فهو الّذي يدعى عظيما في ملكوت السّموات فإنّه كالشّمس تضيء لغيرها
وهي وضيئة في نفسها ,وكالمسك الّذي يطيّب غيره وهو طيّب .
حق المعلّم على المتعلّم :
-ينبغي للمتعلّم أن يتواضع لمعلّمه وينظر إليه بعين الحترام ويرى كمال أهليّته 3
على إفادة العلم أجرا ,ول يقصد به جزاءً ول شكورا ,بل يعلّم لوجه اللّه تعالى وطلبا
للتّقرب إليه ول يرى لنفسه م ّنةً عليهم وإن كانت المنّة لزمةً عليهم ,بل يرى الفضل لهم
إذ هذّبوا قلوبهم لن تتقرّب إلى اللّه تعالى بزراعة العلوم فيها ,كالّذي يعيرك الرض
لتزرع فيها لنفسك زراع ًة فمنفعتك بها تزيد على منفعة صاحب الرض فكيف تقلّده م ّنةً
وثوابك في التّعليم أكثر من ثواب المتعلّم عند اللّه تعالى ,ولول المتعلّم ما نلت هذا الثّواب
ن َأجْ ِريَ
فل تطلب الجر إل من اللّه تعالى كما قال تعالى { :وَيَا َق ْومِ ل َأسْأَُل ُكمْ عَلَ ْي ِه مَالً إِ ْ
ِإلّ عَلَى الّلهِ } .
ن الفقهاء فصّلوا التّمول في حكم أخذ المعلّم الجر وذلك أنّ المعلّم إمّا أن يقوم بالتّعليم
ولك ّ
حسبةً لوجه اللّه أو باشتراط أجر معيّنٍ ,فإن كان يقوم بعمله حسبةً فيعطى من بيت المال
ما يعينه على عمله ,ويسمّى ما يعطاه رزقا ول يسمى أجرا .
قال ابن مفلحٍ :واجب على المام أن يتعاهد المعلّم والمتعلّم ويرزقهما من بيت المال لنّ
في ذلك قواما للدّين فهو أولى من الجهاد .
وقد كان عمر بن الخطّاب رضي ال عنهما أوّل من جمع الولد في المكتب وأمر عامر بن
عبد اللّه الخزاعي أن يلزمهم للتّعليم وجعل رزقه من بيت المال .
وإن كان المعلّم يقوم بالتّعليم نظير أج ٍر معلومٍ مشترطٍ ,ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح
). 110 - 109 ,إجارة ف 12 ,بيت المال ف 15 ( :تعلمٍ وتعليمٍ ف
أخذ الجرة على تعليم الحرف والعلوم غير الشّرعيّة :
-أجاز الفقهاء أخذ الجر على تعليم الحرفة والصّنعة ولكنّهم يختلفون في التّفصيل 5
مكسٍ أو ظل ٍم أو غيرهما فل يأخذ ممّا أتى به الصّبي من تلك الجهة شيئا ,اللّهمّ إل أن
يكون يأتيه من غير تلك الجهات المحذّر منها من جانب الشّرع فل بأس به مثل أن يأتيه
بشيء من جهة أمّه أو جدّته أو غيرهما من وجهٍ مستو ٍر بالعلم ,فإن تعذّرت جهة الحلل
فل يأخذ شيئا ويحذر من هذا جهده فإنّه من باب أكل أموال النّاس بالباطل إذ أنّهم يأخذونه
من أربابه بالظلم بالمصادرة والقهر وهو يأخذه على ظاهر أنّه حلل في زعمه ,وهذا
أعظم في التّحريم من الوّل وإن كان كله حراما .
ول يجوز للمعلّم قبول هديتهم أو يستخدمهم أو يرسلهم إلى نحو جناز ٍة أو مولودٍ ليقولوا
شيئا ويأخذ منهم ما يدفع لهم فإن فعل ذلك كان جرحه في شهادته وإمامته إل ما فضل من
غذائهم ممّا تسمح به النّفوس غالبا وإل ما كان من الخدمة معتادا وخفّ بحيث ل يشغل
الولد فيجوز .
ما ينبغي أن يتّصف به المعلّم :
ن العلم يدرك بالبصائر
-ينبغي للمعلّم أن يكون عاملً بعلمه فل يكذّب قوله فعله ل ّ 8
والعمل يدرك بالبصار ,وأرباب البصار أكثر فإن خالف العمل العلم منع الرشد ,وكل من
تناول شيئا وقال للنّاس ل تتناولوه فإنّه سم مهلك سخر النّاس به واتّهموه وزاد حرصهم
على ما نهوا عنه فيقولون لول أنّه أطيب الشياء وألذها لما كان يستأثر به قال تعالى { :
سكُمْ } .
سوْنَ أَن ُف َ
س بِالْبِ ّر وَتَن َ
ن النّا َ
أَتَ ْأمُرُو َ
ولذلك كان وزر العالم في معاصيه أكثر من وزر الجاهل إذ يزل بزلّته عالم كثير ويقتدون
ن س ّنةً سيّئ ًة فعليه وزرها ووزر من عمل بها .
به ,ومن س ّ
وينبغي له أن يتخلّق بالمحاسن الّتي ورد الشّرع بها وحثّ عليها والخلل الحميدة والشّيم
المرضيّة الّتي أرشد إليها من التّزهد في الدنيا والتّقلل منها وعدم المبالة بفواتها والسّخاء
ج إلى حدّ الخلعة ,والحلم والصّبر
والجود ومكارم الخلق وطلقة الوجه من غير خرو ٍ
والتّنزه عن دنيء الكتساب وملزمة الورع والخشوع والسّكينة والوقار والتّواضع
والخضوع واجتناب الضّحك والكثار من المزاح وملزمة الداب الشّرعيّة الظّاهرة والخفيّة
كالتّنظيف بإزالة الوساخ وتنظيف البط وإزالة الرّوائح الكريهة واجتناب الرّوائح
المكروهة .
وينبغي الحذر من الحسد والرّياء والعجاب واحتقار النّاس وإن كانوا دونه بدرجات .
ن حكمة اللّه تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا
وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أ ّ
النسان فل يعترض ول يكره ما اقتضته الحكمة اللهيّة ,وطريقه في نفي الرّياء أن يعلم
ن الخلق ل ينفعونه ول يضرونه حقيقةً فل يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه ويضر دينه
أّ
ويحبط عمله ويرتكب سخط اللّه تعالى ويفوّت رضاه .
وطريقه في نفي العجاب أن يعلم أنّ العلم فضل من اللّه تعالى ومعه عارية فإنّ للّه ما
أخذ وله ما أعطى وكل شيءٍ عنده بأجل مس ّمىً ,فينبغي أن ل يعجب بشيء لم يخترعه
ن من دوامه ,وطريقه في نفي الحتقار التّأدب بما أدّبنا اللّه
وليس مالكا له ول على يقي ٍ
ن اتّقَى } ,وقال تعالى { :إِنّ
تعالى ,قال اللّه تعالى { :فََل تُ َزكّوا أَن ُفسَ ُكمْ ُه َو أَعْ َلمُ ِبمَ ِ
َأكْ َر َمكُ ْم عِندَ الّل ِه أَ ْتقَا ُكمْ } فربّما كان هذا الّذي يراه دونه أتقى للّه تعالى وأطهر قلبا وأخلص
ل صحيحا جائزا في نفس المر ولكن ظاهره أنّه
ل ,وينبغي أنّه إذا فعل فع ً
ن ّي ًة وأزكى عم ً
حرام ,أو مكروه أو مخل بالمروءة ونحو ذلك فينبغي له أن يخبر أصحابه ومن يراه يفعل
ذلك بحقيقة ذلك الفعل لينتفعوا ولئل يأثموا بظنّهم الباطل ولئل ينفروا عنه ويمتنع النتفاع
ي صلى ال عليه وسلم لمن رآه مع زوجته « :هي صفيّة أو هذه
بعلمه ومن هذا قول النّب ّ
صفيّة » .
تصرف المعلّم مع من يعلّمهم :
-قال النّووي :ينبغي للمعلّم أن يؤدّب المتعلّم على التّدريج بالداب السنّيّة والشّيم 9
المرضيّة ورياضة نفسه بالداب والدّقائق الخفيّة وتعوده الصّيانة في جميع أموره الكامنة
والجليّة ,وأوّل ذلك أن يحرّضه بأقواله وأحواله المتكرّرات على الخلص والصّدق وحسن
النّيّات ومراقبة اللّه تعالى في جميع اللّحظات وأن يكون دائما على ذلك حتّى الممات ,
ويعرّفه أنّ بذلك تتفتّح عليها أبواب المعارف وينشرح صدره وتتفجّر من قلبه ينابيع الحكم
واللّطائف ويبارك له في حاله وعلمه ويوفّق للصابة في قوله وفعله وحكمه .
وينبغي أن يرغّبه في العلم ويذكّره بفضائله وفضائل العلماء وأنّهم ورثة النبياء صلوات
اللّه وسلمه عليهم .
وينبغي أن يحنو عليه ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه وولده ,وأن يصبر على
جفائه وسوء أدبه ,ويعذره في سوء أدبٍ وجفوةٍ تعرض منه في بعض الحيان فإنّ
النسان معرّض للنّقائص .
وينبغي أن يحبّ له ما يحب لنفسه من الخير ويكره له ما يكرهه لنفسه من الشّرّ ,ففي
الحديث « :ل يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لخيه ما يحب لنفسه » .
وينبغي أل يدّخر عن الطّلبة من أنواع العلم شيئا يحتاجون إليه إذا كان الطّالب أهلً لذلك
ول يلقي إليه شيئا لم يتأهّل له لئل يفسد عليه حاله ,فلو سأله المتعلّم عن ذلك لم يجبه
ويعرّفه أنّ ذلك يضره ول ينفعه وأنّه لم يمنعه ذلك شحا بل شفقةً ولطفا .
وينبغي أن يتفقّدهم ويسأل عمّن غاب منهم .
-وينبغي أن يكون باذلً وسعه في تفهيمهم وتقريب الفائدة إلى أذهانهم حريصا على 10
هدايتهم ويفهّم كلّ واحدٍ بحسب فهمه وحفظه فل يعطيه مال يحتمل ول يقصّر به عمّا
يحتمله بل مش ّقةٍ ,ويخاطب كلّ واحدٍ على قدر درجته وبحسب فهمه وهمّته فيكتفي
بالشارة لمن يفهمها فهما محقّقا ,ويوضّح العبارة لغيره ويكرّرها لمن ل يحفظها إل
بتكرار ويذكر الحكام موضّح ًة بالمثلة من غير دلي ٍل لمن ل ينحفظ له الدّليل ,فإن جهل
دليل بعضها ذكره له ويبيّن الدّليل الضّعيف لئل يغترّ به فيقول :استدلوا بكذا وهو ضعيف
لكذا ,ويبيّن الدّليل المعتمد ليعتمد .
وينبغي أن يطالب الطّلبة بإعادة محفوظاتهم ويسألهم عمّا ذكره لهم ,فمن وجده حافظا
أكرمه وأثنى عليه وأشاع ذلك ما لم يخف فساد حاله بإعجاب ونحوه ,ومن وجده مقصّرا
عنّفه إل أن يخاف تنفيره ويعيده له حتّى يحفظه حفظا راسخا ,وينصفهم في البحث
فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا ول يحسد أحدا منهم لكثرة تحصيله ,
فالحسد حرام للجانب وهنا أشد فإنّه بمنزلة الولد ,وفضيلته يعود إلى معلّمه منها نصيب
وافر فإنّه مربّيه ولـه في تعليمه وتخريجه في الخرة الثّواب الجزيل وفي الدنيا الدعاء
المستمر والثّناء الجميل ,ويتحرّى تفهيم الدروس بأيسر الطرق ويكرّر ما يشكل من
ن جميع الحاضرين يفهمونه بدون ذلك .
معانيه وألفاظه إل إذا وثق بأ ّ
-وينبغي للمعلّم أن ل يفعل شيئا يسكت به الطّلبة ,لنّ في إسكات الطّلبة وعدم 11
الستماع لسئلتهم إخمادا للعلم لنّه قد يكون بعض الطّلبة لم تظهر له المسألة ويريد أن
يبحث فيها حتّى تتبيّن له ,أو عنده سؤال وارد يريد أن يلقيه حتّى يزيل ما عنده فيسكت
إذ ذاك فيمنعه من المقصود .
وينبغي أن ل يسكت أحدا إل إذا خرج عن المقصود أو كان سؤاله وبحثه ممّا ل ينبغي
فيسكته العالم برفق ويرشده إلى ما هو أولى في حقّه من السكوت أو الكلم ,فكيف يقوم
على الطّلبة شخص سيّما إذا كان من العوا ّم النّافرين عن العلم فيؤذيهم ببذاءة لسانه
وزجره بعنف فيكون ذلك سببا إلى نفور العامّة أكثر سيّما ومن شأنهم النفور في الغالب
من العلم ,لنّه حاكم عليهم ,والنّفوس في الغالب تنفر من الحكم عليها ,فإذا رأى العوام
ذلك الفعل المذموم يفعل مع الطّلبة أمسكت العامّة عن السؤال عمّا يضطرون إليه في أمر
دينهم فيكون ذلك كتما للعلم واختصاصا به وشأن العالم سعة الصّدر وهو أوسع من أن
يضيق عن سؤال العامّة وجفاء بعضهم عليه إذ أنّه محلّ الكمال والفضائل وقد علم ما في
سعة الخلق من الثّناء في الكتاب والسنّة ومناقب العلماء ما ل يأخذه حصر ,قال تعالى { :
حوْلِكَ } .
ن َ
ب لَنفَضّواْ مِ ْ
ت َل ُهمْ وَ َلوْ كُنتَ َفظّا غَلِيظَ ا ْلقَلْ ِ
ن الّلهِ لِن َ
ح َمةٍ مّ َ
فَ ِبمَا َر ْ
-وينبغي له أن ل يترك الدّرس لعوارض تعرض له من جنازةٍ أو غيرها إن كان يأخذ 12
على الدّرس معلوما ,فإنّ الدّرس إذ ذاك واجب عليه ,وحضور الجنازة مندوب إليه ,
ن ال ّذمّة معمورة به ول شيء آكد ول أوجب من تخليص ال ّذمّة إذ
وفعل الواجب يتعيّن فإ ّ
تخليصها هو المقصود ثمّ بعد ذلك ينظر في الواجبات والمندوبات فلو حضر الجنازة وأبطل
الدّرس لجلها تعيّن عليه أن يسقط من المعلوم ما يخص ذلك ,بل لو كان الدّرس ليس له
معلوم لتعيّن على العالم الجلوس إليه ,إذ أنّه تمحّض للّه تعالى ,وكذلك ل يترك الدّرس
لجل مريضٍ يعوده أو ما أشبهه من التّعزية والتّهنئة المشروعة لنّ هذا كلّه مندوب
وإلقاء العلم متعيّن إن كان يأخذ عليه معلوما ,وقد يتعيّن عليه وإن لم يكن له معلوم .
-ومعلّم الصّبيان ينبغي له أن يتولّى تعليم الجميع بنفسه إن أمكنه ذلك ,فإن لم يمكنه 13
وتعذّر عليه فليأمر بعضهم أن يقرئ بعضا وذلك بحضرته وبين يديه ول يخلّي نظره عنهم
لنّه إذا غفل قد تقع منهم مفاسد جمّة لم تكن له في بالٍ لنّ عقولهم لم تتمّ ,ومن ليس له
عقل إذا غفلت عنه وقتا ما فسد أمره وتلف حاله في الغالب ,وينبغي له إذا وكّل بعضهم
ببعض أن ل يجعل صبيانا معلومين لشخص واحدٍ منهم بل يبدّل الصّبيان في كلّ وقتٍ على
العرفاء ,مرّةً يعطي صبيان هذا لهذا وصبيان هذا لهذا لنّه إذا كان لواحد صبيان
معلومون فقد تنشأ بينهم مفاسد بسبب الودّ ل يشعر بها ,فإذا فعل ما تقدّم ذكره سلم من
هذا المر ,ويفعل هو في نفسه مثل ذلك فيأخذ صبيانهم تار ًة ويدفع لهم آخرين فإن كان
الصّبيان كلهم صغارا فل ب ّد من مباشرة ذلك كلّه بنفسه ,فإن عجز عنه فليأخذ من
يستنيبه من الحفّاظ المأمونين شرعا بأجرة أو بغيرها .
-وينبغي أن يعلّمهم آداب الدّين كما يعلّمهم القرآن فمن ذلك أنّه إذا سمع الذان أمرهم 14
أن يتركوا كلّ ما هم فيه من قراء ٍة وكتابةٍ وغيرهما إذ ذاك ,فيعلّمهم السنّة في حكاية
المؤذّن ,والدعاء بعد الذان لنفسهم وللمسلمين ,لنّ دعاءهم مرجو الجابة سيما في
هذا الوقت الشريف ,ثم يعلمهم حكم الستبراء شيئا فشيئا ,وكذلك الوضوء والركوع ,
ل ولو مسألة واحدة في كل يوم أو يومين
والصلة وتوابعها ,ويأخذ لهم في ذلك قليلً قلي ً
,وليحذر أن يتركهم يشتغلون بعد الذان بغير أسباب الصلة ,بل يتركون كل ما هم فيه
ويشتغلون بذلك حتى يصلوا في جماعة .
وينبغي أن يكون وقت القراءة والتعليم معلوما حتى ينضبط الحال ول يختل النظام ,ومن
تخلف عن ذلك الوقت منهم لغير ضرورة شرعية قابله بما يليق به ,فرب صبي يكفيه
عبوسة وجهه عليه ,وآخر ل يرتدع إل بالكلم الغليظ والتهديد ,وآخر ل ينزجر إل
بالضرب والهانة كل على قدر حاله .
-وينبغي له أن ل يستقضي أحدا من الصبيان فيما يحتاج إليه إل أن يستأذن أباه في 15
ذلك ,ويأذن له عن طيب نفس منه ول يستقضي اليتيم منهم في حاجة بكل حال وليحذر
أن يرسل إلى بيته أحدا من الصبيان البالغين أو المراهقين فإن ذلك ذريعة إلى وقوع ما ل
ينبغي أو إلى سوء الظن بأهله ,ولن فيه خلوة الجنبي بالمرأة الجنبية وهو محرم ,فإن
سلموا من ذلك فل يخلو من الوقيعة في أعراضهم .
وينبغي له أن ل يضحك مع الصبيان ول يباسطهم لئل يفضي ذلك إلى الوقوع في عرضه
وعرضهم وإلى زوال حرمته عندهم إذ أن من شأن المؤدب أن تكون حرمته قائمة على
الصبيان ,بذلك مضت عادة الناس الذين يقتدى بهم فليهتد بهديهم .
ويجب عليه أن يعدل بينهم في محل التعليم وفي التعليم وفي صفة جلوسهم عنده ,ول
يجوز له تفضيل بعض على بعض في شيء من ذلك .
ويجوز له ترك تعليمهم في نحو الجمع والعياد لئل تسأم أنفسهم بدوام التعليم .
وأول من شرع التخفيف عن الولد في التعليم عمر بن الخطاب رضي ال عنهما فأمر
المعلم بالجلوس بعد صلة الصبح إلى الضحى العالي ومن صلة الظهر إلى صلة العصر
ويستريحون بقية النهار ،ثم شرع لهم الستراحة يومي الخميس والجمعة ودعا بالخير
لمن فعل ذلك .
-وينبغي أن يكون الصبيان عنده بمنزلة واحدة فل يفضل بعضهم على بعض ,فإن 16
الفقير وابن صاحب الدنيا على حد واحد في التربية والتعليم وكذلك من أعطاه ومن منعه إذ
بهذا يتبين صدق حاله فيما هو بصدده ,فإن كان يعلم من أعطاه أكثر ممن لم يعطه فذلك
دليل على كذبه في نيته ,بل يجب أن يكون من لم يعطه أرجى عنده ممن يعطيه ,لن من
لم يعطه تمحّض تعليمه ل تعالى بخلف من أعطاه فإنه قد يكون مشوبا بدسيسة ل تعلم
السلمة فيه معها ,والسلمة أولى ما يغتنم المرء فيغتنمها العاقل .
). 14 - 12 ( ر :تعلم وتعليم ف , 9وطلب العلم ف
ضمان المعلّم :
ي الّذي يقوم بتعليمه ضربا غير معتادٍ
-اتّفق الفقهاء على أنّ المعلّم لو ضرب الصّب ّ 17
مِ ْعيَار *
انظر :مقادير .
مُعِيد *
انظر :مدرّس .
مُغَابَنَة *
انظر :غبن .
مُغَالة *
التّعريف :
-المغالة في اللغة :المبالغة في الشّيء ,ومجاوزة الحدّ فيه . 1
يقال :غالى بالشّيء :اشتراه بثمن غالٍ ,ويقال :غاليت صداق المرأة :أي أغليته ,
ومنه قول عمر رضي ال عنه " :أل ل تغالوا في صدقات النّساء " ,وأصل الغلء :
الرتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شي ٍء .
ول يخرج المعنى في الصطلح عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
الرخص :
-الرخص في اللغة :ضد الغلء ,من رُخص الشّيء ُرخْصا فهو رخيص من باب 2
تحديد المهور ,نهى أن يزاد في الصّداق على أربعمائة درهمٍ ,وخطب النّاس فيه فقال :
أل ل تغالوا في صداق النّساء فإنّه ل يبلغني عن أحدٍ ساق أكثر من شي ٍء ساقه رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم أو سيق له إل جعلت فضل ذلك في بيت المال ثمّ نزل فعرضت له
امرأة من قريشٍ ،فقالت :يا أمير المؤمنين ،أكتاب اللّه أحق أن يتّبع أو قولك ؟ قال بل
كتاب اللّه ،فما ذاك ؟ قالت :نهيت النّاس آنفا أن يغالوا في صداق النّساء ،واللّه تعالى
يقول في كتابه { :وَآتَيْ ُتمْ ِإحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ َت ْأخُذُواْ مِ ْن ُه شَيْئا } فقال عمر رضي ال عنه
:كل أحدٍ أفقه من عمر ،مرّتين أو ثلثا ،ثمّ رجع إلى المنبر فقال للنّاس :إنّي كنت
نهيتكم أن تغالوا في صداق النّساء أل فليفعل رجل في ماله ما بدا له .
ومع ذلك فقد صرّح المالكيّة بكراهة المغالة في المهور ,بمعنى ما خرجت بها عن عادة
أمثالها .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يسن تخفيف الصّداق وعدم المغالة في المهور ,لقوله
ن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها
صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :
س رضي ال عنهما أ ّ
» .ولما روى ابن عبّا ٍ
خيرهنّ أيسرهنّ صداقا » ففي هذين الحديثين دليل على أفضليّة النّكاح مع قلّة المهر ,
ن المهر إذا كان قليلً لم يستصعب النّكاح
وأنّ الزّواج بمهر قلي ٍل مندوب ومرغوب إليه ،ل ّ
من يريده ,فيكثر الزّواج المرغوب فيه ,ويقدر عليه الفقراء ,ويكثر النّسل الّذي هو أهم
مطالب النّكاح ,بخلف ما إذا كان المهر كثيرا ,فإنّه ل يتمكّن منه إل أرباب الموال ,
فيكون الفقراء -الّذين هم الكثر في الغالب -غير مزوّجين ,فل تحصل المكاثرة الّتي
أرشد إليها النّبي صلى ال عليه وسلم .
وقال الشّافعي رضي ال عنه :والقتصاد في الصّداق أحب إلينا .
المغالة في الكفن :
-اتّفق الفقهاء على أنّه تكره المغالة في الكفن ,لما روى علي رضي ال عنه أنّ 4
ي صلى ال عليه وسلم قال « :ل تغالوا في الكفن فإنّه يُسلب سلبا سريعا » .
النّب ّ
قال ابن عابدين :المراد بالمغالة في الكفن الزّيادة على كفن المثل .
وقال النّووي :يستحب تحسين الكفن ,قال أصحابنا :والمراد بتحسينه بياضه ونظافته
وسبوغه وكثافته ل كونه ثمينا ,لحديث النّهي عن المغالة المتقدّم .
وقال القاضي حسين والبغوي :الثّوب الغسيل أفضل من الجديد ,ودليله حديث عائشة
ب كان يمرّض فيه ,فقال :
رضي اللّه عنها قالت :نظر أبو بكرٍ رضي ال عنه إلى ثو ٍ
ن هذا خلق ،قال :الحي أحق
اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفّنوني فيها ،قلت :إ ّ
بالجديد من الميّت .
وهذا كله يدل على رخص الكفن .
المغالة في العبادة :
-ينبغي أن يقتصد المسلم في طاعة اللّه ,وأن يكون وسطا بين الغلوّ والتّفريط في 5
مَ ْغرُور *
انظر :غرر .
مغَ ْلصَمة *
انظر :ذبائح .
مُفَاخَذَة *
التّعريف :
-المفاخذة في اللغة :مفاعلة ،يقال :فاخذ المرأة مفاخذةً :إذا جلس بين فخذيها أو 1
أن يكون الشّخص عامدا ,عالما بالحكم ,وأن تكون المفاخذة بشهوة وبل حائلٍ ,ولو كان
بعد التّحلل الوّل ,أنزل أو لم ينزل .
وأمّا الموجب فإن كانت المفاخذة قبل التّحلل الوّل في الحجّ وقبل الحلق في العمرة ففيها
الفدية ,ول يفسد النسك بها مطلقا وإن أنزل ,ومتى انتفى شرط من ذلك فل حرمة ول
فدية .
وأمّا جمهور الفقهاء فلم ينصوا على المفاخذة إل أنّهم قالوا :يجب على المحرم أن يتجنّب
مقدّمات الجماع ودواعيه من التّقبيل ,واللّمس بشهوة ,والمباشرة .
أثر المفاخذة في الصّوم :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ المفاخذة في نهار رمضان تبطل صوم الصّائم إن أنزل وعليه 4
مُفَارَقة *
التّعريف :
-المفارقة في اللغة :مصدر الفعل فارق ومادّته :فرّق ,يقال :فرّق بين الشّيئين فرقا 1
وفرقانا :إذا فصل وميّز أحدهما عن الخر وفارقه مفارقةً وفرقا :باعده ,وتفارق القوم :
فارق بعضهم بعضا ,وفارق فلن امرأته مفارقةً :باينها ,والتّفرق والفتراق سواء ,
وفي الحديث « :البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا » .
والفراق :الفرقة وأكثر ما تكون بالبدان ,ويكون بالقوال مجازا .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المتاركة :
-المتاركة في اللغة :يقال :ترك الشّيء :خله ,وتركت الشّيء :خلّيته ,وتاركته 2
البيع متارك ًة أي صالحته على تركه ,وتركت الرّجل :فارقت ثمّ استعير للسقاط في
المعاني فقيل :ترك حقّه إذا أسقطه ,وترك ركعةً من الصّلة :إذا لم يأت بها .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
وعلى هذا فالمتاركة أعم من المفارقة .
ب -المجاوزة :
-المجاوزة في اللغة :يقال جاوزت الموضع جوازا ومجاوزةً بمعنى جزته ,وجاوزت 3
الشّيء إلى غيره وتجاوزته تعدّيته ,وتجاوزت عن المسيء :عفوت عنه .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
والمجاوزة أعم من المفارقة .
الحكام المتعلّقة بالمفارقة :
تتعلّق بالمفارقة أحكام منها :
أ ّولً :المفارقة في العبادات :
المفارقة في صلة الجماعة :
المراد بالمفارقة في صلة الجماعة ترك أحد المصلّين صلة الجماعة ,وهذه المفارقة قد
تكون ممتنعةً ,وقد تكون جائزةً ,وقد تكون واجبةً ,وبيان ذلك فيما يلي :
امتناع مفارقة المأموم صلة الجماعة بدون عذرٍ :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في القديم إلى أنّه ل يجوز أن يفارق 4
المقتدي إمامه بدون عذرٍ فل ينتقل من في جماع ٍة إلى النفراد ,لنّ المأموميّة تلزم
بالشروع ,وإن لم تجب ابتدا ًء كما يقول المالكيّة ,لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :
إنّما جعل المام ليؤتمّ به فل تختلفوا عليه » ,ولنّه ترك متابعة إمامه وانتقل من العلى
للدنى بغير عذ ٍر أشبه ما لو نقلها إلى النّفل .
وإذا انتقل المأموم من الجماعة إلى النفراد بدون عذ ٍر بطلت صلته عند الحنفيّة والمالكيّة
وفي أصحّ الرّوايتين عند الحنابلة وفي القول القديم للشّافعيّة ,لنّه من ترك المتابعة بغير
عذرٍ أشبه ما لو تركها من غير نيّة المفارقة .
ولنّه كما يقول الشّافعيّة في القديم التزم القدوة في كلّ صلته وفيه إبطال العمل ,وقد قال
عمَا َلكُمْ } .
اللّه تعالى { :وََل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
والمذهب عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة أنّ الصّلة صحيحة لكن مع الكراهة
عند الشّافعيّة -أي كراهة المفارقة , -واستدلّ الشّافعيّة على صحّة صلة المأموم مع
ن صلة الجماعة إمّا سنّة على قولٍ والسنن ل تلزم بالشروع إل في الحجّ
المفارقة بأ ّ
والعمرة ,وإمّا فرض كفايةٍ على الصّحيح فكذلك إل في الجهاد وصلة الجنازة والحجّ
ي صلى ال عليه وسلم في ذات الرّقاع ,وعلّل
ن الفرقة الولى فارقت النّب ّ
والعمرة ,ول ّ
ن المنفرد لو نوى كونه مأموما لصحّ في روايةٍ
صحّة -كما قال ابن قدامة -بأ ّ
الحنابلة ال ّ
.فنيّة النفراد أولى ,فإنّ المأموم قد يصير منفردا بغير ن ّيةٍ وهو المسبوق إذا سلّم إمامه
,وغيره ل يصير مأموما بغير ن ّيةٍ بحال .
جواز مفارقة المأموم صلة الجماعة بعذر :
-ذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّه يجوز للمأموم أن 5
يفارق صلة الجماعة وينوي النفراد إذا كان ذلك لعذر ,ولم يجز الحنفيّة المفارقة مطلقا
ولو بعذر .
واستدلّ القائلون بجواز المفارقة بما رواه جابر رضي ال عنه قال « :كان معاذ بن جبلٍ
ي صلى ال عليه وسلم العشاء ثمّ يرجع إلى قومه بني سلمة فيصلّيها بهم ،
يصلّي مع النّب ّ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أخّر العشاء ذات ليلةٍ فصلها معاذ معه ثمّ رجع فأمّ
وأ ّ
قومه ،فافتتح بسورة البقرة فتنحّى رجل من خلفه فصلّى وحده فلمّا انصرف قالوا :نافقت
يا فلن ،فقال :ما نافقت ولكنّي آتي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأخبره ،فأتى النّبيّ
صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه إنّك أخّرت العشاء البارحة وإنّ معاذا صلها
معك ثمّ رجع فأمّنا فافتتح سورة البقرة فتنحّيت فصلّيت وحدي وإنّما نحن أهل نواضح
نعمل بأيدينا ،فالتفت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى معا ٍذ فقال :أفتّان أنت يا معاذ ؟
أفتّان أنت ؟ اقرأ بسبّح اسم ربّك العلى ،والسّماء والطّارق ،والسّماء ذات البروج ،
والشّمس وضحاها ،واللّيل إذا يغشى ونحوها » ,ولم يأمر النّبي صلى ال عليه وسلم
الرّجل بالعادة ول أنكر عليه فعله .
غير أنّهم اختلفوا في العذار الّتي تجوز معها المفارقة ,فمن العذار الّتي تجيز مفارقة
المام تطويل المام في الصّلة طولً ل يصبر معه المأموم لضعف أو شغلٍ ففي هذه الحالة
يجوز للمأموم أن يفارق المام وينوي النفراد ويتمّ صلته منفردا لما سبق في قصّة معاذٍ
رضي اللّه تعالى عنه .
وهذا العذر متّفق عليه بين المالكيّة والحنابلة وفي الصّحيح عند الشّافعيّة .
وزاد الشّافعيّة من العذار الّتي يجوز للمأموم أن يفارق إمامه في الصّلة أن يترك المام
س ّن ًة مقصودةً كالتّشهد الوّل أو القنوت فله فراقه ليأتي بتلك السنّة .
واعتبر إمام الحرمين أنّ العذار الّتي يجوز معها ترك الجماعة ابتدا ًء تجوز معها المفارقة
أثناء الصّلة .
وقال الحنابلة :من أحرم مأموما ثمّ نوى النفراد لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمامٍ
س أو غلبة شي ٍء يفسد صلته كمدافعة أحد الخبثين أو خوفٍ على
وكمرض وكغلبة نعا ٍ
أه ٍل أو مالٍ أو خوف فوت رفقةٍ أو خرج من الصّفّ مغلوبا لشدّة زحامٍ ولم يجد من يقف
ح انفراده فيتم صلته منفردا لحديث جابرٍ رضي اللّه تعالى
معه ونحو ذلك من العذار ص ّ
عنه في قصّة معاذٍ رضي اللّه تعالى عنه ،قالوا :ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد
من فارق لتدارك شي ٍء يخشى فواته أو غلبة نعاسٍ أو خوف ضر ٍر ونحوه بمفارقة إمامه
تعجيل لحوقه قبل فراغ إمامه من صلته ليحصل مقصوده من المفارقة فإن كان المام
يعجل ول يتميّز انفراده عنه بنوع تعجيلٍ لم يجز له النفراد لعدم الفائدة فيه ,وأمّا من
ن عذره خوف الفساد بالفَذّية وذلك ل
عذره الخروج من الصّفّ فله المفارقة مطلقا ل ّ
يتدارك بالسرعة ,وفصّل الحنابلة فيما إذا نوى المأموم المفارقة فقالوا :وإذا فارق
المأموم المام لعذر ممّا تقدّم في قيامٍ قبل قراءة المام الفاتحة قرأ المأموم لنفسه
لصيرورته منفردا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة المام ,وإن فارقه بعد قراءة
الفاتحة فله الركوع في الحال لنّ قراءة المام قراءة للمأموم ,وإن فارقه في أثناء
القراءة فإنّه يكمّل ما بقي من الفاتحة .
وإن كان في صلة س ّر كظهر وعصرٍ ,أو في الخيرتين من العشاء مثلً وفارق المام
ن مقام اليقين ,
ن إمامه قرأ لم يقرأ ,أي لم تلزمه القراءة إقامةً للظّ ّ
لعذر بعد قيامه وظنّ أ ّ
قال البهوتي :الحتياط القراءة .
وجوب المفارقة :
من الحوال الّتي يجب فيها على المأموم مفارقة صلة الجماعة ما يلي :
أ -انحراف المام عن القبلة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا انحرف المام عن القبلة فإنّه يجب على المأموم 6
أو بدنه نجاسةً أو تبيّن أنّ المام محدث أو جنب فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم
صلته منفردا بانيا على ما صلّى مع المام ,وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة في الجملة .
قال المالكيّة :إن علم المأموم حدث إمامه في الصّلة ولم يستمرّ معه بل فارقه وصلّى
لنفسه منفردا أو مستخلفا فتصح للمأمومين ,ومفهومه أنّه لو علم بحدث إمامه في
الصّلة واستمرّ معه بطلت عليهم .
وقالوا :لو رأى المأموم نجاسةً على إمامه وأراه إيّاها فورا واستخلف المام من حين ذلك
فتبطل صلة المام دون المأمومين واختار ابن ناجي البطلن للجميع ,وقال الشّافعيّة :إن
استم ّر المأموم في هذه الحالة على المتابعة لحظةً أو لم ينو المفارقة بطلت صلته بالتّفاق
-أي اتّفاق فقهاء الشّافعيّة -لنّه صلّى بعض صلته خلف محدثٍ مع علمه بحدثه ,
وممّن صرّح ببطلن صلته إذا لم ينو المفارقة ولم يتابعه في الفعال الشّيخ أبو حامدٍ
والقاضي أبو الطّيّب في تعليقهما والمحاملي وخلئق من كبار الصحاب ,وسواء كان
المام عالما بحدث نفسه أم ل ,لنّه ل تفريط من المأموم في الحالين ,وهذا هو المذهب
وبه قطع الجمهور كما قال النّووي .
وقال الشّافعيّة أيضا :لو كان المأموم قارئا وكان المام أمّيا ,أو كان المام قد قام إلى
ركعةٍ خامسةٍ أو أتى المام بمنافٍ غير ذلك فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم صلته
منفردا بانيا على ما صلّى مع المام .
ن التّنحنح إن ظهر منه حرفان يبطل الصّلة ,واختلفوا فيما لو
والصح عند الشّافعيّة أ ّ
تنحنح المام فبان منه حرفان هل يجب على المأموم مفارقته أم ل ؟ فالمذهب أنّه ل يفارقه
ن الظّاهر تحرز المام عن المبطل والصل بقاء العبادة ,لكن قال
ل على العذر ,ل ّ
حم ً
السبكي :إن دلّت قرينة حال المام على خلف ذلك وجبت المفارقة ,ولو لحن المام في
الفاتحة لحنا يغيّر المعنى وجبت مفارقته ,كما لو ترك واجبا ,ولكن هل يفارقه في الحال
أو حتّى يركع لجواز أنّه لحن ساهيا ,وقد يتذكّر فيعيد الفاتحة ؟ القرب الوّل -أي
المفارقة في الحال -لنّه ل يجوز متابعته في فعل السّهو كما قال الزّركشي وقال الخطيب
الشّربيني :بل القرب الثّاني -أي ل يفارقه حتّى يركع -لنّ إمامه لو سجد قبل ركوعه
لم تجب مفارقته في الحال .
ول تصح الصّلة وراء السّكران لنّه محدث ,قال الشّافعي والصحاب :فإن شرب الخمر
وغسل فاه وما أصابه وصلّى قبل أن يسكر صحّت صلته والقتداء به ,فلو سكر في أثناء
الصّلة بطلت صلته ويجب على المأموم مفارقته ويبني على صلته ,فإن لم يفارقه وتابع
معه بطلت صلته .
وقال ابن عقي ٍل من الحنابلة :إن عجز المام عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلة صحّت
صلة المّيّ خلفه لمساواته له ,أمّا القارئ فإنّه يفارق المام للعذر ويتم لنفسه لنّه ل
ي ,ولكن قال الموفّق :الصّحيح أنّه إذا لم يقدر على قراءة
يصح ائتمام القارئ بالمّ ّ
ح صلته لعموم قوله :صلى
الفاتحة تفسد صلته لنّه قادر على الصّلة بقراءتها فلم تص ّ
ال عليه وسلم « :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ,وإن استخلف المام الّذي عجز
عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلة من يتم بهم صلتهم وصلّى معهم جاز .
وقال الحنابلة :إذا قام المام لركعة زائد ٍة ونبّهه المأمومون فلم يرجع وجبت مفارقته
وبطلت صلته لتعمده ترك ما وجب عليه ,ويسلّم المأموم المفارق لمامه بعد قيامه لزائدة
وتنبيهه وإبائه الرجوع وذلك إذا أتمّ التّشهد الخير .
أمّا إن ترك المام التّشهد الوّل مع الجلوس له وقام لزم رجوعه إذا لم يستتمّ قائما ,فإن
استتمّ قائما كره رجوعه ,ويحرم رجوعه إن شرع في القراءة أمّا المأموم فالمتّجه أن
يفارق إمامه ويتمّ صلته لنفسه ويسلّم على قو ٍل ,والمنصوص أنّ المأموم إذا سبّح
لمامه قبل أن يعتدل فلم يرجع تشهّد لنفسه وتبعه .
ف من صفوفها سواء كان وراء المام أو
وقال الحنابلة :ل تبطل صلة الجماعة بقطع ص ّ
عن يمينه لكن لو كان الصّف الّذي انقطع عن يسار المام و َبعُد بقدر مقام ثلثة رجالٍ
فتبطل صلة هذا الصّفّ المنقطع وهذا ما لم تنو الطّائفة المنقطعة مفارقة المام ,فإن نوت
مفارقته صحّت صلتها .
المفارقة في صلة الجمعة :
-أجاز الشّافعيّة والحنابلة للمأموم أن يفارق الجماعة في الرّكعة الثّانية من صلة 8
الجمعة .
جاء في مغني المحتاج :ل يجوز قطع الجماعة في الرّكعة الولى من صلة الجمعة ,لنّ
الجماعة في الرّكعة الولى منها شرط وأمّا في الرّكعة الثّانية فليست بشرط فيها خلفا لما
في الكفاية من عدم الجواز ,ولو تعطّلت الجماعة بخروجه وقلنا بأنّها فرض كفايةٍ فينبغي
كما قاله بعض المتأخّرين عدم الخروج منها ,لنّ فرض الكفاية إذا انحصر في شخصٍ
تعيّن عليه .
وفي المجموع :إذا صلّى المأموم ركع ًة من صلة الجمعة ثمّ فارق إمامه بعذر أو بغيره
وقلنا ل تبطل صلته بالمفارقة أتمّها جمعةً كما لو أحدث المام وهذا ل خلف فيه .
وقال الحنابلة :إن فارق المأموم الجماعة لعذر في الرّكعة الثّانية من صلة الجمعة وقد
ن الجمعة تدرك بركعة ,وقد أدركها مع
أدرك الرّكعة الولى مع المام فإنّه يتمها جمعةً ,ل ّ
المام ,فإن فارقه في الرّكعة الولى من الجمعة فكمزحوم فيها حتّى تفوته ركعتان فيتمّها
ل ثمّ يصلّي الظهر .
نف ً
وقال المالكيّة :ل يجوز النفراد في صلة الجمعة لنّ الجماعة شرط فيها .
شرط مفارقة البنيان في قصر صلة المسافر :
-يجوز للمسافر قصر الصّلة الرباعيّة ,لكن يشترط للتّرخص برخصة القصر أن يفارق 9
المسافر محلّ إقامته ويتحقّق ذلك بمفارقته بيوت المكان الّذي يخرج منه وتوابع البيوت
أيضا .
وذلك لما روى أنس رضي ال تعالى عنه قال « :صلّيت مع رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصلّيت معه العصر بذي الحليفة ركعتين » ,وروي عن عليّ
رضي ال عنه أنّه لمّا خرج إلى البصرة رأى خصا أمامه فقال :لول هذا الخص لصلّينا
ركعتين .
). 22 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :صلة المسافر ف
المفارقة في صلة الخوف :
ن المام يفرّق الجيش فرقتين ,فرقة تجعل في مواجهة
-من صور صلة الخوف أ ّ 10
العدوّ ,ويصلّي المام بالفرقة الثّانية من الجيش فإذا قام المام إلى الرّكعة الثّانية في
الثنائيّة وإلى الرّكعة الثّالثة في الثلثيّة أو الرباعيّة فارقه المأمومون ول يتابعونه بل
يتمون الصّلة لنفسهم ثمّ يذهبون إلى وجه العدوّ وتأتي الفرقة الحارسة فيصلّي بهم المام
ما بقي من صلته فإذا جلس للتّشهد قاموا وأتموا صلتهم والمام ينتظرهم ليسلّم بهم .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :صلة الخوف ف . ) 6
شرط مفارقة البنيان في فطر المسافر :
-اتّفق الفقهاء على أنّ المسافر الّذي يريد التّرخص برخصة الفطر في رمضان ل 11
يجوز له الفطر إل بعد مفارقة عمران البلد الّذي يسافر منه .
كما اتّفقوا على أنّه لو سافر وفارق عمران البلد قبل الفجر جاز له الفطر في هذا اليوم .
ولكنّهم اختلفوا فيما لو سافر وفارق عمران البلد بعد الفجر هل يجوز له الفطر في ذلك
اليوم أم ل ؟
فذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو مذهب الشّافعيّ المعروف من نصوصه كما قال النّووي وهو
رواية عن المام أحمد إلى أنّ من سافر وفارق العمران بعد طلوع الفجر ل يجوز له الفطر
ي لنّ الصّوم عبادة
في ذلك اليوم ,وهو قول مكحولٍ والزهريّ ويحيى النصاريّ والوزاع ّ
تختلف بالسّفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر ويعتبر في هذا اليوم مقيما
فلزمه الصّوم فل يبطله باختباره ولذلك لو جامع فيه فعليه القضاء والكفّارة .
والرّواية الثّانية عن المام أحمد أنّ له أن يفطر في ذلك اليوم وهو قول عمرو بن شرحبيل
والشّعبيّ وإسحاق وابن المنذر لما روى عبيد بن جبي ٍر قال :كنت مع أبي بصرة الغفاريّ
صاحب النّبيّ صلى ال عليه وسلم في سفينةٍ من الفسطاط في رمضان فرفع ثمّ قرّب غداه
قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتّى دعا بالسفرة ثمّ قال :اقترب ،قلت :ألست
ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ -قال
جعفر في حديثه -فأكل .
ل واستم ّر في النّهار لباح الفطر فإذا وجد في أثنائه أباحه .
ى لو وجد لي ً
ن السّفر معن ً
ول ّ
ثانيا :المفارقة في العقود :
أثر المفارقة في لزوم العقد :
لمفارقة المتعاقدين أثر في لزوم بعض العقود ومن ذلك :
مفارقة المتبايعين مجلس العقد :
-من أسباب لزوم البيع بعد انعقاده باليجاب والقبول أحد أمرين :إمّا التّخاير ,وهو 12
أن يخيّر أحد المتبايعين صاحبه في إمضاء العقد أو إبطاله ,وأمّا مفارقة المتبايعين أو
أحدهما مجلس العقد ,وكلمنا هنا في المفارقة إذا لم يوجد التّخاير ,فمفارقة المتبايعين
ن عقد البيع يكون جائزا ويثبت
مجلس العقد من أسباب لزوم العقد ,أمّا قبل المفارقة فإ ّ
لكلّ واحدٍ من المتبايعين الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس ولم يفترقا وهذا ما
ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة ويسمّى الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس :خيار
المجلس .
قال ابن قدامة :يقع البيع جائزا ,ولكلّ من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما داما
مجتمعين لم يتفرّقا ,وهو قول أكثر أهل العلم ,يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن
عبّاسٍ وأبي هريرة وأبي برزة رضي ال عنهم ,وبه قال سعيد بن المسيّب وشريح
والشّعبي وعطاء وطاوس والزهري والوزاعي وابن أبي ذئبٍ والشّافعي وإسحاق وأبو
عبي ٍد وأبو ثو ٍر واستد ّل الشّافعيّة والحنابلة بما رواه ابن عمر رضي ال تعالى عنهما عن
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا تبايع الرّجلن فكل واحدٍ منهما بالخيار ما
لم يتفرّقا وكانا جميعا أو يخيّر أحدهما الخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ،وإن تفرّقا
بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع » .
حكم مفارقة المتبايعين :
-اختلف الشّافعيّة والحنابلة في حكم مفارقة المتبايعين أو أحدهما مجلس العقد وسبب 13
باختلف مكان العقد ويعتبر في ذلك العرف ,فما يعده النّاس تفرقا يلزم به العقد وما ل فل
ن ما ليس له حد شرعا ول لغةً يرجع فيه إلى العرف فإن كانا في دارٍ كبيرةٍ فبالخروج
لّ
من البيت إلى الصّحن أو من الصّحن إلى الصفّة أو البيت ,وإن كانا في سوقٍ أو صحراء
ت متفاحش السّعة فبأن يولّي أحدهما الخر ظهره ويمشي قليلً .
أو في بي ٍ
قال الشّربيني الخطيب ولو لم يبعد عن سماع خطابه ,وقال البهوتي :ولو لم يبعد عنه
بحيث ل يسمع كلمه في العادة خلفا للقناع .
وإن كانا في سفينةٍ أو دا ٍر صغيرةٍ أو مسج ٍد صغيرٍ فبخروج أحدهما منه أو صعوده السّطح
ق.
ول يحصل التّفرق بإقامة سترٍ ولو ببناء جدارٍ بينهما ,لنّ المجلس با ٍ
وقيل ل تكون المفارقة إل بأن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلّمه على العادة من غير رفع
الصّوت لم يسمع كلمه وهو ما ذهب إليه الصطخريّ والشّيرازي والقاضي أبو الطّيّب من
الشّافعيّة ,قال النّووي :والمذهب الوّل وبه قطع الجمهور -أي جمهور الشّافعيّة -
ونقله المتولّي والروياني عن جميع الصحاب سوى الصطخريّ واستدلّ لذلك بما ورد عن
ابن عمر فقد قال نافع :كان ابن عمر إذا بايع رجلً فأراد أن ل يقيله قام فمشى هنيّة ثمّ
رجع إليه .
وسئل المام أحمد عن تفرقة البدان فقال :إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا فقد تفرّقا .
قال النّووي :وحكى القاضي أبو الطّيّب والروياني وجها أنّه يكفي أن يولّيه ظهره ,ونقله
الروياني عن ظاهر النّصّ لكنّه مؤوّل .
ولو فارق أحدهما مجلسه دون الخر لم ينقطع خيار الخر خلفا لبعض المتأخّرين ,وقال
البهوتي :وإذا فارق أحدهما صاحبه لزم البيع سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد
حاجةً أخرى لحديث ابن عمر السّابق .
واختلف في الكراه على المفارقة هل يبطل به الخيار ويلزم البيع أم ل ؟ قال ابن قدامة :
إن فارق أحدهما الخر مكرها احتمل بطلن الخيار لوجود غايته وهو التّفرق ,ولنّه ل
يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه .
وقال الشّافعيّة والقاضي في الحنابلة :ل ينقطع الخيار ,لنّه حكم علّق على التّفرق فلم
يثبت مع الكراه ,فعلى قول من ل يرى انقطاع الخيار إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه
انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في
المجلس الّذي يزول عنه فيه الكراه حتّى يفارقه ,وإن أكرها جميعا على المفارقة انقطع
خيارهما ,لنّ كلّ واحدٍ منهما ينقطع خياره بفرقة الخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه
دونه .
ومن صور الكراه ما لو تفرّقا مع فزعٍ من مخوفٍ كسبع أو ظال ٍم خشياه فهربا منه أو
ن فعل المكره
تفرّقا مع إلجا ٍء كتفرق بسيل أو نا ٍر أو نحوهما أو تفرّقا مع حملٍ لهما ل ّ
س زال فيه إكراه أو إلجاء .
والملجأ كعدمه فيستمر خيارهما إلى أن يتفرّقا من مجل ٍ
وقال الشّافعيّة فيما نقله النّووي :لو هرب أحد العاقدين ولم يتبعه الخر فقد أطلق
الكثرون أنّه ينقطع خيارهما ,وجزم به الفوراني والمتولّي وصاحبا العدّة والبيان وغيرهم
,وقال البغويّ والرّافعي :إن لم يتبعه الخر مع التّمكن بطل خيارهما ,وإن لم يتمكّن بطل
خيار الهارب دون الخر ,قال النّووي :والصّحيح ما قدّمناه عن الكثرين ,لنّه متمكّن
من الفسخ بالقول ولنّه فارقه باختباره فأشبه إذا مشى على العادة ,فلو هرب وتبعه الخر
يدوم الخيار ما داما متقاربين ,فإن تباعدا بحيث يعد فرق ًة بطل اختيارهما .
وقال الحنابلة :إن هرب أحد المتبايعين من صاحبه ,بطل خيارهما ولزم العقد لنّه فارقه
باختياره ول يقف لزوم العقد على رضاهما .
وأمّا أثر المفارقة بالموت أو الجنون ونحوه ففي إبطال خيار المجلس به خلف ينظر
). 13 تفصيله في مصطلح ( :خيار المجلس ف
ولو تنازع العاقدان في التّفرق بأن جاءا معا وقال أحدهما :تفرّقنا ,وأنكر الخر صدّق
النّافي بيمينه .
ولو اتّفقا على حصول التّفرق وتنازعا في الفسخ قبل التّفرق فقال أحدهما فسخت البيع قبل
ن الصل دوام الجتماع وعدم الفسخ ولو اتّفقا
التّفرق وأنكر الخر صدق النّافي بيمينه ل ّ
على عدم التّفرق وادّعى أحدهما الفسخ فدعواه الفسخ فسخ .
وما سبق من اعتبار المفارقة إنّما هو فيما إذا تولّى عقد البيع طرفان أمّا إذا تولّى العقد
شخص واحد كالب يبيع ماله لولده أو يبيع مال ولده لنفسه فهل ل ب ّد من ثبوت الخيار
واعتبار المفارقة سببا للزوم العقد أم ل ؟
للشّافعيّة والحنابلة في ذلك رأيان الوّل :ثبوت الخيار قال النّووي :أصحهما ثبوته فعلى
هذا يثبت خيار للولد وخيار للب ويكون الب نائب الولد ,فإن ألزم البيع لنفسه وللولد
لزم ,وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد فإذا فارق المجلس لزم العقد على الصحّ من
ي وهذا قول أبي إسحاق المروزيّ وهو المذهب .
الوجهين عند الشّافعيّة ,قال الماورد ّ
والرّأي الثّاني وهو الصّحيح من المذهب عند الحنابلة ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة :ل
يلزم -أي البيع -إل باللزام ,لنّه ل يفارق نفسه وإن فارق المجلس ,قال الماورديّ :
وهذا قول جمهور أصحابنا ,قال :وعلى هذا ل ينقطع الخيار إل بأن يختار الب لنفسه
وللولد ,فإن لم يختر ثبت الخيار للولد إذا بلغ .
وقال البغويّ :ولو كان العقد بينه وبين ولده صرفا ففارق المجلس قبل القبض بطل العقد
على الوجه الوّل ول يبطل على الثّاني إل بالتّخاير .
اعتبار المفارقة في العقود الخرى :
-كما تعتبر مفارقة مجلس العقد سببا للزوم البيع فإنّها تعتبر سببا للزوم بعض العقود 15
الخرى الّتي يثبت فيها خيار المجلس وهي عند الشّافعيّة والحنابلة :الصّرف ,وبيع
ربوي من مكيلٍ وموزونٍ بجنسه كبرّ بب ّر ونحوه ,والسّلم ,وصلح المعاوضة ،وزاد
الشّافعيّة :التّولية ,والتّشريك ,وزاد الحنابلة الهبة الّتي فيها عوض معلوم ,والجارة .
ن موضوع الخيار النّظر في الحظّ وهو موجود هنا ,وينظر تفصيل
وذلك لعموم الخيرة ول ّ
هذه العقود في مصطلحاتها .
المفارقة في النّكاح :
تقع المفارقة في النّكاح لسباب منها :
أوّلً :الجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ :
ت واحدٍ لقول اللّه
-ل يجوز للمسلم الح ّر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ في وق ٍ 16
بين امرأةٍ وعمّتها أو امرأةٍ وخالتها ,فإن كان في عقدٍ واحدٍ بطل نكاحهما وإن كانا في
عقدين بطل نكاح الثّانية .
). 23 والتّفصيل في مصطلح ( :محرّمات النّكاح ف
ن كأختين وأسلمن معه فقد
أمّا من كان كافرا وأسلم وكان متزوّجا بمن يحرم الجمع بينه ّ
ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب عليه أن يختار واحدة
ويفارق الخرى وسواء أكان تزوجهما بعقد واحد أو بعقدين وسواء أكان دخل بهما أو
ي « :قال :قلت :يا رسول ال ,إني أسلمت
دخل بإحداهما وذلك لحديث فيروز الدّيلم ّ
وتحتي أختان فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :طلق أيتهما شئت » .
ولن المبقاة يجوز له ابتداء نكاحها فجاز له استدامته كغيرها ,ولن أنكحة الكفار صحيحة
وإنما حرم الجمع وقد أزاله ,ول مهر للمفارقة منهما قبل الدخول ,وهكذا الحكم في
المرأة وعمتها أو خالتها لن المعنى في الجميع واحد ,قال ابن قدامة :إن كان دخل بهما
واختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة المفارقة .
وهذا ما ذهب إليه أيضا محمد بن الحسن من الحنفية واستدل بحديث فيروز السابق ,قال
:لقد خيره الرسول صلى ال عليه وسلم ولم يستفسر أن نكاحهن كان دفعة واحدة أو على
الترتيب ولو كان الحكم يختلف لستفسر فدل على أن حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقا .
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف :إن كان تزوج الختين في عقدة واحدة فيجب عليه
مفارقتهما لن نكاح واحدة منهما جعل جمعا إذ ليست إحداهما بأولى من الخرى والسلم
يمنع من ذلك ول مانع من التفريق فيفرق ,وإن كان تزوجهما في عقدين فنكاح الولى
وقع صحيحا إذ ل مانع من الصحة وبطل نكاح الثانية لحصوله جمعا فل بد من التفريق
بعد السلم قال :والنبي صلى ال عليه وسلم قال لفيروز « :طلق أيتهما شئت » ومعلوم
أن الطلق إنما يكون في النكاح الصحيح فدل أن ذلك العقد وقع صحيحا في الصل فدل أنه
كان قبل تحريم الجمع ول كلم فيه .
ثالثا :السّلم بعد المفارقة :
ن ثمّ فارقه
-قال النّووي :البدء بالسّلم سنّة مؤكّدة ومن السنّة أنّ من سلّم على إنسا ٍ 19
ب أو حال بينهم شيء ثمّ اجتمعا فالسنّة أن يسلّم عليه ,وهكذا لو تكرّر
ثمّ لقيه على قر ٍ
ذلك ثالثا ورابعا وأكثر سلّم عند كلّ لقاءٍ وإن قرب الزّمان ,قال :اتّفق عليه أصحابنا
لحديث أبي هريرة في قصّة المسيء صلته « :أنّه صلّى في جانب المسجد ثمّ جاء فسلّم
ي صلى ال عليه وسلم فردّ عليه السّلم ثمّ قال ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ فرجع
على النّب ّ
ي صلى ال عليه وسلم حتّى فعل ذلك ثلث مرّاتٍ » .
فصلّى ،ثمّ جاء فسلّم على النّب ّ
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا لقي
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ
أحدكم أخاه فليسلّم ،عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثمّ لقيه فليسلّم عليه »
.وعن أنسٍ رضي ال تعالى عنه قال « :كان أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
يتماشون ،فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرّقوا يمينا وشما ًل ثمّ التقوا من ورائها سلّم
بعضهم على بعضٍ » .
ومن السنّة إذا قام شخص من المجلس وأراد فراق الجالسين أن يسلّم عليهم .
). 25 وتفصيل هذه المسألة في ( :مصطلح سلم ف
رابعا :مفارقة جماعة المسلمين :
-اتّفق الفقهاء على أنّه يجب طاعة المام العادل ويحرم الخروج عليه ,أمّا غير 20
وذلك للحاجة من معامل ٍة أو حرف ٍة أو إقرا ٍء أو غير ذلك إذا لم يكن في ذلك ضرر للغير ,
ن من هذه الماكن ثمّ فارقه ثمّ عاد إليه فهل يكون
وهذا باتّفاق ,لكن إذا جلس أحد في مكا ٍ
أحقّ به ؟ للفقهاء في ذلك تفصيل بيانه في مصطلح ( :مجلس ف , 7وارتفاق , 9 - 8
). 13 - 9 وطريق ف
مُفْتِي *
انظر :فتوى .
مَ ْفسَدَة *
انظر :سد الذّرائع .
مُفِصّل *
التّعريف :
-المفصّل -بفتح الصّاد المشدّدة -هو السبع السّابع أو الخير من القرآن الكريم , 1
وهو ما يلي المثاني من قصار السور ,سمّي به لكثرة الفصول بين سوره بالبسملة أو
لقلّة المنسوخ فيه ولهذا يسمّى بالمحكم أيضا كما ورد عن سعيد بن جبي ٍر قال :إنّ الّذي
تدعونه المفصّل هو المحكم .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الطول :
-قال الزّركشي :السّبع الطول أوّلها البقرة وآخرها براءة ،لنّهم كانوا يعدون النفال 2
و براءة سورة واحدة ,ولذلك لم يفصلوا بينهما ,لنّهما نزلتا جميعا في مغازي رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم ,وسمّي طولً :لطولها .
وحكي عن سعيد بن جبي ٍر رحمه ال :أنّه عدّ السّبع الطول :البقرة وآل عمران ,
والنّساء والمائدة ,والنعام ,والعراف ,ويونس .
س رضي ال تعالى عنهما .
وروي مثله عن ابن عبّا ٍ
والصّلة بين المفصّل والطول :أنّهما من أقسام القرآن الكريم .
عن واثلة بن السقع رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه
وسلم قال « :أعطيت مكان التّوراة السّبع ،وأعطيت مكان الزّبور المئين ،وأعطيت مكان
النجيل المثاني ،وفضّلت بالمفصّل » .
ب -المئون :
-المئون هي السور القرآنيّة الّتي وليت السّبع الطول ,سمّيت بذلك لنّ كلّ سور ٍة منها 3
وفي الصطلح :ما ولي المئين ,لنّها ثنتها ,أي كانت بعدها ,فالمثاني للمئين ثوانٍ ,
والمئون لها أوائل ,قال السيوطيّ ,وعزاه إلى الفرّاء :إنّ المثاني هي السور الّتي آيها
أقل من مائ ٍة ,لنّها تثنّى أكثر ممّا يثنّى الطول والمئون .
ويطلق المثاني أيضا على القرآن كلّه كما في { :كِتَابا مّ َتشَابِها مّثَانِيَ } لنّه يكرّر فيه
النباء والوعد والوعيد والقصص .
كما تطلق على الفاتحة لنّها تثنّى في كلّ صل ٍة .والعلقة بين المفصّل والمثاني على
ن كلً منهما من أقسام سور القرآن الكريم .
الطلق الوّل :أ ّ
وعلى الطلق الثّاني :أنّ المفصّل جزء من المثاني .
وعلى الطلق الثّالث :كلهما ممّا يشتمل عليه القرآن الكريم .
آخر المفصّل وأوّله :
-قال الزّركشي والسيوطي :آخر المفصّل في القرآن الكريم سورة النّاس بل نزاعٍ . 5
وأوساطه منها إلى " الضحى " ,ومنها إلى آخر القرآن قصار .
قال :هذا أقرب ما قيل فيه .
). 5 وفيه خلف وتفصيل ,ينظر في مصطلح ( :قراءة ف
ما يقرأ من المفصّل في الصّلوات الخمس :
-اتّفق الفقهاء على أنّه يسن للمصلّي أن يقرأ في صلة الصبح بطوال المفصّل ,كما 7
اتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل ,وفي العشاء بأوساطه .
). 66 واختلفوا في الظهر والعصر على أقوالٍ ينظر تفصيلها في مصطلح ( :صلة ف
مَفْصِل *
التّعريف :
-ال َمفْصِل على وزن مسجدٍ ,وهو في اللغة :ملتقى العظمات من الجسد . 1
وفي الصطلح :هو موضع اتّصال عض ٍو بآخر على مقطع عظمين برباطات واصلةٍ
بينهما ,إمّا مع دخول أحدهما في الخر كالركبة ,أو ل كالكوع .
الحكام المتعلّقة بالمفصل :
تتعلّق بالمفصل أحكام منها :
أ -في الغسل والوضوء :
-اتّفق الفقهاء على أنّه يسن في الوضوء والغسل غسل اليدين إلى الرسغين ثلثا قبل 2
إدخالهما الناء ,قال الحصكفي من الحنفيّة :الرسغ هو مفصل الكفّ بين الكوع
والكرسوع .
,وضوء ) . 30 والتّفصيل في مصطلح ( :غسل ف
ب -في القصاص :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّ من شروط كون الجناية على ما دون النّفس موجبةً 3
الدّية ,لنّ فيها ثلثة مفاصل ,إل البهام ففيها أنملتان ,ففي كلّ مفص ٍل منها نصف عشر
الدّية .
). 53 والتّفصيل في مصطلح ( :ديات ف
د -في السّرقة :
ن موضع قطع اليد في السّرقة -بعد تحقق شروط القطع
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 5
مُفَضّض *
انظر :آنية .
مَفْقُود *
التّعريف :
-المفقود في اللغة :الضّائع والمعدوم يقال :فقد الشّيء يفقده فقدا ,وفقدانا ,وفقودا 1
على نكاحه ,وتستحق النّفقة في قول الفقهاء جميعا ,ويقع عليها طلقه وظهاره وإيلؤه
,وترثه ويرثها ,ما لم ينته الفقدان .
ولكن إلى متى تبقى كذلك ؟ لم يأت في السنّة إل حديث واحد هو قوله عليه الصلة
والسلم « :امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها الخبر » .
وهذا النّص المجمل جاء بيانه في قول عليّ رضي ال عنه :بأنّ امرأة المفقود تبقى على
عصمته إلى أن يموت ,أو يأتي منه طلقها .
وبه قال ابن مسعودٍ رضي ال عنه والنّخعيّ ,وأبو قلبة ,والشّعبي ,وجابر بن زيدٍ ,
والحكم ,وحمّاد ,وابن أبي ليلى ,وابن شبرمة وعثمان البتّي ,وسفيان الثّوري ,
والحسن ابن حيّ ,وبعض أصحاب الحديث .
وإليه ذهب الحنفيّة ,والشّافعي في الجديد .
وذهب عمر رضي ال تعالى عنه إلى أنّ امرأة المفقود تتربّص أربع سنين ,ث ّم تعتد للوفاة
أربعة أشه ٍر وعشرة أيّامٍ ,فإذا انقضت حلّت للزواج .
س ,وابن الزبير ,هو رواية عن ابن
وبهذا القول قال عثمان ,وابن عمر ,وابن عبّا ٍ
ي في القديم .
ي رضي ال عنهم ,وهو قول الشّافع ّ
مسعودٍ ,وعل ّ
وعن سعيد بن المسيّب أنّه إذا فقد في الصّفّ عند القتال تربّصت امرأته سن ًة ,وإذا فقد
في غيره تربّصت أربع سنين .
ن المفقود في بلد المسلمين تتربّص امرأته أربع سنين ,ثمّ تعتد
وذهب المالكيّة إلى أ ّ
ن زوجته
أربعة أشه ٍر وعشرة أيّامٍ ,ثمّ تحل للزواج ,وأمّا المفقود في بلد العداء ,فإ ّ
ل تحل للزواج إل إذا ثبت موته ,أو بلغ من العمر حدا ل يحيا إلى مثله ,وهو مقدّر
ك وابن القاسم وأشهب ,وقال مالك مرّ ًة :إذا بلغ ثمانين سنةً ,
بسبعين سنةً في قول مال ٍ
وقال ابن عرفة :إذا بلغ خمسا وسبعين سن ًة وعليه القضاء ,وذهب أشهب إلى أنّه
يعتبر كالمفقود في بلد المسلمين .
أمّا المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار فقد قال مالك وابن القاسم بأنّه يعتبر كالمفقود في
بلد العداء ,وعن مالكٍ :تتربّص امرأته سنةً ,ثمّ تعتد ,وقيل :هو كالمفقود في بلد
المسلمين .
وأمّا المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ فقد قال مالك وابن القاسم :ليس في
صفّين ,وقيل :تتربّص سن ًة ثمّ تعتد ,
ذلك أجل معيّن ,وإنّما تعتد زوجته من يوم التقاء ال ّ
وقيل :يترك ذلك لجتهاد المام .
وأمّا الحنابلة فعندهم في المفقود الّذي ظاهر غيبته السّلمة قولن :
الوّل :ل تزول الزّوجيّة ما لم يثبت موته .
الثّاني :أنّ زوجته تنتظر حتّى يبلغ من العمر تسعين سنةً في روايةٍ ,وفي روايةٍ أخرى
ن المدّة مفوّضة إلى رأي المام والرّواية الولى هي القويّة المفتى بها ,وهذا هو
أّ
الصّحيح في المذهب .
ومن الحنابلة من قدّر المدّة بمائة وعشرين سن ًة .
ن زوجته تتربّص أربع سنين ,ثمّ تعتد للوفاة ,
وأمّا المفقود الّذي ظاهر غيبته الهلك ,فإ ّ
وهو المذهب .
بدء مدّة التّربص :
-تبدأ مدّة التّربص من حين رفع المر إلى القاضي ,وهو قول عمر رضي ال عنه , 5
وعطاءٍ وقتادة ,وعليه اتّفق أكثر من قال بالتّربص ,وهو المذهب عند المالكيّة ,وفي
ك تبدأ من حين اليأس من وجود المفقود بعد التّحرّي عنه ,وهو القول
روايةٍ عن مال ٍ
الظهر للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم ,ورواية عند الحنابلة .
وقيل :تبدأ المدّة من حين الغيبة ,وهو قول للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم ,والرّواية
الصح والصّواب عند الحنابلة .
وهناك نصوص نقلت عن عمر ,وعثمان وابن عمر ,وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم ,
وسعيد ابن المسيّب ,جاء فيها ذكر مدّة التّربص دون تحديد متى تبدأ .
وذهب عمر ,وابن عبّاسٍ ,وابن عمر ,رضي ال عنهم ,وعطاء وإسحاق إلى أنّه ل بدّ
من أن يطلّق ولي المفقود زوجته ,وهو رواية عند الحنابلة .
وفي رواي ٍة عن ابن عبّاسٍ ,وابن عمر رضي ال عنهم أنّه ل حاجة لطلق الوليّ ,وهو
الرّواية الثّانية عند الحنابلة والصّحيح عندهم والمتّفق مع القياس .
ما يجب على زوجة المفقود بعد التّربص :
-يجب على زوجة المفقود بعد مدّة التّربص أن تعتدّ للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ 6
يتسارع إليها الفساد ,وأمّا ما يتسارع إليه الفساد كالثّمار ونحوها فإنّه يبيعه ,ويحفظ
ثمنه .
ق أو ضمان
وذهب المالكيّة إلى جواز بيع أموال المفقود إذا قضى عليه بدين أو استحقا ٍ
عيبٍ ونحو ذلك ,وهذا مبني على قولهم في جواز القضاء على الغائب
ثانيا :في قبض حقوق المفقود :
-ليس للقاضي عند الحنفيّة أن يأخذ مال المفقود الّذي في يد مودعه ,ول المال الّذي 9
في يد الشّريك المضارب ,لنّهما نائبان عن المفقود في الحفظ ,وعند المالكيّة له ذلك ,
ن القاضي رأى مصلحةً فيه ,كما
ن ابن عابدين حمله على أ ّ
وهو قول عند الحنفيّة ,غير أ ّ
لو كان المدين غير ثقةٍ .
ولو أنّ المدين دفع الدّين إلى زوجة المفقود أو ولده ,وكذلك المستأجر لو دفع الجرة ,
ن ديون
ن ال ّذمّة ل تبرأ ما لم يأمر القاضي بذلك ,هذا عند الحنفيّة وأمّا عند المالكيّة فإ ّ
فإ ّ
المفقود ل تدفع للورثة ,وإنّما تدفع للسلطان .
ثالثا :في النفاق من مال المفقود :
-من الثّابت بإجماع الفقهاء أنّ زوجة المفقود تستحق النّفقة ( ر :ف , ) 4وهذه 10
النّفقة تكون في مال المفقود ,بذلك قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .
وقال ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما :تستدين ,فإن جاء زوجها أخذت من ماله ,وإن مات
أخذت من نصيبها من الميراث ,وبه قال النّخعيّ ,فإن لم يكن للمفقود مال ,وطلبت
الزّوجة من القاضي الحكم لها بالنّفقة فإنّه يجيبها إلى ذلك ,وبه قال النّخعيّ ,وهو قول
لبي حنيفة ,وفي قولٍ آخر له :ل يجيبها ,وهو قول شريحٍ ,وقال زفر :يأمرها
القاضي بأن تستدين ,وتنفق على نفسها .
وتنقطع النّفقة بموت المفقود ,أو بمفارقته لها فإن استمرّت بقبض النّفقة بعد أن تبيّن أنّه
مات أو فارقها ثمّ رجع ,فعليها أن تعيد ما قبضته من تاريخ الموت ,أو المفارقة .
وتسقط النّفقة عند الشّافعيّة بزواج امرأة المفقود من غيره .
وعند الحنابلة تسقط بتفريق الحاكم بينها وبين زوجها المفقود ,أو بزواجها من غيره ,
ويجب في مال المفقود نفقة زوجته في مدّة العدّة ،بذلك قال ابن عمر ,وابن عبّاسٍ
رضي ال عنهم ,وفيه قولن عند المالكيّة والحنابلة .
-ويجب في مال المفقود نفقة الفقراء من أولده ووالديه وهو قول الحنفيّة , 11
ومن التّبر أيضا ,إذا كان كل ذلك تحت يد القاضي ,أو كان وديعةً ,أو دينا للمفقود ,وقد
أقرّ الوديع والمدين بذلك ,وأقرّا بالزّوجيّة والنّسب .
وينتصب الوديع والمدين خصما في الدّعوى ,لنّ المال تحت يدهما ,فيتعدّى القضاء
منهما إلى المفقود ,فإن كان الوديع أو المدين منكرا للوديعة أو الدّين أو الزّوجيّة والنّسب
,لم يصلح لمخاصمة أحدٍ من مستحقّي النّفقة ,ول تسمع البيّنة ضدّه .
وليس لهؤلء بيع شيءٍ من مال المفقود الّذي يخاف عليه الفساد كالثّمار ,ونحوها ,فإن
باعوه ,فالبيع باطل .
وليس لهم بيع دار المفقود ,ولم لم يبق من ماله سواها ,واحتاجوا للنّفقة .
وعند الحنفيّة يجوز للقاضي أن يأخذ من مستحقّي النّفقة كفيلً ,لحتمال أن يحضر
المفقود ,ويقيم البيّنة على طلق امرأته ,وأنّه ترك لولده مالً يكفي لنفقتهم ,وليس له
ذلك عند المالكيّة .
والقضاء على المفقود بالنّفقة لمستحقّيها ليس قضا ًء على الغائب حقيقةً ,وإنّما هو تمكين
لهم من أخذ حقّهم .
ول تجب على المفقود نفقة أحدٍ من أقارب المفقود غير الّذين ذكرنا آنفا .
رابعا :في الوصيّة :
-توقف الوصيّة للمفقود عند الحنفيّة ,حتّى يظهر حاله ,فإن ظهر حيا قبل موت 13
أقرانه فله الوصيّة ,وإذا حكم بموته ردّ المال الموصى به إلى ورثة الموصي .
ولو أنّ رجلً أقام البيّنة على أنّ المفقود قد أوصى له بوصيّة وجاء موت المفقود أو بلغ
من السّنين ما ل يحيا إلى مثلها ,والموصى له حي ,قال المالكيّة :تقبل البيّنة ,وتصح
الوصيّة إذا كانت في حدود الثلث ,وكذلك الحال لو أوصى له قبل الفقد ,وهذا مبني على
أصولهم في جواز القضاء على الغائب .
خامسا :في الرث :
-يعتبر المفقود حيا بالنّسبة لمواله ,فل يرث منه أحد ,ويبقى كذلك إلى أن يثبت 14
). 21 - 20 موته حقيقةً ,ويحكم باعتباره ميّتا ,على ما يأتي بيانه ( ر :ف
-ول يرث المفقود من أحدٍ ,وإنّما يتعيّن وقف نصيبه من إرث مورّثه ,ويبقى كذلك 15
ق نصيبه وإن
إلى أن يتبيّن أمره ,ويكون ميراثه كميراث الحمل ,فإن ظهر أنّه حي استح ّ
ثبت أنّه مات بعد موت مورثه استحقّ نصيبه من الرث كذلك ,وإن ثبت أنّه مات قبل
موت مورثه أو مضت المدّة ,ولم يعلم خبره ,فإنّ ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة
المورث .وإن كان المفقود ممّن يحجب الحاضرين ,لم يصرف إليهم شيء ,بل يوقف
المال كله .وإن كان ل يحجبهم ,يعطى كل واحدٍ القلّ من نصيبه الرثيّ على تقدير حياة
ن مفقودٍ ,وابن ابنٍ ,
المفقود ,وعلى تقدير موته ,مثال ذلك :رجل مات عن بنتين ,واب ٍ
وبنت ابنٍ ,وطلبت البنتان الرث ,فإنّ فرضهما في هذه المسألة الثلثان ,ل يدفع إليهما
,وإنّما يدفع إليهما النّصف ; لنّه أقل النّصيبين ,ول يدفع شيء لبن البن ,ول لبنت
البن ,فإذا مضت المدّة ,وحكم بموت المفقود ,أعطيت البنتان السّدس ,ليتمّ لهما
الثلثان ,وأعطي الباقي لولد البن ,للذّكر مثل حظّ النثيين ,وعلى ما سبق اتّفاق
الفقهاء إل ما ذكر من خلفٍ في المذهب الحنبليّ حول ردّ ما أوقف من نصيب المفقود
ي المدّة إلى ورثة المورث وهذا قول في المذهب ,غير أنّ
الّذي لم يعلم خبره رغم مض ّ
القول الصحّ فيه أنّه ملك للمفقود ,يوزع بين ورثته ,وعليه المذهب .
ن القاضي ل يقسمه حتّى تقوم
-ولو ادّعى ورثة رج ٍل أنّه فقد ,وطلبوا قسمة ماله فإ ّ 16
البيّنة على موته ,وتكون الدّعوى بأن يجعل القاضي من في يده المال خصما عن المفقود
,أو ينصّب عنه قيّما في هذه الولية .
سادسا :في إدارة أموال المفقود :
تدار أموال المفقود من قبل وكيله ,أو وكيلٍ يعيّنه القاضي .
أ -الوكيل الّذي عيّنه المفقود :
ن الوكالة تبقى صحيحةً ،لنّ الوكيل ل ينعزل بفقد
-من كان له وكيل ,ثمّ فقد فإ ّ 17
الموكّل .
ولهذا الوكيل أن يحفظ المال الّذي أودّعه المفقود ,وليس لمين بيت المال أن ينزعه من
يده .
وأمّا قبض الديون الّتي أق ّر بها غرماء المفقود ,وقبض غلت أمواله ,فليس له ذلك .
ن لوكيل المفقود حق قبض الديون والغلت ما دام قد وكّل بذلك .
وذهب ابن عابدين إلى أ ّ
وللحنابلة في قبض وكيل المفقود للغلت قولن .
وليس لمن كان وكيلً بعمارة دار المفقود أن يعمّرها إل بإذن الحاكم ,فلعلّه مات ,وحينئذٍ
يكون التّصرف للورثة .
ب -الوكيل الّذي يعيّنه القاضي :
ل.
-إذا لم يكن للمفقود وكيل فإنّ على القاضي أن ينصّب له وكي ً 18
ن ثابتةٍ وأعيانٍ
وهذا الوكيل يتولّى جمع مال المفقود وحفظه وقبض ك ّل حقوقه من ديو ٍ
وغلتٍ ,وليس له أن يخاصم إل بإذن القاضي في الحقوق الّتي للمفقود ,وفي الحقوق
الّتي عليه وإلى هذا ذهب الحنفيّة ,ووافقهم المالكيّة في الجملة .
ن القاضي إن
ق على المفقود ,ول تقبل البيّنة عند الحنفيّة ,غير أ ّ
ول تسمع الدّعوى بح ّ
قبل ذلك ,وحكم به ,نفذ حكمه ,وعليه الفتوى .
وذهب المالكيّة إلى قبول البيّنة على المفقود .
ولو طلب ورثة المفقود من الحاكم نصب وكيلٍ عنه ,فعليه أن يستجيب لذلك .
انتهاء الفقدان :
ينتهي الفقدان بإحدى الحالت التية :
الحالة الولى :عودة المفقود :
ن المفقود حي ,وعاد إلى وطنه ,فقد انتهى الفقدان ,لنّ المفقود مجهول
-إذا ظهر أ ّ 19
الحياة أو الموت ,وبظهوره انتفت تلك الجهالة ,وسيأتي بيان ذلك .
). 26 - 25 (ر:ف
الحالة الثّانية :موت المفقود :
ن المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان ,لزوال الجهالة الّتي
-إذا ثبت بالبيّنة أ ّ 20
ن زوجة المفقود الّتي تزوّجت ,ثمّ ظهر أنّه ميّت فعليها العدّة منه ,
ذهب الشّعبي إلى أ ّ
وهي ترثه .
وفي المذهب المالكيّ تفصيل :فإن جاء موته قبل أن تنكح زوجا غيره ,فإنّها ترثه .
وإن تزوّجت بعد انقضاء العدّة ,لم يفرّق بينها وبين زوجها الثّاني ,وورثت من زوجها
المفقود .
وإن تزوّجت وجاء موته قبل الدخول ورثته ,وفرّق بينهما ,واستقبلت عدّتها من يوم
الموت .
وإن جاء موت المفقود بعد دخول الثّاني ,لم يفرّق بينهما ,ول إرث لها .
أمّا إن كان زواج الثّاني قد وقع في العدّة من الوّل المتوفّى ,فإنّها ترثه ,ويفرّق بينها
وبين زوجها الثّاني .
وعند الحنابلة ترث الزّوجة من زوجها المفقود الّذي ثبت موته إن لم تتزوّج ,أو كانت
تزوّجت ولم يدخل بها الثّاني ,وفي روايةٍ أنّها ل ترث منه .
فإن دخل بها الثّاني ,وكان الزّوح الوّل قد قدم واختارها ث ّم مات ,فإنّها ترثه ويرثها ,
ن لها أن
ولو مات الثّاني لم ترثه ,ولم يرثها ,وإن مات أحدهما قبل اختيارها -وقلنا بأ ّ
تتزوّج -فإنّها ترث الزّوج الثّاني ويرثها ,ل ترث الزّوج الوّل ول يرثها .
وإن ماتت قبل اختيار الزّوج الوّل ,فإنّه يخيّر ,فإن اختارها ورثها ,وإن لم يخترها
ورثها الثّاني .
وهذا كله ظاهر مذهب الحنابلة .
واختار الشّيخ ابن قدامة أنّها ل ترث زوجها الثّاني ,ول يرثها بحال إل أن يجدّد لها عقدا
,أو ل يعلم أنّ الوّل كان حيا ,ومتى علم أنّ الوّل كان حيا ورثها وورثته ,إل أن يختار
تركها ,فتبين منه بذلك ,فل ترثه ول يرثها .
ن الحكم بوقوع الفرقة يوقع التّفريق ظاهرا وباطنا ترث الثّاني ويرثها ,ول
وعلى القول بأ ّ
ترث الوّل ول يرثها .
وأمّا عدّتها ,فمن ورثته اعتدّت لوفاته عدّة الوفاة .
الحالة الثّالثة :اعتبار المفقود ميّتا :
ي مدّةٍ على فقده ,أو ببلوغه سنا معيّنةً .
-يعتبر المفقود ميّتا حكما بمض ّ 22
ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يحكم بموت المفقود إذا لم يبق أحد من أقرانه في بلده ,ل
في جميع البلدان ,وهو الصح عندهم .
ن الّتي يمكن أن يموت فيها القران ,فعن أبي حنيفة :هي مائة
غير أنّهم اختلفوا في السّ ّ
وعشرون سنةً ,وهذا ما اختاره القدوري .
وعن أبي يوسف مائة سنةٍ ,وقال محمّد بن حامدٍ البخاري :هي تسعون سنةً ,وذهب
ن هذه المدّة متروكة إلى اجتهاد المام ,
بعضهم إلى أنّها سبعون سن ًة ,ومنهم من قال :بأ ّ
وينظر إلى شخص المفقود والقرائن الظّاهرة .ولعلماء الحنفيّة خلف في التّرجيح بين
هذه القوال فمنهم من قال :الفتوى على التّسعين سن ًة وهو الرفق ,ومنهم من قال :
ن تفويض المدّة
الفتوى على الثّمانين ,واختار ابن الهمام السّبعين سنةً ,ومنهم من قال بأ ّ
إلى المام هو المختار والقيس .
وأمّا المالكيّة والحنابلة ,فقد ذكرنا مذهبهم قبلً .
). 4 (ر:ف
ن متروك لجتهاد المام ,
وأمّا الشّافعيّة ,فالصّحيح المشهور عندهم أنّ تقدير تلك السّ ّ
ومنهم من قدّره باثنتين وستّين سنةً ,أو بسبعين ,أو بثمانين ,أو بمائة ,أو بمائة
وعشرين سن ًة .
-فإذا انقضت المدّة المذكورة جرى تقسيم ميراث المفقود بين ورثته الموجودين في 23
اليوم الّذي أعتبر فيه ميّتا ,ل بين الّذين ماتوا قبله ,فكأنّه مات حقيقةً في ذلك اليوم ,
بهذا قضى عمر وعثمان رضي ال عنهما ,وهو قول للحنفيّة ,وقول للمالكيّة ,وهو
القول الصح عند الحنابلة ,وفي القول الخر عند الحنابلة :يقسّم الميراث بعد انقضاء
عدّة الزّوجة إذا كان المفقود يغلب عليه الهلك وفي قو ٍل للحنفيّة ,وفي القول المعتمد عند
المالكيّة ,وفي المذهب الشّافعيّ ,وفي قولٍ للحنابلة :أنّ ميراث المفقود يعطى لورثته
ن الشّافعيّة قالوا :إذا مضت مدّة زائدة على ما يغلب على
الحياء يوم الحكم بموته ,إل أ ّ
ي تلك المدّة السّابقة على
ن أنّ المفقود ل يعيش فوقها ,وحكم القاضي بموته من مض ّ
الظّ ّ
حكمه بزمن معلومٍ ,فينبغي أن يصحّ ,ويعطى المال لمن كان وارثه في ذلك الوقت ,وإن
كان سابقا على الحكم .
وتعتد امرأة المفقود عدّة الوفاة في الوقت الّذي جرى فيه تقسيم ميراثه .
). 5 (ر:ف
-ول ب ّد من الحكم باعتباره ميّتا عند الحنفيّة ,وهو المنصوص عليه في المذهب , 24
ن المفقود إن عاد ولم تكن زوجته قد تزوّجت فهو أحق بها ,فإن
ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ن زوجته له .
تزوّجت فل سبيل له عليها ,وفي قولٍ آخر :إ ّ
ن المفقود إن عاد قبل نكاح زوجته غيره ,فهي زوجته ,وهذا هو القول
وعند المالكيّة أ ّ
المشهور المعمول به ,فإن عاد بعد النّكاح ,فعن مالكٍ في ذلك روايتان :
الولى :إن عاد قبل الدخول ,فهو أحق بها ,ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني ,وأمّا إن
عاد بعد الدخول ,فالثّاني على نكاحه ,ول يفرّق بينه ,وبين زوجته .
الثّانية :إن عاد المفقود ,فوجد زوجته قد تزوّجت فل سبيل له عليها ,ولو لم يكن دخول
ن أقوى
.وقد أخذ بكلّ من الرّوايتين طائفة من المالكيّة ,وقال ابن القاسم ,وأشهب بأ ّ
القولين ما جاء في الرّواية الثّانية وهي مذكورة في الموطّأ .
وقول الشّافعيّة يختلف بين القديم والجديد :ففي القول القديم :إن قدم المفقود بعد زواج
امرأته ,ففي عودتها إليه قولن ,وقيل يخيّر الوّل بين أخذها من الثّاني ,وتركها له
وأخذ مهر المثل منه .
وفي القول الجديد :هي باقية على نكاح المفقود ,فإن تزوّجت غيره فنكاحها باطل ,تعود
للوّل بعد انتهاء عدّتها من الثّاني .
وذهب الحنابلة إلى أنّ المفقود إن قدم قبل أن تتزوّج امرأته ,فهي على عصمته .
فإن تزوّجت غيره ,ولم يدخل بها ,فهي زوجة الوّل في روايةٍ ,وهي الصّحيح ,وفي
رواي ٍة أنّه يخيّر .فإن دخل بها الثّاني ,كان الوّل بالخيار ,إن شاء أخذ زوجته بالعقد
الوّل ,وإن شاء أخذ مهرها وبقيت على نكاح الثّاني .
فإن اختار المرأة ,وجب عليها أن تعتدّ من الثّاني قبل أن يطأها الوّل ,ول حاجة
ق.
لطلقها منه ,وهو المنصوص عن أحمد ،وقيل :تحتاج إلى طل ٍ
وإن اختار تركها فإنّه يرجع على الزّوج الثّاني بالمهر الّذي دفعه هو ,وفي روايةٍ :يرجع
عليه بالمهر الّذي دفعه الثّاني ,والوّل هو الصّواب .
وفي رجوع الزّوج الثّاني على المرأة بما دفعه للوّل روايتان ,وعدم الرجوع هو الظهر
والصح .
ويجب أن يجدّد الزّوج الثّاني عقد زواجه إن اختار الوّل ترك الزّوجة له ,وهو الصّحيح .
وقيل :ل يحتاج إلى ذلك ,وهو القياس .
فإن رجع المفقود بعد موت الزّوجة على عصمة الثّاني فل خيار له ,وهي زوجة الثّاني
ظاهرا وباطنا ,وهو يرثها ول يرثها الوّل ,وقال بعضهم :يرثها .
وقد جعل بعض الحنابلة التّخيير للمرأة ,فإن شاءت اختارت الوّل ,وإن شاءت اختارت
الثّاني ,وأيّهما اختارت ,ردّت على الخر ما أخذت منه .
ثانيا :بالنّسبة لمواله :
-للفقهاء في هذه المسألة خلف : 26
ن المفقود إن عاد حيا ,فإنّه ل يرجع على زوجته وأولده بما أنفقوه
ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
بإذن القاضي وإن باعوا شيئا من العيان ضمنوه .
ويأخذ أيضا ما بقي في أيدي الورثة من أمواله ,ول يطالب بما ذهب ,سواء أظهر حيا
قبل الحكم باعتباره ميّتا ,أم بعده .
وقال المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يرجع بجميع تركته ,ولو بعد تقسيمها على الورثة .
وعند الحنابلة يأخذ المفقود ما وجد من أعيان أمواله وأمّا ما تلف ,فإنّه مضمون على
الورثة في الرّواية الصّحيحة في المذهب ,وفي الرّواية الخرى غير مضمونٍ ,وقد
اختارها جماعة منهم .
مُفْلِس *
انظر :إفلس .
مَ ْفهُوم *
التّعريف :
-المفهوم :هو ما د ّل عليه اللّفظ ل في محلّ النطق ,أي يكون حكما لغير المذكور , 1
وحالً من أحواله ,كتحريم ضرب الوالدين المفهومة حرمته من قوله تعالى { :فَلَ َتقُل
ّل ُهمَا أُفّ } الدّالّ منطوقا على تحريم التّأفيف .
اللفاظ ذات الصّلة :
المنطوق :
-المنطوق :هو ما د ّل عليه اللّفظ على ثبوت حكم المذكور مطابقةً ,أو تضمنا ,أو 2
النّهي عن التّأفيف على حرمة الضّرب ,وهذا يسمّى عند الحنفيّة بدللة ال ّنصّ .
وهو حجّة اتّفاقا كما ذكره ابن عابدين ,وقال الشّوكاني نقلً عن القاضي أبي بكرٍ الباقلنيّ
:القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه .
ثمّ مفهوم الموافقة إن كان أولى بالحكم من المنطوق به يسمّى فحوى الخطاب ,كالمثال
ن الضّرب أشد من التّأفيف في اليذاء .
السّابق ,ل ّ
وإن كان مساويا له يسمّى لحن الخطاب ,كتحريم إحراق مال اليتيم المفهومة حرمته من
ن يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي ُبطُو ِنهِمْ نَارا
قوله تعالى { :إِنّ الّذِي َ
ن تحريم الحراق مساوٍ لتحريم الكل المذكور في الية في التلف .
سعِيرا } ل ّ
ن َ
َوسَيَصْ َلوْ َ
ب -مفهوم المخالفة :
-مفهوم المخالفة :هو ثبوت نقض حكم المنطوق ,نفيا كان أو إثباتا ,للمسكوت عنه 5
مُ َف ّوضَة *
التّعريف :
-المفوّضة في اللغة :اسم فاعلٍ من التّفويض ,والتّفويض جعل المر إلى غيره , 1
مهرٍ ,فإذا زوّجها وسكت عن تعيين الصّداق حين العقد ,أو قالت لوليّها أو لزوجها أو
لجنبيّ :زوّجني على ما شئت أو نحو ذلك صحّ العقد باتّفاق الفقهاء .
ن َأوْ َتفْرِضُواْ
ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ َت َمسّوهُ ّ
والصل في ذلك قوله تعالى { :لّ جُنَا َ
ن ابن مسعودٍ رضي ال عنه سئل عن رجلٍ تزوّج
ضةً } الية ,ولما روي من أ ّ
َلهُنّ َفرِي َ
امرأةً ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتّى مات ،فقال رضي ال عنه :لها مثل
صداق نسائها ل وكس ول شطط ،وعليها العدّة ولها الميراث ,ولنّ القصد من النّكاح
الستمتاع والوصلة دون الصّداق ,فصحّ من غير ذكره كالنّفقة .
أقسام المفوّضة :
قسّم الفقهاء التّفويض إلى ضربين :
الضّرب الوّل :تفويض البضع :
-التّفويض ينصرف إلى تفويض البضع عند الطلق ,وهو إخلء النّكاح عن المهر 4
كأن تأذن المرأة لوليّها أن يزوّجها بغير صداقٍ بقولها له :زوّجني بل مهرٍ ,وذلك إذا
كانت عاقلةً بالغةً رشيدةً ثيّبا كانت أو بكرا ,فيزوّجها الولي ويسكت عن المهر ,وهذه
الصورة من التّفويض صحيحة باتّفاق الفقهاء ,أو ينفي المهر بقوله :زوّجتك بغير مهرٍ
أو زوّجتك بغير مهرٍ ل في الحال ول في المآل ,فيصح العقد بهذه الصّيغة عند جمهور
الفقهاء ,للنصوص السّابقة ,ولنّ القصد من النّكاح الوصلة والستمتاع دون الصّداق ,
ن معنى الصورتين واحد .
ول ّ
وذهب المالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى بطلن عقد النّكاح في هذه الصورة ،لنّ
ص بها النّبي صلى ال عليه وسلم .
التزام هذا الشّرط يجعلها كالموهوبة الّتي اخت ّ
قال المالكيّة :إن وقع -النّكاح بهذه الصورة -فالمشهور أنّه يفسخ النّكاح قبل الدخول
بناءً على أنّ فساده من جهة صداقه ,ويثبت بعد الدخول بصداق المثل ,ومقابل المشهور
قولن :
الوّل :يفسخ العقد قبل البناء وبعد البناء بنا ًء على أنّ فساد النّكاح من جهة عقده .
الثّاني :ل يفسخ العقد قبل البناء ول بعد البناء ويكون لها صداق المثل .
وهل يفسخ العقد بطلق ؟ قولن عند المالكيّة الرّاجح منهما أنّه يفسخ -في حال الفسخ -
بطلق ,لنّه مختلف فيه .
وفي كلّ الحوال يلحق به الولد ,ويسقط به الحد لوجود الخلف .
وقال المالكيّة :وفي معنى إسقاط المهر -المذكور في الصورة السّابقة -إرسال المرأة
للزّوج مالً على أن يدفعه لها صداقا فيفسخ العقد قبل البناء ويثبت بعد البناء بصداق
المثل ,أمّا لو سكتا عن المهر عند العقد أو دخل على التّفويض باللّفظ أو على تحكيم
الغير في بيان قدر المهر فل فساد .
وأمّا إذا كانت المفوّضة صغير ًة أو مجنونةً أو غير رشيدةٍ كأن تكون سفيهةً محجورا عليها
فل يصح تفويضها .
ق صحّ النّكاح وبطل التّفويض في الظهر عند
وإذا زوّج الب ابنته المجبرة بغير صدا ٍ
الشّافعيّة وكان لها مهر المثل بالعقد .
وذهب الحنابلة هو وجه عند الشّافعيّة إلى صحّة النّكاح والتّفويض .
ي :إذا فوّض الولي نكاحها بغير إذنها فعلى ضربين :
قال الماورد ّ
أحدهما :أن يكون الولي ممّن ل ينكح إل بإذن كسائر الولياء مع الثّيّب وغير الب مع
البكر ,فإن لم يستأذنها في النّكاح ول في التّفويض كان النّكاح باطلً ,فإن استأذنها في
ح النّكاح وبطل التّفويض ,وكان لها بالعقد مهر المثل
النّكاح ولم يستأذنها في التّفويض ص ّ
ن كالب مع بنته البكر
.والضّرب الثّاني :أن يكون الولي ممّن يصح أن ينكح من غير إذ ٍ
فالنّكاح صحيح بغير إذنها فأمّا صحّة التّفويض بغير إذنها فمعتبر باختلف القولين في
الّذي بيده عقدة النّكاح ,فإن قيل :إنّه الزّوج دون الب بطل تفويض الب ,وإن قيل :
إنّه الب ففي صحّة تفويضه وجهان :
أحدهما :وهو قول أبي إسحاق المروزيّ :أنّه باطل ولها بالعقد مهر المثل .
ي بن أبي هريرة :أنّه صحيح كالعقود وليس لها بالعقد
والوجه الثّاني :هو قول أبي عل ّ
مهر .
وقال النّووي رحمه اللّه تعالى :لو زوّجها الولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر
المثل ,فهو كما لو نقص عن مهر المثل ,فإن كان الولي مجبرا فهل يبطل النّكاح ؟ أم
يصح بمهر المثل ؟ قولن .
وإن كان الولي غير مجب ٍر فهل يبطل قطعا أم على القولين ؟ فيه طريقان .
ولو أنكحها وليها على أن ل مهر لها ول نفقة أو على أن ل مهر لها وتعطي زوجها ألفا
فهذا أبلغ في التّفويض ,ولو قالت لوليّها :زوّجني بل مهرٍ فزوّجها بمهر المثل من نقد
البلد صحّ المسمّى وإن زوّجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد لم يلزم المسمّى وكان
كما لو أنكحها تفويضا .
الضّرب الثّاني :تفويض المهر :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يصح النّكاح إذا زوّجها على ما شاءت هي أو على ما شاء 5
الزّوج ,أو على ما شاء الولي أو على ما شاء أجنبي :أي أن يجعل الصّداق إلى رأي أحد
ي بقوله :زوّجتك على ما شئت أو على ما شئنا ,
ي ,أو رأي أجنب ّ
الزّوجين أو رأي الول ّ
أو على ما شاء زيد ,أو زوّجتك على حكمها أو على حكمك أو على حكمي ,أو على حكم
زيدٍ ,ونحو ذلك ,فالنّكاح صحيح في جميع هذه الصور ويجب مهر المثل لنّها لم تأذن
في تزويجها إل على صداقٍ لكنّه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل ,والتّفويض
الصّحيح كما قال ابن قدامة :أن تأذن المرأة الجائزة للتّصرف لوليّها في تزويجها بغير
مه ٍر ,أو بتفويض قدره أو يزوّجها أبوها كذلك -أي بغير مهرٍ -فأمّا إن زوّجها غير
أبيها ولم يذكر مهرا بغير إذنها في ذلك فإنّه يجب مهر المثل .
قال المام النّووي رحمه اللّه :لو قالت لوليّها :زوّجني وسكتت عن المهر فالّذي ذكره
ن النّكاح يعقد غالبا بمهر فيحمل الذن على العادة
ن هذا ليس بتفويض ل ّ
المام وغيره أ ّ
فكأنّها قالت :زوّجني بمهر .
ثمّ قال :وفي بعض كتب العراقيّين ما يقتضي كونه تفويضا .
فإذا أطلقت الذن -أي سكتت عن المهر -وزوّجها الولي ولم يسمّ لها في العقد مهرا ,
ي هل يكون نكاح تفويضٍ أم
ول شرط فيه أن ليس لها مهرا ,فقد اختلف أصحاب الشّافع ّ
ل ؟ على وجهين :
أحدهما :وهو قول أبي إسحاق المروزيّ أنّه ليس بنكاح تفويضٍ ,لعدم الشّرط في سقوط
المهر ويكون مهر المثل مستحقا بالعقد ,قال النّووي رحمه اللّه تعالى :وليس النّكاح في
هذه الصور خاليا عن المهر وليس هذا التّفويض بالتّفويض الّذي عقدنا له الباب .
ي بن أبي هريرة أنّه نكاح تفويضٍ ,لنّ إسقاط ذكر المهر في
الثّاني :وهو قول أبي عل ّ
العقد كاشتراط سقوطه في العقد ,فعلى هذا ل مهر لها بالعقد إل أن تتعقّبه أحد أمورٍ
أربعةٍ هي :
إمّا :بأن يفرضاه عن مراضاةٍ ,وإمّا :بأن يفرضه الحاكم بينهما ,وإمّا بالدخول بها ,
وإمّا بالموت ,كما يأتي تفصيله لحقا .
ما تستحقه المفوّضة من الصّداق :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب للمفوّضة مهر :إمّا بنفس العقد ,أو بغيره على خلفٍ 6
بين الفقهاء كما سيأتي ,وأنّه ل يخلو نكاح في دار السلم عن مه ٍر وأنّ المفوّضة
تستحق هذا المهر بأحد أمو ٍر أربعةٍ :
أوّلها :أن يفرض أحد الزّوجين المهر برضاء الخر قبل الدخول فهذا المفروض حكمه
حكم المهر المسمّى في العقد فيتشطّر بالطّلق ويتأكّد بالدخول وبالموت ولها حبس نفسها
لتسليمه .
الثّاني :أن يفرضه القاضي بينهما وذلك عند تنازعهما في قدر المفروض أو عندما يمتنع
الزّوج من الفرض فيفرض مقدار مهر المثل لنّ وظيفته فصل الخصومات ول يتوقّف ما
يفرضه القاضي على رضاهما ,لنّه حكم إل أنّه ل يزيد عن مهر مثلها ,لنّ الزّيادة عن
مهر المثل ميل على الزّوج ,ول ينقص عن مهر المثل ,لنّ النقصان عن مهر المثل ميل
على الزّوجة ول يحل الميل لحد الخصمين ,ولنّه إنّما يفرض بدل البضع ,فيقدّر بقدره
كسلعة أتلفت يقوّمها بما يقول به أهل الخبرة ,قال البهوتي :فل يغيّره حاكم آخر ما لم
ن الحاكم يغيّره ويفرضه ثانيا
يتغيّر السّبب كيساره وإعساره في النّفقة والكسوة ,فإ ّ
باعتبار الحال ,وليس ذلك نقضا للحكم السّابق ,وبذلك يشترط للقاضي عند فرضه لمهر
المثل علمه بقدر مهر مثلها حتّى ل يزيد عليه ول ينقص عنه لكن الشّافعيّة نصوا على أنّه
يغتفر الزّيادة أو النّقص اليسير الواقع في محلّ الجتهاد الّذي يحتمل مثله في قدر مهر
المثل ,وقال الشّربيني الخطيب ما معناه :منع الزّيادة والنّقص وإن رضي الزّوجان وهو
كذلك ,لنّ منصبه يقتضي ذلك ثمّ إن شاءا بعد ذلك فعل ما شاءا ,واختار الذرعي
الجواز .
وما فرضه القاضي من مهر المثل كالمسمّى في العقد أيضا فيتنصّف بالطّلق قبل الدخول
ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ
ول تجب المتعة معه ,لعموم قوله تعالى { :لّ جُنَا َ
ن عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَرُ ُه وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ قَ ْدرُهُ مَتَاعا
ضةً َومَ ّتعُوهُ ّ
ن َأوْ َتفْرِضُواْ َلهُنّ َفرِي َ
َت َمسّوهُ ّ
ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ وَقَدْ َفرَضْ ُتمْ َلهُنّ
حسِنِينَ َ ،وإِن طَّلقْ ُتمُوهُ ّ
حقّا عَلَى ا ْل ُم ْ
بِا ْل َمعْرُوفِ َ
عقْدَةُ ال ّنكَاحِ } .
ضةً فَنِصْفُ مَا َفرَضْ ُتمْ َإلّ أَن َيعْفُونَ َأوْ َي ْع ُفوَ الّذِي بِيَدِ ِه ُ
فَرِي َ
ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّه ل يصح فرض أجنبيّ بغير إذن الزّوجين لنّه ليس
ون ّ
ن هذا فيه خلف كلّ يقتضيه العقد فإذا فرض أجنبي للمفوّضة مهرا
بزوج ول حاكمٍ ,ول ّ
يعطيه من مال نفسه لم يصحّ وإن رضيت على الصحّ عند الشّافعيّة ,ومقابل الصحّ يصح
كما يصح أن يؤدّي الصّداق عن الزّوج بغير إذنه .
ويرى المالكيّة أنّ فرض الجنبيّ كفرض الزّوج ويسمون هذا تحكيما ,فإن فرض مهر
المثل لزمهما ول يلزمه فرضه ابتداءً ,وإن فرض أقلّ منه لزمه دون الزّوجة ,وإن فرض
المحكّم أكثر منه فعلى العكس أي لزمها دونه فهو مخيّر بين الرّضا وعدمه .
الثّالث :أن يدخل بها ،فقد ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا دخل بالمفوّضة وجب لها مهر المثل
ن الوطء ل يباح بالباحة ,لما فيه من
وإن أذنت له في وطئها بشرط أن ل مهر لها ,ل ّ
ن الوطء في دار السلم ل يخلو من مه ٍر أو حدّ ,ولتخرج بالتزام المهر
ق اللّه ,ول ّ
حّ
ممّا خصّ به نبي اللّه صلى ال عليه وسلم من نكاح الموهوبة بغير مهرٍ ,ومن حكم الزّنا
الّذي ل يستحق فيه مهر ,ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :لها الصّداق بما استحللت
من فرجها » .
ومثل الدخول في وجوب مهر المثل الخلوة الصّحيحة ,وذلك عند الحنفيّة والحنابلة والقديم
عند الشّافعيّة والخلوة الصّحيحة أن يخلو الزّوج بزوجته بعد العقد الصّحيح بل مان ٍع حسّيّ
كمرض لحدهما يمنع الوطء ,وبل مانعٍ طبعيّ كوجود شخصٍ ثالثٍ عاق ٍل معهما ,وبل
مانعٍ شرعيّ من أحدهما كإحرام لفرض من حجّ أو عمرةٍ ,قال الحنفيّة :ومن المانع
الحسّيّ رتق وقرن وعفل ,وصغر ل يطاق معه الجماع .
ن المهر يتقرّر كذلك بلمس الزّوجة بشهوة والنّظر إلى فرجها بشهوة ,
وزاد الحنابلة :أ ّ
ع فأوجب المهر كالوطء ,ولنّه نال
ن ذلك نوع استمتا ٍ
وتقبيلها ولو بحضرة النّاس ,ل ّ
ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ }
منها شيئا ل يباح لغيره ,ولمفهوم قوله تعالى َ { :وإِن طَّلقْتُمُوهُ ّ
وحقيقة اللّمس التقاء البشرتين .
أمّا المالكيّة والشّافعيّة في الجديد فل يستقر عندهم المهر بالخلوة لقوله تعالى َ { :وإِن
ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ } الية ,والمراد بالمسّ الجماع ,ولنّ الخلوة ل تلتحق
طَّلقْ ُتمُوهُ ّ
بالوطء في سائر الحكام من حدّ وغسلٍ ونحوهما .
الرّابع :الموت ،ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المفوّضة يجب لها مهر المثل إذا مات
زوجها أو ماتت هي قبل الفرض وقبل المسيس ,لجماع الصّحابة رضي ال عنهم على
ن الموت ل يبطل به النّكاح بدليل التّوارث وإنّما هو نهاية له ونهاية العقد
ذلك ,ول ّ
كاستيفاء المعقود عليه بدليل الجارة ومتى استقرّ لم يسقط منه شيء بانفساخ النّكاح ول
ن النّكاح قد
غيره ,قال الحنابلة :حتّى ولو قتل أحدهما الخر ,أو قتل أحدهما نفسه ،ل ّ
ص الشّافعيّة على أنّه لو قتلت المرأة زوجها
بلغ غايته فقام مقام الستيفاء للمنفعة ,ون ّ
قبل الدخول لم يستق ّر المهر .
وقال ابن عابدين :واعلم أنّه إذا ماتا جميعا فعند أبي حنيفة ل يقضى بشيء وعندهما
يقضى بمهر المثل .
وقال السّرخسي :هذا إذا تقادم العهد بحيث يتعذّر على القاضي الوقوف على مهر المثل ,
أمّا إذا لم يتقادم فيقضى بمهر المثل عنده أيضا .
وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة إلى أنّ موت أحد الزّوجين ل يجب به شيء .
قال المام النّووي في الرّوضة :إذا مات أحد الزّوجين قبل الفرض والمسيس فهل يجب
ق أنّها نكحت بل
مهر المثل أم ل يجب شيء ؟ فيه خلف مبني على حديث بروع بنت واش ٍ
مهرٍ ,فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بمهر
يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بمهر نسائها والميراث .
والرّاجح ترجيح الوجوب والحديث صحيح ،ول اعتبار بما قيل في إسناده وقياسا على
الدخول فإنّ الموت مقرّر كالدخول ,ول وجه للقول الخر مع صحّة الحديث .
متى تستحق المفوّضة مهر المثل ؟
ن للمفوّضة قبل الدخول مطالبة الزّوج بأن
ص الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أ ّ
-ن ّ 7
مقابل الظهر عند الشّافعيّة إلى أنّ المفوّضة يجب لها المهر بنفس العقد ,ولذلك يحق لها
ولية المطالبة بفرضه ,وولية المطالبة بتسليم المفروض ,ولنّه لو لم يجب بنفس العقد
لما استقرّ بالموت كما في العقد الفاسد ,ولنّ النّكاح ل يجوز أن يخلو عن المهر والقول
ن ملك النّكاح لم يشرع لعينه ,بل لمقاصد ل
بعدم وجوبه يفضي إلى خلوّه عنه ,ول ّ
حصول لها إل بالدّوام على النّكاح والقرار عليه ,ول يدوم إل بوجوب المهر بنفس العقد ,
لما يجري بين الزّوجين من السباب الّتي تحمل الزّوج على الطّلق من الوحشة والخشونة
فلو لم يجب المهر بنفس العقد ل يبالي الزّوج عن إزالة هذا المذهب بأدنى خشونةٍ تحدث
بينهما ,لنّه ل يشق عليه إزالته لمّا لم يخف لزوم المهر ,فل تحصل المقاصد المطلوبة
ن مصالح النّكاح ومقاصده ل تحصل إل بالموافقة ,ول تحصل الموافقة إل
من النّكاح ,ول ّ
إذا كانت المرأة عزيز ًة مكرّمةً عند الزّوج ول عزّة إل بانسداد طريق الوصول إليها بمال
له خطر عنده ,لنّ ما ضاق طريق إصابته يعز في العين فيعز به إمساكه وما يتيسّر
طريق إصابته يهون في العين فيهون إمساكه ,ومتى هانت المرأة في أعين الزّوج
تلحقها الوحشة فل تقع الموافقة ,فل تحصل مقاصد النّكاح ,ولنّ الملك ثابت في جانبها
إمّا في نفسها ,وإمّا في المتعة وأحكام الملك في الحرّة تشعر بالذلّ والهوان ,فل ب ّد وأن
يقابله مال له خطر ,لينجبر الذل من حيث المعنى ,ولنّها إذا طلبت الفرض من الزّوج
يجب عليه الفرض حتّى لو امتنع فالقاضي يجبره على ذلك ولو لم يفعل ناب القاضي منابه
في الفرض .
وذهب الشّافعيّة في الظهر عندهم إلى أنّه ل يجب للزّوجة المفوّضة مهر على زوجها
بنفس العقد لنّ القرآن دلّ على أنّه ل يجب لها إذا طلقت قبل المسيس إل المتعة ,ولنّه
لو وجب لها مهر بنفس العقد لتشطّر بالطّلق قبل الدخول كالمسمّى الصّحيح .
ي :لم يجب للمفوّضة بالعقد مهر ,لشتراطه سقوطه ,ول لها أن تطالب
قال الماورد ّ
بمهر ,لنّه لم يجب لها بالعقد مهر ولكن لها أن تطالب بأن يفرض لها مهرا إمّا بمراضاة
الزّوجين أو بحكم الحاكم فيصير المهر بعد الفرض كالمسمّى في العقد ,ويفهم من كلم
المالكيّة أنّهم يرون مثل مذهب الشّافعيّة حيث نصوا على أنّه يجوز للزّوج إذا فرض
المحكّم لها مهر المثل ولم يرض أن يطلّقها ول شيء عليه ,ممّا يدل على أنّه لم يجب لها
مهر بنفس العقد .
تنصيف مهر المفوّضة إذا طلقت قبل الدخول :
-اختلف الفقهاء في انتصاف ما فرض للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول وذلك بعد ما 9
اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها قبل الدخول وقبل الفرض فل يجب لها شيء من المهر ,لمفهوم
ضةً فَنِصْفُ مَا
ن وَقَدْ فَرَضْ ُتمْ َلهُنّ فَرِي َ
ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُ ّ
قولـه تعالى َ { :وإِن طَّلقْتُمُوهُ ّ
فَرَضْ ُتمْ } .
فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف من الحنفيّة إلى أنّه
يتنصّف ما فرض للمفوّضة إذا طلّقها قبل الدخول كالمهر المسمّى في العقد بشرط أن يكون
سبب الفرقة من الزّوج ل من الزّوجة وبشرط أن يكون المفروض صحيحا ,سواء كان
النهوض من الزّوجين أو من الحاكم لعموم قوله تعالى َ { :وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن
ن هذا مهر وجب قبل
ف مَا فَرَضْ ُتمْ } الية ,ول ّ
ضةً فَنِصْ ُ
ن وَقَدْ فَرَضْ ُت ْم َلهُنّ فَرِي َ
َت َمسّوهُ ّ
الطّلق ,فوجب أن يتنصّف كما لو سمّاه .
وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ل ينصّف المهر المفروض للمفوّضة إذا طلقت
ن التّنصيف
قبل الدخول لنّ عقدها خل من تسميةٍ فأشبهت الّتي لم يسمّ لها شيء ,ول ّ
ص ,لقوله تعالى َ { :وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن
خاص بالمهر المسمّى في العقد بالنّ ّ
ن هذا المفروض تعيين
ف مَا فَرَضْ ُتمْ } الية ,ول ّ
ضةً فَنِصْ ُ
ن وَقَدْ فَرَضْ ُت ْم َلهُنّ فَرِي َ
َت َمسّوهُ ّ
للواجب بالعقد وهو مهر المثل وذلك ل يتنصّف فكذا ما نزّل منزلته .
وجوب المتعة للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلقت المفوّضة قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهر 10
فل تستحق على زوجها شيئا إل المتعة ,واختلفوا في وجوب المتعة لها إذا كانت الفرقة
من جهة الزّوج ل من جهتها :
فذهب الجمهور وهم الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى وجوب المتعة لها إذا
طلقت قبل الدخول وقبل أن يفرض لها شيء وذلك إذا كانت الفرقة من جهة الزّوج كأن
يطلّق أو يلعن أو يفسخ العقد من قبلها بسبب الجبّ والعنّة والرّدّة منه وإبائه السلم
وتقبيله ابنتها ,أو أمّها عند من يرى ذلك .
أمّا إذا كان السّبب من جهتها فل متعة لها عندهم ل وجوبا ول استحبابا .
ن المتعة ليست واجبةً للمفوّضة .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة في القديم إلى أ ّ
وسبب الخلف يعود إلى اختلفهم في تفسير بعض اللفاظ الواردة في قوله تعالى { :لّ
ض ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى
ن َأوْ َتفْرِضُواْ َلهُنّ فَرِي َ
ح عَلَ ْي ُكمْ إِن طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ َت َمسّوهُ ّ
جُنَا َ
حسِنِينَ } .
حقّا عَلَى ا ْل ُم ْ
ا ْلمُوسِعِ قَدَرُ ُه وَعَلَى ا ْلمُقْتِرِ قَ ْدرُهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ
وينظر التّفصيل في مصطلح ( :تفويض ف , 8متعة الطّلق ف . ) 2
ما يراعى عندما يفرض للمفوّضة مهر :
-اختلف الفقهاء في أيّ حا ٍل من أحوال المفوّضة يعتبر عند فرض مهر المثل لها ,هل 11
في حالها عند عقد النّكاح ,لنّه المقتضي للوجوب ,أو في حالها عند الوطء ,لنّه وقت
ن البضع دخل بالعقد
الوجوب عند بعض الفقهاء ,أم يعتبر حالها من العقد إلى الوطء ,ل ّ
في ضمان الزّوج واقترن به التلف فوجب أكثر مهر مثلها من وقت عقدها إلى أن يطأها
زوجها كالمقبوض بشراء فاس ٍد .
والتّفصيل في مصطلح ( :مهر ) .
مَقَادِير *
التّعريف :
-المقادير جمع مقدارٍ ,ومقدار الشّيء في اللغة :مثله في العدد أو الكيل أو الوزن أو 1
المساحة .
ن.
والمقادير في الصطلح :ما يعرف به الشّيء من معدودٍ أو مكيلٍ أو موزو ٍ
اللفاظ ذات الصّلة :
الجزاف :
-الجزاف في اللغة :الشّيء ل يعلم كيله ول وزنه . 2
الشياء والموال أو معايرتها بها ,فالكيل لتقدير الحجم ,والوزن لتقدير الثّقل ,والذّرع
لتقدير الطول ,والمساحة والعدد لتقدير الحاد أو الفراد .
وبيان هذه الجناس فيما يلي :
أ ّولً :المكاييل :
-الوحدة الساسيّة الشهر في عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم للمكاييل هي المد 4
والصّاع ,وكلّ ما سوى ذلك من المكاييل المعتمد عليها إنّما هو جزء منها أو ضعف لها ,
قال أبو عبي ٍد :وجدنا الثار قد نقلت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه والتّابعين
بعدهم بثمانية أصنافٍ من المكاييل :الصّاع ,والمدّ ،والفرق ,والقسط ,والمدي ,
ن معظم ذلك في المدّ والصّاع .
والمختوم ,والقفيز ,والمكوك ,إل أ ّ
ولو أنّ الفقهاء اتّفقوا في مقدار الم ّد والصّاع لتّفقوا في كلّ المقادير الكيليّة الخرى ,إل
أنّهم لم يتّفقوا فيهما .
وأهم المكاييل الشّرعيّة مرتّبة على حروف الهجاء ما يلي :
أ -الردب :
-الردب بفتح الدّال وضمّها في اللغة :مكيال ضخم بمصر يسع أربعةً وستّين منا , 5
الحجازيّ ,والثّاني :صاع أهل العراق ,ويسمّى بالصّاع الحجّاجيّ ,أو القفيز الحجّاجيّ ,
أو الصّاع البغداديّ ,والوّل أصغر من الثّاني ,وقد نصب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّاع
الشّرعيّ الّذي تقدّر به الحكام الشّرعيّة المنوطة بالصّاع هو الصّاع الصغر .
مقدار الصّاع الشّرعيّ :
-اتّفق الفقهاء على أنّ الصّاع أربعة أمدادٍ ,إل أنّهم اختلفوا في المدّ ,فذهب أهل 8
العراق إلى أنّ المدّ رطلن بالعراقيّ ,وذهب أهل المدينة إلى أنّ المدّ رطل وثلث بالعراقيّ
ث بالرّطل العراقيّ ,وصاع أهل
,وعليه فإنّ صاع أهل المدينة يتّسع لخمسة أرطالٍ وثل ٍ
ي نفسه .
العراق يتّسع لثمانية أرطالٍ بالرّطل العراق ّ
ي هو صاع المدينة ,وذهب أبو حنيفة إلى أنّ
ن الصّاع الشّرع ّ
وقد ذهب الجمهور إلى أ ّ
صاع العراق هو الصّاع الشّرعي وهو المسمّى بالحجّاجيّ ,واضطربت الرّواية عن أبي
يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة .
قال أبو عبي ٍد :وقد كان يعقوب -أبو يوسف -زمانا يقول كقول أصحابه فيه ,ثمّ رجع
عنه إلى قول أهل المدينة .
). 7 وللتّفصيل وبيان أحكام الصّاع ( :ر :صاع ف
ما يناط بالصّاع من الحكام الشّرعيّة :
-تتعلّق بالصّاع أحكام شرعيّة كثيرة منها : 9
زكاة الفطر ,وكفّارة الفطار العامد في رمضان ,وكفّارة الظّهار ,وفدية الحرام ,وكفّارة
الفطار في رمضان لعذر مبيحٍ ,وكفّارة تأخير قضاء الصّوم ,ونفقة الزّوجة ,ومقدار
الماء الّذي يتوضّأ أو يغتسل به .
وتفصيل ذلك في مصطلحاتها من الموسوعة .
ج -ال َعرَق :
ص ,وهو
-من معاني العَرَق في اللغة بفتح العين والرّاء :ضفيرة تنسج من خو ٍ 10
المكتل والزّبيل أو الزّنبيل ,ويقال :إنّه يسع خمسة عشر صاعا .
والعَرَق في اصطلح الفقهاء :مكيل يسع خمسة عشر صاعا .
ما يناط بال َعرَق من الحكام الشّرعيّة :
-ل يعيّر الفقهاء بالعرق أيا من الحكام الشّرعيّة ,وقد يذكرونه على أنّه من 11
يذكره الفقهاء في زكاة العسل ,قال ابن قدامة :نصاب العسل عشرة أفراقٍ ,وهذا قول
ن رسول
الزهريّ ,وجهه ما روي عن عمر رضي ال تعالى عنه أنّ ناسا سألوه فقالوا :إ ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خليا من نحلٍ ،وإنّا نجد ناسا
يسرقونها فقال عمر رضي اللّه تعالى عنه إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشر أفراقٍ فرقا
حميناها لكم .
ق ستّة وثلثون
ن نصاب العسل خمسة أفراقٍ ,كل فر ٍ
وعن محمّد بن الحسن رحمه اللّه أ ّ
رطلً ,لنّه أقصى ما يقدّر به .
). 118 ( ر :صاع ف , 5وزكاة ف
هـ -القَدَح :
-القدح بالتّحريك في اللغة :إناء يروي الرّجلين ,أو اسم يجمع الصّغار والكبار , 14
باسمه في تعيين بعض النصبة ,من ذلك ما ذكره الشّربيني في نصاب الزّرع فقال :
ي ستمائةٍ ,وقول
فالنّصاب على قول السبكيّ خمسمائةٍ وستون قدحا ,وعلى قول القمول ّ
ن الصّاع قدحان
ي أوجه ,ل ّ
ن قول السبك ّ
القموليّ أوجه ,وإن قال بعض المتأخّرين :إ ّ
تقريبا .
و -القِربة :
-القِربة في اللغة بكسر القاف :ظرف من جلدٍ يخرز من جانبٍ واحدٍ ,وتستعمل لحفظ 16
وقد روت عائشة رضي ال عنها « :كنت أغتسل أنا والنّبي صلى ال عليه وسلم من إناءٍ
ح يقال له الفرق » ,قال أبو عبيدٍ :والفرق ستّة أقساطٍ ,ثمّ قال :وذلك أنّ
واحدٍ من قد ٍ
القسط نصف صاعٍ ,وتفسيره في الحديث نفسه حين ذكر الفرق فقال :وهو ستّة أقساطٍ .
ح -القفيز :
-القفيز في اللغة :مكيال ,وهو ثمانية مكاكيك ,وهو مفرد يجمع على أقفزةٍ 18
ن.
وقفزا ٍ
كما يطلق القفيز على مساحةٍ من الرض قدرها مائة وأربعة وأربعون ذراعا ,أو عشر
ب.
جري ٍ
وفي الصطلح قال القليوبي :القفيز مكتل يسع من الحبّ اثني عشر صاعا ,ثمّ قال :
ت ,وهو عشر الجريب .
والقفيز من الرض مسطّح ضرب قصبةٍ في عشر قصبا ٍ
ن القفيز الهاشميّ
ن القفيز ثمانية مكاكيك ,وقال ابن عابدين :إ ّ
وقال الكمال بن الهمام :إ ّ
صاع واحد ,وهو القفيز الّذي ورد عن عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه كما في
الهداية وهو ثمانية أرطا ٍل ,أربعة أمناءٍ ,وهو صاع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ,
وينسب إلى الحجّاج ,فيقال صاع حجّاجي ,لنّ الحجّاج أخرجه بعدما فقد .
وقال الماورديّ :والقفيز ثلثمائةٍ وستون ذراعا مكسّر ًة ,وهو عشر الجريب .
وقال ابن مفلحٍ :وقدر القفيز ثمانية أرطا ٍل بالمكّيّ نصّ عليه واختاره القاضي ،فيكون
ل ,وهو القفيز
ستّة عشر رطلً بالعراقيّ ,وقال أبو بكرٍ :قد قيل قدره ثلثون رط ً
الهاشمي ,وقدّم في المحرّر أنّ القفيز ثمانية أرطالٍ وهو صاع عمر رضي ال عنه ,
ي ،وهو المسمّى بالقفيز الحجّاجيّ
فغيّره الحجّاج ,نصّ عليه ,وذلك ثمانية أرطالٍ بالعراق ّ
.
ط -القُلّة :
-القُلّة بضمّ القاف في اللغة :من معانيها أنّها إناء للعرب كالجرّة الكبيرة شبه الحبّ , 19
ينجس بوضع النّجاسة فيه إل إذا تغيّرت أحد أوصافه فقد قدّره الشّافعيّة والحنابلة بقلّتين ،
قال المحلّي :ول تنجس قلّتا الماء بملقاة نجسٍ لحديث « :إذا كان الماء قلّتين لم يحمل
الخبث » وفي روايةٍ « :فإنّه ل ينجس » .
ي :وإذا كان الماء قلّتين وهو خمس قربٍ فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم
وقال الخرق ّ
ول لون ول رائحة فهو طاهر .
ف إلى
وقدّر الحنفيّة الكثير بما يستكثره النّاظر ,أو بما ل تخلص النّجاسة فيه من طر ٍ
ف آخر بحسب الظّنّ غالبا ,قال الحصكفي :والمعتبر في مقدار الرّاكد أكبر رأي
طر ٍ
المبتلى به فيه ,فإن غلب على ظنّه عدم خلوص أي وصول النّجاسة إلى الجانب الخر
جاز وإل ل .وعند الحنفيّة تقديره بما مساحة سطحه عشرة أذرعٍ في عشرة أذرعٍ .
وقال ابن عابدين :ووزن ذلك الماء بالقلل سبع عشرة قّل ًة وثلث خمس قّل ٍة .
ي -ال ُكرْ :
-الكُر في اللغة :بضمّ الكاف كيل معروف ,وجمعه أكرار ,قال الفيومي :وهو ستون 21
قفيزا .
وفي اصطلح الفقهاء قال الكمال بن الهمام :هو ستون قفيزا أو أربعون على خلفٍ فيه .
ما يناط بال ُكرّ من الحكام الشّرعيّة :
-ل يناط بالكُ ّر أي من الحكام الشّرعيّة ,وربّما استعمله بعضهم في التّمثيل لبيع 22
المثليّات وما يثبت في ال ّذمّة ,قال المرغيناني :ومن أسلم في ك ّر حنطةٍ فلمّا حلّ الجل
ب السّلم بقبضه قضاءً لم يكن قضاءً ,وإن أمره
اشترى المسلم إليه من رجلٍ كرا ,وأمر ر ّ
أن يقبضه له ث ّم يقبضه لنفسه فاكتاله له ث ّم اكتاله لنفسه جاز .
ك -الكِيلَجَة :
-الكِيلَجة بكسر الكاف وفتح اللم في اللغة :كيل معروف لهل العراق وهي منّ 23
وفي اصطلح الفقهاء هو الصّاع أيضا ,لما روى أبو سعيدٍ الخدريّ رضي ال عنه رفعه
قال « :ليس فيما دون خمسة أوسقٍ زكاة » والوسق ستون مختوما ,والمختوم هاهنا هو
الصّاع بعينه ,وإنّما سمّي مختوما لنّ المراء جعلت على أعله خاتما مطبوعا لئل يزاد
فيه أو ينقص منه .
ولبيان مقدار المختوم والحكام الشّرعيّة المنوط به ,ينظر مصطلح ( :صاع ) .
م -المد :
ض ّم في اللغة :من معانيه أنّه مكيال ,وهو رطلن ,أو رطل وثلث ,أو ملء
-المُد بال ّ 25
كفّي النسان المعتدل إذا ملهما وم ّد يده بهما ,وبه سمّي مدا ,وجمعه أمداد ,ومِدَدَة
كعنبة ,ومداد .
والمد في اصطلح الفقهاء :مكيال اتّفق الفقهاء على أنّه ربع صاعٍ .
واختلفوا في تقديره بالرّطل كاختلفهم في تقدير الصّاع بالرّطل ,فذهب الجمهور إلى أنّ
ي.
الم ّد رطل وثلث بالعراق ّ
وذهب الحنفيّة إلى أنّ المدّ رطلن بالعراقيّ .
هذا هو المد الشّرعي وهو الّذي ينصرف إليه اللّفظ عند الطلق ,وهنالك المد الشّامي
وهو صاعان ,أي ثمانية أمدادٍ شرع ّيةٍ ,قال ابن عابدين :وقد صرّح الشّارح في شرحه
على الملتقى في باب زكاة الخارج بأنّ الرّطل الشّاميّ ستمائة درهمٍ ,وأنّ المدّ الشّاميّ
صاعان .
ما يناط بالمدّ من الحكام الشّرعيّة :
-أكثر ما يناط بالمدّ من الحكام الشّرعيّة مقدار ماء الوضوء ومقدار صدقة الفطر , 26
ثماني أواقي ,أو نصف ويبةٍ ,أو ثلث كيلجاتٍ ,وهو م ّذكّر ,والجمع منه مكاكيك .
والمكوك في اصطلح الحنفيّة والمالكيّة :هو صاع ونصف ,وقال أبو عبيدٍ :هو صاعان
ونصف .
ما يناط بالمكوك من أحكا ٍم شرعيّةٍ :
-ل ينيط الفقهاء بالمكوك أحكاما شرع ّيةً مباشرةً ,وربّما أورده بعضهم تبعا لغيره من 29
المكاييل أو المقادير الشّرعيّة ,من ذلك ما قاله أبو عبيدٍ :فأمّا زكاة الرضين فإنّها إذا
ب وجبت فيها الزّكاة .
كانت بهذا المكوك عشرين ومائةً من حنطةٍ أو شعي ٍر أو تم ٍر أو زبي ٍ
.وذلك لنّ الزّكاة تجب في خمسة أوسقٍ ,والوسق ستون صاعا ,فجميعها ثلثمائة صاعٍ
ك.
,وهي عشرون ومائة مكو ٍ
ع -الوسق :
-الوَسق في اللغة :بفتح الواو :حمل بعيرٍ ,والجمع وسوق ,مثل فلسٍ وفلوس , 30
وحكى بعضهم كسر الواو لغةً وجمعه أوساق مثل حملٍ وأحمالٍ ,قال الزهري :الوسق
ستون صاعا بصاع النّبيّ صلى ال عليه وسلم ,ويجمع أيضا على أوسقٍ .
والوَسق في اصطلح الفقهاء ,مكيال هو حمل بعيرٍ ,وقد اتّفقوا على أنّه ستون صاعا
ي صلى ال عليه وسلم ,إل أنّهم اختلفوا في مقدار الصّاع على مذهبين فنتج
بصاع النّب ّ
عنه اختلفهم في مقدار الوسق .
). 3 ( ر :صاع ف
ما يناط بالوسق من الحكام الشّرعيّة :
-ذهب الجمهور إلى أنّ نصاب الزّكاة من الزروع خمسة أوسقٍ ,وخالف أبو حنيفة 31
وقال :تجب الزّكاة في القليل والكثير من الزروع ,وأنّه ل نصاب فيها ,قال ابن عابدين :
وهو الصّحيح كما في التحفة .
). 100 وللتّفصيل ينظر ( :زكاة ف
ف -الويبة :
-الويبة في اللغة :مكيال يسع اثنين وعشرين ,أو أربعةً وعشرين مدا بم ّد النّبيّ 32
الهمّ للوزان عند الفقهاء هو الدّرهم والدّينار والرّطل ,والوزان الخرى الّتي اعتمدها
الفقهاء في بعض الحكام أكثرها من أضعاف الدّرهم والدّينار أو من أجزائهما ,وبيان ذلك
فيما يلي :
وقد سبق الكلم عن الدّرهم والدّينار في مصطلحي ( :دراهم ودنانير ) .
أ -الستار :
-الستار بالكسر في اللغة :في العدد :أربعة وفي الزّنة :أربعة مثاقيل ونصف . 34
وفي اصطلح الفقهاء ,قال ابن عابدين :والستار بكسر الهمزة بالدّراهم ستّة ونصف ,
وبالمثاقيل أربعة ونصف ,كذا في شرح درر البحار .
والستار بالرطال جزء من ثلثين جزءا من الرّطل المدنيّ ,وجزء من عشرين جزءا من
الرّطل العراقيّ .
ب -الُوقيّة :
-الُوقيّة بضمّ الهمزة وبالتّشديد في اللغة :على وزن أفعولةٍ كالعجوبة والحدوثة 35
مفرد ,والجمع أواقي بالتّشديد وبالتّخفيف للتّخفيف ,والوقيّة لغةً وهي بض ّم الواو ,
وجرى على ألسنة النّاس بالفتح ,وهي لغة حكاها بعضهم ,وجمعها وقايا ,مثل عط ّيةٍ
وعطايا .وزنتها عند علماء اللغة سبعة مثاقيل ,أو أربعون درهما ,وقيل غير ذلك .
وعند الفقهاء الوقيّة أربعون درهما .
ما يناط بالوقيّة من الحكام الشّرعيّة :
-قليلً ما يذكر الفقهاء الوقيّة معيارا لحكم شرعيّ ,وربّما ذكروها على أنّها من 36
مضاعفات الدّرهم أو المثقال أو الرّطل ,وقد ورد عن عمر رضي ال عنه قال « :ما
علمت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ول أنكح شيئا من بناته على
أكثر من ثنتي عشرة أوق ّيةً » .
ي صلى ال عليه وسلم كم كان صداق
وعن أبي سلمة قال « :سألت عائشة زوج النّب ّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ فقالت :كان صداقه لزواجه ثنتي عشرة أوق ّيةً ونشا ،
قالت :أتدري ما النّش ؟ قال :قلت ل ،قالت :نصف أوق ّيةٍ » .
قال أبو منصو ٍر :خمس أواقٍ مائتا درهمٍ .
وقال الحسن وأبو عبي ٍد :الغنى ملك أوق ّيةٍ ,وهي أربعون درهما ,لما روى أبو سعيدٍ
الخدريّ رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلىاله عليه وسلم « :من سأل وله قيمة
أوق ّي ٍة فقد ألحف » .
ج -الحبّة :
س للحنطة وغيرها ممّا يكون في السنبل
-الحبّة في اللغة واحدة الحبّ ,وهو اسم جن ٍ 37
والكمام ,والجمع حبوب ,وحبّات وحباب ,وهي جزء من ثماني ٍة وأربعين جزءا من
الدّرهم .
والفقهاء قليلً ما يستعملون كلمة ح ّب ٍة من غير إضافةٍ ,وفي الغالب يضيفونها إلى الشّعير
فيقولون :حبّة الشّعير ,ويجعلونها معيارا لبعض المقادير الشّرعيّة كالدّرهم والقيراط ,
فإذا أطلقوها فالمراد بها حبّة الشّعير في الغالب ,قال ابن عابدين :صرّح المام السروجي
في الغاية بقوله :درهم مصر أربع وستون ح ّبةً ,وهو أكبر من درهم الزّكاة ,فالنّصاب
منه مائة وثمانون وحبّتان .ا هـ .
لكن نظر فيه صاحب الفتح بأنّه أصغر ل أكبر ,لنّ درهم الزّكاة سبعون شعيرةً ,ودرهم
مصر ل يزيد على أربعٍ وستّين شعيرةً .
وربّما أضاف الفقهاء الحبّة إلى القمح أو الخرنوب فقالوا عنها :قمحة أو خرنوبة ,قال
ت أو أربع قمحاتٍ لنّا اختبرنا الشّعيرة المتوسّطة مع
ابن عابدين :كل خرنوبةٍ أربع شعيرا ٍ
القمحة المتوسّطة فوجدناهما متساويتين .
ق من
وحبّة الشّعير عند الطلق هي حبّة الشّعير المتوسّطة الّتي لم تقشّر بعد قطع ما د ّ
طرفيها ,وهي معيار للدّرهم والمثقال ,ولكنّ الفقهاء اختلفوا في تعيير الدّرهم والمثقال
بها .
فذهب الجمهور إلى أنّ المثقال اثنتان وسبعون ح ّبةً ,والدّرهم خمسون ح ّبةً وخُمسا ح ّبةٍ .
وذهب الحنفيّة إلى أنّ المثقال مائة حبّة شعي ٍر ,والدّرهم سبعون ح ّبةً .
ما يناط بالحبّة من الحكام الشّرعيّة :
-الفقهاء يجعلون الحبّة معيارا للدّرهم والدّينار والقيراط . 38
د -الرّطل :
-الرَّطل في اللغة :بفتح الرّاء وكسرها والكسر أشهر :معيار يوزن به ,وهو مكيال 39
وفي اصطلح الفقهاء ,قال الكمال بن الهمام :قال أبو عبي ٍد في كتاب الموال :ولم يزل
طسّوج
طسّوجاتٍ ,وال َ
المثقال في آباد الدّهر محدودا ل يزيد ول ينقص ،والدّانق أربع َ
حبّتان ,والحبّة شعيرتان .
و -القَ ْفلَة :
-من معاني القَفْلَة في اللغة :الوازن من الدّراهم . 42
وفي اصطلح الفقهاء المراد بها وزنها ,وهي معيار لما هو أكبر منها من الوزان
كالدّرهم والدّينار ,ووزنها مسا ٍو لوزن حبّة الشّعير ,قال ابن عابدين :لنّا اختبرنا
الشّعيرة المتوسّطة مع القمحة المتوسّطة فوجدناهما متساويتين ,ثمّ قال :وهي ربع
قيراطٍ .
ح -القنطار :
-القنطار في اللغة :على وزن فنعا ٍل معيار ,وقال بعضهم :ليس له وزن عند 44
مكّة :ربع سدس دينار ,وفي العراق :نصف عشر دينا ٍر ,وقال بعض الحسّاب :القيراط
ق ,والدّرهم عندهم اثنتا عشرة ح ّبةً ,
في لغة اليونان حبّة خرنوبٍ ,وهو نصف دان ٍ
والحسّاب يقسّمون الشياء أربعةً وعشرين قيراطا ,لنّه أوّل عددٍ له ثمن وربع ونصف
وثلث صحيحات من غير كس ٍر .
وفي اصطلح الفقهاء كما هو في اللغة :مقدار قليل من الوزان ,وقد اختلف الفقهاء في
مقداره اختلفا يسيرا :
ن القيراط جزء من أربعة عشر جزءا من الدّرهم ,أو جزء من
فذهب الحنفيّة إلى أ ّ
عشرين جزءا من الدّينار ,وهما متساويان ,وهو وزن خمس حبّات شعيرٍ أو قمحٍ ,قال
ابن عابدين :والدّينار عشرون قيراطا ,والدّرهم أربعة عشر قيراطا ,والقيراط خمس
شعيراتٍ .
والقيراط عند المالكيّة أقل منه عند الحنفيّة ,قال الحطّاب :فيكون وزن الدّرهم الشّرعيّ
أربعة عشر قيراطا وثلثة أرباع قيراطٍ ونصف خمس قيراطٍ ,وهي خمسة عشر قيراطا إل
ثلثة أرباع خمس قيراطٍ .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ القيراط ثلث حبّاتٍ من الشّعير ,والدّرهم ستّة عشر قيراطا وأربعة
أخماس قيراطٍ ,وقيل :أربعة عشر قيراطا .
والدّرهم خمسون ح ّبةً وخُمسا ح ّب ٍة من الشّعير .
ما يناط بالقيراط من الحكام الشّرعيّة :
-ل ينيط الفقهاء بالقيراط أحكاما شرع ّيةً ,وقد يجعلونه معيارا لبعض المقادير 47
درهم وثلثة أسباعٍ درهمٍ ,وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم .
وفي اصطلح الفقهاء المثقال وزن الدّينار من الذّهب ,قال الكمال بن الهمام :والظّاهر أنّ
المثقال اسم للمقدار المقدّر به ,والدّينار اسم للمقدّر به بقيد ذهبيّته ,وقال ابن عابدين
بعدما أورد هذه العبارة عن الفتح :وحاصله أنّ الدّينار اسم للقطعة من الذّهب المضروبة
المقدّرة بالمثقال ,فاتّحادهما من حيث الوزن وجميع الئمّة على ذلك أيضا .
.)8- 7 والتّفصيل في مصطلح ( :دنانير ف
ك -المنّ :
-المن في اللغة :ومثله المنا :مكيال يكال به السّمن وغيره ,وقيل هو ميزان قدره 49
رطلن ,وهو مفرد يجمع على أمنانٍ ,والمنا يجمع على أمنا ٍء .
وفي اصطلح الفقهاء قال الحنفيّة :المن رطلن بغداديّان ,قال ابن عابدين :المد والمن
سواء كل منهما ربع صاعٍ رطلن بالعراقيّ .
ن صغي ٍر ومنّ كبي ٍر ,أمّا المن الصّغير فهو رطلن
وقد قسّم الشّافعيّة المنّ إلى نوعين ,م ّ
بغداديّان ,وأمّا المن الكبير فهو ستمائة درهمٍ .
ما يناط به من الحكام الشّرعيّة :
ن أحكاما شرع ّيةً مباشرةً ,ولكن يذكرونه معيارا لبعض المقادير
-ل ينيط الفقهاء بالم ّ 50
عشرون ,أو عشرة ,والوقيّة من الذّهب ,وأربعة دنانير ,أو ما زنته خمسة دراهم ,
وقيل غير ذلك .
واختلف في تقدير النّواة في اصطلح الفقهاء للختلف في تفسير النّواة في حديث أنسٍ
رضي ال تعالى عنه وهو « :أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن
عوف أثر صفرة ,فقال :ما هذا ؟ قال :إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ,قال
:بارك ال لك ,أو لم ولو بشاة » .
ثالثا :الطوال والمساحات :
اعتمد الفقهاء في قياس الطول والمساحة على عددٍ من المقاييس أهمّها مرتّبا على حروف
الهجاء كما يلي :
أ -الصبَع :
-الصبع في اللغة :مؤنّثة ويجوز فيها التّذكير والتّأنيث أشهر ,وفيها عشر لغاتٍ 53
تثليث الهمزة مع تثليث الباء ,والعاشرة :أصبوع وزان عصفورٍ ,والمشهور من لغاتها
كسر الهمرة مع فتح الباء ,وهي واحدة الصابع والصابيع .
ت شعيراتٍ معتدلتٍ بطن
والصبع في اصطلح الفقهاء مقياس للطول يساوي عرض س ّ
إحداها لظهر الخرى والشّعيرة ست شعرات بغلٍ .
قال ابن عابدين :وهي -أي الصبع -ست شعيراتٍ ظهر لبطن وهي -أي الشّعيرة -
ست شعرات بغلٍ .
ما يناط بالصبع من الحكام الشّرعيّة :
-ل ينيط الفقهاء بالصبع من المساحات أيا من الحكام الشّرعيّة ولكن يجعلونها 54
وقال أبو حاتمٍ :هو م ّذكّر يقال هذا باع ,وهو مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما يمينا
وشمالً .
ع.
والباع في اصطلح الفقهاء ,مختلف فيه بينهم ,فقال الحنفيّة :إنّه أربعة أذر ٍ
وذهب المالكيّة إلى أنّ الباع ذراعان .
ما يناط بالباع من الحكام الشّرعيّة :
-ل ينيط الفقهاء بالباع أحكاما شرع ّي ًة ,ولكنّهم يذكرونه في أضعاف الذّراع ,وفي 56
برد .
والبريد في اصطلح الفقهاء أربعة فراسخ ,وفي قو ٍل مرجوحٍ للمالكيّة هو فرسخان .
ما يناط بالبريد من الحكام الشّرعيّة :
ي المثبت للرخص يرتبط بالمسافة ومسافة
-جمهور الفقهاء على أنّ السّفر الشّرع ّ 58
على خَطواتٍ كشَهوات ,والمضموم يجمع على خُطىً وخُطواتٍ كغُرف وغُرفاتٍ .
والخطوة في اصطلح الفقهاء جزء من أربعة آلف جز ٍء من الميل ,فقد نصّ الشّافعيّة ,
وهو قول عند الحنفيّة على أنّ الميل أربعة آلف خطوةٍ ,كما نصّ الشّافعيّة على أنّ
الخطوة ثلثة أقدامٍ .
الحكام الشّرعيّة المنوطة بالخطوة :
-ل ينيط الفقهاء بالخطوة أحكاما شرع ّيةً ,وربّما ذكروها عرضا في بعض الحكام , 62
من ذلك ما ذكره ابن قدامة حيث قال :قال القاضي :لو خرج إلى ضيعةٍ له ففارق البنيان
والمنازل ولو بخمسين خطوةٍ جاز له التّيمم والصّلة على الرّاحلة .
و -الذّراع :
-الذّراع في اللغة :اليد من كلّ حيوانٍ ,لكنّها في النسان من المرفق إلى أطراف 63
الصابع ,أو من المرفق إلى طرف الصبع الوسطى ,ويجري بها القياس ,وهي ذراع
النسان المتوسّط ,وقدّرت بستّ قبضاتٍ معتدلتٍ ,وتسمّى ذراع العامّة ,وهي مؤنّثة
وبعض العرب يذكّرها .
والذّراع في اصطلح الفقهاء مقياس للطول ,ولها أنواع مختلفة الطول ,وقد ذكر
ي لها سبعة أنواعٍ ,فقال :وأمّا الذّراع فالذرع سبع ,أقصرها القاضية ,ثمّ
الماورد ّ
اليوسفيّة ,ثمّ السّوداء ,ثمّ الهاشميّة الصغرى وهي البلليّة ,ثمّ الهاشميّة الكبرى وهي
الزّياديّة ,ثمّ العمريّة ,ث ّم الميزانيّة ,وذلك بحسب اسم واضعها .
وقد بيّن ذلك الماورديّ فقال :فأمّا القاضية ,وتسمّى ذراع الدور فهي أقل من ذراع
السّوداء بإصبع وثلثي إصب ٍع ,وأوّل من وضعها ابن أبي ليلى القاضي ,وبها يتعامل أهل
كلواذي .
وأمّا اليوسفيّة ,وهي الّتي تذرّع بها القضاة الدور بمدينة السّلم ,فهي أقل من الذّراع
السّوداء ,بثلثي إصب ٍع ,وأوّل من وضعها أبو يوسف القاضي .
وأمّا الذّراع السّوداء فهي أطول من ذراع الدور بإصبع وثلثي إصبعٍ ,وأوّل من وضعها
الرّشيد قدرها بذراع خادمٍ أسود كان على رأسه ,وهي الّتي يتعامل بها النّاس في ذراع
الب ّز ,والتّجارة ,والبنية ,وقياس نيل مصر .
وأمّا الذّراع الهاشميّة الصغرى وهي البلليّة فهي أطول من الذّراع السّوداء بإصبعين
وثلثي إصبعٍ ,وأوّل من أحدثها بلل بن أبي بردة ,وذكر أنّها ذراع جدّه أبي موسى
الشعريّ رضي ال تعالى عنه ,وهي أنقص من الزّياديّة بثلثة أرباع عشرٍ ,وبها يتعامل
النّاس بالبصرة والكوفة .
وأمّا الهاشميّة الكبرى وهي ذراع الملك ,وأوّل من نقلها إلى الهاشميّة المنصور ,فهي
أطول من الذّراع السّوداء بخمس أصابع وثلثي إصب ٍع ,فتكون ذراعا وثمنا وعشرا
بالسّوداء ,وتنقص عنها الهاشميّة الصغرى بثلثة أرباع عش ٍر ,وسمّيت زياد ّيةً لنّ زيادا
مسح بها أرض السّواد ,وهي الّتي يزرع بها أهل الهواز .
وأمّا الذّراع العمريّة ,فهي ذراع عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه الّتي مسح بها
أرض السّواد ,وقال موسى بن طلحة :رأيت ذراع عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه
الّتي مسح بها أرض السّواد ,وهي ذراع وقبضة وإبهام قائمة ,قال الحكم بن عيينة :
ن عمر رضي ال تعالى عنه عمد إلى أطولها ذراعا وأقصرها وأوسطها ,فجمع منها
أّ
ثلث ًة وأخذ الثلث منها ,وزاد عليه قبضةً وإبهاما قائمةً ثمّ ختم طرفيها بالرّصاص وبعث
بذلك إلى حذيفة وعثمان بن حنيفٍ حتّى مسحا بها السّواد ,وكان أوّل من مسح بها بعده
عمر بن هبيرة .
أمّا الذّراع الميزانيّة ,فتكون بالذّراع السّوداء ذراعين وثلثي ذراعٍ وثلثي إصب ٍع ,وأوّل
من وضعها المأمون ,وهي الّتي يتعامل النّاس فيها في ذرع البرائد والمساكن والسواق
وكراء النهار والحفائر .
-وقد اختلف الفقهاء في الذّراع الّتي تقدّر بها المقدّرات الشّرعيّة على أقوالٍ كما يلي 64
:اختلف الحنفيّة في الذّراع الشّرعيّة ,والمختار عندهم ذراع الكرباس ,وعليه الفتوى ,
ت فقط ,أي بل إصبعٍ قائمةٍ ,وهذا ما في الولوالجيّة ,وفي البحر أنّ في
وهو سبع قبضا ٍ
كثي ٍر من الكتب أنّه ست قبضاتٍ ليس فوق كلّ قبضةٍ إصبع قائمة ,فهو أربع وعشرون
إصبعا ,والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومةٍ ,قال ابن عابدين :وهو قريب من ذراع
اليد ,لنّه ست قبضاتٍ وشيء ,وذلك شبران .
ن ذراعهم قال
ن ومكا ٍ
وقال ابن عابدين :نقلً عن المحيط والكافي :أنّه يعتبر في كلّ زما ٍ
في النّهر :وهو النسب .
ن الذّراع ست وثلثون إصبعا ,قال التّسولي :والذّراع ما بين طرفي
وذهب المالكيّة إلى أ ّ
المرفق ورأس الصبع الوسطى ,كل ذراعٍ ست وثلثون إصبعا ,وفي قولٍ آخر لبن
ب مؤدّاه أنّ الذّراع أربع وعشرون إصبعا ,وقال التّسولي :وقال ابن حبيبٍ :والذّراع
حبي ٍ
شبران ,والشّبر اثنا عشر أصبعا .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الذّراع أربعة وعشرون إصبعا ,قال الشّربيني الخطيب :والذّراع
أربعة وعشرون إصبعا معترضاتٍ .
الحكام الشّرعيّة المنوطة بالذّراع :
-استعمل الحنفيّة الذّراع في مواضع منها مقدار الماء الكثير ,فقد ورد عنهم أنّ 65
وبالسكون يجمع على شعورٍ ,وبالفتح على أشعارٍ وهو من النسان وغيره ,وهو م ّذكّر
الواحدة منه شعرة ,وإنّما جمع الشّعر تشبيها لسم الجنس بالمفرد .
صةً وهو البغل ,وهي
والشّعرة في اصطلح الفقهاء عند الطلق هي شعرة البرذون خا ّ
في المقياس من أجزاء الصبع والذّراع عندهم ,ومقدارها سدس عرض شعيرةٍ بالتّفاق .
الحكام الشّرعيّة المنوط بالشّعرة :
-ل ينيط الفقهاء بالشّعرة أحكاما شرع ّيةً مباشر ًة ,ولكنّهم يذكرون الشّعرة معيارا 69
الوزان والطوال كما تقدّم ,ثمّ هم يذكرون الشّعير من حيث هو مادّة غذائيّة ذات قيمةٍ
مال ّيةٍ في زكاة الزروع ,وفي صدقة الفطر ,وفي النّفقة .
وما بعدها ,ونفقة 10 وربا ف 12 ,وزكاة الفطر ف 97 والتّفصيل في مصطلح ( :زكاة ف
).
ي -العَشير :
-العشير في اللغة :العشر وكذلك المعشار والعشر جزء من عشرة أجزا ٍء وقيل :إنّ 72
أربعمائةٍ ,وجمعها غلوات ,أو هي جزء من خمسةٍ وعشرين جزءا من الفرسخ .
ع ,وقيل :ثلثمائةٍ إلى
وقد اختلفت أقوال الفقهاء في مقدار الغلوة فقيل :هي ثلثمائة ذرا ٍ
ق بشيء مقدّرٍ ,قال ابن عابدين
أربعمائة خطوةٍ ,وقيل :هي رمية سه ٍم دون تحديدٍ دقي ٍ
ع إلى أربعمائةٍ هو الصح .
نقلً عن البحر الرّائق عن المجتبى :هي ثلثمائة ذرا ٍ
ما يناط بالغلوة من أحكامٍ :
-قليلً ما يذكر الفقهاء الغلوة في تقديرهم للحكام الشّرعيّة ,وقد ذكر بعضهم تقدير 75
البعد الّذي يجب على المتيمّم طلب الماء منه لصحّة تيممه بأنّه قدر غلو ٍة ,قال الحصكفي
:ويجب أن يفترض طلبه ولو برسوله -أي الماء لصحّة التّيمم عند عدمه -قدر غلوةٍ .
وقال النّووي :فإن احتاج إلى ترد ٍد -أي المتيمّم عند طلبه للماء -تردّد قدر نظره ,قال
الشّربيني تعليقا على ذلك :قدر نظره أي في المستوى من الرض ,وفي الشّرح الصّغير
بغلوة سهمٍ ,أي غاية رمي ٍة .
وقد ذكر الحصكفي الغلوة لتقدير بعد الفناء عن البنيان الّذي يجب على المرء مغادرته ليعدّ
مسافرا ,فقال :وفي الخانية :إن كان بين الفناء والمصر أقل من غلو ٍة وليس بينهما
مزرعة يشترط مجاوزته وإل فل .
ل -الفرسخ :
ي ,أو خمسة وعشرون غلوةً ,أو اثنا عشر
-الفرسخ في اللغة :ثلثة أميالٍ بالهاشم ّ 76
بالصّاد المهملة والقبضة أربع أصابع .وفي اصطلح الفقهاء :القبضة أربع أصابع من
أصابع يد النسان المعتدلة ,وهي من أجزاء الذّراع ,ومن أضعاف الصبع ,قال ابن
ل عن نوحٍ أفندي :والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومةٍ ,قال ابن عابدين :
عابدين نق ً
وهو -أي الذّراع -قريب من ذراع اليد لنّه ست قبضاتٍ وشيء ,وذلك شبران .
ما يناط بالقبضة من أحكامٍ :
-ل يذكر الفقهاء كثيرا القبضة في تقدير الحكام الشّرعيّة ولكنّهم يذكرونها في تقدير 79
أضعافها بها ,وفي حساب أجزائها ,كالذّراع والصبع ,وربّما ذكرها بعضهم عرضا في
ج ,فقد قال
بعض الحكام ,من ذلك ما يجب في كفّارة مخالفة أحكام الحرام للحا ّ
الحصكفي :وإن طيّب أق ّل من عضوٍ أو ستر رأسه أو لبس أق ّل من يومٍ تصدّق بنصف
صاعٍ ,وفي الخزانة في السّاعة نصف صاعٍ ,وفيما دونها قبضة ,أي قبضة من طعامٍ
يتصدّق بها .
ق -القدم :
-القدم في النسان ما يطأ الرض من الرّجل ,وفوقها السّاق ,وبينهما المفصل 80
المسمّى الرسغ أو الكعب ,والقدم مؤنّثة ,وهي مفرد يجمع على أقدامٍ .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ ,إل أنّ الفقهاء قد يستعملون القدم
وحدةً لقياس المسافة ,ويجعلونها من أجزاء الذّراع والميل ,قال الشّربيني الخطيب :
والقدمان ذراع ,وقال المقدسي :والميل اثنا عشر ألف قدمٍ .
ما يناط بالقدم من أحكا ٍم شرع ّيةٍ :
-يذكر الفقهاء أحكام القدم بصفتها عضوا من أعضاء النسان في أبوابٍ عدّ ٍة من 81
ع -المرحلة :
-المرحلة في اللغة المسافة الّتي يقطعها المسافر في يومٍ ,والجمع مراحل . 84
والمرحلة في اصطلح الفقهاء ل تخرج عن معناها اللغويّ ,وقد حاول الفقهاء ضبطها
بالمسافة والزّمن .
قال ابن عابدين من الحنفيّة :قال في النّهاية أي التّقدير بثلث مراحل قريب من التّقدير
ن المعتاد من السّير في كلّ يومٍ مرحلةً واحدةً خصوصا في أقصر أيّام السّنة
بثلثة أيّامٍ ,ل ّ
.ونقل عن الفتح أنّه قيل :يقدّر بواحد وعشرين فرسخا ,وقيل :بثمانية عشر ,وقيل :
بخمسة عشر ,وكل من قدّر منها اعتقد أنّه مسيرة ثلثة أيّامٍ ,أي بناءً على اختلف
البلدان .
وقال الدسوقي من المالكيّة :مرحلتان أي سير يومين معتدلين ,أو يوم وليلة بسير البل
المثقّلة بالحمال على المعتاد .
وقال الشّربيني الخطيب من الشّافعيّة :وهما -أي المرحلتان -سير يومين بل ليلةٍ
معتدلين ,أو ليلتين بل يومٍ معتدلتين ,أو يوم وليلة كذلك بسير الثقال ,أي الحيوانات
المثقّلة بالحمال ,ودبيب القدام على العادة المعتادة من النزول والستراحة والكل
والصّلة ونحوه .
ما يناط بالمرحلة من الحكام الشّرعيّة :
-أناط الفقهاء بالمراحل السّفر المثبت للرخص كالقصر في الصّلة وجمع الصّلوات وقد 85
ذهب الجمهور إلى أنّ السّفر المثبت للرخص ما كان قدر مرحلتين وقدّروه بستّة عشر
فرسخا ,أو أربعة بردٍ ,أو ثمانيةً وأربعين ميلً .
قال الدّردير :وهي -أي مسافة السّفر -باعتبار الزّمان مرحلتان أي سير يومين
معتدلين ،وقال الدسوقي :فالعبرة بالربعة البرد .
وقال النّووي :وطويل السّفر ثمانية وأربعون ميلً هاشم ّيةً ,قال وهو مرحلتان بسير
الثقال .
وقال المقدسي :يبلغ سفره ذهابا ستّة عشر فرسخا تقريبا ،وهي يومان .
أمّا الحنفيّة فقد نصوا على أنّ مسافة السّفر المثبت للرخص هي ثلث مراحل ,قال ابن
عابدين :التّقدير بثلث مراحل قريب من التّقدير بثلثة أيّامٍ ,ول عبرة عند جمهور
الحنفيّة للمسافة ,بل العبرة للزّمن فقط على المذهب ,وقال الحصكفي :ول اعتبار
بالفراسخ على المذهب .
ل هاشميا ,أو بريدين
فالمرحلة من حيث المسافة عند الجمهور تساوي أربعةً وعشرين مي ً
,أو ثمانية فراسخ ,وكلها متساوية .
وعند الحنفيّة المرحلة ستّة فراسخ ,وقيل خمسة فراسخ ,وقيل سبعة فراسخ ,والفتوى
على الوّل .
أمّا من حيث الزّمان ,فالمرحلة عند الجمهور مسيرة يومٍ كاملٍ معتدلٍ ,أو ليل ٍة كاملةٍ
معتدلةٍ بسير الحيوانات المثقّلة بالحمال ,واليوم من طلوع الشّمس إلى غيابها ,ويغتفر
وقت النزول المعتاد للرّاحة أو إصلح المتاع أو الصّلة .
أمّا الحنفيّة فالمرحلة عندهم هي مسيرة يومٍ من أقصر أيّام السّنة ,ول يشترط سفر كلّ
اليوم إلى اللّيل ,بل من طلوع الفجر الصّادق إلى الزّوال فقط ,وقد قدّروا ذلك في مصر
ت إل ربعا ,وفي الشّام بستّ ساعاتٍ وثلثي السّاعة .
بسبع ساعا ٍ
ف -المِيل :
-الميل في اللغة :بكسر الميم مقدار مدى البصر من الرض قاله الزهري ,وعند 86
القدماء من أهل الهيئة ثلثة آلف ذراعٍ ,وعند المحدثين أربعة آلف ذراعٍ ,قال الفيومي
ن مقداره ست وتسعون ألف إصبعٍ ,والصبع ست
:الخلف لفظي ,لنّهم اتّفقوا على أ ّ
شعيراتٍ بطن كلّ واحدةٍ إلى الخرى ,ولكن القدماء يقولون :الذّراع اثنتان وثلثون
أصبعا والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعا ,وعلى ذلك فالخلف في الذّراع وليس
في الميل .
والميل في اصطلح الفقهاء مختلف فيه بينهم على أقوالٍ :
فذهب الحنفيّة إلى أنّه أربعة آلف ذراعٍ .
ع وخمسمائة ذراعٍ ,وقال ابن
وللمالكيّة قولن :ذهب ابن عبد الب ّر إلى أنّه ثلثة آلف ذرا ٍ
ب :الميل ألف باعٍ ,والباع ذراعان فيكون الميل ألفي ذراعٍ ,وقال الدسوقي :
حبي ٍ
ن الميل ألفا ذراعٍ ,والصّحيح أنّه ثلثة آلف ذراعٍ وخمسمائةٍ .
والمشهور أ ّ
وقال الشّافعيّة :الميل أربعة آلف خطوةٍ .
وقال الحنابلة :الميل الهاشمي ستّة آلف ذراعٍ بذراع اليد ,وهي اثنا عشر ألف قدمٍ .
ما يناط بالميل من الحكام الشّرعيّة :
-ينيط الفقهاء بالميل بعض الحكام الشّرعيّة ,أهمها مسافة السّفر المثبت للرخص 87
على أنّه جزء من أجزاء الفرسخ ,وقد تقدّم ذلك في فرسخ .
كما يعلّق بعض الفقهاء بالميل مسافة بعد الماء لباحة التّيمم .
فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ البعد عن الماء المبيح للتّيمم هو ميل ,قال الحصكفي :من عجز
عن استعمال الماء المطلق الكافي لطهارته لصلة تفوت إلى خلفٍ لبعده ولو مقيما في
ع تيمم .
ل أربعة آلف ذرا ٍ
المصر مي ً
ن أو تيقّن عدم وجود الماء فل يجب عليه
وقدّر المالكيّة هذه المسافة بميلين إل إذا ظ ّ
ق عليه بالفعل طلبه ,فإنّه ل يلزمه طلبه .
الطّلب أصلً ,وكذلك إذا ش ّ
وقدّر بعض الشّافعيّة المسافة بنصف فرسخٍ ,وهو ميل ونصف ,قال الشّربيني الخطيب :
لعلّه يقرب من نصف فرسخٍ .
مُقَا َرضَة *
انظر :مضاربة .
مُقَاسَمة *
التّعريف :
-المقاسمة لغةً :مصدر قاسم يقال :قاسم فلن فلنا ,أخذ كل منهما قسمه , 1
وقاسمته :حلفت له ,وقاسمته المال وهو قسيمي ,فعيل بمعنى فاعلٍ ,مثل جالسته
ونادمته وهو جليسي ونديمي .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المشاركة :
-المشاركة في اللغة مصدر شارك يقال :شارك فلن فلنا مشاركةً ,وفعله الثلثي : 2
شرك ,يقال :شرك فلنا في المر شركا وشركةً :كان لكلّ منهما نصيب منه ,فهو
شريك .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
والصّلة بين المقاسمة والمشاركة التّضاد .
ب -المحاصّة :
ص ًة وحصاصا :قاسمه فأخذ كل واحدٍ
-المحاصّة في اللغة :مصدر يقال :حاصّه محا ّ 3
منهما حصّته أي نصيبه ,وتحاصّ الغرماء :اقتسموا المال بينهم حصصا .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
ن المحاصّة ل
والصّلة بين المحاصّة والمقاسمة :هو أنّ المقاسمة أعم من المحاصّة ,ل ّ
تكون إل إذا لم يف المال بالحقوق وإن كان الثنان يشتركان في التّقسيم والفراز .
ج -المهايأة :
-المهايأة في اللغة :مفاعلة من الهيئة وهي الحالة الظّاهرة للمتهيّئ للشّيء ,قال 4
الفيومي :تهايأ القوم تهايؤا من الهيئة :جعلوا لكلّ واحدٍ هيئ ًة معلومةً ,والمراد النّوبة ,
ن الشّريك الثّاني ينتفع بالعين على
فكل من الشّريكين يرضى بهيئة واحدةٍ ويختارها ,أو أ ّ
الهيئة الّتي ينتفع بها الشّريك الوّل ,أي أن يتواضعوا على أمرٍ فيتراضوا به .
ن كلّ واحدٍ فيها إمّا أن يرضى بهيئة واحدةٍ
والمهايأة اصطلحا :قسمة المنافع ,ل ّ
ويختارها ,وإمّا أنّ الشّريك الثّاني ينتفع بالعين على الهيئة الّتي وقع بها انتفاع شريكه
الوّل ,فالمقاسمة أعم من المهايأة .
مقاسمة الجدّ الخوة في الميراث :
-ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والصّاحبين من الحنفيّة إلى 5
ويجعل على أراضيهم خراج المقاسمة ,وهو أن يؤخذ منهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه
وأنّه جائز لما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هكذا فعل لمّا فتح خيبر .
ويكون حكم هذا الخراج حكم العشر ,ويكون ذلك في الخارج كالعشر إل أنّه يوضع موضع
الخراج ,لنّه خراج في الحقيقة .
). 15 وتفصيله في ( :خراج ف
مقاسمة أحد الشّريكين :
-قال الفقهاء :لو سأل أحد الشّريكين شريكه مقاسمته فامتنع أجبره الحاكم على ذلك 7
إذا أثبت عنده ملكها ,وكان مثله ينقسم وينتفعان به مقسوما .
وما بعدها ) . 12 وتفصيل ذلك في ( :قسمة ف
مقاسمة السّاعي الثّمرة بعد جنيها في الرطب والعنب :
-نصّ الحنابلة على أنّه إذا احتيج إلى قطع الثّمرة قبل كمالها خوفا من العطش أو 8
لضعف الجمار جاز قطعها ,وكذلك إذا أراد قطع الثّمرة لتحسين الباقي منها جاز ,وإذا
ب المال الثّمرة قبل الجذاذ بالخرص
أراد ذلك فقال القاضي :يخيّر السّاعي بين أن يقاسم ر ّ
,ويأخذ نصيب الفقراء نخل ًة مفردةً ويأخذ ثمرتها ,وبين أن يجذّها ويقاسمه إيّاها بالكيل
ب المال أو من غيره قبل الجذاذ أو بعده
ويقسم الثّمرة في الفقراء ,وبين أن يبيعها من ر ّ
ويقسم ثمنها في الفقراء ,وقال أبو بكرٍ :عليه الزّكاة فيه يابسا ,وذكر أنّ أحمد نصّ
عليه وكذلك الحكم في العنب الّذي ل يجيء منه زبيب ,والرطب الّذي ل يجيء منه تمر
). 117 جيّد .وتفصيل ذلك في ( :زكاة ف
مَقَاصِد الشّريعة *
التّعريف :
-المقاصد في اللغة :جمع مقصدٍ ,وهو :الوجهة أو المكان المقصود . 1
وفي الصطلح :لم يتعرّض علماء الصول إلى تعريف المقاصد ,والّذي يستخلص من
كلمهم في ذلك :أنّها المعاني والحكم الملحوظة للشّارع في جميع أحوال التّشريع أو
ص من أحكام الشّريعة .
ع خا ّ
معظمها ,بحيث ل تختص ملحظتها بالكون في نو ٍ
أنواع المقاصد :
-قال الشّاطبي في بيان قصد الشّارع في وضع الشّريعة :تكاليف الشّريعة ترجع إلى 2
مُقاصّة *
التّعريف :
-المقاصّة في اللغة :مصدر قاصّه إذا كان له عليه دين مثل ما على صاحبه ,فجعل 1
فإذا أحلت شخصا بدينك فقد نقلته إلى ذ ّمةٍ غير ذمّتك .
وفي الصطلح :نقل الدّين من ذ ّمةٍ إلى ذ ّم ٍة أخرى .
والصّلة بين المقاصّة والحوالة :أنّ المقاصّة سقوط أحد الدّينين بمثله بشروطه ,والحوالة
نقل للدّين .
ب -البراء :
-من معاني البراء في اللغة :التّنزيه والتّخليص والمباعدة عن الشّيء . 3
عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال « :كنت أبيع البل بالبقيع فأبيع بالدّنانير
وآخذ الدّراهم ,وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ,آخذ هذه من هذه ,وأعطي هذه من هذه
فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في بيت حفصة فقلت :يا رسول اللّه ,
رويدك أسألك إنّي أبيع البل بالبقيع فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم وأبيع بالدّراهم وآخذ
الدّنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه ,قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :ل
بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء » ,وهذا نص على جواز
الستبدال من ثمن المبيع الّذي في ال ّذمّة بغيره .
ن قبض نفس الدّين ل يتصوّر ,لنّه عبارة عن ما ٍل حكميّ في ال ّذمّة ,
وأمّا المعقول :فل ّ
أو عبارة عن الفعل ,وكل ذلك ل يتصوّر فيه قبضه حقيقةً ,فكان قبضه بقبض بدله وهو
قبض الدّين ,فتصير العين المقبوضة مضمونةً على القابض وفي ذمّة المقبوض منه مثلها
في الماليّة ,فيلتقيان قصاصا ,هذا هو طريق قبض الديون ,وهذا المعنى ل يوجب الفصل
ن المقاصّة إنّما
بين أن يكون المقبوض من جنس ما عليه ,أو من خلف جنسه ,ل ّ
تتحقّق بالمعنى وهو الماليّة ,والموال كلها في معنى الماليّة جنس واحد .
أنواع المقاصّة :
-المقاصّة نوعان : 5
دينٍ ,فإن تحوّلت جازت المقاصّة بالدّين الّذي تحوّلت العين إليه بشروطه .
-وقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو كان الدّينان من جنسين متفاوتين في الوصف أو الجل 7
أو كان أحدهما مكسورا والخر صحيحا ل تقع المقاصّة الجبريّة بينهما ما لم يتقاصّ
المتداينان باختيارهما .
وإذا أتلف الدّائن عينا من مال المديون وكانت من جنس الدّين سقطت قصاصا ,وإن كانت
من خلفه فل تقع المقاصّة بل تراضيهما .
وطريقة المقاصّة مطلقا أنّها تقع بقدر القلّ من الدّينين :فإن كان لحدهما مائة رٍ دينا
ل ,وتقاصّا يسقط من قيمة الجنيهات قصاصا
على الخر ,وللمديون عليه مائة جنيهٍ مث ً
بقدر الرّيالت ويبقى لصاحب الجنيهات ما بقي منها .
وكذلك لو كان للدّائن على المديون مائة درهمٍ ,وللمديون على الدّائن مائة دينارٍ ,فإذا
تقاصّا :تصير الدّراهم قصاصا بمائة من قيمة الدّنانير ,ويبقى لصاحب الدّراهم ما بقي
منها .
-وقال المالكيّة :المقاصّة في الديون منها ما يجوز ,ومنها ما ل يجوز ,والجواز 8
نظير للمتاركة ,والمنع تغليب للمعاوضة أو الحوالة إذا لم تتمّ شروطها ,وإذا قويت
التهمة وقع المنع ,وإن فقدت حصل الجواز ,وإن ضعفت حصل الخلف .
فإذا كان لرجل على آخر دين وكان لذلك الخر عليه دين فأراد اقتطاع أحد الدّينين من
الخر لتقع البراءة بذلك ففي ذلك تفصيل :وذلك أنّه ل يخلو أن يتّفق جنس الدّينين أو
يختلفا ،فإن اختلفا جازت المقاصّة مثل أن يكون أحد الدّينين عينا والخر طعاما أو عرضا
,أو يكون أحدهما عرضا والخر طعاما .
وإن اتّفق جنس الدّينين فل يخلو :
-أ -أن يكون أصلهما عينين :فتجوز المقاصّة في ديني العين مطلقا أي سواء كانا 9
من بي ٍع ,أو من قرضٍ ,أو أحدهما من بيعٍ والخر من قرضٍ بشروط هي :
أن يتّحدا قدرا وصفةً حلّ الدّينان معا أو حلّ أحدهما أم ل ,بأن كانا مؤجّلين اتّفق أجلهما
أو اختلف .
ن المقصود المعاوضة والمبارأة وقد تحقّقت .
وإنّما جازت المقاصّة في هذه الصور ,ل ّ
وأمّا إن اختلف دينا العين في الصّفة أي :الجودة والرّداءة مع اتّحادهما في القدر أي
الوزن والعدد سواء كان ذلك مع اتّحاد النّوع كدراهم محمّد ّيةٍ ويزيد ّيةٍ ,أو مع اختلفه
ض أو اختلفا
ضةٍ ,فكذلك تجوز المقاصّة إن حل معا سواء كانا من بي ٍع أو من قر ٍ
كذهب وف ّ
ض ,إذ هي مع اتّحاد النّوع مبادلة ما في ال ّذمّة ,
بأن كان أحدهما من بي ٍع والخر من قر ٍ
ومع اختلفه صرف ما في ال ّذمّة ,وهما جائزان بشرط التّعجيل في الوّل والحلول في
الثّاني .وإن لم يحل :واتّفقا أجلً أو اختلفا ,أو حلّ أحدهما دون الخر فل يجوز
المقاصّة لنّها مع اتّحاد النّوع بدل مؤخّر ,ومع اختلفه صرف مؤخّر وكلهما ممنوع ,
ص فتجوز المقاصّة
كأن اتّفقا نوعا واختلفا زن ًة حال كونهما من بي ٍع كدينار كاملٍ ودينارٍ ناق ٍ
فيهما إن حل وإل فل ,وكذلك اختلفهما في العدد .
ض :منعت المقاصّة سواء حل ,أو حلّ أحدهما ,أو لم يحل ,
وإذا كان الدّينان من قر ٍ
اتّفقا أجلً أو اختلفا .
ل أو اختلفا أو حلّ أحدهما ,
وإن كانا من بي ٍع وقرضٍ منعت إن لم يحل ,سواء اتّفقا أج ً
فإذا حل :فإن كان الكثر هو الّذي من بيعٍ منعت ,لنّه قضاء عن قرضٍ بزيادة ,وإن
كان من قرضٍ جازت ,لنّه قضاء عن بيعٍ بزيادة وهي جائزة .
-ب -إذا كانا طعامين :إذا كان الدّينان أصلهما طعامان فل يخلو : 10
أ -أن يكونا من قرضٍ :وفي هذه الحالة يكون حكم المقاصّة فيها كحكم ديني العين في
صور الجواز والمنع .
فتجوز إن اتّفقا صفةً وقدرا سواء حل أو حلّ أحدهما أو لم يحل ,اتّفقا أجلً أو اختلفا ,أو
اختلفا صفةً مع اتّحاد النّوع أو اختلفه .
ول تجوز إن لم يحل أو حلّ أحدهما ,اتّفقا أجلً أو اختلفا كأن اختلفا قدرا .
ب -أن يكونا من بيعٍ :حيث تمنع المقاصّة في الطّعامين إذا كانا مرتّبين في ال ّذمّتين من
بيعٍ ,سواء حلّ أجلهما أو أجل أحدهما أو لم يحل ,اتّفق أجلهما أو اختلف ,ولو متّفقين
قدرا وصفةً لنّه من بيع الطّعام قبل قبضه .
وقال أشهب :تجوز المقاصّة عند اتّفاق الطّعامين في القدر والصّفة ,والحلول بناءً على
أنّها كالقالة .
ن ديني الطّعام إذا كان أحدهما من بي ٍع والخر
ج -إذا كان الطّعامان من بيعٍ وقرضٍ :فإ ّ
ض تجوز المقاصّة فيهما بشرطين :
من قر ٍ
الوّل :أن يتّفقا في القدر والصّفة والجنس .
والثّاني :أن يكونا حالّين .
ول تجوز المقاصّة إن لم يحل بأن كانا مؤجّلين ,أو حلّ أحدهما ولم يحلّ الخر ,لختلف
الغراض باختلف الجل .
-ج -إذا كانا عرضين :والمراد بالعرض هنا ما قابل العين والطّعام فيشمل الحيوان 11
,فتجوز المقاصّة في الدّينين إذا كانا عرضين مطلقا عن التّقييد بكونهما من بي ٍع أو قرضٍ
أو مختلفين وبكونهما حالّين أو مؤجّلين سواء تساويا أجلً أو ل ح ّل أجلهما أو حلّ أحدهما
,أو لم يحل ,لبعد قصد المكايسة في العرض ,وهذا في الحقيقة بيع وإطلق المقاصّة
عليه مجاز ,وهذا إن اتّحدا جنسا وصفةً كثوبين هرويّين أو مرويّين ,أو ثوبين من القطن
جيّدين أو رديئين .
وأمّا إن اختلفا أجلً :بأن أجّل بأجلين مختلفين مع اختلف الجنس كثوب وكسا ٍء ,أو ثوبٍ
وجوخةٍ منعت المقاصّة إن لم يحل معا ,أو لم يحلّ أحدهما ,وإل جازت ,أي تجوز
بحلول أحدهما على المذهب لنتفاء قصد المكايسة .
ن ,والصّفة متّفقة :كهرويّين أو مرويّين ,أو مختلفة :كأن
وإن اتّحدا جنسا كثوبي قط ٍ
كان أحدهما هرويا والخر مرويا جازت المقاصّة إن اتّفق الجل ,وأحرى إن حل ,لبعد
التهمة ,وإل بأن اختلف الجل مع اختلف الصّفة فل تجوز مطلقا :سواء كانا من بيعٍ أو
ض أو مختلفين .
قر ٍ
-وللمقاصّة عند الشّافعيّة شروط ذكرها الزّركشي على النّحو التّالي : 12
أ -أن يكون في الديون الثّابتة في ال ّذمّة ,فأمّا العيان فل يصير بعضها قصاصا عن
ض لنّه يكون كالمعاوضة فيفتقر إلى التّراضي .
بع ٍ
ن الغراض تختلف في العيان ,بخلف الديون فإنّها في ال ّذمّة سواء فل معنى لقبض
ول ّ
أحدهما ثمّ ردّه إليه ,ومن أجل هذا الشّرط امتنع أخذ مال الغريم بغير إذنه إذا كان مقرا
ق ,لنّه مخيّر في الدّفع من أيّ جهةٍ شاء ,ولو أخذه ضمنه ,ول يقال يصير
باذلً للح ّ
ن القصاص في الديون ل في العيان .
قصاصا عن حقّه ,ل ّ
ب -أن يكون في الثمان ,أمّا المثليّات كالطّعام والحبوب فل تقاصّ فيها ,صرّح به
ن ما عدا الثمان يطلب فيها المعاينة .
العراقيون ,وعلّله الشّيخ أبو حامدٍ :بأ ّ
وحكى المام في جريان المقاصّة في المثليّات وجهين وصحّح جريانه ,وقال ابن الرّفعة
إنّه المنصوص كما حكاه البندنيجي .
ج -أن يكون الدّينان مستقرّين :فإن لم يكن بأن كانا سلمين ,لم يجز قطعا وإن تراضيا
,قاله القاضي والماوردي .
ي يقتضي الجواز ,لكن المنقول عن المّ منع التّقاصّ في السّلم .
وكلم الرّافع ّ
د -أن يتّفقا في الجنس والنّوع والحلول والجل ,فلو كان أحدهما دراهم والخر دنانير لم
يقع الموقع .
هـ -أن يكون بعد طلب أحدهما من الخر ,فإن كانا مؤجّلين بأجل واحدٍ ولم يطلبه
أحدهما من الخر ,فقال القاضي حسين :ل يجري بل خلفٍ ,وقال المام فيه احتمال .
و -أن ل يكون ممّا ينبني على الحتياط ,ولهذا قال ابن عبد السّلم :ظفر المستحقّ
بحقّه عند تعذر أخذه ممّن هو عليه جائز ,إل في حقّ المجانين واليتام والموال العامّة
لهل السلم .
ص ول حدّ ,فلو تقاذف شخصان لم يتقاصّا ,ولو تجارح رجلن
ز -أن ل يكون في قصا ٍ
وجب على كلّ منها دية الخر .
-وعلى هذا لو ثبت لشخص على آخر دين ,وللخر عليه مثله :سواء كان من جهةٍ 13
كسلم وقرضٍ ,أو من جهتين كقرض وثمنٍ ,وكان الدّينان متّفقين في الجنس والنّوع
والصّفة والحلول ,وسواء اتّحد سبب وجوبهما كأرش الجناية أو اختلف كثمن المبيع
والقرض ,قال الزّركشي :ففيه أربعة أقوالٍ عند الشّافعيّة :
ص عليه في ال ّم أنّ التّقاصّ يحصل بنفس ثبوت الدّينين
أصحهما :عند النّوويّ وهو ما ن ّ
ن مطالبة أحدهما الخر بمثل ماله عناد ل فائدة فيه .
ول حاجة إلى الرّضا ,ل ّ
ي وابن الصّبّاغ :ولنّ من مات وعليه دين لوارثه ,فإنّ ذمّته تبرأ بانتقال
قال الماورد ّ
التّركة لوارث ,ولم يكن له بيعها في دينه ,لعدم الفائدة فيه ,لنتقال العين إليه .
والقول الثّاني :يسقط أحدهما بالخر إن تراضيا ,وإل فلكلّ منهما مطالبة الخر .
والقول الثّالث :يسقط برضا أحدهما .
والقول الرّابع :ل يسقط ولو تراضيا .
-وأمّا شروط المقاصّة عند الحنابلة من حيث جنس الدّينين والجل والصّفة فإنّها تؤخذ 14
ممّا ذكروه من أمثلةٍ في هذا الصّدد ومنها ما قاله ابن قدامة :إن كان لك ّل واحدٍ منهما
ل واحدا تقاصّا
على صاحبه دين ,وكانا نقدين من جنسٍ واحدٍ حالّين أو مؤجّلين أج ً
وتساقطا ,ول يجوز إن كانا نقدين من جنسين كدراهم ودنانير ,لنّه بيع دينٍ بدين ,وقد
« نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن بيع الكالئ بالكالئ » ,فأمّا إن كانا عرضين ,أو
عرضا ونقدا لم تجز فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان العرض من جنس حقّه أو غير
ن بدين .
جنسه ,وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضا ,لنّه بيع دي ٍ
صور من المقاصّة :
تجري المقاصّة في بعض المسائل الفقهيّة منها :
المقاصّة في الزّكاة :
ص الشّافعيّة على أنّه إذا كان لشخص على فقيرٍ دين ,فقال جعلته عن زكاتي ,ل
-ن ّ 15
فل تصير العين قصاصا في دينه إل إذا تقاصّا ,وكانت العين مقبوضةً في يده ,فإن لم
تكن في يده فل تقع المقاصّة حتّى يذهب إلى مكان العين المغصوبة ويأخذها .
ص المالكيّة على أنّه إذا أنفق الغاصب على الشّيء
وأمّا مقاصّة نفقات المغصوب فقد ن ّ
المغصوب كعلف الدّابّة ,ومؤنة العبد وكسوته وسقي الرض وعلجها ,وخدمة شجرٍ
ونحوه يحسب له من الغلّة الّتي تكون لربّه كأجرة العبد والدّابّة والرض ويقاصص ربّه
من الغلّة ,وهذا مذهب ابن القاسم في الظهر ,ويرجع الغاصب بالق ّل ممّا أنفق والغلّة ,
فإن كانت النّفقة أق ّل من الغلّة غرم الغاصب زائد الغلّة للمالك ,وإن كانت النّفقة أكثر فل
رجوع له بزائد النّفقة لظلمه ,وإن تساويا فل يغرم أحدهما للخر شيئا .
قالوا :وعلى هذا فالنّفقة محصورة في الغلّة ,أي :ل تتعدّاها لذمّة المغصوب منه ,ول
لرقبة المغصوب ,وحينئذٍ فل يرجع الغاصب بزائد النّفقة على ربّه ول في رقبته ,وليست
الغلّة محصور ًة في النّفقة ,بل تتعدّاها للغاصب فيرجع المغصوب منه على الغاصب بما
زادته الغلّة على النّفقة .
والمنقول عن ابن عرفة ترجيح القول بأنّه :ل نفقة للغاصب لتعدّيه ولربّه أخذ الغلّة
بتمامها مطلقا أنفق أو ل .
المقاصّة في الوديعة :
ص الحنفيّة على أنّه إذا كان لرجل عند رجلٍ آخر وديعة وللمودَع على صاحب
-ن ّ 18
الوديعة دين هو من جنس الوديعة لم تصر الوديعة قصاصا بدين إل إذا اجتمعا وتقاصّا
حالة كون الوديعة موجودةً في يد الوديع حقيقةً ,فإن لم تكن في يده فل تقع المقاصّة
حتّى يذهب إلى مكان الوديعة ويأخذها .
ويقرب من هذا ما ذكره الزّركشي من الشّافعيّة بقوله :إذا كان لشخص على الفقير دين ,
فقال جعلته عن زكاتي ل يجزيه في الصحّ حتّى يقبضه ,ثمّ يردّه إليه إن شاء كما لو كان
له وديعة .
المقاصّة في الوكالة :
ص الحنفيّة على أنّه لو كان للمشتري على الموكّل دين تقع المقاصّة ,ولو كان
-ن ّ 19
للمشتري على الوكيل والموكّل دين تقع المقاصّة بدين الموكّل أيضا دون دين الوكيل ,
حتّى ل يرجع الموكّل على الوكيل بشيء من الثّمن ,وهذا لنّ المقاصّة إبراء بعوض
ض ,ولنّا لو جعلناه قصاصا بدين الوكيل احتجنا إلى قضاءٍ آخر ,
فتعتبر بالبراء بغير عو ٍ
ن الوكيل يقضي للموكّل ,ولو جعلناه قصاصا بدين الموكّل لم نحتج إلى قضاءٍ آخر
فإ ّ
ن الموكّل
فجعلناه قصاصا بدين الموكّل قصرا للمسافة ,فقد أثبتنا حكما مجمعا عليه فإ ّ
يملك إسقاط الثّمن عن المشتري بالجماع ,ولو جعلناه قصاصا بدين الوكيل لثبتنا حكما
ن الوكيل يملك البراء عن المشتري عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وليس عند أبي
مختلفا فيه ل ّ
يوسف .
وتقع المقاصّة بدين الوكيل إذا كان للمشتري عليه دين وحده عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ,لنّ
ض عن المشتري عندهما ,فيملك المقاصّة أيضا ,لنّها إبراء
الوكيل يملك البراء بغير عو ٍ
ض ,ولكنّه يضمنه للموكّل في البراء والمقاصّة .
بعوض ,فتعتبر بالبراء بغير عو ٍ
المقاصّة في السّلم :
-اختلف الفقهاء في جواز المقاصّة في عقد السّلم على النّحو التّالي : 20
ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال بعقد متق ّدمٍ على
السّلم ,بأن كان رب السّلم باع من المسلم إليه ثوبا بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة حتّى
أسلم إليه عشرة دراهم في حنطةٍ ,فإن جعل الدّينين قصاصا أو تراضيا بالمقاصّة يصير
قصاصا ,وإن أبى أحدهما ل يصير قصاصا ,وهذا استحسان .
وأمّا إن وجب الدّين على المسلم إليه بعقد متأخّرٍ عن السّلم ل يصير قصاصا وإن جعله
قصاصا .
هذا إذا كان وجوب الدّين بالعقد ,وأمّا إذا وجب الدّين بالقبض كالغصب والقرض وكان
الدّينان متساويين ,فإنّه يصير قصاصا ,سواء جعله قصاصا أم ل ,بعد أن كان وجوب
الدّين الخر متأخّرا عن عقد السّلم .
وأمّا إذا تفاضل الدّينان :بأن كان أحدهما أفضل والخر أدون ,فرضي أحدهما بالنقصان ,
وأبى الخر ,فإن أبى صاحب الفضل ل يصير قصاصا ,وإن أبى صاحب الدون يصير
قصاصا .
وقال الكرابيسي من الحنفيّة :ل تجوز المقاصّة في السّلم ,فإذا قال شخص لخر أسلمت
ن عقد السّلم ل
إليك عشرة دراهم فأراد أن يجعله قصاصا بما له عليه من دينٍ لم يجز ,ل ّ
يجوز ابتداؤه بما في ال ّذمّة ,فلم يجز صرف العقد إليه وإذا لم يجز صرفه إليه فإذا لم
ينقده في المجلس بطل كما لو لم يكن له عليه دين .
وعند الشّافعيّة قال الزّركشي :المنقول عن المّ منع التّقاصّ في السّلم لنّ من شروط
جواز المقاصّة في الديون أن يكون الدّينان مستقرّين ,وهنا ليس كذلك .
وعدم الجواز مفهوم من عبارات الحنابلة حيث قالوا :ول يصح عقد السّلم بما في ذمّة
ن بدين فهو
المسلم إليه ,بأن يكون له عليه دين ,فيجعله رأس مال سلمٍ ,لنّه بيع دي ٍ
داخل تحت النّهي .
المقاصّة في الكفالة :
ص الحنفيّة على أنّه إذا كان لكفيل المديون دين على الدّائن المكفول له من جنس
-ن ّ 21
نظرا واستحقاقا -أراضي الوقف المذكور مدّةً معلومةً بأجرة المثل إجار ًة صحيحةً ممّن له
ي لو باع مال
عليه دين ,وقاصصه بذلك تجوز المقاصّة قياسا على الوصيّة كما أنّ الوص ّ
الصّغير ممّن له عليه دين يصير قصاصا ,إذ الوقف والوصيّة أخوان .
وإذا كان النّاظر مستحقا للجرة كلّها ,وتمّت المدّة ,والدّين من جنس الجرة فل خفاء في
ص بالتّفاق ,وإن كان مستحقا لبعضهما ووقع التّقاص بها فالتّقاص صحيح
صحّة التّقا ّ
عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ويضمن النّاظر .
وقال أبو يوسف :ل يصح التّقاص .
مَقام إبراهيم *
التّعريف :
-المَقام بفتح الميم :اسم مكانٍ ,من قام يقوم قوما وقياما أي انتصب ,وقد اختلف 1
الفقهاء والمفسّرون في مقام إبراهيم ,فقال بعضهم :إنّه الحجر الّذي تعرفه النّاس اليوم
الّذي يصلون عنده ركعتي الطّواف .
وقال غيرهم :إنّه الحجر الّذي ارتفع عليه إبراهيم عليه السّلم حين ضعف عن رفع
الحجارة الّتي كان إسماعيل يناولها إيّاه في بناء البيت وغرقت قدماه فيه .
وقال السدّي :المقام :الحجر الّذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليه السّلم
س.
حين غسلت رأسه ,وبه قال الحسن وقتادة والرّبيع بن أن ٍ
وقال القرطبي :والصّحيح في تعيين المقام القول الوّل .
الحكام المتعلّقة بمقام إبراهيم :
-قال الحنفيّة :إذا فرغ الطّائف من الطّواف يأتي مقام إبراهيم عليه السّلم ويصلّي 2
ركعتين ,وإن لم يقدر على الصّلة في المقام بسبب المزاحمة يصلّي حيث ل يعسر عليه
من المسجد ,وإن صلّى في غير المسجد جاز .
وهاتان الرّكعتان واجبتان عندنا ,يقرأ في الولى ُ { :قلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } وفي الثّانية :
{ ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ } ,ول تجزيه المكتوبة عن ركعتي الطّواف .
ويستحب أن يدعو بعد صلته خلف المقام بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والخرة ,
ت يباح له أداء التّطوع فيه .
ويصلّي ركعتي الطّواف في وق ٍ
ن ركعتي الطّواف واجبتان ,سواء كان الطّواف واجبا أو نفلً ,وقيل :
وقال المالكيّة :إ ّ
إنّهما واجبتان في الطّواف الواجب ,وسنّتان في الطّواف غير الواجب .
ويندب إيقاعهما بمقام إبراهيم أي خلفه ل داخله وفي غيره من الماكن في المسجد ,إل
ي صلّى اللّه عليه
أنّه يستحب أن تكون ركعتا الطّواف الواجب خلف المقام اقتداءً بالنّب ّ
وسلّم .وإن ترك حاج أو معتمر الرّكعتين أعاد الطّواف ,ثمّ أتى بهما عقب الطّواف ,وفي
المدوّنة عن ابن القاسم :يركعهما ول يعيد الطّواف ول شيء عليه ,ولو أعاد كان أحبّ .
فإن فات ذلك بالبعد عن مكّة ركعهما وأهدى ,وإن فاته ذلك أتى بهما على كلّ حالٍ ,لنّهم
ل يتعلّقان بوقت مخصوصٍ ,وكان عليه الهدي لنقص التّفريق بين الطّواف والرّكعتين
الواجبتين .
وقال الشّافعيّة :ويسن أن يصلّي ركعتي الطّواف -بعد الطّواف -وتجزئ عنهما
الفريضة والرّاتبة كما في تحيّة المسجد ,وفعلهما خلف مقام إبراهيم عليه السّلم أفضل ,
ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلهما خلف المقام ,وقال « :خذوا عنّي مناسككم » ,
ن النّب ّ
لّ
ثمّ في الحجر ,ثمّ في المسجد الحرام ,ثمّ في الحرم حيث شاء من المكنة ,متى شاء
من الزمنة ,ول يفوتان إل بموته .
ويسن أن يقرأ في الولى منهما سورة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ } وفي الثّانية سورة
الخلص ،لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ,ولما في قراءتهما من الخلص المناسب لما
هاهنا ,لنّ المشركين كانوا يعبدون الصنام فيه .
ويجهر بالقراءة فيهما ليلً قياسا على الكسوف وغيره ,ولما فيه من إظهار شعار النسك .
ي صلّى اللّه عليه وسلّم
وفي قو ٍل عند الشّافعيّة :أنّ ركعتي الطّواف واجبتان لنّ النّب ّ
صلهما ,وقال « :خذوا عنّي مناسككم » وعلى القول بوجوبهما يصح الطّواف بدونهما ,
ن للطّواف .
إذ ليسا بشرط ول رك ٍ
وقال الحنابلة :يصلّي الطّائف بعد تمام الطّواف ركعتين ,والفضل كونهما خلف مقام
ي صلّى اللّه عليه
إبراهيم ,لقول جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في صفة حجّ النّب ّ
وسلّم « :حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ,فرمل ثلثا ,ومشى أربعا ,ثمّ نفذ إلى
مقام إبراهيم عليه السّلم فقرأ { :وَا ّتخِذُو ْا مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَّلىً } فجعل المقام بينه
وبين البيت » .
وقالوا :حيث ركعهما من المسجد أو غيره جاز ,لعموم حديث « :جعلت لنا الرض كلها
مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا » ,وصلهما عمر رضي اللّه عنه بذي طوىً .
ول شيء عليه لترك صلتهما خلف المقام .
وهما سنّة مؤكّدة يقرأ فيهما بعد الفاتحة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } و { ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ }
لحديث جابرٍ رضي اللّه عنه أنّه قرأ في الرّكعتين « :قل يا أيها الكافرون ,وقل هو اللّه
أحد » .
ول بأس أن يصلّيهما إلى غير سترةٍ ,ويمر بين يديه الطّائفون من الرّجال والنّساء ,فإنّ
ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلهما والطوّاف بين يديه ليس بينه وبين الكعبة سترة ,
النّب ّ
ويكفي عنهما مكتوبة وسنّة راتبة .
وللطّائف جمع أسابيع من الطّواف ,فإذا أفرغ منها ركع لكلّ أسبوعٍ ركعتين ,والولى أن
يصلّي لكلّ أسبوعٍ عقبه .
ول يشرع تقبيل المقام ول مسحه لعدم وروده .
مُقَا َيضَة *
التّعريف :
-المقايضة لغةً :مأخوذة من القيض ,وهو العوض . 1
وفي حديث ذي الجوشن « :وإن شئت أن أقيضك به » ,أي :أبدلك به وأعوّضك عنه .
ويقال :قايضه مقايضةً ,إذا عاوضه ,وذلك إذا أعطاه سلعةً وأخذ عوضها سلعةً .
والمقايضة في اصطلح الفقهاء :هي بيع السّلعة بالسّلعة .
من مجلّة الحكام العدليّة على أنّ بيع المقايضة هو :بيع العين بالعين : 122 ونصّت المادّة
أي مبادلة مالٍ بمال غير النّقدين .
المقايضة والبيع :
-لمّا كانت المقايضة من أنواع البيع ,فيجب أن تتوفّر فيها أركان عقد البيع وشروطه 2
ن كلً منهما ل يتعيّن أن يكون المقصود بالبيع دون الخر ,ول يصلح أحدهما
المبيع ,ل ّ
جحٍ .
ن يكون ثمنا ولعدم التّرجيح بدون وجود مر ّ
لّ
ومن هذا ذكر الحنفيّة المسائل التية :
أ -بيع الخمر والخنزير :إن كان قوبل بالدّين كالدّراهم والدّنانير فالبيع باطل ,ل يفيد
ملك الخمر ول ما يقابلها .
وإن كان قوبل بعين بيع مقايضةً فالبيع فاسد في العرض ,باطل في الخمر والخنزير ,ل
يفيد ملك الخمر والخنزير ,ويفيد ملك ما يقابلها من البدل بالقبض .
ب -إذا هلك أحد البدلين في بيع المقايضة صحّت القالة في الباقي منهما ,وعلى
المشتري قيمة الهالك إن كان قيميا ,ومثله إن كان مثليا ,فيسلّمه إلى صاحبه ويسترد
العين .
ن كلّ واحدٍ منهما مبيع ,فكان البيع باقيا
وإنّما ل تبطل بهلك أحدهما بعد وجودهما ,ل ّ
ببقاء العين القائمة منهما ,فأمكن الرّفع فيه .
بخلف ما لو هلك البدلن جميعا في المقايضة ,فالقالة تبطل عندئذٍ ,لنّ القالة في
المقايضة تعلّقت بأعيانهما -أي البدلين -قائمين ,فمتى هلكا لم يبق شيء من المعقود
عليه ترد القالة عليه .
ج -إذا تقايضا فتقايل ,فاشترى أحدهما ما أقال ,صار قابضا بنفس العقد ,لقيامهما -
أي قيام كلّ من عوضي المقايضة -فكان كل واحدٍ مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب .
ولو هلك أحدهما فتقايل ,ثمّ جدّد العقد في القائم ,ل يصير قابضا بنفس العقد ,لنّه
يصير مضمونا بقيمة العرض الخر ,فشابه المرهون .
مُقَايلة *
انظر :إقالة .
مَقْبَرة *
التّعريف :
-المقبرة في اللغة - :بتثليث الباء -أو بضمّ الباء وفتحها ل غير موضع القبور , 1
والقبور جمع قبرٍ ,وهو المكان الّذي يدفن فيه الميّت .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
ما يتعلّق بالمقبرة من أحكامٍ :
الصّلة في المقبرة :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّه تكره الصّلة في المقبرة ,وبه قال الثّوري والوزاعي ,لنّها 2
مظان النّجاسة ,ولنّه تشبه باليهود ,إل إذا كان في المقبرة موضع أعدّ للصّلة ول قبر
ول نجاسة فل بأس .
وقال المالكيّة :تجوز الصّلة بمقبرة عامرةٍ كانت أو دارسةٍ ,منبوشةٍ أم ل ,لمسلم كانت
أو لمشرك .
وفصّل الشّافعيّة الكلم فقالوا :ل تصح الصّلة في المقبرة الّتي تحقّق نبشها بل خلفٍ في
المذهب ,لنّه قد اختلط بالرض صديد الموتى ,هذا إذا لم يبسط تحته شيء ,وإن بسط
تحته شيء تكره .
وأمّا إن تحقّق عدم نبشها صحّت الصّلة بل خلفٍ لنّ الجزء الّذي باشره بالصّلة طاهر ,
ولكنّها مكروهة كراهة تنزيهٍ لنّها مدفن النّجاسة .
ك في نبشها فقولن :أصحهما :تصح الصّلة مع الكراهة ,لنّ الصل طهارة
وأمّا إن ش ّ
ك ,وفي مقابل الصحّ :ل تصح الصّلة لنّ الصل بقاء
الرض فل يحكم بنجاستها بالشّ ّ
ك.
الفرض في ذمّته ,وهو يشك في إسقاطه ,والفرض ل يسقط بالشّ ّ
وقال الحنابلة :ل تصح الصّلة في المقبرة قديمةً كانت أو حديثةً ,تكرّر نبشها أو ل ,ول
يمنع من الصّلة قبر ول قبران ,لنّه ل يتناولها اسم المقبرة وإنّما المقبرة ثلثة قبورٍ
فصاعدا .
وروي عنهم أنّ كلّ ما دخل في اسم المقبرة ممّا حول القبور ل يصلّى فيه .
ونصوا على أنّه ل يمنع من الصّلة ما دفن بداره ولو زاد على ثلثة قبورٍ ,لنّه ليس
بمقبرة .
الصّلة على الجنازة في المقبرة :
-اختلف الفقهاء في حكم الصّلة على الجنازة في المقبرة : 3
فذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ل بأس بها ,وفعل ذلك ابن عمر رضي اللّه
عنهما ونافع وعمر بن عبد العزيز .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة في قولٍ آخر إلى أنّه يكره ذلك ,قال النّووي وبه قال جمهور
العلماء .
). 39 والتّفصيل في مصطلح ( :جنائز ف
القراءة في المقابر :
-ذهب جمهور الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تكره قراءة القرآن في المقابر بل 4
تستحب .
ص بعض الحنفيّة على أنّه ل تكره قراءة القرآن في المقابر إذا أخفى ولم يجهر وإن
ون ّ
ختم ,وإنّما تكره قراءة القرآن فيها جهرا .
وذهب جمهور المالكيّة إلى الكراهة مطلقا ,وقيّدها بعضهم بما إذا كانت بالصوات
المرتفعة واتّخاذ ذلك عاد ًة .
). 22 ,قبر ف 17 والتّفصيل في مصطلح ( :قراءة ف
المشي في المقبرة :
-اختلف الفقهاء في حكم المشي في المقابر على أقوالٍ : 5
ذهب جمهور الحنفيّة والمالكيّة وهو المشهور عند الشّافعيّة إلى أنّه ل يكره المشي في
المقابر بنعلين ,وزاد الشّافعيّة :أنّه يحرم المشي إن حصل به تنجيس كمنبوشة مع
المشي حافيا مع رطوبة أحد الجانبين .
وذهب الحنابلة وهو قول بعض الشّافعيّة إلى أنّه يكره المشي بين المقبرة بنعل ,لنّ خلع
النّعلين أقرب إلى الخشوع وزي أهل التّواضع .
,وقبر ف 2وما بعدها ) . 12 والتّفصيل في مصطلح ( :مشي ف
المشاحّة في المقبرة :
ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لو سبق اثنان إلى مقبر ٍة مسبّلةٍ وتشاحّا في مكانٍ
-ن ّ 6
قدّم للدّفن فيه السبق عند التّزاحم وضيق المحلّ ,فإن استويا في السّبق قدّم بالقرعة كما
لو تنازعا في رحاب المسجد ,ومقاعد السواق ,لنّ القرعة لتمييز ما أبهم .
المبيت في المقبرة والنّوم فيها :
ص الشّافعيّة على أنّه يكره المبيت في المقبرة من غير ضرورةٍ ,لما فيها من
-ن ّ 7
الوحشة ,فإن لم تكن وحشةً كأن كانوا جماع ًة ,أو كانت المقبرة مسكونةً فل كراهة .
وقال الحنفيّة :يكره النّوم عند القبر .
درس المقبرة والستفادة منها ونبشها :
-قال الحنفيّة :لو بلي الميّت وصار ترابا دفن غيره في قبره ,ويجوز زرعه ,والبناء 8
عليه .
وروي عن مالكٍ :بأنّه سئل عن فناء قومٍ كانوا يرمون فيه ,ثمّ إنّهم غابوا عن ذلك ,
فاتخذ مقبرةً ,ث ّم جاءوا فقالوا :نريد أن نسوّي هذه المقابر ,ونرمي على حال ما كنّا
نرمي ,فقال مالك :أمّا ما قدم منها فأرى ذلك لهم ,وأمّا كل شيءٍ جديدٍ فل أحب لهم
درس ذلك .وقال الصّاوي :قال بعض العلماء ل يجوز أخذ أحجار المقابر العافية لبناء
قنطرةٍ أو دا ٍر ,ول حرثها للزّراعة ,لكن لو حرثت جعل كراؤها في مؤن دفن الفقراء .
وقال الحنابلة :إذا صار الميّت رميما جازت الزّراعة والحراثة وغير ذلك ,كالبناء في
موضع الدّفن ,وإن لم يصر رميما فل يجوز .
هذا إذا لم يخالف شرط الواقف ,فإن خالف كتعيينه الرض للدّفن فل يجوز حرثها ول
غرسها .
). 21 وأمّا نبش المقبرة فتفصيله في ( :قبر ف
قطع النّبات والحشيش من المقبرة :
ص الحنفيّة على أنّه يكره قطع النّبات الرّطب والحشيش من المقبرة ,فإن كان يابسا
-ن ّ 9
ل بأس به ,لنّه يسبّح اللّه تعالى ما دام رطبا ,فيؤنس الميّت وتنزل بذكره الرّحمة ,
ولنّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع الجريدة الخضراء بعد شقّها نصفين على القبرين اللّذين
يعذّبان ,وتعليله صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّخفيف عنهما ما لم ييبسا أي :يخفّف عنها
ببركة تسبيحهما ,لنّ تسبيح الرّطب أكمل من تسبيح اليابس لما في الخضر من نوع
حيا ٍة .
قال ابن عابدين :وعليه فكراهة قلع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك ,لنّ فيه تفويت حقّ
الميّت .
ملكيّة أشجار المقبرة :
ن الشّجرة إن كانت نابتةً في الرض قبل أن يجعلها مقبرةً فمالك
ص الحنفيّة على أ ّ
-ن ّ 10
وأمّا من اشترى قري ًة خالصةً واستثنى المقبرة فهل يشترط ذكر حدود المقبرة المستثناة أم
ل ؟ اختلف مشائخ الحنفيّة على أقوالٍ :
فذهب الجمهور إلى أنّه ل بدّ من تحديد المقبرة المستثناة بحيث يقع به المتياز .
ل ل يحتاج إلى ذكر حدودها ,وإن لم تكن تلً يحتاج
وقال المرغيناني :إذا كانت المقبرة ت ً
إليه .
ع :ل يشترط ذكر الحدود للمقبرة قال :ونفتي بهذا تسهيلً للمر على
وقال أبو شجا ٍ
المسلمين .
توسيع المقبرة :
ص المالكيّة على أنّه يجوز بيع العقار الحبس ولو كانت غير خربةٍ لتوسيع المسجد
-ن ّ 12
ن ما
والطّريق والمقبرة ,وكذلك يجوز توسيع هذه الثّلثة ببعض منها عند الضّرورة ,ل ّ
كان للّه ل بأس أن يستعان ببعضه في بعضٍ .
ق ويدفن فيه إن أحتيج لذلك مع
ن المسجد ل يهدم لضيق مقبر ٍة أو طري ٍ
وذكر بعضهم أ ّ
بقائه على حاله .
وقف المقبرة :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا جعل شخص أرضه مقبرةً فلكلّ أحدٍ أن يدفن فيها ,سواء 13
الواقف أو غيره ,ول فرق في النتفاع بين الغنيّ والفقير حتّى جاز للكلّ الدّفن فيها .
وأمّا لو شرط في وقف المقبرة اختصاصها بطائفة اقتصر عليهم في الصحّ عند الشّافعيّة ,
ويمنع غيرهم من الدّفن فيها رعايةً لغرض الواقف ,وإن كان ذلك الشّرط مكروها .
وفي مقابل الصحّ ل تختص بهم ويلغو الشّرط ,وهناك قول ثالث وهو أنّه :يفسد الوقف
لفساد الشّرط .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يجب الوفاء بشرط الواقف في الوقف مطلقا إن جاز الشّرط .
والتّفصيل في مصطلح ( :وقف ) .
قضاء الحاجة في المقبرة :
-اختلف الفقهاء في حكم قضاء الحاجة في المقابر : 14
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم قضاء الحاجة في المقابر ,وقال الحنفيّة بكراهة
قضاء الحاجة فيها .
قال ابن عابدين :والظّاهر أنّها تحريميّة .
). 24 والتّفصيل في مصطلح ( :قضاء الحاجة ف
مَقْبُوض *
التّعريف :
-المقبوض اسم مفعولٍ :للفعل قبض . 1
ن في اللغة :ما أخذ من المال باليد أو حيز فصار في حيازة
وأكثر ما يطلق عليه من معا ٍ
ص وتحت تصرفه .
شخ ٍ
ي :يطلق القبض على قبولك الشّيء وإن لم تحوّله عن مكانه ,وعلى
وقال ابن العرب ّ
تحويلك إلى حيزك ,وعلى التّناول باليد وفي كلّ هذه المعاني يسمّى الشّيء مقبوضا .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
ما يتعلّق بالمقبوض من أحكامٍ :
يتعلّق بالمقبوض أحكام منها :
اختلف القبض باختلف المقبوض :
-إذا كان المقبوض ممّا يكال أو يوزن أو يعد فإنّه يصير مقبوضا بالكيل أو الوزن ,أو 2
العدّ .
وإن كان ممّا ينقل كالثّياب وجميع المنقولت فإنّه يصير مقبوضا بالنّقل .
وإن كان حيوانا فقبضه بتمشيته من مكان العقد ,وإن كان ممّا يتناول باليد كالجواهر
والثمان فقبضه بتناوله باليد .
وما عدا ذلك ممّا ل ينقل عادةً كالعقار والبناء والغراس ونحوه كالثّمر على الشّجر قبل
جذاذه فقبضه بتخليته مع عدم مانعٍ ,مع تسليم مفتاح الدّار ونحوها ممّا له مفتاح ,
ع ,وإل لم يصر مقبوضا ,لكون المشتري لم يتمكّن من النتفاع به .
وتفريغها من متا ٍ
وإتلف المشتري المعقود عليه يجعله مقبوضا حكما .
). 5 والتّفصيل في مصطلح ( :قبض ف
حكم التّصرف في المعقود عليه :
-اختلف الفقهاء في صحّة التّصرف في المعقود عليه قبل أن يكون مقبوضا . 3
قيمته ومن الدّين ,والمعتبر قيمته يوم القبض ل يوم الهلك .
وقال الشّافعيّة :إنّها يد أمانةٍ لخبر « :ل يغلق الرّهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه » وإليه
ذهب الحنابلة .
). 18 والتّفصيل في مصطلح ( :رهن ف
المقبوض على سوم القرض :
-المقبوض على سوم القرض مضمون بما ساوم ,كمقبوض على حقيقته ,بمنزلة 9
مقبوضٍ على سوم البيع إل أنّ في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرّهن بما ساومه من
القرض .
مُقتضِي *
التّعريف :
-المقتضي -بكسر الضّاد -اسم فاع ٍل من القتضاء ,وبفتح الضّاد اسم مفعولٍ منه . 1
ومن معاني القتضاء في اللغة :الدّللة ,يقال :اقتضى المر الوجوب :د ّل عليه .
وفي الصطلح :هو اللّفظ الطّالب للضمار ,بمعنى أنّ اللّفظ ل يستقيم إل بإضمار شيءٍ
.وقيل :هو ما ل يستقيم الكلم إل بتقدير أمورٍ تسمّى مقتضَى بفتح الضّاد .
والمقتضَى بفتح الضّاد :هو ما أضمر في الكلم ضرورة صدق المتكلّم ,وقيل :هو ما ل
يدل عليه اللّفظ ول يكون ملفوظا ,لكنّه من ضرورة اللّفظ :كقوله تعالى { :وَاسْ َألِ
ا ْلقَرْ َيةَ } ,أي أهل القرية .
المراد من المقتضى :
-اختلف الصوليون في لفظ المقتضي هل هو بكسر الضّاد أو بفتحها : 2
فذهب جمع من أصوليّ الشّافعيّة ,منهم :أبو إسحاق والسّمعاني ,والغزالي ,وجمهور
ي الحنفيّة ,منهم :شمس الئمّة السّرخسي ,وأبو زي ٍد الدّبوسي ,وصاحب اللباب :
أصول ّ
ن موضع النّزاع إنّما هو المضمر :وهو المقتضَى بفتح الضّاد ,ل المضمر له وهو
إلى أ ّ
المقتضِي بكسر الضّاد :وهو اللّفظ الطّالب للضمار .
وقال ابن السبكيّ :المراد منه المقتضِي بكسر الضّاد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المنطوق :
-المنطوق :ما دلّ عليه اللّفظ في محلّ النطق ,أي يكون حكما للمذكور ,وحالً من 3
أحواله .
والصّلة بين المقتضى والمنطوق أنّهما من أنواع الدّللة .
ب -المفهوم :
-المفهوم :ما دلّ عليه اللّفظ ل في محلّ النطق ,أي يكون حكما لغير المذكور وحالً 4
مُقَدّمات *
التّعريف :
-المقدّمات لغةً :جمع مقدّمةٍ ,والمقدّمة بكسر الدّال المشدّدة من كلّ شيءٍ أوّله وما 1
مطلقا أي سببا كان أو شرطا كالوضوء أو عقلً كترك الضّدّ وعاد ًة كغسل جزءٍ من الرّأس
لغسل الوجه ,وقيل الوجوب في السّبب فقط دون غيره من المقدّمات وقيل في الشّرط
الشّرعيّ فقط ,وقيل ل وجوب لشيء من المقدّمات مطلقا .
وانظر تفصيل ذلك في الملحق الصوليّ .
مقدّمات الجماع في الحجّ :
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب الدّم على من فعل شيئا من مقدّمات 3
الجماع ودواعيه من تقبي ٍل أو لمسٍ أو مباشرةٍ فيما دون الفرج قبل التّكفير .
وذهب الشّافعيّة في الظهر وبعض المالكيّة وأحمد في الرّواية الثّانية إلى إباحة الدّواعي
س في الية { :مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } الجماع ,فل يحرم ما
في الوطء ,لنّ المراد بالم ّ
عداه من مقدّمات الوطء من التّقبيل والمسّ بشهوة والمباشرة فيما دون الفرج .
). 13 ,لمس ف 22 وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :ظهار ف
مقدّمات الجماع في حرمة المصاهرة :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّ مقدّمات الجماع من المسّ والتّقبيل إذا لم يكن بشهوة ل 7
مُ َقوّم *
انظر :تقوم ,تقويم .
مُكَابرة *
التّعريف :
-المكابرة لغةً :مصدر كابر يقال :كابره مكابرةً :غالبه وعانده . 1
وكابر فلن فلنا :طاوله بالكبر ,وكابر فلنا على حقّه :جاحده وغالبه عليه وعاند فيه .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
حرابة :
-الحرابة من الحرب الّتي هي نقيض السّلم يقال حاربه محاربةً وحرابا أو من الحرب 2
وهو السّلب ,يقال :حرب فلنا ماله أي سلبه فهو محروب .
والحرابة في الصطلح -وتسمّى قطع الطّريق عند أكثر الفقهاء -هي البروز لخذ مالٍ
أو لقتل أو لرعاب على سبيل المجاهرة مكابر ًة اعتمادا على القوّة مع البعد عن الغوث .
والصّلة بين المكابرة والحرابة أنّ المكابرة وصف من أوصاف أفعال الحرابة .
الحكام المتعلّقة بالمكابرة :
يتعلّق بالمكابرة أحكام منها :
أ -اعتبارها من الحرابة :
-تأخذ المكابرة حكم الحرابة باعتبارها وصفا من أوصاف الحرابة وذلك في الجملة . 3
جاء في المدوّنة :من كابر رجلً على ماله بسلح أو غيره في زقاقٍ أو دخل على حريمه
في المصر حكم عليه بحكم الحرابة .
وفي الد ّر المختار :المكابر بالظلم وقاطع الطّريق وصاحب المكس وجميع الظّلمة يباح قتل
الكلّ ويثاب قاتلهم .
والقتل هنا على سبيل التّعزير .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :حرابة ف . ) 7
ب -المكابرة وحد السّرقة :
-اختلف الفقهاء في حدّ السّارق على سبيل المكابرة : 4
مُكَاتَب *
انظر :مكاتبة .
مُكاتَبة *
التّعريف :
-المكاتبة في اللغة :مصدر كاتب وهي مفاعلة ,والصل في باب المفاعلة أن يكون 1
وأوّل من كوتب في السلم أبو المؤمّل ,وقد حثّ الرّسول صلى ال عليه وسلم على
إعانته في نجوم الكتابة ,فقال « :أعينوا أبا المؤمّل » ,فأعين ,فقضى كتابته ,وفضلت
عنده فضلة ,فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم « :أنفقها في سبيل اللّه » ,وقيل غير ذلك .
ت أَ ْيمَانُ ُكمْ َفكَاتِبُو ُه ْم إِنْ عَ ِلمْ ُتمْ
ب ِممّا مَ َلكَ ْ
والصل فيها قوله تعالى { :وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَا َ
فِيهِ ْم خَيْرا } .
ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :إذا كان
ن النّب ّ
وما روي عن أمّ سلمة رضي ال عنها أ ّ
لحداكنّ مكاتب ,فكان عنده ما يؤدّي فلتحتجب منه » .
وما رواه أبو هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ثلثة
حق على اللّه عونهم :المجاهد في سبيل اللّه ,والمكاتب الّذي يريد الداء ,والنّاكح الّذي
يريد العفاف » .
وأجمعت المّة على مشروعيّة المكاتبة فل خلف أنّها جائزة بين العبد وسيّده ,إذا كانت
على شروطها .
الحكم التّكليفي :
-المكاتبة مندوبة عند جمهور الفقهاء . 4
قال مالك :المر عندنا أنّه ليس على سيّد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ,فل يكره أحد
على مكاتبة عبده ,وإنّما يستحب .
ن العبد قد يقصد بها الستقلل والكتساب والتّزوج ,فيكون أعفّ له .
واستحبّت ل ّ
وذهب عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينارٍ إلى أنّها واجبة إذا طلبها العبد ,
عِلمْ ُتمْ فِي ِهمْ خَيْرا } ,فالمر عندهم للوجوب .
محتجّين بظاهر قوله تعالى َ { :فكَاتِبُو ُهمْ إِنْ َ
وهناك رواية عن المام أحمد بن حنب ٍل بوجوب الكتابة إذا دعا إليها العبد المكتسب
الصّدوق .
ن الصل أن ل يحمل أحد على عتق مملوكه ,لذا تحمل الية على
وحجّة الجمهور :أ ّ
النّدب ,لئل تعارض هذا الصل .
حكمة مشروعيّة المكاتبة :
-إنّ حكمة تشريع المكاتبة مصلحة السّيّد والعبد ,فالسّيّد فعل معروفا من أعمال البرّ 5
كاتبتك على كذا في نجمٍ أو نجمين فصاعدا ول يفتقر إلى قوله :إن أدّيت فأنت حر ,لنّ
لفظ الكتابة يقتضي الحرّيّة .
ك وأحمد .
وهذا مذهب أبي حنيفة ومال ٍ
وقال الشّافعيّة :ل يُعتق حتّى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرّيّة .
د -العوض :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ العوض في المكاتبة يجوز أن يكون حالً أو مؤجّلً , 10
ويقاسم شركاءه ,ويقرّ بالدّين لمن ل يتّهم عليه ,وبالحدّ والقطع الرّاجعين لرقبته ,
ويضارب ويعير ويودع ويؤجّر ويقاصّ ,ويتصرّف في مكاسبه ,وينفق على نفسه دون
ض.
تبذيرٍ ,ودون إخراج المال بغير عو ٍ
وليس للسّيّد منعه من كلّ تصرفٍ فيه صلح المال واكتساب المنافع .
ولء المكاتب :
-إذا أدّى المكاتب لموله ما عليه من المال وعتق ,فإنّ ولءه يكون لموله ,لقوله 14
مكارِي *
انظر :إجارة .
مُكَافأة *
التّعريف :
-المكافأة في اللغة :مصدر كافأ ,يقال :كافأه مكافأ ًة وكفاءً :جازاه ,وكافأ فلنا : 1
ماثله ,وكل شي ٍء ساوى شيئا حتّى صار مثله فهو مكافئ له ,والمكافأة بين النّاس من
هذا ,ومنه قوله صلى ال عليه وسلم « :المسلمون تتكافأ دماؤهم » ,أي تتساوى في
الدّية والقصاص .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
العوض :
-العوض :البدل ,وعوّضته :إذا أعطيته بدل ما ذهب منه ,ومن إطلقات العوض : 2
القاتل والقتيل في أوصافٍ اعتبروها ,فل يقتل العلى بالدنى ,ولكن يقتل الدنى بالعلى
,وبالمساوي .
وخالف الحنفيّة فقالوا :ل يشترط في القصاص في النّفس المساواة بين القاتل والقتيل .
ن جمهور الفقهاء اختلفوا في الوصاف الّتي اعتبروها للمكافأة .
إل أ ّ
). 13 والتّفصيل في مصطلح ( :قصاص ف
المكافأة في النّكاح :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط المكافأة بين الزّوجين في النّكاح وهي مساواة 5
وأغلب ما تقع إذا واجهت زوجها بمكروه ,فيقول على سبيل المكافأة :إن كنت كذلك فأنت
طالق ,يريد أن يغيظها بالطّلق كما غاظته بالمشاتمة أو بالشّتم ,فكأنّه يقول :تزعمين
أنّي كذا فأنت طالق ,فإذا قالت له :يا سفيه فقال :إن كنت كذلك فأنت طالق ,نظر إن
أراد المكافأة كما ذكرنا طلقت ,وإن قصد التّعليق لم تطلق ,وإن أطلق اللّفظ ولم يقصد
المكافأة ول حقيقة اللّفظ فهو للتّعليق ,فإن ع ّم العرف بالمكافأة فيراعي الوضع أو العرف
.
وأنّه لو قال لها في الخصومة :إيش تكونين أنت ,فقالت وإيش تكون أنت ,فقال :إن لم
أكن منك بسبيل فأنت طالق .
قال القاضي حسين :إن قصد التّعليق لم تطلق لنّها زوجته فهو منها بسبيل ,وإن قصد
المغايظة والمكافأة طلقت ,والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما ,فإذا حمل على
المكافأة فيقع الطّلق في الحال .
مكافأة العامل :
-قال الدسوقيّ :يرخّص لعامل القراض أن يأتي بطعام كغيره ,أي كما يأتي غيره 7
بطعام يشتركون في أكله ,إن لم يقصد التّفضل على غيره بأن ل يزيد على غيره زياد ًة لها
ب المال ,بأن يطلب منه المسامحة ,
بال ,وإل بأن قصد التّفضل فليتحلّله ,أي يتحلّل ر ّ
فإن أبى من مسامحته فليكافئه ,أي يعوّضه بقدر ما يخصه أي فيما زاده من الطّعام على
غيره .
المكافأة في المبارزة :
-أوضح الفقهاء في باب الجهاد حكم المبارزة وأنّ المكافأة في المبارزة هي مناط الحكم 8
أو بعيره مكافئا لبعيرهما ,فإن لم يكن مكافئا :مثل أن يكون فرساهما جوادين وفرسه
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :
بطيئا فهو قمار ,لحديث أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ
من أدخل فرسا بين فرسين -وهو ل يؤمن أن يسبق -فليس بقمار ,ومن أدخل فرسا
بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار » ,ولنّه مأمون سبقه فوجوده كعدمه ,وإن كان
مكافئا لهما جاز .
). 6 وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :تكافؤ ف
مَكان *
التّعريف :
-المكان في اللغة :الموضع ,وما يعتمد عليه كالرض للسّرير ,والجمع أمكنة , 1
وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى وخالفهم في ذلك المالكيّة فقالوا :يندب الرسال
ويكره القبض في صلة الفرض وجوّزوه في النّفل وهذا في الجملة .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :إرسال ف . ) 4
ومكان وضع اليدين بهذه الكيفيّة هو تحت الصّدر وفوق السرّة ,وهذا عند المالكيّة
والشّافعيّة ورواية عند الحنابلة ,وهو قول سعيد بن جبيرٍ لما روى وائل بن حجرٍ قال :
« صلّيت مع رسول اللّه ,ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره » .
وعند الحنفيّة وفي الرّواية الخرى عند الحنابلة أنّه يضع يديه تحت سرّته وروي ذلك عن
عليّ وأبي هريرة وأبي مجلزٍ والنّخعيّ والثّوريّ وإسحاق لما روي عن عليّ أنّه قال « :
ف في الصّلة تحت السرّة » .
من السنّة وضع الكفّ على الك ّ
وأمّا المرأة فقد قال الحنفيّة تضع يديها على ثدييها .
مكان دفن الميّت :
-اتّفق الفقهاء على أنّ المقبرة أفضل مكانٍ للدّفن وذلك للتّباع ولنيل دعاء الطّارقين , 4
لو باع رجل وهو في إسلمبول حنطته الّتي في دمشق يلزم عليه تسليم الحنطة المرقومة
في دمشق وليس عليه أن يسلّمها في إسلمبول ,أي ل يشترط في عقد البيع بيان المكان
الّذي يسلّم فيه المبيع فعقد البيع المطلق الّذي ل يبيّن فيه مكان تسليم المبيع يسلّم فيه
المبيع إلى المشتري في المكان الّذي كان فيه المبيع حين العقد ل في مكان عقد البيع حتّى
إذا نقل البائع المبيع بل إذن المشتري من المحلّ الّذي كان فيه حين العقد إلى مكانٍ آخر
وجب عليه إعادته إلى حيث كان .
أمّا ثمن المبيع فإن كان محتاجا إلى الحمل والمئونة فيجب بيان مكان تسليمه في بيان
العقد .
ويعتبر في تسليم المبيع مكان البيع فإذا لم يبيّن البائع مكان المبيع ولم يكن المشتري يعلم
وكان ظاهرا أنّه لم يكن في مكان العقد ثمّ اطّلع المشتري على مكانه فالبيع صحيح إل أنّ
المشتري يكون مخيّرا خيار كشف الحال فله فسخ البيع وترك المبيع وله قبضه من حيث
كان حين العقد بكلّ الثّمن المسمّى .
وإذا بيع مال على أن يسلّم في مكان كذا لزم تسليمه في المكان المذكور ,مثل ذلك أن
يبيع شخص حنط ًة من مزرع ٍة له على أن يسلّمها إلى المشتري في داره فيجب عليه
تسليمها إلى المشتري في داره وكذلك إذا شرط تسليم المبيع الّذي يحتاج إلى مئونةٍ في
نقله إلى محلّ معيّنٍ فيجب تسليمه هناك وإن كان يصح البيع بشرط تسليم المبيع في محلّ
معيّنٍ .
إعارة الدّابّة إلى مكانٍ معيّنٍ :
ن معيّنٍ ليركبه فركب إلى
-يرى جمهور الفقهاء أنّ من استعار حصانا من آخر إلى مكا ٍ 6
مُكْره *
انظر :إكراه .
مَكْروه *
التّعريف :
-المكروه في اللغة :ضد المحبوب ,وما نفر منه الطّبع والشّرع ويطلق -أيضا - 1
معانٍ :الحرام ,وترك الولى ,وما نهي عنه تنزيها ,وما وقعت الشبهة في تحريمه ,
ي والمديّ والزّركشيّ وابن قاضي الجبل .
وهو قول الغزال ّ
قال الغزالي :وأمّا المكروه فهو لفظ مشترك في عرف الفقهاء بين هذه المعاني الربعة .
أقسام المكروه :
-اختلف الفقهاء في تقسيم المكروه : 6
مَكْس *
انظر :مكوس .
مَكّة المكرّمة *
التّعريف :
-مكّة :علم على البلد المعروف الّذي فيه بيت اللّه الحرام . 1
واختلف في سبب تسميتها مكّة بالميم فقيل :لنّها تمك الجبّارين أي تذهب نخوتهم ,وقيل
:لنّها تمك الفاجر عنها أي تخرجه ,وقيل :كأنّها تجهد أهلها من قوله تمكّكت العظم إذا
أخرجت مخّه ,وقيل :لنّها تجذب النّاس إليها من قوله :امتكّ الفصيل ما في ضرع أمّه
إذا لم يبق فيه شيئا ,وقيل لقلّة مائها .
ولها أسماء كثيرة منها :بكّة ,وأم القرى ,والبلد المين ,وأسماء أخرى .
ومكّة كلها حرم وكذلك ما حولها ,وقد بيّن الفقهاء حدود حرم مكّة وسبب تحريمه ,وما
يتعلّق به من الحكام .
). 3 وتفصيل ذلك في مصطلح ( :حرم ف - 1
الحكام المتعلّقة بمكّة :
تتعلّق بمكّة أحكام منها :
وجوب تعظيم مكّة :
ن مكّة حرّمها اللّه ولم
-يجب تعظيم مكّة ,لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم « :إ ّ 2
يحرّمها النّاس ,فل يحل لمرئ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما ول يعضّد بها
شجر ًة ,فإن أحد ترخّص لقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا له :إنّ اللّه أذن
لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يأذن لكم ,وإنّما أذن لي ساعةً من نهارٍ ,وقد عادت
حرمتها اليوم كحرمتها بالمس ,وليبلّغ الشّاهد الغائب » .
). 2 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :حرم ف
الغسل لدخول مكّة :
ي صلّى اللّه عليه وسلّم ,
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحب الغسل لدخول مكّة لفعل النّب ّ 3
فعن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما « :أنّه كان ل يقدم مكّة إل بات بذي طوىً حتّى
ي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه فعله
يصبح ويغتسل ثمّ يدخل مكّة نهارا ويذكر عن النّب ّ
» .وصرّح الشّافعيّة بأنّه يسن الغسل لدخول مكّة ولو حللً للتّباع رواه الشّيخان في
المحرم والشّافعي في الحلل .
الحرام لدخول مكّة :
-ذهب الفقهاء إلى أنّ من أراد دخول مكّة للحجّ أو العمرة فعليه أن يحرم من المواقيت 4
فذهب بعضهم إلى أنّه ل يجوز ذلك لقوله صلى ال عليه وسلم « :مكّة حرام ,حرّمها
اللّه ول تحل بيع رباعها ول إجارة بيوتها » .
وذهب غيرهم إلى جواز بيع دور مكّة وإجارتها لنّها على ملك أربابها .
,ورباع ف . ) 5 17 والتّفصيل في مصطلح ( :حرم ف
سيّئات بمكّة :
تضاعف ال ّ
-ذهب جماعة من العلماء إلى أنّ السّيّئات تضاعف بمكّة كما تضاعف الحسنات , 8
وممّن قال ذلك ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وأحمد بن حنبلٍ ومجاهد رضي اللّه عنهم ,
وغيرهم ,لتعظيم البلد .
وسئل ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما عن مقامه بغير مكّة فقال :ما لي ولبلد تضاعف فيه
السّيّئات كما تضاعف الحسنات .
فحمل ذلك منه على مضاعفة السّيّئات بالحرم ,ث ّم قيل :تضعيفها كمضاعفة الحسنات
بالحرم ،وقيل :بل كخارجه .
جزَى ِإلّ
ومن أخذ بالعمومات لم يحكم بالمضاعفة قال تعالى َ { :ومَن جَاء بِالسّيّ َئةِ فَلَ ُي ْ
مِثْ َلهَا } .
وقال النّبي صلى ال عليه وسلم « :من ه ّم بسيّئة فلم يعملها كتبها اللّه عنده حسنةً كاملةً
,فإن هو ه ّم بها فعملها كتبها اللّه له سيّئ ًة واحدةً » .
ي إيّاك والمعصية فإن عصيت ول بدّ ,فلتكن في مواضع
وقال بعض السّلف لبنه :يا بن ّ
الفجور ,ل في مواضع الجور ,لئل يضاعف عليك الوزر ,أو تعجّل العقوبة .
وحرّر بعض المتأخّرين النّزاع في هذه المسألة فقال :القائل بالمضاعفة أراد مضاعفة
ن السّيّئة جزاؤها سيّئة ,لكن السّيّئات تتفاوت ,
مقدارها أي غلظها ل كمّيّتها في العدد ,فإ ّ
فالسّيّئة في حرم اللّه وبلده على بساطٍ أكبر وأعظم منها في طرفٍ من أطراف البلد ,
ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في موض ٍع بعيدٍ عنه .
ويعاقب على الهمّ فيها بالسّيّئات ,وإن لم يفعلها ،قال تعالى َ { :ومَن يُرِدْ فِي ِه بِإِ ْلحَادٍ ِبظُ ْلمٍ
ن عَذَابٍ أَلِيمٍ } ،ولهذا عدّي فعل الرادة بالباء ،ول يقال :أردت بكذا ,لمّا ضمّنه
نُ ِذ ْقهُ مِ ْ
معنى يهم ,فإنّه يقال :هممت بكذا .وهذا مستثنىً من قاعدة الهمّ بالسّيّئة وعدم فعلها .
كل ذلك تعظيما لحرمته ,وكذلك فعل اللّه سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل ،أهلكهم قبل
الوصول إلى بيته .
ل همّ أن يقتل في الحرم أذاقه اللّه من العذاب الليم ثمّ قرأ
وقال أحمد بن حنبلٍ :لو أنّ رج ً
الية .
وقال ابن مسعودٍ :ما من بلدٍ يؤاخذ العبد فيه بالهمّ قبل الفعل إل مكّة وتل هذه الية .
مُ َكلّف *
انظر :تكليف .
مُكُوس *
التّعريف :
-المكوس :جمع مكسٍ ،وأصل المكس -في اللغة :النّقص والظلم ,ودراهم كانت 1
تؤخذ من بائعي السّلع في السواق في الجاهليّة ,أو درهم كان يأخذه المصدّق بعد فراغه
من الصّدقة .
ويطلق المكس -كذلك -على الضّريبة يأخذها المكّاس ممّن يدخل البلد من التجّار .
وقال ابن عابدين :المكس ما يأخذه العشّار .
والماكس :هو الّذي يأخذ من أموال النّاس شيئا مرتّبا في الغالب ,ويقال له العشّار لنّه
يأخذ العشور في كثيرٍ من البلد .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العشور :
-العشور :جمع عشرٍ ,وهو لغةً الجزء من عشرة أجزاء . 2
ق تؤدّى
أمّا في الصطلح فهو كما قال الماورديّ ما وضع على رقاب الرضين من حقو ٍ
عنها .
ن كلً منهما يوضع في بيت المال للنفاق على مصالح
والصّلة بين الخراج والمكوس أ ّ
المسلمين ,ويفترقان في أنّ الخراج يوضع على رقاب الرض ,أمّا المكس فيوضع على
السّلع المعدّة للتّجارة .
الحكم التّكليفي :
-من المكوس ما هو مذموم ومنهي عنه ومنها ما هو غير ذلك . 6
فالمكوس المذمومة والمنهي عنها هي غير نصف العشر الّذي فرضه عمر رضي اللّه عنه
على تجارة أهل ال ّذمّة ,وكذلك هي غير العشر الّذي ضربه على أموال أهل الحرب بمحضر
من الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم ولم ينكره عليه أحد منهم فكان إجماعا سكوتيا .
وقد وردت في المكوس المذمومة والمنهيّ عنها -وهي غير ما سبق ذكره -نصوص
تحرّمها وتغلّظ أمرها منها ما روي عن عقبة بن عامرٍ رضي اللّه عنه أنّه سمع رسول
س».
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول « :ل يدخل الجنّة صاحب مك ٍ
قال البغويّ :يريد بصاحب المكس الّذي يأخذ من التجّار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر
أي الزّكاة ,وقال الحافظ المنذري :أمّا الن فإنّهم يأخذون مكسا باسم العشر ,ومكسا
آخر ليس له اسم ,بل شيء يأخذونه حراما وسحتا ,ويأكلونه في بطونهم نارا ,حجّتهم
فيه داحضة عند ربّهم ,وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .
الحكام المتعلّقة بالمكوس :
احتساب المكس من الزّكاة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز احتساب المدفوع مكسا من الزّكاة . 7
ن المال الحرام الّذي جهل أربابه وصار مرجعه لبيت المال كالمكوس والغصوب
يتّجه أ ّ
والخيانات والسّرقات المجهول أربابها يجوز للفقراء أخذها صدقةً ,ويجوز أخذها لهم
ولغيرهم هبةً وشراءً ووفاءً عن أجر ٍة سيّما إن أعطاها الغاصب لمن ل يعلم حالها كأن
قبضه لها بحقّ لنّ اللّه لم يكلّفه ما لم يعلم ,قاله الشّيخ تقي الدّين وهو متّجه ,وعقّب
ن المكوس إذا أقطعها
شطّي على الرّحيبانيّ بتعقيب جاء فيه :وقال الشّيخ تقي الدّين إ ّ
ال ّ
المام الجند فهي حلل لهم إذا جهل مستحقها ,وكذا إذا رتّبها للفقراء وأهل العلم .
أثر أخذ المكوس في سقوط وجوب الحجّ :
-عند الحنفيّة في اعتبار ما يؤخذ في طريق الحجّ من المكس والخفارة عذرا قولن , 4
يتكرّر أخذها :يقول أبو يوسف :حدّثني يحيى بن سعيدٍ عن زريق بن حبّان وكان على
ن عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه كتب إليه :أن انظر من مرّ
مكس مصر فذكر أ ّ
عليك من المسلمين فخذ ممّا ظهر من أموالهم العين ,وممّا ظهر من التّجارات من كلّ
أربعين دينارا دينارا وما نقص فبحساب ذلك حتّى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت تلك
الدّنانير فدعها ول تأخذ منها شيئا ,وإذا مرّ عليك أهل ال ّذمّة فخذ ممّا يديرون من
تجاراتهم من كلّ عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتّى تبلغ عشرة دنانير ثمّ
دعها فل تأخذ منها شيئا ,واكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول .
معاملة من غالب أمواله حرام :
-سئل ابن تيميّة عن حكم معاملة من غالب أموالهم حرام مثل المكّاسين وأكلة الرّبا 11
وأشباههم فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة أم ل ؟ فأجاب :إذا كان في أموالهم حلل
وحرام ففي معاملتهم شبهة ,ل يحكم بالتّحريم إل إذا عرف أنّه يعطيه ما يحرم إعطاؤه ,
ول يحكم بالتّحليل إل إذا عرف أنّه أعطاه من الحلل ,فإن كان الحلل هو الغلب قيل بحلّ
المعاملة ,وقيل بل هي محرّمة .