Professional Documents
Culture Documents
آليات اشتغال السخرية في الخطاب الصحفي
آليات اشتغال السخرية في الخطاب الصحفي
تقديم:
تخبرنا العلوم المعرفية أن الخطاب في عملية إنتاجه وتأويله ال يتوقف على منطوق الكالم فحسب،
بل يستند كذلك إلى العديد من المعارف والمواقف والمعتقدات واإليديولوجيات المشتركة اجتماعيا .إن
الخطاب ،كما وصفه فان ديك ( )2000ليس سوى رأس جبل جليدي ،2يوحي ويتضمن ويشير إلى العديد
من التمثيالت االجتماعية .فإن كان هذا حال الكالم العادي فما بالنا بالسخرية التي تعتمد اعتمادا أساسيا على
عوامل غير معجمية في اكتمال فهمها .ونتوصل إلى معنى السخرية انطالقا من كون الساخر يوحي
"باإلشارة أو النبر أو القرائن السياقية النصية أو الخارج نصية إلى الفحوى من" (شايب)120 :2004 ،
كالمه والمقصدية من خطابه .ونفهم من هذا الكالم أن السخرية لها بعد داللي معجمي مكمل للبعد التداولي
السياقي ،فهناك آليات لغوية وبارالغوية تشير إلى السخرية وتعلن حضورها لتكمل المعلومات السياقية هذه
الداللة وتغنيها ،فتنتج األثر الساخر ،أو الوظيفة المتغياة من السخرية.
انطالقا من هذا الفهم سنحاول أن نبحث في آليات اشتغال السخرية في خطاب غير أدبي هو الخطاب
الصحفي ،وبالضبط عمود 'شوف تشوف" للصحفي المغربي رشيد نيني ،انطالقا من إيماننا أن الخطابات
الجماهيرية هي التي يجب أن تولى اهتماما كبيرا نظرا لتأثيرها في عدد كبير من القراء ،وتأديتها دورا هاما
في توجيه صناعة الرأي العام والمواقف العامة حول القضايا السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية،
إلخ .وسنركز على األدوات اللغوية التي تشير إلى السخرية ،مستعينين بالسياق اللغوي بصفة خاصة والسياق
العام بصفة عامة لتأويل معنى الملفوظات الساخرة التي سنتوقف بها ،ساعين إلى تحديد وظيفة السخرية
لدى نيني.
وينقسم هذا العمل إلى قسمين؛ قسم نظري ننظر فيه إلى األعمال النظرية التي حاولت فهم السخرية
ووظائفها وطرائق اشتغالها .وقسم ثان عملي نبرز فيه اشتغال السخرية في عمود شوف تشوف في بعدها
اللغوي .قبل أن ننتهي إلى خالصات هذا المقال.
- 1بكار ،سعيد (' .)2019آليات اشتغال السخرية في الخطاب الصحفي :عمود شوف تشوف نموذجا' .ضمن أبحاث في الفكاهة والسخرية
(مجموعة مؤلفين) .الورشة التاسعة ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بأكادير.
- 2يرى تون فان ديك أن "بعض المعلومات قد تترك ضمنية في إنتاج الخطاب ،مؤدية من ثم إلى ما ندعوه عادة باالقتضاءات .بهذا المعنى الخطابات
شبيهة بالجبال الجليدية حيث جزء صغير فقط من المعاني (القضايا) يعبر عنه فعليا ،ومعظم المعلومات األخرى قد تكون مقتضا ٍة على نحو ضمني،
ومن ثم تظل ضمنية ،لكون المتلقين هم ببساطة من الثقافة نفسها وهم قادرون على إنتاج هذه المعلومات بأنفسهم أثناء بناء نماذجهم الخاصة للحدث"
()van Dijk, 2000: 24f
-1تداولية السخرية:
هناك أدبيات كثيرة كتبت حول السخرية ،ونسعى من خالل هذا السند النظري إلى تلخيص هذه
األدبيات تلخيصا موجزا ،متوقفين بالنظريات التي حاولت فهم السخرية وإدراكها ووظائفها ،ثم نقف بعد
ذلك بالجهود اللسانية التي بذلت في مقاربة السخرية ،معتمدين عليها في فهم آليات اشتغال السخرية في
عمود "شوف تشوف".
)1ذهبنا في نزهة ،وبدأت السماء تمطر ،فقلت' :يا له من يوم جميل للخروج في نزهة".
ُّ
فالتفت إليك وقلت: )2وجدنا بالصدفة زبونا يشتكي في متجر وقد ثارت ثائرته ،وبدأ يفعل أشياء غبية،
'يمكنك أن تقول إنه غاضب".
)3تقول لشخص يستعرض معارفة بغطرسة وبعدوانية' :أنت تعرف الكثير في الحقيقة'.
)4كنا نمشي في حي راق جدا ،وصادفنا سيارات فيراري وجاغوار ،فقلت' :يا لها من خردوات'.
)5شكرا لميكرونيسيا.
أدانت كل دول العالم إسرائيل لعمليات البناء في القدس ،بما أنها تخرق معاهدة أسلو ،وتعيق عملية السالم،
إال دولتان لم تفعال ذلك هما :الواليات المتحدة وميكرونيسيا.
علينا أن نكون ممتنين لفدرالية الجزر هاته المتواجدة في المحيط الهادئ ،والتي ال تتجاوز ساكنتها ساكنة
مدينة بني براك [مدينة إسرائيلية دينية صغيرة] التي لم تدفعها جماعة ضغط يهودية لتحول دون االستبعاد
الجماعي إلسرائيل من العائلة الدولية.
إن النظرية الكالسيكية للسخرية تع ُّد السخرية موصلة لنقيض ما تقوله .وقد تحديت هذه النظرة من
قبل التداوليين وعلماء النفس العرفانيين على السواء ( .)ibid., p: 1ويمكن إيجاز هذا التحدي في
النقط/النظريات اآلتية:
أوال -يفترض 'النموذج التداولي المعيار' ()Grice, 1975; Haverkate, 1990; Searl, 1979
أن السخرية شكل خاص من أشكال استعمال اللغة ،حيث يستخدم ما يقال (معنى الجملة) إليصال ما لم يقل
(معنى المتكلم) .ويرى غرايس أن استعمال اللغة يتطلب تعاونا بين المشاركين في استعمال اللغة .وهو ما
أشار إليه بمبادئ التواصل األربعة .والمتمثلة في:
وفقا لغرايس ،ينبغي للمتلكم ليوصل قصدا ساخرا أن يخرق مبدأ الصدق .وينبغي للمخاطب أن يتوصل
إلى المعنى المقصود انطالقا من استنتاج نقيض ما قيل (االستلزام التخاطبي) .ومن ثم ينظر إلى هذه الطريقة
في الحديث بكونها شكال من أشكال التأدب.
وترى غيورا أن المثالين ( )1و( )4يوفيان بشروط غرايس ،حيث يخرقان بوضوح مبدأ الصدق،
ويمكن النظر إليهما بوصفهما يتضمنان نقيض ما قيل .لكن نظرية غرايس ال تفسر مع ذلك الخطابين
الساخرين في ( )2و( ،)3اللذان هما شكالن من التصريح الملطف understatementاللذين ال يخرقان
مبدأ الصدق ،والمثال ( ) 5الذي يتحدث عن سياسة دولة إسرائيل وينتقدها دون أي تضمين لنقيض ما يقوله
هذا المثال (.)ibid., p: 3
ثانيا -أعاد أتاردو ( )Attardo, 1996, 1999توجيه النظرة العامة للسخرية غير المالئمة سياقيا،
باقتراحه أن السخرية تخترق مبدأ المالئمة السياقية والنصية ،بدال من اختراق مبدأ الصدق لدى غرايس.
فالمثال ( )1مثال لو قاله مزارع تعاني أرضه من الجفاف ،سيكون ساخرا رغم أن كالمه حقيقي ،وذلك نظرا
لعدم المالءمة السياقية ). (ibid
ثالثا -اقترح كالرك وغيريج ( )Clark, 1996; Clark and Gerrig, 1984أن الساخر يدعي أنه
يتحدث إلى مخاطب متخيل أو ضمني بينما هو يخاطب في الحقيقية مخاطبا فعليا ،ويفترض الساخر أن
المخاطب المتخيل عليه أن يأخذ الكلمات على ظاهرها ،بينما المخاطب الفعلي يفترض أن يكون قادرا على
إدراك االدعاء واإلشارة إلى المعنى الساخر الذي يقصده المتكلم.
ترى غيورا أن نظرية االدعاء يمكن أن تفسر كل األمثلة المذكورة أعاله ،مع ذلك قد يكون المثال
( )4استثناء لذلك .فالساخر وفق هذه النظرية شخص متفائل نوعا ما ،يرى العالم انطالقا من منظار وردي.
والمثال ( )4ال يخضع لهذا األمر .إذ هو فعل تواصلي مصطنع .stagedعندئذ ينخرط المتكلمون في ادعاء
مشترك (.)ibid
رابعا -ترى غيورا ( )Giora, 1995أن السخرية شكل من أشكال النفي غير المباشر .وأنها تخرق
مبدأ اإلخبار المتدرج ( graded informativenessبدال من مبدأ الصدق) ،حيث يقوم الساخر بنفي شيء
دون استخدام أداة نفي .وترى الباحثة أن رؤية السخرية على أنها نفي غير مباشر يفترض أن السخرية
تحتفظ بالرسالتين الصريحة والضمنية ،من ثم يمكن قياس الفرق بينهما .وترى أن هذه النظرية تفسر األمثلة
كلها بما في ذلك المثال ()ibid., p: 4( .)4
خامسا -يرى سبربر وويلسون ( )Sperber and Wilson, 1986أن السخرية تمثيل لتلميح
allusionصدوي لملفوظ شخص ما ،أو آلراء شخص ما ،أو لحكمة شعبية ،بطريقة متهكمة على نحو
ظاهر أو بطريقة توبيخية .بناء على هذا التفسير يقول المتكلمون ما يرفضونه في الواقع من أجل إبعاد
أنفسهم عما يذكرونه.
ترى غيورا أن نظرية المالءمة تفسر السخريات الموجودة أعاله باستثناء المثال ( .)4ففي غياب
سياق قبلي للسماح بصدى واضح ال تمثل العبارة المنفية حكمة شعبية أو فكرة خاصة لشخص ما .من ثم هي
ليست صدى ،بما أن مصدر الصدى ال يمكن تعقبه (.)ibid, p: 4-5
سادسا -اقترحت سيرسو ) (Curco, 1997بناء على نظرية سبربر وويلسون أن الساخر يفصل نفسه
عما يقوله ،ويصبح شخصا آخر .كما في المثال ( )6الذي يتضمن فصال عما هو مقتضى من االستعارة
(المعنى غير الحرفي :طيبة) ،بدال مما هو مقول صراحة (المعنى الحرفي :كائن غير بشري)ibid., p: ( .
)5
وتشير غيورا ( )1998إلى أن موضوع فهم السخرية يمكن التمييز فيه بين موقفين اثنين :موقف أول
تسميه نظرة الوصول المباشر ،direct access viewالذي يقول به غيبس وسبربر وويلسون ،الذين
يفترضون أن السياق يؤثر بشكل مهم في فهم السخرية .بناء على هذا األمر ليس على المخاطب إال أن يختار
السياق األمثل لفهم السخرية أو يصل إلى افتراضات سياقية تجعل افتراضا معينا مالئما بصورة مثلى .وبما
أن المعنى الحرفي غير مالئم سياقيا فليس هناك حاجة إلى معالجته .وتبعا لهذه النظرة اللغة الحرفية ال ينبغي
أن تستغرق وقتا طويال في فهمها خالفا للغة المجازية (.)Giora, 1998: 5-6
يعكس الموقف الثاني أنصار النموذج التداولي المعيار ،من قبيل :سيرل وغرايس وداسكال وبريدن.
( )Bredin, 1997; Dascal, 1987; Grice, 1975; Searl, 1979وفقا لهؤالء يعالج المخاطبون
المعنى الحرفي للجملة أوال ،بغض النظر عن األثر السياقي ،ويرون هل هو منسجم مع الموقف ،فإن كان
كذلك يتقبل بوصفه المعنى المقصود ،ويتوقف البحث ،وإن لم يكن كذلك يرفض ويستبدل بمعنى غير حرفي
منسجم مع الموقف .يتمتع المعنى الحرفي ،في هذا الموقف ،بمكانة متميزة؛ إنه دائما يفعل ودائما يكون
األول .وهكذا تتطلب اللغة المجازية التي تتضمن السخرية على عملية متوالية ،مما يأخذ وقتا أكبر في
معالجتها (.)Giora, 1998: 7
تقترح غيورا وآخرون ( )Giora, Fein and Schwartz, 1998رؤية عامة لفهم اللغة تفترض
أولوية المعاني البارزة بدال من المعاني الحرفية .والمعاني البارزة هي المعاني المشفرة في المعجم الذهني،
وقد تتأثر درجة بروزها باأللفة أو التواتر أو الطرازية .وترى غيورا أن المعاني البارزة ينبغي الوصول
إليها دوما وأوال بغض النظر عن المعلومات السياقية (.)Giora, 1998: 5-7
إن هذه الفهوم التداولية مهمة جدا في فهم السخرية وفي بيان طرق فهمها وغايات استعمالها .بيد أننا
نرى أنها تحتاج أن تطعم ببعد داللي لغوي وبارالغوي يشير إلى السخرية ،ويمكن القراء من إدراكها،
خصوصا في الخطاب الصحفي المكتوب ،الذي يغيب العديد من المشيرات التي يمكن أن تساعد على فهم
السخرية لو كانت تجري في مقام معين .ولتحقيق ذلك سنستعين بدراسات اللسانيين وما قدموه من أدوات
لسانية قادرة على كشف الملفوظات الساخرة في النصوص المكتوبة .وينبني هذا المنزع الذي نميل إلى إليه
على فهمنا للسخرية وتعريفنا لها ،أي بكونها ظاهرة تداولية تحفزها عناصر داللية.
/1أدوات جملية ،من قبيل :قلب المعنى ،والتقاطب ،واالستعارة ،واألسئلة البالغية ،والمبالغات،
واألفعال الكالمية غير المتوقعة.
/2أدوات معجمية ،من قبيل :العبارات المؤكدة ،الطباق ،واألوكسيمورون 3واالشتراك الداللي.
- 3األوكوسيمورون oxymoronعبارة عن صورة بالغية تمزج فيها كلمتان متناقضتان ،من قبيل :تفاؤل محزن.
وقد اعتمدنا في هذا التصنيف على دراسة ستانيل تينا بعنوان "المقاربات اللسانية للسخرية" ( Stanel
،)Tina, 2006بما أنها توجز إسهامات اللسانيين في فهم السخرية .وهي إسهامات لخصناها في األدوات
أعاله.
يتميز عمود "شوف تشوف" لرشيد نيني بهذه النزعة المرحة ،ومن ثم نصنف عموده في إطار األخبار
الناعمة ،التي تنساب من خالل عباراتها الساخرة إلى ذهن القارئ ،محاولة إقناعه بمضمونها .هذه النزعة
اإلقناعية تكملها نزعة أخرى دعائية للمجلة بغية استقطاب عدد كبير من القراء ،في هذا الصدد يرى توماس
ألبرت Thomas Albertأن العمود الصحفي يتميز بالذاتية ،والجرأة ،واألسلوب المشرق والجدير
بالمتابعة (ألبرت .)344 :1964 ،هذه السمة األخيرة ترتبط بتصنيف هذا الباحث للعمود الصحفي من حيث
األسلوب ،وبالضبط باألسلوب الساخر الذي يعتمده كتاب األعمدة الصحفية الستقطاب القراء ،وهذا أيضا
يعتمده نيني للبحث عن شرائح واسعة من القراء لعموده.
وقد اعتمدنا عمود شوف تشوف لرشيد نيني ،نظرا لكونه من األعمدة الساخرة في الصحافة المغربية
الحديثة ،حيث من اليسير إدراك النبرة الساخرة التي يكتب بها مقاالته ،واقتصرنا على ما ينشره الصحفي
نفسه ،في موقع جريدة األخبار على األنترنت ،من أعمدة منتقاة ،إذ ال ينشر فيها كل أعمدته.
ننتقل بعد هذا التأسيس النظري إلى البحث في آليات إنتاج السخرية في عمود شوف تشوف ،وسنتوقف
بكل آلية على حدة محددين إياها ومبرزين طرق اشتغالها وإنتاجها للمعنى الساخر ،مقتصرين على مثال
واحد فقط ،نظرا لحيز المقال.
ووفقا لبارب )1995( Barbeيمكن أن تستعمل االستعارة كأداة سخرية حينما يستعملها المرء بطريقة
مبالغ فيها ومتنافرة ،ومن ثم تبدو هزلية أو نقدية (Barbe, 1995: 85ff cited in Tina, 2006: 42-
.)43ونأخذ مثاال الستعمال االستعارة إلنتاج السخرية ،قول رشيد نيني ،في عمود "خطاب الديكتاتور":
"والحقيقة أن السؤال الثاني هو بالضبط ما يجب طرحه على حكومتنا شبه اإلسالمية شبه العلمانية،
تلك الحكومة التي تشبه «دربالة الهداوي» بجمعها في سلة واحدة بين دعاة اإلجهاض ومناهضيه ،وبين
دعاة إلغاء عقوبة اإلعدام والمتمسكين بها ،وبين دعاة التعدد في الزوجات ومعارضيه ،وبين دعاة الحرية
الفردية وممارسيها".4
إن هذا المقتطف الذي وردت فيه عبارة 'تلك الحكومة التي تشبه دربالة الهداوي' ،تشير إلى استعمال
استعارة هزلية مثيرة للضحك ،نظرا لما تثيره في الذهن من تشابهات بين الحكومة وبين اإلنسان المجذوب.
وهو ما يمكن أن نوضحه في الشكل اآلتي:
- 4انظر الرابط اآلتي https://bit.ly/2M4lrRB :تاريخ الدخول ،2014/08/23 :على الساعة.23:10 :
-2-2السؤال البالغي آلية من آليات إنتاج السخرية:
يعد السؤال البالغي إحدى التقنيات القادرة على تهديد وجه المخاطب ،وهو من اإلستراتيجيات المنتجة
للسخرية معية االستعارة وغيرهما ،كما أنه إستراتيجية حجاجية .ويتضمن السؤال البالغي جواب السؤال
أو إظهار استحالة تحقيقه أو تضمنه في االفتراضات الخلفية التي يمتلكها القارئ أو السامع لهذه السؤال
البالغي .ومن األمثلة الواردة في عمود شوف تشوف ،ما جاء في عمود بعنوان "من لحيتو لقم ليه":
"فبعدما قال يتيم إن نقابته هي النقابة الوحيدة المتبقية في المغرب ها هو يشيد بمشروع بنكيران الرامي
إلى رفع سن التقاعد إلى 65سنة ومضاعفة االقتطاعات ويشكره على ذلك .هل سمعتم نقابة عمالية واحدة
في العالم تشكر رئيس الحكومة على رفس حقوق العمال؟".5
إن هذا المقتطف يتضمن سؤاال بالغيا يشير إلى تنافر واضح بين وظيفة النقابة العمالية التي هدفها
الدفاع عن حقوق العمال ،ونقابة يتيم التي شكرت بنكيران على رفعه لسن التقاعد للموظفين ومضاعفة
االقتطاعات من أجورهم .وهذا ما يوحي بتناقض صارخ غير مبرر في نظر نيني ،الذي لم يجد إال السخرية
منه انطالقا من آلية السؤال البالغي .إن السؤال الذي يطرحه نيني هنا ال يتوقع إجابة عنه ،وإنما يهدف من
خالله إلى التشكيك في مصداقية نقابة يتيم وإقناع القارئ بأنها بعيدة كل البعد عن كونها نقابة بما أنها تتحالف
مع الحكومة ضد حقوق العمال ومصالحهم .وتغذو السخرية هنا عن طريق السؤال البالغي ذات وظيفة
اتهام بالخيانة والتبعية لرئاسة الحكومة ،وباألساس أداة لرسم التناقض ،بينما يقع ،وكان من المفترض أن
يقع.
"السياسيون عندنا منافقون بالفطرة ،متلونون كالحرباء ،ويمارسون الكذب كرياضة وطنية ،وأنكى
من ذلك أنهم يعتقدون أنفسهم أذكى الناس وأقدرهم على استغباء الرأي العام وتوظيف اإلعالم واستبدال
المعاطف وتغيير البندقية من كتف إلى كتف حسب تغير مواقع األهداف .قبل أسابيع ،وفي برنامج تلفزيوني
- 5انظر الرابط اآلتي https://bit.ly/2AXiywC :تاريخ الدخول ،2016/01/10 :على الساعة.22:24 :
تم تخصيصه للتعيينات في مناصب المسؤولية ،قالت البرلمانية أمينة ماء العينين ،عن حزب العدالة والتنمية،
إن إسناد منصب إداري بالرباط لزوجها الذي كان يشتغل مدرسا بتزنيت ،يدخل في خانة لم الشمل األسري
والعائلي ،واعتبرت أن األمر يتعلق بإلحاق وليس بتوظيف".6
نلمح في هذا المقتطف تهجما واضحا على سياسيي المغرب الذين يغيرون مواقفهم كل حين ،ويبررون
تصرفاتهم الالمسؤولة بأكاذيب باهتة .والتهكم هنا يهدف إلى إظهار تناقض السياسيين ،ومن ثم التشكيك في
أقوالهم وتصريحاتهم ووعودهم ،التي ال تمت للصدق بصلة ،ومن خالل ذلك يعمل نيني على خلق هوة بين
السياسي والمواطن؛ فالسياسي تاجر كالم وحربائي في مواقفه .إن التهكم إستراتيجية هجومية تهدد وجه
السياسيين وتنزع الشرعية منهم ،وتقدمه في صورة عدو للشعب ،وهذا المنحى في الخطاب يشبه النزعة
الشعبوية لدى السياسيين الذين يعدون أنفسهم إلى جانب الشعب ويدافعون عنه.
"ما ال يعرفه وزير «العزل» وما تبقى من الحريات ،المصطفى الرميد ،هو أن معاليه قد دخل
التاريخ من بابه الواسع ،وأنه سيصبح موضوع مناقشات ودراسات جامعية معمقة في القانون ،وربما في
علم النفس أيضا ،ليس بفضل مساهمته في محاولة إصالح منظومة الغذاء بوزارة العدل ،عفوا إصالح
منظومة العدل كما يعتقد ،بل بسبب تتبعه المحموم لكل ما يكتب حول شخصه على صفحات الفيسبوك،
وسعيه الحثيث إلى متابعة القاضي الهيني ،وحرصه على محاكمته وعزله قبل استكمال الهياكل التنظيمية
للمجلس األعلى للسلطة القضائية الذي جاء به دستور .7"2011
"مثل الوزير الميني شيوعي عبد السالم الصديقي ،الذي صرح في حوار صحفي بأنه كان يسرح
الغنم فأصبح اليوم يسرحنا نحن المغاربة ،أو مثل مهزلة رفيقته الوزيرة التي تعتقد نفسها حسناء ،شرفات
اليدري أفيالل ،التي ما إن تكلمت حتى اكتشف الجميع أنها فرشات وليس شرفات ،ورآها الجميع في كامل
"من الشعارات الرنانة التي يرفعها الوزير بوصندالة مصطفى الخلفي ،واحد يقول إنه يريد أن يمنع
إشهار القمار والخمور من الصحافة ،في قانونه الجديد".9
وفي عمود بعنوان "من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟" نقرأ النص اآلتي:
"ولم يعد يكتفي وزير البيصارة بلبس «تي شورت» شركة «لوطو» للقمار ،بل إن نائبه في المجلس
البلدي ،أي هو قانونيا ،أعطى موافقته لفتح محل للقمار والمراهنة على الخيل في حي سكني ،مما دفع السكان
إلى االحتجاج على تقريب عزيز رباح لمحل الرهان من أبنائهم".10
يؤدي التلقيب هنا دورا ساخرا ،إذ يسمي الوزراء بأسماء مثيرة للسخرية لسلوكاتهم (فالعزل
والخضوع لتوصيات كريستين لكارد) يمثل سلوكا منحرفا في نظر نيني يجب تقويمه؛ فبدال من أن يهتم
وزير العدل بإرساء منظومة العدل بالمغرب اكتفى بعزل القاضي الهيني .وقد ساعد الجناس غير التام نيني
في اإلمعان في نبرة ساخرة لعنوان عموده ،أما سلوك بنكيران فهو اندماج وطاعة عمياء لتوصيات صندوق
النقد الدولي الذي يبرز ضعف هذه الحكومة وغياب برنامج مستقل لها ،ومن ثم فالشعارات التي نادت بها
للوصول إلى كرسي المسؤولية والقرار كانت شعارات جوفاء ال غير.
أما اللقبان اآلخران ،الوزير بوصدندالة والوزير مول البيصارة ،فهما أيضا ساخران لكونهما ينتقدان
السلوك الشعبوي الذي مارسه الوزيران بظهورهما بمظهر شعبي من خالل لبس الصندالة أو أكل البيصارة،
هذا طبعا قبل أن ينعما بما هو أفضل ،فنسيا ذلك .ونيني يعمل على تذكيرهما بتلك الممارسات األولى ليظهر
شدة التناقض بين تلك الممارسات والممارسات الحالية لهما .أما الوزيرة شرفات ،فتصبح فرشات عن طريق
جناس القلب ،القريبة من المعنى الدارج "تفرشات" ،الذي يعني أن حقيقتها ظهرت للجميع ،خصوصا لما
صرحت أن البرلمانيين ال تيقاضون تقاعدا مريحا ،وهذا يبرز جشعها .ومن ثم ينزع الشعرية عنها.
"وقد كان رئيس البلدية السابق كريما مع الوزيرة عندما جدد لشركتها عقد «المصاحبة التقنية» مع
البلدية قبل ذهابه ،فهذه هي المصاحبة… التقنية وإال فال".12
فكلمة "المصاحبة" هنا لها معنيان اثنان؛ واحد قريب وهو المصاحبة التقنية أي المساعدة التقنية،
وآخر باللهجة المغربية ويعني ارتباط ذكر بأنثى في عالقة غرامية .وما يدل أن الكاتب قصد المعنى الثاني،
مؤشران طباعيان اعتمدهما :األول هو وضعه لكلمة المصاحبة التقنية بين مزدجتين ،والمزدوجتان آلية من
آليات إنتاج السخرية ،ويكونان كذلك إذا قصد منهما أن الكالم الموجود بينهما يجب عدم أخذه مأخذ الجد.
والمؤشر الطباعي الثاني هو وضعه ثالث نقط للحذف بين المصاحبة والتقنية ،وهي أيضا مؤشر على
السخرية ومولد لها .إن االشتراك الداللي يكون له أثر قوي لدى السامع؛ فهو من جهة يحدث أثرا مرحا لدى
قارئه ،ثم يسخر من الممارسات التدبيرية في الوزارات والمصالح التي تدبر أمور المواطنين .وهذا األمر
يحرك المواقف واآلراء في أذهان القراء حول طريقة تسيير األمور اإلدارية والصفقات التجارية .مما يطعن
في مصداقية رئيس البلدية ،وينزع الشرعية عنه.
"من يريد السلطة عليه أن يقبل بسلبياتها وإيجابياتها .وليس أن يصعد كل المنصات لكي ينسب لنفسه
كل شيء إيجابي بما في ذلك األمطار التي ظل بنكيران ينسب سقوطها ألقدام حزبه المباركة ،فبقي «يقوس»
عليها إلى أن أتت به حتى نهاية واليته وقالت له «صب نتا»".13
فالمقتطفان السابقان يشيران إلى نبرة ساخرة برزت من االنتقال من سجلين لغويين واحد رسمي
واآلخر غير رسمي .وهو ما يخلق تعارضا بين هذين السجلين ،ويولد السخرية من سلوكات بنكيران وبعض
المسؤولين السياسيين في البلد ،الذين ينسبون كل ما هو جيد لهم ويصمتون عن كل ما هو سيء .كما نلحظ
االستعمال الذكي لألمثال المغربية وبدرجة مترددة كثيرا.
خاتمة:
انطلقنا في هذا المقال من االدعاء بأن السخرية قضية تداولية باألساس ،ويمكن الوصول إليها عن
طريف بعض اآلليات الداللية .وهو ما انتهت إليه أيضا غيورا ( )1998حينما ذهبت إلى أن إدراك المعنى
الساخر يعتمد باألساس على المعاني البارزة التي تعتمد على المعجم الذهني لمعرفة المعنى المقصود .وبما
أننا اشتغلنا على السخرية اللفظية ،فإن االستعانة بالمعاني المعجمية أمر حتمي نظرا لغياب السياق .وقد
استعنا في هذا الصدد بإسهامات اللسانيين في دراسة السخرية بعد أن مهدنا بإطار نظري تناول قضية
السخرية إنتاجا وفهما وتفسيرا .وتوقفنا ببعض اآلليات الداللية التي تشير إلى السخرية في عمود شوف
تشوف لرشيد نيني.
الحظنا أثناء تحليلنا لتلك اآلليات أن نيني يستخدم السخرية من أجل نزع الشرعية عن الحكومة ،من
خالل توجيه االتهام بعدم الكفاءة لمكوناتها وزراء ورؤساء مصالح .وقد استعان نيني في فعل ذلك بالعديد
من اإلستراتيجيات البالغية وبالمخزون اللغوي الشعبي ،حتى إلننا نزعم إنه صحفي شعبوي ،بالمعنى الذي
يصنف نفسه ضمن الشعب مدافعا عنه ضد نخبة فاسدة ال كفاءة لها.
وتحقق السخرية ،في عمود شوق تشوف بعدين أساسيين هما التسلية والدعاية؛ فهي تسلي القارئ من
خالل نبرتها المرحة ،وفي اآلن نفسه تعكس رؤية نيني الشخصية تجاه الحكومة ،وكيف أنه ينصب نفسه
مدافعا عن الشعب ومصالحه تجاه هذه النخبة الفاسدة .وهذا ما يضع ،كما أسلفنا ،عموده ضمن أعمدة األخبار
الناعمة الهادفة إلى استقطاب القراء عبر األسلوب المرح والساخر.